Professional Documents
Culture Documents
التحولات الثقافية
التحولات الثقافية
والتحوالت المجتمعية
التحوالت الثقافية
القيم والمعايير
تعد ثقافة المجتمع منتجا ً اجتماع ّياً ،وتتشكل من مر ّكب يضم عناصر :الدين واللغة والقيم والمعايير
واألعراف والتقاليد والفن واألدب ،باإلضافة إلى أنماط المعيشة التي تسود في المجتمع.
والثقافات وإن كانت تظهر وكأ ّنها ثابتة؛ إال أ ّنها عرضة لل ّنمو وللتغيّر ،وهذا التغيّر غالبا ً ما يكون بطيئاً؛
إال أ ّنه ينتج تحوالً ثقاف ّيا ً على الفترات الزمنية البعيدة ،والثقافة كالكائن الحيّ ؛ فقد تكون في وضع قوي أو
متأثرة ،وكلمّا ضعفت عناصر الثقافة كانت أكثر عرضة للتحوّ ل.مؤثرة أو ّ
ضعيف ،إيجابيّة أو سلبيةّ ،
من العناصر الثقافية التي تستغرق مدة زمنية طويلة لكي يمسها التغير نجد القيم والمعايير ،هذا التغير
الذي يمسها يالحظ أساسا من خالل مواقف وآراء األفراد.
بيد أ ّنه يجمل بنا قبل الدخول في الموضوع ،أن نحدد بعض المفاهيم التي يتداولها الكثير منا دون تدقيق،
وقد يقع العديد من الباحثين والمهتمين في شرك الخلط المنهجي بين مسألة هل نسمي ما جرى :تحوالت
قيمية أم مجرد تغيرات أو أ ّنها انتقاالت أو انزياحات لمجموعة من القيم ،وكلها دالالت ال تعني الشيء
نفسه .فهل نحن أمام تحوالت أم تغيرات أم انتقاالت في مجال القيم؟
المختار الهراس مداخلته يحدد معنى "القيم" معرفا ً إياها بأنها اختيارات أو تفضيالت "مثالية" لدى األفراد
أو الجماعات؛ فهي تشير إلى "ما يجب أن نفضل ال ما نفضل بالذات" ،كما أشار إلى تأثرها في المعايير
والمواقف ،لوال أن القيم ،يضيف األستاذ المحاضر ،ليست ثابتة بل متغيرة ومتطورة كما أن تحوالتها
ترتبط بالجنس والسن والفئة االجتماعية.
باعتبارنا ننتمي إلى البراديغم السوسيولوجي ،الذي يشرط القيم بالمحددات االجتماعية وبالنماذج الثقافية،
فإننا نجد في التعريف الذي قدمه غي روشيه ٌمو ُكز تطابقا مع منطلقاتنا التحليلية ،إذ يؤكد أن القيم
مخصوصة بكل مجتمع ،بمعنى أن كل مجتمع يتخذ مثله ومعاييره الخاصة به ،وهذه القيم ترتبط بشروط
تاريخية معينة ،ألن القيم تتغير في الزمان وتتغير من مجتمع آلخر ،بمعنى أن غي روشيه يعتقد بأن القيم
نسبية ،وهي تتضمن باإلضافة حإلى ذلك شحنة انفعالية ،وتستدعي انتماء عاطفيا وأحاسيس قوية وهذه
الشحنة العاطفية هي التي تفسر الثبات النسبي للقيم عبر الزمن ،وهي التي تفسر أيضا المقاومة التي
يالقيها عموما تغير القيمة وتبدلها داخل أي مجتمع من المجتمعات .من خالل هذا التعريف ،يتبين لنا أن
القيم مرتبطة بالظروف االجتماعية ومتداخلة مع عدة أنساق كالدين واالقتصاد والثقافة والسياسة ،كما
عبر عن ذلك مؤسس علم االجتماع ايميــل دوركايم وأيضا تبقى غير خاضعة إلرادة فردية بل هي منبع
للعالقات االجتماعية .ومن ثم ظهرت اتجاهات في البحث االجتماعي تهتم بدراسة قياس القيم .وإلعطاء
