Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 9

‫وحدة التحوالت الثقافية‬ ‫ماستر السوسيولوجيا‬

‫والتحوالت المجتمعية‬

‫التحوالت الثقافية‬
‫القيم والمعايير‬

‫‪:‬تـحت إشـراف األسـتاذ‬ ‫‪:‬إنجـاز الـطالبــة‬


‫د‪ .‬محمد عبد الخلقي‬ ‫سـلمى فـجـاج‬
‫الموسم الجامعي‪2021-2020 :‬‬ ‫مقدمة‪:‬‬

‫تعد ثقافة المجتمع منتجا ً اجتماع ّياً‪ ،‬وتتشكل من مر ّكب يضم عناصر‪ :‬الدين واللغة والقيم والمعايير‬
‫واألعراف والتقاليد والفن واألدب‪ ،‬باإلضافة إلى أنماط المعيشة التي تسود في المجتمع‪.‬‬
‫والثقافات وإن كانت تظهر وكأ ّنها ثابتة؛ إال أ ّنها عرضة لل ّنمو وللتغيّر‪ ،‬وهذا التغيّر غالبا ً ما يكون بطيئاً؛‬
‫إال أ ّنه ينتج تحوالً ثقاف ّيا ً على الفترات الزمنية البعيدة‪ ،‬والثقافة كالكائن الحيّ ؛ فقد تكون في وضع قوي أو‬
‫متأثرة‪ ،‬وكلمّا ضعفت عناصر الثقافة كانت أكثر عرضة للتحوّ ل‪.‬‬‫مؤثرة أو ّ‬
‫ضعيف‪ ،‬إيجابيّة أو سلبية‪ّ ،‬‬
‫من العناصر الثقافية التي تستغرق مدة زمنية طويلة لكي يمسها التغير نجد القيم والمعايير‪ ،‬هذا التغير‬
‫الذي يمسها يالحظ أساسا من خالل مواقف وآراء األفراد‪.‬‬
‫بيد أ ّنه يجمل بنا قبل الدخول في الموضوع‪ ،‬أن نحدد بعض المفاهيم التي يتداولها الكثير منا دون تدقيق‪،‬‬
‫وقد يقع العديد من الباحثين والمهتمين في شرك الخلط المنهجي بين مسألة هل نسمي ما جرى‪ :‬تحوالت‬
‫قيمية أم مجرد تغيرات أو أ ّنها انتقاالت أو انزياحات لمجموعة من القيم‪ ،‬وكلها دالالت ال تعني الشيء‬
‫نفسه‪ .‬فهل نحن أمام تحوالت أم تغيرات أم انتقاالت في مجال القيم؟‬

‫تعريف القيم اإلجتماعية‪:‬ـ‬

‫المختار الهراس مداخلته يحدد معنى "القيم" معرفا ً إياها بأنها اختيارات أو تفضيالت "مثالية" لدى األفراد‬
‫أو الجماعات؛ فهي تشير إلى "ما يجب أن نفضل ال ما نفضل بالذات"‪ ،‬كما أشار إلى تأثرها في المعايير‬
‫والمواقف‪ ،‬لوال أن القيم‪ ،‬يضيف األستاذ المحاضر‪ ،‬ليست ثابتة بل متغيرة ومتطورة كما أن تحوالتها‬
‫ترتبط بالجنس والسن والفئة االجتماعية‪.‬‬
‫باعتبارنا ننتمي إلى البراديغم السوسيولوجي‪ ،‬الذي يشرط القيم بالمحددات االجتماعية وبالنماذج الثقافية‪،‬‬
‫فإننا نجد في التعريف الذي قدمه غي روشيه ٌمو ُكز تطابقا مع منطلقاتنا التحليلية‪ ،‬إذ يؤكد أن القيم‬
‫مخصوصة بكل مجتمع‪ ،‬بمعنى أن كل مجتمع يتخذ مثله ومعاييره الخاصة به‪ ،‬وهذه القيم ترتبط بشروط‬
‫تاريخية معينة‪ ،‬ألن القيم تتغير في الزمان وتتغير من مجتمع آلخر‪ ،‬بمعنى أن غي روشيه يعتقد بأن القيم‬
‫نسبية‪ ،‬وهي تتضمن باإلضافة حإلى ذلك شحنة انفعالية‪ ،‬وتستدعي انتماء عاطفيا وأحاسيس قوية وهذه‬
‫الشحنة العاطفية هي التي تفسر الثبات النسبي للقيم عبر الزمن‪ ،‬وهي التي تفسر أيضا المقاومة التي‬
‫يالقيها عموما تغير القيمة وتبدلها داخل أي مجتمع من المجتمعات‪ .‬من خالل هذا التعريف‪ ،‬يتبين لنا أن‬
‫القيم مرتبطة بالظروف االجتماعية ومتداخلة مع عدة أنساق كالدين واالقتصاد والثقافة والسياسة‪ ،‬كما‬
‫عبر عن ذلك مؤسس علم االجتماع ايميــل دوركايم وأيضا تبقى غير خاضعة إلرادة فردية بل هي منبع‬
‫للعالقات االجتماعية‪ .‬ومن ثم ظهرت اتجاهات في البحث االجتماعي تهتم بدراسة قياس القيم‪ .‬وإلعطاء‬
‫إضاءات أكثر على هذا المفهوم‪ ،‬يمكن أن نقدم تعريفين يتسمان بنوع من الشمولية والدقة النسبيين‪ ،‬األول‬

