Professional Documents
Culture Documents
دعـوني أرحــل
دعـوني أرحــل
بقلم الهاشمية
دار القاسم للنشر والتوزيع
( ) 1الخوف من المجهول
إذن بقي عام على الزواج ! خالل هذا العام كان يُرسل 0إلي كتباً مغلفة خفية ودون علم أهلي !
ويطالبني بإصرار أن أخفيها عن أنظار الجميع !!
وكان يسألني باستمرار وبانتظام عن تأثير هذه الكتب علي ! وهل عملت بما فيها ؟ وما رأيي
بمحتواها ؟ الحق يُقال بأن اهلل لم يكن بريد 0مني أن أفتح هذه الكتب أو أرى ما فيها على اإلطالق
،ولكن إجابتي 0له كانت بأنها نافعة ومفيدة ..حتى ال يضغط علي بها أكثر من ذلك !
لقد تربيت في بيت يعرف الحقوق والواجبات ويق ّدرها 0وهلل الحمد ،باإلضافة 0إلى كونه بيتاً محباً
هادئاً فبالتأكيد سوف تكون حياتي كذلك !
ال حظت عليه قبل الزواج عدم ذهابه إلى المسجد في وقت الصالة ! وقد كان ُحلُمي الذي طالما
راودني أن أتزوج رجالً ملتزماً خلوقاً ديّناً ،والشيء األهم 0أن يصلي الصالة في المسجد مع
الجماعة ..حتى تسكن 0روحي معه ..وأطمئن له وبه ..وتهدأ حياتي 0وترفرف عليها السعادة
واألمان !
كم حلمت بأن يستيقظ من سأتزوجه لصالة الفجر كل يوم ويوقظني معه ألصلي ..
جاء يوم الزواج وأنا شبه واعية ! أخذ الخوف مني كل مأخذ ..اليوم فقط سأبدأ 0حيا ًة جديدة !
كنت بكامل زينتي ،ولم يتم حديثه إال وقد دخل جمع غفير من الرجال !!!
وعيون القوم تكاد تلتهمني !
أخذ البقية يثنون على اختيار زوجي لي وقد توقعت أن بقوم بالنيل منهم لهذه المجامالت غير
مقزز لم أعرف القصد 0من ورائه !!
الالئقة والتي صدرت بأسلوب ّ
ولكن لألسف ! فقد اتسعت ابتسامته وانفرجت أساريره ..وماتت غيرته !!
خرجت فوراً من الحجرة وكأنما شعرت 0بغضب اهلل قد وقع علي وما أشده 0من غضب !!
عدت إلى منزلي 0تسبقني إليه الدموع المذنبة .. 0ولكن يجب أن أقنع هذا الزوج بأسلوب حكيم
هيّن ليّن ! فرجوته أال يفعل ما فعله اليوم مرة أخرى ! بكل أدب وطيب حادثته: 0
ـ ألن اهلل لن يوفقنا في حياتنا على هذه الصورة !
ضلْت السكوت 0واإلقناع بالحسنى على
فأبدى غضبه واستياءه وثار ،وأقام الدنيا 0ولم يقعدها ! فف ّ
فترات متقطعة ،والتنازل له حتى يفعل 0اهلل أمراً كان مكتوباً .
فوجئت مرة أخرى وأخرى بإصراره على مخالطتي لهؤالء الرجال .. 0رفضت ،رجوته ..
أمرني 0بلهجة حانقة بالدخول قائالً :
الودية والطرب0
ـ إنهم جميعا قد اعتادوا على المخالطة والضحك وتبادل النكات واألحاديث ّ
ِ
ولست أنت التي ستعيقين فعلهم أو تصلحين من شأنهم ! فلتوفري مجهوداتك رجاالً ونساء ..
لنفسك !
تأملت الحال ! أال يخافون اهلل وغضبه ؟ كيف تختلط النساء بالرجال بهذه الصورة المنتنة ؟
كيف تبدي النساء زينتهن أمام رجال أجانب 0؟! كيف يسمح أزواجهن 0بهذه الدناءات ؟
ذهبنا بعد ذلك لزيارة بلد عربي آخر ..وما زلنا في األسبوع الثاني من الزواج … فقلت في
نفسي :نحن اآلن بمفردنا ،وسأحاول إقناعه !
ذهب ليأتي 0لنا بالعشاء من الخارج ..فذهبت أبحث في سورة النور عن اآلية الفاصلة 0لهذا العمل
المشين ..والبهجة تمألني وكأني قد أمسكت بعقال 0اإلبل ..نعم هنا سيقف وهنا سيرضخ !!
فإذا حكم اهلل بأم ٍ0ر فال خيرة له وال لي فيه ! نعم جاء الفرج وانكشفت الغمة ..
انتظرته بفارغ الصبر وكأن أجنحة الطيور جميعاً ملكاً لي أطير بها أينما أشاء في هذا الكون
الفسيح ! وكأنما قلوب الكون تعاضدني ألصل إلى الخالص األكيد !!
جاء ،لم أنتظر واالبتسامة 0تنم عن فرح شديد 0وعن روح منتصرة ،ثم فتحت المصحف على اآلية0
" وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن وال يبدين زينتهن إال ما ظهر منها
وليضربن بخمرهن على جيوبهن وال يبدين زينتهن إال لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن " .
وقبل انتهائي 0من اآلية 0نظرت إلى وجهه وقد توقعت التوبة والندم بالطبع !! ولكن يا للحسرة ،لقد
استشاط غضباً ،وقام بخطف المصحف الشريف 0من يدي بقوة وألقى به على السرير ونظر في
عيني بتهديد قاتل ووعيد مخيف .ثم قال :
ّ
ـ أنت تستمعين إلى كالمي أنا وليس إلى كالم هذا ..مفهوم !!
هذه الصعقة زلزلت كياني فخارت قواي ،ال فائدة !! َم ْن هذا الرجل الذي تزوجته 0؟
طلبت المفاهمة منه بهدوء ،بكل أدب ،مع أن قلبي كاد أن يُخلع من هول الصدمة ! 0فسألته :
ـ ماذا تقصد ؟ وكيف تجرؤ على وضع المصحف بهذا 0الشكل ؟
فكرت ملياً ..البد 0من مخرج لهذا 0المأزق والصبر هو العالج األفضل .
تمادى الجميع ( من الرجال ) 0في التحدث والضحك معي ،وافتعال المواقف التي تجبرني على
الكالم معهم .. 0بكيت كثيراً على إجبار زوجي لي بالمخالطة ..رضخت بمشاعر مكرهة ! لعل اهلل
أن يهديه فال يعاود ذلك !
كنت ألبس حجاباً ساتراً 0جداً وأغطّي أكبر جزء ممكن من مالمحي ومن جسدي ونظراتي كسيرة
منخفضة ال تجرؤ على النظر إلى هذا الكم 0الهائل 0من الوحوش الذين لبسوا مالبس الرجال !
وإذا به يناديني 0من بينهم فأرفع رأسي إليه والخجل يل ّفني والحياء يذيبني ، 0فيأمرني بأن أرفع
حجابي عن أكبر جزء ممكن ونظراته 0غاضبة تكاد تفتك بي وتعتصرني ، 0فال أستطيع ! فيرغمني
مرة أخرى بإرسال تلك النظرات 0التي تتوعدني وتتهددني ،فأرفض قسراً مع شدة خوفي منه
ومنهم !
أعاود النظر إليه فيشير إلي أن تكلمني مع المتكلمين ،واضحكي ،واخلعي جلباب الحياء الثقيل
،وكوني أكثر جرأة منهن !!! ولكن ديني يردعني وضميري يمنعني ..
نعود لمنزلنا ..أكفل له أنواع السعادة 0والهناء على الرغم من كل شيء !! كل ذلك حتى يتفهم
طبيعتي وما أريده وما أرغب عنه ..ولكن ال جدوى ! يا لألسف ما لعمل ؟
سترت عليه ! مدحته أمام أهلي ،وأمام الجميع بأنه أرجل الرجال ! 0يجب أن أضع األساس0
الصحيح لبناء المنزل الذي ليس له قواعد حتى اآلن ! يجب أن أحاول 0المزيد ولكن بعيداً 0عن
العيون …
في األسبوع الرابع ضقت ذرعاً بعدم صالته في المسجد ..قلت له بضيق :
ـ لماذا ال تصلي في المسجد مع الجماعة ؟
ـ صالتي في المسجد تخصني ! وصالتي في المنزل أفضل ..ال أريد االحتكاك 0بمن في المسجد
!!
سألته باستغراب 0واضح :
ـ ماذا تعني ؟
ـ ال أعني شيئا ..هيا سنخرج اآلن ! ..
تكرر هذا الموقف كثيراً ولكني 0لم أرد فقد الصبر المتبقي لدي !
فاج 00أني في أحد األي 00ام بدخوله 0إلى الم 00نزل وقت ص 00الة المغ 00رب .. 0وقد امتألت عين000اه بال000دمع ..
وارتفع صوت نحيبه وبكائه ومعه عدد من أقاربه الرجال! 0
ما الخطب ؟! كاد أن يُغمى علي من شدة الهلع والخوف ! :رجل يبكي 0؟! وأمامي ؟! وأقاربه
كذلك ؟!
هل أصاب أهله أو أهلي مكروه ؟ يا إلهي قدماي لم تعودا قادرتين على حملي !! أهو أبي ؟ أهي0
جدتي العجوز ؟ أهي أمه ؟! أرجوك سيسقط قلبي من فرط الخوف !!
اكتملت المخاوف ..رجوته أن يخبرني َمن الذي مات ؟ ..لم ينطق ! لبست المالبس الحالكة
السواد كما أمرني 0كاآللة التي يتحكم بها صاحبها كيفما شاء ! خرجت معه ! وعلى الرغم من
ذلك لم أنج من نظرات 0أقاربه !! قلت لوالدته 0وأخته بلهفة وأنا ألهث ..
دخلت ببطء ..رأيت جموعاً من النساء قد اجتمعن ..يبكين ويضربن على صدورهن !!
أين أنا ؟ ماذا 0أرى ؟ ما هذا المجتمع الغريب 0؟ الكل 0يبكي وينتحب ؟!
فقدت الصبر ..فسألت إحدى 0أخوات الزوج بتأثر شديد 0من هذه المناظر المحزنة المخيفة :
ـ من هو الشخص الذي مات ؟! أشعر 0بالحزن عليه ..
ـ ماذا تقصد بكالمها 0؟ ولزمت الصمت أنا كذلك ،فتاهت نظراتي 0بين أفراد هذا العالم الجديد0
على حياتي !!
فجأة ش ّد انتباهي 0نياح النساء وضرب بعضهن بأيديهن 0على رؤوسهن ووجوههن ! ( خاطبت نفسي
) ..
ـ يا ترى من هذا الشخص الذي أثّرت وفاته على كل هذه الوفود من النساء والرجال ؟
وهل عزاء يقام يحدث فيه كل ما يحدث اآلن ؟!!
كعادتي فضلت السكوت ومجاراة الواقع واستكشاف األمور الغامضة 0بهدوء ..
ـ من هي تلك المرأة التي تصدرت الجموع وجلست وحدها تقابل 0كل هؤالء النسوة وقد غرقت
ومن معها 0في بحر من الدموع المنسكبة ؟ ما لها تهيج وتضطرب ؟ ما بها تتمايل وتصيح هي ومن
معها ؟ ما لها ال تضبط نفسها 0؟
كأني اسمعها تستغيث بفالن وفالن !!! فمن هذا الذي تستغيث به ؟ وماذا تقصد ؟
الجميع أصبح مواجهاً لها !!! ال بد أنها 0ستقول أو ستفعل 0شيئا ما !! ألنتظر وأرى !!
وكما توقعت فقد أخذت 0جهاز الميكروفون ،وحينما بدأت بالكالم سالت دمعات 0ساخنات 0على
وجهها أثارت 0أحزان وأشجان الجالسات 0فبكين مرة أخرى بحرقة ولوعة !!!
لماذا أشعر بالخوف ؟ لماذا ال أتمالك 0نفسي بهذا 0القدر ؟ لماذا أشعر 0بأن هناك شيئا ما غير سوي
؟!!!
لماذا أشعر بأن أمراً عظيماً سيقع ؟! لم قيّدتني الجالسات 0بنظراتهن ؟ لم أنا بالذات ؟
ما هذه الرجفة التي تسري في أجزائي ؟! هناك شيء ما !!!
نطقت أخيراً 0تلك المرأة المتزعمة للنساء بأول كلمة وهي تصرخ :
ـ اللهم ارحم سادتنا الصوفيين !!!!!!!!!!!!
ماذا سمعت ؟ بالتأكيد 0هناك خطأ إما لدى السامع أو لدى المتكلم ..وفي السامع أكثر ؟!!
زاغت نظراتي .. 0تاهت أفكاري ..تبعثرت أوراقي !! حسناً بالتأكيد 0هناك خطأ في السامع أو في
المتكلم وفي المتكلم أكثر !!!
حسناً حسناً ..أريد أعرف الخطأ عن طريق ردود فعل هؤالء النسوة التي تعالت صيحاتهن !!!
يؤمن !! آمين ،وحرقة البكاء ولوعة الحزن وأنين الفراق قد أخذ منهن كل مأخذ!! 0
إن الجميع ّ
انتقلت نظراتي 0بين النسوة تبحث عن والدة الزوج بلهفة ..أريد حمايتها ! 0أريد أن أدفن وجهي0
في صدرها !!
أريدها أن ته ّدئ من روعي ،وتبعث الطمأنينة في حناياي !!!
كررت المرأة الجملة الدعائية 0مرة ثالثة 0وأخيرة وهي تضرب على صدرها وتتمايل كما تتمايل
األشجار من الريح العاتية ،وتصرخ بصوت عال مستغيث :
ـ اللهم ارحم سادتنا الصوفيين !!!
في ه00ذه اللحظة وج00دتها !! 0وج00دت 0وال00دة زوجي بين النس00اء !! يا إلهي 0م00اذا 0تفعل ؟؟ إنها 0تص00رخ
0ؤمن !! بح00 0رارة أك00 0ثر ..وص00 0وت
على وجهها وتض00 0رب على وجهها 0وص00 0درها !! إنها .. 0إنها ..تّ 0 0
أعلى ..و ..وحرقة أشد !!!!!
ال ..ال ..ال ..ماذا 0يحدث هنا ؟ ..وإذا بأخوات الزوج يحطن بوالدتهن ويفعلن كما تفعل! 0
عدت لواقعي ..حاولت إقتاع نفسي 0بأنهم ال يعلمون ماذا 0يقولون ويفعلون ؟
بالتأكيد لم ينتبهوا إلى ما قالته تلك المرأة ! أين زوجي ؟ عندما يعلم سيفاجأ ! 0سيصاب بصاعقة
عقلية ! سيعرف أن نحيبه كان كثيراً جداً على هؤالء القوم !!
يختل
انتظرت مجيئه بفارغ الصبر ..هناك شيء في كياني تزعزع ..هزة عنيفة جعلت من توازني ّ
!
جاء أخيراً 0ليأخذنا 0من هذا المكان المشؤوم ! ركبنا جميعاً في السيارة ! فتحت فاهي ألخرج ما
تراكم فيه من صدمات اليوم .ثم تراجعت ..أطبقت فمي وأنا أرتجف ..شعرت 0متأكدة بأن
نظراتهم سهام مسلطة علي ! بدأ الهمس ! فضلت السكوت ! 0كالمعتاد ..
عدنا إلى منزلنا ..دخلت ..هناك تغيير داخلي 0يعبث بطمأنينتي ..توضأت واتجهت نحو القبلة ..
ثم كبرت للصالة ..توقفت ال شعورياً ..تذكرت 0ما حدث 0بسرعة !!
لقد عاودتني األحداث الغريبة التي رأيتها وسمعتها اليوم !!
إلي بنظرة غريبة ..لم أعهدها 0من قبل ..نظرة ريبة وهدوء أكثر من المعتاد ..ثم قال :ماذا0
نظر ّ
حدث ؟!
وأشاح بنظره بعيداً 0عني !!! ..
اصطكت أسناني 0ببعضها حتى ِخلت أن العالم 0يسمعها ..انتابني 0الفزع الشديد!! 0
حكيت له القصة بحذافيرها 0واالنفعال قد ترك بصماته جلية على وجهي 0المصعوق ..ما بين هلع
وضحك !!
حلفت له مرة أخرى بتتابع يتفجر من خالله الرعب الذي أحاط 0بي أن هذا هو ما حصل بالفعل.. 0
وقد توقعت منه عدم التصديق ..فبالتأكيد أنه يعتقد 0بأني أمزح معه !! نعم بالتأكيد! 0
قال مرة أخرى وقد انخفض صوته وشعرت 0فيه بالتأنيب وبدا عليه االرتباك :
ـ حسناً حسناً ..اذهبي اآلن وأكملي صالتك !!!
نعم ..هو سيفهم ويق ّدر ! إذا لم يق ّدر الزوج ويتفهم فمن إذاً ؟
انتظرت منه أن يُهدئ الوضع ..أن يذم عمل هؤالء الناس ويعدني 0بأال يذهب إليهم مرة أخرى !
وأال يذرف دمعة 0في حقهم … ! 0انتظرت ..طال انتظاري !! ..ال فائدة !!
حلفت للمرة األخيرة بأن المرأة تتحدث عن الصوفيين ..وتدعو إلى تقديسهم وتبجيلهم !! وعن
حياتهم ووالئهم 0هلل تعالى .. 0وعن أرواحهم التي تساعد الناس مع أنهم 0أموات !!
وعن شفاعتهم وأن لهم أقطاباً وأعواناً وأغواثاً ال نراهم نحن ؟!!!!! ..وأشياء عجيبة غريبة ال
يصدقها العاقل ..هل تصدق ؟؟؟!!
قاطعني بتحد والشرر يتطاير من عينيه الناريتين ..والحقد يبدو جلياً في قسمات وجهه :
ـ الصوفيون هم أفضل الناس ..هم األولياء الصالحون والمقربون إلى اهلل .أم أنك تعتقدين 0أن
أهل السنة هم األسوياء الصالحون ؟!! إنهم 0أهل الكفر 0والضالل وإباحة الحرام وتحريم الحالل !!
ما الذي يجري في هذا المكان وفي رأسي ؟ من أكون أنا ؟ ومن يكون هؤالء ؟!!
ُّ
سكت !!! هل أطبقت السماوات على األرض ؟ من يكون هذا الرجل 0الذي يخاطبني ؟ .. وفجأة
وقفت بين وعي وإغماء ال أدرك شيئاً !! ..نظرت إليه بكل حسرة وسكرات الموت تداعبني ! ..
المنزل يدور بي في كل األرجاء ! ..قدماي !! ..هل أقف عليهما ؟! ..هل تتقاذفني أمواج
التو واللحظة ؟!!
الحقيقة التي بدأت أكتشفها في ّ
أدار ظهره بسرعة ..لقد طعنني في الصميم ..خان وفائي وصدقي وحسن نيتي ..كذب علي
متعمداً !!
ليته لم يرد ! ..ليته حينما رد نفى سؤالي وقال ال ولو بصوت منخفض !! ..
مزقني إرباً إرباً قبل أن يجيب بصوت كالفحيح
ليته طعنني في أعماقي ألف طعنة ! ..ليته ّ
وبنظراته الجنونية وقد بلغ الصبر حده ..
ـ نعم ..نعم أنا صوفي ..وأهلي 0جميعهم صوفيون ،وكل أقاربي ينتمون إلى المذهب الصوفي ..
نحن لسنا بسنيين !!!!!
نحن من أهل الهدى 0والصالح ! ِ ..
وأنت من أهل الضالل والكفر !!
تناثرت أشالئي .. 0أدركت اآلن مضمون الكتب التي كان يرسلها إلي خفية حتى ال يراها أهلي !!
علمت متأخرة بأن ما أصابني لم يكن ليخطئني !!!
ـ حتى أخرجك 0مما أنت فيه من أوهام وضالالت ..فاحمدي اهلل أن سخرني لك ..
وانحدرت دموع الخوف ..بدأ قلبي يتوقف عن النبض شيئاً فشيئاً ..انتشر ظالم الرعب يكتنف
المكان ! ..خانتني قدماي فوقعت أرضاً ..تباطأ الزمان! 0
اختفى صوت العالم من حولي ..انتهى الحديث المشؤوم ! اكتشفت اللعبة ..كم هي دنيئة !! ..
إن الخيانة في النوايا هي أسهل 0عمل يمكن أن يعمله هذا الصوفي الماكر !!
ـ ولماذا ؟ لماذا ؟ لماذا ؟
ابتعدت 0عنه وأنا كطفلة رضيعة لم تتعلم المشي بعد ! ..زحفت على كربتي ..لقد تمثل لي
شيطاناً بشراً ! إنه مخادع خدعني وأهلي !!
يحتك بأهلها0
ّ حاولت ربط األمور بعضها ،تذكرت قوله أنه ال يحب الذهاب 0إلى المساجد حتى ال
! ..إنه يعني ( أهل السنة ) بالطبع ! وهيهات 0أن يتفقا ! وشتان ما بين السنة الطاهرة والصوفية
النتنة !!
أدركت سبب مجيئه من المسجد وهو يحمل أحقاد 0العالم 0علينا ! ..ألن الخطبة لم تعجبه ولم
تؤيد مذهبه .. ! 0نعم ..ولكن فهمي كان متأخراً 0جداً ..
عاودتني األحداث السابقة ..فهمت الحقيقة التي كانت تختبئ خلف شمس الخداع والمكر !!
منعني من االتصال بأهلي 0ومهاتفتهم !! 0أصبح علي كالرقيب العتيد حتى ال أفضح أمره وأهله ! ..
اعتزلته في الطعام والمجلس والمنام !
حاول بعدها إغراقي فيما هم فيه غارقون ! ..ع ّذبوني كثيرا ..قطعوا صلتي بالعالم اآلخر.. 0
يا إلهي 0لقد أفرطوا في إيذائي ..الكل 0يحمل علي أصنافاً من الغيظ لحشمتي وترفعي 0عن غيّهم ..
