Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 15

‫جامعة لونيسي علي‪ -‬البليدة ‪02‬‬

‫كلية العلوم اإلتسانية واإلجتماعية‬


‫قسم العلوم اإلنسانية‬
‫شعبة علم المكتبات‬
‫محاضرات السنة ثانية ليسانس مقياس‪ :‬الفكر الخلدوني‬
‫األستاذ‪ :‬قاسمي الحسني عبدالمجيد‬

‫‪ /1‬موجز عن صاحب الفكر‬

‫يعرف ابن خلدون نفسه بأنه ‪ :‬عبدالرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن‬

‫جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خلدون ‪ ،‬يرجع نسبه إلى الصحابي وائل بن حجر ‪،‬‬

‫من القبائل العربية اليمنية ‪.‬‬

‫ولد ابن خلدون في هذا الحسب العظيم في تونس في غرة رمضان سنة ‪732‬ه الموافق للسابع‬

‫والعشرين من شهر مايو سنة ‪1332‬م‪ ،‬كان يضيف صفة الحضرمي إلى اسمه ألن أسرته ترجع‬

‫إلى حضرموت ‪ ،‬من عرب اليمن‪ ،‬وكان منذ صغره محبا للعلم الذي أخذه عن أبيه الذي كان‬

‫عالما‪ ،‬وعن عدد من العلماء المعاصرين ألبيه في تونس‪" ،‬فدرس العلوم الشرعية‪ ،‬واللغة‬

‫العربية والعلوم الطبيعية والرياضية وعلوم المنطق والفلسفة"‪.‬‬

‫بعد وفاة أبيه وعدد كبير من العلماء بوباء الطاعون‪ ،‬هاجر إلى المغرب األقصى‪ ،‬حيث ترك العلم‬

‫واتجه إلى السياسة‪ .‬توفي عن عمر يناهز السبعين عاما‪ ،‬في ‪5‬رمضان سنة ‪808‬هـ‪ ،‬الموافق لـ‬

‫‪1406‬م‪ ،‬وال يعرف لقبره مكان محدد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫وقد كان كثير من شيوخه قد جمعوا بين السياسة والعلم وهو ما يفسر انخراط ابن خلدون المبكر‬

‫في السياسة على غير طريقة والده الذي آثر هجرها خالفا لسلفه‪.‬‬

‫‪ /2‬أهمية الفكر الخلدوني‬

‫تكتسي دراسة الفكر الخلدوني أهمية قصوى ‪ ,‬وذلك ألنها تمنح الباحث القدرة علي فهم التطور‬

‫الفكري لإلنسان والعوامل المؤثرة في هذا التطور‪ ،‬كما أنها تسمح له بتحديد أهم التوجهات‬

‫الفكرية التي أثرت في اإلنسان ‪ ،‬وصوال إلى معرفة أهم المعارف اإلنسانية التي أسهمت في‬

‫تطوير اإلنسان وتقدمه ‪ ،‬فاإلنسان من منظور ابن خلدون يتميز بأنه كائن مفكر لم يتوقف‬

‫لحظة عن التفكير في ذاته‪ ,‬والبحث عن ماهيته‪ ,‬وعن قضية وجوده‪ ,‬وعن العناصر المحيطة به‬

‫وكيف يتعامل معها ‪ ،‬ولذلك فإن الفكر قديم قدم الوجود اإلنساني ‪ ،‬وقرين ذلك الوجود ‪.‬‬

‫لقد أكد ابن خلدون بأن اإلنسان بحكم القدرة التي وضعت فيه تسنى له ترتيب وتنظيم أفعاله‬

‫الصادرة عنه ‪ ،‬عكس ما هو قائم عند الحيوان ‪ ،‬ألن بالفكر يدرك الترتيب بين الحوادث بالطبع‬

‫أو بالوضع ‪ ،‬فاإلنسان ال يستطيع أن يتأقلم مع الوسط الذي يعيش فيه إال بقدرة العقل الذي‬

‫مكنه من أن يؤسس نظامه المعيشي داخل نسق فكري منسجم منظم ‪ ،‬وإال انقرض ‪ ،‬وهذا هو‬

‫الفرق بينه وبين الحيوان العاجز عن إحداث هذا الترتيب واالتساق النعدام العقل‪ ،‬لذلك‬

‫فالحيوانات إنما تدرك بالحواس ومدركاتها متفرقة خالية من الربط ألنه ال يكون إال بالعقل ‪،‬‬

‫‪2‬‬
‫بهذا استولى اإلنسان على هذا العالم وما فيه من الكائنات التي خلقت مسخرة لخدمته تابعة له‬

‫بحكم سلطان العقل الذي تميز به ‪.‬‬

‫الفكر من منظور ابن خلدون هو فضيلة بشرية تميز بها اإلنسان عن الحيوان ‪ ،‬وعلى قدر حصول‬

