سودارس - أزمة الغرب ميشيل هنري .. ترجمة - د. جلال بدلة

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 4

‫‪3/19/22, 7:36 PM‬‬ ‫سودارس ‪ :‬أزمة الغرب ميشيل هنري ‪ ..‬ترجمة‪ :‬د‪ .

‬جالل بدلة‬
‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫موضوع‬ ‫بحث في األرشيف‬ ‫قائمة الصحف‬ ‫بالفيديو‬ ‫الصحية‬ ‫الدينية‬ ‫الثقافية‬ ‫االجتماعية‬ ‫الرياضية‬ ‫الدولية‬ ‫االقتصادية‬ ‫السياسية‬ ‫الرئيسية‬

‫مرحبا! يبدو أنك وصلت إلى هنا عن طريق ‪ .Google‬هل تعلمـ(ين) أن سودارس ليس جريدة إلكترونية‪ ،‬بل هو محرك بحث عن‬
‫األخبار؟ تفاصيل أكثر عن سودارس موجودة هنا‪
.‬‬


‬ ‫أزمة الغرب ميشيل هنري ‪ ..‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬جالل بدلة‬
‫نشر في حريات يوم ‪2014 - 02 - 07‬‬ ‫المسئول القسم‬


‫إن أزمة الغرب في رأيي مزدوجة‪ :‬فهي من جهة ترتبط بالثقافة‪ ،‬ومن جهة أخرى باالقتصاد‪ .‬سأتحدث‬
‫باستفاضة عن أزمة الثقافة؛ للمفارقة‪ ،‬يبدو أن أزمة االقتصاد جزء منها‪ .‬إن ظاهرة أزمة الثقافة هي من‬
‫الوضوح لدرجة أن العديد من المحاوالت تناولتها‪ .‬لن أعرضها هنا كلها لكي ال أشتت انتباهكم‪ ،‬لكنني سأبقي على أطروحة واحدة فقط قدمها هوسرل مؤسس‬
‫الفينومينولوجيا‪ ،‬التيار الفكري الذي أنتمي إليه‪.‬‬
‫إن الشرح الذي يقدمه هوسرل ألزمة الثقافة في مؤلفه ‪ ]Krisis[1‬مهم جًدا‪ ،‬ألنه ينطوي على مفارقة‪ .‬ففي حين يقدم شبينغلر[‪ ،]2‬على سبيل المثال‪ ،‬الثقافات ككيانات‬
‫مشابهة للمتعضيات الحَّية‪ ،‬مكَّر سة النطالقة‪ ،‬ومن ثم لذروة‪ ،‬وأخيًر ا لسقوٍط تتفكك في أثنائه األنشطة االجتماعية والفردية كافة‪ ،‬فإن طرح هوسرل يقوم على أن األزمة التي‬
‫نعيشها وسنعيشها ال تعود إلى انحطاط وظائف معينة في المجتمع أو الروح االنسانية‪ ،‬وإنما إلى تطورها‪ .‬إن أزمة الثقافة ال تصدر عن تفكك أو ضعف المعرفة‪ ،‬وإنما على‬
‫العكس‪ ،‬من تطورها المفرط‪ .‬إن االتساع المدِّو خ للمعرفة في األزمنة الحديثة الذي ال سابق له في تاريخ االنسانية سُيغرق هذه الحداثة في أزمة ال تدرك بعد سببها الحقيقي‬
‫وال حتى مآلها‪
.‬‬
‫إن خصيصة المعرفة الحديثة هي أنها لم تعد تتكون من معرفة واحدة‪ ،‬وإنما من تعددية من المعارف المتمايزة‪ .‬في خضم تطورها‪ ،‬تبلغ المعرفة – أي الذكاء اإلنساني الذي‬
‫يجهد لمعرفة كل ما يمكنه معرفته – مجموعة من المعارف المتخصصة أكثر فأكثر‪ ،‬مرغمًة إذ ذلك على ابتكار مصطلحات ومناهج جديدة‪ ،‬وأخيًر ا‪ ،‬آفاق جديدة‪ .‬هكذا‪ ،‬تزداد‬
‫أبلغ عن إشهار غير الئق‬

‫النظم المفاهيمية وأنساق مصطلحاتها المقابلة تعقيًدا‪ ،‬إلى الحد الذي يجعلها غير مألوفة إال بالنسبة إلى المختصين فيها‪ .‬ال يتوقف األمر عند هذا الحد‪ ،‬بل إن االختصاصيين‬
‫المهرة ما عادوا قادرين على التواصل مع بعضهم بعًض ا…‬

‫كان هناك حتى القرن السابع عشر معرفة مشتركة لإلنسانية تعمل عمل الركيزة األساس‪ .‬كان المجتمع يأتلف حول عدد محدد من األفكار والمعتقدات المشتركة بين جميع‬
‫أعضائه‪ .‬لكن اآلن‪ ،‬انزاح أساس هذه "الوحدة األخالقية لإلنسانية"‪ ،‬وفق تعبير هوسرل‪ ،‬أمام انطالقة المعارف‪ .‬هذا ال ‪ sapientia universalis‬الذي حلم به ديكارت‪،‬‬
‫أي‪ ،‬العلم الكلي القادر على تجميع األفراد وتشكيل كينونتهم المشتركة‪ ،‬ما عاد موجوًدا‪ .‬وبتفرقهم على مستوى المعرفة‪ ،‬تفرق األفراد على المستويات كافة‪ .‬وانطالًقا من‬
‫ذلك‪ ،‬إن أزمة المعرفة هذه هي‪ ،‬كما يقول هوسرل‪ ،‬أزمة الوجود على اعتبار أن الجذر المشترك‪ ،‬أي‪ ،‬وحدة المعارف والسلوكات‪ ،‬ال يمكنها أن تكون الضامن لتناسق‬
‫المجموعات االجتماعية‪ .‬إن هذا التحليل ل هوسرل الفت ويمكن ألي باحث أي يختبره عندما يشارك في مؤتمر يتحدث فيه كل مشارك لغته الخاصة‪ .‬أجازف على الرغم من‬
‫ذلك بتركه جانًبا ألنه يقبل افتراًض ا أراه موضع شك‪ ،‬وهو افتراض أن المعرفة هي‪ ،‬حصرًيا‪ ،‬المعرفة العلمية‪.‬‬
‫لالعتراض على هذا التماهي بين المعرفة والعلم‪ ،‬ولتأكيد وجود معرفة أساس تختلف تماًم ا عن معرفة العلوم‪ ،‬سأحاول أن أنسب للمعرفة العلمية أصاًل محدًدا‪ .‬هذا األصل‬
‫يتموضع في بعض جمل قالها غاليليه عام ‪ .1602‬أتَّم غاليله ما أدعوه – بوصفي فينومينولوجًيا – الفعل المؤسس األصلي للمعرفة الحديثة‪ ،‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬العالم الحديث‬
‫– العالم الذي ننتمي إليه ونسلم به بسذاجة‪ ،‬العالم الذي نحن أطفاله وقاطنيه من دون تحفظ‪ .‬إن الروح الناقدة ال يمكن أن تصدر إال انطالًقا من تأمٍل في هذا الفعل المؤسس‬
‫واألصلي الذي قرر مصيرنا بداية القرن السابع عشر‪.‬‬