نعتوني بالمع ّقدة .. ! 0ألنني نشدت 0العفاف ؟ لقد حفظني اهلل منهم ورعاني برحمته .
الكل يشير علي بالبنان المدجج بالعداء 0بأن هذه الفتاة 0سنية !! إذاً فقد أخرجوني 0من الملة ! ..
الجميع يحذرني !!
كم تضرعت إلى اهلل باكية أن يبقي على إيماني وهدايتي ..بكيت في ثنايا 0الليل وفي غسق الدجى
..
( ) 5خطبة وصالة الجمعة
في أحد األي00ام ..وعند الس00اعة التاس00عة 0ص00باحاً أيقظته ح00تى يتهيأ لص00الة الجمعة ..تكاسل ..تباطأ
..فقلت له أستحثه :
ـ ما بك ؟ لقد قاربت الساعة اآلن من العاشرة 0والنصف وأنت لم تنهض بعد ! ..
هيا حتى تستعد للذهاب إلى الصالة !
بعد انتهاء الصالة ..عاد غاضباً حانقاً 0من الخارج ..وأغلق الباب 0بقوة وعنف اهتز له أرجاء
المنزل ..أصابني الخوف !! ..ماذا 0أيضاً ؟ ما به ؟
أسرعت إليه ألستفسر 0عن سبب غضبه ..فقال وصدره يعلو ويهبط من شدة الغيظ :
الوهـابيــون !
ـ األوغــاد !! أهل الكفـر !! ّ
ـ ولكني قرأت بالفعل بأن تخصيص رجب للصيام يعد … ...بدعة !! ..وأن ……! ..
ـ مــاذا ؟!!!!!!!!
ـ نعم ..فهذا الشهر من أفضل الشهور لدينا ..ففيه ليلة عظيمة هي ليلة السابع والعشرين منه
وهي ليلة اإلسراء والمعراج ..
نظرت إليه ألرى أثر كلماتي عليه ..فنظر إلي وقد أدهشه ما قلت ..ال حظت دهشته بقلب
خافق ..ولكني أطرقت برأسي قائلة :
ـ وهل ..وهل ..يجوز تعظيم هذه الليلة ؟! ..أعتقد ..أعتقد ..
ـ ولكن …… ولكن كيف تختلط النساء بالرجال 0؟ وفي المساجد ؟!!!
ـ نعم تختلط !!! تدخل 0النساء بكامل 0زينتها وكل ذلك تعظيماً لهذه الليلة المباركة !
خفق قلبي ..وخاطبت نفسي ..هل ينتظر مني ذلك ؟! ..أرجو أال يأمل أن أفعل !!! ..ثم ..
خرج من الغرفة ..
ولي صالح
أجبرني 0الزوج في إحدى 0الليالي بأن أذهب معهم إلى مراسم عزاء سيقام بسبب وفاة ّ
!!!
وأمرني 0بأن أتصدر أنا هذه المرة النساء في قراءة كتبهم الضالة .. ! 0وحتى يتعلموا مني ! ..وحتى
تتأكد جميعهن من أنني أصبحت إحداهن .. !! 0فأنا مثار جدل 0ال ينقطع بينهن !!
إلي أمام أهله حامالً في يده بعضاً من الكتب ..انتقلت نظراتي بعشوائية0
أصر على قوله ..تقدم ّ
إلى يديه ..أدركت فوراً أنه يريد مني أن أخذل! 0
ـ هذه الكتب التي أردت منك قراءتها على النساء وبصوت عال !! حتى تتجنبي نظراتهن إليك
بأنك مخلوق غريب !! وحتى تثق النساء بأن اهلل قد ِ
هداك إلى الطريق 0القويم !
م ّد يده ببطء ..فتناولت الكتب ..وركزت نظري على الكتاب 0األول وقلت بنبرة تشكك: !! 0
ـ دالئل الخيرات 0؟ ..روض الرياحين ؟! ..مجالس العرائس ؟! ..الروض الفائق .. 0البردة !! ..
قاطعني بتوتر :
ـ ال حاجة 0لك أن تقرأي العناوين بهذا 0التشكك 0وتلك الريبة !! اقرائيها 0فقط فيما بعد ..وافعلي ما
آمرك به !!
صعقت !!!!! ..شعرت 0أن هذه الكتب تحوي افتراءات 0وأكاذيب إذاً على رسول اهلل صلى اهلل
ُ
عليه وسلم ..وأنها قد ُحشيت باألحاديث الموضوعة والمكذوبة !! ..وأنها 0جمعت بين الغث
والموضوع والبدع !! ..ال ..يجب أن أحذر من قراءة هذه الكتب المسمومة الكاذبة.. ! 0
فكيف أقرأها 0على المأل ؟
إن رفضت فسألقى 0عقاباً ساحقاً .. !! 0ما العمل ؟!
ـ ما رأيكم 0؟ من األفضل أن آخذ معي مصحفاً ،وكذلك كتب الحديث المشهورة مثل الصحيحين
،السنن ،الموطآت ،المسانيد ، 0المصنفات ..فإنها تغنينا حتما عن ……… ..وسكت !!!
فهمت بأني 0قد أصبت الهدف ! ..تجهم وجهه على الفور ..وبصوت متهدج خافت مليء
بالرغبة في قتلي وسحقي وقلوب الجميع تعاضده :
ـ ك ّفي ..ك ّفي ..ال أريد سماع المزيد !! ..إلى 0متى سنظل في اختالف ؟! متى ستهتدين 0؟
متى ستقتنعين ؟ متى ستتوقفين عن معارضتنا ؟ ..سحقاً لك ؟ لم يجرؤ أحد قط على انتقاد 0هذه
الكتب المقدسة 0سواك !
آزرته أمه وقد استولى عليها الغضب الشديد :
ـ ك ّفي ..استمعي 0إلى أوامر زوجك وال تعارضيه ..اذهبي لتستعدي للخروج ..تأخرنا ..بسرعة
!
كنت في ظاهري هادئة 0ومسترخية ..ولكن إحساسي 0الداخلي باالنعزال آلمني كثيراً !!
لماذا يقف الجميع ضدي ؟! ..رب ــاه ! لقد تعبت ..ساعدني يا إلهي ! ..ال أريد أن أذهب معهم
..ال أريد أن أقرأ كتبهم ..فليموتوا بغيظهم ..ال أريد أن أضعف أبداً 0أبداً ..
أخذت أتأمل 0الكتب التي أمامي 0بعينين ال تميزان شيئاً ..بعينين فارغتين ..
فتحت الصفحة األولى من كتاب ( مجالس العرائس .. ) 0أحسست بانقباض في صدري منه ..
فتحت على الصفحة الثالثة من الجزء الرابع وقرأت " :أن اهلل خلق األرض على قرن ثور !!!!!
وأن م ّد البحر وجزره يحدث بسبب تنفس الثور !!!!!!
وأن اهلل خلق العرش 0على الماء فاضطرب وتأرجح ،فخلق الحية فالت ّفت حول العرش 0فسكن
!!!!!!!!!!!!!!!
يــا إلهـي ! 0ما هذا الكـذب ؟ هل بعد هذا الكذب من كذب يا معشر الصوفية ؟!!!!!!!!!!!!!
أغلقت الكتاب 0بسرعة وأنا أرتجف ما هذا ؟ … ودعاني الفضول إلى فتح كتاب آخر يقال 0له
( الروض الفائق ) في الصفحة .. 61يقول صاحبه ويدعى " الحريفيش " بأنه كان يذهب إلى
الحج وهو يصلي في مسجده األوقات 0الخمسة ال ينقطع منها في أي وقت أبداً!!!!! 0
هل يعقل 0هذا الهراء ؟ ..إذا كان صاحب عقل ودين فكيف يحج وهو يصلي في مسجده في
البصرة األوقات الخمسة ؟!! ..وهل حدثت خارقة مثل هذه الخارقة الكاذبة 0للرسول صلى اهلل
عليه وسلم ؟!!!!
تابعت القراءة ………… ..ما هذا أيضاً ؟ ..إنه يعلم الغيب ! ..
إنه يحدد وقت وفاة بعض الناس وعلى اإلسالم يموتون أم على الكفر .. ! 0فسأله خادمه: 0
وكيف عرفت ذلك ؟
فقال :
ـ اطّلعت على اللوح المحفوظ فوجدت 0فيه ذلك !!!
وقفت بسرعة ..استرقت النظر إلى الباب ..هل رآني أحدهم 0وأنا أقرأ ؟ ..ال يبدو ذلك ..يبدو
أنهم ما زالوا يستعدون حتى نخرج للعزاء ..اغتنمت الفرصة ..فتحت كتاباً آخر بطريقة 0عشوائية
..
قرأت في كتاب ( روض الرياحين ) 0بأن أعرابياً قال للرسول عليه الصالة والسالم " إن حاسبني0
ربي ألحاسبنّه !! فهبط جبريل عليه السالم وقال :يا رسول اهلل بلّغ األعرابي 0بأن اهلل يقول ال
يحاسبنا وال نحاسبه ألنا قد غفرنا له !!!!!
أي جرأة على اهلل تعالى وعلى رسوله صلى اهلل عليه وسلم هذه ؟ ..
إنه روض الشياطين وليس الرياحين!! 0
في هذه اللحظة سمعت صوتاً خلفي .. 0أدرت رأسي ببطء ..إنه هو ..تأملته 0من رأسه وحتى
أخمص قدميه ! ..قلت له وأنا أالحظ نظراته 0الباردة المتسائلة عن ردة فعلي على ما قرأت :
ـ لن أفعل ..لن أفعل ..أرجوك ..اتركني وشأني .. 0من أنتم ؟ اتركوني ..أرجوكم !!
ارتعد صوتي باالنفعال .. 0وبدت إمارات 0االنهيار على تصرفاتي 0وأنا أهتف قائلة :
ـ إذاً قررتم أن أموت غيظاً ونيران الرفض تستعر في حناياي!! 0
رفعت نظري إلى السماء وعيناي مألى بالدموع ..ركضت وأطلقت العنان لدموعي تسيل على
وجهي الكئيب ..أمرني بالتوقف ..فلم أفعل ..ركضت إلى غرفتي وأقفلت الباب 0ورائي ..
وتركته ومن معه غاضبين وعيونهم تقدح شرراً ..سمعت صدى صوته وهو ينادي !! ..
ارتعدت ..ال خيار ..سأذهب .. 0سأذهب !
بدا االنكسار 0يتجسد في مالمحي ..نظرت إليهم وأنا أهبط درجات 0السلم ..فبادلوني بتلك
النظرة المألى بالزهو !
ذهبت والدته 0معي وأمرتني واثقة 0وأمام النساء بأن أبدأ القراءة.. 0
ابتسمت ..ثم ..رفضت ..اعتذرت للجميع بأني أعاني ألماً حاداً في رأسي ..وتركتهن ..
ُ
وعالمات الغيظ تنطق عنها وعنهن !
تبعتني بعد قليل والدته وهي ُمحرجة ..وقالت بابتسامة 0مصطنعة تخفي وراءها غيظاً مكظوماً :
ِ
انتفعت ـ حسناً ..إن لم تقرأي ..فتعالي 0وشاركينا اللهج بالدعاء والمجالسة ..وتعلمي ..ربما
تصنعت بدوري األلم في رأسي فوضعت يدي عليه وقلت لها أطمئنها :
ُ ..
ـ حسناً ..سألحق بك بعد قليل يا خالتي!! 0
دخلت ..استقبلتني 0نظراتهن الضيقة ..وأفسحت إحداهن لي مكاناً ..شكرتها .. 0ثم جلست وأنا
أتنهد ..
بعد قليل دخلت امرأة 0تتبعها أربع من النساء وفي أيديهن 0كتب ! ..ما هذا ؟ ..ال بد أنها الكتب
نفسها التي طالبوني بقراءتها 0أمامهم !! 0ثم ..ما هذا إنها تحمل مصحفاً ؟! صحيح ؟! ال أصدق !
جلست النسوة األربعة مقابالت 0لنا وبدأت 0إحداهن 0بقراءة القرآن ..ولكن ..إنها 0تتغنى به ! ..
تعجبت من قراءتها !! ..انخفضت نظراتي لترى أكواب الماء منتظمة وكذلك جوالين الماء
موجودة في األرض بجانب القارئات .
عندما يصيب إحداهن النّصب والتعب تتداول 0األخريات 0في القراءة .. 0وبأصوات وتغن به مختلف
..
كان هذا اليوم هو ثالث أيام العزاء 0ويسمى بيوم " الختم " ألنهن 0يختمن فيه القرآن فيهدنيه إلى
الميت !!
أخيراً انتهت المرأة من القراءة .. 0فبدأت بالدعاء بصوت عال مرتفع ..وإنشاد مدائح للرسول
عليه الصالة والسالم من كتاب رأيته بين يديها ..كتاب ( البردة ) ..إنه كتاب يحوي مدائح
غرامية في الرسول 0الكريم 0كما سمعت عنه !
مطوالً نصاً من حديث رسول اهلل ..أطلت االنتظار ..ال أمل في ذلك ..أكملت القارئة0
انتظرت ّ
:
ـ ونحتج بفعل 0ذلك بعمل الولي الصالح فالن بن الفالن !! ..
تعجبت ..شعرت بشيء ما يُعلن سخطه وعدم رضاه بداخلي .. ! 0شعرت بأن الهزل يوشك أن
يبدأ ..ثم أقنعت نفسي الرافضة 0لكل ما أري بأني عن قريب راحلة ..إن شاء اهلل ..
أدوي بصيحات تجعل من أركان المجلس تهتز ..كفى ..أرجوكم
وددت أن أصرخ فيهن ..أن ّ
..لماذا تصرون على تحطيمي وتعذيبي لماذا ؟
ألم تتفكروا في قوله تعالى " 0وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا "
انتهت القارئة من كل شيء ثم وقفت ..فقامت النساء وهاجت وماجت ..ما بهن ؟! ..أين
يذهبن ؟ ..
أين أذهب أنا ؟ ..أوه ..إنهن يتنافسن في أخذ الماء المتواجد لدى القارئات .. ! 0ماذا دهاهن 0؟
..
والدة الزوج وأخواته أيضاً ؟ ..إنهن يتخاطفن أكواب الماء وجوالينه !!
ما هـذا ؟ ..هذه امرأة شتمت أخرى ألنها 0كانت سبباً في سكب بعض الماء من كوبها !!
بضع دقائق ..انتهت الفوضى ! ..عادت كل واحدة ، 0وكأنها تحمل كنوزاً من الذهب والفضة
!! ..
قلت في نفسي :
ـ ما هؤالء النسوة الغافالت 0؟ الماء منتشر في كل مكان ! لم هذا بالذات ؟
ولم يمض وقت حتى نادت صاحبات 0العزاء النسوة إلى الطعام ..أيضاً إنهن يتنافسن في الدخول0
إلى غرفة الطعام ..مهالً ..ما بهن ؟ ..ليس للطعام جناحان 0ليطير بهما !!
ضحكت النسوة استلطافاً لما رأين ..فأشرقت عينا والدة الزوج وهي تقول :
الولي الصالح ..
ـ هيا كلي ..تباركي بهذا الطعام ..إنه مذبوح باسم ّ
كلي ولو لقمة واحدة ..اجعلي 0البركة تسير في دمائك 0وجسدك …!!!!! .
كيف استطاعوا فعل ذلك ؟ كيف ؟ ..لقد نذروا بالذبح لغير اهلل ؟!! ..كيف يجرؤن ..ال
يمكن ! ..
يا رب ..يا رب لم تعد لي قدرة على الحياة معهم .. !! 0هذا فعل قبيح ..إنه شرك أكبر !! ..
ربـاه أنا لست منهم يا رب ..ربـاه أعلم قولك في كتابك الكريم ( 0إن اهلل ال يغفر 0أن يشرك به
ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك باهلل فقد افترى إثماً عظيماً ) .
وقفت ..أقاوم جوعي وعطشي ..تركتهم وما يصنعون ! ..ذهبت مسرعة إلى أقرب دورة مياه (
ُ
أكرمكم اهلل ) ..أخرجت 0ما أكلته حراماً .. ! 0ولكني 0أشعر بالوهن 0والجوع ..
إنهم يستخدمون معي عقاب التجويع بأقوى درجاته حتى أؤمن ..ولكن ال ..الجـوع أرحم من
طعام حرام ..الجـوع أهون من إيماني 0بما ي ّدعون ُ ..ألمت جوعاً ..ألجاهد 0نفسي ضد نفسي.. 0
ال بأس حسبي لقيمات قليالت بالحالل ! ..
ـ رائع ! ..إذاً سنأخذ كأساً أخرى ال بنتي في المنزل ..خذيه وانتبهي 0له جيداً أرجوك ..ال تدعي
تتسرب
قطرة منه ّ
( ) 8كيف أنجو ؟
ما العمل اآلن !! سوف أعود للمنزل ! ..وسأجده هناك ينتظرني ! وسيسألني عما إذا امتثلت لما
أمرني 0به أم ال ! ..ولكني لم أستطع ذلك ..كيف له أن يفهم 0؟
كيف أنجو منه ؟ ..ما العمل يا رب ما العمل ؟ ..اللهم إني أنتظر منك فرجاً ومخرجاً من بعد ما
عانيت من الضيق والبالء !!
عدنا إلى المنزل ! ..وفي الطريق أخذت 0والدته الكأس 0من يدي وهي تحافظ عليه كما تحافظ
األم على الوليد لم أعلّق ولم أنطق ..كان تفكيري 0منصباً على هذا الزوج الذي ينتظرني في
المنزل !
أوووه ..تذكرت .. 0عضضت على فمي بقوة كدت منه أن أدميه ..يا وليتي ..لقد نسيت
المفتاح بالداخل ..ال بد من الصدام !!!
شعرت بثقل يكبّل أجزائي 0وبقلبي يصارع في الخروج من مخبأه من وطأة الخوف !
ُ
علي :
قالت أمه بخوف أمام نظراته 0المثبتة ّ
ـ يا بني ..هدئ من روعك ..إنها ..آه ..نعم نعم ..لقد فعلت !!
ـ ال فائدة ترجى 0منها في هذا المجال يا أمي ..ماذا عساي أن أصنع بها ؟ ..
لت فيها خيراً كثيراً ولكن يبدو أنني كنت مخطئاً ! ..أخبروني ماذا 0أفعل معها ؟ ..أقتلهـا
لقد َّأم ُ
؟ ..
سأصبح عما قريب إماماً 0لألولياء والصوفية ..وزوجتي هي الع ّدو األول 0لي في مذهبي.. !! 0
انفجرت باكية حينها :
ُ0 سيصوت الجميع لي وهي بهذه الطريقة 0؟ كيف ؟ كيف ؟ ..
ّ كيف
ـ إذاً ..أطلق سراحي .. 0واآلن ..أنا ال أريدك ..ال مجال للعيش بيننا ..هيا ..افعل ..ال تعذبني0
..
تصر على بقائي معك ؟ ..أنا سأضرك أكثر من أن أنفعك ! ..
لماذا ّ
ِ
يراودك كانت أنفاسه تتردد بصوت مسموع لكنه قال بهدوء :وهل تظنين بأني 0فاعل ؟ أرجو أال
األمل في ذلك مطلقاً ! ..لن أتركك أبداً 0مهما طال النزاع بيننا !! ..
ثم انسحب بسرعة ودون أن يضيف شيئاً آخر …
ارتميت على األريكة 0وامتألت عيناي حسرة وحزناً 0على حالي ! ..يا إلهي 0أنت مالذي وملجأي
فساعدني ..
ذهب الجميع ..بقيت وحدي ..ولكن لن أقول سوى الحمد هلل على كل حال !
أتت والدته 0بعد قليل وكأنها تتشفى مما حدث ..اقتربت مني وأنا أرتجف كطائر جريح لم يجد
ابتعدت عنها وحاولت التظاهر 0بالتفتح والنسيان فقلت لها :
ُ له راعياً ومطمئناً ..وقفت قليالً ثم
ـ ال بأس ..كل شيء على ما يرام يا خالتي !! ..ال تقلقي سيعتدل 0الوضع قريباً ..سيعتدل ..
تركتها بخطوات زاحفة ..شعرت 0بأنها تريد 0أن تقول شيئاً ما ..ولكني لم أفضل البقاء ! ..
توجهت نحو غرفتي ..استلقيت على فراشي ..أخذت أفكر ملياً بالوضع ..آآه يا رأسي إنه
علي ؟ هل ألنني سنية ؟ ..ولكن لو
يؤلمني من كثرة البكاء ..واألنين ..ما سر حقدهم المتناهيّ 0
كان طريقهم يؤدي إلى الجنة وإلى رضوان اهلل فأنا مستعدة التباعه ..
ابتسمت متحسرة ..الحمد هلل الذي نجاني مما هم فيه !
سمعت صوتاً ينادي ! ..لم أجب ! ..أشعر برغبة في االنفراد 0واالنعزال ! ..
نحن ال نتفق فما الذي يجبرني على البقاء ؟ ..يجب أن أذهب بأي طريقة ! ليس لي مكان في
هذا المكان !!!!
سكت ! ..ثم أجبت :ماذا بعد ؟! ماذا 0يريدون بي ؟
ّ سمعت الصوت مرة أخرى ..إنه صوته ..
نزلت إلى الطابق 0السفلي ..وآثار الصفعة 0الموجعة ما زالت تعلن عن إصرارها على البقاء على
وجهي الحزين ..شعرت 0بوجوده دون أن أنظر إليه ..أجبته وأنا أنظر إلى أصابعي 0المرتعشة: 0
نظر إلى ما تركه من أثر في وجهي ..اقترب قليالً ليتأكد منه ..ثم تنهد ..ومشى بخطواته الثقيلة
إلى مكان وجود أكواب الماء وأخذ كوباً وق ّدمه إلي وهو ينظر بمكر دون أن يحاول إخفاء نبرة
تشع من صوته ..ثم جاء بجالون ماء كبير وسكب في كأسي وقال آمراً ..
البرودة التي ّ
ـ تفضلي بشرب هذا الماء ..
نظرت إلى الجالون في يده ..عدت بذاكرتي إلى الوراء قليالً ..أين شاهدته ؟
لقد رأيته في مكان ما بهذه اإلشارة الحمراء ..نعم ..نعم تذكرت !! ..