‫األسباب والمسببات في الفكر مرتبة تكون إنسانيته ‪ ،‬وهللا خلق اإلنسان وفضله على كثير مما‬

‫خلق تفضيال ‪ ،‬مادام عاجزا عن العيش بمفرده ‪ ،‬فهو في حاجة إلى التعاون واالحتكاك مع غيره‬

‫من بني البشر ‪ ،‬هذا التفاعل الذي يولد المنازعة والمشاجرة ‪ ،‬األلفة والعداوة وبالعقل الذي جعله‬

‫هللا فيه يحدث االنتظام واالنسجام والترتيب‪.‬‬

‫وهكذا حظي موضوع الفكر الخلدوني باهتمام العديد من الدارسين والباحثين في حقل العلوم‬

‫اإلنسانية و العلوم االجتماعية باعتباره ثورة معرفية تجاوز بها عصره ‪ ،‬حيث حاول توظيفه في‬

‫معالجة قضايا متعددة تمثلت أساسا في طرح نظرية إنسان الخالفة والتنظير لحركة الحضارة‬

‫اإلنسانية وبيان السنن اإللهية التي تتحكم فيها‪.‬‬

‫وألجل ما لهذا الفكر من أهمية تركزت جهود الباحثين والدارسين في تتبع سمات عبقرية ابن‬

‫خلدون والتي ميزت أعماله وبدت جلية في آثاره ومؤلفاته‪.‬‬

‫خالصة ما يمكن قوله في موضوع الفكر الخلدوني بأنه ‪:‬ذلك الجهد الخالق الذي بذله ابن خلدون‬

‫لفهم كافة الظواهر و األحداث المحيطة به فهو نشاطه الذهني الذي تجلى في آرائه حول اإلنسان‬

‫و معتقداته و تصوراته و عواطفه و مفاهيمه وحول عناصر الواقع المحيطة به‪ ،‬فمنذ أن ظهر‬

‫الفكر اإلنساني وهو يسعى إلى إبداع النظريات لترقية حياة الناس‪ ،‬وعليه فإن أهمية التفكير في‬

‫حياة اإلنسان تكمن فيما يأتي‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -‬التجاوب مع المستجدات‪ :‬إن عملية التفكير ترتبط بقدرة اإلنسان على التجاوب مع كافة‬

‫المستجدات التي تطرأ عليه في حياته‪ ،‬وتجعله يتكيف مع الوضعيات الجديدة التي تحدث معه في‬

‫بيئة العمل أو البيئة األكاديمية‪ ،‬من خالل تحديد أسلوب التعامل الذي يتناسب مع المستجدات‪،‬‬

‫واستغالل الفرص المتاحة والتعامل معها بذكاء‪.‬‬

‫‪ -‬تطوير الذات‪ :‬إن مجمل المعرفة اإلنسانية التي يتحصل عليها اإلنسان في حياته تتم بواسطة‬

‫تلقّيه للعلوم المختلفة من خالل عمليات التفكير المرتبطة بالتعلّم‪ ،‬فمسألة تلقي المعلومات العلمية‪،‬‬

‫وربطها بالمعرفة السابقة‪ ،‬وتذكرها في الوقت المناسب‪ ،‬وتوظيفها في تحصيل المعرفة الجديدة‬

‫تتم من خالل عمليات التفكير في العقل البشري ومن هنا تبرز أهمية التفكير في حياة اإلنسان‪.‬‬

‫‪ /3‬الفكر الخلدوني ( الغاية من التأسيس‪....‬النزعة العلمية‪ ...‬التوظيف‬

‫اإليديولوجي)‬

‫ل ّما أكمل ابن خلدون كتابة مؤلفه " المقدمة " أحس بأنه أسس علما جديدا أطلق عليه" علم‬

‫العمران‪ ،‬وهو ما جعله يتباهى به وينتظر أن يكون له تأثير كبير في من يأتي بعده من‬

‫الدارسين والباحثين في مجال التاريخ‪ ،‬ومما تجدر اإلشارة إليه ان تأسيس العلوم الجديدة لم‬

‫يكن باألمر النادر في اإلسالم‪ ،‬فقد أرينا المفكرين المسلمين منذ بداية العهد العباسي يؤسسون‬

‫علوما مختلفة‪ ،‬كما فعل الفراهيدي في علم العروض‪ ،‬وسيبويه في علم النحو‪ ،‬وابو يوسف‬

‫في علم الخراج‪ ،‬والشافعي في علم أصول الفقه‪ ،‬واألشعري في علم الكالم‪ ،...‬والظاهر أن‬

‫ابن خلدون أراد أن يشتبه بهؤالء فيؤسس هو ايضا علمايعرف به‪ ،‬و ينمو من بعده‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫كما كان ابن خلدون يريد ان يتشبه بأرسطو بصفة خاصة‪ ،‬فهو قد أ رى ما كان لمنطق‬

