José Ortega y Gassett

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 53

‫‪ .

1‬السيرة الذاتية‬

‫‪ 1.1‬الحياة المبكرة‬

‫ول د خوس يه أورتيغ ا اي غاس يت في ‪ 9‬م ايو من ع ام ‪ 1883‬بمدري د‪ ،‬وال داه هم ا خوس يه‬
‫أورتيغا مونيال ودولوريس غاسيت شينشيال وترتيبه هو الثاني بين اخوت ه األربع ة‪ ،‬إدواردو‬
‫(‪ ،)1882‬خوسيه‪ ،‬اخته راف ائيال (‪ )1884‬ثم مانوي ل (‪ .)1885‬والدت ه هي ابن ة إدواردو‬
‫غاس يت اي ارتيم ‪ Eduardo Gasset y Artime‬مؤس س يومي ة ‪El ‬‬
‫‪ Imparcial‬الليبرالية‪ ‬الشهيرة‪ .‬خالل الفترة ما بين ‪ 1900‬إلى عام ‪ 1906‬قسم أورتيغا‬
‫وقته بين الكتابة اإلبداعية والعمل كمحرر لمؤسسة العائلة‪.‬‬

‫بين ‪ 1891‬و‪ 1897‬تلقى أورتيغ ا واخ وه إدواردو تعليمهم ا في المؤسس ة اليس وعية‬
‫‪ Collegio de San Estanislao de Kostka‬بض احية‪Miraflores del   ‬‬
‫‪ Palo‬بماالق ا وهن اك درس اليوناني ة وعلوم ا أخ رى متتلم ذا على ي د االب ‪Gonzalo‬‬
‫‪ Colomer‬ليحصل بعدها على الباكالوريا‪.‬‬

‫‪ ‬في نوفم بر ‪ ،1897‬التح ق الش اب خوس يه أورتيغ ا اي غاس يت بالجامع ة اليس وعية في‬
‫ديوس تو ‪ ،  Deusto ‬في بلب أو ‪ ، Bilbao ‬برفق ة األب كول ومر ‪ ،‬لدراس ة فق ه اللغ ة‬
‫واليوناني ة على ي د الب احث الش هير خولي و س يجادور إي فراوك ا‪Julio Cejador y ‬‬
‫‪ .Frauca‬بقي أورتيغ ا في ديوس تو ح تى ‪ 13‬م ايو ‪ 1898‬لدراس ة الفلس فة واآلداب‬
‫والقانون‪ ،‬ليحصل على شهادة التميز في امتحانات السنة األولى في جامعة ساالمانكا‪ .‬وك ان‬
‫ميغي ل دي أون امونو ‪ ، Miguel de Unamuno‬وه و شخص ية ب ارزة في األوس اط‬
‫الفكرية اإلسبانية وعميد الكلية ضمن فريق الممتح نين‪ .‬انتق ل بع د ذل ك أورتيغ ا إلى جامع ة‬
‫مدري د ليحص ل على ش هادة االج ازة في الفلس فة واآلداب يوني و ‪ 1902‬ثم ال دكتوراه ع ام‬
‫‪ 1904‬وموضوعها عن‪ ‬اهوال العام ألف‪ :‬نقد اسطورة‪Los terrores del año mil. ‬‬
‫‪ .Crítica de una leyenda‬والتي ظهر من خاللها اهتمامه األول بالقراءة التفسيرية‬
‫للتاريخ وبالمظاهر االجتماعية والسوسيولوجية لفترة تاريخي ة م ا‪ .‬خالل تواج ده في جامع ة‬
‫مدريد جمعته صداقة متينة براميرو دي مايزتو ‪  Ramiro de Maeztu‬ال ذي ش اركه‬
‫حماسه تجاه‪ ‬فلسفة نيتشه‪ .‬سنة ‪ 1904‬عاما قبل مغادرته باتجاه الماني ا كتب أورتيغ ا مقالت ه‬
‫األولى بيومية جده ‪  El Imparcial‬عن الشاعر البلجيكي‪.Maurice Maeterlinck ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ 1.2‬أورتيغا في ألمانيا‬

‫في أواخ ر ف براير ‪ ،1905‬غ ادر خوس يه أورتيغ ا اي غاس يت إس بانيا متوج ًه ا إلى ألماني ا‬
‫“هاربًا”‪ ،‬كما وصف ذلك الح ًقا من “االبتذال في بلدي ألملئ نفسي بكل م ا يمكن ني التح رر‬
‫منه” (‪ )El Imparcial, 19 January, 1908, p. 1; Obras, X: 24‬استمرت‬
‫هذه الرحلة األولى إلى ألمانيا ثمانية أش هر حيث تس جل أورتيغ ا في جامع ة الي بزيغ ليت ابع‬
‫دراسته في فقه اللغة والفلسفة‪ .‬ضعف مس تواه في اللغ ة األلماني ة لم ييس ر ل ه دراس ته لفق ه‬
‫اللغة‪ ،‬لكن هذا النقص اللغوي لم يردع حماسه فقد التحق بدورات اللغ ة واللس انيات الهن دو‪-‬‬
‫األوروبية ال تي يدرس ها األس اتذة بروجم ان وم اير‪ .‬على ال رغم من أن ال وقت المخص ص‬
‫للدراسات اللغوية يصرفه إلى حد م ا عن تعلم الفلس فة ال تي س عى إليه ا في البداي ة‪ ،‬اال ان ه‬
‫تمكن من االنفتاح على كتابات فيلهلم فون هومبولت‪ ،‬أرنست رين ان‪ ،‬هيب وليت ت اين‪ ،‬آرث ر‬
‫شوبنهأور‪ ،‬فريدريش نيتشه وتشارلز داروين‪ .‬تمكن أيض ا من متابع ة دورات علم التش ريح‬
‫وعلم وظ ائف األعض اء وعلم النفس على ي د فيلهلم وون دت‪ Wilhelm Wundt ‬ال ذي‬
‫وعلى الرغم من شغله كرسي الفلسفة بالجامعة‪ ،‬عم ل ايض ا أس تاذا لعلم وظ ائف األعض اء‬
‫وعلم النفس في جامعة اليبزيغ‪.‬‬

‫عاد خوسيه أورتيغا اي غاسيت إلى مدريد في ص يف ع ام ‪ 1906‬ليتحص ل على منح ة من‬
‫الدولة الستئناف دراسته في ألمانيا لمدة عام آخر‪ .‬ليعود بعد بضعة أسابيع هذه الم رة باتج اه‬
‫جامعة برلين‪ ،‬حيث يدرس ويلهلم ديلثي‪ ،‬فريدريش بولسن‪ ،‬إدوارد ماير ‪ ،‬هاينريش ف ولفلين‬
‫‪ ،‬جورج سيميل ‪ ،‬كارل ستامبف ‪ ،‬ماكس بالنك وأل ويس ريه ل‪ .‬لكن أورتيغ ا لألس ف ت ابع‬
‫محاض رات ريه ل فق ط أثن اء وج وده في ب رلين ليف وت على نفس ه فرص ة مقابل ة مفك رين‬
‫سيعجب بهما الحقا مثل ديلثي وسيميل‪ .‬بع د س تة أش هر‪ ،‬غ ادر أورتيغ ا ب رلين إلى جامع ة‬
‫ماربورغ ليتابع دراساته للفلسفة في قلعة الكانطية الجديدة (‪ ،)Obras, VIII: 32‬وينض م‬
‫إلى نيكوالي هارتمان‪ ،‬بول شيفر‪ ،‬هاينز هيمسوث تحت اش راف الك انطيين الج دد هيرم ان‬
‫كوهين الذي درسه كان ط وت اريخ الفلس فة وب ول ن اتورب ال ذي اختص بتدريس ه علم النفس‬
‫والبيداغوجيا‪  .‬مكنت جامع ة م اربورغ أورتيغ ا بفض ل اهتمامه ا باألس اس المنطقي للعل وم‬
‫الطبيعية وتركيزها على الج وانب المعرفي ة والمنهجي ة للفلس فة من الحص ول على األس اس‬
‫الفلسفي والتدريب الذي كان يسعى اليه‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ 1.3‬أورتيغا في إسبانيا‬

‫في ف براير ‪ ،1908‬ع اد خوس يه أورتيغ ا اي غاس يت إلى مدري د لينض م إلى ط اقم تحري ر‬
‫يومية ‪ El Imparcial‬ويأسس الحق ا ‪ ،Faro‬وهي مجل ة أس بوعية ك انت األولى من بين‬
‫مشاريع نشر عدي د اس تثمر فيه ا‪ .‬وال تي نق ل من خالله ا تقييم ه النق دي للثقاف ات اإلس بانية‬
‫واألوروبية‪ .‬عند مغادرت ه إلى ألماني ا في ع ام ‪ ،1905‬ك انت القض ية الفكري ة الس ائدة بين‬
‫المثقفين هي تجديد إسبانيا عبر التساؤل‪“   ‬ما الذي يجب فعله‪ :‬هل االتجاه نحو الهيسبانية أو‬
‫األوربة؟”‬

‫عند عودته في عام ‪ ،1908‬ظل هذا الس ؤال ه و الموض وع الرئيس ي للمناقش ات المطول ة‪،‬‬
‫بينما شكلت األفك ار النقدي ة ألورتيغ ا اإلض افة الجدي دة‪ .‬في إص دار ع ام ‪ 1908‬من ف ارو‬
‫‪ ،Faro‬ص اغ الم ؤرخ والسياس ي المحاف ظ غابريي ل م ورا إي جام ازو (‪)1963-1879‬‬
‫ألول مرة تسمية “جيل ‪ ،”1898‬والتي أشاعها الروائي أزورين (خوس يه م ارتينيز روي ز‪،‬‬
‫‪ ،)1967-1873‬وهو عضو المجموع ة‪ ،‬في مق االت ص حفية الحق ة في ع امي ‪ 1910‬و‬
‫‪ .1913‬في ‪ 23‬فبراير ‪ ،1908‬انخرطت مورا في جداالت م ع أورتيغ ا أش ار من خالله ا‬
‫إلى‪“ ‬جيل اليوم؛ جيل ولد فكريا في جذور الكارثة “‪  .)Obras, X: 31–38( ‬اكتسب‬
‫جيل عام ‪ 1898‬اس مه عن دما تكش فت أح داث الح رب األمريكي ة اإلس بانية‪ ،‬وال تي ق دمت‬
‫تصورا عن الكارثة الوطنية وشكلت سياقا النتق اداتهم الوطني ة واالجتماعي ة‪ .‬نظ ر اإلس بان‬
‫إلى الحرب على أنها كارثة وطنية‪ ،‬واجتمع جيل عام ‪ 1898‬لمناقشة م ا اعت بروه انحط اط‬
‫إسبانيا‪.‬‬

‫في يونيو ‪ 1908‬تم تع يين خوس يه أورتيغ ا اي غاس يت أس تاذا لألخالقي ات والمنط ق وعلم‬
‫النفس في المدرس ة العلي ا لألس اتذة ‪.La Escuela Superior del Magisterio‬‬
‫أواخر أكتوبر من نفس السنة‪ ،‬واثناء اجتماع لجمعية تقدم العل وم ال ذي انعق د في سرقس طة‪،‬‬
‫تحدث أورتيغ ا بش دة لص الح تجدي د إس بانيا من خالل انفتاحه ا على الفك ر األوروبي‪ .‬ت ابع‬
‫أورتيغ ا نقاش اته في ه ذه القض ايا م ع أس تاذه الس ابق للغ ة اليوناني ة في جامع ة س االمانكا‪،‬‬
‫أونامونو‪ ،‬لكنه المه على تفضيله “إفرقة ‪ ” Africanize‬أوروبا ب دالً من “أورب ة” إس بانيا‪،‬‬
‫وهو االقتناع الذي أدى إلى خالفهما في العام التالي (‪.)Obras, I: 64‬‬

‫‪ ‬في ‪ 8‬أكتوبر ‪ ،1910‬في مسابقة مفتوحة‪ ،‬تقدم أورتيغا أم ام هيئ ة محلفين أنش ئت الختي ار‬
‫خليف ة لكرس ي الميتافيزيقي ا‪ ،‬ال ذي ت رك ش اغرا بع د وف اة نيك والس س الميرون ( ‪-1838‬‬
‫‪ .)1908‬بعد ش هر‪ ،‬حص ل على األس تاذية في جامع ة مدري د المركزي ة‪ ،‬في س ن الس ابعة‬
‫والعش رين‪ .‬قب ل س تة أش هر‪ ،‬في ‪ 7‬أبري ل ‪ ،1910‬ت زوج أورتيغ ا من خطيبت ه‪ ،‬روزا‬
‫س بوتورنو إي توبي تي ‪ .Rosa Spottorno y Topete‬ب دءا من ين اير إلى أكت وبر‬
‫‪ ،1911‬أمضى الزوجان شهر العسل المتأخر في ألمانيا‪ ،‬بفض ل منح ة ص ادرة عن وزارة‬
‫التعليم العام‪ .‬ولد ابن ه األول‪ ،‬ميغي ل جيرم ان‪ ،‬في م اربورغ في ‪ 28‬م ايو ‪ .1911‬يكش ف‬
‫االسم الذي اختاره لبكره عن أهمية ألمانيا بالنسبة ألورتيغا‪ .‬في نهاية ديسمبر ‪ ، 1911‬ع اد‬
‫أورتيغ ا إلى مدري د لت ولي مهام ه التعليمي ة ‪ ،‬وفي ين اير ‪ ، 1912‬ت ولى منص ب أس تاذ‬
‫الميتافيزيقيا ‪ ،‬وهو كرسي شغله لمدة أربعة وعشرين عام ا ‪ ،‬م ع انقط اعين قص يرين فق ط‪:‬‬
‫م رة واح دة في ع ام ‪ ، 1929‬عن دما اس تقال لالحتج اج على االعت داءات على الحري ة‬
‫األكاديمية خالل ديكتاتورية ميغي ل بريم و دي ريف يرا ؛ وم رة أخ رى ‪ ،‬في ع ام ‪، 1931‬‬
‫عندما أصبح أورتيغا أحد األعضاء األوائل في المجلس التشريعي‪  ‬التأسيسي الذي انعقد‪  ‬في‬
‫بداية الجمهورية اإلسبانية الثانية حتى نفيه من إسبانيا‪  ‬ابان الحرب األهلية اإلسبانية في عام‬
‫‪.1936‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ 1.4‬أورتيغا كزعيم فكري‬


‫عند اندالع الحرب العالمية األولى‪ ،‬بدأ خوسيه أورتيغا اي غاسيت في المساهمة في “المهمة‬
‫الثقافية األوروبية” إلسبانيا من خالل محاض راته ح ول بعض التي ارات الرئيس ية في الفك ر‬
‫األوروبي تناول من خاللها األفكار البيولوجي ة له انز دريش‪ ،‬أغس طس وايس مان وج اكوب‬
‫فون أوكس كول؛ األفك ار الفلس فية‪ ،‬االقتص ادية واالجتماعي ة لم اكس ش يلر‪ ،‬ج ورج س يميل‬
‫وف يرنر س ومبارت وتل ك ك انت س ابقة في الجامع ات اإلس بانية‪ .‬في يولي و ‪ ،1916‬غ ادر‬
‫أورتيغ ا رفق ة وال ده والعدي د من المثقفين اإلس بان اآلخ رين باتج اه األرجن تين‪ .‬هن اك‪ ،‬بين‬
‫أغسطس وأكتوبر‪ ،‬ألقى أورتيغا سلسلة من المحاضرات في جامعة بوينس آيرس حول كانط‬
‫والفلسفة القارية المعاصرة‪ .‬وجاءت هذه المحاضرات في أعقاب التحاق خوليو ري باستور‪،‬‬
‫وه و ع الم رياض يات إس باني ب ارز‪ ،‬ه اجر إلى األرجن تين ه و االخ ر لتجوي د المس توى‬
‫الرياض ي والعلمي للتعليم في جامع ة ب وينس آي رس‪ .‬خالل إقامت ه في ب وينس آي رس بقي‬
‫أورتيغا بعيدا عن الشؤون السياسية‪ ،‬باس تثناء مق ال نش ره في يوني و ‪ 1917‬انتق د في ه دور‬
‫الجيش في السياسة‪ .‬عجل هذا المقال برحيل ه النه ائي عن يومي ة ‪ Imparcial‬والتح ق م ع‬
‫شقيقه‪ ،‬إدواردو بيومية جديدة ‪ ،El Sol‬أسس ها ص ديقه المق رب ‪Nicolás María de‬‬
‫‪ Urgoiti‬من ‪ .Española La Papelera‬ظه ر الع دد األول في ‪ 1‬ديس مبر ‪.1917‬‬
‫بعد خمس سنوات‪ ،‬ساعد أورتيغا أيض ا في إنش اء دار النش ر ‪( Calpe‬ال تي س ميت الحق ا‬
‫‪ ،)Espasa-Calpe‬وال تي أت احت إمكاني ة الحص ول على األدب اإلس باني واألوروبي‬
‫الكالسيكي والمعاصر في طبعات بأسعار معقولة‪ .‬خالل نفس الفترة أصبح أورتيغ ا مؤس س‬
‫ومدير مجلة ‪ Revista de Occidente‬الشهرية‪ ،‬التي نشرت ع ددها األول في يولي و‬
‫‪ .1923‬سرعان ما أصبحت ‪ ،Revista‬التي كانت موجهة نحو القراء المثقفين‪ ،‬واحدة من‬
‫المجالت الفكري ة المش هورة في أوروب ا ب ل وص ارت “مراجع ة حقيقي ة للغ رب “حيث إن‬
‫العديد من المقاالت‪ ،‬التي كانت ترجمات ألعمال نشرت س ابقا في الخ ارج‪ ،‬تمث ل اتجاه ات‬
‫فلس فية وعلمي ة مهم ة ” للعص ر “من أمث ال كتاب ات‪ Spengler :‬ش بنجلر‪Huizinga، ،‬‬
‫‪ ،Simmel، Uexküll، Brentano، Heimoseth‬درايش ‪ ،Driesch‬بفان در‬
‫‪ ،Pfänder‬مولر ‪ ،Müller‬وراسل ‪.Russell‬‬

‫لتصير بعدها المجلة مرجعا أساسيا للمثقفين بالتزامن مع ‪ Ortega’s tertulias‬التي كان‬
‫مقرها في شارع ‪ ،Pi y Margall‬وقد ساعدت باألساس في تعزيز الجيل الشعري للمثقفين‬
‫الشباب‪“ ،‬جيل ‪ ”1927‬نشأت ه ذا المص طلح لوص ف التش ابه م ع ش عراء وكت اب ‪1920‬‬
‫بإسبانيا‪ .‬كما ويشير ايضا إلى اللحظة التي بدأ فيها المثقفون والطالب في مقاومة ديكتاتورية‬
‫الج نرال ميغي ل بريم و دي ريف يرا معل نين بداي ة الجمهوري ة الثاني ة‪ .‬كم ا ح دث م ع جي ل‬
‫‪ ،1898‬خلقت األزم ة الوطني ة في الس نوات ال تي س بقت الح رب األهلي ة اإلس بانية روح ا‬
‫جماعية‪ ،‬أو على األقل هوية مشتركة‪ .‬استطاع العديد من شعراء الطليعة األصغر س ًنا نش ر‬
‫اشعارهم ألول مرة في ‪ ،Índice‬التي أسسها وأداره ا خ وان رام ون خيمين يز م انتيكون (‬
‫‪ ،)1958-1881‬وهو من أنصار كارل كريستيان فريدريش كراوس (‪ )1832-1781‬في‬
‫القرن التاسع عشر‪ ،‬والذي كان من األوائل الذين اعادوا تقديم موضوعات الحداثة في األدب‬
‫اإلس باني‪ .‬وج د أعض اء آخ رون من جي ل ‪ 1927‬مس احات للتعب ير في‪Revista de  ‬‬
‫‪ .Occidente‬ك ان أورتيغ ا‪ ،‬ال ذي ُنش رت أعمال ه الرئيس ية في العش رينيات من الق رن‬
‫الماضي‪ ،‬بمثابة أحد أهم الروابط بين الجيلين بفضل مس اعدته للش عراء األص غر س ًنا حيث‬
‫خصهم بكتابه‪ ‬الأنسنة الفن‪ )1925( ‬جنبا إلى جنب مع ‪Américo Castro (1885-‬‬
‫)‪ ،1972)، Ramón Pérez de Ayala (1880-1962‬و‪Eugenio D’ors y‬‬
‫)‪ ،Rovira (1882-1954‬ش كل أورتيغ ا زعام ة فكري ة ألهمت اإلس بان األص غر س نا‬
‫لتطوير مساعيهم اإلبداعية بشكل كامل‪.‬‬

‫كان هؤالء الفنانين والشعراء الشباب يؤسسون لحي اتهم المهني ة على موج ة جدي دة اجت احت‬
‫الدوائر الفكرية في أوروبا وإس بانيا‪ .‬وب دا أن السياس ة تس عى إلى تعزي ز الثقاف ة والفن‪ .‬م ع‬
‫نض ج ه ؤالء الش عراء والفن انين الش باب وانض مامهم لجي ل ‪ ،1927‬أص بحوا أك ثر ج رأة‬
‫واستعداد لتجربة تقنيات ووسائل اإلعالم الجديدة بغرض تأثير أك بر‪ .‬وفي تع اون في ديريكو‬
‫غارس يا لورك ا (‪ )1936-1898‬ال ودي م ع الرس ام س لفادور دالي (‪)1989-1904‬‬
‫والمخ رج الس ينمائي ل ويس بونوي ل (‪ )1983-1900‬والملحن مانوي ل دي ف اال (‪-1876‬‬
‫‪ )1946‬دليل عل الجم ع بين التقني ات الجدي دة الس تخراج الج واهر الغامض ة من التجرب ة‬
‫اإلنسانية‪ .‬شكلت أعمالهم صورا حي ة للتص وّ ف الجم الي التجري دي والس ريالية الجدي دة في‬
‫عشرينيات القرن العشرين‪ .‬ارتبطت هذه األشكال الفنية الجدي دة واألس اليب الجدي دة إلدراك‬
‫الجواهر الخفي ة على الف ور ب التعبيرات الجمالي ة ال تي تم ردت على األخالق القديم ة والقيم‬
‫التقليدية‪ ،‬وطورت اهتماما أكبر بالسياسة ومثلت باألساس حساسية إبداعية متزايدة‪ .‬وامت دت‬
‫ه ذه الحري ة الجدي دة في التعب ير الجم الي إلى ع الم السياس ة‪ .‬ففي أبري ل ‪ ،1929‬بع د أن‬
‫استقال أورتيغا من كرسي الميتافيزيقيا في جامعة مدري د المركزي ة احتجاج ا على سياس ات‬
‫بريمو دي ريفيرا التعليمية القمعية‪ ،‬لجأ إليه العديد من هؤالء المثقفين الشباب ال ذين يمثل ون‬
‫مواق ف سياس ية متنوع ة للحص ول على المش ورة السياس ية وناش دوه توجي ه ح ركتهم‬
‫اإلصالحية نيابة عن التوجه “الحديث” و “الفكري” نحو “الحرية” في إسبانيا‪ .‬رفض خوسيه‬
‫أورتيغ ا اي غاس يت ال دور القي ادي ال ذي اقترح ه غارس يا لورك ا ومجموع ة من المثقفين‬
‫الشباب وعرض‪ ،‬بدال من ذلك‪“ ،‬تعاطفه ودعمه ورفقته”‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ 1-5‬أورتيغا والجمهورية"‬

‫في ف براير ‪ ،1931‬نظمت الحكوم ة االنتخاب ات البلدي ة وانطل ق التحض ير لالنتخاب ات‬
‫البرلمانية العامة‪ .‬خالل الفترة نفسها‪ ،‬نشر خوسيه أورتيغا اي غاسيت‪ ،‬مع الطبيب والك اتب‬
‫غريغوريو مارانيون (‪ )1960-1887‬والروائي والشاعر بيريز دي أياال‪ ،‬بيان ” ‪ión Al‬‬
‫‪“( ” Servicio de la RepúblicaAgrupa‬المجموع ة في خدم ة الجمهوري ة”)‪،‬‬
‫مناشدة لتجمع المثقفين والمهنيين بغية تنفيذ اله دف ال ذي من ش أنه توح دت جمي ع الطبق ات‬
‫والمناطق الجغرافية تحت راية وطني ة واح دة‪ .‬اق ترحت مجموع ة ‪ Agrupación‬لمتابع ة‬
‫الطريق بين “الطرق المس دودة” للش يوعية والفاش ية قي ام جمهوري ة‪ .‬ع برت رؤي ة خوس يه‬
‫أورتيغا اي غاس يت عن التص ور السياس ي والفك ري والقي ادة ال تي س عت إليه ا المجموع ة‬
‫الفكرية ‪ La Agrupación‬ومجموعة ‪ Lorca‬وذلك بعد التنازل المفاجئ أللفونسو الثالث‬
‫عشر وإعالن الجمهورية في ‪ 14‬أبريل ‪ .1931‬على الرغم من محدودي ة القي ود القانوني ة‪،‬‬
‫دعمت ‪  La Agrupación‬المرش حين الجمه وريين االش تراكيين‪ .‬وانتخب أربع ة عش ر‬
‫عضوا من أعضاء الفريق‪ ،‬بمن فيهم أورتيغ ا وم ارانيون وأي اال‪ ،‬في االنتخاب ات البرلماني ة‬
‫ال تي ج رت في يوني ه‪ .‬انتخب أورتيغ ا في المجلس التش ريعي التأسيس ي لمق اطعتي لي ون‬
‫وجاين؛ واستقال من المقعد في األخير‪ .‬كشفت نتائج االنتخاب ات أن المرش حين الجمه وريين‬
‫حصلوا على ثالث ة أض عاف ع دد األص وات ال تي حص ل عليه ا الملكي ون‪ .‬اجتم ع المجلس‬
‫التش ريعي التأسيس ي في ‪ 14‬يولي و‪ ،‬وه و ت اريخ تم اختي اره ب وعي ل يرمز إلى تط ابق‬
‫الجمهورية الثانية مع روح الثورة الفرنسية عام ‪.1789‬في تاريخ أوروب ا‪ ،‬تع د الجمهوري ة‬
‫الثاني ة هي الخامس ة عش رة واألخ يرة من سلس لة الجمهوري ات ال تي تش كلت خالل العق ود‬
‫األولى من القرن العشرين‪.‬‬

‫بصفته عضوا في المجلس التش ريعي‪ ،‬واج ه خوس يه أورتيغ ا اي غاس يت ص عوبات عملي ة‬
‫متعلق ة بطبيع ة القي ادة السياس ية‪ .‬اذ ع ارض ‪Manuel Azaña y Díaz (1880-‬‬
‫)‪ 1940‬وه و شخص ية مهيمن ة في الحكوم ة آن ذاك‪ ،‬وأتباع ه السياس يون أفك ار وزعام ة‬
‫أورتيغ ا وش ركائه في ‪ .La Agrupación‬في خري ف ع ام ‪ ،1932‬تخلى أورتيغ ا عن‬
‫النش اط السياس ي عن دما أص بح التواص ل مس تحيال تقريب ا بس بب الج داالت والص راعات‬
‫المستمرة بين أتباعه واتباع أزانيا ‪ .Azaña‬عاد أورتيغا إلى كرسيه للميتافيزيقيا في جامعة‬
‫مدريد المركزية دون ان يشعر باألسى لمفارقت ه للسياس ة‪ .‬خالل الف ترة الممت دة بين عودت ه‬
‫إلى الجامعة وان دالع الح رب األهلي ة اإلس بانية‪ ،‬واص ل أورتيغ ا كتاب ة المق االت السياس ية‬
‫في‪ El Sol ‬منتق دا السياس يين ال ذين اعتق د أنهم مس ؤولون في المق ام األول عن انح راف‬
‫الجمهورية عن اهدافها‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ 1.6‬نفي أورتيغا‪ ،‬عودته وسنواته األخيرة‬

‫فشلت ت دخالت خوس يه أورتيغ ا اي غاس يت الح ادة في حمايت ه من االض طرابات السياس ية‬
‫ال تي ش هدتها الجمهوري ة‪ .‬وهك ذا‪ ،‬في ‪ 31‬أغس طس ‪ ،1936‬في ب دايات الح رب األهلي ة‬
‫اإلس بانية‪ ،‬استش عر أورتيغ ا م رارة الخ وف من ع دم معرفت ه م ا يمكن توقع ه من أعدائ ه‬
‫السياسيين‪ ،‬وغادر مع زوجته‪ ،‬أطفاله الثالثة وشقيقه إدواردو في قارب فرنسي من أليك انتي‬
‫إلى مرس يليا بمس اعدة الس فارة الفرنس ية‪ .‬اس تقروا جميع ا في ال ت رونش‪ ،‬ب القرب من‬
‫غرونوبل‪ .‬ثم انتقلوا إلى باريس حيث مكثوا طيلة شتاء ‪ 1937‬إلى غاية أغس طس ‪،1939‬‬
‫باستثناء رحالت قصيرة قاموا بها إلى هولندا والبرتغال‪ .‬بدعوة من يوه ان هويزينغ ا ‪ ،‬ق دم‬
‫أورتيغ ا محاض رات في روت ردام وأمس تردام ودلفت ولي دن واله اي من أواخ ر نوفم بر‬
‫‪ 1937‬إلى فبراير ‪ .1938‬أكتوبر من نفس السنة‪ ،‬س افر أورتيغ ا إلى ب اريس حيث خض ع‬
‫لعملية استئصال المرارة‪ .‬ف براير ‪ ،1939‬س افر إلى جن وب البرتغ ال للتع افي من العملي ة‪.‬‬
‫أثناء تواجده في البرتغ ال‪ ،‬ت وفيت والدت ه في ‪ 21‬أبري ل ‪ 1939‬في بل دة ص غيرة (بوين تي‬
‫جينيل) بالقرب من قرطبة؛ لتلحق بها اخته راف ايال في ‪ 12‬نوفم بر من الع ام الت الي‪ .‬نهاي ة‬
‫أغسطس‪ ،‬غادر أورتيغ ا إلى األرجن تين برفق ة زوجت ه وابنت ه‪ .‬ليس تقر هن اك خالل الج زء‬
‫األكبر من الحرب العالمية الثانية‪ ،‬محاضرا في جامعة بوينس آيرس ح تى أواخ ر ف براير ‪/‬‬
‫أوائل مارس في عام ‪ ،1942‬ليعود الحقا هو وزوجته وابنته إلى استوريل بالبرتغال‪.‬‬

‫في أغس طس ‪ ،1945‬ع اد خوس يه أورتيغ ا اي غاس يت إلى إس بانيا ألول م رة من ذ ان دالع‬
‫الحرب اإلسبانية‪ .‬قضى ما تبقى من الصيف في زومايا قبل أن يقفل راجعا إلى البرتغال في‬
‫فصل الشتاء من السنة نفسها‪ .‬عاد أورتيغا إلى بلده األصلي في عام ‪ 1945‬بعد تسع سنوات‬
‫في المنفى‪ .‬عودته هذه دفعت العديد من مواطنيه الجمهوريين الذين بقوا في المنفى للتش كيك‬
‫في حياده‪ .‬اما أنصار فرانكو فاعتبروه عدوا سابقا وغير ج دير بالثق ة‪ .‬نتيج ة لرقاب ة الدول ة‬
‫وت دخلها لم يتمكن أورتيغ ا من اس تئناف النش ر في مجل ة‪ Revista de Occidente ‬‬
‫فنشر في دوريات المانية‪ .‬على الرغم من استعادة كرس يه في الجامع ة لت دريس الميتافيزيق ا‬
‫رس ميا‪ ،‬لم يس تأنف خوس يه أورتيغ ا اي غاس يت تعليم ه في الجامع ة‪ .‬وم ع ذل ك‪ ،‬في ع ام‬
‫‪ ،1948‬بمساعدة طالبه السابق‪ ،‬جوليان ماري اس ‪،Julián Marías (1914-2005) ,‬‬
‫أسس أورتيغا معهد ‪“( El Instituto de Humanidades‬معهد العلوم اإلنسانية”)‪ ،‬في‬
‫مدري د ‪ ،‬حيث ألقى محاض رات ونجح في ج ذب العدي د من الطالب والمثقفين الليبرال يين‪.‬‬
‫وعلى الرغم من نجاحها‪ ،‬نادرا ما سمحت الحكومة للمعهد بالعمل بحرية وفي نهاية المطاف‬
‫أوقفت أنشطته في عام ‪.1950‬‬

