Professional Documents
Culture Documents
الزيادة على الواجب
الزيادة على الواجب
– اختلف الفقهاء فيمن وجبت عليه عبادة فأتى بالواجب وزاد عليه ،هل يقع الكل واجبا أم لا؟
قال الحنفية – على ما جاء فى الأشباه والنظائر لابن نجيم – :إذا أتى بالواجب وزاد عليه هل يقع الكل
واجبا أم لا؟ قال أصحابنا رحمهم الله تعالى :لو قرأ القرآن كله في الصلاة وقع فرضا ،ولو أطال الركوع
والسجود فيها واقع فرضا.
واختلفوا فيما إذا مسح جميع رأسه ،فقيل :يقع الكل فرضا ،والمعتمد وقوع الربع فرضا والباقي سنة،
واختلفوا في تكرار الغسل ،فقيل يقع الكل فرضا ،والمعتمد أن الأولى فرض ،والثانية مع الثالثة سنة
مؤكدة ،قال ابن نجيم :ولم أر الآن ما إذا أخرج بعيرا عن خمسة من الإبل ،هل يقع فرضا أو خمسه؟
وأما إذا نذر ذبح شاة فذبح بدنة ،ولعل فائدته في النية ،هل ينوي في الكل الوجوب أولا؟ وفي الثواب
هل يثاب على الكل ثواب الواجب أو ثواب النفل فيما زاد؟
وفى مسألة الزكاة :لو استحق الاسترداد من العامل ،هل يرجع بقدر الواجب أو الكل؟
قال ابن نجيم :ثم رأيتهم قالوا في الأضحية كما ذكره ابن وهبان معزيا إلى الخلاصة . :الغني إذا ضحى
بشاتين وقعت واحدة منهما فرضا والأخرى تطوعا وقيل :الأخرى لحما.
وقال ابن نجيم :ولم أر حكم ما إذا وقف بعرفات أزيد من القدر الواجب ،أو زاد على حالهما في نفقة
الزوجة ،أو كشف عورته في الخلاء زائدا على القدر المحتاج إليه ،هل يأثم على الجميع أو لا؟''.
وقال الكاساني في بيان ما يفارق التطوع الفرض في الصلاة :إن التطوع غير موقت .بوقت خاص ،
ولا مقدر بمقدار مخصوص ،فيجوز في أي وقتي كان على أي مقدار كان ،إلا أنه يكره في بعض
الأوقات ،وعلى بعض المقادير ،والفرض مقدر بمقدار خاص ،مؤقت بأوقات مخصوصة ،فلا تجوز
الزيادة على قدره''.
وجاء في المبسوط في زيادة ما دون الركعة قبل إكمال الفريضة :إن زيادة ما دون الركعة قبل إكمال
الفريضة لا يكون مفسدا للصلاة بخلاف زيادة الركعة الكاملة ،وإنما تتقيد الركعة بالسجدة ،وفي
رواية عن محمد زيادة السجادة الواحدة قبل إكمال الفريضة يفسدها".
وجاء فيه أيضا ً في باب رمي الجمار :إن رماها بأكثر من سبع حصيات لم تضره تلك الزيادة ،لأنه أتى
بما هو الواجب عليه ،فلا يضره الزيادة عليه بعد ذلك.".
وجاء فيه أيضا في باب المهور :لو تزوجها على مهر مسمى ثم زاد فيه جازت الزيادة إن دخل بها أو
مات عنها إلا على قول زفر رحمه الله تعالى ،أصله :الزيادة في الثمن بعد العقد ،وهي مسألة البيوع ،
ودليلنا لجواز الزيادة هنا قوله تعالى ﴿ :ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة» معناه من
فريضة بعد الفريضة ،ولو طلقها قبل الدخول بها بطلت الزيادة إلا في قول أبي يوسف الأول''.
والذي يؤخذ من الأمثلة الواردة عندهم أن الذي أوجبه الشرع وحدد مقداره فإن الزيادة عليه تكون
مكروهة ،ومن أمثلة ذلك عندهم :
أ– من فرائض الوضوء مسح الرأس ،فإن غسله أجزأ ،لاشتماله على المسح وزيادة ،ولكنه مكروه".
ب – في زكاة الفطر :الواجب صاع ،والزيادة على الصاع مكروهة ،لأن الصاع تحديد من الشارع،
فالزيادة عليه بدعة م ( )٣مكروهة " .
ج – في زكاة الإبل :الواجب في كل خمس من الإبل شاة ،فإن أخرج بعيرا عن الشاة أجزأ – وهو
الأصح عند ابن عبد السلام إن استوت قيمتها -وقال الباجي وابن العربي :لا يجزىء إخراج البعير
عوضا عن الشاة".
د – في صلاة الجنازة :الفرض أربع تكبيرات فلو زاد الإمام على أربع تكبيرات بطلت ،وعلى
المأمومين أن يسلموا عقب التكبيرة الرابعة ،وقال أشهب :ينتظرون الإمام ليسلموا عقبه".
هـ – الطمأنينة فرض في الركوع والسجود والرفع منهما في الصلاة ،واختلف في حكم الزائد على أقل
ما يقع عليه اسم الطمأنينة :فقيل :فرض موسع ،وقيل :نافلة ،وهو الأحسن".
