Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 119

‫دعوني أرحل‬

‫بقلم الهاشمية‬
‫دار القاسم للنشر والتوزيع‬
‫( ‪ ) 1‬الخوف من المجهول‬

‫حملت مشاعر ُمحبة لم‬


‫ُ‬ ‫حملت قلباً أرهف من قلب الطفل ‪ ،‬وروحاً أزكى من روح المسك ‪،‬‬
‫ُ‬
‫حلمت بدنيا هانئة‪ 0‬هادئة جميلة ‪ ..‬شعرت بأن جميع من في الكون‬
‫ُ‬ ‫تعرف ال ُكره‪ 0‬يوماً أو الحقد ‪..‬‬
‫طيبون ُمحبّون مثلي ‪ .‬وأن الجميع يحملون قلوباً طاهرة مغسولة بالماء والثلج والبرد ‪ ،‬كما هو‬
‫أحببت‬
‫ُ‬ ‫قلبي ! وأن الجميع ذوو نوايا حسنة كما هي نيتي ‪ ..‬أستاء آلالم الناس وأحزن لمصابهم ‪..‬‬
‫جميع الناس دون استثناء !!‬

‫إلي شاب‪ 0‬من بلد عربي فأخبرني به أهلي ‪ ..‬اضطربت‬


‫وعندما أتممت العشرين من العمر تقدم ّ‬
‫وارتجفت فرائصي ‪ ..‬ترددت كثيراً ثم رفضت ‪ ..‬ال أريده وال أعلم سبب رفضي له ‪ ..‬فطلبوا‬
‫مني التمهل والتفكير ‪ ..‬فكرت ملياً ثم ‪ ..‬وافقت بعد شق األنفس وجهد العناء ‪ ..‬ثم عُقد القران‬
‫بيننا !!‬

‫إذن بقي عام على الزواج ! خالل هذا العام كان يُرسل‪ 0‬إلي كتباً مغلفة خفية ودون علم أهلي !‬
‫ويطالبني بإصرار أن أخفيها عن أنظار الجميع !!‬

‫بدت الغرابة على محيّاي ! لماذا ؟ فقال ‪:‬‬


‫ـ سنصبح زوجين فيجب أن تكون لنا خصوصياتنا ! اقرئيها بمفردك وطبّقي ما فيها فهي نافعة جداً‬
‫ومفيدة للغاية !!‬

‫وكان يسألني باستمرار وبانتظام عن تأثير هذه الكتب علي ! وهل عملت بما فيها ؟ وما رأيي‬
‫بمحتواها ؟ الحق يُقال بأن اهلل لم يكن بريد‪ 0‬مني أن أفتح هذه الكتب أو أرى ما فيها على اإلطالق‬
‫‪ ،‬ولكن إجابتي‪ 0‬له كانت بأنها نافعة ومفيدة ‪ ..‬حتى ال يضغط علي بها أكثر من ذلك !‬

‫مآقي بدموع الكون فاحترقت وجناتي‪ 0‬بهذه‬


‫واستمر الحال ‪ ..‬وقبل الزواج بأسبوعين امتألت ّ‬
‫الدموع المحرقة التي ال أعرف لها سبباً ! ستُلقى على عاتقي مسؤوليات عظام ‪ ..‬فهل أنا على‬
‫استعداد‪ 0‬لها ؟ كنت الفتاة الصغرى‪ 0‬المدلّلة دوماً !‬
‫هل سأوفّق في إسعاد‪ 0‬زوجي وإعطائه حقوقه الزوجية‪ 0‬كاملة ؟ هل سيكون سعيداً‪ 0‬معي ؟ وهل‬
‫سيُسعدني‪ 0‬؟ هل سيغضب اهلل علي عندما أغضبه ؟ وهل ‪ ..‬وهل ‪ ..‬الخ ‪.‬‬

‫لقد تربيت في بيت يعرف الحقوق والواجبات ويق ّدرها‪ 0‬وهلل الحمد ‪ ،‬باإلضافة‪ 0‬إلى كونه بيتاً محباً‬
‫هادئاً فبالتأكيد سوف تكون حياتي كذلك !‬

‫ال حظت عليه قبل الزواج عدم ذهابه إلى المسجد في وقت الصالة ! وقد كان ُحلُمي الذي طالما‬
‫راودني أن أتزوج رجالً ملتزماً خلوقاً ديّناً ‪ ،‬والشيء األهم‪ 0‬أن يصلي الصالة في المسجد مع‬
‫الجماعة ‪ ..‬حتى تسكن‪ 0‬روحي معه ‪ ..‬وأطمئن له وبه ‪ ..‬وتهدأ حياتي‪ 0‬وترفرف عليها السعادة‬
‫واألمان !‬

‫كم حلمت بأن يستيقظ من سأتزوجه لصالة الفجر كل يوم ويوقظني معه ألصلي ‪..‬‬

‫جاء يوم الزواج وأنا شبه واعية ! أخذ الخوف مني كل مأخذ ‪ ..‬اليوم فقط سأبدأ‪ 0‬حيا ًة جديدة !‬

‫تزوجته ‪ ..‬سافرت‪ 0‬معه إلى بلده ‪..‬‬


‫( ‪ ) 2‬المفاجأة األولى‬

‫وبعد وصولنا بيوم فاجأني قائالً ‪:‬‬


‫ـ استع ّدي سيدخل‪ 0‬عليك أقاربي من الرجال‪ 0‬لمصافحتك وليباركوا ِ‬
‫لك بالزواج ‪..‬‬
‫التهبت عيناي ‪:‬‬
‫ـ ماذا تقصد ؟ بالتأكيد تقصد بأنهم‪ 0‬سيُباركون لي من خلف الباب !!!‬
‫نفى ذلك بسرعة وأردف ‪:‬‬
‫وردي إليهم التبريكات !‬
‫ـ بل سيدخلون هنا عندك ‪ ..‬فصافحيهم ّ‬
‫هتفت في أذنه ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫أنا ؟ هل سيراني‪ 0‬رجال غرباء غير زوجي ؟‬
‫ـ أرجوك ‪ ..‬هذا ليس اتفاقنا ! اتفقنا‪ 0‬على أالّ أظهر أمام أحد من الرجال على اإلطالق ‪ ..‬فأنا كما‬
‫تعلم من عائلة محافظة متحجبة وأنت تعلم ذلك جيداً !!‬

‫نظر إلي بنظرات غاضبة وقال ‪:‬‬


‫ـ افعلي ما أقوله لك ‪..‬‬

‫كنت بكامل زينتي ‪ ،‬ولم يتم حديثه إال وقد دخل جمع غفير من الرجال !!!‬
‫وعيون القوم تكاد تلتهمني !‬

‫أتوهج ألماً وغضباً ‪ ..‬وامتنعت عن النظر‬


‫فأسرعت بأخذ‪ 0‬غطاء وألقيت به على رأسي وجسدي وأنا ّ‬
‫إليهم وقد امتألت بالحسرة والقهر‪ 0‬مع الدمعات ‪ ..‬فم ّدوا أيديهم‪ 0‬يتسابقون بالمصافحة ‪ ..‬وبحركة‬
‫آلية مرتجفة خائفة‪ .. 0‬وبدافع من نظرات الزوج الماكر وخوفاً من غضبه مددت يدي بال شعور‬
‫لمصافحة كبيرهم الذي لم يتجاوز الثامنة والثالثين من عمره ! واكتفيت بمصافحته هو فقط !‬

‫أخذ البقية يثنون على اختيار زوجي لي وقد توقعت أن بقوم بالنيل منهم لهذه المجامالت غير‬
‫مقزز لم أعرف القصد‪ 0‬من ورائه !!‬
‫الالئقة والتي صدرت بأسلوب ّ‬

‫ولكن لألسف ! فقد اتسعت ابتسامته وانفرجت أساريره ‪ ..‬وماتت غيرته !!‬
‫خرجت فوراً من الحجرة وكأنما شعرت‪ 0‬بغضب اهلل قد وقع علي وما أشده‪ 0‬من غضب !!‬

‫لم أعرف ماذا‪ 0‬أفعل في مجتمع غريب ! ماذا‪ 0‬سيفعل اهلل بي ؟‬


‫ما هذا الذنب العظيم الذي اقترفته ؟‬
‫اللهم اغفر لي فهذا خارج عن إرادتي وطوعي !!!‬

‫عدت إلى منزلي‪ 0‬تسبقني إليه الدموع المذنبة‪ .. 0‬ولكن يجب أن أقنع هذا الزوج بأسلوب حكيم‬
‫هيّن ليّن ! فرجوته أال يفعل ما فعله اليوم مرة أخرى ! بكل أدب وطيب حادثته‪: 0‬‬
‫ـ ألن اهلل لن يوفقنا في حياتنا على هذه الصورة !‬
‫ضلْت السكوت‪ 0‬واإلقناع بالحسنى على‬
‫فأبدى غضبه واستياءه وثار ‪ ،‬وأقام الدنيا‪ 0‬ولم يقعدها ! فف ّ‬
‫فترات متقطعة ‪ ،‬والتنازل له حتى يفعل‪ 0‬اهلل أمراً كان مكتوباً ‪.‬‬

‫فوجئت مرة أخرى وأخرى بإصراره على مخالطتي لهؤالء الرجال‪ .. 0‬رفضت ‪ ،‬رجوته ‪..‬‬
‫أمرني‪ 0‬بلهجة حانقة بالدخول قائالً ‪:‬‬

‫الودية والطرب‪0‬‬
‫ـ إنهم جميعا قد اعتادوا على المخالطة والضحك وتبادل النكات واألحاديث ّ‬
‫ِ‬
‫ولست أنت التي ستعيقين فعلهم أو تصلحين من شأنهم ! فلتوفري مجهوداتك‬ ‫رجاالً ونساء ‪..‬‬
‫لنفسك !‬

‫تأملت الحال ! أال يخافون اهلل وغضبه ؟ كيف تختلط النساء بالرجال بهذه الصورة المنتنة ؟‬
‫كيف تبدي النساء زينتهن أمام رجال أجانب‪ 0‬؟! كيف يسمح أزواجهن‪ 0‬بهذه الدناءات ؟‬

‫ذهبنا بعد ذلك لزيارة بلد عربي آخر ‪ ..‬وما زلنا في األسبوع الثاني من الزواج … فقلت في‬
‫نفسي ‪ :‬نحن اآلن بمفردنا ‪ ،‬وسأحاول إقناعه !‬

‫ذهب ليأتي‪ 0‬لنا بالعشاء من الخارج ‪ ..‬فذهبت أبحث في سورة النور عن اآلية الفاصلة‪ 0‬لهذا العمل‬
‫المشين ‪ ..‬والبهجة تمألني وكأني قد أمسكت بعقال‪ 0‬اإلبل ‪ ..‬نعم هنا سيقف وهنا سيرضخ !!‬
‫فإذا حكم اهلل بأم ٍ‪0‬ر فال خيرة له وال لي فيه ! نعم جاء الفرج وانكشفت الغمة ‪..‬‬

‫انتظرته بفارغ الصبر وكأن أجنحة الطيور جميعاً ملكاً لي أطير بها أينما أشاء في هذا الكون‬
‫الفسيح ! وكأنما قلوب الكون تعاضدني ألصل إلى الخالص األكيد !!‬

‫جاء ‪ ،‬لم أنتظر واالبتسامة‪ 0‬تنم عن فرح شديد‪ 0‬وعن روح منتصرة ‪ ،‬ثم فتحت المصحف على اآلية‪0‬‬
‫" وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن وال يبدين زينتهن إال ما ظهر منها‬
‫وليضربن بخمرهن على جيوبهن وال يبدين زينتهن إال لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن " ‪.‬‬

‫وقبل انتهائي‪ 0‬من اآلية‪ 0‬نظرت إلى وجهه وقد توقعت التوبة والندم بالطبع !! ولكن يا للحسرة ‪ ،‬لقد‬
‫استشاط غضباً ‪ ،‬وقام بخطف المصحف الشريف‪ 0‬من يدي بقوة وألقى به على السرير ونظر في‬
‫عيني بتهديد قاتل ووعيد مخيف ‪ .‬ثم قال ‪:‬‬
‫ّ‬

‫ـ أنت تستمعين إلى كالمي أنا وليس إلى كالم هذا ‪ ..‬مفهوم !!‬

‫هذه الصعقة زلزلت كياني فخارت قواي ‪ ،‬ال فائدة !! َم ْن هذا الرجل الذي تزوجته‪ 0‬؟‬
‫طلبت المفاهمة منه بهدوء ‪ ،‬بكل أدب ‪ ،‬مع أن قلبي كاد أن يُخلع من هول الصدمة‪ ! 0‬فسألته ‪:‬‬
‫ـ ماذا تقصد ؟ وكيف تجرؤ على وضع المصحف بهذا‪ 0‬الشكل ؟‬

‫فهاج قائالً ‪:‬‬


‫المنتهي بهذا‪ 0‬الشكل ؟ وهذه آخر مرة نتحدث فيها‬
‫ـ وكيف تجرئين على مناقشة هذا الموضوع ُ‬
‫عن ذلك !!‬

‫فكرت ملياً ‪ ..‬البد‪ 0‬من مخرج لهذا‪ 0‬المأزق والصبر هو العالج األفضل ‪.‬‬

‫تمادى الجميع ( من الرجال‪ ) 0‬في التحدث والضحك معي ‪ ،‬وافتعال المواقف التي تجبرني على‬
‫الكالم معهم‪ .. 0‬بكيت كثيراً على إجبار زوجي لي بالمخالطة ‪ ..‬رضخت بمشاعر مكرهة ! لعل اهلل‬
‫أن يهديه فال يعاود ذلك !‬
‫كنت ألبس حجاباً ساتراً‪ 0‬جداً وأغطّي أكبر جزء ممكن من مالمحي ومن جسدي ونظراتي كسيرة‬
‫منخفضة ال تجرؤ على النظر إلى هذا الكم‪ 0‬الهائل‪ 0‬من الوحوش الذين لبسوا مالبس الرجال !‬

‫وإذا به يناديني‪ 0‬من بينهم فأرفع رأسي إليه والخجل يل ّفني والحياء يذيبني‪ ، 0‬فيأمرني بأن أرفع‬
‫حجابي عن أكبر جزء ممكن ونظراته‪ 0‬غاضبة تكاد تفتك بي وتعتصرني‪ ، 0‬فال أستطيع ! فيرغمني‬
‫مرة أخرى بإرسال تلك النظرات‪ 0‬التي تتوعدني وتتهددني ‪ ،‬فأرفض قسراً مع شدة خوفي منه‬
‫ومنهم !‬

‫أين أنا ؟ مع من أعيش ؟ ليس هذا ما ربيت عليه !‬


‫أي عالم يحيط بي ؟!‬

‫أعاود النظر إليه فيشير إلي أن تكلمني مع المتكلمين ‪ ،‬واضحكي ‪ ،‬واخلعي جلباب الحياء الثقيل‬
‫‪ ،‬وكوني أكثر جرأة منهن !!! ولكن ديني يردعني وضميري يمنعني ‪..‬‬

‫نعود لمنزلنا ‪ ..‬أكفل له أنواع السعادة‪ 0‬والهناء على الرغم من كل شيء !! كل ذلك حتى يتفهم‬
‫طبيعتي وما أريده وما أرغب عنه ‪ ..‬ولكن ال جدوى ! يا لألسف ما لعمل ؟‬

‫سترت عليه ! مدحته أمام أهلي ‪ ،‬وأمام الجميع بأنه أرجل الرجال‪ ! 0‬يجب أن أضع األساس‪0‬‬
‫الصحيح لبناء المنزل الذي ليس له قواعد حتى اآلن ! يجب أن أحاول‪ 0‬المزيد ولكن بعيداً‪ 0‬عن‬
‫العيون …‬

‫" استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان " ‪.‬‬

‫في األسبوع الرابع ضقت ذرعاً بعدم صالته في المسجد ‪ ..‬قلت له بضيق ‪:‬‬
‫ـ لماذا ال تصلي في المسجد مع الجماعة ؟‬
‫ـ صالتي في المسجد تخصني ! وصالتي في المنزل أفضل ‪ ..‬ال أريد االحتكاك‪ 0‬بمن في المسجد‬
‫!!‬
‫سألته باستغراب‪ 0‬واضح ‪:‬‬
‫ـ ماذا تعني ؟‬
‫ـ ال أعني شيئا ‪ ..‬هيا سنخرج اآلن ‪! ..‬‬

‫تكرر هذا الموقف كثيراً ولكني‪ 0‬لم أرد فقد الصبر المتبقي لدي !‬

‫( ‪ ) 3‬حضور العزاء المريب‬

‫فاج ‪00‬أني في أحد األي ‪00‬ام بدخوله‪ 0‬إلى الم ‪00‬نزل وقت ص ‪00‬الة المغ ‪00‬رب‪ .. 0‬وقد امتألت عين‪000‬اه بال‪000‬دمع ‪..‬‬
‫وارتفع صوت نحيبه وبكائه ومعه عدد من أقاربه الرجال‪! 0‬‬
‫ما الخطب ؟! كاد أن يُغمى علي من شدة الهلع والخوف ! ‪ :‬رجل يبكي‪ 0‬؟! وأمامي ؟! وأقاربه‬
‫كذلك ؟!‬

‫هل أصاب أهله أو أهلي مكروه ؟ يا إلهي قدماي لم تعودا قادرتين على حملي !! أهو أبي ؟ أهي‪0‬‬
‫جدتي العجوز ؟ أهي أمه ؟! أرجوك سيسقط قلبي من فرط الخوف !!‬

‫بخطى قد أثقلتها المخاوف وكبّلتها الشكوك ‪ ..‬دخل إلى المطبخ وقال‬


‫ً‬ ‫لم يتحدث !! مشيت‬
‫باكياً ‪:‬‬
‫ـ بسرعة ‪ ..‬ألبسي مالبس العزاء‪ ، 0‬ولتكن سوداء اللون فقط !‬

‫اكتملت المخاوف ‪ ..‬رجوته أن يخبرني َمن الذي مات ؟ ‪ ..‬لم ينطق ! لبست المالبس الحالكة‬
‫السواد كما أمرني‪ 0‬كاآللة التي يتحكم بها صاحبها كيفما شاء ! خرجت معه ! وعلى الرغم من‬
‫ذلك لم أنج من نظرات‪ 0‬أقاربه !! قلت لوالدته‪ 0‬وأخته بلهفة وأنا ألهث ‪..‬‬

‫ـ حدثوني أرجوكم من الذي مات ؟ ‪ ..‬ماذا يجري ؟ ما بكم ؟!‬


‫أطبق الحزن والصمت على أفواه الجميع ‪ ..‬وآهات‪ 0‬األلم تتدفق من الصدور الثكلى‪ ! 0‬لزمت‬
‫الصبر والسكوت حتى كادت نبضات قلبي أن تتجمد !!‬
‫توقفنا عند قصر كبير ومترف فعادت نبضات قلبي تنتظم شيئاً شيئاً ! إذاً ‪ ..‬فهو شخص آخر !‬

‫دخلت ببطء ‪ ..‬رأيت جموعاً من النساء قد اجتمعن ‪ ..‬يبكين ويضربن على صدورهن !!‬
‫أين أنا ؟ ماذا‪ 0‬أرى ؟ ما هذا المجتمع الغريب‪ 0‬؟ الكل‪ 0‬يبكي وينتحب ؟!‬

‫فقدت الصبر ‪ ..‬فسألت إحدى‪ 0‬أخوات الزوج بتأثر شديد‪ 0‬من هذه المناظر المحزنة المخيفة ‪:‬‬
‫ـ من هو الشخص الذي مات ؟! أشعر‪ 0‬بالحزن عليه ‪..‬‬

‫فقالت وهي تتحاشى النظر إلي وبصوت مرتجف ومرتبك ‪..‬‬


‫ـ إنه أحد أولياء اهلل الصالحين المقربين‪ 0‬إليه ‪ ..‬وهو أحد المشائخ المصلحين لألقدار في هذا‬
‫الكون ‪ ..‬وصمتت ‪ ..‬فقلت في نفسي ‪:‬‬

‫ـ ماذا تقصد بكالمها‪ 0‬؟ ولزمت الصمت أنا كذلك ‪ ،‬فتاهت نظراتي‪ 0‬بين أفراد هذا العالم الجديد‪0‬‬
‫على حياتي !!‬

‫عزاء ‪ ..‬انتقلت نظراتي نحو الحائط‬


‫جلست مع الجالسات ! هذه أول مرة في حياتي‪ 0‬أحضر فيها ً‬
‫الكبير لترى صورة كبيرة وضخمة لرجل‪ 0‬طاعن في السن محاطة بإطار جميل وغالي الثمن ‪ ..‬ثم ‪..‬‬
‫!!!‬

‫ما هذه ؟ الصورة قد ربطت شريطة سوداء في جانبها‪ 0‬األيسر !!!‬

‫فجأة ش ّد انتباهي‪ 0‬نياح النساء وضرب بعضهن بأيديهن‪ 0‬على رؤوسهن ووجوههن ! ( خاطبت نفسي‬
‫) ‪..‬‬

‫ـ يا ترى من هذا الشخص الذي أثّرت وفاته على كل هذه الوفود من النساء والرجال ؟‬
‫وهل عزاء يقام يحدث فيه كل ما يحدث اآلن ؟!!‬
‫كعادتي فضلت السكوت ومجاراة الواقع واستكشاف األمور الغامضة‪ 0‬بهدوء ‪..‬‬

‫ـ من هي تلك المرأة التي تصدرت الجموع وجلست وحدها تقابل‪ 0‬كل هؤالء النسوة وقد غرقت‬
‫ومن معها‪ 0‬في بحر من الدموع المنسكبة ؟ ما لها تهيج وتضطرب ؟ ما بها تتمايل وتصيح هي ومن‬
‫معها ؟ ما لها ال تضبط نفسها‪ 0‬؟‬
‫كأني اسمعها تستغيث بفالن وفالن !!! فمن هذا الذي تستغيث به ؟ وماذا تقصد ؟‬
‫الجميع أصبح مواجهاً لها !!! ال بد أنها‪ 0‬ستقول أو ستفعل‪ 0‬شيئا ما !! ألنتظر وأرى !!‬

‫وكما توقعت فقد أخذت‪ 0‬جهاز الميكروفون ‪ ،‬وحينما بدأت بالكالم سالت دمعات‪ 0‬ساخنات‪ 0‬على‬
‫وجهها أثارت‪ 0‬أحزان وأشجان الجالسات‪ 0‬فبكين مرة أخرى بحرقة ولوعة !!!‬

‫لماذا أشعر بالخوف ؟ لماذا ال أتمالك‪ 0‬نفسي بهذا‪ 0‬القدر ؟ لماذا أشعر‪ 0‬بأن هناك شيئا ما غير سوي‬
‫؟!!!‬
‫لماذا أشعر بأن أمراً عظيماً سيقع ؟! لم قيّدتني الجالسات‪ 0‬بنظراتهن ؟ لم أنا بالذات ؟‬
‫ما هذه الرجفة التي تسري في أجزائي ؟! هناك شيء ما !!!‬

‫نطقت أخيراً‪ 0‬تلك المرأة المتزعمة للنساء بأول كلمة وهي تصرخ ‪:‬‬
‫ـ اللهم ارحم سادتنا الصوفيين !!!!!!!!!!!!‬

‫ماذا سمعت ؟ بالتأكيد‪ 0‬هناك خطأ إما لدى السامع أو لدى المتكلم ‪ ..‬وفي السامع أكثر ؟!!‬

‫كررتها ثانية والدمع يجري كما تجري األنهار ‪..‬‬


‫ـ اللهم ارحم سادتنا الصوفيين !!!!!!!‬

‫زاغت نظراتي‪ .. 0‬تاهت أفكاري ‪ ..‬تبعثرت أوراقي !! حسناً بالتأكيد‪ 0‬هناك خطأ في السامع أو في‬
‫المتكلم وفي المتكلم أكثر !!!‬
‫حسناً حسناً ‪ ..‬أريد أعرف الخطأ عن طريق ردود فعل هؤالء النسوة التي تعالت صيحاتهن !!!‬
‫يؤمن !! آمين ‪ ،‬وحرقة البكاء ولوعة الحزن وأنين الفراق قد أخذ منهن كل مأخذ‪!! 0‬‬
‫إن الجميع ّ‬

‫انتقلت نظراتي‪ 0‬بين النسوة تبحث عن والدة الزوج بلهفة ‪ ..‬أريد حمايتها‪ ! 0‬أريد أن أدفن وجهي‪0‬‬
‫في صدرها !!‬
‫أريدها أن ته ّدئ من روعي ‪ ،‬وتبعث الطمأنينة في حناياي !!!‬

‫ماذا يحدث ؟ خطأ جسيم في الموضوع وال شك !‬

‫كررت المرأة الجملة الدعائية‪ 0‬مرة ثالثة‪ 0‬وأخيرة وهي تضرب على صدرها وتتمايل كما تتمايل‬
‫األشجار من الريح العاتية ‪ ،‬وتصرخ بصوت عال مستغيث ‪:‬‬
‫ـ اللهم ارحم سادتنا الصوفيين !!!‬

‫في ه‪00‬ذه اللحظة وج‪00‬دتها‪ !! 0‬وج‪00‬دت‪ 0‬وال‪00‬دة زوجي بين النس‪00‬اء !! يا إلهي‪ 0‬م‪00‬اذا‪ 0‬تفعل ؟؟ إنها‪ 0‬تص‪00‬رخ‬
‫‪0‬ؤمن !! بح‪00 0‬رارة أك‪00 0‬ثر ‪ ..‬وص‪00 0‬وت‬
‫على وجهها وتض‪00 0‬رب على وجهها‪ 0‬وص‪00 0‬درها !! إنها‪ .. 0‬إنها ‪ ..‬ت‪ّ 0 0‬‬
‫أعلى ‪ ..‬و ‪ ..‬وحرقة أشد !!!!!‬

‫ال ‪ ..‬ال ‪ ..‬ال ‪ ..‬ماذا‪ 0‬يحدث هنا ؟ ‪ ..‬وإذا بأخوات الزوج يحطن بوالدتهن ويفعلن كما تفعل‪! 0‬‬

‫عدت لواقعي ‪ ..‬حاولت إقتاع نفسي‪ 0‬بأنهم ال يعلمون ماذا‪ 0‬يقولون ويفعلون ؟‬
‫بالتأكيد لم ينتبهوا إلى ما قالته تلك المرأة ! أين زوجي ؟ عندما يعلم سيفاجأ‪ ! 0‬سيصاب بصاعقة‬
‫عقلية ! سيعرف أن نحيبه كان كثيراً جداً على هؤالء القوم !!‬

‫( ‪ ) 4‬القشة التي قصمت ظهر البعير‬

‫يختل‬
‫انتظرت مجيئه بفارغ الصبر ‪ ..‬هناك شيء في كياني تزعزع ‪ ..‬هزة عنيفة جعلت من توازني ّ‬
‫!‬
‫جاء أخيراً‪ 0‬ليأخذنا‪ 0‬من هذا المكان المشؤوم ! ركبنا جميعاً في السيارة ! فتحت فاهي ألخرج ما‬
‫تراكم فيه من صدمات اليوم ‪ .‬ثم تراجعت‪ ..‬أطبقت فمي وأنا أرتجف ‪ ..‬شعرت‪ 0‬متأكدة بأن‬
‫نظراتهم سهام مسلطة علي ! بدأ الهمس ! فضلت السكوت‪ ! 0‬كالمعتاد ‪..‬‬

‫عدنا إلى منزلنا ‪ ..‬دخلت ‪..‬‬

‫عدنا إلى منزلنا ‪ ..‬دخلت ‪ ..‬هناك تغيير داخلي‪ 0‬يعبث بطمأنينتي ‪ ..‬توضأت واتجهت نحو القبلة ‪..‬‬
‫ثم كبرت للصالة ‪ ..‬توقفت ال شعورياً ‪ ..‬تذكرت‪ 0‬ما حدث‪ 0‬بسرعة !!‬
‫لقد عاودتني األحداث الغريبة التي رأيتها وسمعتها اليوم !!‬

‫تركت صالتي وقد أصابني الهذيان‪! .. 0‬‬


‫ذهبت إليه ‪ ..‬إني‪ 0‬أرتجف ‪ ..‬قلت له وذهول صوتي بالكاد‪ 0‬عرف طريق الخروج ‪:‬‬
‫ـ هل … هل تعرف ماذا‪ 0‬حدث اليوم ؟ سوف تُفاجأ‪ ! 0‬سوف تصعق ‪ ..‬بال شك !!‬

‫إلي بنظرة غريبة ‪ ..‬لم أعهدها‪ 0‬من قبل ‪ ..‬نظرة ريبة وهدوء أكثر من المعتاد ‪ ..‬ثم قال ‪ :‬ماذا‪0‬‬
‫نظر ّ‬
‫حدث ؟!‬
‫وأشاح بنظره بعيداً‪ 0‬عني !!! ‪..‬‬

‫اصطكت أسناني‪ 0‬ببعضها حتى ِخلت أن العالم‪ 0‬يسمعها ‪ ..‬انتابني‪ 0‬الفزع الشديد‪!! 0‬‬

‫حكيت له القصة بحذافيرها‪ 0‬واالنفعال قد ترك بصماته جلية على وجهي‪ 0‬المصعوق ‪ ..‬ما بين هلع‬
‫وضحك !!‬

‫ـ بكل برود وجمود قال ‪:‬‬


‫ـ …‪ .‬اذهبي لتكملي صالتك ‪ ..‬اذهبي‪!! .. 0‬‬

‫حلفت له مرة أخرى بتتابع يتفجر من خالله الرعب الذي أحاط‪ 0‬بي أن هذا هو ما حصل بالفعل‪.. 0‬‬
‫وقد توقعت منه عدم التصديق ‪ ..‬فبالتأكيد أنه يعتقد‪ 0‬بأني أمزح معه !! نعم بالتأكيد‪! 0‬‬
‫قال مرة أخرى وقد انخفض صوته وشعرت‪ 0‬فيه بالتأنيب وبدا عليه االرتباك ‪:‬‬
‫ـ حسناً حسناً ‪ ..‬اذهبي اآلن وأكملي صالتك !!!‬

‫نعم ‪ ..‬هو سيفهم ويق ّدر ! إذا لم يق ّدر الزوج ويتفهم فمن إذاً ؟‬

‫انتظرت منه أن يُهدئ الوضع ‪ ..‬أن يذم عمل هؤالء الناس ويعدني‪ 0‬بأال يذهب إليهم مرة أخرى !‬
‫وأال يذرف دمعة‪ 0‬في حقهم‪ … ! 0‬انتظرت ‪ ..‬طال انتظاري !! ‪ ..‬ال فائدة !!‬

‫صعق ؟ هل أصابه مثلما أصابني عندما سمعت ورأيت ؟‬


‫ما به ممتقع الوجه ؟ هل ُ‬
‫ما به ؟ ال ر ّدة فعل معاكسة‪ 0‬حتى اآلن ؟‬

‫حلفت للمرة األخيرة بأن المرأة تتحدث عن الصوفيين ‪ ..‬وتدعو إلى تقديسهم وتبجيلهم !! وعن‬
‫حياتهم ووالئهم‪ 0‬هلل تعالى‪ .. 0‬وعن أرواحهم التي تساعد الناس مع أنهم‪ 0‬أموات !!‬
‫وعن شفاعتهم وأن لهم أقطاباً وأعواناً وأغواثاً ال نراهم نحن ؟!!!!! ‪ ..‬وأشياء عجيبة غريبة ال‬
‫يصدقها العاقل ‪ ..‬هل تصدق ؟؟؟!!‬

‫فقاطعني بصوت عال نسبياً وانتابه‪ 0‬بعض الغضب ‪:‬‬


‫ـ وماذا تعتقدين في الصوفيين إذاً ؟!!!!!‬

‫رت مكاني‪ 0‬وأنا أرقبه ‪:‬‬


‫تسم ُ‬
‫فسألته وقد ّ‬
‫أع مرامك منه ؟‬
‫ـ ما هذا السؤال‪ 0‬؟ لم أفهم ! لم ِ‬

‫فقال حانقاً‪ 0‬هائجاً ‪:‬‬


‫ـ الرسول صلى اهلل عليه وسلم والخلفاء الراشدون‪ 0‬هم أئمة الصوفية وزعماؤها ‪:‬‬
‫الال … مسكين ‪ ..‬إنه يهذي بال شك !! فالنوم القليل يؤثر سلباً في مزاج صاحبه !!! ‪ ..‬ال ال ‪..‬‬
‫لرده المفاجئ ‪:‬‬
‫فقلت بين مصدقة ومكذبة ّ‬
‫ـ هذا اعتقاد خاطئ ‪ ..‬ألن الرسول‪ 0‬صلى اهلل عليه وسلم ………‬

‫قاطعني بتحد والشرر يتطاير من عينيه الناريتين ‪ ..‬والحقد يبدو جلياً في قسمات وجهه ‪:‬‬
‫ـ الصوفيون هم أفضل الناس ‪ ..‬هم األولياء الصالحون والمقربون إلى اهلل ‪ .‬أم أنك تعتقدين‪ 0‬أن‬
‫أهل السنة هم األسوياء الصالحون ؟!! إنهم‪ 0‬أهل الكفر‪ 0‬والضالل وإباحة الحرام وتحريم الحالل !!‬

‫ما الذي يجري في هذا المكان وفي رأسي ؟ من أكون أنا ؟ ومن يكون هؤالء ؟!!‬

‫خرجت كلماتي تتسارع وتتقاذف من فمي ‪:‬‬


‫ـ ال ال ‪ ..‬أهل السنة هم ……………………‪!!!!!!! .‬‬

‫ُّ‬
‫سكت !!! هل أطبقت السماوات على األرض ؟ من يكون هذا الرجل‪ 0‬الذي يخاطبني ؟ ‪..‬‬ ‫وفجأة‬
‫وقفت بين وعي وإغماء ال أدرك شيئاً !! ‪ ..‬نظرت إليه بكل حسرة وسكرات الموت تداعبني ! ‪..‬‬
‫المنزل يدور بي في كل األرجاء ! ‪ ..‬قدماي !! ‪ ..‬هل أقف عليهما ؟! ‪ ..‬هل تتقاذفني أمواج‬
‫التو واللحظة ؟!!‬
‫الحقيقة التي بدأت أكتشفها في ّ‬

‫فسألته بوجل يعقبه‪ 0‬تأكيد لسؤالي ‪:‬‬


‫ـ هل تعني أنك من الذين يُدافعون عن هذا المذهب ؟‬

‫لم يجد بُداً من السكوت‪ ! 0‬أعدت عليه سؤالي ثانية‪: 0‬‬


‫ـ هل تؤيد هذا المذهب ؟!!‬

‫أدار ظهره بسرعة ‪ ..‬لقد طعنني في الصميم ‪ ..‬خان وفائي وصدقي وحسن نيتي ‪ ..‬كذب علي‬
‫متعمداً !!‬

‫ـ هل هل ‪ ..‬هل أنت ص ـ ــو …… ص ــوفي ؟!!!!!!‬

‫اختفى صوتي شيئاً فشيئاً !!‬


‫ـ أجب عن سؤالي‪ .. 0‬انظر إلي ‪ ..‬هل أنت صوفي ؟ هل أهلك جميعهم صوفيون ؟!!‬

‫ليته لم يرد ! ‪ ..‬ليته حينما رد نفى سؤالي وقال ال ولو بصوت منخفض !! ‪..‬‬
‫مزقني إرباً إرباً قبل أن يجيب بصوت كالفحيح‬
‫ليته طعنني في أعماقي ألف طعنة ! ‪ ..‬ليته ّ‬
‫وبنظراته الجنونية وقد بلغ الصبر حده ‪..‬‬

‫ـ نعم ‪ ..‬نعم أنا صوفي ‪ ..‬وأهلي‪ 0‬جميعهم صوفيون ‪ ،‬وكل أقاربي ينتمون إلى المذهب الصوفي ‪..‬‬
‫نحن لسنا بسنيين !!!!!‬
‫نحن من أهل الهدى‪ 0‬والصالح ! ‪ِ ..‬‬
‫وأنت من أهل الضالل والكفر !!‬

‫تناثرت أشالئي‪ .. 0‬أدركت اآلن مضمون الكتب التي كان يرسلها إلي خفية حتى ال يراها أهلي !!‬
‫علمت متأخرة بأن ما أصابني لم يكن ليخطئني !!!‬

‫رفعت وجهي المبلل بالدموع واختنقت كلماتي وأنا أقول ‪:‬‬


‫ـ هل كنت على علم بأنني سنية ؟ تكلم ‪ ..‬تكلم !!‬
‫نعم ‪ ..‬نعم كنت على علم بذلك‪ .. ! 0‬قلت باكية ‪:‬‬
‫ـ فلماذا تزوجت بي إذاً ؟ لماذا خدعتني ؟! لماذا أخفيت حقيقتك‪ 0‬كاملة حتى تمكنت مني ؟‬
‫لماذا لم تصارحني‪ 0‬منذ البداية حتى نفترق ؟!! فقال واثقاً‪: 0‬‬

‫ـ حتى أخرجك‪ 0‬مما أنت فيه من أوهام وضالالت ‪ ..‬فاحمدي اهلل أن سخرني لك ‪..‬‬

‫وضعت يدي على أذني وأنا أصرخ به ‪:‬‬


‫كفى ‪ ..‬كفى ‪ ..‬كفى ‪ ..‬ال أريد سماع صوتك ‪ ..‬اتركني وحدي اتركني اتركني ‪.‬‬

‫وانحدرت دموع الخوف ‪ ..‬بدأ قلبي يتوقف عن النبض شيئاً فشيئاً ‪ ..‬انتشر ظالم الرعب يكتنف‬
‫المكان ! ‪ ..‬خانتني قدماي فوقعت أرضاً ‪ ..‬تباطأ الزمان‪! 0‬‬
‫اختفى صوت العالم من حولي ‪ ..‬انتهى الحديث المشؤوم ! اكتشفت اللعبة ‪ ..‬كم هي دنيئة !! ‪..‬‬
‫إن الخيانة في النوايا هي أسهل‪ 0‬عمل يمكن أن يعمله هذا الصوفي الماكر !!‬
‫ـ ولماذا ؟ لماذا ؟ لماذا ؟‬

‫ابتعدت‪ 0‬عنه وأنا كطفلة رضيعة لم تتعلم المشي بعد ! ‪ ..‬زحفت على كربتي ‪ ..‬لقد تمثل لي‬
‫شيطاناً بشراً ! إنه مخادع خدعني وأهلي !!‬

‫يحتك بأهلها‪0‬‬
‫ّ‬ ‫حاولت ربط األمور بعضها ‪ ،‬تذكرت قوله أنه ال يحب الذهاب‪ 0‬إلى المساجد حتى ال‬
‫! ‪ ..‬إنه يعني ( أهل السنة ) بالطبع ! وهيهات‪ 0‬أن يتفقا ! وشتان ما بين السنة الطاهرة والصوفية‬
‫النتنة !!‬

‫أدركت سبب مجيئه من المسجد وهو يحمل أحقاد‪ 0‬العالم‪ 0‬علينا ! ‪ ..‬ألن الخطبة لم تعجبه ولم‬
‫تؤيد مذهبه‪ .. ! 0‬نعم ‪ ..‬ولكن فهمي كان متأخراً‪ 0‬جداً ‪..‬‬
‫عاودتني األحداث السابقة ‪ ..‬فهمت الحقيقة التي كانت تختبئ خلف شمس الخداع والمكر !!‬

‫منعني من االتصال بأهلي‪ 0‬ومهاتفتهم‪ !! 0‬أصبح علي كالرقيب العتيد حتى ال أفضح أمره وأهله ! ‪..‬‬
‫اعتزلته في الطعام والمجلس والمنام !‬

‫حاول بعدها إغراقي فيما هم فيه غارقون ! ‪ ..‬ع ّذبوني كثيرا ‪ ..‬قطعوا صلتي بالعالم اآلخر‪.. 0‬‬
‫يا إلهي‪ 0‬لقد أفرطوا في إيذائي ‪ ..‬الكل‪ 0‬يحمل علي أصنافاً من الغيظ لحشمتي وترفعي‪ 0‬عن غيّهم ‪..‬‬
‫نعتوني بالمع ّقدة‪ .. ! 0‬ألنني نشدت‪ 0‬العفاف ؟ لقد حفظني اهلل منهم ورعاني برحمته ‪.‬‬

‫الكل يشير علي بالبنان المدجج بالعداء‪ 0‬بأن هذه الفتاة‪ 0‬سنية !! إذاً فقد أخرجوني‪ 0‬من الملة ! ‪..‬‬
‫الجميع يحذرني !!‬

‫كم تضرعت إلى اهلل باكية أن يبقي على إيماني وهدايتي ‪ ..‬بكيت في ثنايا‪ 0‬الليل وفي غسق الدجى‬
‫‪..‬‬
‫( ‪ ) 5‬خطبة وصالة الجمعة‬

‫في أحد األي‪00‬ام ‪ ..‬وعند الس‪00‬اعة التاس‪00‬عة‪ 0‬ص‪00‬باحاً أيقظته ح‪00‬تى يتهيأ لص‪00‬الة الجمعة ‪ ..‬تكاسل ‪ ..‬تباطأ‬
‫‪ ..‬فقلت له أستحثه ‪:‬‬
‫ـ ما بك ؟ لقد قاربت الساعة اآلن من العاشرة‪ 0‬والنصف وأنت لم تنهض بعد ! ‪..‬‬
‫هيا حتى تستعد للذهاب إلى الصالة !‬

‫والتوعك ‪ ..‬وتحت ضغطي وإلحاحي عليه بالنهوض قام متأففاً ! ‪..‬‬


‫ّ‬ ‫تصنّع النوم‬
‫ست الصعداء‪ .. 0‬الحمد هلل على كل حال‪.. 0‬‬
‫ذهب إلى المسجد للصالة ‪ ..‬تن ّف ُ‬

‫بعد انتهاء الصالة ‪ ..‬عاد غاضباً حانقاً‪ 0‬من الخارج ‪ ..‬وأغلق الباب‪ 0‬بقوة وعنف اهتز له أرجاء‬
‫المنزل ‪ ..‬أصابني الخوف !! ‪ ..‬ماذا‪ 0‬أيضاً ؟ ما به ؟‬

‫أسرعت إليه ألستفسر‪ 0‬عن سبب غضبه ‪ ..‬فقال وصدره يعلو ويهبط من شدة الغيظ ‪:‬‬
‫الوهـابيــون !‬
‫ـ األوغــاد !! أهل الكفـر !! ّ‬

