مع الله

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 124

2

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫مع اهلل‬
‫روايـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـة قصيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة‬

‫وحكايات من الواقع‬

‫زياد غزال فريحات‬

‫‪3‬‬
‫مع هللا‬
‫(رواية قصيرة وحكايات من الواقع)‬

‫مجموعة قصصية‬

‫الطبعة األولى عام ‪2022‬م‬

‫رقم االيداع لدى دائرة المكتبة الوطنية‬

‫‪2022/3/20‬‬

‫‪ISBN 978_64_419_132_8‬‬

‫‪4‬‬
‫فهرس القصص‬

‫الرداء المقاوم للرصاص‪4.........................‬‬

‫شكل آخر للحب‪74............................‬‬

‫مشاعر العظمة‪25...............................‬‬

‫أوجاع سداد الدين‪37............................‬‬

‫حبال المشانق المنسوجة من الحسد‪47..........‬‬

‫طلقات االكتئاب التي ال تتوقف ‪58 .............‬‬

‫أنا مسحورةٌ أم مريضة‪66.........................‬‬

‫المقامر ‪884....................................‬‬

‫‪5‬‬
‫رواية‬

‫المقاوم للرصاص‬
‫ُ‬ ‫الرداءُ‬
‫(قصة موضوعها االستغفار وآثاره)‬

‫زياد غزال فريحات‬

‫‪6‬‬
‫ىـ ـ ـ ــاتفتني ميرنـ ـ ـ ــا وتوسـ ـ ـ ــل إلـ ـ ـ ــي أن أرافقهـ ـ ـ ــا إل ـ ـ ـ ـ الكنيسـ ـ ـ ــة‬
‫ألمر ىام‪ ،‬فقل ُ لها باستغراب‪:‬‬

‫أذىب معك وأنا امراة مسلمة‪...‬‬


‫ُ‬ ‫* كيف‬

‫توسلها ورجاءىا وقال ‪:‬‬


‫كررت ّ‬
‫ّ‬

‫ـ ـ ـ ـ ال يوجـ ـ ــد مـ ـ ــا يـ ـ ــدل أن ـ ـ ــك ام ـ ـ ـراة مسـ ـ ــلمة‪ ،‬فـ ـ ــنحن مظهرن ـ ـ ــا‬
‫واح ـ ـ ــد‪ ،‬أرج ـ ـ ــو ي ـ ـ ــا س ـ ـ ــلم أن ـ ـ ــا ف ـ ـ ــي أمـ ـ ـ ـ ّ الحاج ـ ـ ــة إلي ـ ـ ــك‬
‫غداً‪.‬‬

‫وافقـ ـ ـ ـ ـ ـ عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ىاب معه ـ ـ ـ ـ ــا واالسـ ـ ـ ـ ـ ــتغراب يغمرنـ ـ ـ ـ ـ ــي‪،‬‬


‫ف ـ ـ ـ ــرغم ص ـ ـ ـ ــداقتنا القديم ـ ـ ـ ــة ل ـ ـ ـ ــم تطل ـ ـ ـ ــب من ـ ـ ـ ــي طلبـ ـ ـ ـ ـاً مث ـ ـ ـ ــل‬
‫ىـ ـ ـ ـ ا‪ ،‬وف ـ ـ ــي الص ـ ـ ــباح التقين ـ ـ ــا وأخبرتن ـ ـ ــي أنه ـ ـ ــا علـ ـ ـ ـ موع ـ ـ ــد‬
‫مسـ ـ ـ ـ ـ ــبق مـ ـ ـ ـ ـ ــع الق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ؛ ألجـ ـ ـ ـ ـ ــل االعت ـ ـ ـ ـ ـ ـرا لـ ـ ـ ـ ـ ــو ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ نوبها‬
‫ليمنحها المغفرة نيابة عن الرب‪...‬‬

‫‪7‬‬
‫سألتها‪:‬‬

‫* لماذا أن مضطربة ؟‬

‫ـ ـ ـ ألنها المرة األول في حياتي‪.‬‬

‫دخلنـ ـ ــا إل ـ ـ ـ الكنيسـ ـ ــة‪ ،‬ثـ ـ ــم دخلنـ ـ ــا إل ـ ـ ـ قاعـ ـ ــة يتجمـ ـ ــع فيهـ ـ ــا‬
‫األشـ ـ ـ ـ ـ اص المـ ـ ـ ـ ـ نبون منتظـ ـ ـ ـ ـرين أدوارى ـ ـ ـ ــم للجل ـ ـ ـ ــوس علـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ليعترف ـ ـ ــوا ل ـ ـ ــو ب ـ ـ ـ ـ نوبهم‪ ،‬وبع ـ ـ ــد سـ ـ ـ ــاعة‬ ‫كرس ـ ـ ـ ّـي أم ـ ـ ــام الق ـ ـ ـ ـ‬
‫تقريب ـ ـ ـ ـاً جـ ـ ـ ــاء دور ميرنـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ىب وأقفل ـ ـ ـ ـ خلفهـ ـ ـ ــا البـ ـ ـ ــاب‪،‬‬
‫فمكث ـ ـ ـ ـ مـ ـ ـ ــا يقـ ـ ـ ــارب ربـ ـ ـ ــع سـ ـ ـ ــاعة‪ ،‬ثـ ـ ـ ـ ّـم خرج ـ ـ ـ ـ ووجههـ ـ ـ ــا‬
‫مصـ ـ ـ ـ ــبو بال جـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـ ـ ـ ـ ي أخ ـ ـ ـ ـ ـ يتالش ـ ـ ـ ـ ـ شـ ـ ـ ـ ــيئاً فشـ ـ ـ ـ ــيئاً‪،‬‬
‫وبع ـ ـ ـ ــد أن خرجن ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ــن ب ـ ـ ـ ــاب الكنيس ـ ـ ـ ــة أخـ ـ ـ ـ ـ ت ت برن ـ ـ ـ ــي‬
‫ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن القش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعريرة الت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب جس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدىا لحظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫تنهدت تنهيدة عميقة وخاطبتني‪:‬‬
‫االعترا ‪ ،‬ثم ّ‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ آه ي ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ــلم ! كـ ـ ـ ـ ــم أحـ ـ ـ ـ ـ ّ اآلن بالراح ـ ـ ـ ــة والطمأنينـ ـ ـ ـ ــة‬


‫بعد أن منحني الق المغفرة نيابة عن الرب‪...‬‬

‫‪8‬‬
‫فـ ـ ـ ـ ــي الطريـ ـ ـ ـ ــق وقف ـ ـ ـ ـ ـ ميرنـ ـ ـ ـ ــا أمـ ـ ـ ـ ــام عربـ ـ ـ ـ ــة لبيـ ـ ـ ـ ــع الكعـ ـ ـ ـ ــك‬
‫والسمسم‪ ،‬واشترت لي ولها ومشينا حت افترقنا‪...‬‬

‫ـدي‬
‫وصـ ـ ـ ــل البي ـ ـ ـ ـ قبـ ـ ـ ــل عـ ـ ـ ــودة زوجـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ــن عملـ ـ ـ ــو وولـ ـ ـ ـ ّ‬
‫خال ـ ـ ـ ـ ــد ورائ ـ ـ ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ــن مدرس ـ ـ ـ ـ ــتهم‪ ،‬وعن ـ ـ ـ ـ ــدما ق ـ ـ ـ ـ ــدم زوج ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫قصص لو ما حدث مع ميرنا‪ ،‬فتبسم‪ ،‬فقل لو‪7‬‬

‫* ما ال ي يجعلك مبتسماً ؟‬

‫قال وىو يتحاش النظر إل وجهي‪7‬‬

‫من ـ ـ ـ ـ زواجنـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ــم أسـ ـ ـ ــمعك تعتـ ـ ـ ــرفين ب طـ ـ ـ ــأ واحـ ـ ـ ــد‪ ،‬ولـ ـ ـ ــم‬
‫أشاىد تعت رين ألحد عل االطالق‪...‬‬

‫تظـ ـ ـ ـ ــاىرت بالغضـ ـ ـ ـ ــب وذىب ـ ـ ـ ـ ـ إل ـ ـ ـ ـ ـ المطـ ـ ـ ـ ــب ‪ ،‬والحقيقـ ـ ـ ـ ــة‬


‫أنّـ ـ ـ ـي ل ـ ـ ــم أك ـ ـ ــن غاض ـ ـ ــبة‪ ،‬فق ـ ـ ــد س ـ ـ ــمع ىـ ـ ـ ـ ا االنتق ـ ـ ــاد م ـ ـ ــن‬
‫زوج ـ ـ ــي ع ـ ـ ــدة مـ ـ ـ ـرات‪ ،‬فأن ـ ـ ــا أك ـ ـ ــره االعتـ ـ ـ ـ ار لم ـ ـ ــا في ـ ـ ــو م ـ ـ ــن‬
‫انكس ـ ـ ــار ورج ـ ـ ــاء ف ـ ـ ــي العف ـ ـ ــو‪ ،‬وطم ـ ـ ــع ورغب ـ ـ ــة ف ـ ـ ــي الص ـ ـ ــف ‪،‬‬

‫‪9‬‬
‫ـل ذلـ ـ ـ ــك صـ ـ ـ ــور سـ ـ ـ ــاطعة لل ـ ـ ـ ـ ّل والمهانـ ـ ـ ــة‪ ،‬كـ ـ ـ ــم أمق ـ ـ ـ ـ‬
‫وكـ ـ ـ ـ ّ‬
‫االعت ار لما فيو من المهانة واالنكسار والت لل ‪...‬‬

‫ف ـ ـ ـ ــي نهاي ـ ـ ـ ــة األس ـ ـ ـ ــبوع ذىبن ـ ـ ـ ــا لزي ـ ـ ـ ــارة أى ـ ـ ـ ــل زوج ـ ـ ـ ــي خ ـ ـ ـ ــارج‬
‫مدينـ ـ ـ ــة عمـ ـ ـ ــان‪ ،‬وأثنـ ـ ـ ــاء وجودنـ ـ ـ ــا ىنـ ـ ـ ــا تكلم ـ ـ ـ ـ بكلمـ ـ ـ ــات‬
‫بحق عمتي‪ ،‬رأى الجميع أنها كلمات جارحة‪...‬‬

‫فـ ـ ــي طريـ ـ ــق العـ ـ ــودة لـ ـ ــم يكلمنـ ـ ــي زوجـ ـ ــي‪ ،‬كمـ ـ ــا أنّن ـ ـ ـي كن ـ ـ ـ‬
‫غي ـ ـ ــر مس ـ ـ ــتعدة لالعتـ ـ ـ ـرا بـ ـ ـ ـ نبي‪ ،‬ول ـ ـ ــم ي ط ـ ـ ــر ف ـ ـ ــي ذىن ـ ـ ــي‬
‫مجرد خاطر أن اعت ر لعمتي‪....‬‬

‫فجـ ـ ـ ـ ـ ــأة وس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ى ـ ـ ـ ـ ـ ـ ا الصـ ـ ـ ـ ـ ــم المشـ ـ ـ ـ ـ ــحون بـ ـ ـ ـ ـ ــالتوتر‪ ،‬إذ‬


‫بالس ـ ـ ـ ـ ــيارة تنح ـ ـ ـ ـ ــر ع ـ ـ ـ ـ ــن مس ـ ـ ـ ـ ــارىا‪ ،‬منزلقـ ـ ـ ـ ـ ـةً إلـ ـ ـ ـ ـ ـ حاف ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫الطريـ ـ ـ ــق‪ ،‬وتتـ ـ ـ ــدحرج إل ـ ـ ـ ـ ال ـ ـ ـ ــوادي‪ ،‬فـ ـ ـ ــي ى ـ ـ ـ ـ ه اللحظ ـ ـ ـ ــات‬
‫فقدت الوعي‪...‬‬

‫‪10‬‬
‫بع ـ ـ ــد م ـ ـ ــدة ال أعل ـ ـ ــم ق ـ ـ ــدرىا فتحـ ـ ـ ـ عين ـ ـ ـ ّـي؛ وإذا ب ـ ـ ــي علـ ـ ـ ـ‬
‫بعـ ـ ـ ــد أمتـ ـ ـ ــار مـ ـ ـ ــن السـ ـ ـ ــيارة تفصـ ـ ـ ــلني عنهـ ـ ـ ــا ص ـ ـ ـ ـ رة كبيـ ـ ـ ــرة‬
‫منبسـ ـ ـ ـ ــطة‪ ،‬ومـ ـ ـ ـ ــا ىـ ـ ـ ـ ــي إال لحظـ ـ ـ ـ ــات حت ـ ـ ـ ـ ـ أخـ ـ ـ ـ ــرج النـ ـ ـ ـ ــاس‬
‫زوجـ ـ ـ ــي محمـ ـ ـ ــوالً فاقـ ـ ـ ــداً الـ ـ ـ ــوعي‪ ،‬ووضـ ـ ـ ــعوه عل ـ ـ ـ ـ الص ـ ـ ـ ـ رة‬
‫المنبس ـ ـ ـ ـ ــطة‪ ،‬ثـ ـ ـ ـ ـ ــم أخرج ـ ـ ـ ـ ــوا خال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًدا ورائـ ـ ـ ـ ـ ـ ًدا‪ ،‬ووضـ ـ ـ ـ ـ ــعوىما‬
‫بجان ـ ـ ـ ـ ــب أبيهم ـ ـ ـ ـ ــا‪ ،‬وخ ـ ـ ـ ـ ــي غل ـ ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ــدماء يس ـ ـ ـ ـ ــيل‬
‫ويتجمـ ـ ـ ــع فـ ـ ـ ــي بقعـ ـ ـ ــة من فضـ ـ ـ ــة عل ـ ـ ـ ـ الص ـ ـ ـ ـ رة‪ ،‬فصـ ـ ـ ــرخ‬
‫والرعب يلتهمني ويغتالني حت أفقدني الوعي‪...‬‬

‫اسـ ـ ـ ـ ــتيقظ وأنـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ــي المستشـ ـ ـ ـ ــف مصـ ـ ـ ـ ــابة بكسـ ـ ـ ـ ــر فـ ـ ـ ـ ــي‬
‫الف ـ ـ ـ ـ األيسـ ـ ـ ــر‪ ،‬وأخـ ـ ـ ــي وزوجتـ ـ ـ ــو بجـ ـ ـ ــانبي‪ ،‬سـ ـ ـ ــألتهم عل ـ ـ ـ ـ‬
‫وولدي ؟‬
‫ّ‬ ‫الفور عن زوجي‬

‫ف ـ ـ ــأخبرني أخ ـ ـ ــي أنه ـ ـ ــم نُقل ـ ـ ــوا إلـ ـ ـ ـ المدين ـ ـ ــة الطبي ـ ـ ــة إلج ـ ـ ــراء‬
‫فحوص ـ ـ ـ ــات غيـ ـ ـ ـ ــر متـ ـ ـ ـ ــوفرة ف ـ ـ ـ ــي ى ـ ـ ـ ـ ـ ا المستشـ ـ ـ ـ ــف ‪ ...‬ثـ ـ ـ ـ ــم‬
‫قال لي فف من خوفي وقلقي‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫ـ ـ ـ إن إصاباتهم ليس خطيرة‪.‬‬

‫* إن ل ـ ـ ـ ــم تك ـ ـ ـ ــن خطي ـ ـ ـ ــرة فلم ـ ـ ـ ــاذا نقل ـ ـ ـ ــوىم إلـ ـ ـ ـ ـ المدين ـ ـ ـ ــة‬
‫الطبية ؟‬

‫ـ ـ ـ ألن بعض إصاباتهم في الرأس‪.‬‬

‫فطلبـ ـ ـ ـ ـ أن أكلمه ـ ـ ـ ــم عب ـ ـ ـ ــر اله ـ ـ ـ ــاتف‪ ،‬وعلـ ـ ـ ـ ـ الف ـ ـ ـ ــور ق ـ ـ ـ ــام‬
‫أخ ـ ـ ـ ـ ــي باالتص ـ ـ ـ ـ ــال م ـ ـ ـ ـ ــع حمـ ـ ـ ـ ـ ــاي‪ ،‬ف ـ ـ ـ ـ ــأخبره عم ـ ـ ـ ـ ــي أنهـ ـ ـ ـ ـ ــم‬
‫نائمون‪...‬‬

‫ف ـ ـ ـ ــي الي ـ ـ ـ ــوم الت ـ ـ ـ ــالي ق ـ ـ ـ ــرر األطب ـ ـ ـ ــاء أن كس ـ ـ ـ ــري ال يحت ـ ـ ـ ــاج‬
‫إل عملية‪ ،‬وإن الجبيرة تكفيو‪...‬‬

‫غ ـ ـ ـ ــادرت المستش ـ ـ ـ ــف بع ـ ـ ـ ــدما قض ـ ـ ـ ــي في ـ ـ ـ ــو خمس ـ ـ ـ ــة أي ـ ـ ـ ــام‬


‫مص ـ ـ ـ ـ ــطلية بن ـ ـ ـ ـ ــار القل ـ ـ ـ ـ ــق وال ـ ـ ـ ـ ــو ؛ ألننّـ ـ ـ ـ ـ ـي ل ـ ـ ـ ـ ــم اس ـ ـ ـ ـ ــتطع‬
‫خاللهـ ـ ـ ــا أن أكلّـ ـ ـ ــم ول ـ ـ ـ ـ َدي وزوجـ ـ ـ ــي‪ ،‬عزم ـ ـ ـ ـ ُ عل ـ ـ ـ ـ التوجـ ـ ـ ــو‬
‫م ـ ـ ـ ــن المستش ـ ـ ـ ــف إلـ ـ ـ ـ ـ المدين ـ ـ ـ ــة الطبي ـ ـ ـ ــة مباش ـ ـ ـ ــرة‪ ،‬غي ـ ـ ـ ــر أ ّن‬

‫‪12‬‬
‫أخ ـ ــي تعـ ـ ـ ّ ر بانتظ ـ ــار م ـ ــديره ل ـ ــو ألم ـ ــر ى ـ ــام‪ ،‬نظ ـ ــر ف ـ ــي عين ـ ـ ّـي‬
‫من مرآة السيارة وقال‪:‬‬

‫* ص ـ ـ ـ ــدقيني ال أس ـ ـ ـ ــتطيع الـ ـ ـ ـ ـ ىاب الي ـ ـ ـ ــوم‪ ،‬س ـ ـ ـ ــن ىب غ ـ ـ ـ ــداً‪،‬‬


‫ى ـ ـ ـ ـ ا وع ـ ـ ـ ـ ٌد منـ ـ ـ ــي‪ ،‬سـ ـ ـ ــتمكثين معنـ ـ ـ ــا إل ـ ـ ـ ـ حـ ـ ـ ــين خـ ـ ـ ــروجهم‬
‫من المستشف ‪...‬‬

‫ـاكرا‪ ،‬وذىبـ ـ ـ ـ إلـ ـ ـ ـ الحم ـ ـ ــام‬


‫ف ـ ـ ــي الي ـ ـ ــوم الت ـ ـ ــالي ص ـ ـ ــحوت ب ـ ـ ـ ً‬
‫متّكئـ ـ ـ ـ ــة عل ـ ـ ـ ـ ـ عكـ ـ ـ ـ ــازين‪ ،‬كـ ـ ـ ـ ــان الوضـ ـ ـ ـ ــع صـ ـ ـ ـ ــعباً إال أننـ ـ ـ ـ ــي‬
‫عازم ـ ـ ـ ــة علـ ـ ـ ـ ـ االعتم ـ ـ ـ ــاد علـ ـ ـ ـ ـ نفس ـ ـ ـ ــي‪ ،‬ومقاوم ـ ـ ـ ــة تس ـ ـ ـ ـ ّـرب‬
‫ى ـ ـ ـ ـ ا الكسـ ـ ـ ــر إل ـ ـ ـ ـ قلبـ ـ ـ ــي‪ ،‬وخـ ـ ـ ــالل عـ ـ ـ ــودتي إل ـ ـ ـ ـ غرفتـ ـ ـ ــي‪،‬‬
‫دققـ ـ ـ ـ ـ ـ ب ـ ـ ـ ـ ــاب غرف ـ ـ ـ ـ ــة أخ ـ ـ ـ ـ ــي‪ ،‬ففتحـ ـ ـ ـ ـ ـ زوجت ـ ـ ـ ـ ــو الب ـ ـ ـ ـ ــاب‪،‬‬
‫وعلـ ـ ـ ـ ـ ـ الف ـ ـ ـ ـ ــور حاولـ ـ ـ ـ ـ ـ مس ـ ـ ـ ـ ــاعدتي‪ ،‬إال أنّنـ ـ ـ ـ ـ ـي أص ـ ـ ـ ـ ــررت‬
‫عل االعتماد عل نفسي‪ ،‬وقل لها‪:‬‬

‫* أري ـ ـ ـ ــد عم ـ ـ ـ ــل ماكي ـ ـ ـ ــاج خفي ـ ـ ـ ــف جـ ـ ـ ـ ـ ًدا ‪ ...‬ى ـ ـ ـ ـ ّـال أعرتِن ـ ـ ـ ــي‬
‫األدوات ؟‬

‫‪13‬‬
‫ى ـ ـ ـ ـ ّـزت رأس ـ ـ ـ ــها ودخلـ ـ ـ ـ ـ غرفته ـ ـ ـ ــا ورجعـ ـ ـ ـ ـ إلـ ـ ـ ـ ـ غرفت ـ ـ ـ ــي‪،‬‬
‫وبعـ ـ ـ ـ ــد لحظـ ـ ـ ـ ــات جـ ـ ـ ـ ــاءني أخـ ـ ـ ـ ــي وزوجتـ ـ ـ ـ ــو‪ ،‬وبعـ ـ ـ ـ ــد صـ ـ ـ ـ ــم‬
‫مريب قال‪7‬‬

‫* علين ـ ـ ـ ـ ــا أن نؤج ـ ـ ـ ـ ــل ذىابن ـ ـ ـ ـ ــا إلـ ـ ـ ـ ـ ـ المدين ـ ـ ـ ـ ــة الطبي ـ ـ ـ ـ ــة؛ ألن‬
‫زوج ـ ـ ــك وول ـ ـ ــديك نُِقل ـ ـ ــوا إلـ ـ ـ ـ غرف ـ ـ ــة العناي ـ ـ ــة المرك ـ ـ ــزة‪ ،‬لق ـ ـ ــد‬
‫تدىورت حالتهم وال أحد يعر السبب‪...‬‬

‫ت أس ـ ـ ــير نح ـ ـ ــو ب ـ ـ ــاب الش ـ ـ ــقة وأن ـ ـ ــا أض ـ ـ ــرب‬


‫نهضـ ـ ـ ـ ُ وأخـ ـ ـ ـ ُ‬
‫العك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــازين علـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ األرض غاض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبة‪ ،‬فاعترض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــني أخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫وصرخ مشفقا إل أين ؟‬

‫* إل ـ ـ ـ ـ ـ المدينـ ـ ـ ـ ــة الطبيـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬لـ ـ ـ ـ ــن أرجـ ـ ـ ـ ــع حت ـ ـ ـ ـ ـ أرى ولـ ـ ـ ـ ــدي‬
‫وزوجي‪...‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اجلسـ ـ ـ ـ ـ ــي دقيقـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬واسـ ـ ـ ـ ـ ــمعيني وبعـ ـ ـ ـ ـ ــدىا افعلـ ـ ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫تشائين؟‬

‫‪14‬‬
‫جلسـ ـ ـ ـ ـ ُ والف ـ ـ ـ ــزع يتس ـ ـ ـ ــرب إلـ ـ ـ ـ ـ أحش ـ ـ ـ ــائي كلّه ـ ـ ـ ــا‪ ،‬وأخـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ْ‬
‫أخ ـ ـ ــي يمه ـ ـ ــد ش ـ ـ ــيئاً فش ـ ـ ــيئاً؛ لي برن ـ ـ ــي بوف ـ ـ ــاة زوج ـ ـ ــي وول ـ ـ ــدي‬
‫نتيجة الحادث‪ ،‬في تلك اللحظة شعرت بنهايتي‪...‬‬

‫لقد سمع انفجار معاني حياتي‪...‬‬

‫ورأي سبب وجودي في الحياة م بوحاً أمامي‪...‬‬

‫بكي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ بكـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء الم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرأة الم ىولـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة التـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال تسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتطيع‬
‫استيعاب أو حت ت يّل واقعها الجديد‪...‬‬

‫مكثـ ـ ـ ـ ـ أس ـ ـ ـ ــبوعاً والمع ـ ـ ـ ـ ّـزون م ـ ـ ـ ــن أق ـ ـ ـ ــاربي وأق ـ ـ ـ ــارب زوج ـ ـ ـ ــي‬
‫ال يف ـ ـ ـ ــارقون مجلس ـ ـ ـ ــي‪ ،‬وبع ـ ـ ـ ــدما انقط ـ ـ ـ ــع المع ـ ـ ـ ـ ّـزون‪ ،‬مكثـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ـاكرا‬
‫وحيـ ـ ـ ــدة فـ ـ ـ ــي غرفتـ ـ ـ ــي‪ ،‬أنهـ ـ ـ ــض مـ ـ ـ ــن نـ ـ ـ ــومي المتقطـ ـ ـ ــع بـ ـ ـ ـ ً‬
‫ـدي علـ ـ ـ ـ ـ موع ـ ـ ـ ــد المدرس ـ ـ ـ ــة المعت ـ ـ ـ ــاد‪ ،‬وم ـ ـ ـ ــا أن‬
‫ألوقـ ـ ـ ـ ـ ول ـ ـ ـ ـ ّ‬
‫أخـ ـ ــرج مـ ـ ــن غرفتـ ـ ــي حت ـ ـ ـ أت ـ ـ ـ كر الواقـ ـ ــع القاتـ ـ ــل‪ ،‬كثي ـ ـ ـرا مـ ـ ــا‬
‫نهض ـ ـ ـ ـ ـ عنـ ـ ـ ـ ــد سـ ـ ـ ـ ــماع الجـ ـ ـ ـ ــرس ألفـ ـ ـ ـ ــت البـ ـ ـ ـ ــاب لزوجـ ـ ـ ـ ــي‬

‫‪15‬‬
‫فت ـ ـ ـ ــوقفني الـ ـ ـ ـ ـ كرى األليم ـ ـ ـ ــة‪ ،‬ف ـ ـ ـ ــأرجع إلـ ـ ـ ـ ـ غرفت ـ ـ ـ ــي وقلب ـ ـ ـ ــي‬
‫ألما وحرمانًا وشوقًا وع ابا‪...‬‬
‫شظايا متقطعة تنز ً‬

‫بع ـ ـ ــد أس ـ ـ ــبوعين علـ ـ ـ ـ ف ـ ـ ــاجعتي‪ ،‬ذىبـ ـ ـ ـ م ـ ـ ــع أخ ـ ـ ــي لزي ـ ـ ــارة‬
‫قب ـ ـ ــور األحبـ ـ ـ ــة‪ ،‬وقفـ ـ ـ ـ عل ـ ـ ـ ـ قبـ ـ ـ ــورىم أكث ـ ـ ــر مـ ـ ـ ــن سـ ـ ـ ــاعتين‬
‫والبك ـ ـ ـ ــاء ل ـ ـ ـ ــم يتوق ـ ـ ـ ــف‪ ،‬واآلى ـ ـ ـ ــات تعل ـ ـ ـ ــو وت ـ ـ ـ ــن فض ط ـ ـ ـ ــوال‬
‫الوقـ ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬ونظرات ـ ـ ـ ــي التج ـ ـ ـ ــرؤ االبتع ـ ـ ـ ــاد ع ـ ـ ـ ــن قب ـ ـ ـ ــورىم؛ عب ـ ـ ـ ــر‬
‫الـ ـ ـ ــدموع واآلىـ ـ ـ ــات والحس ـ ـ ـ ـرات‪ ،‬كـ ـ ـ ــان نـ ـ ـ ــداءٌ ينبع ـ ـ ـ ـ مـ ـ ـ ــن‬
‫أعم ـ ـ ـ ـ ـ ــاقي ط ـ ـ ـ ـ ـ ــوال الوقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬اس ـ ـ ـ ـ ـ ــمع الن ـ ـ ـ ـ ـ ــداء لكن ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال‬
‫أفهم ـ ـ ـ ــو‪ ،‬والن ـ ـ ـ ــداء ف ـ ـ ـ ــي أعم ـ ـ ـ ــاقي يعل ـ ـ ـ ــو ويعل ـ ـ ـ ــو ث ـ ـ ـ ــم ش ـ ـ ـ ــرع‬
‫يـ ـ ـ ـ ــد ّق بعنـ ـ ـ ـ ــف قلبـ ـ ـ ـ ــي وعقلـ ـ ـ ـ ــي وأحشـ ـ ـ ـ ــائي‪ ،‬وأنـ ـ ـ ـ ــا ال أفهـ ـ ـ ـ ــم‬
‫م ـ ـ ـ ـ ــاذا يري ـ ـ ـ ـ ــد الن ـ ـ ـ ـ ــداء الص ـ ـ ـ ـ ــاخب ف ـ ـ ـ ـ ــي أعم ـ ـ ـ ـ ــاقي‪ ،‬وم ـ ـ ـ ـ ــا أن‬
‫غ ـ ـ ــادرت قب ـ ـ ــورىم ع ـ ـ ــدة أمت ـ ـ ــار حتـ ـ ـ ـ فهمـ ـ ـ ـ ىـ ـ ـ ـ ا الن ـ ـ ــداء‪،‬‬
‫ـدي‬
‫إنـ ـ ـ ـو يطل ـ ـ ــب من ـ ـ ــي أن أطل ـ ـ ــب الص ـ ـ ــف م ـ ـ ــن زوج ـ ـ ــي وول ـ ـ ـ ّ‬
‫ع ـ ـ ـ ـ ــن أخط ـ ـ ـ ـ ــائي بح ّقه ـ ـ ـ ـ ــم‪ ،‬ين ـ ـ ـ ـ ــاديني ىـ ـ ـ ـ ـ ـ ا الص ـ ـ ـ ـ ــوت ف ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫أعماقي أن أعت ر لهم عن تقصيري في حقهم‪،‬‬

‫‪16‬‬
‫أن أطل ـ ـ ــب العف ـ ـ ــو ع ـ ـ ــن زالت ـ ـ ــي‪ ،‬ىـ ـ ـ ـ ه ى ـ ـ ــي الم ـ ـ ــرة الوحي ـ ـ ــدة‬
‫ف ـ ـ ـ ــي حي ـ ـ ـ ــاتي الت ـ ـ ـ ــي ينبعـ ـ ـ ـ ـ م ـ ـ ـ ــن داخل ـ ـ ـ ــي ن ـ ـ ـ ــداءٌ ي ـ ـ ـ ــدفعني‬
‫لطل ـ ـ ــب الص ـ ـ ــف والعف ـ ـ ــو واالعتـ ـ ـ ـ ار‪ ،‬ورغ ـ ـ ــم ىـ ـ ـ ـ ا الموق ـ ـ ــف‬
‫الرىي ـ ـ ـ ــب وىـ ـ ـ ـ ـ ا الن ـ ـ ـ ــداء اللح ـ ـ ـ ــوح الص ـ ـ ـ ــارخ ف ـ ـ ـ ــي أعم ـ ـ ـ ــاقي‪،‬‬
‫ل ـ ـ ـ ــم أس ـ ـ ـ ــتطع أن ألب ـ ـ ـ ــي ىـ ـ ـ ـ ـ ا الن ـ ـ ـ ــداء‪ ،‬ب ـ ـ ـ ــل ربم ـ ـ ـ ــا أننـ ـ ـ ـ ـي ال‬
‫أع ـ ـ ـ ـ ـ ــر كي ـ ـ ـ ـ ـ ــف يم ـ ـ ـ ـ ـ ــارس طل ـ ـ ـ ـ ـ ــب الص ـ ـ ـ ـ ـ ــف واالعتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ار‪،‬‬
‫ـدوي‬
‫ومض ـ ـ ـ ــي علـ ـ ـ ـ ـ العك ـ ـ ـ ــازين ب ـ ـ ـ ــب ء ش ـ ـ ـ ــديد والن ـ ـ ـ ــداء ي ـ ـ ـ ـ ّ‬
‫في أعماقي كالقنابل الحارقة‪...‬‬

‫مض ـ ـ ـ ـ ـ أيـ ـ ـ ـ ــامي كئيبـ ـ ـ ـ ــة سـ ـ ـ ـ ــوداء ت لـ ـ ـ ـ ــو مـ ـ ـ ـ ــن كـ ـ ـ ـ ــل ألـ ـ ـ ـ ــوان‬
‫الحي ـ ـ ــاة‪ ،‬وبع ـ ـ ــد ف ـ ـ ــك الجبي ـ ـ ــرة بأش ـ ـ ــهر عملـ ـ ـ ـ ف ـ ـ ــي إح ـ ـ ــدى‬
‫الم ـ ـ ـ ــدارس ال اص ـ ـ ـ ــة الص ـ ـ ـ ــغيرة معلم ـ ـ ـ ــة‪ ،‬وذات م ـ ـ ـ ــرة وبينم ـ ـ ـ ــا‬
‫متوجه ـ ـ ـ ـ ــة إلـ ـ ـ ـ ـ ـ مدرس ـ ـ ـ ـ ــتي ف ـ ـ ـ ـ ــي الحافل ـ ـ ـ ـ ــة العام ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫ّ‬ ‫كنـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫س ـ ـ ـ ــمع ح ـ ـ ـ ــدي ش ـ ـ ـ ــابّين كان ـ ـ ـ ــا يجلس ـ ـ ـ ــان ب ـ ـ ـ ــالقرب من ـ ـ ـ ــي‪،‬‬
‫ك ـ ـ ــان أح ـ ـ ــدىما ي ـ ـ ــروي لص ـ ـ ــديقو قص ـ ـ ــة ص ـ ـ ــديق ل ـ ـ ــو ح ـ ـ ــاول‬
‫االنتح ـ ـ ــار بـ ـ ـ ـ طالق رصاص ـ ـ ــة ف ـ ـ ــي فم ـ ـ ــو‪ ،‬ولكنـ ـ ـ ـو ل ـ ـ ــم يمـ ـ ـ ـ ‪،‬‬

