Professional Documents
Culture Documents
O U o o o U o o U U U o U U U U U U o o o o o U Oyouu o o o U Oyo o o U o o U U o o o
O U o o o U o o U U U o U U U U U U o o o o o U Oyouu o o o U Oyo o o U o o U U o o o
O U o o o U o o U U U o U U U U U U o o o o o U Oyouu o o o U Oyo o o U o o U U o o o
يرى بعض الباحثين أن ما اتفق على تسميته باإلصالح اإلداري يرجع جذوره الى الدول
الغربية ،فأول حركة لإلصالح اإلداري قد ظهرت بداية في الواليات المتحدة االمريكية في
أوائل القرن العشرين داعية أجهزة اإلدارة العامة الى تحقيق الكفاءة في األداء واالقتصاد
في النفقات ،ولقد كان من ثمار هذه الحركة فصل السياسة عن اإلدارة واعتبار األخيرة
مجاال مستقال.
وقد انتقل االهتمام باإلصالح اإلداري الى الوطن العربي منذ خمسينات القرن الماضي على
إثر االستقالل السياسي لمعظم الدول العربية منذ الفترة التالية للحرب العالمية الثانية ،حيث
اتجهت الحكومات العربية نحو بناء جهاز الدولة ،وظل اإلصالح اإلداري في الوطن العربي
منذ ذلك التاريخ شعارا مرفوعا وحلما مطلوبا ،عقدت من أجله المؤتمرات وشكلت اللجان
السياسية والفنية واستقطبت له الخبرات واإلمكانات ،اال أن ما تحقق منه دون الطموحات.
فالجهد والموارد الكبيرة التي وجهت لعملية اإلصالح خالل ما يقارب نصف قرن قابلها تعثر
متزايد في أداء أوضاع األجهزة الحكومية.
وبما أن اإلصالح اإلداري يستند في مفهومه على ثالث منابع أساسية يجب أخذها بعين
االعتبار وهي النظرة السياسية والنظرة االجتماعية والنظرة الثقافية ،فقد تبنى خبراء
اإلصالح والتنمية العرب تعريف الدكتور حسن الطيب لإلصالح اإلداري على أنه "جهد
سياسية واداري واقتصادي واجتماعي وثقافي وارادي هادف إلحداث تغيرات أساسية
إيجابية في السلوك والنظم والعالقات واألساليب واألدوات تحقيقا لتنمية قدرات وامكانيات
الجهاز اإلداري بما يؤمن له درجة عالية من الكفاءة والفعالية في انجاز أهدافه" .ونشير
في هذا اإلطار الى أن هناك خلط كبير بين عدد من المصطلحات والمفاهيم التي تشير الى
عملية ادخال تعديل أو تحول في األجهزة اإلدارية ،مثل إعادة التنظيم اإلداري ،التنمية
اإلدارية ،التحديث اإلداري ،وغيرها من المفاهيم التي سنحاول تعريفها للتفريق بينها وبين
اإلصالح اإلداري.
2
-إعادة التنظيم اإلداري :يعني التحسين في جزئيات الجهاز اإلداري بالمعنى الهيكلي أو
الميكانيكي ،فيتم التركيز على اإلصالح دون االهتمام بتنمية عالقات عمل سلوكية وبمعزل
عن اإلطار البيئي الذي يحكم العملية اإلدارية.
-التنمية اإلدارية :هي عملية واعية مخططة منظمة جماعية ديناميكية شاملة هادفة الى
التغيير .تمثل الجهاز المسؤول عن النجاح اإلداري في المنظمة تشمل كل األنشطة الالزمة
الختيار وتهيئة العنصر البشري ألداء عمله بطريقة أفضل.
-التحديث اإلداري :هو عملية تهدف الى تطوير أو تغيير األدوات التقنية والنظم بحيث يتم
االنتقال من وضع اداري الى وضع اداري أفضل من حيث تالؤمه مع التقنيات واألساليب
التقنية الحديثة وبما يحقق أكثر كفاءة وفعالية في ممارسة العمليات وتسهيلها.
التنمية اإلدارية هي عملية تقترن بتنمية العنصر البشري وهي بهذا المفهوم تحمل
معنى التبعية لإلصالح.
اعادة التنظيم اإلداري أو التطوير اإلداري فتعني التحسين في جزئيات الجهاز اإلداري
وبهذا المعنى يبدو وكأنه مؤطر ضمن عملية أكثر اتساعا ،هي اإلصالح اإلداري.
التحديث اإلداري ينحصر غالبا في التركيز على تطوير أو تغيير األدوات التقنية
والنظم دون اإلحاطة بالخصائص البيئية المختلفة التي يعمل فيها.
وفق نظرة الباحثين ،فان اإلصالح اإلداري مفهوم أشمل وأعم من حيث أنه يرتبط
بطموحات مستقبلية وتوقعات ومتطلبات متجددة يسعى لتحقيقها بدرجة عالية من
الكفاءة وفق عملية من التكيف مع التغيرات البيئية.
أهمية الموضوع:
1مصطفى يوسف كافي ،اإلصالح والتطوير اإلداري بين النظرية والتطبيق ،دار ومؤسسة رسالن للطباعة والنشر والتوزيع ،دمشق،
،2012ص 63
3
تكمن أهمية الموضوع في ضرورة تكريس اإلصالح اإلداري وتحقيق أهدافه كرافعة لتنمية
اإلدارة العمومية وخدمة المواطن ،في ظل وجود مجموعة من المشاكل واالختالالت التي
تعاني منها اإلدارة ،وخاصة في مجال التنمية اإلدارية التي تتمثل في مجموعة من العوامل
السياسية واالقتصادية واالدارية والثقافية واالجتماعية .ومن أجل توضيح هذه األهمية
بشكل أعمق ،سنركز في هذا العرض على وصف مراحل اإلصالح اإلداري بالمغرب
والوقوف عن د كل مرحلة من أجل التقييم وجرد أهم المكتسبات والنتائج التي تم إنجازها،
واثار كل محطة من محطات مسلسل اإلصالح اإلداري بالمغرب.
إشكالية الموضوع:
وعليه ،يمكن طرح وصياغة اإلشكالية المحورية لهذا الموضوع على الشكل التالي:
الى أي حد أصبحت الدولة واعية بأهمية اصالح اإلدارة العمومية؟ وهل عرفت اإلدارة في
ظل محطات االصالح اإلداري التي مرت منها انتقاال من حالة الجمود والتقليد الى حالة
التطور والتحديث؟
المنهج المعتمد:
لإللمام باإلشكاليات المطروحة أعاله ومقاربة الموضوع من مختلف جوانبه ،تبرز أهمية
المنهج باعتباره السيرورة والكيفية المتبعة من أجل الكشف عن حقيقة علمية معينة ،أي
مجموع الخطوات التي يجب اتباعها بغية البرهنة أو الوصول إلى حقيقة ما.