‫عمن تتحدث ؟ ه ّدئ من روعك ‪ ..‬ما بك ؟‬


‫ـ ّ‬

‫قال ونار القهر تتأجج في صدره ‪ :‬في أي شهر نحن ؟!‬


‫ـ في شهر رجب ! ‪ ..‬لم تسأل‪ 0‬؟!‬

‫ـ وماذا تعرفين عن فضله ؟ وعن أول جمعة فيه ؟‬

‫استرقت النظر إليه ‪ ..‬ثم قلت بعد تردد ‪:‬‬


‫ـ إنه شهر كباقي الشهور وأول يوم جمعة يوم كباقي األيام فيه ! ‪ ..‬ولكن لماذا ؟!‬

‫احمر وجهه غضباً ‪:‬‬


‫قال في تمهل وضيق وقد ّ‬
‫تبـاً !! تبـاً للوهـّابـيـن ! تبـاً لهم !! ‪..‬‬
‫إن اإلمام الضال ينهانا‪ 0‬عن صيام أيام وشهر رجب ! ‪ ..‬وعن تعظيم ليلة اإلسراء والمعراج ! ‪..‬‬
‫وعن االحتفال بهذه الليلة ! وعن إقامة الوالئم‪ 0‬فيها ‪ ..‬فهو يزعم بأنها بدعة ‪ ..‬هل جن ؟ ‪ ..‬ولكن‬
‫…………… أنت السبب في كل ذلك !!‬
‫فقد قلت لك بأني ال أرغب الذهاب‪ 0‬إلى المسجد فلم تستمعي إلي !!!‬

‫ـ ولكني قرأت بالفعل بأن تخصيص رجب للصيام يعد …‪ ...‬بدعة !! ‪ ..‬وأن ……‪! ..‬‬

‫مدمر ال يمكن ألحد غيري أن يفهمها ‪:‬‬


‫قاطعني وعيناه تنقل إلي رسالة‪ 0‬وعيد ّ‬
‫ـ اصمتي ‪ ..‬اصمتي اآلن وإال جززت رأسـك وفصلته عن كتفيك …‪ .‬أال تعلمين أن من ينقدنا فإنه‬
‫يطرد من رحمة اهلل ؟‬

‫ـ مــاذا ؟!!!!!!!!‬

‫ـ نعم ‪ ..‬فهذا الشهر من أفضل الشهور لدينا ‪ ..‬ففيه ليلة عظيمة هي ليلة السابع والعشرين منه‬
‫وهي ليلة اإلسراء والمعراج ‪..‬‬

‫ـ ولكن ليلة اإلسراء والمعراج لم تُحدد في السابع والعشرين من الشهر !!‬

‫نظرت إليه ألرى أثر كلماتي عليه ‪ ..‬فنظر إلي وقد أدهشه ما قلت ‪ ..‬ال حظت دهشته بقلب‬
‫خافق ‪ ..‬ولكني أطرقت برأسي قائلة ‪:‬‬
‫ـ وهل ‪ ..‬وهل ‪ ..‬يجوز تعظيم هذه الليلة ؟! ‪ ..‬أعتقد ‪ ..‬أعتقد ‪..‬‬

‫وهنا ضرب المائدة بقبضة يده وقال معترضاً ‪:‬‬


‫ـ هذه الليلة الشريفة‪ 0‬العظيمة هي ليلة ‪ 27‬من رجب بالفعل‪ .. ! 0‬ويكثر الناس فيها من إيقاد القناديل‬
‫‪ ..‬وتجتمع النساء والرجال في المساجد ‪ ..‬أما النسوة فيدخلن متطيبات متزينات تعظيماً لهذه‬
‫الليلة المباركة ‪.‬‬

‫قلت بتعجب واستغراب ‪:‬‬


‫ـ أيحدث كل هذا حقاً في هذه الليلة ؟!‬

‫تجاهل سؤالي وأضاف ‪:‬‬


‫ـ بل ويُطبخ الطعام ويُهتم به ويرسل‪ 0‬إلى المساجد للدعاء عليه إليصال الثواب ‪..‬‬

‫ـ ولكن …… ولكن كيف تختلط النساء بالرجال‪ 0‬؟ وفي المساجد ؟!!!‬
‫ـ نعم تختلط !!! تدخل‪ 0‬النساء بكامل‪ 0‬زينتها وكل ذلك تعظيماً لهذه الليلة المباركة !‬

‫خفق قلبي ‪ ..‬وخاطبت نفسي ‪ ..‬هل ينتظر مني ذلك ؟! ‪ ..‬أرجو أال يأمل أن أفعل !!! ‪ ..‬ثم ‪..‬‬
‫خرج من الغرفة ‪..‬‬

‫( ‪ ) 6‬الكتب المق ّدسة !!‬

‫ولي صالح‬
‫أجبرني‪ 0‬الزوج في إحدى‪ 0‬الليالي بأن أذهب معهم إلى مراسم عزاء سيقام بسبب وفاة ّ‬
‫!!!‬
‫وأمرني‪ 0‬بأن أتصدر أنا هذه المرة النساء في قراءة كتبهم الضالة‪ .. ! 0‬وحتى يتعلموا مني ! ‪ ..‬وحتى‬
‫تتأكد جميعهن من أنني أصبحت إحداهن‪ .. !! 0‬فأنا مثار جدل‪ 0‬ال ينقطع بينهن !!‬

‫إلي أمام أهله حامالً في يده بعضاً من الكتب ‪ ..‬انتقلت نظراتي بعشوائية‪0‬‬
‫أصر على قوله ‪ ..‬تقدم ّ‬
‫إلى يديه ‪ ..‬أدركت فوراً أنه يريد مني أن أخذل‪! 0‬‬

‫ـ ماذا تحمل في يديك ؟‬

‫ـ هذه الكتب التي أردت منك قراءتها على النساء وبصوت عال !! حتى تتجنبي نظراتهن إليك‬
‫بأنك مخلوق غريب !! وحتى تثق النساء بأن اهلل قد ِ‬
‫هداك إلى الطريق‪ 0‬القويم !‬

‫م ّد يده ببطء ‪ ..‬فتناولت الكتب ‪ ..‬وركزت نظري على الكتاب‪ 0‬األول وقلت بنبرة تشكك‪: !! 0‬‬
‫ـ دالئل الخيرات‪ 0‬؟ ‪ ..‬روض الرياحين ؟! ‪ ..‬مجالس العرائس ؟! ‪ ..‬الروض الفائق‪ .. 0‬البردة ‪!! ..‬‬
‫قاطعني بتوتر ‪:‬‬

‫ـ ال حاجة‪ 0‬لك أن تقرأي العناوين بهذا‪ 0‬التشكك‪ 0‬وتلك الريبة !! اقرائيها‪ 0‬فقط فيما بعد ‪ ..‬وافعلي ما‬
‫آمرك به !!‬

‫ـ ولكني ال أجد من بينها كتباً من كتب األحاديث المعتمدة !! ‪ ..‬أين هي ؟!‬

‫عض على نواجذه وتضايق ثم قال ‪:‬‬


‫ّ‬
‫ـ ماذا تقصدين‪ 0‬؟ وهل يساورك الشك‪ 0‬في هذه الكتب ؟‬
‫إنها من الكتب التي يستغني المرء فيها عن قراءة القرآن !‬

‫صعقت !!!!! ‪ ..‬شعرت‪ 0‬أن هذه الكتب تحوي افتراءات‪ 0‬وأكاذيب إذاً على رسول اهلل صلى اهلل‬
‫ُ‬
‫عليه وسلم ‪ ..‬وأنها قد ُحشيت باألحاديث الموضوعة والمكذوبة !! ‪ ..‬وأنها‪ 0‬جمعت بين الغث‬
‫والموضوع والبدع !! ‪ ..‬ال ‪ ..‬يجب أن أحذر من قراءة هذه الكتب المسمومة الكاذبة‪.. ! 0‬‬
‫فكيف أقرأها‪ 0‬على المأل ؟‬
‫إن رفضت فسألقى‪ 0‬عقاباً ساحقاً‪ .. !! 0‬ما العمل ؟!‬

‫نظرت إلى والدته وإخوته ‪ ..‬ووجدتها فرصة ومناسبة‪ .. 0‬فقلت ‪:‬‬

‫ـ ما رأيكم‪ 0‬؟ من األفضل أن آخذ معي مصحفاً ‪ ،‬وكذلك كتب الحديث المشهورة مثل الصحيحين‬
‫‪ ،‬السنن ‪ ،‬الموطآت ‪ ،‬المسانيد‪ ، 0‬المصنفات ‪ ..‬فإنها تغنينا حتما عن ………‪ ..‬وسكت !!!‬

‫فهمت بأني‪ 0‬قد أصبت الهدف ! ‪ ..‬تجهم وجهه على الفور ‪ ..‬وبصوت متهدج خافت مليء‬
‫بالرغبة في قتلي وسحقي وقلوب الجميع تعاضده ‪:‬‬

‫ـ ك ّفي ‪ ..‬ك ّفي ‪ ..‬ال أريد سماع المزيد !! ‪ ..‬إلى‪ 0‬متى سنظل في اختالف ؟! متى ستهتدين‪ 0‬؟‬
‫متى ستقتنعين ؟ متى ستتوقفين عن معارضتنا ؟ ‪ ..‬سحقاً لك ؟ لم يجرؤ أحد قط على انتقاد‪ 0‬هذه‬
‫الكتب المقدسة‪ 0‬سواك !‬
‫آزرته أمه وقد استولى عليها الغضب الشديد ‪:‬‬
‫ـ ك ّفي ‪ ..‬استمعي‪ 0‬إلى أوامر زوجك وال تعارضيه ‪ ..‬اذهبي لتستعدي للخروج ‪ ..‬تأخرنا ‪ ..‬بسرعة‬
‫!‬

‫ال حول وال قوة إال باهلل العلي‪ 0‬العظيم ‪..‬‬

‫كنت في ظاهري هادئة‪ 0‬ومسترخية ‪ ..‬ولكن إحساسي‪ 0‬الداخلي باالنعزال آلمني كثيراً !!‬

‫لماذا يقف الجميع ضدي ؟! ‪ ..‬رب ــاه ! لقد تعبت ‪ ..‬ساعدني يا إلهي ! ‪ ..‬ال أريد أن أذهب معهم‬
‫‪ ..‬ال أريد أن أقرأ كتبهم ‪ ..‬فليموتوا بغيظهم ‪ ..‬ال أريد أن أضعف أبداً‪ 0‬أبداً ‪..‬‬

‫أخذت أتأمل‪ 0‬الكتب التي أمامي‪ 0‬بعينين ال تميزان شيئاً ‪ ..‬بعينين فارغتين ‪..‬‬

‫فتحت الصفحة األولى من كتاب ( مجالس العرائس‪ .. ) 0‬أحسست بانقباض في صدري منه ‪..‬‬
‫فتحت على الصفحة الثالثة من الجزء الرابع وقرأت " ‪ :‬أن اهلل خلق األرض على قرن ثور !!!!!‬
‫وأن م ّد البحر وجزره يحدث بسبب تنفس الثور !!!!!!‬
‫وأن اهلل خلق العرش‪ 0‬على الماء فاضطرب وتأرجح ‪ ،‬فخلق الحية فالت ّفت حول العرش‪ 0‬فسكن‬
‫!!!!!!!!!!!!!!!‬

‫يــا إلهـي‪ ! 0‬ما هذا الكـذب ؟ هل بعد هذا الكذب من كذب يا معشر الصوفية ؟!!!!!!!!!!!!!‬

‫أغلقت الكتاب‪ 0‬بسرعة وأنا أرتجف ما هذا ؟ … ودعاني الفضول إلى فتح كتاب آخر يقال‪ 0‬له‬
‫( الروض الفائق ) في الصفحة ‪ .. 61‬يقول صاحبه ويدعى " الحريفيش " بأنه كان يذهب إلى‬
‫الحج وهو يصلي في مسجده األوقات‪ 0‬الخمسة ال ينقطع منها في أي وقت أبداً‪!!!!! 0‬‬
‫هل يعقل‪ 0‬هذا الهراء ؟ ‪ ..‬إذا كان صاحب عقل ودين فكيف يحج وهو يصلي في مسجده في‬
‫البصرة األوقات الخمسة ؟!! ‪ ..‬وهل حدثت خارقة مثل هذه الخارقة الكاذبة‪ 0‬للرسول صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ؟!!!!‬
‫تابعت القراءة …………‪ ..‬ما هذا أيضاً ؟ ‪ ..‬إنه يعلم الغيب ! ‪..‬‬
‫إنه يحدد وقت وفاة بعض الناس وعلى اإلسالم يموتون أم على الكفر‪ .. ! 0‬فسأله خادمه‪: 0‬‬
‫وكيف عرفت ذلك ؟‬

‫فقال ‪:‬‬
‫ـ اطّلعت على اللوح المحفوظ فوجدت‪ 0‬فيه ذلك !!!‬

‫وافتراء ؟ ‪ ..‬وبهذه الصورة ؟ ‪ ..‬ال … أرجوكم !!‬


‫ً‬ ‫الالالال …‪ ..‬هل أقرأ كتباً تحمل كذباً‬

‫وقفت بسرعة ‪ ..‬استرقت النظر إلى الباب ‪ ..‬هل رآني أحدهم‪ 0‬وأنا أقرأ ؟ ‪ ..‬ال يبدو ذلك ‪ ..‬يبدو‬
‫أنهم ما زالوا يستعدون حتى نخرج للعزاء ‪ ..‬اغتنمت الفرصة ‪ ..‬فتحت كتاباً آخر بطريقة‪ 0‬عشوائية‬
‫‪..‬‬

‫قرأت في كتاب ( روض الرياحين‪ ) 0‬بأن أعرابياً قال للرسول عليه الصالة والسالم " إن حاسبني‪0‬‬
‫ربي ألحاسبنّه !! فهبط جبريل عليه السالم وقال ‪ :‬يا رسول اهلل بلّغ األعرابي‪ 0‬بأن اهلل يقول ال‬
‫يحاسبنا وال نحاسبه ألنا قد غفرنا له !!!!!‬

‫أي جرأة على اهلل تعالى وعلى رسوله صلى اهلل عليه وسلم هذه ؟ ‪..‬‬
‫إنه روض الشياطين وليس الرياحين‪!! 0‬‬

‫تملكني الذعر والذهول !! ‪..‬‬

‫في هذه اللحظة سمعت صوتاً خلفي‪ .. 0‬أدرت رأسي ببطء ‪ ..‬إنه هو ‪ ..‬تأملته‪ 0‬من رأسه وحتى‬
‫أخمص قدميه ! ‪ ..‬قلت له وأنا أالحظ نظراته‪ 0‬الباردة المتسائلة عن ردة فعلي على ما قرأت ‪:‬‬
‫ـ لن أفعل ‪ ..‬لن أفعل ‪ ..‬أرجوك ‪ ..‬اتركني وشأني‪ .. 0‬من أنتم ؟ اتركوني ‪ ..‬أرجوكم !!‬

‫أجابني‪ 0‬بلهجة جافة خلت من الرحمة وتجردت منها ‪:‬‬


‫ـ صدقيني ستفعلين ‪ ..‬وبدون أية مقاومة‪ .. 0‬واآلن ‪ ..‬ال تفقديني انضباط أعصابي !‬
‫وقف الجميع خلفه والنصر يتراقص في عيونهم ‪ ..‬اتجهت نحو السلم دون أن ألتفت إليهم ‪..‬‬
‫تبعني بسرعة وأمسك بقوة على معصمي ثم أمرني بهدوء عاصف ‪:‬‬
‫ـ سأنتظر ‪ ..‬ال أحب أن أطيل االنتظار ‪ ..‬أو ‪ ..‬أكرر الكالم ‪..‬‬

‫ارتعد صوتي باالنفعال‪ .. 0‬وبدت إمارات‪ 0‬االنهيار على تصرفاتي‪ 0‬وأنا أهتف قائلة ‪:‬‬
‫ـ إذاً قررتم أن أموت غيظاً ونيران الرفض تستعر في حناياي‪!! 0‬‬

‫أجاب بنظراته‪ 0‬المليئة بالثقة‪ .. 0‬والفرح يظهر في صوته البارد ‪:‬‬


‫ِ‬
‫أصبت أخيراً‪ .. 0‬واآلن تحركي ! ‪..‬‬ ‫ـ نعم … ها قد‬

‫رفعت نظري إلى السماء وعيناي مألى بالدموع ‪ ..‬ركضت وأطلقت العنان لدموعي تسيل على‬
‫وجهي الكئيب ‪ ..‬أمرني بالتوقف ‪ ..‬فلم أفعل ‪ ..‬ركضت إلى غرفتي وأقفلت الباب‪ 0‬ورائي ‪..‬‬
‫وتركته ومن معه غاضبين وعيونهم تقدح شرراً ‪ ..‬سمعت صدى صوته وهو ينادي !! ‪..‬‬
‫ارتعدت ‪ ..‬ال خيار ‪ ..‬سأذهب‪ .. 0‬سأذهب !‬

‫بدا االنكسار‪ 0‬يتجسد في مالمحي ‪ ..‬نظرت إليهم وأنا أهبط درجات‪ 0‬السلم ‪ ..‬فبادلوني بتلك‬
‫النظرة المألى بالزهو !‬

‫ذهبت والدته‪ 0‬معي وأمرتني واثقة‪ 0‬وأمام النساء بأن أبدأ القراءة‪.. 0‬‬
‫ابتسمت ‪ ..‬ثم ‪ ..‬رفضت ‪ ..‬اعتذرت للجميع بأني أعاني ألماً حاداً في رأسي ‪ ..‬وتركتهن ‪..‬‬
‫ُ‬
‫وعالمات الغيظ تنطق عنها وعنهن !‬

‫تبعتني بعد قليل والدته وهي ُمحرجة ‪ ..‬وقالت بابتسامة‪ 0‬مصطنعة تخفي وراءها غيظاً مكظوماً ‪:‬‬
‫ِ‬
‫انتفعت‬ ‫ـ حسناً ‪ ..‬إن لم تقرأي ‪ ..‬فتعالي‪ 0‬وشاركينا اللهج بالدعاء والمجالسة ‪ ..‬وتعلمي ‪ ..‬ربما‬
‫تصنعت بدوري األلم في رأسي فوضعت يدي عليه وقلت لها أطمئنها ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫‪..‬‬
‫ـ حسناً ‪ ..‬سألحق بك بعد قليل يا خالتي‪!! 0‬‬
‫دخلت ‪ ..‬استقبلتني‪ 0‬نظراتهن الضيقة ‪ ..‬وأفسحت إحداهن لي مكاناً ‪ ..‬شكرتها‪ .. 0‬ثم جلست وأنا‬
‫أتنهد ‪..‬‬
‫بعد قليل دخلت امرأة‪ 0‬تتبعها أربع من النساء وفي أيديهن‪ 0‬كتب ! ‪ ..‬ما هذا ؟ ‪ ..‬ال بد أنها الكتب‬
‫نفسها التي طالبوني بقراءتها‪ 0‬أمامهم‪ !! 0‬ثم ‪ ..‬ما هذا إنها تحمل مصحفاً ؟! صحيح ؟! ال أصدق !‬

‫جلست النسوة األربعة مقابالت‪ 0‬لنا وبدأت‪ 0‬إحداهن‪ 0‬بقراءة القرآن ‪ ..‬ولكن ‪ ..‬إنها‪ 0‬تتغنى به ! ‪..‬‬
‫تعجبت من قراءتها !! ‪ ..‬انخفضت نظراتي لترى أكواب الماء منتظمة وكذلك جوالين الماء‬
‫موجودة في األرض بجانب القارئات ‪.‬‬
‫عندما يصيب إحداهن النّصب والتعب تتداول‪ 0‬األخريات‪ 0‬في القراءة‪ .. 0‬وبأصوات وتغن به مختلف‬
‫‪..‬‬

‫كان هذا اليوم هو ثالث أيام العزاء‪ 0‬ويسمى بيوم " الختم " ألنهن‪ 0‬يختمن فيه القرآن فيهدنيه إلى‬
‫الميت !!‬

‫أخيراً انتهت المرأة من القراءة‪ .. 0‬فبدأت بالدعاء بصوت عال مرتفع ‪ ..‬وإنشاد مدائح للرسول‬
‫عليه الصالة والسالم من كتاب رأيته بين يديها ‪ ..‬كتاب ( البردة ) ‪ ..‬إنه كتاب يحوي مدائح‬
‫غرامية في الرسول‪ 0‬الكريم‪ 0‬كما سمعت عنه !‬

‫فتحت هؤالء النسوة الكتب الباقية فقرأت إحداهن ‪:‬‬


‫الولي الصالح فالن بن الفالن ‪ ..‬وفي الكتاب الفالني‪ . 0‬وقرأنا في حاشية‪ 0‬العالّمة العارف بربه‪0‬‬
‫وقال ّ‬
‫وبأسراره الفالني‪ .. 0‬الخ ‪..‬‬
‫ما بال الناس مذعنون ؟ متأثرون ؟!‬

‫مطوالً نصاً من حديث رسول اهلل ‪ ..‬أطلت االنتظار ‪ ..‬ال أمل في ذلك ‪ ..‬أكملت القارئة‪0‬‬
‫انتظرت ّ‬
‫‪:‬‬
‫ـ ونحتج بفعل‪ 0‬ذلك بعمل الولي الصالح فالن بن الفالن ‪!! ..‬‬
‫تعجبت ‪ ..‬شعرت بشيء ما يُعلن سخطه وعدم رضاه بداخلي‪ .. ! 0‬شعرت بأن الهزل يوشك أن‬
‫يبدأ ‪ ..‬ثم أقنعت نفسي الرافضة‪ 0‬لكل ما أري بأني عن قريب راحلة ‪ ..‬إن شاء اهلل ‪..‬‬
‫أدوي بصيحات تجعل من أركان المجلس تهتز ‪ ..‬كفى ‪ ..‬أرجوكم‬
‫وددت أن أصرخ فيهن ‪ ..‬أن ّ‬
‫‪ ..‬لماذا تصرون على تحطيمي وتعذيبي لماذا ؟‬
‫ألم تتفكروا في قوله تعالى‪ " 0‬وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا "‬

‫علي من ضغينة وأحقاد !!‬


‫آآه لشعوري باالنعزال‪ 0‬واالضطهاد ‪ ..‬آآه ليقيني بما تحملون ّ‬

‫أخيراً انتهت المرأة من األذكار والقرآن ‪ ..‬فتمتمت بكلمات لم أفهمها ‪..‬‬


‫كنت في مد جزر مع ما يحدث حولي ‪ ..‬يا اهلل كن بي لطيفاً ‪ ..‬فجأة رفعت إحدى القارئات‪0‬‬
‫صوتها وقالت ‪:‬‬
‫ـ الفاتحة على روح فالن بن فالن ‪ ..‬فقرأن الفاتحة ‪ ..‬ثم قالت مرة أخرى ‪:‬‬
‫الفاتحة بنية كذا وكذا ‪..‬‬
‫( ‪ ) 7‬بركات الماء والطعام !!‬

‫انتهت القارئة من كل شيء ثم وقفت ‪ ..‬فقامت النساء وهاجت وماجت ‪ ..‬ما بهن ؟! ‪ ..‬أين‬
‫يذهبن ؟ ‪..‬‬
‫أين أذهب أنا ؟ ‪ ..‬أوه ‪ ..‬إنهن يتنافسن في أخذ الماء المتواجد لدى القارئات‪ .. ! 0‬ماذا دهاهن‪ 0‬؟‬
‫‪..‬‬
‫والدة الزوج وأخواته أيضاً ؟ ‪ ..‬إنهن يتخاطفن أكواب الماء وجوالينه !!‬

‫ما هـذا ؟ ‪ ..‬هذه امرأة شتمت أخرى ألنها‪ 0‬كانت سبباً في سكب بعض الماء من كوبها !!‬

‫بضع دقائق ‪ ..‬انتهت الفوضى ! ‪ ..‬عادت كل واحدة‪ ، 0‬وكأنها تحمل كنوزاً من الذهب والفضة‬
‫!! ‪..‬‬
‫قلت في نفسي ‪:‬‬
‫ـ ما هؤالء النسوة الغافالت‪ 0‬؟ الماء منتشر في كل مكان ! لم هذا بالذات ؟‬

‫ولم يمض وقت حتى نادت صاحبات‪ 0‬العزاء النسوة إلى الطعام ‪ ..‬أيضاً إنهن يتنافسن في الدخول‪0‬‬
‫إلى غرفة الطعام ‪ ..‬مهالً ‪ ..‬ما بهن ؟ ‪ ..‬ليس للطعام جناحان‪ 0‬ليطير بهما !!‬

‫فبدأت بالكالم ولكنها قاطعتني ‪:‬‬


‫ُ‬ ‫ش ّدت والدة زوجي على يدي بقوة وأخذت تُسرع وأنا خلفها ‪..‬‬
‫أنت بالذات‪ 0‬يجب أن تأكلي وتتصدري غرفة الطعام ‪ ..‬بسرعة !‬‫ـ فيما بعد ‪ ..‬هيا اآلن ‪ِ ..‬‬

‫سألتها بفضول بريء ‪:‬‬


‫ـ لماذا ؟ ال أريد طعاماً ‪ُ ..‬كلي ِ‬
‫أنت يا خالتي‪ 0‬بالهناء ! ‪..‬‬

‫قاطعتني وهي تنظر إلي بمكر ودهاء لم أعرف كنهه ‪:‬‬


‫ـ بل ِ‬
‫أنت أولى الفتيات التي يجب أن تأكل من هذا الطعام !!‬
‫جلست هي وأجلستني‪ 0‬بجانبها ‪ ..‬وأخذت‪ 0‬تطعمني بيدها‪ 0‬أمام النساء ! ‪..‬‬
‫احمر وجهي خجـالً ‪ ..‬نظرات النساء سلطت علينا ‪ ..‬قلت لها بلطف ‪:‬‬
‫ّ‬
‫ـ أرجوك يا خالتي‪ .. 0‬كفى ‪ ..‬أنا سآكل ‪ ..‬ال تحملي همي ‪ ..‬أوه ‪ ..‬أشعر‪ 0‬بالخجل ‪ ..‬أرجوك ‪..‬‬

‫ضحكت النسوة استلطافاً لما رأين ‪ ..‬فأشرقت عينا والدة الزوج وهي تقول ‪:‬‬
‫الولي الصالح ‪..‬‬
‫ـ هيا كلي ‪ ..‬تباركي بهذا الطعام ‪ ..‬إنه مذبوح باسم ّ‬
‫كلي ولو لقمة واحدة ‪ ..‬اجعلي‪ 0‬البركة تسير في دمائك‪ 0‬وجسدك …‪!!!!! .‬‬

‫توقفت عن الطعام وأنا تحت تأثير هذه الكلمات‪.. ! 0‬‬


‫ُ‬
‫شعرت برغبة صارخة في التقيؤ !! ال ‪ ..‬ال ‪ ..‬ال ‪..‬‬

‫كيف استطاعوا فعل ذلك ؟ كيف ؟ ‪ ..‬لقد نذروا بالذبح لغير اهلل ؟!! ‪ ..‬كيف يجرؤن ‪ ..‬ال‬
‫يمكن ! ‪..‬‬
‫يا رب ‪ ..‬يا رب لم تعد لي قدرة على الحياة معهم‪ .. !! 0‬هذا فعل قبيح ‪ ..‬إنه شرك أكبر !! ‪..‬‬
‫ربـاه أنا لست منهم يا رب ‪ ..‬ربـاه أعلم قولك في كتابك الكريم‪ ( 0‬إن اهلل ال يغفر‪ 0‬أن يشرك به‬
‫ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك باهلل فقد افترى إثماً عظيماً ) ‪.‬‬

‫وقفت ‪ ..‬أقاوم جوعي وعطشي ‪ ..‬تركتهم وما يصنعون ! ‪ ..‬ذهبت مسرعة إلى أقرب دورة مياه (‬
‫ُ‬
‫أكرمكم اهلل ) ‪ ..‬أخرجت‪ 0‬ما أكلته حراماً‪ .. ! 0‬ولكني‪ 0‬أشعر بالوهن‪ 0‬والجوع ‪..‬‬

‫إنهم يستخدمون معي عقاب التجويع بأقوى درجاته حتى أؤمن ‪ ..‬ولكن ال ‪ ..‬الجـوع أرحم من‬
‫طعام حرام ‪ ..‬الجـوع أهون من إيماني‪ 0‬بما ي ّدعون ‪ُ ..‬ألمت جوعاً ‪ ..‬ألجاهد‪ 0‬نفسي ضد نفسي‪.. 0‬‬
‫ال بأس حسبي لقيمات قليالت بالحالل ! ‪..‬‬

‫أتضور جوعاً ‪ ..‬آه وآه لما أصابني ‪..‬‬ ‫ُّ‬


‫تلفت حولي بدهشة‪ 0‬كبيرة ‪ ..‬أريد العودة إلى المنزل ‪ ..‬إني ّ‬
‫أريد العودة إلى أهلي ‪..‬‬
‫لحقت بي أم الزوج تنبهني بأخذ كأس من الماء من إحدى‪ 0‬القارئات ‪ ..‬انتبهي‪ 0‬إليه ‪ ..‬وإال فاشربيه‬
‫ابتسمت بألم‪ 0‬وقلت لها حتى أرد كيدها عني ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫‪ ..‬هيا يا ابنتي اشربيه‪.. 0‬‬
‫ـ شربت اآلن كأساً مماثالً أخذته‪ 0‬من المكان نفسه !!‬

‫ـ رائع ! ‪ ..‬إذاً سنأخذ كأساً أخرى ال بنتي في المنزل ‪ ..‬خذيه وانتبهي‪ 0‬له جيداً أرجوك ‪ ..‬ال تدعي‬
‫تتسرب‬
‫قطرة منه ّ‬

‫( ‪ ) 8‬كيف أنجو ؟‬

‫ما العمل اآلن !! سوف أعود للمنزل ! ‪ ..‬وسأجده هناك ينتظرني ! وسيسألني عما إذا امتثلت لما‬
‫أمرني‪ 0‬به أم ال ! ‪ ..‬ولكني لم أستطع ذلك ‪ ..‬كيف له أن يفهم‪ 0‬؟‬

‫كيف أنجو منه ؟ ‪ ..‬ما العمل يا رب ما العمل ؟ ‪ ..‬اللهم إني أنتظر منك فرجاً ومخرجاً من بعد ما‬
‫عانيت من الضيق والبالء !!‬

‫عدنا إلى المنزل ! ‪ ..‬وفي الطريق أخذت‪ 0‬والدته الكأس‪ 0‬من يدي وهي تحافظ عليه كما تحافظ‬
‫األم على الوليد لم أعلّق ولم أنطق ‪ ..‬كان تفكيري‪ 0‬منصباً على هذا الزوج الذي ينتظرني في‬
‫المنزل !‬

‫أوووه ‪ ..‬تذكرت‪ .. 0‬عضضت على فمي بقوة كدت منه أن أدميه ‪ ..‬يا وليتي ‪ ..‬لقد نسيت‬
‫المفتاح بالداخل ‪ ..‬ال بد من الصدام !!!‬

‫جمدها الخوف ‪ ..‬استجمعت قواي ‪ ..‬طرقت مراراً وأنا أشعر‪ 0‬بالهلع‬


‫طرقت الباب‪ 0‬بأنامل‪ 0‬قد ّ‬
‫العظيم !!!‬
‫تنحى عن الباب قليالً ‪ ..‬دخلنا ‪ ..‬نبضت‬
‫أخيراً ‪ ..‬فُتح الباب على مصراعيه ‪ ..‬رأيته أمامي ‪ّ ..‬‬
‫خفقات‪ 0‬قلبي بقوة أسمعت من في المشرق والمغرب‪. 0‬‬
‫أغلق الباب خلفه بركلة من رجله ونظراته تح ّدق بي ‪ ..‬نقل نظراته‪ 0‬إلى والدته التي تقف بجانبي‬
‫وقال ‪:‬‬
‫ـ ّأمــاه ‪ ..‬هل فعلت ما أمرتها به ؟‬

‫لم ترد أمه ‪ ..‬نظرت إلي بعيني جامدتين خائفتين‪.. 0‬‬

‫أضاف وهو يحرقني بنظراته‪ 0‬موجهاً الحديث ألمه ‪:‬‬


‫ـ تكلمي يا ّأمـاه ‪ ..‬هل فعلت أم ال ؟ ‪ ..‬بالطبع ال !!‬
‫تكلمـوا ‪ ..‬لم تفعل أليس كذلك يا أمي ؟!‬

‫شعرت بثقل يكبّل أجزائي‪ 0‬وبقلبي يصارع في الخروج من مخبأه من وطأة الخوف !‬
‫ُ‬

‫علي ‪:‬‬
‫قالت أمه بخوف أمام نظراته‪ 0‬المثبتة ّ‬
‫ـ يا بني ‪ ..‬هدئ من روعك ‪ ..‬إنها ‪ ..‬آه ‪ ..‬نعم نعم ‪ ..‬لقد فعلت !!‬

‫إلي بتحد عندما طال صمتي ‪ ..‬عرف أن والدته قد كذبت‬


‫مشى بخطوات عريضة تجاهي ‪ ..‬نظر ّ‬
‫عليه ‪..‬‬
‫وكز على أسنانه بقوة جبارة ‪ ..‬أما أنا فقد أدركت بأن شعوري باألمان في‬
‫فأمعن النظر في وجهي ّ‬
‫ّ‬
‫هذه اللحظة قد ابتعد‪ 0‬عني بعيداً جداً في األفق !!‬
‫هزني بعنف ‪ ..‬وصفعني صفقـة قاسية جـداً أفقدتني‪ 0‬الذاكرة لبضع دقائق ‪ ..‬فبدا لي وكأنه يُقهقه‬
‫ّ‬
‫ضاحكاً من شدة القهر والغيظ ‪ ..‬والخيبة فيما يرجو !!!!!‬

‫صرخ قـائـالً ‪:‬‬

‫ـ ال فائدة ترجى‪ 0‬منها في هذا المجال يا أمي ‪ ..‬ماذا عساي أن أصنع بها ؟ ‪..‬‬
‫لت فيها خيراً كثيراً ولكن يبدو أنني كنت مخطئاً ! ‪ ..‬أخبروني ماذا‪ 0‬أفعل معها ؟ ‪ ..‬أقتلهـا‬
‫لقد َّأم ُ‬
‫؟ ‪..‬‬
‫سأصبح عما قريب إماماً‪ 0‬لألولياء والصوفية ‪ ..‬وزوجتي هي الع ّدو األول‪ 0‬لي في مذهبي‪.. !! 0‬‬
‫انفجرت باكية حينها ‪:‬‬
‫ُ‪0‬‬ ‫سيصوت الجميع لي وهي بهذه الطريقة‪ 0‬؟ كيف ؟ كيف ؟ ‪..‬‬
‫ّ‬ ‫كيف‬

‫ـ إذاً ‪ ..‬أطلق سراحي‪ .. 0‬واآلن ‪ ..‬أنا ال أريدك ‪ ..‬ال مجال للعيش بيننا ‪ ..‬هيا ‪ ..‬افعل ‪ ..‬ال تعذبني‪0‬‬
‫‪..‬‬
‫تصر على بقائي معك ؟ ‪ ..‬أنا سأضرك أكثر من أن أنفعك ! ‪..‬‬
‫لماذا ّ‬

‫ِ‬
‫يراودك‬ ‫كانت أنفاسه تتردد بصوت مسموع لكنه قال بهدوء ‪ :‬وهل تظنين بأني‪ 0‬فاعل ؟ أرجو أال‬
‫األمل في ذلك مطلقاً ! ‪ ..‬لن أتركك أبداً‪ 0‬مهما طال النزاع بيننا !! ‪..‬‬
‫ثم انسحب بسرعة ودون أن يضيف شيئاً آخر …‬

‫ارتميت على األريكة‪ 0‬وامتألت عيناي حسرة وحزناً‪ 0‬على حالي ! ‪ ..‬يا إلهي‪ 0‬أنت مالذي وملجأي‬
‫فساعدني ‪..‬‬
‫ذهب الجميع ‪ ..‬بقيت وحدي ‪ ..‬ولكن لن أقول سوى الحمد هلل على كل حال !‬

‫أتت والدته‪ 0‬بعد قليل وكأنها تتشفى مما حدث ‪ ..‬اقتربت مني وأنا أرتجف كطائر جريح لم يجد‬
‫ابتعدت عنها وحاولت التظاهر‪ 0‬بالتفتح والنسيان فقلت لها ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫له راعياً ومطمئناً ‪ ..‬وقفت قليالً ثم‬
‫ـ ال بأس ‪ ..‬كل شيء على ما يرام يا خالتي !! ‪ ..‬ال تقلقي سيعتدل‪ 0‬الوضع قريباً ‪ ..‬سيعتدل ‪..‬‬

‫تركتها بخطوات زاحفة ‪ ..‬شعرت‪ 0‬بأنها تريد‪ 0‬أن تقول شيئاً ما ‪ ..‬ولكني لم أفضل البقاء ! ‪..‬‬
‫توجهت نحو غرفتي ‪ ..‬استلقيت على فراشي ‪ ..‬أخذت أفكر ملياً بالوضع ‪ ..‬آآه يا رأسي إنه‬
‫علي ؟ هل ألنني سنية ؟ ‪ ..‬ولكن لو‬
‫يؤلمني من كثرة البكاء ‪ ..‬واألنين ‪ ..‬ما سر حقدهم المتناهي‪ّ 0‬‬
‫كان طريقهم يؤدي إلى الجنة وإلى رضوان اهلل فأنا مستعدة التباعه ‪..‬‬
‫ابتسمت متحسرة ‪ ..‬الحمد هلل الذي نجاني مما هم فيه !‬

‫سمعت صوتاً ينادي ! ‪ ..‬لم أجب ! ‪ ..‬أشعر برغبة في االنفراد‪ 0‬واالنعزال ! ‪..‬‬
‫نحن ال نتفق فما الذي يجبرني على البقاء ؟ ‪ ..‬يجب أن أذهب بأي طريقة ! ليس لي مكان في‬
‫هذا المكان !!!!‬
‫سكت ! ‪ ..‬ثم أجبت ‪ :‬ماذا بعد ؟! ماذا‪ 0‬يريدون بي ؟‬
‫ّ‬ ‫سمعت الصوت مرة أخرى ‪ ..‬إنه صوته ‪..‬‬
‫نزلت إلى الطابق‪ 0‬السفلي ‪ ..‬وآثار الصفعة‪ 0‬الموجعة ما زالت تعلن عن إصرارها على البقاء على‬
‫وجهي الحزين ‪ ..‬شعرت‪ 0‬بوجوده دون أن أنظر إليه ‪ ..‬أجبته وأنا أنظر إلى أصابعي‪ 0‬المرتعشة‪: 0‬‬

‫ـ نعم ‪ ..‬بم تأمرني‪ 0‬؟!!!!!‬

‫نظر إلى ما تركه من أثر في وجهي ‪ ..‬اقترب قليالً ليتأكد منه ‪ ..‬ثم تنهد ‪ ..‬ومشى بخطواته الثقيلة‬
‫إلى مكان وجود أكواب الماء وأخذ كوباً وق ّدمه إلي وهو ينظر بمكر دون أن يحاول إخفاء نبرة‬
‫تشع من صوته ‪ ..‬ثم جاء بجالون ماء كبير وسكب في كأسي وقال آمراً ‪..‬‬
‫البرودة التي ّ‬
‫ـ تفضلي بشرب هذا الماء ‪..‬‬

‫نظرت إلى الجالون في يده ‪ ..‬عدت بذاكرتي إلى الوراء قليالً ‪ ..‬أين شاهدته ؟‬
‫لقد رأيته في مكان ما بهذه اإلشارة الحمراء ‪ ..‬نعم ‪ ..‬نعم تذكرت !! ‪..‬‬
‫إنه الماء الذي تخاطفته النسوة في العزاء ! ‪ ..‬كيف أتى به إلى هنا ؟ ماذا حدث‪ 0‬؟‬

‫شعرت بأنها‪ 0‬محاولة منه المتحان ذكائي وقدرتي على المالحظة ‪ ..‬ألنه وضع الجالون أمام عيني ‪.‬‬

‫حاولت التصرف برزانة‪ .. 0‬فقلت وقد رفعت نظري إليه ‪:‬‬


‫للتو كأسين من الماء ‪ ..‬أعتذر عن شربه‪0‬‬
‫ـ عذراً ‪ ..‬ال رغبة لي في شرب الماء اآلن ‪ ..‬لقد شربت ّ‬
‫‪..‬‬

‫قاطعني بحـدة ‪:‬‬


‫ـ ولكنك ستشربين‪ .. 0‬أليس كذلك ‪ ..‬؟!‬

‫دخلت أمه وأخوته في هذه اللحظة ‪ ..‬مسحت جبيني بالمنديل‪ .. 0‬وهممت باالحتجاج‪.. 0‬‬
‫وهنا بادرني‪ 0‬كمن قرأ أفكاري ‪.‬‬
‫ـ قلت ‪ :‬ستشربين‪ !! 0‬أم أنك ستعارضيني على ذلك أمام أهلي جميعاً ؟!‬
‫أشعر بأن هذا الماء يحوي شيئاً ما ال أعرفه ! ‪ ..‬أردت االعتذار ثانية ‪ ..‬وفعلت ‪ ..‬ولكن اعتذاري‬
‫هذه المرة كان عن طريق عيني اللتين تضرعتا للجميع بأن يقنعوه بأن يتركني وشأني‪.. 0‬‬
‫وعرفت أن ال فائدة ترجى منه أو منهم !!‬

‫شربته !!!!!! ‪ ..‬لم ِ‬


‫أبق فيه قطرة واحدة‪ .. 0‬فلمعت عيناه باالنتصار‪ 0‬العظيم ‪ ..‬وازداد انكسار قلبي‬
‫وألمه ‪ ..‬فقال مبتهجاً ضاحكاً ‪:‬‬
‫ـ صدقيني ‪ ..‬أتوقع أن تفوق النتيجة آمالنا !‬

‫قت فيه ثم قلت بهدوء وأنا أمسح وجهي‪ 0‬المعروق بظاهر يدي ‪:‬‬
‫ح ّد ُ‬
‫ـ كي تحصل على ما تريد فإنك تدوس على مشاعر اآلخرين دون أن تهتم بقليل من اعتبارهم ‪..‬‬
‫أليس كذلك ؟!!‬

‫قال بمرح دون أن ينظر إلي وهو يستدير ليعيد الماء إلى مكانه‪: 0‬‬
‫ِ‬
‫أصبت ‪! ..‬‬ ‫ِ‬
‫أصبت ‪..‬‬ ‫ـ نعم ‪..‬‬

‫في اليوم التالي مباشرة‪ 0‬علمت أن الماء الذي شربته‪ 0‬كان ألحد أوليائهم !! ‪..‬‬
‫غسلوا فيه هذا الولي الذي حضرنا‪ 0‬عزاءه بعد موته !!!!!!! ‪ ..‬إي أنه غسول ميت !!!! ‪..‬‬
‫لقد ّ‬
‫والغرض بالطبع منه أن تسري بركته في جسدي مجرى الدم فأتأثر وأصبح صوفية !!!!!!!!!!‬

‫سألته وقد عانيت ما عانيت من الشعور باالستياء والظلم ‪ ..‬وبكل لطف يخفي ما أنا فيه من لوعة‬
‫ومرارة وحزن ‪:‬‬
‫ـ ما نوع الماء الذي أسقيتنيه البارحة‪ 0‬؟‬

‫فقال شارداً ‪ ..‬وقد أحسست من خالل شروده أنه فوجئ بمعرفتي لمصدر الماء ‪:‬‬
‫ـ الماء ! إنه ماء طبيعي ! أم أنك ستقولين بأنك‪ 0‬تش ّكين بمصدره أيضاً ؟!‬