‫بين عامي ‪ 1949‬و‪ ،1955‬تجنب خوسيه أورتيغا اي غاس يت ض غوط الحكوم ة اإلس بانية‬
‫من خالل توجه ه إلى المش اركة في الم ؤتمرات واالجتماع ات في الخ ارج حيث حظي‬
‫باالعتراف والتقدير‪ .‬في أوائل يوليو ‪ ،1949‬اتجه إلى الواليات المتح دة حيث زار أس بن ‪،‬‬
‫كول ورادو ‪ ،‬م ع ص ديقه الحميم أرنس ت ر‪ .‬كورتي وس ‪ ،‬الم ؤرخ الثق افي ‪ ،‬للحض ور‬
‫والمشاركة في االحتفال بالذكرى المئوية الثانية لميالد غوته ‪ Goethe‬تحت رعاية وتوجيه‬
‫روب رت م‪.‬هاتش ينز وجامع ة ش يكاغو‪ .‬في س بتمبر ‪ ،‬زار ه امبورغ وب رلين ودارمش تات‬
‫وميونيخ ألسباب مماثلة‪ .‬في آب ‪ /‬أغسطس ‪ 1951‬عاد إلى ألمانيا للمشاركة في م ؤتمر في‬
‫دارمشتات برعاية العلماء والمهندسين المعماريين لمناقشة “اإلنسان والفض اء”‪ ،‬هن اك التقى‬
‫هايدجر وحصل على ش هادة ال دكتوراه الفخري ة من جامع ة م اربورغ‪ .‬ك ان ه ذا االجتم اع‬
‫القصير في دارمشتات لطيفا على ما يبدو‪ ،‬حيث لم يتناول أي من الفالسفة القضية الحساس ة‬
‫لألصالة أو أوجه التشابه في جوانب معينة من فكرهم ا أثن اء محادثاتهم ا الخاص ة‪ .‬في ع ام‬
‫‪ ،1951‬حصل على دكتوراه فخرية أخرى من جامع ة غالس كو‪ .‬نتيج ة إلص ابته بس رطان‬
‫مزدوج في المعدة والكبد قلت سفرياته بعد محاضرته األخ يرة ال تي ألقاه ا في م ايو ‪1955‬‬
‫في البندقية‪ .‬في ‪ 18‬أكتوبر ‪ ،1955‬توفي أورتيغا في شقته في الطابق الس ادس في ‪Calle‬‬
‫‪ Monte Esquinza 28‬بمدريد‪.‬‬

‫‪ .2‬التطور الفكري‬

‫‪ 2.1‬الكانطية الجديدة والبحث عن المنهج‬


‫فصل خوسيه أورتيغا اي غاسيت نفسه عن كل انتماء ألي ة مدرس ة فكري ة معين ة‪ ،‬وان ك ان‬
‫هو أول من اعترف بأن أفكار الفيلسوف مرتبطة بالتقاليد الفلسفية السابقة‪ .‬فهو يصرح‪:‬‬

‫في توجهنا الفلسفي الحالي وفيما ينتجه من قضايا وتصورات‪ ،‬نلمس حضورا كبيرا للفكر‬
‫والقضايا السابقة‪ .‬كما لو ان الفالسفة السابقين هم معأونونا الذين يعيشون ويستمرون في‬
‫فلسفتنا‪)Obras, IX: 360(“ ‬‬

‫‪ ‬اثن اء دراس ته في جامع ة م اربورغ ت أثر أورتيغ ا بالفلس فة األلماني ة بوج ه ع ام والكانطي ة‬
‫الجديدة باألخص وهيرم ان ك وهين على وج ه التحدي د وال ذي ك ان اس تاذه إلى ج انب ب ول‬
‫ناتورب‪ .‬تحدث أورتيغا عن هذا في كتابه (مقدمة لأللمان) وأشار إلى كوهين بـ “اس تاذي” (‬
‫‪.)Obras, VIII: 13-58‬‬

‫‪ ‬هذا التأثير للكانطية الجديدة بماربورغ واضح في كتابات خوسيه أورتيغا اي غاس يت‪ .‬فه و‬
‫ح اول تمي يز الفلس فة عن االفتراض ات والتأكي دات س واء‪ ،‬ك انت مثالي ة أو وض عية‪،‬‬
‫للميتافيزيقيا التأملي ة‪ .‬رفض أورتيغ ا األنظم ة الميتافيزيقي ة التأملي ة‪ ،‬ومث ل ك وهين‪ ،‬رفض‬
‫أيض ا مقارب ة العل وم الطبيعي ة انطالق ا من نظري ة المعرف ة (األبس تمولوجيا) القائم ة على‬
‫تفسيرات طبيعية ونفس‪-‬فيزيائية للواقع الحسي أو المثالي ة “الذاتي ة”‪ .‬لكن أورتيغ ا ي تردد في‬
‫المضي قدما كما فعل كوهين‪ ،‬في اف تراض ان “حق ائق” العلم يتم تحدي دها بالكام ل ب الفكر‪،‬‬
‫وهو ما يدفعنا للقول بأن شيئا من ميتافيزيقيا الكانطية الجديدة م ا ي زال حاض را في لفلس فته‬
‫األساس ية‪ .‬ألن ه ب دال من اف تراض ان الفك ر الخ الص حقيقي فق ط‪ ،‬اس تبدل أورتيغ ا منط ق‬
‫كوهين بمفهوم “الحياة البشرية”‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬فإن نظرة أورتيغا المعممة للوجود تشير إلى‬
‫حياة اإلنسان بدال من المنطق البشري كمبدأ موحد وأساس ي للواق ع‪ .‬ك انت كتاب ات أورتيغ ا‬
‫الرئيسية معنية بفكرة الحياة باعتبارها “الحوار الديناميكي بين الفرد والعالم”؛ لم يكن مهتما‪،‬‬
‫كما كان كوهين‪ ،‬بإسناد التجربة الخارجية إلى حقيقة تتوقف على مب ادئ المنط ق والفيزي اء‬
‫الرياضية‪“ .‬بنية الحياة هي باتجاه المستقبل”‪ ،‬كتب أورتيغا‪:‬‬

‫” الفكرة المهيمنة في كتاباتي المستوحاة بالتأكيد من األسئلة التي أثارها منطق كوهين بعيدة‬
‫ج ًدا عن المشكلة الحيوية التي أطبقها عليها‪)Obras, IV: 403–4(  ”.‬‬

‫‪ ‬هذا التمييز الذي وضعه أورتيغا بين منظوره الحي وي ومنط ق ك وهين الش امل ي وحي ب أن‬
‫تجربة أورتيغا في م اربورغ جعلت ه أق رب إلى الكانطي ة النقدي ة الجدي دة من ه إلى الكانطي ة‬
‫الجديدة المطلقة‪ .‬أص بح النهج النق دي للقض ايا الفلس فية ع امال مهم ا في فك ر أورتيغ ا وفي‬
‫التعليم الفلسفي الذي تلقاه‪.‬‬

‫في كتابه (تأمالت في الذكرى المئوية لكانط)‪ ‬في عام ‪ ،1929‬أشار خوسيه أورتيغا اي‬
‫غاسيت‪ ،‬وبشكل مجازي‪ ،‬إلى ص راعه م ع كان ط وم ع الكانطي ة الجدي دة وكأن ه في “س جن‬
‫كانط”‪ )Obras, IV: 25( .‬وفي كتابه (مقدمة لأللمان)‪ ،‬أقر بتجربته في جامعة ماربورغ‬
‫كعامل مهم في تطوره الفكري‪ .‬اما في “في هذه المدينة”‪ ،‬كتب‪“ :‬قضيت فيها منتصف‬
‫شبابي؛ أدين لها‪ ،‬على األقل‪ ،‬بنصف أحالمي وكل تخصصي تقريبًا “( ‪Obras, II:‬‬
‫‪.)558–59, VIII: 20-21‬‬

‫ش كلت ع ودة خوس يه أورتيغ ا اي غاس يت إلى م اربورغ في ع ام ‪ 1911‬منعطف ا آخ ر في‬


‫اهتماماته الفكرية وتطوره الفلسفي بكتابه (مقدمة في الفينومينولوجيا)‪ ‬أي الظاهراتية‪ .‬تحدث‬
‫في كتابات ه الالحق ة أن ه أثن اء دراس ته في م اربورغ‪ ،‬ك ان ه و وزمالؤه من طالب ك وهين‬
‫ون اتورب منغمس ين بعم ق في المثالي ة الكانطي ة الجدي دة‪ .‬غالب ا م ا ع بر أورتيغ ا وزمالؤه‬
‫نيكوالي هارتمان‪ ،‬هانز هايمسوث وبول ش يفر ألس اتذتهم عن نق اط اتفاق اتهم وخالف اتهم أو‬
‫عدم رضاهم مع بعض ما ج اءت ب ه الكانطي ة الجدي دة‪ .‬أص بحت ال روح النقدي ة “العفوي ة”‬
‫الفكرية واضحة في ردود أفع الهم على جمي ع الق راءة ال تي ق اموا به ا لكان ط‪ ،‬بارميني دس‪،‬‬
‫والفلسفة الكالسيكية بشكل عام‪ .‬للقول بحدود فكر كانط فيما يتعلق باالتجاهات المعاصرة في‬
‫الفن واألدب والفلسفة‪ ،‬انتقل أورتيغ ا وزمالؤه إلى م ا وراء المثالي ة الكانطي ة الجدي دة نح و‬
‫“الساحل الخيالي”‪ .‬ومثل أي رحلة على ط ول الس واحل الخيالي ة‪ ،‬يحت اج االم ر إلى أنظم ة‬
‫مالحة وكانت هي الفينومينولوجيا بالنسبة ألورتيغا وزمالئه‪.)Obras, VIII: 20, 42  .‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فإن هذه “الصحوة المشتركة” للفوج الشاب انتهت بهم إلى مسارات منفص لة‪ .‬ففي‬
‫عام ‪ ،1911‬تحدوا‪ ،‬كمجموعة من الطالب‪ ،‬بشكل جماعي مواقف استاذتهم‪ .‬عند مغ ادرتهم‬
‫ماربورغ‪ ،‬كان عليهم أن يتابعوا مسارهم الفينومينولوجي بش كل مس تقل‪ ،‬وأن يؤسس وا مع ا‬
‫لبنية هذا المبحث‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ 2.2‬الفينومينولوجيا كمنهج"‬

‫بع د ع ام ‪ ،1911‬واص ل ك ل من أورتيغ ا وهارتم ان اهتمامهم ا بالفينومينولوجي ا (الفلس فة‬


‫الظاهراتية)‪ .‬خلف هارتمان ناتورب في كرسي الفلسفة في ماربورغ في عام ‪ ،1924‬وأث ر‬
‫بدوره في كل من مارتن هايدجر وهانز جورج غادامر‪ .‬في عام ‪ ،1912‬انص رف أورتيغ ا‬
‫إلى دراس ة الظاهراتي ة “بجدي ة” وفي ع ام ‪ ،1913‬ت ذكر بع د ذل ك بس نوات كت اب‬
‫‪ ،Jahrbuch für Philosophie und Phänomenologische Forschung‬و‬
‫‪ Ideen‬لهوسرل (أفكار تتعل ق بالظاهراتي ة البحت ة‪ ،)]1982 ،1913[ ،‬ثم الش كالنية في‬
‫األخالق واألخالقيات الالشكالنية للقيم لشيلر‪.‬‬

‫‪ ‬في وقت الح ق من ذل ك الع ام‪ ،‬في سلس لة من المق االت ال تي ُنش رت في ‪Revista de‬‬
‫‪ ،Libros‬كتب أورتيغا مراجع ة طويل ة ألطروح ة ‪Heinrich Hoffman، Studies‬‬
‫‪ on the Concept of Sensation‬دراسات حول مفهوم اإلحساس‪ ،‬والتي تم تقديمها‬
‫إلى جامع ة غ وتنغن ‪ Göttingen‬خالل نفس الع ام‪ .‬في ه ذا المق ال ألح د الطالب األق ل‬
‫شهرة في دائرة غوتنغن‪ ،‬والذي ناقش فيه علم النفس الوصفي‪ ،‬الحظ أورتيغا بأنه‬
‫يميل تأثير “الفينومينولوجيا” في علم النفس المتزايد إلى الفصل في نهاية المطاف‪ ،‬بطريقة‬
‫أساسية وصحيحة‪ ،‬بين الوصف والتفسير”‪)Obras, VIII: 43, 47; I: 244–45( .‬‬

‫تن اولت ثالث ة من األقس ام الخمس ة للمراجع ة بالتفص يل ج وانب معين ة من فينومينولوجي ا‬
‫هوس رل‪ ،‬ب المعنى الع ام‪ ،‬باعتباره ا وص فا خالص ا للج واهر‪ .‬في ض وء ه ذا التوص يف‬
‫للظواهر بأنها “علم النفس الوصفي”‪ ،‬أك د أورتيغ ا على أهمي ة التمي يز بين الح دس الف ردي‬
‫األساسي لـ “الوصف الخالص” لجوهر هوسرل في األفكار وبين ما أسماه التعريف الخ اطئ‬
‫“للظواهر على أنها علم نفس وصفي من قبل بعض الفالس فة في تفس يرهم لبح وث هوس رل‬
‫المنطقية (‪.)Obras, I: 249, 251‬‬

‫بالنسبة لـ خوسيه أورتيغا اي غاسيت‪ ،‬يجب تمييز الخطابات النفسية عن العبارات الوص فية‬
‫البحتة للظواهر على أساس أن علم النفس يهتم بالحقائق والبيانات وبالتالي فهو تجريبي؛ من‬
‫ناحية أخرى‪ ،‬فإن الفينومينولوجيا كما تظهر في أفكار هوسرل‪ ،‬تهتم بـ “الوعي“‪ ،‬أي الوعي‬
‫البشري‪ .‬في هذا الصدد كتب أورتيغا‪:‬‬

‫‪ ‬أنه من الواضح ج ًدا أن‪  ‬العلم الجديد أي الفينومينولوجيا ليس علم نفس‪ ،‬إذا كنا نعني بعلم‬
‫النفس علمًا تجريبيًا وصفيًا أو علمًا ميتافيزيقيًا‪)Obras, I: 253( ”.‬‬

‫توقع هوسرل نفسه سوء الفهم هذا في عام ‪ .1935‬في كتابه (أزمة العلوم األوروبية‬
‫والظواهر المتعالية)‪ ،)1936( ‬أشار هوسرل في عرضه إلى أن العديد من فقرات كتابه‬
‫هذا قد تكون مضللة لعدة قراء ممن يغلبون المعنى النفس ي‪ ،‬ينطب ق ه ذا االم ر على مفه وم‬
‫الوعي من جهة أولى وعلى العالقة بين ‪ noesis-noema‬من جهة ثانية‪.‬‬

‫من الممكن االنزالق بسهولة لفهم الطبيعة المتعالية لمفه وم ‪ noema‬لص الح فهم نفس ي‪ ،‬ال‬
‫س يما في ض وء حقيق ة أن الس مة الراديكالي ة لك ل من مف اهيم االيبوخي ة ‪ epoché‬البن اء‬
‫‪   constitution‬لم يتم تطويرها بالكامل بالش كل ال ذي يرض يه‪ .‬منأول ة هوس رل لمفه وم‬
‫االبوخية في كتابه ‪ Ideen ‬بدا ديكارتيًا للغاية‪ ،‬وبناء عليه صار من السهل بمك ان االنتق ال‬
‫فجأة من مقاربة طبيعية إلى مقاربة متعالية (‪.)]5–154 :1970[ 1936‬‬

‫‪ ‬وفقا ألورتيغا‪ ،‬قدم هوسرل الظواهر كطريق ة وص فية يتفلس ف به ا الم رء دون افتراض ات‬
‫مسبقة وبدون معطيات تجريبية‪ .‬قدم االختزال الفينومينولوجي‪ ،‬في كتاب (األفكار)‪،‬‬
‫الموضوع الرئيسي لهذا “العلم الجديد” باعتباره يفسر العملية االنعكاسية لـ “ال وعي” بص فته‬
‫وعيًا يشتمل على وعي تصورات الع الم الط بيعي‪ .‬وهك ذا‪ ،‬بالنس بة ألورتيغ ا‪ ،‬يقل ل موق ف‬
‫هوسرل من مقاربة الظواهر ككيانات في الوضع الطبيعي لعالمنا ويصرح‪:‬‬

‫هناك “طريقة طبيعية “إلنجاز أنشطة الوعي كيفما كانت‪ .‬وتتميز هذه الطريقة الطبيعية‬
‫بالقيمة التنفيذية لتلك االنشطة‪ .‬وبالتالي فإن” الموقف الطبيعي “من فعل اإلدراك يتكون من‬
‫قبول شيء موجود في الحقيقة أمامنا ينتمي إلى مجموعة من األشياء التي نعتبرها في‬
‫الواقع‪ ‬حقيقية والتي نسميها “العالم”…‪.‬‬

‫هكذا‪ ،‬يمكن ان نضع جميع أنش طة ال وعي وم ا على ش اكلتها بين قوس ين‪ .‬بمع نى ان الع الم‬
‫“الطبيعي” بأكمله أو العلم بقدر ما هو نظام أحكام يتم تنفيذه “بطريقة طبيعية”‪ ،‬ويتم اختزال ه‬
‫إلى ظاهرة‪ .‬وهنا تعني الظاهرة شيئا مختلفا عند أورتيغا عما جاء به كانط‪ .‬الظاهرة هنا هي‬
‫ببساطة الصفة االفتراضية التي يكتسبها الشيء عندما ينتق ل الم رء من مقاربت ه انطالق ا من‬
‫قيمته التنفيذية الطبيعية ليتأمله انطالقا من مشاهدة وصفية‪ ،‬دون إعطائه طابعًا محد ًدا‪ .‬هذا‬
‫الوصف الخالص هو الفينومينولوجيا‪)Obras, I: 252–53( .‬‬

‫مناقش ة خوس يه أورتيغ ا اي غاس يت ه ذه لكت اب هوس رل الهمت ه ليس تمر في بحث ه‬
‫الفينومينولوجي كمنهج للبحث‪ .‬وسرعان ما أصبح هذا المنهج حاسما في فلس فته خاص ة في‬
‫ض وء هدف ه المعلن س ابقا والمتمث ل في التمي يز بين علم النفس الوص في والتفس ير‪ ،‬ومن ه‬
‫توضيح مفهوم الحالة العقلية للوعي‪ .‬بعد ورقة ع ام ‪ 1912‬وتل ك ال تي ق دمت في الم ؤتمر‬
‫الرابع للجمعية اإلسبانية لتقدم العلوم في عام ‪ 1913‬حول “اإلحساس والبناء والحدس”‪ ،‬قدم‬
‫أورتيغا أيضا سلسلة من المحاضرات خالل دورة‪“ ،‬علم النفس المنهجي” في عام ‪.1915‬‬

‫ضمن أورتيغا هذه المحاضرات في مخطوطة بعنوان‪ ‬التحقيقات النفسية‪ ‬نشرت بعد وفاته‪.‬‬


‫شكلت هذه التحقيقات النفسية بالنسبة له أساسًا فلسفيًا لتحديد الظواهر الذهنية‪ ،‬معتمدا إلى حد‬
‫كبير الطريقة نفسها التي وظفها هوسرل في‪ ‬تحقيقاته المنطقية‪.‬‬

‫في س ياق اخ ر‪ ،‬اس توحى هوس رل فكرت ه عن ان الفلس فة “علم ص ارم” من فران ز برينت انو‬
‫ورؤيت ه اإلص الحية للفلس فة كعلم دقي ق‪ .‬اعم ال هوس رل األولى ح ول علم النفس األدنى‬
‫اهتماما بالوصف نهلت أيضا من مقاربة برينتانو للوجود المتمثل والقصدي للموض وع‪ .‬بع د‬
‫‪ Brentano‬و‪ Carl Stumpf‬شتومبف‪ ،‬اعتبر هوس رل ان الطبيع ة األساس ية لألنش طة‬
‫النفسية تضم محتوى وموضوع‪.‬‬

‫في الطبعة األولى من كتاب‪ ‬التحقيقات المنطقية (‪1900-( )Logical Investigations‬‬


‫‪ ،)1901‬أوضح هوسرل ان الظاهراتية أو الفينومينولوجيا تتعلق بـ “علم النفس الوص في”‪،‬‬
‫كما اشارت اليه جهود برينتانو الس ابقة‪ .‬في مطل ع الق رن العش رين‪ ،‬أدى ظه ور علم النفس‬
‫كنظام مستقل استطاع ان يتحرر من الوصاية التقليدية للفلسفة‪ ،‬إلى أبحاث مكثفة في السلوك‬
‫البشري والتي س رعان م ا كش فت عن الحاج ة إلى طرائ ق تحلي ل أك ثر دق ة من تل ك ال تي‬
‫توفرها العلوم الفيزيائية‪ .‬تدريجيا‪ ،‬ظه ر مفه وم جدي د للف رد‪ ،‬يختل ف عن المف اهيم التقليدي ة‬
‫وصارت الفيزياء الرياضية الجديدة مختلفة عن سابقتها الميكانيكية‪.‬‬

‫بصفة عامة‪ ،‬تص بح المعرف ة ش رعية عن دما يتم اس تثمارها بق وة التقالي د‪ .‬تمث ل الحاج ة إلى‬
‫توجيه نداء إلى التقاليد إحدى الخصائص التي تمنح السلطة للمؤلفين الكالسيكيين‪ .‬هنا تساءل‬
‫أورتيغ ا‪ ،‬في س عيه إلى منهجي ة علمي ة به دف معالج ة اإلش كاالت الجدي دة‪ ،‬عم ا إذا ك انت‬
‫الشرعية الفلسفية قابلة للتحقيق دون مناشدة السلطة التقليدية‪ .‬توفر المبادئ الرس مية للت برير‬
‫الخطابي األساس اإلجرائي للتمييز بين العلوم الجديدة والكالسيكية‪ .‬هذا ما عبر عنه أورتيغا‬
‫بقوله‪:‬‬

‫أي شخص يرغب بجدية في إنشاء علم جديد عليه أن يمارس إنكار الذات المطلوب إلطالة‬
‫فترة طويلة من فترات الدراسة والتلمذة‪ ‬المهنية ودراسة كل ما هو كالسيكي‪Obras,( .‬‬
‫‪)XII: 340‬‬

‫ليضيف‪:‬‬

‫البحث العلمي‪ ،‬كطريقة لتوسيع المعرفة‪ ،‬يلزمنا بالتغلب على الكالسيكية‪ .‬تحمل عملية‬
‫التلمذة المهنية في حد ذاتها مطلبًا انها تنتهي إلى الخلق المستقل‪ .‬إن الدراسة أو التعلم من‬
‫الكالسيكية تدفعنا في النهاية إلى محاكاة ما فعله مؤلفها‪ :‬لتجأوز الموقف الكالسيكي السابق‪،‬‬
‫للتحويل‪ ،‬والتوسع‪ ،‬وتجديد العلم نفسه‪)Obras, XII: 340–41( .‬‬

‫من خالل موقفه هذا‪ ،‬أكد خوسيه أورتيغا اي غاسيت أن العلوم الكالسيكية أو التقليدية تمتلك‬
‫هالة من االمتياز والمسافة والديمومة ولكن العلم الجديد يجد نفسه في تحدي مع هذا االمتياز‬
‫ومطالب على الدوام بتقديم تصور بديل للواقع‪ ،‬يفك ك تل ك الهال ة ويس مح للب احث بمواجه ة‬
‫الواقع من حيث وقته ومكان ه‪ .‬في ض وء ه ذا التوص يف‪ ،‬ص اغ أورتيغ ا هدف ه الفلس في في‬
‫سياق أوائل القرن العشرين‪:‬‬

‫هدفي هو دراسة المشكالت األساسية لعلم النفس بهدف جعل علم النفس المنهجي ممك ًنا‪ .‬هذه‬
‫المشاكل …ال تستدعي مقاربة فضفاضة‪ .‬في الواقع‪ ،‬إنهم تتطلب إجراءات أكثر‪ ‬تفصيالً‪،‬‬
‫وإذا أمكن‪ ،‬استفسارا شامال‪)Obras, XII: 42( .‬‬

‫يؤكد أورتيغا أنه بمجرد تحديد المشكلة المتعلقة بالتمييز بين الظواهر الذهنية والبدنية‪ ،‬س يتم‬
‫ضا حل مسائل أخرى‪ :‬تلك المتعلقة بموضوع ومنهج علم النفس والمنطق؛ طبيعة اإلدراك‬ ‫أي ً‬
‫ال داخلي واالس تبطان؛ إمكاني ة أو اس تحالة وج ود علم نفس وص في مباش ر للتفك ير؛ مع نى‬
‫الحدس و “بالتالي‪ ،‬ما إذا كان‪ ‬الفكر غير الغذائي ممك ًنا أم ال” (–‪Obras, XII: 342‬‬
‫‪.)43‬‬

‫بعد مقال عام ‪ 1912‬ومحاض رات ع ام ‪ ،1915‬أص بح ت أثير لغ ة الظاهراتي ة واض حً ا في‬
‫أعمال أورتيغا من خالل استخدامه مفاهيم من قبيل م “المظهر اليقيني”‪ ،‬والفلس فة كـ “علم”‪،‬‬
‫والفلسفة “كعلم بدون افتراض “(‪Obras، I: 318–19‬؛ ‪ .)VII: 335‬منذ عام ‪،1914‬‬
‫الح ظ أورتيغ ا في عمل ه ‪The Idea of Principle in Leibnitz and the‬‬
‫)‪ ،Evolution of Deductive Theory (1947‬ال ذي ُنش ر بع د وفات ه في ع ام‬
‫‪ ،1958‬ان‬
‫‪ ‬التفكير في ظاهرة “الحياة البشرية” هو أساس كل أفكاري‪ .‬في ذلك الوقت قمت بصياغته‬
‫من أجل شرح فينومينولوجيا هوسرل خالل محاضراتي المختلفة لتصحيح وصف ظاهرة‬
‫“وعي …”بشكل خاص‪ .‬والتي‪ ،‬كما هو معروف‪ ،‬كانت تشكل‪ ،‬في ذلك‪ ‬الوقت‪ ،‬أساس‬
‫مذهبه‪)Obras, VIII: 273, n.2( .‬‬

‫في عام ‪ ،1925‬في كتابه (الانسنة‪ ‬الفن)‪ ‬كتب قسمًا قصيرً ا بعن وان “بض ع قط رات من علم‬
‫الظواهر”‪ ،‬ناقش فيه فكرة “المنظوريانية” للتجارب المتنوعة‪.)Obras, III: 360–64( .‬‬

‫أصبح التن اقض بين العلم والخ برة‪ ،‬على ال رغم من تطرف ه مقارن ة ببعض معاص ريه‪ ،‬أح د‬
‫مخاوفه المركزية خالل هذه الفترة‪ .‬وأكد أن التصورات المنظوريانية المختلفة لحدث مماث ل‬
‫أضاءت لنا حقيقة أن “الواقع نفسه قد ينقسم إلى العديد من الحقائق المتنوعة عندما ينظر إليه‬
‫من وجه ات نظ ر مختلف ة”‪ .‬الفيزي اء الحديث ة‪ ،‬وبعي دا عن التفس يرات الميكانيكي ة لبعض‬
‫الظواهر الطبيعية‪ ،‬حطمت الفهم الميكانيكي العام للطبيعة‪ .‬لقد هدم مفهوم الواقع الموضوعي‬
‫بكل ما ينط وي علي ه‪ :‬وح دة الطبيع ة‪ ،‬البش رية والمادي ة على ح د س واء‪ ،‬عالمي ة‪ ‬الق وانين‬
‫الطبيعية‪ ،‬تحديد العمليات الفيزيائي ة‪ ،‬وق درة العلم على ح ل جمي ع مش اكل الع الم الط بيعي‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬كان من المحتم أن يكون لنتائج الفيزياء الحديثة تأثير هائ ل في الثقاف ة العام ة‪ ،‬ب ل‬
‫وأكبر من ذلك‪ ،‬وفقا ألورتيغا‪ ،‬وحتى بيولوجيا منتصف القرن التاسع عشر‪.‬‬

‫أشار خوسيه أورتيغا اي غاسيت إلى ان ألبرت أينشتاين ضرب الضربة األولى ض د مفه وم‬
‫الواقع الموضوعي هو مفهوم يف ترض وج ود الزم ان والمك ان الكوني ان بش كل مس تقل عن‬
‫المالحظ‪ .‬فقد أظهر أينشتاين أنه ال يوجد إطار مرجعي مكاني وزمني واحد‪ .‬في حين يوج د‬
‫ك ل مالح ظ ض من نظ ام زم ني مح دد ونس بي في فض اء‪ .‬يتن اول أورتيغ ا “وجه ة النظ ر‬
‫اإلنسانية” انطالقا من الواقع الذي نعيش فيه أي من المواقف واألش خاص واألش ياء‪ .‬لتحدي د‬
‫المسافة بيننا وبين الواق ع كطريق ة لفهم ه ذه التج ارب الحي ة علين ا اذن أن نض ع أنفس نا في‬
‫مك ان ش خص آخ ر وحال ة أخ رى‪ .‬هك ذا‪ ،‬ق د نتمكن من التمي يز بين األش خاص واألش ياء‬
‫والمواقف‪ ،‬وبالتالي نصل إلى فهم أقرب للواقع‪.)Obras, III: 361, 363, 362( .‬‬

‫العوامل األنطولوجية التي تواجه الفينومينولوجيا الترنسندنتالية‬ ‫‪.3‬‬

‫في عام ‪ ،1925‬قدم أورتيغا نهج هوسرل الظ اهراتي لطالب ه في جامع ة مدري د‪ ،‬حيث ق دم‬
‫برنامجه لدراسة” إعادة صياغة لمش كلة الوج ود ” من خالل سلس لة من المنش ورات‪ .‬توج ه‬
‫أورتيغا نحو إمكانية اعتماد طريقة منهجية يمكن من خاللها أن تحل مشكلة “الوجود” مس ألة‬
‫الواقع البشري‪ .‬كتب في عام ‪:1925‬‬