‫‪17‬‬
‫وبع ـ ـ ــد أي ـ ـ ــام مع ـ ـ ــدودة ف ـ ـ ــي الغيبوب ـ ـ ــة‪ ،‬اس ـ ـ ــيق ىـ ـ ـ ـ ا الش ـ ـ ــاب‬
‫بكم ـ ـ ـ ـا‪ ،‬ف ـ ـ ـ ـأراد أن يطلـ ـ ـ ــب الصـ ـ ـ ــف مـ ـ ـ ــن اهلل بصـ ـ ـ ــوتو لكن ـ ـ ـ ـو‬
‫أ ً‬
‫لزواره‪:‬‬
‫لم يستطع‪ ،‬كان يكتب ّ‬

‫" ال أريـ ـ ـ ـ ــد مـ ـ ـ ـ ــن الحيـ ـ ـ ـ ــاة سـ ـ ـ ـ ــوى أن أسـ ـ ـ ـ ــتغفر اهلل بصـ ـ ـ ـ ــوتي‪،‬‬
‫أن أطلـ ـ ـ ـ ــب منـ ـ ـ ـ ــو الصـ ـ ـ ـ ــف بكلمـ ـ ـ ـ ــات أسـ ـ ـ ـ ــمعها‪ ،‬أن أطلـ ـ ـ ـ ــب‬
‫العف ـ ـ ـ ـ ــو والمغف ـ ـ ـ ـ ــرة بعبـ ـ ـ ـ ـ ــارات مش ـ ـ ـ ـ ــبعة بالن ـ ـ ـ ـ ــدم والحسـ ـ ـ ـ ـ ــرة‪،‬‬
‫أري ـ ـ ـ ــد االعتـ ـ ـ ـ ـ ار إلـ ـ ـ ـ ـ اهلل بف ـ ـ ـ ــم مـ ـ ـ ـ ـ ن‪ ،‬ال أري ـ ـ ـ ــد أن أنط ـ ـ ـ ــق‬
‫االس ـ ـ ـ ـ ــتغفار ع ـ ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـ ـ نب فقـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬ب ـ ـ ـ ـ ــل أري ـ ـ ـ ـ ــد أن أنط ـ ـ ـ ـ ــق‬
‫االسـ ـ ـ ــتغفار لتقصـ ـ ـ ــيري فـ ـ ـ ــي حـ ـ ـ ــق اهلل‪ ،‬لعجـ ـ ـ ــزي عـ ـ ـ ــن شـ ـ ـ ــكر‬
‫اهلل عل ـ ـ ـ ـ نعمـ ـ ـ ــو الكثيـ ـ ـ ــرة التـ ـ ـ ــي لـ ـ ـ ــم أكـ ـ ـ ــن أراىـ ـ ـ ــا أو أشـ ـ ـ ــعر‬
‫بها وبأىميتها في حياتي"‬

‫وصـ ـ ـ ــل الحافلـ ـ ـ ــة إل ـ ـ ـ ـ مكـ ـ ـ ــان عملـ ـ ـ ــي ولكنـ ـ ـ ــي لـ ـ ـ ــم أنـ ـ ـ ــزل‪،‬‬
‫لقـ ـ ـ ــد بقي ـ ـ ـ ـ اسـ ـ ـ ــمع مـ ـ ـ ــا كتبـ ـ ـ ــو ى ـ ـ ـ ـ ا الشـ ـ ـ ــاب ال ـ ـ ـ ـ ي فقـ ـ ـ ــد‬
‫نطقـ ـ ـ ـ ــو بسـ ـ ـ ـ ــبب ذنبـ ـ ـ ـ ــو لمحاولتـ ـ ـ ـ ــو االنتحـ ـ ـ ـ ــار وكان ـ ـ ـ ـ ـ أخـ ـ ـ ـ ــر‬
‫كلمات سمعتها من كتابة ى ا الشاب‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫" إن عبـ ـ ـ ـ ــارات االسـ ـ ـ ـ ــتغفار محبوسـ ـ ـ ـ ــة فـ ـ ـ ـ ــي قلبـ ـ ـ ـ ــي‪ ،‬تتفل ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫لت ـ ـ ـ ــرج م ـ ـ ـ ــن فم ـ ـ ـ ــي دون ج ـ ـ ـ ــدوى‪ ،‬ك ـ ـ ـ ــم أتمنـ ـ ـ ـ ـ أن أنظ ـ ـ ـ ــر‬
‫إلـ ـ ـ ـ الس ـ ـ ــماء وأق ـ ـ ــول اس ـ ـ ــتغفر اهلل العظ ـ ـ ــيم‪ ،‬وأبقـ ـ ـ ـ أرددى ـ ـ ــا‬
‫حت يب صوتي "‬

‫نزلـ ـ ـ ـ م ـ ـ ــن الحافل ـ ـ ــة وأن ـ ـ ــا علـ ـ ـ ـ بع ـ ـ ــد مئ ـ ـ ــات األمت ـ ـ ــار ع ـ ـ ــن‬
‫مدرسـ ـ ـ ـ ـ ــتي‪ ،‬فوقف ـ ـ ـ ـ ـ ـ عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ الرصـ ـ ـ ـ ـ ــيف وأخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ت شـ ـ ـ ـ ـ ــهيقاً‬
‫ونظرت إل السماء وقل ‪7‬‬

‫* استغفر اهلل العظيم‪.‬‬

‫ومضـ ـ ـ ـ ــي إل ـ ـ ـ ـ ـ عملـ ـ ـ ـ ــي وكلمـ ـ ـ ـ ــا مشـ ـ ـ ـ ــي عـ ـ ـ ـ ــدة خطـ ـ ـ ـ ــوات‬
‫وقف ناظرة إل السماء وقل ‪7‬‬

‫* استغفر اهلل العظيم‪.‬‬

‫وكلم ـ ـ ـ ـ ــا اقتربـ ـ ـ ـ ـ ـ م ـ ـ ـ ـ ــن المدرس ـ ـ ـ ـ ــة أكث ـ ـ ـ ـ ــر؛ ازداد إحساس ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫بقشـ ـ ـ ــعريرة فـ ـ ـ ــي جسـ ـ ـ ــدي أكثـ ـ ـ ــر‪ ،‬و بشـ ـ ـ ــيء جامـ ـ ـ ـ ٍـد ي ـ ـ ـ ـ وب‬
‫‪19‬‬
‫فـ ـ ـ ـ ــي صـ ـ ـ ـ ــدري‪ ،‬وبغـ ـ ـ ـ ــال يتهتـ ـ ـ ـ ــك عـ ـ ـ ـ ــن قلبـ ـ ـ ـ ــي‪ ،‬وبسـ ـ ـ ـ ــتائر‬
‫تس ـ ـ ـ ـ ــدل ع ـ ـ ـ ـ ــن عين ـ ـ ـ ـ ـ ّـي‪ ،‬وبأثق ـ ـ ـ ـ ــال تتس ـ ـ ـ ـ ــاق ع ـ ـ ـ ـ ــن ظه ـ ـ ـ ـ ــري‪،‬‬
‫دخل ـ ـ ـ ـ ـ المدرسـ ـ ـ ـ ــة وتلـ ـ ـ ـ ــك األحاسـ ـ ـ ـ ــي ‪ ،‬مـ ـ ـ ـ ــا زال طعمهـ ـ ـ ـ ــا‬
‫يتجدد في قلبي‪...‬‬

‫في استراحة‪ ،‬أخ ت افطاري‬ ‫كن‬ ‫الحصة الثالثة حي‬ ‫وصل‬


‫وأردت االبتعاد قليال لحاجتي للجلوس وحدي‪ ،‬وعندما اقترب‬
‫تدرب‬
‫من نواف الصف الثال األساسي‪ ،‬سمع المعلمة ّ‬
‫الطالب عل أنشودة‪ ،‬المقطع ال ي يكررونو بعد كل فقرة ىو‪7‬‬

‫رب اغفر وارحم‬

‫واعف وتكرم‬

‫وتجاوز عما تعلم‬

‫تعلم ما ال نعلم‬
‫إنك ُ‬

‫إنك أن َ األعز األكرم‬

‫‪20‬‬
‫وق ـ ـ ـ ــد علمـ ـ ـ ـ ـ فيم ـ ـ ـ ــا بع ـ ـ ـ ــد أن ىـ ـ ـ ـ ـ ا المقط ـ ـ ـ ــع ى ـ ـ ـ ــو دع ـ ـ ـ ــاء‬
‫للرس ـ ـ ـ ــول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ص ـ ـ ـ ــل اهلل علي ـ ـ ـ ــو وس ـ ـ ـ ــلم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ومكثـ ـ ـ ـ ـ بجان ـ ـ ـ ــب‬
‫النافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ة اس ـ ـ ـ ـ ـ ــمع‪ ،‬ودون وع ـ ـ ـ ـ ـ ــي من ـ ـ ـ ـ ـ ــي أخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ت ش ـ ـ ـ ـ ـ ــفتاي‬
‫تتحـ ـ ـ ــر وت ـ ـ ـ ــر ّدد ى ـ ـ ـ ـ ا المقط ـ ـ ـ ــع ب ـ ـ ـ ــال صـ ـ ـ ــوت‪ ،‬ث ـ ـ ـ ــم طلبـ ـ ـ ـ ـ‬
‫المعلم ـ ـ ـ ــة م ـ ـ ـ ــن الط ـ ـ ـ ــالب إع ـ ـ ـ ــادة األنش ـ ـ ـ ــودة‪ ،‬فأخـ ـ ـ ـ ـ ت أردد‬
‫المقطـ ـ ـ ـ ـ ــع مـ ـ ـ ـ ـ ــع الطـ ـ ـ ـ ـ ــالب بصـ ـ ـ ـ ـ ــوت خاف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬ثـ ـ ـ ـ ـ ــم أعـ ـ ـ ـ ـ ــاد‬
‫الط ـ ـ ــالب األنش ـ ـ ــودة للمـ ـ ـ ــرة الثالث ـ ـ ــة‪ ،‬فـ ـ ـ ــدخل إلـ ـ ـ ـ صـ ـ ـ ــفهم‬
‫بعفويّـ ـ ـ ــة‪ ،‬رددت المقطـ ـ ـ ـ ــع معه ـ ـ ـ ــم بصـ ـ ـ ـ ــوت ع ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـال وبانفعـ ـ ـ ـ ــال‬
‫ص ـ ـ ـ ــارخ‪ ،‬ولم ـ ـ ـ ــا انتهـ ـ ـ ـ ـ األنش ـ ـ ـ ــودة‪ ،‬نظ ـ ـ ـ ــرت المعلم ـ ـ ـ ــة إلـ ـ ـ ـ ـ‬
‫شعري المكشو ‪ ،‬وقال ‪:‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ى ـ ـ ـ ــل أعجبت ـ ـ ـ ــك ؟ إنه ـ ـ ـ ــا بقل ـ ـ ـ ــم وال ـ ـ ـ ــدي‪ ،‬عن ـ ـ ـ ــدما كتبه ـ ـ ـ ــا‬
‫قـ ـ ــال‪ " 7‬أنـ ـ ــا ال أتقـ ـ ــن كتابـ ـ ــة الشـ ـ ــعر إنمـ ـ ــا أتقـ ـ ــن االسـ ـ ــتغفار‪،‬‬
‫وكيـ ـ ـ ــف ال أتقنـ ـ ـ ــو ورسـ ـ ـ ــول اهلل ـ ـ ـ ـ ـ صـ ـ ـ ــل اهلل عليـ ـ ـ ــو وسـ ـ ـ ــلم ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫وىـ ـ ــو المعصـ ـ ــوم مـ ـ ــن ال ـ ـ ـ نب كـ ـ ــان يسـ ـ ــتغفر رب ـ ـ ـو فـ ـ ــي اليـ ـ ــوم‬
‫أكثر من سبعين مرة "‬

‫‪21‬‬
‫قل لها‪:‬‬

‫* إنها أنشودة رائعة ‪ ...‬إنها حقاً رائعة !‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ك ـ ـ ـ ــان وال ـ ـ ـ ــدي ي ـ ـ ـ ــردد دائمـ ـ ـ ـ ـاً‪ " ...‬االس ـ ـ ـ ــتغفار نب ـ ـ ـ ــع م ـ ـ ـ ــن‬
‫ينـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابيع ال ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرات‪ ،‬وقلعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة تـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتحطم عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ جـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدرانها‬
‫الشرور‪ ...‬االستغفار ىو رداء مقاوم للرصاص‪...‬‬

‫ـل مـ ـ ــن العـ ـ ــادة‪ ،‬ع ـ ـ ــدت‬


‫انته ـ ـ ـ الـ ـ ــدوام وشـ ـ ــعوري بالتع ـ ـ ــب أقـ ـ ـ ّ‬
‫إل ـ ـ ـ البي ـ ـ ـ وعل ـ ـ ـ بعـ ـ ــد مئـ ـ ــات األمتـ ـ ــار مـ ـ ــن البي ـ ـ ـ نزل ـ ـ ـ‬
‫مـ ـ ـ ــن الحافلـ ـ ـ ــة‪ ،‬وسـ ـ ـ ــرت بهـ ـ ـ ــدوء نحـ ـ ـ ــو البي ـ ـ ـ ـ وأنـ ـ ـ ــا أنظـ ـ ـ ــر‬
‫إلـ ـ ـ ـ ـ الس ـ ـ ـ ــماء وأق ـ ـ ـ ــول‪ 7‬اس ـ ـ ـ ــتغفر اهلل‪ ،‬ولم ـ ـ ـ ــا اقتربـ ـ ـ ـ ـ م ـ ـ ـ ــن‬
‫البي شرع أردد ‪7‬‬

‫‪22‬‬
‫رب اغفر وارحم‬

‫واعف وتكرم‬

‫وتجاوز عما تعلم‬

‫تعلم ما ال نعلم‬
‫إنك ُ‬

‫إنك أن َ األعز األكرم‬

‫دخلـ ـ ـ ـ ـ بيـ ـ ـ ـ ـ أخ ـ ـ ـ ــي‪ ،‬وذىبـ ـ ـ ـ ـ لالغتس ـ ـ ـ ــال علـ ـ ـ ـ ـ الف ـ ـ ـ ــور‪،‬‬


‫ـاء أض ـ ـ ـ ــعو‬
‫ثـ ـ ـ ــم انـ ـ ـ ــدفع للصـ ـ ـ ــالة‪ ،‬ولكنـ ـ ـ ــي لـ ـ ـ ــم أجـ ـ ـ ــد غطـ ـ ـ ـ ً‬
‫عل رأسي‪ ،‬فوضع المنشفة‪ ،‬وشرع أصلي ‪...‬‬

‫ىـ ـ ــي صـ ـ ــالة هلل فق ـ ـ ـ ‪ ،‬لـ ـ ــم أحـ ـ ــدد فـ ـ ــي نيتـ ـ ــي صـ ـ ــالة معينـ ـ ــة‪،‬‬
‫كم ـ ـ ــا أن ـ ـ ــي ف ـ ـ ــي الحقيق ـ ـ ــة ال أتق ـ ـ ــن الص ـ ـ ــالة‪ ،‬فكانـ ـ ـ ـ ص ـ ـ ــالة‬
‫مليئ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة باألخط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء‪ ،‬ولكنه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أيضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً مليئ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة بالبك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء‬
‫وال شوع وطلب الصف والعفو والمغفرة‪...‬‬

‫‪23‬‬
‫منـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ذل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك الي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم التزمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ الحج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب والص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالة‬
‫ـل كـ ـ ـ ــالم عـ ـ ـ ــن االسـ ـ ـ ــتغفار يش ـ ـ ـ ـ ّد‬
‫واالسـ ـ ـ ــتغفار‪ ،‬وأصـ ـ ـ ــب كـ ـ ـ ـ ّ‬
‫انتبـ ـ ـ ـ ــاىي ويلتصـ ـ ـ ـ ــق ب ـ ـ ـ ـ ـ اكرتي‪ ،‬وبعـ ـ ـ ـ ــد عـ ـ ـ ـ ــدة أسـ ـ ـ ـ ــابيع مـ ـ ـ ـ ــن‬
‫ـدي‬
‫مالزمتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتغفار‪ ،‬ذىب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ لزيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارة قبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ‬
‫وزوجـ ـ ـ ــي‪ ،‬ومـ ـ ـ ــا أن وقف ـ ـ ـ ـ عل ـ ـ ـ ـ قبـ ـ ـ ــورىم حت ـ ـ ـ ـ تسـ ـ ـ ــاقط‬
‫ال ـ ـ ـ ـ ــدموع وانطلقـ ـ ـ ـ ـ ـ ن ـ ـ ـ ـ ــداءات الص ـ ـ ـ ـ ــف واالعتـ ـ ـ ـ ـ ـ ار‪ ،‬ول ـ ـ ـ ـ ــم‬
‫ي ـ ـ ـ ــرج مـ ـ ـ ــن قلبـ ـ ـ ــي وفمـ ـ ـ ــي طـ ـ ـ ــوال مكـ ـ ـ ــوثي سـ ـ ـ ــوى طل ـ ـ ـ ــب‬
‫ـدي‪ ،‬لقـ ـ ـ ـ ــد اعت ـ ـ ـ ـ ـ رت‬
‫الصـ ـ ـ ـ ــف والعفـ ـ ـ ـ ــو مـ ـ ـ ـ ــن زوجـ ـ ـ ـ ــي وولـ ـ ـ ـ ـ ّ‬
‫إل ـ ـ ــيهم ألول م ـ ـ ــرة ف ـ ـ ــي حي ـ ـ ــاتي وبع ـ ـ ــد حي ـ ـ ــاتهم‪ ،‬ث ـ ـ ــم غ ـ ـ ــادرت‬
‫دوي‬
‫قب ـ ـ ـ ـ ـ ــورىم ونفس ـ ـ ـ ـ ـ ــي ىادئ ـ ـ ـ ـ ـ ــة مطمئن ـ ـ ـ ـ ـ ــة بعي ـ ـ ـ ـ ـ ــدة ع ـ ـ ـ ـ ـ ــن ّ‬
‫القنابل الحارقة‪...‬‬

‫لق ـ ـ ــد فعـ ـ ـ ــل االسـ ـ ـ ــتغفار فـ ـ ـ ــي نفسـ ـ ـ ــي الكثيـ ـ ـ ــر‪ ،‬لقـ ـ ـ ــد اسـ ـ ـ ــتطاع‬
‫ـل عقـ ـ ـ ــدة اإلص ـ ـ ـ ـرار ال ـ ـ ـ ــاط فـ ـ ـ ــي قلبـ ـ ـ ــي‬
‫االسـ ـ ـ ــتغفار أن يحـ ـ ـ ـ ّ‬
‫وأعماقي ‪...‬‬

‫‪24‬‬
‫بعـ ـ ـ ـ ــد مـ ـ ـ ـ ــا يقـ ـ ـ ـ ــارب السـ ـ ـ ـ ــنتين مـ ـ ـ ـ ــن وفـ ـ ـ ـ ــاة زوجـ ـ ـ ـ ــي‪ ،‬تقـ ـ ـ ـ ــدم‬
‫ل طبت ـ ـ ــي رج ـ ـ ــل توفيـ ـ ـ ـ زوجت ـ ـ ــو‪ ،‬وتركـ ـ ـ ـ ل ـ ـ ــو ول ـ ـ ــدين ىم ـ ـ ــا‬
‫ـدي عليهم ـ ـ ـ ـ ــا رحم ـ ـ ـ ـ ــة اهلل‪ ،‬تزوجـ ـ ـ ـ ـ ـ من ـ ـ ـ ـ ــو‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ــي عم ـ ـ ـ ـ ــر ول ـ ـ ـ ـ ـ ّ‬
‫وعش ـ ـ ـ ـ ـ ـ معـ ـ ـ ـ ـ ــو وولديـ ـ ـ ـ ـ ــو‪ ،‬كن ـ ـ ـ ـ ـ ـ أتضـ ـ ـ ـ ـ ــايق كثي ـ ـ ـ ـ ـ ـراً مـ ـ ـ ـ ـ ــن‬
‫الول ـ ـ ـ ــدين‪ ،‬فكلم ـ ـ ـ ــا تض ـ ـ ـ ــايق أكث ـ ـ ـ ــر اس ـ ـ ـ ــتغفرت اهلل أكثـ ـ ـ ـ ــر‪،‬‬
‫ومـ ـ ـ ـ ّـرت األيـ ـ ـ ــام حت ـ ـ ـ ـ انقطع ـ ـ ـ ـ دورتـ ـ ـ ــي الشـ ـ ـ ــهرية ففرح ـ ـ ـ ـ‬
‫فرحـ ـ ـ ـ ـاً ش ـ ـ ـ ــديداً معتق ـ ـ ـ ــدة أن ـ ـ ـ ــي حام ـ ـ ـ ــل‪ ،‬فق ـ ـ ـ ــد بلغـ ـ ـ ـ ـ م ـ ـ ـ ــن‬
‫العم ـ ـ ـ ـ ــر ثم ـ ـ ـ ـ ــان وثالث ـ ـ ـ ـ ــين س ـ ـ ـ ـ ــنة‪ ،‬وفرص ـ ـ ـ ـ ــتي ف ـ ـ ـ ـ ــي الحم ـ ـ ـ ـ ــل‬
‫تتضـ ـ ـ ـ ــاءل مـ ـ ـ ـ ــع األيـ ـ ـ ـ ــام‪ ،‬فهرع ـ ـ ـ ـ ـ إل ـ ـ ـ ـ ـ إجـ ـ ـ ـ ــراء الفحـ ـ ـ ـ ــص‪،‬‬
‫لك ـ ـ ــن النتيج ـ ـ ــة ج ـ ـ ــاءت بع ـ ـ ــدم وج ـ ـ ــود حم ـ ـ ــل‪ ،‬ث ـ ـ ــم ىجرتن ـ ـ ــي‬
‫ـل شـ ـ ـ ـ ــهر أكـ ـ ـ ـ ـ ّـرر إجـ ـ ـ ـ ــراء‬
‫الـ ـ ـ ـ ــدورة عـ ـ ـ ـ ــدة شـ ـ ـ ـ ــهور‪ ،‬وفـ ـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ـ ـ ّ‬
‫ـل مـ ـ ــرة كسـ ـ ــابقاتها‪ ،‬أخ ـ ـ ـ‬
‫الفحـ ـ ــص وتـ ـ ــأتي النتيجـ ـ ــة فـ ـ ــي كـ ـ ـ ّ‬
‫اإلحب ـ ـ ـ ـ ــاط يبتلعن ـ ـ ـ ـ ــي بتمه ـ ـ ـ ـ ــل‪ ،‬فق ـ ـ ـ ـ ــد كنـ ـ ـ ـ ـ ـ أطم ـ ـ ـ ـ ــع ب ـ ـ ـ ـ ــأن‬
‫يمـ ـ ـ ـ ــدني اهلل بـ ـ ـ ـ ــاألوالد‪ ،‬ى ـ ـ ـ ـ ـ ا مـ ـ ـ ـ ــا كـ ـ ـ ـ ــان يراودنـ ـ ـ ـ ــي عنـ ـ ـ ـ ــدما‬
‫أردد قول ـ ـ ـ ــو تع ـ ـ ـ ــال ‪ } 7‬اس ـ ـ ـ ــتغفروا ربك ـ ـ ـ ــم إنـ ـ ـ ـ ـو ك ـ ـ ـ ــان غف ـ ـ ـ ــارا‬
‫يرس ـ ـ ـ ـ ـ ــل الس ـ ـ ـ ـ ـ ــماء عل ـ ـ ـ ـ ـ ــيكم م ـ ـ ـ ـ ـ ــدرارا ويم ـ ـ ـ ـ ـ ــددكم ب ـ ـ ـ ـ ـ ــأموال‬

‫‪25‬‬
‫وبنـ ـ ـ ــين{ كـ ـ ـ ــان فـ ـ ـ ــي داخلـ ـ ـ ــي أمـ ـ ـ ــل يكبـ ـ ـ ــر بـ ـ ـ ــأني سـ ـ ـ ــأنجب‬
‫أوالداً من جديد‪ ،‬لكن أصبح أحدث نفسي‪:‬‬

‫ربم ـ ـ ــا يم ـ ـ ــدني اهلل ب ـ ـ ــأوالد ليس ـ ـ ــوا م ـ ـ ــن رحم ـ ـ ــي‪ ،‬ق ـ ـ ــد يكون ـ ـ ــوا‬
‫أوالد أخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أو أوالد زوج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‪ ...‬اإلم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداد ال يعن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫اإلنجاب‪...‬‬

‫م ـ ـ ــع تكـ ـ ـ ـرار انقط ـ ـ ــاع ال ـ ـ ــدورة ع ـ ـ ــدة ش ـ ـ ــهور وتكـ ـ ـ ـرار إج ـ ـ ــراء‬
‫الفح ـ ـ ـ ـ ــص الـ ـ ـ ـ ـ ـ ي ت ـ ـ ـ ـ ــأتي نتيجت ـ ـ ـ ـ ــو ب ـ ـ ـ ـ ــالنفي‪ ،‬وص ـ ـ ـ ـ ــل إلـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫قناعـ ـ ـ ـ ــة أن األوالد ال ـ ـ ـ ـ ـ ين سـ ـ ـ ـ ــيمدني اهلل بهـ ـ ـ ـ ــم ليسـ ـ ـ ـ ــوا مـ ـ ـ ـ ــن‬
‫رحم ـ ـ ــي‪ ،‬وم ـ ـ ــا ك ـ ـ ــدت أكم ـ ـ ــل س ـ ـ ــن األربع ـ ـ ــين حتـ ـ ـ ـ ش ـ ـ ــعرت‬
‫بتقلبـ ـ ـ ــات جسـ ـ ـ ــدية ونفسـ ـ ـ ــية ال ت ف ـ ـ ـ ـ عل ـ ـ ـ ـ ام ـ ـ ـ ـرأة جرب ـ ـ ـ ـ‬
‫الحم ـ ـ ــل‪ ،‬ولكن ـ ـ ــي بقيـ ـ ـ ـ متش ـ ـ ــككة بس ـ ـ ــبب تض ـ ـ ــائل األم ـ ـ ــل‬
‫فـ ـ ـ ـ ــي داخلـ ـ ـ ـ ــي‪ ،‬ولكـ ـ ـ ـ ــن األمـ ـ ـ ـ ــل بـ ـ ـ ـ ــدأ يكبـ ـ ـ ـ ــر مـ ـ ـ ـ ــع األيـ ـ ـ ـ ــام‪،‬‬
‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ىب إلج ـ ـ ـ ـ ــراء الفح ـ ـ ـ ـ ــص‪ ،‬فج ـ ـ ـ ـ ــاءت النتيج ـ ـ ـ ـ ــة مبش ـ ـ ـ ـ ــرة‬
‫بالحم ـ ـ ـ ــل‪ ،‬وم ـ ـ ـ ــرت أي ـ ـ ـ ــام الحم ـ ـ ـ ــل وأن ـ ـ ـ ــا فيه ـ ـ ـ ــا أق ـ ـ ـ ــوى م ـ ـ ـ ــن‬
‫الس ـ ـ ــابق‪ ،‬وج ـ ـ ــاءني خال ـ ـ ــد‪ ،‬فق ـ ـ ــد س ـ ـ ــميتو علـ ـ ـ ـ اس ـ ـ ــم أخي ـ ـ ــو‬

‫‪26‬‬
‫المت ـ ـ ـ ــوف ‪ ،‬وبع ـ ـ ـ ــد س ـ ـ ـ ــنة أنجبـ ـ ـ ـ ـ رائ ـ ـ ـ ــد وى ـ ـ ـ ــو أيض ـ ـ ـ ــا علـ ـ ـ ـ ـ‬
‫اسم أخيو عليو رحمة اهلل‪...‬‬

‫بـ ـ ــالرغم مـ ـ ــن انج ـ ـ ـابي خالـ ـ ــد ورائـ ـ ــد وأنـ ـ ــا فـ ـ ــي سـ ـ ــن األربعـ ـ ــين‪،‬‬
‫إال أننـ ـ ـ ـي كنـ ـ ـ ـ أق ـ ـ ــوى م ـ ـ ــن الس ـ ـ ــابق‪ ،‬ب ـ ـ ــل أش ـ ـ ــعر أن ـ ـ ــي أزداد‬
‫فـ ـ ــي جسـ ـ ــدي فق ـ ـ ـ بـ ـ ــل فـ ـ ــي نفسـ ـ ــي ومـ ـ ــن ىـ ـ ــم‬ ‫قـ ـ ــوة‪ ،‬لـ ـ ــي‬
‫حـ ـ ــولي‪ ،‬لق ـ ـ ــد منحن ـ ـ ــي االس ـ ـ ــتغفار قـ ـ ــوة علـ ـ ـ ـ ال ـ ـ ــدوام‪ ،‬أذك ـ ـ ــر‬
‫عن ـ ـ ـ ـ ــدما اسـ ـ ـ ـ ـ ـتمع ألول م ـ ـ ـ ـ ــرة قول ـ ـ ـ ـ ــو تع ـ ـ ـ ـ ــال } ي ـ ـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ـ ــوم‬
‫اسـ ـ ـ ــتغفروا ربكـ ـ ـ ــم ثـ ـ ـ ــم توبـ ـ ـ ــوا إليـ ـ ـ ــو يرسـ ـ ـ ــل السـ ـ ـ ــماء علـ ـ ـ ــيكم‬
‫مـ ـ ـ ــدرارا ويـ ـ ـ ــزدكم قـ ـ ـ ــوة إل ـ ـ ـ ـ قـ ـ ـ ــوتكم{ تعجب ـ ـ ـ ـ مـ ـ ـ ــن عالقـ ـ ـ ــة‬
‫االستغفار بالقوة !‬

‫لك ـ ـ ــن ىـ ـ ـ ـ ا التعج ـ ـ ــب تالش ـ ـ ــي بع ـ ـ ــد حمل ـ ـ ــي ب ال ـ ـ ــد ورائ ـ ـ ــد‪،‬‬
‫واليوم‪...‬‬ ‫وتلمس الفرق بين األم‬

‫كب ـ ـ ــر خال ـ ـ ــد ورائ ـ ـ ــد وأصـ ـ ـ ــبحا ف ـ ـ ــي المدرس ـ ـ ــة‪ ،‬وف ـ ـ ــي صـ ـ ـ ــباح‬
‫ي ـ ــوم جمي ـ ــل ذىبن ـ ــا م ـ ــع عائل ـ ــة أخـ ـ ـ زوج ـ ــي ف ـ ــي رحل ـ ــة إلـ ـ ـ‬
‫البحـ ـ ـ ــر المي ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬وأثنـ ـ ـ ــاء وجودنـ ـ ـ ــا عل ـ ـ ـ ـ الشـ ـ ـ ــاط تكلم ـ ـ ـ ـ‬

‫‪27‬‬
‫بكلمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات بحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق أخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ زوجـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي رأى الجميـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع أنهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫كلمـ ـ ـ ــات جارحـ ـ ـ ــة‪ ،‬فاعت ـ ـ ـ ـ رت عل ـ ـ ـ ـ الفـ ـ ـ ــور‪ ،‬وطلب ـ ـ ـ ـ منهـ ـ ـ ــا‬
‫الص ـ ـ ـ ــف ب ـ ـ ـ ــال ت ـ ـ ـ ــردد‪ ،‬وأك ـ ـ ـ ــدت له ـ ـ ـ ــا أنه ـ ـ ـ ــا كلم ـ ـ ـ ــات غي ـ ـ ـ ــر‬
‫مقص ـ ـ ـ ـ ـ ــودة‪ ،‬فقبلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اعتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اري وع ـ ـ ـ ـ ـ ــادت المي ـ ـ ـ ـ ـ ــاه إلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫مجاريها‪...‬‬

‫عن ـ ـ ـ ــد عودتن ـ ـ ـ ــا رغ ـ ـ ـ ــب ول ـ ـ ـ ــدا زوج ـ ـ ـ ــي الع ـ ـ ـ ــودة م ـ ـ ـ ــع عمتهم ـ ـ ـ ــا‬
‫حيـ ـ ـ ـ ـ س ـ ـ ـ ــنلتقي ف ـ ـ ـ ــي بي ـ ـ ـ ــتهم ف ـ ـ ـ ــي عم ـ ـ ـ ــان وغ ـ ـ ـ ــادروا قبلن ـ ـ ـ ــا‬
‫دقـ ـ ـ ـ ــائق‪ ،‬وفـ ـ ـ ـ ــي طريقنـ ـ ـ ـ ــا رأي ـ ـ ـ ـ ـ زوجـ ـ ـ ـ ــي مبتسـ ـ ـ ـ ــماً‬ ‫ب مـــــ‬
‫فس ـ ـ ــألتو ع ـ ـ ــن س ـ ـ ــبب ابتس ـ ـ ــامتو فأج ـ ـ ــابني وى ـ ـ ــو يك ـ ـ ــرر النظ ـ ـ ــر‬
‫في وجهي‪7‬‬

