Professional Documents
Culture Documents
الفهم السوسيولوجي لظاهرة الرسوب المدرسي
الفهم السوسيولوجي لظاهرة الرسوب المدرسي
الفهم السوسيولوجي لظاهرة الرسوب المدرسي
مقدمة:
من خالل هذا املقال سنحاول ولوج مؤسسة املدرسة ،وهي أهم مؤسسات التنشئة االجتماعية احلديثة ابملفهوم
الدوركاميي ،من أجل البحث عن مراكز السلطة يف املدرسة ،واآلليات اليت تتحكم هبا ،وطبيعة عملها يف جماالت
التفاعل( داخل الفصل الدراسي ،داخل املدرسة ،يف حميط املدرسة ،مع مجاعة الرفاق ،يف احملتوى الرتبوي )...كثريا
ما كانت املدرسة حمل انتقادات على مستوى أدائها أو خمرجاهتا ،وهذا ما ستدعى جهود سياسية الحتواء األزمة،
ومن أهم احملاور اليت مت الرتكيز عليها الرسوب املدرسي ،ابعتباره مؤشر على عقم النظام الرتبوي جملتمع ما ،غري أن
ما يالحظ يف جل الدراسات األكادميية حول هذه الظاهرة ،جيد أن النظرة كانت حمصورة يف امليدان
السيكولوجي ،وأصبح الرسوب حالة نفسية للفرد املتأزم نفسيا من حاالت قلق االمتحان ،والشعور ابإلحباط،
والسلوك غري السوي يف الشخصية وغريها من األوصاف االستبطانية الذاتية ،كان من الضروري أن نشري إشارة
بسيطة مدققة للطرح السوسيولوجي حول الرسوب املدرسي كونه ظاهرة اجتماعية تفسر اجتماعيا ،سواء يف الواقع
الرتبوي اجلزائري أو العاملي ،حىت تتضح الصورة الكلية للمربني سواء كانوا مدراء مؤسسات تربوية ،أو أساتذة ،أو
التالميذ. أولياء
عم لت سوسيولوجيا الرتبية منذ والدهتا على إعطاء الفهم االجتماعي املوضوعي للظواهر الرتبوية ،اليت كانت يف
الغالب تتقاذفها املفاهيم السيكولوجية اليت زادهتا غموضا ،ألن الرسوب خيتلف من جمتمع إىل أخر ،وهذا ما يفسر
أن الرسوب املدرسي ظاهرة اجتماعية ،تتطلب فهم العوامل االجتماعية اليت تعمل على إعادة إنتاجها يف اجملتمع
اجلزائري .
وكان اهتمام السوسيولوجيا اجلزائرية منصب على دراسة املدرسة من منظور علوم الرتبية ،وهذا ما شتت االنتباه
إىل املوضوعات االجتماعية داخل املدرسة ،وأمهها ظاهرة الرسوب واليت وضعت األسرة يف مأزق ألهنا تقف أمام
1
شبكة ضياء للمؤمترات والدراسات
طموحها واملتمثل يف حراك أبنائها من خالل املسار الدراسي ،كانت النظرة الكالسيكية تنظر إىل الفعل التعليمي
على أنه حمدد مسبقا حسب املكاانت االجتماعية وطبيعة الدور يف احلياة االجتماعية ،غري أن الواقع االجتماعي
غين ابلتجارب يف ظاهرة الرسوب وعالقتها مبا هو اجتماعي وماهو خاص ابلفرد الفاعل ،وميكن أن نلخص
التايل : التساؤل يف اإلشكال
هل الرسوب املدرسي مشكلة أم آلية إلعادة اإلنتاج االجتماعي يف اجملتمع؟ وهل الرسوب خيار للدولة لالنتقاء أم
هو عدم قدرة األسرة على التكيف مع النظام االجتماعي؟ كيف نفسر عدم قدرة األبناء على مواصلة املسار
الدراسي أو التقهقر فيه؟ هل هي أزمة تلميذ أم تلميذ يف أزمة؟ إذا كان الرسوب املدرسي يشكل خطر كبري على
