المثل والتعبير الاصطلاحي في التراث العربي

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 35

‫المثل والتعبير االصطالحي‬

‫في التراث العربي‬


‫د‪/‬عالء الحمزاوي‬
‫يهدف هذا البحث إلى اإلجابة عن سؤالين‪:‬‬
‫هل عرف تراثنا اللغوي العربي مصطلح التعبير االصطالحي؟‬
‫ما الفرق المثل والتعبير االصطالحي؟ وأيهما أشمل من اآلخر؟‬

‫‪1‬‬
‫المثل مفهومه وسماته وأنواعه‬

‫‪2‬‬
‫مفهوم المثل‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫أفاض العلماء فى الحديث عن المثل ‪ ،‬ومن ثم فلسنا بحاجة أن نردد ما قيل‪ ،‬إنما‬
‫حسبنا أن نشير إلى ما يمكن به أن نعقد موازنة بين المثل والتعبير االصطالحى؛*‬
‫لنقف على أوجه الوفاق* والخالف بينهما‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬فى الفرنسية‪:2‬‬
‫تشير المعاجم إلى أن المثل ‪ proverbe‬هو جملة خيالية ذائعة االستخدام* ‪ ،‬تدل‬
‫على صدق التجربة أو النصيحة أو الحكمة ‪ ،‬يرجع إليها المتكلم ‪ .‬وقديما* عرفوا المثل‬
‫بأنه حكمة شعبية قصيرة تتداول على األلسنة ‪ ،‬أو هو جملة غالبا ما تكون قصيرة ‪،‬‬
‫تعبر عن حدث ذى مدلول خاص ‪ ،‬لكن يبقى على المستمع تخمينه ‪.‬‬
‫والمؤرخون للمثل يرجعون كلمة ‪ proverbe‬إلى نهاية القرن الثانى عشر‪ ،‬وهى‬
‫مستعارة من اللغة الالتينية ‪ proverbium‬وكان معناها لغزا أو مقارنة‪.‬‬
‫ويذكر* المهتمون باألدب أن المثل جملة لها محتوى‪ ،‬تعبر عن حقيقة عامة‪ ،‬ثم‬
‫ساقوا بيتا شعريا للشاعر فولتير* ‪ :Voltaire‬من يخدم بلده ليس بحاجة إلى أجداد ‪Qui‬‬
‫‪ sera bien son pays n’a pas besoin d’aieux‬وعدوه مثال‪ .‬ويقولون‪( :‬سفر‬
‫األمثال ‪ ) le livre des proverbes‬و(أمثال سليمان ‪) les proverbes de Saloman‬‬
‫ويعنون به أحد أسفار الكتاب المقدس ‪ ، bible‬يتضمن مجموعة من الحكم األخالقية‬

‫‪1‬‬
‫ح *ول مفه**وم المثل انظر ‪ :‬مق**دمات كتب األمث**ال ال**واردة فى البحث والس**يوطى‪ :‬المزهر في عل**وم‬
‫اللغة (الن**وع الخ**امس والثالثين) ولس**ان الع**رب (ض**رب) وزله**ايم‪ :‬األمث**ال العربية القديمة‪ :‬المقدمة‬
‫وعبد المجيد قط * * **امش األمثال‪ :‬المقدمة العربية وتوفيق أبو على ‪ :‬األمث* * **ال‪ :‬المقدمة‪ .‬وانظر أيضا‪:‬‬
‫جواد على‪ :‬المفصل فى تاريخ العرب‪ :‬الجزء الثامن‪ ،‬فصل األمثال ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫انظر ‪Trésor : Dictionnaire de la langue française du x1x e xx siècle :‬‬

‫)‪ (proverbe‬وي**ذكر د‪/‬عبد المجيد عاب**دين أن األورب**يين يص**فون المثل "بأنه العب**ارة ال**تى تتصف‬
‫بالش**يوع واإليج**از وح**دة المع**نى " األمث**ال ص ‪ 9‬وه**ذا الوصف قد خال من ص**فة التش**بيه‪ ،‬وهى‬
‫ص* * **فة أساس* * **ية فى األصل ‪ ،‬وقد وافق ديشى على خلو المثل من التش* * **بيه ‪ ،‬وس* * **اق المثل (س* * **المة‬
‫اإلنس* * **ان فى حفظ اللس* * **ان) و المثل (اعمل تنجح) ‪ ،‬والب* * **احث ي* * **رى أن المثل فى األصل ق* * **ام على‬
‫التشبيه ‪ ،‬والمانع أن ترد أمثال خالية من هذه الصفة غير أن هذا اليخلع عنها صفة التشبيه ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫التى وردت فى الكتب السماوية ‪ .‬ويتردد على اللسان كثيرا عبارة (‪comme dit le‬‬
‫‪3‬‬
‫‪. )prover‬‬
‫هذا ‪ ..‬وذكروا أن من مرادفات الـ ‪proverbe : adage , maxime , diction‬‬
‫وهى مصطلحات تعبر الحكمة والعبرة والموعظة ‪ .‬وذكروا* أن ثمة أشخاصا* تُذكر‬
‫‪4‬‬
‫األمثال بأسمائهم* ‪. personages proverbiaum‬‬

‫ثانيا‪ :‬فى العربية‪:‬‬


‫يدل األصل الثالثى (م ث ل) على معنى الشبه والنظير‪ *،‬يقول الزمخشرى‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫"‪..‬والمثل فى أصل كالمهم بمعنى المثل والنظير‪ ، *"..‬وذكر* أحد الباحثين أن كلمة‬
‫"المثل من المماثلة وهو الشئ المثيل لشئ يشابهه ‪ ،‬والشئ الذى يضرب لشئ مثال ‪،‬‬
‫فيجعل مثله ‪ ،‬واألصل فيه التشبيه‪ ،‬ويقابله فى العبرانية ‪ mashal‬وفى* اليونانية‬
‫‪6‬‬
‫‪ parable‬ومعناهما المماثلة والمشابهة"* ‪.‬‬
‫وينقل زلهايم عن أبى عبيد القاسم بن سالم قوله فى مقدمة أمثاله‪.." :‬هذا كتاب‬
‫األمثال وهى حكمة العرب فى الجاهلية واإلسالم ‪ ،‬وبها كانت تعارض كالمها‪ ،‬فتبلغ‬
‫بها ما حاولت من حاجاتها فى المنطق بكناية غير تصريح ‪ ،‬فيجتمع لها بذلك ثالث‬
‫‪7‬‬
‫خصال‪ :‬إيجاز اللفظ وإ صابة المعنى وحسن التشبيه" ‪.‬‬
‫ويقول المرزوقى‪" :‬المثل جملة من القول مقتضبة من أصلها‪ ،‬أو مرسلة بذاتها‪،‬‬
‫فتتسم بالقبول وتشتهر* بالتداول‪ ،‬فتنقل عما وردت فيه إلى كل ما يصح قصده بها من‬

‫‪3‬‬
‫انظر ‪ :‬المرجع السابق‬
‫‪4‬‬
‫وهذا يقابل فى العربية ‪ :‬أحلم من األحنف ‪ ،‬أسخى من ح*اتم ‪ ،‬واألمث*ال العربية حافلة به*ذا الن*وع‬
‫‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫انظر الزمخشرى ‪ :‬مقدمة المستقصى ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫انظر جواد على ‪ :‬المفصل ‪8/354‬‬
‫‪7‬‬
‫انظر ‪ :‬زلهايم ‪ :‬األمثال العربية ‪ ، 23‬السيوطى ‪ :‬المزهر ‪1/486‬‬

‫‪4‬‬
‫غير تغيير يلحقها فى لفظها‪ ،‬وعما يوجبه الظاهر إلى أشباهه من المعانى‪ ،‬فلذلك‬
‫‪8‬‬
‫تضرب‪ ،‬وإ ن جهلت أسبابها التى خرجت عليها" ‪.‬‬
‫فى هذا التعريف توضيح لحقيقة المثل ‪ ،‬فهو يضرب فى حاالت مشابهة لمورده‬
‫األصلى‪ ،‬كما يظل مثال يضرب ‪ ،‬وإ ن جهل أصله ‪ ،‬واليغير* لفظه فى أية حالة من‬
‫‪9‬‬
‫حالة استعماله ‪.‬‬
‫فإذا ما انتقلنا للمحدثين الذين اهتموا بدراسة المثل نجدهم اليكادون يختلفون مع‬
‫القدماء فى مفهوم المثل فمثال يقول أميل يعقوب ‪ ":‬المثل هو عبارة موجزة بليغة شائعة‬
‫االستعمال‪ ،‬يتوارثها* الخلف عن السلف ‪ ،‬تمتاز باإليجاز وصحة المعنى وسهولة اللغة‬
‫‪10‬‬
‫وجمال جرسها" ‪.‬‬
‫ويصف* باحث آخر المثل بأنه" قول موجز سائر ‪ ،‬صائب المعنى تشبه به حالة‬
‫‪11‬‬
‫حادثة بحالة سالفة"‬
‫ومن خالل هذا العرض يمكن أن نقدم تعريفا للمثل ‪ ،‬يخلص فى أنه " هو تركيب‬
‫ثابت شائع موجز ‪ ،‬يستخدم مجازيا* صائب المعنى ‪ ،‬يعتمد كثيرا على التشبيه " ‪ .‬وبناء‬
‫على ذلك فهو يتسم بهذه السمات ‪:‬‬
‫ـ االستعمال الشائع ‪.‬‬ ‫ـ اإليجاز البليغ‬
‫ـ جمال اللغة ‪.‬‬ ‫ـ التشبيه‬
‫ـ االستعمال المجازى ‪.‬‬ ‫ـ الثبات‬
‫ـ جودة الكناية‬
‫‪12‬‬
‫هذا ‪ ..‬وأضاف البروفسيرجوزيف ديشى صفات أخرى للمثل منها ‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫انظر ‪ :‬السيوطى ‪ :‬سابق ‪1/486‬‬
‫‪9‬‬
‫انظر ‪ :‬زلهايم ‪25 :‬‬
‫‪10‬‬
‫انظر ‪ :‬توفيق أبوعلى ‪ :‬األمثال ‪ 41‬نقال عن أميل يعقوب ‪ :‬األمثال الشعبية اللبنانية ‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫انظر ‪ :‬قطامش ‪11 :‬‬
‫‪12‬‬
‫انظر ‪ :‬مناقشة مع الباحث بجامعة ليون‬

‫‪5‬‬
‫ـ أن المثل من المسكوكات ( الثبات فى بنيته ) ‪.‬‬
‫ـ وأنه قابل لالستخدام فى سياقات مختلفة ‪ ،‬إال أن عالقته بتلك السياقات خاضعة لقواعد‬
‫داللية خاصة ‪.‬‬
‫ـ وأنه كذلك يتسم ببالغته (قوة التعبير) ‪.‬‬
‫ويحاول* الباحث أن يفصح عن هذه السمات بالمناقشة والتحليل على النحو التالى‪:‬‬
‫ـ اإليجاز ‪:‬‬
‫هو أبرز سمات األمثال وأخص خصائصها‪ ،‬وبه تمتاز على ما عداها من فنون‬
‫األدب‪ ،‬يقول البكرى‪" :‬واألمثال* مبنية على اإليجاز واالختصار* والحذف واالقتصار"*‪،‬‬
‫ويقول فى موضع آخر‪" :‬واألمثال* موضع إيجاز واختصار‪ ،‬وقد* ورد فيها من الحذف‬
‫‪13‬‬
‫والتوسع ما لم يجئ فى أشعارهم" ‪.‬‬
‫واإليجاز* يعمل على إشباع المعنى وهذا ما نلمسه فى قول الزمخشرى* "‪..‬أوجزت‬
‫اللفظ فأشبعت المعنى وقصرت* العبارة فأطالت المغزى‪ ،‬ولوحت فأغرقت فى‬
‫‪14‬‬
‫التصريح‪ ،‬وكنت فأغنت عن اإليضاح" ‪.‬‬
‫ويقول القلقشندى ‪ ..":‬وأما األمثال الواردة نثرا‪ ،‬فإنها كلمات مختصرة‪ ،‬تورد*‬
‫للداللة على أمور كلية مبسوطة ‪ ..‬وليس فى كالمهم أوجز منها ‪ ،‬ولما كانت األمثال‬
‫كالرموز* واإلشارة التى يلوح بها على المعانى تلويحا صارت من أوجز الكالم وأكثره‬
‫‪15‬‬
‫اختصارا" ‪.‬‬
‫وقد* تبين للباحث حقا أن اإليجاز سمة أصيلة فى األمثال من خالل الدراسة‬
‫التركيبية فى هذه الدراسة ؛ حيث خصص عدة أنماط من األنماط النحوية تدل بجالء‬
‫على وسم األمثال باإليجاز* ‪ ،‬ولم يحصر* الباحث كل األمثال الموجزة ‪ ،‬بل اختار‬
‫مجموعة كنماذج ‪ ،‬وتتمثل هذه األنماط فىكل األنماط التى تحتوى* على عنصرى‬
‫الجملة النواة ‪ ، phrase noyau‬خالية من العناصر التوسيعية ‪ ، extensions‬إضافة‬