‫انهمرت أدمعي ‪ ..‬أحشفة وسوء كيلة ؟! ‪..‬‬


‫لماذا يكذب علي أيضاً ؟! ‪ ..‬فقلت منهارة ‪:‬‬
‫ـ ولكني علمت من مصدر موثوق طبيعة هذا الماء !! ‪ ..‬حرام عليك حرام ما تفعله‪ 0‬بي ‪ ..‬لماذا‬
‫تفعل كل ذلك بي لماذا ؟ ‪ ..‬قال جاداً وبحماس ‪:‬‬
‫ـ ماذا ؟ ‪ ..‬يجب أن تتباركي بهذا‪ 0‬الماء ‪ِ ..‬‬
‫فأنت قد شربت من غسول ولي صالح ‪ ..‬فمن يحصل‬
‫له ذلك !!‬
‫عجباً ألمـرك !!‬

‫دعوت اهلل أن يفرج همي وأن يبقي على ما بقي من صبري وجلَدي فيخرجني من بين هؤالء القوم‬
‫الظالمين ‪ ..‬ويعتقني من أسرهم‪! 0‬‬

‫( ‪ ) 9‬زيارة الولي‪ 0‬الصالح‬

‫وقف ‪ ..‬تردد برهة ثم قال باسماً ‪:‬‬


‫ـ ما ِ‬
‫رأيك في أن نخرج اآلن إلى مكان مهم جداً ‪..‬‬

‫ت في مكاني وأنا أتنهد ‪ ،‬فسألته ‪:‬‬


‫تسمر ُ‬
‫ْ‬
‫ـ إلي أين ؟ ال أريد الخروج كفى أرجوك ‪..‬‬

‫ـ هيا هيا ‪ ..‬سنذهب إلى مكان ستتعجبين مما سترين فيه وتسمعين ‪ ..‬قلت ‪:‬‬
‫ـ ولكن ‪ ..‬الوقت متأخر ‪ ..‬ومن األفضل أن ‪ ..‬قاطعني بسرعة ‪:‬‬
‫ـ هيا ال مجال اآلن لتضييع الوقت ‪..‬‬

‫ذهبت معه ‪ ..‬أخذ‪ 0‬ينعطف بسيارته‪ 0‬يميناً ثم يساراً ‪ ..‬وأنا صامتة أنتظر فرج اهلل ‪ ..‬فقد أصبحت‬
‫زاهدة حتى في حياتي‪ .. 0‬وقفنا عند منزل متواضع صغير ‪ ..‬سألته بخوف ‪:‬‬
‫مصراً على إخفاء ذلك عني ؟! ‪ ..‬سكت وطرق الباب‪.. 0‬‬‫ـ أين تذهب بي ؟ أال تزال‪ّ 0‬‬
‫فُتح الباب‪ 0‬على يد خادمة غضبى ‪ ..‬دخل ُمسلَّماً على الرجل الطاعن في السن وأمرني‪ 0‬أن أتبعه ‪..‬‬
‫فوجئت !!!!!!!‬
‫ـ ألم ينته الهزل‪ 0‬بعد ؟! ( خاطبت نفسي‪ 0‬متألمة ) !!‬

‫جلس مقابالً له ‪ ..‬شرح قضيتي وأنني من أهل السنة !! ‪ ..‬تبادل الرجالن النظرات‪ 0‬الحانقة ‪..‬‬
‫وبدت عالمات التعجب والتفاجؤ على الرجل‪ 0‬لسماعه هذا الخبر !! ‪..‬‬
‫امتعض كثيراً وكأنه سمع عني بأنني‪ 0‬ارتددت عن اإلسالم !!‬
‫أكفهر وجهه ‪ ..‬وتلونت مالمحه ‪ ..‬قال بحقد ‪:‬‬
‫ّ‬
‫ـ ما هذا الخبر والحدث الجلل ؟! هل ما يقوله زوجك صحيح ؟ ال أصدق ال أصدق !!‬

‫انتابني الذعر والرعب ‪ُّ ..‬‬


‫تلفت حولي بدهشة‪ .. 0‬ال حظ العجوز دهشتي‪ 0‬وقال مستنكراً‪: 0‬‬
‫ـ ال ال يا ابنتي هذا شيء خطير جداً ! ابتعدي عن ذلك ‪ ..‬انتبهي‪ 0‬إلى أن يجرفك تيّارهم !!‬
‫واستمعي إلى كالم زوجك فهو أعلم بمصلحتك ! ‪ ..‬ال أريد سماع ذلك عنك من اليوم فصاعداً‬
‫!! ‪..‬‬
‫ال حول وال قوة إال باهلل العلي‪ 0‬العظيم !!!‬

‫أصابني الخوف والهلع ‪ ..‬اعتذر الرجل المسن ليخرج من المكان ‪ ..‬وأنه سيأتي بعد قليل ‪..‬‬
‫وعند خروجه قال الزوج واثقاً من قوله ‪:‬‬
‫ـ هل ِ‬
‫رأيت هذا الرجل ؟! إنه عـالّم الغيـوب ‪!! ..‬‬

‫أجبته بحماس كبير يطوي تحته السخرية من كالمه ‪:‬‬


‫ـ حقاً ؟! ‪ ..‬وهل كان يعلم بمجيئنا إليه ؟ وفي هذا الوقت ؟!!‬

‫نظر إلي باستغراب‪ 0‬وكأنه يشك في صدق نيتي ‪ ..‬ثم قال ‪:‬‬
‫ـ بالتأكيد !! ‪ ..‬وسيخبرك اآلن عن كل ما تفكرين به ‪ ..‬وستُدهشين من إجابته‪ 0‬على كل األسئلة‬
‫التي تُطرح عليه !! ‪ ..‬وسترين‪ 0‬ذلك بأم عينك !‬
‫امتألت غيظاً ‪ ..‬فكتمته !!‬
‫ُ‬
‫المدعي وجلس في مكانه‪ 0‬السابق‪ .. 0‬وإذا بالزوج يخضع ويذل نفسه إليه ‪ ..‬وينحني‬
‫ّ‬ ‫وعاد الرجل‪0‬‬
‫‪ ..‬وينكسر !! ‪..‬‬
‫وإذا به يقبّل يديه‪ 0‬ورأسه ‪ ..‬ثم خلع قبعته وفاضت عيناه إجالالً !!!!!!!!!!!‬

‫اقترب بعدها‪ 0‬الزوج كثيراً من الرجل ‪ ..‬وأخذ‪ 0‬يتمتمان بكلمات‪ 0‬لم أفهمها ! ‪ ..‬وفجأة نظر إلي‬
‫وقال ‪:‬‬
‫اجلسي ‪ ..‬لم تقفين كل هذا الوقت ؟!!‬
‫فعلت أيضاً ؟ ‪..‬‬
‫جلست ‪ ..‬ر ّكزا نظرهما نحوي ! ‪ ..‬يا إلهي‪ 0‬ماذا ُ‬
‫لم أعد أحتمل ! ‪ ..‬لم أعد أستطيع المنافحة ‪ ..‬ماذا‪ 0‬ينويان أن يفعال بي هذه المرة ؟!!!!!!!!!!!!!‬

‫أمرني‪ 0‬الزوج بانكسار‪ 0‬أمام الولي أن أخلع حجـ ــابي …‪ ..‬رأيت اللهفة في عيني الرجل ليرى أي‬
‫نوع من الكائنات أنا !!!!!! ‪ ..‬ولماذا تركتهم وما ي ّدعون !! ‪..‬‬
‫ترددت كثيراً ‪ ..‬وامتنعت ‪ ..‬فأمرني‪ 0‬الزوج بتلك النظرات‪ 0‬المخيفة الكريهة‪.. 0‬‬
‫بالولي يبتسم ابتسامة‪ 0‬عريضة ! ‪ ..‬إنه رجل مسن ! ‪ ..‬بالكاد‪ 0‬يرى ويسمع !! ‪..‬‬
‫ّ‬ ‫فإذا‬
‫متوسلة ‪:‬‬
‫وهمست في أذن الزوج ّ‬
‫ُ‬ ‫وأمرني‪ 0‬أن أجلس أمامه‪ 0‬مباشرة فرفضت بحياء وخجل ‪..‬‬

‫ـ أرجوك ال أستطيع ‪ ..‬أقسم باهلل العظيم أني ال أستطيع ‪ ..‬أرجوك ‪ ..‬إني‪ 0‬أخاف ‪..‬‬
‫ابتسم بدوره ابتسامة صفراء حاقدة ‪:‬‬
‫سيعرفك على مستقبلك ‪ ..‬إنه يكشف الغيب ويعلمه ‪..‬‬
‫ـ ال تخافي إنه ولي صالح جداً ‪ّ ..‬‬
‫ارتجفت وشعرت باإلغماء ‪ ..‬رباه اصرف أذاهم‪ 0‬عني ‪ ..‬ربــاه ‪..‬‬
‫ُ‬ ‫هيا تقدمي ‪ ..‬هيا ‪..‬‬

‫قام الزوج وأمسك بيدي بقوة آلمتني ‪ ..‬وأجبرني على الجلوس أمام الرجل المسن قائالً بلطف‬
‫مصطنع ‪:‬‬
‫ففعلت ‪ ..‬نظر إلي‬
‫ُ‬ ‫ـ هيا تعالي ‪ ..‬إنه ال يخيف ‪ ..‬واخفضي ِ‬
‫نظرك عنه إجالالً لقدرته‪ 0‬ومكانته‪..… 0‬‬
‫الرجل المسن وابتسم ثانية‪ 0‬ثم قال ‪:‬‬
‫ـ ما اسمـك يا فتــاة ؟!‬
‫لم أنطق … خشيت إن نطقت أن يسقط سقف المنزل علينا من غضب اهلل ! ‪ ..‬فأجاب الزوج‬
‫بلهفة ‪:‬‬
‫ـ اسمها ………………………………‪ ! ..‬أخبرنا‪ 0‬يا وليّنا العظيم عما سينكشف لك‬
‫!!‬

‫ما زالت نظرات الرجل‪ 0‬عالقة بي ‪ ..‬ثم قال ‪:‬‬


‫وسيحل عليك غضب اهلل تعالى إن لم تتركي ما‬
‫ّ‬ ‫ـ أنت فتاة صالحة ‪ ..‬ولكنك منحرفة عقائدياً ‪..‬‬
‫ِ‬
‫أنت فيه من خزعبالت ‪ ..‬وأوهام ‪..‬‬
‫عودي إلى الطريق‪ 0‬السوي ‪ ..‬عودي ‪ ..‬ألن الخير كل الخير طريقتنا ‪ ..‬واتركي عنك كل أقوال‬
‫الكافرين‪ .. 0‬ألنهم سيزيدونك كفراً وإضالالً وذنوباً ‪ ..‬هل فهمتي ؟!!‬

‫ارتعشت ‪ ..‬ثم أجبته وأنا أشعر بأنني‪ 0‬أخضع لتأثير سحر عظيم ‪ ..‬و ‪ ..‬غريب !!!‬
‫ُ‬
‫ـ فهمت ‪ ..‬فهمت ‪!!! ..‬‬

‫ارتجفت يداي ‪ ..‬شعرت بذهول ‪ ..‬ثم ‪ ..‬أفقت !!‬


‫ماذا يقول ذلك المعتوه !!!‬

‫أخفض نظره ‪ ..‬ثم أغمض عينيه وكأنه ينظر إلى شيء ما ‪ ..‬ال أراه !! ثم قال ‪:‬‬
‫ـ ستعودين اليوم إلى المنزل ‪ ..‬سيتراءى لك في المنام الولي الصالح الذي قد مات منذ زمن‬
‫( فالن بن فالن ) ال أحد يراه في منامه‪ 0‬إال قلة من الناس ! ‪..‬‬
‫فإذا رأيتيه فأخبريه‪ 0‬بما تريدين وسيخبرني هو فيما بعد بما دار بينكما !!!‬

‫فتح عينيه المغمضتين ‪ ..‬ونظر إلي مج ّدداً ‪ ..‬ثم قال ‪:‬‬


‫ـ ستنجبين ولداً نجيباً ‪ ..‬وستكونين من أولياء اهلل الصالحين ألنك مترفّعة في أخالقك ‪..‬‬
‫وسيخلف اهلل لك خيراً من دينك الزائف‪ .. 0‬وستنضمين إلينا على الرحب والسعة ‪!! ..‬‬

‫ربـاه ‪ ..‬ربـاه ‪ ..‬ماذا يقول هذا الرجل‪ 0‬؟ ‪ ..‬أريد الخروج ‪ ..‬أنا ال أحتمـل ‪..‬‬
‫وفجأة سمعت صوتاً بجانبي ‪ ..‬انتقلت نظراتي بسرعة ‪ ..‬إنه الزوج يجهش بالبكـاء‪ 0‬الحار !! ‪ ..‬إنه‬
‫متأثر ‪ ..‬منفعل جداً ‪ُ ..‬مص ّدق !!‬
‫ما به ؟! ثم ‪ ..‬سالت دمعات ال هبات من عيني وليّهم !!!!!!!‬

‫أرجوك يـا رب ‪ ..‬أبعدني عنهم !‬


‫ربـاه ‪ ..‬إنهم‪ 0‬يريدون إغراقي معهم ! ‪ ..‬إنني أتهاوى‪ .. 0‬وفجأة ‪ ..‬عكف الزوج على يدي الولي‬
‫تمسح به !!‬
‫وبالغ في تقبيلها ‪ ..‬ثم ّ‬
‫ماذا يقصد ؟ ‪ ..‬إنه يضع يده على رأس الولي ويأمرني بوضع يدي أيضاً !!! ‪..‬‬
‫أدرت وجهي ‪ ..‬إال هذا ! ال أستطيع !! ‪ ..‬وُأمرت مرة أخرى فرفضت ببقائي صامتة جامدة !‬
‫ُ‬

‫نظر الرجل‪ 0‬إلي بقلق عندما طال صمتي ‪..‬‬

‫قال الزوج وقد م ّد يده إليه بقبعة قديمة ‪:‬‬


‫ـ إذاً اجعلها تخلع حجابها كامالً حتى تلبس هذه القبعة وتتبارك بها ! ‪..‬‬

‫فنهض بقوة وش ّد عني حجابي‪ 0‬بكيد دفين ثم ألبسني القبعة ‪ ..‬ودمعاتي تحرق كل جزء في وجهي‪0‬‬
‫المتألم ! ‪ ..‬وتناول من الرجل قطعة قماش بالية وهو يشكره‪ 0‬بذل !! ‪ ..‬فقال الرجل يوجه إلي‬
‫الحديث ‪:‬‬
‫ـ أما هذه القطعة فضعيها تحت وسادتك وستقيك الشر وتدفع عنك الضر !‬

‫قمت من مكاني‪ 0‬أترنح من شدة البأس الذي أصابني حتى هذه اللحظة العصيبة ! ‪..‬‬
‫ال أحد يبالي‪ 0‬بمشاعري ‪ ..‬يـا رب رحمـاك !!‬

‫سمعت الزوج في هذه األثناء يقول والدموع الذليلة‪ 0‬ال تزال‪ 0‬تتدفق من حجرها ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ـ أتوسل إليك يا ولينا العظيم أن تخبرني عن أبي ‪ ..‬لقد مات منذ وقت قصير ‪ ..‬هل في الجنة هو‬
‫أم في النار ؟ وهل هو في نعيم أم جحيم !‬
‫وزاد بكاؤه‪ 0‬وعويله ‪ ..‬فأطرق الولي مليّاً ‪ ..‬ثم وضع أصابعه‪ 0‬على صدره وأغمض عينيه ‪ ..‬وافتعل‬
‫سرته ‪..‬‬
‫حركات كأنما هو يرى أشياء أغضبته ‪ ..‬فتلوى وجهه ‪ ..‬وتقطّب حاجباه‪ .. 0‬ثم ‪ ..‬أشياء ّ‬
‫فقال له ‪:‬‬

‫ال تحزن فأبوك في الجنة ‪ ..‬لقد رأيته اآلن ‪ ..‬إنه يرتع فيها ‪ ..‬هنيئاً لك وله ‪..‬‬
‫إنه في نعيم مقيم ‪ ..‬ال تخف ‪ ..‬فأبوك بخير فاطمئن وطمئن ذويك عنه ‪..‬‬

‫زاد بكاء الزوج وارتفع صوته ولكن هذه المرة ‪ ..‬بكاء الفرح والحبور هو الذي كان له صدى في‬
‫األرجاء !!!‬

‫أستغفر اهلل العظيم ‪ ..‬ماذا‪ 0‬يفعل هؤالء ؟ ‪ ..‬هل فقدوا صوابهم ؟‬


‫لماذا يفعلون ذلك ؟ وأمامي‪ 0‬؟ ‪..‬‬
‫إن هذا الرجل المسن ي ّدعي علم الغيب واإلحاطة به !! ثم يقول إنه كشف وإلهام ؟!‬
‫ولكن ال يعلم الغيب إال اهلل تعالى‪ 0‬فكيف يجرؤون ؟! إنه شرك كيف أخبرهم ؟ كيف أقنعهم ؟‬
‫تفوهت بكلمة واحدة‪! 0‬‬
‫سيقتلوني إن ّ‬

‫ولكن ألم بقل اهلل تعالى‪ 0‬لرسوله الكريم ( ولو كنت أعلم الغيب ال ستكثرت‪ 0‬من الخير وما مسني‬
‫السوء )‬
‫إذا كان رسول اهلل إلى الناس وخاتم‪ 0‬األنبياء والمرسلين ال يعلم الغيب ‪ ..‬فهل يعلمه هؤالء ؟! ‪..‬‬
‫إنهم قوم يستكبرون !! ‪ ..‬هممت باالحتجاج ‪ ..‬تراجعت ‪ ..‬سيؤذونني بال شك ‪ ..‬أعرف ذلك !‬

‫( ‪ ) 10‬خزعبالت العجوز !!‬

‫تسرح شعرها‪0‬‬
‫لم أحتمل هذا القول ‪ ..‬فقمت من مكاني‪ 0‬غضبى إلى الداخل‪ 0‬فوجدت‪ 0‬زوجة الولي ّ‬
‫!!‬
‫وتخوف ‪ ..‬ربما كانت ذات عقل ‪ ..‬أفضل من زوجها ‪..‬‬
‫سلمت عليها بريبة ّ‬
‫ُ‬ ‫إنها عجوز أيضاً ‪..‬‬
‫إنها تقبع وحيدة ‪ ..‬وبما هي ال توافق زوجها وال تقتنع بصنيعه مثلي !!‬
‫قلت لها باسمة ‪ :‬كيف حالك‪ 0‬يا خالة‪ 0‬؟‬
‫فبادرتني بالتحية ‪ ..‬وأجلستني بجانبها وقالت ‪:‬‬
‫ـ بحال طيبة ‪ ..‬أهذه أول زيارة لك في بيتنا ؟ ‪ ..‬وجهك‪ 0‬غير مألوف لدي !‬
‫فقلت ‪ :‬نعم ‪ ..‬هذه أول مرة ‪ ( ..‬وخاطبت نفسي‪ ) 0‬وآخر مرة إن شاء اهلل !!‬

‫قالت بدهاء ‪:‬‬


‫ـ وما رأيك بالولي‪ 0‬؟ إنه عالمة وعارف باهلل ‪ ..‬إن له أموراً ال يصدقها البشر ! ‪..‬‬
‫عندما تجلسين معه مرة ستأتين أكثر من مرة ‪ ..‬صدقيني ‪ ..‬ثم قالت ‪:‬‬

‫ـ هل تعلمين أنه في يوم ما ‪ ..‬كان يح ّدث الناس ويعظهم ‪ ..‬وفجأة سكت !‬


‫فنظر إليه الجالسون وقالوا ‪ :‬ما بك يا ولينا العظيم ‪ ..‬ما بك ؟ فقال ‪:‬‬
‫ـ انتظروا لقد ُدعيت ‪ ..‬ويجب أن ألبي النداء ‪ ( ..‬وكان الجميع ينظرون إليه ) ‪..‬‬

‫كمه األيمن بالماء !! فهاج الحضور وصاحوا وقالوا له ‪:‬‬


‫وفجأة تبلّل ّ‬
‫كمك امتأل بالماء ؟ فقال ‪:‬‬
‫ـ ماذا حدث‪ 0‬يا ولينا ‪ ..‬وما بال ّ‬
‫ـ كان هناك رجل يسبح في البحر فغرق ‪ ..‬فاستغاث‪ 0‬بي ‪ ..‬فأخبرته بيدي اآلن ‪ ..‬والحمد هلل لقد‬
‫نجا من موت محتم !! ‪ ..‬فقالوا وهم يُكبرون عمله ‪:‬‬
‫ـ ولكن كيف ؟ وأنت تجلس معنا يا ولينا العظيم ‪ ..‬يا إلهي‪ 0‬ما أعظمك !!! إنك‪ 0‬عظيم كبير قادر‬
‫على كل شيء !! يا ولينا !‬

‫قال مزهواً بنفسه ‪:‬‬


‫ـ هذه من الكرامات الخارقة ‪ ..‬فال تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم !!!‬

‫انتظرت مني رداً ‪ ..‬وأنا كالمصعوقة مما أسمع ! ) هل أصاب عقلي شي ؟! ‪ ..‬هل أنا في كامل‬
‫ْ‬ ‫(‬
‫وعيي ؟‬
‫مروعاً ؟ ‪ ..‬أم أنا موجودة حقاً بين هؤالء ؟!‬
‫هل أعيش كابوساً ّ‬
‫بدأ عقلي يضعف فقلت لها بذهول ‪:‬‬
‫ـ ولكن !! ‪ ..‬كيف ؟!!!!!! ‪ ..‬هل يستطيع ؟! ‪..‬‬
‫كيف يُرسل يده إلى البحر وهو يجلس في مكانه‪ 0‬؟!!! ‪ ..‬كيف …… ؟!‬

‫نظرت إليها بتوجس ‪ ..‬رأيتها تضحك !! ‪ ..‬رأيت عينيها الغائرتين تنظران إلي بنظرات تعني شيئاً‬
‫ُ‬
‫ما !! ‪..‬‬
‫هل أقنعوها بأن تفعل معي ذلك ؟! ‪ ..‬هل سلّطوها علي هي أيضاً ؟! يـا رب ‪ ..‬يـا رب ‪ ..‬سمعت‬
‫صوت الزوج ينـادي ‪ ..‬فخرجت أستجمع ما بقي من عقل ودين !!‬

‫ركبت السيارة ‪ ..‬لم أنطق ولم ينطق ‪ ..‬ماذا‪ 0‬يحدث حولي ؟!! ماذا‪ 0‬يحصل ؟ أين أنا ؟ ‪..‬‬
‫أشعر بأن ما يدور هنا هي قصة نسجها الخيال إلى أبعد مدى !!!!‬

‫عدنا إلى المنزل ‪ ..‬أول ما عمله الزوج هو أن وضع قطعة القماش تحت وسادتي‪ .. 0‬وقال بتوسل‬
‫‪:‬‬
‫ـ أرجو أن تعتقدي‪ 0‬فيها ! ‪ ..‬فهي ستنير لك طريقك وستقتنعين فيما بعد ! ‪ ..‬أرجوك !!‬

‫أومـأت برأسي باإليجاب ‪ ..‬وتمالكت نفسي‪ .. 0‬ما أصعب هذا الموقف ‪ ..‬من سينتصر ؟‬
‫ومن سيرفع راية االستسالم البيضاء ؟! ‪ ..‬ويطأطئ رأسه خيبة وخذالناً !!!‬

‫لم يغمض لي جفن طوال الليل ‪ ..‬تضرعت إلى اهلل باكية ‪ ..‬رجوت اهلل أن يثبتني ‪..‬‬
‫فلو رأيت الحلم الذي نسجه لي ذلك الرجل األرعن فأخشى أن أؤمن بهم ! ‪ ..‬يا رب أنت‬
‫ملجأي ‪ ..‬يا رب أنت مالذي ‪ ..‬يا رب وجهني إلى طريق الخير والصواب ‪ ..‬لقد ظهرت خيوط‬
‫الصبح وأنا لم أنم !! ‪..‬‬
‫أخشى أن أحلم ‪ ..‬يا رب ساعدني ‪ ..‬ثم ‪ ..‬انسدلت‪ 0‬أجفاني تغطي عيني بدون وعي مني !!‬

‫وفي الصباح ‪ ..‬فتحت عيني بثقل شديد ‪ ..‬رأيته ‪ ..‬يزرع الغرفة‪ 0‬ذهاباً وإياباً‪ .. 0‬إنه ينتظر نهوضي‬
‫بفارغ الصبر ‪ ..‬وقفت أنظر إليه ‪ ..‬تذكرت‪ .. !! 0‬جاء يهرول إلي ‪ ..‬راجياً ‪ ..‬باسماً‪.. 0‬‬
‫ـ هاه ماذا ِ‬
‫رأيت ؟! هل صدق ؟ بالطبع صدق !!‬
‫أخبريني‪ 0‬بالتفاصيل ‪ ..‬هيا أسرعي‪ .. 0‬ال أطيق االنتظار !!‬
‫فصلي رؤياك ‪ ..‬هيا ‪..‬‬
‫أخبريني‪ّ .. 0‬‬

‫ابتسمت أخيراً ابتسامة نصر وثقة واختيال‬


‫ُ‬ ‫يا إلهي‪ .. 0‬تذكرت ماذا‪ 0‬يقصد ‪ ..‬تنهدت بعمق ‪ ..‬ثم‬
‫وعُ ْجب ‪ ..‬وازدراء !!!‬
‫ـ ال ‪ ..‬ال ‪ ..‬ال لم أحلم بما قاله وليّك ذاك !! لم أحلم ‪ ..‬الحمد هلل ‪ ..‬الحمد هلل ‪..‬‬
‫ربي لك الحمد والشكر والثناء ‪ ..‬فقام من مكانه مدحوراً مذموماً‪ .. 0‬قال باهتمام ‪:‬‬
‫ـ ليس من المشترط أن تكون الرؤيا في الليلة الماضية ‪ ..‬من الممكن أن تكون الليلة أو غداً ‪ ..‬أو‬
‫بعد غد ‪ ..‬أو ‪ ..‬قاطعته بتحد ‪:‬‬
‫ـ ولكن هذا الرجل أ ّكد لي بأنها ستكون الليلة الماضية ‪ ..‬فال مجال إذاً ! ‪ ..‬آه يا رب لك الحمد‬
‫‪..‬‬

‫فضحكت في قرارة نفسي على‬


‫ُ‬ ‫خرج من الغرفة غاضباً ‪ ..‬وسمعته يتمتم بكلمات‪ 0‬ساخطة ‪..‬‬
‫خذالنهم !‬

‫( ‪ ) 11‬القطب‪ 0‬والغوث !!‬

‫بعد يومين ‪ ..‬ذهبوا بي عند أعظمهم بالءاً ‪ ..‬وأكثرهم شهرة ‪ ..‬ووقفوا بي الساعات الطوال‬
‫ينتظرون اإلذن بالدخول‪ .. ! 0‬سبحان اهلل !! ألهذا‪ 0‬الحد يُمنع دخول أي شخص إليه ؟! ‪ ..‬هل هو‬
‫إله مقدس ؟ ‪..‬‬
‫هل يختلف تكويناً عن البشر ؟!‬

‫طال االنتظار ‪ ..‬وهم ينظرون إلي بين اللحظة واألخرى‪ .. 0‬إنهم ينتظرون اهتماماً‪ 0‬مني أو سؤاالً‬
‫! ‪..‬‬
‫ترددت كثيراً في طرح السؤال أو إبداء االهتمام والقلق يساورني ‪ ..‬تًرى أي نوع من الناس‬
‫يكون هذا أيضاً ؟!‬
‫أخيراً ‪ ..‬فُتح الباب الكبير‪ 0‬على مصراعيه !! ‪ ..‬ارتجفـوا !! ‪ ..‬فتح كبير ونصر بالدخول إليه أكبر‬
‫! ‪..‬‬
‫تسارعت خطاهم ‪ ..‬أي مغفرة ستقع لهم ؟‬
‫أي رضى عنهم بفتح الباب‪ 0‬والسماح بالدخول إليه ؟ ( تساءلت باستهتار‪ 0‬في نفسي‪ !!! ) 0‬تق ّدمني‪0‬‬
‫الجميع وأنا أنظر في دهشة ‪ ..‬ثم عادوا يمسكون بي وقالوا ‪:‬‬
‫ـ ِ‬
‫أنت ولية من أولياء اهلل الصالحين ‪ ..‬لقد فُتح الباب‪ 0‬بسببك !!‬
‫كم حاولنا الدخول‪ 0‬ولكنه لم يسمح لنا ولم يسمع لرجائنا ؟!!‬

‫دخلت بخطوات مترددة ‪ ..‬البيت مظلم ‪ ..‬ساكن ‪ ..‬ال حراك فيه مطلقاً ‪ ..‬وال أصوات تب ّدد‬
‫وحشة المكان ‪..‬‬
‫بدأت المخاوف تنتابني‪ 0‬شيئاً فشيئاً ؟‬

‫وعندما فتح الباب الداخلي‪ .. 0‬ركضوا ‪ ..‬فتبعتهم بتردد وتخوف شديد‪ .. 0‬ما نوع الكائن الموجود‬
‫بالداخل ؟!!!‬

‫وفجــأة ‪ ..‬رأيتـه !!!‬

‫شخص قرب موته كثيراً ‪ ..‬ال حراك ‪ ..‬ينام على سرير‪ 0‬وكأنه جثة هامدة ! ‪..‬‬
‫هو ال يتكلم ‪ ..‬ال يتحرك ‪ ..‬ال ينظر ‪ ..‬ال يعلم من دخل إليه ومن خرج ؟!‬
‫ال يفقه‪ 0‬شيئاً ‪ ..‬إنه شبه ميت !!!‬

‫توجهت أنظر فيمن معي ‪ ..‬أي عقول معتوهة يحملون ؟ تهافتوا عليه كالمصروعين ؟! ‪ ..‬ما هذا ؟‬
‫‪..‬‬
‫إنهم يلمسونه ‪ ..‬يتباركون به ‪ ..‬أوه ‪ ..‬حتى النساء يلمسنه ‪ ..‬يقبّلن يديه ورأسه ووجهه !!! ‪..‬‬
‫يمسحون على وجهه الهرم ‪ ..‬رباه ‪ ..‬إنهم‪ 0‬يبكون ! ‪ ..‬بل ينتحبون ؟! ‪..‬‬
‫ودوت صيحاتهم‪ .. !!! 0‬إنهم يلهجون بالدعاء ‪ ..‬لمن له يتوسلون ؟!‬
‫عال بكاؤهم ّ‬
‫أما أنا ‪ ..‬فقد وقفت وحدي ‪ ..‬هائمة على وجهي‪ .. 0‬ماذا حدث‪ 0‬؟ لم كل هذا التبجيل والتعظيم ؟!‬
‫إنه بشر مثلنا ‪ ..‬بل هو أشالء إنسان !!‬
‫وفيما أخذ التفكير مني والتأمل‪ 0‬والتعجب وقتاً طويالً ‪ ..‬إذ بالزوج يقول من بين أدمعة‪ 0‬وشهيقه ‪:‬‬

‫ـ هيا تعـالي‪ 0‬وألمسيه ‪ ..‬فرصتك الذهبية‪ .. 0‬ال يحصل عليها أي كان !‬


‫انظري إلى وجهه ‪ ..‬ونور الصـوفية الظاهر عليه ‪ ..‬يا إلهي‪ 0‬لو تعلمين ماذا‪ 0‬كسبنا وماذا جنينا !!!‬

‫فخاطبت نفسي بتشكك‪: 0‬‬


‫ـ هل كسبوا الجنة مثالً ؟!! ‪ ..‬ربما !! ‪ ..‬لسان حالهم‪ 0‬يجزم بذلك !‬

‫بقيت جامدة‪ 0‬في مكاني ‪ ..‬كيف لي أن أمسك‪ 0‬برجل ؟! حتى وإن كان الموت يتهافت لخطفه ! ‪..‬‬
‫ال ‪ ..‬لن أسمح لنفسي بذلك‪ ! 0‬فأنا أخاف من اهلل ‪ ..‬كفاني‪ 0‬إلى هذا الحد ‪ ..‬كفاني‪.. 0‬‬

‫ثم ‪ ..‬أكرهوني‪ .. 0‬وأجبروني‪ 0‬بغضب وأحرجوني ‪..‬‬


‫فتوقفت أمام هذه البقايا‪ 0‬الهامدة‪ .. 0‬أخاطبها ‪:‬‬
‫أنت على حق ؟!! ‪ ..‬أم أنك خارجة‪ 0‬عن جادة الطريق القويم‪ 0‬؟!!!!!‬‫ـ بم تشعرين‪ 0‬؟!! ‪ ..‬هل ِ‬

‫أمسك الزوج بيدي وهو غارق في البكاء ‪:‬‬


‫ـ هيا سارعي باإلمساك به ‪ ..‬بيديه ‪ ..‬قبّليهما ‪ ..‬قبلّي رأسه ‪ ..‬أمسكي‪ 0‬بجسده وألمسي وجهه !!‬
‫انظري بربك إلى هذا النور واإليمان ‪ ..‬انظري !!!‬

‫نظرت إليهم وقد عكفوا على أقدامه‪ 0‬أذالء صاغرين ‪ ..‬ماذا‪ 0‬جرى لهم ؟ ‪ ..‬قام الزوج بأمري‪ 0‬مرة‬
‫أخرى ‪..‬‬
‫فقمت وبحركة آلية ال شعورية ‪ ..‬ثم بحركة متعمدة ‪ ..‬وسترت‪ 0‬يدي بإدخالها في ثنايا العباءة ‪..‬‬
‫تصنعت تقبيلها حتى ال يفعلوا بي ما ينوون فعله‬
‫ُ‬ ‫وأمسكت بيد الصوفي بطريق غير مباشر ‪ ..‬ثم ‪..‬‬
‫أكثر من ذلك ‪..‬‬

‫تطاير الشرر من عينيه الباكيتين فخفت ! ‪ ..‬وقبض على يديه بقوة كادتا منها أن تتهشم ! ‪..‬‬
‫انتفض جسده رغبة في االنتقام مني ! ‪ ..‬رأيت التقريع والتأنيب يتفجران من أنفاسه !!‬

‫يا إلهي‪ .. ! 0‬ما الخطأ الجديد‪ 0‬الذي ارتكبته ؟! أهو الستر أيضاً ؟! ‪ ..‬ربـاه ما العمل ؟! ‪ ..‬ما العمل‬
‫؟! ‪..‬‬

‫عدنا إلى المنزل وما أن دخلنا من عتبة الباب‪ 0‬حتى انفجر كالبركان قائالً والكل يؤيده ‪:‬‬
‫فعلت ما فعلتيه أيتها الـ ………… ؟ هل تتحدينني ؟!‬ ‫ـ واآلن ! ‪ ..‬لم ِ‬

‫فقلت بهدوء وذهول يطويان الخوف والهلع منه ‪:‬‬


‫ـ وماذا ‪ ..‬وماذا‪ 0‬فعلت ؟ أنا لم أفهم ؟!‬

‫قال حانقاً منفجراً ‪:‬‬


‫ـ لِم لَم تتركي يديك تالمس يديه‪ 0‬الطاهرتين‪ 0‬؟ يديه‪ 0‬الشريفتين‪ 0‬؟ لم ؟ لم ؟ أجيبي !! ‪..‬‬
‫ثم قال مردفاً قبل أن أجيب ‪:‬‬
‫ـ نعم ‪ ..‬لو كان ِ‬
‫أباك أو خالك‪ 0‬أو عمك أو أنا ‪ ..‬لما توانيتي مطلقاً عن تقبيل أيدينا !! صح ؟! ‪..‬‬
‫ولكن هذا الولي الصالح الغوث القطب تضعين بينك وبينه حجاب !! سبحان اهلل !!‬

‫استدرت نحوه قائلة ‪:‬‬


‫ُ‬ ‫وبحركة ال شعورية‬
‫ـ أي غوث وقطب تعني ؟‬

‫رفع رأسه وهو يتقدم نحوي ببطء ‪ ..‬ثم قال بعد صمت ثقيل وبلهجة متلعثمة ‪:‬‬
‫ـ أقصد أن اهلل عندما يريد إنزال أمر ما بالعباد‪ 0‬من غضب أو حكم‪ 0‬يُظلم به الناس ‪ ..‬فإن الغوث‬
‫يغيث هؤالء العباد ويخفف عنهم الحكم ويعد له ‪ ..‬ثم ينزله إلينا ‪ ..‬أو أنه يلطّف بقدرته من قسوة‬
‫وقوة حكم‪ 0‬اهلل علينا ‪ ..‬أفيكون هذا جزاؤه ؟!!‬

‫آه ‪ ..‬ماذا‪ 0‬يقول هذا األرعن ؟! ربـاه ‪ ..‬ما للموازين اختلّت ؟ ‪..‬‬
‫قلت بلهجة مته ّدجة ‪:‬‬
‫ـ ولكن اهلل هو المتحكم بالكون وال سلطة ألحد‪ 0‬سواه عليه !!‬
‫سيطر عليه االرتباك ‪ ..‬ثم قال ‪:‬‬
‫وهـابـين !! ‪ ..‬إن القطب هو أكمل إنسان ‪ ..‬وهو نظر اهلل في األرض ‪ ..‬وفي كل‬
‫ـ تباً لكم من ّ‬
‫زمان !‬
‫عليه تدور أحوال‪ 0‬الخلق ‪ ..‬ويلجأ إليه الملهوف عند حاجته ‪ ..‬أفهمتي ؟!‬

‫قاطعته باعتراض ‪:‬‬


‫ـ ولكن ‪ ..‬إن هذه معتقدات كاألساطير‪ 0‬الخرافية ‪ ..‬أقصد ‪!!! ..‬‬

‫صرخت أمه في وجهي‪ 0‬غاضبة ‪ :‬الويـل لك ! ماذا‪ 0‬تقولين ؟! إنك‪ 0‬حمقـاء !!‬

‫د ّق قلبي بشدة ‪ ..‬فقلت أستحث الكلمات على الخروج ‪:‬‬


‫ـ ولكن ‪ ..‬هذه الصفـات ‪ ..‬تنزع إلى تجريد اهلل ‪ ..‬من ‪ ..‬الربوبية واإللهية‪!! .. 0‬‬

‫قال مدافعاً‪ 0‬وبلهجة حادة ‪:‬‬


‫ـ أال تعلمين أيتها العنيـدة بأن مما أكرم اهلل به هذا القطب أنه علّمه ما قبل وجود الكون ‪ ..‬وما‬
‫وراءه ‪ ..‬وما ال نهاية‪ 0‬له ؟! وأال تعلمين أنه علّمه وخصصه بأسرار اإلحاطة بالغيب ؟ وأنه مكنه من‬
‫إدارة الوجود بيده كيفما شاء ؟!!‬

‫قلت بمرارة وتألم ‪:‬‬


‫ـ كفى ‪ ..‬كفى ‪ ..‬كفى أرجوكم ‪ ..‬ال أريد سماع المزيد‪ .. 0‬ال أريد ‪..‬‬

‫صرخ بأعلى صوته في وجهي‪: 0‬‬


‫ـ بل يجب أن تعلمي كل شي ‪ِ ..‬‬
‫فأنت تعيشين في وهم مع هؤالء الجهلة الضالليين !!‬

‫تقدم أحد اخوته بثقة مفرطة أراد بها أن يزعزع بقايا‪ 0‬مشاعري فقال ‪:‬‬
‫ـ حسناً ‪ ..‬ال تتعجلي األمور ‪ ..‬أنا سأثبت ِ‬
‫لك ‪ ..‬أال تعلمين أن في الوجود ديواناً باطنياً يحكم فيه‬
‫ويصرف أقدار الوجود ؟!‬
‫القطب األكبر بما يشاء ّ‬
‫ُّ‬
‫التفت إليه متعجبة ‪ ..‬فسألته بهدوء ‪:‬‬
‫ـ أي ديوان تعني ؟ وأي أقدار هذه التي تخضع لقدرة غير اهلل ؟! ‪ ..‬إن هذا غير صحيح وال يمكن‬
‫أن …………‪ ..‬قاطعني بهدوء أكثر ‪:‬‬
‫ـ استمعي إلي ‪ ..‬عند الصوفية محكمة عليا يحاكم فيها األقطاب‪ 0‬أقدار اهلل دون أن تستطيع أية‬
‫قدرة إلهية نسخ حكم لها ‪ ..‬فهل تعلمين مكان وجود هذا الديوان ؟ ومن يحضـره ؟!‬

‫صرخت بقلب قد مـأله الوجـل ‪ ..‬فهمت إلى أين يريدون الوصول بي ‪..‬‬
‫ُ‬
‫بتخوف ‪ ..‬انقبض قلبي ‪ ..‬وهن عقلي ‪ ..‬هل أعيش في واقعي ؟ ال أصدق ‪..‬‬
‫نظرت إليه ّ‬
‫ُ‬
‫ساد صمت قاتل فيه انتظار حارق إلجابتي‪ 0‬على السؤال المطروح ‪ ..‬أصبحت ال أميّز شيئاً ‪..‬‬
‫يتفوهون به ‪..‬‬
‫ليطل انتظارهم‪ .. 0‬ارتجفت ‪ ..‬هممت بالدفاع عن نفسي واالحتجاج على ما ّ‬
‫تصورت ما سيفعلونه‪ 0‬بي إن نطقت بخالف ما يعتقدون ‪ ..‬تح ّديتهم ووافقت على مجاراتهم فقلت‬
‫ّ‬
‫بانقباض ‪:‬‬

‫ـ ال ‪ ..‬وال أريد أن ‪..‬‬

‫تدخل الزوج في هذه اللحظة وأجاب‪ 0‬بحماس ظاهر ‪:‬‬


‫ـ إن الديوان في غ ــار ح ــراء ! ‪ ..‬ويحضره النساء ‪ ..‬وبعض األموات‪.. 0‬‬
‫فاألموات حاضرون في الديوان ينزلون من البرزخ يطيرون طيرانـاً بطيران الروح ! ‪ ..‬وتحضره‬
‫المالئكة والجن ‪..‬‬

‫أكملت أمه بفـرح ‪:‬‬

‫ـ ليس هذا فحسب ‪ ..‬ففي بعض األحيان يحضره النبي ‪ ..‬وكل ذلك يكون في الساعة التي ولد‬
‫فيها النبي من كل عام ‪ ..‬أما األنبياء فيحضرونه في ليلة واحدة‪ 0‬هي ليلة القدر ‪ ..‬وتحضره كذلك‬
‫أزواج النبي الطاهرات‪.. 0‬‬
‫ابتسمت ‪ ..‬فظن الجميع بأني‪ 0‬آمنت أخيراً‪ 0‬وأيقنت ‪ ..‬نظروا إلى بعضهم ‪ ..‬توقفوا عن الكالم ‪..‬‬
‫ُ‬
‫انفرجت أساريرهم‪ .. 0‬فقلت أخاطب الجميع ‪:‬‬
‫ـ حقـاً ؟! هل تحضره أزواج النبي الطاهرات ؟!‬

