Professional Documents
Culture Documents
سودارس - أزمة الغرب ميشيل هنري .. ترجمة - د. جلال بدلة
سودارس - أزمة الغرب ميشيل هنري .. ترجمة - د. جلال بدلة
جالل بدلة
موضوع بحث في األرشيف قائمة الصحف بالفيديو الصحية الدينية الثقافية االجتماعية الرياضية الدولية االقتصادية السياسية الرئيسية
مرحبا! يبدو أنك وصلت إلى هنا عن طريق .Googleهل تعلمـ(ين) أن سودارس ليس جريدة إلكترونية ،بل هو محرك بحث عن
األخبار؟ تفاصيل أكثر عن سودارس موجودة هنا
.
أزمة الغرب ميشيل هنري ..ترجمة :د .جالل بدلة
نشر في حريات يوم 2014 - 02 - 07 المسئول القسم
إن أزمة الغرب في رأيي مزدوجة :فهي من جهة ترتبط بالثقافة ،ومن جهة أخرى باالقتصاد .سأتحدث
باستفاضة عن أزمة الثقافة؛ للمفارقة ،يبدو أن أزمة االقتصاد جزء منها .إن ظاهرة أزمة الثقافة هي من
الوضوح لدرجة أن العديد من المحاوالت تناولتها .لن أعرضها هنا كلها لكي ال أشتت انتباهكم ،لكنني سأبقي على أطروحة واحدة فقط قدمها هوسرل مؤسس
الفينومينولوجيا ،التيار الفكري الذي أنتمي إليه.
إن الشرح الذي يقدمه هوسرل ألزمة الثقافة في مؤلفه ]Krisis[1مهم جًدا ،ألنه ينطوي على مفارقة .ففي حين يقدم شبينغلر[ ،]2على سبيل المثال ،الثقافات ككيانات
مشابهة للمتعضيات الحَّية ،مكَّر سة النطالقة ،ومن ثم لذروة ،وأخيًر ا لسقوٍط تتفكك في أثنائه األنشطة االجتماعية والفردية كافة ،فإن طرح هوسرل يقوم على أن األزمة التي
نعيشها وسنعيشها ال تعود إلى انحطاط وظائف معينة في المجتمع أو الروح االنسانية ،وإنما إلى تطورها .إن أزمة الثقافة ال تصدر عن تفكك أو ضعف المعرفة ،وإنما على
العكس ،من تطورها المفرط .إن االتساع المدِّو خ للمعرفة في األزمنة الحديثة الذي ال سابق له في تاريخ االنسانية سُيغرق هذه الحداثة في أزمة ال تدرك بعد سببها الحقيقي
وال حتى مآلها
.
إن خصيصة المعرفة الحديثة هي أنها لم تعد تتكون من معرفة واحدة ،وإنما من تعددية من المعارف المتمايزة .في خضم تطورها ،تبلغ المعرفة – أي الذكاء اإلنساني الذي
يجهد لمعرفة كل ما يمكنه معرفته – مجموعة من المعارف المتخصصة أكثر فأكثر ،مرغمًة إذ ذلك على ابتكار مصطلحات ومناهج جديدة ،وأخيًر ا ،آفاق جديدة .هكذا ،تزداد
أبلغ عن إشهار غير الئق
النظم المفاهيمية وأنساق مصطلحاتها المقابلة تعقيًدا ،إلى الحد الذي يجعلها غير مألوفة إال بالنسبة إلى المختصين فيها .ال يتوقف األمر عند هذا الحد ،بل إن االختصاصيين
المهرة ما عادوا قادرين على التواصل مع بعضهم بعًض ا…
كان هناك حتى القرن السابع عشر معرفة مشتركة لإلنسانية تعمل عمل الركيزة األساس .كان المجتمع يأتلف حول عدد محدد من األفكار والمعتقدات المشتركة بين جميع
أعضائه .لكن اآلن ،انزاح أساس هذه "الوحدة األخالقية لإلنسانية" ،وفق تعبير هوسرل ،أمام انطالقة المعارف .هذا ال sapientia universalisالذي حلم به ديكارت،
أي ،العلم الكلي القادر على تجميع األفراد وتشكيل كينونتهم المشتركة ،ما عاد موجوًدا .وبتفرقهم على مستوى المعرفة ،تفرق األفراد على المستويات كافة .وانطالًقا من
ذلك ،إن أزمة المعرفة هذه هي ،كما يقول هوسرل ،أزمة الوجود على اعتبار أن الجذر المشترك ،أي ،وحدة المعارف والسلوكات ،ال يمكنها أن تكون الضامن لتناسق
المجموعات االجتماعية .إن هذا التحليل ل هوسرل الفت ويمكن ألي باحث أي يختبره عندما يشارك في مؤتمر يتحدث فيه كل مشارك لغته الخاصة .أجازف على الرغم من
ذلك بتركه جانًبا ألنه يقبل افتراًض ا أراه موضع شك ،وهو افتراض أن المعرفة هي ،حصرًيا ،المعرفة العلمية.