‫‪13‬‬
‫انظر ‪ :‬قطامش ‪ 256 :‬نقال عن فصل المقال ‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫انظر ‪ :‬الزمخشرى ‪ :‬المستقصى ‪ :‬مقدمة‬
‫‪? 15‬‬
‫انظر ‪ :‬القلقشندى ‪ :‬صبح األعشى ‪1/295‬‬

‫‪6‬‬
‫إلى األنماط التى تحتوى على أحد العنصرين واآلخر محذوف* ‪ ،‬وكذلك األنماط التى‬
‫تحتوى على عنصر توسيعى مع تقدير الجملة النواة‪.‬‬
‫إصابة المعنى ‪:‬‬
‫تعد األمثال من األشكال األدبية التى تعبر عن الواقع بشكل يقترب من الصدق ؛‬
‫ألنها تعد نتاج فكر وأحداث وتجارب* للحياة اليومية ـ لم يوافق البروفسير* ديشى على‬
‫هذا ـ وهذا يعنى أنها تصيب المعنى ‪ ،‬وحاولنا أن نلتمس دليال لتعضيد هذا الرأى ‪،‬‬
‫فالتمسناه فى بعض الجوانب التركيبية لألمثال ‪ ،‬فى صيغة الجملة االسمية التى تفيد‬
‫العموم والتى تدل على الثبات السيما صيغة أفعل ‪ ،‬والجملة الشرطية التى ترتب شيئا‬
‫على شئ ‪ ،‬وجملة األمر والنهى التى تحث على خير وتزجر شرا ‪ ،‬أو تسدى موعظة‬
‫‪16‬‬
‫ونصيحة ‪ ،‬قد تكون عامة وقد* تكون خاصة بالمخاطب ‪.‬‬
‫حسن التشبيه ‪:‬‬
‫من سمات المثل التشبيه ‪ ،‬بل إن المادة (م ث ل) تدل على المشابهة ‪ ،‬ومن ثم‬
‫جعل بعض العلماء التشبيه سمة أساسية فى المثل ـ عرضنا لذلك حينما تحدثنا عن‬
‫مفهوم المثل ـ ويرى* البروفسير جويف* ديشى أن هذه السمة صالحة لعددمن األمثال ‪،‬‬
‫‪17‬‬
‫وليس شرطا* توافرها* فى كل األمثال ‪.‬‬
‫بيد أن هذا اليمنع أن نتحدث عن هذه السمة بإيجاز* ‪ ،‬فللتشبيه مكانته فىكالم العرب‬
‫‪ ،‬يقول قدامة ‪" :‬وأما التشبيه فهو من أشرف كالم العرب‪ ،‬وبه تكون الفطنة والبراعة‬
‫‪18‬‬
‫عندهم" ‪ .‬ويشرح* عبد القاهر وظيفة التشبيه فى قوله‪ .." :‬وهل تشك فى أنه يعمل‬
‫عمل السحر فى تأليف المتباينين حتى يختصر ما بين المشرق والمغرب‪ ،‬ويجمع ما‬

‫‪16‬‬
‫من الن * **وع األول ‪ :‬كل ام * **رئ فى بيته ص * **بى ‪ ،‬كل فت * **اة بأبيها معجبة ‪ .‬ومن الث * **انى أول الح * **زم‬
‫المش* * **ورة‪ ،‬الحق أبلج ‪ ،‬أك* * **رم من ح* * **اتم ‪ ،‬أحلم من األحنف ‪ .‬ومن الث* * **الث ‪ :‬إذا عز أخ* * **وك فهن ‪،‬‬
‫تطعم تطعم ‪ .‬ومن الرابع ‪ :‬انصر أخ **اك ظالما او مظلوما عش والتغ **تر ‪ ،‬اش **تر لنفسك وللس **وق ‪،‬‬
‫التهرف بما التعرف ‪ ،‬أعط القوس باريها ‪.....‬‬
‫‪17‬‬
‫مناقشة بين الباحث والمشرف بجامعة ليون ‪ 1997‬والباحث يوافقه الرأى ‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫انظر ‪ :‬قدامة بن جعفر ‪ :‬نقد النثر ‪58‬‬

‫‪7‬‬
‫بين المشئم والمعرق ‪ ،‬وهو يريك للمعانى الممثلة باألوهام شبها فى األشخاص الماثلة ‪،‬‬
‫واألشباح القائمة ‪ ،‬ينطق لك األخرس ‪ ،‬ويعطيك البيان من األعجم ‪ ،‬ويريك* الحياة فى‬
‫الجماد ‪ ،‬ويريك* التئام عين األضداد ‪ ،‬فيأتيك بالحياة والموت مجموعين‪ ،‬والماء والنار*‬
‫‪19‬‬
‫مجتمعين" ‪.‬‬
‫وإ ذا كان التشبيه بجميع صوره وأشكاله من أساليب البيان المتفق على بالغتها‪،‬‬
‫فإنه فى األمثال يبلغ قمة البالغة ‪ ،‬ويحتل ذروتها* ‪ ،‬ذلك أن مضارب األمثال تكون‬
‫عادة من المعانى المعقولة التى قد يصعب تصورها واستكناه حقيقتها ‪ ،‬ومن ثم يلجأ‬
‫الناس إلى ضرب األمثال لها بأمور حسية ‪ ،‬وأحداث واقعية ‪ ،‬فال تلبث هذه المعانى‬
‫المعقولة أن تبرز من الخفاء حتى تكون فى متناول الحواس الظاهرة ‪.‬‬
‫وتوضيحا لسمة التشبيه فى األمثال نسوق* هذا المثل (قبل الرماء تمأل الكنائن) ؛ إذ‬
‫هو يضرب فى االستعداد* لألمر قبل حلوله ‪ ،‬وهو معنى معقول شبه بحالة حسية ‪ ،‬هى‬
‫حالة الرجل يستعد للرمى قبل أوانه ‪ ،‬فيمأل جعبته سهاما ‪ .‬فالمضرب هنا وهو المراد‬
‫أمر معقول اليدرك إال بالفكر والنظر* ‪ ،‬وهذا يعنى أن العرب لجأوا إلى صورة حسية‬
‫منتزعة من البيئة ‪ ،‬فشبهوا* بها تلك المعانى المعقولة وأخرجوها* بهذا التشبيه من الخفاء‬
‫واإلبهام إلى الوضوح والجالء ‪.‬‬
‫الكناية والتعريض ‪:‬‬
‫إن أسلوب المثل يتسم بجودة الكناية والتعريض ؛ ألن المتمثل به اليصرح بالمعنى‬
‫الذى يريده وهو مضرب المثل واليعبر* عنه باأللفاظ الموضوعة له فى اللغة ‪ ،‬إنما‬
‫يخفى هذا المعنى ويعبر عنه بألفاظ أخرى هى ألفاظ المثل وهذا هو معنى الكناية‬
‫والتعريض لغويا ‪ ،‬يقول ابن منظور ‪ ..":‬والكناية أن تتكلم بشئ وتريد* غيره وكنى عن‬
‫األمر بغيره يكنى كناية ‪ ،‬يعنى أن تتكلم بغيره مما يستدل به عليه ‪ ..‬وكنى الرؤيا* هى‬
‫األمثال التى يضربها ملك الرؤيا‪ ،‬يكنى بها عن أعيان األمور"‪ ،‬ويقول فى موضع‬

‫‪19‬‬
‫انظر ‪ :‬عبد القاهر ‪ :‬أسرار البالغة ‪111‬‬

‫‪8‬‬
‫آخر‪" :‬والتعريض* خالف التصريح والمعاريض* التورية بالشئ عن الشئ والتعريض قد‬
‫‪20‬‬
‫يكون مضرب األمثال ‪ ،‬وذكر* األلغاز فى جملة المقال" ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬الكناية أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعانى فال يذكره باللفظ الموضوع‬
‫له فى اللغة ولكن يجئ إلى معنى هو تاليه وردفه فى الوجود فيومئ* به إليه ‪ ،‬ويجعله‬
‫‪21‬‬
‫دليال عليه مثل (طويل النجاد) أى طويل القامة ‪.‬‬
‫وتوضيحا لمفهوم الكناية نسوق* هذا المثل (بلغ السيل الزبى) ‪ ،‬فهذا المثل يراد به‬
‫األمر يبلغ غايته فى الشدة والصعوبة ‪ ،‬لكن المتكلم أخفى هذا المعنى ‪ ،‬ولم يستخدم*‬
‫األلفاظ التى وضعت له فى اللغة ‪ ،‬وكنى عنه باأللفاظ التى جاء عليها المثل ‪.‬‬
‫ويذكر* أحد الباحثين أن كل األمثال هكذا اليصرح بالمعانى* المرادة ‪ ،‬وهى‬
‫مضاربها* ‪ ،‬وإ نما يكنى عنها بعبارات أو ألفاظ تفيد معانى أخرى ‪ ،‬وتكتسب المعانى‬
‫المرادة من األمثال بهذه الكناية وضوحا* وإ شراقا* ‪ ،‬وتكتسى* حلال زاهية من الجمال‬
‫‪22‬‬
‫والبهاء ‪.‬‬
‫الذيوع واالنتشار ‪:‬‬
‫لعل السمات التى يتسم بها المثل من اإليجاز والوضوح وإ صابة المعنى وقمة‬
‫البالغة وغيرها ‪ ..‬أضفت عليه صفة الذيوع والسيرورة‪ ،‬وقد* لفت هذا أذهان العرب‪،‬‬
‫‪23‬‬
‫فشبهوا بالمثل كل شئ يشيع وينتشر* فقالوا‪( :‬أسيرمن مثل) ‪ ،‬وقال الشاعر ‪:‬‬
‫يعرفه الجاهل والخابر‬ ‫ما أنت إال مثل سائر‬
‫هذا ‪ ..‬وقد نوه مدونواألمثال إلى هذه السمة ‪ ،‬فمثال يقول الزمخشرى‪" :‬وألمر* ما‬
‫سبقت أراعيل الرياح وتركتها كالراسنة فى القيود ‪ ،‬بتدارك سيرها فى البالد ‪ ،‬مصعدة‬

‫‪20‬‬
‫انظر ‪ :‬ابن منظور ‪ :‬اللسان ‪ :‬كنى ـ عرض‬
‫‪21‬‬
‫انظر ‪ :‬عبد القاهر ‪ :‬دالئل اإلعجاز ‪52‬‬
‫‪22‬‬
‫انظر ‪ :‬قطامش ‪269‬‬
‫‪23‬‬
‫انظر ‪ :‬ابن عبد ربه ‪ :‬الجوهرة فى األمثال ‪ :‬المقدمة‬

‫‪9‬‬
‫ومصوبة‪ ،‬واختراقها* اآلفاق‪ ،‬مشرقة ومغربة حتى شبهوا بها كل سائر أمعنوا فى‬
‫‪24‬‬
‫وصفه وشارد* لم يألوا فى نعته" ‪.‬‬
‫ووصف ابن عبد ربه األمثال بأنها " وشى* الكالم ‪ ،‬وجوهر اللفظ ‪ ،‬وحلى المعانى‬
‫تخيرتها العرب وقدمتها* العجم ‪ ،‬ونطق بها فى كل زمان ‪ ،‬وعلى كل لسان ‪ ،‬فهى أبقى‬
‫‪25‬‬
‫من الشعر ‪ ،‬وأشرف* من الخطابة ‪ ،‬لم يسر شئ سيرها ‪ ،‬والعم عمومها" ‪.‬‬
‫الثبـات ‪:‬‬
‫من سمات المثل الثبات ـ يرى د‪.‬ديشى أنه ثبات نسبى ـ فى التركيب والداللة؛ إذ‬
‫يقال كما ورد ؛ ألن القاعدة فى األمثال أال تغير‪ ،‬بل تجرى كما جاءت ‪ ،‬وقد* جاء‬
‫الكالم بالمثل وأخذ به وإ ن كان ملحونا‪ ،‬ألن العرب تجرى األمثال على ما جاءت‪ ،‬وقد*‬
‫تستعمل فيها اإلعراب ‪ ،‬واألمثال قد تخرج عن القياس ‪ ،‬فتحكى* كما سمعت‪ ،‬واليطرد‬
‫فيها القياس ‪ ،‬فتخرج عن طريقة األمثال؛ ألن من شرط المثل أال يغير عما يقع فى‬
‫‪26‬‬
‫األصل عليه ‪.‬‬
‫ويؤكد* المرزوقى ما سبق بقوله‪" :‬من شرط المثل أال يغير عما يقع فى األصل‬
‫عليه‪ ،‬أال ترى أن قولهم* (أعط القوس باريها) تسكن ياؤه ‪ ،‬وإ ن كان التحريك هو‬
‫األصل؛ لوقوع* المثل فى األصل على ذلك ‪ ،‬وكذلك قولهم (الصيف ضيعت اللبن) لما‬
‫‪27‬‬
‫وقع فى األصل للمؤنث لم يغير من بعد ‪ ،‬وإ ن ضرب للمذكر"* ‪ .‬ويعلق التبريزى على‬
‫المثل األخير بقوله ‪.." :‬نقول ‪:‬الصيف ضيعت اللبن مكسورة التاء ‪ ،‬إذا خوطب بها‬
‫المذكر والمؤنث واالثنان والجمع ؛ ألن أصل المثل خوطبت به امرأة ‪ ،‬وكذلك قولهم*‬
‫‪28‬‬
‫(أطرى* فإنك ناعلة ) يضرب للمذكر والمؤنث واالثنين والجمع على لفظ التأنيث" ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫انظر الزمخشرى ‪ :‬مقدمة المستقصى ‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫انظر ‪ :‬ابن عبد ربه ‪ :‬مقدمة الجوهرة ‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫انظر ‪ :‬السيوطى ‪ :‬المزهر ‪ 1/487‬ـ ‪488‬‬
‫‪27‬‬
‫انظر ‪ :‬المرجع السابق‬
‫‪28‬‬
‫انظر ‪ :‬المرجع السابق‬