‫ـ أجل ‪ ..‬أجل ‪ ..‬ألم نقل ِ‬


‫لك بأنك ستقتنعين ؟!‬

‫استبشر الجميع ‪ ..‬أخيـ ـ ــراً !!! ‪ ..‬فقلت بعد أن أخفيت تلك االبتسامة عن الوجود ‪:‬‬
‫ـ وهل كانت أزواج النبي الطاهرات‪ 0‬تحضرن هكذا في وسط الرجال ؟! أي هـراء هذا ؟!‬

‫في بنيـران نظراتهم‪ .. 0‬ولكني لم أعد أحتمل ‪ ..‬دعوني وشأني‪.. 0‬‬


‫أطبق الصمت !! ‪ ..‬حملقوا ّ‬
‫دعوني ‪..‬‬

‫وقف الزوج هائجاً بصول ويجول ‪ ..‬يريد‪ 0‬اإلمساك بي ‪ ..‬وإخفائي‪ 0‬عن الدنيا ‪ ..‬فأمسك‪ 0‬به أخوه‬
‫بسرعة ‪..‬‬
‫وفهمت على الفور بأنني ارتكبت في نظرهم خطأ جسيماً في سخريتي من حديثهم‪ .. 0‬ال بأس ‪..‬‬
‫إلى متى هذا الخوف ؟ ‪ ..‬إلى متى هذا التراجع‪ 0‬؟!‬

‫بادرت باالعتذار‪ 0‬فوراً تخفيفاً من وطأة الغضب الجامح ‪:‬‬


‫ـ أنا آسفة ‪ ..‬آسفة ‪ ..‬لم أقصد إغضابك ‪ ..‬ولكنك‪ 0‬فتحت باب النقاش ‪..‬‬
‫أعتذر منك مرة أخرى ‪ ..‬أعتذر ‪ ..‬لم أنتظر المزيد من الجدل ‪ ..‬انطلقت بسرعة ‪ ..‬أخذت أصعد‬
‫السلم ‪ ..‬ال مكان لي هنا ‪ ..‬يجب أن أرحــل ‪!! ..‬‬

‫( ‪ ) 12‬الحلف واالستغاثة‬

‫مضت أيام قالئل بعد النقاش‪ 0‬والصراع ‪ ..‬خ ّفت حدة التوتر قليالً ‪..‬‬
‫ذهبنا جميعاً إلى البحــر في وقت الفجـر ‪ ..‬آه ما أجمـله !! ‪..‬‬
‫كانت النجـوم ما تزال تلمع في كبد السماء ‪ ..‬وأشعة الشمس ‪ ..‬لقد بدأت بالظهور شيئاً فشيئاً‬
‫‪..‬‬

‫دخل الزوج مع اخوته إلى البحـر ‪ ..‬يتــالعبون ‪ ..‬يتمــازحـون ‪ ..‬تذكرت‪ 0‬اخوتي …‪ ..‬؟! كم‬
‫أشتاق إليهم ‪ ..‬ناداني الجميع ألشاركهم المـرح واللعـب في البح ــر ‪ ..‬اعتذرت وعللت بقائي‪0‬‬
‫برغبتي في الجلوس مع والدة الزوج قليالً ‪ ..‬ولكن الرفض كان سببه أني ال أريد كسر طوق‬
‫الجليد مع اخوته ! ‪..‬‬
‫فكيف أوافق على اللعب معهم إذاً ؟!‬

‫بقيت مع والدته‪ .. 0‬استرقت النظر إليها ‪ ..‬إنها تتأمل أبناءها‪.. 0‬‬


‫تذكرت أمي ‪ ..‬اخوتي‪ .. 0‬أبي ‪ ..‬تنهدت‪ 0‬بعمق ‪ ..‬مسحت دمعة‪ 0‬حزينة كادت أن تفتح باباً‪ 0‬ألنهار‬
‫الدمع بداخلي‪ .. 0‬آآه ‪ ..‬عائلتي تعتقد‪ 0‬بأن السعادة ترفرف على أرجاء حياتي !! ‪ ..‬إنها‪ 0‬ال تعلم‬
‫بمعاناتي‪!! 0‬‬

‫ح ّدقت في البحـ ــر ‪ ..‬في الزرقة الممتدة أمامي‪ 0‬بال نهاية ‪ ..‬آآآآآآه ‪ ..‬أشتـ ــاق كثيراً لسمـاع‬
‫أفقت من أحــالمي الجميلة عندما تحركت‬
‫صــوت أمي ‪ ..‬لمداعبات أبي واخوتي‪ .. 0‬أووووه ‪ُ ..‬‬
‫تحركت بحذر ‪ ..‬ثم قلت بابتهاج‪ 0‬مصطنع ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫إلي !!! ‪..‬‬
‫والدة الزوج ونظرت ّ‬

‫ـ خالتي ‪ ..‬هل تريدين أن َّ‬


‫أعد لك بعض الطعام ؟!‬

‫ـ ال …‪ .‬ال أشعر بالجوع اآلن ‪ ..‬شكراً لك ‪ ..‬فقط أريد كوباً من الشاي ‪ ..‬فالطقس يساعد على‬
‫ابتسمت بصدق ‪ ..‬وأحضرت لها كوب الشاي‪ 0‬لتشربه ‪ ..‬إنها‪ 0‬تفضله دائماً من صنع‬
‫ُ‬ ‫االنشراح‪.. 0‬‬
‫يدي ‪..‬‬
‫ناولتها الكوب‪ .. 0‬ح ّذرتها من إمكان وقوعه ‪ ..‬فاألرض غير مستوية ‪..‬‬

‫عبّرت عن امتنانها لي بابتسامة مسرورة ‪ ..‬وقامت بوضعه أمامها‪.. 0‬‬


‫أما أنا فعدت ثانية لتأمل ظهور قرص الشمس كامالً ‪..‬‬
‫تحركت األم وهي تح ّدق في أبنائها‪ 0‬مسرورة ‪ ..‬فانسكب الشاي‪ 0‬على قدمها وأحرقها ‪ ..‬فتمتمت‬
‫قائلة بغضب وهي تحدث نفسها‪: 0‬‬
‫تتوسل بأحد‪ 0‬األموات وتستنجد به !!‬
‫ـ ( يا فالن بن فالن ) ‪ّ ..‬‬

‫علي ‪ ..‬فأدرت ظهري للبحـر وقابلتها مباشرة‪ .. 0‬ثم قلت لها بلطف ‪:‬‬
‫استولى االستياء ّ‬
‫ـ خالتي ‪ ..‬ماذا‪ 0‬تقصدين بـ ( فالن بن فالن ) ! ولم هو بالذات ؟!‬

‫نظرت إلي باستغراب وكأنها لم تكن تنتظر مني مثل هذا السؤال ‪ ..‬ثم قالت بعد صمت وتلعثم ‪:‬‬
‫ـ إنه ‪ ..‬إنه ‪ ..‬أحد أولياء اهلل الصالحين المقربين إلى اهلل ‪ ..‬آه لقد مات منذ زمن بعيد ‪..‬‬
‫نستنجد به ونتوسل إليه ‪ ..‬وهذا أمر واجب ومفروض يا ابنتي ‪..‬‬
‫واجب ديني يجب علينا وعليك أيضاً عمله !!‬

‫قت بها ‪ ..‬شككت‪ 0‬في صحة معلوماتها‪ 0‬فقلت ‪:‬‬


‫ح ّد ُ‬
‫ـ ولكنك كما ِ‬
‫قلت مات !! فماذا تطلبين من ميت أو ترجين‪ 0‬منه يا خالتي ؟!!!!!!!‬

‫ضمت يديها‪ 0‬وقالت بتعجرف ‪:‬‬


‫شعرت بأنها‪ 0‬تأخذ نفساً عميقاً ‪ّ ..‬‬
‫ـ ولكن روحه تخرج إلينا ‪ ..‬وتساعدنا‪ 0‬وتجيب ملهوفنا ‪ ..‬لذلك‪ 0‬نطلب منه ومن غيره من أولياء اهلل‬
‫ما نريد‪! 0‬‬

‫ـ تطلبون منه ما تريدون ؟!! ‪ ..‬مثل ماذا ؟‬

‫ـ مثل ‪ ..‬مثل ‪ ..‬الرزق ‪ ..‬األوالد‪ .. 0‬الزواج ‪ ..‬النجاح ‪ ..‬الشفاء‪ 0‬من األمراض واألوجاع ‪..‬‬

‫حبست أنفاسي‪ 0‬في مكان ما حول قلبي الذي كان يطرق بقوة وعنف ‪ ..‬هناك صوت صغير‬
‫ُ‬
‫بداخلي‪ 0‬قد يئس منهم يهتف بي بقوة بأن هذه حقائق زائفة ‪ ..‬وال يهمني سماعها ‪..‬‬

‫أال يجب أن تكون أكثر عقالنية في مثل هذه السن ؟ ‪ ..‬قلت بقلـق ‪:‬‬
‫ِ‬
‫أرجوك ‪ ..‬حسناً لنتبادل وجهات‪ 0‬النظر ونؤيد أصحها ‪..‬‬ ‫ـ خالتي الحبيبة ‪ ..‬فكري معي قليالً ‪..‬‬
‫أال ترين معي أن سؤال الميت أو الغائب‪ 0‬يعد منكراً لنفوسنا ؟ ‪ ..‬ال نرتضيه ألنفسنا‪ !! 0‬ثم إنه لم‬
‫يأمر به اهلل ورسوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ..‬وال فعله أحد من الصحابة أو التابعين ‪ ..‬فكيف نفعله‬
‫نحن ؟‬

‫قاطعتني بجدية وهي تؤمن بكلمة تقولها ‪:‬‬


‫ـ أووووه ‪ ..‬ماذا‪ 0‬تقولين ؟ ما هذا الهراء ؟! ‪ ..‬إننا قد تعودنا أن نستغيث بهم إذا نزلت بنا ترة أو‬
‫عرضت لنا حاجة ! ‪ ..‬إني‪ 0‬أقول لميت من األولياء ( يا سيدي فالن بن فالن ) أنا في حسبك أو‬
‫ِ‬
‫اقض لنا حاجتنا‪ .. 0‬وسرعان ما يقضيها ‪..‬‬

‫تجهم وجهي‪ 0‬على الفور فقلت بغيظ كظيم ‪:‬‬


‫ّ‬
‫ـ ولكن أحداً من الصحابة لم يستغث بالنبي صلى اهلل عليه وسلم بعد موته ( وهو نبي ) !!‬
‫وال بأحد‪ 0‬من األنبياء أو بغيرهم ‪ ..‬واالستغاثة‪ 0‬بغير اهلل عز وجل محرمة ‪..‬‬

‫فقدت أعصابها عند سماع كلماتي ‪ ..‬فلم تجد بداً من اإلدالء‪ 0‬بدليل تحاول به تشويه الواقع ‪:‬‬
‫ست سنوات أن يرزقه‬
‫ـ لن أقتنع ‪ ..‬هالّ علمتي بأن أحد أئمة الصوفية العظماء كان قد دعا اهلل ّ‬
‫الولد ‪ ..‬فلم يُرزق !! فذهب إلى ولي صالح ‪ ..‬فما أن استغاث به وطلب منه الولد حتى ُرزق‬
‫بطفلين توأمين !!!!!!!!!!!!!!!!!!‪0‬‬

‫حملقت فيها بعيني ‪ ..‬شعرت‪ 0‬بأن لمعات البرق تكاد أن تمزق السماء ! ‪ ..‬شحب وجهي ‪ ..‬ال‬
‫حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم ‪ ..‬هل بعد هذا الشرك من شرك ؟!‬

‫وبحركة ال شعورية ‪ ..‬تابعت قولها وهي ترتعد‪ 0‬غضباً مني ‪ ..‬وأنفاسها تتمزق ‪..‬‬
‫ـ أال تصدقين ؟! حسناً ‪ ..‬بجاه فالن وفالن ‪ ..‬وبحق النبي ‪ ..‬أن هذا ما حدث له !! ولكن ما‬
‫ِ‬
‫أدراك أنت ؟!! ‪ ..‬إن تربيتك الدينية‪ 0‬كانت غير سليمة ‪ ..‬أعانك اهلل عليها يا بني !!!!!!!‬

‫امتقع وجهي‪ 0‬فأصبح كالغمام ‪ ..‬طالت فترة الصمت ‪ ..‬وساد صمت آخر ‪ ..‬إنها‪ 0‬تحلف !! بمن ؟‬
‫أيضاً بغير اهلل !!‬
‫ـ خالتي ‪ ..‬خالتي‪ 0‬نحن نتجاذب أطراف الحديث !! ‪ ..‬يجب أن تُقنع إحدانا‪ 0‬األخرى ‪ ..‬كيف ‪..‬‬
‫كيف تدعين وتستغيثين بغير اهلل ؟! ‪..‬‬
‫خالتي إنك تفتقرين إلى غير اهلل ‪ ..‬أال تعلمين أن في ذلك إذالل‪ 0‬للنفس وظلم لها ؟ ثم ‪ ..‬ثم ‪..‬‬
‫إنك تحلفين أيضاً بغير اهلل ‪ ..‬خالتي‪..…… 0‬‬

‫رفعت حاجبها‪ 0‬باستغراب بسرعة ‪ ..‬ترددت‪ 0‬قليالً قبل أن تجيب ‪:‬‬


‫ـ كوني على ثقة ويقين بأنك‪ 0‬عندما تطلبين اليمين باهلل منا نحن الصوفيون فإننا نعطيك ما تريدين‪0‬‬
‫صدقاً أو كذباً ‪ ..‬بينما ‪ ..‬عندما تطلبين منا اليمين بالشيخ أو الولي أو صاحب القبر فإننا نصدق‬
‫معك وال نجرؤ على الكذب أبداً‪ .. 0‬وذلك لعظمتهم وجاللة قدرهم ‪!!!! ..‬‬

‫تملكتني موجة من الغضب واالنفعال الالإرادي ‪..‬‬


‫فهتفت وأنا أقف وأجمع حاجياتي رغبة في الهروب منها ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ـ ولكن هذا ال يجوز !! حرام أن تسألي بمخلوق يا خالتي‪ !! 0‬عودي إلى رشدك يا خالتي‪.. 0‬‬
‫افهميني أرجوك ! ‪ ..‬ألم تسمعي قوله تعالى " ادعوني أستجب لكم " ؟ ‪..‬‬
‫ألم تستمعي إلى قول المصطفى صلى اهلل عليه وسلم " من حلف بغير اهلل فقد أشرك " ؟!!‬

‫لم ترد ‪ ..‬لم تتحدث !! فضلت السكوت‪ 0‬للحظات ‪ ..‬لقد بلغ الصمت حداً يثير األعصاب !! ال‬
‫طيور تزقزق !‬
‫وال أوراق تهتز مع نسيم الريح الخفيف ‪ ..‬حتى صوت البحر بدا مكتوماً !!‬

‫قلت لها قبل أن أفترق عنها بلطف ورجاء ‪:‬‬


‫ـ خالتي ‪ ..‬لقد شاهدت قبل قليل والدة لنهار جديد ‪ ..‬وأعتقد أنه باستطاعة المرء أن يُولد مرة‬
‫أخرى ‪ ..‬إذا فتح صفحة جديدة‪ .. 0‬ناسياً كل األمور واألحداث الماضية !!‬

‫خففت لهجتي الهادئة من اضطرابها وغضبها ‪ ..‬فنقلت نظرها إلى البحر ‪ ..‬خلفي ‪ ..‬واعتقدت أنها‪0‬‬
‫تتأمله !!!‬
‫قالت بدون أن تنظر إلي ‪ ..‬وقد ر ّكزت نظرها خلفي‪: 0‬‬
‫ـ إنها فكرة جيدة لم تخطر ببالي‪ 0‬يوماً ولكن ‪ ..‬ال تظني بأنها‪ 0‬ممكنة !!‬

‫تنهدت‪ 0‬بأسى من األعماق ‪ ..‬وبحركة ال شعورية ‪ ..‬التفت إلى الوراء‬


‫شعرت بخيبة أمـل عنيفة ‪ّ ..‬‬
‫‪ ..‬خلفي ‪ ..‬حيث كانت نظراتها‪ 0‬مسلّطة ‪ ..‬وإذا بي أجده‪ 0‬ورائي ‪ ..‬وقد بدت عليه إمارات‪ 0‬الغضب‬
‫الشديد‪!!!!!!!!! 0‬‬
‫نعم ( لقد كانت والدته‪ 0‬تنظر إليه هو ولم تكن تتأمل البحـر ) !!‬

‫تخوفاً ‪ ..‬فلم أجد الكلمات المناسبة‪0‬‬


‫وتحجر قلبي ّ‬
‫ّ‬ ‫اكتفيت بالنظر إليه وقد اتسعت عيناي تعجباً‬
‫للدفاع ‪!! ..‬‬
‫ضلت الصمت ‪ ..‬منذ متى وهو يقف خلفي‪ 0‬؟!‬
‫فّ‬
‫شعرت بالوهن‪ 0‬الشديد‪ 0‬أمام نظراته‪ 0‬التي كانت تنم عن حقد دفين وقهر شديد !!‬

‫( ‪ ) 13‬العودة المفاجئة‪ 0‬من الرحلة !‬

‫وقف س‪00‬اكناً وقد اختفت من وجهه كل آث‪00‬ار الس‪00‬رور الس‪00‬ابقة ‪ ..‬تق‪00‬ارب حاجب‪00‬اه وهو يتق‪00‬دم نح‪00‬وي‬
‫غاض‪00‬باً ‪ ..‬لقد س‪00‬مع الح‪00‬ديث بأكمله !! أما اآلن ‪ ..‬فأنا في نظ‪00‬ره أس‪00‬تحق القتل والصلـب والسحـق‬
‫!!‬

‫فقدت القدرة على الصمود والتحمل أمام غضبه‬


‫ُ‬ ‫رفع يده بقوة وهوى بها على وجهي بقوة أشد ‪..‬‬
‫استجمعت كل قواي ألتمكن من الثبات واقفة على األرض ‪ ..‬فأخفقت !! وقعت‬
‫ُ‬ ‫الجامح !! ‪..‬‬
‫أرضاً ‪ ..‬جثوت على ركبتي أستجمع ما بقي من قوتي ‪ ..‬ثم أجهشت ببكـاء مرير يتبعه أنين مؤلم‬
‫‪ ..‬القيت صعوبة في إدراك ما يدور حولي من شدة األلم ‪..‬‬

‫تجسد نظراتهم الشفقة أم‬


‫انسحب بدون أن ينطق بكلمة واحدة ‪ ..‬الجميع ينظر إلي !! ‪ ..‬هل ّ‬
‫تصور انتصاراً لمذهبهم ودحراً‪ 0‬لسنتي ؟!!!!‬
‫التش ّفي ؟ ‪ ..‬أم تُراها ّ‬
‫أمر الجميع بجمع األمتعة وأعلن لهم عن قطع رحلتهم الممتعة واإلسراع الفوري باالستعداد‬
‫وقفت أترنح‬
‫ُ‬ ‫للعودة ! ‪ ..‬فأطاعوه !! ‪ ..‬عاد إلي مرة أخرى ‪ ..‬أمرني‪ 0‬بالوقوف ‪ ..‬فشلت ‪ ..‬ثم‬
‫!! ‪..‬‬
‫أمسـك بيدي بكل قوته وش ّدني‪ 0‬نحو إحدى‪ 0‬الغرف القريبة‪ 0‬من البحـر ‪..‬‬
‫حبس الجميع أنفاسهم ‪ ..‬وسرت‪ 0‬قشعريرة مريرة‪ 0‬في جسدي ! ‪ ..‬اعتراني‪ 0‬توتر يحمل تحذيراً‬
‫خافتاً ‪ ..‬كنت أعلم أنه يجب علي أن أمتثل له ‪ ..‬ولكني لم أشأ ذلك !!!‬

‫أمرني‪ 0‬بالجلوس ‪ ..‬فجلست فوق إحدى‪ 0‬المقاعـد ‪ ..‬وضعت يدي على ركبتي كطفلة دون أن‬
‫وتصرف معي تصرفاً مجرداً‬
‫أنبس بكلمة ! ‪ ..‬فأخذ هو يزرع الغرفة‪ 0‬ذهاباً وإياباً‪ .. 0‬لقد ثار علي ّ‬
‫من اإلنسانية‪ 0‬والرحمة !! ‪ ..‬ولكني‪ 0‬واثقة من أن ذلك لن يغيّر شيئاً من موقفي ! ‪ ..‬فخططهم‬
‫واضحة ‪ ..‬ومفهومة ‪ ..‬إنهم‪ 0‬يحاولون بكل الطرق معاقبتي على تمسكي بسنتي !‬

‫لم يجرؤ على الحديث معي مع أنه احترق لمعرفة ما يجول في ذهني من أفكار تجاهه !‬

‫نظر إلي بقلق عندما طال صمتي ‪ ..‬وبنوع من االرتباك صرخ قائالً وأنا أرتجف من حدة صوته ‪:‬‬
‫ألعملن على تغيير هذه األفكار الضالة‪ 0‬التافهة ! وأر ّدك إلى صوابك !! ‪..‬‬
‫ّ‬ ‫ـ واهلل‬
‫ضبطت نفسي وقلت بشكل حازم دون أن أنظر إليه ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ـ ولكنها ليست باألفكار التافهة ‪ ..‬وأنت تعلم ذلك جيداً ‪ ..‬إنها الحقائق‪ 0‬التي ال يريد‪ 0‬أحد سماعها‬
‫‪..‬‬

‫هزني بعنف قائالً ‪:‬‬


‫ّ‬

‫ـ أوالً من األدب‪ 0‬أن تنظري إلي عندما أوجه ِ‬


‫إليك الحديث !!‬
‫ثانياً ‪ :‬أي حقائق هذه التي تتشدقين بها ؟ ‪ ..‬هل تقصدين حقائق العته‪ 0‬والضالل ؟ حقائق‪ 0‬الجنون ؟‬
‫‪..‬‬
‫ِ‬
‫أرجوك هالّ أسديتي‪ 0‬إلي‬ ‫أرجوك ‪ ..‬كفى ‪ ..‬إلى متى سنظل مختلفين في هذه األمور ؟!!!!! ‪..‬‬
‫معروفاً ؟ هالّ ………‪..‬‬
‫قاطعته بحزن وتوسل وقد أصابني ما أصابني من الهذيان‪ 0‬واليأس ‪:‬‬

‫ـ بل أرجوك أنت أن تسدي إلي معروفاً ‪ ..‬أرجوك ‪ ..‬ابق بعيداً عني أنت وأهلك !‬
‫نحن ال نتفق إطالقاً اتركني ‪ ..‬وما دمنا نختلف دوماً كما تقول ‪ ..‬فلماذا ال تتركني أذهب من‬
‫حيث أتيت ؟!‬
‫لماذا تحتفظ بحطامي ؟! ‪ ..‬لماذا ونحن متناقضان في كل شيء ؟! ‪ ..‬لماذا ؟ ‪ ..‬ال أريد البقاء‬
‫وضعت رأسي بين يدي ‪ ..‬أجمع دمعاتي‪0‬‬
‫ُ‬ ‫معك أرجوك ‪ ..‬لقد تعبت ‪ ..‬تعبت ‪ ..‬تعبت ‪ ..‬ثم‬
‫الملتهبة ‪..‬‬

‫ربـاه ‪ ..‬ربـاه ‪ ..‬لم أعد أستطيع أن أقاوم ‪ ..‬أريد الخالص ‪ ..‬أصابني اليأس والهالك يا اهلل ‪..‬‬
‫ارحمني يا رب ‪..‬‬

‫سيطر عليه االرتباك فقال ‪:‬‬

‫ـ ِ‬
‫إنك ‪ ..‬إنك تحاولين اختالق األعذار من أجل تبرير تصرفاتك ‪ ..‬ال داعي لتحميلي مسئولية‬
‫تهورك وعنادك اآلن ‪ ..‬أنا ال أسيء إليك وال أريد إيذاءك ‪ ..‬أنت السبب ‪ ..‬إنك‪ 0‬ال تؤمنين مطلقاً‬
‫بما أقوله لك وال تصدقين ؟! ‪ ..‬أخاف أن تكوني‪ 0‬من الهالكين‪ 0‬؟!!!!!‬

‫أغمضت عيني ‪ ..‬تذكرت‪ 0‬قول اهلل تعالى‪ ( 0‬ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار *‬
‫تدعونني ألكفر باهلل وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار‪ * 0‬ال جرم أنما‬
‫تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا وال في اآلخرة‪ 0‬وأن مردنا إلى اهلل وأن المسرفين هم أصحاب‬
‫النار * فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى اهلل إن اهلل بصير بالعباد‪) 0‬‬

‫خاطبت نفسي وأنا أراهم‪ 0‬يتهامسون ‪ ..‬ستظلّون يا ضحايا الصوفية ُعمي البصائر والقلوب ‪..‬‬
‫مختوماً على سمعكم فال تسمعون من أحد كلمة حق تجادل باطالً صوفياً !!!!‬
‫عدنا إلى المنزل المشؤوم ‪ ..‬جلست على األريكة ‪ ..‬أفكر في حياتي ‪ ..‬في مصيري ‪ ..‬يا رب ‪..‬‬
‫بخطى وئيدة نحو المرآة ‪ ..‬نظرت إلى نفسي‪ 0‬فيها‬
‫ً‬ ‫إن مع العسر يسرا ‪ ..‬وقفت أتهاوى‪ .. 0‬مشيت‬
‫‪ ..‬ال أكاد أصدق عيني !! لقد طرأ تغيير كبير علي !! ‪..‬‬
‫ارتميت على الفراش ‪ ..‬أخذت أنفاسي‪ 0‬تنتظم ‪ ..‬ومشاعري تهدأ‪ .. 0‬وقلبي يسكن‪ .. 0‬ثـم ‪..‬‬

‫( ‪ ) 14‬مراسم المولد‪ 0‬النبوي الشريف‪0‬‬

‫طُرق البـاب‪ .. 0‬استدرت نحوه بعينين أثقلهما النوم ‪ ..‬قلت بإعياء ‪:‬‬

‫ـ من الطـارق ؟!‬

‫نظرت إلى الحائط ‪ ..‬الساعة‪ 0‬الثانية عشر‬


‫ُ‬ ‫سمعت صوت أخت الزوج تستأذن بالدخول‪.. 0‬‬
‫والنصف ظهراً ‪..‬‬
‫ساعتان مضتا منذ أن عدنا من البحر ‪ ..‬حلّقت أفكاري حول ما حدث‪ 0‬اليوم ‪..‬‬

‫وثبت واقفة وأدرت مفتاح الباب‪ 0‬وقلت لها بإرهاق ‪:‬‬


‫طرق الباب‪ 0‬مرة أخرى ‪ ..‬أووه تذكرت !! ُ‬
‫ـ تفضلي ‪ ..‬عذراً ‪ ..‬كنت نائمة ‪..‬‬

‫قالت بصوت ينم عن بهجتها الخفية ‪:‬‬


‫ـ هل ‪ ..‬هل ستذهبين‪ 0‬معنا اليوم ؟!!‬

‫ترددت برهة‪ 0‬ثم ابتسمت وأنا أسألها بفضول ‪:‬‬


‫ـ إلى أين ؟ هل سنتنزه قليالً مثالً ؟ أشعر‪ 0‬بالضجر !‬

‫قالت بمكـر ‪:‬‬


‫ـ ال أعلم ‪ ..‬ال أعلم ‪ ..‬ألم ‪ ..‬ألم يخبرك زوجك عن ذهابنا اليوم ؟‬
‫أحسست بانقباض في صدري ال أعرف له سبباً ‪:‬‬
‫ـ ال يا عزيزتي ‪ ..‬حتى اآلن لم يخبرني أحد إلى أين سنذهب ! أال تعلمين !!!!!‬

‫بعد تردد أجابـت ‪:‬‬


‫ـ ال أعلم ‪ ..‬أقصد ‪ ..‬حسناً ِ‬
‫أراك فيما بعد ‪ ..‬سوف ‪ ..‬حسناً أعتقد أن والدتي تناديني‪ .. 0‬باإلذن ‪..‬‬
‫!!!!‬

‫ما بها ؟ ‪ ..‬لم هي مرتبكة ؟ ‪ ..‬ال يهم أشعر‪ 0‬برغبة في االستلقاء وأخذ قسط من الراحة بعد القراءة‪0‬‬
‫‪ ..‬قرأت قليالً ‪ ..‬ثم أعدت وضع كتبي في الدرج الخاص بي ‪ ..‬وفيما أنا أفعل ‪ ..‬دخل الزوج ‪:‬‬

‫ـ ماذا تفعلين ؟! ألم تنامي بعد ؟!‬


‫ـ سأفعل ‪ ..‬فضلت قراءة بعض الكتب ‪ ..‬سآخذ‪ 0‬قسطاً من الراحة اآلن ‪..‬‬

‫ـ قراءة بعض الكتب ؟! ‪ ..‬أي كتب تقصدين‪ 0‬؟!!‬


‫نهض من مكانه‪ 0‬وشعرت بأنه‪ 0‬يفضل اإلطالع على الكتب بنفسه ‪ ..‬لم أمانع ‪ ..‬من حقه أن يراها‪! 0‬‬

‫فتح الدرج ‪ ..‬أخرج الكتب ‪ ..‬امتقع وجهه وهو يقرأ‪ 0‬العناوين‪ 0‬بصوت خافت ‪:‬‬
‫ـ الكلم الطيب البن تيمية ‪ ..‬األذكار للنووي ‪ ..‬جالء األفهام في الصالة والسالم على خير األنام‬
‫البن القيم ‪ ..‬الشفا‪ 0‬بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض ‪ ..‬فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪..‬‬
‫رسالة لسماحة‪ 0‬الشيخ عبد العزيز بن باز في حكم االحتفال‪ 0‬بالمولد ……‬

‫يتأجج غضباً ‪:‬‬


‫صاح بي قائالً وصدره ّ‬
‫ـ من أين جاءت هذه الكتب ؟!!‬

‫ـ جئت بها من منزل عائلتي ‪ ..‬ما بك ؟!!!!‬

‫اعترض على وجودها معي بإصرار ‪:‬‬


‫ـ كان يجدر بك استشارتي‪ 0‬في قراءة هذه الكتب السخيفة !!‬
‫ألقى نظرة إلى الكتب مرة أخرى وأضاف حانقاً وهو يلقي بها أرضا ‪:‬‬
‫ـ كان بإمكاني أن أختار لك الكتب التي يجب عليك قراءتها والتدبر فيها …‪!! ..‬‬

‫إنه يتضايق كثيراً عندما أبدي اهتماماً بالغاً‪ 0‬بالكتب والمطالعة !!!!!!‬

‫كرر حديثه مرة أخرى وقال بإصرار ‪:‬‬


‫ـ ال أريد أن أرى هذه الكتب في الحجرة وال في البيت بأكمله ! ‪ ..‬أنا سآتي‪ 0‬لك بالكتب التي‬
‫أرغب في قراءتك لها !‬

‫ابتسمت لهذه الفكرة‪ 0‬وأجبت ‪:‬‬


‫ُ‬
‫ـ ولكن ال أظن بأننا‪ 0‬نفضل نوعية الكتب نفسها ‪ ..‬أليس كذلك ؟!‬

‫لم يجد أي تعليق يضيفه على كالمي سوى ‪:‬‬


‫ـ لن تقرأي‪ 0‬هذه الكتب مرة أخرى ‪ ..‬هذا أمر ‪ ..‬ال أريد تكرار الكـالم ‪ ..‬تخلّصي منها بأسرع‬
‫وتحجـر معتقداتك !!!‬
‫ّ‬ ‫وقت ‪ ..‬فهذه الكتب هي التي تغسل أفكارك ‪..‬‬

‫آه ‪ ..‬ال مجال للمناقشة ‪ ..‬ال أريد الدخول في حلقة مفرغة جديدة ‪ ..‬لن أنازعه ‪ ..‬قلت باستسالم‬
‫‪:‬‬
‫ـ حسناً ‪ ..‬لك ما تريد‪ .. 0‬سأحرقها‪ 0‬إن أردت !!!‬
‫رأيت ومضياً راقصاً في عينيه !!‬

‫استيقظت على صوت آذان العصر ‪ ..‬ما زالت الكتب في مكانها !! ‪ ..‬أخذتها‪ 0‬بسرعة ‪ ..‬خبأتها‪0‬‬
‫ُ‬
‫تحت السرير‪ .. 0‬في مكان لن يراها فيه !‬
‫أيقظته ‪ ..‬قام كالملدوغ وهو ينظر إلى الساعة !! ‪ ..‬ما باله‪ 0‬؟! ‪ ..‬هل خاف أن تفوته صالة العصر‬
‫في المسجد ؟! ‪ ..‬مستحيل !!!!!! ‪ ..‬لم أسأله‪… 0‬‬

‫قال لي وعيناه ما تزاالن مغمضتين ‪:‬‬


‫ـ هيا بسرعة ‪ ..‬استعدي‪ 0‬سنذهب بعد نصف ساعة ‪ ..‬ال تعتذري عن الذهاب ‪ ..‬ال أريد اعتراضات‬
‫! ‪ ..‬بسرعة سأذهب إلى أمي ألستحثها على االستعداد‪ 0‬بسرعة ‪ ..‬أمامـك‪ 0‬متسع من الوقت ‪ ..‬تزيني‪0‬‬
‫بأفضل المالبس !!!! ‪ ..‬ثم ‪ ..‬خرج ‪..‬‬
‫ماذا يقصـد ؟ ‪ ..‬لم يخبرني أحد بأن هناك وليمة أو حفلة زفاف !!!‬

‫عـ ــاد ‪..‬‬

‫ـ هل أنت جاهزة ؟‬
‫ـ تقريباً ! ‪ ..‬ولكن أريد أن أصلي العصر أوالً ‪ ..‬انتظر ‪..‬‬

‫قال وكأنه قد تذكر شيئاً مهماً …‬


‫ـ آه …‪ ..‬نسيت أن أصلي !! هيا سأصلي أمامك ‪ ..‬تراجعي‪ 0‬إلى الخلف ‪..‬‬
‫قلت في نفسي ‪ ( :‬أين الصالة في المسجد ؟ لماذا ال تلبّي داعي اهلل إلى المسجد ‪ ..‬واحسرتاه‪0‬‬
‫!!!! ) ‪.‬‬

‫التفت إلي قبل أن يكبّـر وقال ‪:‬‬


‫ـ هيا ‪ ..‬اجهري‪ 0‬بنية الصالة ‪ ..‬وبصوت مسموع ‪ ..‬كي أسمعـك ‪ ..‬ر ّددي خلفي ‪ ..‬نويت أن‬
‫أصلي هلل تعالى أربع ركعات لصالة العصر إماماً‪.. 0‬‬

‫ثم سكت ‪ ..‬رفعت حاجبي استغراباً‪ .. 0‬وذهلت ! التفت مرة أخرى إلي وقال ‪:‬‬
‫ـ ما بالك‪ 0‬؟! ‪ ..‬ألم تستمعي إلى قولي ؟!‬

‫قلت مذهولة‪: 0‬‬


‫ـ بلى !! ‪ ..‬ولكن الجهر بالنية والتلفظ بها ………‬

‫قاطعني بغضب ‪:‬‬


‫رددي ما قلته ‪ ..‬أال تسمعين ؟!‬
‫ـ سنــة !! وليس بدعة كما تعتقدين‪ .. 0‬هيا ّ‬
‫ـ ولكني نويتها في قلبي مثلما نويت الوضوء الذي قبلها وهذا يكفي ! ‪..‬‬

‫ضرب ك ّفيه ببعضهما في نفاذ‪ 0‬صبر وقال ‪:‬‬


‫وهـابـيـن ‪ ..‬كل‬
‫ـ وماذا بعد ؟ ‪ ..‬قلت لك تلفظي واآلن أمامي‪ .. 0‬أريد أن أسمع ‪ ..‬تبـاً لكم من ّ‬
‫مستقيم تجعلونه أعوجـاً !! ‪ ..‬هيا انطقي‪ 0‬بها ‪..‬‬

‫نطقت بها مكرهة ! ‪ ..‬فتظاهرت بالصالة معه ‪ ..‬وقد كنت أصلي بمفردي ‪ ..‬آه ‪ ..‬لقد شككت‪0‬‬
‫حتى في صالتي ‪ ..‬وهي ما أشعر فيها بالراحة والسعادة !!!‬

‫أنهينا الصالة ‪ ..‬وعند التسليم الحظت كفيه يتحركـان يمنة ويسرة ‪ ..‬ما باله ؟ لماذا يحركها مع‬
‫فامتنعت ‪ ..‬ال أريد المزيد‪ 0‬من الجدل ‪ ..‬تظاهرت بالتسليم‪ 0‬معه حتى‬
‫ُ‬ ‫التسليمة ؟ ‪ ..‬أردت السؤال‬
‫ال يقيم غضبه الدنيا‪ .. 0‬فأنا لم أعد أحتمل ‪ ..‬كفاني‪ .. 0‬قلت ‪:‬‬

‫ألن تخبرني إلى مكان ذهابنا ؟‬

‫ـ ستعرفين فيما بعد ‪ ..‬ال نريد‪ 0‬التأخر ‪ ..‬بقيت لنا عشر دقائق فقط ‪ ..‬أين مالبسي ؟‬
‫ـ جاهـزة ‪ ..‬ولكن أرجوك أخبرني ‪ ..‬إلى‪ 0‬أين ؟ ال أعرف لماذا أنا غير مطمئنة ‪! ..‬‬

‫تمالك نفسه وأراد الخروج فأوقفته ‪:‬‬


‫ـ انتظر أرجوك ‪ ..‬أخبرني أوالً ‪ ..‬إلى‪ 0‬أين ؟! إلى‪ 0‬أين ؟!‬

‫أجاب وهو يبتعد خارجاً‪ 0‬من الغرفة‪: 0‬‬


‫ـ سنذهب إلى مكان يقام فيه مولد نبوي ‪ ..‬هل اطمأننتي ؟‬

‫أوقفته مرة أخرى ‪ ..‬نظرت إليه بتشكك‪ 0‬ووجل ‪:‬‬


‫ـ مولد نبوي ؟! ‪ ..‬ماذا تعني بذلك‪ 0‬؟!!!‬
‫ـ لن أخبرك سترين‪ 0‬بنفسك ‪ ..‬ستسعدين بحضوره ‪ ..‬واآلن هيا حتى أغلق الحجرة ‪ ..‬تقدمي ‪..‬‬
‫أغلق الحجرة ‪ ..‬هرول هابطاً‪ 0‬قبلي إلى الدور السفلي‪ .. 0‬فكرت في كلماته ملياً ‪ ..‬ماذا‪ 0‬يقصد ؟‬
‫هبطت الساللم ببطء شديد‪ .. ! 0‬هل لهذه المناسبة ارتباط بمعتقدات الصوفية ؟!! ‪ ..‬لماذا ال يريد‬
‫إخباري ؟ ‪ ..‬هناك شيء ما أجهله‪!! 0‬‬

‫قابلت أمه في البهو ‪ ..‬إنها بكامل زينتها ‪ ..‬وكذلك أخته !! نظراتها‪ 0‬شاردة ‪ ..‬ال تريد‪ 0‬أن تلتقي‬
‫بنظراتي المرتابة !! ‪ ..‬لماذا ؟!‬

‫قالت األم البنتها بلطف وهي تتأملها‪: 0‬‬


‫ِ‬
‫أخذت معك كل الكتب المطلوبة ؟‬ ‫ـ إنك جميلة يا ابنتي بهذا الثوب ‪ ..‬هل‬

‫أجابت ابنتها وقد أشرق وجهها بابتسامة تنم عن فرحها بحضور هذه المناسبة‪: 0‬‬
‫ـ نعم يا أمي ‪ ..‬كل شي جاهز‪ .. 0‬كتاب دالئل‪ 0‬الخيرات ‪ ..‬والبردة‪ .. 0‬وكتاب الغزالي‪ .. 0‬ومجالس‬
‫العرائس‪ .. 0‬وكذلك أخذت معي ‪ ..‬الدفـوف ‪ ..‬والمزامير‪ .. 0‬ال تخافي ‪ ..‬لم أنس شيئاً أمي !!‬

‫قلت في نفسي ‪:‬‬


‫عم تتحدثان ؟! ‪ ..‬كتبهم الدينية مع دفوف ومزامير ؟! ‪ ..‬ما هذا التناقض ؟!!!!! ‪..‬‬
‫ـ عجباً ‪ّ ..‬‬
‫تذكرت بسرعة ما تحتويه تلك الكتب من زيغ وضالل ‪ ..‬عرفت إذاً أن ذهابنا لشيء ما غير‬
‫سوي !!! ‪..‬‬
‫ال أريد الذهاب‪ .. 0‬ولكن ستقلب الدنيا‪ 0‬إن رفضت !!‬

‫واجهته قبل خروجه‪ 0‬من المنزل ‪ ..‬وقلت له متوسلة ‪:‬‬


‫ـ أرجوك ‪ ..‬ال أريد الذهاب‪ .. 0‬أرجوك ‪ ..‬اذهب أنت وعائلتك ‪ ..‬سوف أنتظركم هاهنا ! ‪..‬‬
‫أتركوني فأنا لن أستطيع الذهاب‪ .. 0‬اذهبوا أنتم إلى أي مكان ترغبون !‬

‫ابتسم ابتسامة‪ 0‬ماكـرة تحمل ألوان الدهاء والخبث ‪:‬‬


‫ـ أال تريدين‪ 0‬الذهاب معنا يا عزيزتي ؟!! ‪ ..‬حسناً ‪..‬‬

‫صدقته وقد امتأل قلبي بالفرح ‪ ..‬أخيراً‪ 0‬فهم ؟!! أحسست بأني أطير في السماء من شدة الفرح‬
‫والحبور ‪ ..‬ولكن لألسف ‪ ..‬وئدت تلك الفرحة للتو فلم تعرف النور !!!‬
‫كز على أسنانه‪ 0‬بقوة ‪ ..‬ونطقت عيناه بالوعيد الذي عهدته لهما ‪ ..‬واحمـر وجهه غضباً ‪ ..‬وشعرت‪0‬‬
‫ّ‬
‫بحرارة أنفاسه الساخطة وهو يهمس بصوت يرعـد ‪:‬‬
‫ـ لن أطيل الصبر في السيارة !! ‪ ..‬بسرعة تقدمي‪ 0‬قبل أن أفقد صبري معك !!!!!!!!!!!!!‬

‫آه …‪ .‬ال مجال أيضاً للمراوغة ‪ ..‬اضطررت للذهاب‪ .. 0‬كم رجوتهم بأن يتركوني ‪ ..‬لهم دينهم‬
‫ولي ديني ‪ ..‬ال فائدة ‪ ..‬ذهبت معهم ‪..‬‬
‫دخلنا في حـارة ضيقة مفتوحة الطرفين ‪ ..‬متعرجة ‪ ..‬طويلة ‪ ..‬مضاءة ‪ ..‬ذات طابع خاص ‪ ..‬أهم‬
‫ما فيها الهدوء والنظافة ‪..‬‬
‫كنت مطرقة متجهمة بليدة في السيارة ‪ ..‬ولكني أدركت أنني على وشك أن أفقد كل شي !!‬