هذا بالنسبة لما أوجبه الشارع ،أما ما أوجبه الإنسان على نفسه بالنذر فقد وضع المالكية لذلك قاعدة
وهي :أنه لا يجزى فعل الأعلى عن فعل الأدنى إذا نذره ،فمن نذر أن يتصدق برغيف لا يجزئه أن
يتصدق بثوب وإن كان أعظم منه وقعا عند الله تعالى وعند المسلمين ،ومن نذر أن يصوم يوما لم يجزه
أن يصليه بدلا من الصوم وإن كانت الصلاة أفضل في نظر الشرع ،ومن نذر أن يحج لم يجزه بأن
يتصدق بآلاف من الدنانير على الأولياء والضعفاء ،ولا أن يصلي السنين ،مع أن الصلاة أفضل من
الحج ،ونظائر ذلك كثيرة''.
قال صاحب تهذيب الفروق :وإنما لم يجز فعل الأعلى عن فعل الأدنى – وإن كان الأعلى أعظم قدرا
– لأن في ترك الأدنى المنذور مخالفة للنذر ،وإذا خولف المنذور حصل ارتكاب الممنوع ،وهو عدم
الوفاء لله تعالى بما التزم لوجهه".
قال القرافي :وإذا تقررت هذه القاعدة كيف صح في هذا الباب أن من نذر أن يصلي بالبيت المقدس
فإنه يصلي بالمسجد النبوي بالمدينة أو بالمسجد الحرام بمكة إذا كان مقيما بهما ولا يأتي بيت المقدس،
وغايته أنه ترك المفضول لفعل الفاضل والقاعدة منع ذلك ،فكيف ساغ ذلك هنا؟
قال القرافي :ظاهر كلام الأصحاب أنه يصلي بالحرمين إذا كان مقيما بهما حالة النذر ،لأنه حينئذ نذر
الخروج وترك الصلاة في الحرمين حتى يصليها ببيت المقدس ،فقد نذر المرجوح ،والنذر لا يؤثر في
المرجوح بل في المندوب الراجح ،أما لو كان بغير المواضع الثلاثة من أقطار الدنيا ونذر المشي إلى بيت
المقدس ينبغي أن يتعين عليه.
فقال :أو يقال :الصلاة من حيث هى صلاة حقيقة واحدة ،فالعدول فيها عن الصفة الدنيا إلى الصفة
العليا لا يقدح في موجب النذر ،ألا ترى أنه لو نذر أن يتصدق بثوب خلق أو غليظ أو غير ذلك من
الصفات التي لا تتضمن مصلحة بل هي مرجوحة في الثياب ،فتصدق بثوب جديد أو غير ذلك من
الثياب الموصوفة بالصفات الجيدة ،فإنه يجزئه . . .فإن النذر لما ورد على الثوب الخلق ورد على
شيئين :أحدهما :أصل الثوب ،والآخر صفته ،فأما التصدق في أصل الثوب فقربة فتجب ،وأما
التصدق بوصف الخلق فليس فيه ندب شرعي فلا يؤثر فيه النذر ،فيجزى ضده فكذلك هاهنا .لأنه لما
نذر الصلاة ببيت المقدس فقد نذر الصلاة موصوفة بخمسمائة صلاة كما ورد في الحديث ،وهذه
الخمسمائة هي بعينها في الحرمين مع زيادة خمسمائة أخرى للحديث" ،فكل ما هو مطلوب للشرع في بيت
المقدس هو موجود في الحرمين من أصل الصلاة وزيادة أجرها ،ولم يفترقا إلا في زيادة خمسمائة
أخرى تحصل له في الحرمين ،وترك هذه الزيادة ليست مقصودة للشارع ،فلا جرم لم يتعلق بها نذر،
ويكون وزان ذلك من نذر أن يتصدق بثوب فتصدق بثوبين فإنه يجزئه إجماعا ،ولا يكون وزانه من
نذر أن يصوم فصلى لأن خصوص الصوم من حيث هو صوم مطلوب لصاحب الشرع ،ولم يحصل
هذا الخصوص فى الصلاة كما حصل خصوصا الخمسمائة في الألف من غير خلل ألبتة"؟.
ونص الشافعية على أن الواجب إذا قدر بشيء فعدل إلى ما فوقه فهل يجزىء؟ فقالوا :إنه إن كان مما
يجمعهما نوع واحد أجزأ وإلا فلا ،أقسامه أ بعة :
أحدها :ما يجزىء قطعا كما لو وجبت شاة في خمس من الإبل فدفع بعيرا ً مع أن واجبها شاة ،وإذا
ذبح المتمتع بدنة أو بقرة بدل الشاة ،وإذا مسح المتوضىء جميع الرأس ،وإذا أطال السجود والركوع
زيادة على القدر الواجب ونحو ذلك
وإنما اختلفوا هل يقع الزائد كله فرضا أم يقع الزائد نفلا على وجهين :فصحح بعض المتأخرين أن ما
لا يمكن فيه التمييز كبعير الزكاة أن الكل يقع فرضا .وما أمكن التمييز فيه كمسح الرأس ونحوه يقع
البعض فرضا والزائد على القدر الواجب نفلا''.
ومنه :قيام المسجد الحرام مقام مسجد المدينة والأقصى عند نذرهما للاعتكاف ،لأنه أفضل منهما ولا
عكس لأنهما مفضولان بالنسبة إليه .
الثاني :ما ي إذا وجب في الفطرة قوت نفسه أو قوت البلد فعدل إلى أعلى منه أجزأ في الأصح لأنه
زاد . )٢( .