‫سرورا باعت ار السريع ألختي‪...‬‬


‫* أبتسم ً‬

‫ارتسـ ـ ـ ــم عل ـ ـ ـ ـ فمـ ـ ـ ــي طيـ ـ ـ ــف ابتسـ ـ ـ ــامة‪ ،‬ثـ ـ ـ ــم أزح ـ ـ ـ ـ وجهـ ـ ـ ــي‬
‫ونظرت من الناف ة إل السماء وقل في نفسي‪:‬‬

‫* أستغفر اهلل العظيم‬

‫‪28‬‬
‫وأغمضـ ـ ـ ـ عينـ ـ ـ ـ ّـي فع ـ ـ ــاجلتني خضـ ـ ـ ــة عنيف ـ ـ ــة أجبرتنـ ـ ـ ــي عل ـ ـ ـ ـ‬
‫فـ ـ ـ ــت عينـ ـ ـ ـ ّـي فالسـ ـ ـ ــيارة صـ ـ ـ ــدم مـ ـ ـ ــن ال لـ ـ ـ ــف‪ ،‬وانزاح ـ ـ ـ ـ‬
‫منزلقـ ـ ـ ـ ــة عـ ـ ـ ـ ــن مسـ ـ ـ ـ ــارىا‪ ،‬وإذا بالسـ ـ ـ ـ ــيارة تنقلـ ـ ـ ـ ــب وتتـ ـ ـ ـ ــدحرج‬
‫إل الوادي‪ ،‬في تلك اللحظات فقدت الوعي‪...‬‬

‫اسـ ـ ـ ــتيقظ وأنـ ـ ـ ــا بجانـ ـ ـ ــب ص ـ ـ ـ ـ رة منبسـ ـ ـ ــطة‪ ،‬نظـ ـ ـ ــرت إليهـ ـ ـ ــا‬
‫فرأيـ ـ ـ ـ ـ أث ـ ـ ـ ــار خ ـ ـ ـ ــي غل ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ــدماء‪ ،‬وبقاي ـ ـ ـ ــا بقع ـ ـ ـ ــة‬
‫دم ـ ـ ـ ـ ــاء‪ ،‬أعرفه ـ ـ ـ ـ ــا جي ـ ـ ـ ـ ــداً‪ ،‬وم ـ ـ ـ ـ ــا ى ـ ـ ـ ـ ــي إال لحظ ـ ـ ـ ـ ــات حتـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ـدي فاقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوعي‬
‫أخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج النـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس زوجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ‬
‫ووضـ ـ ـ ـ ــعوىما عل ـ ـ ـ ـ ـ الص ـ ـ ـ ـ ـ رة‪ ،‬فصـ ـ ـ ـ ــرخ صـ ـ ـ ـ ــرخة م ـ ـ ـ ـ ـ ت‬
‫الوادي‪ ،‬وفقدت الوعي عل الفور ‪...‬‬

‫ُصـ ـ ـ ـ ــب إال برضـ ـ ـ ـ ــوض‬


‫اسـ ـ ـ ـ ــتيقظ فـ ـ ـ ـ ــي المستشـ ـ ـ ـ ــف و لـ ـ ـ ـ ــم أ َ‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ي األيس ـ ـ ـ ـ ــر‪ ،‬نظـ ـ ـ ـ ـ ــرت إلـ ـ ـ ـ ـ ـ أخ ـ ـ ـ ـ ــي وزوجتـ ـ ـ ـ ـ ــو‪،‬‬
‫ف اطب أخي باكية‪7‬‬

‫* أين ولداي وزوجي ؟‬

‫‪29‬‬
‫ـ ـ ـ إنهما ب ير ‪ ...‬ال تقلقي إصاباتهم خفيفة‪...‬‬

‫صرخ بعصبية وخو ‪7‬‬

‫* أريد أن أكلّمهم!‬

‫اتصل أخي ولكن ال أحد يجيب‪ ،‬اقترب مني وقال‪:‬‬

‫* يبدو أنهم نائمون‪.‬‬

‫عندئ ـ ـ ـ ـ أجهش ـ ـ ـ ـ بالبكـ ـ ـ ــاء وبقي ـ ـ ـ ـ أبكـ ـ ـ ــي حت ـ ـ ـ ـ أجبرتنـ ـ ـ ــي‬


‫الحقن المسكنة عل النوم‪...‬‬

‫وعن ـ ـ ـ ـ ــدما اس ـ ـ ـ ـ ــتيقظ فـ ـ ـ ـ ـ ــي الص ـ ـ ـ ـ ــباح فتحـ ـ ـ ـ ـ ـ عينـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـي وإذا‬
‫ب الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ورائـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد وزوج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامي‪ ،‬أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابتني ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدمة‬
‫الدىشـ ـ ـ ــة‪ ،‬حت ـ ـ ـ ـ خيـ ـ ـ ــل إلـ ـ ـ ـ ّـي أنـ ـ ـ ــي أحلـ ـ ـ ــم‪ ،‬وظلّـ ـ ـ ـ نظراتـ ـ ـ ــي‬
‫المتشككة تأكل وجوىهم بصم مشبع بالفرح‪...‬‬

‫ـدي‪،‬‬
‫عنـ ـ ـ ــد العصـ ـ ـ ــر غـ ـ ـ ــادرت المستشـ ـ ـ ــف مـ ـ ـ ــع زوجـ ـ ـ ــي وولـ ـ ـ ـ ّ‬
‫وب ـ ـ ـ ــين لحظ ـ ـ ـ ــة وأخ ـ ـ ـ ــرى أح ـ ـ ـ ــدق به ـ ـ ـ ــم ألزداد يقينـ ـ ـ ـ ـاً أن م ـ ـ ـ ــا‬

‫‪30‬‬
‫أراه حقيق ـ ـ ــة‪ ،‬ولمـ ـ ـ ــا تالشـ ـ ـ ـ ذىـ ـ ـ ــولي لـ ـ ـ ــم ي ط ـ ـ ــر فـ ـ ـ ــي بـ ـ ـ ــالي‬
‫س ـ ـ ـ ـ ــوى قول ـ ـ ـ ـ ــو تع ـ ـ ـ ـ ــال } وم ـ ـ ـ ـ ــا ك ـ ـ ـ ـ ــان اهلل معـ ـ ـ ـ ـ ـ بهم و ى ـ ـ ـ ـ ــم‬
‫يستغفرون {‬

‫لق ـ ـ ـ ــد شـ ـ ـ ـ ــكل االس ـ ـ ـ ــتغفار لنـ ـ ـ ـ ــا سـ ـ ـ ـ ــياجاً واقي ـ ـ ـ ــا وأمان ـ ـ ـ ـ ـاً مـ ـ ـ ـ ــن‬
‫ع اب اهلل ‪...‬‬

‫االس ـ ـ ـ ــتغفار ى ـ ـ ـ ــو بالفع ـ ـ ـ ــل كم ـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ــال وال ـ ـ ـ ــد زميلت ـ ـ ـ ــي "رداءٌ‬
‫مقاوم للرصاص"‪.‬‬

‫بع ـ ـ ــد تل ـ ـ ــك الحادث ـ ـ ــة بأش ـ ـ ــهر اتص ـ ـ ــل ميرن ـ ـ ــا وطلبـ ـ ـ ـ من ـ ـ ــي‬
‫مرافقتهـ ـ ـ ــا إل ـ ـ ـ ـ الكنيسـ ـ ـ ــة‪ ،‬فهـ ـ ـ ــي عل ـ ـ ـ ـ موعـ ـ ـ ــد مسـ ـ ـ ــبق مـ ـ ـ ــع‬
‫لتعت ـ ـ ــر ل ـ ـ ــو بـ ـ ـ ـ نوبها فيمنحه ـ ـ ــا المغف ـ ـ ــرة نياب ـ ـ ــة ع ـ ـ ــن‬ ‫القـ ـ ـ ـ‬
‫الـ ـ ـ ـ ــرب‪ ،‬فرحبـ ـ ـ ـ ـ ـ بـ ـ ـ ـ ـ ـ لك وأخ ـ ـ ـ ـ ـ ت إج ـ ـ ـ ـ ــازة م ـ ـ ـ ـ ــن عمل ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫وذىب ـ ـ ـ ـ ـ ـ معهـ ـ ـ ـ ـ ــا‪ ،‬لكنـ ـ ـ ـ ـ ــي لـ ـ ـ ـ ـ ــم أدخـ ـ ـ ـ ـ ــل مبن ـ ـ ـ ـ ـ ـ الكنيسـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫ومكث ـ ـ ـ ـ ـ فـ ـ ـ ـ ــي السـ ـ ـ ـ ــاحة داخـ ـ ـ ـ ــل األسـ ـ ـ ـ ــوار‪،‬فمظهري اليـ ـ ـ ـ ــوم‬
‫يدل بوضوح أنني امرأة مسلمة‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫مشـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ــي السـ ـ ـ ــاحة ب ـ ـ ـ ــب ء شـ ـ ـ ــديد‪ ،‬وأخـ ـ ـ ـ ـ تني الـ ـ ـ ـ ـ كرى‬
‫إل ـ ـ ـ ـ أول مـ ـ ـ ــرة اسـ ـ ـ ــتغفرت اهلل فيهـ ـ ـ ــا‪ ،‬كـ ـ ـ ــان االسـ ـ ـ ــتغفار بـ ـ ـ ــال‬
‫طقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوس وال مراسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم وال حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواجز وال وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــطاء وال‬
‫شـ ـ ـ ــفعاء‪ ،‬االسـ ـ ـ ــتغفار ىـ ـ ـ ــو سـ ـ ـ ــؤال اهلل مباشـ ـ ـ ــرة الصـ ـ ـ ــف عـ ـ ـ ــن‬
‫ال ـ ـ ـ ـ نب والسـ ـ ـ ــتر عليـ ـ ـ ــو مـ ـ ـ ــن جميـ ـ ـ ــع البشـ ـ ـ ــر دون اسـ ـ ـ ــتثناء‪،‬‬
‫م ـ ـ ــا أجم ـ ـ ــل االس ـ ـ ــتغفار! فه ـ ـ ــو يزي ـ ـ ــل الص ـ ـ ــدأ الـ ـ ـ ـ ي يتـ ـ ـ ـراكم‬
‫إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ مناجـ ـ ـ ـ ـ ــاة اهلل‬ ‫عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ القلـ ـ ـ ـ ـ ــوب والنفـ ـ ـ ـ ـ ــوس‪ ،‬ويأخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ويقـ ـ ــود إل ـ ـ ـ معرفتـ ـ ــو‪ ،‬ى ـ ـ ــو شـ ـ ــعار عظـ ـ ــيم للعبوديـ ـ ــة وس ـ ـ ــبيل‬
‫لل ـ ـ ــروج مـ ـ ــن كـ ـ ــل ضـ ـ ــيق‪ ،‬والفـ ـ ــرج مـ ـ ــن كـ ـ ــل ىـ ـ ــم‪ ،‬وسـ ـ ــبب‬
‫لحص ـ ـ ـ ــول ال ـ ـ ـ ــرزق واألوالد‪ ،‬ومص ـ ـ ـ ــدر م ـ ـ ـ ــن مص ـ ـ ـ ــادر الق ـ ـ ـ ــوة‪،‬‬
‫لقـ ـ ـ ــد عش ـ ـ ـ ـ مـ ـ ـ ــع االسـ ـ ـ ــتغفار سـ ـ ـ ــنوات وسـ ـ ـ ــنوات‪ ،‬فرأي ـ ـ ـ ـ‬
‫ـياء فـ ـ ـ ـ ــي وجهـ ـ ـ ـ ــي وشـ ـ ـ ـ ــعرت بنـ ـ ـ ـ ــور فـ ـ ـ ـ ــي قلبـ ـ ـ ـ ــي وراحـ ـ ـ ـ ــة‬
‫ضـ ـ ـ ـ ـ ً‬
‫وطمأنينة في نفسي‪...‬‬

‫ف ـ ـ ــي ظ ـ ـ ــل ش ـ ـ ــرودي م ـ ـ ــع االس ـ ـ ــتغفار س ـ ـ ــمع ص ـ ـ ــوت ميرن ـ ـ ــا‬
‫ين ـ ـ ـ ـ ـ ــاديني‪ ،‬أخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ت ت برن ـ ـ ـ ـ ـ ــي كي ـ ـ ـ ـ ـ ــف ارتبكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ عن ـ ـ ـ ـ ـ ــدما‬

‫‪32‬‬
‫جلس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام الق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬ولكنهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا تمالك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــها‬
‫واعترف ـ ـ ـ ـ ـ ب ـ ـ ـ ـ ـ نوبها‪ ،‬وكـ ـ ـ ـ ــم تشـ ـ ـ ـ ــعر اآلن بالراحـ ـ ـ ـ ــة بعـ ـ ـ ـ ــد أن‬
‫المغفـ ـ ـ ــرة نيابـ ـ ـ ــة عـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ــرب‪ ،‬وأثنـ ـ ـ ــاء سـ ـ ـ ــيرنا‬ ‫منحهـ ـ ـ ــا الق ـ ـ ـ ـ‬
‫وقفـ ـ ـ ـ ـ ـ ميرن ـ ـ ـ ـ ــا علـ ـ ـ ـ ـ ـ عرب ـ ـ ـ ـ ــة لبي ـ ـ ـ ـ ــع الكع ـ ـ ـ ـ ــك والسمس ـ ـ ـ ـ ــم‬
‫واشـ ـ ـ ــترت لـ ـ ـ ــي ولهـ ـ ـ ــا ومشـ ـ ـ ــينا مع ـ ـ ـ ـاً ثـ ـ ـ ــم ودعتهـ ـ ـ ــا‪ ،‬وصـ ـ ـ ــل‬
‫ـدي‪ ،‬فوقف ـ ـ ـ ـ ـ عنـ ـ ـ ـ ــد الناف ـ ـ ـ ـ ـ ة‬
‫البي ـ ـ ـ ـ ـ قبـ ـ ـ ـ ــل زوجـ ـ ـ ـ ــي وولـ ـ ـ ـ ـ ّ‬
‫ونظراتـ ـ ـ ــي تتنقـ ـ ـ ــل إل ـ ـ ـ ـ النـ ـ ـ ــاس المـ ـ ـ ــارين‪ ،‬ثـ ـ ـ ــم نظـ ـ ـ ــرت إل ـ ـ ـ ـ‬
‫السماء وأخ ت أردد بصوت مسموع‪7‬‬

‫اللهم أن ربي‬

‫ال إلو إال أن‬

‫خلقتني وأنا عبد‬

‫وأنا عل عهد و وعد ما استطع‬

‫أعوذ بك من شر ما صنع‬

‫أبوء لك بنعمتك علي وأبوء ب نبي‬


‫‪33‬‬
‫فاغفر لي ف نو ال يغفر ال نوب إال أن‬

‫ثـ ـ ـ ـ ـ ــم قفـ ـ ـ ـ ـ ــزت إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ذىنـ ـ ـ ـ ـ ــي بحنـ ـ ـ ـ ـ ــان أنشـ ـ ـ ـ ـ ــودة الطـ ـ ـ ـ ـ ــالب‪،‬‬
‫فتحرك شفتاي بصوت خاف ‪7‬‬

‫رب اغفر وارحم‬

‫واعف وتكرم‬

‫عما تعلم‬
‫وتجاوز ّ‬

‫تعلم ما ال نعلم‬
‫إنك ُ‬

‫إنك أن َ األعز األكرم‬

‫*** النهاية ***‬

‫زياد غزال فريحات‬

‫‪34‬‬
35
‫قصة‬

‫شكل آخر للحب‬

‫زياد غزال فريحات‬

‫‪36‬‬
‫أخبرتن ــي أم ــي أننـ ـي عن ــدما خرجـ ـ إلـ ـ الحي ــاة ل ــم أخ ــرج باكيـ ـاً‬
‫بل خرج ىادئ القسمات‪ ،‬بال حركة !‬

‫فظنـ ـ ـ القابل ـ ــة أن ـ ــي ميـ ـ ـ ‪ ،‬فاس ـ ــتدع الطبي ـ ــب علـ ـ ـ الف ـ ــور‬
‫فق ـ ـ ــام بضـ ـ ـ ـربي علـ ـ ـ ـ م ـ ـ ــؤخرتي‪ ،‬وأن ـ ـ ــا دون حرك ـ ـ ــة وقس ـ ـ ــمات‬
‫وجه ـ ـ ــي ثابت ـ ـ ــة ال تهت ـ ـ ــز‪ ،‬وبع ـ ـ ــد الضـ ـ ـ ـربة الثالث ـ ـ ــة ظه ـ ـ ــر عل ـ ـ ــي‬
‫اإلحسـ ـ ــاس بـ ـ ــاأللم وعب ـ ـ ــرت عنـ ـ ــو بص ـ ـ ــوت خاف ـ ـ ـ ‪ ،‬فتعج ـ ـ ــب‬
‫إلي‪7‬‬
‫الطبيب وقال وىو ينظر ّ‬
‫* ما ى ا الطفل ! ‪ ...‬يبدو أنو بال إحساس‪...‬‬

‫مض ـ ـ األيـ ــام وعنـ ــدما أصـ ــبح فـ ــي المرحلـ ــة اإلبتدائيـ ــة مـ ــن‬
‫حي ـ ــاتي ص ـ ــار يض ـ ــرب ب ـ ــي المث ـ ــل للطف ـ ــل المجته ـ ــد الم ـ ــؤدب‬
‫وكانـ ـ ـ م ـ ــادتي المفض ـ ــلة ى ـ ــي الرياض ـ ــيات‪ ،‬فالحس ـ ــاب ل ـ ــي‬
‫منهجـ ــا لتفكيـ ــري‬
‫ً‬ ‫مـ ــادة دراسـ ــية بالنسـ ــبة لـ ــي فق ـ ـ ‪ ،‬بـ ــل أصـ ــب‬
‫دائم ــا‪ ،‬وأغل ــب حس ــاباتي كانـ ـ‬
‫وحي ــاتي‪ ،‬فك ــل ش ــيء أحس ــبو ً‬
‫دقيقة حت وأنا طفل صغير‪...‬‬

‫‪37‬‬
‫أذك ــر م ــرة ك ــان وال ــدي ينظ ــف أل ــة بال ــديزل فوق ــع علـ ـ بنط ــالي‬
‫قط ـ ـ ـ ـرات مـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ــديزل دون أن أشـ ـ ـ ــعر‪ ،‬وفـ ـ ـ ــي غفلـ ـ ـ ــة ال أدري‬
‫ـارا‪ ،‬ف ـ ـ ىب عل ـ ـ الفـ ــور إل ـ ـ الحمـ ــام‬
‫كيـ ــف اشـ ــتعل بنطـ ــالي نـ ـ ً‬
‫وفتحـ ـ ـ (ال ـ ــدش) وبقيـ ـ ـ تحت ـ ــو حتـ ـ ـ أطفئـ ـ ـ الن ـ ــار وجمي ـ ــع‬
‫أخ ــوتي وأم ــي وأب ــي يص ــرخون‪ ،‬وأن ــا ص ــام ألن ــي كنـ ـ واث ًق ــا‬
‫ضـ ـ ـ ــمن حسـ ـ ـ ــاباتي أن النـ ـ ـ ــار سـ ـ ـ ــتنطف خـ ـ ـ ــالل ثـ ـ ـ ــواني‪ ،‬لقـ ـ ـ ــد‬
‫اشـ ـ ـ ــتعل النـ ـ ـ ــار بـ ـ ـ ــي‪ ،‬وأُطفئ ـ ـ ـ ـ دون أن يرتجـ ـ ـ ــف قلبـ ـ ـ ــي‪ ،‬أو‬
‫بـ ـ ـ ـ ــدني أو حت ـ ـ ـ ـ ـ فقـ ـ ـ ـ ــدان قـ ـ ـ ـ ــدرتي عل ـ ـ ـ ـ ـ التفكيـ ـ ـ ـ ــر‬ ‫ي ـ ـ ـ ـ ـرتع‬
‫والحساب ‪...‬‬

‫ف ــي الس ــنة األولـ ـ لدراس ــتي ف ــي الجامع ــة ق ــي قس ــم المحاس ــبة‬
‫م ــرض أب ــي‪ ،‬وك ــان ال ب ــد ألح ــد أن يسـ ـ ّد مكان ــو ف ــي مح ــل بي ــع‬
‫الجمل ـ ـ ــة للمـ ـ ـ ــواد التموينيـ ـ ـ ــة‪ ،‬وكن ـ ـ ـ ـ أصـ ـ ـ ــغر إخـ ـ ـ ــوتي الثالثـ ـ ـ ــة‬
‫فقـ ـ ـ ــررت أن أكـ ـ ـ ــون مكانـ ـ ـ ــو‪ ،‬لقنـ ـ ـ ــاعتي أنـ ـ ـ ــو ال يصـ ـ ـ ــل له ـ ـ ـ ـ ا‬
‫ـرورا من ــي‪ ،‬ب ــل ي ــا ليت ــو ك ــان‬
‫المك ــان إال أن ــا‪ ،‬ل ــم يك ــن ذل ــك غ ـ ً‬

‫‪38‬‬
‫ـرورا‪ ،‬فأن ـ ــا ف ـ ــي تل ـ ــك اللحظ ـ ــات ل ـ ــم أذق طع ـ ــم الغ ـ ــرور ف ـ ــي‬
‫غـ ـ ً‬
‫حياتي بل كان حسابًا دقي ًقا مني‪...‬‬

‫س ـ ـرت فـ ــي عمـ ــل أبـ ــي وازدادت األربـ ــاح خـ ــالل السـ ــنة األول ـ ـ ‪،‬‬
‫وفـ ــي نهايـ ــة السـ ــنة تـ ــوف أبـ ــي‪ ،‬لقـ ــد توقع ـ ـ شـ ــفاء أبـ ــي خـ ــالل‬
‫أشـ ــهر وعودتـ ــو إل ـ ـ محلـ ــو‪ ،‬وعـ ــودتي إل ـ ـ جـ ــامعتي‪ ،‬رغـ ــم أنـ ــي‬
‫أحسب كل شيء‪ ،‬لكن مشيئة اهلل كان غير ذلك‪...‬‬

‫بقيـ ـ ـ أدي ـ ــر مح ـ ــل أب ـ ــي ول ـ ــم أرج ـ ــع إلـ ـ ـ ج ـ ــامعتي‪ ،‬توس ـ ــع‬
‫ـاجرا كبي ـ ـ ـ ًـرا وأن ـ ـ ــا ل ـ ـ ــم أتج ـ ـ ــاوز الثامن ـ ـ ــة‬
‫تج ـ ـ ــارتي وأص ـ ـ ــبح ت ـ ـ ـ ً‬
‫والعشرين من عمري‪...‬‬

‫ألح ـ ـ ـ أمـ ـ ــي علـ ـ ــي كثيـ ـ ـ ًـرا ألجـ ـ ــل الـ ـ ــزواج‪،‬‬
‫فـ ـ ــي تلـ ـ ــك األيـ ـ ــام ّ‬
‫وطلب ـ ـ ـ أن أمنحهـ ـ ــا فرحـ ـ ــة رؤيـ ـ ــة أبنـ ـ ــائي قبـ ـ ــل وفاتهـ ـ ــا‪ ،‬وفـ ـ ــي‬
‫ألج ـ ــل أم ـ ــي ب ـ ــل ألن ـ ــي حس ـ ــب‬ ‫النهاي ـ ــة قبلـ ـ ـ ‪ ،‬ولك ـ ــن ل ـ ــي‬

‫‪39‬‬
‫المس ـ ـ ــألة م ـ ـ ــن جمي ـ ـ ــع جوانبه ـ ـ ــا‪ ،‬فوج ـ ـ ــدت أن الص ـ ـ ــواب ى ـ ـ ــو‬
‫بعد سنوات ‪...‬‬ ‫زواجي في ى ا السن‪ ،‬ولي‬

‫تزوجـ ـ ـ م ـ ــن فت ـ ــاة مجبول ـ ــة بكتل ـ ــة م ـ ــن المش ـ ــاعر والعواط ـ ــف‬
‫واألحاسـ ــي ‪ ،‬كن ـ ـ أحسـ ــب كـ ــل شـ ــيء فـ ــي عالقاتنـ ــا‪ ،‬وىـ ــي‬
‫ال تعـ ــر الحسـ ــابات شـ ــيء‪ ،‬بـ ــل تتـ ــدفق مشـ ــاعرىا نحـ ــوي بـ ــال‬
‫توقـ ـ ـ ــف‪ ،‬كن ـ ـ ـ ـ قـ ـ ـ ــادراً عل ـ ـ ـ ـ رؤيـ ـ ـ ــة وفهـ ـ ـ ــم التـ ـ ـ ــدفق الهائـ ـ ـ ــل‬
‫للعواط ـ ــف نح ـ ــوي‪ ،‬والتعل ـ ــق الش ـ ــديد ب ـ ــي‪ ،‬ولكننـ ـ ـي غي ـ ــر ق ـ ــادر‬
‫عل االحساس به ا كلو‪ ،‬قال لي يوماً ‪7‬‬

‫* أنـ ـ ــا يـ ـ ــا موس ـ ـ ـ كـ ـ ــأي إم ـ ـ ـرأة فـ ـ ــي الـ ـ ــدنيا أكثـ ـ ــر مـ ـ ــا ينصـ ـ ــب‬
‫اىتم ـ ـ ـ ــامي علي ـ ـ ـ ــو الح ـ ـ ـ ــب‪ ،‬ب ـ ـ ـ ــل إذا كنـ ـ ـ ـ ـ تري ـ ـ ـ ــد أن تع ـ ـ ـ ــر‬
‫لـ ـ ــي عمـ ـ ــل فـ ـ ــي الحيـ ـ ــاة سـ ـ ــوى الحـ ـ ــب‪،‬‬ ‫الحقيقـ ـ ــة‪ ،‬أنـ ـ ــا لـ ـ ــي‬
‫وأغل ـ ــب النس ـ ــاء مثل ـ ــي‪ ،‬أن ـ ــا ي ـ ــا موسـ ـ ـ ل ـ ــم أش ـ ــعر منـ ـ ـ رأيت ـ ــك‬
‫بمش ـ ــاعر نح ـ ــوي‪ ،‬أنـ ـ ـ حس ـ ــن العش ـ ــرة ولكن ـ ــك ب ـ ــال قل ـ ــب‪،‬‬
‫ض ــا قل ــب ج ــا الينب ــع‬
‫أنـ ـ تمتل ــك عق ــل عم ــالق وتمتل ــك أي ً‬

‫‪40‬‬
‫من ـ ــو ش ـ ــيء‪ ،‬أرج ـ ــو أجبن ـ ــي أال تش ـ ــعر بين ـ ــابيع المش ـ ــاعر الت ـ ــي‬
‫تتفجر في قلبي نحو ؟ أرجو أجبني ؟‬

‫أنا مصرة أن تجيـبني؟ ‪...‬‬

‫* ب ـ ــالطبع أش ـ ــعر وأحـ ـ ـ ّ ب ـ ــك‪ ،‬ولكن ـ ــي ال أجي ـ ــد التعبي ـ ــر ع ـ ــن‬
‫ذلك‪...‬‬

‫لق ــد كـ ـ ب عليه ــا فأن ــا ف ــي الحقيق ــة تفهمـ ـ م ــا تق ــول وأدركـ ـو‬
‫جي ًدا‪ ،‬ولكني لم أشعر بو عل اإلطالق‪...‬‬

‫سـ ـ ــنوات األول ـ ـ ـ ولـ ـ ــم نـ ـ ــرزق بمولـ ـ ــود‪،‬‬ ‫لقـ ـ ــد مض ـ ـ ـ ال م ـ ـ ـ‬
‫وك ـ ــان الس ـ ــبب ى ـ ــو زوجت ـ ــي‪ ،‬أخـ ـ ـ موض ـ ــوع االنج ـ ــاب يس ـ ــيطر‬
‫عل ـ ـ ـ تفكيرىـ ـ ــا ومشـ ـ ــاعرىا بـ ـ ــل حت ـ ـ ـ عل ـ ـ ـ حـ ـ ــديثها‪ ،‬وأنـ ـ ــا ال‬
‫أشـ ـ ــعر بـ ـ ــأي شـ ـ ــيء غيـ ـ ــر طبيعـ ـ ــي‪ ،‬وأحـ ـ ــاول اقناعهـ ـ ــا أن الـ ـ ــزمن‬
‫أمامنا طويل‪ ،‬وال داعي للعجلة‪...‬‬

‫وعل ـ ـ ـ حـ ـ ــين غـ ـ ــرة اكتشـ ـ ــفنا وجـ ـ ــود‬ ‫بعـ ـ ــد السـ ـ ــنوات ال م ـ ـ ـ‬
‫ـل مشـ ــاعرىا واىتمامهـ ــا‬
‫حمـ ــل فـ ــي الشـ ــهر الثال ـ ـ ‪ ،‬فصـ ــب كـ ـ ّ‬

‫‪41‬‬
‫علـ ـ ـ ـ الجن ـ ـ ــين وخصوصـ ـ ـ ـاً عن ـ ـ ــدما أخبرى ـ ـ ــا األطب ـ ـ ــاء أن ىـ ـ ـ ـ ا‬
‫الحمـ ـ ــل قـ ـ ــد يكـ ـ ــون الحمـ ـ ــل األول وربمـ ـ ــا األخيـ ـ ــر؛ لمشـ ـ ــاكل‬
‫كبيرة عندىا في المبيض‪...‬‬

‫وجاءنـ ـ ــا إسـ ـ ــماعيل وبـ ـ ــدأ يكبـ ـ ــر سـ ـ ــنة وراء سـ ـ ــنة‪ ،‬حت ـ ـ ـ دخـ ـ ــل‬
‫المدرسـ ــة وكان ـ ـ فرح ـ ــة أمـ ــو ال توصـ ــف‪ ،‬والحقيق ـ ــة أنـ ــا كنـ ـ ـ‬
‫فرحـ ــا إال قلـ ــيالً ج ـ ـ ًدا؛ ففـ ــي‬
‫تاح ـ ـا ولكنـ ــي لـ ــم أكـ ــن ً‬
‫مبتسـ ـ ًـما ومر ً‬
‫تل ـ ــك األي ـ ــام ل ـ ــم أذق الف ـ ــرح ف ـ ــي حي ـ ــاتي إال قطـ ـ ـرات ص ـ ــغيرة‬
‫وقليلـ ـ ــة‪ ،‬رغـ ـ ــم أن الفـ ـ ــرح كـ ـ ــان موجـ ـ ــوداً بـ ـ ــوفرة وبكثـ ـ ــرة فـ ـ ــي‬
‫حي ـ ــاتي‪ ،‬وف ـ ــي أول إج ـ ــازة اس ـ ــبوعية إلس ـ ــماعيل‪ ،‬ذىبن ـ ــا لزي ـ ــارة‬
‫أخ ـ ــي الكبي ـ ــر‪ ،‬وك ـ ــان إس ـ ــماعيل ال يقب ـ ــل إال أن يمس ـ ــك بي ـ ــدي‬
‫وبعـ ــد أن انتهينـ ــا مـ ــن شـ ــراء ىديـ ــة ألخـ ــي الكبيـ ــر رأى إسـ ــماعيل‬
‫عل ـ ـ الجهـ ــة المقابلـ ــة مـ ــن الشـ ــارع كـ ــرة حمـ ــراء مـ ــع أن عنـ ــده‬
‫كرات كثيرة وحمراء ايضاً‬

‫‪42‬‬
‫وفجـ ـ ــأة صـ ـ ــرخ أم إسـ ـ ــماعيل بعنـ ـ ــف شـ ـ ــديد عل ـ ـ ـ إسـ ـ ــماعيل‬
‫حيـ ـ ـ مشـ ـ ـ لقط ـ ــع الش ـ ــارع وك ـ ــان م ـ ــن الس ـ ــهل ارجاع ـ ــو ل ـ ــو‬
‫أس ـ ــرع المش ـ ــي ولكن ـ ــي أفتق ـ ــد الحـ ـ ـرارة ف ـ ــي ذات ـ ــي ومش ـ ــي‬
‫ب طـ ـ ـ ــوات بطيئـ ـ ـ ــة عاجلتهـ ـ ـ ــا سـ ـ ـ ــيارة مسـ ـ ـ ــرعة أخ ـ ـ ـ ـ ت معهـ ـ ـ ــا‬
‫إس ــماعيل بس ــرعة إلـ ـ قبـ ـ ٍر ص ــغير‪ ،‬وأخـ ـ إس ــماعيل مع ــو قس ـ ًـما‬
‫كبي ـ ـ ـ ـ ـ ًـرا م ـ ـ ـ ـ ــن ص ـ ـ ـ ـ ــبر أم ـ ـ ـ ـ ــو وتوازنه ـ ـ ـ ـ ــا ومش ـ ـ ـ ـ ــاعرىا الجياش ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫وابتس ــاماتها‪ ،‬وأخـ ـ أكث ــر م ــن ذل ــك حبه ــا ل ــي‪ ،‬فأن ــا ف ــي نظرى ــا‬
‫الس ـ ــبب ف ـ ــي وف ـ ــاة إس ـ ــماعيل‪ ،‬مش ـ ــاعري الش ـ ــحيحة ى ـ ــي الت ـ ــي‬
‫قتل ـ ـ إسـ ــماعيل‪ ،‬عـ ــواطفي الضـ ــئيلة ىـ ــي مـ ــن دفـ ــن إسـ ــماعيل‪،‬‬
‫قلبـ ــي ال ـ ـ ي يحسـ ــب مشـ ــاعره عل ـ ـ قلتهـ ــا بالورقـ ــة والقلـ ــم ىـ ــو‬
‫من سفك دم إسماعيل‪...‬‬