إضاءات أكثر على هذا المفهوم ،يمكن أن نقدم تعريفين يتسمان بنوع من الشمولية والدقة النسبيين ،األول
يعرضه لنا الدكتور عبد اللطيف محمد خليفة في كتابه ارتقاء القيم :دراسة حيث يعتبر فيه القيم عبارة
عن األحكام التي يصدرها الفرد بالتفضيل أو عدم التفضيل للموضوعات أو األشياء وتتم هذه العملية من
خالل التفاعل بين الفرد بمعارفه وخبراته ،وبين اإلطار الحضاري الذي يعيش فيه ويكتسب من خالله
هذه الخبرات والمعارف .أما التعريف الثاني ،فيخلص إليه عدد من علماء االجتماع العرب ،وهو يعتبر
أن القيم مجموعة من المعتقدات التي تتسم بقدر من االستمرارالنسبي ،والتي تمثل موجهات لألشخاص
نحو غايات أو وسائل لتحقيقها ،أو أنماط سلوكية يختارها ويفضلها هؤالء األشخاص بديال لغيرها .وتنشأ
هذه الموجهات عن تفاعل بين الشخصية والواقع االجتماعي واالقتصادي والثقافي ،وهي تفصح عن
نفسها في المواقف ،واالتجاهات والسلوك اللفظي والسلوك العقلي والعواطف التي يكونها األفراد نحو
موضوعات معينة .إذن من خالل هذين التعريفين ،نخلص إلى أن القيم تتميز باعتبارها تفضيالت يقيمها
الفرد بين عدة موضوعات ،وأيضا تخضع لشروط اجتماعية وحضارية معينة ،فهي تفاعل بين الفرد
وواقعه ،وتفصح عن نفسها في مواقف واتجاهات وتمثالت معينة.
المعايير االجتماعية (باإلنجليزيةُ )Social norms :تعتبر صورً ا جماعية لسلوك جماعي مقبول
وتصورات فردية لسلوك جماعي ما .يمكن النظر إليها على أنها نواتج ثقافية (بما في ذلك القيم والعادات
والتقاليد) تمثل المعرفة األساسية لألفراد بما يفعله اآلخرون وما يتصورون أنه ينبغي عليهم فعله.
المعايير االجتماعية -من منظور علم االجتماع -هي فهم غير رسمي يحكم سلوك أفراد المجتمع .يعترف
علم النفس االجتماعي أن وحدات المجموعات األصغر حجمًا (مثل :الفريق ،أو المكتب) قد تؤيد المعايير
بصورة منفصلة أو بإضافة بعض المعايير إلى التوقعات الثقافية أو المجتمعيةُ .تح َّدد أدوار المعايير -في
مجال علم النفس االجتماعي -التي يمكن أن توجه السلوك في موقف معين أو بيئة معينة باعتبارها
«وص ًفا ذهنيًا للسلوك المناسب» .تبين أن الرسائل المعيارية من الممكن أن تشجع السلوكيات
االجتماعية ،بما في ذلك الحد من تعاطي الكحول ،وزيادة إقبال الناخبين ،والحد من استخدام الطاقة .وف ًقا
للتعريف النفسي للمكون السلوكي للمعايير االجتماعية ،فإن المعايير لها بُعدان :مدى إظهار السلوك،
ومدى استحسان المجموعة لذلك السلوك .من الممكن استخدام هذه األبعاد في رسائل معيارية لتغيير
المعايير (وبالتالي تغيير السلوكيات) .يمكن أن تستهدف الرسالة البُعد السابق من خالل وصف مستويات
عالية من اإلقبال على التصويت من أجل تشجيع المزيد من اإلقبال .ومن الممكن أي ً
ضا تغيير تلك
المعايير اعتما ًدا على السلوك الذي يبدر عن اآلخرين (مدى إظهار السلوك).