وفي هذا اإلطار ،فإن الموضوع الذي نتناوله فرض علينا االعتماد على المنهج الوصفي
التحليلي ،والذي يهدف أساسا إلى جمع المعلومات وتصنيفها وتحليلها ،واخضاعها
للدراسات الدقيقة ،وذلك من خالل التعريف بمفهوم اإلصالح اإلداري وإبراز عالقته بتنمية
4
اإلدارة وتحديثها ،ثم المنهج النسقي ألنه ينسجم وموضوع بحثنا ،من خالل عمله على
ترتيب عناصر الموضوع في وحدة متجانسة ومترابطة خاصة واالهمية التي يحظى بها
اإلصالح اإلداري لدى اإلدارة العمومية والباحثين في مجال اإلدارة ،أضف الى ذلك المنهج
التاريخي الذي سنعتمد عليه في عرض المحطات التاريخية لإلصالح اإلداري بالمغرب.
خطة العمل:
إن موضوع االصالح االداري يطرح عدة إشكاالت ،مما استلزم منا تقسيم الموضوع إلى
مبحثين ،وكل مبحث عملنا على تقسيمه إلى مطلبين ،حاولنا فيها التدرج في المعطيات
والعناوين ،من خالل الحديث عن أهم مراحل اإلصالح اإلداري التي عرفها المغرب .لذلك
سنحاول معالجة هذا الموضوع وفق التقسيم التالي:
5
المبحث األول :اإلطار المفاهيمي لإلصالح اإلداري
لمفهوم اإلصالح اإلداري أهمية كبيرة كونه يشغل حيزا مهما من اهتمام مفكري اإلدارة،
هذا من جهة ،ومن جهة أخرى تأثيره المباشر في حياة المواطنين المتعاملين مع األجهزة
اإلدارية والمنظمات الحكومية ،وباألخص في مجال الخدمات العمومية ،أين يشكل اإلصالح
اإلداري األساس الذي تقوم عليه السياسات العمومية ألي منظمة إدارية ،فوظيفته هي
االستجابة لحاجيات المجتمع وتطوره كما وكيفا ،لهذا وجب االهتمام باإلدارة ورفع
مردوديتها وتحسين نشاطها ،وهذا عن طريق إدخال اإلصالحات المختلفة ،لهذا نجد العديد
من الدول تبذل جهودا كبيرة وتنفق أمواال هائلة قصد إنجاح هذا المشروع وتقديم خدمات
نوعية وفعالة للمواطنين ،وهذا ما سنتطرق إليه في هذا المبحث الذي يعالج مطلبين
أساسيين ،أحدهما يدور حول اإلطار العام لإلصالح اإلداري ،والثاني يتعلق بمفهوم اإلصالح
اإلداري وأهدافه ودواعيه.
إن لتحديد المفاهيم أهمية بالغة في كل دراسة وبحث ،لهذا نتطرق في هذا المطلب األول
إلى بيان العناصر الرئيسية لهذا الموضوع ،وهذا بضبط مفهوم كل من اإلصالح (الفقرة
األولى) واإلدارة (الفقرة الثانية).
يعد اإلصالح من أهم الموضوعات شيوعا في حقل اإلدارة ،فلقد كان محل اهتمام من طرف
الباحثين ودارسي اإلصالح اإلداري ،وتم نشر العديد من الكتب والمقاالت عنه ،بهدف تحديد
مفهومه وبيان البرامج المؤدية لتحقيقه.
6
اإلصالح في اللغة العربية من الصالح ،وهو ضد الفساد ،وأصله الفعل الثالثي صلح ،وأصلح
أي إعادة الشيء إلى حالة حسنة ،وإزالة ما هو فاسد أو تلف أو عطب ،ونقول أصلح من
عمله أي أتى بما هو صالح ونافع.2
كما ورد مصطلح اإلصالح في القرآن الكريم بعدة معاني ،منها ما يقابل الفساد في قوله
سبحانه{ :وال تفسدوا في األرض بعد إصالحها} ،3وكذلك في قوله تعالى{ :وال تجعلوا الله
عرضة أليمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم}.4
يعرف قاموس أكسفورد اإلصالح على أنه "تغيير أو تبديل نحو األفضل في حالة األشياء
ذات النقائص وخاصة في المؤسسات والممارسات السياسية الفاسدة أو الحائرة إزالة بعض
التعسف أو الخطأ".
إذن هذا هو ما يوازي التقدم ،وينطوي جوهريا على فكرة التغيير نحو األفضل ،وهذا من
أجل تحقيق األهداف الموضوعية من قبل أصحاب القرار في حقل معين من حقول النشاط
اإلنساني ،فهو اإلرادة الباعثة على الخير وتقويم االعوجاج.
ويمكن تعريفه أيضا على أنه تغيير قواعد عمل النظام المجتمعي ،ومعالجة القصور
واالختالل الذي يعيق التنمية والنهوض بالمجتمع في جميع مناحيه االقتصادية والسياسية
واالجتماعية ،وباألخص اإلدارية كونها حلقة الوصل بين كل تلك المجاالت المذكورة آنفا.5
2محمد بن أبي بكر الرازي :مختار الصحاح ،الطبعة الثانية ،المكتبة العصرية للطباعة والنشر ،بيروت ،1993 ،ص .172
3سورة األعراف ،اآلية .63
4سورة البقرة ،اآلية .222
5رفيق بن مرسلي :األساليب الحديثة للتنمية اإلدارية بين حتمية التغيير ومعوقات التطبيق ـ دراسة حالة الجزائر ،2001رسالة
لنيل دبلوم الماجستير في العلوم السياسية ،جامعة الجزائر ،2011 ،ص .22
7
تلعب اإلدارة حلقة الربط بين السلطة والمواطن ،لهذا فهي أصبحت مشروع عمل يسهر
على تنفيذ وتحقيق أهداف محددة ذات أبعاد اجتماعية ،لهذا تبذل الدول جهودا حثيثة لتطوير
هياكلها اإلدارية وتحديد أهدافها.