لالعتراض على هذا التماهي بين المعرفة والعلم ،ولتأكيد وجود معرفة أساس تختلف تماًم ا عن معرفة العلوم ،سأحاول أن أنسب للمعرفة العلمية أصاًل محدًدا .هذا األصل
يتموضع في بعض جمل قالها غاليليه عام .1602أتَّم غاليله ما أدعوه – بوصفي فينومينولوجًيا – الفعل المؤسس األصلي للمعرفة الحديثة ،وفي الوقت نفسه ،العالم الحديث
– العالم الذي ننتمي إليه ونسلم به بسذاجة ،العالم الذي نحن أطفاله وقاطنيه من دون تحفظ .إن الروح الناقدة ال يمكن أن تصدر إال انطالًقا من تأمٍل في هذا الفعل المؤسس
واألصلي الذي قرر مصيرنا بداية القرن السابع عشر.
ُوِلد هذا الفعل من قرار فكري .قَّدر غاليليه أنه يجب معرفة الكون الذي نعيش فيه؛ فمن هذه المعرفة تتأتى األخالق ،éthiqueأي ،ما يجب أن نكون وما يجب أن نفعل .لكن
شرط معرفة الكون هذا هو رفض األشكال المعرفية األخرى كافة ،ال سيما تلك الصادرة عن الكيفيات المحسوسة .فاألمر يتعلق منذ اآلن بإحالل المعرفة الصحيحة (الهندسة)
مكان المعرفة الحسية .الهندسة هي معرفة أشكال األجسام الممتدة (المتموضعة في المكان) .فينومينولوجًيا ،يوجد بين هذين النوعين من المعرفة ،من زاوية علميتهما
وعقالنيتهما ،تعارض تام .فالمعرفة الحسية تختلف من فرد إلى آخر ،إلى درجة ال يمكنها إحداث إال قضايا فردية واتفاقية ،ذاتية وعرضية .فالقضية "السماء زرقاء" قضية
فردية؛ غًدا ،سيكون هنالك غيوم والسماء رمادية ،أو من لون مختلف كلًيا بالنسبة إلى شخص مصاب بالعمى اللوني .ومع ذلك ،أقامت اإلنسانية معرفة انطالًقا من قضايا من
هذا النوع .تؤسس المعرفة الهندسية من جهتها لقضايا عقالنية وصحيحة ،من نوع" :في دائرة تكون األقطار كلها متساوية" .األقطار متساوية اليوم وغًدا وفي كل يوم.
الهندسة بالتالي هي النموذج الحصري لمعرفة العالم المادي المؤلف من أجسام ممتدة في المكان
.
ستنتشر أفكار غاليله في أرجاء أوربا كافة ،وسيتناولها ديكارت ليعلن عن أسس الهندسة التحليلية .وستؤسس هذه الصيغة الرياضية للمعارف الهندسية العلم الحديث الذي
لن يكون شيًئا آخر سوى المقاربة الهندسية الرياضية للجزيئيات الفيزيائية المجهرية .ومن اآلن فصاعًدا ،ستحدث األزمات كافة من داخل هذا األفق غير القابل للتعديل.
تتموضع أزمة الثقافة – المؤَّو لة كأزمة للمعرفة العلمية – داخل األفق ذاته .وأجازف بالقول إن أفق المعرفة هذا يندرج في المقاربة الفيزيائية الرياضية للشيء المادي
الممتد – res extensaكما يقول ديكارت .غير أن هذه المقدمات تطرح مشكلة من وجهة نظٍر فلسفية وعلمية .فعلى الرغم من نجاحها المبهر وتطورها البديع ،يتحدث
هوسرل عن أزمة العلوم األوروبية .إن سبب هذه األزمة يعود إلى حقيقة أن المعرفة تتطور داخل افتراضين اثنين لم يضعهما موضع تساؤل ال غاليليه وال العلم الحديث
.
فالتعريف الذي يعطيه غاليليه للمعرفة الصحيحة يرتكز على قابلية قراءة الكون المؤلف ،على شاكلة كتاب ،من أشكال هندسية (مربعات ومثلثات ودوائر ،الخ) .ولفهم هذا
الكون ،يجب اتقان هذه اللغة المصنوعة من أشكال ،أي ،يجب اتقان الهندسة .يرتبط هذا االفتراض األول بمعرفة الطبيعة الواقعية ،حيث ال وجود ال لمربعات وال لدوائر وال
األشكال ال ثال ة تطل "إق اض ت ان نتال أ ii لف كذا ال ظ ال ا ثال ف الك ال ش شكل ثال ة الشكل ال ن ألشكال ن
https://www.sudaress.com/hurriyat/142314 1/4
3/19/22, 7:36 PM سودارس :أزمة الغرب ميشيل هنري ..ترجمة :د .جالل بدلة
ترانسدنتالي من
المثالية يتطلب "إقراض موضوع األشكال
األرشيف الصحفأن وجود
بحث في قائمةkrisis
هوسرل في
يالحظبالفيديو الدينيةهكذا،
الصحية الثقافيةالمادي.