‫أرسطو من منزلة رفيعة لدى المفكرين فظن أن علمه الجديد ستكون له مثل تلك المنزلة في‬

‫مستقبل األيام‪ ،‬فهو يشير في مقدمته إلى أن مسائل المنطق كانت معروفة قبل أرسطو ولكنها‬

‫كانت متفرقة غير مهذبة‪ ،‬فجاء أرسطو يرتبها ويهذبها ويؤلف منها علما قائما بذاته‪ ،‬ولذلك‬

‫سمي أرسطو بالمعلم األول‪.‬‬

‫ويقول ابن خلدون عن علمه الجديد مثل ذلك‪ ،‬فهو يذكر أن الفالسفة وأهل العلوم قبله جاؤوا‬

‫بمسائل من نوع تلك التي بحثها في مقدمته‪ ،‬ولكنهم أوردوها في كتبهم متفرقة وغير‬

‫مقصورة لذاتها‪ ،‬أما هو فقد جعلها أصال لعلمه الجديد ففصل إجمالها واستوفى بيانها وميزها‬

‫عن غيرها من مسائل العلوم األخرى‪.‬‬

‫وكان ابن خلدون يأمل أن علمه الجديد سوف يتوسع وينظم و تصلح أخطاؤه على يد العلماء‬

‫الذين يأتون بعده‪ ،‬كما حدث لجميع العلوم التي أسست من قبل‪ ،‬ف يقول في هذا‪:‬‬

‫"فإن كنت قد استوفيت مسائله وميزت عن سائر الصنائع أنضاره وأنحاه‪ ،‬فتوفيق من هللا‬

‫وهداية‪ ،‬وإن فاتني شيء في إحصانه‪ ،‬واشتبهت بغيره مسائله‪ ،‬فللناظر المحقق إصالحه‪،‬‬

‫ولي الفضل ألني نهجت له السبيل واوضحت له الطريق ‪.‬وهللا يهدي لنوره من يشاء"‪ ،‬ولم‬

‫يكتف ابن خلدون بذلك بل نراه يختم المقدمة فيقول‪:‬‬

‫"وقد كدنا نخرج من الغرض‪ ،‬ولذلك عزمنا ان نقبض العنان عن القول في هذا الكتاب‬

‫األول الذي هو طبيعة العمران وما يعرض فيه‪ ،‬وقد استوفينا من مسائله ما حسبناه كفاية‪،‬‬

‫ولعل من يأتي بعدنا ممن يؤيده هللا بفكر صحيح وعلم مستنبط الفن إحصاء مسائله‪ ،‬وانما‬

‫‪5‬‬
‫عليه تعيين موضع العلم وتنويع فصوله وما يتكلم فيه‪ ،‬والمتأخرون يلحقون المسائل من بعده‬

‫شيئا فشيئا إلى ان يكمل‪ ،‬وهللا يعلم وأنتم ال تعلمون‪".‬‬

‫إننا نعرف أن األفكار الجديدة تشبه إلى حد كبير البذور التي تلقى في األرض‪ ،‬فهي تذوي‬

‫وتموت إذا لم تجد التربة الصالحة لها‪ ،‬والظروف المساعدة على نموها‪ ،‬أما إذا وجدت أرضا‬

‫خصبة ‪ ،‬وحصلت على العناية الالزمة فإنها ستؤتي ثمارها‪.‬‬

‫‪ -‬والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو ‪ :‬هل أن العلم الجديد الذي ابتكره ابن‬

‫خلدون قد توسع وانتشر كما طمح صاحبه أم العكس هو الذي حدث ؟‬

‫يرى البعض أن منطلق الفكر الخلدوني في" المقدمة " هو منطلق علمي ألنه مادي‪ ،‬وبالفكر‬

‫الخلدوني ابتدأ الفكر العلمي في تاريخ الفكر العربي‪ ،‬ال سيما في حقل الفكر االجتماعي‪ -‬أو‬

‫العمراني‪ -‬وفي حقل الفكر التاريخي‪ ،‬نبدأ باألول من هذين الحقلين‪ ،‬ونورد هذا النص الذي‬

‫يحدد المعالم األساسية للقفزة العلمية التي قام بها الفكر الخلدوني في هذا الحقل‪ ،‬يقول ابن‬

‫خلدون‪:‬‬

‫"وأما األخبار عن الواقعات فال بد في صدقها وصحبتها من اعتبار المطابقة‪ ،‬واذا كان ذلك‪،‬‬

‫فالقانون في تمييز الحق من الباطل في األخبار باإلمكان واالستحالة أن ننظر في االجتماع‬

‫البشري الذي هو العمران ونميز ما يلحقه من األحوال لذاته وبمقتضى طبعه‪ ،‬وما يكون‬

‫عارضا ال يعتد به وال يمكن أن يعرض له‪ ،‬واذا فعلنا ذلك كان ذلك قانونا في تمييز الحق من‬