إنه الماء الذي تخاطفته النسوة في العزاء ! ..كيف أتى به إلى هنا ؟ ماذا حدث 0؟
شعرت بأنها 0محاولة منه المتحان ذكائي وقدرتي على المالحظة ..ألنه وضع الجالون أمام عيني .
دخلت أمه وأخوته في هذه اللحظة ..مسحت جبيني بالمنديل .. 0وهممت باالحتجاج.. 0
وهنا بادرني 0كمن قرأ أفكاري .
ـ قلت :ستشربين !! 0أم أنك ستعارضيني على ذلك أمام أهلي جميعاً ؟!
أشعر بأن هذا الماء يحوي شيئاً ما ال أعرفه ! ..أردت االعتذار ثانية ..وفعلت ..ولكن اعتذاري
هذه المرة كان عن طريق عيني اللتين تضرعتا للجميع بأن يقنعوه بأن يتركني وشأني.. 0
وعرفت أن ال فائدة ترجى منه أو منهم !!
قت فيه ثم قلت بهدوء وأنا أمسح وجهي 0المعروق بظاهر يدي :
ح ّد ُ
ـ كي تحصل على ما تريد فإنك تدوس على مشاعر اآلخرين دون أن تهتم بقليل من اعتبارهم ..
أليس كذلك ؟!!
قال بمرح دون أن ينظر إلي وهو يستدير ليعيد الماء إلى مكانه: 0
ِ
أصبت ! .. ِ
أصبت .. ـ نعم ..
في اليوم التالي مباشرة 0علمت أن الماء الذي شربته 0كان ألحد أوليائهم !! ..
غسلوا فيه هذا الولي الذي حضرنا 0عزاءه بعد موته !!!!!!! ..إي أنه غسول ميت !!!! ..
لقد ّ
والغرض بالطبع منه أن تسري بركته في جسدي مجرى الدم فأتأثر وأصبح صوفية !!!!!!!!!!
سألته وقد عانيت ما عانيت من الشعور باالستياء والظلم ..وبكل لطف يخفي ما أنا فيه من لوعة
ومرارة وحزن :
ـ ما نوع الماء الذي أسقيتنيه البارحة 0؟
فقال شارداً ..وقد أحسست من خالل شروده أنه فوجئ بمعرفتي لمصدر الماء :
ـ الماء ! إنه ماء طبيعي ! أم أنك ستقولين بأنك 0تش ّكين بمصدره أيضاً ؟!
دعوت اهلل أن يفرج همي وأن يبقي على ما بقي من صبري وجلَدي فيخرجني من بين هؤالء القوم
الظالمين ..ويعتقني من أسرهم! 0
ـ هيا هيا ..سنذهب إلى مكان ستتعجبين مما سترين فيه وتسمعين ..قلت :
ـ ولكن ..الوقت متأخر ..ومن األفضل أن ..قاطعني بسرعة :
ـ هيا ال مجال اآلن لتضييع الوقت ..
ذهبت معه ..أخذ 0ينعطف بسيارته 0يميناً ثم يساراً ..وأنا صامتة أنتظر فرج اهلل ..فقد أصبحت
زاهدة حتى في حياتي .. 0وقفنا عند منزل متواضع صغير ..سألته بخوف :
مصراً على إخفاء ذلك عني ؟! ..سكت وطرق الباب.. 0ـ أين تذهب بي ؟ أال تزالّ 0
فُتح الباب 0على يد خادمة غضبى ..دخل ُمسلَّماً على الرجل الطاعن في السن وأمرني 0أن أتبعه ..
فوجئت !!!!!!!
ـ ألم ينته الهزل 0بعد ؟! ( خاطبت نفسي 0متألمة ) !!
جلس مقابالً له ..شرح قضيتي وأنني من أهل السنة !! ..تبادل الرجالن النظرات 0الحانقة ..
وبدت عالمات التعجب والتفاجؤ على الرجل 0لسماعه هذا الخبر !! ..
امتعض كثيراً وكأنه سمع عني بأنني 0ارتددت عن اإلسالم !!
أكفهر وجهه ..وتلونت مالمحه ..قال بحقد :
ّ
ـ ما هذا الخبر والحدث الجلل ؟! هل ما يقوله زوجك صحيح ؟ ال أصدق ال أصدق !!
أصابني الخوف والهلع ..اعتذر الرجل المسن ليخرج من المكان ..وأنه سيأتي بعد قليل ..
وعند خروجه قال الزوج واثقاً من قوله :
ـ هل ِ
رأيت هذا الرجل ؟! إنه عـالّم الغيـوب !! ..
نظر إلي باستغراب 0وكأنه يشك في صدق نيتي ..ثم قال :
ـ بالتأكيد !! ..وسيخبرك اآلن عن كل ما تفكرين به ..وستُدهشين من إجابته 0على كل األسئلة
التي تُطرح عليه !! ..وسترين 0ذلك بأم عينك !
امتألت غيظاً ..فكتمته !!
ُ
المدعي وجلس في مكانه 0السابق .. 0وإذا بالزوج يخضع ويذل نفسه إليه ..وينحني
ّ وعاد الرجل0
..وينكسر !! ..
وإذا به يقبّل يديه 0ورأسه ..ثم خلع قبعته وفاضت عيناه إجالالً !!!!!!!!!!!
اقترب بعدها 0الزوج كثيراً من الرجل ..وأخذ 0يتمتمان بكلمات 0لم أفهمها ! ..وفجأة نظر إلي
وقال :
اجلسي ..لم تقفين كل هذا الوقت ؟!!
فعلت أيضاً ؟ ..
جلست ..ر ّكزا نظرهما نحوي ! ..يا إلهي 0ماذا ُ
لم أعد أحتمل ! ..لم أعد أستطيع المنافحة ..ماذا 0ينويان أن يفعال بي هذه المرة ؟!!!!!!!!!!!!!
أمرني 0الزوج بانكسار 0أمام الولي أن أخلع حجـ ــابي … ..رأيت اللهفة في عيني الرجل ليرى أي
نوع من الكائنات أنا !!!!!! ..ولماذا تركتهم وما ي ّدعون !! ..
ترددت كثيراً ..وامتنعت ..فأمرني 0الزوج بتلك النظرات 0المخيفة الكريهة.. 0
بالولي يبتسم ابتسامة 0عريضة ! ..إنه رجل مسن ! ..بالكاد 0يرى ويسمع !! ..
ّ فإذا
متوسلة :
وهمست في أذن الزوج ّ
ُ وأمرني 0أن أجلس أمامه 0مباشرة فرفضت بحياء وخجل ..
ـ أرجوك ال أستطيع ..أقسم باهلل العظيم أني ال أستطيع ..أرجوك ..إني 0أخاف ..
ابتسم بدوره ابتسامة صفراء حاقدة :
سيعرفك على مستقبلك ..إنه يكشف الغيب ويعلمه ..
ـ ال تخافي إنه ولي صالح جداً ّ ..
ارتجفت وشعرت باإلغماء ..رباه اصرف أذاهم 0عني ..ربــاه ..
ُ هيا تقدمي ..هيا ..
قام الزوج وأمسك بيدي بقوة آلمتني ..وأجبرني على الجلوس أمام الرجل المسن قائالً بلطف
مصطنع :
ففعلت ..نظر إلي
ُ ـ هيا تعالي ..إنه ال يخيف ..واخفضي ِ
نظرك عنه إجالالً لقدرته 0ومكانته..… 0
الرجل المسن وابتسم ثانية 0ثم قال :
ـ ما اسمـك يا فتــاة ؟!
لم أنطق … خشيت إن نطقت أن يسقط سقف المنزل علينا من غضب اهلل ! ..فأجاب الزوج
بلهفة :
ـ اسمها ……………………………… ! ..أخبرنا 0يا وليّنا العظيم عما سينكشف لك
!!
ارتعشت ..ثم أجبته وأنا أشعر بأنني 0أخضع لتأثير سحر عظيم ..و ..غريب !!!
ُ
ـ فهمت ..فهمت !!! ..
أخفض نظره ..ثم أغمض عينيه وكأنه ينظر إلى شيء ما ..ال أراه !! ثم قال :
ـ ستعودين اليوم إلى المنزل ..سيتراءى لك في المنام الولي الصالح الذي قد مات منذ زمن
( فالن بن فالن ) ال أحد يراه في منامه 0إال قلة من الناس ! ..
فإذا رأيتيه فأخبريه 0بما تريدين وسيخبرني هو فيما بعد بما دار بينكما !!!
ربـاه ..ربـاه ..ماذا يقول هذا الرجل 0؟ ..أريد الخروج ..أنا ال أحتمـل ..
وفجأة سمعت صوتاً بجانبي ..انتقلت نظراتي بسرعة ..إنه الزوج يجهش بالبكـاء 0الحار !! ..إنه
متأثر ..منفعل جداً ُ ..مص ّدق !!
ما به ؟! ثم ..سالت دمعات ال هبات من عيني وليّهم !!!!!!!
فنهض بقوة وش ّد عني حجابي 0بكيد دفين ثم ألبسني القبعة ..ودمعاتي تحرق كل جزء في وجهي0
المتألم ! ..وتناول من الرجل قطعة قماش بالية وهو يشكره 0بذل !! ..فقال الرجل يوجه إلي
الحديث :
ـ أما هذه القطعة فضعيها تحت وسادتك وستقيك الشر وتدفع عنك الضر !
قمت من مكاني 0أترنح من شدة البأس الذي أصابني حتى هذه اللحظة العصيبة ! ..
ال أحد يبالي 0بمشاعري ..يـا رب رحمـاك !!
سمعت الزوج في هذه األثناء يقول والدموع الذليلة 0ال تزال 0تتدفق من حجرها :
ُ
ـ أتوسل إليك يا ولينا العظيم أن تخبرني عن أبي ..لقد مات منذ وقت قصير ..هل في الجنة هو
أم في النار ؟ وهل هو في نعيم أم جحيم !
وزاد بكاؤه 0وعويله ..فأطرق الولي مليّاً ..ثم وضع أصابعه 0على صدره وأغمض عينيه ..وافتعل
سرته ..
حركات كأنما هو يرى أشياء أغضبته ..فتلوى وجهه ..وتقطّب حاجباه .. 0ثم ..أشياء ّ
فقال له :
ال تحزن فأبوك في الجنة ..لقد رأيته اآلن ..إنه يرتع فيها ..هنيئاً لك وله ..
إنه في نعيم مقيم ..ال تخف ..فأبوك بخير فاطمئن وطمئن ذويك عنه ..
زاد بكاء الزوج وارتفع صوته ولكن هذه المرة ..بكاء الفرح والحبور هو الذي كان له صدى في
األرجاء !!!
ولكن ألم بقل اهلل تعالى 0لرسوله الكريم ( ولو كنت أعلم الغيب ال ستكثرت 0من الخير وما مسني
السوء )
إذا كان رسول اهلل إلى الناس وخاتم 0األنبياء والمرسلين ال يعلم الغيب ..فهل يعلمه هؤالء ؟! ..
إنهم قوم يستكبرون !! ..هممت باالحتجاج ..تراجعت ..سيؤذونني بال شك ..أعرف ذلك !
تسرح شعرها0
لم أحتمل هذا القول ..فقمت من مكاني 0غضبى إلى الداخل 0فوجدت 0زوجة الولي ّ
!!
وتخوف ..ربما كانت ذات عقل ..أفضل من زوجها ..
سلمت عليها بريبة ّ
ُ إنها عجوز أيضاً ..
إنها تقبع وحيدة ..وبما هي ال توافق زوجها وال تقتنع بصنيعه مثلي !!
قلت لها باسمة :كيف حالك 0يا خالة 0؟
فبادرتني بالتحية ..وأجلستني بجانبها وقالت :
ـ بحال طيبة ..أهذه أول زيارة لك في بيتنا ؟ ..وجهك 0غير مألوف لدي !
فقلت :نعم ..هذه أول مرة ( ..وخاطبت نفسي ) 0وآخر مرة إن شاء اهلل !!
انتظرت مني رداً ..وأنا كالمصعوقة مما أسمع ! ) هل أصاب عقلي شي ؟! ..هل أنا في كامل
ْ (
وعيي ؟
مروعاً ؟ ..أم أنا موجودة حقاً بين هؤالء ؟!
هل أعيش كابوساً ّ
بدأ عقلي يضعف فقلت لها بذهول :
ـ ولكن !! ..كيف ؟!!!!!! ..هل يستطيع ؟! ..
كيف يُرسل يده إلى البحر وهو يجلس في مكانه 0؟!!! ..كيف …… ؟!
نظرت إليها بتوجس ..رأيتها تضحك !! ..رأيت عينيها الغائرتين تنظران إلي بنظرات تعني شيئاً
ُ
ما !! ..
هل أقنعوها بأن تفعل معي ذلك ؟! ..هل سلّطوها علي هي أيضاً ؟! يـا رب ..يـا رب ..سمعت
صوت الزوج ينـادي ..فخرجت أستجمع ما بقي من عقل ودين !!
ركبت السيارة ..لم أنطق ولم ينطق ..ماذا 0يحدث حولي ؟!! ماذا 0يحصل ؟ أين أنا ؟ ..
أشعر بأن ما يدور هنا هي قصة نسجها الخيال إلى أبعد مدى !!!!
عدنا إلى المنزل ..أول ما عمله الزوج هو أن وضع قطعة القماش تحت وسادتي .. 0وقال بتوسل
:
ـ أرجو أن تعتقدي 0فيها ! ..فهي ستنير لك طريقك وستقتنعين فيما بعد ! ..أرجوك !!
أومـأت برأسي باإليجاب ..وتمالكت نفسي .. 0ما أصعب هذا الموقف ..من سينتصر ؟
ومن سيرفع راية االستسالم البيضاء ؟! ..ويطأطئ رأسه خيبة وخذالناً !!!
لم يغمض لي جفن طوال الليل ..تضرعت إلى اهلل باكية ..رجوت اهلل أن يثبتني ..
فلو رأيت الحلم الذي نسجه لي ذلك الرجل األرعن فأخشى أن أؤمن بهم ! ..يا رب أنت
ملجأي ..يا رب أنت مالذي ..يا رب وجهني إلى طريق الخير والصواب ..لقد ظهرت خيوط
الصبح وأنا لم أنم !! ..
أخشى أن أحلم ..يا رب ساعدني ..ثم ..انسدلت 0أجفاني تغطي عيني بدون وعي مني !!
وفي الصباح ..فتحت عيني بثقل شديد ..رأيته ..يزرع الغرفة 0ذهاباً وإياباً .. 0إنه ينتظر نهوضي
بفارغ الصبر ..وقفت أنظر إليه ..تذكرت .. !! 0جاء يهرول إلي ..راجياً ..باسماً.. 0
ـ هاه ماذا ِ
رأيت ؟! هل صدق ؟ بالطبع صدق !!
أخبريني 0بالتفاصيل ..هيا أسرعي .. 0ال أطيق االنتظار !!
فصلي رؤياك ..هيا ..
أخبرينيّ .. 0
بعد يومين ..ذهبوا بي عند أعظمهم بالءاً ..وأكثرهم شهرة ..ووقفوا بي الساعات الطوال
ينتظرون اإلذن بالدخول .. ! 0سبحان اهلل !! ألهذا 0الحد يُمنع دخول أي شخص إليه ؟! ..هل هو
إله مقدس ؟ ..
هل يختلف تكويناً عن البشر ؟!
طال االنتظار ..وهم ينظرون إلي بين اللحظة واألخرى .. 0إنهم ينتظرون اهتماماً 0مني أو سؤاالً
! ..
ترددت كثيراً في طرح السؤال أو إبداء االهتمام والقلق يساورني ..تًرى أي نوع من الناس
يكون هذا أيضاً ؟!
أخيراً ..فُتح الباب الكبير 0على مصراعيه !! ..ارتجفـوا !! ..فتح كبير ونصر بالدخول إليه أكبر
! ..
تسارعت خطاهم ..أي مغفرة ستقع لهم ؟
أي رضى عنهم بفتح الباب 0والسماح بالدخول إليه ؟ ( تساءلت باستهتار 0في نفسي !!! ) 0تق ّدمني0
الجميع وأنا أنظر في دهشة ..ثم عادوا يمسكون بي وقالوا :
ـ ِ
أنت ولية من أولياء اهلل الصالحين ..لقد فُتح الباب 0بسببك !!
كم حاولنا الدخول 0ولكنه لم يسمح لنا ولم يسمع لرجائنا ؟!!
دخلت بخطوات مترددة ..البيت مظلم ..ساكن ..ال حراك فيه مطلقاً ..وال أصوات تب ّدد
وحشة المكان ..
بدأت المخاوف تنتابني 0شيئاً فشيئاً ؟
وعندما فتح الباب الداخلي .. 0ركضوا ..فتبعتهم بتردد وتخوف شديد .. 0ما نوع الكائن الموجود
بالداخل ؟!!!
شخص قرب موته كثيراً ..ال حراك ..ينام على سرير 0وكأنه جثة هامدة ! ..
هو ال يتكلم ..ال يتحرك ..ال ينظر ..ال يعلم من دخل إليه ومن خرج ؟!
ال يفقه 0شيئاً ..إنه شبه ميت !!!
توجهت أنظر فيمن معي ..أي عقول معتوهة يحملون ؟ تهافتوا عليه كالمصروعين ؟! ..ما هذا ؟
..
إنهم يلمسونه ..يتباركون به ..أوه ..حتى النساء يلمسنه ..يقبّلن يديه ورأسه ووجهه !!! ..
يمسحون على وجهه الهرم ..رباه ..إنهم 0يبكون ! ..بل ينتحبون ؟! ..
ودوت صيحاتهم .. !!! 0إنهم يلهجون بالدعاء ..لمن له يتوسلون ؟!
عال بكاؤهم ّ
أما أنا ..فقد وقفت وحدي ..هائمة على وجهي .. 0ماذا حدث 0؟ لم كل هذا التبجيل والتعظيم ؟!
إنه بشر مثلنا ..بل هو أشالء إنسان !!
وفيما أخذ التفكير مني والتأمل 0والتعجب وقتاً طويالً ..إذ بالزوج يقول من بين أدمعة 0وشهيقه :
بقيت جامدة 0في مكاني ..كيف لي أن أمسك 0برجل ؟! حتى وإن كان الموت يتهافت لخطفه ! ..
ال ..لن أسمح لنفسي بذلك ! 0فأنا أخاف من اهلل ..كفاني 0إلى هذا الحد ..كفاني.. 0
نظرت إليهم وقد عكفوا على أقدامه 0أذالء صاغرين ..ماذا 0جرى لهم ؟ ..قام الزوج بأمري 0مرة
أخرى ..
فقمت وبحركة آلية ال شعورية ..ثم بحركة متعمدة ..وسترت 0يدي بإدخالها في ثنايا العباءة ..
تصنعت تقبيلها حتى ال يفعلوا بي ما ينوون فعله
ُ وأمسكت بيد الصوفي بطريق غير مباشر ..ثم ..
أكثر من ذلك ..
تطاير الشرر من عينيه الباكيتين فخفت ! ..وقبض على يديه بقوة كادتا منها أن تتهشم ! ..
انتفض جسده رغبة في االنتقام مني ! ..رأيت التقريع والتأنيب يتفجران من أنفاسه !!
يا إلهي .. ! 0ما الخطأ الجديد 0الذي ارتكبته ؟! أهو الستر أيضاً ؟! ..ربـاه ما العمل ؟! ..ما العمل
؟! ..
عدنا إلى المنزل وما أن دخلنا من عتبة الباب 0حتى انفجر كالبركان قائالً والكل يؤيده :
فعلت ما فعلتيه أيتها الـ ………… ؟ هل تتحدينني ؟! ـ واآلن ! ..لم ِ
رفع رأسه وهو يتقدم نحوي ببطء ..ثم قال بعد صمت ثقيل وبلهجة متلعثمة :
ـ أقصد أن اهلل عندما يريد إنزال أمر ما بالعباد 0من غضب أو حكم 0يُظلم به الناس ..فإن الغوث
يغيث هؤالء العباد ويخفف عنهم الحكم ويعد له ..ثم ينزله إلينا ..أو أنه يلطّف بقدرته من قسوة
وقوة حكم 0اهلل علينا ..أفيكون هذا جزاؤه ؟!!
آه ..ماذا 0يقول هذا األرعن ؟! ربـاه ..ما للموازين اختلّت ؟ ..
قلت بلهجة مته ّدجة :
ـ ولكن اهلل هو المتحكم بالكون وال سلطة ألحد 0سواه عليه !!
سيطر عليه االرتباك ..ثم قال :
وهـابـين !! ..إن القطب هو أكمل إنسان ..وهو نظر اهلل في األرض ..وفي كل
ـ تباً لكم من ّ
زمان !
عليه تدور أحوال 0الخلق ..ويلجأ إليه الملهوف عند حاجته ..أفهمتي ؟!
صرخت أمه في وجهي 0غاضبة :الويـل لك ! ماذا 0تقولين ؟! إنك 0حمقـاء !!
تقدم أحد اخوته بثقة مفرطة أراد بها أن يزعزع بقايا 0مشاعري فقال :
ـ حسناً ..ال تتعجلي األمور ..أنا سأثبت ِ
لك ..أال تعلمين أن في الوجود ديواناً باطنياً يحكم فيه
ويصرف أقدار الوجود ؟!
القطب األكبر بما يشاء ّ
ُّ
التفت إليه متعجبة ..فسألته بهدوء :
ـ أي ديوان تعني ؟ وأي أقدار هذه التي تخضع لقدرة غير اهلل ؟! ..إن هذا غير صحيح وال يمكن
أن ………… ..قاطعني بهدوء أكثر :
ـ استمعي إلي ..عند الصوفية محكمة عليا يحاكم فيها األقطاب 0أقدار اهلل دون أن تستطيع أية
قدرة إلهية نسخ حكم لها ..فهل تعلمين مكان وجود هذا الديوان ؟ ومن يحضـره ؟!
صرخت بقلب قد مـأله الوجـل ..فهمت إلى أين يريدون الوصول بي ..