-عند العرب :جمع دور ،المصدر إدارة ،أدار العمامة على الرأس أي لفها ،حيث كان
للعمامة مكانة وقيمة لإلمام أو قائد الجيش.6
-عند الغرب :اإلدارة مشتقة عن الكلمة الالتينية " "Ministre Toddوالتي يقال
عنها في اللغة الفرنسية " ،"Administrationأي تقديم العون لآلخر ،أو تقديم
الخدمة للغير ،ومعناها أيضا النظام والترتيب الذي يحقق هدفا ما ،لهذا يؤكد الكثيرون
أن نجاح تسيير الدول هو تصور إدارة محكمة فكرا وتطبيقا.7
لإلدارة عدة مفاهيم ،وهذا بحسب المهتمين بدراستها وحسب المنظرين لها ،فعرفها "فيغر"
في كتابه التنظيم اإلداري :تنظيم وجيه للموارد البشرية والمادية لتحقيق أهداف مرغوبة.8
إذن فالنشاط اإلداري نشاط مميز عن باقي األنشطة ،إنه ينصب على النشاط الجماعي ال
الفردي ،وإن العملية اإلدارية تشتمل على التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة ،وتتضح
هذه الخطوات كاآلتي:9
-التخطيط :هو عملية ذكية وتصرف ذهني لعمل األشياء بطريقة منظمة للتفكير قبل
العمل ،والعمل في ضوء الحقائق بدل التخمين؛
6محمد الصيرفي :إدارة األعمال اإللكترونية ،دار الفكر الجامعي ،اإلسكندرية ،مصر ،2003 ،ص .13
7محمد الصيرفي :مرجع سابق ،ص .13
8محمد الصيرفي :مرجع سابق ،ص .13
9صبري أحمد شلبي :دور الحوكمة في اإلصالح اإلداري ـ دراسة مقارنة بين الدانمارك ولبنان ،رسالة لنيل الماجستير في العلوم
القانونية ،األكاديمية العربية في الدانمارك ،2016 ،ص 63ـ .67
8
-التنظيم :هو تقسيم العمل إلى عناصر ومهمات ووظائف وترتيبها في عالقات سليمة
وإسنادها إلى أفراد وسلطات تسمح بتنفيذه بطريقة منظمة؛
-التوجيه :وهو الكيفية التي تمكن اإلدارة من مواجهة الفروق الفردية في بيئة العمل
وتحقيق التعاون بين العاملين وتحفيزهم للعمل بأقصى طاقاتهم مع توفير النية
إلشباع حاجاتهم وتحقيق أهدافهم؛
-الرقابة :أي اإلشراف والمتابعة من سلطة أعلى قصد معرفة كيفية سير األعمال
والتأكد من الموارد المتاحة ومدى استخدامها وفقا للخطة الموضوعة أم ال.
لذا فاإلدارة هي علم وفن إلبراز المؤهالت القيادية والمهنية التي ال يستطيع أن يمارسها إال
ذوي االختصاص والخبرة ،ودون اإلدارة ال يمكن البدء بأي عملية تنموية ،لذا نجد جميع
المدارس على اختالف مذاهبها قد أجمعت على أن اإلدارة هي فاعلية تتولى قيادة أي نشاط
إنساني تخطيطا وتنفيذا وتنظيما وتنسيقا.10
فاإلدارة هنا تعتبر استمرارا لإلمكانيات المادية والبشرية لتحقيق مختلف األهداف المنشودة
على أحسن وجه.
تصبح إذن اإلدارة لها معنى دقيق وهو مجموع الخطوات المتتالية والمتعاقبة التي تهدف
إلى توجيه الموارد البشرية والمادية نحو تحقيق األهداف المنشودة وذلك عن طريق تنسيق
الجهود والترتيب الهادف لعنصر اإلنتاج.11
وعلى ضوء هذا التعريف يمكن تحديد عدة صفات لإلدارة يمكن إجمالها فيما يلي:12
-اإلدارة ضرورية وهذا بسبب تقييم العمل واالختصاص واألنشطة وتنوعها في
الجماعات والتجمعات البشرية واختالف إمكاناتها ومواردها ،فال بد من التنسيق فيما
بينها للحصول على أفضل النتائج؛
عبد الرحمان تبشوري :التنمية اإلدارية واإلصالح اإلداري ،الحوار المتمدن ،العدد ،2003 ،122ص .1 10
رايس حدة ولخضر مرغاد :اإلدارة باألهداف واإلدارة بالقيم في منظمات األعمال ،ابتراك للنشر ،الجزائر ،2003 ،ص .10 11
أحمد عبد السالم دباس :اإلصالح اإلداري كمدخل لإلصالح الشامل ،دون ذكر الطبعة ،القاهرة ،مصر ،ص .6 12
9
-اإلدارة موجودة في كل التجمعات البشرية على اختالف حجمها ونطاقها وهي قاسم
مشترك مساعد على تحقيق األهداف؛
من خالل تحليلنا لهذه الصفات يمكن لنا استخالص أهمية اإلدارة عموما فيما يلي:13
-اإلدارة تسعى إلى بلوغ األهداف عن طريق أسلوب متفق عليه بين الرؤساء
والمرؤوسين ،وهذا يعني إثراء الخطة وتحفيز العمال وإظهار االستعدادات لتغيير
الهياكل غير المالئمة وتحقيق الفعالية وتحسين مستوى األفراد؛
-تعد اإلدارة أداة فعالة لتنفيذ المشاريع وضمان نجاحها عن طريق الجهود والمشاركة
الفعالة ،أي جعل األفراد يتحدون لهدف عام ومشترك ومحدد؛
-تعتبر اإلدارة حافزا للجهود اإلنسانية ،وهي المدبرة للعناصر الالزمة لإلنتاج من
معدات وموارد وأموال ...إلخ؛
-تعتبر اإلدارة عين المشروع الخارجية والداخلية ،وهي محور النشاطات واألوامر،
وهي أساس دفع األفراد الستقبال القرارات وتنفيذها ،وكما تعمل على جمع المعلومات
وتحليلها ورصد المشاكل ومحاولة حلها.
المالحظ اليوم أن الجهاز اإلداري لدى كثير من الدول ،وخاصة النامية منها والصاعدة،
يواجه مشكالت من حيث التخطيط والتنظيم وكذا التنفيذ ،مما جعله غير قادر على تلبية
مستلزمات التطور ومتطلبات التنمية .لهذا البد من إقرار سياسة اإلصالح اإلداري ،وهذا ما
يدفعنا إلى ضرورة بيان مفهومه (الفقرة األولى) وكذا تحديد أهم دواعيه واألهداف التي
يسعى إلى تحقيقها (الفقرة الثانية).
من السمات األساسية التي يتصف بها علم اإلدارة وتطبيقاته المختلفة في كافة ميادين الحياة
هي الديناميكية والحركية وسرعة االستجابة للتطور والتقدم العلمي والتقني وبما يتماشى
مع التغييرات الحاصلة في البيئات السياسية واالجتماعية والثقافية وغيرها .ولذلك كانت
وال تزال ت ظهر اتجاهات جديدة في مختلف دول العالم وخاصة المتقدمة منها تؤكد ضرورة
تحديث األنظمة والهياكل اإلدارية وأساليبها وأدوات وتقنيات عملها ،وذلك من أجل رفع
وتحسين مستوى كفاءة األجهزة العامة لإلدارة.
لقد قدم علماء اإلدارة مجموعة كبيرة من المصطلحات الدالة على عمليات التحديث والتطوير
منها :التنمية اإلدارية ،اإلصالح اإلداري ،التطوير اإلداري ،إعادة الهيكلة ،الهندرة ...وغير
ذلك كثير من المصطلحات ،لكن جميع هؤالء العلماء لم يتمكنوا من تقديم تعاريف موحدة
لهذه المفاهيم نظرا لتباين مدارسهم واتجاهاتهم الفكرية والعلمية والسياسية.
اإلصالح اإلداري وفقا لهذا المدلول يعني القيام على فكرة الثقة في أن "الدول الغربية قد
حققت أفاقا عالية من الكفاءة اإلدارية ،تلك التي يكون نقلها إلى الدول النامية أمرا
ضروريا" ،ويكون اإلصالح اإلداري طبقا لهذا التعريف هو "عملية نقل التكنولوجيا
الغربية".