يمكن اعتبار المعايير االجتماعية على أنها« :قواعد تحدد ما ينبغي وما ال ينبغي أن يفعله الناس في
ضوء محيطهم االجتماعي» (المعروفة باسم البيئة ،السياق االجتماعي-الثقافي) والظروف .دراسة
المعايير «متناثرة بين مختلف التخصصات والتقاليد البحثية ،مع عدم وجود توافق واضح في اآلراء
بشأن كيفية استخدام هذا المصطلح».
القيم والمعايير تبقى من أهم التيمات الفكرية غموضا رغم تعدد دراساتها و تعدد مناهجها و مقارباتها ،
وذلك يعود من وجهة نظرنا – على األقل -إلى نقطتين اثنتين هما :أوال أن القيم والمعايير ال ترتبط بأي
مجتمع بصفة نهائية ؛ ألن بعض القيم والمعايير مشتركة بين الجميع و نطلق عليها اسم القيم اإلنسانية
الكونية ،و أخرى قيم ومعايير جزئية ترتبط بمجتمع دون غيره و خصوصا بجانبها الديني ،إال أن هذا
يبقى أمرا نسبيا ،ثانيا أن القيمة مهما كانت يصعب حصرها و بالتالي يصعب لمسها ولو فكريا ألنها
تعبر عن سلوك وجداني و نفسي عميق جدا يُعبر عنه من خالل سلوكياتنا اليومية المعيشية ،لذلك تبقى
مشكلة القيم مطروحة أمامنا بشكل يومي ،ومعالجتها تتطلب فكرا أعمق ونظرة أشمل .وأهم ما يمكن أن
تقوم به القيم ؛ هي أنها تصقل كل الجوانب المتعلقة باإلنسان مما يجعلها مقياسا لتصحيح المسارات
اليومية ؛ أي تصبح بمثابة مقياس لتحديد الصواب من الخطأ ،وذلك يجعلها بشكل مباشر قوانين
للمعامالت و أجهزة لضبط العالقات االجتماعية ،سواء في الشارع أو داخل األسرة كأصغر مؤسسة من
مؤسسات المجتمع إلى أن تكبر الدائرة لتشمل التنظيم االجتماعي بشكل عام .تتضمن المعايير االجتماعية
عنصر االستقرار الرئيسي للعالقة ،وهي توجه عملية إشباع المصالح ضمن قواعد معينة تحكم العالقة
بين صاحب القوة واآلخر الخاضع ،تمثل المعايير االجتماعية ،قواعد سلوكية تتعيّن بموجبها الحقوق
والواجبات في العالقة ،ويثبت يونج أن المعايير االجتماعية تمثل قواعد سلوك ذات تعزيز ذاتي ،حيث
تحتوي على توقعات األفراد ،وتعمل على حل معوقات التنسيق .كما يثبت كل من سام وهارير ،بأن
المعايير تسمح بالتنسيق بين الفاعلين وتدعمه ،كما تعمل على ضبط العداء بينهم ،حيث يعمل المعيار
على ضبط العداء بصورة فعّالة ومؤثرة ،وبنفس الوقت يقلص اختالف القوة بين الفاعلين ،أي الالمساواة.
التحول القيمي:ـ
يعتبر الحديث عن إشكالية تحول القيم اليوم ،من بين المواضيع األكثر حضورً ا في الملتقيات والندوات
والمؤتمرات العالمية واإلقليمية والمحلية ،وذلك بالنظر لحجم التحوالت التي جرت في السنوات األخيرة
والتي فاجأت وأدهشت الجميع ،سواء أكاديميين أو باحثين أو مهتمين أو صحفيين أو صناع القرار
السياسي أو غيرهم .ولعلنا ال نبالغ إذا ما أكدنا على خالصة أساسية ،وهي أنّ الصراع الجاري اليوم في
العالم ،تجاوز ما هو مادي واقتصادي وعسكري وتقني إلى ما هو قيمي ومعرفي بالدرجة األولى .وقد
سبق للعديد من - ،الباحثين المشتغلين في حقل العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،-أن أكدوا أنّ مستقبل
الصراع في العالم سيكون في منظومات القيم.وال شك أنّ حدة الصراع في موضوع القيم ،قد تسارعت
وتيرتها بشكل الفت للنظر ،اعتبارً ا للتحوالت التي طالت أشكال التواصل الجديد في مجتمعاتنا
المعاصرة ،حيث أنّ "المجتمع الشبكي" أضحى اليوم أحد المجاالت االفتراضية التي تصنع وتنتج ويعاد
إنتاج القيم فيها بشكل تجاوز كل حدود التأثير للمؤسسات والهياكل والقنوات السابقة.