اجملتمع ،كيف نقيم النجاح املدرسي يف اجملتمع؟ هل السياسة الرتبوية اجتماعية أم سياسة انتقائية؟
2
شبكة ضياء للمؤمترات والدراسات
مقارنة أبقرانه ،عندما ال يستطيع االندماج يف اجملال املدرسي بسبب املشاكل السلوكية أو مشاكل عالئقية ،اآلابء
األساتذة . و
إىل : املدرسي الرسوب "يرجع Francine Best ابست "فرونسني أما
املدرسي. النظام من أتهيل دون اخلروج ـ
الدراسية. السنة إعادة مدقق بشكل أو الدراسي التأخر ـ
للطفل. النفسي التأثر ـ
التقييم. يف عليها املتحصل النتائج ـ
يرى Stéphane bonnéryستيفان أن املمارسات البيداغوجية هلا أمهية يف بناء الصعوابت املدرسية لدى
بعض األطفال ،يف نظر ستيفان بورين"هناك ثالثية التكديس للنماذج الرتبوية يف املدرسة ،تكديس بيداغوجي قدمي
وحديث ،حيث يضع الطفل يف حمور العملية الرتبوية يف كل املستوايت املختلفة للنظام املدرسي ،ويف النهاية مابني
بيداغوجية ابلنسبة للكل وبيداغوجية مكيفة.حيث حيدث يف املدرسة االبتدائية سوء فهم على املستوى
السوسيومعريف واإلدراكي ،الذي يواجه بتقييم اجتاهات التلميذ ومطابقتها مع األستاذ ،هذا حيدث عندما ينتقل
إىل مؤسسة ملستوايت أعلى ،وهذا يقود إىل ال فهم التلميذ ويرتجم التغري على انه صراع من جهة األستاذ وكذلك
التلميذ ،حيث يرى التلميذ أن األستاذ خيدعه يف االمتحان ،وكل هذا يف غياب نظرة شاملة لألستاذ عن متثالت
التالميذ ح وله ،إن املعلمني ال يقومون بتشخيص حاالت التالميذ خاصة املنتمني للطبقات الشعبية وهنا تظهر
األولية. السوسيوثقافية الالمساواة
وقد اهتم" Stéphane bonnéryستيفان" مركزا يف حبثه على التحول مابني مستوى دراسي
وأخر(ابتدائي/متوسط) حيث قام بتتبع 16تلميذ وجهوا إىل متوسطتني يف وسط شعيب ،وقام بثالث مقابالت
شبه موجهة Semi directifsمع املالحظة لإلنتاج الكتايب وخاصة التفاعالت يف القسم والساحة واحلي ،حىت
التلميذ . مهنة من يستقيل البعض ملاذا يفهم
ويؤكد "ستيفان" على ضرورة احلذر من خمتلف أعوان التنشئة ،الذين يكون التلميذ يف عالقة معهم واليت خلصها
يف العائلة كأساس واملدرسة ومجاعة الرفاق ،إن الطفل أو التلميذ يواجه بيداغوجيا تقييم األصل االجتماعي ،حيث
يعاين من نقص املعارف خاصة املنتمني للطبقات الشعبية وهذا يؤدي به إىل الرسوب .
إن الرسوب بعيد كل البعد أن يتبع مسار واحد موحد ،بل هناك أتثري يبدأ من التدخل البيداغوجي ،هلذا يرى
ستيفان ضرورة كسر احلتمية على املستوى السياسي أكثر من النصوص البيداغوجية ،ويف كل احلاالت جيب تبني
3
شبكة ضياء للمؤمترات والدراسات
من يلعب يف املدرسة (ماذا حيدث) نبني يف البداية العمل الذي فرضته التحوالت السلوكية خارج املدرسة
واالجتاهات املالئمة لت ملك املعارف ،فيما بعد جيب أن نبني الصراع الطبقي الذي ال يتوقف عند ابب
املؤسسات ،وآخرون يدعون للخروج من اخليار بني الشعور ابلذنب واحلتمية يف وجه إعادة اإلنتاج االجتماعي .