‫‪10‬‬
‫ويفصح الزمخشرى* عن السر فى المحافظة على ألفاظ المثل وحمايته من التغيير‪،‬‬
‫بأنه متمثل فى نفاسة المثل وغرابته ‪ ،‬حيث يقول ‪..":‬ولم يضربوا مثال ‪ ،‬وال رأوه أهال‬
‫للتسيير ‪ ،‬وال جديرا بالتداول والقبول إال قوال فيه غرابة من بعض الوجوه ‪ ،‬ومن ثم‬
‫‪29‬‬
‫حوفظ عليه ‪ ،‬وحمى من التغيير"* ‪.‬‬
‫ومن السر أيضا أن األمثال من قبيل الحكاية ‪ ،‬يفصح عن هذا العسكرى بقوله‪:‬‬
‫"ويقولون ‪:‬األمثال تحكى ‪ ،‬يعنون بذلك أنها تضرب على ما جاء عن العرب ‪ ،‬والتغير*‬
‫‪30‬‬
‫صيغتها ‪ ،‬فتقول (الصيف* ضيعت اللبن) ‪ ،‬فتكسر التاء ؛ ألنها حكاية" ‪.‬‬
‫مما سبق يمكن القول بأن من حق المثل أن تحمى صيغته وألفاظه من التغيير وأن‬
‫يبقى على ما جاء عليه مهما اختلفت المضارب واألحوال ؛ ألن المساس به يخل‬
‫بمدلوله‪ ،‬ويخرجه من باب االستعارة وجودة الكناية من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى تفقد‬
‫األمثال كثيرا من قيمتها* األدبية واللغوية والتاريخية‪ ،‬إذا تعرضت للتغيير‪ ،‬ومن ثم‬
‫أجازت العرب لضارب المثل الخروج فيه على قواعد اللغة بدعوى الضرورة كالشعر‪،‬‬
‫‪31‬‬
‫ألنه قد يصدر شعرا أو سجعا‪ ،‬وقد* يصدر عن أفواه أناس ال يبالون بالقواعد ؛ ذلك‬
‫ألنه ال تغير صورته مهما كان مخالفا لقواعد اللغة؛ حفاظا على سمة الثبات‪.‬‬
‫أنواع المثل ‪:‬‬
‫يقسم زلهايم المادة التى احتشدت بها كتب األمثال إلى عدة أنماط ‪ ،‬واضعا* لكل‬
‫نمط مصطلحا يدل عليه ـ من وجهة نظره ـ على النحو التالى ‪:‬‬
‫‪32‬‬
‫‪:‬‬ ‫المثل ‪proverbe‬‬

‫هو ما يتحقق معناه ومفهومه فى إحدى خبرات الحياة التى تحدث كثيرا فى أجيال‬
‫متكررة‪ ،‬ممثلة لكل الحاالت األخرى ‪ ،‬فالمثل ليس تعبيرا لغويا فى شكل جملة تجريدية‬

‫‪29‬‬
‫انظر ‪ :‬الزمخشرى ‪ :‬الكشاف ‪1/38‬‬
‫‪30‬‬
‫انظر العسكرى ‪ :‬مقدمة الجمهرة ‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫انظر ‪ :‬جواد على ‪ :‬المفصل فى تاريخ العرب ‪8/359‬‬
‫‪32‬‬
‫انظر ‪ :‬زلهايم ‪ :‬األمثال العربية ‪29 : 27‬‬

‫‪11‬‬
‫مصيبة تنصب على كل حالة على سواء ألن هذه الصياغة الفكرية تخرج عن القدرة‬
‫التجريدية للشعب البدائى ‪ ،‬فالتفكير الواضح للشعب يفوق فى التأثير النفسى طريقة‬
‫التعبير التجريدية بكثير ‪ .‬ومن أمثلة ذلك ‪:‬‬
‫عشب والبعير* ‪ ،‬استنسر* البغاث ‪ ،‬أبى الحقين العذرة ‪ ،‬قد بين الصبح لذى عينين‪،‬‬
‫التمرة إلى التمرة تمر ‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫‪:‬‬ ‫التعبير المثلى ‪expression proverbiale‬‬

‫يفرق زلهايم* التعبير المثلى عن المثل بأنه ال يعرض أخبارا معينة عن طريق* حالة‬
‫بعينها ‪ ،‬لكنه يبرز أحوال الحياة المتكررة والعالقات اإلنسانية فى صورة يمكن أن‬
‫تكون جزءا من جملة‪ .‬والتعبيرات المثلية عبارات قائمة بذاتها تثرى التعبير وتوضحه؛‬
‫بسبب ما فيها من بيان عظيم‪ ،‬وهى مشهورة متداولة على العموم‪ ،‬كقولهم‪ :‬سواسية‬
‫كأسنان المشط ‪ ،‬فالن اليعوى والينبح‪ ،‬سكت ألفا ونطق* خلفا‪ ،‬إنباض بغير توتير‪.‬‬
‫يرى الباحث أن الفرق الملموس بين المثل والتعبير* المثلى عند زلهايم* أن األول‬
‫يعتمد على التشبيه‪ ،‬أى يصور* موقفا ما‪ ،‬ثم يساق فى المواقف* المماثلة‪ ،‬أما الثانى فليس‬
‫شرطا أن يعتمد على التشبيه‪ .‬وإ ذا ما نظرنا* فى النماذج التى استشهد بها صاحبنا‬
‫للنوعين‪ ،‬فالنكاد* نلمس فرقا* بينها‪ ،‬إذ لو وضعنا* نماذج المثل تحت التعبير المثلى‬
‫وكذلك األخرى‪ ،‬فال يغير ذلك من مفهوم المصطلح الذى أشار إليه زلهايم‪ ،‬فما الفرق‬
‫بين قولهم (سواسية كأسنان المشط) و(عشب والبعير)؟! كالهما يحمل السمات ذاتها‬
‫التى عرضنا لها من قبل‪.‬‬
‫وهذا األمر يجيز للباحث الحكم على زلهايم* بأنه اضطرب فى تحديد مفهوم‬
‫المصطلح ‪ ،‬ويبدوله أن الفرق بين المثل والتعبير* المثلى أن الثانى يعتمد على المجاز‪،‬‬
‫وأنه أحد أنواع التعبير االصطالحى* ‪ ،‬فى حين أن األول قد يخلو منه مثل قولهم‪:‬‬
‫(الجار قبل الدار)‪ ،‬فإن لم يخل منه فهو تعبير مثلى أو تعبير اصطالحى‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫‪:‬‬ ‫الحكمة ‪maxime‬‬

‫‪33‬‬
‫انظر ‪ :‬السابق ‪31 : 30 :‬‬
‫‪34‬‬
‫انظر‪ :‬نفسه ‪32‬‬

‫‪12‬‬
‫يذكر زلهايم* أن الحكمة تجمع كل ما يتصل بالعادات والتقاليد والتدبير* واألقوال‬
‫السائرة والعبارات* النادرة ‪ ،‬فهى تعبر عن خبرات الحياة مباشرة فى صيغة تجريدية‪.‬‬
‫وإ نه ليس من قبيل الصدفة أن تنسب أمثال هذا النوع إلى الحكماء والفالسفة الذين‬
‫وهبوا المقدرة على التعبير التجريدى ‪ ،‬وهى من األمثال أو من التعبيرات المثلية التى‬
‫لم يعرف قائلها‪ ،‬ولم يفعل هؤالء الحكماء أكثر من أن يضفوا على المثل معنى مجردا‪،‬‬
‫ويحوروا محتواه باستعمال كلمات عامة فلسفية ‪ .‬ولهذه األمثال مقابل حرفى فىكثير* من‬
‫ّ‬
‫األحيان‪.‬‬
‫ويعرف* أحد الباحثين الحكمة بأنها " تلك العبارة التجريدية التى تصيب المعنى‬
‫الصحيح وتعبر* عن تجربة من تجارب الحياة ‪ ،‬أو خبرة من خبراتها ‪ ،‬ويكون هدفها‬
‫‪35‬‬
‫عادة الموعظة والنصيحة"* ‪.‬‬
‫ومن الحكم التى احتشدت بها كتب األمثال وعدت أمثاال لذيوعها وإ فشائها ‪( :‬السر‬
‫أمانة‪ ،‬العدة عطية‪ ،‬إن الكذوب قد يصدق‪ ،‬إياك أن يضرب لسانك عنقك‪ ،‬انصر أخاك‬
‫‪36‬‬
‫ظالما أو مظلوما* ‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫‪:‬‬ ‫العبارة التقليدية ‪louction figée‬‬

‫هى تلك العبارة التى توجد فى الدعاء واللعن وفى* الخطاب والتحية وفى الصالة‪،‬‬
‫وما أشبه ذلك ‪ ،‬ويوجد من هذا النوع الكثبر فى كتب األمثال ‪ ،‬وإ ن لم يكن فى األصل‬
‫من األمثال ‪ .‬ويقدم لها عموما أبوعبيدة بقوله‪" :‬ومن دعائهم‪ ،"..‬وفى* النادر بقوله‪:‬‬
‫"ومن أمثالهم فى الدعاء" ‪ .‬ثم سلكت هذه العبارات مع األمثال فى مسلك واحد‪ ،‬دون‬
‫مالحظة ما بينهما من فروق* ‪ ...‬ومن أمثلة ذلك ‪":‬رماه بأقحاف رأسه ‪ ،‬بلغ اهلل به أكأل‬
‫العمر‪ ،‬على بدء الخير واليمن‪ ،‬بالرفاء والبنين"‪.‬‬
‫ويذكر* أحد الباحثين أن المثل أساسه التشبيه ‪ ،‬فإن استوفت العبارة السائرة هذا‬
‫الشرط ـ بجانب شروط* المثل األخرى ـ كانت مثال ‪ ،‬وإ ن فقدت شرط التشبيه‪ ،‬لم تكن‬

‫‪35‬‬
‫انظر‪ :‬قطامش ‪18‬‬
‫‪36‬‬
‫انظر ‪ :‬زلهايم ‪33‬‬
‫‪37‬‬
‫انظر ‪ :‬نفسه ‪35‬‬

‫‪13‬‬
‫مثال‪ ،‬إنما تكون عبارة جارية مجرى األمثال الستحسانها* وإ يجازها وكثرة دورانها* على‬
‫‪38‬‬
‫األلسنة ‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫هذه هى األنواع األربعة التى احتشدت بها كتب األمثال ؛ حيث عدها العلماء‬
‫أمثاال‪ ،‬والباحث يوافق* على ذلك إذا انطبق عليها جميعها المفهوم الذى قدمه آنفا للمثل‪.‬‬

‫التعبير االصطالحى مفهومه وسماته وأنواعه‬

‫‪38‬‬
‫انظر ‪ :‬قطامش ‪32‬‬
‫‪39‬‬
‫ه**ذا باإلض**افة إلى ما يس**مى ب**المكنى والمب**نى والمث**نى ‪ ،‬وش**اع ش**يوع األمث**ال ‪ ،‬ح**تى ع**ده العلم**اء‬
‫من األمث * **ال ‪ ،‬من ذلك ‪ :‬أبوالح * **ارث لل * **ذئب ‪ ،‬أم الق * **رى لمكة ‪ ،‬ابن األي * **ام للرجل المج* **رب ‪ ،‬بنت‬
‫شفة) ‪.‬انظر العسكرى ‪ :‬الجمهرة ‪ :‬الفصل المعنون بذلك‬