االجتماعيةفي الكون
الرياضية شي مثالي
الدوليةمثالي ،وال
الهندسي شكل الشكل
االقتصادية ألشكال هندسية.
السياسية الرئيسية
الوعي" ،أي ،فعل من الروح يخلق شيًئا لم يكن موجوًدا من قبل[ .]3ال وجود ألي من األشكال الهندسية التي يمكن أن تساعدنا على قراءة الواقع في الطبيعة .فمثلثات
ومربعات العلم الحديث ليست ممكنة إال انطالًقا من وعي ترانسدنتالي يقوم هو بخلقها .ما هو مدهش مع ذلك هو أن هذه األشكال المثالية المبتكرة من الروح ُتجعل متطابقة
مع األشياء الواقعية والبنى المادية ،حتى وإن لم تكن محسوسة.
االفتراض الثاني يتعلق ببنية إمكان رؤية هذه األشكال المثالية .فالروح ال يمكنها التعرف على المثلث إال ألنها ترى خواصه المثالية .نعلم أنه يمكننا رؤية الُم ثل عند أفالطون،
ليس رؤية ألوان األوراق أو سماع األصوات فحسب ،بل إن الروح ترى األشكال والماهيات .هذا االفتراض الثاني حاسم ألن العمل اليومي للعلم يرتكز عليه .تقوم قاعدته
على فعل الرؤية – التي تشير في هذا السياق إلى مجمل الحواس .السمع هو الدخول عبر وسيط مسافة معينة إلى شيء ما ينعطي إلينا .في هذه المسافة يوجد السمع
والشيء المسموع ،الرؤية والشيء المرئي ،اللمس والشيء الملموس .هنا ،يصبح ما ندخل إليه ،بفضل أفق قابلية الرؤية هذا ،والذي هو العالم ،ظاهرة بالنسبة إلينا .العلم
يعمل داخل هذا األفق الفينومينولوجي فحسب .فهو يتفكر عالًم ا خارجًيا ،والخارجانية هنا محضة ،ألن المادة هي ،res extensaوال تعرف األشكال المثالية إال بطرحها أمام
حقل رؤيتها
.
هكذاُ ،تحال أزمة الثقافة عند هوسرل إلى أزمة هذه المعرفة العلمية .فالعلم يعرف فعلًيا األشكال المثالية الهندسية والرياضية التي تسمح لنا بدورها بمعرفة الكون المادي
بطريقة مالئمة .لكن هذه األشكال المثالية تؤخذ بالحسبان بشكل ثانوي :فالرياضي يعلم تمام العلم أنه ال يعمل على دوائر واقعية ،لكن هذا ليس مهًم ا بالنسبة إليه .لهذا النظام
مع ذلك عيب سيلحظه مفكر عبقري في القرن السابع عشر ،وهو نفسه الذي أعطى للفيزياء الغاليليه صوغها الرياضي :ديكارت
.
يبقى كوجيتو ديكارت ،المنتقد من العلوم كافة ،مفهوًم ا بشكل سيء حتى اليوم .ففي تأمالته في الفلسفة األولى[ ،]4ومن خالل عرضه لمثاله الشهير عن قطعة الشمع،
سينجز ديكارت في الحقيقة تحلياًل فينومينولوجًيا متبداًل ،par variationوسيستخدم فيه كلمات مطابقة لكلمات غاليليه ،وسيكتشف جسًم ا مشابًها للجسم المعَّر ف من هذا
األخير ،جسًم ا ممتًدا res extensaيمكن معرفته عبر الهندسة وعبر ذهن خالص – وليس عبر أعين الجسد .ستعطي هذه المبادرة الديكارتية دفًعا هائال للثورة الغاليليه
بتزويده بالرياضيات كوسيلة تعبيرية .من هنا أتى االفتتان بالرياضيات من الفروع المعرفية كافة .فهم ديكارت في الحقيقة أن المستقبل يكمن في فيزياء غاليليه ،ورأى
بحدس عبقري ما تقصيه هذه المعرفة الغاليلية .فمن أجل معرفة الكون الفيزيائي الرياضي ،قام غاليليه بإبعاد الكيفيات المحسوسة كافة ،أي إنه لدراسة جسم ممتد من خالل
خواصه الهندسية ،ال يجب أبًدا اختزال هذا الجسم إلى كيفياته المحسوسة المتبدلة .هكذا يعتبر غاليليه أن جهازنا الفيزيولوجي الخاص ُيوجب رؤيتنا لأللوان ،ولو لم نكن
حيوانات من نوع خاص ،لربما ما كان هنالك ألواًنا على االطالق.