‫عن دما ذك رت م ا انوي ه ‪  ، ‬و بعض طالبي س يتذكرون االم ر‪  ‬قلت حرف ًي ا‪ :‬أوالً ‪ ،‬من‬
‫الضروري إعادة النظر في مشكلة الوجود التقليدية‪  ‬؛ ثانيًا ‪ ،‬يجب أن يتم ذل ك وفق ا للمنهج‪ ‬‬
‫الفينومينول وجي وم ا يتض منه من‪  ‬تفك ير تركي بي أو حدس ي ‪ ،‬وليس التفك ير المف اهيمي‬
‫ثالث ا ‪ ،‬من الض روري‬ ‫التجريدي فقط‪  ‬كما هو الحال في طريقة التفكير المنطقي ة التقليدي ة ؛ ً‬
‫تكامل المنهج الفينومينولوجي مع التفكير المنهجي الذي‪  ‬ينقصه رابعًا ‪ ،‬وأخيرً ا ‪ ،‬لكي يكون‬
‫التفكير الفينومينولوجي المنهجي ممك ًنا ‪ ،‬من الضروري البدء من ظاهرة باعتبارها نظا ًم ا ”‬
‫ل “و “في حد ذاته”‪ .‬هذه الظاهرة المنهجية هي حياة اإلنس ان ومن خالل ه ذا ينبغي التفك ير‬
‫فيها وتحليلها‪.)Obras, VIII: 273( .‬‬

‫خالل بحثه هذا عن “التفكير التركيبي”‪ ،‬شرح خوسيه أورتيغ ا اي غاس يت كي ف تخلى “عن‬
‫الفينومينولوجيا لحظة قبولها‪ .‬بدال من االتج اه نح و ال وعي كم ا فع ل‪ ‬ديك ارت‪ ‬ص رنا أك ثر‬
‫اهتماما بالواقع الصرف والذي يمث ل حي اة ك ل ش خص‪ .)Obras, VIII: 273( ”.‬هك ذا‬
‫وبحلول عام ‪ ،1925‬أصبح تردد خوسيه أورتيغا اي غاس يت تج اه المنهج الفينومينول وجي‬
‫أك ثر وض وحا في مش وار بحث ه عن منهج تحلي ل متماس ك‪ .‬ك ان على اس تعداد لالحتف اظ‬
‫بالوظيفة “التركيبية” أو “الحدسية” للتحليل الظاهراتي شريطة دمجها مع الظ اهرة المنهجي ة‬
‫لـ “الحياة البشرية”‪ .‬هذا التداخل المزدوج س مح ألورتيغ ا‪ ،‬من جه ة إيجابي ة أولى‪ ،‬بمقارب ة‬
‫المشكلة التقليدية للوجود بشكل منهجي‪ .‬ومع ذل ك‪ ،‬ق د تب دو الطريق ة الفينومينولوجي ة أك ثر‬
‫تجريدا وفي مثالية‪ .‬كما ضمنه في نقده للمنطق الشكلي والترنسندنتالي لهوسرل‪[ )1929( ‬‬
‫‪ .]1969‬أصبح العديد من المفك رين األوروب يين ال ذين ت أثروا بطريق ة أو ب أخرى بمف اهيم‬
‫الحركة الظاهراتي ة‪ ،‬ولكنهم لم يكون وا بالض رورة أعض اء في الحرك ة‪ ،‬غ ير راض ين عن‬
‫القراءة التي قدمها هوسرل للظواهر المتعالية في كتابه عن المنطق الشكلي والترنس ندنتالي‪.‬‬
‫كان أورتيغ ا واح دا من ه ؤالء‪ ،‬على ال رغم من أن ه لم يع بر ص راحة عن أي اس تياء مم ا‬
‫اعتبره اآلثار االنوية للمثالية الترنسندنتالية في عمله األخير بعد اثني عشر عاما‪ .‬كما اشارنا‬
‫سابقا عبر هوسرل نفسه عن احتمال انزالق الفهم لاليبوخية في كتاب ه ‪ .Crisis‬في الواق ع‪،‬‬
‫أص ر هوس رل على أن جه وده ح اولت االبتع اد عن المس ار االن ا‪-‬وح دي ‪ solipsistic‬لـ‬
‫“الطريق ال ديكارتي”‪ .‬في محاض رتين ألقاهم ا في جامع ة الس وربون في ع ام ‪ ،1929‬ق دم‬
‫هوسرل أفكارا حولت موقفه السابق من الظواهر‪ ‬الترنسندنتالية كعالم من األفك ار المعزول ة‬
‫إلى عالم بينذاتي‪:‬‬

‫وضمنها مالحظاته في كتابه التأمالت الديكارتية (‪ )1933‬واألزمة‪ .‬في هذه الكتابات‬


‫الالحقة‪ ،‬فقدت األنا عند ديكارت مكانتها المجردة والمطلقة ألنها أصبحت مرتبطة بعالم‬
‫التجربة‪-257 ,188 ,55-154 :1970[ 1936 ; ]157 ,8-1 :1964[ 1933( .‬‬
‫‪.)]63‬‬

‫في كتابه (مالحظات بشأن التفكير)‪ ‬اعتبر خوسيه أورتيغا اي غاسيت مقاربة هوسرل لنشأة‬
‫العقل ليكون “معادالً لكونه مطل ًقا”‪ ،‬وباألخص شرحه ل “الفينومينولوجي ا الجيني ة” الخاص ة‬
‫به على أنها “وعي” بالواقع‪ ،‬وبالتالي وصف “وعي نفسه” بأنه “مباشر لذات ه”‪ .‬لينتق د ك ذلك‬
‫التحليل والتعريفات للعقل التي قدمها هوس رل في المنط ق الرس مي والمتس امي على أن ه ال‬
‫يتضمن “موضوعات اإلنسانية والحياة والشخصية الوظيفي ة للعق ل”‪ .‬وعلي ه‪ ،‬ف إن “الموق ف‬
‫الفينومينولوجي كما تمت صياغته في المنطق الشكلي والمتعالي يتعارض تمامًا مع الموق ف‬
‫الذي أسميه العقل الحي”‪ .‬يتضح اذن ان أورتيغا عارض هذا االتجاه نح و المثالي ة المتعالي ة‬
‫في كتاب لكنه لم يلفظ الفينومينولوجيا كلية (‪.)Obras, V: 545‬‬
‫يبدو واضحا اذن موقف خوسيه أورتيغا اي غاسيت من الظاهراتي ة‪ .‬لكن بع د اطالع ه على‬
‫كتاب هوسرل‪ ‬ازمة العلوم األوروبية‪ ،‬اقر بتعارض موقفه مع موقف الفينومينولوجيا‪ .‬هكذا‬
‫في ختام كتابه مالحظات‪ ‬بشأن التفكير‪ ،‬دعا أورتيغا إلى مقارنة بينه وبين هوسرل‪ .‬في عام‬
‫‪ ،1935‬قدم هوسرل سلسلة من أربع محاضرات في براغ حول “الفلسفة في أزم ة البش رية‬
‫األوروبية”‪ ،‬تم دمجها جمي ًعا في كتاب (األزمة)‪ .‬اما في (تأمالت‪ ‬ديكارتية)‪ ‬و (أزمة‪ ‬العلوم‬
‫األوروبية)‪ ،‬أعلن هوسرل أن المعرفة العلمية ال يمكن فهمها إال بالقدر الذي نفهم فيه الفك رة‬
‫أوالً ‪( Lebenswelt‬عالم الحياة)‬

‫اشتهر كتاب (األزمة)‪ ‬بمعالجته الموضوعية لمفهوم عالم الحياة ‪ .Lebenswelt‬بهذا‬


‫المعنى تصبح دراسة العالم الحي وتجربتن ا في ه أو م ا يس مى “االرتب اط بين األن ا والحي اة”‬
‫أساس الفكر الفينومينولوجي ينخرط مفهوم ‪ Lebenswelt‬في النق اش ال ذي ب دأه هوس رل‬
‫في كت اب‪ Logische Untersuchungen ‬بش أن” م ا هي الحقيق ة؟ “يع رف هوس رل‬
‫الحقيق ة على أنه ا تجرب ة حي ة للحقيق ة باعتباره ا أدل ة‪ .‬وتنكش ف ه ذه األدل ة حص ريا في‬
‫التجرب ة الحاض رة‪ ،‬ل ذلك ف ان الحقيق ة انم ا تظه ر من خالل التجرب ة‪ .‬اذن ال توج د حقيق ة‬
‫مطلقة‪ ،‬كما افترضت ذلك المذاهب الدوغمائية أو الشكوكية‪ .‬الحقيقة اذن هي عملية مراجعة‬
‫وتصحيح وتجأوز الذات‪ .‬تحدث هذه العملية الدينامية في قلب الحاضر الحي‪.‬‬

‫وبالت الي‪ ،‬فإنن ا ك أفراد نعيش في الع الم ن رد بش كل ص حيح على س ؤال الحقيق ة من خالل‬
‫وصف تجربة الحقيقة واإلصرار على التطور الجيني لـ “األنا”‪ .‬ال تتعلق الحقيق ة بموض وع‬
‫بل بحركة‪ ،‬وهذه الحركة ترتبط األنا‪ .‬إلى جانب هذا ح اول هوس رل في كت اب ‪ Crisis‬في‬
‫تقديم وصف موضوعي للت اريخ‪ ،‬وتاريخي ة ‪ Lebenswelt‬والذاتي ة ض من اإلط ار الع ام‬
‫للفينومينولوجيا المتعالية والمفارقة‪.‬‬

‫اما التاريخ‪ ،‬كما فهمه هوس رل فه و يتك ون من ذ البداي ة‪ ،‬من “ال ش يء س وى اللحظ ة الحي ة‬
‫للوجود ‪-‬مع ‪-‬الغير وفي ‪-‬الغير من خالل المعنى‪-‬البن اء والمع نى‪-‬الترس يب” وق د أش ار إلى‬
‫ذلك أيضا باسم “الت اريخ القص دي”‪ .‬عألوة على ذل ك‪ ،‬ف إن مقارب ة مف اهيم الت اريخ‪ ،‬ت اريخ‬
‫‪ ،Lebenswelt‬أصبحت ممكنة من خالل التاريخ الداخلي لكل إنسان يعيش فيه‪.‬‬

‫يفترض التاريخ “ما قبلية ‪“ a priori‬تحقق موض وعيته من جه ة وان ك انت ه ذا الم ا قبلي ة‬
‫التاريخي ة بح د ذاته ا تف ترض نوع ا من المثالي ة‪ .‬ال يتأس س الت اريخ من خالل ‪a prior‬‬
‫‪ i‬ت اريخي‪ ،‬ولكن من خالل موق ف متع الي يوض ح أن عملي ة البن اء ‪ constitution‬ال تي‬
‫تطورت في التاريخ قد تكون في بنيتها األساسية مرتبطة التفكير التأملي لألن ا المتأمل ة‪ ،‬كم ا‬
‫هو االمر في بناء العلم الحديث‪ .‬على هذا األساس‪ ،‬فإن حق ائق العلم لم تؤس س وفق ا للعناي ة‬
‫اإللهية كما اعتقد ديكارت‪ ،‬وال على الشروط القبلية لإلمكانية كما اعتق د كان ط‪ .‬انه ا ترتك ز‬
‫بدال من ذلك على تجارب معيشية تس تند إليه ا حقيق ة ال وعي النظ ري (‪Husserl 1936‬‬
‫]‪.)[1970: 349-51, 369-78, 389-95‬‬
‫وج د خوس يه أورتيغ ا اي غاس يت ه ذا الن وع من التأم ل في الطريق ة التاريخي ة للوج ود و‬
‫‪ Lebenswelt‬عالم الحياة متواف ًقا تماما مع مفهومه الخ اص عن “العق ل الت اريخي” ال ذي‬
‫تناوله في كتابه الت اريخ كنظ ام‪ .‬وأص ر على ان ه وص ل إلى ه ذا ال راي بش كل مس تقل عن‬
‫هوسرل‪ ،‬وعلق على ما ضمنه هوسرل في كتابه األزمة‪  :‬‬

‫لقد كانت هذه القفزة‪ ‬النوعية‪ ‬في المنهج الظاهراتي مرضية للغاية بالنسبة لي ألنها باألساس‬
‫ليست اال مالذا “للعقل التاريخي”‪)Obras, V: 546–7, n.1( .‬‬

‫لذلك‪ ،‬فإن أعمال هوسرل الالحقة‪ ،‬وال سيما التأمالت‪ ‬الديكارتية‪ ‬واألزمة‪ ،‬كانت محاوالت‬
‫لحل الصعوبات الكامنة في الظاهراتية الترنس ندنتالية وممثل ة لفلس فته الفينومينولوجي ة‪ ،‬ولم‬
‫تكن متعارضة تمامًا مع قضايا الحياة البشرية‪ .‬كم ا أنه ا لم تهم ل الج وانب االبس تيمولوجية‬
‫والوجودية لتجربة الحياة البشرية‪.‬‬

‫هذه الكتابات المتأخرة أدت إلى القول بأن هوسرل نظر إلى كتاب‪ ‬األزمة‪ ‬على أنه مقدمة‬
‫“حاسمة” للظاهراتية‪ .‬واقترب هوسرل في تصوره لمفه وم ‪ Lebenswelt‬مم ا أش ار الي ه‬
‫أورتيغا في منأولته الفلسفية لإلنسان لكن هذا التقارب في الفك ر ال ينفي االختالف ات الطفيف ة‬
‫بين المفكرين‪.‬‬

‫كانت النقاشات الواردة في‪ ‬تأمالت ديكارتية‪ ‬حول الغير‪ ،‬أو البينذاتية‪ ،‬والعالم كعالم مع‬
‫“الغ ير” بش كل أساس ي ج زءًا من فلس فة هاي دجر ال تي ك ان له ا ت أثير عمي ق في تط ور‬
‫الظاهراتية الوجودية وعلى فكر خوس يه أورتيغ ا اي غاس يت‪ .‬توق ف أورتيغ ا عن د فك رة ”‬
‫المماثلة “فيما يتعلق بـ “اآلخر “‪ ،‬والتي قدمت في التأمل الخامس‪ ،‬دون ان يعتبرها معارضة‬
‫تماما لفكرته عن الحياة البشرية ومع ذلك لم يعتبر ه ذه النقط ة مناقض ة تما ًم ا لمفهوم ه عن‬
‫الحياة البشرية‪ .‬فعلق في كتابه الرجل والناس (‪ )40–1939‬بان‬

‫هوسرل كان أول من حدد بوضوح المشكلة الجذرية وليس النفسية فقط التي أسميها “ظهور‬
‫اآلخر”‪ .‬إن‪ ‬تطوير هوسرل لإلشكالية في رأيي‪ ،‬أقل نجاحً ا‪ ‬بكثير من تعريفه لها‪ ،‬على‬
‫الرغم من وجود العديد من االكتشافات الرائعة فيما كتبه‪)Obras, VII: 160–61( .‬‬

‫يق دم كت اب (اإلنس ان والن اس) مجم وع المق االت ال تي القاه ا أورتيغ ا في العدي د من‬
‫المحاضرات والندوات على مدار عشرين عامًا تقريبًا‪ .‬وقد أشار خوسيه أورتيغا اي غاسيت‬
‫في كتاب (أصل الفلسفة) إلى أول مرة ق دم فيه ا تص وره عن “علم االجتم اع الجدي د” تحت‬
‫عنوان “اإلنسان والناس” بمدينة بلد الولي د في ‪ Valladolid‬ع ام ‪Obras, IX:( 1934‬‬
‫‪ .)355, n.1‬نشر الفصل األول المعنون “التواجد في الذات وبجانبها” من قبل ‪Espasa-‬‬
‫‪ ,Calpe Argentina‬ببوينس ايرس‪ ،‬عام ‪Obras, V: 291–315; 7: ,( 1939‬‬
‫‪.)72–73, 79‬‬
‫في مقدم ة كت اب (أفك ار ومعتق دات)‪ ،‬أعلن أورتيغ ا في ع ام ‪ 1940‬عن الظه ور الم رتقب‬
‫لعملين رئيسيين له هم ا‪ :‬ع رض فلس في‪ ،‬فج ر العق ل الت اريخي‪ ،‬وكتاب ه المتض من لمذهب ه‬
‫االجتماعي اإلنسان والناس‪ .‬نشرت هذه المؤلفات المختلف ة بع د وف اة أورتيغ ا في الف ترة من‬
‫‪ 1948‬إلى ‪.50‬‬

‫‪ ‬في عام ‪ ،1929‬كتب‪ ‬خوسيه أورتيغا اي غاسيت‪ ‬مقااًل بعنوان “تصور عن الرفيق ” (‬


‫‪ )Obras، VI: 153–163‬يفسر من خالله محاولته التمييز بين مفهوم “الغير” عند‬
‫هوسرل عن “ظهور الغير” في كتابه (اإلنسان والناس)‪ .‬ومع‪ ‬ذلك ال ينبغي نفي تقارب بين‬
‫التص ورين وت أثير هوس رل الواض ح في أورتيغ ا وان ك ان ق د اختل ف مع ه بش أن “النق ل‬
‫التناظري “‪.‬‬

‫ضا فكرة ظهور الغير باعتب اره موض وعًا وب النظر إلى‬ ‫اعتبر خوسيه أورتيغا اي غاسيت أي ً‬
‫مادة جسمه وكانا اخر يشاركني العالم إلى جانب مفهوم عالم الحياة كمقارب ات تجنب “األن ا”‬
‫االنغالق داخل نفسها وهو يميل بذلك إلى هوسرل ورفضه للتمييز الديكارتي بين الداخل أي‬
‫العقل والخارج اي العالم (‪ .)Obras, V: 545‬وان استقالل فكر أورتيغ ا ال ي زال مث يرً ا‬
‫للجدل‪ ،‬إال أن تطوره الفكري يُظه ر تأكي ًدا ثاب ًت ا على س عيه المس تمر للتمي يز بين التماس ك‬
‫التاريخي والترابط التاريخي في الفينومينولوجي ا الترنس ندنتالية‪ .‬ن اقش أورتيغ ا‪ ،‬في كتابات ه‬
‫الالحقة‪ ،‬المفاهيم الظاهراتية مثل األفعال التي يتم توجيهها نحو األش ياء عن دما يواج ه االن ا‬
‫محيطه ذاته واالنا االخر كتفاعالت بينذاتية وكمجال للتجارب الحية وكمجال لفهم االن ا كم ا‬
‫سبقه لذلك هوسرل‪ .‬في كتابات أورتيغا المختلف ة ق اده معي اره “لالنفت اح على التجرب ة” إلى‬
‫قبول التنوع التاريخي‪ ،‬وإلى القول بأن عالقة اإلنسان بالعالم هي عالقة ذات بذوات أخرى‪.‬‬

‫انطالقا من تصوره هذا للفينومينولوجيا‪ ،‬عاد أورتيغا إلى فكرة “أنا هو أنا وظروفي” كنقط ة‬
‫انطالق لتحليله‪ .‬بالنسبة اليه فإن األنا الفردية ت درك نفس ها من خالل إدراك ك ل من س ماتها‬
‫الفيزيولوجية والسلوكية‪ ،‬وتلك الخاصة بـ “اآلخرين” ضمن تفاعل إنساني متبادل‪ .‬ان ه وعي‬
‫بالذات ينطلق من خالل التحليل ال ذاتي للج وهر ال داخلي للوج ود‪ .‬من وعي “أن ا” و “األن ا”‬
‫األخر كذوات متماثلة في “ظروف” عالم التجرب ة الحي ة‪ .‬باختص ار‪ ،‬ح اول وص ف طبيع ة‬
‫تجربة الفرد لذاته وللعلم موضحا االختالف القائم بين عالقة االنس ان ب ذات أخ رى وبالع الم‬
‫حيث كتب‪“ :‬ان تحيا هي أن تخرج من داخل الذات االنطولوجية باتجاه الغير سواء‪   ‬كان‬
‫يسمى العالم أو الظروف”‪.)Obras, V: 545( ‬‬

‫‪“ .4‬أنا هو أنا وظروفي”‪ :‬ال “المنهج" البيولوجي ” وال ” العقالنية”‬

‫في طبعة من كتابه لعام ‪ ,1932‬أعلن أورتيغا‪:‬‬

‫“أنا هو أنا وظروفي”‪ .‬هذا التعب ير‪ ،‬ال ذي يظه ر في كت ابي األول وال ذي أوض حه أك ثر في‬
‫عملي األخير‪ ،‬ال يشير فقط إلى منهجي الفلسفي‪ ،‬بل هو أيض ا منهجي العملي التط بيقي‪ .‬إن‬
‫عملي في جوهره ووجوده ظرفي‪ .‬وهذا بالضبط ما اقصده (‪)Obras, VI: 347‬‬
‫كتابه األول الذي أشار إليه خوسيه أورتيغا اي غاسيت هو (تأمالت في كيخوته)‪،)1914( ‬‬
‫وهو سلسلة مقاالت فلسفية ضمنه وف ًقا لبعض القراءات نواة مبدأه الفلسفي المتعلق بأن الحياة‬
‫البشرية هي الحقيق ة المطلق ة وال تي ص اغها في عبارت ه الش هيرة “أن ا ه و أن ا وظ روفي”‪.‬‬
‫تكشف القراءة النقدية لهذا الكتاب أنه على الرغم من ظهور “أن ا وظ روفي” في ه ذا العم ل‬
‫المبكر‪ ،‬إال أننا ال نجد تفص يال منهجي لـ “أن ا ه و أن ا وظ روفي” كم ا في أعمال ه الالحق ة‪.‬‬
‫وتج در اإلش ارة هن ا إلى ان م ا ناقش ه فروي د في مخط ط التحلي ل النفس ي (‪ )1940‬بش أن‬
‫االث ارة الداخلي ة والخارجي ة وم ا ج اء في كت اب (علم النفس المرض ي للحي اة اليومي ة) (‬
‫‪ )1904‬أوقفا اهتمام أورتيغا بهذا المنهج العلمي الجديد بين عامي ‪ 1911‬و‪.1915‬‬

‫ش كلت فينومينولوجي ا هوس رل وحرك ة التحلي ل النفس ي لفروي د بالنس بة ألورتيغ ا “االتج اه‬
‫الفكري الجدي د لعص رنا الذاتي ة‪ ،‬أو النس بية الذاتي ة” (‪ .)Obras, XII: 417‬أص بح ه ذا‬
‫االتج اه الفك ري هم ه الفلس في خالل الس نوات الالحق ة‪ .‬أص بح ه ذا االتج اه واض حً ا في‬
‫محاض راته لع امي ‪ ،1922-1921‬وال تي ُنش رت الح ًق ا في كت اب (موض وع عص رنا) (‬
‫‪ .)1923‬بالنسبة ألورتيغا‪ ،‬ف إن “الموض وع الرئيس ي لعص رنا”‪ ،‬والج وهر ال ذي يجب أن‬
‫تواجهه “الحداثة” هو على مفهوم أن “الحياة اإلنسانية نفسية لحد بعيد ج دا” (‪Obras, III:‬‬
‫‪.)152–156‬‬

‫وبالتالي فإن ظاهرة الحياة البشرية تمتلك طابعا مزدوجا‪ :‬فيزيولوجية ونفس ية‪ .‬وفي الحرك ة‬
‫الثقافية المعاص رة‪ ،‬يجب أن يج د ك ل بُع د من أبع اد الشخص ية اإلنس انية تعب يره في “روح‬
‫العصر” (‪.)Obras, III: 165–66, 68, 297–98‬‬

‫‪ ‬هذا التغير في معنى الحياة البشرية يأخذ منش أه ض من تغ ير مع نى الفن في عص ره‪ .‬ينظ ر‬
‫خوسيه أورتيغا اي غاسيت إلى الفنانين في عصره على أنهم يخلقون تغييرا أكثر جذرية في‬
‫الموقف الذاتي من الفن اذ يصير للواقع البشري إدراكه الداخلي‪ .‬ه ذا االنتق ال على مس توى‬
‫الجمالي ات (االس تطيقا) عكس الترك يز الس ابق على العوام ل” الطبيعي ة” أو “المادي ة” أو‬
‫“الواقعية” في حياة اإلنسان‪ .‬ه ذا االنتق ال من “واقعي ة” في الق رن التاس ع عش ر‪ ،‬واالهتم ام‬
‫المقاب ل له ا ب الواقع البش ري‪ ،‬إلى التص ورات “الجدي دة” لإلب داع الف ني في أوائ ل الق رن‬
‫العشرين‪ ،‬نتج عنه ما يسميه أورتيغا “ال أنسنه الفن “‪ .‬توجت هذه الحركة ما وصفه أورتيغا‬
‫بأنه” فن فني ” أي فن نقي والذي قوب ل بم وقفين‪“ :‬أقلي ة ج د موهوب ة “اس توعبت ه ذا الفن‬
‫الحديث واغلبية وجدت أنه غير مفهوم‪“ .‬إن هذا الحس الجمالي الجدي د خالل ف ترة الحداث ة‪،‬‬
‫دعا إلى “التخلص تدريجيا من كل ما هو بشري “كم ا ك ان س ائدا في الرومانس ية أو التي ار‬
‫الطبيعي‪ ،‬هذا أدى إلى خلق فن من الشخصيات بدالً من فن المغ امرات‪ ،‬وه و فن رفض ان‬
‫يحاكي العالم فقط‪ ،‬وتعهد بدال عن ذلك بإنشائه” (‪.)Obras, III: 358, 355–56‬‬

‫ه ذه المجموع ة الحديث ة من الفن انين والنق اد ال ذين أنتج وا” جه ازا جدي دا لفهم “الفن قوبل وا‬
‫بإنكار شديد من قب ل أغلبي ة ش كلت “أقلي ة موهوب ة بش كل خ اص”‪ .‬وهك ذا أص بح الترك يز‬
‫الواض ح على” البني ة النفس ية للف رد ” أح د النت ائج الرئيس ية لتح ول الحداث ة من الواقعي ة‬
‫والتمثيل البشري‪ .‬إذا اخذنا بعين االعتبار فكرة أورتيغا بأن التصوير “النفسي “للفن الح ديث‬
‫لم يكن متاحا إال ألقلية موهوبة فان هذا يقودنا للقول بأن كل نش اط فك ري ي درك الواق ع من‬
‫وجهة نظر ال يمكن الوصول إليها اال بنفسه‪ .‬هكذا فإن فلسفته ح ول “المنظورياني ة ” كمب دأ‬
‫تركيبي “ينظم العالم من وجهة نظر الحياة” تصبح مفهومة‪ .‬يعكس كتاب (موضوع عصرنا)‬
‫الميول المطلقة للعقالنية والميول الش كوكية للنس بية‪ ،‬مق دما لتص ور أورتيغ ا ح ول “وجه ة‬
‫النظ ر باعتباره ا وجه ة نظ ر ثالث ة لعملي ة المعرف ة‪ ،‬وال تي هي ت ركيب مث الي لالث نين” (‬
‫‪.)Obras, III: 179, 198‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ .5‬المنظوريانية‪ ":‬حياة اإلنسان والعقل الحيوي والتاريخانية‬

‫ين اقش منهج المنظورياني ة التوج ه القائ ل ب أن جمي ع العص ور التاريخي ة تش ارك في بن اء‬
‫الحقيق ة في الواق ع‪ .‬أي أن ك ل ف رد وك ل مجموع ة من األف راد ي دركون الواق ع من وجه ة‬
‫تصوراتهم له‪ .‬إن ه ذه التص ورات المتغ يرة للواق ع كله ا مش روعة وتفس ر االف تراض ب أن‬
‫األف راد المختلفين يفس رون نفس “األف ق” بش كل مختل ف بحيث “ك ل حي اة هي وجه ة نظ ر‬
‫موجهة إلى الكون”(‪  .)Obras, III: 200‬وهكذا وعد خوسيه أورتيغا اي غاسيت بتوحيد‬
‫الواقع مفترضا أن “المنظور” يشتمل على “أحد األجزاء المكونة للواقع وعنصره التنظيمي”‬
‫مصرحا بان “كل المعرفة هي معرفة من وجهة نظر محددة” (‪ .)Obras, III: 199‬هكذا‬
‫فان كل حقيقة ترتبط بمكان وزمان‪ ،‬باإلدراك وبجوهر الواقع‪.‬‬

‫ينطلق أورتيغا في أسلوبه المنظوري اني من التقاب ل م ع فيزي اء أينش تاين‪ .‬أش ار مقال ه ح ول‬
‫“األهمية التاريخي ة لنظري ة أينش تاين” إلى اتجاه ات موازي ة في أنم اط التفك ير الجدي دة في‬
‫القرن العشرين وفي نظرية النسبية ألينشتاين‪ ،‬والتي وصفها بأنه ا “أهم حقيق ة فكري ة يمكن‬
‫للحاضر إظهارها”(‪  .)Obras, III: 231‬به دم الص رح الكام ل للميكانيك ا الكالس يكية‪،‬‬
‫بشرت نظرية أينشتاين في القرن العش رين إلى ح د كب ير بالطريق ة ال تي أع دت به ا فلس فة‬
‫ديكارت الفكر للعصر الحديث‪  .)Obras, III: 231–34( .‬كانت أفك ار أورتيغ ا ح ول‬
‫األهمية التاريخية للنسبية مستمدة في المقام األول من مناقشة أينشتاين للنظرية الخاصة‪.‬‬

‫وقد انجذب إلى مقارنة نظرية النسبية بفلسفته عن “المنظورياني ة” ألن النس بية بدلت ه وكأنه ا‬
‫تق دم “دلياًل ” علم ًي ا على “حقائق ه المنظوري ة”‪ ،‬وال تي تمت ص ياغتها في كتاب ه ‪El‬‬
‫‪(Espectador‬المش اهد) في ع ام‪ ;Obras, III: 235( 1916‬انظ ر أيض ا –‪II: 15‬‬
‫‪ .)21‬وقد سمحت له النظرية النسبية أيضا بتص ور منهج يمكن من خالل ه “محاول ة ت رتيب‬
‫العالم من وجهة نظر الحياة” (‪.)Obras, III: 179‬‬

‫أصبح مبدأ الحياة البشرية‪ ،‬ال ذي ش كل واق ع التجرب ة اإلنس انية‪ ،‬الزأوي ة الفلس فية ال تي ق ام‬
‫خوسيه أورتيغا اي غاسيت من خاللها بتركيب تصوره للكون‪ .‬في المقابل‪ ،‬أشارت” عالم ة‬
‫االزمن ة ” إلى ال دور المهم ال ذي لعب ه ك ل من نيتش ه‪ ،‬ك روس‪ ،‬ديل ثي‪ ،‬هاي دجر‪ ،‬فروي د‬
‫وهوسرل‪ ،‬في تشكيل فكر القرن العشرين‪ .‬إلى انه ينبغي اإلشارة إلى ان التركيز على ع الم‬
‫الحياة الحيوي قد أحد عند أورتيغا مدى أبعد من المنطق الكانطي الجديد والمتعالي لكوهين‪.‬‬

‫رب ط خوس يه أورتيغ ا اي غاس يت فكرت ه عن الحي اة البش رية بالت اريخ باعتب اره يش كل‬
‫ال ديناميات الحيوي ة المع برة عنه ا‪ ،‬وه ذا جعل ه أق رب إلى الموق ف اإلنس اني المم يز بين‬
‫‪ Naturwissenschaften‬و ‪ Geisteswissenschaften‬ال ذي تبنت ه مدرس ة‬
‫جنوب ‪-‬غرب ألمانيا أو مدرسة بادن وكذلك ديلثي بشكل أكثر من الكانطية الجديدة لكوهين‪.‬‬

‫وقد تأثر أورتيغا بأفكار كل من ‪ Windelband‬و‪ Rickert‬و‪ Dilthey‬و‪ Croce‬بش كل‬


‫مباشر وغير مباشر‪.‬‬

‫في مقالته‪“ ،‬فيلهلم ديلثي وفكرة الحي اة”‪ ،‬بع د س بعة وعش رين عام ا من دراس ته في ب رلين‪،‬‬
‫كتب أورتيغا عن أهمية ديلثي في تطوره الفكري وسوء حظه لعدم تعرضه ألفكار ديلثي في‬
‫وقت سابق كطالب‪:‬‬