‫الباطل‪".‬‬

‫في حين يرى البعض أنه تم توظيف التراث الخلدوني توظيفا ايديولوجيا من طرف المفكرين‬

‫في عصرنا الحالي ‪ ،‬حيث أن غايتهم ليست دائما معرفية خالصة‪ ،‬وابن خلدون ليس في‬

‫‪6‬‬
‫أعمالهم سوى ذريعة للدعوة إلى قيم جديدة والى ممارسات تقطع مع الماضي المتنكر من‬

‫وجوه عدة للديموقراطية و العقالنية والتقدم‪ ،‬و ما إلى ذلك‪ ،‬فالتحديث ال يقوم حقا على أسس‬

‫متينة إال إذا احترم دعاته مرامي األعالم مثل ابن خلدون الذين وفروا لهم المناسبة‪ ،‬ولم‬

‫يقولوهم مالم يقولوا ‪،‬ألن الظروف الجغرافية والديموغرافية واالقتصادية والسياسية وغيرها‬

‫محددة لنوعية األفكار والقيم السائدة‪ ،‬وأبلغ أثرا في تغيير األوضاع من التنظيرات‬

‫والتبريرات على اختالف أنواعها‪.‬‬

‫‪ /4‬إبن خلدون وعلم العمران‬

‫آمن ابن خلدون بأن المجتمع كائن تاريخي يتطور حسب قوانين خاصة يمكن مالحظتها‬

‫وتحديدها‪ ،‬ورأى أن تلك القوانين يجب أن تستخلص من تاريخ موضوعي يعتمد الحتمية‪،‬‬

‫وقابل ألن يحلل مجموع الظواهر المجتمعية‪ ،‬ثم أكد أنها هي الشروط التأسيسية للعلم الجديد‪،‬‬

‫علم )العمران البشري(‪ ،‬علم يتعلق بقابلية اإلنسان على أن يحيا حياة مجتمعية‪.‬‬

‫مفهوم عمران هو مفهوم قاعدي في الفكر الخلدوني‪ ،‬يمكن أن يعبر عنه بحياة مجتمعية ‪-‬‬

‫مجتمعي في معنى أوسع من االستعمال العادي‪ ، -‬أي كل ما يوطد الوجود المادي والفكري‬

‫والروحي لنفس البيئة البشرية‪.‬‬

‫يعطي ابن خلدون للفظ عمران معاني أخرى مختلفة ‪ ،‬ال يربطها سوى ما بينها من تقارب‬

‫لفظي ناتج عن اإلشتراك في الجذر اللغوي ‪ ،‬و يظل مصطلحا مفتاحا يأتي دائما مربوطا‬

‫بلفظة بشري حيث يقول ‪" :‬االجتماع اإلنساني ضروري ‪ ،‬و يعبر الحكماء عن هذا بقولهم‬

‫‪7‬‬
‫اإلنسان مدني بالطبع أي ال بد له من االجتماع "‪ ،‬فاالجتماع البشري هو موضوع التاريخ ‪،‬‬

‫والتأريخ يهتم بدراسة ماضي األفراد والشعوب من جهة ‪ ،‬كما يدرس العمران‪ ،‬و هو يتحين‬

‫‪ ،‬أي يدرسه في وضعه الحاضر‪ ،‬كما ينسج عالقات بتراث المجتمع و ينميه‪.‬‬

‫يفرق ابن خلدون بين نوعين من العمران‪:‬‬

‫العمران البدوي‪ :‬و هو الذي يمثل بداية كل حياة مجتمعية طبيعية‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫العمران الحضري أو المدني‪ :‬وهو الذي ينشأ وينمو في المدينة الحضرية‪ ،‬أي‬ ‫‪-2‬‬

‫المكان الذي نعمل فيه وبه نستقر‪ ،‬وفيه نجد ما نحن بحاجة إليه‪ ،‬إذ اإلقامة على‬

‫الدوام بمكان ما تخلق احتياجا للراحة والرفاهية‪ ،‬فتتوالد الحرف والفنون الجميلة‬

‫وتقام البنايات والمشاريع الكبرى‪ ،‬أي كل األشياء التي تظل قائمة –حاضرة‪ ،-‬في‬

‫حين نالحظ أن البدو الرحل الذين تفرض عليهم نوعية حياتهم التنقل باستمرار‪،‬‬

‫يكتفون بخيمة متنقلة‪ ،‬ألنها أنفع لهم وأكثر صالحية من السكن القار‪.‬‬

‫ابن خلدون وان ميز بين نوعين من العمران‪ ،‬فهو ال يرى بينهما تعارضا‪ ،‬بل على العكس‪،‬‬

‫إنهما شكالن متكامالن للحياة ‪:‬يشمل ميدان العمران البشري كل حركة تنتج داخل مجتمع‬