املدرسي: الرسوب سوسيولوجية
لو نظران إىل ظاهرة الرسوب من مقاربة سوسيولوجية فهمية هتتم ابملعىن الذايت الذي يستثمر فيه الفاعلني من
خالل سلوكاهتم ،لوجدان أن املدرسة تعيش يف إعادة إنتاج الالمساواة االجتماعية منذ سنوات طويلة ،بني
الرتبية. لسوسيولوجية واسع جمال تؤسس واليت القاعة يف حتدث اليت التفاعالت
إن الرسوب املدرسي موضوع اجتماعي مرتبط بفك االرتباط بني مؤسستني مؤسسة األسرة ومؤسسة املدرسة ،وله
أسباب عديدة سوسيولوجيا منها الالتوافق بني النموذج الثقايف للمؤسستني ،ابلنسبة لعلم االجتماع الرتبية هناك
منوذجان للتحليل :املقاربة الثقافية وترد أسباب الرسوب إىل حميط العائلة ،واملقاربة الصراعية وتفسر الرسوب من
خالل حتليل عالقات الصراع بني الطبقات .وميكن ذكر بعض النظرايت السوسيولوجية احلديثة املفسرة للرسوب
فيمايلي :
نظرية بودلوا و استبالت " Baudelot et Establetحيث انطلق من مقال :التو سري حول األجهزة
ا الديولوجية للدولة ،والذي يرى أن املهيمن عليهم ال يثورون انطالقا من هذه الفكرة ،هذه احلالة مضمونة من قبل
وهي: األجهزة من شكلني يف حيصرها رمزية قوى
للدولة(العنف) قمعية أجهزة
أجهزة اديولوجية للدولة(اديولوجيا)هذه الطرق تسمح ابستدماج معايري اجملتمع الربجوازي لإلبقاء على النظام
الرمزي ،أما املدرسة جمال للتنشئة الثانوية حيث تعطى أو توفر للطفل مجلة من القيم ،واملدرسة هي مؤسسة
أساسية لبعض الرهاانت أين أو كيف جتسد هذه الرهاانت ،املدرسة املوحدة تشمل على توجيه لكافة التالميذ يف
الرتبوي . اجملال نفس
إن استبالت و بودلو م ن خالل توجه ماركسي طوروا حتليل التوسري حول األجهزة االديولوجية للدولة ،أي املدرسة
عوضت الكنيسة يف دور إعادة إنتاج اديولوجية اهليمنة من خالل عالقات اإلنتاج الرأمسايل ،بودلو و استبالت
يقرتابن يف طرحهم من بياربورديو وابسرون يف دراسة املدرسة انطالقا من املستوى األعلى(اجلامعة) ،غري أن
املدرسة الرأمسالية هلا دور فعال يف التقسيم ،املدرسة تظهر موحدة غري أهنا مقسمة إىل مستويني ،مستوى اثنوي
عايل و مستوى أويل مهين ،وهذه املستوايت تظهر بعد التعليم االبتدائي ،إن التحكم يف الكتابة و القراءة ،متثل
4
شبكة ضياء للمؤمترات والدراسات
حاجز كبري لفئات واسعة من التالميذ ومن هنا يؤدي إىل تقسيم التالميذ وفق تقنيات القراءة والكتابة ،إن تقسيم
التعليم إىل عايل ومهين هو تقسيم العمل اليدوي والفكري ،وهذا يؤدي إىل تنوع يف تكوين قوى العمل ،وهذا
التقسيم تدعمه املمارسات البيداغوجية .الن أبناء العمال حيققون األداء األسوأ يف املسار االبتدائي هذا خلف
شعار املوحدة ،هنا تلعب املدرسة االبتدائية وظيفة مؤسسة التقسيم والتقسيمات ،مبرجعية القيم واالديولوجية
الربجوازية اليت تستقبل من خالل أدوات قياس تبىن على املعارف العلمية املدرسية ،يف حلقة مفرغة تبعد منذ
الشهر األول أبناء الطبقات امله يمن عليها ،وذلك من خالل املمارسات اللغوية ،أين حتكم على لغة أبناء الطبقة
العمالية أبهنا غري صحيحة ،ولغة أبناء الربجوازية حتض ابلقبول ،هذه اآللية ال تعمل لوحدها بل األساتذة هم جزء
من العملية ،فهم يعيشون التناقض ألهنم أدوات ويف نفس الوقت يبحثون على إصالح وضعيتهم وهذا وفق الطرح
املاركسي .