‫‪14‬‬
‫من خالل البحث والدراسة تبين أن ظاهرة التعبير االصطالحى* من الظواهر‬
‫اللغوية التى لم تحظ باهتمام كبير من الدرس اللغوى ‪ ،‬بل كانت منذ عهد قريب بمثابة‬
‫منطقة مهجورة من حقل الدراسات اللغوية ولعل اللغويين الروس كانوا هم الرواد فى‬
‫علم دراسة التعبيرات االصطالحية ؛ إذ بدأوا ارتياده فى النصف الثانى من القرن‬
‫‪40‬‬
‫‪.‬‬ ‫التاسع عشر‪ ،‬ويعد فى نظرهم* جزءا شرعيا من الدرس اللغوى‬
‫ثم أخذ بعد ذلك حظا ال بأس به من الدراسات اللغوية الغربية ‪ ،‬وأضحت له‬
‫مصطلحات وسمات خاصة تميزه عن غيره من الظواهر اللغوية ‪ ،‬ويمكننا* أن نتبين‬
‫ذلك من خالل الوقوف على بعض المعاجم األجنبية والدراسات المتخصصة فى‬
‫اللسانيات ‪ linguistique‬فى اإلنجليزية والفرنسية‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫‪:‬‬ ‫أوال فى اللغة اإلنجليزية‬
‫تدلنا المعاجم اإلنجليزية المتخصصة على أن اللغة اإلنجليزية استعملت مصطلحين‬
‫للداللة على التعبير االصطالحى هما ‪ Idiom:‬و ‪ Idiomatic expression‬وسجلت له‬
‫مجموعة سمات تحدده ‪ ،‬نوجزها* فى أنه ‪:‬‬
‫ـ هو أسلوب لغوى خاص بجماعة من الناس فى لغة ما ‪.‬‬
‫ـ ال يمكن نقله إلى لغة أخرى ‪.‬‬
‫ـ له قوانين لغوية خاصة به يخضع لها ‪ ،‬ربما تتفق أو تختلف وقواعد اللغة العامة ‪.‬‬
‫ـ ال يستمد معناه من مجموع ألفاظه ؛ ألن ظاهر ألفاظه يؤدى* معنى مخالفا لمعناها‬
‫داخل التعبير ‪ ،‬ومن ثم ينبغى أن يدرس كوحدة داللية متكاملة ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫انظر د‪.‬كريم حسام الدين ‪ :‬التعبير االصطالحى ‪15‬‬
‫‪41‬‬
‫‪Harry Shaw : Dictionary of literary terms‬‬ ‫انظر فى ذلك ‪:‬‬
‫‪Long man : Dictionary of english idioms‬‬
‫‪Long man : New dictionary‬‬
‫‪Magdi Whba : Dictionary of literary terms‬‬
‫‪Ntc’s American idioms dictionary‬‬
‫‪Oxford : Dictionary oxford‬‬
‫‪Webster’s dictionary‬‬

‫‪15‬‬
‫ـ يشمل كثيرا من األمثال ‪ proverbs‬والعبارات الثابتة ‪ clichés‬والعبارات المأثورة‬
‫‪ common sayings‬والعبارات السوقية ‪ slang phrases‬واألفعال* المرتبطة بحروف‬
‫الجر أو الظروف* ‪. phrasal verbs‬‬
‫ـ ينفرد معجم "‪ " Harry Shaw‬بخاصية ‪ ،‬مؤداها أن اللغة اإلنجليزية توسعت فى مفهوم‬
‫التعبير االصطالحى ليشمل المصطلح الحديث كمصطلح الوجودية ‪existentialism‬‬
‫ومصطلح الطبيعة ‪ . naturalism‬والباحث يرى أن هنا خلطا بين المصطلح ‪term‬‬
‫والتعبير االصطالحى* ‪ ، idiom‬فالوجودية والطبيعية مصطلحات ‪ terms‬وليست‬
‫‪42‬‬
‫تعبيرات اصطالحية ‪ ، idioms‬وثمة فرق بينهما ‪.‬‬
‫ويعرف* لوريتود* التعبير االصطالحى بأنه "مجموعة من الكلمات التى اليمكن أن‬
‫يتبين معناها من خالل المعانى المألوفة للكلمات التى تؤلف قطعة من اللغة‪ ،‬فالعبارة‬
‫‪ fly off the handle‬التى تعنى (ينفذ صبره) ال يمكن أن تفهم من خالل معانى‬
‫الكلمات ‪ fly‬و‪ off‬و‪ .handle‬وتتضمن العبارات االصطالحية االستخدام* غير الحرفى‬
‫للغة‪ ،‬وهى تختلف وفقا للقواعد الشكلية فى التعامل ‪ ،‬وتوجد* فى الكالم المنطوق* أكثر‬
‫من المكتوب؛ وذلك ألن هذه العبارات من األقوال المأثورة‪ .‬وتتصف بالغموض‪،‬‬
‫ويفضل تجنبها فى السياقات الرسمية‪ ،‬ومع أنها موجودة فى كل اللغات إال أنه نادرا ما‬
‫‪43‬‬
‫ومن نماذج التعبير االصطالحى‪:‬‬ ‫يمكن ترجمتها من لغة إلى لغة أخرى‬
‫‪good as gold‬‬ ‫ممتاز‬
‫‪a red letter day‬‬ ‫يوم ال ينسى‬
‫‪at sixes and sevens‬‬ ‫بال نظام وال ترتيب‬
‫‪kick the bucket‬‬ ‫يموت‬
‫‪be in clover‬‬ ‫لتكن فى راحة ويسر‬
‫ويعرض أحد الباحثين العرب لمفهوم التعبير االصطالحى فى اإلنجليزية ‪ ،‬مقسما‬
‫إياه إلى نوعين ‪ :‬األول منهما يشير إليه بمصطلح ‪ pure idiom‬ويعرفه بأنه المصطلح‬

‫‪42‬‬
‫حول الفرق بينهما انظر ‪ :‬د‪.‬القاسمى ‪ :‬التعابير السياقبة واالصطالحية ومعجم عربى لها ‪32‬‬
‫‪43‬‬
‫انظر لوريتوتود ‪ :‬مدخل إلى علم اللغة ‪100 : 98‬‬

‫‪16‬‬
‫الذى ال يمكن تبريره منطقيا ؛ ألنه الينقسم وال يتفتت إلى العناصر التى يتكون منها ‪،‬‬
‫‪44‬‬
‫أو هو مجموعة الكلمات التى تدل على معنى ال تدل عليه مفرداتها ‪ ،‬كل على حدة ‪.‬‬
‫ويسوق* مثاال لهذا النوع بالتعبير ‪ to blow the gaff‬بمعنى (يفشى السر) فالفعل ‪blow‬‬
‫يعنى (ينفخ) و‪ gaff‬بمعنى (عمود خشبى)‪ ،‬ومن ثم فمثل هذا التعبير ال يعتمد فى معناه‬
‫‪45‬‬
‫على المعانى المعجمية لمفرداته‪ ،‬وإ نما ينبغى أن يعالج معالجة كلية ال جزئية ‪ ،‬وذكر‬
‫أن هذا النوع يصعب علينا إدراك تراكيبه فى اللغة العربية ‪ ،‬ويندر* أن يوجد فيها ؛‬
‫‪46‬‬
‫ألن اللغة العربية لغة منطق وثبات ‪.‬‬
‫أما النوع الثانى فلم يصطلح عليه ‪ ،‬وإ نما ذكر أنه قريب الصلة من سابقه ‪ ،‬لكنه‬
‫يتضمن كلمة ما أو إشارة إلى المعنى العام الذى يرمى إليه ‪ ،‬بل قد يوحى به من‬
‫طرف خفى‪ ،‬ومن أمثلته‪ to spill the beans :‬بمعنى (إفشاء السر) والمعنى الحرفى*‬
‫(ينثر حبات الفاصوليا على األرض)‪ ،‬ومثله ‪ to let the cat out of the bag‬أى‬
‫(يفشى السر) وحرفيته (يخرج القطة من الكيس)‪ ،‬ونظيره ‪ to kick the bucket‬أى‬
‫‪47‬‬
‫(يموت) والمعنى* الظاهرى (يركل الدلو) ‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫ثانيا فى اللغة الفرنسية ‪:‬‬

‫‪44‬‬
‫انظر د‪.‬محمد* عنانى ‪ :‬فن الترجمة ‪113‬‬
‫‪45‬‬
‫انظر ‪ :‬نفس المرجع‬
‫‪46‬‬
‫انظر ‪ :‬نفسه ‪ .‬وال نوافقه على ه**ذا ‪ ،‬فالعربية تحفل بش**واهد كث**يرة من ه**ذا النمط من التعب**يرات‬
‫‪ .‬انظر المعجم ‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫انظر ‪ :‬نفسه ‪ . 114 *: 113‬نلحظ أن المث**ال األخ**ير اليس**تقيم مع الن**وع الث**انى ‪ ،‬فال عالقة بين‬
‫الموت وركل الدلو ‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫انظر ‪ :‬المصطلح ‪ expression idiomatique , idiome‬فى هذه المعاجم ‪:‬‬
‫‪Alain Rey : Dictionnaire historique de la langue française‬‬
‫‪George Moumin : Dictionnaire de la linguistique‬‬
‫‪Jean Dubois : Dictionnaire de la linguistique‬‬
‫‪... Jean Dubois : Dictionnaire de linguistique et des sciences du langue‬‬
‫‪Paul Robert : Dictinnaire de la langue française‬‬
‫)‪Trésor : Dictionnaire de la langue française du X1Xe XX siècle (1789:1960‬‬

‫‪17‬‬
‫إذا ما فتشنا* فى المعاجم اللغوية الفرنسية نجد أن مفهوم التعبير االصطالحى‬
‫‪ expression idiomatique‬وسماته ال يختلف عنه فى اللغة اإلنجليزية‪ ،‬وقد* أشارت‬
‫المعاجم الفرنسية لهذا المفهوم تحت مصطلحات ثالثة ‪expression idiomatique ,‬‬
‫‪ idiome‬و ‪ idiotisme‬وكلها ترتد إلى أصل واحد مشتق من ‪( idioma‬هى كلمة‬
‫التينية من أصل يونانى ‪ .‬ديشى)‪ ،‬وكان المصطلح فى البداية يعنى اللهجة الخاصة‬
‫بمنطقة ما ثم انتقلت داللته فأصبح يطلق على كل ما هو خاص بلغة ما‪ ،‬ثم ناله التطور*‬
‫اللغوى‪ ،‬فأصبح يعنى طريقة التعبير‪ ،‬ثم أطلق بعد تأثير تطور لغوى آخر على طريقة‬
‫التعبير الخاصة بفترة زمنية ما أو الخاصة بجماعة ما من الناس‪ ،‬ثم تطور* دالليا‬
‫فأضحى يعنى (نمطا خاصا بلغة ما)‪ .‬وذكر اللغوى ‪ De Saussure‬أن مصطلح‬
‫‪49‬‬
‫‪ idiome‬يعنى اللغة التى تعكس المالمح الذاتية لمجتمع ما ‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫وقيل‪ :‬يأتى بمعنى ‪langue‬‬ ‫ويمكن أن يستخدم* المصطلح مرادفا* للغة‪langue‬‬

‫تستخدمه مجموعة من الناس فى موقف ما‪ ،‬مثلما حدث فى الحرب العالمية الثانية فى‬
‫الجيش الفرنسى حينما كانت ثمة تعبيرات ‪ expressions idiomatiques‬مختلفة يتفاهم‬
‫‪51‬‬
‫بها الجنود رغم اختالف لغاتهم ‪.‬‬
‫وقد* ميزت المعاجم الفرنسية التعبير االصطالحى عن غيره من التعابير اللغوية‬
‫بهذه السمات ‪:‬‬
‫ـ هو نمط من الكالم خاص بجماعة ما من الناس ‪.‬‬
‫ـ ليس له مقابل شكلى أو نحوى عند ترجمته إلى لغة أخرى‬
‫ـ تتم دراسته كوحدة لغوية متكاملة ؛ وفقا لقوانين لغوية خاصة به ‪ ،‬فال يدخل ضمن‬
‫النمط اللغوى العام ‪.‬‬
‫ـ ال تستنبط داللته من خالل تركيبه المورفيمى ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫‪Trésor : Dictionnaire de la langue française du X1Xe XX siècle (1789:1960‬‬
‫‪50‬‬
‫‪Trésor : Ibid (idiome :‬‬ ‫انظر ‪:‬‬
‫‪51‬‬
‫‪Jean Dubois : Dictionnaire de la linguistique :‬‬ ‫انظر‬

‫‪18‬‬
‫(يوجد) و ‪je n’en reviens pas‬‬ ‫ومن التعبيرات االصطالحية الفرنسية ‪il y a:‬‬
‫(تعبير للدهشة)‬
‫هذا‪..‬وقد عرفت الفرنسية مصطلحات* ـ يمكن أن تعد ـ مترادفة للتعبير االصطالحى‬
‫‪52‬‬
‫‪، expression figée‬‬ ‫‪expression idiomatiqu‬مثل ‪ :‬التعبير المسكوك أو الجامد‬
‫‪53‬‬
‫ومصطلح ‪ cliché‬الذى يعنى الذى يعنى االستخدام المتكررلتعبير* ما ‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫يقول الشاعر ‪ Max Jacob‬فى كتاب (نصائح إلى شاعر شاب ‪conseils à un‬‬