‫ُوِلد هذا الفعل من قرار فكري‪ .‬قَّدر غاليليه أنه يجب معرفة الكون الذي نعيش فيه؛ فمن هذه المعرفة تتأتى األخالق ‪ ،éthique‬أي‪ ،‬ما يجب أن نكون وما يجب أن نفعل‪ .‬لكن‬
‫شرط معرفة الكون هذا هو رفض األشكال المعرفية األخرى كافة‪ ،‬ال سيما تلك الصادرة عن الكيفيات المحسوسة‪ .‬فاألمر يتعلق منذ اآلن بإحالل المعرفة الصحيحة (الهندسة)‬
‫مكان المعرفة الحسية‪ .‬الهندسة هي معرفة أشكال األجسام الممتدة (المتموضعة في المكان)‪ .‬فينومينولوجًيا‪ ،‬يوجد بين هذين النوعين من المعرفة‪ ،‬من زاوية علميتهما‬
‫وعقالنيتهما‪ ،‬تعارض تام‪ .‬فالمعرفة الحسية تختلف من فرد إلى آخر‪ ،‬إلى درجة ال يمكنها إحداث إال قضايا فردية واتفاقية‪ ،‬ذاتية وعرضية‪ .‬فالقضية "السماء زرقاء" قضية‬
‫فردية؛ غًدا‪ ،‬سيكون هنالك غيوم والسماء رمادية‪ ،‬أو من لون مختلف كلًيا بالنسبة إلى شخص مصاب بالعمى اللوني‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬أقامت اإلنسانية معرفة انطالًقا من قضايا من‬
‫هذا النوع‪ .‬تؤسس المعرفة الهندسية من جهتها لقضايا عقالنية وصحيحة‪ ،‬من نوع‪" :‬في دائرة تكون األقطار كلها متساوية"‪ .‬األقطار متساوية اليوم وغًدا وفي كل يوم‪.‬‬
‫الهندسة بالتالي هي النموذج الحصري لمعرفة العالم المادي المؤلف من أجسام ممتدة في المكان‪
.‬‬
‫ستنتشر أفكار غاليله في أرجاء أوربا كافة‪ ،‬وسيتناولها ديكارت ليعلن عن أسس الهندسة التحليلية‪ .‬وستؤسس هذه الصيغة الرياضية للمعارف الهندسية العلم الحديث الذي‬
‫لن يكون شيًئا آخر سوى المقاربة الهندسية الرياضية للجزيئيات الفيزيائية المجهرية‪ .‬ومن اآلن فصاعًدا‪ ،‬ستحدث األزمات كافة من داخل هذا األفق غير القابل للتعديل‪.‬‬

‫تتموضع أزمة الثقافة – المؤَّو لة كأزمة للمعرفة العلمية – داخل األفق ذاته‪ .‬وأجازف بالقول إن أفق المعرفة هذا يندرج في المقاربة الفيزيائية الرياضية للشيء المادي‬
‫الممتد – ‪ res extensa‬كما يقول ديكارت‪ .‬غير أن هذه المقدمات تطرح مشكلة من وجهة نظٍر فلسفية وعلمية‪ .‬فعلى الرغم من نجاحها المبهر وتطورها البديع‪ ،‬يتحدث‬
‫هوسرل عن أزمة العلوم األوروبية‪ .‬إن سبب هذه األزمة يعود إلى حقيقة أن المعرفة تتطور داخل افتراضين اثنين لم يضعهما موضع تساؤل ال غاليليه وال العلم الحديث‪
.‬‬
‫فالتعريف الذي يعطيه غاليليه للمعرفة الصحيحة يرتكز على قابلية قراءة الكون المؤلف‪ ،‬على شاكلة كتاب‪ ،‬من أشكال هندسية (مربعات ومثلثات ودوائر‪ ،‬الخ)‪ .‬ولفهم هذا‬
‫الكون‪ ،‬يجب اتقان هذه اللغة المصنوعة من أشكال‪ ،‬أي‪ ،‬يجب اتقان الهندسة‪ .‬يرتبط هذا االفتراض األول بمعرفة الطبيعة الواقعية‪ ،‬حيث ال وجود ال لمربعات وال لدوائر وال‬

‫األشكال ال ثال ة تطل "إق اض ت ان نتال‬ ‫أ‬ ‫‪ii‬‬ ‫لف‬ ‫كذا ال ظ‬ ‫ال ا‬ ‫ثال ف الك‬ ‫ال ش‬ ‫شكل ثال‬ ‫ة الشكل ال ن‬ ‫ألشكال ن‬
‫‪https://www.sudaress.com/hurriyat/142314‬‬ ‫‪1/4‬‬
‫‪3/19/22, 7:36 PM‬‬ ‫سودارس ‪ :‬أزمة الغرب ميشيل هنري ‪ ..‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬جالل بدلة‬
‫ترانسدنتالي من‬
‫المثالية يتطلب "إقراض موضوع‬ ‫األشكال‬
‫األرشيف‬ ‫الصحفأن وجود‬
‫بحث في‬ ‫قائمة‪krisis‬‬
‫هوسرل في‬
‫يالحظبالفيديو‬ ‫الدينيةهكذا‪،‬‬
‫الصحية‬ ‫الثقافيةالمادي‪.‬‬
‫االجتماعيةفي الكون‬
‫الرياضية شي مثالي‬
‫الدوليةمثالي‪ ،‬وال‬
‫الهندسي شكل‬ ‫الشكل‬
‫االقتصادية‬ ‫ألشكال هندسية‪.‬‬
‫السياسية‬ ‫الرئيسية‬