‫فاجأني‪ 0‬صوت أمه تقول بابتهاج ‪:‬‬


‫ـ هل ِ‬
‫أنت على ما يرام ؟!!‬
‫أومأت برأسي إيجاباً‪ 0‬ولم أستطع الرد !‬

‫سوف تبتهجين معنا الليلة ‪ ..‬أليس كذلك ؟‬


‫أطرقت ساهمة ‪ ..‬ولم أجب ! ‪ ..‬فأمرني الزوج بأن أتحدث قائالً وهو ينظر إلي من خالل مرآة‬
‫السيارة األمامية‪: 0‬‬
‫ِ‬
‫ألست على ما يرام ؟! ‪ ..‬تكلمي !!‬ ‫ـ ألم تسمعي ؟ ‪..‬‬
‫ـ بلى ‪ ..‬بلى ‪ ..‬على ما يرام ‪ ..‬على ما يرام ‪!! ..‬‬

‫اقترب من والدته‪ 0‬وبدأ الهمس الذي عهدته كثيراً في حضرتي‪ 0‬بينهما ‪ ..‬فطلبت من اهلل العون‬
‫والمساندة ‪..‬‬
‫كان صوتي كسيراً عندما نطقت ‪ ..‬فانزويت أحتضن حقيبتي وأغمضت عيني ‪ ..‬وكأنني غريبة‬
‫مسافرة وحدي ‪ ..‬بيد أني اليوم بدأت‪ 0‬أفكر في النهاية ‪ ..‬ووجدت‪ 0‬نفسي أهتف ‪:‬‬
‫ـ النهاية‪ .. 0‬النهاية‪ .. 0‬ترى ماذا ستكون ؟!!!!‬
‫توقفت السيارة أمام منزل متواضع ‪ ..‬رأيت الناس يتزاحمون في الدخول‪ 0‬إليه ! ‪..‬‬
‫سترك يـا اهلل ! ‪ ..‬ما الذي سيفاجئني‪ 0‬هنا أيضاً ؟!!‬

‫خرج الجميع فاستبقاني‪ .. ! 0‬ماذا يريد‪ 0‬اآلن ؟! أال يكفيه ما يفعله بي ؟ ‪ ..‬أال يكفيه ما مضى ؟!!!‬
‫التفت نحوي ‪ ..‬كان قلبي يدق بعنف ‪ ..‬أنا لست مطمئنة لما يجري حولي !!‬
‫فقال بتشكك ‪:‬‬
‫ـ أصلحي نيتك ‪ ..‬وال تسخري من شي ‪ ..‬هل ستفعلين ؟!!‬
‫ـ نعم ‪ ..‬نعم سأفعل !‬

‫خرجت بسرعة ‪ ..‬أغلقت الباب بهدوء ‪ ..‬لم أنتظر المزيد‪ 0‬من الحديث ‪ ..‬لقد سئمت ‪ ..‬تنهدت‬
‫ُ‬
‫من األعماق ‪..‬‬

‫شعر الزوج كأن سهماً بارداً اخترق حناياه حين رآني أهبط من السيارة دون أن أنظر إليه ‪..‬‬
‫أوجه إليه كلمة واحدة‪ .. 0‬إنه ال يستحق ‪ ..‬ال‬
‫سمعته ينادي ‪ ..‬وينادي ‪ ..‬لم ألتفت إليه ‪ ..‬لم ّ‬
‫يستحق ‪ ..‬ال يستحق !!!‬

‫وجدت أمامي سلماً طويالً ‪ ..‬صعدته بتكاسل ‪ ..‬الحماس ‪ ..‬التحدي ‪ ..‬لم يعد لهما مكان لدي !!‬
‫دخلت إلى دورة المياه ‪ ..‬غسلت وجهي‪ 0‬وكأنما أغسل أحزاني ‪ ..‬خرجت وقد نزعت عني‬
‫حجابي ‪ ..‬سألت إحدى‪ 0‬العابرات‪ 0‬بصوت ضعيف ‪:‬‬
‫ـ أين تجلس النســوة ؟!‬
‫ـ هنا ‪ ..‬من هذا الباب ‪ ..‬ثم اصعدي بعد ذلك إلى سطح المنزل ‪ ..‬ففيه سيقام المولد ‪ ..‬أسرعي‬
‫قبل أن يبدأ !!‬

‫أمسكت دمعة كادت أن تفلت من عقالها‪ .. 0‬ثم قلت ‪:‬‬


‫ـ شكراً لك ‪ ..‬شكراً‪.. 0‬‬
‫كان السكون مخيماً جداً في الممر ‪ ..‬أخيراً وجدت‪ 0‬باب السطح ‪ ..‬ارتجفت يداي وارتعشت‬
‫أناملي‪ .. 0‬أمسكت بمقبض الباب ‪ ..‬آه ‪ ..‬كأنني أسمع من الخارج ابتهاالت النساء بصوت موحد‬
‫!!! ‪..‬‬
‫ترددت قليالً ثم ‪ ..‬فتحت الباب‪ 0‬ببطء ‪ ..‬توجهت أنظارهن إلي ‪ ..‬شد انتباهي ارتداء الجميع‬
‫لحجاب الرأس‪ .. 0‬ثم االبتهاالت التي كن يرددنها خلف فتاة حسناء ذات صوت جميل ! ‪ ..‬ماذا‬
‫يقلن ؟! ‪..‬‬

‫دققت النظر في الفتاة ‪ ..‬ثم في النساء ‪ ..‬وجدت مكاناً خالياً‪ .. 0‬جلست ‪ ..‬امتعضت النساء من‬
‫وجودي !! ‪ ..‬ما بهن ؟! ‪ ..‬أقبلت بعض النسوة مسرعـات إلي … أرى في نظراتهن استنكاراً‪0‬‬
‫لعمل ما عملته !!! ‪ ..‬همست إحداهن‪ 0‬في أذني‪ 0‬والجميع يرتقبن‪ 0‬ردة فعلي وكأنني لست من البشر‬
‫‪:‬‬

‫ـ إذا سمحتي يجب أن ترتدي‪ 0‬حجابك على رأسك قبل الدخول‪ 0‬؟!‬
‫ـ لماذا ؟ ‪ ..‬هل سيدخل‪ 0‬رجال هنا مثالً ؟!‬

‫تبادلت النظرات اليائسة مع رفيقتها ثم قالت ‪:‬‬


‫ـ بل ألنه مجلس ذكر ! ‪ ..‬والمالئكة تفر من المجلس الذي تكون فيه امرأة غير مرتدية لغطاء‬
‫الرأس ‪ ..‬اتسعت حدقتاي فقلت بتعجـب ‪:‬‬
‫ـ وما شأن الذكر وقبوله بالحجاب ؟! ‪ ..‬إن اهلل يُذكر في أي حال ووضع ومكان وال يشترط فيه‬
‫الحجاب حتى يُقبل !!!‬

‫أجابت بنفاذ صبر ‪:‬‬


‫ـ بل لن يستجيب اهلل لدعائنا‪ .. 0‬ولن ينظر إلينا ‪ ..‬والمالئكة لن تحضر مجلسنا ولن ترضى عن هذا‬
‫!!‬

‫اعتذرت عن وضعه ‪ ..‬فيئستا مني وذهبتا حانقتين ‪ ..‬وعادت النساء تح ّدقن بي وتتهامسن في‬
‫ُ‬
‫وجودي ‪ ..‬ولكني‪ 0‬لم أعد أكترث ‪ ..‬لقد يئست من كل شي ‪ ..‬فرضى الناس غاية ال تدرك ‪..‬‬
‫استمرت النسوة في االبتهاالت ‪ ..‬فنظرت إليهن ‪ ..‬سمعتهن يقلن ألفاظاً غريبة ‪:‬‬
‫ـ هو ‪ ..‬هو ‪ ..‬هو ‪ ..‬اهلل ‪ ..‬اهلل ‪ ..‬حي ‪ ..‬حي ‪!! ..‬‬

‫ماذا يقصدن ؟ ‪ ..‬ال أفهم ماذا‪ 0‬يفعلن !! ‪ ..‬لقد أخذ الوجد منهن مأخذاً‪ 0‬عظيماً ‪ ..‬وبلغ التفاعل‬
‫بينهن مبلغاً أعظم !!‬
‫تغير بعد ذلك المجرى ‪ ..‬فتناولت بعضهن الطار والدف والمزمار ‪ ..‬وأخذن ينشدن المدائح‬
‫والقصائد‪ 0‬الشعرية‪ .. !! 0‬ما هذا التغيير المفاجئ‪ 0‬؟ ‪ ..‬وما هذا التناقض ؟ ‪ ..‬مدائح نبوية ومزامير‬
‫؟!!!!! ‪ ..‬آه ‪ ..‬أحسست وكأن مطرقة هوت على رأسي ! ‪..‬‬
‫قلت للمرأة التي تجاورني بلهجة أسف لم تخل من النقد‪: 0‬‬
‫ـ ما مناسبة‪ 0‬هذا االجتماع ؟‬

‫قالت باستغراب‪: 0‬‬


‫ـ إنه ذكرى لمولد النبي الشريف !!!‬

‫سألتها بفضول ‪:‬‬


‫ـ وهل هو خاص بوقت معين ؟ ‪ ..‬فمولد النبي كان في شهر ربيع األول‪ 0‬في الثاني عشر منه ‪..‬‬
‫وهو ال يصادف اليوم !!!‬
‫ـ آه نعم ‪ ..‬ولكن ال يشترط ذلك ! فهو يقام عند وجود أي مناسبة من موت أو حياة أو تجدد‬
‫حال ‪ ..‬لم تسألين‪ 0‬؟! ألم تحضري مولداً من قبل ؟!‬

‫قلت بدون أن ألتفت إليها ‪ ..‬متجاهلة سؤالها‪: 0‬‬


‫ـ وما مناسبة‪ 0‬اليوم يا ترى ؟!!‬

‫ـ لقد انتقلوا إلى هذا المنزل منذ وقت قريب ‪ ..‬وفرحاً بالمناسبة أقاموا اليوم االحتفال‪ 0‬بالمولد‬
‫النبوي الشريف !!! ‪ ..‬أحسست في هذه الوهلة بأني وحيدة ‪ ..‬فليس هناك عزلة أشد من عزلة‬
‫الرأي ‪ ..‬وال انفراد‪ 0‬أقوى من انفراد العقيدة‪ 0‬والدين ‪ ..‬نظرت إلى ك ّفي المعروقة ‪ ..‬مسحتها ‪ ..‬آه‬
‫لحزنك يا قلباه ‪ ..‬ما أتعسك‪!!! 0‬‬

‫أقبلت صاحبات المنزل وقدمن الطعام ‪ ..‬وقد دعون إليه األصدقاء واألقارب‪ 0‬والقليل من الفقراء‬
‫!!! ‪..‬‬
‫فأكلن وتل ّذذن بالطعام ‪ ..‬أما أنا فقد اكتفيت بأكل القليل من الفاكهة ‪..‬‬
‫ما للوقت يمشي كئيباً ‪ ..‬بطيئاً ؟! زاد يقيني أن الذين حولي ال يشاركوني إحساسي باالغتراب !!‬

‫رفعت رأسي نحو الحائط ‪ ..‬وجدت صوراً لطالما رأيتها في الكثير‪ 0‬من المنازل ‪ ..‬إنها‪ 0‬صور‬
‫أوليائهم‪ .. !! 0‬يتبركون بها !!‬
‫لقد نصبوها في المنازل كلها وكأنها أوثان تعبد ‪ ..‬ما الفائدة منها يا ترى ؟! ‪ ..‬هل يعتقدون فيها ؟‬
‫‪..‬‬
‫هل تجلب لهم نفعاً أو تدفع عنهم ضراً ؟! ‪ ..‬إنهم جاهلون ‪ ..‬غارقون في الوهم حتى الثمالة‪0‬‬
‫!!!!!‬

‫انتهت النساء من الطعام ‪ ..‬فجلسن لالستماع لألشعار المنشودة والترنم‪ 0‬بالمدائح والشمائل‪0‬‬
‫المحمدية ومعرفة النسب الشريف ‪ ..‬ولكن مهالً ‪ ..‬إن جل المدائح والقصائد التي أسمعهن‪ 0‬يتغنين‬
‫بها ال تخلوا من ألفاظ شركية إنهم‪ 0‬يطرون الرسول‪ 0‬الكريم‪ 0‬كما أطرت النصارى عيسى بن مريم‪ 0‬؟!‬
‫‪ ..‬هل أخبرهم‪ 0‬بذلك ؟! ‪..‬‬
‫ولكني لن آمن العقاب‪ .. ! 0‬ربـاه ساعـدني‪!! 0‬‬

‫( ‪ ) 15‬حضر ‪ ..‬حضر‬

‫وفجـأة ‪ ..‬ق‪0‬امت النس‪0‬اء واس‪00‬تقبلن القبلة عن‪00‬دما ك‪0‬انت الفت‪0‬اة‪ 0‬الحس‪0‬ناء تق‪0‬رأ‪ 0‬قصة المولد ‪ ..‬ح‪00‬تى إذا‬
‫بلغت ‪ ( :‬وولدته‪ 0‬آمنة مختوناً ) !! لقد قمن إجالالً وتعظيماً لدقائق‪ 0‬تخيالً منهن وضع آمنة لرس‪00‬ول‬
‫نظرت إليهن ‪ ..‬إني خائفة ‪ ..‬مرتبكـة‪ .. 0‬ماذا يحدث حولي ‪ ..‬ثم ق‪00‬الت‬
‫ُ‬ ‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪..‬‬
‫النساء بأصوات وجدانية‪: 0‬‬
‫ـ لقد حضـر ‪ ..‬حضر ‪ ..‬حضر ‪ ..‬أمام القبلة ‪!! ..‬‬

‫نظرت باستغراب وتخوف !! أين حجابي ؟! ‪ ..‬انتظرن ! من هذا الذي حضر ؟! ‪ ..‬أوقفنه ‪ ..‬أريد‬
‫أن أرتدي حجابي ‪ ..‬ولكن ‪ ..‬أنا ال أرى شيئـاً !! من الذي حضر ؟!‬
‫هل ‪ ..‬هل يقصدون جنياً ؟ ‪ ..‬من يقصدون ؟ ‪ ..‬هل يرين أشياء ال أراها ؟! ‪ ..‬يا إلهـي !!!‬

‫ثـم ‪ ..‬أتي‪ 0‬لهن بالمجامر وطيب البخـور ‪ ..‬فتطيبت النساء ! ‪ ..‬ثم درن بكؤوس الماء والعصير‬
‫فشربن منه بنهم !!‬

‫أقبلت إلي بعض النسوة يركضـن وأخذنني وقلن لي فرحات‪: 0‬‬


‫ِ‬
‫يفوتك الموقف الشريف‪ .. 0‬بسرعة ‪ ..‬لقد حضر حضر ‪..‬‬ ‫ـ هيا معنـا ‪ ..‬بسرعة ‪ ..‬ال نريد أن‬

‫رأيت الصفقة‪ 0‬خاسرة وأحسست بثقل يمشي في صدري ‪ ..‬فقلت بحسرة وأنا أرافقهن ‪:‬‬
‫ـ من هو الذي حضر ؟! ‪ ..‬أهو رجل آخر تطالبنني فيه بالكشف عن وجهي‪ 0‬وتقبيله أيضاً ؟!‬

‫قلن لي وكأنني قد اعتنقت دين اليهود أو النصارى ‪:‬‬


‫ـ إنه محمد صلى اهلل عليه وسلم !!!!!!!!!!!!!!‬

‫صعقت ونظراتي المكذبة والمصدقة قد آلمتني كثيراً ‪ ..‬عدت إلى مكاني بسرعة ‪ ..‬وعيون القوم‬
‫ترمقني أن كيف أترك فرصة كهذه وأستهين بها !!‬

‫جئن واللوم باد على وجوههن بعد أن انتهين من االبتهاالت الجماعية والدعوات والصراخ ! ‪..‬‬
‫وبعد أن ذهبت روح المصطفى إلى بارئها !!!‬
‫ـ بالتأكيد ِ‬
‫أنت ال تحبين الرسول‪ 0‬الكريم‪ 0‬صلى اهلل عليه وسلم !! ‪ ..‬أنت ال تريدينه‪ 0‬أن يشفع لك‬
‫ِ‬
‫رفضت‬ ‫يوم القيامة !! ‪ ..‬ستحدث لك نكبات‪ 0‬ومصائـب ألنك‪ 0‬استهنت بحضوره بيننا وألنك‪0‬‬
‫مشاركتنا في زمن حضوره !!‬
‫يـا إلهـي‪ .. ! 0‬هل ما يقلنه صحيح ؟! ‪ ..‬هل هن صادقـات ؟ ‪..‬‬
‫يبدو التأثر‪ 0‬على أوجه الكثيرات‪ 0‬منهن !!!‬

‫سمـاً زعافاً في عقلي ‪:‬‬


‫تقدمت إحداهن‪ 0‬إلي وقالت لي وكأنما تصب ّ‬
‫ـ أيتها الحمقاء المعتوهة !! ‪ ..‬لقد كنت مثلك أو أشد منك ! ‪ ..‬وكنت أعتقد أن هذه خزعبالت‬
‫وترهات‪!!! 0‬‬
‫من اهلل علي شعرت‪ 0‬بحالوة اإليمان ‪ ..‬آه كم أنا سعيدة ‪ ..‬وأتمنى لو أنني أقيم في‬
‫ولكن بعد أن ّ‬
‫كل يوم مولداً نبوياً في منزلي‪ .. !! 0‬جربي‪ 0‬ولن تندمي‪ .. 0‬وستصبحين مثلنا وأشد ! ‪..‬‬
‫وإن لم يعجبك الحال فامتنعي ولكنني متأكدة من أنه سيعجبك !!‬

‫يـا إلهـي‪ 0‬لم أعد أحتمل ‪ ..‬أين الصواب وأين الخطأ ؟! ‪..‬‬
‫هل يعقل‪ 0‬أن يكون أهلي على خطأ ؟! ‪ ..‬هل يمكن ؟! ‪ ..‬وبدأت الشكوك تساورني ! ‪ ..‬آه لقد‬
‫أثّروا علي من كل اتجـاه ‪ ..‬وحدي أنا ! بدأت‪ 0‬أسلحتي تضعف شيئاً فشيئاً !!‬
‫ربـاه ‪ ..‬أرجوك ‪ ..‬أريد أن أعود لنقائي ‪ ..‬أفكاري النقية ‪ ..‬معتقداتي‪ 0‬وعقيدتي‪ 0‬الصافية ! ‪..‬‬
‫سريرتي‪ 0‬الطاهرة ‪ ..‬قلبي السليم ‪ ..‬هل يمكن ذلك ؟‬

‫مضى الوقت يتلكأ حتى أوشك الليل أن ينتصف !! ‪ ..‬وسيطر السكون بعدها‪ 0‬على المكان ‪ ..‬فلم‬
‫أر وأنا بمكاني إال عيونـاً قد أخذها‪ 0‬اللوم علي ! ‪ ..‬فخشخشت األوراق بتأثير نسمة طرية باردة ‪..‬‬
‫معلنة عن وقت الرحيل‪ 0‬من هذا المنزل ‪!! ..‬‬

‫ركبـت في السيـارة ‪ ..‬التقت نظراتي‪ 0‬الحزينة التائهة‪ 0‬بنظرات الزوج المتلهفة لمعرفة ردة فعلي على‬
‫ما سمعت وما رأيت ‪ ..‬أغمضت عيني ‪ ..‬شعرت‪ 0‬بحاجتي لصدر أمي الحنـون ‪ ..‬حتى البكاء ‪..‬‬
‫أصبح عسيراً علي ‪ ..‬ربـاه ‪ ..‬اللهم‪ 0‬اكفنيهم بما شئت ‪! ..‬‬
‫عـدت إلى المنزل ‪ ..‬وقفت أفكاري وعاد إليها ركودها األول‪ .. 0‬أحسست برغبة جامحة في‬
‫الدخول إلى مخدعي ‪ ..‬ولكن السكون المطلق الذي ران على المنزل لم يشجعني على سرعة‬
‫الدخول ‪ ..‬فأخذت‪ 0‬أنظر إلى غير هدف ! ‪ ..‬أنظر إلى أي شيء !! ‪ ..‬وأنظر إلى كل شيء !‬

‫شعرت بتقدم خطى الليل ‪ ..‬فوقفت بتكاسل ‪ ..‬وتحسست طريقي في الظالم حتى وصلت إلى‬
‫فراشي ‪ ..‬واندسست تحت اللحاف الخفيف ‪ ..‬أخذت نفسـاً عميقـاً ‪ ..‬وأنا أشعر بالوحدة‪ .. 0‬كان‬
‫آخر ما تذكرته في هذه الليلة هو اليوم الكئيب الذي عاصرت فيه أحداثاً ثقيلة ‪ ..‬في البحر ‪ ..‬في‬
‫المنزل ‪ ..‬في المولد النبوي ‪..‬‬

‫بقيت نظراتي‪ 0‬تائهة ‪ ..‬وأفكاري متالطمة حتى بانت خيوط الصباح األولى‪ .. 0‬ثم ‪ ..‬أسدلت أجفاني‪0‬‬
‫بثقل شديد ‪ ..‬فنمت وأنا أسمع أنيني يخترق فضاء األحـزان !!!‬

‫( ‪ ) 16‬رحلة مع العبد الصالح الخضر !!‬

‫عند الفجــر ‪..‬د ّق جـرس الساعة المنبهة إعالناً لقرب اآلذان‪ .. 0‬فتحت عيني المجهدتين ‪ ..‬أغلقت‬
‫المنبه ‪ ..‬استرخيت‪ 0‬قليالً ‪ ..‬ثم نهضت ‪ ..‬سمعت صوتاً على نافذتي‪ .. 0‬اقتربت بخوف ‪ ..‬آه ‪..‬‬
‫كان المطر ينهمر على سقف المنزل !! ‪ ..‬نقراته‪ 0‬اللطيفـة هي التي تطرق نافذتي ‪ ..‬انشرحت‪ 0‬كثيراً‬
‫‪ ..‬مرحباً بك أيها‪ 0‬المطر ‪..‬‬

‫اقتربت من النافذة كثيراً ‪ ..‬أخذت أتأمل‪ 0‬المنظر من ورائها ‪ ..‬ارتسمت على شفتي ابتسامة عريضة‬
‫‪ ..‬لقد أتى حتى يغسل همومي وآالمي ‪ ..‬مرحى‪ .. 0‬مرحى ‪ ..‬تسلّلت ببطء نحو الضوء ‪ ..‬أشعلته‪0‬‬
‫‪ ..‬أردت أن أوقظ الزوج للصالة ‪ ..‬لم أجده‪ ! 0‬لم ِ‬
‫يأت بعد !! هذا أفضل ‪ ..‬هذا أفضل !! ‪ ..‬ما‬
‫أسعدني !!‬
‫توضأت ‪ ..‬صليت ‪ ..‬دعوت اهلل أن يخرجني من هذا المكان ‪ ..‬أن ينير لي درب الخير ‪ ..‬ألتبعه‪0‬‬
‫‪ ..‬بكيت كثيراً ضارعة إلى اهلل تعالى‪ .. 0‬إن األمطار التي تهطل ما هي إال قطرة من أدمعي‪ 0‬التي‬
‫تذرف من عيني الباكيتين ‪ ..‬رحمـاك يا اهلل ‪ ..‬رحمـاك ‪ ..‬رحمـاك ‪..‬‬

‫عدت مجدداً إلى النافذة ‪ ..‬كان المطر قد توقف عندئذ عن االنهمار‪ .. 0‬فتحتها قليالً ‪ ..‬لم أعد‬
‫أرى في الخارج إال القطرات المتساقطة فوق السقف المنحدر لبناء المنزل ‪ ..‬أو من أغصان‬
‫الشجر ‪ ..‬ابتسمت مجدداً ‪ ..‬ما أجمل المنظر ‪ ..‬ثم ‪ ..‬أغلقت النافذة ببطء ‪ ..‬واستدرت ألرفع‬
‫سجادتي ‪ ..‬فوجدت ــه !!‬
‫صرخت من شدة الخوف ‪ ..‬كتمت أنفاسي‪ 0‬فجأة ‪ ..‬غمرتني موجة حارقة جعلت سعادتي تتحول‬
‫مكمشاً ‪ ..‬فرك يديه‪ 0‬وهو يجلس ‪..‬‬
‫إلى كآبة ‪ ..‬كان وجهه شاحباً ‪ ..‬يبدو عليه اإلرهاق ‪ ..‬وثوبه ّ‬
‫ثم قال ‪:‬‬

‫ـ أرغب في الخروج اليوم إلى النزهة‪ 0‬في هذا الجو الجميـل ‪ ..‬أيقظت الجميع لالستعداد‪ .. 0‬هيا‬
‫استعدي ِ‬
‫أنت أيضاً ‪ ..‬نظرت بإمعان إلى وجهه ألرى هل هو جاد أم هازل ‪ ..‬فسألته ‪:‬‬

‫ـ حقاً ؟!! ‪ ..‬هل أنت جاد ؟ ‪ ..‬هل سنتنزه في هذا الجو الجميل ؟ ‪ ..‬حقاً ؟!!‬
‫اعتدل في جلسته وقال بصوت هادئ ‪:‬‬
‫ـ نعم ‪ ..‬سنتنزه ‪ ..‬أال تريدين الخروج معنا ؟ هل تفضلين عدم الذهاب ؟!‬

‫صرخت قائلة في فرح مفاجئ أدهشه‪ 0‬كثيراً ‪:‬‬


‫ـ ال ال ‪ ..‬ال أريد البقاء ‪ ..‬سأذهب‪ 0‬للنزهة ‪ ..‬كم أنا سعيدة ‪ ..‬أحب جو المطر ‪ ..‬هيا لنذهب ‪..‬‬
‫هيا ‪:‬‬
‫ـ حسناً ‪ ..‬استعدي ‪ ..‬سأنتظركم‪ 0‬في السيارة ‪ ..‬ال تتأخروا ‪..‬‬
‫وخـرج ‪ ..‬شعرت‪ 0‬بشي من النشوة تسري في عروقي ‪ ..‬آه ‪ ..‬أخيراً سأخرج‪ 0‬إلى الهواء الطلق ‪..‬‬
‫بعيداً عن كل شي ‪ ..‬ما أسعدني‪ .. 0‬ما أسعدني ‪ ..‬تناولت معطفي‪ 0‬الواقي من المطر ‪ ..‬وكذلك‬
‫معطفه ‪ ..‬أغلقت حجرتي ‪ ..‬قفزت الساللم قفزاً وكأنني في واحة غنّـاء ‪ ..‬رفرف قلبي من فرط‬
‫الفرح ‪ ..‬منذ زمن لم أخرج للطبيعة أحتضن جمالها ‪..‬‬
‫توقفنا في مكان رائع الجمال ‪ ..‬كانت األرض موحلة ومشبّعة بالماء ‪ ..‬وأعواد القمح الممتلئة‬
‫بعصارة الربيع قد خارت وتمددت على األرض في أمواج ممتدة على م ّد النظـر !!‬

‫أرسلت ضحكة كانت مقيّدة‬


‫ُ‬ ‫خرجت من السيارة ‪ ..‬فتحت عيني باتساع ‪ُّ ..‬‬
‫تلفت حولي بدهشة ‪..‬‬
‫ومكبلة ‪ ..‬أطلقت لها العنان ‪ ..‬شعرت بأني‪ 0‬غارقة في محيط نظراتهم المتوهجة !‬
‫وفجأة سمعت نفسي‪ 0‬أقول له وأنا ال أكاد أشعر‪ 0‬بأني بدأت‪ 0‬الحديث ‪:‬‬
‫ـ هل ‪ ..‬هل تسمح لي بالذهاب‪ 0‬حول هذا المكان للتنزه ‪ ..‬لن أبتعد‪.. 0‬‬

‫قال بصوت ال يخلو من ح ّدة ‪:‬‬


‫ـ ليس اآلن ‪ ..‬اجلسي‪ 0‬معنا ‪ ..‬ال تنفردي بنفسك‪ .. 0‬نريد العودة باكراً ‪ ..‬فاليوم هو ليلة الخامس‬
‫عشر من شعبان !! ‪ ..‬لم أكن أتوقع مثل هذه اإلجابة ‪ ..‬فأحنيت رأسي بأسف وقد اضطرم وجهي‪0‬‬
‫خجالً وحزناً ‪..‬‬
‫ورحت أتأمل أطراف أصابعي وأحاول‪ 0‬تمالك نفسي ‪ ..‬ولكن ماذا‪ 0‬يعني بليلة الخامس عشـر من‬
‫شعبـان ؟!!‬

‫تناولت اإلفطار وحدي ‪ ..‬نظروا إلي وقد أدهشهم‪ 0‬ما طرأ علي من تغيير ‪ ..‬الحظت دهشتهم‪0‬‬
‫بقلب مرتاب ‪ ..‬وأخذت أجمع بعض األعواد من األرض ‪..‬‬

‫تر ّددت األم برهة ثم قالت لي ‪:‬‬


‫ـ يجب أن نعود مبكرين حتى نستعد للذهاب إلى المكان الذي سيتم فيه اجتماع الناس في هذه‬
‫الليلة ‪..‬‬

‫كتمت أنفاسي ‪ ..‬هذه المرة الثانية التي يؤكدون فيها أهمية هذه الليلة !! ‪ ..‬يا إلهي‪ .. 0‬ماذا‬
‫سيفاجئني‪ 0‬اليوم أيضاً ؟! ‪ ..‬أومأت‪ 0‬برأسي‪ 0‬إيجابـاً ‪ ..‬ابتسمت بهدوء ‪..‬‬
‫في تلك اللحظة ‪ ..‬اختلست النظر إلى الزوج ووالدته ‪ ..‬راقبتهما في محاولة مني لفهم المعاني‬
‫التي ينطوي عليها حديثهما ‪ ..‬ولكنني‪ 0‬لم أستطع أن أفهم شيئاً !! ‪ ..‬سوى أنهم‪ 0‬جميعاً صائمون‬
‫اليوم !! ‪ ..‬لماذا ؟ ‪..‬‬

‫بتوسل ‪..‬‬
‫قلت لهم ّ‬
‫ـ هل أذهب اآلن ؟! ‪ ..‬لن أبتعد‪ .. 0‬أرجوك ‪..‬‬

‫أزال عن كتفه بعض القش العالق‪ 0‬به ثم قال ‪:‬‬


‫ـ اذهبي ‪ ..‬ولكن ‪..‬‬
‫وفتح فمه ليقول شيئاً ‪ ..‬ولكني‪ 0‬انصرفت بسرعة ‪ ..‬لم أنتظر ‪ ..‬ركضت ‪ ..‬ضحكت ‪ ..‬بكيت ‪..‬‬
‫اختلطت مشاعري ‪ ..‬رحت أقفـز في كل األرجاء‪ .. 0‬نظرت إلى األرض الجميلة ‪ ..‬لقد تجمع‬
‫المطر فيها ‪ ..‬ثم راح ينطلق في جداول صغيرة سريعة‪ 0‬ويمأل كل منطقة منخفضة ‪ ..‬ح ّدقت في‬
‫روعة السمـاء !‬
‫إن صفحة السماء تصفو من الغيوم التي تمزقت وتباعدت كتلها تاركة رقعاً واسعة‪ 0‬من الصفحة‬
‫الزرقاء المضيئة ! ‪ ..‬بعضها صاف تماماً وبعضها ال يزال محجوباً بغالئل من السحاب‪ 0‬الرقيق !!!‬
‫أما الهـواء فقد سكن على األرض تماماً وشاعت فيه رائحة العشب المبلل والجذور العارية‪ .. 0‬ال‬
‫أعرف كم من الوقت مضى ‪ ..‬ساعـة ‪ ..‬ساعت ـ ــان ‪ ..‬أكثر !! لم أشعـر ‪ ..‬أوه !! لقد ابتعدت‪ 0‬كثيراً‬
‫‪ ..‬أين أنــا ؟!‬

‫بدأت أشعر‪ 0‬بالخوف ‪ ..‬إلى أي اتجاه أعود ؟!! ربـاه ‪ ..‬أين المكان ‪ ..‬رباه !! ‪ ..‬أين معطفي ؟ أين‬
‫أضعته ؟! ‪ ..‬بدأت أبحث ‪ ..‬وأبحث ‪ ..‬آه ‪ ..‬قطرات المطر عاودت في النزول‪ .. 0‬يا رب ‪ ..‬آوه‬
‫‪ ..‬معطفي هنا ‪ ..‬وجدته ‪ ..‬ارتديته‪ 0‬ألتقي المطر ‪ ..‬ولكن أين المكان ؟‬

‫تناولت نظارتي ‪ ..‬مسحت قطرات المطر عنها بمنديلي ثم أعدتها‪ 0‬إلى عيني ‪ ..‬رحت أنظر إلى‬
‫األرض الموحلة حتى أتجنب الخوض في إحدى الحفر المتناثرة حولي ‪ ..‬رفعت بصري إلى األفق‬
‫‪ ..‬ازداد انهمار المطر ‪ ..‬رفعت النظارة عن عيني ووضعتها في جيبي ‪..‬‬
‫رأيت عن بعــد رجـالً يقدم تجاهي ‪ ..‬أسدلت‪ 0‬غطائي ‪ ..‬رحمـاك يا رب ‪ ..‬إنه شيخ كبيـر ‪ ..‬يعمل‬
‫دب الـرعـب في أوصالي ‪ ..‬هل سيختطفني ؟! الويل لي ‪ ..‬تقدم إلي‬
‫على تنظيف المكان ‪ّ ..‬‬
‫وسألني وقد بدت على وجهه آثار الزمن‪ 0‬على هيئة خطوط عميقة تحيط بوجهه ‪:‬‬

‫ـ كيف جئتي إلى هنا يا ابنتي ؟! المكان خطر ‪ ..‬هيا بسرعة الحقي بعائلتك ‪..‬‬

‫انحدرت دموعي من شدة الخوف ‪:‬‬


‫ـ ولكني أضعت المكان ‪ ..‬الويل لي ‪ ..‬كيف أصل إليهم ؟ أرجوك ساعدني‪ .. 0‬أرجوك ‪..‬‬
‫ـ هيا اتبعيني‪ 0‬من هذا الطريق‪.. 0‬‬

‫جل اهتمامي كان منصباً على غضب الزوج وحنقه ‪ ..‬وعدتُه أال أبتعد‪ !! 0‬يا ويلتي ‪ ..‬يا ويلتي !!‬

‫وبعد أن قطعنا مسافة من الطريق ‪ ..‬رفعت رأسي ‪ ..‬وإذا بالزوج يهرول‪ 0‬قادماً إلي !! ‪ ..‬يا ويلتي‬
‫!! ‪..‬‬
‫وقف أمامي‪ 0‬كصخرة جامدة‪ .. 0‬والشرر يتطاير من عينيه ‪ ..‬فوجدت نفسي‪ 0‬أقول بسرعة وكأني‬
‫أشرح له موقفي الضعيف ‪:‬‬

‫ـ أرجوك ‪ ..‬أنا ‪ ..‬أنا ‪ ..‬آسفة ‪ ..‬لم أقصد ‪ ..‬سرقني الوقت وأنا أتجول في هذا المكان ! ولكني‪0‬‬
‫…… نظر برفق إلى الشيخ الكبير‪ .. 0‬مما أثار دهشتي‪ .. 0‬لم يغضب منه ‪ ..‬أشار إلي أن أتقدمه‪.. 0‬‬
‫ففعلت ‪ ..‬أقبلت على والدته وباقي األسرة‪ .. 0‬وجدتهم‪ 0‬حانقين ‪ ..‬غاضبين !!‬

‫استدرت ألرى الشيخ الكبير‪ 0‬والزوج ‪ ..‬جاء الزوج إلى أهله ‪ ..‬تشاوروا ‪ ..‬تهامسوا‪ .. 0‬أكرموا‬
‫ُ‬
‫الشيخ إكراماً‪ 0‬عظيمـاً !!!!!! ‪ ..‬أغدقوا عليه العطاء ‪ ..‬طلبوا منه الدعاء لهم ‪ ..‬ولي !!!!!‬
‫تسمرت في مكاني وأنا أرقبهم !! ‪ ..‬ما بالهم لم كل هذه الحفاوة ومن الجميع !!!‬
‫ّ‬

‫ذهب الشيخ الكبير في طريقه ‪ ..‬أخذ ينظف ما بقي من أقذار ‪ ..‬وابتعد شيئاً فشيئاً حتى اختفى ‪..‬‬
‫والجميع يرقبه ‪ ..‬تكاد قلوبهم أن تتبعه ‪ ..‬رأيت وجوههم في صورة أخرى ‪ ..‬اختفت إمارات‬
‫القسوة والسخط ‪ ..‬نظروا إلي في قلق ‪ ..‬خاطبتني األم قائلة في تودد ‪:‬‬
‫ـ هل تعلمين من يكون هذا ؟!!‬

‫ارتعشت ‪ ..‬نظرت بوجل ‪ ..‬قلت بصوت بالكاد سمعوه ‪:‬‬


‫ـ من ‪ ..‬من يكون ؟!‬

‫قال الزوج وهو يضع ساقاً على األخرى‪ .. 0‬وينتهد بارتياح ‪:‬‬
‫ـ إنه الخضـر ‪ ..‬العبد‪ 0‬الصالح الخضر ‪ ..‬الذي كان مع موسى ‪ ..‬بالتأكيد‪ 0‬هو ! يا فالن بن فالن !!‬

‫أطبقت شفتي فـوراً …‪ .‬انعقد لساني‪ 0‬من فرط االضطراب‪ 0‬واالرتباك ‪:‬‬
‫ـ من ؟ من ؟ أي خضر ؟ ‪ ..‬العبد‪ 0‬الصالح ؟!! ‪ ..‬كيف ؟! ‪ ..‬ال بد أنك تمزح !! ‪ ..‬الخضر‬
‫؟!!!! ‪ ..‬ال بد أنك …………‪ .............‬رفع يده وقاطعني ‪:‬‬
‫ـ هذه األمور ليست مجاالً للهزل‪ 0‬والمزاح ! قلت لك أنه الخضر ‪ ..‬ألم تسمعي عنه ؟!!‬

‫ارتسم الجزع على وجهي فقلت ‪:‬‬


‫ـ ولكن ‪ ..‬ثم نظرت إلى الجميع ‪ ..‬كلهم جا ّدون ‪ ..‬فأكملت ‪:‬‬
‫ـ ولكن ‪ ..‬الخضر عليه السالم قد مات منذ زمن بعيد ‪ ..‬هل تقصد أنه ما زال حياً يُرزق ؟! ‪ ..‬ال‬
‫‪ ..‬كانت أخته تتلوى في مقعدها‪ .. 0‬لم تصبر فقالت ‪:‬‬
‫ـ من غير الممكن أال تكوني‪ 0‬على علم بحياته !!! ‪ ..‬إن الخضر صاحب موسى عليه السالم حي‬
‫يرزق لآلن ‪ ..‬ويطوف الدنيا كلها ويتشكل في صور مختلفة ‪ ..‬فقد يأتي‪ 0‬في صورة سائل‪ 0‬مرة ‪..‬‬
‫وفي صورة مريض ‪ ..‬ينزل من جسده القيح والصديد‪ .. 0‬أو في شكل شيخ كبير كهذا الرجل‪ 0‬مثالً‬
‫‪ ..‬فبالتأكيد هذا هو الخضر قد زارنا … !!‬

‫ارتعدت ‪ ..‬نظرت إلى وجوههم !! تخوفت ‪ ..‬تململت ‪ ..‬أردت أن أنطق ‪ ..‬لم يتركوا لي مجاالً‬
‫‪..‬‬

‫كانت األم تراقب تعبيرات‪ 0‬وجهي وترى أثر كلماتهم علي ‪ ..‬فقالت بسرعة ‪:‬‬
‫ـ عندما يأتي‪ 0‬الخضر بهذه األشكال‪ 0‬ويزور الناس فيطردونه يكون هذا دليالً على شقاوتهم‬
‫وتعاستهم‪ .. 0‬أما إن رحبّـوا به وعالجوه وأكرموه ‪ ..‬اختفى‪ 0‬بدون أن يترك أثراً له ‪ ..‬وكان ذلك‬
‫دليل سعادتهم !!!!!! ‪ ..‬فاحذري من طرد أي رجل بهذا‪ 0‬الشكل أو تعنيفه ‪ ..‬احذري ‪ ..‬فربما‬
‫كان هو الخضر جاء لزيارتك‪! 0‬‬

‫غصصت بريقي ‪ ..‬قلت متلعثمة من الصدمة ‪:‬‬


‫ـ صدقوني ‪ ..‬لقد مات الخضر – عليه السالم – قبل إرسال اهلل لنبيه محمد صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ ..‬إنه لم يخلّـد !!‬

‫أرسل الزوج ضحكة جافة ساخرة وهو يقول ‪:‬‬


‫ـ الخضر هو حارس في األنهار والصحاري ويعين كل من يضل عن الطريق إذا ناداه‪.. 0‬‬

‫ـ كيف يكون حارساً‪ 0‬وهو ميت شأنه في ذلك شأن األموات‪ .. 0‬ال يسمع نداء من ناداه ‪ ..‬وال‬
‫يجيب من دعاه ‪ ..‬وال يهدي من ضل عن الطريق‪ 0‬إذا استهداه‪!!! .. 0‬‬

‫شر عن نابيه‪ 0‬وقال ‪:‬‬


‫كّ‬
‫ـ إذا لم يكن ذلك صحيحاً ‪ ..‬فكيف اهتديتي‪ 0‬إلى مكاننا‪ 0‬عن طريقه ؟!! ‪ ..‬أيتها الحمقــاء ‪..‬‬
‫ِ‬
‫وهداك إلى طريقنا ومكاننا‪ .. 0‬أفال تعقلين ؟! أفـال تتفكرين‪ 0‬؟! ‪ ..‬عجباً لك أيتها العنيدة‬ ‫لقد زارك‬
‫!!!‬

‫ـ إنما هو رجل قد سخره اهلل لي ألستدل طريقكم‪ 0‬ليس إال !! ‪ ..‬وال يشترط أن ‪..‬‬

‫تأفّـف ‪ ..‬في تلك اللحظة تالشى جو األلفة والمودة بيني وبينهم ‪ ..‬وخيّمت مكانه سحب الشك‪0‬‬
‫والتربص !! ‪ ..‬لم يعتقدون ذلك ؟! ‪ ..‬هل اعتقادهم‪ 0‬خاطئ حقاً ؟! ‪ ..‬نعم ‪ ..‬نعم ‪ ..‬أنا متأكدة ‪..‬‬
‫نعم ‪ ..‬قطع صوت الزوج حبل أفكاري حين سمعته ينادي من السيارة ‪:‬‬
‫ـ هيا ‪ ..‬ال نريد التأخـر‪ .. 0‬أمامنا ليلة حافلة ‪ ..‬فلنستعد للعودة ‪ ..‬المطر يتساقط بغزارة ‪..‬‬