‫‪ " )jeune poét‬الكليشه ‪ cliché‬هو كلمة ثابتة ‪ ،‬تستخدم* فى المحادثة ؛ إلبعاد الذات‬
‫عن الشعور باألشياء " ‪.‬‬
‫ويصف* رفاتير*‪ Riffatirre‬الكليشه بأنه يثير فى القارئ اإلحساس بأنه شاهده من‬
‫قبل‪ ،‬فهو ممضوغ* ومتحجر‪ ..‬واستخدامه استخدام* تعبيرى مثله مثل األشكال البالغية‪،‬‬
‫وقد يكون هذا االستخدام* لدى بعض الكتاب استخداما آليا ‪ ،‬ال وظيفة فنية له‪ ،‬ولذلك‬
‫‪55‬‬
‫يكتسب معنى مبتذال باعتباره عبارة ممضوغة ‪.‬‬
‫وينقل د‪.‬كريم عن أحد الباحثين الغربيين أن كل تعبير اصطالحى ‪expression‬‬
‫‪56‬‬
‫‪ idiomatique‬يعد كليشه ‪ cliché‬وليس العكس ‪ ،‬وهذا رأى قابل للمناقشة ‪ ،‬حيث إنه‬
‫يسوقنا* ألن نعد كثيرا من األمثال والعبارات المأثورة والعبارات* السوقية واألفعال‬

‫‪52‬‬
‫‪les expressios figées dans mille et une nui‬‬ ‫ثمة رسالة دكتوراه بالسربون بعنوان‬
‫د‪..‬مسرى جورج بجامعة حلب‬
‫‪53‬‬
‫ظهر ه**ذا المص**طلح ‪ 1809‬مس**تخدما فى مج**ال الطباعة ‪ ،‬ثم فى مج**ال التص**وير الفوت**وغرافى‬
‫‪ photographie‬وكان يعنى الصورة االنعكاسية التى نحصل عليها فى غرفة التحميض وذلك ع**ام‬
‫‪ 1865‬ثم أخذ المص **طلح داللة مجازية ‪ ،‬ف **أطلق على (الجملة أو الفك **رة المك **ررة) ع **ام ‪، 1896‬‬
‫وقد اس**تخلص ه**ذا المع**نى من الج**زء األول من التعب**ير (نظ**ام الطباع**ة) ثم انتش**رت الكلمة ـ لما لها‬
‫من شكل ثابت ـ بمعنى االستخدام المتكرر للجمل ‪ .‬انظر ‪Alain Rey : Ibid - cliché‬‬
‫‪54‬‬
‫انظر ‪Paul Robert : Ibid - cliché :‬‬
‫‪55‬‬
‫انظر د‪.‬سيزا قاسم ‪ :‬البنيات التراثية فى رواية وليد بن مسعود ‪195:196‬‬
‫‪56‬‬
‫انظر ‪ :‬التعبير االصطالحى ‪ 18 :‬هامش‬

‫‪19‬‬
‫المرتبطة بحروف الجر كليشهات ؛ ألنها تندرج ضمن التعبير االصطالحى*‬
‫‪ expression idiomatique‬ولعل الكليشه يندرج تحت التعبير االصطالحى‪ *،‬وهذا‬
‫مايؤكده (‪ ) American idioms dictionary‬حيث أورد كثيرا من التعابير* االصطالحية‬
‫‪57‬‬
‫ونص على أنها كليشهات‬
‫ثالثا فى العربية ‪:‬‬
‫إذا ما انتقلنا إلى اللغة العربية بحثا عن مصطلح التعبير االصطالحى* ومفهومه‬
‫‪58‬‬
‫‪ ،‬وقد* حاول د‪.‬كريم أن يؤصل للمصطلح من‬ ‫ومصادره نجد أنها تفتقر إلى ذلك‬
‫خالل التفتيش والتنقيب فى المصادر العربية عن أية مصطلحات* تقترب فى مدلوالتها*‬
‫من التعبير االصطالحى ‪ ،‬فانتهى إلى نتائج طيبة ؛ حيث رصد عـدة مصطلحات*‬
‫وردت فى دراسات القدماء والمحدثين ‪ ،‬بعضها جاء يشكل عرضى فى ثنايا كتبهم‪،‬‬
‫وأخرى جاءت قصدا* أثناء معالجتهم* لبعض القضايا اللغوية أو األدبية‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫حيث أورد ه * **ذا المعجم كث * **يرا من التعب * **يرات‬ ‫انظر ‪American idioms dictionary :‬‬

‫االص**طالحية ونص على أنها كليش**هات ‪ clichés‬ومن تلك التعب**يرات ‪( :‬انظر ه**ذه التعب**يرات فى‬
‫مواضعها من المعجم)‬
‫‪believe it or not‬‬ ‫صدق وال تصدق‬
‫‪bite the dust‬‬ ‫يموت‬
‫‪easy come easy go‬‬ ‫ما يأتى سهال يذهب سهال‬
‫‪first things frirst‬‬ ‫أول األشياء أوال‬
‫‪forgive and forget‬‬ ‫سامح وانسى‬
‫‪never mind‬‬ ‫ال تبالى‬
‫‪it rained cats and do‬‬ ‫أمطرت بغزارة‬
‫‪rain or shine‬‬ ‫تمطر أو تبرق‬
‫‪58‬‬
‫يج**در ال**ذكر بأنه ليست ثمة دراس**ات س**ابقة فى التعب**ير االص**طالحى س**وى دراسة د‪.‬ك**ريم ال**تى‬
‫أش**رنا إليها س**ابقا ‪ ،‬ومق**ال لل**دكتور على القاس**مى بعن**وان (التع**ابير الس**ياقية واالص**طالحية ومعجم‬
‫عربى لها) ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫أما التى جاءت عرضا فمثل ‪ :‬العبارة المأثورة‪ ،‬الكالم الماثور‪ ،‬القول المأثور‪،‬‬
‫‪59‬‬
‫والقول السائر ‪ ،‬وأما األخرى التى جاءت قصدا* فمثل‪ :‬التعبير األدبى والتعبير البالى‬
‫‪60‬‬
‫وهو يعنى بالتعبير* األدبى التعبير‬ ‫والتعبير المبتذل ‪ ،‬والثالثة استعملها د‪.‬ذكى مبارك‬
‫االصطالحى‪ ،‬إذ يقول‪.." :‬البن فارس رأى فى التعابير األدبية ‪ ،‬فقد نقل لنا تعابير*‬
‫‪61‬‬
‫كثيرة ضاعت مغازيها* من أذهان المتكلمين ‪ ،‬أما التعبير المبتذل فهو ترجمة‬
‫للمصطلح الفرنسى ‪ cliché‬حيث يقول عن الكليشه‪" :‬وقد* بحثنا فيما يقابل هذه الكلمة فى‬
‫العربية‪ ،‬فرأينا كلمة (مبتذل) تؤدى معناها أفصح أداء‪ ،‬وهى كلمة استعملها علماء‬
‫وعرفوا* المبتذل بأنه ما‬
‫البالغة حين قسموا* التشبيه باعتبار الوجه إلى مبتذل وغريب‪ّ ،‬‬
‫ينتقل فيه الذهن من المشبه إلى المشبه به من غير احتياج إلى شدة نظر لظهور*‬
‫وعرفوا الغريب بأنه ما احتاج فى االنتقال من المشبه إلى المشبه به إلى فكر‬
‫وجهه‪ّ ،‬‬
‫عد قليل بين كلمة (مبتذل) وكلمة (كليشه)؛‬
‫ودقة نظر؛ لخفاء وجهه‪ .‬وفى هذا التفسير ُب ٌ‬
‫ستخف بكثرة االستعمال‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ألن الكليشه هو الصورة التى تكون ألول وضعها جميلة ثم تُ‬
‫فلنقرر إذن أن كلمة (مبتذل) اصطالح أردنا وضعه مقابل (كليشه)؛ ألنها أصلح األلفاظ‬
‫‪62‬‬
‫ألداء المعنى الذى نريده فى وصف التعابير* التى هجنها طول االستعمال ‪ ،‬وأما‬
‫التعبير البالى فهو مرادف* للتعبير المبتذل‪ ،‬حيث يصف المبتذالت مثل (يحرقون األرم)‬
‫‪63‬‬
‫بأنها من التعابير البالية ‪.‬‬
‫ويصف* هذه التعابير بصفات التعبير االصطالحى من حيث االتفاق واالصطالح‬
‫واالستمرارية‪ ،‬يقول "‪..‬ولو نظرنا* لرأينا النقاد فى أكثر اللغات يحاكمون الكتاب‬

‫‪59‬‬
‫انظر كريم ‪ :‬التعبير االصطالحى ‪19‬‬
‫‪60‬‬
‫أف* * **رد ذكى مب* * **ارك فصال بعن* * **وان "المبت* * **ذل والطريف فى التع* * **ابير األدبي* * **ة" ردا على الفرنسى‬
‫ديمومبين في رؤيته بأن التعابير األدبية* عند العرب أكثرها مبتذالت‪ *.‬انظر ‪ :‬النثر الفنى ‪1/21‬‬
‫‪61‬‬
‫انظر ‪ :‬كريم ‪20‬‬
‫‪62‬‬
‫انظر ‪ :‬ذكى مبارك ‪1/221‬‬
‫‪63‬‬
‫انظر ‪ :‬المرجع السابق ‪1/228‬‬

‫‪21‬‬
‫والشعراء إلى المصطلح عليه من األلفاظ والتعابير*‪ ..‬والمعول عليه فى التعابير األدبية‬
‫‪64‬‬
‫هو حياتها فى أنفس قائليها* والعبرة بالقدوم والحدوث"* ‪.‬‬
‫ومن المحدثين د‪.‬حسين نصار* الذى استعمل مصطلح " التعبير* الخاص" وذلك فى‬
‫معرض تحليله لمنهج الزمخشرى فى أساس البالغة الذى يعد من أهم المصادر اللغوية‬
‫للتعبيرات االصطالحية ‪ ،‬يقول ‪ ":‬وضع الزمخشرى فى المجاز نوعين من التعبيرات‬
‫هما‪ :‬التعبيرات الخاصة التى فقدت معناها الحرفى من ألفاظها المؤلفة منها‪ ،‬وصار* لها‬
‫معان جديدة ال تمت للقديمة ‪ ،‬واألمثال ‪ ..‬أما التعبيرات الخاصة فتظهر* فى مثل قوله‬
‫فى (أبى)‪" :‬ومن المجاز ‪ :‬ال أبا لك وال أبا لغيرك وال أبا لشانئك ‪ ،‬يقولونه فى الحث‬
‫‪65‬‬
‫‪.‬‬ ‫حتى أمر بعضهم لجفائه بقوله ‪ :‬أمطر علينا الغيث ال أبا لكما"‬
‫نصل بعد ذلك إلى د‪.‬تمام حسان الذى استخدم* خمسة مصطلحات تتقارب من‬
‫التعبير االصطالحى وهى‪ :‬التركيب المسكوك‪ ،‬والتعبير المسكوك‪ ،‬والصيغ المسكوكة‪،‬‬
‫‪66‬‬
‫والعبارة المعيارية‪ ،‬والعبارة الشائعة ‪ ،‬ويقصد د‪.‬تمام بالمصطلحات الثالثة األولى‬
‫التعبيرات الثابتة التى ال تتغير صورتها‪ ،‬والتعبيران األخيران وصف* بهما عبارات‬
‫الوداع واالستقبال والتحية والتهنئة والرجاء والترحم والتعجب‪.‬‬
‫واستعارت د‪.‬سيزا قاسم مصطلح "التراكيب المسكوكة" وعرفتها* بأنها "بنيات لغوية‬
‫ثابتة ذات قوالب مستقرة‪ ،‬ويطلق عليها أحيانا اسم "الكليشه ‪ "cliché‬أو "العبارة‬

‫‪64‬‬
‫انظر ‪ :‬نفس* * * ه ‪ 1/229،231‬وي * **رى ديشى أن ه * **ذه الص * **فات هى أهم ص * **فات المثل والتعب * **ير‬
‫االصطالحى‬
‫‪65‬‬
‫انظر‪ :‬الزمخشرى‪ :‬أساس البالغة (أبى) ود‪.‬حسين نصار‪ :‬المعجم العربى ‪ 2/701‬وانظر كذلك‪:‬‬
‫د‪.‬كريم ‪ :‬التعبير االصطالحى ‪21‬‬
‫‪66‬‬
‫انظر ‪ :‬اللغة العربية مبناها ومعناها ‪ 372 ، 364 ، 117 ، 115 ، 114‬وانظر د‪.‬كريم ‪23‬‬

