Professional Documents
Culture Documents
شرح صَفِيّ الدين الحِلِّي
شرح صَفِيّ الدين الحِلِّي
الحلِّي َ ّ
من شعراء العصر المملوكي ( 750 _677هـ )
أبو احملاسن عبد العزيز بن سرايا بن علي بن أيب القاسم الطائي شاعر عصره .ولد ونشأ يف احلِلة
(مدينة يف العراق بني الكوفة وبغداد) عاش يف الفرتة اليت تلت دخول املغول لبغداد وتدمريهم اخلالفة
العباسية مما أثر على شعره.
اشتغل بالتجارة ،فكان يرحل إىل الشام ومصر وماردين وغريها ،يف جتارته ،ويعود إىل العراق،
وانقطع مدة إىل أصحاب ماردين ،فتقرب من ملوك الدولة األرتقية ،ومدحهم ،وأجزلوا له عطاياهم.
ورحل إىل القاهرة سنة 726هـ فمدح السلطان امللك الناصر .وتويف ببغداد .له " ديوان شعر مطبوع،
ومعجم لألغالط اللغوي ة ،و " درر النح ور "وهي قص ائده املعروف ة باألرتقي ات ،و "ص فوة الش عراء
وخالصة البلغاء.
ِ
الرجـــا
ـاب َّ العـ ـ ـ ـ ــوالي َعن َمعالينا *** َواستَش ــ ِهدي الــ َ
ـبيض َـهــل خــ َ ـاح َ
الرم ـ ـ ـ ـ ـ َـ
َسـ ـ ـ ـ ـ ـلي ِّ
فينااليت ترفع هبا راية القبائل )2( ،البيض :اسم
المفردات )1( :العوايل مجع عالية ،أي طويلة ،واملراد به الرماح
للسيف ويف األصل صفة له ،وهو أن السيف احلاد القاطع يكون أبيض مضيئا ،مث الشتهاره بني األدباء صار امسا
له )3( ،الرجا فينا :أمنية الناس منا
الشرح :اسأل الرماح العوايل ،والسيف القاطعة ،واحلروب الطاحنة ،والفرسان الشجعان عن شرفنا وعزتنا يف
السلم واحلرب ،وسلي الناس مجيعا عن وفائنا ،وسيخربونك أننا ال خنيب أمل الناس فينا
صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـناِئعُنا س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ٌد َوقاِئعُنا *** ُخضـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـر َمرابِعُن ـ ـ ـ ـ ـ ـاـ ُحمـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـر َمواضـ ـ ـ ـ ـ ــينا
بيض َ
ٌ
المفـ ــردات )1( :الص نائع :األعم ال ،وبياض ها يع ين نظافته ا وخلوه ا من الس يئات )2( ،والوق ائع :احلروب،
وسوادها يعين شدهتا ( )3واملرابع مجع َم ْربَ ع :وهو َمْن ِز ُل الْ َق ْوِم يِف َّ
الربِي ِع َخ َّ
اص ةً ،وهنا ال يريد الشاعر ختصيصه
بالربيع ،بل يشمل الش تاء لكن ع رب ب ه ملناسبة النمو بالربيع املع رب عنه باخلض ر ،أي منازلن ا نامي ة مليئ ة باألشجار
فكثرت خريها )4( ،واملواضي مجع ماض وهو التاريخ ،ومحره يعين مليء باحلروب ،يدل على شرف وعزة وقوة
صاحبه أو أجداد الشاعر.
الش ــرح :إن أعمالن ا نظيف ة خالي ة من اجلرائم واعت داء الن اس وإي ذائهم ،فنحن يف الس لم نعيش بطمأنين ة ،إال أن
حروبن ا ش ديدة بائس ة ،ومنازلن ا نامي ة ك ثرت فيه ا اخلري ،ورثن ا ذل ك كل ه من أج دادنا ال ذين بن وا ت ارخيهم ب العز
والشرف والقوة.
ِ
المنايـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا في َأمانيناـ العجـ ـ ـ ُـز منّـ ـ ــا دو َن نَيـ ـ ـ ِـل ُمـ ـ ـ ً
ـنى *** َولَـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َرَأينـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َ ظهـ ـ ـ ُـر َ
ال يَ َ
المفردات )1( :دون نيل :أي قبل نيل )2( ،ولو رأينا املنايا إخل :أي ولو أن ما متنيناه سيؤدينا على املوت
الشرح :ال يظهر الضعف ،وال التعب من وجوهنا قبل أن حنصل على ما نريد ،وال تراجع من طريقنا أبدا ،مهما
الذي حصل يف سبيله ،ومهما رأينا أن املوت ينتظرنا وحيول بيننا وبني اهلدف
ـول بِها *** ِإال َج َعلنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َمواضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــينا فَرامينا
ـرامين نَص ـ ـ ـ ـ ـ ُ
َأعو َزتن ـ ـ ـ ـ ــا فَ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ
م ـ ـ ـ ـ ــا َ
صولاملفردات )1( :أعوز :أحوج ( )2الفرامني مجع فرمان :وهو عهد الوالة للسلطان ( )3فال ٌن يَ ُ
وجَيُول :يفعل ما يشاء دون رادع ،له سلطة كربى.