11
كما عرف مؤتمر اإلصالح اإلداري في الدول النامية الذي عقدته هيئة األمم المتحدة بجامعة
"ساسكي" البريطانية سنة 1791عملية اإلصالح اإلداري على أنها "حصيلة المجهودات
ذات اإلعداد الخاص التي تستهدف إدخال تغييرات أساسية في المنظمة اإلدارية العامة من
خالل إصالحات على مستوى النظام جميعه ،أو على األقل من خالل معايير لتحسين واحدة
أو أكثر من عناصرها الرئيسية مثل الهياكل اإلدارية واألفراد والعمليات اإلدارية".
كما هو واضح من التعريفيين السابقين فإن األول تناول مسألة اإلصالح اإلداري على أنها
عملية نقل تقنيات فقط من الدول المتقدمة إلى الدول النامية متجاهال مسائل اإلصالح
المرتبطة بالهياكل والنظم اإلدارية وتخفيف المركزية وتطوير األطر البشرية وغيرها .أما
التعريف الثاني فإنه لم يتطرق ألثر البيئة السياسية أو االقتصادية أو االجتماعية على
نشاطات اإلصالح وهذا يعني إنكار هذه المدلوالت الرئيسية في أية مسألة لإلصالح
االقتصادي أو اإلداري.
وبناء على ما تقدم يمكن التأكيد على أن المدلول اإلداري لمفهوم اإلصالح يجب أن يعالج
المسائل المتعلقة بكفاءة أجهزة اإلدارة العامة من خالل تبسيط اإلجراءات وإعادة هيكلة
الجهاز اإلداري وتطوير منظومة القوانين والتشريعات اإلدارية.
ويؤكد بعض الخبراء في اإلدارة ردا على المدلول اإلداري لمفهوم اإلصالح أن هناك مشاكل
معينة تعوق عمل المنظمات اإلدارية أي تعوق سبيل تحقيقها ألهدافها العامة وتلك المشكالت
أو المعوقات تحتاج لعالج أو إلصالح إداري كي تتمكن اإلدارة العامة من تأدية واجباتها في
تحقيق األهداف العامة ،ومرد تلك المشكالت إلى أحد أمرين :فإما أن تكون نابعة من داخل
أجهزة اإلدارة العامة ،أي أن أسبابها كامنة داخل األجهزة أو المنظمات اإلدارية العامة،
وإما أن تكون نابعة من خارجها ،أي من البيئة الخارجية واألجهزة السياسية واالقتصادية.
وهناك فريق من الباحثين يفند المدلول اإلداري لإلصالح على اعتبار أن هذا األخير له أبعاد
أوسع وأشمل من مجرد حصره في نطاق الجهاز اإلداري المحدود ،حيث أن أي نظام يعتبر
جزءا ال يتجزأ من مجموعة نظم أخرى ذات طبيعة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية
12
تؤثر وتتأثر بالنظام اإلداري السائد ،وهذا يعني أن أي تغيير إداري غير كاف ما لم يكن
جزءا من تغيير شامل بجميع نواحي الحياة االجتماعية والسياسية واالقتصادية.
يربط العديد من الباحثين اإلداريين اإلصالح اإلداري باإلصالح السياسي أو بالنظام السياسي،
لدرجة أن البعض يؤكد أن اإلصالح اإلداري يقوم أساسا على اإلصالح السياسي وبدون هذا
األخير ال معنى لألول وخاصة في الدول النامية حيث عرف البعض اإلصالح اإلداري بأنه
"تلك العملية السياسية التي تصيغ من جديد العالقة ما بين السلطة اإلدارية والقوى المختلفة
في المجتمع" ،وهذا يستتبع أن مشاكل الجهاز اإلداري هي باألصل سياسية وبالتالي فإن
معالجتها يجب أن تأتي من قمة الهرم السياسي ،على اعتبار أن وظائف الدولة تتسع وتتعمق
أفقيا وعموديا.
يؤخذ على هذا المدلول أنه يوازن ما بين السلطة التنفيذية وباقي سلطات الدولة من حيث
ضرورة التوافق في برامج اإلصالح بالنسبة لمستويات التنظيم اإلداري والسياسي ،ألن
تغليب اإلصالح اإلداري على السياسي سيقود إلى سيطرة الجهاز اإلداري على سياسة
الدولة ،لهذا فإنه من المطلوب تحقيق التوافق في برنامجي اإلصالح اإلداري والسياسي
معا.
ترجع أهمية هذا المدلول إلى نشأة علم اجتماع اإلدارة العامة ،ذلك العلم الذي كان له أكبر
األثر في توجيه أنظار الباحثين إلى أهمية الوسط االجتماعي في دراسات اإلدارة بصفة عامة
وفي جهود اإلصالح اإلداري بصفة خاصة ،حيث أن األساليب والمفاهيم اإلدارية ما هي إال
العناصر الالزمة لكي تحقق المنظمات اإلدارية أهدافها في إطار اجتماعي محدود لها في
ضوء الظروف والمعطيات االجتماعية ،ولهذا فإن العملية اإلدارية ال يمكن استيعابها إال
بالفهم الكامل ألبعاد الوظيفة االجتماعية للمنظمة ،حيث أن المنظمات اإلدارية ما هي إال
أنظمة اجتماعية فرعية تتكامل في نظام أكبر هو النظام االجتماعي.
13
ويؤكد بعض الخبراء البعد االجتماعي لإلصالح اإلداري الذي يربطه بعملية ترشيد وإصالح
يساعد على التقدم والتحول في البناء االجتماعي وهو يعكس إلى حد ما إيديولوجية النظام
االقتصادي واالجتماعي السائد في الدولة.
ويرى فريق آخر من العلماء أن اختالف آراء الباحثين حول مفهوم اإلصالح اإلداري يعود
لعدة أسباب أهمها :أن اإلصالح اإلداري له مفهوم معياري قيمي وله أبعاد أخالقية متعددة
ذات أهداف تختلف معايير قياسها (اإلصالح يمثل عملية تنموية وسياسية واجتماعية لها
جوانب تنفيذية واقتصادية) ليس عالجا فقط لسلبية إدارية بل هو مضامين سياسية
واجتماعية وارتباط بعملية تحول من وضع آلخر.
يعتبر "جيرالد كايدن" من أهم أنصار البعد االجتماعي لإلصالح اإلداري حيث يرى أن
"التغير االجتماعي يشكل اإلطار العام لإلصالح اإلداري ،وال يمكن التحدث عنه بمعزل عن
التغير أو التطور االجتماعي إذ أن كليهما يساند اآلخر ويتداخل معه ،هذا يعني بأن اإلصالح
اإلداري هو نتيجة حتمية وطبيعية لتطور القوى االجتماعية التي تسعى لتحقيق التطور
اإلداري المطلوب ليس بصورة تلقائية بل بصورة إرادية مدروسة".