‫‪22‬‬
‫‪67‬‬
‫الجاهزة" فى اللغة مثل صيغة التعجب أو اقتران بعض الكلمات ببعض" ‪ ،‬وأضافت*‬
‫‪68‬‬
‫مصطلحا آخر هو "العبارة الدارجة" ‪.‬‬
‫كذلك من المحدثين الذين استخدموا* مصطلحات قريبة الداللة من التعبير‬
‫االصطالحى د‪.‬شوقى* ضيف فقد استخدم* مصطلح "المثـل ‪ "proverbe‬وهو المصطلح‬
‫التراثى الذى استعمله القدماء‪ ،‬وقد جاء هذا المصطلح بصيغة الجمع فى قوله عن‬
‫بعض أحاديث رسول اهلل‪" :‬وقد تداول العرب والمسلمون من كلماته الجامعة بعض‬
‫أمثال لم يتقدمه فيها أحد‪ ،‬ومن ذلك قوله‪ :‬مات حتف أنفه‪ ،‬كل الصيد فى جوف الفرا‪،‬‬
‫ال ينتطح فيها عنزان‪ ،‬جماعة على أقذاء‪ ،‬إن المنبت ال أرضا قطع وال ظهرا أبقى‪،‬‬
‫‪69‬‬
‫إياكم وخضراء الدمن" ‪.‬‬
‫فكلمة (أمثال) هنا بمعنى التعبير االصطالحى؛* ألنها تدل فى االستعمال على القول‬
‫‪70‬‬
‫المأثور كما تذكر دائرة المعارف* اإلسالمية ‪ ،‬وقد تنبه بعض القدماء إلى هذه الداللة‪،‬‬
‫‪71‬‬
‫فيذكر التهانوى* "أن المثل فى األصل النظير‪ ،‬ثم نقل إلى القول السائر أى الفاشى" ‪،‬‬
‫‪72‬‬
‫مجموعة من أقوال اللغويين تؤكد على أن من القدماء من‬ ‫وينقل لنا ابن منظور‬
‫استخدم مصطلح المثل بداللة التعبير االصطالحى* ومنهم أبوعبيدة؛ إذ يقول ‪" :‬جاءوا‬
‫على بكرة أبيهم‪ ،‬معناه جاءوا بعضهم* فى إثر بعض‪ ،‬وليس هناك بكرة فى الحقيقة‪،‬‬
‫وهى التى يستقى عليها الماء العذب ‪ ،‬فاستعيرت فى هذا الموضع‪ ،‬وإ نما هو مثل"‪.‬‬
‫وأبوزيد* الذى يقول‪ .." :‬ومن أمثالهم‪ :‬إنه واسع الحبل‪ ،‬وإ نه لضيق الحبل‪ ،‬كقولك‪ :‬هو‬
‫ضيق الخلق وواسع* الخلق"‪ ،‬ويقول األصمعى‪" :‬فى المثل هو على حبل ذراعك أى فى‬

‫‪67‬‬
‫انظر ‪ :‬سيزا قاسم ‪ :‬البنيات التراثية ‪ 195‬وانظر ‪:‬كريم ‪24‬‬
‫‪68‬‬
‫انظر ‪ :‬البنيات التراثية ‪193‬‬
‫‪69‬‬
‫انظر ‪ :‬الفن ومذاهبه فى النثر ‪ 75‬وانظر ‪ :‬د‪.‬كريم ‪24‬‬
‫‪70‬‬
‫انظر ‪ :‬مادة "مثل" فى المرجع المذكور‬
‫‪71‬‬
‫انظر ‪ :‬كشاف اصطالحات الفنون (مثل) وانظر ‪ :‬كريم ‪25‬‬
‫‪72‬‬
‫انظر ‪ :‬اللسان مواد ( بكر ‪ ،‬حبل ‪ ،‬ظبا ‪ ،‬جوع )‬

‫‪23‬‬
‫القرب منك‪ ،‬وهذا على حبل ذراعك أى ممكن لك وهو على المثل"‪ ،‬ويقول األزهرى‪:‬‬
‫"ومن أمثالهم‪ :‬أتيته حين شد الظبى ظله‪ ،‬وذلك إذا كنس نصف النهار‪ ،‬فال يبرح‬
‫مكنسه‪ ،‬ويقال‪ :‬أتيته حين ينشد الظبى ظله أى حين يشتد الحر فيطلب كناسا يكن فيه‬
‫من شدة الحر"‪ .‬ويقول ابن سيده‪" :‬جاع إلى لقائه اشتهاه وتعطش على المثل"‪.‬‬
‫كذلك نجد مصطلح (المثل) بمعنى التعبير االصطالحى يتردد* فى كتب اللغة‬
‫والبالغة‪ ،‬فمثال يقول ابن فارس واصفا كتابه (متخير األلفاظ)‪" :‬إنما ألفت كتابى هذا‬
‫على الطريقة المثلى والرتبة الوسطى‪ ،‬وجعلت مفاتيح أبوابه األلفاظ المفردة السهلة‬
‫‪73‬‬
‫وختمته باأللفاظ المركبة الجارية مجرى األمثال والتشبيهات"* ‪.‬‬
‫وعلى النسق ذاته يصف الثعالبى كتابه (الفرائد والقالئد) بقوله‪" :‬جمعنا من إنشائنا‬
‫فى كتابنا هذا ألفاظا وجيزة أجريناها مجرى األمثال‪..‬وقصدنا فيما ألفناه من ذلك وجه‬
‫‪74‬‬
‫االختصار"* ‪.‬‬
‫ويعلق* عبد القاهر الجرجانى* على قول النبى ـ ص ـ (إياكم وخضراء الدمن) بقوله‪:‬‬
‫‪75‬‬
‫"إنه ضرب عليه السالم خضراء الدمن للمرأة الحسناء فى المنبت السوء" ‪ ،‬ويفصح‬
‫عن مفهوم المثل بداللة التعبير االصطالحى بقوله‪ .." :‬يقال ‪ :‬ضرب االسم مثال لكذا‪،‬‬
‫كقولنا ضرب النور مثال للقرآن‪ ،‬والحياة مثال للعلم‪ ،‬فقد حصلنا من هذه الجملة على‬
‫أن المستعير* يعمد إلى نقل اللفظ من أصله فى اللغة إلى غيره ‪ ،‬ويجوز به من مكانه‬
‫‪76‬‬
‫األصلى إلى مكان آخر" ‪ .‬وبدقة بالغة يصف ابن رشيق صفات المثل بمعنى التعبير‬
‫‪77‬‬
‫االصطالحى فى "إيجاز اللفظ ‪ ،‬وإ صابة المعنى وحسن التشبيه" ‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫انظر ‪ :‬ابن فارس ‪ :‬متخير األلفاظ ‪43‬‬
‫‪74‬‬
‫انظر ‪ :‬د‪.‬كريم ‪ 27‬نقال عن الفرائد والقالئد ـ المقدمة‬
‫‪75‬‬
‫انظر ‪ :‬دالئل اإلعجاز‬
‫‪76‬‬
‫انظر ‪ :‬أسرار البالغة‬
‫‪77‬‬
‫انظر ‪ :‬العمدة ‪1/180‬‬

‫‪24‬‬
‫يذكر د‪.‬كريم أن القدماء استعملوا مصطلحين آخرين يقتربان دالليا من مصطلح‬
‫‪78‬‬
‫التعبير االصطالحى هما التمثيل والمماثلة ‪ ،‬أما األول فقد استعمله الثعالبى فى مقدمة‬
‫(ثمار القلوب)‪ ،‬يقول‪" :‬وبناء هذا الكتاب على ذكر أشياء مضافة ومنسوبة إلى أشياء‬
‫مختلفة يتمثل بها‪ ،‬ويكثر* فى النثر والنظم ‪ ،‬وعلى ألسن الخاصة والعامة استعمالها‪،‬‬
‫‪79‬‬
‫كقولهم‪ :‬غراب نوح‪ ،‬نار إبراهيم‪ ،‬ذئب يوسف* عصا موسى"* ‪.‬‬
‫إضافة إلى هذا فقد ألف الثعالبى كتابا‪ ،‬جعل المصطلح جزءا من عنوانه‪ ،‬هو‬
‫(التمثيل والمحاضرة)‪ ،‬ويقول فى مقدمته‪" :‬إن فيه ما يتمثل به من القرآن والتوراة‬
‫واإلنجيل والزبور* وجوامع كلم النبى ـ صلى اهلل عليه وسلم ـ وكالم األنبياء وكالم‬
‫‪80‬‬
‫الصحابة والتابعين" ‪.‬‬
‫ويسجل الزمخشرى المصطلح ‪ ،‬وذلك فى معرض تفسيره للتعبير االصطالحى*‬
‫(ظلعت األرض بأهلها) فيقول "‪ ..‬ضاقت بهم من كثرتهم* ‪ ،‬وهذا تمثيل ‪ ،‬ومعناه ‪ :‬ال‬
‫‪81‬‬
‫تحملهم لكثرتهم‪ ،‬فهى كالدابة تظلع بحملها لثقله" ‪ .‬ويقول ابن منظو*ر‪" :‬يقال‪ :‬أخذت‬
‫بحقو فالن‪ ،‬الحقو فيه مجاز تمثيل‪ ،‬يقال‪ :‬رمى فالن بحقوه إذا رمى بإزائه"‪ ،‬ويقول فى‬
‫موضع آخر‪" :‬الصفا صخرة ملساء‪ ،‬يقال فى المثل‪( :‬ما تندى صفاته)‪ ،‬وفى* حديث‬
‫معاوية‪ :‬يضرب صفاتها بمعوله وهو تمثيل‪ ،‬أى اجتهد عليه وبالغ فى استحسانه‬
‫‪82‬‬
‫واختباره" ‪.‬‬

‫‪? 78‬‬
‫نظر ‪ :‬التعب* **ير االص* **طالحى ‪ 28‬ج* **دير ذك* **ره أن البروفس* **ير جوزيف ديشى ي* **رى أن ه* **ذين‬
‫المص * **طلحين بعي * **دان كل البعد عن مع * **نى المثل والتعب * **ير االص * **طالحى ‪ .‬والب * **احث ي * **رى أن بينها‬
‫صفات مشتركة‪ ،‬كالطبيعة المجازية ‪ ،‬والتشبيه‬
‫‪79‬‬
‫انظر ‪ :‬ثمار القلوب ‪3‬‬
‫‪80‬‬
‫انظر ‪ :‬د‪.‬كريم ‪ 29‬نقال عن التمثيل والمحاضرة ‪ :‬المقدمة‬
‫‪81‬‬
‫انظر ‪ :‬أساس البالغة ـ ظلع‬
‫‪82‬‬
‫انظر ‪ :‬لسان العرب حقو ‪ ،‬صفو‬

‫‪25‬‬
‫أما المصطلح اآلخر ـ وهو المماثلة ـ فقد ورد فى دراسات القدماء كسابقه بمعنى‬
‫التعبير االصطالحى‪ ،‬غير أن استعماله كان أقل شيوعا‪ ،‬وممن تعرض له العسكرى فقد‬
‫عرفه بقوله‪" :‬إن المتكلم يريد العبارة فيأتى* بلفظة تكون موضوعة لمعنى آخر إال أنه‬
‫ينبئ إذا أورده عن المعنى الذى أراده ‪ ،‬كقولهم‪ :‬فالن نقى الثوب‪ ،‬يريدون أنه ال عيب‬
‫‪83‬‬
‫فيه‪ ،‬وليس موضوع نقاء الثوب البراء من العيوب‪ ،‬وإ نما استعمل تمثيال" ‪.‬‬
‫هذه هى المصطلحات التى وردت فى دراسات اللغويين عرضا أو قصدا‪ ،‬حاملة‬
‫دالالت تقترب من داللة التعبير االصطالحى وليست مترادفة؛ ألن هذه المصطلحات‬
‫‪84‬‬
‫نفسها ليس بينها ترادف‪ ،‬فكيف* تترادف مع التعبير االصطالحى* ؟!‬
‫التعبير االصطالحى والمعاجم ‪:‬‬
‫‪85‬‬
‫تفتقر لغتنا العربية إلى معاجم متخصصة للتعبيرات االصطالحية ‪ ،‬غير أن بعض‬
‫المعاجم الثنائية (إنجليزى ـ عربى أو فرنسى ـ عربى) ذكرت مجموعة من التعبيرات‬
‫االصطالحية ‪ ، expression idiomatique‬من تلك المعاجم معجم إلياس يقول‬