‫الوعي"‪ ،‬أي‪ ،‬فعل من الروح يخلق شيًئا لم يكن موجوًدا من قبل[‪ .]3‬ال وجود ألي من األشكال الهندسية التي يمكن أن تساعدنا على قراءة الواقع في الطبيعة‪ .‬فمثلثات‬
‫ومربعات العلم الحديث ليست ممكنة إال انطالًقا من وعي ترانسدنتالي يقوم هو بخلقها‪ .‬ما هو مدهش مع ذلك هو أن هذه األشكال المثالية المبتكرة من الروح ُتجعل متطابقة‬
‫مع األشياء الواقعية والبنى المادية‪ ،‬حتى وإن لم تكن محسوسة‪.‬‬

‫االفتراض الثاني يتعلق ببنية إمكان رؤية هذه األشكال المثالية‪ .‬فالروح ال يمكنها التعرف على المثلث إال ألنها ترى خواصه المثالية‪ .‬نعلم أنه يمكننا رؤية الُم ثل عند أفالطون‪،‬‬
‫ليس رؤية ألوان األوراق أو سماع األصوات فحسب‪ ،‬بل إن الروح ترى األشكال والماهيات‪ .‬هذا االفتراض الثاني حاسم ألن العمل اليومي للعلم يرتكز عليه‪ .‬تقوم قاعدته‬
‫على فعل الرؤية – التي تشير في هذا السياق إلى مجمل الحواس‪ .‬السمع هو الدخول عبر وسيط مسافة معينة إلى شيء ما ينعطي إلينا‪ .‬في هذه المسافة يوجد السمع‬
‫والشيء المسموع‪ ،‬الرؤية والشيء المرئي‪ ،‬اللمس والشيء الملموس‪ .‬هنا‪ ،‬يصبح ما ندخل إليه‪ ،‬بفضل أفق قابلية الرؤية هذا‪ ،‬والذي هو العالم‪ ،‬ظاهرة بالنسبة إلينا‪ .‬العلم‬
‫يعمل داخل هذا األفق الفينومينولوجي فحسب‪ .‬فهو يتفكر عالًم ا خارجًيا‪ ،‬والخارجانية هنا محضة‪ ،‬ألن المادة هي ‪ ،res extensa‬وال تعرف األشكال المثالية إال بطرحها أمام‬
‫حقل رؤيتها‪
.‬‬
‫هكذا‪ُ ،‬تحال أزمة الثقافة عند هوسرل إلى أزمة هذه المعرفة العلمية‪ .‬فالعلم يعرف فعلًيا األشكال المثالية الهندسية والرياضية التي تسمح لنا بدورها بمعرفة الكون المادي‬
‫بطريقة مالئمة‪ .‬لكن هذه األشكال المثالية تؤخذ بالحسبان بشكل ثانوي‪ :‬فالرياضي يعلم تمام العلم أنه ال يعمل على دوائر واقعية‪ ،‬لكن هذا ليس مهًم ا بالنسبة إليه‪ .‬لهذا النظام‬
‫مع ذلك عيب سيلحظه مفكر عبقري في القرن السابع عشر‪ ،‬وهو نفسه الذي أعطى للفيزياء الغاليليه صوغها الرياضي‪ :‬ديكارت‪
.‬‬
‫يبقى كوجيتو ديكارت‪ ،‬المنتقد من العلوم كافة‪ ،‬مفهوًم ا بشكل سيء حتى اليوم‪ .‬ففي تأمالته في الفلسفة األولى[‪ ،]4‬ومن خالل عرضه لمثاله الشهير عن قطعة الشمع‪،‬‬
‫سينجز ديكارت في الحقيقة تحلياًل فينومينولوجًيا متبداًل ‪ ،par variation‬وسيستخدم فيه كلمات مطابقة لكلمات غاليليه‪ ،‬وسيكتشف جسًم ا مشابًها للجسم المعَّر ف من هذا‬
‫األخير‪ ،‬جسًم ا ممتًدا ‪ res extensa‬يمكن معرفته عبر الهندسة وعبر ذهن خالص – وليس عبر أعين الجسد‪ .‬ستعطي هذه المبادرة الديكارتية دفًعا هائال للثورة الغاليليه‬
‫بتزويده بالرياضيات كوسيلة تعبيرية‪ .‬من هنا أتى االفتتان بالرياضيات من الفروع المعرفية كافة‪ .‬فهم ديكارت في الحقيقة أن المستقبل يكمن في فيزياء غاليليه‪ ،‬ورأى‬
‫بحدس عبقري ما تقصيه هذه المعرفة الغاليلية‪ .‬فمن أجل معرفة الكون الفيزيائي الرياضي‪ ،‬قام غاليليه بإبعاد الكيفيات المحسوسة كافة‪ ،‬أي إنه لدراسة جسم ممتد من خالل‬
‫خواصه الهندسية‪ ،‬ال يجب أبًدا اختزال هذا الجسم إلى كيفياته المحسوسة المتبدلة‪ .‬هكذا يعتبر غاليليه أن جهازنا الفيزيولوجي الخاص ُيوجب رؤيتنا لأللوان‪ ،‬ولو لم نكن‬
‫حيوانات من نوع خاص‪ ،‬لربما ما كان هنالك ألواًنا على االطالق‪.‬‬
‫أبلغ عن إشهار غير الئق‬