‫يعرضه لنا الدكتور عبد اللطيف محمد خليفة في كتابه ارتقاء القيم‪ :‬دراسة حيث يعتبر فيه القيم عبارة‬
‫عن األحكام التي يصدرها الفرد بالتفضيل أو عدم التفضيل للموضوعات أو األشياء وتتم هذه العملية من‬
‫خالل التفاعل بين الفرد بمعارفه وخبراته‪ ،‬وبين اإلطار الحضاري الذي يعيش فيه ويكتسب من خالله‬
‫هذه الخبرات والمعارف‪ .‬أما التعريف الثاني‪ ،‬فيخلص إليه عدد من علماء االجتماع العرب‪ ،‬وهو يعتبر‬
‫أن القيم مجموعة من المعتقدات التي تتسم بقدر من االستمرارالنسبي‪ ،‬والتي تمثل موجهات لألشخاص‬
‫نحو غايات أو وسائل لتحقيقها‪ ،‬أو أنماط سلوكية يختارها ويفضلها هؤالء األشخاص بديال لغيرها‪ .‬وتنشأ‬
‫هذه الموجهات عن تفاعل بين الشخصية والواقع االجتماعي واالقتصادي والثقافي‪ ،‬وهي تفصح عن‬
‫نفسها في المواقف‪ ،‬واالتجاهات والسلوك اللفظي والسلوك العقلي والعواطف التي يكونها األفراد نحو‬
‫موضوعات معينة‪ .‬إذن من خالل هذين التعريفين‪ ،‬نخلص إلى أن القيم تتميز باعتبارها تفضيالت يقيمها‬
‫الفرد بين عدة موضوعات‪ ،‬وأيضا تخضع لشروط اجتماعية وحضارية معينة‪ ،‬فهي تفاعل بين الفرد‬
‫وواقعه‪ ،‬وتفصح عن نفسها في مواقف واتجاهات وتمثالت معينة‪.‬‬