‫انساني ما‪ ،‬وكل ما له تعلق بالدين والسكن والسلطة وتناقص السكان وتزايدهم وانقسامهم‪،‬‬

‫كما يشمل نشاطات العلوم والحرف )بما فيها التقليدية والفنية)‪ ،‬بيد أن طبيعة العمران‬

‫الحضري تتميز بتوتر داخلي يدفع باألمصار والقرى والمدن والمدائن لالعتصام بها‬

‫والتحصن بجدرانها‪ ،‬فالعمران الحضري يختص بنمو الحرف والفنون الزخرفية‪ ،‬وبالتفنن‬

‫في طرق العيش ورهافة الذوق‪ ،‬إال أن شدة شغف الحضريين برغد العيش والبذخ‪ ،‬وولعهم‬

‫بالمغامرات من أجل الكسب ترمي بهم إلى االنحالل الخلقي وتفسخ القيم‪ ،‬فبقدر ما يمثل‬

‫‪8‬‬
‫التحضر أعلى درجة في الرقي العمراني ‪،‬بقدر ما يوقع في أسفل درجات االنحطاط‬

‫المعنوي‪ ،‬وذاك عالمة على التدهور المجتمعي‪.‬‬

‫يسعى العمران إلى تحقيق أسمى درجات الحضارة والبذخ‪ ،‬ومتى بلغ الناس هذا الهدف شرع‬

‫العمران في االنزالق إلى الفساد )الفساد في المعنى األرسطي(‪ ،‬وأصيب بالشيخوخة‪ ،‬مثله‬

‫في ذلك مثل ما يحصل للوجود الطبيعي لمختلف أجناس الحيوان‪" :‬إن غاية العمران هي‬

‫الحضارة والترف‪ ،‬وانه إذا بلغ غايته انقلب إلى الفساد وأخذ في الهرم كاألعمار الطبيعية‬

‫للحيوانات‪ ".‬وال تمثل حضارة بهذا المعنى الضيق سوى الجانب المادي من المدنية والتمدن‪،‬‬

‫ومتى انتصر هذا الجانب على الجانب األخالقي ‪،‬يختل التوازن المجتمعي ويصبح اإلنسان‬

‫غير قادر على مراقبة سلوكه واالحتفاظ بإيمانه ‪ ،‬فيركن إلى الراحة والترف وبالتالي تفسد‬

‫انسانيته‪ ،‬ويصبح عديم القيمة‪ ،‬فالحضارة تعتبر وضعا حاسما وخطيرا يهدد على الدوام‬

‫العمران الحضري‪.‬‬

‫رغم أن تعاقب العمران أمر ال مفر منه‪ ،‬إال أن إبن خلدون يركز على عنصر الضرورة ‪،‬‬

‫ألنها مالزمة لطبيعة التاريخ و العمران البشري‪ ،‬فإذا كان المؤرخ يثبت األعمال واألحداث‬

‫الماضية داخل النص‪ ،‬فإن العمراني يضيف إلى ذلك مالحظاته الخاصة‪ ،‬ويؤول المادة‬

‫األولى التي يستقيها من نصوص المؤرخين‪ ،‬ويشحن الخطابات التاريخية بحيوية الحدث‪،‬‬

‫ألنه يربط مهامه بصيرورة اإلنسان انطالقا من ماض تم بعثه من جديد‪ ،‬ومن حاضر يتحقق‪،‬‬

‫فالعمراني ال يتموضع على مستوى األحداث كمواد خام ‪،‬وال على مستوى المؤرخين الذين‬

‫يبحثون عن أسباب الحوادث الفردية وشروطها العامة ‪ ،‬بل إنه و إن تأمل كالمؤرخ األحداث‬

‫التاريخية كي يتعمق في شرحها ‪ ،‬يسير بالبحث إلى أبعد مدى ‪ ،‬ويجهد نفسه ليشرح‬

‫‪9‬‬
‫السيرورة العامة لمستقبل الدولة وللتطور المجتمعي ‪ ،‬فابن خلدون ال يؤمن بأحادية العلة ألن‬

‫الحدث التاريخي ال يقع أبدا في انعزال عما حوله ‪ ،‬و إنما يدخل ضمن سياق مجتمعي‬

‫وسياسي‪ ،‬وينتج عن نسق من العلل ‪ ،‬فاألحداث التاريخية كالكائنات تصدر عن أشياء ممكنة‬

‫الوقوع ألنها زمنية ‪ ،‬و تحتاج بالضرورة إلى علل‪.‬‬

‫‪ /5‬الفكر الخلدوني وقضايا الدولة واإلجتماع البشري‬

‫يعرف ابن خلدون الدولة بأنها " كائن حي له طبيعته الخاصة به‪ ،‬ويحكمها قانون السببية ‪،‬‬