إننا ال حنتاج إىل الدستور وال العهود وال أمر من أحد يف السعي إىل اخلري ونيل املىن ،وإمنا يكفينا ما
فعل آباؤنا وما نُقل إلينا من تارخيهم ليكون دستورا لنا ،فبهم نقتدي وعلى خطوهتم نسري
بق العُلى طَلَقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً *** ِإن لَم نَ ُكن ُسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبَّقاًـ ُكنّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُم َ
صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلّينا ِإذا َج َرينـ ـ ـ ـ ـ ــا ِإلىـ َسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ
المفردات :الطلق :دون مكان حمدد.
الشرح :إننا تسابقنا إىل العال بدون إجبار أحد وال أمرهم ،وال نلتفت فيه إىل هنيهم ومنعهم ،بل نسري إلينا برغبتنا
فنصل إليها قبل غرينا ،أو بعد األوائل منهم ،ال نتأخر وال نتخلف.
ـودهُ قَ ـ ــد ك ـ ــا َن َعن غَلَ ـ ـ ٍـط *** ِمن ـ ـ ـ ـ ــهُ َوال َأج ـ ـ ـ ـ ـ ُـرهُ قَ ـ ـ ـ ـ ــد ك ـ ـ ـ ـ ــا َن َممنونا
َأعطى فَال ج ـ ـ ُ
انتق ل الش اعر من أس لوب التكلم إىل أس لوب الغيب ة ،فاألص ل ك ان أن يع رب بـ "أعطين ا" ولكنه ع دل عن ه إىل قول ه
"أعطى"
الشرح :إننا نكرم الناس ونوزع اخلري هلم ،وقد أكثرنا يف العطاء واجلود ،وال تظنن أننا أخطأنا عندما نعطيهم أكثر
منن وال
من عادة الناس ،بل كان ذلك على وعي منا ،فمن سيمتنا الكرم ،والكرمي ال يفكر مبا يعطيه للناس ،مث ال ّ
نتفضل على الناس بكرمهم ،بل يعطي كثريا إكراما هلم ال منة هلم
ِ
ـوع لَنـ ـ ــا َختالً َوتَسـ ـ ــكينا طوتِِه *** يُبـ ـ ــدي ال ُخضـ ـ ـ َ سـ ـ ـ ـ ـ َ
ِ
َكم من َعـ ـ ـ ـ ـ ُد ٍّو لَنـ ـ ـ ــا َأمسـ ـ ـ ــى ب َ
ـاء تَمكينا ف في اَألعضـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ـاد َ ص ـ ـ ـ ـ ِّل يظ ِـه ـ ـ ــر لين ـ ـ ـ ـاً ِعن ـ ـ ـ ـ َد ملم ِس ـ ـ ـ ـ ِه *** حتّى يصـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ
َ ُ َ َ َكال ِّ ُ ُ
هد َويَسـ ـ ـ ــقينا سـ ـ ـ ـ ـ َّم في َشـ ـ ـ ـ ـ ٍ ج ال ُّ يطـ ــوي لَنـ ــا الغَـ ــدر في نُصـ ـ ٍـح يشـ ـ ِ ِ
ـير بـ ــه *** َويَمـ ـ ـ ـ ُـز ُ ُ ُ َ َ
ض َونُغضـ ـ ـ ـ ـ ــي َعن قَباِئ ِـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ِه *** َولَم يَ ُكن َع َـ
ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزاً َعنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ تَغاضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــينا َوقَـ ـ ـ ـ ـ ــد َنغُ ُّ
ـير يُكافيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـه َفيَكفينا ِإ ِ ٍ ِإ ِ ِ
لَكن َت َركنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهُ ذ بتنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َعلى ث َـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة *** َّن اَألمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ
المفردات )1( :كم :تكثريية )2( ،أمسى يعين أتت مساء واملراد هنا مطلق االتيان )3( ،ختال :خديعة)4( ،
الصل أي األفعى )6( ،امللمس أي اجللد )7( ،يصادف
وتسكينا ،أي من أجل أن يس ّكننا من غضبنا عليهّ )5( ،
متكينا ،أي جيد الفرصة والتمكني من اإلصابة )8( ،طوي يطوي ،من طي الثياب أي خيفي الغدر يف النصيحة،
مبعىن أن هؤالء األعداء خيفي خديعته ويتظاهر أمامنا بالنصيحة ،ومزج خديعته بالنصيحة كما ميزج السم بالشهد،
ِ
َأغضى عينًا
حوله عنهَ ،
طرفَهَُّ : ضى على الشيء :سكت وصرب َأ ْغ َ
ضى عنه ْ ( )9نغض :ال نلتفت ( )10ونغضيَ :أ ْغ َ
صبَر على َأ ًذى ( )11يكافيه تسهيل من يكافئه أي جيازيه.
على ق ًذىَ :
الشــرح :وكثري من األعداء األقوياء ذات سطوة أتت لتهامجنا وهم مع قوهتم وسطوهتم ال يتجرؤون أن يظهروا
عداوهتم وسطوهتم علينا ،بل خيفوهنا ويتظاهرون أمامنا باالهتمام والنصيحة وميزج غدرهم وخديعتهم بنصائحهم،
كح ال من ميزج الس م بالعس ل والش هد ،وحنن نع رف ذل ك وال خيفى علين ا غ درهم ،وال تظنن أنن ا ال نس تطيع أن
نرد عليهم غدرهم وخديعتهم ،بل تركناهم ألننا نعرف أن األمري لن يرتك من يعتدي على شعبه ،ونثق به أنه لن
يرتكنا حتت خديعة األعداء.