‫هنا سينجز ديكارت اختزااًل ‪-‬مضاًدا مدهًشا‪ .‬سيعود ويتناول الكيفيات المحسوسة التي أقصاها غاليليه ليؤكد أنها األشياء الوحيدة األكيدة واألساس على االطالق‪ .‬األلوان‬
‫والبرودة والحرارة‪ ،‬الخ‪ ،‬هي موِّج هات النفس ‪ .modalités de l'âme‬في هذه اللحظة‪ ،‬يعِّر ف ديكارت اإلنسان عبر جهاز يسميه الفكر (الكوجيتاتيو‪ .) cogitatio،‬مما‬
‫يعني بالنسبة إليه‪ :‬كائن يحس‪ ،‬وهذا الحس هو حس ذاتي‪ .‬الكوجيتاتيو هو موجه ذاتي‪ ،‬مثله مثل المعاناة والجوع والبرد والحر‪ ،‬يختبر ذاته بشكل فوري ومن دون اللجوء‬
‫إلى العالم وبطريقة ال كونية‪ .‬حتى وإن لم يكن العالم موجوًدا‪ ،‬لما اختفى الكوجيتاتيو‪ .‬بكلمات أخرى‪ ،‬يمكن للمعاناة أن توجد خارج العالم طالما أنها توجد باختبارها لذاتها من‬
‫دون وسيط‪
.‬‬
‫يدعو ديكارت كوجيتاتيو ما يختبر ذاته من دون وسيط ومسافة‪ .‬أنا أفضل مصطلح "الحياة" عليه‪ ،‬مأخوًذ ا بمعنى ترانسدنتالي‪ ،‬أي‪ ،‬االختبار الذاتي ‪،épreuve de soi‬‬
‫وهو خصيصة المعاناة والحر والبرد والجوع والخوف والقلق‪ ،‬لكن أيًض ا‪ ،‬الرؤية‪ .‬الرؤية ترى كل ما تراه خارج ذاتها‪ ،‬لكنها‪ ،‬هي‪ ،‬غير مرئية‪ .‬أي‪ ،‬ما يسمح لنا بالرؤية‬
‫ليس أبًدا ما َيرى‪ ،‬وإنما هو اختبار ذاتي ضمن مجرد انفعال ‪ .pathos‬هو رؤية حية‪ .‬السمع يسمع الذي يسمعه‪ ،‬لكنه‪ ،‬هو‪ ،‬غير مسموع‪ .‬كل ما نجعله أصاًل للعالم‪ ،‬محسوًس ا‬
‫كان أم معقواًل ‪ ،‬هي أشياء منعطية لذاتها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬الذهن ليس منعطًيا‪ ،‬وإن أحًدا لم ير الفن‪ ،‬لم ير الحياة ولن يراها على األطالق! كل ذلك ُيختبر ضمن كثافة انفعالية‪ ،‬داخل‬
‫طبقة داخلية هي االنفعال‪
.‬‬
‫شكك ديكارت في الحقائق المحسوسة كما في الحقائق المعقولة‪ .‬حتى الرؤية ذاتها يمكن أن تكون خادعة‪ ،‬على شاكلة الصورة المشوهة التي يعكسها الماء‪ .‬تقوم أطروحة‬
‫اإلله الخادع على هذه الفكرة‪ :‬كل ما أراه بوضوح وبشكل ضروري يمكن أن يكون خاطًئا‪ .‬فكرة الحلم في هذا السياق تلخص تجربة أن كل ما أدركه‪ ،‬بما في ذلك الحقائق‬
‫العقالنية‪ ،‬يمكن أن يكون ذا طابع توهمي‪ .‬لنتخيل مع ذلك أنني أختبر القلق في الحلم‪ .‬حتى وإن كان كل شيء في الحلم خاطًئا‪ ،‬القلق ليس كذلك‪ .‬فهو موجود كما أختبره‬
‫كيفًيا‪ ،‬ال أكثر وال أقل‪ .‬وبالنتيجة يكمن األساس غير القابل لإلزاحة الذي كان يبحث عنه ديكارت في االنفعالية ‪ .affectivite‬أسميها الحياة‪ ،‬ألن كل ما هو حي يندرج داخل‬
‫هذا النسق‪ .‬حتى الرؤية‪ ،‬كونها رؤية حية‪ ،‬هي دائما انفعال‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬أتلقى بسرور كافة الحجج التي تكون لمصلحتي‪ ،‬لكنني أستاء عندما يعاكسني أمر ما‪ .‬بالنسبة‬
‫ل ياسبرز‪ ،‬يوجد انفعال خاص باليقين الرياضي‪ ،‬وهو نوع من اإلرغام المنطقي‪ .‬عندما يساوي مجموع اثنان واثنان أربعة‪ ،‬فيقيني مضمون أبًدا‪ .‬لكن تختلف الحالة في‬
‫العالقات الغرامية مثاًل ! هذا سبينوزا الذي يؤكد أننا ال يمكننا فعل شيء أمام دائرة‪ ،‬ومالبرانش يؤكد أنه من المستحيل أال تكون جميع أقطار الدائرة متساوية‪ .‬لكن االنفعالية‬
‫تشكل جزًء ا أيًض ا من األشياء غير القابلة لالختزال‪ :‬القلق والخوف والفرح والحزن‪ .‬كل هذه الممهدات تقودنا إلى أزمة الثقافة‪ ،‬هذا إن لم نكن قد عالجنا المسألة مسبًقا‬
‫وبشكل غير مباشر‪.‬‬