ولقد ّأثر التحول القيمي على العمليات االجتماعية المختلفة :كالتنشئة ،والضبط ،والصراع ،والتفاعل،
والمنافسة ،والتبادل ،واالنتشار ،والحراك ،ولع ّل التنشئة االجتماعيّة والحراك االجتماعيّ كان لهما
النصيب األكبر من هذا األثر؛ إذ تعنى التنشئة بنقل الثقافة لآلخر ،فالمربي ينقل ثقافته للمتربي ،والتي قد
ال تتناسب والمعطيات الحاليّة ،بل قد تتصادم أحياناً ،كما أنّ الحراك االجتماعي بنوعيه الرأسي الذي فيه
تغيير في المكانة أو األفقي الذي ال تتغير فيه المكانة ّأثر فيه التحوّ ل الثقافي؛ ألنّ المكانة االجتماعيّة –
ذاتها -مستها آثار التحول الثقافي ،ونلحظ أنّ التنافس أخذ يتسع بين الثقافات إلى ح ٍّد بلغ الصراع.
كما نلحظ تأثير التحول الثقافي على األدوار المتوقعة من الفرد فيما يشغل من مواقع في جماعته ،فمثالً
ما يطلب حال ّيا ً من الوالد في اإلنفاق على أبنائه ليس كما كانت عليه الحال سابقاً ،وما كان ينظر له
باعتباره كمال ّيا ً أصبح من الحاجيّات؛ كتوفير خدمة اإلنترنت واألجهزة الخلويّة والحاسب اآللي.
كما أسهم التحوّ ل القيمي في تغيير نمط المشكالت االجتماعية ،ففي معظم الدول العربية زادت نسب
الجرائم التي يرتكبها األحداث والشباب ،بل في األردن مثالً تعد الفئة العمريّة من سن الثامنة عشرة إلى
الخامسة والثالثين هي األكثر اقترافا ً للجرائم ،كما ت ّم تسجيل مجموعة من الجرائم المستحدثة والتي لم
تكن معروفة سابقاً؛ مثل الجرائم اإللكترونيّة.
كما أثر التحوّ ل القيمي على موقفنا من بعض القضايا؛ وذلك تبعا ً لتغير في المعايير أيضاً ،ويمكن أخذ
مثال من التحوّ ل الذي جرى في موقف عموم اإلسالميين من حزب العدالة والتنمية في تركيا ،والموقف
من ظهور المرأة في وسائل اإلعالم ،والموقف من الموسيقى ،كما يمكن التساؤل عن ظاهرة انتشار
المقاهي في الدول العربية ،وتدخين النرجيلة ،والتوسّع في مجاالت عمل المرأة ،واألمثلة على التحول في
المواقف والمعايير كثيرة.
ويلفت االنتباه أ ّنه عند بدء افتتاح المطاعم األمريكية للوجبات السريعة في بلداننا؛ تم ارتيادها ممن
يعارضون السياسة األمريكية في المنطقة ،وينظرون إلى الشركات العابرة للقارات باعتبارها أدوات
إمبريالية ،وعند دراسة أسباب التراجع الشعبي لمقاطعة البضائع األمريكية مع عدم وجود تغيّر في
السياسات واالنحيازات األمريكيّة؛ نجد أنّ للتحول القيمي دوراً مهما ً في ذلك.
وقد أسهم التحوّ ل القيمي في التغيير االجتماعي ،خصوصا ً في دول شرق أوروبا ،وذلك بعد انهيار
االتحاد السوفييتي ،كما و ّفرت وسائل التواصل االجتماعي منبراً إعالم ّيا ً شخص ّيا ً لألفراد ،وأدت دوراً
أساس ّيا ً في الحراك الشعبي العربي.