‫لـ ــن أنس ـ ـ كلماتهـ ــا عنـ ــدما حاول ـ ـ ارجاعهـ ــا إل ـ ـ بيتهـ ــا وىـ ــي‬
‫في بي أىلها‪7‬‬

‫* أن ـ ـ لس ـ ـ إنسـ ــانًا‪ ،‬مـ ــن جريمـ ــة أن يكـ ــون ألمثالـ ــك أسـ ــرة؛‬
‫ألن نهايتها ىي القتل برصاص قلبك المعوق‪...‬‬

‫‪43‬‬
‫شـ ـر‬
‫‪ -‬أن ــا ي ــا أم إس ــماعيل لسـ ـ بهـ ـ ا الس ــوء فأن ــا ل ــم أتمنـ ـ ال ّ‬
‫ألح ــد ف ــي حي ــاتي‪ ،‬ل ــم أحق ــد علـ ـ بش ــر قـ ـ ‪ ،‬ل ــم أحس ــد أحـ ـ ًدا‬
‫طـ ــوال عمـ ــري‪ ،‬أقسـ ــم بـ ــاهلل لـ ــم أكـ ــره أحـ ــد عل ـ ـ وجـ ــو األرض‪،‬‬
‫لم أتكبر ال في السر وال في العلن‪.‬‬

‫قال وعيونها مليئة بالغضب‪7‬‬

‫* أنـ ـ ـ بالفع ـ ــل ل ـ ــم تتمنـ ـ ـ الش ـ ــر ألح ـ ــد ولكن ـ ــك ف ـ ــي نفـ ـ ـ‬
‫الوقـ ـ ـ ل ـ ــم تتمنـ ـ ـ ال ي ـ ــر ألي أح ـ ــد‪ ،‬أنـ ـ ـ ل ـ ــم تك ـ ــره بش ـ ـ ًـرا‬
‫ضا لم تحب إنسانًا‪.‬‬
‫ولكنك أي ً‬

‫صرخ بأعل صوتها ‪7‬‬

‫* اخ ـ ـ ـ ــرج أيه ـ ـ ـ ــا المج ـ ـ ـ ــرم ال أري ـ ـ ـ ــد أن أرا ‪ ،‬ال أري ـ ـ ـ ــد أن أرى‬
‫بقلبـ ــك‬ ‫وجهـ ــك المشـ ــلول‪ ،‬أخـ ــرج يـ ــا مجـ ــرم ال أريـ ــد أن أح ـ ـ‬
‫البور ‪ ...‬اخرج ‪...‬اخرج ‪...‬اخرج‬

‫‪44‬‬
‫ئم ـ ـ ـ ــا عل ـ ـ ـ ـ ـ وجه ـ ـ ـ ــي ال أس ـ ـ ـ ــمع إال كلمـ ـ ـ ـ ــات أم‬
‫وخرجـ ـ ـ ـ ـ ىا ً‬
‫إس ـ ـ ـ ـ ـ ــماعيل وال أرى إال ص ـ ـ ـ ـ ـ ــورتها وى ـ ـ ـ ـ ـ ــي تص ـ ـ ـ ـ ـ ــرخ بش ـ ـ ـ ـ ـ ــكل‬
‫ىستيري‪ ،‬وقل في نفسي‪7‬‬

‫* ىـ ــل وجهـ ــي مشـ ــلول حق ـ ـاً ىـ ــل قلبـ ــي صـ ــحراء قاحلـ ــة‪ ،‬لـ ــي‬
‫فيها نبات وال حت أشوا ‪...‬‬

‫وخـ ـ ــالل أيـ ـ ــام عرف ـ ـ ـ مشـ ـ ــكلتي وحسـ ـ ــبتها بدقـ ـ ــة‪ ،‬فمشـ ـ ــكلتي‬
‫أن ــي ش ــحي المش ــاعر‪ ،‬ين ــابيع قلب ــي التق ــدر أن تروين ــي فكي ــف‬
‫بالعطـ ـ ــاش ممـ ـ ــن حـ ـ ــولي‪ ،‬وحسـ ـ ــب جي ـ ـ ـ ًدا كيـ ـ ــف أخـ ـ ــرج مـ ـ ــن‬
‫ألرت ـ ــوي منه ـ ــا وأروي‬ ‫قلب ـ ــي العواط ـ ــف والمش ـ ــاعر واألحاس ـ ــي‬
‫مـ ـ ــن حـ ـ ــولي‪ ،‬ف ـ ـ ـ ذا كان ـ ـ ـ ينـ ـ ــابيع قلبـ ـ ــي ال ي ـ ـ ــرج منه ـ ـ ــا إال‬
‫ـارا إرتوازيـ ــة فـ ــي أعمـ ــاق‬
‫القليـ ــل القليـ ــل؛ ف نـ ــو علـ ــي أن أحفـ ــر أبـ ـ ً‬
‫قلبـ ـ ــي‪ ،‬ورغـ ـ ــم حسـ ـ ــاباتي الدقيقـ ـ ــة؛ لـ ـ ــم أحسـ ـ ــن التعامـ ـ ــل ى ـ ـ ـ ه‬
‫الم ــرة م ــع القل ــب‪ ،‬م ــع أن ــي أحت ــر التعام ــل م ــع العق ــل‪ ،‬وظ ــل‬
‫سـ ـ ــوأل يحيرنـ ـ ــي‪ ،‬بـ ـ ــأي بئـ ـ ــر أبـ ـ ــدأ‪ ...‬بالحنـ ـ ــان أم بالغضـ ـ ــب أم‬
‫بالتع ـ ــاطف‪ ،‬أم بالحس ـ ــرة أم باالمتن ـ ــان‪ ،‬أم ب ـ ــال و أم باألم ـ ــان‬

‫‪45‬‬
‫وفـ ــي نهايـ ــة الحسـ ــابات الطويلـ ــة‪ ،‬قـ ــد قـ ــررت أن أبـ ــدأ بالحـ ــب‬
‫ألنـ ــو سـ ــيد العواطـ ــف‪ ،‬ثـ ــم قل ـ ـ فـ ــي نفسـ ــي بمـ ــن أبت ـ ـدئ أول‬
‫دفع ــة م ــن مش ــاعر الح ــب ف ــي قلب ــي‪ ،‬وبحس ــابات سـ ـريع ق ــررت‬
‫أن أب ـ ــدىا م ـ ــع اهلل ع ـ ــز وج ـ ــل‪ ،‬وب ـ ــدأت أحف ـ ــر بئ ـ ــر الح ـ ــب ف ـ ــي‬
‫قلب ـ ــي؛ ألس ـ ــتطيع اإلحس ـ ــاس بح ـ ــب اهلل ج ـ ــل جالل ـ ــو‪ ،‬وكانـ ـ ـ‬
‫أدوات ـ ــي ف ـ ــي الحف ـ ــر قـ ـ ـراءة الق ـ ــرآن ودع ـ ــاء ال ـ ــرحمن ومناجـ ـ ــاة‬
‫المنان ‪...‬‬

‫لـ ــن أنس ـ ـ أول إحسـ ــاس شـ ــعرتو بحـ ــب اهلل‪ ،‬لقـ ــد كـ ــان دافئًـ ــا‬
‫باردا !‬
‫أشعرني كم كان قلبي ً‬

‫قاحال خاليًا من المشاعر !‬


‫كم كان فؤادي ً‬

‫حـ ـ ــب اهلل أخ ـ ـ ـ يـ ـ ــدفئني فـ ـ ــي ى ـ ـ ـ ا البـ ـ ــرد القـ ـ ــارص‪ ،‬حـ ـ ــب اهلل‬
‫أخـ ـ ـ ني إلـ ـ ـ حي ـ ــاةٍ جميل ـ ــة ل ـ ــم أعش ـ ــها م ـ ــن قب ـ ــل‪ ،‬أصـ ـ ــبح‬
‫أن ـ ــو ي ـ ــاطبني وال أش ـ ــعر بم ـ ــن‬ ‫عن ـ ــدما أقـ ـ ـرأ كت ـ ــاب اهلل أحـ ـ ـ‬
‫األرض أوسـ ـ ــع بكثيـ ـ ــر مـ ـ ــن السـ ـ ــابق‪ ،‬عن ـ ـ ــدما‬ ‫حـ ـ ــولي‪ ،‬وأح ـ ـ ـ‬

‫‪46‬‬
‫بهـ ــزة تلسـ ــع قلبـ ــي فيهتـ ــز؛ فت ـ ــتساق دمـ ــوعي‬ ‫أن ــاجي اهلل أح ـ ـ‬
‫قهرا عل تقصير بحقو سبحانو ‪...‬‬
‫ً‬

‫يا اهلل لحبك م اق ال يمكن أن يكون لو شبيو !‬

‫أنـ ــا لـ ــم أشـ ــعر بالحـ ــب فـ ــي حيـ ــاتي أمـ ــا اليـ ــوم فعـ ــواطفي تشـ ــتعل‬
‫عن ـ ــد دعائ ـ ــك‪ ،‬أش ـ ــعر بحب ـ ــك بالفع ـ ــل‪ ،‬وأش ـ ــعر برغب ـ ــة جامح ـ ــة‬
‫آلق ــول بص ــوت مس ــموع أن ــي أحب ــك ي ــا اهلل‪ ،‬ك ــم أن ــا ف ــور أن ــي‬
‫عب ـ ـ ــد ك ـ ـ ــم أن ـ ـ ــا مطم ـ ـ ــئن بحب ـ ـ ــك بأن ـ ـ ــك س ـ ـ ــتقف مع ـ ـ ــي ف ـ ـ ــي‬
‫الكبوات والحسرات واالنكسارات‪...‬‬

‫ومضي إل أم إسماعيل وأنا أناجي اهلل عز وجل‪7‬‬

‫* اللهـ ــم إنـ ــي أحبـ ــك وأحـ ــب مـ ــن يحبـ ــك وأحـ ــب العمـ ــل ال ـ ـ ي‬
‫يقربني إل حبك‪...‬‬

‫‪47‬‬
‫ولم ـ ـ ــا جلسـ ـ ـ ـ أمامه ـ ـ ــا وكانه ـ ـ ــا ش ـ ـ ــعرت بك ـ ـ ــل م ـ ـ ــا ب ـ ـ ــداخلي‬
‫وأخ ـ ـ ت تنظـ ــر إلـ ــي مندىشـ ــة قبـ ــل أن أتكلـ ــم‪ ...‬ىـ ــل يعقـ ــل أن‬
‫الحب يظهر عل الوجوه والجوارح به ا الوضوح ؟‬

‫قل لها‪7‬‬

‫* أنـ ــا اليـ ــوم جئتـ ــك لغايـ ــة أخـ ــرى غيـ ــر رجوعـ ــك إل ـ ـ البي ـ ـ‬
‫أري ـ ـ ــد أن تجيبينـ ـ ـ ــي بم ـ ـ ــاذا أشـ ـ ـ ــعر بالض ـ ـ ــب ‪ ،‬فأن ـ ـ ـ ـ خبيـ ـ ـ ــرة‬
‫بالعواطف ؟‬

‫أنـ ــا يـ ــا أم إسـ ــماعيل أشـ ــعر أنـ ــي متعلـ ــق بشـ ــدة بـ ــاهلل عـ ــز وجـ ــل‬
‫وىـ ـ ـ ا التعل ـ ــق مش ـ ــحون بمش ـ ــاعر تطغـ ـ ـ علـ ـ ـ تفكي ـ ــري وك ـ ــل‬
‫كي ــاني‪ ،‬ىن ــا رغب ــة ت ــدفعني ألك ــون م ــع اهلل ع ــز وج ــل‪ ،‬بق ــراءة‬
‫ـعور يملئن ــي طاق ــة‪ ،‬أمتل ــك ق ــوة ل ــم تك ــن‬
‫كتاب ــو ودوام ذك ــره‪ ،‬ش ـ ٌ‬
‫تشـ ــرق عل ـ ـ‬ ‫موجـ ــودة فـ ــي داخلـ ــي‪ ،‬عـ ــواطفي تشـ ــعرني بشـ ــم‬
‫ظلمات نفسي‪ ...‬ما ى ا الشعور يا أم إسماعيل ؟‬

‫قال وىي متعجبة ‪7‬‬

‫‪48‬‬
‫* إن ــو الح ــب بك ــل تاكي ــد‪ ...‬أتـ ــدري ي ــا موسـ ـ ك ــل م ــا ذكرتـ ــو‬
‫وزد عليو الكثير كن أشعره تجاىك‪...‬‬

‫‪ -‬لك ـ ــن اهلل يق ـ ــول ( والـ ـ ـ ين امن ـ ــوا أش ـ ــد حبـ ـ ـاً هلل ) أري ـ ــد أن‬
‫تحب ـ ـ ـ ــي اهلل اوالً‪ ...‬م ـ ـ ـ ــا رأي ـ ـ ـ ــك ان أعلم ـ ـ ـ ــك ش ـ ـ ـ ــدة ح ـ ـ ـ ــب اهلل‬
‫وتعلمني كيف أحبك كما ترغبين أن أحبك ؟‬

‫ومض ـ ـ ـ معـ ـ ــي أم أسـ ـ ــماعيل إل ـ ـ ـ البي ـ ـ ـ وأسـ ـ ــتطيع أن أقـ ـ ــول‬
‫وأنـ ــا محت ـ ــر ف ـ ــي الحس ـ ــابات أن الليلـ ــة الت ـ ــي دخلـ ـ ـ به ـ ــا أم‬
‫إسـ ـ ـ ــماعيل البي ـ ـ ـ ـ حمل ـ ـ ـ ـ بهـ ـ ـ ــا إسـ ـ ـ ــماعيل اآلخـ ـ ـ ــر‪ ،‬وبعـ ـ ـ ــد‬
‫إس ـ ــماعيل رزقن ـ ــا اهلل بول ـ ــدين وث ـ ــالث بن ـ ــات‪ ،‬يب ـ ــدو أن دوائـ ـ ــي‬
‫ودواء أم إسماعيل ىو حب اهلل عز وجل‪...‬‬

‫*** النهاية ***‬

‫زياد غزال فريحات‬


‫‪49‬‬
50
‫قصة‬

‫م ِ‬
‫شاع ُر الْ َعظَ َم ِة‬ ‫َ‬

‫زياد غزال فريحات‬

‫‪51‬‬
‫كـ ــان ص ـ ــالح ال ـ ــدين فـ ــي العشـ ـ ـرينات م ـ ــن عمـ ــره‪ ،‬وق ـ ــد ف ـ ــرض‬
‫احترام ــو علـ ـ ك ــل م ــن حول ــو‪ ،‬مهن ــدس ل ــو مكتب ــو ال ــاص وق ــد‬
‫أقامـ ـ ــو بمسـ ـ ــاعدة والـ ـ ــده‪ ،‬يلقـ ـ ــي خطبـ ـ ــة الجمعـ ـ ــة فـ ـ ــي مسـ ـ ــجد‬
‫كبي ـ ـ ــر ف ـ ـ ــي المنطق ـ ـ ــة والح ـ ـ ــق أن ـ ـ ــو خطي ـ ـ ــب مف ـ ـ ــوه‪ ،‬وش ـ ـ ــاءت‬
‫الظـ ــرو أن يكـ ــون بينـ ــو وبـ ــين المقـ ــاول عـ ــدنان عالقـ ــة عمـ ــل‪،‬‬
‫فانجـ ـ ب ل ــو ع ــدنان ش ــيئاً فش ــيئاً‪ ،‬وف ــي ك ــل ي ــوم جمع ــة يتص ــل‬
‫عدنان ويطلب منو أن ي ىب معو لحضور ال طبة‪...‬‬

‫وم ــع األي ــام أخـ ـ ع ــدنان يش ــعر ش ــيئاً فش ــيئاً أن المهن ــدس ي ــرى‬
‫نفسـ ــو شـ ــيئًا كبيـ ـ ًـرا‪ ،‬وأنـ ــو صـ ــاحب قـ ــدرات ض ـ ـ مة‪ ،‬وال شـ ــيء‬
‫يمكـ ــن أن يقـ ــف فـ ــي وجـ ــو‪ ،‬وكـ ــل ذلـ ــك لـ ــم يـ ــزع عـ ــدنان بـ ــل‬
‫ال ـ ـ ـ ي أزعجـ ـ ــو وآلمـ ـ ــو ىـ ـ ــو ادراكـ ـ ــو أن المهنـ ـ ــدس يشـ ـ ــعر مـ ـ ــن‬
‫ص ـ ــميم قلب ـ ــو أن األخـ ـ ـرين ص ـ ــغار وض ـ ــعا ويغم ـ ــرىم العج ـ ــز‪،‬‬
‫فـ ـ ــي تلـ ـ ــك اللحظـ ـ ــة قـ ـ ــرر عـ ـ ــدنان االبتعـ ـ ــاد شـ ـ ــيئاً فشـ ـ ــيئاً عـ ـ ــن‬
‫ص ــديقو الـ ـ ي أحب ــو فعـ ـالً ب ــال عت ــاب‪ ،‬رغ ــم أن المهن ــدس رج ــل‬

‫‪52‬‬
‫صـ ـ ــال لكنـ ـ ــو اليعـ ـ ــي أن مشـ ـ ــاعر العظمـ ـ ــة واإلكبـ ـ ــار والتبجيـ ـ ــل‬
‫واالنبه ـ ــار لدي ـ ــو محص ـ ــورة ف ـ ــي ذات ـ ــو‪ ،‬وق ـ ــد ق ـ ـ ّـرر ف ـ ــي لحظ ـ ــات‬
‫االبتعاد بسالم‪...‬‬

‫تع ــرض وال ــد المهن ــدس لح ــادث س ــير‪ ،‬فق ــام ع ــدنان بزيارت ــو ف ــي‬
‫المستشـ ـ ـ ــف والتق ـ ـ ـ ـ بأعمـ ـ ـ ــام صـ ـ ـ ــالح وسـ ـ ـ ــمع مـ ـ ـ ــنهم وىـ ـ ـ ــم‬
‫تملـ ـ ـ ــؤىم مشـ ـ ـ ــاعر اإلكبـ ـ ـ ــار واالعجـ ـ ـ ــاب عـ ـ ـ ــن حيـ ـ ـ ــاة أخـ ـ ـ ــيهم‬
‫الكبيـ ــر‪ ،‬والش ـ ـ ص الوحيـ ــد ال ـ ـ ي ي لـ ــو مـ ــن تلـ ــك المشـ ــاعر‬
‫ى ـ ــو المهن ـ ــدس‪ ،‬وف ـ ــي أثن ـ ــاء ذل ـ ــك ع ـ ــرض برن ـ ــام علـ ـ ـ قن ـ ــاة‬
‫فض ــائية ع ــن الص ــين وانجازاته ــا العظيم ــة‪ ،‬فأذى ــل الجمي ــع مم ــا‬
‫س ـ ــمع إال المهن ـ ــدس‪ ،‬حيـ ـ ـ ل ـ ــم تقط ـ ــر م ـ ــن قلب ـ ــو نقط ـ ــة مـ ـ ــن‬
‫مشاعر العظمة واالعجاب واإلكبار مما رأى‪...‬‬

‫أضـ ـ ــح عـ ـ ــدنان يبتعـ ـ ــد عـ ـ ــن صـ ـ ــديقو شـ ـ ــيئًا فشـ ـ ــيئًا‪ ،‬وتحول ـ ـ ـ‬
‫العالق ــة بينهم ــا إلـ ـ عالق ــة عم ــل فقـ ـ ‪ ،‬وف ــي تل ــك الفت ــرة تق ــدم‬
‫المهنـ ـ ــدس لفتـ ـ ــاة وعقـ ـ ــد قرانـ ـ ــو عليهـ ـ ــا وأخ ـ ـ ـ ينتظـ ـ ــر الزفـ ـ ــا‬
‫ترتيـ ـ ــب أوضـ ـ ــاعو‪ ،‬وخطيبتـ ـ ــو جميلـ ـ ــة ج ـ ـ ـ ًدا‪ ،‬وصـ ـ ــاحبة‬ ‫لوق ـ ـ ـ‬

‫‪53‬‬
‫ذكـ ــاء وفطنـ ــة‪ ،‬لكنهـ ــا ليس ـ ـ متدينـ ــة بالقـ ــدر الكـ ــافي‪ ،‬رغـ ــم أن‬
‫أىله ــا م ــن أى ــل المس ــاجد وااللت ــزام‪ ،‬ورغ ــم أن الفت ــاة بم ــا فيه ــا‬
‫م ـ ــن مزاي ـ ــا تبه ـ ــر أي رج ـ ــل إال أن ـ ــو ل ـ ــم يش ـ ــعر ب ـ ــأي ش ـ ــيء م ـ ــن‬
‫ذل ـ ــك‪ ،‬وأخـ ـ ـ يزورى ـ ــا ك ـ ــل أس ـ ــبوعين م ـ ــرة بم ـ ــدة ال تزي ـ ــد ع ـ ــن‬
‫معهمـ ــا أحـ ــد مـ ــن أىلهـ ــا‪،‬‬ ‫سـ ــاعتين‪ ،‬وأغلـ ــب السـ ــاعتين يجل ـ ـ‬
‫وبع ـ ــد خمس ـ ــة أش ـ ــهر م ـ ــن ال طب ـ ــة وبع ـ ــد أن تعل ـ ــق المهن ـ ــدس‬
‫ب طيبت ــو وب ــدأ يش ــعر بحبه ــا‪ ،‬اتص ــل ب ــو خطيبت ــو وطلبـ ـ من ــو‬
‫أن ت ـ ـراه خـ ــارج البي ـ ـ مـ ــع أن أىلهـ ــا ال يسـ ــمحون ب ـ ـ لك لكنـ ــو‬
‫رفض فقال لو ‪7‬‬

‫* يجب أن نلتقي فالمسألة حياة أو موت‪...‬‬

‫‪ -‬عندي بعض األعمال سآتي للبي عندكم بعد ساعتين‪.‬‬

‫وبع ــد نص ــف س ــاعة فقـ ـ تفاج ــأ المهن ــدس ب طيبت ــو ف ــي وسـ ـ‬
‫مكتب ـ ـ ـ ــو وتص ـ ـ ـ ــاد وج ـ ـ ـ ــود ع ـ ـ ـ ــدنان به ـ ـ ـ ــر ع ـ ـ ـ ــدنان بجماله ـ ـ ـ ــا‬
‫وقوامها‪ ،‬وقال لها‪7‬‬

‫‪54‬‬
‫* مرحبًا أن خطيبة المهندس ؟‬

‫ثم نظر إليهما وقال لهما ‪7‬‬

‫* يجب أن أذىب‪ ...‬المكان ىنا ضيق‪ ،‬الغرفة صغيرة‬

‫فقال لو المهندس بحزم ‪7‬‬

‫* يجب أن تبق إنني أريد في أمر ىام‪.‬‬

‫فـ ـ ــي المسـ ـ ــاحة الصـ ـ ــغيرة أمـ ـ ــام غرفـ ـ ــة‬ ‫خـ ـ ــرج عـ ـ ــدنان وجل ـ ـ ـ‬
‫المكت ـ ـ ـ ــب‪ ،‬طلبـ ـ ـ ـ ـ ال طيب ـ ـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ــروج ألن الح ـ ـ ـ ــدي ف ـ ـ ـ ــي‬
‫ال ـ ــارج س ـ ــيكون أفض ـ ــل‪ ،‬لك ـ ــن المهن ـ ــدس رف ـ ــض بش ـ ــدة ألن ـ ــو‬
‫يعل ـ ـ ـ ــم أن أىله ـ ـ ـ ــا ي ـ ـ ـ ــزعجهم ذل ـ ـ ـ ــك‪ ،‬فاض ـ ـ ـ ــطرت ال طيب ـ ـ ـ ــة أن‬
‫تصارحو داخل المكتب‪،‬‬

‫وبعـ ـ ــد مقدمـ ـ ــة فـ ـ ــي غايـ ـ ــة األدب أخبرتـ ـ ــو أنهـ ـ ــا أجبـ ـ ــرت عل ـ ـ ـ‬
‫القبـ ـ ــول بـ ـ ــو‪ ،‬وأنهـ ـ ــا عل ـ ـ ـ عالقـ ـ ــة بشـ ـ ــاب آخـ ـ ــر‪ ،‬وقـ ـ ــد تقـ ـ ــدم‬
‫ل طبته ــا ولك ــن أىله ــا رفض ــوا؛ ألن ــو ش ــاب غي ــر ملت ــزم فه ــو ال‬
‫يصـ ـ ــلي وىـ ـ ــو غيـ ـ ــر ملتـ ـ ــزم بدينـ ـ ــو حقيق ـ ـ ـةً‪ ،‬والمهنـ ـ ــدس يعـ ـ ــي‬
‫‪55‬‬
‫أقسـ ـ ـ لحظ ـ ــات حيات ـ ــو وى ـ ــو ص ـ ــام تتفج ـ ــر الص ـ ــدمات ف ـ ــي‬
‫أعماق ــو‪ ،‬ولكنـ ــو يظهـ ــر أمامهـ ــا بغيـ ــر المكتـ ــرث بشـ ــيء‪ ،‬وطلب ـ ـ‬
‫حياتهـ ــا كمـ ــا تحـ ــب‪ ،‬وختم ـ ـ‬ ‫منـ ــو أن يطلقهـ ــا ويتركهـ ــا تعـ ــي‬
‫قولها ‪7‬‬

‫* صـ ـ ــدقني يـ ـ ــا صـ ـ ــالح عنـ ـ ــدما أجبرونـ ـ ــي أىلـ ـ ــي عل ـ ـ ـ القبـ ـ ــول‬
‫ب ــك‪ ،‬ق ــد ق ــررت أن أص ــارحك كم ــا فعلـ ـ الي ــوم ولكن ــي كنـ ـ‬
‫خائف ـ ــة أن تك ـ ــون رج ـ ــل يس ـ ــتطيع أن يجـ ـ ـ بني إلي ـ ــو‪ ،‬ويجعلن ـ ــي‬
‫أحبـ ــو‪ ،‬لك ـ ــن الحم ـ ــد هلل كنـ ـ ـ رجـ ـ ـالً يمك ـ ــن نس ـ ــيانو بس ـ ــهولو‪،‬‬
‫أكث ـ ــر ش ـ ــيء أدىش ـ ــني ى ـ ــو أن ـ ــي ألمحـ ـ ـ ل ـ ــك بك ـ ــل الوس ـ ــائل‬
‫والط ـ ــرق أن ـ ــي بعيـ ـ ــدة عن ـ ــك ولكن ـ ــك لـ ـ ــم تش ـ ــعر بـ ـ ـ لك عل ـ ـ ـ‬
‫اإلطالق ‪...‬‬

‫وخلعـ ـ ـ خ ـ ــاتم ال طوب ـ ــة ووض ـ ــعتو علـ ـ ـ المكت ـ ــب وغ ـ ــادرت‪،‬‬
‫رغمـ ــا عنـ ــو لضـ ــيق‬
‫نظـ ــر إليهـ ــا عـ ــدنان ال ـ ـ ي سـ ــمع كـ ــل كلمـ ــة ً‬
‫المكـ ـ ـ ــان‪ ،‬ورغـ ـ ـ ــم أن عـ ـ ـ ــدنان ال ـ ـ ـ ـ ي يعـ ـ ـ ــر العيـ ـ ـ ــب الكبيـ ـ ـ ــر‬

‫‪56‬‬
‫لصـ ـ ـ ــديقو‪ ،‬بأنـ ـ ـ ــو ال يشـ ـ ـ ــعر دون وعـ ـ ـ ــي بمشـ ـ ـ ــاعر العظمـ ـ ـ ــة إال‬
‫ض ـ ــا أن ص ـ ــديقو رج ـ ــل ص ـ ــال ومت ـ ــدين‬
‫بنفس ـ ــو إال أن ـ ــو يعل ـ ــم أي ً‬
‫حقيقـ ـ ــة‪ ،‬وىـ ـ ــو اآلن يحتـ ـ ــرق ومـ ـ ــا حـ ـ ــدث معـ ـ ــو فـ ـ ــوق طاقتـ ـ ــو‪،‬‬
‫وأثقـ ـ ـ ــل مـ ـ ـ ــن تحملـ ـ ـ ــو‪ ،‬غـ ـ ـ ــادر عـ ـ ـ ــدنان إل ـ ـ ـ ـ بيتـ ـ ـ ــو دون رؤيـ ـ ـ ــة‬
‫المهن ـ ــدس وى ـ ــو يش ـ ــعر بعظ ـ ــم مص ـ ــاب ص ـ ــديقو‪ ،‬لق ـ ــد ضـ ـ ـربتو‬
‫ى ـ ـ ه الفتـ ــاة بمقتلـ ــو بمشـ ــاعر العظمـ ــة ل اتـ ــو وقدراتـ ــو ومسـ ــتقبلو‬
‫وطموحاتو‪...‬‬

‫ض ــا رؤي ــة‬


‫مضـ ـ المهن ــدس إلـ ـ بيت ــو ول ــم ي ــرج من ــو إطالقًــا راف ً‬
‫أحـ ــد‪ ،‬وبعـ ــد أسـ ــبوعين دخـ ــل عـ ــدنان عل ـ ـ صـ ــديقو المتماسـ ــك‬
‫رغـ ـ ــم جراحـ ـ ــو وكسـ ـ ــور خـ ـ ــاطره‪ ،‬وتحـ ـ ــدث عـ ـ ــدنان وصـ ـ ــديقو ال‬
‫يـ ــتكلم‪ ،‬وخـ ــتم عـ ــدنان زيارتـ ــو بوضـ ــع ف ـ ـيلم وثـ ــائقي عـ ــن الكـ ــون‬
‫فـ ـ ـ ــي جهـ ـ ـ ــاز الحاسـ ـ ـ ــوب وغـ ـ ـ ــادر‪ ،‬وأخ ـ ـ ـ ـ المهنـ ـ ـ ــدس يشـ ـ ـ ــاىد‬
‫الكـ ــون العظـ ــيم فـ ــي لحظـ ــة فارقـ ــة مـ ــن حياتـ ــو وعواطفـ ــو‪ ،‬وبقـ ــي‬
‫يش ـ ــاىد وقلب ـ ــو يش ـ ــعر ألول م ـ ــرة ف ـ ــي حيات ـ ــو بمش ـ ــاعر العظم ـ ــة‬

‫‪57‬‬
‫لشـ ــيء غي ـ ــر ذات ـ ــو‪ ،‬إنهـ ــا مش ـ ــاعر العظم ـ ــة هلل عـ ــز وج ـ ــل وخ ـ ــتم‬
‫الف ـ ـ ـيلم بأيـ ـ ــات كريمـ ـ ــة ابتـ ـ ــدأت بآيـ ـ ــة الكرسـ ـ ــي ولمـ ـ ــا وصـ ـ ــل‬
‫مسـ ـ ــامعو قـ ـ ــول اهلل تعـ ـ ــال (وسـ ـ ــع كرسـ ـ ــيو السـ ـ ــموات واألرض)‬
‫بصـ ــغر ذاتـ ــو ألول مـ ــرة فـ ــي حياتـ ــو‪ ،‬وأخ ـ ـ يسـ ــتمع إل ـ ـ‬ ‫أح ـ ـ‬
‫األي ـ ـ ـ ـ ــات ومش ـ ـ ـ ـ ــاعر العظم ـ ـ ـ ـ ــة تج ـ ـ ـ ـ ــاه اهلل تكب ـ ـ ـ ـ ــر‪ ،‬ومش ـ ـ ـ ـ ــاعر‬
‫اإلحساس بصغر ذاتو وعجزه تتوالد‪...‬‬

‫س ـ ْـب َحا َن‬


‫ـول لَ ــوُ ُك ـ ْـن فَـيَ ُك ــو ُن فَ ُ‬ ‫( إِن َم ــا أ َْم ـ ُـرهُ إِذَا أ ََر َ‬
‫اد َش ـ ْـيئاً أَ ْن يَـ ُق ـ َ‬
‫وت ُكل َش ْي ٍء َوإِلَْي ِو تُـ ْر َجعُو َن )‬ ‫ال ِ ي بِيَ ِدهِ َملَ ُك ُ‬

‫ْجـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـالل‬ ‫( ُكـ ـ ـ ــل مـ ـ ـ ــن َعلَْيـهـ ـ ـ ــا فَـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـك ذُو ال َ‬
‫ـان َويَـ ْبـ َق ـ ـ ـ ـ َو ْجـ ـ ـ ــوُ َربـ ـ ـ ـ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫َوا ِإل ْك َرام)‬

‫( َوا ْعلَ ُموا أَن ُك ْم غَْيـ ُر ُم ْع ِج ِزي الل ِو)‬


‫‪58‬‬
‫( لَْي َك ِمثْلِ ِو َشيء و ُىو الس ِميع الب ِ‬
‫ص ُير)‬ ‫ُ َ‬ ‫ٌْ َ َ‬ ‫َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫س ـ ــب ُحو َن‬ ‫ات يَـتَـ َفط ـ ـ ْـر َن م ـ ـ ْـن فَـ ـ ـ ْـوق ِهن َوال َْمالئ َكـ ـ ـةُ يُ َ‬ ‫ـاد الس ـ ـ َـم َو ُ‬ ‫(تَ َك ـ ـ ُ‬
‫ض أَال إِن اللـ ـ ــوَ ُىـ ـ ـ َـو‬ ‫بِ َح ْمـ ـ ـ ِـد َرب ِهـ ـ ـ ْـم َويَ ْس ـ ـ ـتَـغْ ِف ُرو َن لِ َمـ ـ ـ ْـن فِـ ـ ــي األ َْر ِ‬
‫يم)‬ ‫ِ‬
‫ور الرح ُ‬ ‫الْغَ ُف ُ‬