ُ
بتخوف ..انقبض قلبي ..وهن عقلي ..هل أعيش في واقعي ؟ ال أصدق ..
نظرت إليه ّ
ُ
ساد صمت قاتل فيه انتظار حارق إلجابتي 0على السؤال المطروح ..أصبحت ال أميّز شيئاً ..
يتفوهون به ..
ليطل انتظارهم .. 0ارتجفت ..هممت بالدفاع عن نفسي واالحتجاج على ما ّ
تصورت ما سيفعلونه 0بي إن نطقت بخالف ما يعتقدون ..تح ّديتهم ووافقت على مجاراتهم فقلت
ّ
بانقباض :
ـ ليس هذا فحسب ..ففي بعض األحيان يحضره النبي ..وكل ذلك يكون في الساعة التي ولد
فيها النبي من كل عام ..أما األنبياء فيحضرونه في ليلة واحدة 0هي ليلة القدر ..وتحضره كذلك
أزواج النبي الطاهرات.. 0
ابتسمت ..فظن الجميع بأني 0آمنت أخيراً 0وأيقنت ..نظروا إلى بعضهم ..توقفوا عن الكالم ..
ُ
انفرجت أساريرهم .. 0فقلت أخاطب الجميع :
ـ حقـاً ؟! هل تحضره أزواج النبي الطاهرات ؟!
استبشر الجميع ..أخيـ ـ ــراً !!! ..فقلت بعد أن أخفيت تلك االبتسامة عن الوجود :
ـ وهل كانت أزواج النبي الطاهرات 0تحضرن هكذا في وسط الرجال ؟! أي هـراء هذا ؟!
وقف الزوج هائجاً بصول ويجول ..يريد 0اإلمساك بي ..وإخفائي 0عن الدنيا ..فأمسك 0به أخوه
بسرعة ..
وفهمت على الفور بأنني ارتكبت في نظرهم خطأ جسيماً في سخريتي من حديثهم .. 0ال بأس ..
إلى متى هذا الخوف ؟ ..إلى متى هذا التراجع 0؟!
( ) 12الحلف واالستغاثة
مضت أيام قالئل بعد النقاش 0والصراع ..خ ّفت حدة التوتر قليالً ..
ذهبنا جميعاً إلى البحــر في وقت الفجـر ..آه ما أجمـله !! ..
كانت النجـوم ما تزال تلمع في كبد السماء ..وأشعة الشمس ..لقد بدأت بالظهور شيئاً فشيئاً
..
دخل الزوج مع اخوته إلى البحـر ..يتــالعبون ..يتمــازحـون ..تذكرت 0اخوتي … ..؟! كم
أشتاق إليهم ..ناداني الجميع ألشاركهم المـرح واللعـب في البح ــر ..اعتذرت وعللت بقائي0
برغبتي في الجلوس مع والدة الزوج قليالً ..ولكن الرفض كان سببه أني ال أريد كسر طوق
الجليد مع اخوته ! ..
فكيف أوافق على اللعب معهم إذاً ؟!
ح ّدقت في البحـ ــر ..في الزرقة الممتدة أمامي 0بال نهاية ..آآآآآآه ..أشتـ ــاق كثيراً لسمـاع
أفقت من أحــالمي الجميلة عندما تحركت
صــوت أمي ..لمداعبات أبي واخوتي .. 0أووووه ُ ..
تحركت بحذر ..ثم قلت بابتهاج 0مصطنع :
ُ إلي !!! ..
والدة الزوج ونظرت ّ
ـ ال … .ال أشعر بالجوع اآلن ..شكراً لك ..فقط أريد كوباً من الشاي ..فالطقس يساعد على
ابتسمت بصدق ..وأحضرت لها كوب الشاي 0لتشربه ..إنها 0تفضله دائماً من صنع
ُ االنشراح.. 0
يدي ..
ناولتها الكوب .. 0ح ّذرتها من إمكان وقوعه ..فاألرض غير مستوية ..
علي ..فأدرت ظهري للبحـر وقابلتها مباشرة .. 0ثم قلت لها بلطف :
استولى االستياء ّ
ـ خالتي ..ماذا 0تقصدين بـ ( فالن بن فالن ) ! ولم هو بالذات ؟!
نظرت إلي باستغراب وكأنها لم تكن تنتظر مني مثل هذا السؤال ..ثم قالت بعد صمت وتلعثم :
ـ إنه ..إنه ..أحد أولياء اهلل الصالحين المقربين إلى اهلل ..آه لقد مات منذ زمن بعيد ..
نستنجد به ونتوسل إليه ..وهذا أمر واجب ومفروض يا ابنتي ..
واجب ديني يجب علينا وعليك أيضاً عمله !!
ـ مثل ..مثل ..الرزق ..األوالد .. 0الزواج ..النجاح ..الشفاء 0من األمراض واألوجاع ..
حبست أنفاسي 0في مكان ما حول قلبي الذي كان يطرق بقوة وعنف ..هناك صوت صغير
ُ
بداخلي 0قد يئس منهم يهتف بي بقوة بأن هذه حقائق زائفة ..وال يهمني سماعها ..
أال يجب أن تكون أكثر عقالنية في مثل هذه السن ؟ ..قلت بقلـق :
ِ
أرجوك ..حسناً لنتبادل وجهات 0النظر ونؤيد أصحها .. ـ خالتي الحبيبة ..فكري معي قليالً ..
أال ترين معي أن سؤال الميت أو الغائب 0يعد منكراً لنفوسنا ؟ ..ال نرتضيه ألنفسنا !! 0ثم إنه لم
يأمر به اهلل ورسوله صلى اهلل عليه وسلم ..وال فعله أحد من الصحابة أو التابعين ..فكيف نفعله
نحن ؟
فقدت أعصابها عند سماع كلماتي ..فلم تجد بداً من اإلدالء 0بدليل تحاول به تشويه الواقع :
ست سنوات أن يرزقه
ـ لن أقتنع ..هالّ علمتي بأن أحد أئمة الصوفية العظماء كان قد دعا اهلل ّ
الولد ..فلم يُرزق !! فذهب إلى ولي صالح ..فما أن استغاث به وطلب منه الولد حتى ُرزق
بطفلين توأمين !!!!!!!!!!!!!!!!!!0
حملقت فيها بعيني ..شعرت 0بأن لمعات البرق تكاد أن تمزق السماء ! ..شحب وجهي ..ال
حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم ..هل بعد هذا الشرك من شرك ؟!
وبحركة ال شعورية ..تابعت قولها وهي ترتعد 0غضباً مني ..وأنفاسها تتمزق ..
ـ أال تصدقين ؟! حسناً ..بجاه فالن وفالن ..وبحق النبي ..أن هذا ما حدث له !! ولكن ما
ِ
أدراك أنت ؟!! ..إن تربيتك الدينية 0كانت غير سليمة ..أعانك اهلل عليها يا بني !!!!!!!
امتقع وجهي 0فأصبح كالغمام ..طالت فترة الصمت ..وساد صمت آخر ..إنها 0تحلف !! بمن ؟
أيضاً بغير اهلل !!
ـ خالتي ..خالتي 0نحن نتجاذب أطراف الحديث !! ..يجب أن تُقنع إحدانا 0األخرى ..كيف ..
كيف تدعين وتستغيثين بغير اهلل ؟! ..
خالتي إنك تفتقرين إلى غير اهلل ..أال تعلمين أن في ذلك إذالل 0للنفس وظلم لها ؟ ثم ..ثم ..
إنك تحلفين أيضاً بغير اهلل ..خالتي..…… 0
لم ترد ..لم تتحدث !! فضلت السكوت 0للحظات ..لقد بلغ الصمت حداً يثير األعصاب !! ال
طيور تزقزق !
وال أوراق تهتز مع نسيم الريح الخفيف ..حتى صوت البحر بدا مكتوماً !!
خففت لهجتي الهادئة من اضطرابها وغضبها ..فنقلت نظرها إلى البحر ..خلفي ..واعتقدت أنها0
تتأمله !!!
قالت بدون أن تنظر إلي ..وقد ر ّكزت نظرها خلفي: 0
ـ إنها فكرة جيدة لم تخطر ببالي 0يوماً ولكن ..ال تظني بأنها 0ممكنة !!
وقف س00اكناً وقد اختفت من وجهه كل آث00ار الس00رور الس00ابقة ..تق00ارب حاجب00اه وهو يتق00دم نح00وي
غاض00باً ..لقد س00مع الح00ديث بأكمله !! أما اآلن ..فأنا في نظ00ره أس00تحق القتل والصلـب والسحـق
!!
أمرني 0بالجلوس ..فجلست فوق إحدى 0المقاعـد ..وضعت يدي على ركبتي كطفلة دون أن
وتصرف معي تصرفاً مجرداً
أنبس بكلمة ! ..فأخذ هو يزرع الغرفة 0ذهاباً وإياباً .. 0لقد ثار علي ّ
من اإلنسانية 0والرحمة !! ..ولكني 0واثقة من أن ذلك لن يغيّر شيئاً من موقفي ! ..فخططهم
واضحة ..ومفهومة ..إنهم 0يحاولون بكل الطرق معاقبتي على تمسكي بسنتي !
لم يجرؤ على الحديث معي مع أنه احترق لمعرفة ما يجول في ذهني من أفكار تجاهه !
نظر إلي بقلق عندما طال صمتي ..وبنوع من االرتباك صرخ قائالً وأنا أرتجف من حدة صوته :
ألعملن على تغيير هذه األفكار الضالة 0التافهة ! وأر ّدك إلى صوابك !! ..
ّ ـ واهلل
ضبطت نفسي وقلت بشكل حازم دون أن أنظر إليه :
ُ
ـ ولكنها ليست باألفكار التافهة ..وأنت تعلم ذلك جيداً ..إنها الحقائق 0التي ال يريد 0أحد سماعها
..
ـ بل أرجوك أنت أن تسدي إلي معروفاً ..أرجوك ..ابق بعيداً عني أنت وأهلك !
نحن ال نتفق إطالقاً اتركني ..وما دمنا نختلف دوماً كما تقول ..فلماذا ال تتركني أذهب من
حيث أتيت ؟!
لماذا تحتفظ بحطامي ؟! ..لماذا ونحن متناقضان في كل شيء ؟! ..لماذا ؟ ..ال أريد البقاء
وضعت رأسي بين يدي ..أجمع دمعاتي0
ُ معك أرجوك ..لقد تعبت ..تعبت ..تعبت ..ثم
الملتهبة ..
ربـاه ..ربـاه ..لم أعد أستطيع أن أقاوم ..أريد الخالص ..أصابني اليأس والهالك يا اهلل ..
ارحمني يا رب ..
ـ ِ
إنك ..إنك تحاولين اختالق األعذار من أجل تبرير تصرفاتك ..ال داعي لتحميلي مسئولية
تهورك وعنادك اآلن ..أنا ال أسيء إليك وال أريد إيذاءك ..أنت السبب ..إنك 0ال تؤمنين مطلقاً
بما أقوله لك وال تصدقين ؟! ..أخاف أن تكوني 0من الهالكين 0؟!!!!!
أغمضت عيني ..تذكرت 0قول اهلل تعالى ( 0ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار *
تدعونني ألكفر باهلل وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار * 0ال جرم أنما
تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا وال في اآلخرة 0وأن مردنا إلى اهلل وأن المسرفين هم أصحاب
النار * فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى اهلل إن اهلل بصير بالعباد) 0
خاطبت نفسي وأنا أراهم 0يتهامسون ..ستظلّون يا ضحايا الصوفية ُعمي البصائر والقلوب ..
مختوماً على سمعكم فال تسمعون من أحد كلمة حق تجادل باطالً صوفياً !!!!
عدنا إلى المنزل المشؤوم ..جلست على األريكة ..أفكر في حياتي ..في مصيري ..يا رب ..
بخطى وئيدة نحو المرآة ..نظرت إلى نفسي 0فيها
ً إن مع العسر يسرا ..وقفت أتهاوى .. 0مشيت
..ال أكاد أصدق عيني !! لقد طرأ تغيير كبير علي !! ..
ارتميت على الفراش ..أخذت أنفاسي 0تنتظم ..ومشاعري تهدأ .. 0وقلبي يسكن .. 0ثـم ..
طُرق البـاب .. 0استدرت نحوه بعينين أثقلهما النوم ..قلت بإعياء :
ـ من الطـارق ؟!
ما بها ؟ ..لم هي مرتبكة ؟ ..ال يهم أشعر 0برغبة في االستلقاء وأخذ قسط من الراحة بعد القراءة0
..قرأت قليالً ..ثم أعدت وضع كتبي في الدرج الخاص بي ..وفيما أنا أفعل ..دخل الزوج :
فتح الدرج ..أخرج الكتب ..امتقع وجهه وهو يقرأ 0العناوين 0بصوت خافت :
ـ الكلم الطيب البن تيمية ..األذكار للنووي ..جالء األفهام في الصالة والسالم على خير األنام
البن القيم ..الشفا 0بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض ..فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية ..
رسالة لسماحة 0الشيخ عبد العزيز بن باز في حكم االحتفال 0بالمولد ……
إنه يتضايق كثيراً عندما أبدي اهتماماً بالغاً 0بالكتب والمطالعة !!!!!!
آه ..ال مجال للمناقشة ..ال أريد الدخول في حلقة مفرغة جديدة ..لن أنازعه ..قلت باستسالم
:
ـ حسناً ..لك ما تريد .. 0سأحرقها 0إن أردت !!!
رأيت ومضياً راقصاً في عينيه !!
استيقظت على صوت آذان العصر ..ما زالت الكتب في مكانها !! ..أخذتها 0بسرعة ..خبأتها0
ُ
تحت السرير .. 0في مكان لن يراها فيه !
أيقظته ..قام كالملدوغ وهو ينظر إلى الساعة !! ..ما باله 0؟! ..هل خاف أن تفوته صالة العصر
في المسجد ؟! ..مستحيل !!!!!! ..لم أسأله… 0
ـ هل أنت جاهزة ؟
ـ تقريباً ! ..ولكن أريد أن أصلي العصر أوالً ..انتظر ..
ثم سكت ..رفعت حاجبي استغراباً .. 0وذهلت ! التفت مرة أخرى إلي وقال :
ـ ما بالك 0؟! ..ألم تستمعي إلى قولي ؟!
نطقت بها مكرهة ! ..فتظاهرت بالصالة معه ..وقد كنت أصلي بمفردي ..آه ..لقد شككت0
حتى في صالتي ..وهي ما أشعر فيها بالراحة والسعادة !!!
أنهينا الصالة ..وعند التسليم الحظت كفيه يتحركـان يمنة ويسرة ..ما باله ؟ لماذا يحركها مع
فامتنعت ..ال أريد المزيد 0من الجدل ..تظاهرت بالتسليم 0معه حتى
ُ التسليمة ؟ ..أردت السؤال
ال يقيم غضبه الدنيا .. 0فأنا لم أعد أحتمل ..كفاني .. 0قلت :
ـ ستعرفين فيما بعد ..ال نريد 0التأخر ..بقيت لنا عشر دقائق فقط ..أين مالبسي ؟
ـ جاهـزة ..ولكن أرجوك أخبرني ..إلى 0أين ؟ ال أعرف لماذا أنا غير مطمئنة ! ..
قابلت أمه في البهو ..إنها بكامل زينتها ..وكذلك أخته !! نظراتها 0شاردة ..ال تريد 0أن تلتقي
بنظراتي المرتابة !! ..لماذا ؟!
أجابت ابنتها وقد أشرق وجهها بابتسامة تنم عن فرحها بحضور هذه المناسبة: 0
ـ نعم يا أمي ..كل شي جاهز .. 0كتاب دالئل 0الخيرات ..والبردة .. 0وكتاب الغزالي .. 0ومجالس
العرائس .. 0وكذلك أخذت معي ..الدفـوف ..والمزامير .. 0ال تخافي ..لم أنس شيئاً أمي !!
صدقته وقد امتأل قلبي بالفرح ..أخيراً 0فهم ؟!! أحسست بأني أطير في السماء من شدة الفرح
والحبور ..ولكن لألسف ..وئدت تلك الفرحة للتو فلم تعرف النور !!!
كز على أسنانه 0بقوة ..ونطقت عيناه بالوعيد الذي عهدته لهما ..واحمـر وجهه غضباً ..وشعرت0
ّ
بحرارة أنفاسه الساخطة وهو يهمس بصوت يرعـد :
ـ لن أطيل الصبر في السيارة !! ..بسرعة تقدمي 0قبل أن أفقد صبري معك !!!!!!!!!!!!!
آه … .ال مجال أيضاً للمراوغة ..اضطررت للذهاب .. 0كم رجوتهم بأن يتركوني ..لهم دينهم
ولي ديني ..ال فائدة ..ذهبت معهم ..
دخلنا في حـارة ضيقة مفتوحة الطرفين ..متعرجة ..طويلة ..مضاءة ..ذات طابع خاص ..أهم
ما فيها الهدوء والنظافة ..
كنت مطرقة متجهمة بليدة في السيارة ..ولكني أدركت أنني على وشك أن أفقد كل شي !!
اقترب من والدته 0وبدأ الهمس الذي عهدته كثيراً في حضرتي 0بينهما ..فطلبت من اهلل العون
والمساندة ..
كان صوتي كسيراً عندما نطقت ..فانزويت أحتضن حقيبتي وأغمضت عيني ..وكأنني غريبة
مسافرة وحدي ..بيد أني اليوم بدأت 0أفكر في النهاية ..ووجدت 0نفسي أهتف :
ـ النهاية .. 0النهاية .. 0ترى ماذا ستكون ؟!!!!
توقفت السيارة أمام منزل متواضع ..رأيت الناس يتزاحمون في الدخول 0إليه ! ..
سترك يـا اهلل ! ..ما الذي سيفاجئني 0هنا أيضاً ؟!!
خرج الجميع فاستبقاني .. ! 0ماذا يريد 0اآلن ؟! أال يكفيه ما يفعله بي ؟ ..أال يكفيه ما مضى ؟!!!
التفت نحوي ..كان قلبي يدق بعنف ..أنا لست مطمئنة لما يجري حولي !!
فقال بتشكك :
ـ أصلحي نيتك ..وال تسخري من شي ..هل ستفعلين ؟!!
ـ نعم ..نعم سأفعل !
خرجت بسرعة ..أغلقت الباب بهدوء ..لم أنتظر المزيد 0من الحديث ..لقد سئمت ..تنهدت
ُ
من األعماق ..
شعر الزوج كأن سهماً بارداً اخترق حناياه حين رآني أهبط من السيارة دون أن أنظر إليه ..
أوجه إليه كلمة واحدة .. 0إنه ال يستحق ..ال
سمعته ينادي ..وينادي ..لم ألتفت إليه ..لم ّ
يستحق ..ال يستحق !!!
وجدت أمامي سلماً طويالً ..صعدته بتكاسل ..الحماس ..التحدي ..لم يعد لهما مكان لدي !!
دخلت إلى دورة المياه ..غسلت وجهي 0وكأنما أغسل أحزاني ..خرجت وقد نزعت عني
حجابي ..سألت إحدى 0العابرات 0بصوت ضعيف :
ـ أين تجلس النســوة ؟!
ـ هنا ..من هذا الباب ..ثم اصعدي بعد ذلك إلى سطح المنزل ..ففيه سيقام المولد ..أسرعي
قبل أن يبدأ !!
دققت النظر في الفتاة ..ثم في النساء ..وجدت مكاناً خالياً .. 0جلست ..امتعضت النساء من
وجودي !! ..ما بهن ؟! ..أقبلت بعض النسوة مسرعـات إلي … أرى في نظراتهن استنكاراً0
لعمل ما عملته !!! ..همست إحداهن 0في أذني 0والجميع يرتقبن 0ردة فعلي وكأنني لست من البشر
:
ـ إذا سمحتي يجب أن ترتدي 0حجابك على رأسك قبل الدخول 0؟!
ـ لماذا ؟ ..هل سيدخل 0رجال هنا مثالً ؟!
اعتذرت عن وضعه ..فيئستا مني وذهبتا حانقتين ..وعادت النساء تح ّدقن بي وتتهامسن في
ُ
وجودي ..ولكني 0لم أعد أكترث ..لقد يئست من كل شي ..فرضى الناس غاية ال تدرك ..
استمرت النسوة في االبتهاالت ..فنظرت إليهن ..سمعتهن يقلن ألفاظاً غريبة :
ـ هو ..هو ..هو ..اهلل ..اهلل ..حي ..حي !! ..
ماذا يقصدن ؟ ..ال أفهم ماذا 0يفعلن !! ..لقد أخذ الوجد منهن مأخذاً 0عظيماً ..وبلغ التفاعل
بينهن مبلغاً أعظم !!
تغير بعد ذلك المجرى ..فتناولت بعضهن الطار والدف والمزمار ..وأخذن ينشدن المدائح
والقصائد 0الشعرية .. !! 0ما هذا التغيير المفاجئ 0؟ ..وما هذا التناقض ؟ ..مدائح نبوية ومزامير
؟!!!!! ..آه ..أحسست وكأن مطرقة هوت على رأسي ! ..
قلت للمرأة التي تجاورني بلهجة أسف لم تخل من النقد: 0
ـ ما مناسبة 0هذا االجتماع ؟
ـ لقد انتقلوا إلى هذا المنزل منذ وقت قريب ..وفرحاً بالمناسبة أقاموا اليوم االحتفال 0بالمولد
النبوي الشريف !!! ..أحسست في هذه الوهلة بأني وحيدة ..فليس هناك عزلة أشد من عزلة
الرأي ..وال انفراد 0أقوى من انفراد العقيدة 0والدين ..نظرت إلى ك ّفي المعروقة ..مسحتها ..آه
لحزنك يا قلباه ..ما أتعسك!!! 0
أقبلت صاحبات المنزل وقدمن الطعام ..وقد دعون إليه األصدقاء واألقارب 0والقليل من الفقراء
!!! ..
فأكلن وتل ّذذن بالطعام ..أما أنا فقد اكتفيت بأكل القليل من الفاكهة ..
ما للوقت يمشي كئيباً ..بطيئاً ؟! زاد يقيني أن الذين حولي ال يشاركوني إحساسي باالغتراب !!