‫أصبحت مدركا ألهمية ديلثي العمل في وقت متأخر من عام ‪ ,1929‬واستغرق األم ر أرب ع‬
‫سنوات أخرى قبل أن أعرف ذلك جيدا بما فيه الكفاية‪ .‬هذا الجهل‪ ،‬جعلني أفقد حوالي عش ر‬
‫سنوات من حياتي‪ ،‬من ناحية تطوري الفكري‪ ،‬ولكن هذا بالطبع يع ني خس ارة متس أوية في‬
‫جميع أبعاد الحياة األخرى…‪ .‬عندما درست في برلين عام ‪ 1906‬صادف ذلك أن ديلثي قد‬
‫تخلى عن إلقاء المحاضرات في مبنى الجامعة قبل بضع سنوات وقبل ذلك في الدورات التي‬
‫أقامها في المنزل لعدد قليل من الطالب الذين تم إعدادهم بش كل خ اص‪ .‬وهك ذا لم أتواص ل‬
‫معه‪)Obras, VI: 171–72( .‬‬

‫خالل الفترة المترأوحة بين أواخر ‪ 1920‬وأوائل ‪ ،1930‬وصف أورتيغ ا فلس فته الخاص ة‬
‫بأنها “ميتافيزيقيا العقل الحي وي” للدالل ة على بحث ه المس تمر عن بني ة الحي اة ال تي س تكون‬
‫مفارقة في عالقتها بكل واقع قائم‪ ،‬وان كانت تقع نفسها في إطار الواقع الزم اني والمك اني‪.‬‬
‫مثل ديلثي‪ ،‬الذي اعتبره “أهم مفكر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر”‪ ،‬نفى أورتيغ ا‬
‫الحقيقة ألي مبدأ ثابت يعتبر نفس ه على أن ه متف وق على ت دفق الحي اة‪ ،‬بم ا في ذل ك العل وم‬
‫الفيزيائية والبيولوجية‪.‬‬

‫ال تنكر فلسفة الحياة عند ديلثي ضرورة االنفتاح على التجربة‪ ،‬وعلى فك رة الواق ع المف ارق‬
‫المجرد فحسب‪ ،‬بل تعتبر أ الحياة أك ثر من مج رد بني ة حي ة بيولوجي ة‪ .‬ان مفه وم أورتيغ ا‬
‫للحياة ليس بيولوجيًا‪ ،‬وبهذا المعنى‪ ،‬فإن فكرته عن الحياة البشرية مشابهة تمامًا لما ج اء ب ه‬
‫ديلثي‪.‬‬

‫بالنسبة لـ خوسيه أورتيغا اي غاس يت‪ ،‬ف إن “حي اتي “تتمث ل في ” الس يرة الذاتي ة “وليس في‬
‫المعنى” البيولوجي “—هي مسألة ما يجب فعله بها وما يحدث لي حيث أج د نفس ي” غارق ا‬
‫“في بحر “الظروف” غ ير المس تقر‪ .‬الف رد‪ ،‬من وجه ة النظ ر ه ذه‪ ،‬ينق ذ نفس ه عن طري ق‬
‫الغرق في األعماق الداخلية لوجوده وه و يب ذل جه دا للتمس ك ب الوعي بج وهر حيات ه‪ .‬أك د‬
‫أورتيغ ا في ه ذا الص دد أن “العيش” ه و التعام ل م ع الع الم‪ ،‬والس عي إلي ه‪ ،‬والعم ل في ه‪،‬‬
‫واالنشغال به ” ( ‪ .)Obras, V: 26, 33–34, 35, 44–45, VII: 103–04‬بالنسبة‬
‫إلى ديلثي‪ ،‬تتحقق الحياة ضمن تجربة الوعي‪ ،‬كخبرة حي ة لتجرب ة الحي اة الفردي ة والواق ع‪.‬‬
‫موقف ديلثي قريب من موقف برغسون ‪ Bergson‬الذي أك د أن تجربتن ا في حي اة عقولن ا‬
‫هي تجرب ة مباش رة لتل ك الحي اة كم ا هي‪ ،‬وبالت الي ال يمكن قب ول بعض التفس يرات‬
‫الفسيولوجية الميكانيكية للكائن البشري أو التصورات الذاتية المثالي ة الجدي دة م‪ .‬إن الترك يز‬
‫على األبعاد النشطة والديناميكية والتاريخية للظواهر البشرية واالجتماعي ة‪ ،‬كم ا تتحق ق في‬
‫تج ارب الحي اة الحي ة‪ ،‬يكش ف عن حيوي ة الفلس فة وت أريخ منظ ور الحي اة ال تي تعكس‬
‫التاريخاني ة والموق ف القائ ل ب أن المعرف ة التاريخي ة فري دة من نوعه ا في ع الم القض ايا‬
‫اإلنسانية‪.‬‬

‫تتضمن هذه التاريخانية تصور خوس يه أورتيغ ا اي غاس يت عن ” الح وار ال ديناميكي “في”‬
‫دراما ” حياة الفرد وهو ال يعود هنا إلى الجدل الذي اثاره كارل بوبر قوله ان التاريخانية ال‬
‫تتوافق مع أي شكل من أشكال “العلم الحق”‪ .‬ففي كتابه فقر التاريخانية (‪ )1957‬انتقد ب وبر‬
‫المناهج التاريخي ة “المناهض ة للطبيع ة” وح تى “المؤي دة له ا “‪ ،‬اذ يتهم ب وبر ه ذه المن اهج‬
‫بوصفها “الهوتية ” و “كلية “كما ويذهب للقول بأن فكرة “التنبؤ التاريخي” باعتبارها الهدف‬
‫األساسي يمكن تحقيقها في اكتشاف ” اإليقاعات “‪ ” ،‬األنماط “‪ ” ،‬الق وانين “و ” االتجاه ات‬
‫” التي تكمن وراء تطور التاريخ‪ )]30–128 ,39 ,4–2 :1964[ 1957( .‬استلهم بوبر‬
‫عنوان كتابه هذا من كتاب‪ ‬كارل ماركس‪ ‬فقر الفلسفة (‪ )1847‬والذي يرد فيه م اركس على‬
‫ما جاء به ‪ Proudhon‬في فلسفة الفقر (‪.)1847‬‬

‫في ه ذا الص دد أش ار خوس يه أورتيغ ا اي غاس يت إلى نيت ه ص ياغة نق د فلس في منهجي‬
‫للماركس ية‪ ،‬وبالت الي‪ ،‬للفلس فة الهيغلي ة للت اريخ‪ .‬ال ب د ان نوض ح هن ا إلى ان مفه وم‬
‫“التاريخاني ة” يحي ل إلى “التأريخي ة” في المنأول ة األلماني ة كم ا ج اءت عن د ك ل من‬
‫‪Windelband، Rickert، Dilthey، Meinecke، Herder، Goethe،‬‬
‫‪ Mannheim‬و‪ Troeltsch‬و “التاريخاني ة” في الفك ر اإليط الي عن د ‪ Storicismo‬و‬
‫‪ .Benedetto Croce‬فيما يتعلق بمفهوم التاريخانية أشار ‪ Meinecke‬إلى تركيز ك ل‬
‫من هيردر و غوته‪  ‬على “الملم وس” و “الفري د” و “الف رد” باعتباره ا‪  ‬ج وهر التاريخاني ة‬
‫وهي به ذا المع نى‪  ‬نظ رة إلى الع الم (‪ )Weltanschauung‬و إلى الوج ود‪  ‬البش ري‬
‫بوص فه ت أويال‪  ‬للت اريخ والحي اة وهي به ذا المع نى تت داخل م ع مف اهيم‪  ‬الفردي ة والتط ور‬
‫الفردي فالتاريخ يسعى إلى وصف وتفسير التن وع غ ير المنتظم لواق ع المجتم ع والت اريخ ‪،‬‬
‫ك ون‪  ‬مفه وم الفردي ة ال يش مل األف راد فحس ب ‪ ،‬ب ل أيض ا‬
‫الشعوب ‪،‬العادات ‪،‬الثقافات ‪،‬المؤسسات والدول القومية وما شابه ذلك من اشكال تاريخية‪  ‬؛‬
‫ويتعل ق مفه وم التط ور الف ردي بالعملي ة التاريخي ة في زم ان ومك ان معي نين ال تي ترتب ط‬
‫بالتعبيرات الحية لتعدد هذه األش كال التاريخي ة الفري دة‪ .‬ه ذا الت داخل المفه ومي انم ا يؤك د‬
‫النسبية التاريخية‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫يفسر ديلثي المعرفة التاريخية والواقع بقوله‪:‬‬

‫إن الوعي التاريخي بتناهي كل ظاهرة تاريخية وكل حال ة بش رية أو اجتماعي ة‪ ،‬بنس بية ك ل‬
‫نوع من أنواع المعتق دات‪ ،‬ه و الخط وة األخ يرة نح و تحري ر اإلنس ان‪ .‬بواس طتها‪ ،‬يس تعيد‬
‫اإلنسان السلطة المطلقة لكل تجربة‪ ،‬ويستسلم له ا بالكام ل دون ان تس تحوذ علي ه …‪ .‬فك ل‬
‫جمال‪ ،‬كل قداسة وكل تضحية‪ ،‬يعاد إحياؤها وشرحها‪ ،‬تفتح آف اق تكش ف حقيق ة واقع ة…‪.‬‬
‫وعلى النقيض من النسبية‪ ،‬فإن استمرارية القوة اإلبداعية تجعل نفس ها تش عر بأنه ا الحقيق ة‬
‫التاريخية المركزية‪.)quoted in Hodges 1944: 33-34( ”.‬‬

‫بالعودة إلى خوسيه أورتيغا اي غاس يت يمكن ان نق ول ان التوج ه الت اريخي ل ‪ Croce‬ق د‬
‫ساهم في تحول أورتيغا من تأريخ الحياة إلى تأريخ الفلسفة‪ .‬وقد ع بر أورتيغ ا عن تطلعات ه‬
‫فيما يتعلق بتداخل التاريخ والفلسفة في محاضراته لعام مصرحا ‪:1929‬‬

‫“ام ل‪ ،‬ألس باب ملموس ة للغاي ة‪ ،‬في عص رنا‪ ،‬أن يتح د للم رة األولى حب الفض ول األب دي‬
‫والثابت الذي هو الفلسفة والفضول المتقلب والمتغير الذي هو الت اريخ ويحتض نان بعض هما‬
‫البعض‪)Obras, VII: 285(”.‬‬

‫إن اعتقاد خوسيه أورتيغ ا اي غاس يت ب أن “الفك ر الت اريخي يرتب ط ب الظواهر االنس انية “‪،‬‬
‫والذي يعبر من خالله عن موقفه من فكرة األبعاد الحيوية لـ “العق ل الت اريخي ” يفص ح عن‬
‫بعض التأثيرات في فكره التاريخي‪ .‬نظر كل من كروس وأورتيغ ا إلى الحي اة البش رية على‬
‫أنها تجسد عملية تاريخية في األساس يتم من خاللها إدراك وفهم عالم الواقع البشري‪ .‬توج د‬
‫المعرفة التاريخية في تدفق العملية التاريخية‪ ،‬والمعرفة بهذه العملية ذاتها توفر فهما أساس يا‬
‫للواق ع البش ري‪ . .‬من خالل االنتق ال من الفلس فة إلى الت اريخ ثم الع ودة م رة أخ رى إلى‬
‫الفلسفة‪ ،‬قدم كروس “فلس فته المنهجي ة لل روح” باعتباره ا تاريخي ة مطلق ة‪ .‬ص اغ تص وره‬
‫المنهجي لـ “فلسفة الروح “في أرب ع مجل دات خص ص واح دا منه ا ه ذا للفك ر الت اريخي (‬
‫]‪.)Croce 1917 [1920: 60-61‬‬

‫للتاريخ‪ ،‬في اعتقاده‪ ،‬وظيفة تركيب المستويات النظرية والعملي ة المختلف ة للنش اط البش ري‪،‬‬
‫الكونية والخاصة‪ ،‬الفكر والعمل‪ .‬من وجهة النظر هذه‪ ،‬ت وفر المعرف ة التاريخي ة معلوم ات‬
‫حول ما حدث بالفعل في مناسبات معينة في مكان وفترة زمنية محددة بوضوح‪ .‬بهذا المعنى‬
‫ال يش مل الت اريخ التط ورات الفردي ة ومف اهيم الفردي ة فحس ب‪ ،‬ب ل يش مل أيض ا مفه وم‬
‫“الكونية”‪ .‬بالنسبة لكروس‪ ،‬تش كل الفردي ة العملي ة التاريخي ة ال تي يح دث فيه ا التق دم نح و‬
‫الكونية‪ ،‬اذ يتحدد العام انطالقا مم يختبره الفرد مباشرة‪  .‬على ه ذا النح و‪ ،‬يق ول ك روس بـ‬
‫“مطابقة الفلسفة مع التاريخ”‪ .‬اعتبر كروس أن أية مشكلة فلس فية مماثل ة لألحك ام التاريخي ة‬
‫عند ربطها بسياقها التاريخي‪ .‬فالتركيب بين الفردي والكوني والت اريخ يمث ل الش كل األك ثر‬
‫اكتم اال للمعرف ة‪ .‬في الواق ع‪ ،‬بالنس بة لك روس‪ ،‬وك ذلك لكولينج وود ‪” ،Collingwood‬‬
‫الت اريخ فك ر “‪ .‬في المنظورياني ة‪ ،‬ينش ئ الفك ر رواب ط بين اإلدراك الحس ي والح دس‬
‫والمف اهيم‪ ،‬في حين أن الت اريخ يجم ع المس تويات الجمالي ة والمنطقي ة والعملي ة للنش اط‬
‫البشري‪ .‬يتكون النشاط النظري من المعرفة بينما يتميز النش اط العملي ب اإلرادة‪ ،‬ل ذلك ف إن‬
‫المعرفة هي الش رط المس بق للعم ل (; ]‪Croce 1917 [1920: 60-61; 94-107‬‬
‫]‪.)1909 [1913: 33‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ .6‬الفينومينولوجيا الوجودية وفلسفة الحياة‬

‫في أوائل ثالثينيات القرن العشرين‪ ،‬صاغ أورتيغا‪ ،‬بطريق ة منهجي ة‪ ،‬وجه ة نظ ره الفلس فية‬
‫العامة التي يف ترض من خالله ا ان الحي اة البش رية باعتباره ا الواق ع النه ائي تحت وي على‬
‫الفلسفة داخل التاريخ‪  .‬ضمن أفكاره هذه في كتابه )‪،En Torno a Galileo (1933‬‬
‫ض من تص وره عن األجي ال‪ ،‬وفي مقالت ه الت اريخ كنظ ام (‪“ .)1935‬مفه وم الكينون ة” أو‬
‫“الحياة البشرية”‪ ،‬بالنسبة لـ خوسيه أورتيغا اي غاسيت ‪“ ،‬هو أصل الفلس فة”‪ ،‬وبالت الي ف إن‬
‫“أي إصالح لفك رة الوج ود يع ني إص الحً ا ج ذريًا في الفلس فة” ليتخلى أورتيغ ا عن مفه وم‬
‫“البنية البيولوجية “لصالح مفهوم الحياة “حياة كل واح د من ا كوج ود في الع الم ” حيث كتب‬
‫ان علماء االحياء “يستعملون عبارة “الحياة” للداللة على ظاهرة الوجود العضوي لكن معنى‬
‫الكلمة مباشر‪ ،‬واسع وأكثر دقة”‪.)Obras, III: 166( .‬‬

‫تضمن تصور خوسيه أورتيغا اي غاسيت للحياة البشرية بُع ًدا مشابهًا لما جاء به هايدجر في‬
‫تحليله ل دازاين ‪ .Dasein‬فه و اعت بر ان الوج ود والحي اة البش رية في قولت ه “أن ا ه و أن ا‬
‫وظروفي “نتاج التفاعل التبادلي بين “أنا” و “العالم”‪ .‬بمعنى‪“ ،‬أنا دائمًا مع نفسي … العالم‬
‫دائمًا مرتبط بي ووجودي هو وجود مع العالم” (‪ .)Obras, VII: 394, 405, 402‬أراد‬
‫أورتيغا تحرير” أنا “من” السجن الداخلي “لـ “الذاتية “واق ترح أن” ننق ذ أنفس نا في الع الم “‪،‬‬
‫في “هذا األف ق الحي وي”‪  .‬ه ذا الش عور ب الوجود بأن ه “ُألقي ب ه” في “الع الم” يم يز الواق ع‬
‫الحقيقي للحياة اذ “يجد المرء نفسه وجها ً لوجه مع العالم” و “داخ ل الع الم”(‪Obras, VII:‬‬
‫]‪ .)411, 416–17, 430; 1927 [1962: 236, 399‬سمح هذا ألورتيغا بالهروب‬
‫من المثالية فصارت‪   ‬الحياة تشمل كل من الموضوع أي الذات الواعية والع الم‪ .‬ام ا الحي اة‬
‫فهي “العثور على الذات في العالم”‪ .‬بهذا المعنى‪:‬‬

‫تتحقق الحياة نفسها دائ ًما في ظروف معينة‪ ،‬ومحيط مليء باألشياء واألشخاص اآلخرين‪ .‬ال‬
‫يعيش المرء في عالم غامض‪ ،‬اما العالم الحيوي هو الظرفي ة أي األش ياء والن اس؛ إن ه ه ذا‬
‫العالم‪ ،‬هنا واآلن‪)Obras, VII: 422, 431( .‬‬

‫في نفس السياق اعتبر خوسيه أورتيغا اي غاسيت ديلثي أحد “المكتش فين األوائ ل” لـ “فك رة‬
‫الحياة الجديدة العظيمة”‪ ،‬الذي “علمنا بشكل ج ذري أك ثر من س ابقيه –هيجل‪ ‬وك ونت – أن‬
‫نرى التاريخانية كسمة أساسية للوجود اإلنساني”(‪.)Obras, VI: 166; IX: 396‬‬
‫بدا تأثر أورتيغ ا ب ديلثي بع د نش ر ‪ Gesammelte Schriften ‬ل ديلثي بع د وفات ه ع ام‬
‫‪ 1928‬واكتشاف أورتيغا المتأخر لفلسفته وبدا هذا التأثر واضحا في فلسفة الحياة عنده وفي‬
‫ً‬
‫إحساس ا التاريخاني ة لم يكن يمتلك ه من قب ل‪ .‬لق د اعت بر‬ ‫فكره التاريخ فهو قد أحد عن ديلثي‬
‫أورتيغا كما فعل ديلثي قبله‪ ،‬ان التاريخ وجه حياة اإلنسان باتجاه “خط ثابت‪ ،‬ومح ّدد مس ب ًقا‪،‬‬
‫ومعطى”‪ ،‬كنوع من “العقل التاريخي” الذي يجعل الفرد قادرا على‪   ‬التقدم المستمر‪.‬‬

‫إلى جانب تأثره بالمنهج التاريخ اني والظاهراتي ة‪ ،‬تحض ر الفلس فة الوجودي ة عن د أورتيغ ا‪.‬‬
‫خالل أواخر عشرينيات وثالثينيات القرن الماضي‪ ،‬أدرج أورتيغا فك رة الحي اة البش رية في‬
‫فلسفته‪ ،‬وحدث االنتقال الملحوظ من “العقل الحيوي” إلى “العقل التاريخي” في فكره وأصبح‬
‫“العقل الحيوي” و “العقل الت اريخي” مفهوم ان متب ادلين عن ده (‪Obras, V: 538, VI:‬‬
‫‪.)39–41‬‬

‫لم يتض ح ه ذا الت أثر ب ديلثي اال في فلس فة خوس يه أورتيغ ا اي غاس يت المت أخرة بع د س نة‬
‫‪ 1930‬بعد نشر محاضراته‪ ‬ما الفلسفة؟‪ )1929( ‬ومقاله عن ديلثي‪ ،‬كانت “الحياة” و‬
‫“العقل” و “العقل الحيوي” أو “العقل الحي” – و “العقل التاريخي” مف اهيم مركزي ة في دمج‬
‫تحليل ه المنهجي لإلنس ان والمجتم ع والت اريخ‪ .‬من خالل الفك رة األساس ية لـ ديل ثي‬
‫‪ Lebensphilosophie‬أي فلس فة الحي اة‪ ،‬تمكن أورتيغ ا من رب ط وجه ة نظ ره‬
‫األنطولوجي ة بوجه ات نظ ره الوجودي ة والتاريخي ة مرك زا باألس اس على أفع ال الف رد‬
‫وإبداعاته‪ ،‬وعلى الواقعية والتفرد في الوجود البشري الفردي اذ كتب أورتيغا‪“ :‬الحياة”‪ ،‬كما‬
‫أك د ديل ثي‪“ ،‬هي العالق ة الداخلي ة للعملي ات العقلي ة للش خص‪ .‬إن معرف ة الحي اة هي وعي‬
‫متزايد بالحياة والتفك ير فيه ا “‪“ .)Dilthey [1976: 125]( ”.‬أهمي ة الحي اة”‪ ،‬كم ا أك د‬
‫ديلثي‪ ” ،‬تكمن في تشكلها وتطورها‪ .]88 :1962[ ”.‬تعتبر الفلس فة الوجودي ة بمع نى م ا‪،‬‬
‫ثمرة لفلسفة الحياة والظاهراتية‪ ،‬ويبدو أن أورتيغا من خالل ما قدمه من الزأوية التاريخاني ة‬
‫عن “الفرد المتفرد” و “الحياة البشرية” باعتبارها الحقيقة المطلقة‪ ،‬قد اتبع نفس المسار ال ذي‬
‫سلكه كل من ديلثي وهايدجر (‪.)Misch 1931: 5–197, 216–37‬‬

‫في أعمال ه لف ترة ‪ ،1930‬اف ترض أورتيغ ا ان “الحي اة البش رية” واق ع نه ائي‪ ،‬ومن ه ذا‬
‫المنطلق اس تطاع ان يرب ط الفلس فة التاريخاني ة الفينومينولوجي ا الوجودي ة مقترب ا ب ذلك من‬
‫المقاربة الوجودية لهيدغر في كتابه‪ ‬الوجود والزمن‪Heidegger 1927 [1962:( ‬‬
‫‪21–83 ; Spiegelberg 1960: 62–74; Spiegelberg 1965: vol. 1,‬‬
‫‪.)408–413‬‬

‫بناء على األساس االبستيمولوجي المفترض “أنا هو أن ا وظ روفي”‪ ،‬ف إن الف رد ; في اعتق اد‬
‫أورتيغا ; في إدراكه “لإلمكانات الحيوية” لجوهر كيانه‪ ،‬يش ارك بنش اط في الع الم البش ري‪.‬‬
‫عملية تحقيق “اإلمكانات الحيوية” لإلنسان باعتباره كائ ًنا في ط ور التك وين وكك ائن يتواج د‬
‫في العالم سماها أورتيغ ا “ال دراما” ال تي “تح دث”‪ .‬توص يفا أورتيغ ا عن “الحي اة كح دث”‪،‬‬
‫وانعدام األمن في حياة اإلنسان في مواجهة الموت‪ ،‬وتمييزه األنطولوجي بين الحياة البشرية‬
‫واألشياء وبين “الوجود” و “الكائن األص يل”‪ ،‬تتش ابه بش كل الفت للنظ ر م ع األفك ار ال تي‬
‫صاغها هايدجر عام ‪ 1927‬في “ما هي الفلسفة؟”‪ ‬ليصطف خوسيه أورتيغا اي غاسيت إلى‬
‫جانب هيدغر‪ .‬نقرؤ له‪:‬‬

‫هذه الكلمات الشائعة‪ ،‬إيجاد الذات‪ ،‬العالم‪ ،‬احتالل الذات‪ ،‬هي اآلن كلمات تقنية في هذه‬
‫الفلسفة الجديدة‪ .‬بإمكاننا ان نتحدث عنها مطوال‪ ،‬لكنني سأقتصر على مالحظة أن هذا‬
‫التعريف‪ ”،‬الحياة هو العثور على الذات في عالم”‪ ،‬وباقي األفكار الرئيسية في هذا التيار‬
‫الفلسفي حاضرة مسبقا في اعمالي المنشورة‪ .‬من المهم بالنسبة لي ان اقر لنفسي باألولوية‬
‫الزمنية في القول بفكرة الوجود‪ .‬ويسرني أيضا أن أعترف بأن الشخص الذي ذهب أعمق‬
‫في تحليل الحياة هو الفيلسوف األلماني الجديد‪ ،‬مارتن هايدجر‪.‬‬

‫الحياة هي ان يجد المرء نفسه في العالم‪ .‬لقد جعلنا هايدجر‪ ،‬في عمل عبقري حديث ج ًدا‪،‬‬
‫نالحظ كل األهمية الهائلة لهذه الكلمات‪)Obras, VI: 40-41; VII: 415–16( .‬‬

‫كان‪ ‬خوسيه أورتيغا اي غاسيت‪ ‬مهتما بالوقوف عند‪ ‬أوجه التشابه بين عمله وعمل هايدجر‪،‬‬
‫وهذا يفسر جزئيا اهتمامه بتتبع أصالة ما جاء في كتاب‪ ‬تأمالت‪ .‬أشار أورتيغا إلى هيدغر‬
‫في كتابه مناقشة عامة في فكرة المبدأ عند ليبنتز وتطور النظرية االستنتاجية‬

‫(‪ ،)Obras, VIII: 270–300‬ثم كتابه‪ ‬هيدغر ولغة الفالسفة‪Universitas, 7(9)( ‬‬


‫‪ )[1952]: 897-903, Obras, IX: 625–44‬وكذلك في حاشية طويل ة في مقالت ه‪،‬‬
‫“جوته من الداخل”(‪)Obras, 4: 403–04, 541 )1932‬‬

‫‪ ‬بعيدا عن هذا الجدل حول الدين الفكري ألورتيغا تجاه هايدجر‪ ،‬فقد تحول خالل هذه الف ترة‬
‫الحاسمة من الثالثينيات إلى الصياغة المنهجية لفكرته عن فلسفة الحياة‪ ،‬وذلك واضح بجالء‬
‫في مقولته الشهيرة “أنا وظروفي”‪ ،‬كواقع راديكالي يظهر تأثره بالوجودي ة والظاهراتي ة في‬
‫فلسفته عن الوجود واإلنسان والمجتمع‪.‬‬

‫يظهر اذن ان الموقف األنطول وجي الع ام ألورتيغ ا يحم ل بعض أوج ه التش ابه م ع التحلي ل‬
‫الوجودي لهايدجر‪ ،‬وبينما ُتظهر فكرته عن الحياة البشرية بعض الصالت م ع فلس فة الحي اة‬
‫لديلثي مع بعض االختالفات دون شك‪ .‬فقد تجأوز أورتيغا بنية تحليل الدازاين ة حتى الحي اة‬
‫عبر دمج ه للمفه ومين‪ .‬وه ذا يع ني‪ ،‬بالنس بة ألورتيغ ا‪ ،‬أن تحلي ل الكينون ة وتحلي ل الحي اة‬
‫البش رية ش كال في آن واح د التحلي ل المنهجي لوج ود اإلنس ان في “عالقات ه المعيش ية” و‬
‫“وجوده في العالم”‪ .‬عألوة على ذلك‪ ،‬يوضح أورتيغا أن العالقة بين مفهوم الزمن الت اريخي‬
‫ومفهوم الواقع اليومي تشكل العالقة األساسية بين البشر وأنشطتهم في العالم‪.‬‬

‫الواقع البشري والسبب التاريخي‬ ‫‪.7‬‬

‫يروي التاريخ تصرفات األفراد في المجتمع‪ .‬في عالم األشياء المادية‪ ،‬تتغ ير األش ياء‪ ،‬ولكن‬
‫في العالم االجتماعي لألفراد‪ ،‬تحدث األحداث‪ .‬اإلشارات إلى الواقع التاريخي‪ ،‬أو إلى الوقت‬
‫التاريخي‪ ،‬ثم‪ ،‬يتم تعريفه ا من حيث ال دوافع البش رية‪ ،‬واألفع ال‪ ،‬وردود االفع ال‪ ،‬وبالت الي‬
‫كأحداث فريدة من نوعها‪ .‬فما هي الحقائق التاريخي ة اذن؟ بالنس بة ‪  ‬إلى أورتيغ ا ف ان “ك ل‬
‫معرفة بالحقائق” باعتبارها معطيات “معزولة”‪ ،‬هي‪ ،‬غ ير مفهوم ة ويمكن اس تخدامها فق ط‬
‫نظري ا‪ .‬ويمكن فهم التراب ط في الع الم الخ ارجي بش كل أفض ل “في تجمي ع الحق ائق”‪ ،‬ألن‬
‫“وحدة الحقائق” “ليست موجودة في حد ذاتها” ولكنها توج د “في عق ل الف رد”(‪Obras, I:‬‬
‫‪ .)316–17‬هكذا اعتقد أورتيغا‪ ،‬ان المنطق التاريخي له شكل محدد من السرد يرتبط بعل ة‬
‫س ردية اذ لفهم أي ش يء بش ري‪ ،‬س واء أك ان شخص يًا أم جماع ًي ا‪ ،‬من الض روري س رد‬
‫تاريخه…‪ .‬ال تتعلق الحياة سوى بدرجة بس يطة من الش فافية في وج ود العق ل الت اريخي‪( .‬‬
‫‪)Obras, VI: 40‬‬

‫استند تصور أورتيغا هذا إلى القول بأن الزمن التاريخي يختلف عن الزمن في الطبيعة الذي‬
‫يرتبط باألساس بالدوافع البشرية واالفع ال وردود االفع ال‪ .‬له ذا الس بب‪ ،‬غالب ا م ا وص فت‬
‫األحداث التاريخية بأنها أحداث فريدة‪ ،‬على النقيض من قوانين الطبيعة حيث تلتقي عناص ر‬
‫مماثلة في ظل ظروف مماثلة‪ .‬تاريخ الفرد بهذا المع نى أك ثر من مج رد تغي ير في ال زمن‪.‬‬
‫ويصبح للزمن التاريخي معنى من خالل الفعل اإلنساني‪ .‬لهذا الغرض سعت الفلس فة النقدي ة‬
‫للتاريخ إلى الكشف عن نش اط العق ل كعملي ة ملموس ة‪ .‬كم ا ه و الح ال م ع ك ل من ديل ثي‪،‬‬
‫كروس‪ ،‬والحقا‪ ،‬لكولينجوود‪ ،‬ارتبط أورتيغ ا في توجه ه الفلس في بالتي ارات ال تي ص ورت‬
‫العقل البشري بعبارات نشطة اذ نظرت الكانطية الجديدة إلى العقل على أن ه مب دع ب دال من‬
‫الق ول بكون ه يس تجيب بش كل س لبي وبطريق ة ميكانيكي ة للمحف زات الخارجي ة وذل ك على‬
‫النقيض من التجريبية البريطانية الكالسيكية‪ ،‬كان كانط قد أثبت بالفع ل أن ك ل المعرف ة هي‬
‫وظيفة للعقل البشري‪ .‬فالعقل يبني مجال المعرفة بأكمله‪ .‬وهذا م ا الهم أورتيغ ا اذ زعم ب أن‬
‫بنية العق ل وح تى الت اريخ ق د أس يء تفس يرها بش كل ج ذري من قب ل الفالس فة التجريب يين‬
‫واعتبر ان صياغة نظرية للطبيعة البشرية وفقا للمب ادئ الوض عية والتجريبي ة المس تمدة من‬
‫العلوم الفيزيائي ة تق ود إلى نت ائج خاطئ ة‪ .‬ه ذا الموق ف‪ ،‬يف ترض أن الس لوك البش ري ذاتي‬
‫وثابت‪ ،‬مقدما لما يمكن تسميته ب “قانون عام للطبيعة”‪ .‬خالف ا له ذا ال رأي‪ ،‬ج ادل أورتيغ ا‬
‫ب أن الطبيع ة البش رية عملي ة مس تمرة من التح ول ال ذاتي االنعكاس ي ال ذي يكش ف عن أن‬
‫األف راد يع دلون ويعي دون ص ياغة تج اربهم باس تمرار‪ .‬وعلي ه فان ه رفض فك رة الط ابع‬
‫اإلنساني الثابت أو المبادئ الثابتة التي تنطبق على جميع األفراد خالل جميع الفترات‪.‬‬