‫لنفترض أنه ومنذ بدايات اإلنسانية‪ ،‬كل ثقافة تحددت عبر الحياة‪ ،‬إنها مجمل النتاجات المنجزة عبر الحياة – وليس عبر العقل – ومجمل األجوبة التي اقترحتها الحياة على‬
‫أسئلتها الوجدانية الخاصة وعلى قلقها‪ .‬لنفترض أن الثقافة هي أيًض ا مجمل األجوبة التي قدمتها الحياة إلى حساسيتها‪ ،‬وأنه ال يوجد أعمال فنية قابلة لإلدراك بمنأى عن‬
‫حساسية‪ ،‬بحيث تكون هذه الحساسية بالنسبة للفن حًّس ا مضاًفا‪ .‬لنفترض أيضا أنه ال وجود ألخالق ‪ éthique‬معقولة إال لكونها إلزامات مقترحة عبر الحياة ذاتها‪ .‬لنفترض‬
‫أخيًر ا أنه ال وجود لدين إال لكونه ترجمة لتجربة أساس للحي‪ .‬ستكون النظرية حينها أنه ال وجود لحياة من دون حي‪ ،‬وال لحي من دون حياة‪ ،‬وال وجود لحياة بالنسبة للحي‬
‫إن لم تكن معيشة منه‪ .‬كما أن الحياة ليست تمُّثاًل خارجًيا‪ ،‬والحي لم يأتي بذاته إليها‪ .‬من خالل طريقتها في الحياة – وال أقول في التفكير – هذه السلبية األساس هي سمة‬
‫فينومينولوجية ملموسة لهذه الحياة الملموسة‪
.‬‬
‫ما هي نتائج الفعل المؤسس البدئي ل غاليليه الذي أسس العلم الحديث كمعرفة هندسية رياضية للكون المادي عبر إقصاء الحياة الفينومينولوجية؟ من وجهة نظر غاليليه‪،‬‬
‫من الممكن طبًعا تصور العالم كشكل مثالي من التطور النشط للمعرفة العلمية‪ .‬لكن هذا العالم مقدٌر له أن يصبح الثقافًيا أكثر فأكثر‪ .‬أعتقد أن هذه هي الحالة التي نعيش‪.‬‬
‫فإخراج الحياة من دائرة االهتمام‪ ،‬أي‪ ،‬إخراج الذاتية‪ ،‬يسبب أيًض ا إخراًج ا للثقافة كلها‪ .‬إنها فرضية جذرية ال يستسيغها أولئك الذين ال يحبون األسئلة‪ :‬هل يوجد ثقافة‬
‫علمية؟

‫نملك ثقافة‬
‫موضوع‬ ‫بحثاًل ف ‪ ،‬لم تكن‬
‫األرشيف البطالة الهائلة موجودة كنا‬ ‫سهولة وجما‬ ‫الحياة ةأكثر‬
‫الصحف‬ ‫كانتو قائ‬
‫الصحعاةًم ا‪ ،‬الف د‬
‫أو ةثالثون‬ ‫عشرون‬
‫الد ن‬ ‫الراهنة منذ‬
‫الثقاف ة‬ ‫عالمنا‬
‫االجت اع‬ ‫العيانيةال من‬
‫اض ة‬ ‫األمثلة‬
‫الدول ة‬ ‫حجتي بعض‬
‫االقتصاد ة‬ ‫لتعزيز ة‬
‫سأختار ال ا‬
‫ة‬ ‫ال ئ‬
‫‪https://www.sudaress.com/hurriyat/142314‬‬ ‫‪2/4‬‬
‫‪3/19/22, 7:36 PM‬‬ ‫سودارس ‪ :‬أزمة الغرب ميشيل هنري ‪ ..‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬جالل بدلة‬
‫نملك ثقافة‬ ‫األرشيف البطالة الهائلة موجودة‪ .‬كنا‬
‫موضوع‬ ‫في لم تكن‬
‫وجمااًل‪،‬‬
‫سهولة بحث‬ ‫قائمةأكثر‬
‫الصحف‬ ‫بالفيديوالحياة‬
‫عاًما‪ ،‬كانت‬ ‫الدينيةثالثون‬
‫الصحية‬ ‫عشرون أو‬ ‫الراهن‪ .‬منذ‬
‫الثقافية‬ ‫عالمنا‬
‫االجتماعية‬ ‫العيانية من‬
‫الرياضية‬ ‫األمثلة‬
‫الدولية‬ ‫حجتي بعض‬
‫االقتصادية‬ ‫سأختار لتعزيز‬
‫السياسية‬ ‫الرئيسية‬

‫غنية ومنوعة‪ .‬ذهبت إلى اليونان لزيارة قلعة ‪ .Eleuthère‬كنت شغوًفا بالثقافة‪ ،‬كما الكثيرين من أبناء جيلنا‪ .‬المشهد كان مذهاًل ‪ :‬واٍد رائع شديد الجفاف‪ ،‬مسور بحائط من‬
‫األحجار الكبيرة البيضاء المحدبة‪ ،‬الواحدة منها كبيرة كبر نصف هذه القاعة‪ .‬كل هذا المنظر كان يسبح في نور الصيف اليوناني‪ .‬لكنني عندما نظرت إلى السماء‪ ،‬رأيت كباًل‬
‫كهربائًيا عالي التوتر يمر من فوق السور… هذا المثال يصور بشكل جيد ما قلته للتو عن الحساسية‪ .‬لكنه يحمل أيًض ا داللة مخيفة‪ ،‬ألنه يتكرر آالف المرات عبر العالم‪ .‬إن‬
‫إنشاء كبل كهربائي عالي التوتر ينتمي إلى العالم الحديث‪ ،‬أي‪ ،‬إلى مجموعة من اإلجراءات المستنبطة من التصور الغاليلي‪ ،‬وباألخص‪ ،‬من النظريات الفيزيائية التي تحدد‬
‫اختيار المعدات الخاصة بإنشاء برج األسالك والتمديدات‪ ،‬الخ‪ .‬ولما كان هذا العلم قام على إقصاء الحساسية‪ ،‬فال يمكن ألي "دليل تنفيذي" أخذها في الحسبان‪ .‬ال أحد بالتالي‬
‫يتساءل عن األثر الناتج عن هذا الكبل الكهربائي على الفرد الذي يشاهده‪ .‬حتى تعليمنا ينصاع إلى هذه المفترضات الجذرية‪ .‬نتعلم أن العلم وحده الصحيح‪ ،‬وما تبقى ليس‬
‫سوى اختالق أسطوري‪ .‬ال مكان في هذا العلم للحساسية‪ ،‬فال نتساءل أبًدا عن نتائج النقل الكهربائي على الحساسية‪ :‬هذه المشكلة‪ ،‬ال سبب لوجودها‪ .‬إَّن نهب العالم عبر‬
‫التقنية الحديثة – البنت البكر للعلم الحديث – مؤَّس س له نظرًيا‪ .‬وال يمكن االعتراض عليه‪ ،‬ألن نظام فكرنا ومبادئنا التربوية تشكل ضامًنا له‪
.‬‬
‫مثال آخر هو ترميم األعمال الفنية‪ .‬زرنا في اليونان دير دافني ‪ ،Daphni‬كان هنالك عمال على الساللم يقومون بدحرجة موزاييك الجدران وقبة الدير‪ .‬الموزاييك‪ ،‬كما نعلم‪،‬‬
‫مصنوع من مكعبات صغيرة زجاجية أو حجرية ملونة نسميها "الفسيفساء"‪ .‬لصناعتها‪ ،‬نقوم أواًل بتجسيم أولي جداري هو عبارة عن مخطط مبدئي‪ ،‬ومن ثم نضع هذه‬
‫المكعبات الصغيرة‪ .‬األثر الناتج بديع‪ ،‬فالضوء المنعكس في وسطها الشفاف يتداخل مع األلوان‪ ،‬ويظهر لون الموزاييك‪ ،‬المتبدل والفاتن‪ ،‬كما لو كان ُم ضاًء من الداخل‪ .‬كانت‬
‫لوحات الموزاييك تغطي كامل الدير (الرواق والجوانب والقبة)‪ .‬لكن في ذلك اليوم‪ ،‬أوقع العمال كميات كبيرة من الفسيفساء… ُعدت إلى المكان بعد بضعة أعوام وأعلم ما‬
‫سأجده‪ ،‬لم يكن يوجد مكان هذه اللوحات الرائعة إال اإلسمنت‪.‬‬