أبلغ عن إشهار غير الئق
هنا سينجز ديكارت اختزااًل -مضاًدا مدهًشا .سيعود ويتناول الكيفيات المحسوسة التي أقصاها غاليليه ليؤكد أنها األشياء الوحيدة األكيدة واألساس على االطالق .األلوان
والبرودة والحرارة ،الخ ،هي موِّج هات النفس .modalités de l'âmeفي هذه اللحظة ،يعِّر ف ديكارت اإلنسان عبر جهاز يسميه الفكر (الكوجيتاتيو .) cogitatio،مما
يعني بالنسبة إليه :كائن يحس ،وهذا الحس هو حس ذاتي .الكوجيتاتيو هو موجه ذاتي ،مثله مثل المعاناة والجوع والبرد والحر ،يختبر ذاته بشكل فوري ومن دون اللجوء
إلى العالم وبطريقة ال كونية .حتى وإن لم يكن العالم موجوًدا ،لما اختفى الكوجيتاتيو .بكلمات أخرى ،يمكن للمعاناة أن توجد خارج العالم طالما أنها توجد باختبارها لذاتها من
دون وسيط
.
يدعو ديكارت كوجيتاتيو ما يختبر ذاته من دون وسيط ومسافة .أنا أفضل مصطلح "الحياة" عليه ،مأخوًذ ا بمعنى ترانسدنتالي ،أي ،االختبار الذاتي ،épreuve de soi
وهو خصيصة المعاناة والحر والبرد والجوع والخوف والقلق ،لكن أيًض ا ،الرؤية .الرؤية ترى كل ما تراه خارج ذاتها ،لكنها ،هي ،غير مرئية .أي ،ما يسمح لنا بالرؤية
ليس أبًدا ما َيرى ،وإنما هو اختبار ذاتي ضمن مجرد انفعال .pathosهو رؤية حية .السمع يسمع الذي يسمعه ،لكنه ،هو ،غير مسموع .كل ما نجعله أصاًل للعالم ،محسوًس ا
كان أم معقواًل ،هي أشياء منعطية لذاتها .ومع ذلك ،الذهن ليس منعطًيا ،وإن أحًدا لم ير الفن ،لم ير الحياة ولن يراها على األطالق! كل ذلك ُيختبر ضمن كثافة انفعالية ،داخل
طبقة داخلية هي االنفعال
.
شكك ديكارت في الحقائق المحسوسة كما في الحقائق المعقولة .حتى الرؤية ذاتها يمكن أن تكون خادعة ،على شاكلة الصورة المشوهة التي يعكسها الماء .تقوم أطروحة
اإلله الخادع على هذه الفكرة :كل ما أراه بوضوح وبشكل ضروري يمكن أن يكون خاطًئا .فكرة الحلم في هذا السياق تلخص تجربة أن كل ما أدركه ،بما في ذلك الحقائق
العقالنية ،يمكن أن يكون ذا طابع توهمي .لنتخيل مع ذلك أنني أختبر القلق في الحلم .حتى وإن كان كل شيء في الحلم خاطًئا ،القلق ليس كذلك .فهو موجود كما أختبره
كيفًيا ،ال أكثر وال أقل .وبالنتيجة يكمن األساس غير القابل لإلزاحة الذي كان يبحث عنه ديكارت في االنفعالية .affectiviteأسميها الحياة ،ألن كل ما هو حي يندرج داخل
هذا النسق .حتى الرؤية ،كونها رؤية حية ،هي دائما انفعال .على سبيل المثال ،أتلقى بسرور كافة الحجج التي تكون لمصلحتي ،لكنني أستاء عندما يعاكسني أمر ما .بالنسبة
ل ياسبرز ،يوجد انفعال خاص باليقين الرياضي ،وهو نوع من اإلرغام المنطقي .عندما يساوي مجموع اثنان واثنان أربعة ،فيقيني مضمون أبًدا .لكن تختلف الحالة في
العالقات الغرامية مثاًل ! هذا سبينوزا الذي يؤكد أننا ال يمكننا فعل شيء أمام دائرة ،ومالبرانش يؤكد أنه من المستحيل أال تكون جميع أقطار الدائرة متساوية .لكن االنفعالية
تشكل جزًء ا أيًض ا من األشياء غير القابلة لالختزال :القلق والخوف والفرح والحزن .كل هذه الممهدات تقودنا إلى أزمة الثقافة ،هذا إن لم نكن قد عالجنا المسألة مسبًقا
وبشكل غير مباشر.