‫تعريف المعاييرـ اإلجتماعية‪:‬‬

‫المعايير االجتماعية (باإلنجليزية‪ُ )Social norms :‬تعتبر صورً ا جماعية لسلوك جماعي مقبول‬
‫وتصورات فردية لسلوك جماعي ما‪ .‬يمكن النظر إليها على أنها نواتج ثقافية (بما في ذلك القيم والعادات‬
‫والتقاليد) تمثل المعرفة األساسية لألفراد بما يفعله اآلخرون وما يتصورون أنه ينبغي عليهم فعله‪.‬‬
‫المعايير االجتماعية ‪-‬من منظور علم االجتماع‪ -‬هي فهم غير رسمي يحكم سلوك أفراد المجتمع‪ .‬يعترف‬
‫علم النفس االجتماعي أن وحدات المجموعات األصغر حجمًا (مثل‪ :‬الفريق‪ ،‬أو المكتب) قد تؤيد المعايير‬
‫بصورة منفصلة أو بإضافة بعض المعايير إلى التوقعات الثقافية أو المجتمعية‪ُ .‬تح َّدد أدوار المعايير ‪-‬في‬
‫مجال علم النفس االجتماعي‪ -‬التي يمكن أن توجه السلوك في موقف معين أو بيئة معينة باعتبارها‬
‫«وص ًفا ذهنيًا للسلوك المناسب»‪ .‬تبين أن الرسائل المعيارية من الممكن أن تشجع السلوكيات‬
‫االجتماعية‪ ،‬بما في ذلك الحد من تعاطي الكحول‪ ،‬وزيادة إقبال الناخبين‪ ،‬والحد من استخدام الطاقة‪ .‬وف ًقا‬
‫للتعريف النفسي للمكون السلوكي للمعايير االجتماعية‪ ،‬فإن المعايير لها بُعدان‪ :‬مدى إظهار السلوك‪،‬‬
‫ومدى استحسان المجموعة لذلك السلوك‪ .‬من الممكن استخدام هذه األبعاد في رسائل معيارية لتغيير‬
‫المعايير (وبالتالي تغيير السلوكيات)‪ .‬يمكن أن تستهدف الرسالة البُعد السابق من خالل وصف مستويات‬
‫عالية من اإلقبال على التصويت من أجل تشجيع المزيد من اإلقبال‪ .‬ومن الممكن أي ً‬
‫ضا تغيير تلك‬
‫المعايير اعتما ًدا على السلوك الذي يبدر عن اآلخرين (مدى إظهار السلوك)‪.‬‬
‫يمكن اعتبار المعايير االجتماعية على أنها‪« :‬قواعد تحدد ما ينبغي وما ال ينبغي أن يفعله الناس في‬
‫ضوء محيطهم االجتماعي» (المعروفة باسم البيئة‪ ،‬السياق االجتماعي‪-‬الثقافي) والظروف‪ .‬دراسة‬

‫المعايير «متناثرة بين مختلف التخصصات والتقاليد البحثية‪ ،‬مع عدم وجود توافق واضح في اآلراء‬
‫بشأن كيفية استخدام هذا المصطلح»‪.‬‬
‫القيم والمعايير تبقى من أهم التيمات الفكرية غموضا رغم تعدد دراساتها و تعدد مناهجها و مقارباتها ‪،‬‬
‫وذلك يعود من وجهة نظرنا – على األقل ‪ -‬إلى نقطتين اثنتين هما ‪ :‬أوال أن القيم والمعايير ال ترتبط بأي‬
‫مجتمع بصفة نهائية ؛ ألن بعض القيم والمعايير مشتركة بين الجميع و نطلق عليها اسم القيم اإلنسانية‬
‫الكونية ‪ ،‬و أخرى قيم ومعايير جزئية ترتبط بمجتمع دون غيره و خصوصا بجانبها الديني ‪ ،‬إال أن هذا‬
‫يبقى أمرا نسبيا ‪ ،‬ثانيا أن القيمة مهما كانت يصعب حصرها و بالتالي يصعب لمسها ولو فكريا ألنها‬
‫تعبر عن سلوك وجداني و نفسي عميق جدا يُعبر عنه من خالل سلوكياتنا اليومية المعيشية ‪ ،‬لذلك تبقى‬
‫مشكلة القيم مطروحة أمامنا بشكل يومي ‪ ،‬ومعالجتها تتطلب فكرا أعمق ونظرة أشمل ‪ .‬وأهم ما يمكن أن‬
‫تقوم به القيم ؛ هي أنها تصقل كل الجوانب المتعلقة باإلنسان مما يجعلها مقياسا لتصحيح المسارات‬
‫اليومية ؛ أي تصبح بمثابة مقياس لتحديد الصواب من الخطأ ‪ ،‬وذلك يجعلها بشكل مباشر قوانين‬
‫للمعامالت و أجهزة لضبط العالقات االجتماعية ‪ ،‬سواء في الشارع أو داخل األسرة كأصغر مؤسسة من‬
‫مؤسسات المجتمع إلى أن تكبر الدائرة لتشمل التنظيم االجتماعي بشكل عام‪ .‬تتضمن المعايير االجتماعية‬
‫عنصر االستقرار الرئيسي للعالقة‪ ،‬وهي توجه عملية إشباع المصالح ضمن قواعد معينة تحكم العالقة‬
‫بين صاحب القوة واآلخر الخاضع‪ ،‬تمثل المعايير االجتماعية‪ ،‬قواعد سلوكية تتعيّن بموجبها الحقوق‬
‫والواجبات في العالقة‪ ،‬ويثبت يونج أن المعايير االجتماعية تمثل قواعد سلوك ذات تعزيز ذاتي‪ ،‬حيث‬
‫تحتوي على توقعات األفراد‪ ،‬وتعمل على حل معوقات التنسيق‪ .‬كما يثبت كل من سام وهارير‪ ،‬بأن‬
‫المعايير تسمح بالتنسيق بين الفاعلين وتدعمه‪ ،‬كما تعمل على ضبط العداء بينهم‪ ،‬حيث يعمل المعيار‬
‫على ضبط العداء بصورة فعّالة ومؤثرة‪ ،‬وبنفس الوقت يقلص اختالف القوة بين الفاعلين‪ ،‬أي الالمساواة‪.‬‬