‫لشرح الواقع‪ ،‬تهدف العلوم الطبيعية إلى اكتشاف المفاهيم العام ة أو الق وانين الطبيعي ة‪ .‬لكن‬
‫من أجل فهم العالقة بين حياة اإلنسان والواق ع يجب على الف رد التخلص مم يس ميه أورتيغ ا‬
‫“إرهاب المختبر”‪ .‬من خالل قراءاته المختلفة لكان ط‪ ،‬تعلم أورتيغ ا أن العق ل المس تقل يجب‬
‫أن يحرر الذات من استعباد وجودن ا التجري بي‪ .‬لتجنب اله وة بين فلس فة الطبيع ة الفيزيائي ة‬
‫وفلسفة الطبيعة البشرية‪ ،‬أكد أورتيغا أن “اإلنس ان ليس ل ه طبيع ة”‪ .‬ل ذلك يجب التح رر من‬
‫أغالل العلماء الطبيع يين‪ ،‬ذل ك إن التفس يرات المعمم ة للعلم اء الطبيع يين تس تبعد العنص ر‬
‫األكثر أهمية في الواقع البش ري اي حي اة الف رد‪ .‬لكن إذا ك ان الف رد ليس ل ه طبيع ة‪ ،‬فم اذا‬
‫لديه؟‪  ‬يرد أورتيغا “انسان له تاريخ“‪“ .‬يعيش اإلنسان”‪ ،‬باعتباره “كائنا حيا”‪ ،‬يرتبط بـ‬
‫“كائنات حية “أخرى تجمع “التجربة الحي ة لإلنس ان”‪ .‬إن تخلي أورتيغ ا عن التص ور الع ام‬
‫للفيزياء والرياضيات وفصله بين الفرد والطبيع ة‪ ،‬باإلض افة إلى رفض ه لفك رة ان المف اهيم‬
‫العقالنية تنتج معرف ة ص حيحة ب الواقع‪ ،‬يؤك د من جدي د موقف ه من جدلي ة العل وم الطبيعي ة‬
‫والعلوم اإلنسانية‪ .‬فما هو حقيقي وما هو تاريخي هو ما تم الكشف عنه من قبل البشر‪.‬‬

‫لذلك فإن التاريخ في معناه الض يق يرتب ط أساس ا بـ”ت اريخ البش رية”‪ .‬فالت اريخ” ه و حقيق ة‬
‫اإلنسان الذي ليس لديه غيره‪ .‬فه و ال ذي جعل ه م ا ه و علي ه”‪ .‬اذ اعتق د أورتيغ ا ان الحي اة‬
‫البشرية “ليست شيًئ ا” ولكنها “دراما”؛ انها “مصدر فعلي‪ ،‬وليست فاعاًل ‪ :‬أي ما ينبغي‬
‫فعله‪ ،faciendum ‬وليس الفعل‪ .“ factum ‬أو كما عبر عنها لكولينجوود بقوله‪” :‬‬
‫الطبيعة بما هي لألشياء‪ ،‬كما التاريخ بما هو لإلنس ان…‪ .‬فطبيع ة اإلنس ان تكمن فيم ا فعل ه‬
‫بنفسه “‪ .‬ذلك ان لكولينجوود سلم بان التاريخ هو دراسة “ما انجز‪ res gestae ‬أي أفعال‬
‫البشر التي انجزت الماضي”؛ وألن التاريخ درس النشاط البش ري فه و ب ذلك دراس ة للفع ل‬
‫الهادف‪Obras, VI: 32–33, 41; Collingwood 1948 [1956: 9] ; 1921 ( .‬‬
‫]‪.)[1966:19-20‬‬

‫‪ .8‬الظواهر الوجودية والعالم االجتماعي والوقت التاريخي‬

‫يعيش الفرد بطريقة فاعلة ومنكشفة‪ .‬يتعلق االنكشاف أوالً وقبل كل شيء ب الفرد نفس ه‪ .‬يفهم‬
‫الفرد كيانه‪ ،‬وهو فهم ال عام وال مش ترك وانم ا متعل ق بك ل ف رد منع زل‪ ،‬وف ًق ا لـ خوس يه‬
‫أورتيغا اي غاسيت (‪ .)Obras, VI: 25‬وبناء على الوجود الداخلي والواقعي للفرد يمكنه‬
‫فهم ما يقصده بـ”أنا هو أنا وظروفي”‪ .‬تفرد الشخص هو الذي يح دد م ا س يكون‪ .‬إذا ك انت”‬
‫ظروف “الفرد تشير‪ ،‬بالنسبة إلى أورتيغا‪ ،‬إلى ما يوجه فعل” أنا “‪ ،‬فإنها بهذا المعنى تش كل‬
‫شرطا‪ ،‬وليس حرمانا للفرد من حريته في الفعل‪ .‬فالحري ة تنط وي على االختي ار بن اء على‬
‫تن وع االحتم االت ال تي تنش أ عن “ظ روف” الف رد‪ .‬ليص نع مص يره ح تى يص بح “روائي‬
‫قصته”‪ ،‬يجب على الفرد “االختيار من بين هذه االحتماالت”‪“ .‬ل ذلك”‪ ،‬ج ادل أورتيغ ا‪ ”،‬أن ا‬
‫حر فأنا مجبر بان أكون حرا‪ ،‬سواء كنت أريد ذلك أم ال”‪ .‬وتتطور ظروف الحري ة لتتح ول‬
‫إلى القدرة على االختيار والتصرف في ظل أي ظروف‪ .‬وهكذا‪ ،‬بالنس بة إلى أورتيغ ا‪ ،‬ف إن‬
‫تشكل الفرد نفس ه يتح دد من خالل الطريق ة ال تي يتمل ك به ا كيان ه‪ .‬لم يخ تر الف رد بحري ة‬
‫“ظروفه”؛ ومع ذلك‪ ،‬يمكنه تحمل مسؤولية كيانه بحرية ويكش ف تف رده‪“ .‬مص ير اإلنس ان‪،‬‬
‫إذن هو الفعل “كما افترض أورتيغا‪ .‬نحن ال نعيش لنفكر بل على العكس من ذلك نحن نفك ر‬
‫حتى نستطيع البقاء” (‪ .)Obras, VI: 34; 5: 304‬وجود االنسان وج وهره ه و واق ع‬
‫متغير باستمرار‪ .‬عندما يتحدد جوهر االنسان مع “ظروفه”‪ ،‬يصبح مسؤوال عن وج وده ه و‬
‫وما يجب أن يكون‪ .‬وبهذا فان مسؤولية الفعل واتخاد القرار تعود للفرد‪ .‬قدرة المرء على أن‬
‫يكون ه ذا أو ذاك الموج ود يتوق ف على أفعال ه‪ ،‬وبالت الي بالنس بة ألورتيغ ا‪ ،‬يختل ف الف رد‬
‫اختالفا جوهريا عن الحيوانات والحجارة‪:‬‬

‫هذه الحياة التي تعطى لنا تعطى لنا فارغة‪ ،‬ويجب على اإلنسان أن يستمر في ملئها‬
‫واستغاللها هذا ليس حال مع الحجر‪ ،‬النبات والحيوان‪ .‬فوجودهم محدد سلفا اما اإلنسان فهو‬
‫مجبر بان يفعل دائما مجبرا وخاضعا‪ ،‬وما عليه القيام به لم يحدد له قبال‪ .‬ألن الشيء األكثر‬
‫غرابة واألكثر إرباكا بشأن ظروف العالم الذي نعيش فيه هو حقيقة أنه يقدم لنا دائما‪ ،‬داخل‬
‫دائرته وأفقه الذي ال يرحم‪ ،‬احتماالت متنوعة لفعلنا نحن ملزمون باالختيار من بينها‬
‫لممارسة حريتنا‪ .‬إن الظرف هنا واآلن‪ ،‬حيث وجدنا وسجننا بشكل ال يرحم‪ ،‬ال يفرض‬
‫ً‬
‫نشاطا واح ًدا ولكن مختلف األفعال أو األنشطة المحتملة ويتركنا‬ ‫علينا في كل لحظة فعاًل أو‬
‫بقسوة لمبادرتنا وإلهامنا‪ ،‬وبالتالي يحملنا مسؤوليتنا الخاصة‪.)Obras, VII: 102–03( ‬‬

‫تأثر أورتيغا بالفالسفة الوجوديون وقولهم بحرية الفعل وضرورة أن يختار الفرد ما س يكون‬
‫عليه‪ .‬وان كان قد اهتم فالسفة آخرون بطبيعة الحرية اإلنسانية التي س بقت النش اط الفلس في‬
‫في أوروبا من أواخر ‪ 1920‬إلى حدود ‪ .1950‬ال يلتقي أورتيغا مع الفلسفة الوجودية فق ط‬
‫بمسألة حرية اإلنسان‪ ،‬ولكن أيضا مع تجربة الحرية وممارستها‪ .‬جوهر وجود اإلنسان يأخذ‬
‫سمة مزدوجة في فلسفة أورتيغا بشأن الحياة البشرية والتمييز بين السمة الداخلية للف رد ك ”‬
‫أنا “ومظاهره الخارجية المادية‪ .‬هو يعتبر ان “أنا ” تشكل وتتش كل من خالل واق ع ملم وس‬
‫في العالم‪ .‬فالحياة كمواجهة بين “أنا” ومحيطها تضع اإلنسان خارج نفسه‪ .‬وكما قلن ا س ابقا‪،‬‬
‫فإن” االحتمال “يعني‪ ،‬بالنسبة إلى أورتيغا واقع ا محتمال (من زأوي ة “ظ روف” الف رد)‪ .‬من‬
‫هذا المنطلق‪ ،‬فإن القول بان “أنا” باعتباره الواقع البشري األساسي ال يكفي في ح د ذات ه اال‬
‫افي إطار فعل الفرد ومواجهته مع الواقع الخارجي (‪ .)Obras, V: 72–73‬وهكذا‪ ،‬فإن‬
‫مواجهة االنس ان المس تمرة م ع “ظروف ه” تقي ه من االنع زال واالنغالق على ان اه‪ .‬ويص بح‬
‫ملزما بان يفعل في وفي ظل هذه الظروف‪ ،‬تصبح التجرب ة المعيش ية مهم ة ‪ task‬ويص بح‬
‫الفرد نتاج االحتم االت الممكن ة لوج وده المح دود‪ .‬محدودي ة الف رد يتم اختباره ا في الحي اة‬
‫نفسها‪ .‬وفقا ألورتيغا فان “الحياة هي أس ي وحم اس وبهج ة وم رارة وأش ياء اخ رى”‪ .‬فه و‬
‫يرى بان الفرد في مرحلة معينة خالل تجربته الحياتية قد يغرق في مزاج القلق كما لو ك ان‬
‫“بين السيف والجدار” مثلما عندما يصبح الموت وشيكا‪“ .‬ال ينمن الهرب من الموت! هل لنا‬
‫خيار اخر؟” يتابع أورتيغا (‪ .)Obras, VIII: 297; VII: 104‬يعتبر أورتيغا ان حقيقة‬
‫الموت ضرورية للكشف عن جوهر وإمكان ات وج ود الف رد ملتقي ا ب ذلك م ع هاي دجر‪ .‬ففي‬
‫مواجهة “الموت المحتمل”‪ ،‬ندرك ان الحياة هي وجود وال وج ود‪  .‬قب ول الم وت‪ ،‬باعتب اره‬
‫ممكنا هنا واآلن يكشف عن محدودي ة حي اة البش رية في ارتباطه ا ب الزمن وب الواقع‪ .‬إدراك‬
‫الفرد لواقع الموت يجعله قادرا على إدراك محدوديته ويكتب أورتيغا‪:‬‬

‫معرفتنا بذواتنا وباألخرين ال تتغير …‪ .‬انها معرفة مفتوحة‪ ،‬ألنها ترتبط بموجود منفتح‬
‫على إمكانات جديدة‪ .‬ماضينا مهم ويؤثر على ما سنكونه في المستقبل‪ ،‬لكنه ال يقيدنا …‪.‬‬
‫الحياة هي التغيير؛ إنه في كل مرة لحظة جديدة ومتميزة عما كان‪ ،‬وهي ليست نفسها ابدا‪.‬‬
‫الموت وحده كمنع ألي تغيير جديد‪ ،‬يحول اإلنسان وجود نهائي وغير قابل للتغيير … من‬
‫اللحظة التي نبدأ فيها‪ ،‬يتدخل الموت في جوهر حياتنا‪ ،‬ويشارك فيها‪ ،‬يقلصها أو يجعلها‬
‫مديدة وكونه وشيكا يدفعنا إلى بذل قصارى جهدنا في كل لحظة‪Obras, VII: 186–( .‬‬
‫‪)87‬‬

‫هذا التوصيف للحياة البشرية يفترض فكرة أن الوقت من اإلنسان‪ ،‬ألن ما يعيشه من أح داث‬
‫يرتبط بموقعه في الزمن‪“ .‬أنا وأنا وظ روفي”‪ ،‬كنقط ة انطالق للحال ة البش رية‪ ،‬تع بر أيض ا‬
‫عن حقيقة أن التجربة الحية للفرد تتعلق بشيء يحدث زمانا ومكانا‪ .‬بهذا المعنى ما المقصود‬
‫ب “أنا هو أنا وظروفي “؟ يسلم أورتيغا ان اإلنسان كوجود في الع الم ل ه غاي ة ونهاي ة دون‬
‫ان يحدد طبيعة النهاية هذه‪ .‬في الواقع‪ ،‬يميل أورتيغا إلى تعريف “ظروف” األفراد من حيث‬
‫كونها ” ظواهر أساسية للمجتمع البشري” والتي تف رض نفس ها في الواق ع من الخ ارج على‬
‫العملية التاريخية التي تتبعها نظريا من الداخل‪ .‬ترتبط زمانية اإلنسان بهنا واآلن‪ ،‬لذلك ف ان‬
‫هذا االنسان بالنسبة ألورتيغا‪ ،‬يش كل “ح دثا” نح و المس تقبل‪ .‬المس تقبل ليس‪-‬هن ا‪-‬ح تى اآلن‬
‫والماضي لم يعد‪-‬هنا وكالهما مرتبط باإلنسان‪ .‬ولما كان الموت يتعل ق بالمحدودي ة الداخلي ة‬
‫للفرد كما قلنا سابقا‪ ،‬فإن الماضي والحاضر ايضا يرتبطان بمحدودية الف رد في كتمظه رات‬
‫خارجية وزمانية‪ .‬الحاضر اي الهنا واآلن يص بح تل ك اللحظ ة ال تي ينفص ل فيه ا الماض ي‬
‫والمستقبل‪ .‬الحياة في الحاضر تتعلق بعدما “يولد بعض الرجال وعندما يموت بعض‬
‫الرجال” وهي بذلك “محاصرة” في جوهرها “بين األرواح التي جاءت من قبل أو التي‬
‫ستأتي من بعد …”‪ .)Obras, V: 35–37( ‬بمجرد أن يصبح الفرد مدركا بأنه وجود‬
‫قائم على حقائق ماضيه (مث ل الحق ائق ال تي ول د فيه ا أو من ك ان وال داه) والمس تقبل ال ذي‬
‫يختاره‪ ،‬يتحمل المسؤولية الكاملة عن حياته واختياراته‪ .‬من جهة أخ رى اعت بر أورتيغ ا ان‬
‫المستقبل هو الجانب األكثر أهمية في الزمانية ألنه “المنطقة المفتوحة” ال تي يوج ه اإلنس ان‬
‫نفسه تجاهها والتي يظهر فيها اإلنسان كيانه‪ .‬يوجه الفرد نفسه نحو المستقبل‪ ،‬وبالتالي يأخ ذ‬
‫على عاتقه ميراث الماضي‪ ،‬متجها نحو الحاضر الراهن والصعب‪ .‬باختصار‪ ،‬فإن الحاضر‬
‫ينبع من الماضي من أجل توليد المستقبل‪.‬‬

‫إن مقارب ة أورتيغ ا للماض ي والحاض ر والمس تقبل كوح دة زمني ة تأخ ذ طابع ا خاص ا في‬
‫عالقتها بالفرد‪ .‬فمن خالل تجارب الحياة‪“ ،‬يجمع اإلنسان بين الوجود والألوجود”‪ .‬لذلك فان‬
‫تجرب ة الحي اة ليس ت أحادي ة البع د زمني ا ب ل يجب النظ ر اليه ا من خالل األبع اد الثالث ة‬
‫للماضي‪ ،‬الحاضر والمستقبل‪ .‬فاذا كان الفرد يفكر في الماض ي فالن ه يض طر باس تمرار ل‬
‫اتخاذ قرارات واعية ترتبط بالحاضر والمستقبل‪ .‬الحياة‪ ،‬الموت‪ ،‬حرية االختيار‪ ،‬ومحدودية‬
‫تسكن تجارب الحياة‪ .‬فاختيار الفرد ا و “القدر جزء ال يتج زأ من هن ا واآلن‪ .‬بن اء على ه ذا‬
‫فان الزمانية متأصلة في اإلنسان‪:‬‬

‫الماضي هو زمن هوية اإلنسان الذي ال يرحم‪ . .‬ولم ا ك ان وج ود االنس ان إيلي ا ‪)Eleatic‬‬
‫نسبة إلى مدرس ة زين ون االيلي القائل ة بالج دل ونفي الك ثرة) وج ودا يرتب ط بم ا ك ان ف ان‬
‫وجوده الفعلي ال يتعلق بالماضي وانما ب “الوجود كم ا لم يكن من قب ل” وه و به ذا المع نى‬
‫فاإلنس ان وج ود ال ايلي ‪ .non-Eleatic‬ل ذلك يتج اوز مفه وم “الوج ود” داللت ه التقليدي ة‬
‫الثابتة‪ .‬ونتيجة لهذا فان االنسان استمرار في الوجود (‪ .)Obras, VI: 39‬الوجود الفعلي‬
‫لإلنسان اذن ال يتعلق بالماضي أو بالمستقبل فقط وانما أيضا بالحاضر في عالقته بالماضي‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فان تاريخية االنسان تجعل التجليات الزمني ة ألبع اده الحيوي ة واض حة‪ .‬من خالل‬
‫العالقة بين مفهومي “أنا” و “ظروفي “‪ ،‬استطاع أورتيغا الموازنة بين مبدئي التنوع الفردي‬
‫م ع فلس فته للحي اة‪ .‬من خالل النظ ر إلى الف رد كك ائن ت اريخي في زمان ه‪ ،‬تمكن أورتيغ ا‬
‫إلرساء مبدأ التماسك لحقائق الفرد والمجتمع والتاريخ؛ وسيتجلى هذا التوجه الفينومينولوجي‬
‫في فلسفته عن المجتم ع البش ري ونظريت ه لألجي ال‪ .‬من منطل ق ان الحي اة عملي ة الح دوث‬
‫الزمانية للفرد فان القول بان “اإلنسان يستمر في الوجود” يأخذ كامل معناه‪.‬‬

‫القول بان الحياة البشرية تتأسس كنقطة استشراف للواقع‪ ،‬ف ان واق ع اإلنس ان ال ينفص ل عن‬
‫ظروفه وعن العالم‪ .‬من جهة أخرى يرتبط الفرد بالكائنات الحية األخ رى‪ .‬حس ب أورتيغ ا‪،‬‬
‫“يجب على جميع الحقائق أن تجعل نفسها حاضرة داخل حدود حياتنا البشرية”‪ .‬فحياة الف رد‬
‫ترتبط بحياة اآلخرين وباألشياء المادية‪.‬‬

‫على ه ذا األس اس‪ ،‬ف إن اإلنس ان كوج ود في الع الم ال يتص ور ه ذا الع الم خ ارج ان اه‪ ،‬ألن‬
‫جوهر وج وده ه و فاعلي ة في الع الم‪ .‬به ذا المع نى يأخ ذ الوج ود عن د أورتيغ ا في عبارت ه‬
‫الشهيرة “انا هو انا وظروفي ” طابعا مزدوجا‪ :‬فهو وجود لذاته من حيث كون “أنا هو أن ا”‪،‬‬
‫ووجود مع وألجل االخرين من حيث صلته بـ “ظروفي “‪ .‬يضيف أورتيغا في هذا السياق‪:‬‬

‫‪“ ‬عالم كل واحد منا ليس‪ ‬عودا دائما‪   totem revolutum ‬ولكنه منظم في “حقول‬


‫برجماتية “‪ .‬فكل شيء ينتمي إلى واحد من هذه الحقول باعتباره وجودا‪-‬ألجل مع‬
‫اآلخرين‪)Obras, VII: 130( .‬‬

‫ولتعزي ز طرح ه يستحض ر أورتيغ ا ك ل من كان ط وهوس رل اذ يف ترض أن “جمي ع الن اس‬
‫يعيشون في نفس العالم الواحد”‪ .‬ويكتب‪:‬‬

‫هذا ما نسميه السلوك الطبيعي العادي واليومي ولهذا فان الوجود مع اآلخرين في الع الم ه و‬
‫وجود‪ -‬مع ووجود مشترك‪)Obras, VII: 152( .‬‬

‫فكل تفاعل مع الغير “هو عالقة فاعلة في االتجاهين معا “‪ .‬بهذا المع نى ف إن اكتش اف جس د‬
‫الغير‪ ،‬كوجود في الواقع هو انكشاف ” لألنا ” كمقابل وكوجود‪-‬مع اآلخرين‪ .‬هذا الش كل من‬
‫الوجود من أجل ذاته ومن اجل الغير هو جزء ال يتج زأ من الوج ود‪ -‬في‪ -‬الع الم والوج ود‪-‬‬
‫مع‪-‬الغ ير‪ .‬به ذا الش كل تمكن أورتيغ ا من تق ديم مقارب ة فينومينول وجي لتفاع ل االف راد في‬
‫المجتمع البشري‪ .‬ويضيف شارحا‪:‬‬

‫ان ظهور الغير هو الوجه االخر لعالمنا‪ ،‬ألنه عن دما ن درك ألول م رة وجودن ا‪ ،‬نج د أنفس نا‬
‫ليس فقط مع الغير وانم ا معت ادين على وج وده‪ .‬وه و م ا يقودن ا إلى ص ياغة ه ذه النظري ة‬
‫االجتماعية األولى‪ :‬اإلنسان هو انفتاح لحظة الوالدة‪   ‬على الغير‪ ،‬على الموجود الغريب؛ أو‬
‫بعبارة أخرى‪ ،‬قبل أن يدرك كل واحد من ا نفس ه‪ ،‬تتش كل لدي ه الخ برة األساس ية ب أن هن اك‬
‫آخرين ليسوا “انا “‪ ،‬بل الغير؛ وهذا يعني ان االنس ان ليس فق ط مج رد والدة وانم ا انفتاح ا‬
‫على الغير …‪ .‬هذا االنفتاح على الغير‪   ‬هو حالة اساسية ودائمة لإلنسان وليس مجرد فع ل‬
‫تجاه الغير … لكن هذا االنفتاح ليس بعد “عالقة اجتماعية” بش كل ص حيح‪ ،‬ألنه ا لم تتحق ق‬
‫بعد كفعل‪ .‬إنه وجود مش ترك يتش كل ض من “العالق ات االجتماعي ة” الممكن ة‪ .‬ه و حض ور‬
‫بسيط في أفق حياتي‪ ،‬حضور باعتباره انسجامًا مع الغير (‪)Obras, VII: 149–50‬‬
‫من خالل القول بالع الم االجتم اعي ك أفق يق ترب خوس يه أورتيغ ا أي غاس يت مم ا ج اء ب ه‬
‫هوسرل في حديثة عن تجربة التفاعل البشري بين “أن ا” و “نحن” و “اآلخ ر” حيث تش كل ”‬
‫أنا ” الوحدة األساسية للعالم االجتماعي‪ ..‬يعلق أورتيغا بان هوسرل قد أوضح ه ذا جي دا في‬
‫قوله بان‪ ”،‬إن معنى كلمة انسان يعني ضمنيا ً وجود متفاعال بين ه ذا وذاك‪ ،‬أي بين جماع ة‬
‫من الناس وذاك والمجتمع “(‪.)Obras, VII: 148‬‬

‫‪ ‬كما رأينا سابقا‪ ،‬في وصفه الواقع‪ ،‬افترض خوسيه أورتيغا أي غاسيت للتمي يز بين األش ياء‬
‫(أي النباتات واألحجار والحيوانات) واإلنسان أن األشياء موجودة بينما اإلنسان يعيش وه و‬
‫بذلك ليس فقط مجرد جزء من الطبيعة‪ .‬جميع األفعال اإلنسانية الفردية‪ ،‬في اعتقاد أورتيغ ا‪،‬‬
‫موجهة نحو موضوعات تتعلق بالسياق المادي والمك اني‪ .‬إذا ك ان الموض وع احج را مثال‪،‬‬
‫فإن الفعل سيكون أحاديا؛ اما إذا كان حيوانا‪ ،‬سيكتش ف الف رد أن أفعال ه ت ترتب عنه ا ردود‬
‫فعل من الحيوان‪ .‬ليكتب‪:‬‬

‫نحن نعلم أن الحجر ال يعي ما نفعل به …‪ .‬لكن تتغير العالقة فيما يتعل ق ب الحيوان… إذن‪،‬‬
‫ليس هناك شك في أن عالق تي ب الحيوان تختل ف عم ا هي علي ه في حال ة الحج ر‪ .‬فقب ل ان‬
‫أخطط لم سأقوم به أتوقع رد الفعل المحتمل الحيوان بطريقة تجعل أفعالي تتجه نحو الحيوان‬
‫ولكنها تعود إلى بمعنى عكسي‪ ،‬توقعًا لرد الحيوان‪)Obras, VII: 133–34( .‬‬

‫نجد أن هذا النوع من االنعكاس المتعالي للفعل ورد الفعل ثم االستجابات المتبادلة ساسي في‬
‫العالم االجتماعي‪ .‬مع وجود حيوان كموضوع يمكن للفرد أن يوجه إليه أفعاله‪ ،‬يجد االنس ان‬
‫نفسه امام استجابة متبادلة أكثر مما يحدث بالحجارة وغيرها من األش ياء غ ير الحي ة‪ .‬ل ذلك‬
‫فان وجود الحيوان بالنسبة لإلنسان هو وج ود‪-‬ألج ل ووج ود‪-‬م ع وان لم يكن بنفس الدرج ة‬
‫كما هو الشأن بين اإلنسان واإلنسان‪ .‬ومع ذلك يبقى السؤال‪ :‬ما هو نوع السلوك ال ذي يمكن‬
‫اعتباره اجتماعيا؟ يجيب أورتيغ ا ب أن الس لوك االجتم اعي ينط وي على تفاع ل متب ادل بين‬
‫األفراد‪ ،‬على النقيض من األفعال بين االنسان والحيوانات‪ .‬هو نوع من المعامل ة بالمث ل في‬
‫الفعل‪ .‬هنا يتساءل أورتيغا‬

‫‪  ‬أال تشير كلمة “اجتماعي” إلى كون اإلنسان يفعل في مواجهة ذوات أخرى‪ ،‬والتي بدورها‬
‫تفعل تجاهه وبالتالي‪ ،‬نوع من المعاملة بالمثل … باختصار ولقول نفس الشيء بطريقة‬
‫أخرى‪ ،‬أن الفاعلين يستجيبان لبعضهما البعض أي أنهما يتوافقان؟‪Obras, VII: 135–( ‬‬
‫‪)37‬‬

‫يرى أورتيغا أنه من خالل تجربة الغير كذات أخ رى‪ ،‬ف إن “أن ا” يفهم ه ويتص ل ب ه كوح دة‬
‫مماثلة ل “أنا” ترتبط ارتباطا وثيقا بـ “ظروف ه” أيض ا‪ .‬يتجلى ه ذا التفاع ل يح دث بطريق ة‬
‫تجعل “األنا”‪ ،‬ما يقر بذلك أورتيغا‪ ،‬يدرك عالم الغير وعالم “األنا” كعالم واحد وكنفس العالم‬
‫من زأوية موضوعية وتجريبي ة‪ .‬ألنن ا جميع ا ن درك الواق ع من خالل إدراكن ا الحس ي وان‬
‫كانت تصوراتنا الفردية لهذا الواقع مختلفة‪ .‬بالنسبة أورتيغا‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬أنا الوحيد ال ذي ه و‬
‫“أنا”‪ .‬الما باقي “االنا” فهي موضوعات بمع نى أن ه يُنظ ر إليه ا على أنه ا موج ودات مادي ة‬
‫“شخص ا آخ ر” أي إدراكه ا على أنه ا تمتل ك كاًل من الجس د‬
‫ً‬ ‫فق ط‪ ،‬لكن بمج رد اعتباره ا‬
‫والداخل‪ ،‬أي “انا ” أخرى‪ ،‬يشار إليها باسم “الغير “‪ .‬مك اني الخ اص في ه ذا الع الم اي في‬
‫الزمان والمكان يرتبط بـ ” أنا ” وجسدي‪ .‬لذلك‪ ،‬عندما تواجه” األنا “خاص تي األن ا الغريب ة‬
‫“‪ ،‬من الضروري لها أن تتجاوز نفسها ع بر مح اوالت مجدي ة لفهم وإدراك وج ود ال ذوات‬
‫األخرى‪ .‬بهذا المعنى فإن الغير ‪-‬وف ًقا ألورتيغا‪ -‬يجسد” األن ا “ال تي تمتل ك نوع ا مم اثال من‬
‫ال وعي‪ ،‬الباطني ة والعزل ة ومن الص فات األولي ة والثانوي ة الموج ودة في “األن ا”‪ .‬وهك ذا‪،‬‬
‫بالنسبة ألورتيغا‪ ،‬من أجل محاول ة دخ ول ه ذا الب اطن‪ ،‬يص بح من الض روري التع الي‪ .‬إذ‬
‫يوضح‬

‫تعني “الحياة البشرية” بشكل دقيق وحصري حياة كل ف رد‪ ،‬بمع نى أنه ا دائم ا [وأب ًدا تع ني]‬
‫حياتي وحسب… وأضيف أنه في ح ال واتت الفرص ة لظه ور ش يء في ه ذا الع الم تج در‬
‫تسميته بـ”الحياة البشرية” بمعنى آخر‪[ ،‬معنى] ال يكون رادكال ًي ا‪ ،‬وال أساس ي‪ ،‬أو جلي‪ ،‬ب ل‬
‫[معنى] ثانوي مشتق‪ ،‬وكامن ‪-‬إلى حد ما‪ ،-‬وقائم على االفتراض … ما ه و حاس م في ه ذه‬
‫الخطوة وظاهر هو [التالي]‪ :‬حينما تكون حياتي وكل ش يء فيه ا ‪-‬كونه ا جلّي ة بالنس بة إليّ ‪،‬‬
‫وكونها لي أنا‪ -‬ذات سمة جوهرية‪ ،‬ولهذا فإن الحقيقة البديهي ة ب أن حي اتي جوهري ة ل ذاتها‪،‬‬
‫وبأنها كلها داخل ذاتها‪ ،‬فالتقديم الغير مباشر‪ ،‬أو ‪ ،compresence‬لوج ود الغ ير يجعلن ا‬
‫في مواجهة مع شيء يتعإلى على حياتي ذاتها (‪)Obras, VII: 141‬‬