لنفترض أنه ومنذ بدايات اإلنسانية ،كل ثقافة تحددت عبر الحياة ،إنها مجمل النتاجات المنجزة عبر الحياة – وليس عبر العقل – ومجمل األجوبة التي اقترحتها الحياة على
أسئلتها الوجدانية الخاصة وعلى قلقها .لنفترض أن الثقافة هي أيًض ا مجمل األجوبة التي قدمتها الحياة إلى حساسيتها ،وأنه ال يوجد أعمال فنية قابلة لإلدراك بمنأى عن
حساسية ،بحيث تكون هذه الحساسية بالنسبة للفن حًّس ا مضاًفا .لنفترض أيضا أنه ال وجود ألخالق éthiqueمعقولة إال لكونها إلزامات مقترحة عبر الحياة ذاتها .لنفترض
أخيًر ا أنه ال وجود لدين إال لكونه ترجمة لتجربة أساس للحي .ستكون النظرية حينها أنه ال وجود لحياة من دون حي ،وال لحي من دون حياة ،وال وجود لحياة بالنسبة للحي
إن لم تكن معيشة منه .كما أن الحياة ليست تمُّثاًل خارجًيا ،والحي لم يأتي بذاته إليها .من خالل طريقتها في الحياة – وال أقول في التفكير – هذه السلبية األساس هي سمة
فينومينولوجية ملموسة لهذه الحياة الملموسة
.
ما هي نتائج الفعل المؤسس البدئي ل غاليليه الذي أسس العلم الحديث كمعرفة هندسية رياضية للكون المادي عبر إقصاء الحياة الفينومينولوجية؟ من وجهة نظر غاليليه،
من الممكن طبًعا تصور العالم كشكل مثالي من التطور النشط للمعرفة العلمية .لكن هذا العالم مقدٌر له أن يصبح الثقافًيا أكثر فأكثر .أعتقد أن هذه هي الحالة التي نعيش.
فإخراج الحياة من دائرة االهتمام ،أي ،إخراج الذاتية ،يسبب أيًض ا إخراًج ا للثقافة كلها .إنها فرضية جذرية ال يستسيغها أولئك الذين ال يحبون األسئلة :هل يوجد ثقافة
علمية؟
نملك ثقافة
موضوع بحثاًل ف ،لم تكن
األرشيف البطالة الهائلة موجودة كنا سهولة وجما الحياة ةأكثر
الصحف كانتو قائ
الصحعاةًم ا ،الف د
أو ةثالثون عشرون
الد ن الراهنة منذ
الثقاف ة عالمنا
االجت اع العيانيةال من
اض ة األمثلة
الدول ة حجتي بعض
االقتصاد ة لتعزيز ة
سأختار ال ا
ة ال ئ
https://www.sudaress.com/hurriyat/142314 2/4
3/19/22, 7:36 PM سودارس :أزمة الغرب ميشيل هنري ..ترجمة :د .جالل بدلة
نملك ثقافة األرشيف البطالة الهائلة موجودة .كنا
موضوع في لم تكن
وجمااًل،
سهولة بحث قائمةأكثر
الصحف بالفيديوالحياة
عاًما ،كانت الدينيةثالثون
الصحية عشرون أو الراهن .منذ
الثقافية عالمنا
االجتماعية العيانية من
الرياضية األمثلة
الدولية حجتي بعض
االقتصادية سأختار لتعزيز
السياسية الرئيسية
غنية ومنوعة .ذهبت إلى اليونان لزيارة قلعة .Eleuthèreكنت شغوًفا بالثقافة ،كما الكثيرين من أبناء جيلنا .المشهد كان مذهاًل :واٍد رائع شديد الجفاف ،مسور بحائط من
األحجار الكبيرة البيضاء المحدبة ،الواحدة منها كبيرة كبر نصف هذه القاعة .كل هذا المنظر كان يسبح في نور الصيف اليوناني .لكنني عندما نظرت إلى السماء ،رأيت كباًل
كهربائًيا عالي التوتر يمر من فوق السور… هذا المثال يصور بشكل جيد ما قلته للتو عن الحساسية .لكنه يحمل أيًض ا داللة مخيفة ،ألنه يتكرر آالف المرات عبر العالم .إن
إنشاء كبل كهربائي عالي التوتر ينتمي إلى العالم الحديث ،أي ،إلى مجموعة من اإلجراءات المستنبطة من التصور الغاليلي ،وباألخص ،من النظريات الفيزيائية التي تحدد
اختيار المعدات الخاصة بإنشاء برج األسالك والتمديدات ،الخ .ولما كان هذا العلم قام على إقصاء الحساسية ،فال يمكن ألي "دليل تنفيذي" أخذها في الحسبان .ال أحد بالتالي
يتساءل عن األثر الناتج عن هذا الكبل الكهربائي على الفرد الذي يشاهده .حتى تعليمنا ينصاع إلى هذه المفترضات الجذرية .نتعلم أن العلم وحده الصحيح ،وما تبقى ليس
سوى اختالق أسطوري .ال مكان في هذا العلم للحساسية ،فال نتساءل أبًدا عن نتائج النقل الكهربائي على الحساسية :هذه المشكلة ،ال سبب لوجودها .إَّن نهب العالم عبر
التقنية الحديثة – البنت البكر للعلم الحديث – مؤَّس س له نظرًيا .وال يمكن االعتراض عليه ،ألن نظام فكرنا ومبادئنا التربوية تشكل ضامًنا له
.