‫التحول القيمي‪:‬ـ‬

‫يعتبر الحديث عن إشكالية تحول القيم اليوم‪ ،‬من بين المواضيع األكثر حضورً ا في الملتقيات والندوات‬
‫والمؤتمرات العالمية واإلقليمية والمحلية‪ ،‬وذلك بالنظر لحجم التحوالت التي جرت في السنوات األخيرة‬
‫والتي فاجأت وأدهشت الجميع‪ ،‬سواء أكاديميين أو باحثين أو مهتمين أو صحفيين أو صناع القرار‬
‫السياسي أو غيرهم‪ .‬ولعلنا ال نبالغ إذا ما أكدنا على خالصة أساسية‪ ،‬وهي أنّ الصراع الجاري اليوم في‬
‫العالم‪ ،‬تجاوز ما هو مادي واقتصادي وعسكري وتقني إلى ما هو قيمي ومعرفي بالدرجة األولى‪ .‬وقد‬
‫سبق للعديد من‪ - ،‬الباحثين المشتغلين في حقل العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،-‬أن أكدوا أنّ مستقبل‬
‫الصراع في العالم سيكون في منظومات القيم‪.‬وال شك أنّ حدة الصراع في موضوع القيم‪ ،‬قد تسارعت‬
‫وتيرتها بشكل الفت للنظر‪ ،‬اعتبارً ا للتحوالت التي طالت أشكال التواصل الجديد في مجتمعاتنا‬

‫المعاصرة‪ ،‬حيث أنّ "المجتمع الشبكي" أضحى اليوم أحد المجاالت االفتراضية التي تصنع وتنتج ويعاد‬
‫إنتاج القيم فيها بشكل تجاوز كل حدود التأثير للمؤسسات والهياكل والقنوات السابقة‪.‬‬
‫ولقد ّأثر التحول القيمي على العمليات االجتماعية المختلفة‪ :‬كالتنشئة‪ ،‬والضبط‪ ،‬والصراع‪ ،‬والتفاعل‪،‬‬
‫والمنافسة‪ ،‬والتبادل‪ ،‬واالنتشار‪ ،‬والحراك‪ ،‬ولع ّل التنشئة االجتماعيّة والحراك االجتماعيّ كان لهما‬
‫النصيب األكبر من هذا األثر؛ إذ تعنى التنشئة بنقل الثقافة لآلخر‪ ،‬فالمربي ينقل ثقافته للمتربي‪ ،‬والتي قد‬
‫ال تتناسب والمعطيات الحاليّة‪ ،‬بل قد تتصادم أحياناً‪ ،‬كما أنّ الحراك االجتماعي بنوعيه الرأسي الذي فيه‬
‫تغيير في المكانة أو األفقي الذي ال تتغير فيه المكانة ّأثر فيه التحوّ ل الثقافي؛ ألنّ المكانة االجتماعيّة –‬
‫ذاتها ‪ -‬مستها آثار التحول الثقافي‪ ،‬ونلحظ أنّ التنافس أخذ يتسع بين الثقافات إلى ح ٍّد بلغ الصراع‪.‬‬

‫كما نلحظ تأثير التحول الثقافي على األدوار المتوقعة من الفرد فيما يشغل من مواقع في جماعته‪ ،‬فمثالً‬
‫ما يطلب حال ّيا ً من الوالد في اإلنفاق على أبنائه ليس كما كانت عليه الحال سابقاً‪ ،‬وما كان ينظر له‬
‫باعتباره كمال ّيا ً أصبح من الحاجيّات؛ كتوفير خدمة اإلنترنت واألجهزة الخلويّة والحاسب اآللي‪.‬‬