‫عن ــد ىـ ـ ه األيـ ــة بكـ ـ مـ ــن إحساس ــو بعظم ــة اهلل‪ ،‬ى ـ ـ ا م ــا قالـ ــو‬
‫لعدنان فيما بعد ‪...‬‬

‫* بكي ـ ـ إحساسـ ــا بعظمـ ــة اهلل‪ ...‬وىـ ــي ألول مـ ــرة فـ ــي حيـ ــاتي‬
‫أشـ ـ ــعر أن ال حـ ـ ــدود لعظمـ ـ ــة اهلل‪ ...‬لقـ ـ ــد كن ـ ـ ـ أؤمـ ـ ــن ب ـ ـ ـ لك‬
‫ولكن ــي ل ــم أك ــن أش ــعر بالح ــد األدنـ ـ من ــو‪ ...،‬ش ــعرت ب ــأن اهلل‬
‫كبيـ ــر بـ ــال إنتهـ ــاء‪ ،‬وأن غيـ ــره جـ ــل جاللـ ــو صـ ــغير وشـ ــعرت بـ ــأن‬
‫اهلل ال يمكـ ـ ــن مقاومتـ ـ ــو‪ ،‬لقـ ـ ــد أحسس ـ ـ ـ بكـ ـ ــل عـ ـ ــواطفي أنـ ـ ــي‬
‫عـ ــاجز عجـ ـ ًـزا كـ ــامالً أمـ ــام عظمـ ــة اهلل عل ـ ـ اإلحسـ ــاس بعظمـ ــة‬
‫اهلل‪...‬‬

‫‪59‬‬
‫لقد كرر لعدنان كثيراً قولو‪7‬‬

‫*‪ -‬إن اهلل خلـ ــق للبشـ ــر مشـ ــاعر يحسـ ــون بهـ ــا عظمـ ــة األشـ ــياء‬
‫بعظمـ ــة اهلل تعطيـ ــك قـ ــوة‬ ‫ولكـ ــن تلـ ــك المشـ ــاعر عنـ ــدما تح ـ ـ‬
‫غريب ـ ــة‪ ،‬ووض ـ ــوح بحج ـ ــم األش ـ ــياء ف ـ ــال ت ـ ــرى ش ـ ــيئاً أكب ـ ــر م ـ ــن‬
‫حجمو‪...‬‬

‫ومض ـ ـ األيـ ــام وكبـ ــر معهـ ــا إحسـ ــاس المهنـ ــدس بعظمـ ــة اهلل عـ ــز‬
‫وجل وأصب يررد في خطبو‪7‬‬

‫* إن األم ـ ــة بحاج ـ ــة ماس ـ ــة ليكب ـ ــر إحساس ـ ــها بعظم ـ ــة اهلل حتـ ـ ـ‬
‫ال ته ــزم نفس ــيًا حتـ ـ ال تكب ــر مهاب ــة األع ــداء ف ــي قلبه ــا‪ ،‬حتـ ـ‬
‫تس ــتطيع أن تق ــاوم ق ــوى األع ــداء‪ ،‬إلنه ــا م ــع إحساس ــها بغظم ــة‬
‫اهلل ستشعر بصغر الجبارين‪ ،‬وضعفهم فتسير وتتجاوزىم‪.‬‬

‫كم ىو سالح عظيم اإلحساس بعظمة اهلل !‬

‫*** النهاية ***‬

‫زياد غزال فريحات‬


‫‪60‬‬
61
‫قصة‬

‫أوجاعُ ِ‬
‫سداد الدين‬

‫زياد غزال فريحات‬

‫‪62‬‬
‫كن ـ ـ طالب ـ ـةً فـ ــي الثانويـ ــة العامـ ــة وكن ـ ـ فـ ــي طريقـ ــي لحضـ ــور‬
‫حفلـ ـ ــة فـ ـ ــي بي ـ ـ ـ إحـ ـ ــدى صـ ـ ــديقاتي‪ ،‬ولمـ ـ ــا وصـ ـ ــل المكـ ـ ــان‬
‫طلبـ ـ ـ ـ م ـ ـ ــن س ـ ـ ــائق (التكس ـ ـ ــي) انزال ـ ـ ــي لكن ـ ـ ــو ل ـ ـ ــم يس ـ ـ ــمعني‬
‫فكـ ــررت عليـ ــو الطلـ ــب بصـ ــوت أعل ـ ـ ‪ ،‬فتوقـ ــف عل ـ ـ بعـ ــد مئـ ــة‬
‫متـ ــر مـ ــن البي ـ ـ ‪ ،‬فعنـ ــدما نزل ـ ـ لمح ـ ـ سـ ــه مـ ــن بعيـ ــد تـ ــرن‬
‫ج ـ ــرس البي ـ ـ ـ ‪ ،‬فف ـ ــت البـ ـ ــاب أخـ ـ ــو زميلتن ـ ــا صـ ـ ــاحبة الحفلـ ـ ــة‪،‬‬
‫وىـ ــو شـ ــاب يـ ــدرس فـ ــي الجامعـ ــة اسـ ــمو ماجـ ــد‪ ،‬وتحـ ــدث مـ ــع‬
‫سـ ــه قلـ ــيالً ثـ ــم دخل ـ ـ إل ـ ـ البي ـ ـ ‪ ،‬وبقـ ــي ماجـ ــد واق ًفـ ــا أمـ ــام‬
‫البيـ ـ يج ــري مكالمـ ـةً ىاتفي ــة‪ ،‬ولم ــا أص ــبح علـ ـ بع ــد أمت ــار‬
‫م ـ ـ ـ ــن البيـ ـ ـ ـ ـ وص ـ ـ ـ ــل مجموع ـ ـ ـ ــة م ـ ـ ـ ــن زميالت ـ ـ ـ ــي‪ ،‬فأخـ ـ ـ ـ ـ ت‬
‫أص ــافحهن وأن ــا ألمـ ـ بعين ــي الش ــاب وى ــو ي ــدخل إلـ ـ البيـ ـ ‪،‬‬
‫قرعن ــا الج ــرس لك ــن ل ــم يف ــت الب ــاب أح ــد‪ ،‬ث ــم قرعن ــا الج ــرس‬
‫م ـ ــرة أخ ـ ــرى فأط ـ ــل علين ـ ــا الش ـ ــاب م ـ ــن الس ـ ــط ‪ ،‬ول ـ ــم يلمح ـ ــو‬
‫الشـ ــاب‬ ‫سـ ــواي‪ ،‬ثـ ــم قرعنـ ــا الجـ ــرس للمـ ــرة الثالثـ ــة حت ـ ـ فـ ــت‬
‫الب ـ ـ ــاب وم ـ ـ ــا أن ف ـ ـ ــت الب ـ ـ ــاب حتـ ـ ـ ـ س ـ ـ ــمعنا ص ـ ـ ــوت زميلتن ـ ـ ــا‬
‫ص ـ ــاحبة البيـ ـ ـ م ـ ــن ال ل ـ ــف تنادين ـ ــا‪ ،‬وى ـ ــي تحم ـ ــل مجموع ـ ــة‬

‫‪63‬‬
‫كبيـ ــرة مـ ــن األغـ ــراض‪ ،‬وتطلـ ــب منـ ــا أن نسـ ــاعدىا فـ ــي الحمـ ــل‪،‬‬
‫فحملنا معها واعت رت منا قائلة‪7‬‬

‫رغمـ ــا عنـ ــي‪ ،‬المشـ ــكلة أنـ ــو ال وج ـ ـود‬


‫* أنـ ــا أسـ ــفة لقـ ــد تـ ــأخرت ً‬
‫ألح ــد م ــن أىل ــي ف ــي البيـ ـ ‪ ،‬الجمي ــع غ ــادر منـ ـ س ــاعات لك ــي‬
‫نأخ راحتنا‪...‬‬

‫قال لها إحدى الزميالت ‪7‬‬

‫* يوجد أخو ىو من فت لنا الباب !؟‬

‫‪ -‬نعم لقد رأيتو‪ ،‬غريب أنو ما زال في البي !‬

‫وم ـ ــا أن دخلن ـ ــا حتـ ـ ـ تفاج ـ ــأ الجمي ـ ــع باس ـ ــتثنائي بوج ـ ــود س ـ ــه‬
‫في الداخل‪...‬‬

‫ف اطبتها إحدى الزميالت ‪7‬‬

‫* من مت وأن ىنا ؟‬

‫‪ -‬من دقائق فق ‪...‬‬

‫‪64‬‬
‫* دقائق أم ساعات ؟‬

‫وى ـ ــي تقص ـ ــد وجودى ـ ــا م ـ ــع الش ـ ــاب داخ ـ ــل البيـ ـ ـ لوح ـ ــدىما‪،‬‬
‫ملقيـ ـ ـ ــة عليهـ ـ ـ ــا سـ ـ ـ ــيل مـ ـ ـ ــن الشـ ـ ـ ــكو واالتهامـ ـ ـ ــات الجارحـ ـ ـ ــة‬
‫وال ادشـ ــة لشـ ــرفها وعفتهـ ــا‪ ،‬وقف ـ ـ سـ ــه عـ ــاجزة عـ ــن الكـ ــالم‬
‫ـيال م ــن ال ــدمعات‪ ،‬ث ــم غ ــادرت‬
‫وعينيه ــا تتفج ــر قه ـ ًـرا حابس ــة س ـ ً‬
‫الحفلة قبل بدايتها‪...‬‬

‫وف ـ ــي اليـ ـ ــوم التـ ـ ــالي غاب ـ ـ ـ سـ ـ ــه عـ ـ ــن المدرسـ ـ ــة‪ ،‬فتهامس ـ ـ ـ‬
‫بعـ ـ ـ ــض الـ ـ ـ ــزميالت أن سـ ـ ـ ــه عل ـ ـ ـ ـ عالقـ ـ ـ ــة مـ ـ ـ ــع ماجـ ـ ـ ــد‪ ،‬وأن‬
‫العالق ــة وص ــل إلـ ـ ح ــد الن ــوم ف ــي السـ ـرير‪ ،‬واستش ــهدن بي ــوم‬
‫الحفل ــة‪ ،‬وأن ــا أُص ــدق ق ــولهن م ــع أن ــي رأيـ ـ بعن ــي ب ــراءة س ــه‬
‫ورغ ــم أنه ــا كانـ ـ م ــن ص ــديقاتي المقرب ــات إال أنن ــي ل ــم أعل ــن‬
‫براءتها لكل المتهامسات‪...‬‬

‫س ــمع س ــه بك ــالم الفتي ــات؛ لكنه ــا ل ــم تأخـ ـ ه علـ ـ محم ــل‬
‫الج ــد‪ ،‬وف ــي ي ــوم حص ــل س ــوء تف ــاىم بين ــي وب ــين س ــه فقلـ ـ‬
‫لها ونحن لوحدنا ‪7‬‬

‫‪65‬‬
‫* تنامين مع ماجد في السرير ثم تأتيني لتعلميني األدب!!‬

‫‪ -‬أنـ ـ تعلم ــين أن ــي ال يمك ــن أن أفع ــل م ــا ى ــو أق ــل م ــن ذل ــك‬
‫بكثير‪ ...‬أنا لس عل عالقة بأي شاب‪...‬‬

‫* نحن رأينا بأعيننا كل شيء‪...‬‬

‫ف ــي تل ــك اللحظ ــة س ــمع ص ــوت كس ــر عيونه ــا‪ ،‬ورأيته ــا تفق ــد‬
‫إحساسـ ــها ب ـ ــالواقع‪ ،‬تركتن ـ ــي وغ ـ ــادرت‪ ،‬مـ ــع أن ـ ــي أن ـ ــا الش ـ ــاىدة‬
‫الوحيدة عل صدقها وافتراء الفتيات‪...‬‬

‫بعـ ـ ــد الثانويـ ـ ــة العامـ ـ ــة نجح ـ ـ ـ كـ ـ ــل صـ ـ ــديقاتنا ودخـ ـ ــل أغلبنـ ـ ــا‬
‫الجامع ـ ــة األردني ـ ــة بنظ ـ ــام الم ـ ــوازي‪ ،‬أم ـ ــا س ـ ــه فق ـ ــد ق ـ ــررت أن‬
‫ت ـ ـ ـ ىب بعي ـ ـ ـ ًدا إل ـ ـ ـ جامعـ ـ ــة الطفيلـ ـ ــة رغـ ـ ــم أن معـ ـ ــدلها يأىلهـ ـ ــا‬
‫ل ـ ـ ــدخول الجامع ـ ـ ــة األردني ـ ـ ــة بس ـ ـ ــهولة بنظ ـ ـ ــام التن ـ ـ ــاف ‪ ،‬لق ـ ـ ــد‬
‫ىجرتنـ ــا بهـ ــدوء ولـ ــم تـ ــزر واحـ ــدة منـ ــا بعـ ــد يـ ــوم الحفلـ ــة ال ـ ـ ي‬
‫غير الكثير بعالقتها معنا‪...‬‬

‫‪66‬‬
‫أمضـ ـ ــي حيـ ـ ــاتي الجـ ـ ــامع ّي وأنـ ـ ــا فـ ـ ــي غايـ ـ ــة السـ ـ ــرور‪ ،‬وكان ـ ـ ـ‬
‫السـ ــنة الثالثـ ــة قمـ ــة سـ ــعادتي حي ـ ـ تعرف ـ ـ عل ـ ـ شـ ــاب يـ ــدرس‬
‫الماجسـ ــتير اسـ ــمو أحمـ ــد‪ ،‬وتواعـ ــدنا عل ـ ـ الـ ــزواج ولـ ــم يبـ ــق إال‬
‫أن يـ ـ ــأتي بأىلـ ـ ــو لي طبنـ ـ ــي‪ ،‬وبالفعـ ـ ــل تـ ـ ــم تحديـ ـ ــد موعـ ـ ــد بعـ ـ ــد‬
‫ثالث ــة أي ــام م ــن ذل ــك الي ــوم الـ ـ ي س ــددت في ــو رغمـ ـاً عن ــي دي ــن‬
‫س ـ ــه ‪ ،‬فق ـ ــد كنـ ـ ـ أس ـ ــير م ـ ــع خطيب ـ ــي المنتظ ـ ــر حتـ ـ ـ التقين ـ ــا‬
‫الوق ـ ـ زميلـ ــي فـ ــي القسـ ــم‪ ،‬ولـ ــي‬ ‫بصـ ــديق لـ ــو ىـ ــو فـ ــي نف ـ ـ‬
‫بين ــي وبين ــو أي ن ــوع م ــن ك ــالم‪ ،‬وم ــن غي ــر س ــابق إنـ ـ ار ق ــال ل ــي‬
‫وكأنو يعرفني‪7‬‬

‫* ى ـ ـ ا أفضـ ــل لـ ــك مـ ــن الـ ــدكتو عمـ ــر‪ ،‬ولكـ ــن أنـ ــا أنصـ ــحك أن‬
‫تتمسـ ـ ــكي بأحمـ ـ ــد ألن ـ ـ ــو شـ ـ ــاب رائـ ـ ــع‪ ،‬وال تفعل ـ ـ ــي بـ ـ ــو مثلم ـ ـ ــا‬
‫فعل بالدكتور عمر‪...‬‬

‫‪ -‬أن ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ــم أتح ـ ـ ـ ــدث م ـ ـ ـ ــع ال ـ ـ ـ ــدكتور عم ـ ـ ـ ــر إال ف ـ ـ ـ ــي قاع ـ ـ ـ ــة‬
‫المحاضرات !‬

‫‪67‬‬
‫* قاع ـ ـ ــة المحاضـ ـ ـ ـرات‪ ،‬ك ـ ـ ــل الكراس ـ ـ ــي ف ـ ـ ــي مكتب ـ ـ ــو تش ـ ـ ــهد‬
‫خصوصـ ــا بعـ ــد إغـ ــالق البـ ــاب بالمفتـ ــاح‪ ...‬سـ ــالم يـ ــا يـ ــا‬
‫ً‬ ‫عليـ ــك‬
‫أحمد‪...‬‬

‫قل ألحمد ‪7‬‬

‫* صـ ـ ـ ــديقك ى ـ ـ ـ ـ ا مجنـ ـ ـ ــون‪ ...‬لـ ـ ـ ــوال أنـ ـ ـ ــو صـ ـ ـ ــديقك لض ـ ـ ـ ـربتو‬


‫بالح اء عل وجهو‪...‬‬

‫لك ـ ــن أحم ـ ــد بق ـ ــي ص ـ ــامتًا ! وطل ـ ــب المغ ـ ــادرة بحج ـ ــة أن علي ـ ــو‬
‫موعـ ـ ــد ضـ ـ ــروري‪ ،‬وجـ ـ ــاء اليـ ـ ــوم التـ ـ ــالي‪ ،‬ولـ ـ ــم أر احمـ ـ ــد وكلمـ ـ ــا‬
‫أتص ــل ب ــو اليجي ــب‪ ،‬وج ــاء موع ــد لق ــاء أىل ــو م ــع أىل ــي‪ ،‬وأخـ ـ‬
‫أىلـ ــي يسـ ــتعدون ل ـ ـ لك‪ ،‬وأنـ ــا أحـ ــاول االتصـ ــال بأحمـ ــد ولكـ ــن‬
‫دون ج ـ ــدوى‪ ،‬ف ـ ــأخبرت أىل ـ ــي أن أحم ـ ــد اعتـ ـ ـ ر ع ـ ــن الموع ـ ــد‬
‫بسـ ــبب ظـ ــر خـ ــاص عنـ ــد أىلـ ــو‪ ،‬ولكنـ ــي بقي ـ ـ عل ـ ـ أمـ ــل أن‬
‫يـ ــأتي فـ ــي يـ ــوم الموعـ ــد‪ ،‬وجـ ــاء يـ ــوم الموعـ ــد ولـ ــم يـ ــأت أحمـ ــد‬
‫ودخلـ ـ إل ـ ـ غرفتـ ــي وأن أسـ ــمع ص ــوت تكسـ ــير قلبـ ــي وصـ ــورة‬
‫سـ ــه أمـ ــامي ال تفـ ــارقني‪ ،‬أسـ ــمع صـ ــوت تكسـ ــير عيونهـ ــا‪ ،‬وأنـ ــا‬

‫‪68‬‬
‫محطمـ ــة أسـ ــدد دينهـ ــا أضـ ــعا مضـ ــاعفة‪ ،‬ومن ـ ـ ذلـ ــك‬ ‫أجل ـ ـ‬
‫الح ـ ــين انقطعـ ـ ـ عالقت ـ ــي بأحم ـ ــد‪ ،‬ك ـ ــان يران ـ ــي ف ـ ــي الجامع ـ ــة‬
‫ويمش ـ ــي كأن ـ ــو ال يعرفن ـ ــي‪ ،‬وت رجـ ـ ـ م ـ ــن الجامع ـ ــة مكسـ ـ ــورة‬
‫القلب وال اطر‪...‬‬

‫بعـ ـ ــد ثـ ـ ــالث س ـ ـ ــنوات مـ ـ ــن ت رج ـ ـ ــي‪ ،‬وأنـ ـ ــا راكبـ ـ ـ ـة فـ ـ ــي ب ـ ـ ــاص‬
‫المدرس ــة الت ــي أعم ــل به ــا س ــمع م ــن المـ ـ ياع ح ــدي رس ــول‬
‫اهلل صل اهلل عليو وسلم‪7‬‬

‫(ال يرم ـ ــي رج ـ ــل رجـ ـ ـالً بالفس ـ ــوق وال يرمي ـ ــو ب ـ ــالكفر إال ارت ـ ــدت‬
‫عليـ ـ ــو م ـ ـ ــا ل ـ ـ ــم يكـ ـ ــن ص ـ ـ ــاحبو كـ ـ ـ ـ لك)‪ ،‬لقـ ـ ــد قص ـ ـ ــمني ىـ ـ ـ ـ ا‬
‫الحـ ـ ــدي ونش ـ ـ ـرني نصـ ـ ــفين وبقي ـ ـ ـ أسـ ـ ــمعو‪ ،‬وصـ ـ ــورة سـ ـ ــه‬
‫وى ــي تتكس ــر عيونه ــا ماثل ــة أم ــامي‪ ،‬وعن ــدما يت ــردد قول ــو ص ــل‬
‫اهلل علي ـ ــو وس ـ ــلم (إال ارت ـ ــدت علي ـ ــو) أرى ص ـ ــورتي وأن ـ ــا أبك ـ ــي‬
‫فـ ـ ــي غرفتـ ـ ــي‪ ،‬فـ ـ ــي يـ ـ ــوم موعـ ـ ــد خطبتـ ـ ــي مـ ـ ــن أحمـ ـ ــد‪ ،‬وصـ ـ ــوت‬
‫يفجر أذاني‪...‬‬
‫تمزق قلبي يكاد ّ‬

‫‪69‬‬
‫إنهـ ــا سـ ــنة اهلل فـ ــي الحيـ ــاة إذن‪ ،‬فاالتهـ ــام بالباطـ ــل ديـ ــن سـ ــو‬
‫يدفعـ ـ ـ ــو المفتـ ـ ـ ــري أضـ ـ ـ ــعافًا مضـ ـ ـ ــاعفة‪ ،‬فـ ـ ـ ــي تلـ ـ ـ ــك اللحظـ ـ ـ ــات‬
‫أحسسـ ـ ـ بحاج ـ ــة إلـ ـ ـ أن أن ـ ــاجي اهلل‪ ،‬وى ـ ــي الم ـ ــرة الوحي ـ ــدة‬
‫به ـ ــا ىـ ـ ـ ا اإلحس ـ ــاس‪ ،‬لق ـ ــد ناجيـ ـ ـ اهلل وعاىدت ـ ــو‬ ‫الت ـ ــي أحـ ـ ـ‬
‫أن ال أتهم بالباطل أي ش ص مهما كان الظرو ‪...‬‬

‫بعـ ــد ذلـ ــك اليـ ــوم بسـ ــنتين تزوج ـ ـ مـ ــن رجـ ـ ٍـل ىـ ــو فـ ــي الحقيقـ ــة‬
‫أفض ـ ــل بكثي ـ ــر م ـ ــن أحم ـ ــد‪ ،‬وم ـ ــع أن ـ ــي أمض ـ ــي س ـ ــنوات م ـ ــن‬
‫زواج ــي باس ــتقرار‪ ،‬لك ــن م ــا زلـ ـ أخ ــا أن يس ــمع زوج ــي بم ــا‬
‫افتـ ـ ـ ـراه عل ـ ـ ــي ص ـ ـ ــديق أحم ـ ـ ــد‪ ،‬يب ـ ـ ــدو أن دي ـ ـ ــن س ـ ـ ــه ضـ ـ ـ ـ م‬
‫جداً‪...‬‬

‫*** النهاية ***‬

‫زياد غزال فريحات‬

‫‪70‬‬
71
‫قصة‬

‫حبال المشانق المنسوجة من الحسد‬

‫زياد غزال فريحات‬

‫‪72‬‬
‫ف ـ ــي ليل ـ ــة م ـ ــاطرة واألب ن ـ ــائم ف ـ ــي بيـ ـ ـ ابن ـ ــو ص ـ ــاحب الثالث ـ ــة‬
‫أوالد‪ ،‬اس ـ ــتيق األب ـ ــن م نوقُـ ــا ث ـ ــم خ ـ ــرج م ـ ــن الغرف ـ ــة مح ـ ــاوالً‬
‫التـ ــنف ‪ ،‬ولكـ ــن دون جـ ــدوى ف ـ ـ ىب عل ـ ـ غرفـ ــة أبيـ ــو وزوجتـ ــو‬
‫وراءه تبك ـ ــي اس ـ ــتيق األب مفزوعُ ـ ــا فه ـ ــي أول م ـ ــرة ي ـ ــرى ابن ـ ــو‬
‫بهـ ـ ـ ه الح ـ ــال‪ ،‬لك ـ ــن االب ـ ــن ت ـ ــر أب ـ ــاه وذى ـ ــب وأيقـ ـ ـ األوالد‪،‬‬
‫فاسـ ـ ـ ــتيقظوا مفـ ـ ـ ــزوعين‪ ،‬فهرع ـ ـ ـ ـ الزوجـ ـ ـ ــة إل ـ ـ ـ ـ األب ترجـ ـ ـ ــوه‬
‫باستدعاء الدفاع المدني لكن األب قال بثقة ‪7‬‬

‫* اتركيـ ـ ــو‪ ...‬أقـ ـ ــل مـ ـ ــن دقيقـ ـ ــة وسـ ـ ــيهدأ لوحـ ـ ــده ويرجـ ـ ــع كمـ ـ ــا‬
‫كان‪...‬مسكين يا ىشام ‪...‬مسكين‬

‫وبالفعـ ـ ــل بعـ ـ ــد أقـ ـ ــل مـ ـ ــن دقيقـ ـ ــة ىـ ـ ــدأ ىشـ ـ ــام وزوجتـ ـ ــو وأوالده‬
‫حول ـ ــو يبك ـ ــون ب ـ ــو واض ـ ــطراب‪ ،‬طل ـ ــب األب أن يبقـ ـ ـ م ـ ــع‬
‫ابنو لوحدىما وخاطب الزوجة ‪7‬‬

‫* أن ـ ـ ـ ـ ـ ــا أوك ـ ـ ـ ـ ـ ــد ل ـ ـ ـ ـ ـ ــك أن الموض ـ ـ ـ ـ ـ ــوع ق ـ ـ ـ ـ ـ ــد انتهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ىـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ه‬


‫الليلة‪...‬إذىبي‪...‬أنا وىو في حاجة لنكون معاً لوحدنا‪...‬‬

‫‪73‬‬
‫ذىبـ ـ ـ الزوج ـ ــة وتظ ـ ــاىرت ب ـ ــالنوم ف ـ ــي غرف ـ ــة األبن ـ ــاء‪ ،‬ذى ـ ــب‬
‫األب م ـ ــع ابن ـ ــو إلـ ـ ـ غرف ـ ــة بعي ـ ــدة ع ـ ــن غرف ـ ــة األبن ـ ــاء حتـ ـ ـ ال‬
‫تسمع الزوجة كالمهما قال األب البنو ‪7‬‬

‫* أري ـ ــد أن تس ـ ــمعني فقـ ـ ـ وبع ـ ــدىا افع ـ ــل م ـ ــا تـ ـ ـراه مناس ـ ــباً‪...‬‬
‫وأنـ ــا فـ ــي سـ ــنك تقريب ـ ـاً كـ ــان يحـ ــدث معـ ــي مـ ــا يحـ ــدث معـ ــك‬
‫اآلن‪ ،‬ومـ ــا يحـ ــدث مـ ــع زوجتـ ــك كـ ــان يحـ ــدث مـ ــع أمـ ــك ومـ ــا‬
‫يح ــدث م ــع أبنائ ــك ك ــان يح ــدث م ــع إخوان ــك الكب ــار‪ ،‬وكنـ ـ‬
‫أن يا ىشام ابن ثالث سنوات ال تت كر تلك الليالي‪...‬‬

‫إن السـ ـ ــبب فـ ـ ــي مـ ـ ــا كـ ـ ــان يحـ ـ ــدث معـ ـ ــي ىـ ـ ــو الحسـ ـ ــد‪ ،‬لقـ ـ ــد‬
‫ـودا‪ ،‬لقـ ــد كـ ــان ىنـ ــا أش ـ ـ اص‬
‫صـ ــا حسـ ـ ً‬
‫خلق ـ ـ بطبيعتـ ــي ش ً‬
‫يسـ ــتفزني مجـ ــرد رؤيـ ــة النعمـ ــة علـ ــيهم‪ ،‬ىـ ــم بعـ ــض معـ ــارفي مـ ــن‬
‫ناجحـ ـ ــا‪ ،‬لكـ ـ ــن عنـ ـ ــدما ازداد‬
‫األطبـ ـ ــاء مـ ـ ــع أنـ ـ ــي كن ـ ـ ـ طبيبًـ ـ ــا ً‬
‫ش ـ ـ ـ ــعوري أن ى ـ ـ ـ ــؤالء األطب ـ ـ ـ ــاء يتع ـ ـ ـ ــالون عل ـ ـ ـ ــي وأن ـ ـ ـ ــا مض ـ ـ ـ ــطر‬
‫لمج ـ ـ ــاورتهم وم ـ ـ ــالطتهم‪ ،‬ك ـ ـ ــان يح ـ ـ ــدث مع ـ ـ ــي بالض ـ ـ ــب م ـ ـ ــا‬
‫ح ـ ــدث مع ـ ــك الليل ـ ــة‪ ،‬ولك ـ ــن م ـ ــن لط ـ ــف اهلل ب ـ ــي أن ـ ــي كنـ ـ ـ‬

‫‪74‬‬
‫أعـ ـ ــر دائـ ـ ــي‪ ،‬فقـ ـ ــررت أن أعـ ـ ــال نفسـ ـ ــي‪ ،‬أكثـ ـ ــر مـ ـ ــا دفعنـ ـ ــي‬
‫الـ ــت لص م ـ ــن حـ ــاالت اإلختن ـ ــاق‪ ،‬بـ ــل ألج ـ ــل أن‬ ‫ل ـ ـ لك ل ـ ــي‬
‫المش ـ ــهد الـ ـ ـ ي رأيت ـ ــو م ـ ــع‬ ‫ال أرا وأمـ ــك وأخوت ـ ــك ف ـ ــي نفـ ـ ـ‬
‫زوجتـ ـ ــك وأوالد الليلـ ـ ــة‪ ،‬فهـ ـ ــداني اهلل بعـ ـ ــد ق ـ ـ ـراءة لمجموعـ ـ ــة‬
‫مـ ــن أحادي ـ ـ رسـ ــول اهلل صـ ــل اهلل عليـ ــو وسـ ــلم أن ال ـ ـ ي يـ ــرد‬
‫الحسد ىو الدعاء بالبركة لصاحب النعمة‪...‬‬

‫لكـ ـ ــن المشـ ـ ــكلة أنـ ـ ــي لـ ـ ــم أسـ ـ ــتطع أن أدعـ ـ ــو بالبركـ ـ ــة لهـ ـ ــوالء‬
‫األطبـ ـ ـ ــاء‪ ،‬أو حت ـ ـ ـ ـ ألي ش ـ ـ ـ ـ ص أخش ـ ـ ـ ـ بسـ ـ ـ ــبب نعمتـ ـ ـ ــو أن‬
‫يتع ـ ــال عل ـ ــي‪ ،‬وب ـ ــدأت أفك ـ ــر بطريق ـ ــة تجعلن ـ ــي أمتل ـ ــك الق ـ ــدرة‬
‫علـ ـ ـ ـ ـ ال ـ ـ ـ ــدعاء له ـ ـ ـ ــؤالء بالبرك ـ ـ ـ ــة‪ ،‬فه ـ ـ ـ ــداني اهلل ب ـ ـ ـ ــأن أدع ـ ـ ـ ــو‬
‫ألشـ ـ ـ ـ اص ال اع ـ ـ ــرفهم عن ـ ـ ــدما أرى نعم ـ ـ ــة ظ ـ ـ ــاىرة له ـ ـ ــم‪ ،‬ث ـ ـ ــم‬
‫أدع ـ ــو ألشـ ـ ـ اص أع ـ ــرفهم ولك ـ ــن ال تس ـ ــتفزني ال ـ ــنعم الظ ـ ــاىرة‬
‫علـ ــيهم‪ ،‬ثـ ــم بـ ــدأت أدعـ ــو بالبركـ ــة ل ش ـ ـ اص ال ـ ـ ين تسـ ــتفزني‬
‫الـ ــنعم الظـ ــاىرة علـ ــيهم‪ ،‬ثـ ــم بـ ــدأت أق ـ ـرأ فـ ــي الصـ ــباح والمسـ ــاء‬

‫‪75‬‬
‫وعن ــد الن ــوم س ــورة الفل ــق‪ ،‬وعن ــدما أص ــل لقول ــو تع ــال (م ــن ش ــر‬
‫حاس ـ ــد إذا حس ـ ــد) أكررى ـ ــا كثي ـ ـ ًـرا فهـ ـ ـ ه اآلي ـ ــة له ـ ــا أث ـ ــر علـ ـ ـ‬
‫قلب الحاسد عظيم‪ ،‬ومن ذاق عر يا ىشام‪...‬‬

‫ص ــدقني ي ــا ىش ــام ف ــي ب ــدايات ال ــدعاء له ــم كنـ ـ أدع ــو له ــم‬
‫بالبركـ ـ ــة بلسـ ـ ــاني وقلبـ ـ ــي يتمن ـ ـ ـ زوال النعمـ ـ ــة عـ ـ ــنهم‪ ،‬ولكنـ ـ ــي‬
‫عازمـ ـا علـ ـ ال ــت لص م ــن حال ــة اإلختن ــاق ألجل ــك أنـ ـ‬
‫ً‬ ‫كنـ ـ‬
‫وإخوانـ ـ ــك وأمـ ـ ــك‪ ،‬فقـ ـ ــد كن ـ ـ ـ أتع ـ ـ ـ ب وأحتـ ـ ــرق وال أبـ ـ ــالي‪،‬‬
‫لك ـ ـ ــن لمـ ـ ـ ــا وص ـ ـ ــل حبـ ـ ـ ــال مشـ ـ ـ ــانق الحس ـ ـ ــد تلتـ ـ ـ ــف حـ ـ ـ ــول‬
‫أعناقكم بسببي؛ كان ال بد من التحر للعالج ‪...‬‬

‫لقــد بقي ـ يــا ىشــام أكثــر مــن ســنة تقريبًــا أدعــو ل طبــاء ال ـ ي‬
‫تسـ ـ ــتفزني الـ ـ ــنعم علـ ـ ــيهم بالبركـ ـ ــة بلسـ ـ ــاني وقلبـ ـ ــي يتمن ـ ـ ـ زوال‬
‫النعمـ ــة عـ ــنهم‪ ،‬ولكـ ــن بعـ ــد السـ ــنة بـ ــدأت أشـ ــعر أن شـ ــدة تمنـ ــي‬