وهكذا فإن المدلول االجتماعي لإلصالح اإلداري ال يمكن تجاهله على اعتبار االرتباط القائم
بين النظام اإلداري من جهة والنظام االجتماعي من جهة أخرى ،وهي حقيقة علمية تقوم
عليها نظرية اإلدارة العامة ،وال مناص من األخذ بها كشرط أساسي لتطبيق األسلوب العلمي
لإلصالح اإلداري.
من خالل االستعراض السريع لمدلوالت اإلصالح اإلداري من النواحي اإلدارية والسياسية
واالجتماعية فإنه ال يمكننا إال أن نسلم بضرورة تكامل هذه األبعاد الثالثة مع بعضها البعض
لتشكل النسيج الشامل والمتوازن لمفهوم اإلصالح اإلداري الذي ال تكتمل مضامينه في ظل
غياب البعدين السياسي واالجتماعي.
14
إن لإلصالح اإلداري مجموعة من األهداف والغايات التي بدونها يفقد اإلصالح اإلداري
أهميته ومبرر مشروعيته ،ويمكن حصر هذه األهداف في النقاط اآلتية:14
-تبني اإلدارة االستراتيجية في مختلف مجاالت العمل من خالل تنمية قدرات الجهاز
اإلداري على التعامل مع البيئة الداخلية والخارجية؛
-تبني األنماط والمداخل الحديثة في البناء النظمي وإعادة الهياكل التنظيمية لمنظمات
الجهاز اإلداري لتحقيق المرونة واإلنتاجية لمتطلبات التغير والتطور والتكيف مع
متغيرات البيئة؛
-إشاعة مفاهيم الالمركزية اإلدارية واالبتعاد عن مركزية اتخاذ القرار وتنمية مهارات
التعويض لدى القيادات اإلدارية وتمكين اإلدارات من تحمل المسؤولية؛
-اعتماد شمولية تقويم األداء للمنظمات من خالل األهداف المحددة لها مع التركيز
على المسؤولية االجتماعية ،أي تقويم األداء واألعمال المنجزة والتكاليف المالية
وحجم االستثمار وربطه بمتطلبات المجتمع؛
-العمل على تنمية االتجاهات اإليجابية نحو العمل واالعتماد عليه والتوسع في مجاالت
التأهيل والتدريب والتطوير؛
-اعتماد أساليب تحقيق الكفاءة االقتصادية من حيث رفع اإلنتاج وتقليص الكلفة
وزيادة االستثمار؛
-تطوير صيغ وأساليب العمل اإلداري والقوانين والتشريعات ذات العالقة بما يساهم
في تحقيق السرعة والدقة في اتخاذ القرارات؛
-تكوين القدرات الذاتية لمنظمات األجهزة اإلدارية من أجل مسايرة التغير وتشخيص
وحل المشكالت ووضع الخطط للتطور المستقبلي ومواجهة المستجدات بكل
مرونة.15
لهذا يؤكد المفكرون أن اإلصالح اإلداري عموما هدفه يكمن في تعزيز عملية التحول
الديمقراطي ،وتنشيط اإلجراءات اإلدارية وتحسين أساليب التعامل مع المواطن/المرتفق،
وهذا من منطلق تحسين مستوى األداء في الجهاز اإلداري ،وترشيد اإلنفاق الحكومي لخدمة
الكل ،وهذا عن طريق مالءمة اإلدارة العامة مع مهام الدولة ،قصد إشباع حاجات المواطنين،
وهذا بواسطة تحديث وتفعيل الجهاز اإلداري ككل ،وهذا يعرف تباينا من دولة إلى أخرى.16
نتيجة تضاعف المؤسسات العامة وعدد الوظائف والموظفين ،أصبح الجهاز اإلداري لبعض
الدول يواجه الكثير من المشاكل التخطيطية والتنظيمية وكذا التنفيذية ،وهذا ما جعله غير
قادر على تلبية مستلزمات التطور الجديد ومتطلبات التنمية ،لهذا البد من حصر ألهم
األسباب الدافعة لعملية اإلصالح اإلداري ،والتي أرجعها الباحثون إلى عدة أسباب وعوامل
نجرد أهمها كاآلتي:17
15عبد القادر كأس :اإلدارة العامة واإلصالح اإلداري في الجزائر ،رسالة لنيل دبلوم ماجستير في العلوم السياسية والعالقات الدولية،
جامعة الجزائر ،2002 ،ص .32
16
Arabic Britich Academy for Hiyher education, P 44.
17عاصم األعرجي :نظريات التطور والتنمية اإلدارية ،وزارة التعليم العالي ،بغداد ،العراق ،1922 ،ص .23
16
-عوامل سياسية :وتتمثل في ضرورة تغيير دور الدولة ،فالحكومة أصبحت مجرد
فاعل واحد ضمن فاعلين آخرين يسعون لخدمة المواطن؛
-عوامل اقتصادية :تتضمن الضغوط المالية واالقتصادية نتيجة تزايد اإلنفاق الحكومي
وعدم القدرة في الكثير من األحيان على مواجهة اإلنفاق المتزايد؛
-عوامل فنية :وباألخص التطور التكنولوجي وما طرحه من وسائل حديثة تعمل على
توفير الخدمات والحصول على المعلومات ،وكذا توسيع المؤسسات العلمية التي
تعالج فكرة اإلصالح اإلداري وتسانده18؛
-عوامل اجتماعية :تعتبر الروابط االجتماعية عامال رئيسيا في الجانب اإلداري ،أي
فكرة عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وعدم محاسبة المقصرين،
وهذا ما يدفع إلى هجرة األدمغة إلى الدول المتقدمة ،األمر الذي ينعكس سلبا على
الجهاز اإلداري وينتج عنه ضعف وقلة الكفاءة.19
أما فيما يخص العوامل اإلدارية فتتمثل في غياب الكفاءات المؤهلة والمختصين في المراكز
القيادية العليا ألجهزة الدولة ،وانتشار التقليد األعمى للدول المتقدمة في أساليبها اإلدارية
دون مراعاة الفوارق الموجودة بين دولة وأخرى ،وكذا االستخدام غير المشروع لألموال
العامة وإهمال المصلحة العامة ،زيادة على ذلك تعقيد اإلجراءات اإلدارية الذي يؤدي إلى
عرقلة األداء الجيد وإضاعة الوقت والجهد ،دون نسيان أن بعض اإلداريين يرفضون
ويقاومو ن التغيير ،وهذا ما يؤدي إلى تعثر الجهود المبذولة لإلصالح .ونجد كذلك فكرة
ليلى مصطفى البرادعي :االتجاهات المعاصرة في دراسة اإلصالح اإلداري ـ دراسة مسحية ،دون ذكر الطبعة ،2010 ،ص .69 18
عبد العالي ميرغي :التطوير التنظيمي والخوصصة العربية ،منظمة العلوم اإلدارية ،عمان ،األردن ،1927 ،ص .62 19
17
التقييم غير الموضوعي للموظفين حيث يتم التشديد مع البعض وغض النظر عن البعض
اآلخر ،مع انتشار ظاهرة التسابق نحو المناصب العليا مما جعل البعض من اإلداريين يرتدي
ثوب اإلخالص والنزاهة واألمانة وباطنه عكس ذلك ليحقق غايته .وعموما وإن تعددت
األسباب الدافعة فالهدف واحد وهو ضرورة اإلصالح اإلداري قصد تحقيق األفضل للدولة
والمواطن معا.20
سعى المغرب منذ استقالله إلى بناء دولة حديثة ولذلك فقد تم سن مجموعة من القوانين
إلى جانب تبني أول دستور مغربي مكتوب سنة .1791كما تم إحداث مجموعة من البنى
االدارية والمؤسسات السياسية.