‫كما أسهم التحوّ ل القيمي في تغيير نمط المشكالت االجتماعية‪ ،‬ففي معظم الدول العربية زادت نسب‬
‫الجرائم التي يرتكبها األحداث والشباب‪ ،‬بل في األردن مثالً تعد الفئة العمريّة من سن الثامنة عشرة إلى‬
‫الخامسة والثالثين هي األكثر اقترافا ً للجرائم‪ ،‬كما ت ّم تسجيل مجموعة من الجرائم المستحدثة والتي لم‬
‫تكن معروفة سابقاً؛ مثل الجرائم اإللكترونيّة‪.‬‬

‫كما أثر التحوّ ل القيمي على موقفنا من بعض القضايا؛ وذلك تبعا ً لتغير في المعايير أيضاً‪ ،‬ويمكن أخذ‬
‫مثال من التحوّ ل الذي جرى في موقف عموم اإلسالميين من حزب العدالة والتنمية في تركيا‪ ،‬والموقف‬
‫من ظهور المرأة في وسائل اإلعالم‪ ،‬والموقف من الموسيقى‪ ،‬كما يمكن التساؤل عن ظاهرة انتشار‬
‫المقاهي في الدول العربية‪ ،‬وتدخين النرجيلة‪ ،‬والتوسّع في مجاالت عمل المرأة‪ ،‬واألمثلة على التحول في‬
‫المواقف والمعايير كثيرة‪.‬‬

‫ويلفت االنتباه أ ّنه عند بدء افتتاح المطاعم األمريكية للوجبات السريعة في بلداننا؛ تم ارتيادها ممن‬
‫يعارضون السياسة األمريكية في المنطقة‪ ،‬وينظرون إلى الشركات العابرة للقارات باعتبارها أدوات‬
‫إمبريالية‪ ،‬وعند دراسة أسباب التراجع الشعبي لمقاطعة البضائع األمريكية مع عدم وجود تغيّر في‬
‫السياسات واالنحيازات األمريكيّة؛ نجد أنّ للتحول القيمي دوراً مهما ً في ذلك‪.‬‬
‫وقد أسهم التحوّ ل القيمي في التغيير االجتماعي‪ ،‬خصوصا ً في دول شرق أوروبا‪ ،‬وذلك بعد انهيار‬
‫االتحاد السوفييتي‪ ،‬كما و ّفرت وسائل التواصل االجتماعي منبراً إعالم ّيا ً شخص ّيا ً لألفراد‪ ،‬وأدت دوراً‬
‫أساس ّيا ً في الحراك الشعبي العربي‪.‬‬

‫التغير القيمي عند الهراس والعطري‪:‬‬

‫الهراس إلى فحص القيم األسرية‪ ،‬مذكراً بتميز المؤسسة العائلية عبر التاريخ بصمودها أمام عوامل‬
‫التغيير‪ ،‬معتبراً أننا نعيش تحوالت كثيرة في المجتمع نتيجة عوامل التصنيع والتحضر واإلعالم‬
‫والتمدرس‪ ،‬بما ساهم في التأثير على القيم األسرية‪ ،‬وبالتالي لم تعد األسرة هي المصدر الوحيد المنتج‬
‫للقيم‪ ،‬بل صارت موضوعا ً للمنافسة من طرف تلك العوامل ذاتها‪ .‬وفي خضم هذه التحوالت‪ ،‬أخذت‬
‫الدراسات السوسيولوجية في تناولها لألسرة المغربية تتمركز حول ثالثة نماذج هي النموذج الزواجي‪،‬‬
‫النموذج التقليدي‪ ،‬ونموذج المزج بين االثنين‪.‬كما أشار الهراس إلى وجود تفاوت في المجتمع بشأن‬
‫درجة تمثل عدد من القيم المتعارضة مع قيم الحداثة‪ ،‬مثل الشرف والعفة والطاعة التي طبعت السلوك‬
‫بين عناصر األسرة المغربية التقليدية‪ ،‬وفي السياق نفسه‪ ،‬ذكر أن ثلثي الخاليا األسرية في المغرب تبقى‬
‫ذات طبيعة نووية لكنها ثقافياً‪ ،‬الزالت تحمل قيم األسرة الممتدة‪ ،‬مبرزاً أن االنفصال السكني لم يؤثر في‬
‫تحول القيم على هذا المستوى‪.‬‬
‫على صعيد آخر‪ ،‬تعرض الهراس لمجموعة من المؤشرات الدالة على تحوالت عميقة في أنماط العيش‬
‫لدى الشباب المغربي‪ ،‬مثل نزوع الشباب إلى اختيار شريك الحياة بمحض اختياره‪ ،‬وأن الزواج صار‬
‫يحصل في سن متأخرة‪ ،‬كما أن الفارق بين الزوجين صار يتقلص مع تزايد الزواج من مناطق مختلفة‬
‫وتحول الصداق إلى مجرد مسألة رمزية‪ ،‬كما صار الدافع إلى الزواج يبرر في تصور الشباب بالسعادة‬
‫الشخصية‪ ،‬وليس المصلحة الجماعية كما كان من قبل‪ .‬وتطرق الهراس أيضا ً إلى أنماط الطالق‪ ،‬الفتا ً‬
‫إلى تراجع الطالق الرجعي في مقابل تزايد الطالق االتفاقي‪ ،‬وأن أغلب حاالت الطالق تتم عبر تفريق‬
‫الزوجين بسبب الشقاق‪ ،‬فأصبح الطالق نهائيا ً ال رجعة فيه بنسبة أكثر من ‪ 80‬في المئة من حاالت‬
‫الطالق المسجلة‪.‬‬