أما بيار بورديو pierre Bourdieuوابسرون ينظران إىل املدرسة كمؤسسة يراتدها شكلني من األطفال،
أطفال حيققون النجاح آلن ما يوجد يف أسرهم أحسن مما يوجد يف املدرسـة أو أقرب من ثقـافة املدرسة ،وهناك
غاية لالستثمار يف النجاح املدرسي ،وأطفال الطبقات الشعبية الذين يواجهون الرسوب يف أول مرحلة تعليمية من
بني األطفال الذين يلتحقون ابملدرسة ،يواجهون عوائق يف التعليم االبتدائي ،ألن النظام الرتبوي مبين على
الالمساواة يف املواهب واألذواق واالجتاهات ،واختالف الثقافات العائلية اليت جتسد اخليار األحسن ،ألن
التخصصات التعليمية مربوطة بسلط ـ ــة هـ ــرمية جسدت يف اللغات والتكوينات والتخصصات واملهن...وغريها.
إىل جانب هذا هناك اخليار اجليد للمؤسسة الرتبوية ،والذي يعد من بني اخليارات اإلسرتاجتية اهلامة يف حياة
التلميذ ،فاألسر ختت ــار ألبنائها من بني التعليم العــام والتقنــي ،مــابي ــن العـل ــوم الطبيعيــة واآلداب ،مابني التكوين
القصري والتكوين الطويل املدى ،...وكذلك مابني املؤسسة التعليمية احلكومية واخلاصة أو مابني املؤسسة اجليدة
واملؤسسة األضعف يف األداء .إن الالجتانس االجتماعي خلق جتانس على مستوى املدارس كطلب اجتماعي
خاص يف اجملتمعات املتقدمة ،فنجد مدرسة للطبقة الوسطى ومدرسة ألبناء العمال وأخرى للمهاجرين أي تنتج
جتانس اجتماعي بني فئات هلا نفس املميزات ،وهنا يرتك اهلامش لألسر ملمارسة خياراهتا ،كل مؤسسة هلا
خصائصها سواء العامة أو اخلاصة ،من حيث احمليط والتجهيزات واملدرسني واجلوانب البيداغوجية وكذلك
اخلصائص االجتماعية واملدرسية ،ابلنسبة للجماعات االجتماعية املختلفة ليس هلم نفس االحتماالت يف
اخليارات ،وليس نفس التحفيز ،وكذلك ليس هلا نفس اخلصائص أو نفس اإلمكانيات من أجل الطريقة الفعالة
إتباعها. جيب اليت
5
شبكة ضياء للمؤمترات والدراسات
أم ا يف الوضع اجلزائري فنجد أن األسر هلا خيارات سواء بني املؤسسة القريبة أم البعيدة وبني األساتذة األكفاء
وغريهم ،وبني الدروس اخلصوصية والدروس الرمسية ،والدعم يف اللغات األجنبية ،وحىت العربية واملدرسة اخلاصة إذ
طاهلم الرسوب ،ومن اجل ضمان النجاح يتجهون لزايدة يف اإلنفاق ،ألن التعليم متظهر اجتماعي ابلنسبة لألسر
الوجاهة. عن تبحث ولكنها الوظيفة عن تبحث ال فهي الغنية
إن أصل الالمساواة االجتماعية يف التعليم متعددة ،المساواة اجتماعية يف النجاح ،وال مساواة عائلية وال مساواة
هلا عالقة ابملدرسة نفسها من وظائفها وطريقة ت نظيمها ،ألن املستوى الثقايف للتلميذ يقاس ابختبار القيم
املدرسية لدى التلميذ اليت يقيمها األستاذ من خالل املسار التعليمي للتلميذ ،واالمتحاانت نفسها تقيس األصل
االجتماعي للتلميذ ،وهذا ما ينعكس سلبا على أبناء الطبقة الشعبية ،ألن الطبقة الوسطى ثقافتها مكرسة يف
املدرسة بشرعية أعطتها هلا الطبقة العليــا ،يف نظر"بورديو" املؤسسة املثلى واليت تعمل وفق قواعد مبنية على
التفاوت االجتماعي وإعـ ــادة إنتــاجه ،أال وهو احلقــل املدرسي أكثر احلقول إبداعــا للتف ــاوت االجتماعي ،ويعـ ــد
املؤسس له واملنظم له كذلك ،هناك املدرسة تعيش وتضمن دميومتها منه ومن شرعيـ ــة التف ــاوت ،فتق ــوم بتوزيع ال