‫وهي مؤسسة بشرية طبيعية وضرورية ‪ ،‬وهي أيضا وحدة سياسية واجتماعية ال يمكن أن‬

‫تقوم الحضارة إال بها"‪ ،‬وقانون السببية عند ابن خلدون مفاده أن الوقائع االجتماعية‬

‫واألحداث التاريخية خاضعة للحتمية‪ ،‬وليست بفعل المصادفة الرتباط األسباب‬

‫بالمسببات‪،‬كما يرى ابن خلدون ضرورة وجود الدولة ألن حاجة اإلنسان للغذاء والكساء‬

‫والمأوى والدفاع عن النفس هي التي تدفعه إلى االنتظام في مجتمع إنساني‪ ،‬فاإلنسان ال‬

‫يستطيع أن يسد حاجته للغذاء بمفرده ‪،‬ألن ذلك يتطلب أعماال كثيرة ال يستطيع أن يقوم بها‬

‫بمفرده‪ ،‬فالبد من تعاونه مع رفاقه‪ ،‬واإلنسان معرض للخطر ليس من جانب الحيوانات‬

‫المفترسة فحسب‪ ،‬بل من جانب أخيه اإلنسان‪ ،‬لذا البد من وجود سلطة تحول دون اعتداء‬

‫الناس بعضهم على البعض اآلخر‪ ،‬وهذا ما أسماه ابن خلدون ب " الوازع"‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫يرى ابن خلدون أن الدولة ال تقوم إال على أساسين أولهما ‪ :‬الشوكة والعصبية المعبر عنهما‬

‫ب‪ :‬الجند ‪ ،‬وثانيهما‪ :‬المال الذي هو قوام أولئك الجند ‪ ،‬واقامة ما يحتاج إليه الملك من‬

‫األحوال‪ ،‬فالدولة في أولها تكون بدوية‪ ،‬حيث يكون اإلنفاق معقوال ‪،‬ولذا يكون هناك إمعان‬

‫في الجباية واإلسراف ‪ ،‬واذا عظم المال انتشر الترف الذي يؤدي إلى انهيار الدولة ‪ ،‬ألن‬

‫نفقات السلطان وأصحاب الدولة تتضاعف ‪ ،‬وينتشر اإلسراف بين الرعايا ‪ ،‬وتمتد أيديهم إلى‬

‫أموال الدولة من جهة ‪ ،‬ومن جهة أخرى يبدأ الجند في التجاسر على السلطة ‪ ،‬فيضطر‬

‫السلطان إلى مضاعفة الضرائب ‪ ،‬فيختل اقتصاد البالد ‪ ،‬ولكن الجباية مقدارها محدود‪ ،‬كما‬

‫ال يستطيع رفع الضرائب إلى ما ال نهاية‪ ،‬ولذا يضطر إلى االستغناء عن عدد من الجند حتى‬

‫يوفر مرتباتهم ‪،‬فتضعف حمايته‪ ،‬وتتجاسر عليه الدول المجاورة أو القبائل التي ما تزال‬

‫محتفظة بعصبيتها‪.‬‬

‫إن العصبية عند ابن خلدون ال تشمل أبناء األسرة الواحدة الذين تربطهم بعضهم بالبعض‬

‫اآلخر صلة الرحم فحسب ‪ ،‬بل هي تتسع لتشمل أهل الوالء والحلف ‪ ،‬وفي مواقع أخرى نجد‬

‫ابن خلدون يضم الرق والمرتزقة‪ ،‬وهم من يطلق عليهم اسم‪ :‬المصطنعين إلى العصبية‪ ،‬أما‬

‫النسب فيعتبره أمر وهمي فائدته هو الترابط الذي يوجده‪ ،‬ومنه يكون معنى العصبية عند ابن‬

‫خلدون مرادف لمفهوم العصبية ‪ ،‬وبهذا لم يخرج عن المفهوم اإلسالمي الذي نبذ‬

‫العصبية القبلية‪.‬‬

‫يرى ابن خلدون أن هنالك ثالثة أنواع من أنظمة الحكم وهي‪:‬‬

‫حكم يستند إلى شرع هللا و هو ما ندعوه‪ :‬الخالفة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫سياسة عقلية ‪ ،‬وهي تضطلع بمصالح الدنيا فقط‪ ،‬مثال‪ :‬دولة الفرس‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪11‬‬
‫سياسة مدنية مثالية مفترضة مثل المدن الفاضلة عند الفالسفة ‪ ،‬وهي بعيدة الوقوع‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫ويقرر ابن خلدون في صراحة كاملة أن الحكومة التي يجب أن تسوس شؤون مجتمع‬

‫العمران‪ ،‬هي الحكومة اإلسالمية لما فيها من حفاظ على مصالح الناس في دنياهم وسالمة‬

‫مصيرهم في آخرتهم ‪ ،‬فيقول‪ " :‬والخالفة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي على‬