رفعت رأسي نحو الحائط ..وجدت صوراً لطالما رأيتها في الكثير 0من المنازل ..إنها 0صور
أوليائهم .. !! 0يتبركون بها !!
لقد نصبوها في المنازل كلها وكأنها أوثان تعبد ..ما الفائدة منها يا ترى ؟! ..هل يعتقدون فيها ؟
..
هل تجلب لهم نفعاً أو تدفع عنهم ضراً ؟! ..إنهم جاهلون ..غارقون في الوهم حتى الثمالة0
!!!!!
انتهت النساء من الطعام ..فجلسن لالستماع لألشعار المنشودة والترنم 0بالمدائح والشمائل0
المحمدية ومعرفة النسب الشريف ..ولكن مهالً ..إن جل المدائح والقصائد التي أسمعهن 0يتغنين
بها ال تخلوا من ألفاظ شركية إنهم 0يطرون الرسول 0الكريم 0كما أطرت النصارى عيسى بن مريم 0؟!
..هل أخبرهم 0بذلك ؟! ..
ولكني لن آمن العقاب .. ! 0ربـاه ساعـدني!! 0
( ) 15حضر ..حضر
وفجـأة ..ق0امت النس0اء واس00تقبلن القبلة عن00دما ك0انت الفت0اة 0الحس0ناء تق0رأ 0قصة المولد ..ح00تى إذا
بلغت ( :وولدته 0آمنة مختوناً ) !! لقد قمن إجالالً وتعظيماً لدقائق 0تخيالً منهن وضع آمنة لرس00ول
نظرت إليهن ..إني خائفة ..مرتبكـة .. 0ماذا يحدث حولي ..ثم ق00الت
ُ اهلل صلى اهلل عليه وسلم ..
النساء بأصوات وجدانية: 0
ـ لقد حضـر ..حضر ..حضر ..أمام القبلة !! ..
نظرت باستغراب وتخوف !! أين حجابي ؟! ..انتظرن ! من هذا الذي حضر ؟! ..أوقفنه ..أريد
أن أرتدي حجابي ..ولكن ..أنا ال أرى شيئـاً !! من الذي حضر ؟!
هل ..هل يقصدون جنياً ؟ ..من يقصدون ؟ ..هل يرين أشياء ال أراها ؟! ..يا إلهـي !!!
ثـم ..أتي 0لهن بالمجامر وطيب البخـور ..فتطيبت النساء ! ..ثم درن بكؤوس الماء والعصير
فشربن منه بنهم !!
رأيت الصفقة 0خاسرة وأحسست بثقل يمشي في صدري ..فقلت بحسرة وأنا أرافقهن :
ـ من هو الذي حضر ؟! ..أهو رجل آخر تطالبنني فيه بالكشف عن وجهي 0وتقبيله أيضاً ؟!
صعقت ونظراتي المكذبة والمصدقة قد آلمتني كثيراً ..عدت إلى مكاني بسرعة ..وعيون القوم
ترمقني أن كيف أترك فرصة كهذه وأستهين بها !!
جئن واللوم باد على وجوههن بعد أن انتهين من االبتهاالت الجماعية والدعوات والصراخ ! ..
وبعد أن ذهبت روح المصطفى إلى بارئها !!!
ـ بالتأكيد ِ
أنت ال تحبين الرسول 0الكريم 0صلى اهلل عليه وسلم !! ..أنت ال تريدينه 0أن يشفع لك
ِ
رفضت يوم القيامة !! ..ستحدث لك نكبات 0ومصائـب ألنك 0استهنت بحضوره بيننا وألنك0
مشاركتنا في زمن حضوره !!
يـا إلهـي .. ! 0هل ما يقلنه صحيح ؟! ..هل هن صادقـات ؟ ..
يبدو التأثر 0على أوجه الكثيرات 0منهن !!!
يـا إلهـي 0لم أعد أحتمل ..أين الصواب وأين الخطأ ؟! ..
هل يعقل 0أن يكون أهلي على خطأ ؟! ..هل يمكن ؟! ..وبدأت الشكوك تساورني ! ..آه لقد
أثّروا علي من كل اتجـاه ..وحدي أنا ! بدأت 0أسلحتي تضعف شيئاً فشيئاً !!
ربـاه ..أرجوك ..أريد أن أعود لنقائي ..أفكاري النقية ..معتقداتي 0وعقيدتي 0الصافية ! ..
سريرتي 0الطاهرة ..قلبي السليم ..هل يمكن ذلك ؟
مضى الوقت يتلكأ حتى أوشك الليل أن ينتصف !! ..وسيطر السكون بعدها 0على المكان ..فلم
أر وأنا بمكاني إال عيونـاً قد أخذها 0اللوم علي ! ..فخشخشت األوراق بتأثير نسمة طرية باردة ..
معلنة عن وقت الرحيل 0من هذا المنزل !! ..
ركبـت في السيـارة ..التقت نظراتي 0الحزينة التائهة 0بنظرات الزوج المتلهفة لمعرفة ردة فعلي على
ما سمعت وما رأيت ..أغمضت عيني ..شعرت 0بحاجتي لصدر أمي الحنـون ..حتى البكاء ..
أصبح عسيراً علي ..ربـاه ..اللهم 0اكفنيهم بما شئت ! ..
عـدت إلى المنزل ..وقفت أفكاري وعاد إليها ركودها األول .. 0أحسست برغبة جامحة في
الدخول إلى مخدعي ..ولكن السكون المطلق الذي ران على المنزل لم يشجعني على سرعة
الدخول ..فأخذت 0أنظر إلى غير هدف ! ..أنظر إلى أي شيء !! ..وأنظر إلى كل شيء !
شعرت بتقدم خطى الليل ..فوقفت بتكاسل ..وتحسست طريقي في الظالم حتى وصلت إلى
فراشي ..واندسست تحت اللحاف الخفيف ..أخذت نفسـاً عميقـاً ..وأنا أشعر بالوحدة .. 0كان
آخر ما تذكرته في هذه الليلة هو اليوم الكئيب الذي عاصرت فيه أحداثاً ثقيلة ..في البحر ..في
المنزل ..في المولد النبوي ..
بقيت نظراتي 0تائهة ..وأفكاري متالطمة حتى بانت خيوط الصباح األولى .. 0ثم ..أسدلت أجفاني0
بثقل شديد ..فنمت وأنا أسمع أنيني يخترق فضاء األحـزان !!!
عند الفجــر ..د ّق جـرس الساعة المنبهة إعالناً لقرب اآلذان .. 0فتحت عيني المجهدتين ..أغلقت
المنبه ..استرخيت 0قليالً ..ثم نهضت ..سمعت صوتاً على نافذتي .. 0اقتربت بخوف ..آه ..
كان المطر ينهمر على سقف المنزل !! ..نقراته 0اللطيفـة هي التي تطرق نافذتي ..انشرحت 0كثيراً
..مرحباً بك أيها 0المطر ..
اقتربت من النافذة كثيراً ..أخذت أتأمل 0المنظر من ورائها ..ارتسمت على شفتي ابتسامة عريضة
..لقد أتى حتى يغسل همومي وآالمي ..مرحى .. 0مرحى ..تسلّلت ببطء نحو الضوء ..أشعلته0
..أردت أن أوقظ الزوج للصالة ..لم أجده ! 0لم ِ
يأت بعد !! هذا أفضل ..هذا أفضل !! ..ما
أسعدني !!
توضأت ..صليت ..دعوت اهلل أن يخرجني من هذا المكان ..أن ينير لي درب الخير ..ألتبعه0
..بكيت كثيراً ضارعة إلى اهلل تعالى .. 0إن األمطار التي تهطل ما هي إال قطرة من أدمعي 0التي
تذرف من عيني الباكيتين ..رحمـاك يا اهلل ..رحمـاك ..رحمـاك ..
عدت مجدداً إلى النافذة ..كان المطر قد توقف عندئذ عن االنهمار .. 0فتحتها قليالً ..لم أعد
أرى في الخارج إال القطرات المتساقطة فوق السقف المنحدر لبناء المنزل ..أو من أغصان
الشجر ..ابتسمت مجدداً ..ما أجمل المنظر ..ثم ..أغلقت النافذة ببطء ..واستدرت ألرفع
سجادتي ..فوجدت ــه !!
صرخت من شدة الخوف ..كتمت أنفاسي 0فجأة ..غمرتني موجة حارقة جعلت سعادتي تتحول
مكمشاً ..فرك يديه 0وهو يجلس ..
إلى كآبة ..كان وجهه شاحباً ..يبدو عليه اإلرهاق ..وثوبه ّ
ثم قال :
ـ أرغب في الخروج اليوم إلى النزهة 0في هذا الجو الجميـل ..أيقظت الجميع لالستعداد .. 0هيا
استعدي ِ
أنت أيضاً ..نظرت بإمعان إلى وجهه ألرى هل هو جاد أم هازل ..فسألته :
ـ حقاً ؟!! ..هل أنت جاد ؟ ..هل سنتنزه في هذا الجو الجميل ؟ ..حقاً ؟!!
اعتدل في جلسته وقال بصوت هادئ :
ـ نعم ..سنتنزه ..أال تريدين الخروج معنا ؟ هل تفضلين عدم الذهاب ؟!
تناولت اإلفطار وحدي ..نظروا إلي وقد أدهشهم 0ما طرأ علي من تغيير ..الحظت دهشتهم0
بقلب مرتاب ..وأخذت أجمع بعض األعواد من األرض ..
كتمت أنفاسي ..هذه المرة الثانية التي يؤكدون فيها أهمية هذه الليلة !! ..يا إلهي .. 0ماذا
سيفاجئني 0اليوم أيضاً ؟! ..أومأت 0برأسي 0إيجابـاً ..ابتسمت بهدوء ..
في تلك اللحظة ..اختلست النظر إلى الزوج ووالدته ..راقبتهما في محاولة مني لفهم المعاني
التي ينطوي عليها حديثهما ..ولكنني 0لم أستطع أن أفهم شيئاً !! ..سوى أنهم 0جميعاً صائمون
اليوم !! ..لماذا ؟ ..
بتوسل ..
قلت لهم ّ
ـ هل أذهب اآلن ؟! ..لن أبتعد .. 0أرجوك ..
بدأت أشعر 0بالخوف ..إلى أي اتجاه أعود ؟!! ربـاه ..أين المكان ..رباه !! ..أين معطفي ؟ أين
أضعته ؟! ..بدأت أبحث ..وأبحث ..آه ..قطرات المطر عاودت في النزول .. 0يا رب ..آوه
..معطفي هنا ..وجدته ..ارتديته 0ألتقي المطر ..ولكن أين المكان ؟
تناولت نظارتي ..مسحت قطرات المطر عنها بمنديلي ثم أعدتها 0إلى عيني ..رحت أنظر إلى
األرض الموحلة حتى أتجنب الخوض في إحدى الحفر المتناثرة حولي ..رفعت بصري إلى األفق
..ازداد انهمار المطر ..رفعت النظارة عن عيني ووضعتها في جيبي ..
رأيت عن بعــد رجـالً يقدم تجاهي ..أسدلت 0غطائي ..رحمـاك يا رب ..إنه شيخ كبيـر ..يعمل
دب الـرعـب في أوصالي ..هل سيختطفني ؟! الويل لي ..تقدم إلي
على تنظيف المكان ّ ..
وسألني وقد بدت على وجهه آثار الزمن 0على هيئة خطوط عميقة تحيط بوجهه :
ـ كيف جئتي إلى هنا يا ابنتي ؟! المكان خطر ..هيا بسرعة الحقي بعائلتك ..
جل اهتمامي كان منصباً على غضب الزوج وحنقه ..وعدتُه أال أبتعد !! 0يا ويلتي ..يا ويلتي !!
وبعد أن قطعنا مسافة من الطريق ..رفعت رأسي ..وإذا بالزوج يهرول 0قادماً إلي !! ..يا ويلتي
!! ..
وقف أمامي 0كصخرة جامدة .. 0والشرر يتطاير من عينيه ..فوجدت نفسي 0أقول بسرعة وكأني
أشرح له موقفي الضعيف :
ـ أرجوك ..أنا ..أنا ..آسفة ..لم أقصد ..سرقني الوقت وأنا أتجول في هذا المكان ! ولكني0
…… نظر برفق إلى الشيخ الكبير .. 0مما أثار دهشتي .. 0لم يغضب منه ..أشار إلي أن أتقدمه.. 0
ففعلت ..أقبلت على والدته وباقي األسرة .. 0وجدتهم 0حانقين ..غاضبين !!
استدرت ألرى الشيخ الكبير 0والزوج ..جاء الزوج إلى أهله ..تشاوروا ..تهامسوا .. 0أكرموا
ُ
الشيخ إكراماً 0عظيمـاً !!!!!! ..أغدقوا عليه العطاء ..طلبوا منه الدعاء لهم ..ولي !!!!!
تسمرت في مكاني وأنا أرقبهم !! ..ما بالهم لم كل هذه الحفاوة ومن الجميع !!!
ّ
ذهب الشيخ الكبير في طريقه ..أخذ ينظف ما بقي من أقذار ..وابتعد شيئاً فشيئاً حتى اختفى ..
والجميع يرقبه ..تكاد قلوبهم أن تتبعه ..رأيت وجوههم في صورة أخرى ..اختفت إمارات
القسوة والسخط ..نظروا إلي في قلق ..خاطبتني األم قائلة في تودد :
ـ هل تعلمين من يكون هذا ؟!!
قال الزوج وهو يضع ساقاً على األخرى .. 0وينتهد بارتياح :
ـ إنه الخضـر ..العبد 0الصالح الخضر ..الذي كان مع موسى ..بالتأكيد 0هو ! يا فالن بن فالن !!
أطبقت شفتي فـوراً … .انعقد لساني 0من فرط االضطراب 0واالرتباك :
ـ من ؟ من ؟ أي خضر ؟ ..العبد 0الصالح ؟!! ..كيف ؟! ..ال بد أنك تمزح !! ..الخضر
؟!!!! ..ال بد أنك ………… .............رفع يده وقاطعني :
ـ هذه األمور ليست مجاالً للهزل 0والمزاح ! قلت لك أنه الخضر ..ألم تسمعي عنه ؟!!
ارتعدت ..نظرت إلى وجوههم !! تخوفت ..تململت ..أردت أن أنطق ..لم يتركوا لي مجاالً
..
كانت األم تراقب تعبيرات 0وجهي وترى أثر كلماتهم علي ..فقالت بسرعة :
ـ عندما يأتي 0الخضر بهذه األشكال 0ويزور الناس فيطردونه يكون هذا دليالً على شقاوتهم
وتعاستهم .. 0أما إن رحبّـوا به وعالجوه وأكرموه ..اختفى 0بدون أن يترك أثراً له ..وكان ذلك
دليل سعادتهم !!!!!! ..فاحذري من طرد أي رجل بهذا 0الشكل أو تعنيفه ..احذري ..فربما
كان هو الخضر جاء لزيارتك! 0
ـ كيف يكون حارساً 0وهو ميت شأنه في ذلك شأن األموات .. 0ال يسمع نداء من ناداه ..وال
يجيب من دعاه ..وال يهدي من ضل عن الطريق 0إذا استهداه!!! .. 0
ـ إنما هو رجل قد سخره اهلل لي ألستدل طريقكم 0ليس إال !! ..وال يشترط أن ..
تأفّـف ..في تلك اللحظة تالشى جو األلفة والمودة بيني وبينهم ..وخيّمت مكانه سحب الشك0
والتربص !! ..لم يعتقدون ذلك ؟! ..هل اعتقادهم 0خاطئ حقاً ؟! ..نعم ..نعم ..أنا متأكدة ..
نعم ..قطع صوت الزوج حبل أفكاري حين سمعته ينادي من السيارة :
ـ هيا ..ال نريد التأخـر .. 0أمامنا ليلة حافلة ..فلنستعد للعودة ..المطر يتساقط بغزارة ..
ابتسمت في قرارة نفسي ..ازداد إحساسي 0بالبهجة ..كم كنت أهفو إلى مثل
ُ ركبنا جميعا ً..
هذا اليوم الذي أقضيه بمفردي تماماً ..بال خوف من زوجي أو أهله ..وبال أية هموم أو متاعب
..ولكن ..هذه الليلة ..ماذا عساها تك ـ ــون ؟! ست ــرك ورحمتـك ي ــا رب ..
( ) 17ليلة الخامس عشر من شعبان
وص00لنا ..كم أش00عر 0باإلره00اق ..أتم00نى أن آخذ قس00طاً من الراحة .. 0أذّن الم00ؤذن لص00الة العصر ..
صعدت أولى درجات 0السلم ..استوقفني ال00زوج
ُ إنها فرصة ..سأصلي ..ثم أخلد للراحة 0قليالً ..
بلهجة عاتبة وجادة :
ـ توقفي ..لماذا لم تصومي معنا اليوم ؟ أم أنك تريدين 0مخالفتنا فقط !!!!
استدرت نحوه بعينين أثقلهما النعاس .. 0ثم هززت كتفي ببراءة وقلت :
ُ
ـ أصوم ؟! ..اليوم ؟! ..وأي مخالفة 0تلك التي تتحدث عنها ؟
ردي ..ولكني 0لم أفهم ما يرمي إليه !! ما به ؟! ..لماذا يوبخني على عدم الص00وم الي00وم
تضايق من ّ
؟!!!
قلت له لما رأيت غضبه يزداد تأججاً بصوت خافت وهادئ :
ـ أرجوك ..كفى شجاراً ..أرجوك ..ماذا 0دهاك ؟!! سأفعل 0ما ت00أمرني 0به ..لن يع0رف إنس أو جن
بإفط00اري ..ولكن أرج00وك ..أريد أن أعيش بس00الم ..ال تغضب ..وال تجرح00ني ..أك00ثر من ذلك
..كفى ..لك ما تريد .. 0س000أكون ج000اهزة خالل عشر دق000ائق ..ولكن اه000دأ ..واترك000ني أه000دأ أنا
أيضاً ..أتوسل إليك ..
ـ حسناً ..هيا اصعدي ..
0دت بارتي00اح عن00دما ال حظت أن ال00برود يشع من ص00وته بعد العاص00فة ..لقد اطم00أننت أخ00يراً.. 0
تنه0ُ 0
ّ
عرفت كيف أسكب على غضبه الجامح م0اء ب0ارداً ..أنا لست نادمة على تهدئته ! 0ألن رجالً كه0ذا
كفيل بأن يخرجني عن طوري من فرط القلق والسأم ..
تن 00اولت معطفي ال 00ذي س 00قط من ي 00دي من دون وعي م 00ني ..ص 00عدت الس 00لم قف 00زاً ..آه ..كم أنا
متعبة ..متعبة ..ص00ليت العصر ..لم أج00ادل في ذه00ابي ! ..لن يس00مح لي بالبق00اء في الم00نزل ..ال
أريد أن أثير غضبه أو أن أتعب قلبي ! ..سأذهب .. 0سأذهب ..
أع 00دت المشط وأدوات 0التجميل في حقيب 00تي ..ارت 00ديت مالبسي ..وح 00ذائي .. 0لبست حج 00ابي ..
ركبنا مع0 0 0اً في الس 00 0يارة ..وانس 00 0ابت 0منحرفة إلى طريقها الق 00 0ديم ..وازداد وجه الس 00 0ماء تلب 00 0داً ..
أطلت من النافذة ..حيث رأيت الظالم قد بدأ ينشر أجنحته في صفحة السماء ..
دخلنا إلى مك00ان االحتف 00ال بليلة الخ00امس عشر من ش00عبان ..الجميع ص00ائمات ..وص 00ائمون !! ..
وهذه موائد قد أع ّدت عند أكثر الناس تقوى وإيماناً !!!!!! ..
اجتمعت النسوة حول الطع0ام ..أجلس0تني 0وال0دة زوجي بجانبها ..هل ه0ذا الطع0ام من حالل أم من
حرام ؟!
مجموعة من النس 00اء ما زالت ت 00ردد ابتهاالتها 0وتس 00بيحاتها بش 00كل جم 00اعي ..ويق 00رأن الق 00رآن أيض 0اً
بصوت واحد ..لقد شحب وجهي 0كثيراً ..تغيّرت 0حالي كثيراً ..كثيرات يسألنني عن س00بب ه00ذا
الشحوب وهذا الذبول .. 0فتجيب والدة الزوج بسرعة :
ـ تعلم 00ون أنها 0ما زالت عروس0 0اً ..إنها لم تبلغ الثالثة أش 00هر 0من زواجها 0بعد ..ل 00ذلك 0هي ال تأكل
وال تنام جيداً ..ما زالت الحياة الزوجية 0جديدة عليها ..نعم ..فقط هذا هو السبب ..
انظر إليها بعينين زائغتين ..أومئ 0للنساء برأسي بأن هذا هو السبب فقط ..فقط ..فقط !!!!
أذن الم 00ؤذن لص 00الة المغ 00رب .. 0تن 00اولت النس 00اء إفط 00ارهن ..تص 00نعت الت 00ذوق ..أخ 00اف أن يك 00ون
الطعام حراماً .. 0رب00اه ..أنا مكرهة ! أخشى 0مك00رهم ..ينظ00رون إلي ..إلى 0الع00روس 0ال00تي ذبلت بعد
زواجها ..كلي ..ما بك ؟! ..فأصطنع األكل وأشرب كميات الماء ..هل هذا الماء يحوي شيئاً
ما أيضاً ؟ ..رباه ما العمل ؟!
انتهينا ..تقدمت إحدى النس0اء الص0الحات .. !!!!!!! 0تعظ وت0ذ ّكر بفضل ه0ذا الي0وم وبفضل ص0يامه
وقيامه ..وبفضل ص000الته وذك00 0ره !!! ..ثم ..أم00 0رت النس00 0اء بفتح المص000احف على س00 0ورة يس ..
وبدأن جميعاً بص00وت واحد بقراءتها ..ح00تى إذا انتهين منها ..ك0ّ 0ررن قراءتها م00رة ثانية 0فثالثة !! ..
واكتفين !!