‫كما أشار إلى أن الفردانية التي يسير عليها المجتمع ال تنجم عن القرارات الحرة لألفراد لتأثرهم‬
‫بمحيطهم‪ ،‬ألنهم في مرتبة أشبه باإللزام بأن يكونوا "فرديين" إلى حد ما؛ فاإلنسان يصنع بيوغرافيته‬
‫ونفسه في عالم متغير من حوله‪ ،‬وهذه من مُميزات المجتمع الحديث‪ ،‬حيث صارت البيوغرافية معولمة‬
‫وكونية‪ ،‬وهو ما يؤثر على تغير القيم التي نحملها‪.‬‬

‫*العطري‪ :‬هيمنة الترميق على اختيارات وسلوك األفراد‬


‫فيما يتعلق بقضية التحوالت القيمية في المجتمع المغربي‪ ،‬أشار العطري إلى تضارب المعطيات المقدمة‬
‫من طرف الدراسات المنجزة والمراكز المهتمة بظاهرة القيم في المغرب‪ ،‬حيث تقدم لنا بعضها مؤشرات‬
‫تدينية عالية‪ ،‬وأخرى تتحدث عن توجه مجتمعي نحو العلمنة‪ ،‬في حين تتحدث أخرى عن مجتمع ينتج‬
‫االزدواجية‪.‬‬

‫والسبب هنا يعود بحسب المحاضر إلى ظاهرة "الترميق" (‪ )bricolage‬التي يعيشها المغاربة‪ ،‬والتي‬
‫تجعلهم يعيشون بعض قيم الحداثة‪ ،‬ويتمسكون بها في حين يرفضون أخرى ويتشبثون بالتقليد في مقابلها‪،‬‬
‫وهذا ما جعله يقتنع بأننا "نجيد التفاوض مع الواقع"‪ ،‬ما دمنا نجنح نحو الترميق والتناص والتقنع‬
‫والهروب‪.‬كما ق ّدم العطري موضوعه عبر دراسة خمس عتبات‪ ،‬وجاءت كالتالي‪ :‬عتبة المفهوم والفهم‬
‫والسياق والحال والترميق‪ ،‬حيث ح ّدد في البداية المعنى من مصطلح "التحول" الذي يتكرر في الدراسات‬
‫السوسيولوجية بتعبيرات مختلفة‪ ،‬مثل‪ :‬التغيير االجتماعي‪ ،‬الحراك االجتماعي‪ ،‬التحول االجتماعي دون‬
‫أن يتعلق األمر بمترادفات‪ ،‬بل بمفاهيم "تعكس رؤى نظريات سوسيولوجية مختلفة لمنطق وعمق ووتيرة‬
‫ما تشهده المجتمعات من تغيرات بطيئة تمتد عبر عقود أو حقب أو تطورات سريعة"‪.‬‬
‫كما ذكر أن الثراء اللغوي الذي تحفل به كلمة "تحول"‪ ،‬نجده أيضا ً في المتن الفرنسي‪ ،‬حيث توجد‬
‫"كلمات من قبيل ‪ Mutation‬و ‪ Changement‬و ‪ Transformation‬للتأشير عن نوع من التغير‬
‫الذي يهم الواقع"‪ ،‬وأضاف أنه خارج هذا الثراء اللغوي يمكن تعريف التحول االجتماعي بأنه "كل تغير‬
‫يطرأ على بنيات المجتمع خالل فترة معينة‪ ،‬فهو يهم كل تغير مادي أو رمزي يحدث تبدالت في أنماط‬
‫العالقات وأشكال الوظائف واألدوار ونظام الرموز والقيم والتصورات"‪.‬‬