مثال آخر هو ترميم األعمال الفنية .زرنا في اليونان دير دافني ،Daphniكان هنالك عمال على الساللم يقومون بدحرجة موزاييك الجدران وقبة الدير .الموزاييك ،كما نعلم،
مصنوع من مكعبات صغيرة زجاجية أو حجرية ملونة نسميها "الفسيفساء" .لصناعتها ،نقوم أواًل بتجسيم أولي جداري هو عبارة عن مخطط مبدئي ،ومن ثم نضع هذه
المكعبات الصغيرة .األثر الناتج بديع ،فالضوء المنعكس في وسطها الشفاف يتداخل مع األلوان ،ويظهر لون الموزاييك ،المتبدل والفاتن ،كما لو كان ُم ضاًء من الداخل .كانت
لوحات الموزاييك تغطي كامل الدير (الرواق والجوانب والقبة) .لكن في ذلك اليوم ،أوقع العمال كميات كبيرة من الفسيفساء… ُعدت إلى المكان بعد بضعة أعوام وأعلم ما
سأجده ،لم يكن يوجد مكان هذه اللوحات الرائعة إال اإلسمنت.
ما الدرس الذي يمكن استنتاجه من هذه الوقائع؟ إذا كان الفن يشكل عماًل أساس للمجتمعات ،فال حق لنا بتحطيم أعمالهُ .تصنع الموزاييك من مواد قِّيمة وغالية الثمن وال
يصيبها أي تغيير مع مرور الزمن .إن تدني قيمة المواد الفنية منذ ذلك الحين ذو داللة :انتقلنا من الموزاييك إلى الجداريات ،ومن الجداريات إلى الرسم على الخشب ،ومن
الرسم على الخشب إلى الرسم الصناعي .هكذا ،في تاريخ الغرب ،بمقدار ما تغتني اإلنسانية تصبح المواد المستخدمة إلنجاز األعمال الفنية ذات نوعية أقل جودة وعرضة
للتلف بسرعة أكثر فأكثر .ال نعلم كم من الوقت ستبقى لوحات فان غوغ على حالتها .طالما أن هذه األعمال تتفسخ ،كيف نقوم بترميمها ،أو ،باألحرى ،كيف ال نقوم بذلك؟
فيما مضى ،تَّم ترميم موزاييك الدير بشكل صحيح .اإلصالحات المتتالية أعادت تشكيل الطبقة المادية لتسمح للوحة بالبقاء سليمة .تدخلت الحساسية الجمالية عندما كان
معيار التدخل ترميم لون معين أو إعادة قطعة كانت قد وقعت إلى مكانها .لكن ،لم يعد للعلم شأن بهذه الحساسية اليوم .توقف عن تقديم مقاربة جمالية (أي :حسية) للعمل
الفني .عمله ينحصر اليوم بتأريخ عمليات الترميم بالكربون 14وعمليات أخرى بإمكانها هي – كما نعلم – أن تعطي الجواب الفصل عن الحقائق الميتافيزيقية الكبرى! هكذا
أبلغ عن إشهار غير الئق
ُيختزل موقف العلم أمام العمل الفني إلى تأريخ عمليات الترميم ،ويقيم نظرية للترميم الشيء الوحيد المهم وفقها هو معرفة المادة األصلية التي استخدمتها يُّد الفنان،
لينحصر دوره بتحديد ما هو غريب عن هذه المادة األصلية .هكذا ،سيحاول أناس في أوروبا االستيالء علمًيا على األعمال الموجودة ،ويقومون بحذف كافة الترميمات
المتعاقبة ،إلى أن ال يبقى في النهاية شيء من العمل الماضي .يوجد في روما َم ْص لى ،رسمه غيوتو ،لم يبق منه اليوم إال عين! كان يوجد في األديرة اليوغسالفية أجمل
األعمال الفنية في العالم ،لوحات مسيحية مؤثرة جًدا .غَّطى االسمنت هذا الفن الصوفي اليوم .انتهت الثقافة ،كما وانتهت األخالق أيًض ا
.