ـ واآلن ادعين اهلل بأن بمحو آجالكن 0السابقة .. 0ويثبت اآلجال 0الجديدة بعد قراءة يس ثالث مرات0
..ولتطمئنوا ..فلن تم0وت إح0داكن 0ه0ذه الس00نة ما دامت ق0رأت معنا س00ورة يس ..ثالث م00رات ..
واآلن س 00وف ي 00و ّزع اهلل عليكم األرزاق الجدي 00دة .. 0واآلج 00ال 0الجدي 00دة .. 0ويمحو اآلج 00ال 0القديمة
التي كتب اهلل فيها بموت امرأة منكن في هذه السنة !!!
ربـاه ..أس00تغفر اهلل العظيم ..وكيف يض00من ع00دم م00وتهن في ه00ذه الس00نة ؟! ..رأيت االرتي00اح بادي0اً0
على وجوههن لقد وثقن بعدم موتهن خالل العام ؟!!! ..أي عقول يملكن ؟!!!
أضافت تلك المرأة في قولها وهي تثّبت نظارتها السميكة 0على عينيها :
ـ ق00ال رس00ول اهلل ص00لى اهلل عليه وس00لم " يا علي ،من ص00لى مائة ركعة ليلة النصف من ش00عبان يق00رأ0
في كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو أحد عشر مرات 0إال قضى له كل حاجة " ..الخ .
صرخت بالمرأة بدون وعي مني ..وقلت لها وقد خيّم السكون على الجالسات :
ـ مهالً ..مهالً ..هناك لبس في األمر ..المقصود بهذه اآلية هي ليلة القدر في رمض00ان ..وليست
ليلة النصف من شعبان !!
0رت إلى وال00دة
رأيت الم00رأة تط00رف بعينيها ويض00طرم وجهها وترتبك 0فج00أة ..فال تح00ير جواب0اً ..نظُ 0
ال00زوج ..فش00عرت ك00أن س00هماً ق00اتالً أرداها قتيلة وقد اخ00ترق ص00درها حين رأت00ني أع00ارض أم00رهم
العظيم ..بدأ الهمس ..نظرت المرأة إلي بنظرات محرقة ..س00اخطة ..متحدية ..ابتع00دت النس00اء
الالتي بجانبي شيئاً فشيئاً !! ..هل كفرت ؟!!!!!
ت00وقفت الم00رأة عن الح00ديث ..انعقد لس00انها ..تفاج00أت 0بوج00ودي فيما بينهم !! ..وقفت وأنا أرى
حقدهن 0ونظراتهن المغرضة ! ..وقلت بصوت مسموع :
ـ استغفر اهلل العظيم ……! ..
ثم ..مض 00يت بس 00رعة نحو دورة المي 00اه ..كنت واثقة 0ب 00أني 0ت 00ركت تلك الم 00رأة ومن معها 0في حالة0
ي 00 0رثى 0لها من ش 00 0دة الغيظ ..ولكن يا ويل 00 0تي من ذاك ال 00 0زوج ال 00 0ذي ال يفتأ ينه 00 0رني ويعت 00 0دي علي
ب 00التجريح والض000رب .. 0ب000دأ الخ000وف يتش000بّث ب000أجزائي .. 0وج000دت حج000رة فارغة ..مكثت فيها ..
وحدي ..الكل ..يحقد علي ..
فكرت ملياً ..ما الذي يجبرني على البقاء أك0ثر ؟!! سأرحـل .. 0ها أنا أش0عر م0رة أخ0رى به0ذا الس0أم
العميق ال00ذي طالما أثقل علي بس00بب ه00ذه الحي00اة الرتيبة 0المخيفة معه ..ومعهم .. !! 0لش0َّ 0د ما تهفو
نفسي إلى لون آخر من الحياة ..حي00اة يمألها اإليم00ان والص00دق ..والراحة والطمأنينة ..ب00ذكر اهلل
وبالصالة على وجهها 0الصحيح ..ولكن ..كيف ؟! كيف ؟! كيف ؟!!!!
سمعت النساء يص00لين المائة 0ركعة ! ..يا رب ..أخرج00ني من هنا برحمتك ..اللهم 0ألهم00ني الص00بر
ُ
والس 00 0لوان ..تحسست وجهي 0بي 00 0دي ..آث 00 0ار الش 00 0حوب قد ظه 00 0رت عليه ..لقد ارتس 00 0مت علي
س00مات تنم عن أني س00أفقد 0ش00بابي قبل األوان ..هم الس00بب في تعاس00تي وذب00ولي ..اللهم 0خلص00ني
منهم يا رحيم ..
في حوالي 0التاس00عة خرجنا 0من الم00نزل ..األم حانقة ج00داً ..ال تكلم00ني ..ال تنظر إلي ..لقد القت
من النس 00اء الت 00وبيخ والتع 00نيف على تك 00ذيبي لب 00دعتهم ..أتى 0ابنها األص 00غر ليس 00تقلنا إلى الم 00نزل ..
الحمد هلل ..
دخلت مباش 00 0 0رة 0إلى المطبخ ..أما األم فقد قبعت بانتظ 00 0 0ار زوجي في الص 00 0 0الة ..هل س 00 0 0تخبره ؟!
بالتأكيد ..إنها 0تكاد أن تنفجر ..ولكني لم أخطئ ..ليس من العيب قول الحق !!!
بالعلو ..اختلست النظر إليه فوجدت أمه تصرخ وتش00كو م00ني ثم ..
سمعت صوت الزوج وقد بدأ ّ
بكت !
ص0رخت بخ0وف وأوقعت ك0أس الم0اء في األرض فتحطم ..أمسك 0بش0عري بق0وة ولكم0ني لكمـة ثم
أتبعها بلطمـة ..وهو يصـرخ :
ـ أيتها الض00الة ..إلى 0م00تى ؟! ..لم00اذا تع00ثين بيننا الفس00اد 0؟! ..لم00اذا تح00رجين أمي وتحرجيننا أم00ام
الناس ؟
تباً لك ..لماذا تفعلين ذلك ؟! ..لن ينفعك الكفــرة .. ! 0أغربي عن وجهي ..أغربي ..
تلويت من شدة األلم: 0
بدأ االنهيار على تصرفاتي .. 0صحت من أعماق قلبي ّ ..
ـ أرجوك ..كفى ..أرجوك ..إنك تؤلمني ..آه ..اتركني ..أتوسل إليك ..ارحمني …..
وقفلت عائدة إلى حجرتي ..كي ألوذ بها من غضبهم ..فاستوقفني عند باب المطبخ صارخاً :
ـ قفي أيتها المتمردة ..قفي ..ال تتحركي ..
وقفت مفتوحة الفم وال 00 0دماء 0تس 00 0يل على وجهي .. 0وص 00 0درت ع 00 0ني أص 00 0وات أنين وعويل خافتة ..
ضعيفة ..وأنا أتراجع بفزع وخوف من أن يزداد ضربه ..
ـ اذه00بي اآلن واعت00ذري للجميع على ما س00ببتيه لهم من مض00ايقات 0وإحراج00ات ..هيا ..والويل لك
إن وجهت لي شكوى بسببك ..الويل لك …..
ركضت إلى والدته 0ووقعت أرض0 0 0 0 0اً لتع 00 0 0 0ثري بالس 00 0 0 0جادة ..نهضت ..اختلطت أدمعي مع دمي ..
مسحتها بيدي ..استعدت 0أنفاسي الممزقة وأنا أقول :
ـ أعت00ذر لكم جميع0اً ..أعت00ذر ..أعت00ذر ..أرج00وكم ..أريد ال00ذهاب 0إلى أبي وأمي ..أريد ال00ذهاب0
..
أرجوك ..أقنعيه بذلك .. 0أنا ال أصلح للعيش هنا ..أرج ِ
0وك ..خ0ذوا كل ما تري0دون .. ِ خالتي ..
ال أستطيع االستمرار .. 0فقط اتركوني أرح ـ ـ ــل ..
ترددت أنفاسه بصوت مسموع ..ونظر إلي بعينين ناريتين وقال :
ِ
أدعك تذهبين ….. ـ لن تذهبي .. 0لن تذهبي .. 0ستبقين معي إلى آخــر حياتـي ..هل تفهمين ..لن
أحسست بخيبة أمـ ــل شديدة .. 0فتح باب الم00نزل ..وأغلقه بق00وة ..تحطمت مش00اعري ..ت00وجهت
نحو غرفتي ..مؤنستي ..الصدر الحنون ..جفت الدماء 0التي كانت تس00يل على وجهي .. 0غس00لت
ما علق به من الدم والدمع ..
توضأت ..توجهت إلى اهلل ..بأن الظلم قد بلغ ح00داً عظيم0اً ..فال مج00ال ..اللهم 0قد تس0لّط علي
جن الليل ..
من ال يخافك في وال يرحم 00 0ني ..وأنا أدعو اهلل من أعم 00 0اقي دع 00 0وة مظل 00 0وم ..ح 00 0تى ّ
فتوسدت سجادتي 0ونمت مكاني .. 0نوماً عميقاً ..عميقـ ـ ـاً ….
مرت ثالث ساعات 0على نومي في األرض ..تح00ركت قليالً ..آلمت00ني أض00لعي ..تن ّفست الص00عداء
0دي ..وص 00افحتني معه الكث 00ير 0من األفك 00ار .. 0نظ 00رت
بعد أن ص 00افح وجهي 0نس 00يم الليل المنعش الن ّ 0
إلى س 00 0اعة ي 00 0دي بص 00 0عوبة ..بس 00 0بب الظالم ..إنها الثالثة 0ليالً ..ولكن ..ما مص 00 0در ه 00 0ذا اله 00 0واء
المنعش ؟ ..
التفت إلى الناف 00ذة ..وإذا ب 00الزوج قد فتحها على مص 00راعيها وأخ 00رج رأسه ونصف جس 00ده منها !!
0دلت جالسة ..ش 00عرت ب 00ألم في وجهي وكتفي ..ت 00ذكرت 0ما
يتأمل ..يتنشق اله 00واء الن 00دي ..اعت ُ 0
ح 00دث 0بس 00رعة ..لم ينتبه ليقظ 00تي ..انتقلت نظ 00راتي 0إلى حقيبة س 00فر كب 00يرة وض 00عت على األريكة
!! ..هل هذه الحقيبة لي ؟ ..أوه كم أتمنى ذلك ..لم أتحدث ..أغلق النافذة والتفت نحوي ..
ثم ابتعد 0بنظ00ره ولم يتح00دث هو أيض0اً ..ش00عرت 0به يأخذ 0نفس0اً عميق0اً ..ت00وقفت أنفاسي وأنا أس00أله
بصوت خافت خائف :
مطوالً ..وكأنما ين ّقب في وجهي 0عن مكان لم تطله ضرباته ..فلم يجد !! ..
نظر إلي ّ
أخفض نظره إلى الحقيبة ..ولم بتحدث ..قام ووضعها على طرف السرير وفتحها ..إنها 0ال تزال0
جديدة ..أشعل 0الضوء ..
أيضاً لم يتحدث ..فتح خزانة المالبس ووقف أمامها طويالً ..فقلت بهدوء :
ـ أنا آسفة ..ولكن األمر كان ال يحتمل أن تضربني ضرباً مبرحاً ..لقد آلمتني كثيراً ..
كنت أرتعد عندما تراجع إلى الخلف ونظر إلى غمام وجهي الممتقع الج00ريح وقد س00ترته الظالل ..
سكت ..ال فائدة ..
ترددت برهة .. 0ثم قلت بمكر وأنا أشعر 0بألم في عضالت وجهي 0المكلوم :
ـ حس00ناً ..ما رأيك في أن أذهب لزي00ارة أهلي خالل األي00ام ال00تي ستس00افر فيها ..ثم ..أع00ود ..ما
رأيك ؟! أنا مشتاقة إليهم كثيراً ..هاه ما رأيك أرجوك وعندما …..
انعقد لساني .. 0ال فائدة ..إنه داهية .. 0أجبت بهدوء واتزان مصطنعين :
ـ حسناً ..لك ذلك ..لن أسافر .. 0سأبقى 0هنا ..في انتظارك !!!!!!! ولكن إلى أين ستسافر ؟
وجدت صعوبة في الرد من شدة االرتباك الذي سيطر علي ..قلت وأنا أجلس وأبتسم :
ـ ال مانع لدي من السفر 0مطلقاً ..سأذهب .. 0ولكن ..الطريق شاقة ..وأنا ال أحتملها ..وبال00ذات
عندما يكون السفر بالسيارة .. 0ألنه ..ألنه.. 0
ق00 0 0اطعني به00 0 0دوء :الالال ..يجب أن ت00 0 0ذهبي 0معنا ..يجب أن تتعلمي ..كيف غ00 0 0ابت ع00 0 0ني تلك
الفكرة .. 0هذه الحقيبة تكفي لشخصين ..قلت بلفهة :
ـ حس00ناً حس00ناً ..ال ب00أس ..ولكن س00تكون رحلتكم متعبة ..ألن00ني ..ألن00ني س00أجعلكم تبطئ00ون في
السير ..فكما قلت لك ..ال أحتمل السفر براً ..ثم ..رفع يده وقال :
جه 00زي
ـ أوه ..الال ..إذاً لن00 0ترك س00 0فرك معي ل00 0وقت آخر ..نحن عجل00 0ون ه00 0ذه الم00 0رة ..فقط ّ0
مالبسي أنا ..
رفعت نظ00ري إلى الس00ماء ..تنفست الص00عداء .. 0الحمد هلل ..أب00ديت اهتمام0اً 0بالغ0اً بس00فره دون أن
أعارضه ..قلت باهتمام وأنا أرتب الحقيبة :
ـ وما القصد 0من هذه الرحلة 0؟
كتمت أنفاسي فج00أة ..وغمرت00ني موجة ض00يق مما أس00مع ولك00ني ص00برت ..أن أس00مع أه00ون من أن
أفعل ..سألته وأنا أغلق حقيبته بعد أن انتهيت منها :
ـ وهل يبرأ المريض من مرضه أو المجنون من جنونه بسبب هذه الزيارة 0؟!!!!!
ـ أجل ..أجل ..ي00برأون ..ويهت00دون ..ويتم00اثلون للش00فاء ..س00وف أدعو لِ 0
0ك معي ..وأرجو أن
يهديك 0اهلل !!!!!
لم يكن يتوقع مثل هذا السؤال .. 0فقال بصوت حاد :
وتتبرك بها ..فهل هناك ما تعارضينه ؟
ـ نعم ستذهب معي ..وستزور قبور األولياء ّ
أطرقت بعيني أرضاً ..وأخذت 0أعبث بالسجادة 0بأصابعي .. 0ثم قلت :
ـ ال ..ولكن ..ال يجوز للنساء زيارة القبور ..فقد نهى عنها النبي صلى ……………
ض 0 0لت
نهضت من مك00 0اني مرتبكة .. 0ابتع00 0دت عنه س00 0ريعاً 0ولم أعلم ما ال00 0ذي أس00 0تطيع أن أفعله ..ف ّ
توجهت لفتحه ..فإذا بوالدته قد استع ّدت للذهاب ..
ُ تركه وشأنه ! ..طُرق الباب طرقاً خفيفاً.. 0
ضلي يا خالتي.. 0
ـ تف ّ
ـ أين زوجك ؟ ..آه ابني ..هيا أنا جاهزة .. 0فلنذهب اآلن ..
نظر إلى ساعته ..وابتسم لوالدته ..حمل حقيبته واتجه نحو الباب ..خرجت أمه قبله ..عاد بعد
ثوان وقال :لقد أنقذتك أمي من قبضتي فاحمدي اهلل ..
اق 00تربت من الب 00اب ..وأغلقته به 00دوء ..نظ 00رت إلى الم 00رآة بح 00زن ..ك 00ان الض 00وء يظهر اله 00االت
السوداء والشاحبة 0التي أحاطت بعيني !!
( ) 20رنين الهاتف !
هبطت إلى األسفل ..نظ00رت إلى الناف00ذة ..ك00ان المطر يس00قط بغ00زارة ..ص00نعت كوب0اً
ً بعد ساعتين
من الش000اي الس000اخن .. 0جلست بق000رب الناف000ذة المغلقة في الط 00ابق 0الس 00فلي .. 0وح 00دي ..أنظر إلى
المطر بذهن شارد وأمامي كوب الشاي .. 0وفي حجري صحن صغير به قطعة من كعكة جوز الهند
..لقد اقترب موعد اآلذان ..آذان الفجر ..
َّ
رن ج 00رس اله 00اتف 0في الحج 00رة الثانية فما ك 00ان م 00ني إال أن انتفضت في مك 00اني .. 0تواصل رنينه ..
نظرت إلى الساعة ..إنها الرابعة 0والربع فجراً ..
قمت بارتجاف وأضأت النور بأصابع مرتعشة ..أين أخت زوجي ؟ ال بد أنها 0نائمة ..
أصر على الرنين ..فأهملته ..بقي نصف ساعة على اآلذان ..
امتنعت عن اإلجابة 0على الهاتف ّ ..
صعدت السلم حتى وصلت إلى منتصفه ..وفجأة ..طُرق الباب الخارجي 0للمنزل !!!
دققت النظر فرأيته يسترق النظر إلى المنازل األخرى 0المجاورة لئال يراه أحدهم 0وهو يريد الدخول0
إلي !!!
ص 00دمت ! ..ص 00عقت !!! ..خفت أن أس 00يء الظن ولكن ..ال ..لس 00ان حاله 0ينطق عنه ذاك الوغد
الخائن !!!!
ش00عرت بالكراهية العميقة 0نح00وه ..ونحو زوجي ال00ذي جعل00ني عرضة لكل ما يص00يبني !! ..أوقعت
كوب الشاي فتحطّـم ! ..صرخت بأعلى صوتي وأنا أشعر 0بالغثيان :
ـ قلت لك زوجي غ000ير موجـود ..أغ000رب عن ه000ذا المك000ان ..اذهب اآلن وف000وراً ..لن أفتح لك
الباب ..هيا اذهب ..اذهب ..
يوجه الش 00 0تائم 0من ف 00 0رط الخيبة !!! ..ويحّ 0 0 0دق بالب 00 0اب ويح 0ّ 0 0رك مقبضه بكل قوته وكأنما
س 00 0معته ّ
سيكسره !! ..
صرخت وأخذت أجري وأنا أقطع الممر الطويل ! ..كالمصابة بالجنون ! ..
ً
توجهت نحو الساللم ال ألتفت خلفي خشية أن يكسر 0الباب فيدخل ..طرقت حجرة أخت ال00زوج
بعنف اس00تيقظت مفجوعة م00أخوذة !! ..رأت00ني أغلق بابها 0بالمفت00اح م00رتين ..أضع كل ما اس00تطعت
حمله خلف الب 00 0اب !! ..ارتميت بين ذراعيها أنتحب ..نهضت فتلقت 00 0ني وأجلس 00 0تني 0على الس 00 0رير
بجانبها وهي تقول مذعورة :
فاضت عين 00 0اي بالمزيد 0من ال 00 0دمع ..والمزيد 0من الحرقة ..ف 00 0دعوت عليهم في ثنايا 0الليل ..ب 00 0أال
يسامح هذا الزوج على ما أرداني 0إليه من شرور ..وأال يسامح من يساعده في إيذائي.. 0
ألمحت له ما أعاني من مضايقات 0أقاربه كلما التقيت بهم ..فاتهمني بسوء النيّة !! ..وأن00ني
ُ فكم
أنا ال00تي أغ00ريهم بي عن00دما أتخ ّفى عنهم ..يا إلهي 0ما أشد ظلمه لي !! ..ه00ذه هي النتيجة !! ..لم
أعد آمن على نفسي 0منهم ..لم أعد أثق به أو بهم !
0يي وناص000ري ـ فانص000رني عليهم بما ظلم000وني وب000الغوا 0في إيالمي !! ..ثم رفعت من
يا رب أنت ولّ 00
س 00 0جودي ..وس0 0 0لّمت ..واحتض 00 0نت ي 00 0دي أح 00 0اول تهدئة 0نفسي ..بنفسي .. !!! 0فكل عصب في
جسدي كان يدعوني لترك المكان !!!
0دنو أجلي0
مر النه00ار الجديد 0بس00رعة ..تلته األي00ام الباقية ..وكلما جن ليل أو ط00رق الب00اب ش00عرت 0بّ 0
..وخوفي على نفسي .. 0وعاد الخوف من الزوج يرافقني .. 0سيعود ..سيعود ..وس00تعود معه كل
اآلالم وسيحطّم كل اآلمال!! 0
( ) 21العودة من الروحانية! 0
اقتربت عودته ..هذا اليوم الثامن 0لغيابه ..اشتقت ألهلي 0كثيراً ..أريد محادثتهم .. 0ولكن !!
لقد منعني من ذلك ..وأمرني بعدم محاولة مهاتفتهم .. 0ليكن ! لن أحادثهم .. 0لقد وعدته !! ..
مع أنه ال يس 00تحق الوف 00اء ! ..ولكن لن أغضب اهلل من أجله ..لن أفعل ..مع أن الش 00وق يحرق 00ني
إليهم ..
ص 00ليت المغ 00رب .. 0خ 00رجت من حج 00رتي وأغلقت الب 00اب به 00دوء ..ما ه 00ذا الس 00أم ؟! ..أش 00عر 0به
عميقاً في حناياي!! 0
س 00معت أص 00واتاً في الط 00ابق الس 00فلي ..ارتعشت ! ..من ه 00ذا أيض 0اً ؟! ..هل هو أحد أقاربه ؟! ..
أين أختبئ ؟! ..نظرت بح00ذر وخ0وف من أعلى الس0لّم ألتع0رف على الق00ادم ! ..أوه ال !!!! ..إنها
والدة زوجي !! ..إذاً فقد عاد !! ..