‫مصالحهم اآلخروية والدنيوية الراجعة إليها‪ ،‬إذ ترجع أحوال الدنيا كلها عند الشارع إلى‬

‫اعتبارها بمصالح اآلخرة ‪،‬فهي في الحقيقة خالفة عند صاحب الشرع في حراسة الدين‬

‫وسياسة الدنيا به"‪.‬‬

‫ويبين ابن خلدون أن وظيفة الخالفة دينية اجتماعية سياسية ‪ ،‬وذم الملك القائم على العصبية‬

‫‪،‬ألنه يؤدي إلى القهر ‪ ،‬ورفض الملك القائم على السياسة وحدها ألنه مجرد من الصبغة‬

‫الدينية التي نظمتها شريعة السماء في حراسة نور هللا ‪ ،‬ويستشهد ابن خلدون بالقرآن الكريم‬

‫ّللا لَه نورا فَ َما لَه من نُّور "‬


‫والحديث النبوي الشريف ‪،‬فيذكر قوله تعالى ‪" :‬و َمن لَّم يَجعَل َّ‬

‫‪-‬النور‪ :‬آية ‪ ،-40‬وقوله صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬إنَّما هي أعمالكم ترد إليكم"‪.‬‬

‫وبين ابن خلدون سبب تسمية الخليفة بذلك بأنه خليفة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأن‬

‫اإلنسان خليفة هللا في األرض لقوله تعالى‪" :‬إني َجاعل في األَرض َخليفة" –البقرة‪ :‬آية‬

‫‪ ،-30‬فاهلل جعل الخليفة نائبا عنه في القيام بأمور عباده لكي يقودهم إلى ما فيه صالحهم ‪ ،‬و‬

‫يحميهم مما يضر بهم و بمصالحهم‪ ،‬وبذلك يتفق مع اإلمام الماوردي في توصيف الخالفة‬

‫بأنها موضوعة لخالفة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا ‪ ،‬وعقدها لمن يقوم بها في األمة‬

‫واجب باإلجماع‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫يرى ابن خلدون أن الدولة مثل الكائن الحي الذي يولد وينمو ‪ ،‬ثم يهرم ليفنى‪ ،‬فللدولة عمر‬

‫مثلها مثل الكائن الحي تمامما‪ ،‬وقد حدد ابن خلدون عمر الدولة بمائة وعشرين عاما‪ ،‬ألنه‬

‫يرى أن العمر الطبيعي لألشخاص كما زعم األطباء والمنجمون مائة وعشرين عاما‪ ،‬وال‬

‫تعدو الدول في الغالب هذا العمر إال إن عرض لها عارض آخر من فقدان المطالب‪ ،‬وذكر‬

‫أنها تتكون من ثالثة أجيال كل جيل عمره أربعون سنة ‪ ،‬وذلك ألنه اعتبر متوسط عمر‬

‫الشخص أربعين سنة ‪ ،‬حيث يبلغ النضج إلى غايته‪ ،‬ولهذا بين أن متوسط عمر الشخص‬

‫الواحد هو عمر الجيل ‪ ،‬ويؤيد ذلك في حكمة التيه الذي وقع لبني إسرائيل في أربعين سنة ‪،‬‬

‫والمقصود باألربعين سنة فيه فناء جيل األحياء ونشأة جيل آخر لم يعهد الذل وال عرفه‪.‬‬

‫يرى ابن خلدون أن للدولة أجيال وأطوار وهي كالتالي‪:‬‬

‫‪ -‬الجيل األول ‪ :‬يعيش في الريف والبوادي حياة بدوية خشنة بعيدة عن الترف ‪ ،‬وتتميز‬

‫بقوة العصبية والبسالة واالفتراس واالشتراك في المجد‪ ،‬ويكون جانبهم مرهوب ‪،‬‬

‫وعلى الناس غالبون –العنف‪.-‬‬

‫‪ -‬الجيل الثاني ‪ :‬هو الذي يتحقق على يديه الملك ويؤسس الدولة ‪ ،‬وفيه ينتقل من البداوة‬

‫إلى الحضارة‪ ،‬ومن سكنى البوادي والريف إلى المدن ‪ ،‬ومن شظف العيش إلى ترفه‬

‫‪ ،‬ومن االشتراك في المجد إلى اإلنفراد الواحد به وكسل الباقين عن السعي فيه ‪ ،‬ومن‬

‫عز االستطالة إلى ذل االستكانة ‪ ،‬وتنكسر فيه سورة العصبية بعض الشيء ‪ ،‬ويعيش‬

‫على ذكريات الجيل األول‪.‬‬

‫‪ -‬الجيل الثالث‪ :‬ينسون عهد البداوة والخشونة كأنها لم تكن‪ ،‬ويفقدون حالوة العز‬

‫والعصبية‪ ،‬بما فيهم من ملكه القهر ‪ ،‬ويبلغ فيهم الترف غايته ‪ ،‬ويصيرون فيه عياال‬