‫ابتسمت في قرارة نفسي ‪ ..‬ازداد إحساسي‪ 0‬بالبهجة ‪ ..‬كم كنت أهفو إلى مثل‬
‫ُ‬ ‫ركبنا جميعا ً‪..‬‬
‫هذا اليوم الذي أقضيه بمفردي تماماً ‪ ..‬بال خوف من زوجي أو أهله ‪ ..‬وبال أية هموم أو متاعب‬
‫‪ ..‬ولكن ‪ ..‬هذه الليلة ‪ ..‬ماذا عساها تك ـ ــون ؟! ست ــرك ورحمتـك ي ــا رب ‪..‬‬
‫( ‪ ) 17‬ليلة الخامس عشر من شعبان‬

‫وص‪00‬لنا ‪ ..‬كم أش‪00‬عر‪ 0‬باإلره‪00‬اق ‪ ..‬أتم‪00‬نى أن آخذ قس‪00‬طاً من الراحة‪ .. 0‬أذّن الم‪00‬ؤذن لص‪00‬الة العصر ‪..‬‬
‫صعدت أولى درجات‪ 0‬السلم ‪ ..‬استوقفني ال‪00‬زوج‬
‫ُ‬ ‫إنها فرصة ‪ ..‬سأصلي ‪ ..‬ثم أخلد للراحة‪ 0‬قليالً ‪..‬‬
‫بلهجة عاتبة وجادة ‪:‬‬

‫ـ توقفي ‪ ..‬لماذا لم تصومي معنا اليوم ؟ أم أنك تريدين‪ 0‬مخالفتنا فقط !!!!‬

‫استدرت نحوه بعينين أثقلهما النعاس‪ .. 0‬ثم هززت كتفي ببراءة وقلت ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ـ أصوم ؟! ‪ ..‬اليوم ؟! ‪ ..‬وأي مخالفة‪ 0‬تلك التي تتحدث عنها ؟‬

‫ردي ‪ ..‬ولكني‪ 0‬لم أفهم ما يرمي إليه !! ما به ؟! ‪ ..‬لماذا يوبخني على عدم الص‪00‬وم الي‪00‬وم‬
‫تضايق من ّ‬
‫؟!!!‬

‫رد قائالً في غضب مفاجئ أدهشني‪: 0‬‬


‫ـ كل من يعظّم ليلة النصف من ش ‪00 0 0‬عبان فإنه يص ‪00 0 0‬وم في ي ‪00 0 0‬وم الرابع عشر منه ‪ ..‬إال أنت !! ‪ ..‬أال‬
‫تشعرين بنوع من المخالفة‪ 0‬؟!!!‬

‫قلت وقد فهمت غرضه الحقيقي ‪:‬‬


‫ـ ولم هذا اليوم بالذات عن بقية األيام ؟ سأصوم غداً إن شاء اهلل ‪ ..‬أو ‪..‬‬

‫قال بعنف ‪:‬‬


‫ـ ال أريد أن يع‪00 0‬رف أحد من الن‪00 0‬اس أنك لم تص‪00 0‬ومي الي‪00 0‬وم هل فهم‪00 0‬تي ؟! ‪ ..‬س‪00 0‬تذهبين معنا الي‪00 0‬وم‬
‫لإلفط ‪00 0‬ار وكأنك ص ‪00 0‬ائمة ! ‪ ..‬وال تفص ‪00 0‬حي ألحد‪ 0‬عن إفط ‪00 0‬ارك مطلق‪0 0 0‬اً ‪ ..‬ال نريد أن يوكلنا الن ‪00 0‬اس‬
‫بألسنتهم ‪ ..‬مفهوم !! لقد كثرت مخالفاتك‪ 0‬؟ وكثرت امتناعاتك ! ‪ ..‬إلى‪ 0‬متى ؟! ‪ ..‬إلى‪ 0‬متى ؟! ‪..‬‬
‫لقد ………‪.‬‬

‫قلت له لما رأيت غضبه يزداد تأججاً بصوت خافت وهادئ ‪:‬‬
‫ـ أرجوك ‪ ..‬كفى شجاراً ‪ ..‬أرجوك ‪ ..‬ماذا‪ 0‬دهاك ؟!! سأفعل‪ 0‬ما ت‪00‬أمرني‪ 0‬به ‪ ..‬لن يع‪0‬رف إنس أو جن‬
‫بإفط‪00‬اري ‪ ..‬ولكن أرج‪00‬وك ‪ ..‬أريد أن أعيش بس‪00‬الم ‪ ..‬ال تغضب ‪ ..‬وال تجرح‪00‬ني ‪ ..‬أك‪00‬ثر من ذلك‬
‫‪ ..‬كفى ‪ ..‬لك ما تريد‪ .. 0‬س‪000‬أكون ج‪000‬اهزة خالل عشر دق‪000‬ائق ‪ ..‬ولكن اه‪000‬دأ ‪ ..‬واترك‪000‬ني أه‪000‬دأ أنا‬
‫أيضاً ‪ ..‬أتوسل إليك ‪..‬‬
‫ـ حسناً ‪ ..‬هيا اصعدي ‪..‬‬

‫‪0‬دت بارتي‪00‬اح عن‪00‬دما ال حظت أن ال‪00‬برود يشع من ص‪00‬وته بعد العاص‪00‬فة ‪ ..‬لقد اطم‪00‬أننت أخ‪00‬يراً‪.. 0‬‬
‫تنه‪0ُ 0‬‬
‫ّ‬
‫عرفت كيف أسكب على غضبه الجامح م‪0‬اء ب‪0‬ارداً ‪ ..‬أنا لست نادمة على تهدئته‪ ! 0‬ألن رجالً كه‪0‬ذا‬
‫كفيل بأن يخرجني عن طوري من فرط القلق والسأم ‪..‬‬

‫تن ‪00‬اولت معطفي ال ‪00‬ذي س ‪00‬قط من ي ‪00‬دي من دون وعي م ‪00‬ني ‪ ..‬ص ‪00‬عدت الس ‪00‬لم قف ‪00‬زاً ‪ ..‬آه ‪ ..‬كم أنا‬
‫متعبة ‪ ..‬متعبة ‪ ..‬ص‪00‬ليت العصر ‪ ..‬لم أج‪00‬ادل في ذه‪00‬ابي ! ‪ ..‬لن يس‪00‬مح لي بالبق‪00‬اء في الم‪00‬نزل ‪ ..‬ال‬
‫أريد أن أثير غضبه أو أن أتعب قلبي ! ‪ ..‬سأذهب‪ .. 0‬سأذهب ‪..‬‬
‫أع ‪00‬دت المشط وأدوات‪ 0‬التجميل في حقيب ‪00‬تي ‪ ..‬ارت ‪00‬ديت مالبسي ‪ ..‬وح ‪00‬ذائي‪ .. 0‬لبست حج ‪00‬ابي ‪..‬‬
‫ركبنا مع‪0 0 0‬اً في الس ‪00 0‬يارة ‪ ..‬وانس ‪00 0‬ابت‪ 0‬منحرفة إلى طريقها الق ‪00 0‬ديم ‪ ..‬وازداد وجه الس ‪00 0‬ماء تلب ‪00 0‬داً ‪..‬‬
‫أطلت من النافذة ‪ ..‬حيث رأيت الظالم قد بدأ ينشر أجنحته في صفحة السماء ‪..‬‬

‫دخلنا إلى مك‪00‬ان االحتف ‪00‬ال بليلة الخ‪00‬امس عشر من ش‪00‬عبان ‪ ..‬الجميع ص‪00‬ائمات ‪ ..‬وص ‪00‬ائمون !! ‪..‬‬
‫وهذه موائد قد أع ّدت عند أكثر الناس تقوى وإيماناً !!!!!! ‪..‬‬
‫اجتمعت النسوة حول الطع‪0‬ام ‪ ..‬أجلس‪0‬تني‪ 0‬وال‪0‬دة زوجي بجانبها ‪ ..‬هل ه‪0‬ذا الطع‪0‬ام من حالل أم من‬
‫حرام ؟!‬
‫مجموعة من النس ‪00‬اء ما زالت ت ‪00‬ردد ابتهاالتها‪ 0‬وتس ‪00‬بيحاتها بش ‪00‬كل جم ‪00‬اعي ‪ ..‬ويق ‪00‬رأن الق ‪00‬رآن أيض ‪0‬اً‬
‫بصوت واحد ‪ ..‬لقد شحب وجهي‪ 0‬كثيراً ‪ ..‬تغيّرت‪ 0‬حالي كثيراً ‪ ..‬كثيرات يسألنني عن س‪00‬بب ه‪00‬ذا‬
‫الشحوب وهذا الذبول‪ .. 0‬فتجيب والدة الزوج بسرعة ‪:‬‬

‫ـ تعلم ‪00‬ون أنها‪ 0‬ما زالت عروس‪0 0‬اً ‪ ..‬إنها لم تبلغ الثالثة أش ‪00‬هر‪ 0‬من زواجها‪ 0‬بعد ‪ ..‬ل ‪00‬ذلك‪ 0‬هي ال تأكل‬
‫وال تنام جيداً ‪ ..‬ما زالت الحياة الزوجية‪ 0‬جديدة عليها ‪ ..‬نعم ‪ ..‬فقط هذا هو السبب ‪..‬‬
‫انظر إليها بعينين زائغتين ‪ ..‬أومئ‪ 0‬للنساء برأسي بأن هذا هو السبب فقط ‪ ..‬فقط ‪ ..‬فقط !!!!‬

‫أذن الم ‪00‬ؤذن لص ‪00‬الة المغ ‪00‬رب‪ .. 0‬تن ‪00‬اولت النس ‪00‬اء إفط ‪00‬ارهن ‪ ..‬تص ‪00‬نعت الت ‪00‬ذوق ‪ ..‬أخ ‪00‬اف أن يك ‪00‬ون‬
‫الطعام حراماً‪ .. 0‬رب‪00‬اه ‪ ..‬أنا مكرهة ! أخشى‪ 0‬مك‪00‬رهم ‪ ..‬ينظ‪00‬رون إلي ‪ ..‬إلى‪ 0‬الع‪00‬روس‪ 0‬ال‪00‬تي ذبلت بعد‬
‫زواجها ‪ ..‬كلي ‪ ..‬ما بك ؟! ‪ ..‬فأصطنع األكل وأشرب كميات الماء ‪ ..‬هل هذا الماء يحوي شيئاً‬
‫ما أيضاً ؟ ‪ ..‬رباه ما العمل ؟!‬

‫انتهينا ‪ ..‬تقدمت إحدى النس‪0‬اء الص‪0‬الحات‪ .. !!!!!!! 0‬تعظ وت‪0‬ذ ّكر بفضل ه‪0‬ذا الي‪0‬وم وبفضل ص‪0‬يامه‬
‫وقيامه ‪ ..‬وبفضل ص‪000‬الته وذك‪00 0‬ره !!! ‪ ..‬ثم ‪ ..‬أم‪00 0‬رت النس‪00 0‬اء بفتح المص‪000‬احف على س‪00 0‬ورة يس ‪..‬‬
‫وبدأن جميعاً بص‪00‬وت واحد بقراءتها ‪ ..‬ح‪00‬تى إذا انتهين منها ‪ ..‬ك‪0ّ 0‬ررن قراءتها م‪00‬رة ثانية‪ 0‬فثالثة !! ‪..‬‬
‫واكتفين !!‬

‫ثم قالت المرأة بانفعال ‪:‬‬

‫ـ واآلن ادعين اهلل بأن بمحو آجالكن‪ 0‬السابقة‪ .. 0‬ويثبت اآلجال‪ 0‬الجديدة بعد قراءة يس ثالث مرات‪0‬‬
‫‪ ..‬ولتطمئنوا ‪ ..‬فلن تم‪0‬وت إح‪0‬داكن‪ 0‬ه‪0‬ذه الس‪00‬نة ما دامت ق‪0‬رأت معنا س‪00‬ورة يس ‪ ..‬ثالث م‪00‬رات ‪..‬‬
‫واآلن س ‪00‬وف ي ‪00‬و ّزع اهلل عليكم األرزاق الجدي ‪00‬دة‪ .. 0‬واآلج ‪00‬ال‪ 0‬الجدي ‪00‬دة‪ .. 0‬ويمحو اآلج ‪00‬ال‪ 0‬القديمة‬
‫التي كتب اهلل فيها بموت امرأة منكن في هذه السنة !!!‬

‫ربـاه ‪ ..‬أس‪00‬تغفر اهلل العظيم ‪ ..‬وكيف يض‪00‬من ع‪00‬دم م‪00‬وتهن في ه‪00‬ذه الس‪00‬نة ؟! ‪ ..‬رأيت االرتي‪00‬اح بادي‪0‬اً‪0‬‬
‫على وجوههن لقد وثقن بعدم موتهن خالل العام ؟!!! ‪ ..‬أي عقول يملكن ؟!!!‬

‫أضافت تلك المرأة في قولها وهي تثّبت نظارتها السميكة‪ 0‬على عينيها ‪:‬‬
‫ـ ق‪00‬ال رس‪00‬ول اهلل ص‪00‬لى اهلل عليه وس‪00‬لم " يا علي ‪ ،‬من ص‪00‬لى مائة ركعة ليلة النصف من ش‪00‬عبان يق‪00‬رأ‪0‬‬
‫في كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو أحد عشر مرات‪ 0‬إال قضى له كل حاجة ‪ " ..‬الخ ‪.‬‬

‫تعالت صيحات النسـوة ‪:‬‬


‫ـ يا فالن بن فالن ‪ ..‬يا فالن بن فالن ‪!! ..‬‬
‫آه …‪ .‬ب ‪00‬دأ اله ‪00‬زل‪ 0‬وأوشك الجد أن يختفي ! ‪ ..‬إنهن‪ 0‬يس ‪00‬تنجدن ويس ‪00‬غيثن !! ‪ ..‬رب ‪00‬اه ‪ ..‬أخرج ‪00‬ني‪0‬‬
‫من بينهن يا رب !! ‪ ..‬ثم أكملت المرأة في ابتسامة‪ 0‬عريضة ‪:‬‬
‫ـ كلنا نعلم ‪ ..‬أن ه ‪00‬ذه الليلة من أعظم اللي ‪00‬الي‪ 0‬المبارك ‪00‬ات وفض ‪00‬لها جد عظيم ‪ ..‬وس ‪00‬بب تفض ‪00‬يلها‬
‫على ب ‪00‬اقي اللي ‪00‬الي ‪ ..‬هو أنها‪ 0‬المقص ‪00‬ود بها في الق ‪00‬رآن ‪ ( ..‬فيها يف ‪00‬رق كل أمر حكيم ) في س ‪00‬ورة‬
‫الدخان ‪ ..‬لذلك‪ 0‬يستحب في ليلة النصف من شعبان العب‪0‬ادة‪ 0‬وال‪0‬ذكر والقي‪00‬ام وق‪0‬راءة الق‪0‬رآن وص‪00‬يام‬
‫يوم أربعة عشر منه ‪.‬‬

‫صرخت بالمرأة بدون وعي مني ‪ ..‬وقلت لها وقد خيّم السكون على الجالسات ‪:‬‬
‫ـ مهالً ‪ ..‬مهالً ‪ ..‬هناك لبس في األمر ‪ ..‬المقصود بهذه اآلية هي ليلة القدر في رمض‪00‬ان ‪ ..‬وليست‬
‫ليلة النصف من شعبان !!‬
‫‪0‬رت إلى وال‪00‬دة‬
‫رأيت الم‪00‬رأة تط‪00‬رف بعينيها ويض‪00‬طرم وجهها وترتبك‪ 0‬فج‪00‬أة ‪ ..‬فال تح‪00‬ير جواب‪0‬اً ‪ ..‬نظ‪ُ 0‬‬
‫ال‪00‬زوج ‪ ..‬فش‪00‬عرت ك‪00‬أن س‪00‬هماً ق‪00‬اتالً أرداها قتيلة وقد اخ‪00‬ترق ص‪00‬درها حين رأت‪00‬ني أع‪00‬ارض أم‪00‬رهم‬
‫العظيم ‪ ..‬بدأ الهمس ‪ ..‬نظرت المرأة إلي بنظرات محرقة ‪ ..‬س‪00‬اخطة ‪ ..‬متحدية ‪ ..‬ابتع‪00‬دت النس‪00‬اء‬
‫الالتي بجانبي شيئاً فشيئاً !! ‪ ..‬هل كفرت ؟!!!!!‬

‫ت‪00‬وقفت الم‪00‬رأة عن الح‪00‬ديث ‪ ..‬انعقد لس‪00‬انها ‪ ..‬تفاج‪00‬أت‪ 0‬بوج‪00‬ودي فيما بينهم !! ‪ ..‬وقفت وأنا أرى‬
‫حقدهن‪ 0‬ونظراتهن المغرضة ! ‪ ..‬وقلت بصوت مسموع ‪:‬‬
‫ـ استغفر اهلل العظيم ……‪! ..‬‬
‫ثم ‪ ..‬مض ‪00‬يت بس ‪00‬رعة نحو دورة المي ‪00‬اه ‪ ..‬كنت واثقة‪ 0‬ب ‪00‬أني‪ 0‬ت ‪00‬ركت تلك الم ‪00‬رأة ومن معها‪ 0‬في حالة‪0‬‬
‫ي ‪00 0‬رثى‪ 0‬لها من ش ‪00 0‬دة الغيظ ‪ ..‬ولكن يا ويل ‪00 0‬تي من ذاك ال ‪00 0‬زوج ال ‪00 0‬ذي ال يفتأ ينه ‪00 0‬رني ويعت ‪00 0‬دي علي‬
‫ب ‪00‬التجريح والض‪000‬رب‪ .. 0‬ب‪000‬دأ الخ‪000‬وف يتش‪000‬بّث ب‪000‬أجزائي‪ .. 0‬وج‪000‬دت حج‪000‬رة فارغة ‪ ..‬مكثت فيها ‪..‬‬
‫وحدي ‪ ..‬الكل ‪ ..‬يحقد علي ‪..‬‬

‫فكرت ملياً ‪ ..‬ما الذي يجبرني على البقاء أك‪0‬ثر ؟!! سأرحـل‪ .. 0‬ها أنا أش‪0‬عر م‪0‬رة أخ‪0‬رى به‪0‬ذا الس‪0‬أم‬
‫العميق ال‪00‬ذي طالما أثقل علي بس‪00‬بب ه‪00‬ذه الحي‪00‬اة الرتيبة‪ 0‬المخيفة معه ‪ ..‬ومعهم‪ .. !! 0‬لش‪0َّ 0‬د ما تهفو‬
‫نفسي إلى لون آخر من الحياة ‪ ..‬حي‪00‬اة يمألها اإليم‪00‬ان والص‪00‬دق ‪ ..‬والراحة والطمأنينة ‪ ..‬ب‪00‬ذكر اهلل‬
‫وبالصالة على وجهها‪ 0‬الصحيح ‪ ..‬ولكن ‪ ..‬كيف ؟! كيف ؟! كيف ؟!!!!‬

‫سمعت النساء يص‪00‬لين المائة‪ 0‬ركعة ! ‪ ..‬يا رب ‪ ..‬أخرج‪00‬ني من هنا برحمتك ‪ ..‬اللهم‪ 0‬ألهم‪00‬ني الص‪00‬بر‬
‫ُ‬
‫والس ‪00 0‬لوان ‪ ..‬تحسست وجهي‪ 0‬بي ‪00 0‬دي ‪ ..‬آث ‪00 0‬ار الش ‪00 0‬حوب قد ظه ‪00 0‬رت عليه ‪ ..‬لقد ارتس ‪00 0‬مت علي‬
‫س‪00‬مات تنم عن أني س‪00‬أفقد‪ 0‬ش‪00‬بابي قبل األوان ‪ ..‬هم الس‪00‬بب في تعاس‪00‬تي وذب‪00‬ولي ‪ ..‬اللهم‪ 0‬خلص‪00‬ني‬
‫منهم يا رحيم ‪..‬‬

‫( ‪ ) 18‬عقاب على الحق !‬

‫في حوالي‪ 0‬التاس‪00‬عة خرجنا‪ 0‬من الم‪00‬نزل ‪ ..‬األم حانقة ج‪00‬داً ‪ ..‬ال تكلم‪00‬ني ‪ ..‬ال تنظر إلي ‪ ..‬لقد القت‬
‫من النس ‪00‬اء الت ‪00‬وبيخ والتع ‪00‬نيف على تك ‪00‬ذيبي لب ‪00‬دعتهم ‪ ..‬أتى‪ 0‬ابنها األص ‪00‬غر ليس ‪00‬تقلنا إلى الم ‪00‬نزل ‪..‬‬
‫الحمد هلل ‪..‬‬
‫دخلت مباش ‪00 0 0‬رة‪ 0‬إلى المطبخ ‪ ..‬أما األم فقد قبعت بانتظ ‪00 0 0‬ار زوجي في الص ‪00 0 0‬الة ‪ ..‬هل س ‪00 0 0‬تخبره ؟!‬
‫بالتأكيد ‪ ..‬إنها‪ 0‬تكاد أن تنفجر ‪ ..‬ولكني لم أخطئ ‪ ..‬ليس من العيب قول الحق !!!‬

‫بالعلو ‪ ..‬اختلست النظر إليه فوجدت أمه تصرخ وتش‪00‬كو م‪00‬ني ثم ‪..‬‬
‫سمعت صوت الزوج وقد بدأ ّ‬
‫بكت !‬

‫أرعد صوت الزوج باالنفعال‪ 0‬وهو يدخل إلى المطبخ ؟‬


‫ـ أين ِ‬
‫أنت ؟ ‪ ..‬أين أنت ؟!‬

‫ص‪0‬رخت بخ‪0‬وف وأوقعت ك‪0‬أس الم‪0‬اء في األرض فتحطم ‪ ..‬أمسك‪ 0‬بش‪0‬عري بق‪0‬وة ولكم‪0‬ني لكمـة ثم‬
‫أتبعها بلطمـة ‪ ..‬وهو يصـرخ ‪:‬‬
‫ـ أيتها الض‪00‬الة ‪ ..‬إلى‪ 0‬م‪00‬تى ؟! ‪ ..‬لم‪00‬اذا تع‪00‬ثين بيننا الفس‪00‬اد‪ 0‬؟! ‪ ..‬لم‪00‬اذا تح‪00‬رجين أمي وتحرجيننا أم‪00‬ام‬
‫الناس ؟‬
‫تباً لك ‪ ..‬لماذا تفعلين ذلك ؟! ‪ ..‬لن ينفعك الكفــرة‪ .. ! 0‬أغربي عن وجهي ‪ ..‬أغربي ‪..‬‬
‫تلويت من شدة األلم‪: 0‬‬
‫بدأ االنهيار على تصرفاتي‪ .. 0‬صحت من أعماق قلبي ‪ّ ..‬‬
‫ـ أرجوك ‪ ..‬كفى ‪ ..‬أرجوك ‪ ..‬إنك تؤلمني ‪ ..‬آه ‪ ..‬اتركني ‪ ..‬أتوسل إليك ‪ ..‬ارحمني …‪..‬‬
‫وقفلت عائدة إلى حجرتي ‪ ..‬كي ألوذ بها من غضبهم ‪ ..‬فاستوقفني عند باب المطبخ صارخاً ‪:‬‬
‫ـ قفي أيتها المتمردة ‪ ..‬قفي ‪ ..‬ال تتحركي ‪..‬‬
‫وقفت مفتوحة الفم وال ‪00 0‬دماء‪ 0‬تس ‪00 0‬يل على وجهي‪ .. 0‬وص ‪00 0‬درت ع ‪00 0‬ني أص ‪00 0‬وات أنين وعويل خافتة ‪..‬‬
‫ضعيفة ‪ ..‬وأنا أتراجع بفزع وخوف من أن يزداد ضربه ‪..‬‬

‫كانت عالمات القسوة والسخط والتحدي واضحة عليه ‪:‬‬

‫ـ اذه‪00‬بي اآلن واعت‪00‬ذري للجميع على ما س‪00‬ببتيه لهم من مض‪00‬ايقات‪ 0‬وإحراج‪00‬ات ‪ ..‬هيا ‪ ..‬والويل لك‬
‫إن وجهت لي شكوى بسببك ‪ ..‬الويل لك …‪..‬‬

‫ركضت إلى والدته‪ 0‬ووقعت أرض‪0 0 0 0 0‬اً لتع ‪00 0 0 0‬ثري بالس ‪00 0 0 0‬جادة ‪ ..‬نهضت ‪ ..‬اختلطت أدمعي مع دمي ‪..‬‬
‫مسحتها بيدي ‪ ..‬استعدت‪ 0‬أنفاسي الممزقة وأنا أقول ‪:‬‬
‫ـ أعت‪00‬ذر لكم جميع‪0‬اً ‪ ..‬أعت‪00‬ذر ‪ ..‬أعت‪00‬ذر ‪ ..‬أرج‪00‬وكم ‪ ..‬أريد ال‪00‬ذهاب‪ 0‬إلى أبي وأمي ‪ ..‬أريد ال‪00‬ذهاب‪0‬‬
‫‪..‬‬
‫أرجوك ‪ ..‬أقنعيه بذلك‪ .. 0‬أنا ال أصلح للعيش هنا ‪ ..‬أرج ِ‬
‫‪0‬وك ‪ ..‬خ‪0‬ذوا كل ما تري‪0‬دون ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫خالتي ‪..‬‬
‫ال أستطيع االستمرار‪ .. 0‬فقط اتركوني أرح ـ ـ ــل ‪..‬‬

‫توجهت إليه باكية ‪:‬‬


‫ُ‬ ‫ثم‬
‫ـ أرجوك ‪ ..‬ارحمني ‪ ..‬ال أستطيع العيش هنا ‪ ..‬أتوسل إليك ‪..‬‬

‫ترددت أنفاسه بصوت مسموع ‪ ..‬ونظر إلي بعينين ناريتين وقال ‪:‬‬
‫ِ‬
‫أدعك تذهبين …‪..‬‬ ‫ـ لن تذهبي‪ .. 0‬لن تذهبي‪ .. 0‬ستبقين معي إلى آخــر حياتـي ‪ ..‬هل تفهمين ‪ ..‬لن‬
‫أحسست بخيبة أمـ ــل شديدة‪ .. 0‬فتح باب الم‪00‬نزل ‪ ..‬وأغلقه بق‪00‬وة ‪ ..‬تحطمت مش‪00‬اعري ‪ ..‬ت‪00‬وجهت‬
‫نحو غرفتي ‪ ..‬مؤنستي ‪ ..‬الصدر الحنون ‪ ..‬جفت الدماء‪ 0‬التي كانت تس‪00‬يل على وجهي‪ .. 0‬غس‪00‬لت‬
‫ما علق به من الدم والدمع ‪..‬‬

‫توضأت ‪ ..‬توجهت إلى اهلل ‪ ..‬بأن الظلم قد بلغ ح‪00‬داً عظيم‪0‬اً ‪ ..‬فال مج‪00‬ال ‪ ..‬اللهم‪ 0‬قد تس‪0‬لّط علي‬
‫جن الليل ‪..‬‬
‫من ال يخافك في وال يرحم ‪00 0‬ني ‪ ..‬وأنا أدعو اهلل من أعم ‪00 0‬اقي دع ‪00 0‬وة مظل ‪00 0‬وم ‪ ..‬ح ‪00 0‬تى ّ‬
‫فتوسدت سجادتي‪ 0‬ونمت مكاني‪ .. 0‬نوماً عميقاً ‪ ..‬عميقـ ـ ـاً …‪.‬‬

‫( ‪ ) 19‬السفر المفاجئ‪ 0‬لزيارة القبور !!‬

‫مرت ثالث ساعات‪ 0‬على نومي في األرض ‪ ..‬تح‪00‬ركت قليالً ‪ ..‬آلمت‪00‬ني أض‪00‬لعي ‪ ..‬تن ّفست الص‪00‬عداء‬
‫‪0‬دي ‪ ..‬وص ‪00‬افحتني معه الكث ‪00‬ير‪ 0‬من األفك ‪00‬ار‪ .. 0‬نظ ‪00‬رت‬
‫بعد أن ص ‪00‬افح وجهي‪ 0‬نس ‪00‬يم الليل المنعش الن ‪ّ 0‬‬
‫إلى س ‪00 0‬اعة ي ‪00 0‬دي بص ‪00 0‬عوبة ‪ ..‬بس ‪00 0‬بب الظالم ‪ ..‬إنها الثالثة‪ 0‬ليالً ‪ ..‬ولكن ‪ ..‬ما مص ‪00 0‬در ه ‪00 0‬ذا اله ‪00 0‬واء‬
‫المنعش ؟ ‪..‬‬

‫التفت إلى الناف ‪00‬ذة ‪ ..‬وإذا ب ‪00‬الزوج قد فتحها على مص ‪00‬راعيها وأخ ‪00‬رج رأسه ونصف جس ‪00‬ده منها !!‬
‫‪0‬دلت جالسة ‪ ..‬ش ‪00‬عرت ب ‪00‬ألم في وجهي وكتفي ‪ ..‬ت ‪00‬ذكرت‪ 0‬ما‬
‫يتأمل ‪ ..‬يتنشق اله ‪00‬واء الن ‪00‬دي ‪ ..‬اعت ‪ُ 0‬‬
‫ح ‪00‬دث‪ 0‬بس ‪00‬رعة ‪ ..‬لم ينتبه ليقظ ‪00‬تي ‪ ..‬انتقلت نظ ‪00‬راتي‪ 0‬إلى حقيبة س ‪00‬فر كب ‪00‬يرة وض ‪00‬عت على األريكة‬
‫!! ‪ ..‬هل هذه الحقيبة لي ؟ ‪ ..‬أوه كم أتمنى ذلك ‪ ..‬لم أتحدث ‪ ..‬أغلق النافذة والتفت نحوي ‪..‬‬
‫ثم ابتعد‪ 0‬بنظ‪00‬ره ولم يتح‪00‬دث هو أيض‪0‬اً ‪ ..‬ش‪00‬عرت‪ 0‬به يأخذ‪ 0‬نفس‪0‬اً عميق‪0‬اً ‪ ..‬ت‪00‬وقفت أنفاسي وأنا أس‪00‬أله‬
‫بصوت خافت خائف ‪:‬‬

‫ـ هل أنت ‪ ..‬جائع ؟! هل ‪ ..‬هل أحضر لك طعاماً ؟‬

‫مطوالً ‪ ..‬وكأنما ين ّقب في وجهي‪ 0‬عن مكان لم تطله ضرباته ‪ ..‬فلم يجد !! ‪..‬‬
‫نظر إلي ّ‬
‫أخفض نظره إلى الحقيبة ‪ ..‬ولم بتحدث ‪ ..‬قام ووضعها على طرف السرير وفتحها ‪ ..‬إنها‪ 0‬ال تزال‪0‬‬
‫جديدة ‪ ..‬أشعل‪ 0‬الضوء ‪..‬‬

‫قلت بحذر ‪..‬‬


‫ـ أما ‪ ..‬أما زلت غاضباً ؟!‬

‫أيضاً لم يتحدث ‪ ..‬فتح خزانة المالبس ووقف أمامها طويالً ‪ ..‬فقلت بهدوء ‪:‬‬
‫ـ أنا آسفة ‪ ..‬ولكن األمر كان ال يحتمل أن تضربني ضرباً مبرحاً ‪ ..‬لقد آلمتني كثيراً ‪..‬‬

‫كنت أرتعد عندما تراجع إلى الخلف ونظر إلى غمام وجهي الممتقع الج‪00‬ريح وقد س‪00‬ترته الظالل ‪..‬‬
‫سكت ‪ ..‬ال فائدة ‪..‬‬

‫قال بدون أن ينظر إلي ‪:‬‬


‫ـ هل آلمتك ؟ ك‪00‬ان ض‪00‬رباً عنيف‪0‬اً ‪ ..‬ولكن أرجو أال تث‪00‬يري حفيظ‪00‬تي م‪00‬رة أخ‪00‬رى ح‪00‬تى ال أك‪00‬رره فيما‬
‫بعد !!‬

‫تشنج وجهي استعداداً‪ 0‬للبكاء ‪ ..‬ولكني لم أفعل ‪ ..‬قلت بكبرياء‪: 0‬‬


‫ـ شكراً لك ‪ ..‬وأتوقع منك المزيد‪ .. 0‬هل أنت جائع ؟!‬
‫تجهزي مالبسي وتضعيها في الحقيبة ‪ ..‬سأسافــر ‪..‬‬
‫ـ ال أريد طعاماً ‪ ..‬أريد منك أن ّ‬
‫ـ ماذا ؟! ‪ ..‬ستسافــر ؟! ‪ ..‬وأنا !! ‪ ..‬ماذا‪ 0‬سأفعل ؟!‬

‫جلس على األريكة ببطء وقال ببساطة ‪:‬‬


‫ـ ِ‬
‫أنت ؟ ستبقين هنا لحين عودتي بالطبع ! ‪ ..‬لن أتأخر‪ .. 0‬بضعة أيام فقط وأعود ‪..‬‬
‫قاطعته برجـاء ‪..‬‬
‫اصطحبني معك ‪ ..‬أريد رؤية أهلي ‪ ..‬أرجوك ‪ ..‬ال أريد البقاء هنا ‪ ..‬وحدي ‪..‬‬

‫قال وهو يضع ساقه على األخرى‪.. 0‬‬


‫جننت ؟! ‪ ..‬أنا أذهب بك إلى أهلك ؟! ‪ ..‬قلت ِ‬
‫لك مراراً لن ترحلي‪ 0‬من بيتي أب‪0‬داً‪ .. 0‬س‪0‬تبقين‬ ‫ـ هل ِ‬
‫معي إلى األبد ‪ ..‬ثم ‪ ..‬من قال أني ذاهب إلى أهلك ؟! أنا ذاهب إلى مكان آخر ‪..‬‬

‫ترددت برهة‪ .. 0‬ثم قلت بمكر وأنا أشعر‪ 0‬بألم في عضالت وجهي‪ 0‬المكلوم ‪:‬‬
‫ـ حس‪00‬ناً ‪ ..‬ما رأيك في أن أذهب لزي‪00‬ارة أهلي خالل األي‪00‬ام ال‪00‬تي ستس‪00‬افر فيها ‪ ..‬ثم ‪ ..‬أع‪00‬ود ‪ ..‬ما‬
‫رأيك ؟! أنا مشتاقة إليهم كثيراً ‪ ..‬هاه ما رأيك أرجوك وعندما …‪..‬‬

‫ابتسم لهذه الفكرة‪ .. 0‬ثم قال ‪:‬‬


‫ـ ال ‪ ..‬ال ‪ ..‬ال ‪ ..‬ال تف ّك‪00‬ري في ه ‪00‬ذا األمر‪ 0‬مطلق‪00‬اً ‪ ..‬لت ت ‪00‬ذهبي‪ .. 0‬ألنك لن تع ‪00‬ودي إلي ‪ ..‬أليس‬
‫كذلك !!‬
‫إني أفهم ما ترمين إليه ‪ ..‬ولكن لن يحدث هذا أبداً أبداً‪ 0‬أبداً ‪..‬‬

‫انعقد لساني‪ .. 0‬ال فائدة ‪ ..‬إنه داهية‪ .. 0‬أجبت بهدوء واتزان مصطنعين ‪:‬‬
‫ـ حسناً ‪ ..‬لك ذلك ‪ ..‬لن أسافر‪ .. 0‬سأبقى‪ 0‬هنا ‪ ..‬في انتظارك !!!!!!! ولكن إلى أين ستسافر ؟‬

‫وقف ……‪ ..‬وذهب لينظر إلى نفسه في المرآة ثم قال ‪:‬‬


‫ـ س ‪00‬أذهب لزي ‪00‬ارة قب ‪00‬ور األولي ‪00‬اء الص ‪00‬الحين وسأص ‪00‬طحب أمي معي ‪ ..‬لقد أخ ‪00‬ذت معي ش ‪00‬اة ح ‪00‬تى‬
‫أذبحها بج ‪00 0‬وار الق ‪00 0‬بر ‪ ..‬وس ‪00 0‬نقيم عن ‪00 0‬ده يوم‪0 0 0‬اً أو بعض ي ‪00 0‬وم ‪ ..‬وبعد ذلك س ‪00 0‬أنقل بعض اللحم إلى‬
‫األصدقاء واألقارب ‪ ..‬و ‪ ..‬إليك بالطبع ‪ ..‬هدية ‪ ..‬فهل تذهبين معنا ؟!!‬

‫صرخت بسرعة ‪ :‬ال ‪ ..‬ال ‪..‬‬


‫ُ‬
‫‪0‬فتي !! ‪ ..‬إن ش‪00‬عر ب‪00‬أني ال أريد ال‪00‬ذهاب‪ 0‬فس‪00‬يرغمني ‪ ..‬نظر إلي بت‪00‬وجس ‪ ..‬فأس‪00‬رعت‬
‫ثم أطبقت ش‪ّ 0‬‬
‫باصطناع ابتسامة‪ 0‬باهتة وحاولت تغيير الموضوع ‪ ..‬فقال ‪:‬‬

‫ـ ولم ال ؟! ‪ ..‬لم ال تريدين‪ 0‬الذهاب ؟!!!‬

‫وجدت صعوبة في الرد من شدة االرتباك الذي سيطر علي ‪ ..‬قلت وأنا أجلس وأبتسم ‪:‬‬
‫ـ ال مانع لدي من السفر‪ 0‬مطلقاً ‪ ..‬سأذهب‪ .. 0‬ولكن ‪ ..‬الطريق شاقة ‪ ..‬وأنا ال أحتملها ‪ ..‬وبال‪00‬ذات‬
‫عندما يكون السفر بالسيارة‪ .. 0‬ألنه ‪ ..‬ألنه‪.. 0‬‬
‫ق‪00 0 0‬اطعني به‪00 0 0‬دوء ‪ :‬الالال ‪ ..‬يجب أن ت‪00 0 0‬ذهبي‪ 0‬معنا ‪ ..‬يجب أن تتعلمي ‪ ..‬كيف غ‪00 0 0‬ابت ع‪00 0 0‬ني تلك‬
‫الفكرة‪ .. 0‬هذه الحقيبة تكفي لشخصين ‪ ..‬قلت بلفهة ‪:‬‬
‫ـ حس‪00‬ناً حس‪00‬ناً ‪ ..‬ال ب‪00‬أس ‪ ..‬ولكن س‪00‬تكون رحلتكم متعبة ‪ ..‬ألن‪00‬ني ‪ ..‬ألن‪00‬ني س‪00‬أجعلكم تبطئ‪00‬ون في‬
‫السير ‪ ..‬فكما قلت لك ‪ ..‬ال أحتمل السفر براً ‪ ..‬ثم ‪ ..‬رفع يده وقال ‪:‬‬
‫جه ‪00‬زي‬
‫ـ أوه ‪ ..‬الال ‪ ..‬إذاً لن‪00 0‬ترك س‪00 0‬فرك معي ل‪00 0‬وقت آخر ‪ ..‬نحن عجل‪00 0‬ون ه‪00 0‬ذه الم‪00 0‬رة ‪ ..‬فقط ّ‪0‬‬
‫مالبسي أنا ‪..‬‬

‫رفعت نظ‪00‬ري إلى الس‪00‬ماء ‪ ..‬تنفست الص‪00‬عداء‪ .. 0‬الحمد هلل ‪ ..‬أب‪00‬ديت اهتمام‪0‬اً‪ 0‬بالغ‪0‬اً بس‪00‬فره دون أن‬
‫أعارضه ‪ ..‬قلت باهتمام وأنا أرتب الحقيبة ‪:‬‬
‫ـ وما القصد‪ 0‬من هذه الرحلة‪ 0‬؟‬

‫أجاب بحماس بكبير ‪:‬‬


‫ـ ليس لها قصد س‪00‬وى التق‪00‬رب إلى اهلل بزي‪00‬ارة قب‪00‬ور الص‪00‬الحين وال‪00‬دعاء عن‪00‬دها والتبّ‪00‬رك بها والتوسل‬
‫إلى اهلل بهم ‪ ..‬إن من عاداتنا ال‪00‬ذهاب إلى ه‪00‬ذه القب‪00‬ور إذا أص‪00‬يب أح‪00‬دنا بجن‪00‬ون أو م‪00‬رض ش‪00‬ديد ‪..‬‬
‫أو ‪..‬‬

‫كتمت أنفاسي فج‪00‬أة ‪ ..‬وغمرت‪00‬ني موجة ض‪00‬يق مما أس‪00‬مع ولك‪00‬ني ص‪00‬برت ‪ ..‬أن أس‪00‬مع أه‪00‬ون من أن‬
‫أفعل ‪ ..‬سألته وأنا أغلق حقيبته بعد أن انتهيت منها ‪:‬‬
‫ـ وهل يبرأ المريض من مرضه أو المجنون من جنونه بسبب هذه الزيارة‪ 0‬؟!!!!!‬

‫ـ أجل ‪ ..‬أجل ‪ ..‬ي‪00‬برأون ‪ ..‬ويهت‪00‬دون ‪ ..‬ويتم‪00‬اثلون للش‪00‬فاء ‪ ..‬س‪00‬وف أدعو ل‪ِ 0‬‬
‫‪0‬ك معي ‪ ..‬وأرجو أن‬
‫يهديك‪ 0‬اهلل !!!!!‬

‫رت في مكاني ‪ ..‬اللهم‪ 0‬ال تجب دعوته ‪..‬‬


‫تسم ُ‬
‫ّ‬
‫قطعت حديثه فجأة وقلت باستغراب ‪:‬‬
‫ـ وهل ستذهب أمك معك أيضاً ؟ ‪ ..‬أعني ‪ ..‬هل ‪ ..‬هل ستزور القبور ؟!!‬

‫لم يكن يتوقع مثل هذا السؤال‪ .. 0‬فقال بصوت حاد ‪:‬‬
‫وتتبرك بها ‪ ..‬فهل هناك ما تعارضينه ؟‬
‫ـ نعم ستذهب معي ‪ ..‬وستزور قبور األولياء ّ‬

‫أطرقت بعيني أرضاً ‪ ..‬وأخذت‪ 0‬أعبث بالسجادة‪ 0‬بأصابعي‪ .. 0‬ثم قلت ‪:‬‬
‫ـ ال ‪ ..‬ولكن ‪ ..‬ال يجوز للنساء زيارة القبور ‪ ..‬فقد نهى عنها النبي صلى ……………‬

‫قاطعني بصوت كالفحيح وقد تألقت عيناه بوهج مخيف ‪:‬‬


‫ـ ال شأن لك مطلقاً ‪ ..‬يبدو أن تأديب اليوم لم ي ِ‬
‫جد معك ‪ ..‬فهل أحاول‪ 0‬تطبيقه مرة أخرى ؟!!!!!‬‫ُ‬

‫ض ‪0 0‬لت‬
‫نهضت من مك‪00 0‬اني مرتبكة‪ .. 0‬ابتع‪00 0‬دت عنه س‪00 0‬ريعاً‪ 0‬ولم أعلم ما ال‪00 0‬ذي أس‪00 0‬تطيع أن أفعله ‪ ..‬ف ّ‬
‫توجهت لفتحه ‪ ..‬فإذا بوالدته قد استع ّدت للذهاب ‪..‬‬
‫ُ‬ ‫تركه وشأنه ! ‪ ..‬طُرق الباب طرقاً خفيفاً‪.. 0‬‬
‫ضلي يا خالتي‪.. 0‬‬
‫ـ تف ّ‬
‫ـ أين زوجك ؟ ‪ ..‬آه ابني ‪ ..‬هيا أنا جاهزة‪ .. 0‬فلنذهب اآلن ‪..‬‬