‫من خالل وساطة العالم البشري كحياة بشرية جماعية يتواصل االنا والغير‪ .‬إن واقع “األنا ”‬
‫كداخل هو فريد من نوعه بالنسبة ل “أنا “كتع الي له ذه ” األن ا ” على الغ ير‪ .‬ف وعي ” األن ا‬
‫“منفصل عن وعي الغير من خالل التمييز ذاته الذي يفصل أوال وعي” أن ا “بجس ده‪ ،‬وثاني ا‬
‫جسم” األنا ” عن جسم الغير‪ ،‬وأخيرا‪ ،‬التمييز الذي يفص ل جس م الغ ير عن وعي ه‪ .‬فأجس اد‬
‫“األنا” والغير هي كما يسميها أورتيغا “مراكز بث” ضرورية‪ ،‬بين وعي “أنا” والغير‪ .‬ل ذلك‬
‫فإن العالقات بين “األنا” والغ ير هي عالق ة من الخ ارج المتع الي‪“ .‬م ا ه و الجلي يقي ًن ا في‬
‫حياتي؟”‪ ،‬يشرح أورتيغا [قائاًل ]‪:‬‬

‫بأن التنبيه أو اإلشارة التي [تنبهنا] إلى وجود حيوات بش رية أخ رى؛ ب ْي د أن الحي اة البش رية‬
‫في رادكاليتها الخاصة بها‪ ‬لي [وحدي]‪ ‬وحسب‪ ،‬وستكون هذه حيوات لألخرين مثلي‪ ،‬كل له‬
‫حياته الخاصة به‪ ،‬ويستوجب من هذا بأن وجود حياة بشرية أخرى يعني أنه ا توج د خ ارج‬
‫حياتي الن حي اتي خاص ة بي كله ا س تقع خ ارج أو م ا وراء حي اتي‪ .‬ل ذلك فهي متعالي ة‪( .‬‬
‫‪)Obras, VII: 142‬‬

‫على ه ذا األس اس يص بح الف رد وج ودا في الع الم‪ ،‬مق ابال للغ ير ومع ه‪ .‬ان ه وج ود مح دود‬
‫تجريبيا يجب عليه أن يتجاوز حدود “واقعه “‪ .‬يتضح مرة أخرى ذل ك التق ارب بين خوس يه‬
‫أورتيغا أي غاسيت والفلسفة الوجودية‪ ،‬فهو نفى أن يكون الفرد قادرا على اتخاد قرارات أو‬
‫خيارات حرة لتجاوز حدود الوجود وتحقيق الوعي الفردي‪ .‬كما سبقه ل ذلك هوس رل‪ ،‬اعتق د‬
‫أورتيغ ا تب ني الموق ف المتع الي ح تى يتمكن الف رد من فهم ووعي تجرب ة “الغ ير”‪ .‬وهك ذا‬
‫ترتب ط الفلس فات الظاهري ة والوجودي ة مع ا‪ ،‬ألن الف رد مح دود تجريبي ا وفري دا من حيث‬
‫“ظروفه” زمانا ومكانا في العالم هنا واآلن‪ .‬بهذا الشكل يستطيع الشخص التعالي على‬
‫“واقعه”‪ .)Obras, V: 545–47( ‬رغم دحضه لفكرة هوسرل بشأن “التحول التناظري‬
‫المجرد” و “االختزال المتعالي “‪ ،‬اال انه اس تمر وفي ا للنهج الفينومينول وجي من خالل قول ه‬
‫بض رورة التع الي على التجرب ة الفردي ة كأس اس لفهم تجرب ة الواق ع متوافق ا ب ذلك م ع‬
‫هيدغر‪ ،‬سارتر‪ ‬وميرلوبونتي‪ .‬من زأوية انطولوجية‪ ،‬اعتبر أورتيغا أن جسم اإلنسان مرتبط‬
‫بمجموع ما أسماه الحياة البشرية أو الواقع‪ ،‬وعلى هذا النحو كأساس لبنيت ه الحيوي ة‪ .‬بمع نى‬
‫أوضح فالجس م ه و جس د ف رد بق در م ا ه و موج ود في وح دة ال تنفص ل عن واقع ه‪ .‬فه و‬
‫يتساءل‪“ :‬ماذا نعني عندما نقول إن الغ ير أمامن ا‪ ،‬أي ش خص آخ ر مثلي‪ ،‬انس ان آخ ر؟” ثم‬
‫يجيب‬

‫انا واالنا ال تعني شيئا أكثر من “الحياة البشرية” تلك الحياة الخاصة …الفريدة المتعلقة بكل‬
‫واحد منا أي “حياتي”…‪)Obras, VII: 158–59( ‬‬

‫يعتقد البعض أن اإلنسان قادر على فهم الغير من حيث وجوده وجوهره كفهمه لذاته‪ .‬تط رح‬
‫هذه المس الة مش كلة في الفلس فة الفينومينولوجي ة توق ف عن دها ك ل من هوس رل وأورتيغ ا‪.‬‬
‫اقترح هوسرل حال لهذه اإلشكالية من خالل قوله بالتع اطف ‪ empathy‬أو الش عور ب ذاتنا‬
‫في الغير‪ .Einfühlung   ‬مفهوم التعاطف من فلسفة الحياة ‪ Lebenswelt‬هذا نجده عند‬
‫هيوم من خالل فكرة “العطف” ‪sympathy‬كتجربة ندرك من خاللها الغير (هي وم ‪1739‬‬
‫[‪ .)]69–367 :1985‬رفض أورتيغا هذا الطرح ألن ه يف ترض ان “الغ ير” مش ابه لالن ا‪.‬‬
‫اعتقد هو بالمقابل ان الغير وان كان “انا” اخرى ومع ذلك فهو يظه ر لي ك “غ ير “رافض ا‬
‫بذلك القول بفكرة‪ alter ego ‬كمقابل لالنا كما جاء عند هوسرل في‪ ‬التأمالت الديكارتية‪.‬‬
‫لتصبح مسالة “ظهور الغير” أساس ية في موقف ه الوج ودي الفينومينول وجي من الوج ود‪-‬م ع‬
‫الغير وألجل‪-‬الغير‪  .‬للوقوف عند ابعاد هذه اإلشكالية استبدل أورتيغا فكرة” قص ديتي” عن د‬
‫هوسرل بفكرته “حياتي كواقع أساس ي”” (هوس رل ‪–104 ,100–89 :1964[ 1933‬‬
‫‪ ;ZPI: vol. 14, 3–11, 429–33; vol. 15, 40–50 ; ]11‬وشيلر ‪[ 1923‬‬
‫‪.)Obras, VII: 161–63 ; ]50–6 :1954‬‬

‫ليس االنا معزوال في العالم‪  .‬وهذه هي الص فة األساس ية للوج ود م ع الغ ير كم ا يؤك د ذل ك‬
‫أورتيغا نافيا بذلك ان يكون الوجود عبارة عن ذات معزولة تجد نفسها في مواجه ة م ع ذات‬
‫أخرى معزولة أيضا‪ .‬فالغير ك “انا أخرى” يمتلك ميزة‪:‬‬

‫فالغير ليس حادثا أو مغامرة قد تعترض اإلنسان أو ال‪ ،‬بل هو خاصية أصلية‪ .‬أنا المنعزل‬
‫ال يمكن أن يكون “شخصا “اال بوجود اخر يتفاعل معي‪ .‬وقد عبر هوسرل عن ذلك بقوله‬
‫“ان معنى كلمة “انسان” تفترض وجودا متبادال بين ذات وأخرى ما يشكل جماعة من الناس‬
‫أي مجتمعا”‪ .‬وعليه ‪”:‬ال يمكن القول بفكرة الفرد ما لم يكن هناك أناس آخرون حولهم”‪.‬‬
‫لذلك فان فكرة وجود انسان معزول شيء متناقض ذاتيا وال معنى له …‪.‬ال يظهر االنسان‬
‫منعزال وان كانت الوحدة هي حقيقة االنسان وهو مع ذلك يوجد اجتماعيا مع الغير‪ ،‬التردد‬
‫على‪ ‬الفرد بصفته المتلقي (‪.)Obras, VII: 148‬‬
‫“أنا” والغير تتشكالن من خالل ظهورها أمام بعض ها البعض‪ ،‬في ع الم المجتم ع المش ترك‪،‬‬
‫من خالل التفاعل المتب ادل‪ .‬هن ا يتف ق أورتيغ ا م ع هوس رل من حيث محاول ة التوفي ق بين‬
‫عوالم ” أنا “والغير‪ ،‬العزلة والمجتمع‪ ،‬الغير كشرط ال غنى عنه للوجود في العالم‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬في العالم االجتماعي للوجود مع الغير‪ ،‬يوجه الفرد نفسه بعيدا عن االحتم االت ال تي‬
‫قد ينظر إليها على أنها تخصه فقط ويحاول توسيع فهمه لنفسه من خالل االرتباط بإمكانيات‬
‫العالم المشترك لآلخرين‪ .‬يصبح العالم االجتماعي الذي يعيش في ه الف رد باعتب اره الش خص‬
‫الذي يرتبط بأفراد آخرين من خالل عالقات متعددة عالما يفسره ليك ون ذا مع نى إلمكانيات ه‬
‫و “ظروفه” ول “هنا واآلن”‪ .‬من هذا المنطل ق ي دعونا خوس يه أورتيغ ا أي غاس يت إلى أن‬
‫نحاول أن نتحرر من انعزال أنفسنا…” (‪ .)Obras, VII: 140‬ف اذا ك ان البع د الزم اني‬
‫لواقع لإلنسان جزءا ال يتجزأ من واقعه هن ا واآلن‪ ،‬ف إن واق ع الع الم االجتم اعي ه و أيض ا‬
‫اساسي في حياته هنا واآلن‪ .‬كشفت الزمانية الفردية عن نفس ها على أنه ا وعي ببني ة داخ ل‬
‫الذات‪ .‬اما حقيقة العالم االجتماعي فهي تكشف عن نفس ها للف رد كع الم منظم متع دد االبع اد‬
‫يشاركه “األنا” مع الغير‪ .‬التمظ اهرات المكاني ة والزماني ة له ذا الت داخل بين “أن ا ” والغ ير‬
‫تميز عالم” أنا ” عن العالم االجتماعي للغير‪ .‬هنا يوضح أورتيغا‬

‫عالمي هو عالم الناس اآلخرين‪ ،‬أي غير المفرد اكان أو جمع ا‪ ،‬ول دت بينهم وب دأت العيش‪.‬‬
‫انني منذ البداية أجد نفسي ضمن عالم انساني أو مجتمع‪)Obras, VII: 177( .‬‬

‫يكتش ف الف رد “أن اه” من خالل اآلخ رين ع بر م ا حقق وه أوم ا فش لوا في تحقيق ه في الع الم‬
‫االجتماعي‪ .‬وبالتالي فإن تجربة العالم االجتم اعي من قب ل “األن ا” ت برر تحقق ه كوج ود في‬
‫العالم من خالل تجربة الغير الذين يتفاعل معهم “األنا”‪ .‬وتتسع إمكان ات الف رد وفهم ه لذات ه‬
‫لقائه مع ” الغير “في العالم االجتماعي المشترك‪ .‬لكن‪ ،‬ومن زأوية مغايرة ي رى أورتيغ ا ان‬
‫لعالم االجتماعي يقيد إمكانات اإلنسان في عدة ج وانب‪ .‬ذل ك ان االنس ان وباعتب اره وج ودا‬
‫محدودا تجريبيا يواجه باستمرار إمكانية الموت‪ ،‬وان كان بإمكانه بذل مجهود لتجأوز ح دود‬
‫وجوده عبر اتخاذ خيارات وقرارات ح رة‪ .‬وعلى العكس من ذل ك‪ ،‬ف إن اإلنس ان‪ ،‬باعتب اره‬
‫مترابطا اجتماعيا ومحدودا تجريبيا بوجوده مع أفراد آخرين‪ ،‬يجد صعوبة في تجأوز عملي ة‬
‫المعاملة بالمثل كتفاعل ضمن سياق الواقع االجتماعي‪ ،‬وبالت الي‪ ،‬يص بح االنس ان مش روطا‬
‫من قبل المجتمع‪ .‬والن هذا العالم االجتماعي يعني المجال المحتمل للعمل بالنسبة لنا جميعا‪،‬‬
‫يجب على االنسان التمييز بين ما يشكل إمكانيات اآلخر وما يشكل االحتماالت المتأصلة في‬
‫تفرده كوجود محدود‪ .‬يصرح أورتيغا‪:‬‬

‫ما لك غير موجود بالنسبة لي‪ .‬فأفكارك وقناعاتك غير موجودة بالنسبة لي‪ .‬اجدها غريبة‬
‫ومخالفة لي …‪ .‬كلكم مختلفون عني‪ ،‬وعندما أقول “انا” فاني جزء ضئيل جدا في العالم‪،‬‬
‫ذلك الجزء الصغير جدا هو ما اسميه “انا”‪)Obras, VII: 178, 189–90( ‬‬

‫لكن يجب على الفرد أن يعيش ال ك “أنا” معزولة أو متوافقة مع العالم االجتماعي المشترك‪.‬‬
‫بل‪ ،‬يجب أن يعيش ك “أنا” فريدة من نوعها‪ .‬ف الفرد تع ني ذل ك الوج ود المنفتح على الغ ير‬
‫وعلى إمكانات وج وده في ع الم “ان ا” و “نحن”‪“ .‬إن ه في ع الم الغ ير وبفض لهم”‪ ،‬ليض يف‬
‫أورتيغا‪:‬‬

‫ان الشيء الذي انا عليه يتشكل تدريجيا بالنسبة لي‪ .‬اكتشف عددا ال يحصى من الذوات التي‬
‫اختلف عنها من حيث صفاتي عيوبي طبعي وسلوكي بشكل يؤسس لتميزي ك “انت”‬
‫اخر‪alter tu. (Obras, VII: 196) ‬‬

‫مفهوم “العالم االجتماعي”‪ ،‬أو المجتمع عند أورتيغا يتعلق بوص ف التفاع ل الفينومينول وجي‬
‫بين ” أنا ” المفرد وب اقي “االن ا” االخ رين‪ .‬فالع الم االجتم اعي ه و المج ال ال ذي تمت د في ه‬
‫العملية التفاعلية لـ “أنا” و “ظروفها” لتشمل ب اقي ” األن ا ” األخ رى‪ .‬بن اء على ه ذا أص بح‬
‫أورتيغ ا مهتم ا باألنم اط األساس ية للتفاع ل البش ري في الواق ع االجتم اعي‪ .‬م ا العالق ة‬
‫االجتماعية لألفراد فيمكن تعريفها بوصفها الوحدة المميزة للتفاعل المتبادل بين االفراد‪ .‬كم ا‬
‫أوضح ذلك‪:‬‬

‫ان البنية األساسية التي هي العالقة االجتماعية‪ ،‬التي من خاللها يظهر اإلنسان ويكش ف عن‬
‫نفسه أمام االنسان اآلخر‪ ،‬كغير‪ ،‬وكمجهول‪ ،‬كفرد لم يتم تحديده بعد‪ ،‬ك “انت وأنا”‪ .‬أصبحنا‬
‫اآلن مدركين لشيء يشكل عامال مكونا في كل ما أسميناه “العالقة االجتماعية” أي أن كل ما‬
‫نقوم به وكل ردود افعال اآلخرين هذه تتك ون من خالله ا م ا يس مى “العالق ة االجتماعي ة”‪،‬‬
‫تنش أ عن ف رد ” أن ا” على س بيل المث ال‪ ،‬وتتج ه إلى ف رد آخ ر على ه ذا النح و‪ .‬ل ذلك ف ان‬
‫“العالقة االجتماعية” هي واقع بين‪-‬افراد‪)Obras, VII: 202–3( .‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ .9‬الواقع االجتماعي‪“ ،‬انسان الحشد” و ” مجتمع الحشود”‬

‫إن سلوك األفراد وتف اعلهم في الع الم االجتم اعي‪ ،‬بالنس بة إلى أورتيغ ا‪ ،‬يش كل حقيق ة قابل ة‬
‫للتحليل الموضوعي باعتباره المج ال ال ذي ق د نتص ور في ه الوظ ائف الملموس ة للتف اعالت‬
‫البشرية ونفسرها‪ .‬تنتظم مقاربة أورتيغا للعالقات االجتماعية حول نظريات “النخبة المبدعة‬
‫“و”انسان الحشد “و”مجتمع الحشود”‪ .‬بالنسبة إلى أورتيغا‪ ،‬ف إن مف اهيم ” انس ان الحش د “و”‬
‫مجتمع الحشود “هي كتمظهرات للظواهر االجتماعية والتاريخية التي يمكن إدراكها‪ ،‬جزئيا‪،‬‬
‫من خالل اعدادها وحجمها الهائل في العالم االجتماعي‪ .‬لكنه يشير على الف ور إلى أن حج ة‬
‫الكمية المطلقة بالكاد تفسر بدقة أو بشكل كاف حقيقة أننا “نرى ان ه ذا الع دد الكب ير يمتل ك‬
‫األماكن واألدوات التي أنشأتها الحضارة” لذلك فان الترك يز أك ثر على الص فات الجوهري ة‬
‫إلنسان الحشد من شانه ان يقربنا من فهم تمظهراته من حيث التكتل والعدد (‪Obras, VII:‬‬
‫‪ .)144, 143‬اذ يجب أن نرك ز في مقاربتن ا الفلس فية إلنس ان الحش د ومجتم ع الحش ود‬
‫والنخبة كمفاهيم اجتماعي ة على خصائص ها النوعي ة أك ثر من خصائص ها الكمي ة‪ .‬ذل ك ان‬
‫تحديد الصفات النوعية لما يشكل الحشود والنخبة أكثر أهمية لفهم ليس فقط لألفراد الفريدين‬
‫في المجتمع ولكن أيضا للوقوف عند إمكانات اس تمرار ه ؤالء األش خاص الفري دين كوح دة‬
‫دينامية‪ .‬يكتب أورتيغا‪: ‬‬

‫مفهوم التعدد هو كمي وبصري‪ .‬إذا قمنا بترجمة المفهوم إلى مفاهيم اجتماعية دون تغيير‬
‫طابعه‪ ،‬فإننا نجد فكرة الكتلة االجتماعية‪ .‬المجتمع هو دائما وحدة دينامية تتكون من عاملين‬
‫مكونين‪ :‬األقليات والجماهير‪ .‬تتعلق األقليات بأفراد أو مجموعة أفراد مؤهلين تأهيال خاصا‪.‬‬
‫اما الكتلة فتشير إلى مجموعة من األشخاص غير المؤهلين بشكل خاص‪ .‬لكن ال ينبغي أن‬
‫يفهم من معنى الكتلة انها تتعلق فقط‪“   ‬الجماهير العاملة” ذلك ان الكتلة انما تشير إلى‬
‫“االنسان العادي”‪ .‬بهذا المعنى فان ما كان يحدد أوال عدديا أصبح االن يتعلق بمجموع‬
‫صفات نوعية مشتركة تتعلق بذلك االنسان غير المتميز عن غيره‪ ،‬العام‪ ،‬اما األقلية فتشير‬
‫إلى كل من ينفصل عن العام نتيجة لدوافع خاصة وفردية …‪ .‬وهذا ما يشكل األقلية‪( ‬‬
‫‪)Obras, IV: 145–46‬‬

‫بالنس بة إلى خوس يه أورتيغ ا أي غاس يت‪ ،‬يجب على” المؤه ل بش كل خ اص ” أي المنتمي‬
‫للنخبة‪“ ،‬االنس ان المخت ار “‪ ،‬أن يفص ل نفس ه عن القيم المش تركة للجمي ع من خالل وض ع‬
‫سقف مطالب أكبر بالنس بة لنفس ه وباالس تفادة من تف رد واقع ه‪ .‬يجب علي ه إذن أن ينس حب‬
‫أحيان ا من الواق ع االجتم اعي لآلخ رين إلى واق ع “األن ا” وأن يتجاه ل للحظ ات القيم‬
‫الموضوعية للعالم االجتماعي ويخلق القيم الذاتية المستمدة من تفرد وجوده‪ .‬ه ذا االنس حاب‬
‫عزلة ضرورية كلما واجهت ه قي ود الحش ود‪ .‬لنج د هن ا ان أورتيغ ا يق ترب بش كل كب ير من‬
‫مفهوم االنسان األعلى عند نيتشه‪ .übermensch ‬اذ يرى نيتشه ان االنسان األعلى‬
‫يحرر نفسه من “اخالق العبيد “عبر خلق قيمه الخاصة‪( ‬نيتشه‪.)]43–36 :1969[ 1887‬‬
‫هكذا يعتقد أورتيغا أن الفرد ملزم بأن يتجاوب مع ظروف العالم االجتماعي ويتفاعل بنش اط‬
‫مع األفراد اآلخرين‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن تطور الوعي الفردي وتحقيق اإلمكان ات الحيوي ة للف رد‬
‫يستلزم أيضا انسحابا من الواقع االجتماعي كعزلة الذات لكن دون انغالق األنا‪ ،‬وذلك بهدف‬
‫تحقيق تفرد “األنا” ضد قيود المجتمع في إطار التفاعل البشري المتبادل‪ .‬على ال رغم من أن‬
‫أورتيغا رأى أنه “ال يوجد خلق دون انسحاب الذات”‪ ،‬إال أنه أك د أيض ا أن “أن ا” مل زم ب أن‬
‫يواجه الغير ويصطدم به في إطار الصراع الذي يسميه “العالقات االجتماعي ة”‪ .‬ان دينامي ة‬
‫“الال‪-‬عزلة ” ال تتحقق فقط من خالل أفعال وابداعات الفرد في العالم االجتماعي باتجاه ” أنا‬
‫” إلى الغير‪ ،‬ولكن أيضا باتج اه الع الم االجتم اعي هن ا واآلن وفي المس تقبل ومن جي ل إلى‬
‫آخر‪ .‬بالنسبة إلى أورتيغ ا‪ ،‬يجب على االنس ان‪   ‬أن ينس حب من الع الم االجتم اعي لتحقي ق‬
‫اإلمكانيات الحيوية لوجوده‪ ،‬ولكن أيض ا لمحاول ة خل ق وتفعي ل االحتم االت الحيوي ة للع الم‬
‫االجتماعي التي يتم من خاللها تتحدد ظ روف وج وده‪ .‬به ذا الش كل يس اهم الف رد من خالل‬
‫انخراطه الفاع ل واالجتم اعي في ص نع ج وهر المجتم ع والت اريخ وج وهر وج وده ه و‪( .‬‬
‫‪  .)Obras, V: 79–80‬تقودن ا ه ذه الزماني ة‪-‬المكاني ة لإلنس ان وظروف ه للح ديث عن‬
‫مقاربة أورتيغا لمفهوم “الجيل” ودور هذا المفهوم في فلسفته التاريخية‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ .10‬مفهوم الجيل‪ ،‬الزمانية‪ ،‬العقل التاريخي والفلسفة النقدية للتاريخ‬

‫يكشف العالم االجتماعي عن تجارب األفراد اآلخرين في الع الم المش ترك‪ ،‬أي الحاض ر من‬
‫حيث هو هنا واآلن‪ .‬الواقع االجتماعي بالنسبة ألورتيغا لم تتم تجربته بعد بش كل مباش ر من‬
‫قب ل الف رد في إط ار هن ا واآلن ولكن ه معاص ر لحي اة الف رد ويمكن بع د ذل ك تجربت ه في‬
‫المستقبل‪ .‬ذلك الهن ا واالن يجم ع بين الف رد وب اقي االف راد المعاص رين ل ه (‪Obras, V:‬‬
‫‪ .)36–42‬هكذا يكشف الواقع االجتماعي لـ “المعاص رين” عن العملي ة الواعي ة لجي ل من‬
‫األفراد كعملية زمنية‪.‬‬

‫إن الزمانية في حياة األفراد المعاصرين لبعضهم وم ا أس ماه خوس يه أورتيغ ا أي غاس يت “‬
‫‪ ”coevals‬هي أساسية لمفهوم الجي ل‪ .‬به ذا المع نى‪ ،‬يرتب ط اإلنس ان بمع نى ال زمن حيث‬
‫ترتبط أحداث حيات ه بمواض عها في ال زمن المناس ب ويتش كل ب ذلك مفه وم الجي ل وأس اس‬
‫التغيرات التاريخية‪ .‬ذلك ان حياة االنسان كبنية متغيرة مع تقدمه في السن والعم ر وم ع ك ل‬
‫ما لم يعد هنا وليس هنا بعد‪ .‬يكتب أورتيغا بان “الحقيقة األساسية في حياة اإلنسان‪:‬‬

‫هي أن بعض الرجال يموتون ويولد آخرون‪ .‬حياة اإلنسان‪ ،‬في جوهرها‪ ،‬محاطة باألرواح‬
‫األخرى التي جاءت من قبل أو التي ستأتي بعد‪-‬إنها تخرج من حياة واحدة وتذهب إلى حياة‬
‫أخرى‪ .‬هنا اذن تكمن الضرورة الحتمية للتغير في بنية العالم…لكن هذا ال يعني أن شباب‬
‫اليوم يختلف عن شباب األمس؛ ولكن من المحتم أن يكون لحياته إطار مختلف عن إطار‬
‫األمس‪ .‬وهذا يبرر سبب وفترة التغيرات التاريخية المرتبطة بشكل أساسي بحياة اإلنسان‪،‬‬
‫ذلك أن هذه الحياة البشرية ترتبط دائما بعصر أي بفترة زمنية‪ .‬الحياة هي الزمن كما أشار‬
‫لذلك دليتاي‪ Dilthey ‬وكما كرر ذلك اليوم هيدغر‪Heidegger ‬؛ وهي ليست الزمن‬
‫الكوني ألنه غير محدود‪ ،‬اما هي فمحدودة نحو النهاية‪ ،‬وهي الزمن الحقيقي‪ ،‬والزمن الذي‬
‫ال يمكن إصالحه‪ .‬لهذا السبب فان لإلنسان عمرا‪ .‬العمر هو وجود االنسان في جزء معين‬
‫من زمنه المحدود سواء كان بدايته‪ ،‬منتصفه ونهايته الوشيكة‪ ،‬أو كما اعتدنا ان نتحدث عن‬
‫الطفل‪ ،‬البالغ‪ ،‬الشاب والعجوز‪)Obras, V: 37( .‬‬

‫من خالل مبدأ التغيير يصبح مفهوم الجيل عند خوس يه أورتيغ ا اي غاس يت ه و ذل ك المب دأ‬
‫ال ذي من خالل ه يلتقي هن ا ‪-‬واآلن‪ ،‬وليس ‪-‬هن ا ‪-‬ح تى ‪-‬اآلن م ع الواق ع الزم ني للع الم‬
‫االجتم اعي‪ .‬وهك ذا فمن خالل الح ديث عن‪“  ‬زمن‪  ‬الحي اة” على أن ه يتك ون من الش باب‬
‫والنضج والشيخوخة يميز أورتيغا بين مفهوم الجيل باعتباره‪  ‬تمي يزا افقي ا‪  ‬لألف راد األحي اء‬
‫باعتبارهم “معاصرين” إلى جانب‪  ‬التمييز العمودي من خالل‪  ‬العمر ‪ ،‬بين الشباب والنضج‬
‫والشيخوخة من خالل قوله بمفهوم‪ ”coevals“  ‬الذي يتعلق ب ذلك التفاع ل بين االف راد من‬
‫نفس العمر تقريبا مفهوم الجيل به ذا المع نى يرتب ط ب ‪( coevals‬االق ران بمع نى م ا) ثم‬
‫المعاصرين المنتمين لنفس الحقبة الزمنية بغض النظر عن أعمارهم وأخ يرا بتفاع ل ه ؤالء‬
‫مع الزم ان و المك ان (‪ .)Obras, V: 37–38‬وعلي ه‪ ،‬اعتق د أورتيغ ا ان مفه وم الجي ل‬
‫أساسي لفهم الوضع البشري‪ .‬ومع ذل ك‪ ،‬ف إن س ؤال يف رض نفس ه هن ا‪ :‬كي ف نم يز ه ؤالء‬
‫األف راد المتف اعلين م ع ” ظ روف ” واقعهم وال ذين تختل ف ع والمهم االجتماعي ة عن تل ك‬
‫الخاصة ب أفراد اخ رين؟‪  ‬ق د يمتلك ون نفس العم ر وأنش طتهم معاص رة‪ ،‬لكن ق د ال يجمعهم‬
‫بالضرورة أي “اتص ال حي وي” م ع مجموع ة اجتماعي ة أخ رى‪ ،‬ألن ع والمهم االجتماعي ة‬
‫مختلف ة مكان ا وليس زمان ا‪ .‬يأخ ذنا ه ذا الس ؤال إلى االبع اد التاريخي ة لمفه وم الجي ل عن د‬
‫أورتيغا‪.‬‬

‫تسلط الطبيعة التاريخية للواقع البشري والفكر االجتماعي الضوء على فكرة خوسيه أورتيغا‬
‫أي غاسيت القائلة بأنه “ال يوجد جيل يتشكل تلقائيا” بالنظر إلى “تسلسل األجيال” واس تمرار‬
‫التاريخ‪ .‬تعكس معتقدات الناس وأفكارهم ما نسميه “عقول الناس” في عالقتهم بالجي ل ال ذي‬
‫ينتمون اليه وبوصفهم جزءا من “حدوث” لعملية تاريخي ة (‪ .)Obras, VI: 202–4‬إذن‬
‫وكما قلنا سابقا فان وجود االنسان في نظر أورتيغ ا ه و” مج رد م ا يح دث لإلنس ان”‪ ,‬وه و‬
‫حدوث باتجاه المستقبل (‪ .)Obras, VI: 37, 40-41‬هذا الشعور التاريخي باالستمرارية‬
‫بين “عق ول الن اس” واألجي ال يمكن أورتيغ ا من التأكي د م رة اخ رى أن الف رد ال يمكن ه أن‬
‫يعيش منغلقا على “اناه” (سواء كان” انسان حشد “أو” نخبة “)‪  .‬ال يتطور الفكر االجتم اعي‬
‫بش كل ع ام وال أفك ار االف راد بش كل خ اص إذا م ا ع اش منغلق ا على ذات ه ‪solipsistic‬‬
‫‪ .vacuum‬كوج ود اجتم اعي‪ ،‬تت أثر افك ار الف رد بالماض ي وبالس ياق الت اريخي والع الم‬
‫االجتم اعي ال ذي ظه رت في ه‪ .‬من ه ذا المنطل ق‪ ،‬ف ان ك ل من‪ :‬اإلنس ان‪ ،‬ال زمن‪ ،‬الفك ر‬
‫والمجتمع تأخذ معنى‪   ‬تاريخي بشكل أساسي‪ .‬بالنسبة ألورتيغا‪ ،‬ال يولد الف رد في مك ان م ا‬
‫ولحظة ما؛ وإنما في لحظة معينة من الزمن وفي مكان محدد في الفضاء‪ .‬الحياة البشرية لها‬
‫بداية ونهاية‪ ،‬وعند دخول العالم ‪ ،‬يدخل اإلنسان إلى عالم اجتم اعي يعطى ل ه ب التزامن م ع‬
‫العملية التاريخية في بعدها الزمني‪ .‬وكما أكد ذلك أورتيغا سابقا فان “االنسان ال طبيعة له‬
‫… بل له تاريخ “لهذا نقول “االنسان هو صانع نفسه… ‪”causa sui ‬‬