نستطيع اآلن أن نطرح السؤالين التاليين :ما األخالق éthique؟ وما الكائن اإلنساني؟ إنها أسئلة أساس .أن نتصور الحياة كحياة أفراد أحياء ،أو ،على العكس ،أن نعتبرها
كمنظومة خامدة ،النتائج ليست نفسها من وجهة نظر أخالقية .إن أغلب الباحثين الدارسين في علوم المادة أو في ما نسميه العلوم اإلنسانية يريدون تطبيق مناهج ومعايير
وفرضيات المعرفة الغاليلية .غير أنني أعتبر أن أي أساس لألخالق غير ممكن في هذا الحقل من المعرفة الفيزيائية الرياضية للكون المادي .ال شك أن دراسة هذا الحقل
مشروعة تماًم ا شريطة أن تنحصر ضمن هذا الحقل .لكن يرجح أن الجزيئات الفيزيائية المجهرية ال يسكنها أية رغبة ،وال أية إرادة مهنٍة ،وال اعتراف اجتماعي ،وال عطش
للسلطة ،إلخ .إن غاليليه وديكارت كانا بالتالي على حق عندما نبها إلى أنه ،في المادة ،ال وجود ألي شيء شبيه بالحساسية
.
في الحقل الغاليلي ،ال يوجد فعلًيا أي حامل ممكن لألخالق .لنعود إلى تحطيم موزاييك دافني واستخدام الكاربون 14لتأريخ األعمال الفنية .متى حدث وقال العلم إنه ال يجب
اإلبقاء في عمل فني إال على ما هو نتاج من يد الصانع األصلية؟ عند مراجعتنا لجميع المعاهدات العلمية ،ال وجود لمثل هذا التأكيد .نشهد اليوم خدعة تقِّو ل العلم ما لم يقله
على اإلطالق .فنخلط بين العلم والنزعة العلمية scientismeالتي يمكن اعتبارها كارثة حقيقية ألنها تؤكد أن أية معرفة يجب أن تكون من نمط غاليلي .لكن العلم لم يقل أنه
يجب حذف كل ما هو ليس من يد الفنان األصلي في العمل الفني ،وإال وجب إلغاء كل شيء تقريًبا! القسم األكبر من المعابد اليابانية من خشب ،وكأنها تمت إعادة انشاؤها
من جديد .لكن هذا الترميم سمح وسيسمح لغيري بزيارتها والتعرف عليها.
ال يوجد أخالق éthiqueاليوم ألنه ال مكان لها في العالم الغاليلي .األديان واألشكال الفنية الرائعة واألخالق كلها ُو جدت حتى قبل نشوء المعرفة الفيزيائية الرياضية .لنأخذ
مثال األخالق الجذرية ل موسى ،ووصيته "ال تقتل" .تكتسي وصايا األخالق غالًبا شكاًل سلبًيا ،وذلك على عكس الكالم المسند إلى هللا .من يتحدث في وصية موسى؟ وحدها
الحياة هي القادرة على إمالء هذه الوصية .ال يمكن للمنظومات الخامدة التي ال ترى شيًئا ،وال تعرف شيًئا ،وال تشعر بشيء ،أن تستطيع التعبير عن شيء كهذا .وكذلك األمر
بالنسبة للوصايا األخرى ،وحدها الحياة ،بالمعنى الترنسدنتالي ،هي التي يمكنها إعالنها
.
نصل اآلن إلى السؤال الثاني :ما الكائن الحي؟ يرجع هذا السؤال لتساؤل فلسفي كالسيكي ُيحيل إلى نموذجين أساسيين من األجوبة .األول ينطلق من العالم ،ويشكل ركيزة
لما ندعوه بمصطلحات سكوالئية "مبدأ الفردنة" .ما الذي يفردن الشيء؟ إنها مقوالت العالم ،وفق هذا التراث الفكري ،أي ،المكان والزمان والسببية .ما الذي يجعل من هذا
القلم كياًنا منفرًدا ،في حين أنه يوجد كمية غير محدودة منه على سطح األرض؟ من ناحية ،هو هنا ،هنا واآلن ،ويمكن أن يختفي .ويطابق ،من ناحية أخرى ،النموذج
األصلي للقلم ،أي ،شيء يسمح بالكتابة في شروط معينة
.