‫نظر إلى ساعته ‪ ..‬وابتسم لوالدته ‪ ..‬حمل حقيبته واتجه نحو الباب ‪ ..‬خرجت أمه قبله ‪ ..‬عاد بعد‬
‫ثوان وقال ‪ :‬لقد أنقذتك أمي من قبضتي فاحمدي اهلل ‪..‬‬

‫اق ‪00‬تربت من الب ‪00‬اب ‪ ..‬وأغلقته به ‪00‬دوء ‪ ..‬نظ ‪00‬رت إلى الم ‪00‬رآة بح ‪00‬زن ‪ ..‬ك ‪00‬ان الض ‪00‬وء يظهر اله ‪00‬االت‬
‫السوداء والشاحبة‪ 0‬التي أحاطت بعيني !!‬

‫( ‪ ) 20‬رنين الهاتف !‬

‫هبطت إلى األسفل ‪ ..‬نظ‪00‬رت إلى الناف‪00‬ذة ‪ ..‬ك‪00‬ان المطر يس‪00‬قط بغ‪00‬زارة ‪ ..‬ص‪00‬نعت كوب‪0‬اً‬
‫ً‬ ‫بعد ساعتين‬
‫من الش‪000‬اي الس‪000‬اخن‪ .. 0‬جلست بق‪000‬رب الناف‪000‬ذة المغلقة في الط ‪00‬ابق‪ 0‬الس ‪00‬فلي‪ .. 0‬وح ‪00‬دي ‪ ..‬أنظر إلى‬
‫المطر بذهن شارد وأمامي كوب الشاي‪ .. 0‬وفي حجري صحن صغير به قطعة من كعكة جوز الهند‬
‫‪ ..‬لقد اقترب موعد اآلذان ‪ ..‬آذان الفجر ‪..‬‬

‫َّ‬
‫رن ج ‪00‬رس اله ‪00‬اتف‪ 0‬في الحج ‪00‬رة الثانية فما ك ‪00‬ان م ‪00‬ني إال أن انتفضت في مك ‪00‬اني‪ .. 0‬تواصل رنينه ‪..‬‬
‫نظرت إلى الساعة ‪ ..‬إنها الرابعة‪ 0‬والربع فجراً ‪..‬‬
‫قمت بارتجاف وأضأت النور بأصابع مرتعشة ‪ ..‬أين أخت زوجي ؟ ال بد أنها‪ 0‬نائمة ‪..‬‬
‫أصر على الرنين ‪ ..‬فأهملته ‪ ..‬بقي نصف ساعة على اآلذان ‪..‬‬
‫امتنعت عن اإلجابة‪ 0‬على الهاتف ‪ّ ..‬‬

‫صعدت السلم حتى وصلت إلى منتصفه ‪ ..‬وفجأة ‪ ..‬طُرق الباب الخارجي‪ 0‬للمنزل !!!‬

‫‪0‬بي ‪ ..‬ظه‪00‬رت عالم‪00‬ات الخ‪00‬وف‬


‫أخذ قل‪00‬بي ينبض بس‪00‬رعة ‪ ..‬وأنفاسي تتس‪00‬ارع ‪ ..‬اس‪00‬تدرت‪ 0‬على عق‪ّ 0‬‬
‫على وجهي ‪ ..‬ع ‪00‬دت أدراجي‪ 0‬به ‪00‬دوء أتلمس من الط ‪00‬ارق !! ‪ ..‬وفي ه ‪00‬ذا ال ‪00‬وقت !! ‪ ..‬اق ‪00‬تربت من‬
‫عين الباب الصغيرة ‪ ..‬وإذا به أحد أقاربه !!!!‬

‫دققت النظر فرأيته يسترق النظر إلى المنازل األخرى‪ 0‬المجاورة لئال يراه أحدهم‪ 0‬وهو يريد الدخول‪0‬‬
‫إلي !!!‬

‫قلت له بحزم من خلف الباب الموصد ‪:‬‬


‫ـ نعم !! ‪ ..‬ماذا تريد‪ 0‬؟! ‪ ..‬ومن تريد‪ 0‬؟!!‬

‫قال بلهفة وبصوت يختلف عن الصوت الذي عهدته له ‪:‬‬


‫ـ افتحي الباب ‪ ..‬بسرعة ‪ ..‬هيا افتحي الباب‪!!! 0‬‬

‫تراجعت خطوة إلى الوراء ! ‪ ..‬واشت ّدت‪ 0‬نبرة صوتي ‪:‬‬


‫ـ ماذا تريد‪ 0‬؟ ‪ ..‬زوجي غير موجود اآلن !! ‪ ..‬عد في وقت الحق‪ 0‬حين يعود !!‬

‫حاول أن يحافظ على هدوئه قائالً ‪:‬‬


‫ـ أع ‪00‬رف ذلك ‪ ..‬ل ‪00‬ذا أنا موج ‪00‬ود اآلن ! ‪ ..‬أعلم أنه قد رحل منذ س ‪00‬اعتين ولكن لِم لَم تجي ‪00‬بي على‬
‫الهاتف !! ‪ ..‬هيا افتحي الباب‪ 0‬لم يعد هناك متّسع من الوقت !!!!!!!!!‬

‫ص ‪00‬دمت ! ‪ ..‬ص ‪00‬عقت !!! ‪ ..‬خفت أن أس ‪00‬يء الظن ولكن ‪ ..‬ال ‪ ..‬لس ‪00‬ان حاله‪ 0‬ينطق عنه ذاك الوغد‬
‫الخائن !!!!‬
‫ش‪00‬عرت بالكراهية العميقة‪ 0‬نح‪00‬وه ‪ ..‬ونحو زوجي ال‪00‬ذي جعل‪00‬ني عرضة لكل ما يص‪00‬يبني !! ‪ ..‬أوقعت‬
‫كوب الشاي فتحطّـم ! ‪ ..‬صرخت بأعلى صوتي وأنا أشعر‪ 0‬بالغثيان ‪:‬‬
‫ـ قلت لك زوجي غ‪000‬ير موجـود ‪ ..‬أغ‪000‬رب عن ه‪000‬ذا المك‪000‬ان ‪ ..‬اذهب اآلن وف‪000‬وراً ‪ ..‬لن أفتح لك‬
‫الباب ‪ ..‬هيا اذهب ‪ ..‬اذهب ‪..‬‬

‫يوجه الش ‪00 0‬تائم‪ 0‬من ف ‪00 0‬رط الخيبة !!! ‪ ..‬ويح‪ّ 0 0 0‬دق بالب ‪00 0‬اب ويح ‪0ّ 0 0‬رك مقبضه بكل قوته وكأنما‬
‫س ‪00 0‬معته ّ‬
‫سيكسره !! ‪..‬‬
‫صرخت وأخذت أجري وأنا أقطع الممر الطويل ! ‪ ..‬كالمصابة بالجنون ! ‪..‬‬
‫ً‬

‫توجهت نحو الساللم ال ألتفت خلفي خشية أن يكسر‪ 0‬الباب فيدخل ‪ ..‬طرقت حجرة أخت ال‪00‬زوج‬
‫بعنف اس‪00‬تيقظت مفجوعة م‪00‬أخوذة !! ‪ ..‬رأت‪00‬ني أغلق بابها‪ 0‬بالمفت‪00‬اح م‪00‬رتين ‪ ..‬أضع كل ما اس‪00‬تطعت‬
‫حمله خلف الب ‪00 0‬اب !! ‪ ..‬ارتميت بين ذراعيها أنتحب ‪ ..‬نهضت فتلقت ‪00 0‬ني وأجلس ‪00 0‬تني‪ 0‬على الس ‪00 0‬رير‬
‫بجانبها وهي تقول مذعورة ‪:‬‬

‫أنت بخير ؟ ‪ ..‬هل ِ‬


‫أنت على ما يرام ؟!‬ ‫ـ ما بك ؟! ‪ ..‬ماذا حدث‪ 0‬؟! ‪ ..‬هل ِ‬

‫رفعت وجهي المبلل بالدموع وتمتمت قائلة ‪:‬‬


‫ُ‬
‫ـ ال شيء ‪ ..‬ال شيء ‪ ..‬ال شيء !!‬

‫لن يصدقوني !! ‪ ..‬سيعبثون بعواطفي !!‬

‫فاضت عين ‪00 0‬اي بالمزيد‪ 0‬من ال ‪00 0‬دمع ‪ ..‬والمزيد‪ 0‬من الحرقة ‪ ..‬ف ‪00 0‬دعوت عليهم في ثنايا‪ 0‬الليل ‪ ..‬ب ‪00 0‬أال‬
‫يسامح هذا الزوج على ما أرداني‪ 0‬إليه من شرور ‪ ..‬وأال يسامح من يساعده في إيذائي‪.. 0‬‬
‫ألمحت له ما أعاني من مضايقات‪ 0‬أقاربه كلما التقيت بهم ‪ ..‬فاتهمني بسوء النيّة !! ‪ ..‬وأن‪00‬ني‬
‫ُ‬ ‫فكم‬
‫أنا ال‪00‬تي أغ‪00‬ريهم بي عن‪00‬دما أتخ ّفى عنهم ‪ ..‬يا إلهي‪ 0‬ما أشد ظلمه لي !! ‪ ..‬ه‪00‬ذه هي النتيجة !! ‪ ..‬لم‬
‫أعد آمن على نفسي‪ 0‬منهم ‪ ..‬لم أعد أثق به أو بهم !‬

‫‪0‬يي وناص‪000‬ري ـ فانص‪000‬رني عليهم بما ظلم‪000‬وني وب‪000‬الغوا‪ 0‬في إيالمي !! ‪ ..‬ثم رفعت من‬
‫يا رب أنت ول‪ّ 00‬‬
‫س ‪00 0‬جودي ‪ ..‬وس‪0 0 0‬لّمت ‪ ..‬واحتض ‪00 0‬نت ي ‪00 0‬دي أح ‪00 0‬اول تهدئة‪ 0‬نفسي ‪ ..‬بنفسي‪ .. !!! 0‬فكل عصب في‬
‫جسدي كان يدعوني لترك المكان !!!‬

‫‪0‬دنو أجلي‪0‬‬
‫مر النه‪00‬ار الجديد‪ 0‬بس‪00‬رعة ‪ ..‬تلته األي‪00‬ام الباقية ‪ ..‬وكلما جن ليل أو ط‪00‬رق الب‪00‬اب ش‪00‬عرت‪ 0‬ب‪ّ 0‬‬
‫‪ ..‬وخوفي على نفسي‪ .. 0‬وعاد الخوف من الزوج يرافقني‪ .. 0‬سيعود ‪ ..‬سيعود ‪ ..‬وس‪00‬تعود معه كل‬
‫اآلالم وسيحطّم كل اآلمال‪!! 0‬‬
‫( ‪ ) 21‬العودة من الروحانية‪! 0‬‬

‫اقتربت عودته ‪ ..‬هذا اليوم الثامن‪ 0‬لغيابه ‪ ..‬اشتقت ألهلي‪ 0‬كثيراً ‪ ..‬أريد محادثتهم‪ .. 0‬ولكن !!‬
‫لقد منعني من ذلك ‪ ..‬وأمرني بعدم محاولة مهاتفتهم‪ .. 0‬ليكن ! لن أحادثهم‪ .. 0‬لقد وعدته !! ‪..‬‬
‫مع أنه ال يس ‪00‬تحق الوف ‪00‬اء ! ‪ ..‬ولكن لن أغضب اهلل من أجله ‪ ..‬لن أفعل ‪ ..‬مع أن الش ‪00‬وق يحرق ‪00‬ني‬
‫إليهم ‪..‬‬

‫ص ‪00‬ليت المغ ‪00‬رب‪ .. 0‬خ ‪00‬رجت من حج ‪00‬رتي وأغلقت الب ‪00‬اب به ‪00‬دوء ‪ ..‬ما ه ‪00‬ذا الس ‪00‬أم ؟! ‪ ..‬أش ‪00‬عر‪ 0‬به‬
‫عميقاً في حناياي‪!! 0‬‬

‫س ‪00‬معت أص ‪00‬واتاً في الط ‪00‬ابق الس ‪00‬فلي ‪ ..‬ارتعشت ! ‪ ..‬من ه ‪00‬ذا أيض ‪0‬اً ؟! ‪ ..‬هل هو أحد أقاربه ؟! ‪..‬‬
‫أين أختبئ ؟! ‪ ..‬نظرت بح‪00‬ذر وخ‪0‬وف من أعلى الس‪0‬لّم ألتع‪0‬رف على الق‪00‬ادم ! ‪ ..‬أوه ال !!!! ‪ ..‬إنها‬
‫والدة زوجي !! ‪ ..‬إذاً فقد عاد !! ‪..‬‬

‫ارتجفت ‪ ..‬تجم‪00‬دت أط‪00‬رافي ‪ ..‬وتش‪0ّ 0‬وش ذه‪00‬ني ‪ ..‬هل أع‪0‬ود إلى حج‪00‬رتي ؟! ‪ ..‬لم أتمكن من ذلك‬
‫‪0‬نعت المـرح ‪ ..‬هبطت مس‪00 0‬رعة ! ‪ ..‬ع‪00 0‬انقت‬
‫فقد لمحت‪00 0‬ني والدته عند الس‪00 0‬لم وك‪00 0‬ذا أخته ! ‪ ..‬تص‪ُ 0 0‬‬
‫والدته وحمدت اهلل على عودتها سالمة ‪ ..‬تحركت نظراتي تبحث عنه !! ‪ ..‬أين هو ؟‬

‫قالت أمه وهي تجلس ‪:‬‬


‫ـ زوجك قادم ‪ ..‬إنه في الخارج ! سيأتي باألمتعة من السيارة ‪..‬‬

‫نظ ‪00‬رت إلى س ‪00‬اعتي وابتس ‪00‬مت في محاولة إلخف ‪00‬اء‪ 0‬خ ‪00‬وفي واض ‪00‬طرابي‪ .. 0‬وفجـأة ‪ ..‬س ‪00‬معت ص ‪00‬وتاً‬
‫‪0‬تدرت بوجل ‪ ..‬ورأيته يغلق الب ‪00‬اب‪ 0‬بعنف !! ‪ ..‬ش ‪00‬عرت وك ‪00‬أن ص ‪00‬وت إغالق الب ‪00‬اب‪ 0‬يصم‬
‫خلفي اس ‪0ُ 0‬‬
‫أذني ‪ ..‬ويتردد صداه في عقلي ‪ ..‬ليعيدني‪ 0‬إلى الحاضر ويس‪00‬دل س‪00‬تائره على الراحة والحرية ‪ ..‬في‬
‫األيام الماضية !!‬

‫انتبهت إلى صوت أخته تقول ‪:‬‬


‫ً‬
‫ـ ما بالك‪ 0‬؟ ‪ ..‬هل أنت معنا ؟!!‬

‫ـ آسفة ‪ ..‬كنت ‪ ..‬كنت أفكر في ‪ ..‬هل ِ‬


‫قلت شيئاً ؟!‬

‫تداركت األمر‪ 0‬سريعاً‪ 0‬وقلت له ‪:‬‬


‫ـ حمداً هلل على سالمتكم ‪ ..‬كيف كانت الرحلة‪ .. 0‬؟!‬

‫رمى بنفسه على الكرسي‪ 0‬قائالً بفرح غامر ‪:‬‬


‫ـ موفقة جداً جداً جداً ‪ ..‬أشعر‪ 0‬بروحانية‪ 0‬عالية وإيمان متزايد منذ أن ذهبت إلى ذلك المكان !! ‪..‬‬
‫بلعت ريقي بصعوبة وقلت ‪ :‬الحمد هلل ‪..‬‬
‫ُ‬

‫ثم جلست معهم ‪ ..‬نتب ‪00‬ادل‪ 0‬أط ‪00‬راف الح ‪00‬ديث ‪ ..‬وأج ‪00‬برت نفسي‪ 0‬على س ‪00‬ماع تلك الرحلة اإليمانية‬
‫!!!!!‬

‫نظرت أخته إليه وكانت تقاسيم وجهها‪ 0‬تعبر عن السرور قائلة ‪:‬‬
‫ـ أخي ‪ ..‬أين وضعتم أماناتكم‪ 0‬وحاجياتكم‪ 0‬أثناء الرحلة‪ 0‬؟‬

‫أغمض عينيه بسرور بالغ ‪ ..‬وابتسم ابتسامة لم أرها من قبل ‪:‬‬


‫ـ لقد وضعناها‪ 0‬على قبور الصالحين ‪ ..‬ألنهم يقومون بحراستها‪ 0‬فال تسرق وال تؤخذ ‪ ..‬وكذلك من‬
‫أجل الحفاظ عليها وإنزال‪ 0‬البركة بها ‪..‬‬

‫تمالكت نفسي وشعرت‪ 0‬بالذهول‪ 0‬من قوله ‪ ..‬يا إلهي‪ .. !! 0‬هل يعتقدون أن الموتى يقومون بحراسة‬
‫ما يوضع على قبورهم ؟ ‪ ..‬أنه كفر بواح ‪ ..‬ماذا‪ 0‬يقول ذلك المتطاول ؟‬

‫أجابته‪ 0‬أخته وما زالت تحت تأثير سحر كلماته ‪:‬‬


‫ـ هنيئاً لكم ‪ ..‬هنيئاً لكم ‪ ..‬يا ليتني كنت معكم !‬
‫ـ آه يا ابن ‪00‬تي …‪ .‬إنها أي ‪00‬ام جميلة ال تنسى ‪ ..‬لقد طفنا ح ‪00‬ول الق ‪00‬بر ثالث م ‪00‬رات بالس ‪00‬يارة‪ 0‬ح ‪00‬تى ال‬
‫يلحق بنا أذى أو ضرر خالل رحلتنا ‪..‬‬
‫والحمد هلل كان لنا ما أردنا ‪..‬‬

‫فتحت عيني تعجباً ! ‪ ..‬توقفت عن التنفس فقاطعتها بدون شعور ‪:‬‬


‫ـ تطوفون حول القبر ؟ ‪ ..‬حول القبر يا خالتي ؟ ‪ ..‬وهل هناك كعبة أخ‪00‬رى في تلك البالد للط‪00‬واف‬
‫؟ ‪..‬‬
‫إذا كان الطواف حول قبر نبي من األنبياء ال يجوز شرعاً فما ِ‪0‬‬
‫بالك بقبر أحد العامة‪ 0‬؟!!!!!‬

‫خيّـم ص ‪00‬مت قاتل ‪ ..‬تنملت أط ‪00‬رافي وأنا أنتظر جواب‪00‬اً لما ي ‪00‬دور ب ‪00‬داخلي ‪ ..‬ك ‪00‬انت نظ ‪00‬رات ال ‪00‬زوج‬
‫المرعبة هي اإلجابة‪ 0‬الش‪00‬افية ! ‪ ..‬أزاح بنظ‪00‬ره ع‪00‬ني ‪ ..‬وتظ‪00‬اهر‪ 0‬باهتمامه بإكم‪00‬ال الح‪00‬ديث ‪ ..‬تغ‪00‬يرت‬
‫مالمحه وهو يقول ‪:‬‬
‫ـ لقد شهدنا‪ 0‬وفاة أحد الصالحين هناك ‪ ..‬كان منظراً مؤثراً ال يزال عالقاً بذهني‪ 0‬حتى اآلن ‪..‬‬

‫تك ّدر وجه والدته وهي تضيف ‪:‬‬


‫ـ نعم ‪ ..‬عن‪00‬دما حملت جنازته‪ 0‬لل‪00‬دفن وبعد أن ق‪00‬رئت عليها قص‪00‬يدة ال‪00‬بردة ـ للبوص‪00‬يري ـ وتلي عليها‬
‫القرآن ورددت األناشيد‪ .. 0‬جاء اإلمام ودعا على الحجر الذي يجعل وسادة للميت ‪..‬‬

‫قلت بتهذيب مغلف في محاولة مني للفهم ‪:‬‬


‫ـ وهل ……‪ .‬وهل هذا جائز ؟‬

‫لم يجب أحد منهم س‪00‬ؤالي‪ 0‬للم‪00‬رة الثانية !! ‪ ..‬ف‪00‬أيقنت بأنها‪ 0‬إح‪00‬دى‪ 0‬الب‪00‬دع ال‪00‬تي اس‪00‬تحدثوها ‪ ..‬م‪00‬اذا‬
‫يفعل هؤالء ؟ ‪ ..‬ثم تذكرت‪ 0‬قول الرسول عليه الصالة والس‪0‬الم " من أح‪0‬دث‪ 0‬في أمرنا‪ 0‬ه‪0‬ذا ما ليس‬
‫منه فهو رد " ‪.‬‬

‫ابتسم أخوه األصغر في محاولة لتهدئة وتخفيف التوتر وأضاف ‪:‬‬


‫ـ أخي …‪ .‬بم يدعو اإلمام على ذلك الحجر قبل وضع رأس الميت عليه ؟‬

‫الحنو والعاطفة‪: 0‬‬


‫رد عليه بكلمات تحمل الكثير‪ 0‬من ّ‬
‫ّ‬
‫ـ يق‪00‬رأ في دعائه أنك يا فالن تأتيك ه‪00‬ذه األس‪00‬ئلة‪ 0‬وي‪00‬ذكرها …… ويق‪00‬ول إذا ُس ‪0‬ئلت ف‪00‬أجب عنها‬
‫بهذه اإلجابات وال تعجز فتكن من الهالكين ‪ ..‬وإذا أجبت ضمنت لك الجنة ووفّقت إلى الصواب‬
‫‪..‬‬

‫دققت سريعـاً في وجهه ‪ ..‬إنه جـاد !! ‪ ..‬ما هذا الهراء ؟ ‪ ..‬سألته بهدوء مصطنع ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ـ وهل ينفع ال‪00 0‬دعاء ذلك الميت ؟ ‪ ..‬أع‪00 0‬ني ‪ ..‬هل يجيب حق ‪0 0‬اً عن تلك األس‪00 0‬ئلة كما أم‪00 0‬ره ب‪00 0‬ذلك‪0‬‬
‫اإلمام ؟!!!!!‬

‫اعتدل في جلسته وكأنه قد قرأ أفكاري ثم أجاب‪ 0‬بثقة مفرطة ‪:‬‬


‫ـ بالطبع تنفعه‪ .. !! 0‬وإال فكيف يضمن له اإلمام الدخول إلى الجنة إذاً ؟!‬
‫ِ‬
‫تفكيرك جـامد‪!!! 0‬‬ ‫إنه عالم يصعب ِ‬
‫عليك فهمه ‪ ..‬ألن‬

‫أمسكت بالكأس‪ 0‬بأصبع مرتعشة‪ .… 0‬وهتفت ‪:‬‬


‫ُ‬
‫ـ لكن الغيب ال يعلمه غ‪00‬ير اهلل ـ س‪00‬بحانه وتع‪00‬الى ـ ……… وال يمكن ألحد أن يض‪00‬من مص‪00‬ير أحد‬
‫كائناً من كان …‪ .‬حتى وإن كان عابداً أو زاهداً‪ .. !! 0‬أليس كذلك ؟!!!!!‬

‫ح ـ ّدق بي ‪ ..‬ثم بدأ بتوجيه الشتائم ‪:‬‬


‫‪0‬ك تحملين عقلية متحج ‪00‬رة مح ‪00‬دودة ! ‪ ..‬فكيف ل ‪ِ 0‬‬
‫‪0‬ك أن تفهمي تلك األم ‪00‬ور ؟! ‪ ..‬من األفضل‬ ‫ـ إن ‪ِ 0‬‬
‫لك أن تتوقفي عن الجدال‪ .. 0‬وإال فالعالج الناجح سيبدأ اآلن !!!!‬

‫‪0‬اجترعت ما تبقى منه ثم وض ‪00‬عتها بص ‪00‬مت ‪ ..‬بينما ق ‪00‬ال‬


‫ُ‬ ‫ك ‪00‬انت الك ‪00‬أس‪ 0‬قد ش ‪00‬ارفت على نهايتها‪ .. 0‬ف ‪0‬‬
‫لوالدته واخوته باختصار ‪:‬‬
‫‪0‬برعت بالم ‪00‬ال ال ‪00‬ذي جمعته منكم لص ‪00‬الح إقامة مس ‪00‬جد على ق ‪00‬بر أحد أولي ‪00‬اء اهلل الص ‪00‬الحين‬
‫ـ لقد ت ‪ُ 0‬‬
‫هناك ‪ ..‬فأرجو أن يتقبل اهلل منا جميعاً ‪..‬‬

‫اجتاحتني‪ 0‬رعدة مفاجئة‪ 0‬فنطقت بعد أن ابتلعت ريقي بصعوبة ‪:‬‬


‫ـ إقامة مس‪00‬جد على ض‪00‬ريح ؟ ‪ ..‬أنت ت‪00‬برعت بالم‪00‬ال‪ 0‬من أجل ذلك ؟ ‪ ..‬كيف فعلت ؟ ‪ ..‬ولم‪00‬اذا ؟‬
‫‪..‬‬

‫قال بنفاد صبر وحيرة ‪:‬‬


‫ـ وم‪00‬اذا في األمر ؟ ‪ ..‬لم‪00‬اذا تعارض‪00‬ين كل شي ؟! ‪ ..‬أال تعجب‪ِ 0‬‬
‫‪0‬ك أم‪00‬ور الخ‪00‬ير أيض ‪0‬اً ؟! ‪ ..‬ك ّفي عن‬
‫ذلك !! ‪ ..‬هذا يكفي‪ .. 0‬هل تسمعين ؟!!‬

‫تركزت أنظارهم علي ! ‪ ..‬كيف لهم أن يفهموا ؟ ‪ ..‬كيف أقنعهم ؟‬

‫ُّ‬
‫التفت إليهم بتركيز ‪ ..‬ثم قلت بوجل ‪:‬‬
‫ـ صدقـوني …‪ .‬الص‪00‬الة ال تج‪00‬وز في ه‪00‬ذه المس‪00‬اجد ‪ ..‬وال يج‪00‬وز بناؤها‪ 0‬فكيف بالص‪00‬الة فيها ؟ ‪..‬‬
‫إنها من عادات اليهود والنصارى ! ‪ ..‬افهموني أرجوكم ـ زمجـرت أمه وقالت ساخطـة‪: 0‬‬
‫ـ يبدو أننا ترفقنا بك كثيراً ! ‪ ..‬ولكن أن تسخري منا فال ‪ ..‬أنت ذات عقلية معق‪00‬دة‪ .. 0‬ولن أس‪00‬مح‬
‫لك بالمزيد ‪..‬‬

‫أردفت بسرعة ‪:‬‬


‫ُ‬
‫ـ آس‪00‬فة ‪ ..‬آس‪00‬فة ‪ ..‬لم أقصد ذلك ! ولكن الرس‪00‬ول‪ 0‬عليه الص‪00‬الة والس‪00‬الم يق‪00‬ول " لعن اهلل اليه‪00‬ود‬
‫والنص ‪00‬ارى اتخ ‪00‬ذوا قب ‪00‬ور أنبي ‪00‬ائهم‪ 0‬مس ‪00‬اجد‪ .. " 0‬بل يجب نبش قب ‪00‬ور من دفن فيها ونقلها إلى مق ‪00‬برة‬
‫عامة !! …‪ .‬و ……‪.‬‬

‫رفـع حاجبيه استغراباً‪ 0‬وقاطعني ‪:‬‬


‫ـ أال تعلمين أننا قبّلنا القب‪00 0‬ور والحج‪00 0‬ارة الموض‪00 0‬وعة عليها تعظيم ‪0 0‬اً وتكريم ‪0 0‬اً‪ 0‬لألم‪00 0‬وات ؟ ‪ ..‬وطلبنا‬
‫أنت فيه من ضالل ؟ ‪ ..‬ولكن يبدو ِ‬
‫أنك‬ ‫المدد والعون منهم ؟ ‪ ..‬وتوسلنا بهم وبجاههم لتتركي ما ِ‬
‫هالكة‪ 0‬ال محالة !!‬

‫‪0‬اولت أن أثنيه عن آرائه ! ‪ ..‬ولك‪00 0‬ني وقفت أجمع الك‪00 0‬ؤوس وأق‪000‬ول ببس‪000‬اطة ح‪000‬تى ال أث‪000‬ير‬
‫عبث ‪0 0‬اً ح‪ً 0 0‬‬
‫غضبهم ‪:‬‬
‫ـ ال أعتقد أن طلب الع ‪00‬ون والم ‪00‬دد من غ ‪00‬ير اهلل يج ‪00‬دي ! ‪ ..‬وال أن تقبيل القب ‪00‬ور والحج ‪00‬ارة س ‪00‬وى‬
‫خض ‪00‬وع وذل لغ ‪00‬ير اهلل تع ‪00‬الى‪ .. ! 0‬وال أن تعظيم الجم ‪00‬ادات واألم ‪00‬وات مش ‪00‬روعاً فيقبله عاقل ل ‪00‬بيب‬
‫!!!‬

‫استرقت النظر إليهم ‪ ..‬إنهم واجمون ‪ ..‬وكأن على رؤوسهم الطير ‪..‬‬
‫ُ‬
‫توجهت نحو باب الحجرة ففتحته ……‪ ..‬وخرجت وأنا أردد في قرارة نفسي‪ 0‬قوله تعالى‪0‬‬
‫( ذلكم‪ 0‬اهلل ربكم له الملك وال ‪00 0‬ذين ت ‪00 0‬دعون من دونه ما يملك ‪00 0‬ون من قطم ‪00 0‬ير * إن ت ‪00 0‬دعوهم ال‬
‫يسمعوا دع‪0‬اءكم ولو س‪0‬معوا ما اس‪0‬تجابوا لكم وي‪0‬وم القيامة‪ 0‬يكف‪0‬رون بش‪0‬رككم‪ 0‬وال ينبئك مثل خب‪0‬ير‬
‫)‬

‫أعددت طعام العشاء ‪ ..‬ما زالوا ثائرين‪ 0‬على معارضاتي أن كيف أتطاول‪ 0‬على معتقداتهم الش‪00‬ريفة !!‬
‫‪..‬‬
‫ابتسمت للجميع وكأن شيئاً لم يكن ‪ ..‬ثم دعوتهم لتناول العشاء‪ .. 0‬أمرني‪ 0‬بالجلوس فجلست ‪..‬‬
‫فتح حقيبته وأخرج منها بعضاً من الحجارة والتراب‪ 0‬وناولني‪ 0‬إياها ‪ ..‬رفعت نظري إليه ببطء وقلت‬
‫بتعجب ‪:‬‬
‫ـ وما هــذا ؟‬

‫ركز نظره علي ثم قال بتحد وعناد ‪:‬‬


‫ـ ه‪00‬ذا نص‪00‬يبك مما حملته معي من تلك القب‪00‬ور للت‪00‬برك بها ‪ ..‬فح‪00‬افظي عليها واعت‪00‬ني بها ‪ ..‬وس‪00‬أتابع‬
‫ذلك بنفسي ‪..‬‬

‫ب ‪00‬ادرت‪ 0‬باالحتج ‪00‬اج‪ .. 0‬فرفع ي ‪00‬ده ليلزم ‪00‬ني الص ‪00‬مت بعد أن نظر إلي بتلك النظ ‪00‬رات‪ 0‬المتوهجة ال ‪00‬تي‬
‫وتنهدت بألم‪ 0‬وأطرقت برأسي‪ 0‬إلى األرض قسراً ‪..‬‬
‫قاربت على إحراقي‪ .. 0‬فامتنعت عن الحديث ّ‬

‫قالت أخته ببهجة وهي تحتضن يدي والدتها‪: 0‬‬


‫ـ أمـي ‪ ..‬ما رأيك في ال‪00 0‬ذهاب‪ 0‬م‪00 0‬رة أخ‪00 0‬رى ؟! ‪ ..‬ولكن لن ت‪00 0‬ذهبوا من دوني ‪ ..‬آه ‪ ..‬كم أش‪00 0‬تاق‬
‫لذلك ‪..‬‬
‫بادلتها‪ 0‬األم بابتسامة أعمق وهي تضمها وتقول باهتمام ‪:‬‬
‫ـ أوه ب ‪00 0‬الطبع يا ابن ‪00 0‬تي س ‪00 0‬نذهب في أق ‪00 0‬رب فرصة ‪ ..‬وس ‪00 0‬ترافقنا زوجة أخيك بال شك !! وإالّ فـال‬
‫!!! ‪..‬‬
‫شعرت بجسدي كله يرتجف فقلت منتبهة ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ـ ماذا ؟ ‪ ..‬نعم نعم …‪ ..‬سنرى إن شاء اهلل ‪ ..‬لكل حادث‪ 0‬حديث ‪..‬‬

‫قالت أخته تخاطبه بفـرح ‪:‬‬


‫ـ إلى أين ستكون رحلتنا القادمة يا أخي ؟ ‪ ..‬هيا أخبرني‪ .. 0‬إلى أين ‪..‬‬

‫ه ّـز كتفيه وقال بحرارة ‪:‬‬


‫ـ المرة المقبلة سنترافق بنية السفر بزيارة قبر النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪..‬‬
‫أتفوه بأي تعليق ‪ ..‬وعلت جبيني تقطيبة خفيفة ‪ ..‬فواصل كالمه ‪:‬‬
‫ثم ح ّدق ناحيتي ‪ ..‬لم ّ‬
‫ـ للتبرك به وسؤاله قضاء حاجاتنا‪ 0‬وتفريج كرباتنا ‪ ..‬و ‪ ..‬هداية ضالّنا !!‬

‫فلمعت عيناه فجأة وكأنه يهدد ! ‪ ..‬تراجعت ‪ ..‬خفضت عيني ألحملق في ي‪00‬دي ‪ ..‬ح‪00‬اولت جاه‪00‬دة‬
‫أن أبتسم وأستعيد ثباتي‪ .. 0‬فقلت بصعوبة بالغة ‪:‬‬
‫ـ أنت تقصد أن نذهب إلى هناك بنية الصالة فيه فقط ! ‪ ..‬أليس كذلك ؟! ‪ ..‬ألن ……‪..‬‬

‫قاطعني بعنف ‪:‬‬


‫ـ ال يا عزيزتي ‪ ..‬بل بنية شد الرحال‪ 0‬وزيارة القبر !!! ‪ ..‬هل لديك‪ 0‬اعتراض أيضاً ؟!!!‬

‫بدأ عقلي وكأنه سينفجر فقلت بصعوبة وكأني أنتزع الكلمات‪ 0‬من بئر سحيق ‪:‬‬
‫ـ ولكن ‪ ..‬ولكن ‪ ..‬ال تجوز زيارة القبور بشد الرحال إليها ‪ ..‬بل هي ‪..‬‬

‫تبادل الجميع النظرات الحاقدة ‪ ..‬واشتدت‪ 0‬نبرة صوته وهو يقف ويزيح كرسيه إلى الوراء قائالً ‪:‬‬
‫ـ أتم ‪00‬نى أال نخطئ في اختي ‪00‬ار الكلم ‪00‬ات اآلن ‪ ..‬وإال فإنك تعلمين ما ال ‪00‬ذي س ‪00‬يحدث !! ‪ ..‬ال أريد‬
‫نقاشاً‪! 0‬‬
‫تشعان ألماً ‪:‬‬
‫أجبته وعيناي ّ‬
‫ـ حسناً سأفعل …‪ .‬اهدأ‪ 0‬أرجوك ‪..‬‬

‫أدركت بأنه لن يغيّر رأيه وال نيته كذلك !! ‪ ..‬فهو يعني ما قاله بأنه‪ 0‬ليس هناك من موضوع لين‪00‬اقش‬
‫!!!‬

‫( ‪ ) 22‬حمرة الغضب !‬

‫دخلت حج‪00‬رتي ‪ ..‬أغلقت الب‪00‬اب‪ 0‬به‪00‬دوء ‪ ..‬ب‪00‬دأت‪ 0‬ب‪00‬ترتيب خزان‪00‬تي ‪ ..‬وفيما أنا أفعل ‪ ..‬إذ ب‪00‬الزوج‬
‫يفتح الب‪00 0‬اب‪ 0‬بكل قوته ويبحث ع‪00 0‬ني بعي‪00 0‬نين ق‪00 0‬اتلتين وص‪00 0‬در مت‪00 0‬أجج !! ‪ ..‬وما إن ع‪00 0‬ثر علي ح‪00 0‬تى‬
‫يتفجـر حمــرة من شدة الغضـب !! ‪ ..‬ما الذي حدث‪ 0‬يا تـ ـ ــرى ؟!!!‬
‫شعرت بأن وجهه ّ‬

‫سألني وهو يقبض يديه بكل قوته كعادته‪ 0‬عند الغضب ‪:‬‬
‫ـ هل أتى أحد ما إلى المنزل في حين غيابي‪ 0‬؟!!‬

‫قلت بهدوء وقد عرفت المغزى من سؤاله ‪:‬‬


‫ـ نعم …‪ ..‬جاء قريبك فالن بعد ذهابكم‪ 0‬بوقت قصير ‪ ..‬لماذا ؟!‬

‫زفـر بقـ ــوة وهو ما يزال واقفـاً ‪:‬‬


‫ِ‬
‫فتحت الباب‪ 0‬له وأدخلتيه وأكرمتيه ؟‬ ‫ـ وهل‬

‫عقدت المفاجأة‪ 0‬لساني عن الكالم ! ‪ ..‬فظللت صامتة أح ّدق فيه ‪ ..‬فكرر سؤاله ثانية‪: 0‬‬
‫ـ هل فتحت الباب‪ 0‬أم ال ؟ ‪ ..‬تكلمي !‬

‫حاولت الحفاظ على ثبات صوتي فأجبته بإجهاد‪: 0‬‬


‫ـ كال ب‪00‬الطبع !! ‪ ..‬كيف يج‪00‬رؤ على ال‪00‬دخول إلينا في غيابك‪ 0‬؟!! ‪ ..‬لقد اعت‪00‬ذرت له عن إدخاله ‪..‬‬
‫وعللت له ذلك بعدم وجودك ‪ ..‬وأنه بإمكانه‪ 0‬المجيء عند عودتك ‪ ..‬ولكن لماذا الـ ………‪..‬‬
‫طار صوابه عندما أيقن منعي من إدخال‪ 0‬قريبه ! ‪ ..‬فقال بصوت عال وأسلوب جارح ‪:‬‬
‫ـ لم ‪00‬اذا لم تفتحي الب‪000‬اب‪ 0‬له وتجالس‪000‬يه وتش‪000‬ربي‪ 0‬المرطب‪000‬ات معه وتحادثيه ؟! ‪ ..‬إن الم‪000‬نزل م‪000‬نزلي‪0‬‬
‫وليس منزلك !!!!‬

‫هل فقد صوابه ؟ ‪ ..‬ألهذا الحد يريد مني أن أفعل ؟ ‪ ..‬ظننته سيبتهج !! سيفرح !!!‬
‫نظ ‪00‬رت إليه ط ‪00‬ويالً بح ‪00‬زن عميق وص ‪00‬دمة بالغة‪ .. ! 0‬عص ‪00‬فت بي رغبة في تحطيم كل شي !! ‪ ..‬هل‬
‫يجهل حق ‪0 0 0‬اً ع‪00 0 0‬واقب ذلك ؟ ‪ .‬أم أنه يتجاهلها ؟!! ‪ ..‬أال يميّز الحق من الباطل ؟ ‪ ..‬أال يف‪00 0 0‬رق بين‬
‫األمور الجادة والهازلة ؟!!! ‪ ..‬قلت بأسف ‪:‬‬
‫ـ هل أنت جاد حقـاً فيما تقول ؟ ‪ ..‬الال ‪ ..‬بالتأكيد‪ 0‬أنت تمزح ‪..‬‬

‫ثم استجمعت شتات‪ 0‬ذهني ألطرح عليه إجابة‪ 0‬شافية على سؤاله ‪:‬‬

‫ـ لست أنا من تفعل ذلك !!! ‪ ..‬لن يدخل‪ 0‬رجل غريب إلى ه‪00‬ذا الم‪0‬نزل في ع‪0‬دم وج‪0‬ودك ! ‪ ..‬مهما‬
‫كانت قرابته لك !! ‪ ..‬لن يدخل‪.. !! 0‬‬
‫ثم عبّرت دموعي تعبيراً أصدق عن جام غضبي وأنا أهتف ‪:‬‬
‫ـ إدخ‪0‬ال‪ 0‬الرج‪0‬ال األج‪0‬انب عند النس‪0‬اء في ع‪0‬دم وج‪0‬ود المح‪0‬ارم … ح‪0‬رام ‪ !! ..‬وأنا لن أقبل ب‪0‬ذلك‬
‫أبداً حتى وإن غضبت لن أقبل أبداً أبداً‪ .. 0‬هل تسمعني ؟!!‬

‫استشاط غضباً وقال هائجـاً ‪:‬‬


‫‪0‬ت أنت ال ‪00‬تي س ‪00‬تقلبين حياتنا رأس ‪0‬اً على عقب وتفس ‪00‬دين بيننا !! ‪ ..‬الجميع‬‫ـ بل س ‪00‬تفعلين !! ‪ ..‬لس ‪ِ 0‬‬
‫يشكو من أفكارك المعقدة‪ 0‬ونيتك السيئة !! ‪ ..‬ولكني‪ 0‬أنا من سيقلب حياتك وسترين‪!! 0‬‬

‫وقفت بسرعة وأنا أمسح دموعي الحزنـى ‪:‬‬


‫ـ ال أع‪00‬دك ب‪00‬ذلك‪ 0‬مطلق‪0‬اً ! ‪ ..‬مهما كلف‪00‬ني ذلك من اس‪00‬تهانة‪ 0‬وتع‪00‬ذيب وتنكيل ! ‪ ..‬وس‪00‬أقولها أمام ـك‪0‬‬
‫وأمــام الجميع … إن أردتم قتلي ف‪00 0‬افعلوا ‪ ..‬ولك‪00 0‬ني‪ 0‬لن أس‪00 0‬مح واهلل لرجل غ‪00 0‬ريب بال‪00 0‬دخول في‬
‫غيبتك !!‬
‫اجتاحته‪ 0‬رعدة مفاجئة‪ .. 0‬فأراد كسر شوكتي وإرغامي على ما يريد ‪:‬‬
‫لك ذلك !! ‪ ..‬ولكني أقسم بالنبي الكريم أن أضعك بين خيارين مؤلمين لك وسترض‪00‬خين ألم‪00‬ري‬‫ـ ِ‬
‫!!‬

‫شعرت بحرارة الغرفة في هذه اللحظة على ال‪00‬رغم من فتح جميع النوافذ فيها والس‪00‬تائر ! ‪ ..‬ت‪00‬رقبت‬
‫بوجل طرحه للخيارات ! ‪ ..‬ماذا عساه أن يقــول ؟!!!!!‬