‫(‪ .)Obras, VI: 33‬الت اريخ‪ ،‬إذن‪ ،‬ه و العملي ة ال تي يص بح من خالله ا ج وهر اإلنس ان‬
‫واضحا كفرد وكوجود اجتماعي‪ .‬كوجود فردي‪ ،‬يعي االنس ان داخلي ا العملي ة تاريخي ة؛ ام ا‬
‫كوجود في العالم‪ ،‬يختبر اإلنسان تعاقب األجيال كحدوث خ ارجي داخ ل العملي ة التاريخي ة‪.‬‬
‫افترض أورتيغا ان “موضوع التاريخ” و “الفكر التاريخي” يتعلقان ب “الظاهرة اإلنس انية ”‬
‫في إطار األحداث الداخلية والخارجي ة‪ .‬ذل ك ان الت اريخ من حيث كون ه تعاقب ا لألجي ال‪ ،‬ال‬
‫يفصح فقط عن السمات األساسية للفرد في وقت ومكان معينين فحس ب‪ ،‬ب ل يق دم لن ا أيض ا‬
‫“مبدأ تنظيميا” يفسر تراب ط الظ واهر االنس انية‪ .‬إن وح دة الماض ي والحاض ر في الت اريخ‪،‬‬
‫بالنسبة ألورتيغا‪ ،‬تتحدد من خالل تجارب األفراد‪  .‬مثل ‪ Croce‬كروس‪ ،‬يعتقد أورتيغ ا ان‬
‫التاريخ “معاصر” و “حي”‪ ,‬في حين أن الحقائق المجردة هي “وقائع ميت ة”‪  .‬من خالل ه ذه‬
‫العالقة بين الت اريخ والحي اة‪ ،‬ع رف خوس يه أورتيغ ا أي غاس يت الت اريخ في اختالف ه عن‬
‫االحداث التي تتميز بحيويتها وانيتها بدال‪  .‬المعاصرة التاريخية بهذا المعنى هي تلك العملي ة‬
‫الديناميكي ة وال تي يمتص ها الماض ي باس تمرار وبن اء علي ه تتغ ير العالق ات بين األح داث‬
‫الماضية واألحداث الحاضرة‪ ،‬لذلك فإن الفيلس وف ال يكتفي فق ط بوص ف وتحلي ل الماض ي‬
‫ولكن يحاول أيضا فهم هذه العالق ات ب التزامن م ع الحي اة البش رية‪ .‬وه ذا م ا يح دد الط ابع‬
‫النقدي للتأويالت التاريخية الذي ينتج عن الق راءة الذاتي ة للماض ي‪ .‬من خالل ه ذه المناول ة‬
‫النقدية للماضي‪ ،‬يحقق الجيل المعاصر وعيا تاريخي ا أعلى بوج وده الف ردي م دركا التغي ير‬
‫الزمني داخل ذاته إلى جانب وعيه بالمظاهر الخارجية للتغيير في العالم االجتم اعي‪ .‬لنق ول‬
‫ان مفهوم الجيل عند أورتيغا متضمن لمفهوم المنهجية التاريخية‪:‬‬

‫إن مفهوم الجيل قد تحول إلى منهج للبحث التاريخي في عالقته بالماضي‪ .‬وهو ما يسمح لنا‬
‫بان ندرك حقيقة الحياة البشرية في كل فترة من الزمن وتلك هي مهمة التاريخ‪ .‬هكذا‬
‫نستطيع ان نرى الحياة من داخلها‪ .‬التاريخ قد يكاد يكون تحويال لما قد مر بالفعل ليصير ما‬
‫هو موجود‪ .‬لهذا السبب فان التاريخ هو إعادة احياء للماضي بالمعنى الدقيق للكلمة وليس‬
‫مجازا‪ .‬والن الحياة ليست اال الراهن والحاضر علينا ان ننتقل باتجاه الماضي وننأوله من‬
‫الداخل ليس كتجارب مرت ولكن كتجارب ما زالت حاضرة‪.)Obras, V: 40( ‬‬

‫لهذا فان الدراسة التاريخي ة مهم ة إنس انية‪ .‬ان ه نهجن ا لمعرف ة الف رد واإلنس انية‪ ،‬فمن خالل‬
‫التاريخ نكتسب ثروة وحكمة الثقافات الماضية‪ .‬إن الوعي النقدي بإمكاني ات االنس ان يمكنن ا‬
‫من مواجهة عصرنا التاريخي برؤى أعم ق وال تزام فع ال‪ .‬ه ذا ويعتم د الت اريخ على وعي‬
‫المؤرخ‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فإن الجوانب اإلنسانية للوعي التاريخي تنبع من إدراك أن حياتن ا هي م ا‬
‫يشكل الزمن‪ .‬لشرح فكرة ان‪ ”   ‬الماضي هو الماضي “‪ ،‬كتب أورتيغا‪:‬‬

‫ليس ألنه حدث لآلخرين ولكن ألنه جزء من حاضرنا‪ ،‬مما نحن عليه اليوم كوجود‪ ،‬الن‬
‫التاريخ هو ماضينا‪ .‬الحياة كواقع هي الحضور المطلق فال يمكننا ان نقول بان هناك شيئا ما‬
‫ان لم يكن حاضرا في هذه اللحظة واال فهو من الماضي‪ .‬إذا كان البد ان يكون هناك‬
‫ماضي فال بد ان يكون حاضرا وفعاال االن‪)Obras, V: 40, 55; 6: 33( .‬‬

‫هنا يلتقي خوسيه أورتيغا أي غاس يت م ع فك رة ك روس ‪ Croce‬القائل ة ب أن “نحن نعلم أن‬
‫التاريخ فينا جميعا وأن مصادره في صدورنا”‪ .‬وفقا لهذه الفكرة‪ ،‬فإن “بيانات األحداث التي‬
‫عاشها الميت” تعجز عن تسجيل واقع التاريخ والحي اة البش رية‪ ،‬نظ را لطابعه ا “الحي وي”‪،‬‬
‫لذلك فان الحاضر واحد م ع الماض ي والمس تقبل‪ .‬يتعل ق الت اريخ بم ا نحن علي ه وليس بم ا‬
‫لدينا‪ .‬فبفضل التاريخ ندرك من نحن من خالل ما قمنا به‪ .‬لذلك فان التاريخ يتش كل ويش كلنا‬
‫(‪ .)Obras, VII: 178–79‬من خالل مفه وم “العق ل الت اريخي “أوض ح أورتيغ ا ان‬
‫الحاضر ينشا عن الماضي من أجل تولي د المس تقبل‪ .‬من خالل ه ذا المفه وم أيض ا اس تطاع‬
‫أورتيغا التمييز بين” العلوم الثقافية “و” العلوم الطبيعية ” مفترضا فكرة أن التاريخ له سبب”‬
‫أصلي ” خاص به تماما‪ .‬إن فكرة أورتيغا هذه عن السبب “األصلي” للتاريخ تؤسس للت اريخ‬
‫استقالليته عن كل من المفاهيم المتعلقة بالفلس فة ومنط ق “العق ل الفيزي ائي ‪-‬الرياض ي”‪ .‬إن‬
‫دفاعه عن التاريخ كعلم خاص باإلنسان‪ ،‬وتركيزه على فكرة األس اس” األص لي “لـ “العق ل‬
‫الت اريخي “‪ ،‬يؤك دان رغبت ه في بن اء منهج جي د لدراس ة الت اريخ في مقاب ل حرص ه على‬
‫الت ذكير بالط ابع” المتع الي ” للعق ل الم ادي والرياض ي‪ .‬والن الت اريخ ه و ج وهر الواق ع‬
‫اإلنساني‪ ،‬توفر لنا المعرفة التاريخية الفهم األساسي لهذا الواقع البشري‪ .‬فكل مفه وم يرتب ط‬
‫بالواقع اإلنساني يتعلق بالزمن التاريخي (‪ .)Obras, VI: 40–41‬ليحل “العقل التاريخي”‬
‫محل العقل المادي والرياضي كمبدأ لفهم الواقع والحياة البشرية‪ ،‬وهو مبدأ يقوم على التنوع‬
‫والوحدة‪ .‬هكذا تمت عقلنة التاريخ وتم تأريخ العقل‪ ،‬كما هو الحال مع الفرد‪:‬‬
‫يغترب االنسان عن نفسه ليواجهها كواقع ت اريخي‪ .‬ليج د نفس ه ملزم ا بفهم الت اريخ ليس من‬
‫باب الفضول فقط بل الن ال بديل له عن ذلك‪ .‬ال تتم األم ور على محم ل الج د ولكن عن دما‬
‫تكون ضرورية للغاية‪ .‬لهذا السبب‪ ،‬فإن الزمن الحاضر هو الوقت المناسب للت اريخ إلع ادة‬
‫تأسيس نفسه كعقل تاريخي‪.‬‬

‫قديما ساد االعتقاد بان التاريخ مخالفا للعقل‪ .‬اذ عم د اليون ان إلى جع ل مفه ومي “العق ل ” و‬
‫“التاريخ” متعارض ين‪ .‬ولم يكن أي ش خص مهتم ا ب البحث في المض مون العقالني للت اريخ‬
‫…‪ .‬ومن هنا يجب فهم تعبير “العقل التاريخي”‪ .‬فهو ليس خ ارج العق ل ولنم ا يتش كل بن اء‬
‫على ما حدث لإلنسان متعاليا على نظرياته” (‪.)Obras, VI: 49–50‬‬

‫في إحدى كتاباته عن هيجل‪ ،‬الحظ خوسيه أورتيغ ا أي غاس يت تغي ير في الموق ف الفك ري‬
‫األوروبي مصرحا “بأن الروح “الحديثة” شهدت في السنوات األخيرة تغيرا … فهي لم تع د‬
‫تؤمن بالعصر النهائي‪ )Obras, II: 565–66( ”.‬لقد جسد هذا الموقف الحديث ما اعتبره‬
‫أورتيغا واحدة من الخصائص المميزة للحداثة‪ :‬أي الوعي المتزايد بالحياة البشرية‪ ،‬والتأكي د‬
‫على الحرية اإلبداعية‪ .‬رأى أورتيغا ان السنوات األولى من القرن العش رين ع الم أف رغ من‬
‫المعنى وسعى إلى اإلفالت من الي أس ال ذي أث اره ع دم المع نى ه ذا‪ .‬لتحوي ل ه ذا الش عور‬
‫باليأس‪ ،‬أكد أورتيغا على ضرورة النظر إلى “حياتنا‪ ،‬حياة اإلنس ان “‪ ،‬ك “واق ع ص رف “‪.‬‬
‫لتصير الحياة البشرية “واقعا تاريخيا” (‪ )Obras, VII: 99–100; 2: 540–41‬هكذا‬
‫يتض ح موق ف أورتيغ ا بجالء معلن ا اف ول الفلس فات التأملي ة للت اريخ وبداي ة فج ر الت اريخ‬
‫البشري مع مفهوم “العقل التاريخي”‪ .‬نفهم اذن ان حياة االفراد تاريخية لها بداية ونهاية‪ ،‬اما‬
‫التاريخ فليس له بداية أولى وال نهاية‪ .‬ال يمكن تصوره إال بوصفه تحقيقا إلمكانات الفرد في‬
‫الزمن التاريخي من خالل محاولة الس يطرة على الطبيع ة وإحي اء األفك ار والحي اة الواعي ة‬
‫للماضي‪ ،‬بشكل يسمح للجيل المعاصر باتخاذ قراراته بن اء على المعرف ة النقدي ة بالتج ارب‬
‫واإلنجازات البشرية الس ابقة‪ .‬يفهم الت اريخ هن ا بمع نى م زدوج باعتب اره أوال كع الم واقعي‬
‫للظواهر وكمبحث يهتم بأثرها في الحاضر‪.‬‬

‫من جه ة أخ رى‪ ،‬وانطالق ا من فك رة ان ال وعي ه و دائم ا وعي ا بش يء م ا‪ ،‬ح ار أورتيغ ا‬


‫ومعاصروه في تحديد ما هو الوعي في ذاته وكيف يرتب ط بموض وعاته‪ .‬فه و ال يتط ابق ال‬
‫مع األشياء‪ ،‬وال مع ادراكنا له ا‪ .‬ام ا ال وعي الت اريخي فيتعل ق بفهمن ا للوض ع اإلنس اني ك‬
‫“وجود‪-‬في‪-‬الزمن”‪ ..‬ذلك أن الترتيب الزمني لألح داث يش ير إلى طبيع ة الوج ود البش ري‪.‬‬
‫وبالتالي فإن الوعي التاريخي يس مح للف رد وللحض ارة ولفيلس وف الت اريخ بتوس يع اإلط ار‬
‫الزمني لتجاربهم الستيعاب نت ائج األح داث ال تي لم يكن وا ج زءا منه ا‪ .‬وعلي ه ف إن دراس ة‬
‫التاريخ تفتح األفق للمشاركة في اكتمال التاريخ البشري‪ .‬هذه المشاركة في الت اريخ مباش رة‬
‫وفاعلة‪ .‬ف اذا ك ان الع الم الفيزي ائي ي درك الظ واهر بش كل مس تقل عن ذات المالح ظ‪ ،‬ف إن‬
‫للتاريخ طابعا حقيقيا في وعي المؤرخ‪ .‬تعني كلم ة “ت اريخ”اذن الت اريخ وال راهن والت اريخ‬
‫المكتوب أو ‪  res gestae‬كما اعتق د أورتيغ ا وكولينج وود أي ذل ك الت اريخ ال ذي ح دث‬
‫بالماضي‪ .‬فالماضي موج ود فق ط بق در م ا يستحض ر من قب ل الم ؤرخ من خالل التع اطف‬
‫والتفهم‪ .‬واما المعرفة الموضوعية للماض ي فيمكن تحقيقه ا فق ط من خالل التج ارب الذاتي ة‬
‫للباحث في التاريخ‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن فهم أي حدث سابق‪ ،‬يع ني فهم ه كتعب ير أو عملي ة مع نى‬
‫مرتبط ة من الناحي ة المفاهيمي ة ببعض األنم اط األساس ية للفك ر أو القص د‪ ،‬وليس كعالق ة‬
‫مستقلة تماما‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فإن التاريخ يف ترض بني ة مس بقة‪   ‬لفهم القواع د أو األفع ال‬
‫بوصفه نشاطا وتجربة إنسانية‪  .‬كما ذهب إلى ذل ك‪   ‬كولينج وود مؤك دا ان الفهم الت اريخي‬
‫يتطلب إع ادة بن اء الماض ي عن طري ق المماثل ة م ع الغ ير لغ رض التوص ل إلى فرض ية‬
‫تفسيرية‪.‬‬

‫من ناحية أخرى‪ ،‬يسلم أورتيغا أيضا بأن‪ ‬االنسان يضع لنفسه برنامجا للحياة‪ ،‬وهو شكل‬
‫ثابت من الوجود‪ ،‬يستجيب للصعوبات التي تضعها امامه الظروف‪ .‬فهو يجرب شكل‬
‫الحياة‪ ،‬ويحاول تحقيق تلك الشخصية الخيالية التي قرر أن يكون‪ .‬وينخرط في هذا الوهم‬
‫مبدعا تجربة حياته …‪ .‬ولكن سرعان ما يدرك عجزه وقصور قدراته‪ .‬فصعوبات الحياة ال‬
‫تنتهي انما دائما تظهر أخرى جديدة‪.)Obras, VI: 41( ‬‬

‫س عى المؤرخ ون ال التأكي د على ان بني ة التحلي ل في الت اريخ مش ابهة لمن اهج العل وم‬
‫االجتماعي ة‪ ،‬فتفس ير االح داث التاريخي ة الماض ية ب الرجوع إلى دوافعه ا يس مح ب افتراض‬
‫صحة المبادئ العامة‪ .‬وقد وجد أورتيغا نفسه‪ ،‬جنبا إلى جنب مع كروس‪ ،‬ديلثي‪ ،‬كولينجوود‬
‫وغيرهم من أصحاب المنهج التاريخاني ممن أكدوا ان تأويل األفعال اإلنسانية يثير إشكاالت‬
‫وصعوبات امبريقية ومنهجية أكبر من منطلق تف رد الك ائن اإلنس اني‪ .‬أص حاب ه ذا المنهج‬
‫أولوا اهتماما خاصا باألبعاد الفلسفية للمعرفة التاريخية وبذلوا محاوالت لتطوير مشكلة ربط‬
‫االفتراضات المسبقة بمشكلة المعرفة التاريخية منهجيا‪ .‬فهم س عوا إلى التمي يز بين الفلس فة‪،‬‬
‫فلسفة التاريخ والمعرفة التاريخية‪ .‬كتب أورتيغا بأن “التاريخ”‬

‫هو استمرارية مثالية‪ .‬افكاري تولدت عن أفكار لشخص اخر …وبناء عليه فان الفكر‬
‫التاريخي‪ ،‬الفلسفة‪ ،‬القانون‪ ،‬المجتمع‪ ،‬الفن واآلداب‪ ،‬اللغة والدين مترابطة فيما بينها كما هو‬
‫الشأن بالنسبة للعلوم الطبيعية التي حاول كبلر وغاليليو توحيدها امبريقيا كظواهر مادية‪( .‬‬
‫‪)Obras, VI: 167, 184‬‬

‫ساهم طرح خوسيه أورتيغا أي غاسيت في التأكيد على ما اعتبر اآلث ار االمبريقي ة للمعرف ة‬
‫التاريخية متوافقا بذلك مع كل من هوسرل هيدغر وشيلر في قولهم باألبعاد المختلفة للتجربة‬
‫البشرية‪ .‬اذ رفض أورتيغا عزل الحقائق التجريبي ة عن أي فهم لمعناه ا ال داخلي‪ ،‬وعالقته ا‬
‫الداخلية بالحياة البشرية والعملية االجتماعية والتاريخية‪ .‬هذا المنهج سيسمح بالتأكيد لكل من‬
‫الفالس فة والم ؤرخين وفالس فة الت اريخ والمش تغلين باألنثروبولوجي ا الفلس فية والثقافي ة من‬
‫إجراء مقارنات بناءة بين فهم ما يفعله األفراد ما يقولونه‪ .‬فيص ير بإمك ان فيلس وف الت اريخ‬
‫إع ادة بن اء ال زمن الت اريخي كش كل من أش كال الفهم البش ري من خالل محاول ة التحلي ل‬
‫الخاصة به‪ .‬كما رأينا‪ ،‬بالنسبة ألورتيغا‪ ،‬فإن تفسير األعمال البشرية يثير صعوبات بالنس بة‬
‫للحسابات التجريبية القياسية لتفسير العالم البشري واالجتماعي‪.‬‬
‫‪ ‬منهج خوسيه أورتيغا أي غاسيت في الفينومينولوجيا الوجودية والتاريخانية وفلسفة الت اريخ‬
‫جعلته أقرب إلى مقاربة االختيار ومعرف ة الف رد واإلنس انية‪ .‬ه ذه المقارب ة ت ذهب إلى ان‪  ‬‬
‫الت اريخ ال يتش كل من خالل قطيع ة ابس تيمولوجية م ع الماض ي ولكن م ع المن اوالت‬
‫االبستيمولوجية للماضي‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن المنهج الت اريخي يعم ل كحلق ة وص ل بين الماض ي‬
‫والحاضر‪ ،‬اما الفيلسوف فهو وس يط بين ع والم الماض ي والحاض ر‪ .‬اذ ال يرتب ط الماض ي‬
‫بالحاضر فقط بل يرتبط أيضا الواقع الزمني بالباحث أيضا‪ .‬لهذا اعتبر أورتيغ ا ان المعرف ة‬
‫التاريخية هي معرفة شاملة لإلنسان‪ .‬فهو يوضح بان التاريخ‬

‫هو العلم المنهجي للواقع الصرف المتمثل في حياة االنسان …‪ .‬فال وجود ألفعال‬
‫منفصلة‪ .actio in distans ‬ليس الماضي “هناك” في التاريخ بل هو ما حدث “هنا” لي‬
‫فمن خالل التاريخ افهم حياتي‪)Obras, VI: 40–41(.‬‬

‫‪    ‬إن الفعل التاريخي إلعادة بناء اإلبداعات البشرية الماضية وإسقاط الذات في أفكار الغير‬
‫يجعل الفلسفة النقدية قادرة على ربط الواقع الزمني والعقل من خالل عملية الوعي ب الزمن‪.‬‬
‫هذا القول بالتواصل بين الماضي والحاضر يؤك د م رة أخ رى الج انب الفينومينول وجي من‬
‫فلسفة أورتيغا الوجودية والتاريخانية‪  .‬إن دمج هذه التيارات الفكري ة ه و م ا يم يز مس اهمة‬
‫أورتيغا في الفلسفة‪ .‬كتب توماس مان في روايته‪ ‬يوسف واخوته‪“ ‬كم هو عميق بئر‬
‫الماضي”“‪ .‬وقد سمحت فلسفة أورتيغ ا النقدي ة للت اريخ بمن ع الب ئر العمي ق للماض ي من أن‬
‫يكون بال قاع‪.‬‬

‫المراجع‬

‫مؤلفات‪ ‬أورتيغا‬

‫‪Obras Completas. Vols. 1–10.Jose Ortega y Gasset‬‬ ‫‪‬‬


‫‪Foundation Edition, Madrid: Taurus, 2004–2010. Recent‬‬
‫‪.edition of collected works‬‬
‫‪Obras Completas. Vols. I–XI. Madrid: Revista de Occidente,‬‬ ‫‪‬‬
‫‪1946–69. Cited works come from the 1946-69 and 1983‬‬
‫‪collected edition‬‬
‫‪.I, II, III, Sixth edition, 1963 o‬‬
‫‪.IV, Fifth edition, 1962 o‬‬
‫‪.V, VI, Sixth edition, 1964 o‬‬
‫‪.VII, Second edition, 1964 , o‬‬
‫‪.VIII, IX, Second edition, 1965 o‬‬
X (Political Writings, 1908-14), XI (Political Writings, o
.1969 ‫ الطبعة األولى‬,1922-33)
Obras Completas. Vol. XII, first edition, Madrid: Alianza 
.Editorial, Revista de Occidente, 1983
Unas lecciones de metafísica. Madrid: Revista de 
.Occidente, 1974
Der Sinn der politischen Umwälzung in“ 
Spanien”, Europäische Revue(Juli–Dezember 1931): 563–
.68
Martin Heidegger und die Sprache der“ 
Philosophen”, Universitas, 7(9): 897–903. (1952)
  

‫أورتيغا‬ ‫مراسالت‬

Cartas inéditas a Navarro Ledesma», nos. 1–11, 1905.« 


.Fundación Orega y Gasset, 1962
Epistolario entre José Ortega y Gasset y Ernst R.« 
Curtius», Revista de Occidente, 1, nos. 6, 7 (1963): 329–41,
.1–27
Epistolario entre Unamuno y Ortega», Revista de« 
.Occidente, 2, no. 19 (1964): 3–28
Epistolario de Ortega con Maragall», Revista de« 
.Occidente, 2, no. 18 (1964): 261–71
Epistolario Completo Ortega—Unamuno, Madrid: El 
.Arquero, 1987
Correpondencia: Jose Ortega y Gasset, Helene Weyl de 
.Gesine Martens (ed.), Madrid: Biblioteca Nueva, 2008
‫عنه‬ ‫أو‬ ‫أعمال مختارة باإلنجليزية ألورتيغا‬

A Spaniard on Spain”, The Living Age, 341 (September“ 


.1931–February 1931): 145–48
Concord and Liberty, trans. by Helene Weyl, New York: 
.W.W. Norton, 1946
The Dehumanization of Art and Other Essays on Art[Ideas 
on the Novel(1925)], trans. by Helene Weyl, Princeton:
.Princeton University Press, [1925] 1968
Historical Reason(Sobre la razón histórica), trans. by Philip 
.W. Silver, New York: W.W. Norton, 1984
History as a System(Historia Como Sistema, 1935), first 
published and translated by William C. Atkinson, eds.
Raymond Klibansky and Herbert J. Paton, in Philosophy and
History: Essays Presented to Ernstst Cassirer, Oxford:
‫ نحو فلسفة‬، ‫ بقلم هيلين ويل‬.‫ في وقت الحق إد‬.Clarendon Press, 1936
Republished History as .1941 ، ‫ دبليو دبليو نورتون‬:‫ نيويورك‬، ‫التاريخ‬
a System and other Essays Toward a Philosophy of History,
.1961
The Idea of Principle in Leibnitz and the Evolution of 
Deductive Theory(Idea de principio en Leibniz y la evolución
de la teoría deductiva), trans. by Mildred Adams, New York:
.W.W. Norton, [1948] 1971
An Interpretation of Universal History, trans. by Mildred 
.Adams, New York: W.W. Norton, 1973
Invertebrate Spain(España invertebrada), trans. by Mildred 
.Adams, New York: Howard Fertig, [1921] 1974
Man and Crisis[En Torno a Galileo (1933)], trans. by Mildred 
.Adams, New York: W.W. Norton, 1958
Man and People[El Hombre y la Gente(1939-40)],, trans. by 
.Willard Trask, New York: W.W. Norton, 1957
Meditations on Hunting(Veinte Anos de Caza Mayor), trans. 
by Howard B. Wescott, Introd. by Paul Shepard, New York:
.Charles Scribner’s Sons, 1972
Meditations on Quixote(Meditaciones del Quijote), trans. by 
Evelyn Rugg and Diego Marin, Introd. by Julián Marías, New
.York: W.W. Norton, [1914] 1961
Mission of the University, trans. by Howard Lee Nostrand, 
.New York: W.W. Norton, 1966
The Modern Theme[El Tema de Nuestro Tiempo(1923)], 
.trans. by James Cleugh, New York: W.W. Norton, 1933
On Love: Aspects of a Single Theme, trans. by Toby Talbot, 
.Cleveland: The World Publishing Company, 1957
The Origin of Philosophy(Origen y epíloga de la filosofía), 
.trans. by Tony Talbot, New York: W.W. Norton, [1943] 1967
Phenomenology and Art, trans. by Philip W. Silver, New 
.York: W.W. Norton, 1975
Psychological Investigations(Investigaciones psicológicas), 
trans. by Jorge García-Gómez, New York: W.W. Norton,
.1987
The Revolt of the Masses(Rebelión de las masas), 
25  anniversary edition of authorized English translation,
th

.New York: W.W. Norton, [1930] 1957


Some Lessons in Metaphysics, trans. by Mildred Adams, 
.New York: Norton, 1969
The Self and the Other”, Partisan Review, 19(4) (1952):“ 
.395–396
What is Philosophy?(¿Qué es filosofía?, trans. by Mildred 
.Adams, New York: W.W. Norton, [1929] 1960
"‫أدوات أكاديمية‬

.How to cite this entry

Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP


.Society

Look up this entry topic at the Internet Philosophy Ontology


.Project (InPhO)

Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its


.database

‫مصادر أخرى على اإلنترنت‬


José Ortega y Gasset, by Pelayo García Sierra, Proyecto 
.filosofía en español
José Ortega y Gasset, by Pedro José Chamizo 
.Domínguez, Proyecto Ensayo Hispánico
‫مداخل ذات صلة‬

Collingwood, Robin George | Collingwood, Robin George:


aesthetics | Croce, Benedetto: aesthetics | Dilthey,
Wilhelm | existentialism | Heidegger, Martin | history, philosophy
of | Husserl, Edmund | Merleau-Ponty,
Maurice | phenomenology | rationality: historicist theories
of | Sartre, Jean-Paul | Scheler, Max | Schutz, Alfred

Holmes, Oliver, “José Ortega y Gasset”, The Stanford ]1[


Encyclopedia of Philosophy (Spring 2021 Edition), Edward N.
Zalta (ed.), URL =
.>/<https://plato.stanford.edu/archives/spr2021/entries/gasset

‫ محمد فرطميسي‬:‫ من أجل فلسفة أخرى – تقديم وترجمة‬:‫لودفيغ فتجنشتاين‬


ِ ‫كيف ولّد اليأسُ كتابًا محبوبًا لألطفال؟ عندما انتقل سانْ إ ْك‬
‫زوب ِري واألمير الصغير إلى‬
‫ سعيد الغامدي‬:‫ ترجمة‬/ ‫ف‬ْ ِ‫مدينة نيويورك – س َت ْيسِ ي ش‬

‫فلسفة‬
‫مساءالت حول تجليات الحداثة وما بعدها – غريغوار مرشو‬
01/05/2021
‫تجليات الحداثة ومفاهيمها‬

‫سوف أتناول في مقاربتي هذه عدة مس اءالت تنص ب ‪ ،‬في غالبه ا‪ ،‬ح ول تجلي ات المف اهيم‪ ‬‬
‫الحداثية‪  ‬في الفكر الغربي وكيفية استدخالها في الفكر العربي ‪ .‬لكن تناولي لهذه المس اءالت‬
‫سوف يكون من مواضع متعددة ومن منطلق يتضافر فيها الطرح والنقد‪ .‬وذلك لما اتضح لي‬
‫ان مس تقبل الفك ر الح داثي الع ربي المعاص ر ال ي زال معظم المش تغلين علي ه أس يرين‪ ،‬في‬
‫تمثلهم للفكر الغربي الحداثي في قضاياه واش كالياته وأص وله‪ ،‬لقاع دة االنتقائي ة أو االبتت ار‪ ‬‬
‫المتمثلة بتطوي ع‪  ‬ه ذا الفك ر المقتط ع عن س ياقه في دف اعهم عن أك ثر اطروح اتهم تك رارا‬
‫وعدمية ‪ .‬هذا فضال عن الخلط بين االشكاليات‪  ‬التي تتناول مسألة‪  ‬الحقيقة من منظور فك ر‬
‫االختالف والدفاع‪،‬في الوقت نفسه‪،‬عن مواقف‪  ‬تنخرط‪  ‬في اشكالية الفلسفة‪  ‬التقليدية لترس خ‬
‫الخالفات وجوهرتها على اساس انها اختالفات عنصرية واتنية‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬الحداثة من منظور نقدي ما بعد حداثي‬

‫بداي ة‪ ،‬ال ب د من التس اؤل ح ول دور الفلس فة الحداثي ة‪  ‬وماهيته ا‪  ‬ووظائفه ا بغي ة تفكي ك‬
‫صروحها‪  ‬المصنمة وخلخلة تمركزاته ا العدي دة ال تي ك ان‪  ‬للفك ر‪  ‬الغ ربي الممأس س دور‬
‫ب ارز في ترس يخها وتأزيله ا وتأبي دها‪  ‬واس طرته‪،‬ك التمركز الاله وتي‪  ‬والتمرك ز الع رقي‬
‫والتمركز الثقافي والمعلوماتي‪ .‬وقد تجلت هذه التمركزات القائم ة على التقس يمات‪  ‬التقابلي ة‬
‫الثنائية للميتافيزيقا(لموراءالطبيعة)‪،‬حينما أعادت الفلسفة االوروبية الحديثة‪  ‬الممأسسة ‪،‬على‬
‫نحو سافر‪،‬أقلمة هذه التمركزات في االط ار االغ ريقي الق ديم لماض يها الخ اص ونافي ة لم ا‬
‫قبلها ولما بعدها في الحضارات االخرى ‪ ،‬وتأصيل له على نحو اعجازي‪ .‬وذلك انطالقا من‬
‫حركة التأورب التي قادتها‪  ‬الرسمالية والتي اسطرت العقل االوروبي وبنت جسورا له تمت د‬
‫للعقل االغ ريقي‪.‬ق افزة ب ذلك ف وق مختل ف الح واجز التاريخي ة واالجتماعي ة‪  ‬والجغرافي ة‪ ‬‬
‫القصاء تعددية المنابع واالصول المتوسطية‪  ‬والمشرقية وغيره ا في تش كلها‪ .‬ه ذا التص ور‬
‫المتعالي مؤداه ب أن الفلس فة أوالعق ل أو باختص ار‪,‬الحداث ة‪  ‬الغربي ة‪  ‬هي هب ة الهي ة رباني ة‬
‫تخص شعبا بذاته دون غيره ‪ ،‬وهي حكر على على الفالسفة أومحترفي الفسفة(حب الحكم ة‬
‫)الغرب يين‪  ‬وليس لمن يش اء من البش ر‪ ،‬في ال وقت ال ذي ن رى في ه أن الح ق في الفلس فة‪ ‬‬
‫مرتبط‪  ‬بالحق الطبيعي في االختالف المثمر الذي يعني ممارسة الحرية للجميع‬