ارتجفت ..تجم00دت أط00رافي ..وتش0ّ 0وش ذه00ني ..هل أع0ود إلى حج00رتي ؟! ..لم أتمكن من ذلك
0نعت المـرح ..هبطت مس00 0رعة ! ..ع00 0انقت
فقد لمحت00 0ني والدته عند الس00 0لم وك00 0ذا أخته ! ..تصُ 0 0
والدته وحمدت اهلل على عودتها سالمة ..تحركت نظراتي تبحث عنه !! ..أين هو ؟
نظ 00رت إلى س 00اعتي وابتس 00مت في محاولة إلخف 00اء 0خ 00وفي واض 00طرابي .. 0وفجـأة ..س 00معت ص 00وتاً
0تدرت بوجل ..ورأيته يغلق الب 00اب 0بعنف !! ..ش 00عرت وك 00أن ص 00وت إغالق الب 00اب 0يصم
خلفي اس 0ُ 0
أذني ..ويتردد صداه في عقلي ..ليعيدني 0إلى الحاضر ويس00دل س00تائره على الراحة والحرية ..في
األيام الماضية !!
ثم جلست معهم ..نتب 00ادل 0أط 00راف الح 00ديث ..وأج 00برت نفسي 0على س 00ماع تلك الرحلة اإليمانية
!!!!!
نظرت أخته إليه وكانت تقاسيم وجهها 0تعبر عن السرور قائلة :
ـ أخي ..أين وضعتم أماناتكم 0وحاجياتكم 0أثناء الرحلة 0؟
تمالكت نفسي وشعرت 0بالذهول 0من قوله ..يا إلهي .. !! 0هل يعتقدون أن الموتى يقومون بحراسة
ما يوضع على قبورهم ؟ ..أنه كفر بواح ..ماذا 0يقول ذلك المتطاول ؟
خيّـم ص 00مت قاتل ..تنملت أط 00رافي وأنا أنتظر جواب00اً لما ي 00دور ب 00داخلي ..ك 00انت نظ 00رات ال 00زوج
المرعبة هي اإلجابة 0الش00افية ! ..أزاح بنظ00ره ع00ني ..وتظ00اهر 0باهتمامه بإكم00ال الح00ديث ..تغ00يرت
مالمحه وهو يقول :
ـ لقد شهدنا 0وفاة أحد الصالحين هناك ..كان منظراً مؤثراً ال يزال عالقاً بذهني 0حتى اآلن ..
لم يجب أحد منهم س00ؤالي 0للم00رة الثانية !! ..ف00أيقنت بأنها 0إح00دى 0الب00دع ال00تي اس00تحدثوها ..م00اذا
يفعل هؤالء ؟ ..ثم تذكرت 0قول الرسول عليه الصالة والس0الم " من أح0دث 0في أمرنا 0ه0ذا ما ليس
منه فهو رد " .
دققت سريعـاً في وجهه ..إنه جـاد !! ..ما هذا الهراء ؟ ..سألته بهدوء مصطنع :
ُ
ـ وهل ينفع ال00 0دعاء ذلك الميت ؟ ..أع00 0ني ..هل يجيب حق 0 0اً عن تلك األس00 0ئلة كما أم00 0ره ب00 0ذلك0
اإلمام ؟!!!!!
ُّ
التفت إليهم بتركيز ..ثم قلت بوجل :
ـ صدقـوني … .الص00الة ال تج00وز في ه00ذه المس00اجد ..وال يج00وز بناؤها 0فكيف بالص00الة فيها ؟ ..
إنها من عادات اليهود والنصارى ! ..افهموني أرجوكم ـ زمجـرت أمه وقالت ساخطـة: 0
ـ يبدو أننا ترفقنا بك كثيراً ! ..ولكن أن تسخري منا فال ..أنت ذات عقلية معق00دة .. 0ولن أس00مح
لك بالمزيد ..
0اولت أن أثنيه عن آرائه ! ..ولك00 0ني وقفت أجمع الك00 0ؤوس وأق000ول ببس000اطة ح000تى ال أث000ير
عبث 0 0اً حً 0 0
غضبهم :
ـ ال أعتقد أن طلب الع 00ون والم 00دد من غ 00ير اهلل يج 00دي ! ..وال أن تقبيل القب 00ور والحج 00ارة س 00وى
خض 00وع وذل لغ 00ير اهلل تع 00الى .. ! 0وال أن تعظيم الجم 00ادات واألم 00وات مش 00روعاً فيقبله عاقل ل 00بيب
!!!
استرقت النظر إليهم ..إنهم واجمون ..وكأن على رؤوسهم الطير ..
ُ
توجهت نحو باب الحجرة ففتحته …… ..وخرجت وأنا أردد في قرارة نفسي 0قوله تعالى0
( ذلكم 0اهلل ربكم له الملك وال 00 0ذين ت 00 0دعون من دونه ما يملك 00 0ون من قطم 00 0ير * إن ت 00 0دعوهم ال
يسمعوا دع0اءكم ولو س0معوا ما اس0تجابوا لكم وي0وم القيامة 0يكف0رون بش0رككم 0وال ينبئك مثل خب0ير
)
أعددت طعام العشاء ..ما زالوا ثائرين 0على معارضاتي أن كيف أتطاول 0على معتقداتهم الش00ريفة !!
..
ابتسمت للجميع وكأن شيئاً لم يكن ..ثم دعوتهم لتناول العشاء .. 0أمرني 0بالجلوس فجلست ..
فتح حقيبته وأخرج منها بعضاً من الحجارة والتراب 0وناولني 0إياها ..رفعت نظري إليه ببطء وقلت
بتعجب :
ـ وما هــذا ؟
ب 00ادرت 0باالحتج 00اج .. 0فرفع ي 00ده ليلزم 00ني الص 00مت بعد أن نظر إلي بتلك النظ 00رات 0المتوهجة ال 00تي
وتنهدت بألم 0وأطرقت برأسي 0إلى األرض قسراً ..
قاربت على إحراقي .. 0فامتنعت عن الحديث ّ
فلمعت عيناه فجأة وكأنه يهدد ! ..تراجعت ..خفضت عيني ألحملق في ي00دي ..ح00اولت جاه00دة
أن أبتسم وأستعيد ثباتي .. 0فقلت بصعوبة بالغة :
ـ أنت تقصد أن نذهب إلى هناك بنية الصالة فيه فقط ! ..أليس كذلك ؟! ..ألن ……..
بدأ عقلي وكأنه سينفجر فقلت بصعوبة وكأني أنتزع الكلمات 0من بئر سحيق :
ـ ولكن ..ولكن ..ال تجوز زيارة القبور بشد الرحال إليها ..بل هي ..
تبادل الجميع النظرات الحاقدة ..واشتدت 0نبرة صوته وهو يقف ويزيح كرسيه إلى الوراء قائالً :
ـ أتم 00نى أال نخطئ في اختي 00ار الكلم 00ات اآلن ..وإال فإنك تعلمين ما ال 00ذي س 00يحدث !! ..ال أريد
نقاشاً! 0
تشعان ألماً :
أجبته وعيناي ّ
ـ حسناً سأفعل … .اهدأ 0أرجوك ..
أدركت بأنه لن يغيّر رأيه وال نيته كذلك !! ..فهو يعني ما قاله بأنه 0ليس هناك من موضوع لين00اقش
!!!
( ) 22حمرة الغضب !
دخلت حج00رتي ..أغلقت الب00اب 0به00دوء ..ب00دأت 0ب00ترتيب خزان00تي ..وفيما أنا أفعل ..إذ ب00الزوج
يفتح الب00 0اب 0بكل قوته ويبحث ع00 0ني بعي00 0نين ق00 0اتلتين وص00 0در مت00 0أجج !! ..وما إن ع00 0ثر علي ح00 0تى
يتفجـر حمــرة من شدة الغضـب !! ..ما الذي حدث 0يا تـ ـ ــرى ؟!!!
شعرت بأن وجهه ّ
سألني وهو يقبض يديه بكل قوته كعادته 0عند الغضب :
ـ هل أتى أحد ما إلى المنزل في حين غيابي 0؟!!
عقدت المفاجأة 0لساني عن الكالم ! ..فظللت صامتة أح ّدق فيه ..فكرر سؤاله ثانية: 0
ـ هل فتحت الباب 0أم ال ؟ ..تكلمي !
هل فقد صوابه ؟ ..ألهذا الحد يريد مني أن أفعل ؟ ..ظننته سيبتهج !! سيفرح !!!
نظ 00رت إليه ط 00ويالً بح 00زن عميق وص 00دمة بالغة .. ! 0عص 00فت بي رغبة في تحطيم كل شي !! ..هل
يجهل حق 0 0 0اً ع00 0 0واقب ذلك ؟ .أم أنه يتجاهلها ؟!! ..أال يميّز الحق من الباطل ؟ ..أال يف00 0 0رق بين
األمور الجادة والهازلة ؟!!! ..قلت بأسف :
ـ هل أنت جاد حقـاً فيما تقول ؟ ..الال ..بالتأكيد 0أنت تمزح ..
ثم استجمعت شتات 0ذهني ألطرح عليه إجابة 0شافية على سؤاله :
ـ لست أنا من تفعل ذلك !!! ..لن يدخل 0رجل غريب إلى ه00ذا الم0نزل في ع0دم وج0ودك ! ..مهما
كانت قرابته لك !! ..لن يدخل.. !! 0
ثم عبّرت دموعي تعبيراً أصدق عن جام غضبي وأنا أهتف :
ـ إدخ0ال 0الرج0ال األج0انب عند النس0اء في ع0دم وج0ود المح0ارم … ح0رام !! ..وأنا لن أقبل ب0ذلك
أبداً حتى وإن غضبت لن أقبل أبداً أبداً .. 0هل تسمعني ؟!!
شعرت بحرارة الغرفة في هذه اللحظة على ال00رغم من فتح جميع النوافذ فيها والس00تائر ! ..ت00رقبت
بوجل طرحه للخيارات ! ..ماذا عساه أن يقــول ؟!!!!!
سادت لحظة صمت مؤرقة ..مع ّذبة !! هرب 0صوتي مني ..لقد سألني ويجب أن أجيب عليه !
ابتسمت ابتسامة 0مجردة من الحياة ..وقلت بحزن قبل أن أفقد جرأتي: 0
ـ حسناً … .ال عودة في قراري وال تراجع !!! ومع ص00عوبة الخي00ارين إال أن00ني أرفض الخي00ار األول0
وأقبل بعمل الثاني .. !! 0وليسامحني اهلل !!
لزمت الصمت ..فأغمضت عيني وأنا أراه يشمخ بأنفه 0ورأسه عالياً ثم يتابع :
ُ
ـ انتهى األمر .. ! 0بعد ي00ومين س00نلبّي دع00وة العش00اء عند قري00بي ال00ذي ه00اتفني قبل قليل ..والويل لك
إن عارضتي أمري لك بالذهاب !! ..أتسمعين ؟!
أدار ظهره بسرعة وبدأ بفتح الباب فسألته وأنا أتبعه: 0
ـ إلى أين ؟ ..ال يجدر بك الذهاب وأنت في هذه الحال ! ..إلى 0أين ؟!
عن 00دما أص 00بحت وح 00دي اس 00تندت بظه 00ري على الب 00اب 0مندهشة متس 00ائلة .. !! 0ما الخطأ ال 00ذي قلته
؟! ..هل أخط00 0أت حق 0 0اً ؟! ..اللهم 0ما فعلت ذلك إال طمع 0 0اً في رض00 0اك ع00 0ني ! ..فال تكل00 0ني إلى
نفسي طرفة عين ..
داهمني إحباط مفاجئ 0بتذكر الذهاب 0إلى منزل ذلك الوغد !! ..استلقيت على فراشي وقتاً طويالً
دوامة !! ..اللهم 0فــرج علي همــومي وأحــزانـي ..
أح ّدق في سقف الحجرة ..ما زلت في ّ
الفعال0
( ) 23الدواء ّ
طرق الباب .. 0تصنعت النوم فلم أجب ..تواصل الطرق ! ..ال أريد الصدام معه أو إغضابه أكثر
من ذلك ..ال قوة لي في المزيد من الجدل والنقاش !! ..
أدار مقبض الباب 0ففتحه ..توقعته هو ..ولكني 0أخطأت في توقعي ..إنها 0والدته !!!
اعتدلت جالسة .. 0أضأت المصباح الخافت ..أجلستها .. 0ابتسمت لها ..إنها 0تحمل شيئاً ما في
ُ
يدها !! ..ماذا 0أيضاً ؟!!
سألتني بتشكك: 0
ـ ألم تنامي بعد ؟ ..ما الذي يؤرقك ؟ ..يكاد 0الفجر أن ينسج خيوط ضوئه لينير أرجاء الكون !
استغربت اهتمامها 0بأرقي وقلة نومي ! ..ثم من حديثها 0العذب .. ! 0فقلت ببراءة :
ُ
ـ ال شي البتة يا خالتي ! ..هرب 0النوم عن أجفاني فقط ال غير ! ..ولكني 0سأحاول 0النوم علّي
أفلح !!
كانت تبدو وديعة مما جعل تعجبي منها يتالشى بسرعة ..فقلت :
ـ حقاً ؟! ..وما دواؤك ؟!
رفعت يديها أمام عيني ..وق ّدمت لي قماشاً ملفوفاً بحجم يصغر حجم البيضة قليالً ..محشواً في
داخله بشي يميل إلى الصالبة نوعاً ما ! ..
تحولت أنفاسي إلى تنهيدة طولية ! ..ثم انتقلت عيناي بتلقائية
تسمرت نظراتي في هذه القطعة ّ ..
ّ
إلى عينيها الغائرتين ثم إلى ذقنها الذي امتأل بشتى رسوم الوشم !! ..فتحت فاهي ألسألها 0عن
الدواء الذي وصفته لي ! ..فتداركت استغرابي 0وقالت تصطنع البساطة :
ـ هل تعلمين أن هذه التميمة بحوزتي منذ ما يربو على العشرين عاماً ؟
عدت إلى الواقع ..ما زلت تحت تأثير كالمها الغريب .. ! 0فسألتها :
ُ
ـ وهل تفعل 0التميمة كل هذا يا خالتي 0؟!! ..أوه ال أصدق !! ..إذن فهي مفيدة جداً !!!
توقفت أنفاسي وجف حلقي ..بدا عقلي وكأنه سيتّقد ..رمقتها بنظرة فاحصة ثم قلت :
ـ هل ما تقولينه صحيح يا خالتي 0؟! ..وهل تريدين مني بعد كل ما ذكرت أن آخذها ؟ ..أو حتى
أعتقد في نفعها ؟!!!
ـ ستأخذها يا أمي فال تبالي .. 0وستضعها تحت وسادتها 0أو في أي مكان تريدين ! ..وإن لم تفعل0
فسأعرف أنا كيف أجعلها تفعل .. 0ال تقلقي 0يا أمي !!!
تقدم الزوج إلي بتحد ومد يده ليأخذها 0وأنا مشدوهة ..فناولته إياها ! ..مشى متعمداً بكل
امتهان وزهو ووضعها تحت وسادتي .. 0ثم ..ثم رفع سبابته 0متوعداً :
ـ إياك ثم إياك أن تخرجيها من تحت الوسادة .. !! 0علّها تنفع في دفع الحسد والعين التي بيننا !!!
ثم ألقى 0بجسده على الفراش .. 0ون ــام ..فوقفت أتهادى 0من فرط الحسرة !! ..أي عين وأي
حسد ؟ إنه واهم !! ..يعلّل األمر 0بهما وما هو إال خالف عقائدي ديني قوي فحسب !!!
أطفأت الضوء ..دسست يدي تحت الوسادة .. 0أمسكت بها بعنف ..كم أخافها !! سأخرجها
دون علمه ..وأضعها في أي مكان حتى الصباح ..وما كدت أفعل حتى ارتفع صوته يخترق
الفضاء :
ـ أعيديها إلى مكانها .. 0وك ّفي عناداً ..وإال أرغمتك على تعليقها 0على نحرك !!!!
شهقت من الخـوف ..لم أتحدث ..وضعتها في مكانها .. 0فاضت عيناي بالدمع 0الغزير .. 0حتى
ُ
اغرورقت وسادتي وأنا أكتم األنين ..مضت ســاعة !! ..إنه ال يتحرك ! ..
لزمت الهدوء ..سمعت أنفاسه 0تنتظم ..إنه دليل قوي على نومه ..أخرجتُها برعب ..وضعتها
فغرقت في نوم عميق بعيداً 0عن
ُ افترت شفتاي عن ابتسامة ارتياح ..
في أحد األدراج بجانبي ..ثم ّ
الخزعبالت ..وقبل استيقاظه أعدتها 0تحت وسادتي ..و ..نهضـ ــت !!
في أحد األيام جاء أخوه الذي يدرس في المرحلة 0اإلعدادية 0وعالمات الحيرة والشك تبدو على
محيّـ ـ ــاه !! ..لفتني منظره وارتباكه ..
كانت األم تجلس بجانب جهاز التسجيل تستمع إلى أحد أولياء الصوفية وقد خفضت الصوت ..
أسرح شعر الطفلة
بينما جلس الزوج وأخته يطلعان بعض الصحف والمجـالت ..أما أنا فأخذتّ 0
الصغرى وأداعبها ..
ألقى الصبي بحقيبته على األرض بصورة أثارت 0دهشتنا جميعاً !!! ..فبادرت األم بسؤاله :
ـ ما بك يا بني ؟ ..لم أنت مستاء ؟! ..هل حدث لك مكروه ؟
تأفف الصبي وألقى 0بجسده على األريكة ..بينما ترك الزوج الصحيفة ونظر إلى أخيه باستغراب
فسأله :
ـ ماذا حدث 0؟! ..ما بك ؟!! ..هل تشاجرت 0مع أحد رفاقك ؟!
تركزت أنظارنا عليه ..فقال أخيراً 0بنفاذ صبر وحيرة :
ـ أشعر بأني 0أعيش في تناقض تام مع نفسي .. 0وفي صراع دائم 0معكم ومع مدرستي 0للمواد الدينية
!!! ..هناك اختالف كلّي بين كل منكما !! ..أنا في حيرة !! ..ماذا 0أفعل ؟! ..لم أعد أستطيع
االستيعاب !!!
نهض الزوج بسرعة وجلس بجانب أخيه واحتضنه بقوة ثم قال :
ـ وما الذي جعلك 0في حيرة من أمرك يا صغيري ؟ ..أخبرني.. 0
ثار الزوج وزمجرت األم وصعقت األخت !! ..ما هذه األسئلة 0؟!!!!!!
وفج ـ ــأة ! ..تذكروا وجودي بينهم فح ّدقوا في بنظراتهم 0الحاقدة ..وكادوا يلتهمونني !! ..
فوقفت أبتلع ريقي وشعرت بنظرات الزوج المتوعدة فاستحثني
ُ فسألني الصبي رأي فيما قيل ..
الصب على اإلجابة .. 0ال بد إذاً أن أقول الحقيقة ..لن أكذب !! ..فقلت وأنا أسترجع أنفاسي :
ـ ال ..ال أعلم ..ولكن ..ولكن أعتقد أن هذا الحديث ..صحيح رواه مسلم !!!!! …… و
…….
أمسك الزوج بتالبيبي حينها وألقى بي على األريكة وهو يزمجر :
ـ صمتاً ..صمتاً ..ال تفسدي 0أفكار الصبي !! إنك تكذبين .. ! 0ال أريد سماع ذلك مرة أخرى
..
ِ0
سيرديك في جهنم أنت وزمرته !! إنك تتبعين ذلك الوهابي الكافـر.. 0
آه ما آسعدني !! ..لقد أشفى 0هذا الصبي غليلي ! ..انبسطت مالمح وجهي 0بعد العاصفة الهوجاء
!! ..ولكن الزوج زجر أخاه بعنف :
ـ ال تستمع لكالمهم ! ..فأحاديثهم هي المكذوبة ..ومذهبهم 0هو الزائف ! ..وحياتهم حياة كفر
وضالل وفسق !! ..وثق دائماً بصحة ما تتعلمه منا نحن ..ال تكن كسواك !!
فنظر إلي حاقداً غاضباً ..وأخذ 0الصبي معه إلى الحجرة التالية !! ..تبعته أمه وأخته بسرعة ..
يريدون إغراق هذا البريء فيما هم فيه غارقون !! ..
وفي المســاء ..أغلقت حجرتي وهبطت إلى األسفل 0بعد أن انتهى ال00زوج من ارت00داء ثيابه اس00تعداداً0
لل 00 0ذهاب 0إلى وليمة قريبه الخائـن ! ..وقد ج 00 0زمت في ق 00 0رارة نفسي 0أن أرفض طلب ال 00 0دخول 0إلى
الرج00ال 0ال00ذي س00يجتمعون الي00وم وكل ي00وم مع النس00اء ..ولو كلّف00ني ذلك حي00اتي !! ..فليقتل00ني إن
شاء !! ..فليصلبني إن أراد !! ..ال رجعة في قراري !!
قُ ّدم الطعام في ذلك المجلس الذي خال من اللباقة واألدب 0واالحترام !! ..
وعللت عدم دخولي إليهم منذ البداية بأني 0منشغلة مع النسوة في إعداد هذا الطعام !! ..ثم
ُ
اجتمعت النساء بالرجال 0فسمعت بعضاً من األحاديث الجوفاء المتبادلة .. !! 0وترددت 0في
مسامعي 0صدى الضحكات الخرقاء المتعالية !! ..وبعضاً من الطرائف والنوادر السخيفة !!
أما أنا !! ..فقد قبعت كطائر أسير في إحدى 0الغرف مصيري المجهول خالل الثواني 0الباقيات !!!
ابتهلت إلى اهلل أن يكون خير معين لي على قراري ..وواهلل ما عشت قط موقفاً أقسى وال أعنف
وروعت منه ..و … منهم !!!
من موقف تلك الليلة التي خفت فيها ّ
فجأة ..سمعت أصوات الجميع مع تباينها 0تسأل عني وتنادي ! …… .ل ّفني الصمت واكتنفتني
الرهبة وأطبقا على قلبي !! ..فشعروا جميعاً بأنني 0أمتنع عنهم ..فتبادلوا النظرات 0الغضبى ..ثم
..ر ّكزوا تلك السهام الحانقة 0على الزوج ينتظرون منه تفسيراً 0لما يجري !!
