Professional Documents
Culture Documents
محمود سامي البارودي رائد مدرسة الإحياء والبعث
محمود سامي البارودي رائد مدرسة الإحياء والبعث
وهذا هو البحث قد اكتمل بعد رحلة شاقة طويلة أرهقت كاتبه ،ومع ذلك فهو على علم ويقني بأن
البحث ال خيلو أبدا من نقص وعيب ،ومن البديهي أنه لن يدعي التفوق فضال عن الكمال؛ ولكنه حسبه
شرف احملاولة وبذل الطاقة والوسع يف سبيل طلب الكمال ،كما قال شاعرنا البارودي :
1
املقادر
ُ ذنب يل إن حاربتين
وال َ مستقره
ِّ طالب العز من
ُ علي
َّ
ويرجو الباحث أن ينال العمل إعجابكم أيها السادة ،وينفع اهلل به الطالب والباحثني ،ويكثر به من يتصدى
للبحث والغوص يف أعماق تراثنا األديب والتارخيي العظيمني فيستخرج من مكنوناهتما ما تنتفع به األمة وحتل
به مشاكلهم ويفتح هلم آفاقا جديدة من العلم والرقي والتألق ،اللهم آمني•.
ٍ
بإحسان إىل يوم هذا ،وصلى اهلل على سيدنا حممد وعلى آله وأصحابه والتابعني وتابعي التابعني ومن تبعهم
الدين واحلمد هلل أوال وآخرا.
فعهدي هبذا الشاعر العظيم كان منذ سنني ،وذلك حني كنت أجتاز آخر املرحلة الدراسية يف الثانوية ألخذ
الشهادة الثانوية العالية املاليزية وقبل أن أستكمل مسرييت العلمية بقدومي إىل األزهر الشريف -حرسه اهلل
ِ
قصيدة «طيف مسرية» للشاعر تعاىل وأدامه منارة علم وهدى ،-فكان من ضمن املقررات يف األدب دراسة
املصري حممود سامي البارودي -رمحه اهلل -وحفظ قطعة من أبياهتا .وقد كنت أشعر من أول ٍ
وهلة من
اطالعي عليها هبيبة موهبته الشعرية وأنبهر بقوة شاعريته وارتفاع شعره عن مستوى القصائد اليت كنت أقرؤها
وأعرفها ،وكانت أبياته اليت كلفنا حبفظها وقتذاك تتحدث عن الصرب والثبات والرضا بقضاء اهلل وقدره،
نفسية حادة فكنت تروقين كلماهتا جدا ،وتعيد يل بأسي وصمودي يف سبيل حالة ٍوكنت يف ذلك احلني يف ٍ
العلم ،وتزيح عين خمايل اليأس والفزع والضعف•.
فصرت أحبه وأترحم وأترضى عليه كثريا ملا لكالمه يف قليب من مجيل الوقع وعظيم التأثري ،وقلت لقليب أن ال
بد أن يكون هلذا الشاعر العظيم فيك موضع خاص ،وأن لك فيه مبا اتصف به يف حياته من الصمود والصرب
أسوة حسنة ،فطفقت أتتبع سرية حياته ،وأقرأ تلك القصيدة احلزينة من أوهلا إىل آخرها قراءة متدبرة ،وكنت
أجد فيها ويف غريها من قصائده اليت صيغت بصبغته الفذة لذة مستطعمة ،صدق -تضمنه اهلل يف غرفات
رمحته -إذ قال :
ف بِاَألثْ ِر
ف يُ ْعَر ُ لَِت ْع ِرفَيِن فَ َّ
السْي ُ ت َخلِي َقيِت
تَ َدبَّْر َم َقايِل ِإ ْن َج ِه ْل َ
رجل حياته االبتالء ،وقد أدى حقه ومقتضى احلق منه فيه وهو الصرب أداء مجيال ،كما أنه راض مبواله -
ٌ
سبحانه وتعاىل -فيما قضى وقدر.
2من قصيدة له شهرية بـ(طيف مسرية)•.
وكان مما حداين على أن أجري يف هذا املوضوع حبثا هو أنين مل أجد -حبسب علمي القاصر -من جيمع من
حياة البارودي احلافلة باملغامرات ومن تراث شعره الضخم هذا اجلانب املهم املفيد ،مع أنه -وهو الصرب -من
أبني جوانب حياته وشخصيته مع عزة النفس والرجولة واملروءة .وأحسب أن هذا البحث سيفيد الكثري من
الباحثني وحميب تراث هذا امللهم العمالق بل الناس مجيعا وخاصة أننا صرنا يف زمن تكاثرت متاعبه وتتابعت
مصائبه والقابض على دينه احلق والصامد بصربه على رعشات الزمان الواثق باهلل املتكل عليه ال يكاد يرى،
فاحلاجة إىل إحياء مثل هذه األنفاس أنفاس هذا البطل العظيم بني األمة ماسة ليقتدى به وحيذى حذوه،
فجردت عزمي يف سبيل ذلك ما استطعت واهلل ويل التوفيق.
الفصل األول :التعريف بالشاعر الرائد•
هو حممود سامي بن حسن حسين بن عبد اهلل البارودي املصري •،ولد يف القاهرة يف 27رجب 1255ه
املوافق للسادس من أكتوبر 1839م ألبوين من أصل شركسي من ساللة املقام السيفي نوروز األتابكي.