‫ما الدرس الذي يمكن استنتاجه من هذه الوقائع؟ إذا كان الفن يشكل عماًل أساس للمجتمعات‪ ،‬فال حق لنا بتحطيم أعماله‪ُ .‬تصنع الموزاييك من مواد قِّيمة وغالية الثمن وال‬
‫يصيبها أي تغيير مع مرور الزمن‪ .‬إن تدني قيمة المواد الفنية منذ ذلك الحين ذو داللة‪ :‬انتقلنا من الموزاييك إلى الجداريات‪ ،‬ومن الجداريات إلى الرسم على الخشب‪ ،‬ومن‬
‫الرسم على الخشب إلى الرسم الصناعي‪ .‬هكذا‪ ،‬في تاريخ الغرب‪ ،‬بمقدار ما تغتني اإلنسانية تصبح المواد المستخدمة إلنجاز األعمال الفنية ذات نوعية أقل جودة وعرضة‬
‫للتلف بسرعة أكثر فأكثر‪ .‬ال نعلم كم من الوقت ستبقى لوحات فان غوغ على حالتها‪ .‬طالما أن هذه األعمال تتفسخ‪ ،‬كيف نقوم بترميمها‪ ،‬أو‪ ،‬باألحرى‪ ،‬كيف ال نقوم بذلك؟

‫فيما مضى‪ ،‬تَّم ترميم موزاييك الدير بشكل صحيح‪ .‬اإلصالحات المتتالية أعادت تشكيل الطبقة المادية لتسمح للوحة بالبقاء سليمة‪ .‬تدخلت الحساسية الجمالية عندما كان‬
‫معيار التدخل ترميم لون معين أو إعادة قطعة كانت قد وقعت إلى مكانها‪ .‬لكن‪ ،‬لم يعد للعلم شأن بهذه الحساسية اليوم‪ .‬توقف عن تقديم مقاربة جمالية (أي‪ :‬حسية) للعمل‬
‫الفني‪ .‬عمله ينحصر اليوم بتأريخ عمليات الترميم بالكربون ‪ 14‬وعمليات أخرى بإمكانها هي – كما نعلم – أن تعطي الجواب الفصل عن الحقائق الميتافيزيقية الكبرى! هكذا‬
‫أبلغ عن إشهار غير الئق‬