‫بيد أن مع ظهور الفلسفة النقدية وتن امي الكش وفات‪  ‬العلمي ة المتزاي دة‪  ‬ت راجعت‪  ‬اس طورة‪ ‬‬
‫المعجزة‪  ‬اليوناني ة‪  ‬وتجلياته ا‪  ‬المتمثل ة بالحداث ة الغربي ة وب اتت المطالب ة من قب ل فالس فة‬
‫حداثيين جدد وما بعد حداثيين‪-‬بوقف التشريعات المعرقلة للفلس فة ‪،‬ال تي تعي ق ممارس ةحقها‬
‫الطبيعي بالتشريع لمختلف‪  ‬الحقول‪  ‬بما فيها حقل السلطة ‪،‬وعلى ممارس ة العق ل‪  ‬كس لطة ‪.‬‬
‫اذ كثيرا ما يصبح العق ل‪  ‬تابع ا‪  ‬لش مولية م ا ‪,‬تحكم ه عوض ا أن يحاكمه ا ‪،‬وتف رض علي ه‬
‫قيود‪،‬فتسكته وتتكلم‪  ‬بالنيابة عنه‪ .‬بذلك يغدو العقل أداتيا كما هو في زمن‪  ‬سيادة‪  ‬تكنولوجيا‪ ‬‬
‫الرأسمالية‪  ‬الحديثة ‪,‬أوتواصليا (كما يرى الفيلسوف الراحل ج رجن هابرم اس)في عص رنا‬
‫الحالي ‪,‬عصر التواصل‪,‬ال ذي تتس يد في ه عولم ة الرأس مالية الجدي دة حيث يتم تقليص مه ام‬
‫ومسؤوليات الدولة تجاه المجتمع‪  ‬المدني خاصة‪  ‬بعد انهي ار االتحادالس وفييتي‪،  ‬وتأخ ذ في ه‬
‫عمليات‪  ‬نقل رؤوس االموال‪  ‬والمعلوم ات والص ور والس لع طابع ا ش موليا يح اول تنمي ط‬
‫الفلس فة وتس ليع البش ر والقيم‪  ‬والمف اهيم وف ق مع ايير الس وق‪.‬اال أن الفلس فة‪  ‬بمفهومه ا‬
‫الجدي د ‪,‬تص بح‪ -‬بنظرن ا‪-‬أك ثر حيوي ة حينم ا تم ارس حقه ا‪  ‬بالنق د‪  ‬والمس اءلة والحف ر‬
‫واالستنطاق‪  ‬والتفكيك كلما التقت‪  ‬بمنافسين متهورين ‪.‬وخصوص ا‪  ‬في أيامن ا ه ذه حيث لن‬
‫تتحقق استقاللية‪   ‬الفلسفة ‪ ‬كمؤسسة‪  ‬للحق‪  ‬في النقد‪  ‬واالختالف والمساءلة‪  ‬والمسؤولية‪,‬اال‬
‫حين تغدو الفلسفة‪  ‬نفسها محاكم ة تق ول نفس ها وتتفك ر نفس ها‪  ‬وتحاس بها ‪.‬وتم ارس حقه ا‪ ‬‬
‫الطبيعي‪  ‬في نقد كل جمود ‪،‬بما في ذلك جمود العقل ‪,‬أي عقل كان‪ : ‬تواصلياأم تكامليا أم ت ا‬
‫صيليا في دائرة الجزئيات‪  ‬والتنميطات‪.‬ألن‪  ‬حقها‪  ‬في النقد‪  ‬وفي الس ؤال ه و ح ق‪  ‬س ابق‪ ‬‬
‫لكل حق‬

‫‪ ‬‬

‫أنطالفا من‪  ‬هذا المنظور ‪,‬يكننا‪  ‬القول‪ :‬اذا ك ان يح ق لن ا اع ادة ط رح‪  ‬الس ؤال عن أس باب‬
‫تجميد الفلسفة العربية وكيفيات تخثيرها‪ ,‬يتوجب علينا البحث خارج أسوار هذه الفلس فة‪,‬لكن‬
‫ليس‪  ‬في المنقول أو المنسوخ الفلسفي أو المأص ول من ه ‪,‬كم ا ي ذهب الى ذل ك بعض دع اة‪ ‬‬
‫التأص يل ال ذين‪  ‬اليزال ون غ ارقين‪  ‬في‪  ‬تأس يس‪  ‬وتأص يل تعالين ا واثبات ه‪  ‬دون اك تراث‪ ‬‬
‫بصيروتنا ‪ .‬فقد تركوا الصيروة تنحبس‪  ‬في‪  ‬سياج التاريخ‪  ‬الغابر تارة في امجاد االسالف‪ ‬‬
‫المتسيدين من سالطين‪  ‬وفقهاء وتارة اخرى في مف اهيم‪  ‬التع الي‪  ‬المس تجلبة من فكراالخ ر‬
‫الغربي‪  ‬الممأسس‪ ،‬وهذا م ا يجعلن ا نه زم ونش يخ في الت اريخ ومع ه ان لم‪  ‬يفض الى ق ذفنا‬
‫خارجه‬

‫‪ ‬‬

‫أمافيما يتعلق بأقلمة المفاهيم‪  ‬وتبيئته ا ثم ارتحاله ا ‪,‬فنس تطيع الق ول في تتب ع‪  ‬ت اريخ‪  ‬الع الم‬
‫الحضاري القديم لحوض البحر االبيض المتوسط ‪,‬أننا نجد أنه لم تقم‪  ‬للمجموعات‪  ‬الس اللية‬
‫للبشر كيانات مح ددة اال داخ ل اقليم معين أوأس تيطان م ا‪،‬وك انت م دن حض ارات‪  ‬القديم ة‬
‫وممالكها‪  ‬تحقق حرك ات األقلم ة ه ذه ‪,‬ع بر اس واق المدين ة‪  ‬وش بكاتها التجاري ة واالمت داد‬
‫االمبراطوري ل(المدينة ‪-‬الدولة)‪،‬وعبر عالق ات التفاع ل‪  ‬والتب ادل‪  ‬المختلف ة ‪,‬وع بر مناف ذ‬
‫امبراطوريتها التجارية والثقافية‪,‬وعبر الحروب‬

‫‪ ‬‬

‫ضمن هذا المنظور ‪,‬لم يكن الغرب‪,‬في العصور القديمة ‪,‬سوى موضوع‪  ‬جغرافي في اذهان‬
‫الجغرافيين مختلط أينما ذهبنا بالشرق‪ ,‬وال بتحدد كأقليم اال عن دما تش رق الش مس ‪,‬لكن م ع‬
‫ظهور الرأسمالية ‪ ‬أضحى قوة تنزع احتالل وامتالك االفق كله‪ ,‬وتأسس الغ رب اي ديولوجيا‬
‫كص يرورة قابل ة للتع يين ‪,‬أنتجته ا‪  ‬ال ذات المتمرك زة ح ول ذاته ا وتأسس ت معه ا الهوي ة‬
‫والتصورات الميتافيزيقية في القرون الوسطى على خلفية الهوتي ة‪.‬لكن الغ رب في العص ر‪ ‬‬
‫الحديث أصبح مفهوما بالقوة بحيث اخذت اعادة األقلمة‪  ‬موضعا‪  ‬مميزا في ه ‪,‬وق د تمت تل ك‬
‫الحركية في اطار(الدولة ‪-‬االمة) ومع روح الشعب‪  ‬وتصوره للقانون على أساس أنه ق انون‬
‫كوني يتم بموجبه استنساب هذه الدولة ‪-‬االمة نفسها‪  ‬للعقالنية وتنميط الشعوب الخارج ة عن‬
‫كونية منظورها بالالعقالنية ووفق معايير بيولوجية‬

‫اال انه في العقدين االخيرين ‪,‬اتخذت أقلمة المفاهيم‪  ‬في ظ ل العولم ة‪  ‬وت يرة متس ارعة مم ا‬
‫أدى الى انتشار أنماط‬

‫من التفك ير والحي اة يعم ل ترويض ها‪  ‬تبع ا لمعياري ة اقتص اد الس وق وقيم ه وأخالقيت ه‪ ‬‬
‫النفعيةالمركنتيلية(االتجارية)التوسعية ‪ .‬وما معيارية”حقوق االنس ان”الذائع ة الص يت وال تي‬
‫تخفي وراءه ا معياري ة انس ان‪  ‬الس وق س وى تض ليل‪  ‬ي راد ب ه تش كيل رأي ع ام‬
‫شمولي ‪,‬يه دف‪  ‬الى تحقي ق اجم اع ق ادر على‪  ‬غربن ة وتس ليع‪  ‬الش عوب وال دول والس وق‬
‫عبرعولمة جارفة تبغي الوقوف سدا منيعا‪  ‬في وج ه ص يرورة الش عوب‪  ‬المستض عفة بغي ة‬
‫استباحتها‪ ,‬بعد انهيار االتحاد السوفييتي‪،‬واستلحاقها بما سمي بالنظام‪  ‬العالمي الجدي د بكيفي ة‬
‫قس رية‪  ‬ع بر الي ات‪  ‬استش رااقية ميتافيزيقي ة ‪,‬تحت راي ة ص دام الحض ارات‪,‬أو بذريع ة‬
‫استئصال‪  ‬شأفة‪    ‬االرهاب‪,‬المكنى باالسالم السياسي على أنه المهدد‪  ‬للسالم الع المي‪  ‬بع د‬
‫توسله وتغذيته وتصنيعه وتسليحه وتمويله وعولمته بالتوافق‪  ‬م ع أاذرع ة محلي ة‪  ‬واقليمي ة‪ ‬‬
‫لالجه از على‪  ‬االتح اد‪  ‬الس وفييتي ثم توجي ه‪  ‬بوص لته الى المش رق على خلفي ة الص راع‪ ‬‬
‫شيعي‪ -‬سني في جوهره أماعن مفهوم العق ل فق د‪  ‬تظه ر تجليات ه ع بر‪  ‬االس طورة‪  ‬وال دين‬
‫والسياسة من حيث كون العقل‪  ‬فاعلية تفكير انسانية طبيعية ‪ ،‬لكن سرعان م ا البس ته الميت ا‬
‫فيزيقا هوية مختلفة أخرجته فيه ا عن عقال ه‪  ‬بع دما فص لت فك ر االنس ان عن جس ده‪،‬وبنت‬
‫عوالم من الثنائيات المتقابلة‪  ‬والمتفاضلة‪.  ‬لكن هذا ال يعني أن التفكيرالعقالني نشأ في بقع ة‬
‫مح ددة من ك وكب االرض دون س واها‪,‬كم ا ي دعي‪  ‬نم ط التفك ير الميت افيزيقي التمرك زي‬
‫باعتب ار أن أش كال التفك ير ال ترتب ط ب العرق‪  ‬والجغرافي ا – مثلم ا انتهى الي ه محم د عاب د‬
‫الجابري في كتابه نقد‪  ‬العقل الع ربي[‪ – ]1‬وانم ا‪  ‬بمجم ل‪  ‬عوام ل‪  ‬مختلف ة‪  ‬ومتض افرة ‪،‬‬
‫وهي ان صدرت عن العقل فقد تلونت بألوانه وتشكلت بمختلف اشكاله…الخ‪.  ‬من هن ا ج اء‬
‫النقد‪  ‬الذي خضع له مفهوم العقل‪  ‬وشتى تمظهراته‪  ‬وارهاصاته ‪,‬ليحمل في ثناي اه اتج اهين‬
‫على يد الفالس فة الج دد‪,‬ابت داء من اواخ ر‪  ‬الس تينات واوائ ل الس بعينات ‪.‬ي رمي األول‪  ‬الى‬
‫تخليص المفه وم‪  ‬مم ا ألحقت ه ب ه الميتافيزيق ا‪  ‬من حم والت ومركب ات خارج ة عن ه‪  ‬وعن‬
‫طاقاته وقدراته ‪،‬وامتد الى نقد الحداثة ومذهبيات القداسة‪  ‬والمطابق ة‪  ‬ومختل ف تمركزاته ا‪ ‬‬
‫على يد أمثا ل‪  ‬ميشيل فوكو‪ ‬وفرانسوا ليوتار‪ ‬وجاك‪  ‬ديريدا‪…  ‬وه دف الث اني‪  ‬الى الحف اظ‬
‫على مكتس بات العق ل‪  ‬وابقائ ه‪  ‬الموج ه للحداث ة بوص فها مش روعا لم يكتم ل بع د على ي د‬
‫الفالسفة أمثال جرجن هابرماس وادغار موران واالن تورين …الخ‬

‫‪ ‬‬
‫ولقد تبدى مؤخرا على الساحة الفكرية العربية محاوالت عديدة تناولت نقد العقل‪  ‬في الفكر‪ ‬‬
‫الع ربي الح ديث‪  ‬للبحث عن اس باب االخفاق ات ال تي مربه ا الوض ع الع ربي‪،‬لكن ه ذه‬
‫المحاوالت ظلت محكوم ة‪  ‬بغي اب مفه وم‪  ‬واض ح ومخص وص للعق ل في االنتق ادات ال تي‬
‫تعرض لها ‪ .‬فاما‪  ‬تلبيسه عقالنية بيانية ممصوص ة من الرك ائز البرهاني ة‪  ‬لغلب ة العرفاني ة‬
‫الهرمسية الدخيلة في الطرف المشرقي‪  ‬وحضور العقالنية البرهاني ة في‪  ‬الط رف المغ ربي‬
‫حس ب التص نيف الج ابري ‪،‬وام ا ن زع العقالني ة البرهاني ة عن الثقاف ة العربي ة االس المية‬
‫بالمطلق‪ -‬قديما وحديثا‪ -‬بموجب المنطق االستشراقي وتابعيه المندرجين في سياقه والم روج‬
‫له مؤخرا الشاعر أدونيس[‪ ]2‬المميز بشاعريته الفريدة والمنفتحةعلى العالمي ة ‪,‬وام ا التأكي د‬
‫على وجودها‪ -‬وهذا اكثر صحة ‪-‬أداتيا ونقديا في فترة النهوض الحض اري للثقاف ة‪  ‬العربي ة‬
‫االسالمية‪  ‬قبل اندحارها كم ا ج اء‪  ‬في الدراس ات‪  ‬المعرفي ة أو االبيس تيمية القيم ة لل تراث‬
‫للمفكر جورج طرابيشي[‪… ]3‬الخ‬

‫ما بعد الحداثة ودعواها لمقولة التفكيك‬

‫فم ا ن راه‪  ‬الي وم عن د فالس فة‪  ‬م ا بع د الحداثـة‪ ‬ه و توس ل التفكي ك كاس تراجية لممارس ة‬
‫االختالف‪ ،‬اي كطريق‪  ‬مختلف‪  ‬يشكل قطيعة م ع فك ر العقالني ة‪  ‬ال تي تمخض عن ه العق ل‬
‫االداتي ‪،‬ألن‪  ‬التفكيك‪  ‬كممارسة فلسفية‪  ‬يندرج في اطار ص يرورة ال تنتهي ‪،‬وهي مفتوح ة‬
‫وال متوقفة تس تنهض العالق ات ال تي تمدهاجس ورا بين المفكرب ه والالمفكرب ه‪,‬أو بين الفك ر‬
‫والواقع أو بين الذات الفاعلة أوالمتمرك زة على ذاته ا واالخ ر المقص ى والمهمش ‪.‬ثم تنه ل‬
‫من ال تراث النق دي‪  ‬للمعرف ة من غ ير التس اهل‪  ‬م ع ادواته ا والي ات اش تغالها ‪،‬وتعي تل ك‬
‫الممارسة‪  ‬المفعوالت‪  ‬المختلفة لعمله ا ‪,‬وم ا ينتج عن ذل ك‪،‬وال تك ف‪  ‬عن تفكي ك‪  ‬أدواته ا‪ ‬‬
‫هي وتجديدها‪  ‬الدائم ‪,‬والتفكي ك‪  ‬حس ب‪  ‬فالس فة م ا بع د الحداث ة ليس منهج ا‪  ‬يتب ع‪  ‬قص د‪ ‬‬
‫تحقيق‪  ‬غاية‪  ‬أو هدف‪ ‬‬

‫‪ ‬االلتفاف على اطروحات ما بعد الحداثة‪ ‬‬

‫‪  ‬اال أن‪  ‬على الرغم مما بلغه معظم فالسفة ما بع د الحداث ة‪  ‬من فتوح ات جدي دة في حق ول‪ ‬‬
‫المف اهيم يبقى‪   ‬علين ا‪ ‬ط رح‪  ‬االس ئلة‪  ‬التالي ة‪:‬اذا ك انت اس تراتيجية التفكي ك هي اله اجس‪ ‬‬
‫االساسي‪  ‬في بح وثهم‪ ،‬فم ا ه و الض امن لع دم وقوعه ا في التف تيت‪  ‬والت ذرير‪  ‬ومن ثم في‬
‫العدمية ‪,‬في حال‪  ‬غياب‪  ‬عالئقيتها بالتركيب‪  ‬؟ هل يعق ل‪    ‬أن‪  ‬يش تغل‪  ‬ه ذا التفكي ك دون‬
‫أن يكون له هدف ما ؟‬

‫‪ ‬‬

‫لنسلم‪  ‬بأن على الفلسفة أن تخرج من االنساق‪  ‬المغلقة‪  ‬لفسح في المجال‪  ‬للعقل‪  ‬المفت وح أن‬
‫يتمتع باالختالف‪    ،‬ولنسلم أيضا بأن ال بد من تحرير‪  ‬الميتافيزيقا من شرك التمركز‪  ‬على‬
‫الذاتية‪  ‬المطلقة والهوية المغلق ة‪،‬وان الحقيق ة‪  ‬نس بية‪  ‬ومتع ددة‪  ‬الوج وه‪  ‬وال يمكن القبض‪ ‬‬
‫عليها بالمطلق‪ .‬فهل يلغي كل هذا مقتض يات‪  ‬ال تركيب‪ ،‬للش روع‪  ‬في اس تراتيجية‪  ‬نه وض‬
‫فكري ‪ ،‬حيث‪  ‬تصبح‪  ‬وجوه االختالف ال تنفي وجوه االئتالف أو التفاعل‪  ‬؟‬

‫‪  ‬ان ض رب س تار من الص مت‪  ‬على مث ل‪  ‬هك ذا تس اؤالت ح ول المف اهيم الجدي دة ل بع د‬
‫الحداث ة يجب أال يوقعن ا من جدي د في اس ار‪  ‬التقي د الح رفي‪  ‬بنفس االس ئلة‪  ‬وأجوب ة‪ ‬‬
‫واش كاليات‪  ‬م ا يطرح ه الفك ر االوروبي االم ريكي على نفس ه ؟ أال يح اكي‪  ‬ه ذا الط رح‬
‫أصحاب‪  ‬الدعوات‪  ‬السلفية‪  ‬الذين صاروا‪،‬بتقليدهم‪  ‬واعتمادهم‪  ‬الكلي‪  ‬على السلف في أكثر‬
‫مراحل جم وده وا نغالق ه المظلم‪ ،‬عال ة على اس الفهم‪  ‬المب دعين ؟ثم اال يعوم وا‪،‬ابت داء من‬
‫اربعة عقود ‪ ،‬وخاصة في العقد االخير‪ ،‬مع موجة ما س مي ب الربيع الع ربي‪ ,‬أش د االفك ار‪ ‬‬
‫تعمية‪  ‬وارهابا‪  ‬تحت رايات‪  ‬اسالموية مستتبعة لقوى خارجية واقليمية ومحلية؟‬

‫خالصات‬

‫في نهاية التحليل أق ول أن ك ل من ينطل ق من فك رة أو مف اهيم‪  ‬مس بقة الص نع‪ ،‬بنت س ياقها‬
‫االجتم اعي‪  ‬الت اريخي ويبغي‪  ‬التق دم بموجبه ا ‪ ،‬يحس ن ب ه ال تراجع عنه ا‪،‬الن تج ارب‪ ‬‬
‫الس ابقين‪  ‬من‪ ‬تن ويريين‪  ‬ع رب‪  ‬او غرب يين ليس ت نم اذج كامل ة نعم ل على احت ذائها‪  ‬أو‬
‫تطبيقها‪،‬بقدر ما هي أفكار يقتضي ص رفها وتحويله ا في مع ترك التجرب ة ‪.‬باختص ار‪  ‬انه ا‬
‫معطيات‪  ‬البد من االشتغال عليها‪  ‬للكشف عن محجوباته ا ‪ ،‬ومن ثم ص رفها‪  ‬واس تثمارها‪ ‬‬
‫بصورة تتيح‪  ‬لنا أن نخرج في ممارستنا لوجودنا مخرجا أكثر‪  ‬معرف ة‪  ‬وث راء وق وة‪،‬س واء‬
‫من عالقتنا‪  ‬بذواتنا أو بالغير والعالم …الخ‬

‫‪ ‬فم ا أحوجن ا الي وم الى ادخ ال تجدي د على المق ررات المتداول ة في جامعاتن ا‪  ‬ومدارس نا‬
‫وتفعيله ا بمس تحدثات تت واءم م ع االح داث‪  ‬والكش وفات‪  ‬المعرفي ة ‪ ،‬ثم اس تبدال مق ررات‬
‫باخرى أكثر جدية وفاعلية ‪.‬اقتراحنا هذا‬

‫ي أتي اب ان م ا أنجبت ه الس احة الفكري ة العربي ة من مفك رين لهم مس اهمات هامةوقيم ة‪،‬لكن‬
‫مقصية ومهمشة ‪،‬حول‪  ‬القضايا‪  ‬المعاصرة التي تش غلنا‪  ‬وتقلقن ا ‪،‬وح ول االحتم االت ال تي‬
‫تس هم‪  ‬في تج اوز‪  ‬معوق ات‪  ‬نهوض نا الحض اري‪  .‬وتع ود بواك ير ه ذه المس اهمات الى‬
‫الثمانيات من القرن العشرين‪  ‬وفي مجاالت‪  ‬واختصاصات‪  ‬متع ددة ومتن وع‪،‬ولكن لم يكتب‬
‫لها أن تزدهر وتثمر داخل مؤسساتنا‪   ‬العلمية والتعليمية‪.‬ثم اذا أردنا‪  ‬ألي ة وح دة‪   ‬مجتم ع‪ ‬‬
‫أن تستقيم‪   ‬ويتم تفعيلها‪  ‬يفترض‪  ‬تعضيد العالقات ما بين مجمل‪  ‬االختصاصات لالستفادة‪ ‬‬
‫من تالقح‪   ‬المهارات والخبرات والكفاءات‪  ‬بما يعود بالنفع‪  ‬على المجتمع‪  ‬ككل‪  ‬ويدفع هذا‬
‫االخير نح و التق دم‪,‬واال اي احتك ام‪  ‬الى ن وع من تراتبي ة مس يجة‪  ‬بمع ايير‪  ‬قيمي ة واحك ام‬
‫تعسفية منمطة‪ ،‬تضفي على القلة المفك رة‪  ‬مم يزات في قطيع ة‪  ‬نوعي ة‪  ‬أو ش به‪  ‬بيولوجي ة‬
‫عنصرية عن العامة‪ ،‬يعني نسف اليات الحراك‪  ‬االجتم اعي وجدلي ة‪  ‬التعليم والتعلم م ا بين‬
‫الطرفين‪ .‬وال ريب أن كل الحضارات‪  ‬ال تي تص ورت أن نخبته ا‪  ‬المفك رة‪  ‬ق د بلغت ذروة‬
‫التاريخ وكمال العقل‪ ،‬القت حتفها بالس قوط‪ ،‬ونش أت على أنقاض ها حض ارات أخ رى‪،‬تعي د‬
‫النظر بنقدية‪  ‬في‪  ‬التصورات الميتافيزيقية‪  ‬للنخبة‪  ‬التي صنعت‪  ‬سابقاتها‪ .‬فه ذه هي طبيع ة‬
‫صيرورة التاريخ البشري ال تنتظر ما يروج ه‪  ‬أص حاب نهاي ة الت اريخ ال ذين‪  ‬يس تنطقونها‬
‫على هواهم االيديولوجي ‪,‬بما يعزز مقولة القوي يظل قوي ا‪  ‬أب دا والض عيف أوالمستض عف‬
‫يبقى ضعيفا‪  ‬أبدا ‪ .‬اال يدل ذلك‪  ‬على أن التاريخ حينما يتوقف‪  ‬عن تفاعالته م ع ص يرورة‪ ‬‬
‫الوجود االجتماعي يتحول الى صنم‪  ‬ويؤبد اسعباد الشعوب وقمعها ماديا ومعنويا؟‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫ثم الس ؤال االن ه ل ال رد على‪  ‬االطروح ات الحداثوي ة المحلي ة وك ل م اوقعت في ه من‬
‫تخبطات‪  ‬يتجسد‪  ‬في‪   ‬امتشاق رايات العودة الى االصول وتكف ير‪  ‬المجتم ع‪  ‬برمت ه بحج ة‬
‫السلف خير حاضن‪  ‬لكل الحلول للخل ف ألالمس ؤول؟ ثم أالنحت اج الى اعم ال الفك ر‪،‬تحليال‬
‫ونقدا‪ ،‬للتراث المستبطن في الالوعي الجمعي بتأوالت فقهية‪  ‬معوقة ومقصية‪  ‬لفاعلية العقل‬
‫واناراته؟‬

‫بناء على ما تقدم ‪,‬أق ول لت أمين‪  ‬احتم االت نش وء وانض اج‪  ‬عقالني ة‪  ‬منفتح ة متفاعل ة‪  ‬م ع‬
‫الحاجات‪  ‬الحيوي ة‪   ‬والتطلع ات النهض وية‪  ‬الح رة لبالدن ا‪،‬ثم االنعت اق من ح االت اله زائم‬
‫المتالحقة المذلة التي تته دد وجودن ا بتفس يم المقس م‪  ‬وتج زيء المج زأ في ظ ل االحتالالت‬
‫الزاحفة‪  ‬المتكالبة على المنطقة‪  ‬مجددا‪،‬ال مناص من العودة الى الذات‪  ‬واسقراء‪  ‬واقعنا وما‬
‫حكمه و يحكمه‪  ‬من تحديات‪  ‬خارجية وداخلية ‪ .‬وذلك من أجل اجتراح أسئلة‬

‫وأجوبة جديدة تتواءم مع حجم المسائل المطروحة ‪.‬فعلى ضوء ه ذه المس ائل وغيره ا‪،‬علين ا‬
‫القيام أيضا بمراجعة نقدية تاريخية اجتماعية ومعرفي ة ألس باب ال ردود العربي ة‪  ‬المنقوص ة‬
‫على هذه المشكلة ابتداء بما يس مى بعص ر النهض ة وم ا قبله ا ‪ ،‬من أج ل استش راف رؤي ة‬
‫واضحة ومقبولة لما يمكن أن تكون عليه استراتيجيتنا العربية‪  ‬المس تقبلية في الق رن الواح د‬
‫والعشرين‪ ،‬واال أي استمرار في االس تقالة والتق اعس‪،‬على ه ذا الص عيد ‪،‬س يؤدي الى تلغيم‬
‫القواسم المصيرية المشتركة‪  ‬الجامعة‪  ‬بيننا‪  ‬وتشظيها‪  ‬الى أش الء دويالتي ة‪  ‬جدي دة‪  ‬س ائغة‬
‫االبتالع‪  ‬من قب ل الق وى الدولي ة الطامع ة الجش عة المتكالب ة على البالد بمعي ة وكالئه ا‬
‫االقليميين والمحل يين‪ .‬وان غ زو عاص مة‪  ‬الع راق بغ داد م ا ك ان اال ناقوس ا خط را من ذرا‬
‫باالنسحاب على الجمهوريات ‪ :‬ليبيا وسورية واليمن والسودان وغيره ا من البل دان العربي ة‬
‫واالفريقية…‪.‬الخ‬

‫في نهاية المطاف‪ ،‬فهال نأمل ‪،‬في زمن النكبات ‪،‬الخروج من تحت ركام االنهي ارات ب التزام‬
‫بعق د‪  ‬جم اعي‪  ‬ع ربي‪  ‬لالمن‪  ‬والتنمي ة االقليمي ة‪  ‬تش ارك‪  ‬في ه ك ل الفعالي ات السياس ية‪ ‬‬
‫والحقوقي ة واالداري ة والفكري ة‪  ‬واالقتص ادي‪ ،‬على‪  ‬اختالف ش رائحها وانتماءاته ا؟ وهال‬
‫يمكن ان نأمل أيضا في أن يحدد هذا العقد‪  ‬التزامات‪  ‬ومسؤوليات‪  ‬وواجبات كل ط رف في‬
‫اطار مشروع عمل تنم وي موح د‪،‬ترافق ه خط ة اص الحات‪  ‬اقتص ادية واداري ة‪  ‬مش تركة‪،‬‬
‫لمحاربة كل انواع الفساد واألفساد المنتشرة حرائقه في مؤسسات الدول المس تتبعة‪،‬من أج ل‬
‫خلق‪  ‬مناخ‪  ‬جديد‪  ‬مشجع‪  ‬على العمل‪  ‬واالنتاج واالستثمار؟ بهذه‪  ‬وغيرها من‪  ‬االعدادات‪ ‬‬
‫تتمكن البالد‪  ‬العربي ة‪  ‬من تض ميد جروحاته ا‪  ‬المزمن ة واالنعت اق‪  ‬من اس ار المواق ف‬
‫المنفعلة‪  ‬والضحية‪  ‬المستجدية‪  ‬دائما‪  ‬للحق‪  ‬مما تسمى بالشرعية الدولية الى مواقف فاعلة‪ ‬‬
‫في الساحة الدولية‪   ‬‬

‫‪18/04/2021‬‬

‫‪ France- Bressuire‬فرنسا‪ -‬بريسوير‪ ‬‬

‫[‪ ]1‬محمد عابد الجابري ‪ ,‬نقد العقل العربي ‪ ,‬دار الساقي ‪ ,‬عام ‪,,,‬باجزائه‪  ‬االربعة ‪.‬‬
‫‪…,1982,1987,1990‬الخ‬

‫[‪]2‬مقابلة مع أدونيس حول جذور العنف‪  ‬العربي ‪,‬يوتوب‪  ‬ب ب س‪ 16  ‬كانون‪  ‬الثاني‬
‫‪2015‬‬

‫[‪]3‬جورج طرابيشي ‪,‬نقد نقد العقل العربي‪,‬دار الساقي‪,‬بيروت ‪    1996‬‬

You might also like