Professional Documents
Culture Documents
قصيدة احيائية
قصيدة احيائية
سعت حركة إحٌاء النموذج إلى انتشال القصٌدة العربٌة من براثٌن الجمود والتدهور الذي عرفته طٌلة عصر االنحطاط
الحضاري ،واتخذت من العودة إلى التراث شعارا لها .وسار شعراؤها على نهج القصٌدة القدٌمة متبعٌن القدماء فً بناء
قصائدهم ،ولغتهم ،وأغراضهم ،وإٌقاعهم ،وتم ذلك على ٌد ثلة من كبار الشعراء كمحمود سامً البارودي وحافظ إبراهٌم،
وصاحب النص أحمد شوقً الذي ٌعد من أبرز من مثل هذا الخطاب ،ولقب بأمٌر الشعراء ،من أبرز أعماله دٌوان
الشوقٌات الذي اقتطف منه هذا النص .وبمالحظة شكل القصٌدة القائم على نظام الشطرٌن المتناظرٌن مع وحدة الروي
والقافٌة ،وداللة العنوان التً تحٌل على الشعب السوري،نفترض أن الشاعر سٌوجه رسالة إلى أهل سورٌا معبرا عن
حزنه وأساه لما حل بهم .فما مضامٌن القصٌدة؟ وما الخصائص الفنٌة التً توسل بها الشاعر فً قصٌدته؟ وإلى أي حد
مثلت هذه القصٌدة خطاب إحٌاء النموذج؟
ٌحاول الشاعر فً هذه القصٌدة استنهاض همم السورٌٌن والتضامن معهم فً نكبتهم التً حلت بهم ،فقد استهل النص
بتحٌة مدٌنة دمشق بمشاعر مفعمة بالحزن واألسى،ثم انتقل إلى إبراز مكانة دمشق باعتبارها موطنا لإلسالم والحضارة
اإلنسانٌة ،وفً األخٌر حث أبناء سورٌا على العمل والجد.
وقد وظف الشاعر معجما شعرٌا تتمٌز ألفاظه بالقوة والجزالة ،محتذٌا فً ذلك بالمعجم الشعري القدٌم ،كما أن هذه األلفاظ
تتوزع بٌن حقلٌن داللٌٌن ،األول ٌحٌل على الحزن واألسى وتعبر عنه األلفاظ اآلتٌة(دمع،الٌكفكف،أرق،الرزء ،)...فً
حٌن ٌدل الحقل الثانً على استنهاض الهمم(نصحت،فاشقوا،اطرحوا األمانً،ظئرا ،)...وبعد جرد الحقول الداللٌة نجد أن
الشاعر ٌعبر عن حزنه وألمه لما أصاب دمشق ،لكنه فً نفس الوقت ٌنصح أبناء سورٌا بالعمل والجد إلعادة سورٌا إلى
أمجادها.
وإذا انتقلنا إلى دراسة الصورة الشعرٌة فً هذه القصٌدة سنجدها صورة تقلٌدٌة تترسم طرٌقة الشعراء القدامى فً
التصوٌر،حٌث نجد االستعارة فً قوله" رمتك اللٌالً" إذ أن االشاعر أسند صفة إنسانٌة(الرمً) إلى اللٌالً على سبٌل
االستعارة المكنٌة ،كما تحضر بعض المجازات فً قوله"لإلسالم ظئزا"و "معذرة الٌراعة" ،حٌث كشفت هذه المجازات
عن عمق األسى والحزن الذي انتاب الشاعر جراء ما أصاب بالد الشام،وقد أضفت هذه الصور بعدا جمالٌا على فضاء
القصٌدة.
أما على مستوى األسالٌب ،فقد غلب على القصٌدة األسلوب الخبري الذي ٌرمً من خالله الشاعر نقل خبر فاجعة دمشق
والتعبٌر عن أحاسٌسه وتعاطفه مع أشقائه السورٌٌن ،وذلك فً قوله"سالم من صبا ...لحاها هللا على أنباء توالت،"...مع
حضور بعض األسالٌب اإلنشائٌة من قبٌل"النداء" ٌادمشق ،واألمر :اطرحوا ألقوا ،واالستقهام :ألست دمشق ،وتلعب هذه
األسالٌب دورا مهما حٌث ٌحاول الشاعر من خاللها إشراك المتلقً فً تجربته ،كما أن الشاعر زاوج بٌن الجمل الفعلٌة
واالسمٌة ،حٌث نجد الجمل االسمٌة فً قوله"سالم من صبا" ومعذرة الٌراعة" وتدل على الثبات والسكون ،وذلك إلثبات
صفات الحزن واألسى التً انتابت الشاعر ،أما الجمل الفعلٌة التً تتجلى فً قوله"نصحت ونحن مختلفون ،وقفتم بٌن
موت أوحٌاة ،فتدل على الدٌنامٌة والحركة،وظفها الشاعر الستنهاض همم السورٌٌن وإعادة األمل إلٌهم.
وبالخوض فً دراسة اإلٌقاع الشعري ،سنجده ٌتجسد فً مظهرٌن أساسٌٌن هما ،اإلٌقاع الخارجً ،الذي ٌتجلى فً
اعتماد الشاعر نظام الشطرٌن المتناظرٌن ،كما نظم قصٌدته على وزن بحر الوافر وتفاعٌله"( مفاعلتن* ،)6إلى جانب
توحٌد القافٌة(مشقو) ،وهً قافٌة مطلقة متواترة،مع وحدة الروي(القاف).أما االٌقاع الداخلً فٌتبلور من خالل تكرار
مجموعة من الحروف التً تتماشى والجو النفسً للقصٌدة وهً حرف الروي القاف ،وحرف الراء ،واأللف،باإلضافة
إلى تكرار بعض األلفاظ(دمشق،القوا،سورٌة) ،كما تخللت القصٌدة بعض المحسنات البدٌعٌة كالجناس :برق_ شرق،
والطباق:موت -حٌاة /والترادف :األمانً -األحالم ،وٌحضر التوازي فً البٌت السادس ،وهو توازي تركٌبً غٌر تام،وقد
أضفت هذه الظوهر اإلٌقاعٌة بعدا موسٌقٌا على القصٌدة ،كما أنها أدت دورا مهما فً التأثٌر على المتلقً وإشراكه فً
تجربة الشاعر.
عمل الشاعر أحمد شوقً فً قصٌدته الموسومة بعنوان"بنً سورٌة" على محاولة استنهاض همم السورٌٌن والتضامن
معهم فً محنتهم ومعاناتهم ،حٌث وجه فً البداٌة تحٌة إلى دمشق ثم استعرض مكانة دمشق فً حضارة اإلسالم واختتم
القصٌدة بدعوته أهل دمشق إلى العمل والجد،ووظف لذلك معجما تقلٌدٌا من حقلٌن داللٌٌن ،وصورا شعرٌة أضفت على
النص بعدا جمالٌا ،باالضافة إلى اإلٌقاع المتناسق الذي أسهم فً إضفاء جرس موسٌقً على فضاء القصٌدة وأسعف
الشاعر فً التعبٌر عن موضوعه .ونصل فً األخٌر إلى إثبات صحة الفرضٌة وانتماء القصٌدة إلى خطاب إحٌاء
النموذج ،من حٌث الشكل :إذ أن الشاعر اعتمد نظام الشطرٌن المتناظرٌن مع وحدة الروي والقافٌة ،ومضمونا تبنى
الشاعر فً موضوعه قضٌة قومٌة.