متك ــافئ للج ـزاءات الثق ــافية ،ومتنــح الرأمسال الثقــاف ـ ــي للبعـض ابعتبارهم الشرعيون الكتسابه ،وحترم البعض األخر
لعدم جــدارهتم ،فهي حتول الالمساواة االجتماعية وأسسها الثقافة القــائمة على الشهادات العلمية إىل المساواة
طبيعية من خالل فعل هتجيين ،فهـ ــي تستند إىل هــذه اجلدارة حني ترمزهـ ــا يف الشهادات العلمية ،وتشيئه ــا حيـ ــن
تعتربهـ ــا استحقاقا ع ـ ــادال طبيعي ــا لقـ ــدرات ومواهب فطري ـ ــة ،بذلك تكون املـ ــدرس ــة ض ــامنة المتيازات رأس املال
الثقايف ومعيدة إلنتاجه عرب اصطفاء صفوهتا ،لتكون الناطقة مبنطقها واملرتمجة لعقالنيتها ،من خالل خطاب
"علموي" تكنوقراطي حماي ــد واحتكاري ،ينطلـ ــق من املؤسسة التعليمية هي اجملسدة للعلم والناشرة له واحملافظة
عليه ،ومن هنا يعيد الن ظام الرتبوي إعــادة إنتــاج شرعيته عرب إنت ــاج املميـ ـزين اجتمــاعيا ،الذيــن يـ ـرثون مزايــاه ــا
ألهن ــم يستحقـ ــوهنـ ــا ،وتصبغ عليه ــم شرعيــة ثق ــافية ،يقــع استثماره ــا فـي عــالقة سلط ــة ،كم ــا أن االختبارات
تتضمن قواعد شكلية ختدم تطلعات املهيمنني ومصاحلهم ،والرتقاء من مكانة إىل أخــرى ،تلك املك ــانة اليت حتدد
موقعه يف سل ـ ــم الرتاتبية االجتمـ ــاعية عل ــى أنه اجل ــدي ــر والشرعي ابجلدارة ،أو الراسب واملطرود من فضاءات
النجاح والصعـ ــود ،ف ــرتسم من مث ـ ــة حدودها ،وتؤسس كي ــان كلهما (الراسب والناجح) هوية اجتماعية ،وتضع
مسافـ ــة بينهما ال ميكن جتاوزها بني الشرعي والالشرعي ،وتقوم بتوزيع األدوار انطالق ــا من التمييز الطبيعي ،أي
الذي تظهره يف صورة الطبيعي ،والذي يولد التمايز االجتماعي وجعل االمتحان الستلهام االعرتاف للكل بشرعية
األحك ـ ام املدرسية ،والرتتيبات االجتماعية اليت تشرعينها ،أين يقصى الفاشلي ــن ويرسبون ،ويسمح لقلة م ــن
6
شبكة ضياء للمؤمترات والدراسات
املؤهلني اعتبارا لشهادة االستحقاق أو املوهبة ،وجعلهم مفضلني عن اآلخرين ،وذلك من خالل االمتحاانت اليت
تستمد من منطق املدرسة وليس ما يؤخذ يف املدرسة ،أي قيم الطبقات املهيمنة اجتماعيا ،وبذلك تؤسس الوهم
الذي يؤسسها ومينحها الشرعية ،أي أن الدولة هلا إسرتاجتية إلعادة إنت ــاج الطبق ـ ــة املهيمنة يف اجملتمع ،وجعل
ذلك بشكل مسترت وخفي وراء قيم املساواة التعليمية للجميع واحملتوى املدرسي واحد للجميع ،ويؤكد "بورديو" أن
ال دولة فقدت العديد من امليادين ،وذلك بسبب السياسات اليت طبقت على األفراد ،سواء املساعدات اليت
خلقت جتمعات للمعاانة ،ألن الدولة ال تستطيع االعرتاف أهنا يف خدمة املهيمنني ،فهي ال تكتفي ابملراقبة ،بل
والصحة ... كالرتبية االجتماعية الوظيفة إىل تتجه
أما" رميون بودون " "" Boudon Reymondفي ــرى أن املدرسة ليست اجملال الذي يفـ ــرض منطقــه على
الفاعلني ،ب ــل هو حقــل أيـ ــن ينجزون األفراد إسرتاتيجياهتم ،أي أن الالمساواة التعليمية هي نتيجة المتحان هـذه
االسرتاتيجيات املختلفة للفاعلني الذين يشغلون وضعيات خمتلفة يف اجملال االجتماعي ،وينطلق من مسلمة نظرية
منهجية ،هي أن اجملتمع غري موجود ،والضبط االجتماعي ما هو إال اآلاثر املتحصل عليها يف املستوى اإلحصائي