وكما هو الشأن بالنسبة للمجال السياسي واالقتصادي ،حظي المجال االداري بنوع من
االهتمام من طرف الدولة المغربية باعتبار المهمة الجسيمة التي تناط بالسلطة التنفيذية
وأجهزتها اإلدارية.
ولرصد التطورات التاريخية التي شهدها مجال التدبير العمومي بالمغرب ،يجب التفريق بين
ثالث مراحل أساسية نظرا لما شكله هذا التقدير من كتابات واسعة شملت جميع الصحف
الوطنية ،ولما استنهضه من قراءات همت مجاالت اصالح اإلدارة وتحديثها ،المرحلة األولى
تمتد منذ حصولنا على االستقالل الى حدود بداية التسعينات وهي مرحلة عرفت بتأسيس
اإلدارة المغربية بعد االستقالل وعرفت كذلك بالمبادرات اإلصالحية المتفرقة ،والمرحلة
الثانية تمتد من التسعينات الى حدود تجربة حكومة التناوب ،وهي مرحلة اإلصالح اإلداري
الشمولي ،والمرحلة الثالثة تمتد من نهاية التسعينات الى االن وهي مرحلة انتقلت فيها
اإلدارة المغربية من اإلصالح الى التحديث.
زكي راتب غوشي :أخالقيات الوظيفة في اإلدارة العامة ،مطبعة التوفيق ،1926 ،ص .63 20
18
تشكل اإلدارة الوسيلة القانونية والدستورية التي تستخدمها الدولة لتنفيذ برامجها ،فهي
جوهر كل بناء ونماء في كافة واجهات الحياة العامة والمناخ العام للتنمية المستدامة.
وبالتالي فهي تتموقع في صلب عمل الدولة ،كما أن تطورها يخضع لطبيعة عالقتها
بالمجتمع ،ومدى قدرتها على أن يجعل منها أداة لخدمته .
وعليه ؛ فالحديث عن اصالح اإلدارة يستلزم الوقوف عن الخلل و البحث عن مخرج له،
ومن هنا فإن اإلجابة عن اإلشكالية المحورية لهذه الدراسة ،تتطلب إلقاء نظرة على الجهاز
اإلداري ،حيث تبين أن هناك فرقا كبيرا بين الفعل والنوايا ،هذه المفارقة التي تكشف عن
األزمة التي تطال الجهاز اإلداري ،إذ تعتريه مجموعة من النواقص واالختالالت ،كما تواجهه
الكثير من التحديات ،تجعل من مسألة تطوير وتحديث اإلدارة ضرورة كانت وما زالت ملحة،
ألن اإلدارة العمومية تدخل في عالقة جدلية مع كافة مكونات المجتمع ،فهي تتلقى األزمات
وفي نفس الوقت هناك ترقب مستمر لردود فعلها.
ورغم العديد من اإلصالحات التي حاولت السلطات العمومية القيام بها لتجاوز هذه
االختالالت؛ فإنها لم تؤت أكلها ،وذلك إما بسبب عدم شموليتها واالقتصار على بعض
التعديالت الجزئية ،أو بسبب غياب رؤية موحدة ومشتركة؛ نتيجة إلكراهات الواقع أو تحت
واقع الضغوط الخارجية.
من هذا المنطلق بات من الضروري التوجه نحو سياسة إصالحية جذرية تروم اصالح
اإلدارة وتحديثها وجعلها تستجيب لمتطلبات المواطن ،ومواكبة التغيرات التي يعرفها العالم،
لهذا اهتم الخطاب السياسي الرسمي بسياسة االصالح اإلداري واتجه الى وضع سياسات
عامة تهم كل القطاعات.
الفقرة األولى :تشكيل اللجنة الوطنية إلصالح اإلدارة العمومية سنة 1791
بدأت بوادر إصالح اإلدارة العمومية مع تشكيل المغرب سنة 1791لجنة وطنية لإلصالح،
إذ فحصت المشاكل التي تواجه اإلدارة ،وأصدرت مجموعة من التوصيات إال أن غالبيتها
19
تمحورت حول المشاكل القانونية كمراجعة النظام األساسي للوظيفة العمومية ،وإصالح
الهياكل اإلدارية.
وقد كان التقرير الذي أصدره البنك الدولي حول اإلدارة المغربية سنة 1771قد رصد
مجموعة من االختالالت البنيوية التي عرفتها اإلدارة أهمها عدم فعالية المساطر واإلجراءات
اإلدارية ،التسيير الروتيني المتميز بالتأخر في مسلسل اتخاذ القرارات ،تمركز الخدمات
وسلطة القرار بالعاصمة ،ضعف اإلنتاجية .إضافة على إشكاليات أخرى مرتبطة بنظام عدم
التمركز اإلداري ،وتحديث نظام الوظيفة العمومية ،وعقلنة الموارد البشرية.
بمجيء حكومة التناوب السياسي ،عرف مسار اإلصالح منعطفا آخر حيث جاءت تلك
الحكومة بفكرة “ميثاق حسن التدبير” وذلك خالل سنة ،1777حيث تمركزت أهم أهدافه
حول المداخل األساسية التالية؛
تخليق المرفق العمومي :عبر إنعاش ثقافة األخالق بالمرفق العمومي ،من خالل
مقاومة كل أشكال االنحراف التي تعرفها اإلدارة العمومية والشطط والتعسف في
استعمال السلطة ،والنهوض بمبادئ الشفافية وعقلنة المال العام ،وأخيرا حسن
اإلنصات للمواطنين واستقبالهم.
عقلنة التدبير :من خالل التخفيف من حدة البيروقراطية وإعادة تنظيم هياكل اإلدارة،
وإقرار سياسة فعلية للتمركز إداري ولسياسة الالمركزية الفعلية ،عبر منح
اختصاصات فعلية المصالح الخارجية ومدها بالموارد البشرية والمالية ،في المقابل
إعطاء اإلدارة المركزية مهام الضبط والتأطير والتخطيط والتشريع والتقويم.
20
نظرا لتنامي الدعوات الى ضرورة اصالح اإلدارة المغربية في ظل العراقيل والصعوبات
التي تواجه اإلدارة من جهة ،ومن جهة أخرى الى التغيرات التي عرفتها بنية المجتمع
المغربي اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا واداريا ،فقد تم تنظيم المناظرة الوطنية األولى حول
اإلصالح اإلداري بالمغرب يومي 12و 12ماي ،1111والتي رصدت مجموعة من مظاهر
القصور في أداء اإلدارة المغربية في النقط التالية؛
وعلى هذا األساس ركزت المناظرة على سبعة مداخل لإلصالح ويتعلق االمر بما يلي:
21
تنمية استعمال تكنولوجيا المعلومات واالتصال.