متوعكة ..ثم
سرعان ما جاءت أمه إلي تركض وتطلب مني االنضمام إليهم ..فاعتذرت لها بأننيّ 0
أنني لم أعد أستطيع المجيء إليهم ..وتمنيت لها ولهم طعاماً هنيئاً ! ..وأني سألحق بالنسوة بعد
ذهاب الرجال! 0
عبثاً حاولت تثنيني عن قراري ! ..فتغيرت تعبيرات وجهها 0عندما قالت :
ـ إن زوجك غاضب وأعصابه هائجة وكأنها بين أصابع الشيطان يعبث بها !! ..وأخشى أن يخطئ
معك أمام الجميع !! ..استعيذي باهلل من الشيطان وشاركينا المجلس والطعام ….
رفضت بأدب .. 0ورجوتها أال ترغمني على ذلك فأنا ما خلقت لهذا 0أبداً !! ..ثم ..ذهبت
تضرب كفاً بكف وتطلب الرقوة من أوليائها األموات .. !! 0بينما دخلت أخته تقنعني بالدخول ..
وأن التوتر يسود المكان !! ..والجميع بانتظاري ..فيجب أال أفتعل مشكلة!! 0
أجابتها 0دمعاتي 0الحزينة وقلبي الذي كاد أن ينفطر خوفاً منهم ..
ـ ال أستطيع … .ال أستطيع الدخول على هؤالء الرجال أبداً .. 0أنا أخاف من اهلل ! ..أخجل من
األمور التي تحدث بينكم فدعوني أرجوكم ..أتوسل إليكم 0ال تجبروني على الذنب والمعصية
! ..اتركوني سوف يطعمني اهلل ويسقيني برضاه ورحمته ..أنا لم أخلق ألخلع حيائي وخجلي
بهذه الصورة البشعة ! ..
يـا رب أين الزوج الملتزم ؟! ..الذي 0طالما حلمت به ! ..الذي طالما حلمت بأن يعايش واقعي
؟! ..
أين مؤدي الصالة في المساجد 0؟ ..أين الرجل 0الغيور الذي يغضب ويثور عندما يُعتدى على حد
من حدود اهلل ؟ ..
أين الرجل الذي يرحمني ويق ّدرني 0؟ ..يرحم 0امرأة ضعيفة ُج ّل طلبها منه أن يحفظها ويصونها عن
أعين الرجال ؟ ..أين الرجل الذي يدفع حياته 0ثمناً للحفاظ على محارمه والخوف عليهم ؟! ..
أين وأين ؟!
ربّــاه لقد ضاقت علي األرض بما رحبت !! ..وعندما طال انتظارهم 0غير المتوقع لي ..غضبوا
يتذوقوا منه لقمة واحدة! 0
فقلبوا أواني الطعام رأساً على عقب ولم ّ
كل هذا وأنا أتهاوى كما ريشة ضعيفة رقيقة تعبث بها العواصف الهوجاء ..وكما طفل غريق
مرت علي وأنا أسمع صراخهم0
تتقاذفه األمواج في كل صوب واتجاه !! ..وحدي !! ..لحظات ّ
وهب
وغيظهم وقد مأل األرض ! ..أيقنت خاللها أن كل فرد منهم قد حمل ساطوراً وسكيناً ّ
لتشريحي وإذاقتي ألوان التنكيل والعذاب !!
بالطبــع ..فأنا أخالفهم ملة ومذهباً ! ..يا ويلتي ماذا هم بي فاعــلون ؟! ..رباه ال ملجأ لي منهم
إال إليك ..اللهم ال تكلني إلى نفسي أو إليهم طرفة عين ..
اللهم فكل هذا من أجل رضاك ومغفرتك ..اللهم 0قد ضاقت الدنيا 0بما اتسعت وشملت ..فاجعل0
لي من ضيقي فرجاً ومن همي وبالئي مخرجاً !!!!!!!
رباه رباه رباه ..الويل كل الويل لي ! سوف يتفنون في إيذائي .. 0فأنا وحدي وهم كثر !!
ثم ……… .هاج المضيف الوغد بصوت عال بأقصى أنواع الغضب :
ـ دعـوها ..إنهم قوم يتطهرون !!! ..اتركوها تشبع من الطعام بمفردها !! ..
نحن ال نرغب في الطعام ..نخشى أن تكون بنا نجاسة أو قذارة فنفسده ..فال تستطيع هي أن
تأكل الطعام!!
قام الرجال جميعاً من على المائدة 0وكأن غضب الدنيا 0يعبث بهم منّي !!! ..قرابة ثالثة وعشر
رجالً وامرأة !! ..فخيّـم سكون مع ّذب 0قاتل على جميع أرجاء المنزل !!
ربما أخطأت ! … لم أعد أعرف ! ..ماذا 0أفعل ؟ هل ..هل أهرب ؟! ..لقد فعلوا بي ما فعلوا
ولم أرضخ ولكن اهلل يشهد أنه لم تتب ّق لي ذرة من مقاومة .. ! 0فهذه األخيرة 0من نوعها ..فال
يمكن أن أصمد أكثر من ذلك ..
نعم ..أشعر بحناياي تضطرب ..وجوانحي تتأرجح ..و ..
سمعت صوت والدة الزوج ..وزوجة المضيف الوغد تنادياني بصوت وديع !! ..ولكنه مملوء
بشتى صنوف الغيظ الممزوج بالرغبة القاتلة في السحق !! ..وبابتسامة 0كاذبة من كل منهما قالتا
:
ـ تفضلي ..تناولي ..الطعام ..بالهناء .. 0والعافية ..
نظرت إلى الطعام المقلوب رأساً على عقب !! ..سرى الشلل البطيء في قدمي ..جلست
ُ
ونظراتي المرتعبة 0وقلبي الذي ران عليه االنفطار ينتظران حكماً أكيداً باإلعدام !! ..فتبادلت
المرأتان النظرة ذاتها 0وعلّقت المضيفـ ــة :
ـ ما السبب في اعتقادك يا أم … .في غضب الرجال 0بهذه الصورة الوحشية ؟! ..آه ..كم أحقد
على صاحب السبب !! ..كنا جميعاً ننعم بالسعادة 0والبهجة ولم تحدث بيننا مشاحنات 0أو
خالفات إال منذ فترة وجيزة !! ..فما السبب يا ترى ؟! ..أهي 0عين أصابتنا ؟ ..أم تراها 0فتن
وقالقل ُزرعت بيننا !! ..
من هو الذي قلب حياتنا وعبث بها ؟ ..من صاحب هذا العقل 0المتحجر الذي ال يلين ؟!!
إنهم يقصدونني 0بال شك !! ..أنا المعنيّة بكل ما تقوالن !! ..لزمت الصمت ..ربي ..ديني ..
المراقتان !! ..وقاري وحشمتي وعفافي !!
أهلي ..كرامتي وكبريائي 0المنزوفتان ُ
صرخ الزوج بي أمام الجميع بعدما اجتمعوا معه لتفكيك ثقتي بما أعتقد :
ـ هيا انهضي .. 0سنذهب إلى المنزل اآلن ونتفاهم 0هناك ..الويل ِ
لك ..لقد تخطيتي كل الحواجز
والقيود !!
أدركت بفـرح أنه ال مجال إطالقاً لالتفاق بيننا ..وعزمت في قرارة نفسي 0على الرحيل األبدي!! 0
ُ
لفت معهم 0ما ال طاقة لي به ..لم أعد أطيق صبراً ! ..
لكل إنسان طاقة ..وقد ُك ُ
تعبت وأنا أناضل ..هذا ليس ما أدين به !!
وقف الجميع في وجهي ..وأنا كالطائر 0الجريح كسير الجناح ..أقاتل وحدي ضد جوارح قوية
متعاضــدة !!
( ) 26مراوغات الفرار !
عدت معه إلى المنزل ..وقد انهال 0علي توبيخاً طوال الطريق ..وأنني أفسدت بينهم جميعاً بعدم
إطاعتهم فيما يعملون ..عدا عن أنني ال أطيعه هو وهو زوجي الذي يجب أن أرضيه وأخضع
ألوامره !
رفض بشدة ..إنها 0نقطة ضعفه ..ال يستطيع تركي أبداً ..يا لها من كارثة ..ولكنه أدرك أن ال
جدوى من إقناعي بالمكوث معه ..في هذا الوقت العصيب على األقل ..ثم ف ّكر مليـاً وبصمت
مطبق ..والن أخيراً بعد النصلّب واإلعصار فقال :
ـ هذا الموضوع تحدثنا فيه كثيراً ..ومهما بلغت هفواتك 0وكثرت زالّتك ال مج ــال إطالقاً للتنازل
عنك ..و ُكلّي أمل في أن يهديك 0اهلل إلى طريقنا الصحيح !!! ..ثم …
بالطبع كان غرضي هو الفرار 0األبدي الذي ال عودة بعده ..ولكنني 0خفت من رفضه إن علم !
فقال بتشكك وتخ ّـوف
ـ قلت :لن تذهبي ..أخشى .. 0أخشى أال تعودي !!!!
أجبته بسرعة أطمئنه ونيران الدنيا 0تستعر في صدري وأنا أبتسم ..
ـ قلت لك ..أسبوع واحد فقط ..اشتقت ألهلي كثيراً ..باإلضافة إلى أني أشعر 0بحاجة إلى
الراحة 0والخلود حتى يتجدد ما بيننا ..سوف أعود إليك سريعاً صدقني ..وحتى تثق بكالمي فلن
آخذ معي أي شي من متاعي ..فالمدة قصيرة جداً وال تحتاج أبداً 0للمتاع !!
قال وهو يحاول تصديقي ..وقد بدت لهجة االطمئنان في حديثه :
ـ ال أعرف ! ..أشعر 0بأني غير مطمئن ..ولكن ..حسناً ..هل تكفيك 0خمسة أيام فقط ؟!
( ) 27الرحيل األبدي0
حجــز لي مقعداً منفرداً .. 0اإلقالع في العاشرة ليالً ..والساعة 0اآلن الثامنة .. 0ال وقت ..قبل أن
يغيّر رأيه !!
قمت بإعداد 0نفسي بسرعة ..دخل ليستحم ..انتهزت الفرصة .. 0كتبت له أن الحياة بيننا
مستحيلة ..منذ أن وقعت قدماي على هذه األرض ..وأنني حاولت اإلصالح ففشلت !! ..
وأنني لم أطق البقاء معه يوماً بعد أن علمت بخديعته لي وألهلي في ..دينه !! ..
ال اتفاق بيننا من حيث الدين 0وال األخالق وال الحياة والعقيدة والعادات .. 0لذا يجب علينا
االفتراق إلى األبد دون عودة ! ..
وهذا األمر كان يُفترض بنا أن نفعله 0ليس من اآلن فقط ..بل ..من يوم عقد فيه قراننا !!! ..أنا
لست منكم ..ولستم منا !! ..وداعاً وداعاً إلى األبد !!
سمعته يفتح مقبض باب الحمام ..طويتها بسرعة ..وضعتها في حقيبتي ..عاملته جيداً ..حتى ال
يظهر تغيّر علي ..نظرت إليه وهو يستعد للخروج ..إنها 0النظرات األخيرة .. 0سامحوني جميعاً ..
طـأطـأ رأسـه ..ما به ؟!! حاول 0إخفاء وجهه عني ..تظاهرت بأني 0لم أره ..ورأيته ..لقد اكتسى
وجهه حمرة من شدة البكاء !! ..ال بـأس ..هذه هي النهاية 0الحتمية ولكني سأجعله هو من يفهم
ذلك بنفسه ..
ركبنا في السيارة ..كأنه يشعر أنني لن أعود ..لم ينظر إلي ..تركته ..فضلت الصمت
والسكوت ..لمحت في عينيه بريقاً .. 0دققت النظر إليه ..فإذا هي الدموع تترقرق في عينيه ..
مع أني لم أخبره بقراري بعد ..ال مجال للعيش بيننا إطالقاً ..قدر اهلل وما شاء فعل ..أخذ
يحذرني من عاقبة تأخري 0عليه عند أهلي ..وأجهش بالبكــاء ..فلم أهدئه .. 0ال أريد أن أكذب
عليه ..
نظرت إلى النافذة واصطنعت البراءة هذه المرة وأنا أقول :
ـ نعم ..ال داعي لحزنك ..يجب أن تصدقني ..هل بدر مني أسلوب الكذب 0معك ؟!!
( اللهم سامحني )
هز رأسه نافياً وصمت ..إلى أن دخلنا إلى المطار ..وقلبي يخفق بشدة ..وداعاً للجميع
وليسامحني الجميع على كل ما بدر مني ..شعرت 0باألمان في المطار ..لن يستطيع إرغامي على
العودة ..الموت أهون عندي !
وقبل النــداء على ر ّكـاب الطائرة ..فتحت حقيبتي وأخرجت 0منها رسالتي ..وناولته 0إياها.. 0
وحلّفته ثالثاً أال يقرأها إال عندما يعود إلى المنزل ..إلى 0حجرته ..فوافق على مضض ..دخلت
إلى صالة المسافرين 0بسرعة ..أدهشه ذلك ّ ..لوح لي والحزن يبدو متفجراً من قسماته والدمع
يفيض كما يفيض النهر ..بعد ماذا ؟!!!!
نظرت إليه ..كنت سعيدة ..خائفة ..لم أطل البقاء ألنظر إليه ..ولكنني 0لمحته يغطي وجهه
بثيابه وكأنه يحمي نفسه من البرد ..وما زال النحيب والبكاء يسيطران عليه بينما انتبه إليه الكثير0
من الناس في حالته تلك ..فرحموه !! ولم يعلموا من هو !!!
شعرت بنوع من الحرية التي طالما افتقدتها بينهم ..شعرت 0باستقالليتي من معتقداتهم التي فعلت
بي األعاجيب !!
هل حقاً أنا بعيدة عنه ؟ ..عنهم ؟! ..تركتهم إلى األبد ؟!! ..صحيح ؟!! ..ال ..ال ..هذا حلم
جميل وسرعان ما سينقضي ..ركبت الطائرة ..نظرت بخوف فيمن حولي وأنا أحتضن حقيبتي
الصغيرة ! ..هل كلهم صوفيون ؟! هل اتفقوا معه ؟!
لماذا ينظر الركاب 0إلي بهذه الطريقة 0؟! ..هل علموا بشخصيتي ؟!
هل جميعهم ضدي ؟! ..ربما ..اتجهت بنظري إلى الخلف !!! ..يا إلهي .. !! 0هناك راكب
يشبهه !! ..الالالالالالالال ! ..هل لحق بي ؟ لماذا تبعني ؟ ..لماذا أتى ؟! ..سأصرخ ..
سأفقد صوابي !! ..ولكن ..تحرك الرجل 0هو وزوجته إلى مقعد 0آخر !! ..الحمد هلل ..إنه ليس
هو ! ليس هو ..ليس هو !!!
يا إلهي 0ما العمل ؟ ..لجهاد بالسيف والرمح أهون علي من جهادي 0ضد نفسي !
تحول مزاجي ..تمكنت العزلة 0من اختطافي 0عن أنظار الجميع ! ..
ســاءت حالي ّ ..
حتى الطعام كنت آكله قسراً حتى أتعايش 0مع اللحظات الباقيات لي !!
بعد ستة أيام ..كنت ملقاة على فراشي في بيت عائلتي ..أصارع الحياة والموت ..أشعر 0ببقايا
من أنفاسي 0المعدودة ..ال أحب الطعام ..وال الماء ..وال النوم ..وال اليقظة ..أتململ في
مكاني .. 0وأنا أنتظر أمر اهلل في أي لحظة أن يناديني .. 0بينما فاضت عيوني بالدمع المنهمــر دون
توقـ ــف ..
وفي عتمة المكان دخل نور خافت يتفـقـدني ..استدرت 0إليه ..فإذا هو والـ ــدي ..يطمئن علي ..
ويسأل عن حالي .. 0وعيناه تفيض بالحزن والكمد !! ..
حتى االبتسامة ترفّعت عن شفاهي .. !! 0تردد أبي كثيراً قبل أن يقول :
ـ يا ابنتي ..هل ما ِ
زلت مستيقظة ؟ أريد ..أريد أن أخبرك ب ـ ..ب ـ ..
ـ يا ابنتي ..هل ما ِ
زلت مستيقظة ؟ أريد ..أريد أن أخبرك ب ـ ..ب ـ ..بأن زوجـك قد جاء ..وهو
..وهو في انتظارك ..ويريد أن ..أن يتفاهم معك ..و ..........
استجمعت شجاعتي ..اتأكت على يدي حتى وقفت أترنّـح من شدة اإلرهاق والتعب والحزن ..
هتفت بصوت بالكادُ 0سمع :
ـ ماذا ؟ ..ماذا ؟! ..لماذا أدخلتموه إلى المنزل ؟ ..أال يكفيه ما آلت إليه حالي 0؟! ..أال يكفيه0
ما فعله بي ؟ ..أبـ ـ ــي !! ..كيف تستطيع النظر إليه أو مخاطبته ؟! ..إنه إنه بال قلب ..أال
ترحمونني ؟!!
وأجهشت بالبكاء الذي رجا الدنيا أن ينفيه من أمامي .0.ولكن ..أبي أمسك 0بي برفق وقال بهدوء
:
ـ يا ابنتي أخبرته 0بكل ما تريدين ..فبكى بمـرارة ..وقال أنه ال يص ّدق ذلك ـ وأنه يريد 0أن ِ
يراك
ويسمع ذلك منك ..
ـ الالال ..ال أريد رؤيته حرام عليكم ..أنا أكرهه ..هل تعرف معنى ذلك يا أبي ..أرجوك ..
أرجوك ..
بخطى متماوتة ..متثاقلة ! ..حاولت الدخول فلم أستطع !! ..فشجعني أبي بأن
ً مشيت معه
ُ
دخل قبلي ..وبقيت خلف الباب ..أمسك 0بالحائط ّعله يساعدني في الثبات ..دخلت ببطء ..
وجدته يجلس في وسط المكان وعلى األرض ..لم أعرفه !!! ..من هذا الرجل 0؟!! ..
استدرت للخروج بسرعة ..فناداني 0أبي ..ظننت أني قد دخلت على رجل آخر !! ..هل يُعقل ُ
أن يكون هذا ؟!! ..ما أبشع منظره !! ..يا إلهي ما هذا االختالف الكلي 0الذي طرأ عليه !!! ..
أين القوة والضخامة ؟! ..أين الصحة والخشونة ؟ ..الال ..ال يُعقل أن يكون هو !!!
وقف بسرعة كلمح البصر ! ..لم أتعرف على مالمحه ! ..كرهت النظر إليه ..أو سماع صوته
!! ..
جلست متهاوية 0على األريكة .. 0ش ّقـت ابتسامته 0نهر الدموع في عينيه ..اعتقد أني وافقت على
العودة معه ..
نظر إلي بفـرح ..وتغيّرت مالمـح وجهه فجأة وهو يقول :
ِ
نحلت كثيراً !! ..هل أصابك مكروه ؟! ..حتى أنا تغيّر حالي0 ـ ما بك ال تنظرين إلي ؟!!! ..لقد
ِ
ذهبت ونحن نعيش في فراغ كبير ..في جفاء ووحشة أنا وأهلي جميعاً !! ..منذ أن
لزمت الصمت ! ..ال أريده !! ..اآلن !! ..بعد ما جعلتموني أعاني من الذل والهوان ؟!!
نطقت أخيراً 0من بين دموعي الوجعى 0وما زلت أشيح بنظري عنه :
ـ ال أريدك ..ال أريدك ..أرجوك ..أطلق سراحي .. 0فأنا ال أطيق النظر في وجهك .. 0ولن أعود
معك !! ..مهما حييت ! ..
أال ترى ما فعلته بي ؟! ..أبي أرجوك ..أخرجه من هنا !! ..أنا ال أريده ال أريده ال أريده ..
أكرهه ..
أمسك أبي بي بسرعة وأوقفني بتمهل وهو يبتعد بي عنه إلى الغرفة المجاورة ..
ـ على رسلك يا ابنتي ! ..ارحمي نفسك 0وما وصلت إليه حالتك ..أرجوك ..ال تنفعلي كثيراً ..
أرجوك ..
صرخ الزوج بأعلى صوته وهو ينتحب وجميع أهلي يسمعونه :
ـ أعيدوا إلي زوجتي ..لن أتركها لكم !! ..حرام عليكم ..أنا ال أستطيع العيش بدونها.. !! 0
أعيدوا زوجتي ..أريد زوجتي ..أريدها 0أن تعود معي لمنزلي ..لن أدعها تذهب مني !! ..
أعيدوها إلي ..أعيدوها ..سأوافق على كل ما تريد ..صدقوني ..ماذا تريد 0هي ؟!! ..أين
زوجتي ؟!
عدت إليه بسرعة وأنا أستند على الجدران وسألته بصوت ٍ
باك ومغتاظ :
حسناً ..هل ستترك ما أنت فيه من ضالل ؟ ..هل ستهتدي إلى الطريقة المثلى ؟!! ..هل
سيعتدل سلوكك الديني 0وأفكارك العقيمة 0؟!!!! ..بالطبع ال ..أليس كذلك ؟!!
وخرجت ..أبكي .. 0فاحتضتني أمي ..وه ّدأت من روعتي أختي ..أما أبي ..فهو يمسح دمعات
ُ
فيّاضة تطفو قسراً من عينيه وهو يعاين لحظات الوداع األخيرة .. 0ال جدوى منه أو مني !! ..ال
جدوى !! ..
مرت أيام عصيبة على حياتي .. 0وفي هذه األثناء التي كنت أحتضر فيها جاء القريب والبعيد
ّ
يرجونني بالعودة 0إليه !! ..إنه بقايا إنسان !! ..
يتصل مراراً وتكراراً 0حتى أعود إليه !! ..إنهم قوم ال يعلمون !!
وما فائدة عودتي إال زيادة في العذابات والمفارقات .. !! 0بالطبع رفضت ..مجرد محاولة واحدة0
فقط منهم في استمالتي إلى ما يدينون وسوف تؤدي بحياتي إن عدت وأنا بهذه الحال المترنحة
!!! ..حتى وإن كان يعاني 0فقدي ونقل مراراً إلى المستشفى 0فلن أع ـود !! ..لن أ أع ـود د ..لن
أعـ ــود ؟! ..
( النهاية) 0
ـــــــــــــــــــ