من خالل جتميع عدد ال حيصى من السلوكات الفردية ،واخليارات التعليمية هي خيارات استثمارية منبثقة عن
رؤي ـ ــة مسبق ـ ــة للكلفـ ـ ــة واالجي ـ ــابيات املرتبطة مبختلف الوضعيات وكيفية حساب الكلفـ ــة والع ـ ـوائـد املرهونة
ابلوضعية اليت يشغلها الفاعلون يف اجملال االجتماعـ ـ ــي .إن تكافؤ الفرص التعليمية هو اختالف احتماالت
الوصول إىل خمتلف مستوايت التعليم ،تبعا لألصل االجتماعي إن أبناء العائالت ذات املستوى العايل اجتماعيا
يصلون يف حتصيلهم املدرسي إىل الدراسات العليا (اجلامعة) املعاهد العليا ،يف املقابل احتمال وصول أبناء
عائالت العمال البسطاء ضئيل جدا ،كما يظهر الالتكافؤ الفرص التعليمية أيضا يف املراحل الدراسية االنتقالية
أي مراحل التوجيه حنو التخصصات العلمية واألدبيـ ــة ،وبني التخصصات نفسها مثل :الطـ ــب ،التعليـ ـ ــم،
احملام ـ ــاة ،...وهذه املراحل مصريية جدا لألبـ ــناء والعـ ـ ــائالت ،ألهنا حتدد اخليارات املتاحة ،ويتجه أغلب أبناء الفئة
العمالية البسيطة إىل ختصصات قصرية املدى ،أما أبناء الفئة العليا يتجهون إىل التخصصات طويلة املدى ،وذلك
راجع إىل تكلفة التكوين ،بـ ـ ــدافع احلاجة يتوجه أبناء الفئات العمالية إىل التكوين القصري املدى من أجل العمل
لتلبية حاجياهتم وأسرهم ،ويؤكد" رميون يودون" أن الف ـ ــاعلني عقالنيني يضعون اختيارات ملستقبلهم وأيخذون يف
احلسبان أصلهم االجتماعي ،ألن مسارهم املدرسي حمدد قبلهم ،ويوظفون اجيابيات والتكلفة االقتصادية
واالجتماعية ،إلتباعهم دراسات طويلة أو قصرية املدى حسب انتمائهم الطبقي ،فالطبقات الشعبية يتجهون إىل
الدراسات القصرية املدى من أجل حتقيق مكانة أفضل لوضع اجتماعي أعلى من وضع آابئهم ،أما ابلنسبة ألبناء
7
شبكة ضياء للمؤمترات والدراسات
الطبقة العلـ ـ ــيا فاالستثمار الشخصي من خالل املدرسـ ـ ــة ل ـ ـ ــه أمهية كبرية ،حيث يسمح هلم ابحلفـ ــاظ على مكانة
آابئهم .إن هذه االسرتاجتيات املبنية على حسـ ـ ــاب الربح واخلسـ ـ ــارة ،وهي اليت بدورها تفسر املسارات املختلف ـ ــة
لألصل االجتماعي لألبناء وليست نسب النجاح ،ويـ ــرى" رميون بودون" أن أب ـ ـ ــناء الطبقات الشعبية ينقصهم
الطموح" ، "l'ambitionويف حال الرسوب يواجهون خطر كبري يف حياهتم االجتماعية ،ابملوازاة جند أن أبناء
الطبقات العليا ال ميثل هلم احلصول على" شهادة" كل شيء يف احلياة ،بل هلم عالقات العائلة وإمكانياهتا املادية
من ارث ثقايف وارث مادي ،أما ابلنسبة لألصـ ـ ــل االجتماعي يرى "رميون بودون" أنه ليس املؤشر الوحيد املفس ـ ــر
لالمساواة يف املدرسة ،بل الطموح واإلسرتاجتية مه ـ ـ ــا املؤشران احملددان للتفاعل مع اجملال االجتماعي لآلب ـ ـ ــاء ،أبناء
الطبقات الشعبية يتجهون إىل الرسوب الن طموحهم حمدود وفق اإلمكانيات املادية والثقافية اليت متتلكها العائلة،
يف املقابل ال يطال الرسوب أبناء الفئات العليا الذين ميتلكون الرأمسال املادي والثقايف للعائلة ،والذي يسمح هلم
واقعهم. وفق طموحاهتم ويؤسسون ومجاعية، فردية اسرتاجتيات ببناء
وينظر "فليب ابرنو " "Philipe Perrenoudللرسوب املدرسي من مفهوم نظامي ،يف البداية يؤكد على