الهراس إلى فحص القيم األسرية ،مذكراً بتميز المؤسسة العائلية عبر التاريخ بصمودها أمام عوامل
التغيير ،معتبراً أننا نعيش تحوالت كثيرة في المجتمع نتيجة عوامل التصنيع والتحضر واإلعالم
والتمدرس ،بما ساهم في التأثير على القيم األسرية ،وبالتالي لم تعد األسرة هي المصدر الوحيد المنتج
للقيم ،بل صارت موضوعا ً للمنافسة من طرف تلك العوامل ذاتها .وفي خضم هذه التحوالت ،أخذت
الدراسات السوسيولوجية في تناولها لألسرة المغربية تتمركز حول ثالثة نماذج هي النموذج الزواجي،
النموذج التقليدي ،ونموذج المزج بين االثنين.كما أشار الهراس إلى وجود تفاوت في المجتمع بشأن
درجة تمثل عدد من القيم المتعارضة مع قيم الحداثة ،مثل الشرف والعفة والطاعة التي طبعت السلوك
بين عناصر األسرة المغربية التقليدية ،وفي السياق نفسه ،ذكر أن ثلثي الخاليا األسرية في المغرب تبقى
ذات طبيعة نووية لكنها ثقافياً ،الزالت تحمل قيم األسرة الممتدة ،مبرزاً أن االنفصال السكني لم يؤثر في
تحول القيم على هذا المستوى.
على صعيد آخر ،تعرض الهراس لمجموعة من المؤشرات الدالة على تحوالت عميقة في أنماط العيش
لدى الشباب المغربي ،مثل نزوع الشباب إلى اختيار شريك الحياة بمحض اختياره ،وأن الزواج صار
يحصل في سن متأخرة ،كما أن الفارق بين الزوجين صار يتقلص مع تزايد الزواج من مناطق مختلفة
وتحول الصداق إلى مجرد مسألة رمزية ،كما صار الدافع إلى الزواج يبرر في تصور الشباب بالسعادة
الشخصية ،وليس المصلحة الجماعية كما كان من قبل .وتطرق الهراس أيضا ً إلى أنماط الطالق ،الفتا ً
إلى تراجع الطالق الرجعي في مقابل تزايد الطالق االتفاقي ،وأن أغلب حاالت الطالق تتم عبر تفريق
الزوجين بسبب الشقاق ،فأصبح الطالق نهائيا ً ال رجعة فيه بنسبة أكثر من 80في المئة من حاالت
الطالق المسجلة.
كما أشار إلى أن الفردانية التي يسير عليها المجتمع ال تنجم عن القرارات الحرة لألفراد لتأثرهم
بمحيطهم ،ألنهم في مرتبة أشبه باإللزام بأن يكونوا "فرديين" إلى حد ما؛ فاإلنسان يصنع بيوغرافيته
ونفسه في عالم متغير من حوله ،وهذه من مُميزات المجتمع الحديث ،حيث صارت البيوغرافية معولمة
وكونية ،وهو ما يؤثر على تغير القيم التي نحملها.
والسبب هنا يعود بحسب المحاضر إلى ظاهرة "الترميق" ( )bricolageالتي يعيشها المغاربة ،والتي
تجعلهم يعيشون بعض قيم الحداثة ،ويتمسكون بها في حين يرفضون أخرى ويتشبثون بالتقليد في مقابلها،
وهذا ما جعله يقتنع بأننا "نجيد التفاوض مع الواقع" ،ما دمنا نجنح نحو الترميق والتناص والتقنع
والهروب.كما ق ّدم العطري موضوعه عبر دراسة خمس عتبات ،وجاءت كالتالي :عتبة المفهوم والفهم
والسياق والحال والترميق ،حيث ح ّدد في البداية المعنى من مصطلح "التحول" الذي يتكرر في الدراسات
السوسيولوجية بتعبيرات مختلفة ،مثل :التغيير االجتماعي ،الحراك االجتماعي ،التحول االجتماعي دون
أن يتعلق األمر بمترادفات ،بل بمفاهيم "تعكس رؤى نظريات سوسيولوجية مختلفة لمنطق وعمق ووتيرة
ما تشهده المجتمعات من تغيرات بطيئة تمتد عبر عقود أو حقب أو تطورات سريعة".