وخالل سنة 1111ظهرت محاوالت أخرى إلصالح اإلدارة ،انطالقا من المحاور التالية
إقامة عالقات جيدة بين اإلدارة والمواطنين ترتكز على الشفافية وتحسين الجودة؛
لقد أصبح خطاب إصالح اإلدارة وتحديثها أكثر جدية بعد دستور 1111الذي قام بتكريس
هذا التوجه ،حيث حث على تغيير أنماط التدبير اإلداري والمالي ،وااللتجاء إلى التقنيات
الحديثة للتنظيم المتمثلة في الحكامة الجيدة ،واالستغناء عن الطرق البيروقراطية العتيقة.
ويرتكز إصالح اإلدارة على المبادئ والمقتضيات التي كرسها دستور ،1111والتي تتحدد
في التوجهات العامة للمملكة والقواعد المتحكمة في ميثاق المرفق العام والمبادئ الموجهة
للحكامة الجيدة.
وهكذا نص الفصل 119من دستور 1111على أنه يحدد ميثاق للمرافق العمومية قواعد
الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير االدرة العمومية والجماعات الترابية واالجهزة العمومية.
وتستهدف المقاربة اإلصالحية ،وفقا للمقتضيات الدستورية ،تحسين أداء اإلدارة العمومية
عبر دعم الحكامة الجيدة ،وربط المسؤولية بالمحاسبة ،وتحقيق مبادئ اإلنصاف المجالي
والحياد والشفافية والنزاهة .ويستهدف أيضا تيسير ولوج المواطنين إلى المعلومات
22
وضمان استمرارية المرفق العام في أداء الخدمات والحرص على جودتها ،مع احترام مبدأ
المساواة بين المواطنين ترسيخا للعدالة االجتماعية وتكافؤ الفرص الراهنة والمقبلة.
تم اعتماد برنامج عمل تحديث اإلدارة لسنوات ( )1119-1112وذلك من خالل التدابير
والمحاور األساسية التالية؛
تثمين الرأسمال البشري من خالل تقوية اإلطار المؤسساتي وتطوير منظومة الموارد
البشرية… ،
تعزيز عالقة اإلدارة بالمواطن من خالل إعادة الثقة بين اإلدارة والمواطنين والرفع
من مستوى أدائها ومردوديتها ،وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمرتفقين وتسهيل
الولوج إليها ،تحسين االستقبال وتبسيط المساطر اإلدارية ودعم اإلدارة
اإللكترونية…؛
ترسيخ الحكامة من خالل تخليق المرفق العمومي ودعم الشفافية في التدبير
العمومي.
إعادة تنظيم هياكل اإلدارة من خالل اعتماد تصور استراتيجي إلدارة الممركزة تواكب
ونشير الى أن جاللة الملك قد خصص خطابه يوم الرابع عشر من اكتوبر 1119لإلدارة
المغربية ،حيث وقف على مجموعة من السلبيات اللصيقة بها ،والتي تساهم في تعطيل
مؤشر التنمية ببالدنا ،كما دعا جاللة الملك كل المسؤولين مركزيا جهويا محليا ،ومختلف
الفاعلين في الشأن العام الى ضرورة اصالح االدارة المغربية .مما استدعى خلق المزيد من
المشاريع التي تصب في ورش اإلصالح اإلداري.
23
في إطار مقاربة ترابية قائمة على الالمركزية والجهوية وتقريب اإلدارة من المواطنين ،تم
إصدار المرسوم رقم 919-19-1بتاريخ 19ربيع اآلخر 19( 1221دجنبر )1119
بمثابة ميثاق وطني لالتمركز اإلداري .ويحدد هذا المرسوم المبادئ التوجيهية لالتمركز
اإلداري وأهدافه وآليات تفعيله ،وكذا القواعد العامة للتنظيم اإلداري للمصالح الالممركزة
للدولة .من جهة أخرى ،يؤطر الميثاق الوطني توزيع االختصاصات بين اإلدارات المركزية
والمصالح الالممركزة للدولة إضافة إلى القواعد المنظمة للعالقة بينها من جهة ،وبين والة
الجهات ،وعمال العماالت واألقاليم ،والجماعات الترابية وهيئاتها ،والهيئات والمؤسسات
األخرى ذات االختصاص الترابي.
ويهدف الميثاق الوطني لالتمركز اإلداري إلى التطبيق األمثل لتوجهات العامة لسياسة الدولة
في مجال إعادة تنظيم مصالحها على الصعيدين الجهوي واإلقليمي ،وتحديد المهام الرئيسية
الموكولة إلى هذه المصالح ،وأيضا إلى “التوطين الترابي للسياسات العمومية من خالل
أخذ الخصوصيات الجهوية واإلقليمية بعين االعتبار في إعداد هذه السياسات وتنفيذها”.
وأيضا يهدف الميثاق الوطني لالتمركز اإلداري إلى التنظيم الترابي الالمركزي للمملكة،
القائم على الجهوية المتقدمة ،والعمل على ضمان نجاعته وفعاليته ،وكذلك إرساء دعائم
راسخة ودائمة لتعزيز التكامل في الوظائف والمهام بين المصالح الالممركزة للدولة
والهيئات الالمركزية ،وال سيما منها الجماعات الترابية ،وذلك من خالل السهر على “تفعيل
آليات الشراكة والتعاون بينها ،وتقديم كل أشكال الدعم والمساعدة للجماعات الترابية
ومجموعاتها وهيئاتها ،ومواكبتها في إنجاز برامجها ومشاريعها التنموية”.
ومن بين األهداف أيضا المحددة الميثاق الوطني لالتمركز اإلداري ،ضمان التقائية
السياسات العمومية وتجانسها وتكاملها على الصعيدين الجهوي واإلقليمي ،وتحقيق الفعالية
والنجاعة في تنفيذ البرامج والمشاريع العمومية التي تتولى مصالح الدولة الالممركزة،
على الصعيدين الجهوي واإلقليمي ،اإلشراف عليها ،أو انجازها أو تتبع تنفيذها.
24
أصبح إصالح اإلدارة العمومية مطلبا استعجاليا تفتضيه مستجدات السياق الراهن وتفرضه
تحديات المرحلة المقبلة ،بما يمهد إلرساء ركائز النموذج التنموي الذي يطمح إليه المغرب.
فاإلصالح اإلداري ،كما ارتضاه صاحب الجاللة الملك محمد السادس نصره الله ،خيار
استراتيجي ضروري لضمان نجاعة السياسات العمومية ،وإسناد المشاريع التنموية،
وتوفير مرفق عمومي فعال في خدمة المواطن .واعتبارا لكون علة وجود اإلدارة في
المجتمعات المتقدمة رهينة بخدمة المواطن ورعاية المرفق العمومي والمصلحة العامة،
فإن دعوة صاحب الجاللة إلى إعمال المفهوم الجديد للسلطة شكل منعطفا حاسما في مسار
اإلدارة العمومية بالمغرب لكي تكون ساهرة على المصلحة العامة وفي خدمة المواطن.