أن الرسوب بعيد كل البعد على انه معطى طبيعي ،بل هو واقع أسسه النظام التعليمي ،ولتفسري الرسوب جيب أن
ال نركز على املفهوم املؤسسايت بل جيب الرتكيز على تكوينه ،ألن الصراع ضد الرسوب ليس نقمة طبيعية هو
صنيعة اتريخ طويل للنظام التعليمي وحالة العرض االجتماعي للمدرسة ،واليت تتحكم يف الوعي ابلالمساواة
واإلرادة السياسية حملاربته من خالل توفري مناخ دميقراطي يؤسس "فليب" للرسوب يف اجملتمعات القدمية اليت ال
توجد فيها مدرسة غري أهنا فيها الالمساواة كواقع والتسلسل اهلرمي ابمتياز ،كما أن هناك النجاح واإلخفاق يف
شىت األشكال بينما ال يوجد رسوب مدرسي ،والرسوب موجود من خالل وجود املؤسسة ،وهو موجود لدى أي
شخص مل يصل إىل النهاية ،مثال عندما ال نستطيع التعلم أو فهم شيء ما ،إن الرسوب هو نتيجة لألحكام اليت
تصدر من املؤسسة املدرسية وفقا لالمساواة واقعية عن طريق االمتحان الذي حيتمل أن يكون سهل أو صعب
لآلخرين ،كما أن الالمساواة الثقافية تلعب دور يف الرسوب أين تظهر أمناط ثقافية على حساب أخرى يف
املدرسة ،فالرسوب ال يبني فقط أن طارق يستطيع القراءة يف مقابل حممد ال يستطيع ،بل جيعل من الالمساواة
شيء اتفه ،يظهر الرسوب من خالل السياسات الرتبوية واخليارات يف احملتوى الرتبوي وطريقة التقومي ،واليت تؤسس
اإلخفاق . أو النجاح مواصفات تعطي حقيقة لالمساواة
التلميذ: ومهنة املدرسية اخلربة
أكد برونو أن العالقات البيداغوجية جتعل من التعليم نشط وال خيضع ملختلف األشكال وطرائق العمل املربجمة من
8
شبكة ضياء للمؤمترات والدراسات
طرف املعلم على مستوى العالقات اإلسرتاجتية التعليمية ،واملنهجيات املطبقة من طرف األساتذة توضيح أن مهنة
التلميذ ليست هلا مفهوم واحد ،الن العمل التعليمي حتكيمي ،حيث الشركاء يقيمون يف عامل الرموز الذي يتميز
بعدم الوضوح والتحكم فيه والتالعب فيه ،التالميذ جياهبون املهام املدرسية ،يضعون بعض من ذاتيتهم من اجل
املعلمني . على اعتمادا السلوكات تعديل
إن نشاط ال تلميذ كفاعل يف متدرسه ويف أثناءها يوظف عالقات وتفاعالت متعددة كما أن هناك وظائف عدة
للموقع أجلغرايف واألصل االجتماعي لألساتذة والتمثالت اليت يصنع من اجل متثل املستقبل بشكل دقيق ،إن
جمال االنتماء والبيئة االجتماعية والثقافية اليت تؤثر على استقبال املعارف من طرف التلميذ الن له عالقة ابآلابء
قبل املعلم ،هذا احد األسس لتفسري االختالفات املالحظة مابني التالميذ يف املدارس بوسط املدن واملؤسسات
املدرسية اليت تقع يف األحياء ألشعبية ،فالفئة األوىل تتبع تعليم عايل يتم التعرف عليه يف املدارس التحضريية
املستقبل. يف يواجهه مبا التلميذ يفاجئ الثانية أما الكربى واملدارس
إن التلميذ يعمل جبهد كبري الستدماج املعايري والقيم املدرسية واليت ليس هلا عالقة بطفولتهم ،وذلك من اجل بناء
هويته ألشخصية أين يواجهه أشياء يف املدرسة مل جيدها يف عائلته ،فهو ال يواجه شيء مستقر يف خربته ،ومن
خالل هذه احملددات واملتمثلة يف معايري املدرسة والثقافة املنحرفة وطرق تدخل األخصائيني تتشكل خربة التلميذ،
كما أن االختالفات بني البيئة اليت قدم منها التلميذ وبيئة املدرسة تؤدي إىل الرسوب .