نحن األفراد أيًض ا نعتقد أن فرديتنا تطابق هذه الشروط ،ألننا ولدنا في مكان معين ولحظة معينة ،من هذا األب وهذه األم ،رجااًل أو نساًء ،كما تذكر ذلك هويتنا بوضوح .لكن
الفرد ال يتحدد في الحقيقة ال بموقعه في المكان وال بموضعه في الزمان ،وال بتطابقه مع نموذج أصلي أو مع فكرة نشكلها عنه .كيف يمكن فكرة عن الكينونة اإلنسانية أن
تفردن الكائن فعلًيا في حين أنه يوجد المليارات منه؟ إن الفردانية مختلفة كل االختالف ،هذا ما طرحته في كتابي عن المسيحية .أرى أنه ال وجود لفرد إال في الحياة[،]5
وهذا هو الجواب الممكن على السؤال الثاني .الحياة هي ما يختبر ذاته بذاته ،كما القلق في الحلم .نحن أمام اختبار ذاتي فٍّذ :الفرد فيه هو هذه الذات soiالتي تختبر ذاتها.
هكذا نجد أنفسنا أمام هووَّية ipséitéمتعالية ،مولودة داخل حياة ترانسدنتالية ،وال أصل لها سوى ذلك .ينبغي االنتباه إلى أن هذه الفرضيات حاسمة بالنسبة لعلم االجتماع
وعلم النفس
.
إن نظرنا من زاوية العلم ،أي ،في مستوى العمليات الخامدة ،ال يمكن إظهار الفرد حيث ال يوجد إحساس .ال يتشكل الفرد إال داخل هذا االنفعال الذاتي auto-affecion
نسخ مطابقة االستنساخ الذي َيعتقد أنه ُينتج
موضوع عبر األرشيف الصحف صوغه
بحث في يجد اليوم البيولوجيا،
قائمة سيما بالفيديو العلوم ،ال
الصحية عليهالدينية االجتماعيةاستولت
الثقافية الفلسفة ،والذي
تاريخالرياضية ساد في
الدولية الفردنة الذي
االقتصادية الرئيسيةإن مبدأ
السياسية لذات.
https://www.sudaress.com/hurriyat/142314 3/4
3/19/22, 7:36 PM سودارس :أزمة الغرب ميشيل هنري ..ترجمة :د .جالل بدلة
لألفراد عبر المضاعفة .ربما سنتمكن من إنتاج كائن آلي ،لكنه سيخلو من الذات ،ألن الذات ال توجد إال باختبارها لذاتها .يفترض التحليل الماهوي في الحقيقة أن تكون هذه
الذات التي تختبر ذاتها وحيدة .ال شك أنه يوجد ذاتية بينية ،لكن الذات ال يمكنها أن "تختبر ذاتها-اآلخر" ،s'épreuver l'autreال يمكنها أن تختبر سوى ذاتها
.
بررت هذه االعتبارات الجهود القائمة لتشجيع التبادل بين الفروع المعرفية ولتقويم شامل للمناهج ،لكن من الضروري وجود تأمل تمهيدي .ألننا نحتاج لممهدات من أجل
التفكير .ال يمكن البحث تناول موضوع معطى تجريبًيا من دون الرجوع إلى الممهدات التي جعلته ممكًنا وعهدت إليه معناه الخاص .من خالل هذا التساؤل الرجوعي فحسب،
أو من خالل هذا االنسحاب الذي يجب إعطاؤه معنًى نسقًيا وجذرًيا ،تكون األبحاث ممكنة
.
الهوامش
* محاضرة ُألقيت في جامعة بول فاليري-مونبلييه IIIفي 28أيار ُ ،1997نشرت في اإلنعطاء الذاتي ()
Auto-donation, édition Beauchesne, 2004
** ميشيل هنري ( )2002-1922فيلسوف فرنسي ،ينتمي للتيار الفلسفي الفينومينولوجي ،أنشأ نظرية للذاتية تستند إلى فينومينولوجيا الحياة .من أهم مؤلفاته :ماركس
( ،)Marx, 1976البربرية ( ،)La Barbarie, 1987رؤية الالمرئي :حول كاندنسكي ( ،)Voir l'invisible. Sur Kindinsky, 1988من الشيوعية إلى
الرأسمالية :نظرية حول كارثة ( ،)Du comminisme au capitalisme. Théorie d'une catastrophe, 1990فينومينولوجيا الحياة (phénoménologie de
.)la vie, 2003-2004
[
.Edmund Husserl, La crise des sciences européennes et la phénoménologie transcendantale, Paris, Gallimard, 1989 ]1
[
.Oswald Spengler, Le déclin de l'Occident, Paris, Gallimard, 1948 ]2
[
.Edmund Husserl, La crise des sciences européennes et la phénoménologie transcendantale, op. cit. pp. 25 et suivantes ]3
[
.René Descartes, Méditations métaphysiques, Paris, PUF, 1996 ]4
.Michel [Henry, C'est moi la vérité. Pour une philosophie du christianisme, Paris, Seuil, 1996 ]5
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
أبلغ عن إشهار غير الئق
لدينا 77097258خبرا ومقاال مفهرسا. اتصل بنا اإلعالنات صندوق األخبار سياسة الخصوصية حول سودارس
https://www.sudaress.com/hurriyat/142314 4/4