ومن ثمة ،أصبحت اإلدارة العمومية ملزمة بتقوية تدخالتها لكسب رهان الحكامة الجيدة
واالستجابة للحاجيات المتزايدة للمواطنين ،بما يحقق العدالة االجتماعية ويضمن الكرامة
اإلنسانية.
وإذا كانت الخدمة العمومية المنطلق والمنتهى في أي تصور جاد إلصالح اإلدارة ،فإن
الخطة الوطنية إلصالح اإلدارة تقترح مقاربة مندمجة تشاركية تؤسس لثقافة جديدة في
التعاطي مع المرفق العام ،وتمكن من إرساء آليات جديدة للتدبير العمومي .وتتحدد المالمح
الكبرى لهذه المقاربة الجديدة بالمرجعية المؤطرة للرؤية اإلصالحية المعتمدة التي تحكمها
مبادئ عامة وتتوجه نحو أهداف واضحة من أجل تحقيق التحوالت الهيكلية الالزمة:
-1التحول التنظيمي
-1التحول التدبيري
-2التحول الرقمي
-2التحول التخليقي
25
26
27
28
خاتمة:
من خالل معالجة موضوع اإلصالح االداري كرافعة لتنمية اإلدارة العمومية ،يتبين أن الرهان
األساسي بشأن تحديث اإلدارة المغربية ،متوقف باألساس على تفعيل مبادئ الحكامة الجيدة
التي جاء بها الدستور ،والعمل على تأهيل العنصر البشري بالتكوين المستمر ،وتكوينه على
تكنولوجيا المعلوميات الستخدامها في عالقته بالمواطنين ،وتظافر جهود كل الفاعلين
والمهتمين على التفعيل األمثل والجدي إلدارة القرب واإلدارة المستقبلة والمتواصلة
والشفافة والمنتجة والمسؤولة
ويتمثل تطبيق مبادئ الحكامة الجيدة داخل اإلدارة العمومية فيما يلي:
-تكريس دولة الحق والقانون من خالل جعل اإلدارة محايدة وفي خدمة الجميع ،ووضع حد
ألساليب الشطط والتعسف في استعمال السلطة
-نهج ثقافة جديدة ترتكز على مبادئ الحق والعدل واالنصاف ،ويسودها االحترام الكامل
لحقوق المواطنين مع تحسيسهم بالحقوق والواجبات اثناء تعاملهم مع اإلدارة.
-تسريع اصدار ميثاق للمرافق العمومية يحدد قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير
اإلدارات العمومية واألجهزة العمومية.
-تأمين تطبيق القانون وتنفيذ النصوص التنظيمية وممارسة المراقبة اإلدارية مع إخضاع
تسيير المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية والمبادئ والقيم
الديمقراطية.
وختاما ،فان اإلصالح اإلداري لكي ينجح ينبغي أال يتحرك في فلك منفصل أو مستقل عن
السياسات والبرامج التنموية ،كما ال ينبغي أن يكون في منأى عن اإلصالح السياسي
واالقتصادي واالجتماعي.
29
الئحة المراجع:
مؤلفات:
-أحمد عبد السالم دباس :اإلصالح اإلداري كمدخل لإلصالح الشامل ،دون ذكر الطبعة،
القاهرة ،مصر
-رايس حدة ولخضر مرغاد :اإلدارة باألهداف واإلدارة بالقيم في منظمات األعمال ،ابتراك
للنشر ،الجزائر1119 ،
-زكي راتب غوشي :أخالقيات الوظيفة في اإلدارة العامة ،مطبعة التوفيق1792 ،
-عاصم األعرجي :نظريات التطور والتنمية اإلدارية ،وزارة التعليم العالي ،بغداد ،العراق،
1799
-عبد العالي ميرغي :التطوير التنظيمي والخوصصة العربية ،منظمة العلوم اإلدارية،
عمان ،األردن1799 ،
-محمد الصيرفي :إدارة األعمال اإللكترونية ،دار الفكر الجامعي ،اإلسكندرية ،مصر،
1119
-محمد بن أبي بكر الرازي :مختار الصحاح ،الطبعة الثانية ،المكتبة العصرية للطباعة
والنشر ،بيروت1779 ،
-مصطفى يوسف كافي ،اإلصالح والتطوير اإلداري بين النظرية والتطبيق ،دار ومؤسسة
رسالن للطباعة والنشر والتوزيع ،دمشق8102 ،
مجالت:
-عبد الرحمان تبشوري :التنمية اإلدارية واإلصالح اإلداري ،الحوار المتمدن ،العدد ،048
8112
أبحاث:
30
-رفيق بن مرسلي :األساليب الحديثة للتنمية اإلدارية بين حتمية التغيير ومعوقات التطبيق
ـ دراسة حالة الجزائر ،1111رسالة لنيل دبلوم الماجستير في العلوم السياسية ،جامعة
الجزائر1111 ،
-صبري أحمد شلبي :دور الحوكمة في اإلصالح اإلداري ـ دراسة مقارنة بين الدانمارك
ولبنان ،رسالة لنيل الماجستير في العلوم القانونية ،األكاديمية العربية في الدانمارك1112 ،
-عبد القادر كأس :اإلدارة العامة واإلصالح اإلداري في الجزائر ،رسالة لنيل دبلوم ماجستير
في العلوم السياسية والعالقات الدولية ،جامعة الجزائر8112 ،
31
الفهرس:
1 مقدمة
3 المبحث األول :اإلطار المفاهيمي لإلصالح اإلداري
3 المطلب األول :اإلطار العام لإلصالح اإلداري
3 الفقرة األولى :مفهوم اإلصالح
7 الفقرة الثانية :مفهوم االدارة
10 المطلب الثاني :اإلصالح اإلداري-مفهومه ،أهدافه ودواعيه
10 الفقرة األولى :مفهوم اإلصالح االداري
12 الفقرة الثانية :أهداف اإلصالح اإلداري ودواعيه
12 المبحث الثاني :أهم محطات اإلصالح اإلداري بالمغرب
19 الفقرة األولى :تشكيل اللجنة الوطنية إلصالح اإلدارة العمومية سنة 1791
20 الفقرة الثانية :إقرار ميثاق حسن التدبير سنة 1777
20 الفقرة الثالثة :عقد المناظرة الوطنية األولى حول اإلصالح اإلداري
22 المطلب الثاني :اإلصالح اإلداري بالمغرب بعد دستور 2011
26 الفقرة األولى :إقرار برنامج عمل تحديث اإلدارة 2012ـــ 2013
26 الفقرة الثانية :صدور الميثاق الوطني لالتمركز اإلداري
22 الفقرة الثالثة :إقرار الخطة الوطنية إلصالح اإلدارة 8102ــ 8180
29 خاتمة
60 الئحة المراجع
62 الفهرس
32