كما ذكر أن الثراء اللغوي الذي تحفل به كلمة "تحول" ،نجده أيضا ً في المتن الفرنسي ،حيث توجد
"كلمات من قبيل Mutationو Changementو Transformationللتأشير عن نوع من التغير
الذي يهم الواقع" ،وأضاف أنه خارج هذا الثراء اللغوي يمكن تعريف التحول االجتماعي بأنه "كل تغير
يطرأ على بنيات المجتمع خالل فترة معينة ،فهو يهم كل تغير مادي أو رمزي يحدث تبدالت في أنماط
العالقات وأشكال الوظائف واألدوار ونظام الرموز والقيم والتصورات".
كما عرج في هذا السياق على معنى "القيم" مشيراً إلى التباس جلي في المفهوم ،وحضوره في قطاعات
مختلفة من فلسفة واجتماع وثقافة واقتصاد ،وهي في كل مجال من هذه المجاالت تحمل داللة خاصة،
متوقفا ً عند ارتفاع الطلب السياسي واالجتماعي على القيم ،وأوضح أننا نستحضرها كمعايير وموازين
اجتماعية لالسترشاد والحكم على ما هو مرغوب فيه وغير مرغوب فيه ،وأنها المعايير واألحكام التي
تجتمع لدى األفراد والجماعات وتصير ناظمة وضابطة وحاكمة للتمييز والتقييم.
وحول اإلشكال المطروح في دراسة القيم ،أكد العطري على الحاجة إلى ما سماه بـ"العقل العالئقي" الذي
ُي َمكن الباحث من "تحليل الوقائع االجتماعية في ظل نوع من "التشبيك العالئقي" ،حيث يتم إرجاع كل
شيء إلى شبكة تعددية من العناصر والمعطيات" مشيراً إلى ضرورة األخذ بعين االعتبار تأثيرات هذه
العناصر بواسطة حركاتها وسكناتها "على مجموع مكونات الشبكة ،بل إن حركاتها وسكناتها هاته ،ال
ترهن الحاضر فقط ،بل تمتد إلى المآل في ثباته وتحوله".
وتحدث أيضا ً عن دينامية التحول المفروضة على المجتمع بفعل االنتقال الديمغرافي والثقافي والمجالي
واالجتماعي والقيمي والتقني ،مما وفر قاعدة للتحوالت على مستوى تمثل القيم وممارستها ،لكنه أشار
مع ذلك إلى ما سماه بـ"عسر االنتقال" ،إذ إن تلك التحوالت لم تنقلنا من الحالة السابقة إلى الحالة
المرجوة ،بل جعلتنا في منزلة "البين بين"؛ أي بين القبيلة والدولة وبين التقليد والحداثة وبين المحافظة
والتجديد...فصرنا نعيش مجتمعا برزخيا ،مجتمع "البين بين" ،المجتمع الذي يسير بدون بوصلة.
وفي األخير ،أشار العطري إلى واقع مؤسساتنا التي رغم عصريتها ،فإنها غارقة في الممارسات
والتصورات والعالقات التقليدية لوجود التباسية على مستوى الخطاب والممارسة ،وهذا واقع يجعل
المغربي ال يجد من سبيل أمامه" ،سوى اللعب على حبلين في آن واحد :حبل المؤسسات الدوالتية
العصرية ،وحبل المؤسسات القبلية التقليدية" ،ولسان حاله أن "يربح في هذا الجانب ما خسره هنالك".
عبد اللطيف كيداري" ،التحوالت االجتماعية القيمية للشباب المغربي محاولة للرصد والفهم"
محمد قروق كركيش ،في سوسيولوجيا القيم:قراءة تحليلية لقيم الفرد و الجماعة ،الحوار المتمدن-العدد2015 ، 4970 :
مزمةزىمنالىمنىمن