‫ُيختزل موقف العلم أمام العمل الفني إلى تأريخ عمليات الترميم‪ ،‬ويقيم نظرية للترميم الشيء الوحيد المهم وفقها هو معرفة المادة األصلية التي استخدمتها يُّد الفنان‪،‬‬
‫لينحصر دوره بتحديد ما هو غريب عن هذه المادة األصلية‪ .‬هكذا‪ ،‬سيحاول أناس في أوروبا االستيالء علمًيا على األعمال الموجودة‪ ،‬ويقومون بحذف كافة الترميمات‬
‫المتعاقبة‪ ،‬إلى أن ال يبقى في النهاية شيء من العمل الماضي‪ .‬يوجد في روما َم ْص لى‪ ،‬رسمه غيوتو‪ ،‬لم يبق منه اليوم إال عين! كان يوجد في األديرة اليوغسالفية أجمل‬
‫األعمال الفنية في العالم‪ ،‬لوحات مسيحية مؤثرة جًدا‪ .‬غَّطى االسمنت هذا الفن الصوفي اليوم‪ .‬انتهت الثقافة‪ ،‬كما وانتهت األخالق أيًض ا‪
.‬‬
‫نستطيع اآلن أن نطرح السؤالين التاليين‪ :‬ما األخالق ‪éthique‬؟ وما الكائن اإلنساني؟ إنها أسئلة أساس‪ .‬أن نتصور الحياة كحياة أفراد أحياء‪ ،‬أو‪ ،‬على العكس‪ ،‬أن نعتبرها‬
‫كمنظومة خامدة‪ ،‬النتائج ليست نفسها من وجهة نظر أخالقية‪ .‬إن أغلب الباحثين الدارسين في علوم المادة أو في ما نسميه العلوم اإلنسانية يريدون تطبيق مناهج ومعايير‬
‫وفرضيات المعرفة الغاليلية‪ .‬غير أنني أعتبر أن أي أساس لألخالق غير ممكن في هذا الحقل من المعرفة الفيزيائية الرياضية للكون المادي‪ .‬ال شك أن دراسة هذا الحقل‬
‫مشروعة تماًم ا شريطة أن تنحصر ضمن هذا الحقل‪ .‬لكن يرجح أن الجزيئات الفيزيائية المجهرية ال يسكنها أية رغبة‪ ،‬وال أية إرادة مهنٍة‪ ،‬وال اعتراف اجتماعي‪ ،‬وال عطش‬
‫للسلطة‪ ،‬إلخ‪ .‬إن غاليليه وديكارت كانا بالتالي على حق عندما نبها إلى أنه‪ ،‬في المادة‪ ،‬ال وجود ألي شيء شبيه بالحساسية‪
.‬‬
‫في الحقل الغاليلي‪ ،‬ال يوجد فعلًيا أي حامل ممكن لألخالق‪ .‬لنعود إلى تحطيم موزاييك دافني واستخدام الكاربون ‪ 14‬لتأريخ األعمال الفنية‪ .‬متى حدث وقال العلم إنه ال يجب‬
‫اإلبقاء في عمل فني إال على ما هو نتاج من يد الصانع األصلية؟ عند مراجعتنا لجميع المعاهدات العلمية‪ ،‬ال وجود لمثل هذا التأكيد‪ .‬نشهد اليوم خدعة تقِّو ل العلم ما لم يقله‬
‫على اإلطالق‪ .‬فنخلط بين العلم والنزعة العلمية ‪ scientisme‬التي يمكن اعتبارها كارثة حقيقية ألنها تؤكد أن أية معرفة يجب أن تكون من نمط غاليلي‪ .‬لكن العلم لم يقل أنه‬
‫يجب حذف كل ما هو ليس من يد الفنان األصلي في العمل الفني‪ ،‬وإال وجب إلغاء كل شيء تقريًبا! القسم األكبر من المعابد اليابانية من خشب‪ ،‬وكأنها تمت إعادة انشاؤها‬
‫من جديد‪ .‬لكن هذا الترميم سمح وسيسمح لغيري بزيارتها والتعرف عليها‪.‬‬

‫ال يوجد أخالق ‪ éthique‬اليوم ألنه ال مكان لها في العالم الغاليلي‪ .‬األديان واألشكال الفنية الرائعة واألخالق كلها ُو جدت حتى قبل نشوء المعرفة الفيزيائية الرياضية‪ .‬لنأخذ‬
‫مثال األخالق الجذرية ل موسى‪ ،‬ووصيته "ال تقتل"‪ .‬تكتسي وصايا األخالق غالًبا شكاًل سلبًيا‪ ،‬وذلك على عكس الكالم المسند إلى هللا‪ .‬من يتحدث في وصية موسى؟ وحدها‬
‫الحياة هي القادرة على إمالء هذه الوصية‪ .‬ال يمكن للمنظومات الخامدة التي ال ترى شيًئا‪ ،‬وال تعرف شيًئا‪ ،‬وال تشعر بشيء‪ ،‬أن تستطيع التعبير عن شيء كهذا‪ .‬وكذلك األمر‬
‫بالنسبة للوصايا األخرى‪ ،‬وحدها الحياة‪ ،‬بالمعنى الترنسدنتالي‪ ،‬هي التي يمكنها إعالنها‪
.‬‬
‫نصل اآلن إلى السؤال الثاني‪ :‬ما الكائن الحي؟ يرجع هذا السؤال لتساؤل فلسفي كالسيكي ُيحيل إلى نموذجين أساسيين من األجوبة‪ .‬األول ينطلق من العالم‪ ،‬ويشكل ركيزة‬
‫لما ندعوه بمصطلحات سكوالئية "مبدأ الفردنة"‪ .‬ما الذي يفردن الشيء؟ إنها مقوالت العالم‪ ،‬وفق هذا التراث الفكري‪ ،‬أي‪ ،‬المكان والزمان والسببية‪ .‬ما الذي يجعل من هذا‬
‫القلم كياًنا منفرًدا‪ ،‬في حين أنه يوجد كمية غير محدودة منه على سطح األرض؟ من ناحية‪ ،‬هو هنا‪ ،‬هنا واآلن‪ ،‬ويمكن أن يختفي‪ .‬ويطابق‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬النموذج‬
‫األصلي للقلم‪ ،‬أي‪ ،‬شيء يسمح بالكتابة في شروط معينة‪
.‬‬
‫نحن األفراد أيًض ا نعتقد أن فرديتنا تطابق هذه الشروط‪ ،‬ألننا ولدنا في مكان معين ولحظة معينة‪ ،‬من هذا األب وهذه األم‪ ،‬رجااًل أو نساًء ‪ ،‬كما تذكر ذلك هويتنا بوضوح‪ .‬لكن‬
‫الفرد ال يتحدد في الحقيقة ال بموقعه في المكان وال بموضعه في الزمان‪ ،‬وال بتطابقه مع نموذج أصلي أو مع فكرة نشكلها عنه‪ .‬كيف يمكن فكرة عن الكينونة اإلنسانية أن‬
‫تفردن الكائن فعلًيا في حين أنه يوجد المليارات منه؟ إن الفردانية مختلفة كل االختالف‪ ،‬هذا ما طرحته في كتابي عن المسيحية‪ .‬أرى أنه ال وجود لفرد إال في الحياة[‪،]5‬‬
‫وهذا هو الجواب الممكن على السؤال الثاني‪ .‬الحياة هي ما يختبر ذاته بذاته‪ ،‬كما القلق في الحلم‪ .‬نحن أمام اختبار ذاتي فٍّذ ‪ :‬الفرد فيه هو هذه الذات ‪ soi‬التي تختبر ذاتها‪.‬‬
‫هكذا نجد أنفسنا أمام هووَّية ‪ ipséité‬متعالية‪ ،‬مولودة داخل حياة ترانسدنتالية‪ ،‬وال أصل لها سوى ذلك‪ .‬ينبغي االنتباه إلى أن هذه الفرضيات حاسمة بالنسبة لعلم االجتماع‬
‫وعلم النفس‪
.‬‬
‫إن نظرنا من زاوية العلم‪ ،‬أي‪ ،‬في مستوى العمليات الخامدة‪ ،‬ال يمكن إظهار الفرد حيث ال يوجد إحساس‪ .‬ال يتشكل الفرد إال داخل هذا االنفعال الذاتي ‪auto-affecion‬‬
‫نسخ مطابقة‬ ‫االستنساخ الذي َيعتقد أنه ُينتج‬
‫موضوع‬ ‫عبر األرشيف‬ ‫الصحف صوغه‬
‫بحث في‬ ‫يجد اليوم‬ ‫البيولوجيا‪،‬‬
‫قائمة‬ ‫سيما بالفيديو‬ ‫العلوم‪ ،‬ال‬
‫الصحية‬ ‫عليهالدينية‬ ‫االجتماعيةاستولت‬
‫الثقافية‬ ‫الفلسفة‪ ،‬والذي‬
‫تاريخالرياضية‬ ‫ساد في‬
‫الدولية‬ ‫الفردنة الذي‬
‫االقتصادية‬ ‫الرئيسيةإن مبدأ‬
‫السياسية‬ ‫لذات‪.‬‬
‫‪https://www.sudaress.com/hurriyat/142314‬‬ ‫‪3/4‬‬
‫‪3/19/22, 7:36 PM‬‬ ‫سودارس ‪ :‬أزمة الغرب ميشيل هنري ‪ ..‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬جالل بدلة‬

‫لألفراد عبر المضاعفة‪ .‬ربما سنتمكن من إنتاج كائن آلي‪ ،‬لكنه سيخلو من الذات‪ ،‬ألن الذات ال توجد إال باختبارها لذاتها‪ .‬يفترض التحليل الماهوي في الحقيقة أن تكون هذه‬
‫الذات التي تختبر ذاتها وحيدة‪ .‬ال شك أنه يوجد ذاتية بينية‪ ،‬لكن الذات ال يمكنها أن "تختبر ذاتها‪-‬اآلخر" ‪ ،s'épreuver l'autre‬ال يمكنها أن تختبر سوى ذاتها‪
.‬‬
‫بررت هذه االعتبارات الجهود القائمة لتشجيع التبادل بين الفروع المعرفية ولتقويم شامل للمناهج‪ ،‬لكن من الضروري وجود تأمل تمهيدي‪ .‬ألننا نحتاج لممهدات من أجل‬
‫التفكير‪ .‬ال يمكن البحث تناول موضوع معطى تجريبًيا من دون الرجوع إلى الممهدات التي جعلته ممكًنا وعهدت إليه معناه الخاص‪ .‬من خالل هذا التساؤل الرجوعي فحسب‪،‬‬
‫أو من خالل هذا االنسحاب الذي يجب إعطاؤه معنًى نسقًيا وجذرًيا‪ ،‬تكون األبحاث ممكنة‪
.‬‬
‫الهوامش

‫* محاضرة ُألقيت في جامعة بول فاليري‪-‬مونبلييه ‪ III‬في ‪ 28‬أيار ‪ُ ،1997‬نشرت في اإلنعطاء الذاتي (‪)
Auto-donation, édition Beauchesne, 2004‬‬
‫** ميشيل هنري (‪ )2002-1922‬فيلسوف فرنسي‪ ،‬ينتمي للتيار الفلسفي الفينومينولوجي‪ ،‬أنشأ نظرية للذاتية تستند إلى فينومينولوجيا الحياة‪ .‬من أهم مؤلفاته‪ :‬ماركس‬
‫(‪ ،)Marx, 1976‬البربرية (‪ ،)La Barbarie, 1987‬رؤية الالمرئي‪ :‬حول كاندنسكي (‪ ،)Voir l'invisible. Sur Kindinsky, 1988‬من الشيوعية إلى‬
‫الرأسمالية‪ :‬نظرية حول كارثة (‪ ،)Du comminisme au capitalisme. Théorie d'une catastrophe, 1990‬فينومينولوجيا الحياة (‪phénoménologie de‬‬
‫‪
.)la vie, 2003-2004‬‬
‫[‪
.Edmund Husserl, La crise des sciences européennes et la phénoménologie transcendantale, Paris, Gallimard, 1989 ]1‬‬
‫[‪
.Oswald Spengler, Le déclin de l'Occident, Paris, Gallimard, 1948 ]2‬‬
‫[‪
.Edmund Husserl, La crise des sciences européennes et la phénoménologie transcendantale, op. cit. pp. 25 et suivantes ]3‬‬
‫[‪
.René Descartes, Méditations métaphysiques, Paris, PUF, 1996 ]4‬‬
‫‪
.Michel‬‬ ‫[‪Henry, C'est moi la vérité. Pour une philosophie du christianisme, Paris, Seuil, 1996 ]5‬‬
‫انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره‪.‬‬
‫أبلغ عن إشهار غير الئق‬

‫مواضيع ذات صلة‬

‫هوسرل وأزمة الثقافة األوروبية* ……‪ ..‬إسماعيل‬


‫المصدق

‫داللة السؤال “ماهي الفلسفة؟” في الفكر الحديث‬


‫والمعاصر ……‪ ..‬عبد الحق منصف

‫الوعي الفلسفي بالحداثة‪..‬بين هيجل وهيدجر‪[.‬قلم ‪:‬‬


‫محمد سبيال

‫مولد الحداثة‪..‬بقلم ‪ :‬كريستيان دوالكومباني‪.‬ترجمة ‪:‬‬


‫ترجمة‪ :‬حسن احجيج

‫أصول مفهوم اإلنسان ومبدِأ السيادة في الفكر‬


‫السياسي األوروبي … الكاتب المغربي الراحل‪ :‬أحمد‬
‫محفوظ

‫لدينا ‪ 77097258‬خبرا ومقاال مفهرسا‪.‬‬ ‫اتصل بنا‬ ‫اإلعالنات‬ ‫صندوق األخبار‬ ‫سياسة الخصوصية‬ ‫حول سودارس‬

‫‪https://www.sudaress.com/hurriyat/142314‬‬ ‫‪4/4‬‬

You might also like