‫‪13‬‬
‫على الدولة ‪ ،‬وينسون الحماية والمدافعة والمطالبة ‪ ،‬وتسقط العصبية تماما‪ ،‬ويضطر‬

‫صاحب الدولة إلى االستظهار بسواهم من أهل النجدة‪ ،‬ويستكثر بالموالي‪.‬‬

‫‪ -‬الجيل الرابع‪ :‬ال يكاد يذكره ألنه فقد اإلحترام والسلطة‪.‬‬

‫أما أطوار الدولة عند إبن خلدون فهي ‪:‬‬

‫‪ -‬الطور األول ‪ :‬هو طور التأسيس‪ ،‬وفيه يكون السلطان جديد العهد بالملك‪ ،‬لذا فهو ال‬

‫يستغني عن العصبية‪ ،‬وانما يعتمد عليها إلرساء قواعد ملكه‪ ،‬فيكون الحكم في هذه‬

‫المرحلة مشتركا نوعا ما بين الملك وبين قومه وعشيرته‪ ،‬ويتميز هذا الطور ببداوة‬

‫المعيشة وبانخفاض مستواها‪ ،‬فلم يعرف الغزاة الجدد بعد الترف‪ ،‬ويشترك الجميع في‬

‫الدفاع عن الدولة لوجود الشجاعة والقوة البدنية‪.‬‬

‫‪ -‬الطور الثاني ‪ :‬هو اإلنفراد بالملك‪ ،‬ويرى ابن خلدون أن اإلنفراد بالسلطة ميل طبيعي‬

‫وفطري لدى البشر‪ ،‬ولذا فإن السلطان عندما يرى ملكه قد استقر يعمل على قمع‬

‫العصبية‪ ،‬كما يعمل على اإلنفراد بالحكم واستبعاد أهل عصبيته من ممارسة الحكم ‪،‬‬

‫وعندئذ يتحول من رئيس عصبية إلى ملك‪ ،‬وقد يفعل ذلك أول من أسس الدولة ‪ ،‬وقد‬

‫ال يفعل ‪ ،‬فال تدخل الدولة في هذا الطور الثاني إال مع ثاني زعيم أو ثالث ‪ ،‬ويتوقف‬

‫ذلك على قوة صمود العصبية‪ ،‬ويضطر السلطان إلى االستعانة بالموالي للتغلب على‬

‫أصحاب العصبية ‪،‬أي أنه يبدأ في هذه المرحلة االعتماد على جيش منظم من أجل‬

‫المحافظة على الملك‪.‬‬

‫‪ -‬الطور الثالث‪ :‬وهو طور الفراغ والدعة‪ ،‬وفي هذا الطور يتم تحصيل ثمرات الملك‬

‫وتخليد اآلثار وبعد الصيت‪ ،‬فالدولة في هذا الطور تبلغ قمة قوتها‪ ،‬ويتفرغ السلطان‬

‫‪14‬‬
‫لشؤون الجباية‪ ،‬واحصاء النفقات والقصد فيها‪ ،‬ولتخليد ملكه يبني المباني العظيمة‬

‫الشاهدة على عظمته‪ ،‬وفي هذه المرحلة يستمتع الجميع مع السلطان بمجده ‪ ،‬وحاشيته‬

‫بما يغدقه عليها السلطان‪.‬‬

‫‪ -‬الطور الرابع‪ :‬هو طور القنوع والمسالمة‪ ،‬وفي هذا الطور يكون صاحب الدولة قانعا‬

‫بما بناه أسالفه مقلدا لهم قدر ما يستطيع‪ ،‬والدولة في هذه المرحلة تكون في حالة‬

‫تجمد فال شيء جديد يحدث‪ ،‬وال تغير يطرأ‪ ،‬كأن الدولة تنتظر بداية النهاية‪.‬‬

‫‪ -‬الطور الخامس‪ :‬هو طور اإلسراف والتبذير ‪ ،‬ويكون صاحب الدولة في هذا الدور‬

‫متلفا لما جمعه أسالفه في سبيل الشهوات والمالذ والكرم على بطانته‪ ،‬فيكون مخربا‬

‫لما كان سلفه يؤسسون ‪ ،‬وهادما لما كانوا يبنون‪ ،‬وفي هذا الطور تحصل في الدولة‬

‫طبيعة الهرم‪ ،‬ويستولي عليها المرض المزمن الذي ال شفاء منه إلى أن تنقرض‪،‬‬

‫ويرى ابن خلدون أن بداية انحالل الدولة يرجع إلى عنصرين هما‪ :‬انحالل العصبية‬

‫‪ ،‬واالنحالل المالي نتيجة تبذير السلطان ‪ ،‬ولهذا تنهار الدولة سياسيا واقتصادي ‪.‬‬

‫‪15‬‬

You might also like