‫‪76‬‬
‫زوال النعمـ ـ ــة عـ ـ ــنهم ت ـ ـ ــف شـ ـ ــيئاً فشـ ـ ــيئاً مـ ـ ــن قلبـ ـ ــي‪ ،‬ولكـ ـ ــن‬
‫أنـ ــي‬ ‫عنـ ــدما يتعـ ــالون علـ ــي أو أشـ ــعر أنهـ ــم يتعـ ــالون علـ ــي أح ـ ـ‬
‫رجعـ ـ ـ ـ إلـ ـ ـ ـ المرب ـ ـ ــع األول‪ ،‬ولك ـ ـ ــن عن ـ ـ ــدما أتـ ـ ـ ـ كركم أنـ ـ ـ ـ‬
‫وإخوان ـ ــك وأم ـ ــك تبك ـ ــون ح ـ ــولي خ ـ ــائفين‪ ،‬أن ـ ــدفع لالس ـ ــتمرار‬
‫بالمحاول ـ ـ ــة حتـ ـ ـ ـ وص ـ ـ ــل لدرج ـ ـ ــة أن ـ ـ ــي أدع ـ ـ ــو ألي شـ ـ ـ ـ ص‬
‫بالبركـ ــة عنـ ــدما أرى نعمـ ــة عليـ ــو بلسـ ــاني وقلبـ ــي حت ـ ـ األطبـ ــاء‬
‫ال ين كان يستفزني مجرد رؤية النعمة عليهم‪...‬‬

‫ىش ـ ــام الحس ـ ــد ماكن ـ ــة تن ـ ــت اله ـ ــم والح ـ ــزن واالعت ـ ــراض علـ ـ ـ‬
‫أمام ــك إال أن تفع ــل م ــا فعلت ــو ي ــا ىش ــام وم ــن‬ ‫أق ــدار اهلل‪ ،‬ل ــي‬
‫الي ــوم‪ ،‬ال تت ي ــل يـ ــا ىش ــام أثـ ــر الحس ــد عل ـ ـ حيات ــك‪ ...‬عل ـ ـ‬
‫عقلـ ـ ــك عل ـ ـ ـ قلبـ ـ ــك عل ـ ـ ـ بصـ ـ ــر وسـ ـ ــمعك‪ ...‬إنـ ـ ــو كمـ ـ ــرض‬
‫الس ـ ـ ــرطان ي ـ ـ ــا ىش ـ ـ ــام ص ـ ـ ــدقني ب ـ ـ ــل ى ـ ـ ــو أش ـ ـ ــد م ـ ـ ــن م ـ ـ ــرض‬

‫‪77‬‬
‫السـ ـ ـ ــرطان ألن السـ ـ ـ ــرطان يـ ـ ـ ــدمر حياتـ ـ ـ ــك فـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ــدنيا‪ ،‬أمـ ـ ـ ــا‬
‫الحسد ف نو يدمر حياتك في الدنيا وحياتك في االخرة‪...‬‬

‫*** النهاية ***‬

‫زياد غزال فريحات‬

‫‪78‬‬
79
‫قصة‬

‫طلقات االكتئاب التي ال تتوقف‬

‫زياد غزال فريحات‬

‫‪80‬‬
‫انتهـ ـ الحف ــل واس ــتلم ج ــائزتي علـ ـ حفـ ـ ثالث ــة أج ــزاء م ــن‬
‫القـ ــرآن الك ـ ـريم‪ ،‬ورجع ـ ـ إل ـ ـ البي ـ ـ مـ ــع أخـ ــي الكبيـ ــر ىشـ ــام‬
‫ال ي يكبرني بس سنوات‪.‬‬

‫كن ـ ـ فـ ــي غايـ ــة السـ ــرور والفـ ــرح ولمـ ــا وصـ ــلنا البي ـ ـ ىرع ـ ـ‬
‫إلـ ـ ـ ـ أم ـ ـ ــي لت ـ ـ ــرى ج ـ ـ ــائزتي‪ ،‬ولكنه ـ ـ ــا تجهمـ ـ ـ ـ ف ـ ـ ــي وجه ـ ـ ــي‪،‬‬
‫ونهض ـ ـ وأشـ ــارت إل ـ ـ أخـ ــي ىشـ ــام ليلحـ ــق بهـ ــا إل ـ ـ غرفتهـ ــا‪،‬‬
‫ولم ــا دخ ــل ىش ــام أغلقـ ـ الب ــاب بالمفت ــاح المعل ــق دائمـ ـاً ف ــي‬
‫رقبتهـ ــا‪ ،‬وبعـ ــد مـ ــا يقـ ــارب نصـ ــف سـ ــاعة خـ ــرج ىشـ ــام والـ ــدموع‬
‫في عينيو‪.‬‬

‫سألتو بدىشو ‪7‬‬

‫* ماذا قال لك أمي؟‬

‫لماذا أن حزين؟‬

‫لماذا الدموع في عينيك؟‬

‫لماذااااااا أن صام ؟‬
‫‪81‬‬
‫‪ -‬من ال طأ ذىابنا إل الحفل ‪...‬‬

‫* لـ ـ ـ ـماذا؟‬

‫‪ -‬ألني طالب ثانوية عامة‪ ،‬واألول االىتمام بدروسي‪...‬‬

‫وبعــد مــا يق ــارب شــهر مــن ذل ــك جــاء أخــي ص ــبري ابــن الص ــف‬
‫ال ـ ـ ـ ي يصـ ـ ــغرني بسـ ـ ــنة واحـ ـ ــدة إل ـ ـ ـ البي ـ ـ ـ يبكـ ـ ــي‬ ‫ال ـ ـ ــام‬
‫وآثار الضرب الشديد ظاىرة عل وجهو‪.‬‬

‫قال لو ىشام بغضب ‪7‬‬

‫من فعل بك ذلك ؟‬

‫فأخبره عن رجل في الحي لو محل في السوق‬

‫س ـ ــألو ىش ـ ــام ع ـ ــن الس ـ ــبب‪ ،‬ف ـ ــأخبره ص ـ ــبري أن ـ ــو ض ـ ــرب أخ ـ ــاه‬
‫الصف‪...‬‬ ‫الصغير ال ي يدرس معو في نف‬

‫‪82‬‬
‫حمـ ــل ىشـ ــام ماسـ ــورة مـ ــن الحديـ ــد واتجـ ــو نحـ ــو محـ ــل الرجـ ــل‬
‫وأنـ ــا وصـ ــبري نـ ــركض خلفـ ــو ولمـ ــا وصـ ــل‪ ،‬وجـ ــد الرجـ ــل داخـ ــل‬
‫محل ـ ــو‪ ،‬فص ـ ــرخ ىش ـ ــام مناديًـ ــا ل ـ ــو م ـ ــن خ ـ ــارج المح ـ ــل‪ ،‬خ ـ ــرج‬
‫الرج ـ ــل م ـ ــن ب ـ ــاب المح ـ ــل‪ ،‬فس ـ ــألو ىش ـ ــام ع ـ ــن س ـ ــبب ض ـ ــرب‬
‫صبري فأجابو ‪7‬‬

‫* أحبب أن أقوم بتربيتو ألنو لم يجد من يربيو ‪.‬‬

‫أجابو ىشام بغضب وحزم وشجاعة ‪7‬‬

‫* وأنا اآلن سأقوم بتربيتك‪...‬‬

‫قال الرجل باستعالء ‪7‬‬

‫* اذىب يا ولد حت ال أقتلك كما قُتل أبو ‪...‬‬

‫وأخ ىشام بغضب وتحدي يحطم الزجاج ويصرخ ‪7‬‬

‫* ال ت كر والدي يا حقير ‪ ...‬ال ت كر والدي يا ن ل‬

‫‪83‬‬
‫وجـ ــاء أىـ ــل السـ ــوق وأخ ـ ـ وا ىشـ ــام إل ـ ـ البي ـ ـ ‪ ،‬والرجـ ــل لـ ــم‬
‫يفعل شيئًا رغم أن ىشام قد حطم زجاج محلو‪...‬‬

‫في الليل بعد أن نام أمي في غرفتها سأل ىشام ‪7‬‬

‫* ىل أبي مات مقتوالً‪ ...‬ومن قتلو ؟‬

‫‪ -‬أب ـ ــو م ـ ــات ف ـ ــي ح ـ ــادث س ـ ــير ‪...‬دع ـ ــك م ـ ــن ك ـ ــالم ذل ـ ــك‬
‫الوس ‪...‬‬

‫نمـ ـ ب ــالقرب م ــن ىش ــام وأن ــا أش ــعر باألم ــان‪ ،‬فهش ــام بالنس ــبة‬
‫لن ــا أن ــا وص ــبري؛ الق ــوة الت ــي نلج ــأ إليه ــا عن ــدما يته ــددنا ال ط ــر‬
‫ىـ ــو مصـ ــدر األمـ ــان والطمأنينـ ــة لنـ ــا‪ ،‬ىـ ــو القـ ــدوة التـ ــي نتشـ ــرب‬
‫منها بوعي ودون وعي‪...‬‬

‫نج ـ ـ أخـ ــي ىشـ ــام فـ ــي الثانويـ ــة العامـ ــة‪ ،‬وحصـ ــل عل ـ ـ عالمـ ــة‬
‫مرتفعـ ــة تأىلـ ــو لـ ــدخول كليـ ــة الهندسـ ــة‪ ،‬وجـ ــاء صـ ــديق لـ ــو إل ـ ـ‬
‫البيـ ـ ـ وأقسـ ـ ــم أن يقـ ـ ــيم حفلـ ـ ــة ف ـ ــي المسـ ـ ــاء بمناسـ ـ ــبة نجـ ـ ــاح‬
‫‪84‬‬
‫ىش ـ ــام ولم ـ ــا غ ـ ــادر ص ـ ــديق أخ ـ ــي‪ ،‬أش ـ ــارت أم ـ ــي إلـ ـ ـ ىش ـ ــام‬
‫ليتبعهـ ـ ــا إل ـ ـ ـ غرفته ـ ـ ــا‪ ،‬ومـ ـ ــا أن دخـ ـ ــل حتـ ـ ـ ـ أغلق ـ ـ ـ الب ـ ـ ــاب‬
‫بالمفتـ ــاح‪ ،‬وبعـ ــد مـ ــا يقـ ــارب نصـ ــف سـ ــاعة خـ ــرج أخـ ــي الكبيـ ــر‬
‫والدموع في عينيو‪ ،‬وقال بحزن مكبوت ‪7‬‬

‫* ال داعـ ــي لالحتفـ ــال‪ ...‬إنـ ــو مجـ ــرد نجـ ــاح فـ ــي الثانويـ ــة‪ ...‬إن‬
‫أمي يزعجها الصوت العالي‪ ...‬إنها تكره الص ب‪...‬‬

‫سألتو وكلي دىشة وحيرة ‪7‬‬

‫* لماذا أن حزين ؟‬

‫لماذا الدموع في عينيك؟‬

‫لماذا يحدث ى ا في أفراحنا بال ات ؟‬

‫ما ال ي ت فيو عنا أن وأمي أرجوووووووو أخبرني ؟‬

‫‪ -‬ال شـ ــيء‪ ...‬ال تتع ـ ــب عقل ـ ــك‪...‬ك ـ ــل مـ ــا ف ـ ــي األم ـ ــر أن ـ ــي ال‬
‫أريد أن أزع أمك‪...‬‬

‫‪85‬‬
‫لـ ــم يـ ــدخل ىشـ ــام الجامعـ ــة باختيـ ــاره‪ ،‬وعنـ ــدما أسـ ــالو لمـ ــاذا ال‬
‫الجملة ‪7‬‬ ‫تدخل الجامعة ؟ يقول لي نف‬

‫* سيأتي يوم وأخبر ‪...‬‬

‫والغريـ ـ ـ ــب أن أمـ ـ ـ ــي عنـ ـ ـ ــدما تسـ ـ ـ ــمعني أحـ ـ ـ ــاول إقنـ ـ ـ ــاع ىشـ ـ ـ ــام‬
‫بدخول الجامعة تصرخ في وجهي ‪7‬‬

‫* ال أريـ ــد أن يـ ــدخل ىشـ ــام الجامعـ ــة‪ ...‬ىشـ ــام ال يحتـ ــاج إل ـ ـ‬
‫الجامعة‪...‬‬

‫عمـ ــل ىشـ ــام فـ ــي شـ ــركة مسـ ــاعد منـ ــدوب مبيعـ ــات‪ ،‬وبعـ ــد سـ ــنة‬
‫أص ـ ــب من ـ ــدوب‪ ،‬وبع ـ ــد س ـ ــنتين أص ـ ــب يعم ـ ــل لحس ـ ــابو‪ ،‬وبع ـ ــد‬
‫س ـ ــنوات م ـ ــن ت ـ ــرج ىش ـ ــام م ـ ــن الثانوي ـ ــة العام ـ ــة‪ ،‬ب ـ ــدأ‬ ‫خمـ ـ ـ‬
‫ىشـ ـ ــام يهمـ ـ ــل عملـ ـ ــو‪ ،‬ويميـ ـ ــل نحـ ـ ــو العزلـ ـ ــة شـ ـ ــيئًا فشـ ـ ــيئًا‪ ،‬وال‬
‫يهـ ــتم بمالبسـ ــو‪ ،‬وقسـ ــمات الحـ ــزن والكآبـ ــة ترتسـ ــم مـ ــع األيـ ــام‬
‫علـ ـ مالمـ ـ وجه ــو‪ ،‬وأخـ ـ يش ــكو م ــن العج ــز‪ ،‬وض ــيق الص ــدر‬
‫كل جسده‪...‬‬ ‫ال ي ينه‬

‫‪86‬‬
‫وج ــاء ي ــوم نج ــاحي ف ــي الثانوي ــة العام ــة‪ ،‬وحص ــل علـ ـ عالم ــة‬
‫جي ـ ــدة‪ ،‬وأخب ـ ــرت ىش ـ ــام أن ـ ــي سأحص ـ ــل علـ ـ ـ منح ـ ــة دراس ـ ــية‬
‫كوني أحف القرآن كامالً‪ ،‬وقل برجاء شديد ‪7‬‬

‫* دعـ ـ ـ ــوني أحتفـ ـ ـ ــل به ـ ـ ـ ـ ه المناسـ ـ ـ ــبة‪ ،‬فلـ ـ ـ ــن يلق ـ ـ ـ ـ فيهـ ـ ـ ــا إال‬
‫األناشيد والشعر ؟‬

‫نظ ـ ــرت أم ـ ــي إلـ ـ ـ ىش ـ ــام وأش ـ ــارت إلي ـ ــو ليتبعه ـ ــا‪ ،‬ولم ـ ــا دخ ـ ــل‬
‫أغلقـ ـ ـ الب ـ ــاب بالمفت ـ ــاح‪ ،‬وأخـ ـ ـ ت أس ـ ــترق النظ ـ ــر م ـ ــن ثق ـ ــب‬
‫كيس ــا ث ــم ت ــرج م ــن‬
‫الب ــاب‪ ،‬فرأيـ ـ أم ــي ت ــرج م ــن خزانته ــا ً‬
‫بدل ـ ـ ــة مض ـ ـ ــم ة بال ـ ـ ــدماء‪ ،‬وقم ـ ـ ــيص مص ـ ـ ــبو‬ ‫داخ ـ ـ ــل الك ـ ـ ــي‬
‫بالـ ــدماء الحمـ ــراء العتيقـ ــة‪ ،‬ولمـ ــا خـ ــرج ىشـ ــام كعادتـ ــو الـ ــدموع‬
‫محشـ ــورة فـ ــي عينيـ ــو‪ ،‬مسـ ــك بقميصـ ــو وسـ ــألتو بصـ ــوت عـ ـ ٍ‬
‫ـال‬
‫يقطر حزناً وخوفاً ‪7‬‬

‫* لم ـ ــن ىـ ـ ـ ه الثي ـ ــاب‪ ...‬ىـ ـ ـ ه ثي ـ ــاب أب ـ ــي المقت ـ ــول ‪...‬لم ـ ــاذا‬
‫تحتفظان بها‪ ...‬أخبرني أرجو لماذا قتل أبي‪ ،‬ومن قتلو ؟‬

‫‪87‬‬
‫انه ـ ــار ىش ـ ــام وأخـ ـ ـ يبك ـ ــي دون توق ـ ــف وى ـ ــي الم ـ ــرة الوحي ـ ــدة‬
‫الت ـ ــي أراه يبك ـ ــي فيه ـ ــا ف ـ ــي حي ـ ــاتي‪ ،‬بق ـ ــي يبك ـ ــي ويبكـ ـ ــي دون‬
‫توقـ ــف‪ ،‬ثـ ــم بقـ ــي صـ ــامتًا ال يـ ــتكلم عـ ــدة أيـ ــام‪ ،‬مـ ــا حيرنـ ــي فـ ــي‬
‫بكـ ـ ـ ــاء ىشـ ـ ـ ــام أنـ ـ ـ ــو أشـ ـ ـ ــبو ببكـ ـ ـ ــاء الطفـ ـ ـ ــل الصـ ـ ـ ــغير‪ ،‬ملي ـ ـ ـ ـ‬
‫بالضـ ـ ــعف والهـ ـ ــوان‪ ،‬لقـ ـ ــد أحسس ـ ـ ـ أنـ ـ ــي أقـ ـ ــف أمـ ـ ــام رجـ ـ ــل‬
‫تماما عن أخي ىشام ال ي عرفتو طوال حياتي‪...‬‬
‫ي تلف ً‬

‫بعـ ــد أيـ ــام مـ ــن صـ ــم ىشـ ــام‪ ،‬دخل ـ ـ عليـ ــو فأخ ـ ـ يعبـ ــر عـ ــن‬
‫مشاعره بصوت متكسر ‪7‬‬

‫* أش ـ ـ ــعر بض ـ ـ ــيق ش ـ ـ ــديد‪ ،‬وعج ـ ـ ــز ع ـ ـ ــن العم ـ ـ ــل‪ ،‬أرغ ـ ـ ــب ف ـ ـ ــي‬
‫المـ ـ ـ ــوت‪ ...‬ال بـ ـ ـ ــل أشـ ـ ـ ــتاق إليـ ـ ـ ــو وأقـ ـ ـ ــول لنفسـ ـ ـ ــي ‪ 7‬لـ ـ ـ ــوال أن‬
‫االنتحـ ـ ــار حـ ـ ــرام لفعل ـ ـ ـ ذلـ ـ ــك‪ ،‬ال أريـ ـ ــد أن أخـ ـ ــتل بأحـ ـ ــد‪،‬‬
‫أسـ ــتعرض شـ ــري ذكريـ ــاتي فأنتـ ـ ــقي منهـ ــا مـ ــا ىـ ــو مـ ــؤلم ومهـ ــين‬
‫وأض ـ ــعو أم ـ ــامي وال أس ـ ــتطيع أن أرى غي ـ ــره‪ ،‬أش ـ ــعر أن ـ ــي أس ـ ــق‬
‫فـ ــي بئ ـ ـ ٍر سـ ــحيقة ال قـ ــاع لهـ ــا وال أمـ ــل فـ ــي النجـ ــاة‪ ...‬مسـ ــكين‬

‫‪88‬‬
‫أنـ ـ ــا‪...‬كيـ ـ ــف إلنسـ ـ ــان أن يتحمـ ـ ــل مـ ـ ــا أنـ ـ ــا فيـ ـ ــو األن‪ ،‬اتركينـ ـ ــي‬
‫األن ال أريد أن أكلّم أحد أو أرى أحد‪...‬‬

‫بع ــد أي ــام انتظ ــرت خ ــروج أم ــي م ــن البيـ ـ وذىبـ ـ إلـ ـ غرفته ــا‬
‫وكس ـ ــرت خزانته ـ ــا‪ ،‬وأخرجـ ـ ـ ثي ـ ــاب أب ـ ــي المص ـ ــبوغة بال ـ ــدماء‬
‫ثـ ــم ذىب ـ ـ خـ ــارج البي ـ ـ ومعـ ــي الكـ ــاز‪ ،‬ووقف ـ ـ عل ـ ـ ناف ـ ـ ة‬
‫غرف ــة ىش ــام وناديت ــو فوق ــف علـ ـ النافـ ـ ة‪ ،‬فاش ــعل الن ــار ف ــي‬
‫ثي ــاب أب ــي وىش ــام ص ــام ال يتح ــر ‪ ،‬ولم ــا ل ــم تُب ـ ِـق الن ــار م ــن‬
‫ثياب أبي شيئًا ذىب إل ىشام وقل لو‪7‬‬

‫* لق ــد نظ ــرت طـ ــويالً إلـ ـ ال ــوراء‪ ،‬وجـ ــاء الوقـ ـ الـ ـ ي يجـ ــب‬
‫في ـ ــو أن تنظ ـ ــر إلـ ـ ـ األم ـ ــام‪ ،‬أو أن تح ـ ــاول النظ ـ ــر إلـ ـ ـ األم ـ ــام‬
‫قبل فوات األوان‪ ...‬قال بيأس ‪7‬‬

‫*لقـ ـ ــد فـ ـ ــات األوان‪ ...‬لقـ ـ ــد مات ـ ـ ـ رغبتـ ـ ــي فـ ـ ــي العمـ ـ ــل‪ ...‬ال‬
‫تتعب ـ ـ ـي نفسـ ـ ــك فيمـ ـ ــا ال جـ ـ ــدوى منـ ـ ــو‪ ...‬ثيـ ـ ــاب أبـ ـ ــي قبـ ـ ــل أن‬
‫توقـ ــدي فيهـ ــا النـ ــار‪ ،‬قـ ــد اش ـ ـتعل ْ فـ ــي جسـ ــدي و روحـ ــي من ـ ـ‬
‫سنوات حت تفحم ُ وأصبح خرابًا‪...‬‬

‫‪89‬‬
‫‪ -‬أنـ ـ ـ ـ لسـ ـ ـ ـ خرابًـ ـ ــا‪ ...‬أنـ ـ ـ ـ ىش ـ ـ ــام األخ الكبي ـ ـ ــر الـ ـ ـ ـ ي‬
‫أخفـ ـ س ــر قت ــل أبي ــو ع ــن إخوت ــو حتـ ـ ال يحترق ــوا بن ــار الح ــزن‪،‬‬
‫واحترق لوحده‪ ،‬ألنو كبير‪...‬‬

‫ـادرا علـ ـ ال ــروج‬


‫إن في ــك م ــن المزاي ــا العظيم ــة م ــا يجعل ــك ق ـ ً‬
‫مـ ــن ى ـ ـ ه األزمـ ــة أقـ ــوى ممـ ــا كن ـ ـ ‪ ،‬ىشـ ــام لقـ ــد تعلم ـ ـ مـ ــن‬
‫تجربتي في حف القرآن الطريق لل روج من أزمتك‪...‬‬

‫علم ـ ـ أمـ ــي بمـ ــا فعل ـ ـ فجـ ــن جنونهـ ــا وأخ ـ ـ ت تسـ ــبني حت ـ ـ‬
‫بـ ـ ـ ـ ص ـ ـ ــوتها‪...‬ث ـ ـ ــم أخبرتن ـ ـ ــي قص ـ ـ ــة قت ـ ـ ــل أب ـ ـ ــي‪ ...‬وأن قاتل ـ ـ ــو‬
‫محك ــوم بالس ــجن م ــدة عشـ ـرين س ــنة‪ ،‬وعن ــدما ي ــرج علين ــا أن‬
‫نأخ بثأرنا‪ ،‬قل لها ‪7‬‬

‫* إن قاتـ ــل أبـ ــي أخ ـ ـ جزائـ ــو‪ ،‬ومـ ــاذا سيسـ ــتفيد أبـ ــي مـ ــن وضـ ــع‬
‫أبنائ ــو الثالث ــة فـ ــي الس ــجن عشـ ـرين سـ ــنة أخ ــرى‪ ،‬ىنال ــك شـ ــيء‬
‫أفض ــل م ــن ذل ــك إن أب ــي ق ــد انقط ــع عمل ــو إال م ــن أبنائ ــو فـ ـ ذا‬
‫كن ـ ــا ص ـ ــالحين فس ـ ــنكون ص ـ ــدقة جاري ـ ــة ل ـ ــو‪ ،‬ىـ ـ ـ ا أفض ـ ــل لن ـ ــا‬
‫جميعاً‪...‬‬

‫‪90‬‬
‫وب ــدأنا أنـ ــا وىشـ ــام ال طـ ــوة األولـ ـ إلزالـ ــة حزنـ ــو وكآبتـ ــو‪ ،‬وىـ ــي‬
‫التعـ ـ ــر عل ـ ـ ـ اهلل‪ ،‬وأصـ ـ ــب أخـ ـ ــي ىشـ ـ ــام ىـ ـ ــو قضـ ـ ــيتي فـ ـ ــال‬
‫أفارقـ ـ ــو إال فـ ـ ــي وق ـ ـ ـ دراسـ ـ ــتي فـ ـ ــي كليـ ـ ــة الش ـ ـ ـريعة‪ ،‬وبـ ـ ــدأت‬
‫أحدثو عن اهلل وأقول لو ‪7‬‬

‫* يـ ـ ــا ىشـ ـ ــام كلمـ ـ ــا تعرف ـ ـ ـ عل ـ ـ ـ اهلل أحببتـ ـ ــو أكثـ ـ ــر‪ ،‬وأحدثـ ـ ــو‬
‫كم ـ ــا أخب ـ ــر اهلل ج ـ ــل جالل ـ ــو ع ـ ــن نفس ـ ــو‪ ،‬أق ـ ــول ل ـ ــو مـ ـ ـر ًارا أن‬
‫ـير )‪ ...‬ف ـ ــاهلل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِِ‬
‫يع الْبَص ـ ـ ُ‬‫اهلل‪( ...‬لـ ـ ْـي َ َكمثْل ـ ــو َشـ ـ ْـيءٌ َو ُى ـ ـ َـو السـ ــم ُ‬
‫ال شـ ــبيو لـ ــو ومثيـ ــل ال مـ ــن قريـ ــب وال مـ ــن بعيـ ــد ال فـ ــي الواقـ ــع‬
‫وال ف ـ ـ ـ ــي ال ي ـ ـ ـ ــال‪ ،‬ف ـ ـ ـ ــاهلل ي ـ ـ ـ ــا ىش ـ ـ ـ ــام‪ ( ...‬نُـ ـ ـ ــور الس ـ ـ ـ ــماو ِ‬
‫ات‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬
‫ْخـ ـ ـ ُ هُ ِس ـ ــنَةٌ َوَال نَـ ـ ـ ْـوم)‪...‬‬ ‫َو ْاأل َْر ِ‬
‫ض)‪ ...‬ى ـ ــو ن ـ ــور علـ ـ ـ ن ـ ــور ( َال تَأ ُ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫و ( َوس ـ ـ َـع ُك ْرسـ ـ ــيوُ السـ ـ ـ َـم َاوات َو ْاأل َْرض) وىـ ـ ــو‪َ ( ...‬ولـ ـ ــي ال ـ ـ ـ َ‬
‫ـات إِلَـ ـ الن ــور)‪ ...‬ى ــو الض ــار وى ــو‬ ‫آَمنُ ــوا ي ْ ـ ـ ِرجهم ِم ــن الظلُم ـ ِ‬
‫َ ُ ُُ ْ َ َ‬
‫ـف‬
‫اش ـ َ‬ ‫ض ــر فَ ـ َـال َك ِ‬ ‫ـك الل ــوُ بِ ُ‬‫س ْس ـ َ‬ ‫ِ‬
‫الن ــافع‪ ...‬ي ــا ىش ــام‪َ ( ...‬وإ ْن يَ ْم َ‬
‫ـك بِ َ ْي ـ ـ ٍر فَـ ُهـ ـ َـو َعلَ ـ ـ ُكـ ــل َشـ ـ ْـي ٍء قَـ ـ ِـد ٌير‬
‫س ْسـ ـ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لَـ ــوُ إال ُىـ ـ َـو َوإ ْن يَ ْم َ‬
‫يم الْ َ بِ ُير)‪...‬‬ ‫ادهِ وىو ال ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْحك ُ‬ ‫َو ُى َو الْ َقاى ُر فَـ ْو َق عبَ َ ُ َ َ‬

‫‪91‬‬
‫ِ‬
‫ْح ْسـ ـ ــنَ‬
‫َسـ ـ ـ َـماءُ ال ُ‬ ‫صـ ـ ــوُر لَـ ـ ــوُ ْاأل ْ‬
‫ئ ال ُْم َ‬ ‫( ُىـ ـ ـ َـو اللـ ـ ــوُ الْ َ ـ ـ ــال ُق الْبَـ ـ ــا ِر ُ‬
‫ْح ِكـ ــيم)‬ ‫ض َو ُىـ ـ َـو ال َْع ِزيـ ـ ُـز ال َ‬ ‫ات َو ْاأل َْر ِ‬‫يسـ ــب لَـ ــوُ مـ ــا فِـ ــي السـ ــماو ِ‬
‫ََ‬ ‫َُ ُ َ‬
‫ـك ذُو‬ ‫ىـ ــو الب ـ ــاقي‪( ...‬ك ـ ــل م ـ ــن َعلَْيـهـ ــا فَـ ـ ٍ‬
‫ـان َويَـ ْبـ َقـ ـ ـ َو ْج ـ ــوُ َرب ـ ـ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫اإل ْك ـ ـ َـرام) رغ ـ ــم أن ـ ــو خ ـ ــالق ك ـ ــل ش ـ ــيء فق ـ ــد كت ـ ــب‬ ‫ْج ـ ـ َـال ِل َو ِْ‬‫ال َ‬
‫ض‬‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫عل ـ ـ نفسـ ــو الرحمـ ــة‪( ...‬قُـ ــل لِمـ ــن مـ ــا فِـ ــي السـ ــماو ِ‬
‫ََ‬ ‫ْ َ َْ‬
‫ـب َعلَـ ـ ـ نَـ ْف ِس ـ ـ ِـو الر ْح َم ـ ــة) بي ـ ــده وح ـ ــده ال ي ـ ــر‪...‬‬ ‫قُـ ـ ِ ِ‬
‫ـل لل ـ ــو َكتَ ـ ـ َ‬ ‫ْ‬
‫ـك تُـ ـ ـ ْـؤتِي ال ُْم ْل ـ ـ َ‬
‫ـك الْم ْل ـ ـ ِ‬ ‫ِ‬
‫ش ـ ــاءُ َوتَـ ْنـ ـ ـزِعُ‬
‫ـك َم ـ ـ ْـن تَ َ‬ ‫(قُـ ـ ِـل الل ُه ـ ــم َمال ـ ـ َ ُ‬
‫شـ ــاءُ بِيَـ ـ ِـد َ‬
‫شـ ــاءُ َوتُـ ـ ِ ل َمـ ـ ْـن تَ َ‬ ‫ـك ِممـ ـ ْـن تَ َ‬
‫شـ ــاءُ َوتُِعـ ــز َمـ ـ ْـن تَ َ‬ ‫ال ُْم ْلـ ـ َ‬
‫ـك َعلَ ـ ـ ُكـ ــل َشـ ـ ْـي ٍء قَـ ـ ِـد ٌير )‪ ...‬ىـ ــو صـ ــاحب القـ ــوة‬ ‫الْ َ ْي ـ ـ ُـر إِنـ ـ َ‬
‫بـ ــال حـ ــدود وصـ ــاحب القـ ــوة بـ ــال انتهـ ــاء‪( ...‬إِن َمـ ــا أ َْمـ ـ ُـرهُ إِذَا أ ََر َ‬
‫اد‬
‫َش ْيئًا أَ ْن يَـ ُق َ‬
‫ول لَوُ ُك ْن فَـيَ ُكو ُن)‪...‬‬

‫ف ــي تل ــك األثن ــاء ب ــدأت الث ــورة الس ــورية المبارك ــة ض ــد الطغ ــاة‪،‬‬
‫فس ــمع م ــن يق ــول أن مص ــلحة المقاوم ــة مقدم ــة علـ ـ الحري ــة‬
‫والكرامـ ـ ــة‪ ،‬فـ ـ ــي تلـ ـ ــك اللحظـ ـ ــات تمثـ ـ ــل أخـ ـ ــي ىشـ ـ ــام أمـ ـ ــامي‪،‬‬
‫مـ ـ ــارس المقاومـ ـ ــة ىـ ـ ــو وأمـ ـ ــي بطريقـ ـ ــة تـ ـ ــدمير ال ـ ـ ـ ات‪ ،‬يالي ـ ـ ـ‬

‫‪92‬‬
‫ىـ ــؤالء ذاقـ ــوا ولـ ــو شـ ــيئًا قلـ ــيالً مـ ــن الع ـ ـ اب ال ـ ـ ي ذاقـ ــو أخـ ــي‬
‫ىش ـ ــام ليعلم ـ ــوا أن أس ـ ــاس المقاوم ـ ــة ى ـ ــو بن ـ ــاء الـ ـ ـ ات‪ ،‬وكي ـ ــف‬
‫تبنـ ـ الـ ـ ات م ــن غي ــر حري ــة وكرام ــة‪ ،‬فاالس ــتبداد ي ــدمر الـ ـ ات‬
‫ويجعلك تتعلم كيف تمارس تدمير ذاتك‪...‬‬