‫‪83‬‬
‫انظر ‪ :‬د‪.‬كريم ‪ 30‬نقال عن العسكرى فى الصناعتين‬
‫‪84‬‬
‫يق* **ول ‪":‬ولقد حاولنا فى ع* **دد الب* **أس به من الدراس* **ات اللغوية واألدبية عند المح* **دثين* والق* **دماء‬
‫االص * * **طالحى أو ما يرادفه من المص * * **طلحات ‪ " ..‬وربما أحس‬ ‫البحث عن مص * * **طلح التعب * * **ير‬
‫بض**عف ال**ترادف‪ ،‬فع**اد ف**ذكر "أن ه**ذه المص**طلحات ال تعطينا تص**ورا دقيقا لمفه**وم ظ**اهرة التعب**ير‬
‫االصطالحى" انظر‪ :‬التعبير االصطالحى ‪31 ، 18‬‬
‫‪85‬‬
‫لم يوجد ـ على حد علم الب**احث ـ معجم يحمل عنوانه (التعب**يرات االص**طالحية) ‪ ،‬غ**ير أننا نمتلك‬
‫بين أيدينا معجما لسليمان فياض بعنوان ( التعبيرات األدبية والمأثورات اللغوية) ‪ ،‬وهو معجم ثرى‬
‫ب **التعبيرات االص **طالحية الس **يما التعب **يرات المثلية ‪ ،‬وه **ذا يش **ير إلى جهد مش **كور لص **احبه ‪ .‬فى‬
‫المقابل نجد أن اإلنجليزية والفرنسية غنيتان بالتعبيرات االصطالحية ‪:‬‬
‫من المع* * **اجم المتخصصة فى اإلنجليزي* * **ة‪Dictionary Englich Idioms: Longman’s :‬‬
‫‪Ntc’s‬‬ ‫‪american‬‬ ‫‪idiom‬‬ ‫‪dictyiona‬‬
‫ومن المعاجم الفرنسية ‪:‬‬
‫‪Denis miannay : Dictionnaire des expressions idiomatiques‬‬
‫‪françaises‬‬

‫‪26‬‬
‫صاحبه‪.." :‬كذلك أدرجت طائفة كبيرة من العبارات والجمل االصطالحية علمية كانت‬
‫‪86‬‬
‫أو فنية أو عامية ‪ ،‬ووصفت ما يقابلها من االصطالح العربى المألوف"* ‪.‬‬
‫فضال عن ذلك فقد عثرنا على معجمين متخصصين* فى التعبيرات االصطالحية‬
‫أحدهما (إنجليزى* ـ عربى) ألفه إسماعيل مظهر الذى يصفه بقوله‪ " :‬هذا أول معجم من‬
‫نوعه فى اللغتين اإلنجليزية والعربية ‪ ،‬قصدت به أن يكون مرجعا للجمل والعبارات*‬
‫االصطالحية التى تعرف فى اإلنجليزية ‪ ، idioms‬كما الحظت فيه حصر الجمل التى‬
‫‪87‬‬
‫تستعمل فيها بعض األلفاظ بطريق* مجازى" ‪.‬‬
‫ويحسن بنا أن نعرض لمادة من مواد القاموس؛ لتبيان غرض المؤلف من تأليفه‪،‬‬
‫‪88‬‬
‫‪:‬‬ ‫ولتكن مادة ‪ clear‬يقول‬
‫‪A clear sky‬‬ ‫سماء صافية‬
‫‪The streets are clear‬‬ ‫أمــان‬
‫‪To keep clear off‬‬ ‫االبتعاد لألمن‬
‫‪These goods must be cleared‬‬ ‫تباع (يتخلص منها)‬
‫‪Clear one’s character‬‬ ‫يثبت براءته‬
‫‪To clear one’s costs‬‬ ‫يغطى نفقاته‬
‫)‪Clear off (work‬‬ ‫يتم عمال‬
‫‪Clear out‬‬ ‫انصرف‬
‫وإ ذا كان للدكتور* كريم فضل اإلشارة إلى قاموس إسماعيل مظهر وعده فريدا من‬
‫نوعه‪ ،‬فإن الباحث يضيف* إليه قاموسا آخر يتميز عليه بأنه مزدوج ‪ bilingue‬عربى‬

‫‪86‬‬
‫انظر ‪ :‬مقدمة معجم إلياس‬
‫‪87‬‬
‫انظر ‪ :‬إسماعيل مظهر ‪ :‬قاموس الجمل والعبارات االصطالحية ‪ :‬المقدمة وتجدر المالحظة أن‬
‫د‪.‬ك * * * **ريم ذكر أنه " معجم مغم * * * **ور لم يلتفت إليه أحد ولم يوجد فى المكتب * * * **ات الك * * * **برى " التعب * * * **ير‬
‫االص* * **طالحى ‪ 32‬ومن الج* * **دير بال* * **ذكر أننا حص* * **لنا على نس* * **خة منه فى المكتبة اإلنجليزية بكلية‬
‫اآلداب بالمنيا ط أولى ‪ 1950‬وقد تم تصويرها ‪.‬‬
‫‪88‬‬
‫انظر ‪Ismail Mazhar : A dictionary of sentences and idioms p. 71 :‬‬

‫‪27‬‬
‫فرنسى* ـ فرنسى* عربى) ويفوقه فى المادة اللغوية ؛ حيث إنه جمع بين األمثال‬
‫‪ proverbes‬والحكم ‪ maximes‬والتعبيرات االصطالحية ‪expressions idiomatiqu‬‬
‫‪89‬‬
‫وهو قاموس المنجد لجوزيف* نعوم ‪ ،‬ونقف على بعض مواد المعجم لنلقى مزيدا من‬
‫‪90‬‬
‫الضوء على منهج المؤلف ‪ ،‬وقد* اخترنا من المواد الفرنسية كلمة ‪ chaque‬يقول ‪:‬‬
‫لكل يوم من العناء ما يكفيه ‪A chaque jour suffit sa peine‬‬
‫‪A chaque oiseau son nid est beau‬‬ ‫كل فتاة بأبيها معجبة‬
‫‪A chaque saint sa chandelle‬‬ ‫لكل مقام مقال‬
‫واخترنا* من المواد العربية كلمة أخ ‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫إذا عز أخوك فهن‬
‫‪lorsque ton frère devient trop puissant fais , toi humble ou‬‬
‫‪- soumets‬‬
‫رب أخ لك لم تلده أمك‬
‫‪parfois un frère pour toi est quelqu’un que ta mère n’a pas mis au‬‬
‫إن‬ ‫‪. monde - bonne amitée est un seconde‬‬
‫أخاك من إن أخاك من آساك‬
‫‪On connait le veritable ami dans le besoin‬‬

‫حـد المصطلح وسماته ‪:‬‬


‫بعد ما عرضنا بموجز* من القول لمفهوم التعبير االصطالحى وسماته فى‬
‫اإلنجليزية والفرنسية نعرض له فى العربية ‪ .‬والحق أن العربية تفتقر إلى هذا الدرس‬
‫اللغوى ‪ ،‬حيث إنه لم يتعرض له باحث عربى غير د‪.‬القاسمى ود‪.‬كريم ‪ ،‬وقد سلفت‬
‫اإلشارة إليهما ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫انظر ‪J. Naoum : Mounged des proverbes, sentences et expressions‬‬

‫‪:idiomatiques‬‬
‫‪90‬‬
‫انظر هذه المواد فى مواضعها من المعجم السالف الذكر‬

‫‪28‬‬
‫أما األول فقد ذكر أن التعابير* االصطالحية هى جزء من ظاهرة لغوية عالمية‬
‫لفتت انتباه الدارسين‪ ،‬وأطلقت عليها أسماء عديدة كالتضام* والتوارد* والقرائن اللفظية‪،‬‬
‫وهى عبارة عن تطلب الكلمات لكلمات معينة واستدعائها* إياها ‪ ..‬ومعظم* كتب تدريس‬
‫اللغة العربية لم تتطرق* لهذا النوع من التعابير‪ ،‬كما أن المعاجم العربية تكاد تخلو‬
‫مداخلها منها ويضيف أن اللغة العربية قديما وحديثا* تحفل بالتعابير االصطالحية‪ ،‬فمثال‬
‫الفعل (أطلق) الذى يعنى (حرر) يدخل فى بنيات عدد من التعابير االصطالحية مثل‪:‬‬
‫أطلق سراحه‪ :‬أخلى سبيله‪ ،‬أطلق له العنان‪ :‬جعله يتصرف* على هواه‪ ،‬أطلق ساقيه‬
‫للريح‪ :‬فر مسرعا‪ .‬وكذلك الفعل (مال) الذى يعنى (زال عن استوائه) فهو يظهر فى‬
‫‪91‬‬
‫عدة تعابير* اصطالحية مثل‪ :‬مال إلى ‪ :‬أحب ‪.....‬مال عن حاد ‪.‬‬
‫أما د‪.‬كريم فقد عرف التعبير االصطالحى بأنه "نمط تعبيرى* خاص بلغة ما‪ ،‬يتميز‬
‫بالثبات‪ ،‬ويتكون من كلمة أو أكثر‪ ،‬تحولت عن معناها الحرفى إلى معنى مغاير‪،‬‬
‫اصطلحت عليه الجماعة اللغوية"‪.‬‬
‫ونلحظ* أن هذا التعريف أكثر سعة من سابقه ‪ ،‬وإ ذا ما قارناهما بتعريف* لوريتوتود‬
‫المذكور سالفا نجد أنه أكثر منهما دقة وشموال ‪.‬‬
‫ويمكن للباحث من خالل ما تقدم أن يضع تعريفا للتعبير االصطالحى* يخلص فى‬
‫أنه "نمط من الكالم خاص بلغة ما موجز* ثابت يتصف* بالمجاز ال يترجم* يدرس كوحدة‬
‫‪92‬‬
‫لغوية واحدة وفقا لقواعد لغوية خاصة تتفق أو تختلف مع القواعد اللغوية العامة" ‪.‬‬
‫ومن خالل هذا التعريف* يمكن أن نسجل له هذه السمات‪:‬‬
‫ـ هو وحدة داللية مغايرة لمعانى ألفاظه‬
‫ـ ال يجوز التغيير كالتقديم والتأخير* فى ألفاظه؛ ألنه يتسم بالثبات فى تركيبه وداللته‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫انظر ‪ :‬د‪.‬القاسمى ‪ :‬التعابير السياقية واالصطالحية ‪25 ، 19 ، 18‬‬
‫‪92‬‬
‫جدير بالذكر أن الباحث ناقش هذا التعريف مع د‪ .‬أسمهان صالح أستاذة علم اللغة بجامعة حلب ‪،‬‬
‫ووصفت هذا التعريف بأنه جامع مانع ‪ .‬كما أشارت بجدية الموض*وع وحداثته على الس*احة اللغوية‬
‫المعاص* **رة ‪ ،‬وأن التعب * **ير االص* **طالحى هو حقل لم يحظ بقسط واف من ال * **درس الح* **ديث الغ* **ربى‬
‫والعربى ‪ .‬تمت هذه المناقشة فى جامعة ليون ‪. 1997‬‬

‫‪29‬‬
‫ـ ال يترجم إلى لغة أخرى ترجمة حرفية؛ لعدم وجود* مقابل حرفى أو شكلى‪ ،‬إنما‬
‫يراعى فى الترجمة الطبيعة المجازية والبيئة الجغرافية والثقافية التى شاع فيها التعبير‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫وقد* يكون موجزا* فى‬ ‫ـ يتسم باإليجاز فى لفظه ‪ ،‬فقد يصل إلى كلمتين أو كلمة واحدة‬
‫داللته‪.‬‬
‫أنواع التعبيرات االصطالحية ‪:‬‬
‫‪94‬‬
‫يمكن تصنيف* التعبيرات االصطالحية أربعة أصناف* ‪:‬‬
‫األول‪ :‬يعتمد على أسماء أعالم أو أماكن كعناصر* داللية يقوم عليها التعبير‬
‫االصطالحى مثل‪ :‬مواعيد عرقوب‪ ،‬يوم حليمة‪ .‬إضافة إلى ما جاء من تعبيرات على‬
‫صيغة (أفعل من)‪.‬‬
‫الثانى‪ :‬يعتمد على تعبيرات معروفة المعنى مجهولة التواضع‪ ،‬وقد حفلت مصادر*‬
‫األمثال بكثير من هذا النوع‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬يرتبط فى صياغته وتشكيله بأفراد* آحاد متميزين ‪ ،‬نطقوا بها فى ظروف ما‪ ،‬ثم‬
‫كتب لها الشيوع‪ ،‬وأصبحت ملكا للجميع‪ ،‬وقد امتألت كتب األمثال بهذا النوع من‬
‫التعبيرات‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬التعبير* المثلى‪ l’expression proverbale‬وهذا النوع يتمتع باالنتشار‪ ،‬وهو‬
‫يعد أساسا كأمثال ‪ proverbes‬من مأثورات* البيئة‪ ،‬ثم تحولت إلى مقوالت صالحة‬