ويرى دييب أن اخلربة املدرسية هي أسلوب الفاعلني أفراد أو مجاعات أين يضعون احتماالت خمتلفة ومنطقية للفعل
الذي يؤسس عامل املدرسة ،فالنظام املدرسي له ثالث وظائف تقابلها عند التلميذ ثالث أفعال من منطق التلميذ
وهي:
من انحية املدرسة الوظائف هي :وظيفة الرتبية والتوزيع(التأهيل حسب سوق الشغل والسلم االجتماعي) ،ووظيفة
التنشئة االجتما عية ،وأما التلميذ :له منطق الفر دانية(يبين فيه ذاته مقابل النموذج الثقايف) ،ومنطق اإلسرتاجتية
التلميذ) . دور االندماج(ليتقمص ومنطق اخليارات)، مردود (وفق
املدرسي: التسرب ضد حماولة
إن حماربة التسرب املدرسي ال تعين حتديد األهداف البيداغوجية ،وليست توضيح األهداف وممارسة تقييم على
املقاييس بل كذلك السماح بتنمية نشاط التلميذ وخلق جمال للتعاون حيسب العالقات اجليدة بني التالميذ ،الن
تصور التلميذ يف وضعية جيدة ال يعين ،أن نقدم له طموح وإمكانيات للتحكم يف املعارف والعلوم والتقنيات،
ومن اجل هذا جيب التدقيق أكثر على احملتوى الرتبوي ،وتوجيهه إىل أهداف واضحة واالهتمام ابلتقييم احلقيقي
9
شبكة ضياء للمؤمترات والدراسات
للمعارف واستدماجها ،ومن اجل مكافحة التسرب املدرسي جيب العمل مع التالميذ الذين يعانون صعوابت ،أي
املواجهة الدائمة واملستمرة ،ألن هلم تربية خمتلفة ،فهم ال حيبون املدرسة وال يبالون ابلقانون الداخلي وميرحون كثريا
طول الوقت وغري متعاونيني ،وهلذا جيب أن نشرح له كيف يبين منوذج مشروع وحده ويعتمد على نفسه ،وذلك
من خالل عملية اتصال جديدة مبنية على إعادة الثقة يف هؤالء الذين يعانون الصعوابت يف االندماج مع
ووعي. عقالنية بكل العائالت ومشاركة املدرسة،
إن ا لتسرب املدرسي حيدث بسبب الالترابط بني املمارسات البيداغوجية ألستاذ ومستوى جديد يعيشه التلميذ،
إن أساليب الديداكتيكية تضع تالميذ كثر يف صعوبة إضافية يف كل بداية سنة مدرسية جديدة ،جيب فهم ما
جيب انتظاره منهم ،فك الرموز يف بعض امليادين ،وهذا ال ميكن إدراكه أو فهمه يف أسابيع أو يف سوء بعض
النتائج ،إن جناح بعض التالميذ هو نتاج لفك رموز "نظام األستاذ" ،ألن خلف كل نظام هناك أساليب عمل،
غري أن هناك أساتذة ميارسون بيداغوجية غري ظاهرة ،بل وحىت متناقضة يف بعض األحيان .
املراجع: قائمة
ـ Anna Freud : le moi et les mécanismes de défense ,Col, bibliothèque de
psychanalyse .U.F, paris,1949,11e édition76p
ـ Daniel CALIN :les réactions psychique a l’échec scolaire, psychanalyse
magazine, n14,octobre, novembre,2002,pp02_03
Geneviéve Cavaye :psychologie ـScolaire,
ـ Francine Best :,L’échec Scolaire , Que Sais je , Presses Universitaires
de France,paris,1996,p2
_ ibid,p3
ibid ـp4
ـ IGOR Martinache : Stéphane Bonnéry,comprendre l’échec
10
شبكة ضياء للمؤمترات والدراسات
11
شبكة ضياء للمؤمترات والدراسات
12