‫كما عرج في هذا السياق على معنى "القيم" مشيراً إلى التباس جلي في المفهوم‪ ،‬وحضوره في قطاعات‬
‫مختلفة من فلسفة واجتماع وثقافة واقتصاد‪ ،‬وهي في كل مجال من هذه المجاالت تحمل داللة خاصة‪،‬‬
‫متوقفا ً عند ارتفاع الطلب السياسي واالجتماعي على القيم‪ ،‬وأوضح أننا نستحضرها كمعايير وموازين‬
‫اجتماعية لالسترشاد والحكم على ما هو مرغوب فيه وغير مرغوب فيه‪ ،‬وأنها المعايير واألحكام التي‬
‫تجتمع لدى األفراد والجماعات وتصير ناظمة وضابطة وحاكمة للتمييز والتقييم‪.‬‬

‫وحول اإلشكال المطروح في دراسة القيم‪ ،‬أكد العطري على الحاجة إلى ما سماه بـ"العقل العالئقي" الذي‬
‫ُي َمكن الباحث من "تحليل الوقائع االجتماعية في ظل نوع من "التشبيك العالئقي"‪ ،‬حيث يتم إرجاع كل‬
‫شيء إلى شبكة تعددية من العناصر والمعطيات" مشيراً إلى ضرورة األخذ بعين االعتبار تأثيرات هذه‬
‫العناصر بواسطة حركاتها وسكناتها "على مجموع مكونات الشبكة‪ ،‬بل إن حركاتها وسكناتها هاته‪ ،‬ال‬
‫ترهن الحاضر فقط‪ ،‬بل تمتد إلى المآل في ثباته وتحوله"‪.‬‬
‫وتحدث أيضا ً عن دينامية التحول المفروضة على المجتمع بفعل االنتقال الديمغرافي والثقافي والمجالي‬
‫واالجتماعي والقيمي والتقني‪ ،‬مما وفر قاعدة للتحوالت على مستوى تمثل القيم وممارستها‪ ،‬لكنه أشار‬
‫مع ذلك إلى ما سماه بـ"عسر االنتقال"‪ ،‬إذ إن تلك التحوالت لم تنقلنا من الحالة السابقة إلى الحالة‬
‫المرجوة‪ ،‬بل جعلتنا في منزلة "البين بين"؛ أي بين القبيلة والدولة وبين التقليد والحداثة وبين المحافظة‬
‫والتجديد‪...‬فصرنا نعيش مجتمعا برزخيا‪ ،‬مجتمع "البين بين"‪ ،‬المجتمع الذي يسير بدون بوصلة‪.‬‬

‫وفي األخير‪ ،‬أشار العطري إلى واقع مؤسساتنا التي رغم عصريتها‪ ،‬فإنها غارقة في الممارسات‬
‫والتصورات والعالقات التقليدية لوجود التباسية على مستوى الخطاب والممارسة‪ ،‬وهذا واقع يجعل‬
‫المغربي ال يجد من سبيل أمامه‪" ،‬سوى اللعب على حبلين في آن واحد‪ :‬حبل المؤسسات الدوالتية‬
‫العصرية‪ ،‬وحبل المؤسسات القبلية التقليدية"‪ ،‬ولسان حاله أن "يربح في هذا الجانب ما خسره هنالك"‪.‬‬

‫عبد اللطيف كيداري‪" ،‬التحوالت االجتماعية القيمية للشباب المغربي محاولة للرصد والفهم"‬

‫ندوة‪" :‬التحوالت القيمية بالمغرب"‪ ،‬مؤسسة مؤمنون بال حدود‬

‫محمد قروق كركيش‪ ،‬في سوسيولوجيا القيم‪:‬قراءة تحليلية لقيم الفرد و الجماعة‪ ،‬الحوار المتمدن‪-‬العدد‪2015 ، 4970 :‬‬
‫مزمةزىمنالىمنىمن‬

You might also like