‫‪93‬‬
‫من النمط الثنائى فى العربية قولهم ‪ :‬س*حابة ص*يف ‪ ،‬ابن الس*بيل ‪ ،‬عصا موسى ‪ ،‬س*فينة ن*وح ‪..‬‬
‫وفى االنجليزية ق**ولهم كذبة بيض**اء ‪ ، white lie‬نص**يب األسد ‪ ، lion’s share‬ص**ريح ‪open-‬‬
‫‪ ،hearted‬ك * **ريم ‪ . open-handed‬ومن النمط األح * **ادى فى العربية ‪ :‬الق * **ارورة ‪ ،‬النعجة ‪ ،‬آية‬
‫(كامل الخل **ق)‪ ،‬ع **رفت العربية مثل ه **ذه الكلم **ات وأدرجتها تحت ب **اب الكناي **ات ‪ .‬وفى اإلنجليزية‬
‫‪ lemon‬التى تعنى نوعا من الثمار وتعنى أيضا الم**راة المشاكسة ‪ ،‬و‪ cat‬ال**تى تع**نى القطة والم**رأة‬
‫البذيئة انظر ه **ذه التع **ابير فى مواض **عها من ‪ :‬الثع **البى ‪ :‬ثم **ار القل **وب ‪ ،‬و ‪Ismail Mazhar :‬‬
‫‪..dictionnaire‬‬
‫‪94‬‬
‫انظر ‪ :‬د‪.‬كريم ‪ :‬مرجع سابق‪125‬‬

‫‪30‬‬
‫للتعبير عن مواقف مشابهة ومتكررة‪ ،‬وأصبحت من المعجم اللغوى للتعبيرات‬
‫‪95‬‬
‫االصطالحية ‪.‬‬
‫ويذكر* د‪.‬كريم أن هذا النوع يتضمن حكمة أو حقيقة عامة تتضمنها التعبيرات‬
‫االصطالحية المعهودة كما أنه يعكس فى نفس الوقت أفكار* الجماعة اللغوية وتجاربها*‬
‫‪96‬‬
‫ومعتقداتها ‪.‬‬
‫والتعبيرات* المثلية ارتبطت بآحاد معينين‪ ،‬وتناقلتها* الجماعة اللغوية‪ ،‬وتميزت*‬
‫بالتكرار والصيرورة‪ ،‬وأصبحت من التعبيرات االصطالحية الشائعة‪ ،‬كما تميزت أيضا‬
‫بأنها تركيبات نحوية كاملة قائمة على الجملة النواة حتى لو كان التعبير كلمة واحدة‪،‬‬
‫فهو جملة نواة تحتوى على عنصريها المسند ‪ prédicat‬والمسند إليه ‪ sujet‬محذوف‬
‫أحد عنصريها (غالبا المسند)‪ ،‬وهذه الصورة ال نجدها إال فى النمط االسمى‪.‬‬
‫كذلك يتميز هذا النوع بالثبات وعدم التغير فى فى بنيته وداللته‪ ،‬ومن أمثلته‪( :‬ال‬
‫ينتطح فيها عنزان‪ ،‬إن المنبت ال أرضا قطع وال ظهرا أبقى‪ ،‬إياكم وخضراء* الدمن‪،‬‬

‫‪95‬‬
‫من المع * **اجم ال * **تى اعتنت ب * **التعبير المثلىفى العربية معجم التع * **ابير األدبية والم * **اثورات اللغوية‬
‫لس**ليمان في**اض ‪ .‬وفى اإلنجليزية ‪ :‬المعجم األم**ريكى ‪، Ntc’s american dictionary idioms‬‬
‫أورد هذا المعجم العديد من األمثال األمريكية التى تعد من وجهة نظر ص**احبه ـ ونحن على وف**اق ـ‬
‫تعبيرات اصطالحية مثلية مثل ‪ ( :‬انظر هذه التعبيرات فى مواضعها من المعجم )‬
‫‪All’s well that ends well‬‬ ‫خير األمور أحمدها مغبة‬
‫‪Beggars can not be choosers‬‬ ‫ليس لضعيف رأى‬
‫‪Birds a of feather flock together‬‬ ‫الطيور على أشكالها تقع‬
‫‪Every has his day‬‬ ‫الدهر مرة عيش ومرة جيش‬
‫‪Every cloud has a silver lining‬‬ ‫لكل سحابة من فضة‬
‫‪Still waters run deep‬‬ ‫تحت السواهى دواهى‬
‫وج * **دير باإلش * **ارة أن المعجم خ * **اص باللغة اإلنجليزية ‪ ،‬وقد حاولنا ـ إلىحد كب * **ير ـ أن نضع المقابل‬
‫العربى لهذه التعبيرات من خالل كتب األمثال العربية ‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫انظر ‪ :‬التعب **ير االص **طالحى ‪ 129‬والب **احث ليس على وف **اق ت **ام فى أن التعب **ير االص **طالحى‬
‫يتض * **من حكمة ؛ ألننا إذا نظرنا للتعب * **يرات االص * **طالحية ال * **واردة فى البحث نجد أن قليال منها ما‬
‫يمكن أن يعد حكمة ‪ .‬وانظر كذلك د‪.‬القاسمى ‪31‬‬

‫‪31‬‬
‫الصيف ضيعت اللبن رمتنى* بدائها وانسلت ‪ ،‬ال تعدم الحسناء ذاما ‪ ،‬تجوع الحرة وال‬
‫‪97‬‬
‫تاكل بثدييها‪. )..‬‬

‫التعبير االصطالحى والمثل‬


‫سلف الذكر لمفهوم المثل وسماته وأنواعه ‪ ،‬وكذلك األمر بالنسبة للتعبير‬
‫االصطالحى ‪ ،‬ونحاول هنا أن نرصد* ما بدا لنا من أوجه وفاق* وخالف فيما بينهما ‪،‬‬
‫‪98‬‬
‫وسننطلق* من مجموعة النقاط التى ذكرها د‪.‬القاسمى ‪.‬‬
‫ـ ذكر أن كليهما يتألف من كلمات قليلة‪ ،‬ولكن المثل يشتمل على حكمة تعبر عن حقيقة‬
‫عامة أو أزلية‪ ،‬فى حين يخلو التعبير االصطالحى من الحكمة العامة‪ .‬والباحث ال‬
‫يوافقه على ذلك؛ ألن المثل عدة أنواع أحدها المثل الحكمى‪ ،‬وثمة كثير من األمثال‬
‫التعبر عن الحكمة‪ ،‬خصوصا ما جاء منها على صيغة (أفعل من) وقد حفلت بها‬
‫مصادر األمثال‪ ،‬وكذلك التعبير االصطالحى عدة أنواع منها التعبير المثلى‪ ،‬فضال عن‬
‫أن كل األمثال التى جاءت على وزن (أفعل من) هى تعبيرات اصطالحية‪.‬‬
‫ـ ذكر أن القرائن النحوية كاإلعراب أو الرتبة أو المطابقة أو التضام ال تتغير فى‬
‫المثل‪ ،‬فى حين أنها تتغير فى التعبير االصطالحى*‪ ،‬ولسنا على وفاق* فى ذلك‪ ،‬فكالهما‬
‫يتسم بالثبات فى بنيته وداللته‪.‬‬
‫ـ المثل جملة تامة‪ ،‬أما التعبير االصطالحى* فقلما أن يكون جملة مستقلة‪ ،‬إنما غالبا هو‬
‫جزء من جملة‪ .‬ونحن نرى أن هذا الرأى قد جانبه الصواب‪ ،‬وسنفصح عن ذلك فى‬
‫الدراسة التركيبية من هذا البحث ‪ ،‬ونكتفى هنا أن نشير إلى أن نسبة األمثال التى على‬
‫صيغة (أفعل من) تشكل أعلى نسبة تردد فى كتب األمثال‪ ،‬بل ثمة كتاب مخصص لهذا‬
‫النمط المثلى هو كتاب الدرة الفاخرة لحمزة األصفهانى‪ ،‬وكذلك كتاب ثمار القلوب‬
‫للثعالبى اشتمل على عدد كثير من األمثال التى على نمط‪( :‬سفينة نوح‪ ،‬عصا موسى‪،‬‬
‫خاتم سليمان)‪ .‬وكالا هذين النمطين ناقص فى ظاهر تركيبه‪ ،‬لكنه جملة تامة وليس‬

‫‪97‬‬
‫انظر هذه التعبيرات فى المعجم الشامل للتعبيرات الواردة فى هذه الرسالة ‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫انظر ‪ :‬التعابير السياقية واالصطالحية ‪31‬‬

‫‪32‬‬
‫جزءا من جملة؛ ألنه يفيد معنى تاما‪ ،‬ومن ثمة فهو جملة‪ ،‬وأدنى أنواع الجمل الجملة‬
‫‪99‬‬
‫الدنيا ‪ phrase minimale‬وهى التخلو من عنصريها النواة ‪.‬‬
‫ـ ذكر أن المثل يمكن ترجمته من خالل فهم ألفاظه ‪ ،‬وال يمكن هذا فى التعبير‬
‫االصطالحى ‪ .‬وال نوافقه على هذا ؛ ألن كال منهما ذو استعمال مجازى* ‪ ،‬ال يترجم*‬
‫من خالل ألفاظه ‪ ،‬وإ نما تنقل داللته ‪.‬‬
‫ـ ذكر أنه بينما يمكن االستعاضة عن التعبير االصطالحى* بكلمة واحدة ‪ ،‬اليمكن هذا‬
‫فى المثل‪ .‬ونحن ال نوافقه فى هذا؛ ألن المثل يمكن أن نستعيض عنه بكلمة‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫إن المنبت ال أرضا قطع وال ظهرا أبقى ‪ ........‬الوسطية (أو االعتدال)‬
‫إن من البيان لسحرا ‪ .............................‬البالغة (أو الفصاحة)‬
‫سبق السيف العذل ‪ .................................‬نفاذ األمر (انتهاؤه)‬
‫ـ نضيف إلى ذلك أن كال منهما يدرس بوصفه وحدة لغوية واحدة ‪ ،‬ومن ثم فال يكاد‬
‫لمس‪.‬‬
‫الفرق بينهما ُي َ‬
‫‪100‬‬
‫‪:‬‬ ‫التعبير االصطالحى والتعبير السياقى‬
‫كشفنا فيما سبق عن مفهوم التعبير االصطالحى‪ ،‬ومن ثم نقصر القول على التعبير‬
‫السياقى‪ ،‬وهو توارد أو تالزم كلمتين أو أكثر بصورة شائعة فى اللغة‪ ،‬وذلك للتماثل‬
‫بين المالمح المعجمية المكونة لكل منهما وال يكون هذا التالزم إجباريا‪ ،‬كما اليشكل‬
‫وحدة لغوية كاملة‪ ،‬ومن أمثلته قولهم‪ :‬مكة المكرمة‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬القدس الشريف‪،‬‬
‫صديق حميم ‪ ..‬وهو ذو سمات خاصة تميزه عن غيره من التعبيرات‪ ،‬نوجزها فيما‬
‫يلى‪:‬‬
‫ـ نستشف معناه من خالل الكلمات المكونة له ‪.‬‬
‫ـ يمكن أن يرد أحد عناصره منفردا فى سياق آخر ‪ ،‬فنقول مثال ‪( :‬القدس) دون أن‬
‫نردفها بالشريف* ‪.‬‬
‫ـ ال يمكن االستعاضة عنه بكلمة واحدة ‪.‬‬
‫‪99‬‬
‫‪Roman : Grammaire de l’arabe p 86: 88‬‬ ‫انظر‪:‬‬
‫‪100‬‬
‫انظر ‪ :‬د‪.‬القاسمى ‪ :‬مرجع سابق ‪28‬‬

‫‪33‬‬
‫ـ يخضع للتغيير والتبديل فى تركيبه‪.‬‬
‫‪101‬‬
‫‪: terme‬‬ ‫التعبير االصطالحى والمصطلح‬
‫ما الفرق بين التعبير االصطالحى* والمصطلح ؟ أما األول فقد عرضنا له من قبل‪،‬‬
‫وأما الثانى فهو اسم يطلق على شئ أو مفهوم معين فى حقل ما من حقول العلم‬
‫والمعرفة ‪ ،‬وقد يتألف من كلمة مثل مصطلح (النحو) ‪( ،‬الصرف) ‪ ..‬وقد يتألف من‬
‫أكثر من كلمة مثل ‪( :‬الحساب الجارى )‪( ،‬الحاسوب اآللى) ‪ ،‬ويستعمل* فى نصوص‬
‫الموضوعات المتخصصة ‪ ،‬كمصطلحات (النحو) فى اللغة العربية ‪ .‬ويمكن إدراك‬
‫معناه من لفظه‪ .‬وهو يبدأ باسم ‪ ،‬على عكس التعبير االصطالحى فهو متنوع ما بين‬
‫االسم والفعل والحرف*‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫انظر ‪ :‬م**ادة (‪ )terme‬فى المع**اجم األجنبية الم**ذكورة س**الفا فى مفه**وم التعب**ير االص**طالحى فى‬
‫اللغات األجنبية ‪.‬‬
‫د‪.‬محمود فهمى حجازى ‪ :‬األسس اللغوية لعلم المصطلح ـ المقدمة ‪27 : 7‬‬ ‫وانظر ‪:‬‬
‫د‪.‬على القاسمى ‪ :‬مرجع سابق ‪32‬‬

‫‪34‬‬

You might also like