‫بقي ـ ـ ـ عل ـ ـ ـ ذلـ ـ ــك الحـ ـ ــال معـ ـ ــو سـ ـ ــتة أشـ ـ ــهر‪ ،‬كن ـ ـ ـ أحدثـ ـ ــو‬
‫كثيـ ـ ًـرا ولكنـ ــي كن ـ ـ أسـ ــمعو أكثـ ــر‪ ،‬تقـ ــدم ىشـ ــام خـ ــالل تلـ ــك‬
‫ض ـ ـا‪ ،‬شـ ــعرت أن كلمـ ــاتي‬
‫الفتـ ــرة ولكنـ ــو كـ ــان يتراجـ ــع بسـ ــرعة أي ً‬
‫عـ ـ ــن اهلل ال تسـ ـ ــتقر فـ ـ ــي عقلـ ـ ــو وقلبـ ـ ــو وكثيـ ـ ـ ًـرا‪ ،‬سـ ـ ــأل نفسـ ـ ــي‬
‫لمـ ـ ــاذا يحـ ـ ــدث ذلـ ـ ــك وىشـ ـ ــام بعيـ ـ ــد عـ ـ ــن المعاصـ ـ ــي‪ ...‬ومـ ـ ــن‬
‫ص ــا أخ ــر‪ ،‬غي ــر ىش ــام الـ ـ ي‬
‫معاشـ ـرتي لهش ــام أظن ــو أص ــب ش ً‬
‫عرفتـ ــو طـ ــوال حيـ ــاتي‪ ،‬قـ ــد أصـ ــبح ىنالـ ــك موانـ ــع تمنعـ ــو مـ ــن‬
‫بانهيـ ـ ـ ــار ذاتـ ـ ـ ــو‪ ،‬يح ـ ـ ـ ـ‬ ‫معرفـ ـ ـ ــة اهلل أكثـ ـ ـ ــر‪...‬فهشـ ـ ـ ــام يح ـ ـ ـ ـ‬
‫دوم ــا بالفاش ــل‪ ،‬كنـ ـ أح ــاول بشراس ــو‬
‫بالفش ــل ويص ــف نفس ــو ً‬
‫ـاجزا ع ـ ــن‬
‫أن أجعل ـ ــو ي ـ ــرى امكان ـ ــات نجاح ـ ــو‪ ،‬ولكن ـ ــو ك ـ ــان ع ـ ـ ً‬
‫الرؤي ــة‪ ،‬مش ــاعره له ــا نمـ ـ واح ــد‪ ،‬ل ــوم الـ ـ ات وتجـ ـري ال ــنف‬

‫‪93‬‬
‫ش ـ ـ ـ ص بـ ـ ــنم‬ ‫والكآبـ ـ ــة والبكـ ـ ــاء‪ ،‬يـ ـ ــاه مـ ـ ــا أقس ـ ـ ـ أن يعـ ـ ــي‬
‫واحـ ــد مـ ــن االنفعـ ــاالت‪ ،‬فمـ ــا بالـ ــك عنـ ــدما يكـ ــون ى ـ ـ ا الـ ــنم‬
‫كل ــو أى ــات وأن ــات وأوج ــاع‪ ،‬أفك ــاره له ــا ل ــون واح ــد فقـ ـ ى ــو‬
‫لون السلبية‪ ،‬ياه ما أبشع ى ا اللون‪...‬‬

‫لق ـ ــد حاولـ ـ ـ عشـ ـ ـرات المـ ـ ـرات أن أدمج ـ ــو م ـ ــع أص ـ ــدقائي‪ ،‬أو‬
‫أدفعـ ـ ـ ــو لعمـ ـ ـ ــل عالقـ ـ ـ ــة جديـ ـ ـ ــدة‪ ،‬ولكنـ ـ ـ ــو كـ ـ ـ ــان ال يـ ـ ـ ــرى فـ ـ ـ ــي‬
‫العالقـ ـ ــات االجتماعيـ ـ ــة مكاسـ ـ ــب‪ ،‬وإن أصـ ـ ــررت عليـ ـ ــو دخـ ـ ــل‬
‫العالقـ ــة مـ ــع األخ ـ ـرين بموقـ ــف الضـ ــعيف ال ـ ــائف مـ ــن الـ ــرفض‬
‫واالنتقاد والتجاىل‪ ،‬سألتو يوماً ‪7‬‬

‫* لمـ ــاذا تهـ ــول عيوبـ ــك وتقلـ ــل مـ ــن مزايـ ــا ‪ ،‬لمـ ــاذ تجعـ ــل مـ ــن‬
‫ال ط ـ ــأ غي ـ ــر الكبي ـ ــر كارث ـ ــة وت ـ ــدميراً لس ـ ــمعتك‪ ،‬لم ـ ــاذا تجع ـ ــل‬
‫من النقد العابر جرحاً لكرامتك ؟‬

‫لقـ ـ ــد كـ ـ ــان لهشـ ـ ــام لغـ ـ ــة واحـ ـ ــدة يـ ـ ــتكلم بهـ ـ ــا ىـ ـ ــي لغـ ـ ــة األالم‬
‫واألحـ ـ ـ ـزان واألن ـ ـ ــين‪ ،‬اه‪ ...‬اه‪ ...‬مش ـ ـ ــكلة ىش ـ ـ ــام أعق ـ ـ ــد مم ـ ـ ــا‬
‫توقع ـ ـ وأصـ ــعب ممـ ــا ت يل ـ ـ ظنن ـ ـ أنـ ــي إذا عرف ـ ـ ىشـ ــام‬

‫‪94‬‬
‫ب ـ ــاهلل أكث ـ ــر ودخ ـ ــل ح ـ ــب اهلل ف ـ ــي قلب ـ ــو فـ ـ ـ ن حزن ـ ــو س ـ ــي ىب‬
‫وتنتهـ ــي المشـ ــكلة‪ ،‬ولكنـ ــي اكتشـ ــف أن عقـ ــل ىشـ ــام فيـ ــو مـ ــن‬
‫األفك ــار القاتل ــة الت ــي ت ــدمر ف ــي عقل ــو ك ــل م ــا يق ــال ع ــن معرف ــة‬
‫اهلل العلـ ـ ـ ــي العظـ ـ ـ ــيم‪ ،‬وتفاجئ ـ ـ ـ ـ أن قلـ ـ ـ ــب ىشـ ـ ـ ــام فيـ ـ ـ ــو مـ ـ ـ ــن‬
‫العواطـ ـ ــف والمشـ ـ ــاعر السـ ـ ــامة التـ ـ ــي تطـ ـ ــرد مشـ ـ ــاعر حـ ـ ــب اهلل‬
‫واالحس ـ ــاس بعظمت ـ ــو‪ ،‬فغي ـ ــرت طريقت ـ ــي م ـ ــع ىش ـ ــام فأص ـ ــبح‬
‫ال أحدثـ ــو ع ـ ــن اهلل بـ ــل أطل ـ ــب منـ ــو أن يح ـ ــدث نفسـ ــو ع ـ ــن اهلل‬
‫بم ــا كنـ ـ أق ــول ل ــو‪ ،‬وأحث ــو علـ ـ ال ــدوام أن يج ــري ح ــوار م ــع‬
‫ذات ــو ل ــدحض األفك ــار القاتل ــة ع ــن ذات ــو وع ــن م ــن حول ــو‪ ،‬وع ــن‬
‫الوق ـ ـ يحـ ــدث نفسـ ــو‬ ‫مـ ــا يحملـ ــو لـ ــو المسـ ــتقبل‪ ،‬وفـ ــي نف ـ ـ‬
‫عن اهلل عز وجل ليعر اهلل أكثر‪...‬‬

‫بعـ ــد سـ ــنة مـ ــن محـ ــاوالت ىشـ ــام دحـ ــض األفكـ ــار المـ ــدمرة عـ ــن‬
‫ذاتـ ــو وعـ ــن الحيـ ــاة وعـ ــن مـ ــا يحملـ ــو لـ ــو المسـ ــتقبل‪ ،‬بـ ــدأ عقـ ــل‬
‫ىشـ ــام تسـ ــتقر فيـ ــو الكلمـ ــات عـ ــن اهلل وأخ ـ ـ يتعـ ــر عل ـ ـ اهلل‬
‫أكث ــر وم ــن يع ــر اهلل ف ــال ب ــد أن يحب ــو‪ ،‬وب ــدأ يق ــاوم حساس ــيتو‬

‫‪95‬‬
‫الزائ ــدة م ــن ال ــرفض والتجاى ــل م ــن األخـ ـرين؛ ألن ــو يفع ــل ذال ــك‬
‫لوج ــو اهلل الـ ـ ي أم ــره أن يس ــارع إلـ ـ مغف ــرة من ــو وجن ــة عرض ــها‬
‫الس ـ ــموات واألرض‪ ،‬أص ـ ــب يبتس ـ ــم ف ـ ــي وج ـ ــو م ـ ــن حول ـ ــو ألن‬
‫اهلل يح ـ ــب ذل ـ ــك‪ ،‬فأص ـ ــب العم ـ ــل هلل ولوجه ـ ــو الكـ ـ ـريم يش ـ ــكل‬
‫مكسـ ـ ــبًا لعالقتـ ـ ــو مـ ـ ــع األخ ـ ـ ـرين‪ ،‬وبقـ ـ ــي ىشـ ـ ــام فـ ـ ــي كـ ـ ــل يـ ـ ــوم‬
‫يحـ ــدث نفسـ ــو عـ ــن اهلل ويكثـ ــر مـ ــن تـ ــالوة اآليـ ــات التـ ــي يصـ ــف‬
‫اهلل فيهـ ــا نفسـ ــو‪ ،‬ويـ ــردد األحادي ـ ـ التـ ــي تتحـ ــدث عـ ــن اهلل عـ ــز‬
‫وجل‪...‬‬

‫م ــن الطري ــف أن ىش ــام وج ــد نفس ــو منجـ ـ باً نح ــو نص ــرة الث ــورة‬
‫عالجـ ــا لـ ــو‪،‬‬
‫السـ ــورية‪ ،‬فقـ ــد كـ ــان عملـ ــو لنصـ ــرة الثـ ــورة السـ ــورية ً‬
‫كم ـ ـ ــا ك ـ ـ ــان م ـ ـ ــن أفض ـ ـ ــل م ـ ـ ــن يتح ـ ـ ــدث ع ـ ـ ــن ك ب ـ ـ ــة النظ ـ ـ ــام‬
‫الس ـ ـ ـ ــوري‪ ،‬أن المقاوم ـ ـ ـ ــة مقدم ـ ـ ـ ــة علـ ـ ـ ـ ـ الحري ـ ـ ـ ــة والكرام ـ ـ ـ ــة‪،‬‬
‫فالمـ ــدمر مـ ــن أعماقـ ــو لـ ــن يسـ ــتطيع أن يقـ ــاوم بـ ــل سـ ــيعجز عـ ــن‬
‫*** النهاية***‬ ‫مجرد الحركة ‪.‬‬

‫زياد غزال فريحات‬

‫‪96‬‬
97
‫قصة‬

‫أنا مسحورةٌ أم مريضة‬


‫(قصة قائمة عل أحداث حقيقية)‬

‫زياد غزال فريحات‬

‫‪98‬‬
‫بع ـ ــد وف ـ ــاة أب ـ ــي بأي ـ ــام؛ ب ـ ــدأت أش ـ ــعر ب ـ ــأن ظه ـ ــري مكش ـ ــو ‪،‬‬
‫فالح ــائ الس ــميك الـ ـ ي كنـ ـ أس ــتند إلي ــو ى ــدم‪ ،‬ول ــم يع ــد ل ــو‬
‫أث ـ ــر‪ ،‬فأن ـ ــا فت ـ ــاة ف ـ ــي ال امس ـ ــة والعشـ ـ ـرين م ـ ــن عم ـ ــري‪ ،‬أقل ـ ــب‬
‫وجهـ ــي فـ ــي كـ ــل الجهـ ــات فـ ــال أجـ ــد شـ ــيء يمكننـ ــي االسـ ــتناد‬
‫إلي ــو‪ ،‬فـ ـ خواني الثالث ــة ف ــي بي ــوتهم م ــع زوج ــاتهم تس ــير حي ــاتهم‬
‫بصـ ــعوبة‪ ،‬يعملـ ــون مـ ــن الصـ ــباح حت ـ ـ المسـ ــاء لتحصـ ــيل قـ ــوت‬
‫عي ــالهم‪ ،‬يس ــكن ك ــل م ــنهم ف ــي ح ــي م تل ــف ع ــن اآلخ ــر‪ ،‬أم ــا‬
‫أن ــا وأخت ــي وأم ــي فم ــا زلن ــا ف ــي بيتن ــا المس ــتأجر‪ ،‬ول ــم يب ــق لنـ ــا‬
‫إال تقاعـ ـ ــد والـ ـ ــدي ال ـ ـ ـ ي يتـ ـ ــوزع عل ـ ـ ـ أجـ ـ ــرة البي ـ ـ ـ والمـ ـ ــاء‬
‫والكهرب ـ ــاء وتك ـ ــاليف دراس ـ ــة أخت ـ ــي ربـ ـ ـ ف ـ ــي الجامع ـ ــة‪ ،‬ول ـ ــوال‬
‫عملي في الشركة‪ ،‬ألصبحنا في وضع حرج‪...‬‬

‫ال يمك ـ ــن أن أنسـ ـ ـ تل ـ ــك اللي ـ ــالي الت ـ ــي قض ـ ــيتها بع ـ ــد انته ـ ــاء‬
‫أيـ ــام العـ ــزاء‪ ،‬لقـ ــد خطفنـ ــي القلـ ــق وأث ـ ــن فـ ــي طعنـ ــي ال ـ ــو‬
‫مـ ــن المجهـ ــول‪ ،‬وأخ ـ ـ ال ـ ــو مـ ــن العتمـ ــة يكبـ ــر فـ ــي صـ ــدري‬

‫‪99‬‬
‫شـ ــيئًا فشـ ــيئًا‪ ،‬وازداد ورود ال ـ ــواطر عل ـ ـ رأسـ ــي بـ ــأن فـ ــي كـ ــل‬
‫منطق ـ ـ ــة معتم ـ ـ ــة ىن ـ ـ ــا م ـ ـ ــن يري ـ ـ ــد أن يقتلن ـ ـ ــي أو يغتص ـ ـ ــبني أو‬
‫ي طفنـ ــي وي ـ ـ ىب بـ ــي إل ـ ـ المجهـ ــول‪ ،‬وبعـ ــد عـ ــدة أشـ ــهر مـ ــن‬
‫وفـ ــاة والـ ــدي بينمـ ــا كن ـ ـ وحـ ــدي فـ ــي البي ـ ـ ‪ ،‬أشـ ــاىد التلفـ ــاز‬
‫ـورا‪ ،‬ولـ ـ ــم‬
‫رأي ـ ـ ـ دخـ ـ ــان خـ ـ ــرج مـ ـ ــن التلفـ ـ ــاز فأغشـ ـ ــي علـ ـ ــي فـ ـ ـ ً‬
‫أسـ ــتيق ؛ إال وأمـ ــي تـ ــرش المـ ــاء عل ـ ـ وجهـ ــي‪ ،‬فأخبرتهمـ ــا بمـ ــا‬
‫شاىدت‪ ،‬فأكدت أختي كالمي بقولها ‪7‬‬

‫* بالفعل عندما دخل شاىدت بعض الدخان في البي‬

‫قالـ ـ أم ــي وى ــي تنظ ــر إلـ ـ التلف ــاز الـ ـ ي م ــا زال ص ــوتو يملـ ـ‬
‫الغرفة‪ ،‬وصورتو واضحة كما ىي ‪7‬‬

‫* أنـ ــا لـ ــم أشـ ــاىد شـ ــيئًا‪ ،‬ثـ ــم كيـ ــف ي ـ ــرج مـ ــن التلفـ ــاز دخـ ــان‬
‫وى ـ ـ ــو م ـ ـ ــا زال يعم ـ ـ ــل‪ ...‬عبل ـ ـ ــة علي ـ ـ ــك أن تقـ ـ ـ ـرأي ش ـ ـ ــيئًا م ـ ـ ــن‬
‫القرآن قبل أن تنامي‪...‬‬

‫‪100‬‬
‫ذىبـ ـ إلـ ـ غرف ــة ن ــومي الت ــي تش ــاركني به ــا أخت ــي ربـ ـ ‪ ،‬قالـ ـ‬
‫رب بشيء من التردد‪7‬‬

‫* أنا من أيام لم أشاىد تصلين؟‬

‫بضـ ــيق‬ ‫‪ -‬نعـ ــم أنـ ــا من ـ ـ أسـ ــبوع لـ ــم أصـ ــلي‪ ...‬أصـ ــبح أح ـ ـ‬
‫شديد عندما أقوم إل الصالة !‬

‫س ــارت األيـ ــام وأنـ ــا عل ـ ـ تل ــك الحـ ــال‪ ،‬وأصـ ــب محـ ــور حـ ــديثي‬
‫ى ـ ــو مش ـ ــكلتي م ـ ــع العتم ـ ــة وال ـ ــواطر المرعب ـ ــة والتلف ـ ــاز الـ ـ ـ ي‬
‫خ ــرج من ــو ال ــدخان‪ ،‬حتـ ـ م ــع زميالت ــي ف ــي العم ــل أص ــب ىـ ـ ا‬
‫الموض ــوع ياخـ ـ النص ــيب األكب ــر ف ــي الح ــدي ‪ ،‬ك ــان ح ــديثي‬
‫ف ــي حقيقت ــو بحـ ـ ع ــن ح ــل لمش ــكلتي الت ــي ال أع ــر م ــا ى ــي‬
‫بالض ـ ــب ‪ ،‬ولكن ـ ــي ب ـ ــدأت أس ـ ــمع أص ـ ــوات م ـ ــن بع ـ ــض زميالت ـ ــي‬
‫ونس ـ ــوة أخ ـ ــوتي أن ـ ــي فت ـ ــاة مس ـ ــحورة‪ ،‬وكنـ ـ ـ أى ـ ــزء بش ـ ــدة م ـ ــن‬
‫ذل ـ ــك الك ـ ــالم‪ ،‬وأق ـ ــول ف ـ ــي نفس ـ ــي‪ ،‬أن ىن ـ ــا تفس ـ ــيرات لم ـ ــا‬

‫‪101‬‬
‫مـ ـ ــن‬ ‫يحـ ـ ــدث معـ ـ ــي‪ ،‬ومـ ـ ــن المؤكـ ـ ــد عنـ ـ ــدي أن السـ ـ ــحر لـ ـ ــي‬
‫بينها‪...‬‬

‫فـ ـ ــي ذات يـ ـ ــوم اسـ ـ ــيقظ فـ ـ ــي الصـ ـ ــباح أريـ ـ ــد ال ـ ـ ـ ىاب إل ـ ـ ـ‬
‫العم ـ ــل‪ ،‬فلم ـ ــا خرجـ ـ ـ م ـ ــن غرفت ـ ــي رأيـ ـ ـ أم ـ ــي م ـ ــن ال ل ـ ــف‬
‫قم ـ ـ ــيص ن ـ ـ ــوم جمي ـ ـ ــل جـ ـ ـ ـ ًدا‪ ،‬ال‬ ‫علـ ـ ـ ـ ب ـ ـ ــاب غرفته ـ ـ ــا تل ـ ـ ــب‬
‫يتناسـ ـ ــب مـ ـ ــع سـ ـ ــنها‪ ،‬ومـ ـ ــا أن اقترب ـ ـ ـ منهـ ـ ــا خطـ ـ ــوات حت ـ ـ ـ‬
‫رأي ـ ـ ـ أمـ ـ ــي بلباسـ ـ ــها المعتـ ـ ــاد تجهـ ـ ــز الفطـ ـ ــور فـ ـ ــي المطـ ـ ــب ‪،‬‬
‫قم ــيص الن ــوم الجمي ــل‬ ‫فأبرقـ ـ نظ ــري نح ــو المـ ـرأة الت ــي تل ــب‬
‫فلـ ــم َأر شـ ــيئًا‪ ،‬فأخ ـ ـ ت أبح ـ ـ عنهـ ــا فـ ــي كافـ ــة أرجـ ــاء الشـ ــقة‬
‫فلـ ــم أجـ ــد شـ ــيئًا‪ ،‬فـ ــأخبرت أمـ ــي بمـ ــا شـ ــاىدت‪ ،‬فظهـ ــر ال ـ ــو‬
‫عل وجو أمي وحاول التقليل من شأن ما حدث‪...‬‬

‫‪102‬‬
‫بع ـ ــد س ـ ــنة تقريبًـ ـ ـا م ـ ــن وف ـ ــاة وال ـ ــدي ج ـ ــائني خاط ـ ــب‪ ،‬وجلـ ـ ـ‬
‫مع ـ ــي ف ـ ــي بيتن ـ ــا وح ـ ــدث القب ـ ــول وش ـ ــرعنا ف ـ ــي اجـ ـ ـراءات عق ـ ــد‬
‫الـ ـ ــزواج‪ ،‬وأثنـ ـ ــاء انتظـ ـ ــار نتيج ـ ـ ــة الفحـ ـ ــص الطبـ ـ ــي‪ ،‬أحسسـ ـ ـ ـ‬
‫بفرحـ ـ ــة ال توصـ ـ ــف وبقـ ـ ــرب متسـ ـ ــارع له ـ ـ ـ ا الشـ ـ ــاب‪ ،‬وبعـ ـ ــد أن‬
‫ظه ـ ـ ــرت النتيج ـ ـ ــة ايجابي ـ ـ ــة زادت فرحت ـ ـ ــي ودون وع ـ ـ ــي ب ـ ـ ــدأت‬
‫أخبـ ـ ــر خطيبـ ـ ــي المنتظـ ـ ــر بكـ ـ ــل مـ ـ ــا يحـ ـ ــدث معـ ـ ــي‪ ،‬وبكـ ـ ــل مـ ـ ــا‬
‫أش ــعر‪ ،‬ف ــي تل ــك اللحظ ــة م ــددت ل ــو ي ــدي ليس ــاعدني ف ــي ح ــل‬
‫مشـ ـ ــكلتي التـ ـ ــي مـ ـ ــا زل ـ ـ ـ محتـ ـ ــارة فيهـ ـ ــا‪ ،‬وتائهـ ـ ــة فـ ـ ــي وس ـ ـ ـ‬
‫معـ ـا‬
‫اآلمه ــا‪ ،‬لق ــد س ــمعني باص ــغاء ش ــديد‪ ،‬وتح ــاور مع ــي لنص ــل ً‬
‫إلـ ـ ح ــل‪ ،‬ىـ ـ ا م ــا ش ــعرت ب ــو ف ــي تل ــك اللحظ ــة‪ ،‬ولك ــن تل ــك‬
‫اللحظ ــات الرائع ــة‪ ،‬ك ــان أخ ــر لحظ ــات أرى فيه ــا ىـ ـ ا الش ــاب‬
‫فـ ــي حيـ ــاتي‪ ،‬فـ ــي اليـ ــوم التـ ــالي اتصـ ــل أمـ ــو بـ ــأمي وقال ـ ـ لهـ ــا‬
‫ىنال ـ ــك نص ـ ــيب بينن ـ ــا‪ ،‬اتص ـ ــل ب ـ ــو ف ـ ــرد عل ـ ــي وحاورت ـ ــو‬ ‫ل ـ ــي‬
‫مقنع ـ ـ ـا؛ لكـ ـ ــن دون‬
‫أكثـ ـ ــر مـ ـ ــن نصـ ـ ــف سـ ـ ــاعة ليعطينـ ـ ــي سـ ـ ــببًا ً‬
‫جدوى‪ ،‬وفي الدقيقة األخيرة من المكالمة قال ‪7‬‬

‫‪103‬‬
‫* أنـ ـ ـ ــا يـ ـ ـ ــا عبلـ ـ ـ ــة أبح ـ ـ ـ ـ عـ ـ ـ ــن االسـ ـ ـ ــتقرار‪ ،‬وأن ـ ـ ـ ـ فتـ ـ ـ ــاة ال‬
‫تسـ ـ ــتطيعين أن توفري ـ ـ ــو ل ـ ـ ــي‪ ،‬أن ـ ـ ــا ال أس ـ ـ ــتطيع أن أرت ـ ـ ــب بفت ـ ـ ــاة‬
‫مسحورة أو عندىا مشاكل نفسية‪...‬‬

‫أنـ ــا أسـ ــف عل ـ ـ ى ـ ـ ة الكلمـ ــات‪ ،‬لقـ ــد حاول ـ ـ أن ال أجرحـ ــك‬
‫ولكن أن من أل علي ب لك‪...‬‬

‫لق ـ ــد جرحن ـ ــي ىـ ـ ـ ا الش ـ ــاب‪ ،‬وقض ـ ــي علـ ـ ـ البقي ـ ــة الباقي ـ ــة م ـ ــن‬
‫تـ ـ ــوازني وتماسـ ـ ــكي‪ ،‬وابتسـ ـ ــاماتي‪ ،‬وأصـ ـ ــبح وأمسـ ـ ــي أسـ ـ ــأل‬
‫نفسي ى ا السؤال ‪7‬‬

‫* ىـ ــل أنـ ــا مسـ ــحورة أم مريضـ ــة نفسـ ــيًا‪ ،‬أم مجنونـ ــة‪ ،‬أنـ ــا مـ ــاذا‪،‬‬
‫أنا ماااااااااااااذا ! ؟‬

‫أصـ ــبح أسـ ــأل نفسـ ــي ى ـ ـ ا السـ ــؤال فـ ــي كـ ــل وق ـ ـ بص ـ ـراخ‬
‫عـــ ٍ‬
‫ـال ف ـ ـ ــي أعم ـ ـ ــاقي‪ ،‬وبانفع ـ ـ ــال ى ـ ـ ــائ ص ـ ـ ــام يفج ـ ـ ــر ك ـ ـ ــل‬
‫أحشائي‪...‬‬

‫‪104‬‬
‫أقنعتنـ ــي أمـ ــي بسـ ــهولة لل ـ ـ ىاب إل ـ ـ أم ـ ـرأة متدينـ ــة تسـ ــتطيع أن‬
‫تعر ىل أنا مسحورة أم ال ؟‬

‫خ ـ ــالل دق ـ ــائق م ـ ــن وص ـ ــولنا إليه ـ ــا اكتش ـ ــف ىـ ـ ـ ه المـ ـ ـراة أن ـ ــي‬
‫مسـ ــحورة‪ ،‬وأن مـ ــن سـ ــحرني ام ـ ـرأة وأخ ـ ـ ت تعـ ــدد مواصـ ــفاتها‪،‬‬
‫فتشـ ــكل فـ ــي ذىنـ ــي صـ ــورة زوجـ ــة أخـ ــي الكبيـ ــر‪ ،‬فالمواصـ ــفات‬
‫الم كورة قريبة ج ًدا منها‪...‬‬

‫لقـ ـ ــد أصـ ـ ــبح أتنقـ ـ ــل مـ ـ ــن ام ـ ـ ـرأة إل ـ ـ ـ أخـ ـ ــرى‪ ،‬وسـ ـ ــبع نسـ ـ ــاء‬
‫مت صصـ ــات فـ ــي معرفـ ــة السـ ــحر أجمعـ ــن أنـ ــي فتـ ــاة مسـ ــحورة‪،‬‬
‫ومضي عل تلك الحال سنتين‪...‬‬

‫ف ـ ــي تل ـ ــك األثن ـ ــاء أخبرن ـ ــي أص ـ ــغر أخ ـ ــوتي ع ـ ــن لقائ ـ ــو بش ـ ــاب‬
‫قصـ ـ ــتو تشـ ـ ــبو قصـ ـ ــتي‪ ،‬وكـ ـ ــان له ـ ـ ـ ا الشـ ـ ــاب صـ ـ ــديق مهنـ ـ ــدس‬
‫معم ــاري‪ ،‬اعتك ــف س ــتة ش ــهور وى ــو يقـ ـرأ ع ــن الس ــحر والط ــب‬
‫النفسـ ـ ـ ــي‪ ،‬حت ـ ـ ـ ـ اسـ ـ ـ ــتطاع أن يفـ ـ ـ ــرق بـ ـ ـ ــين السـ ـ ـ ــحر والطـ ـ ـ ــب‬

‫‪105‬‬
‫النفسـ ــي‪ ،‬وذىـ ــب إل ـ ـ صـ ــديقو وأقنعـ ــو أنـ ــو مصـ ــاب باضـ ــطراب‬
‫نفس ـ ـ ـ ــي ال يص ـ ـ ـ ــل إلـ ـ ـ ـ ـ ح ـ ـ ـ ــد الم ـ ـ ـ ــرض‪ ،‬وال يوج ـ ـ ـ ــد ح ـ ـ ـ ــل إال‬
‫بمراجعـ ـ ـ ــة طبيـ ـ ـ ــب نفسـ ـ ـ ــي‪ ،‬وأخ ـ ـ ـ ـ الـ ـ ـ ــدواء المناسـ ـ ـ ــب‪ ،‬كمـ ـ ـ ــا‬
‫مع ـ ــو‪ ،‬وأن‬ ‫س ـ ــاعده ص ـ ــديقو ليس ـ ــتطيع مقاوم ـ ــة ذل ـ ــك والتع ـ ــاي‬
‫باستطاعتو أن يسير في حياتو‪ ،‬وقال لي ‪7‬‬

‫* سأب ل قصارى جهدي ألجد ى ا الشاب ب ذن اهلل‪...‬‬

‫فـ ــي صـ ــباح يـ ــوم تـ ــاري ي فـ ــي حيـ ــاتي اتصـ ــل أخـ ــي وبش ـ ـرني أنـ ــو‬
‫وجـ ـ ــد ذلـ ـ ــك الشـ ـ ــاب‪ ،‬وأنـ ـ ــو سـ ـ ــيزورنا فـ ـ ــي بيتنـ ـ ــا مـ ـ ــع صـ ـ ــديقو‬
‫المصـ ــاب باالضـ ــطراب‪ ،‬وبعـ ــد صـ ــالة العشـ ــاء حضـ ــر المهنـ ــدس‬
‫المعمـ ـ ــاري مـ ـ ــع صـ ـ ــديقو‪ ،‬ولمـ ـ ــا نظـ ـ ــرت إل ـ ـ ـ وجهـ ـ ــو أدرك ـ ـ ـ‬
‫بح ــدس المـ ـرأة الممزق ــة‪ ،‬أن ــي أم ــام رج ــل ص ــادق‪ ،‬أخبرت ــو بك ــل‬
‫مـ ــا حـ ــدث معـ ــي‪ ،‬وعـ ــن اجمـ ــاع النسـ ــاء المت صصـ ــات بمعرفـ ــة‬
‫السحر؛ أني فتاة مسحورة‪ ،‬قفال لي برفق شديد ‪7‬‬

‫* مـ ـ ــا رأيـ ـ ــك أن نرجـ ـ ــع إل ـ ـ ـ الـ ـ ــوراء وت برينـ ـ ــي عـ ـ ــن أحـ ـ ــداث‬
‫مشابهة لما حدث معك بعد وفاة أبيك ؟‬

‫‪106‬‬
‫فأخبرتـ ــو عـ ــن مـ ــا يشـ ــابو ذلـ ــك‪ ،‬وأنـ ــا فـ ــي ال امسـ ــة عشـ ــرة مـ ــن‬
‫عمري قل ‪7‬‬

‫ـباحا خرج ـ ـ مـ ــن غرفتـ ــي متوجهـ ــة إل ـ ـ‬


‫* فـ ــي ذلـ ــك اليـ ــوم صـ ـ ً‬
‫المدرس ــة‪ ،‬فرأيـ ـ أب ــي ف ــي لباس ــو العس ــكري وك ــان غائ ــب ع ــن‬
‫البيـ ـ ـ ع ـ ــدة أي ـ ــام‪ ،‬فهرعـ ـ ـ إلي ـ ــو ألحض ـ ــنو؛ لكن ـ ــو دخ ـ ــل إلـ ـ ـ‬
‫غرفتـ ــو‪ ،‬ف ـ ــدخل الغرف ـ ــة فل ـ ــم أج ـ ــده‪ ،‬وعن ـ ــدما ل ـ ــم أنجـ ـ ـ ف ـ ــي‬
‫مـ ـ ــادة الفيزيـ ـ ــاء فـ ـ ــي امتحـ ـ ــان الثانويـ ـ ــة العامـ ـ ــة أصـ ـ ــابني خـ ـ ــو‬
‫شـ ـ ــديد مـ ـ ــن العتمـ ـ ــة وأن ىنـ ـ ــا ش ـ ـ ـ ص داخـ ـ ــل العتمـ ـ ــة يريـ ـ ــد‬
‫الش ــر ب ــي‪ ،‬ث ــم تك ــرر م ــا يش ــبو ذل ــك وأن ــا ف ــي الس ــنة الثالث ــة ف ــي‬
‫الجامعة‪...‬‬

‫سألني الشاب ‪7‬‬

‫‪ -‬ىل أخبرني أحد ب لك ؟‬

‫قل لو ‪7‬‬

‫‪107‬‬
‫ـاال‬
‫* ف ـ ــي الماض ـ ــي ك ـ ــان يح ـ ــدث ذل ـ ــك مع ـ ــي وال ألق ـ ــي ل ـ ــو ب ـ ـ ً‬
‫حت ـ ـ أىلـ ــي يسـ ــمعون ى ـ ـ ا الكـ ــالم ألول مـ ــرة‪ ،‬أمـ ــا بعـ ــد وفـ ــاة‬
‫تماما‪...‬‬
‫أبي فالوضع م تلف ً‬

‫قال بعدما ارتشف القهوة ‪7‬‬

‫* مـ ــن المؤكـ ــد أنـ ــك فتـ ــاة غيـ ــر مسـ ــحورة؛ لمـ ــاذا ؟ ألن السـ ــحر‬
‫علـ ـ ـ ندرتـ ـ ــو فـ ـ ــي مجتمعنـ ـ ــا ال يمك ـ ــن أن يصـ ـ ــيب فتـ ـ ــاة عزبـ ـ ــاء‬
‫فهـ ــو ال يصـ ــيب إال المتـ ــزوجين‪ ،‬كمـ ــا أن السـ ــحر يـ ــأتي فجـ ــأة‬
‫ودفعـ ــة واحـ ــدة وال يسـ ــتمر فـ ــي حـ ــده األقص ـ ـ أكثـ ــر مـ ــن سـ ــتة‬
‫أش ـ ــهر‪ ،‬كم ـ ــا أن ـ ــو يغ ـ ــادر دفع ـ ــة واح ـ ــدة‪ ،‬وأغلب ـ ــو علـ ـ ـ ندرت ـ ــو‬
‫يكـ ــون فـ ــي مجـ ــال العالقـ ــة بـ ــين الرجـ ــل وزوجتـ ــو‪ ،‬سـ ــتقولون لـ ــي‬
‫مـ ــن أيـ ــن جئ ـ ـ به ـ ـ ا الوصـ ــف للسـ ــحر‪ ،‬أقـ ــول إنـ ــو فهـ ــم لمـ ــا‬
‫جاء في القرآن والسنة الصحيحة‪،‬‬

‫فاهلل عز وجل يقول عن السحر ‪7‬‬

‫‪108‬‬
‫( فَـيَتَـ َعل ُم ـ ــو َن ِم ْنـ ُه َم ـ ــا َم ـ ــا يـُ َفرقُـ ــو َن بِـ ـ ِـو بَـ ـ ـ ْـي َن ال َْم ـ ـ ْـرِء َوَزْو ِج ـ ـ ِـو‬
‫َح ـ ـ ٍـد إِال بِـ ـ ـِ ْذ ِن الل ـ ـ ِـو َويَـتَـ َعل ُم ـ ــو َن َم ـ ــا‬ ‫ض ـ ــار ِ ِ‬
‫ين بِـ ــو م ـ ـ ْـن أ َ‬ ‫ِ‬
‫َوَم ـ ــا ُى ـ ـ ْـم ب َ َ‬
‫ضـ ـ ــرُى ْم َوَال يَـ ـ ــن َفعُ ُه ْم َولََق ـ ـ ـ ْد َعلِ ُمـ ـ ــوا لَ َمـ ـ ـ ْـن ا ْش ـ ـ ـتَـ َراهُ َمـ ـ ــا لَـ ـ ــوُ فِـ ـ ــي‬
‫يَ ُ‬
‫ْاآل ِخ َرةِ ِم ْن َخ َال ٍق)‬

‫وعن ـ ــدما س ـ ــحر الرس ـ ــول ص ـ ــل اهلل علي ـ ــو وس ـ ــلم ص ـ ــار ي ي ـ ــل‬
‫إلي ــو أن ج ــامع زوجات ــو‪ ،‬والحقيق ــة أن ــو ل ــم يفع ــل ذل ــك‪ ،‬كم ــا أن ــو‬
‫ال يسـ ــتطيع أن يجـ ــامع نسـ ــائو‪ ،‬مـ ــع أنـ ــو صـ ــل اهلل عليـ ــو وسـ ــلم‬
‫ك ـ ــان يط ـ ــو علـ ـ ـ زوجات ـ ــو فـ ـ ــي بي ـ ــوتهن ف ـ ــي ليل ـ ــة واحـ ـ ــدة‪،‬‬
‫فاآليـ ـ ــة والحـ ـ ــدي جـ ـ ــاءت فـ ـ ــي مجـ ـ ــال العالقـ ـ ــة بـ ـ ــين الرجـ ـ ــل‬
‫وزوجت ـ ــو‪ ،‬وم ـ ــا ح ـ ــدث م ـ ــع الرس ـ ــول م ـ ــالف للع ـ ــادة والطبيع ـ ــة‬
‫وج ـ ــاء دفع ـ ــة واح ـ ــدة وبش ـ ــكل مف ـ ــاج ‪ ،‬وغ ـ ــادر دفع ـ ــة واح ـ ــدة‬
‫فق ـ ــد ج ـ ــاء ف ـ ــي س ـ ــحر الرس ـ ــول (كأن ـ ــو نشـ ـ ـ م ـ ــن عق ـ ــال) أي‬
‫كأن ــو ك ــان مربوطًـ ـا وح ــل الرب ــاط وج ــاء ف ــي رواي ــة (مكـ ـ س ــتة‬
‫أشـ ـ ــهر) فالسـ ـ ــحر ال يطـ ـ ــول زمنـ ـ ــو فـ ـ ــاهلل عزوجـ ـ ــل يقـ ـ ــول (وال‬
‫يفل الساحر حي أت )‬

‫‪109‬‬
‫فالسـ ـ ــاحر ال يفل ـ ـ ـ باسـ ـ ــتدامة السـ ـ ــحر فتـ ـ ــرة طويلـ ـ ــة‪ ،‬كمـ ـ ــا أن‬
‫اهلل عـ ــز وجـ ــل أنـ ــزل المعـ ــوذتين‪ ،‬فقـ ــد جـ ــاء فـ ــي حـ ــدي سـ ــحر‬
‫النب ـ ـ ــي ص ـ ـ ــل اهلل علي ـ ـ ــو وس ـ ـ ــلم (فأت ـ ـ ــاه جبري ـ ـ ــل فن ـ ـ ــزل علي ـ ـ ــو‬
‫ب ـ ـ ـ ــالمعوذتين ) فبع ـ ـ ـ ــد تل ـ ـ ـ ــك الحادث ـ ـ ـ ــة أص ـ ـ ـ ــبح المعوذت ـ ـ ـ ــان‬
‫تشفيان من السحر‪...‬‬

‫تمامـ ـا بم ــا قال ــو المهن ــدس‪ ،‬واقتنعـ ـ م ــن أعم ــاقي‬
‫ً‬ ‫لق ــد اقتنعـ ـ‬
‫أني لس مسحورة فسألتو ‪7‬‬

‫* إن لم أكن مسحورة‪ ،‬فما تفسير ما يحدث معي ؟‬

‫‪ -‬ص ـ ـ ــدقوني أن ـ ـ ــي عن ـ ـ ــد نهاي ـ ـ ــة السـ ـ ـ ـ أش ـ ـ ــهر م ـ ـ ــن الق ـ ـ ــراءة‬
‫والبح ـ ـ ـ أنـ ـ ــي بكي ـ ـ ـ حت ـ ـ ـ بلل ـ ـ ـ دمـ ـ ــوعي لحيتـ ـ ــي‪ ،‬بكي ـ ـ ـ‬
‫عل ـ ـ نعمـ ــة العقـ ــل والقلـ ــب والصـ ــدر‪ ،‬فـ ــاألمراض النفسـ ــية مـ ــع‬
‫تفصـ ـ ــيالتها‪ ،‬واالضـ ـ ــطرابات ال ىنيـ ـ ــة والنفسـ ـ ــية عـ ـ ــددىا كثيـ ـ ــر‬
‫وكثي ـ ـ ــر‪ ،‬ونس ـ ـ ــبة الس ـ ـ ــحر ف ـ ـ ــي الح ـ ـ ــاالت الت ـ ـ ــي تح ـ ـ ــدث ف ـ ـ ــي‬
‫مجتمعنـ ــا ال تتجـ ــاوز الواحـ ــد فـ ــي األلـ ــف‪ ،‬ومـ ــا بكي ـ ـ إال عل ـ ـ‬

‫‪110‬‬
‫الـ ـ ين ي ــدمرون حي ــاتهم ع ــن طري ــق المش ــعوذين أو حتـ ـ بع ــض‬
‫المشاي أصحاب النوايا الحسنة‪...‬‬

‫أن ـ ـ يـ ــا أختـ ــي تحتـ ــاجين لمراجعـ ــة طبيـ ــب نفسـ ــي وال بـ ــد لـ ــك‬
‫م ـ ــن أخـ ـ ـ ال ـ ــدواء والحم ـ ــد هلل حالت ـ ــك ليسـ ـ ـ ص ـ ــعبة ألن ـ ــك‬
‫مازلـ ـ ـ تس ـ ــتطيعين القي ـ ــام بوظائف ـ ــك كامل ـ ــة‪ ،‬وأنـ ـ ـ تمتلك ـ ــين‬
‫بفض ـ ـ ــل اهلل روح مقاوم ـ ـ ــة قوي ـ ـ ــة‪ ،‬وأن ـ ـ ــا واث ـ ـ ــق بـ ـ ـ ـ ذن اهلل أنـ ـ ـ ــك‬
‫معو‪...‬‬ ‫ستستطيعين التعاي‬

‫أول شـ ــيء أريـ ــد أن تفعليـ ــو ىـ ــو أن تسـ ــجلي عل ـ ـ الفـ ــور فـ ــي‬
‫مرك ـ ــز لتحف ـ ــي الق ـ ــرآن الكـ ـ ـريم‪ ،‬واألم ـ ــر األخ ـ ــر أن ال ت ب ـ ــري‬
‫أح ـ ـ ًدا بعـ ــد اليـ ــوم بمـ ــا يحـ ــدث معـ ــك‪ ،‬وابتعـ ــدي قـ ــدر اإلمكـ ــان‬
‫عـ ـ ـ ــن التلفـ ـ ـ ــاز‪ ،‬ووق ـ ـ ـ ـ فراغـ ـ ـ ــك اقرئـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ــي كتـ ـ ـ ــب الثقافـ ـ ـ ــة‬
‫اإلس ـ ــالمية‪ ،‬واجبرب ـ ــي نفس ـ ــك علـ ـ ـ دخ ـ ــول األم ـ ــاكن المعتم ـ ــة‬
‫ش ـ ــيئًا فش ـ ــيئًا‪ ،‬وأخ ـ ــر ش ـ ــيء أري ـ ــد أن تفعلي ـ ــو ى ـ ــو دع ـ ــوة م ـ ــن‬
‫مـ ــا تعـ ــانين منـ ــو‪ ،‬ادعـ ــي مـ ــن حولـ ــك إل ـ ـ‬ ‫حولـ ــك إل ـ ـ عك ـ ـ‬
‫حف ـ ـ القـ ــرآن وإل ـ ـ عـ ــدم ال ـ ــو مـ ــن غيـ ــر اهلل‪ ،‬أكثـ ــري مـ ــن‬

‫‪111‬‬
‫تـ ـ كير م ــن حول ــك أن النف ــع والض ــر م ــن عن ــد اهلل وأن ــو ال ح ــول‬
‫الحاج ـ ــة‬ ‫دومـ ـ ـا أن ـ ــك ف ـ ــي أمـ ـ ـ‬
‫وال ق ـ ــوة إال ب ـ ــاهلل‪ ...‬وتـ ـ ـ كري ً‬
‫لعون اهلل عز وجل‪...‬‬

‫قل لو واألمل يشق طريقو إل قلبي ‪7‬‬

‫* وىل سأشف إن فعل ذلك ؟‬

‫مبتسما ‪7‬‬
‫ً‬ ‫قال‬

‫* األغلـ ـ ـ ــب‪ ...‬ال‪ ...‬لكنـ ـ ـ ــك تبتعـ ـ ـ ــدين عـ ـ ـ ــن نقطـ ـ ـ ــة االنهي ـ ـ ـ ــار‬
‫وفق ـ ــدان الس ـ ــيطرة‪ ...‬وتس ـ ــتطيعين م ـ ــع ال ـ ــزمن أن تتعايش ـ ــي م ـ ــع‬
‫ى ا االبتالء دون أن يشعر بك أحد‪...‬‬

‫تساءل ؟‬

‫* لماذا ال تريدني أن أخبر أح ًدا ؟‬

‫‪112‬‬
‫‪ -‬ألن ثقاف ـ ــة المجتم ـ ــع ف ـ ــي ىـ ـ ـ ه المس ـ ــألة ت ـ ــؤثر س ـ ــلبًا علـ ـ ـ‬
‫تعايشـ ــك والسـ ــير فـ ــي حياتـ ــك‪ ،‬حت ـ ـ إذا تتزوجتـ ــي إن شـ ــاء اهلل‬
‫ال ت بري زوجك إطالقًا‪ ،‬وال أي أحد يم بصلة بو‪...‬‬

‫* وكيف سأخفي الدواء ؟‬

‫‪ -‬عليـ ـ ــك أن تجـ ـ ــدي حـ ـ ــال‪...‬كـ ـ ــوني مـ ـ ــع اهلل وسـ ـ ــيجعل لـ ـ ــك‬
‫الحاج ـ ـ ــة إلـ ـ ـ ـ‬ ‫رجـ ـ ـ ـا‪...‬ك ـ ـ ــوني م ـ ـ ــع اهلل ألن ـ ـ ــك ف ـ ـ ــي أمـ ـ ـ ـ‬
‫م ً‬
‫عونو‪...‬‬

‫وبـ ــدأت أطبـ ــق م ـ ــا قالـ ــو المهنـ ــدس‪ ،‬واس ـ ــتطع أن أحف ـ ـ ف ـ ــي‬
‫س ــنة عش ــرة أج ــزاء م ــن الق ــرآن‪ ،‬وف ــي الي ــوم الـ ـ ي أنهيـ ـ في ــو‬
‫حف ـ ـ ـ الجـ ـ ــزء العاشـ ـ ــر تقـ ـ ــدم ل طبتـ ـ ــي شـ ـ ــاب توف ـ ـ ـ زوجتـ ـ ــو‬
‫معـ ـ ــي قـ ـ ــال لـ ـ ــي محـ ـ ــاوالً‬ ‫وعنـ ـ ــده فتـ ـ ــاة صـ ـ ــغيرة‪ ،‬ولمـ ـ ــا جل ـ ـ ـ‬
‫اقناعي ‪7‬‬

‫الحاجـ ــة لمـ ــن يعينهـ ــا‪ ،‬واهلل‬ ‫* ىـ ـ ه الفتـ ــاة يتيمـ ــة ىـ ــي ف ــي أم ـ ـ‬
‫في عون العبد ما دام العبد في عون أخيو‪...‬‬

‫‪113‬‬
‫دوم ـ ـا أنـ ــك‬
‫ت ـ ـ كرت عل ـ ـ الفـ ــور حـ ــدي المهنـ ــدس – ت ـ ـ كري ً‬
‫الحاجة لعون اهلل عز وجل‪...‬‬ ‫في أم‬

‫وتزوجـ ـ ـ ـ ـ وحاولـ ـ ـ ـ ـ أن أع ـ ـ ـ ــين ىـ ـ ـ ـ ـ ه الفت ـ ـ ـ ــاة اليتيم ـ ـ ـ ــة ق ـ ـ ـ ــدر‬


‫اس ـ ـ ــتطاعتي‪ ،‬ول ـ ـ ــم أخب ـ ـ ــر زوج ـ ـ ــي اطالقًـ ـ ـ ـا بمش ـ ـ ــاكلي النفس ـ ـ ــية‬
‫وكنـ ـ ـ ـ أح ـ ـ ــاول أن أخفيه ـ ـ ــا عن ـ ـ ــو ق ـ ـ ــدر المس ـ ـ ــتطاع‪ ،‬وأخـ ـ ـ ـ ت‬
‫دوائـ ــي باسـ ــتمرار دون معرفـ ــة زوجـ ــي‪ ،‬ومـ ــن العجيـ ــب أنـ ــي بعـ ــد‬
‫م ـ ـ ــع اض ـ ـ ــطراباتي‬ ‫أخـ ـ ـ ـ ال ـ ـ ــدواء بس ـ ـ ــنتين؛ أص ـ ـ ــبح أتع ـ ـ ــاي‬
‫النفس ـ ــية م ـ ــن غي ـ ــر معان ـ ــاة‪ ،‬وأحيانًـ ـ ـا تم ـ ــر أس ـ ــابيع وش ـ ــهور دون‬
‫معاناة نفسية‪ ،‬وإذا جاءت المعاناة تأتي سر ًيعا وت ىب‬

‫كن أقول في نفسي باستمرار ‪7‬‬

‫* يبـ ــدو أن اهلل أعـ ــانني لكـ ــوني صـ ــادقة فـ ــي اعانـ ــة ى ـ ـ ه الفتـ ــاة‬
‫اليتيمة‪...‬‬

‫***النهاية***‬

‫زياد غزال فريحات‬

‫‪114‬‬
115
‫قصة‬

‫المقامر‬

‫زياد غزال فريحات‬

‫‪116‬‬
‫عب ـ ــاس للع ـ ــب‬ ‫علـ ـ ـ موائ ـ ـ ٍـد تحفه ـ ــا األع ـ ــداء اعت ـ ــاد أن يجلـ ـ ـ‬
‫القمـ ـ ـ ــار‪ ،‬فقـ ـ ـ ــد اختـ ـ ـ ــار ألعـ ـ ـ ــاب الـ ـ ـ ــورق بأنواعهـ ـ ـ ــا الم تلفـ ـ ـ ــة؛‬
‫العتمادى ـ ــا علـ ـ ـ المه ـ ــارة وال ب ـ ــرة باإلض ـ ــافة إلـ ـ ـ المصـ ـ ــادفة‬
‫والحـ ـ ـ ـ ‪ ،‬وك ـ ـ ــره ألع ـ ـ ــاب الن ـ ـ ــرد العتمادى ـ ـ ــا علـ ـ ـ ـ المص ـ ـ ــادفة‬
‫والح فق ‪.‬‬

‫ـياء جميل ـ ــة فـ ــي حيـ ــاة عب ـ ــاس فق ـ ـ ‪ ،‬ب ـ ــل‬


‫القمـ ــار لـ ــم ي ـ ــدمر أشـ ـ ً‬
‫ـف قـ ـ ـ ٍ‬
‫ـرن أمض ـ ـ ـ‬ ‫ـارا‪ ،‬فقـ ـ ــد بل ـ ـ ـ نصـ ـ ـ َ‬
‫جع ـ ــل حياتـ ـ ــو بأسـ ـ ــرىا دمـ ـ ـ ً‬
‫نص ــفو ف ــي اللع ــب علـ ـ موائ ــد القم ــار الت ــي ص ــهرت ش ص ــيتو‬
‫ض ا‪.‬‬
‫وجعلتو مقامراً بفكره وعقلو وعواطفو وقلبو وسلوكو أي ً‬

‫فـ ـ ــي أحـ ـ ــد األيـ ـ ــام وقف ـ ـ ـ مجموعـ ـ ــة مـ ـ ــن الرجـ ـ ــال أمـ ـ ــام بيتـ ـ ــو‬
‫يطـ ـ ــالبون بحقـ ـ ــوقهم‪ ،‬نظـ ـ ــر إلـ ـ ــيهم مـ ـ ــن ناف ـ ـ ـ ة البي ـ ـ ـ وتفـ ـ ــرس‬

‫‪117‬‬
‫وجـ ـ ــوىهم وسـ ـ ــبر أغـ ـ ــوار أطبـ ـ ــاعهم‪ ،‬وق ـ ـ ـرأ أفكـ ـ ــارىم‪ ،‬وعنـ ـ ــدما‬
‫ح ـ ــاولوا اقتح ـ ــام بيت ـ ــو‪ ،‬طل ـ ــب م ـ ــن أبنائ ـ ــو الس ـ ــبعة أن يهجم ـ ــوا‬
‫علـ ــيهم‪ ،‬وطلـ ــب مـ ــن ابنـ ــو الكبيـ ــر أن يحمـ ــل أختـ ــو ذات السـ ــنة‬
‫والنص ـ ــف‪ ،‬وي ـ ــدخل ف ـ ــي وسـ ـ ـ الرج ـ ــال‪ ،‬حتـ ـ ـ تت ـ ــأذى بي ـ ــنهم‪،‬‬
‫ن ّف ـ ـ ـ األبنـ ـ ــاء لعبـ ـ ــة أبـ ـ ــيهم‪ ،‬وقـ ـ ــام ىـ ـ ــو عل ـ ـ ـ الفـ ـ ــور باالتصـ ـ ــال‬
‫جميعـ ــا‪ ،‬ثـ ــم قـ ــام بعـ ــد أيـ ــام باسـ ــقاط‬
‫وسـ ــجن الرجـ ــال ً‬
‫بالشـ ــرطة‪ُ ،‬‬
‫حقـ ــو عـ ــنهم‪ ،‬بعـ ــد أن كتـ ــب علـ ــيهم تعه ـ ـ ًدا بعـ ــدم التعـ ــرض ل ـ ــو‬
‫وأبنائو ‪.‬‬

‫لجـ ـ ـ عب ـ ــاس إلـ ـ ـ ال ـ ــداع‪ ،‬وتعام ـ ــل معه ـ ــم كم ـ ــا يتعام ـ ــل م ـ ــع‬
‫أعدائـ ــو عل ـ ـ موائـ ــد القمـ ــار‪ ،‬ال ـ ـ ين يلعبـ ــون مـ ــع عبـ ــاس ليسـ ــوا‬
‫ـداء فـ ــي الحقيقـ ــة‪ ،‬لكـ ــن ىـ ـ ـ ا شـ ــعوره الحقيقـ ــي تجـ ــاه ك ـ ــل‬
‫أعـ ـ ً‬
‫معـ ــو عل ـ ـ مائـ ــدة القمـ ــار‪ ،‬عبـ ــاس رم ـ ـ بأبنائـ ــو فـ ــي‬ ‫مـ ــن يجل ـ ـ‬
‫وسـ ـ الرج ــال الغاض ــبين‪ ،‬كم ــا يرم ــي بورق ــو ف ــي لعب ـ ٍـة يش ــعر أن ــو‬
‫محتـ ــر فيهـ ــا‪ ،‬لـ ــم يت ـ ـ كر مسـ ــقبل األبنـ ــاء‪ ،‬وال آالمهـ ــم‪ ،‬ألنـ ــو‬

‫‪118‬‬
‫ك ــان ف ــي حال ــة أم ــل ف ــي الف ــوز والنج ــاة‪ ،‬ىـ ـ ا األم ــل ل ــم يفارق ــو‬
‫علـ ـ ـ م ـ ــدى عشـ ـ ـرين س ـ ــنة رغ ـ ــم خس ـ ــاراتو الكثي ـ ــرة والكبي ـ ــرة‪،‬‬
‫ـل خسـ ـ ــاراتو المؤلمـ ـ ــة والموجعـ ـ ــة لـ ـ ــم تثنيـ ـ ــو عـ ـ ــن مواصـ ـ ــلة‬
‫فكـ ـ ـ ّ‬
‫اللعـ ـ ـ ـ ــب‪ ،‬عبـ ـ ـ ـ ــاس اعتمـ ـ ـ ـ ــد عل ـ ـ ـ ـ ـ كشـ ـ ـ ـ ــف أوراق مهاجميـ ـ ـ ـ ــو‪،‬‬
‫وفاجـ ـ ــأىم بأبنائـ ـ ــو‪ ،‬فقـ ـ ــد تمـ ـ ــرس كيـ ـ ــف يحجـ ـ ــب أوراقـ ـ ــو عـ ـ ــن‬
‫ال صوم‪.‬‬

‫ـاب يطال ـ ــب بحق ـ ــو فأش ـ ــهر‬


‫قب ـ ــل ع ـ ــدة س ـ ــنوات ج ـ ــاء إلي ـ ــو ش ـ ـ ٌ‬
‫مسدسـ ـ ـاً ف ـ ــي وجه ـ ــو‪ ،‬وى ـ ــدده بالقت ـ ــل‪ ،‬فنظ ـ ــر إلي ـ ــو ث ـ ــم أخ ـ ــرج‬
‫ىاتف ــو وب ــدأ بتص ــوير الش ــاب وى ــو مش ــهراً مسدس ــو ث ــم ق ــال ل ــو‬
‫عباس‪:‬‬

‫* أنـ ـ أم ــام ثالث ــة خي ــارات‪ ،‬إم ــا أن تقتلن ــي وإم ــا أن أذى ــب‬
‫بالشـ ـ ـ ــكوى عليـ ـ ـ ــك ألسـ ـ ـ ــجنك‪ ،‬وإمـ ـ ـ ــا أن تعطينـ ـ ـ ــي المسـ ـ ـ ــدس‬

‫‪119‬‬
‫وتأخـ ـ اله ــاتف وتمسـ ـ م ــا ت ــم تص ــويره‪ ،‬مع ــك نص ــف دقيق ــة‪،‬‬
‫بع ـ ـ ــدىا س ـ ـ ــأتحر إلـ ـ ـ ـ قس ـ ـ ــم الش ـ ـ ــرطة‪ ،‬بع ـ ـ ــد نص ـ ـ ــف دقيق ـ ـ ــة‬
‫والشـ ـ ــاب فـ ـ ــي حالـ ـ ــة ذىـ ـ ــول أخ ـ ـ ـ عبـ ـ ــاس المسـ ـ ــدس وأعط ـ ـ ـ‬
‫الشاب الهاتف وخاطبو مبتسماً‪:‬‬

‫ـكرا لـ ــك‬
‫* مسـ ــدس جميـ ــل كن ـ ـ أتمن ـ ـ أن أمتلـ ــك مثلـ ــو‪ ،‬فشـ ـ ً‬
‫علـ ـ ىـ ـ ه الهدي ــة‪ ،‬ال تري ــد أن تمسـ ـ التص ــوير‪ ...‬ال ب ــأس أن ــا‬
‫سأقوم بمسحو‪ ...‬رافقتك السالمة‪...‬‬

‫لقـ ــد قـ ــامر عبـ ــاس بحياتـ ــو‪ ،‬بعـ ــد أن حـ ــاول ق ـ ـراءة الشـ ــاب‪ ،‬فقـ ــد‬
‫تنبـ ـ ـ ـ ــأ بسـ ـ ـ ـ ــلو الشـ ـ ـ ـ ــاب؛ ألنـ ـ ـ ـ ــو اعتـ ـ ـ ـ ــاد أن يفهـ ـ ـ ـ ــم أنصـ ـ ـ ـ ــا‬
‫الحرك ـ ــات‪ ،‬ويكتش ـ ــف كثي ـ ـ ًـرا م ـ ــن المع ـ ــاني‪ ،‬واألش ـ ــياء المهم ـ ــة‬
‫م ــن وراء إش ــارة ع ــابرة‪ ،‬وحرك ــة ص ــغيرة ال يُلقـ ـ له ــا ب ــاالً‪ ،‬كم ــا‬
‫أنـ ـ ــو اعتـ ـ ــاد أن يق ـ ـ ـرأ العيـ ـ ــون‪ ،‬ويفهـ ـ ــم قسـ ـ ــمات الوجـ ـ ــوه مهمـ ـ ــا‬
‫حاولـ ـ اإلختف ــاء‪ ،‬لق ــد فع ــل ذل ــك كل ــو ف ــي س ــرعة الب ــرق م ــع‬
‫الشـ ـ ــاب المشـ ـ ــهر سـ ـ ــالحو‪ ،‬فعـ ـ ــل ذلـ ـ ــك وىـ ـ ــو عل ـ ـ ـ يقـ ـ ــين أن‬
‫دائم ـ ــا ف ـ ــي مص ـ ــلحتو‪ ،‬ىـ ـ ـ ا اليق ـ ــين الك ـ ــاذب‬
‫النهاي ـ ــة س ـ ــتكون ً‬

‫‪120‬‬
‫رافقـ ــو عل ـ ـ مـ ــدى عش ـ ـرين سـ ــنة ورغـ ــم خسـ ــاراتو الكثيـ ــرة‪ ،‬مـ ــا‬
‫زال عل يقينو‪...‬‬

‫عن ـ ــدما نظ ـ ــر عب ـ ــاس إلـ ـ ـ المس ـ ــدس‪ ،‬ق ـ ــرر أن ي ـ ــاطر دون أن‬
‫ي ــدخل ف ــي قلب ــو ال ــو ‪ ،‬فالش ــيء الوحي ــد الـ ـ ي ي ــا منـ ــو‬
‫ى ـ ــو ال ـ ــو ‪ ،‬ك ـ ــان ب مكان ـ ــو أن يعط ـ ــي الش ـ ــاب حق ـ ــو ويرت ـ ــاح‬
‫وال يصـ ـ ــل إل ـ ـ ـ ى ـ ـ ـ ه المرحلـ ـ ــة‪ ،‬فالبشـ ـ ــر األسـ ـ ــوياء يناضـ ـ ــلون‬
‫ألجـ ــل الطمأنينـ ــة والسـ ــكينة‪ ،‬أمـ ــا عبـ ــاس فهـ ــو يجتهـ ــد لركـ ــوب‬
‫أرواح ـ ـ ــا كثي ـ ـ ــرة‪،‬‬
‫الم ـ ـ ــاطر‪ ،‬يرك ـ ـ ــب الم ـ ـ ــاطر وكأن ـ ـ ــو يمتل ـ ـ ــك ً‬
‫البشـ ــر األسـ ــوياء ي ـ ــاطرون عنـ ــدما يضـ ــطرون‪ ،‬أمـ ــا عبـ ــاس فهـ ــو‬
‫ابح ــا واألخـ ـرين‬
‫ـارا؛ ألن ــو يعتق ــد أن ــو إم ــا أن يك ــون ر ً‬
‫ي ــاطر م ت ـ ً‬
‫خاسـ ـ ـرين‪ ،‬وإم ـ ــا أن يك ـ ــون ذئبً ـ ــا أو تأكل ـ ــو الـ ـ ـ ئاب‪ ،‬فه ـ ــو م ـ ــن‬
‫الصـ ــعب أن يفهـ ــم أن الحيـ ــاة يمكـ ــن أن يكـ ــون فيهـ ــا أكثـ ــر مـ ــن‬
‫راب ‪ ،‬أو أن يتجنب الجميع ال سارة‪...‬‬

‫‪121‬‬
‫قبـ ــل سـ ــنوات قليلـ ــة اشـ ــت ّد ال ـ ــال بـ ــين عبـ ــاس وشـ ــركائو فـ ــي‬
‫متجره فقالوا لو‪:‬‬

‫كاء ف ــي‬
‫* ي ــا عب ــاس يج ــب أن تتغي ــر قواع ــد اللعب ــة ونص ــب ش ــر ً‬
‫إت اذ القرار‪ ،‬فضحك عباس بصوت ٍ‬
‫عال وقال في نفسو‪:‬‬

‫* كي ـ ـ ــف يري ـ ـ ــدون م ـ ـ ــن مق ـ ـ ــامر أن يغي ـ ـ ــر قواع ـ ـ ــد اللعب ـ ـ ــة لغي ـ ـ ــر‬
‫صـ ـ ــالحو‪ ...‬مشـ ـ ــكلة ىـ ـ ــؤالء أنهـ ـ ــم لـ ـ ــم يفهمـ ـ ــوا‪ ،‬مـ ـ ــاذا تفعـ ـ ــل‬
‫الموائـ ــد فـ ــي رجـ ــل م ـ ـ ّدة عش ـ ـرين سـ ــنة‪ ،‬فأنـ ــا اليمكـ ــن أن أقبـ ــل‬
‫ـارا بتغيـ ـ ــر قواعـ ـ ــد اللعبـ ـ ــة لغيـ ـ ــر صـ ـ ــالحي‪ ،‬شـ ـ ــركاء عبـ ـ ــاس‬
‫م تـ ـ ـ ً‬
‫اكتش ـ ـ ــفوا ص ـ ـ ــعوبة الصـ ـ ـ ـراع م ـ ـ ــع عب ـ ـ ــاس‪ ،‬ف ـ ـ ــال يوج ـ ـ ــد قاع ـ ـ ــدة‬
‫للتعامـ ــل معـ ــو عل ـ ـ أساسـ ــها‪ ،‬فالقاعـ ــدة الوحيـ ــدة التـ ــي يتعامـ ــل‬
‫بها المقامر ىي أن ال قاعدة‪...‬‬

‫عب ـ ــاس مـ ـ ـراو عني ـ ــد‪ ،‬لكن ـ ــو قلي ـ ــل الص ـ ــبر‪ ،‬قل ـ ــة الص ـ ــبر عن ـ ــد‬
‫عب ـ ــاس ى ـ ــي النقط ـ ــة الت ـ ــي س ـ ــار عليه ـ ــا ش ـ ــركاء عب ـ ــاس‪ ،‬وى ـ ــي‬

‫‪122‬‬
‫س ــيرىم م ــع الص ــبر الطويـ ــل‪ ،‬وال مج ــال س ــوى الص ــبر الطويـ ــل‪،‬‬
‫فعبـ ــاس عنـ ــدما ي سـ ــر ال يتراجـ ــع بـ ــل يسـ ــع جاى ـ ـ ًدا لتعـ ــويض‬
‫خسارتو فالصبر الطويل ىو من يراكم ال سارات‪...‬‬

‫إن عب ـ ــاس لديـ ـ ــو وى ـ ــم كبيـ ـ ـ ٌـر‪ ،‬بقدرت ـ ــو عل ـ ـ ـ ال ـ ــتحكم فـ ـ ــي أي‬
‫لعب ـ ــة أو صـ ـ ـراع وأن ف ـ ــي مق ـ ــدوره أن يس ـ ــيرىما حس ـ ــب إرادت ـ ــو‪،‬‬
‫وأن لديو قدرة ىائلة عل التوقع‪.‬‬

‫الص ـ ــبر الطوي ـ ــل ف ـ ــي الصـ ـ ـراع ى ـ ــو أنج ـ ــع الط ـ ــرق للصـ ـ ـراع م ـ ــع‬
‫المق ــامر‪ ،‬لتتـ ـراكم خسـ ــاراتو وانتظ ــار ص ــدمة تزيـ ــل ال ــوىم ال ـ ـ ي‬
‫امتل ــك عقل ــو‪ ،‬وى ــو الق ــدرة علـ ـ ال ــتحكم ف ــي مس ــار اللعب ــة أو‬
‫مسار الصراعع‪...‬‬

‫*** النهاية ***‬

‫زياد غزال فريحات‬


‫‪123‬‬
124

You might also like