‫عقد ذراعيه واتكأ على الجدار قائالً ‪:‬‬


‫ـ إما أن تفتحي الب ‪00 0‬اب‪ 0‬في ع ‪00 0‬دم وج ‪00 0‬ودي لكل أق ‪00 0‬اربي من عرف ‪00 0‬تي منهم ومن لم تع ‪00 0‬رفي ……‬
‫تردي أحداً‪ 0‬منهم …‪..‬‬
‫وتجالسيهم وتسامريهم‪ 0‬وتكرميهم‪ … 0‬وال ّ‬
‫ثم ‪ ..‬س‪00 0 0‬كت ‪ ..‬فش‪00 0 0‬عرت بغصة مؤلمة في حلقي‪ 0‬وأنا انتظر ق‪00 0 0‬راره في الخي‪00 0 0‬ار اآلخر ! ‪ ..‬فأكمل‬
‫حديثه وهو ينظر إلى السقف باستخفاف ونفاذ صبر ‪:‬‬
‫ـ أو أمنع عنك زيارة أهلك ‪ ..‬فأمنع دخولهم إلى هذا المنزل إلى األبد‪ .. !! 0‬فأي الخيارين تفض‪00‬لين‬
‫؟!‬

‫سادت لحظة صمت مؤرقة ‪ ..‬مع ّذبة !! هرب‪ 0‬صوتي مني ‪ ..‬لقد سألني ويجب أن أجيب عليه !‬

‫ابتسمت ابتسامة‪ 0‬مجردة من الحياة ‪ ..‬وقلت بحزن قبل أن أفقد جرأتي‪: 0‬‬
‫ـ حسناً …‪ .‬ال عودة في قراري وال تراجع !!! ومع ص‪00‬عوبة الخي‪00‬ارين إال أن‪00‬ني أرفض الخي‪00‬ار األول‪0‬‬
‫وأقبل بعمل الثاني‪ .. !! 0‬وليسامحني اهلل !!‬

‫ضاقت عيناه وكأنه لم يصدق ما سمع ‪:‬‬


‫ـ أتعنين بذلك ع‪00‬دم إدخ‪00‬ال‪ 0‬أق‪0‬اربي في م‪0‬نزلي‪ 0‬عند غي‪00‬ابي ؟! ‪ ..‬مقابل‪ 0‬ع‪0‬دم الس‪0‬ماح ألهلك بال‪00‬دخول‪0‬‬
‫إليك وزيارتك ؟!‬

‫أتنهد وأتظاهر بالهدوء‪ 0‬والبساطة ‪:‬‬


‫عانيت كثيراً في اختيار كلماتي ‪ ..‬ثم قلت وأنا ّ‬
‫ُ‬
‫ـ م ‪00‬اذا أفعل ؟! ‪ ..‬س ‪00‬أطيع أم ‪00‬رك في االختي ‪00‬ار ! ‪ ..‬ويجب علي من الي ‪00‬وم فص ‪00‬اعداً أن أتعلم‪ 0‬معايشة‪0‬‬
‫هذا الواقع الجديد !!!!‬

‫ـب في وجهي‪ 0‬قائ ـالً ‪:‬‬


‫ه ّ‬
‫ـ تبـــاً لك أيتها الوهابيـة !! ‪ ..‬كلكم معقـدون ‪ ..‬ويبقى رأيي ال‪00 0 0 0‬ذي يطبّق على الجميع ‪ ..‬هل‬
‫تسمعين ؟!‬

‫لزمت الصمت ‪ ..‬فأغمضت عيني وأنا أراه يشمخ بأنفه‪ 0‬ورأسه عالياً ثم يتابع ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ـ انتهى األمر‪ .. ! 0‬بعد ي‪00‬ومين س‪00‬نلبّي دع‪00‬وة العش‪00‬اء عند قري‪00‬بي ال‪00‬ذي ه‪00‬اتفني قبل قليل ‪ ..‬والويل لك‬
‫إن عارضتي أمري لك بالذهاب !! ‪ ..‬أتسمعين ؟!‬

‫أومأت برأسي وقلت في محاولة لتهدئته‪: 0‬‬


‫ـ أرجوك اهدأ …‪ .‬ال تغضب ! سأذهب‪ 0‬أينما تريد‪ .. ! 0‬اهدأ !!‬

‫أدار ظهره بسرعة وبدأ بفتح الباب فسألته وأنا أتبعه‪: 0‬‬
‫ـ إلى أين ؟ ‪ ..‬ال يجدر بك الذهاب وأنت في هذه الحال ! ‪ ..‬إلى‪ 0‬أين ؟!‬

‫قال بنبرة حادة ‪:‬‬


‫ـ إلى الجـحيـ ـ ــم !!!!!!‬

‫عن ‪00‬دما أص ‪00‬بحت وح ‪00‬دي اس ‪00‬تندت بظه ‪00‬ري على الب ‪00‬اب‪ 0‬مندهشة متس ‪00‬ائلة‪ .. !! 0‬ما الخطأ ال ‪00‬ذي قلته‬
‫؟! ‪ ..‬هل أخط‪00 0‬أت حق ‪0 0‬اً ؟! ‪ ..‬اللهم‪ 0‬ما فعلت ذلك إال طمع ‪0 0‬اً في رض‪00 0‬اك ع‪00 0‬ني ! ‪ ..‬فال تكل‪00 0‬ني إلى‬
‫نفسي طرفة عين ‪..‬‬

‫داهمني إحباط مفاجئ‪ 0‬بتذكر الذهاب‪ 0‬إلى منزل ذلك الوغد !! ‪ ..‬استلقيت على فراشي وقتاً طويالً‬
‫دوامة !! ‪ ..‬اللهم‪ 0‬فــرج علي همــومي وأحــزانـي ‪..‬‬
‫أح ّدق في سقف الحجرة ‪ ..‬ما زلت في ّ‬

‫الفعال‪0‬‬
‫( ‪ ) 23‬الدواء ّ‬
‫طرق الباب‪ .. 0‬تصنعت النوم فلم أجب ‪ ..‬تواصل الطرق ! ‪ ..‬ال أريد الصدام معه أو إغضابه أكثر‬
‫من ذلك ‪ ..‬ال قوة لي في المزيد من الجدل والنقاش !! ‪..‬‬
‫أدار مقبض الباب‪ 0‬ففتحه ‪ ..‬توقعته هو ‪ ..‬ولكني‪ 0‬أخطأت في توقعي ‪ ..‬إنها‪ 0‬والدته !!!‬

‫اعتدلت جالسة‪ .. 0‬أضأت المصباح الخافت ‪ ..‬أجلستها‪ .. 0‬ابتسمت لها ‪ ..‬إنها‪ 0‬تحمل شيئاً ما في‬
‫ُ‬
‫يدها !! ‪ ..‬ماذا‪ 0‬أيضاً ؟!!‬
‫سألتني بتشكك‪: 0‬‬
‫ـ ألم تنامي بعد ؟ ‪ ..‬ما الذي يؤرقك ؟ ‪ ..‬يكاد‪ 0‬الفجر أن ينسج خيوط ضوئه لينير أرجاء الكون !‬

‫استغربت اهتمامها‪ 0‬بأرقي وقلة نومي ! ‪ ..‬ثم من حديثها‪ 0‬العذب‪ .. ! 0‬فقلت ببراءة ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ـ ال شي البتة يا خالتي ! ‪ ..‬هرب‪ 0‬النوم عن أجفاني فقط ال غير ! ‪ ..‬ولكني‪ 0‬سأحاول‪ 0‬النوم علّي‬
‫أفلح !!‬

‫قالت في محاولة جادة للتأثير علي ‪:‬‬


‫وفعال !‬
‫لدي دواء لك ! ‪ ..‬ما رأيك بأن تجربيه ؟ ‪ ..‬إنه جد مؤثر ّ‬
‫ـ ّ‬

‫كانت تبدو وديعة مما جعل تعجبي منها يتالشى بسرعة ‪ ..‬فقلت ‪:‬‬
‫ـ حقاً ؟! ‪ ..‬وما دواؤك ؟!‬

‫رفعت يديها أمام عيني ‪ ..‬وق ّدمت لي قماشاً ملفوفاً بحجم يصغر حجم البيضة قليالً ‪ ..‬محشواً في‬
‫داخله بشي يميل إلى الصالبة نوعاً ما ! ‪..‬‬
‫تحولت أنفاسي إلى تنهيدة طولية ! ‪ ..‬ثم انتقلت عيناي بتلقائية‬
‫تسمرت نظراتي في هذه القطعة ‪ّ ..‬‬
‫ّ‬
‫إلى عينيها الغائرتين ثم إلى ذقنها الذي امتأل بشتى رسوم الوشم !! ‪ ..‬فتحت فاهي ألسألها‪ 0‬عن‬
‫الدواء الذي وصفته لي ! ‪ ..‬فتداركت استغرابي‪ 0‬وقالت تصطنع البساطة ‪:‬‬
‫ـ هل تعلمين أن هذه التميمة بحوزتي منذ ما يربو على العشرين عاماً ؟‬

‫اتسعت حدقتاي وأنا أهتف ‪:‬‬


‫ـ تميمة ؟!!!! ‪ ..‬هل هذا هو الدواء ؟!‬

‫أجابت بحماس ‪:‬‬


‫ـ نعم ‪ ..‬نعم تستطيعين تعليقها‪ 0‬على نحرك أو على عضدك أو وضعها بين ثيابك‪ 0‬أو في فراشك ‪..‬‬
‫لك واحدة‪ 0‬تخصك وحدك وباسم ــك !‬ ‫ِ‬
‫وأعدك بأن أعمل ِ‬

‫ـ لي أنا ؟ ‪ ..‬وباسمي‪ 0‬؟!‬

‫اعتدلت في جلستها ثم قالت ‪:‬‬


‫ـ نعم نعم ‪ ..‬إنها تدفع الضر والحسد والعين والسحر وتجلب لك النفع وتشفي من األمراض ‪..‬‬
‫كما أنها تساعد على النجاح وترد كيد األعداء ‪..‬‬

‫عدت إلى الواقع ‪ ..‬ما زلت تحت تأثير كالمها الغريب‪ .. ! 0‬فسألتها ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ـ وهل تفعل‪ 0‬التميمة كل هذا يا خالتي‪ 0‬؟!! ‪ ..‬أوه ال أصدق !! ‪ ..‬إذن فهي مفيدة جداً !!!‬

‫أجابت بسرعة ‪:‬‬


‫ـ بالطبع بالطبع مفيدة جداً ‪ ..‬أال ترين جميع أبنائي وبناتي‪ 0‬يعلقونها على أعضادهم‪ .. 0‬وعلى‬
‫نحورهم !! ‪ ..‬إنها هي التي تحميهم وتذود عنهم ‪ ..‬نحن ال نتركها أبداً‪!! 0‬‬

‫ابتسمت باهتمام ‪:‬‬


‫ُ‬
‫ـ أخبرني‪ 0‬يا خالتي‪ 0‬عن محتوى هذه التميمة حتى يكون لها كل هذا المفعول !!!‬

‫ضحكت بملء فمها وقالت وهي تضرب كفاً بكف ‪:‬‬


‫ـ سؤالك أعجبني ‪ ..‬يا عزيزتي‪ .. 0‬تُكتب فيه أدعية نبوية شريفة مع شي من القرآن الكريم‬
‫………‪...‬‬
‫قاطعتها باستغراب‪: 0‬‬
‫ـ أدعية نبوية وقرآن كريم ؟!! ‪ ..‬أليس ذلك امتهان لها ؟ ‪ ..‬فالمرء يحملها ـ على حد قولك ـ في‬
‫كل مكان !! ‪ ..‬إذاً ستكون معه أيضاً حين قضاء حاجته واستنجائه‪.. 0‬و ‪..‬‬
‫بلعت ريقها بصعوبة وتابعت في تجاهل لسؤالي ‪:‬‬
‫توسل باألولياء والصالحين ‪ ..‬كما تحتوي أيضاً على أسماء النبي صلى اهلل عليه‬
‫ـ أيضاً يكتب فيها ّ‬
‫وسلم ‪ ..‬وترسم فيها بعض النجوم وبها كالم بغير لغة العرب‪.. 0‬‬

‫توقفت أنفاسي وجف حلقي ‪ ..‬بدا عقلي وكأنه سيتّقد ‪ ..‬رمقتها بنظرة فاحصة ثم قلت ‪:‬‬
‫ـ هل ما تقولينه صحيح يا خالتي‪ 0‬؟! ‪ ..‬وهل تريدين مني بعد كل ما ذكرت أن آخذها ؟ ‪ ..‬أو حتى‬
‫أعتقد في نفعها ؟!!!‬

‫تالشت ابتسامتها‪ 0‬وانعقد حاجباها‪.. 0‬‬


‫ـ ماذا تقصدين‪ 0‬؟! ‪ ..‬إنها‪ 0‬آمن وسيلة لحياة سعيدة وأفضل عالج للقلق والهم‪ .. 0‬ضعيها تحت‬
‫وسادتك‪ 0‬وسترين ‪ ..‬إنها‪ .. 0‬دخل الزوج في هذه األثناء بخطوات وئيدة وكأنه يستمع إلى حديثنا‪! 0‬‬
‫‪ ..‬ووضع يده على كتف والدته‪ 0‬يطمئنها ‪ ..‬ونظراته‪ 0‬تعصف بي ‪..‬‬

‫ـ ستأخذها يا أمي فال تبالي‪ .. 0‬وستضعها تحت وسادتها‪ 0‬أو في أي مكان تريدين ! ‪ ..‬وإن لم تفعل‪0‬‬
‫فسأعرف أنا كيف أجعلها تفعل‪ .. 0‬ال تقلقي‪ 0‬يا أمي !!!‬

‫نهضت واقفة وقد عادت مالمح السعادة إلى وجهها‪: 0‬‬


‫ـ حسناً ‪ ..‬أتمنى ِ‬
‫لك نوماً هنيئاً برفقتها ‪ ..‬حافظي عليها جيداً ‪ ..‬إنها‪ 0‬سبب حفظنا جميعاً ‪..‬‬
‫تصبحـون على خـير ‪..‬‬
‫ثم ‪ ..‬وضعتها في يدي وضغطت بها باهتمام في كفي ‪ ..‬ثم ‪ ..‬خرجت !!!!‬

‫تقدم الزوج إلي بتحد ومد يده ليأخذها‪ 0‬وأنا مشدوهة ‪ ..‬فناولته إياها ! ‪ ..‬مشى متعمداً بكل‬
‫امتهان وزهو ووضعها تحت وسادتي‪ .. 0‬ثم ‪ ..‬ثم رفع سبابته‪ 0‬متوعداً ‪:‬‬
‫ـ إياك ثم إياك أن تخرجيها من تحت الوسادة‪ .. !! 0‬علّها تنفع في دفع الحسد والعين التي بيننا !!!‬
‫ثم ألقى‪ 0‬بجسده على الفراش‪ .. 0‬ون ــام ‪ ..‬فوقفت أتهادى‪ 0‬من فرط الحسرة !! ‪ ..‬أي عين وأي‬
‫حسد ؟ إنه واهم !! ‪ ..‬يعلّل األمر‪ 0‬بهما وما هو إال خالف عقائدي ديني قوي فحسب !!!‬
‫أطفأت الضوء ‪ ..‬دسست يدي تحت الوسادة‪ .. 0‬أمسكت بها بعنف ‪ ..‬كم أخافها !! سأخرجها‬
‫دون علمه ‪ ..‬وأضعها في أي مكان حتى الصباح ‪ ..‬وما كدت أفعل حتى ارتفع صوته يخترق‬
‫الفضاء ‪:‬‬
‫ـ أعيديها إلى مكانها‪ .. 0‬وك ّفي عناداً ‪ ..‬وإال أرغمتك على تعليقها‪ 0‬على نحرك !!!!‬

‫شهقت من الخـوف ‪ ..‬لم أتحدث ‪ ..‬وضعتها في مكانها‪ .. 0‬فاضت عيناي بالدمع‪ 0‬الغزير‪ .. 0‬حتى‬
‫ُ‬
‫اغرورقت وسادتي وأنا أكتم األنين ‪ ..‬مضت ســاعة !! ‪ ..‬إنه ال يتحرك ! ‪..‬‬

‫لزمت الهدوء ‪ ..‬سمعت أنفاسه‪ 0‬تنتظم ‪ ..‬إنه دليل قوي على نومه ‪ ..‬أخرجتُها برعب ‪ ..‬وضعتها‬
‫فغرقت في نوم عميق بعيداً‪ 0‬عن‬
‫ُ‬ ‫افترت شفتاي عن ابتسامة ارتياح ‪..‬‬
‫في أحد األدراج بجانبي ‪ ..‬ثم ّ‬
‫الخزعبالت ‪ ..‬وقبل استيقاظه أعدتها‪ 0‬تحت وسادتي ‪ ..‬و ‪ ..‬نهضـ ــت !!‬

‫( ‪ ) 24‬صراع الحق والباطل‬

‫في أحد األيام جاء أخوه الذي يدرس في المرحلة‪ 0‬اإلعدادية‪ 0‬وعالمات الحيرة والشك تبدو على‬
‫محيّـ ـ ــاه !! ‪ ..‬لفتني منظره وارتباكه ‪..‬‬

‫كانت األم تجلس بجانب جهاز التسجيل تستمع إلى أحد أولياء الصوفية وقد خفضت الصوت ‪..‬‬
‫أسرح شعر الطفلة‬
‫بينما جلس الزوج وأخته يطلعان بعض الصحف والمجـالت ‪ ..‬أما أنا فأخذت‪ّ 0‬‬
‫الصغرى وأداعبها ‪..‬‬

‫ألقى الصبي بحقيبته على األرض بصورة أثارت‪ 0‬دهشتنا جميعاً !!! ‪ ..‬فبادرت األم بسؤاله ‪:‬‬
‫ـ ما بك يا بني ؟ ‪ ..‬لم أنت مستاء ؟! ‪ ..‬هل حدث لك مكروه ؟‬

‫تأفف الصبي وألقى‪ 0‬بجسده على األريكة ‪ ..‬بينما ترك الزوج الصحيفة ونظر إلى أخيه باستغراب‬
‫فسأله ‪:‬‬
‫ـ ماذا حدث‪ 0‬؟! ‪ ..‬ما بك ؟!! ‪ ..‬هل تشاجرت‪ 0‬مع أحد رفاقك ؟!‬
‫تركزت أنظارنا عليه ‪ ..‬فقال أخيراً‪ 0‬بنفاذ صبر وحيرة ‪:‬‬
‫ـ أشعر بأني‪ 0‬أعيش في تناقض تام مع نفسي‪ .. 0‬وفي صراع دائم‪ 0‬معكم ومع مدرستي‪ 0‬للمواد الدينية‬
‫!!! ‪ ..‬هناك اختالف كلّي بين كل منكما !! ‪ ..‬أنا في حيرة !! ‪ ..‬ماذا‪ 0‬أفعل ؟! ‪ ..‬لم أعد أستطيع‬
‫االستيعاب !!!‬

‫نهض الزوج بسرعة وجلس بجانب أخيه واحتضنه بقوة ثم قال ‪:‬‬
‫ـ وما الذي جعلك‪ 0‬في حيرة من أمرك يا صغيري ؟ ‪ ..‬أخبرني‪.. 0‬‬

‫هز كتفيه ‪ ..‬ثم قال بشرود ‪:‬‬


‫ـ هل والد الرسول‪ 0‬صلى اهلل عليه وسلم مات كافراً ؟ وهل هو في النار ؟!‬

‫ثار الزوج وزمجرت األم وصعقت األخت !! ‪ ..‬ما هذه األسئلة‪ 0‬؟!!!!!!‬

‫أجاب الزوج غاضباً ‪:‬‬


‫الوهابين‪ .. !! 0‬هؤالء الضالين‪ .. ! 0‬قاموا بتكفير‪ 0‬والد الرسول‬
‫ـ ماذا تقول ؟!! ‪ ..‬تباً لهؤالء الكفرة ّ‬
‫أيضاً ؟! ‪ ..‬عليهم اللعنـة !!!‬

‫أردفت األم بسرعة ‪:‬‬


‫فيتقولون عليه األقاويل‪ .. ! 0‬كل هذا هراء وأباطيل‬
‫ـ قاتلهم اهلل ! ‪ ..‬إنهم ال يحبون الرسول‪ 0‬الكريم‪ّ 0‬‬
‫يا بني فال تصدقهم ال تصدقهم ‪ ..‬تباً لهم !!‬

‫قال الصبي ببراءة ‪:‬‬


‫ـ ولكن المعلم حدثنا عن ذلك بقوله ‪ :‬جاء رجل إلى النبي صلى اهلل عليه وسلم فقال له ‪ :‬أين أبي‬
‫؟ قال له ( في النار ) فلما ولّى الرجل قال له الرسول‪ 0‬عليه الصالة والسالم " يا هذا أقبل أبي‬
‫وأبوك في النار " ‪..‬‬
‫فما مدى صحة هذا الحديث إذاً ؟!!‬
‫وقفت األم بتثاقل تحمل جسدها‪ 0‬الثقيل وهي تحتضن ولدها ‪:‬‬
‫ـ كل هذا هراء يا بني فال تصدق ‪ ..‬إنما مات مؤمناً ! ‪ ..‬ولكن هؤالء الكفار الوهابين‪ 0‬يشوهون‬
‫دائماً صورة النبي عليه الصالة والسالم في أعين الناس !! ‪ ..‬فعلينا الحذر منهم دائماً ومحاربتهم‬
‫بل ومقاطعتهم‪!! 0‬‬

‫وفج ـ ــأة ! ‪ ..‬تذكروا وجودي بينهم فح ّدقوا في بنظراتهم‪ 0‬الحاقدة ‪ ..‬وكادوا يلتهمونني !! ‪..‬‬
‫فوقفت أبتلع ريقي وشعرت بنظرات الزوج المتوعدة فاستحثني‬
‫ُ‬ ‫فسألني الصبي رأي فيما قيل ‪..‬‬
‫الصب على اإلجابة‪ .. 0‬ال بد إذاً أن أقول الحقيقة ‪ ..‬لن أكذب !! ‪ ..‬فقلت وأنا أسترجع أنفاسي ‪:‬‬

‫ـ ال ‪ ..‬ال أعلم ‪ ..‬ولكن ‪ ..‬ولكن أعتقد أن هذا الحديث ‪ ..‬صحيح رواه مسلم !!!!! …… و‬
‫……‪.‬‬

‫أمسك الزوج بتالبيبي حينها وألقى بي على األريكة وهو يزمجر ‪:‬‬
‫ـ صمتاً ‪ ..‬صمتاً ‪ ..‬ال تفسدي‪ 0‬أفكار الصبي !! إنك تكذبين‪ .. ! 0‬ال أريد سماع ذلك مرة أخرى‬
‫‪..‬‬
‫ِ‪0‬‬
‫سيرديك في جهنم أنت وزمرته !!‬ ‫إنك تتبعين ذلك الوهابي الكافـر‪.. 0‬‬

‫تدارك الصبي الموقف فسأل الزوج تغييراً للموضوع ‪:‬‬


‫ـ لماذا يقول المعلم أن الرسول بشر خلق من طين ؟!! ‪ ..‬ألم يخلق من نور وجه اهلل ؟! ‪ ..‬لقد‬
‫قلت لي يا أخي إنه خلق من نور اهلل وأن هذا الحديث صحيح !!! ‪ ..‬ولكن المعلم يؤكد أن هذا‬
‫الحديث مكذوب‪ 0‬على رسول اهلل وال أصل له في كتب الحديث المعتبرة !!!‬

‫آه ما آسعدني !! ‪ ..‬لقد أشفى‪ 0‬هذا الصبي غليلي ! ‪ ..‬انبسطت مالمح وجهي‪ 0‬بعد العاصفة الهوجاء‬
‫!! ‪ ..‬ولكن الزوج زجر أخاه بعنف ‪:‬‬
‫ـ ال تستمع لكالمهم ! ‪ ..‬فأحاديثهم هي المكذوبة ‪ ..‬ومذهبهم‪ 0‬هو الزائف ! ‪ ..‬وحياتهم حياة كفر‬
‫وضالل وفسق !! ‪ ..‬وثق دائماً بصحة ما تتعلمه منا نحن ‪ ..‬ال تكن كسواك !!‬
‫فنظر إلي حاقداً غاضباً ‪ ..‬وأخذ‪ 0‬الصبي معه إلى الحجرة التالية !! ‪ ..‬تبعته أمه وأخته بسرعة ‪..‬‬
‫يريدون إغراق هذا البريء فيما هم فيه غارقون !! ‪..‬‬

‫شعان حبوراً وسروراً ‪ ..‬ال بد للحق يوماً أن ينجلي ولو‬


‫وقفت ‪ ..‬ذهبت إلى الحديقة‪ 0‬وعيناي ت ّ‬
‫ُ‬
‫على يد هذا الصبي الصغير !! ‪..‬‬
‫عدت إلى الصالة‪ 0‬وقد عادوا إليها قبلي ! ‪ ..‬الكل‪ 0‬قد ل ّفـه الصمت والوجوم ‪ ..‬وهم يف ّكرون في‬
‫الوهـابيـن !!!!‬
‫الحقائق القوية‪ 0‬القادمة إليهم من ………… ّ‬

‫( ‪ ) 25‬قرار التح ّدي‬

‫وفي المســاء ‪ ..‬أغلقت حجرتي وهبطت إلى األسفل‪ 0‬بعد أن انتهى ال‪00‬زوج من ارت‪00‬داء ثيابه اس‪00‬تعداداً‪0‬‬
‫لل ‪00 0‬ذهاب‪ 0‬إلى وليمة قريبه الخائـن ! ‪ ..‬وقد ج ‪00 0‬زمت في ق ‪00 0‬رارة نفسي‪ 0‬أن أرفض طلب ال ‪00 0‬دخول‪ 0‬إلى‬
‫الرج‪00‬ال‪ 0‬ال‪00‬ذي س‪00‬يجتمعون الي‪00‬وم وكل ي‪00‬وم مع النس‪00‬اء ‪ ..‬ولو كلّف‪00‬ني ذلك حي‪00‬اتي !! ‪ ..‬فليقتل‪00‬ني إن‬
‫شاء !! ‪ ..‬فليصلبني إن أراد !! ‪ ..‬ال رجعة في قراري !!‬

‫قُ ّدم الطعام في ذلك المجلس الذي خال من اللباقة واألدب‪ 0‬واالحترام !! ‪..‬‬

‫وعللت عدم دخولي إليهم منذ البداية بأني‪ 0‬منشغلة مع النسوة في إعداد هذا الطعام !! ‪ ..‬ثم‬
‫ُ‬
‫اجتمعت النساء بالرجال‪ 0‬فسمعت بعضاً من األحاديث الجوفاء المتبادلة‪ .. !! 0‬وترددت‪ 0‬في‬
‫مسامعي‪ 0‬صدى الضحكات الخرقاء المتعالية !! ‪ ..‬وبعضاً من الطرائف والنوادر السخيفة !!‬

‫أما أنا !! ‪ ..‬فقد قبعت كطائر أسير في إحدى‪ 0‬الغرف مصيري المجهول خالل الثواني‪ 0‬الباقيات !!!‬

‫ابتهلت إلى اهلل أن يكون خير معين لي على قراري ‪ ..‬وواهلل ما عشت قط موقفاً أقسى وال أعنف‬
‫وروعت منه ‪ ..‬و … منهم !!!‬
‫من موقف تلك الليلة التي خفت فيها ّ‬
‫فجأة ‪ ..‬سمعت أصوات الجميع مع تباينها‪ 0‬تسأل عني وتنادي ! ……‪ .‬ل ّفني الصمت واكتنفتني‬
‫الرهبة وأطبقا على قلبي !! ‪ ..‬فشعروا جميعاً بأنني‪ 0‬أمتنع عنهم ‪ ..‬فتبادلوا النظرات‪ 0‬الغضبى ‪ ..‬ثم‬
‫‪ ..‬ر ّكزوا تلك السهام الحانقة‪ 0‬على الزوج ينتظرون منه تفسيراً‪ 0‬لما يجري !!‬

‫متوعكة ‪ ..‬ثم‬
‫سرعان ما جاءت أمه إلي تركض وتطلب مني االنضمام إليهم ‪ ..‬فاعتذرت لها بأنني‪ّ 0‬‬
‫أنني لم أعد أستطيع المجيء إليهم ‪ ..‬وتمنيت لها ولهم طعاماً هنيئاً ! ‪ ..‬وأني سألحق بالنسوة بعد‬
‫ذهاب الرجال‪! 0‬‬

‫عبثاً حاولت تثنيني عن قراري ! ‪ ..‬فتغيرت تعبيرات وجهها‪ 0‬عندما قالت ‪:‬‬
‫ـ إن زوجك غاضب وأعصابه هائجة وكأنها بين أصابع الشيطان يعبث بها !! ‪ ..‬وأخشى أن يخطئ‬
‫معك أمام الجميع !! ‪ ..‬استعيذي باهلل من الشيطان وشاركينا المجلس والطعام …‪.‬‬

‫رفضت بأدب‪ .. 0‬ورجوتها أال ترغمني على ذلك فأنا ما خلقت لهذا‪ 0‬أبداً !! ‪ ..‬ثم ‪ ..‬ذهبت‬
‫تضرب كفاً بكف وتطلب الرقوة من أوليائها األموات‪ .. !! 0‬بينما دخلت أخته تقنعني بالدخول ‪..‬‬
‫وأن التوتر يسود المكان !! ‪ ..‬والجميع بانتظاري ‪ ..‬فيجب أال أفتعل مشكلة‪!! 0‬‬

‫أجابتها‪ 0‬دمعاتي‪ 0‬الحزينة وقلبي الذي كاد أن ينفطر خوفاً منهم ‪..‬‬

‫ـ ال أستطيع …‪ .‬ال أستطيع الدخول على هؤالء الرجال أبداً‪ .. 0‬أنا أخاف من اهلل ! ‪ ..‬أخجل من‬
‫األمور التي تحدث بينكم فدعوني أرجوكم ‪ ..‬أتوسل إليكم‪ 0‬ال تجبروني على الذنب والمعصية‬
‫! ‪ ..‬اتركوني سوف يطعمني اهلل ويسقيني برضاه ورحمته ‪ ..‬أنا لم أخلق ألخلع حيائي وخجلي‬
‫بهذه الصورة البشعة ‪! ..‬‬

‫يـا رب أين الزوج الملتزم ؟! ‪ ..‬الذي‪ 0‬طالما حلمت به ! ‪ ..‬الذي طالما حلمت بأن يعايش واقعي‬
‫؟! ‪..‬‬
‫أين مؤدي الصالة في المساجد‪ 0‬؟ ‪ ..‬أين الرجل‪ 0‬الغيور الذي يغضب ويثور عندما يُعتدى على حد‬
‫من حدود اهلل ؟ ‪..‬‬
‫أين الرجل الذي يرحمني ويق ّدرني‪ 0‬؟ ‪ ..‬يرحم‪ 0‬امرأة ضعيفة ُج ّل طلبها منه أن يحفظها ويصونها عن‬
‫أعين الرجال ؟ ‪ ..‬أين الرجل الذي يدفع حياته‪ 0‬ثمناً للحفاظ على محارمه والخوف عليهم ؟! ‪..‬‬
‫أين وأين ؟!‬

‫ربّــاه لقد ضاقت علي األرض بما رحبت !! ‪ ..‬وعندما طال انتظارهم‪ 0‬غير المتوقع لي ‪ ..‬غضبوا‬
‫يتذوقوا منه لقمة واحدة‪! 0‬‬
‫فقلبوا أواني الطعام رأساً على عقب ولم ّ‬

‫كل هذا وأنا أتهاوى كما ريشة ضعيفة رقيقة تعبث بها العواصف الهوجاء ‪ ..‬وكما طفل غريق‬
‫مرت علي وأنا أسمع صراخهم‪0‬‬
‫تتقاذفه األمواج في كل صوب واتجاه !! ‪ ..‬وحدي !! ‪ ..‬لحظات ّ‬
‫وهب‬
‫وغيظهم وقد مأل األرض ! ‪ ..‬أيقنت خاللها أن كل فرد منهم قد حمل ساطوراً وسكيناً ّ‬
‫لتشريحي وإذاقتي ألوان التنكيل والعذاب !!‬

‫بالطبــع ‪ ..‬فأنا أخالفهم ملة ومذهباً ! ‪ ..‬يا ويلتي ماذا هم بي فاعــلون ؟! ‪ ..‬رباه ال ملجأ لي منهم‬
‫إال إليك ‪ ..‬اللهم ال تكلني إلى نفسي أو إليهم طرفة عين ‪..‬‬
‫اللهم فكل هذا من أجل رضاك ومغفرتك ‪ ..‬اللهم‪ 0‬قد ضاقت الدنيا‪ 0‬بما اتسعت وشملت ‪ ..‬فاجعل‪0‬‬
‫لي من ضيقي فرجاً ومن همي وبالئي مخرجاً !!!!!!!‬
‫رباه رباه رباه ‪ ..‬الويل كل الويل لي ! سوف يتفنون في إيذائي‪ .. 0‬فأنا وحدي وهم كثر !!‬

‫ثم ………‪ .‬هاج المضيف الوغد بصوت عال بأقصى أنواع الغضب ‪:‬‬
‫ـ دعـوها ‪ ..‬إنهم قوم يتطهرون !!! ‪ ..‬اتركوها تشبع من الطعام بمفردها !! ‪..‬‬
‫نحن ال نرغب في الطعام ‪ ..‬نخشى أن تكون بنا نجاسة أو قذارة فنفسده ‪ ..‬فال تستطيع هي أن‬
‫تأكل الطعام!!‬

‫قام الرجال جميعاً من على المائدة‪ 0‬وكأن غضب الدنيا‪ 0‬يعبث بهم منّي !!! ‪ ..‬قرابة ثالثة وعشر‬
‫رجالً وامرأة !! ‪ ..‬فخيّـم سكون مع ّذب‪ 0‬قاتل على جميع أرجاء المنزل !!‬

‫خاطبت نفسي بما تب ّقت لي من أنفاس ‪:‬‬


‫ـ هل أخطأت‪ 0‬؟ ‪ ..‬هل أبادر باالعتذار‪ 0‬؟! ‪ ..‬هل عملت منكراً‪ 0‬عظيماً ؟! ‪ ..‬هل ارتكبت كبيرة ال‬
‫تغتفر ؟!! ‪ ..‬من الذي يحق له العتبى والغضب ؟! ‪ ..‬بل والتحطيم والتدمير ؟!! ‪..‬‬
‫ما للموازين مضطربة ؟! ‪ ..‬أين الخطأ وأين الصواب ؟! ‪..‬‬
‫يا رب ‪ ..‬أنت تعلم أني أكابد من أجل إراحة ضميري ووازعي الديني ‪ ..‬أما هم فإنهم يكابدون‬
‫من أجل نزواتهم ووازعهم الشيطاني‪!! 0‬‬

‫ربما أخطأت ! … لم أعد أعرف ! ‪ ..‬ماذا‪ 0‬أفعل ؟ هل ‪ ..‬هل أهرب ؟! ‪ ..‬لقد فعلوا بي ما فعلوا‬
‫ولم أرضخ ولكن اهلل يشهد أنه لم تتب ّق لي ذرة من مقاومة‪ .. ! 0‬فهذه األخيرة‪ 0‬من نوعها ‪ ..‬فال‬
‫يمكن أن أصمد أكثر من ذلك ‪..‬‬
‫نعم ‪ ..‬أشعر بحناياي تضطرب ‪ ..‬وجوانحي تتأرجح ‪ ..‬و ‪..‬‬

‫سمعت صوت والدة الزوج ‪ ..‬وزوجة المضيف الوغد تنادياني بصوت وديع !! ‪ ..‬ولكنه مملوء‬
‫بشتى صنوف الغيظ الممزوج بالرغبة القاتلة في السحق !! ‪ ..‬وبابتسامة‪ 0‬كاذبة من كل منهما قالتا‬
‫‪:‬‬
‫ـ تفضلي ‪ ..‬تناولي ‪ ..‬الطعام ‪ ..‬بالهناء‪ .. 0‬والعافية ‪..‬‬

‫نظرت إلى الطعام المقلوب رأساً على عقب !! ‪ ..‬سرى الشلل البطيء في قدمي ‪ ..‬جلست‬
‫ُ‬
‫ونظراتي المرتعبة‪ 0‬وقلبي الذي ران عليه االنفطار ينتظران حكماً أكيداً باإلعدام !! ‪ ..‬فتبادلت‬
‫المرأتان النظرة ذاتها‪ 0‬وعلّقت المضيفـ ــة ‪:‬‬

‫ـ ما السبب في اعتقادك يا أم …‪ .‬في غضب الرجال‪ 0‬بهذه الصورة الوحشية ؟! ‪ ..‬آه ‪ ..‬كم أحقد‬
‫على صاحب السبب !! ‪ ..‬كنا جميعاً ننعم بالسعادة‪ 0‬والبهجة ولم تحدث بيننا مشاحنات‪ 0‬أو‬
‫خالفات إال منذ فترة وجيزة !! ‪ ..‬فما السبب يا ترى ؟! ‪ ..‬أهي‪ 0‬عين أصابتنا ؟ ‪ ..‬أم تراها‪ 0‬فتن‬
‫وقالقل ُزرعت بيننا !! ‪..‬‬
‫من هو الذي قلب حياتنا وعبث بها ؟ ‪ ..‬من صاحب هذا العقل‪ 0‬المتحجر الذي ال يلين ؟!!‬

‫أجابت األم بغيظ مكظوم ‪:‬‬


‫ـ نعم نعم ‪ ..‬الحق كل الحق معك ‪ ..‬كنا في سعادة‪ 0‬غامرة ‪ ..‬وال أعرف من صاحب هذه الفتن‬
‫والمشاكل ‪..‬‬
‫وليس لنا إال ندعو عليه ليل نهار حتى يدفع ثمن ما نحن عليه !! ‪ ..‬قاتله اهلل !!‬

‫إنهم يقصدونني‪ 0‬بال شك !! ‪ ..‬أنا المعنيّة بكل ما تقوالن !! ‪ ..‬لزمت الصمت ‪ ..‬ربي ‪ ..‬ديني ‪..‬‬
‫المراقتان !! ‪ ..‬وقاري وحشمتي وعفافي !!‬
‫أهلي ‪ ..‬كرامتي وكبريائي‪ 0‬المنزوفتان ُ‬

‫صرخ الزوج بي أمام الجميع بعدما اجتمعوا معه لتفكيك ثقتي بما أعتقد ‪:‬‬
‫ـ هيا انهضي‪ .. 0‬سنذهب إلى المنزل اآلن ونتفاهم‪ 0‬هناك ‪ ..‬الويل ِ‬
‫لك ‪ ..‬لقد تخطيتي كل الحواجز‬
‫والقيود !!‬

‫فرأيت الشماتة والتش ّفي‪ 0‬تتراقص بفرح على تعبيرات‪0‬‬


‫ُ‬ ‫نظرت إلى القوم بتمهل وكأني أودعهم !! ‪..‬‬
‫ُ‬
‫وجوههم !!‬

‫أدركت بفـرح أنه ال مجال إطالقاً لالتفاق بيننا ‪ ..‬وعزمت في قرارة نفسي‪ 0‬على الرحيل األبدي‪!! 0‬‬
‫ُ‬
‫لفت معهم‪ 0‬ما ال طاقة لي به ‪ ..‬لم أعد أطيق صبراً ! ‪..‬‬
‫لكل إنسان طاقة ‪ ..‬وقد ُك ُ‬
‫تعبت وأنا أناضل ‪ ..‬هذا ليس ما أدين به !!‬

‫وقف الجميع في وجهي ‪ ..‬وأنا كالطائر‪ 0‬الجريح كسير الجناح ‪ ..‬أقاتل وحدي ضد جوارح قوية‬
‫متعاضــدة !!‬
‫( ‪ ) 26‬مراوغات الفرار !‬

‫عدت معه إلى المنزل ‪ ..‬وقد انهال‪ 0‬علي توبيخاً طوال الطريق ‪ ..‬وأنني أفسدت بينهم جميعاً بعدم‬
‫إطاعتهم فيما يعملون ‪ ..‬عدا عن أنني ال أطيعه هو وهو زوجي الذي يجب أن أرضيه وأخضع‬
‫ألوامره !‬

‫فتجرأت أخيـراً وقلت ‪:‬‬


‫ُ‬
‫ـ واهلل لو كانت طاعتك فيما تأمرني به واجبة مقابل معصية اهلل تعالى لما توانيت !! ‪ ..‬ولكنك‪0‬‬
‫تأمرني‪ 0‬بالمنكرات‪ 0‬واألباطيل وأنا أرفض طاعتك في ذلك ‪ ..‬فال طاعة لمخلوق في معصية الخالق‬
‫! ‪..‬‬
‫وأنا لست على استعداد إلغضاب اهلل تعالى أكثر من ذلك ‪ ..‬أرجوك ‪ ..‬افهمني ‪ ..‬وف ّكر في‬
‫األمر مليّاً ‪..‬‬
‫الحياة بيننا مستحيلة للغاية ‪ ..‬وأريد أن أعود إلى عائلتي بالحسنى !! ‪ ..‬واآلن !!‬

‫رفض بشدة ‪ ..‬إنها‪ 0‬نقطة ضعفه ‪ ..‬ال يستطيع تركي أبداً ‪ ..‬يا لها من كارثة ‪ ..‬ولكنه أدرك أن ال‬
‫جدوى من إقناعي بالمكوث معه ‪ ..‬في هذا الوقت العصيب على األقل ‪ ..‬ثم ف ّكر مليـاً وبصمت‬
‫مطبق ‪ ..‬والن أخيراً بعد النصلّب واإلعصار فقال ‪:‬‬
‫ـ هذا الموضوع تحدثنا فيه كثيراً ‪ ..‬ومهما بلغت هفواتك‪ 0‬وكثرت زالّتك ال مج ــال إطالقاً للتنازل‬
‫عنك ‪ ..‬و ُكلّي أمل في أن يهديك‪ 0‬اهلل إلى طريقنا الصحيح !!! ‪ ..‬ثم …‬

‫قاطعته بشدة قائلة ‪:‬‬


‫كــفى باهلل عليك ‪ ..‬أنا لن أرضخ أبداً ولن أهتدي لطريقك ــم !!!‬
‫ولكن ‪ ..‬ربما ‪ ..‬إذا وافقت لي بزيارة أهلي وتركت لي فرصة أعمق للتفكير ‪ ..‬حسناً ‪ ..‬أرجوك‬
‫‪ ..‬أطلب منك أسبوعاً واحداً فقط وأكتفي به ‪ ..‬ثم ‪ ..‬سوف أعود إليك سريعاً ‪ ..‬لن أتأخر عليك‬
‫‪ ..‬امنحني هذا الطلب أرجوك ‪ ..‬أال تثق بي ؟!!‬

‫بالطبع كان غرضي هو الفرار‪ 0‬األبدي الذي ال عودة بعده ‪ ..‬ولكنني‪ 0‬خفت من رفضه إن علم !‬
‫فقال بتشكك وتخ ّـوف‬
‫ـ قلت ‪ :‬لن تذهبي ‪ ..‬أخشى‪ .. 0‬أخشى أال تعودي !!!!‬

‫أجبته بسرعة أطمئنه ونيران الدنيا‪ 0‬تستعر في صدري وأنا أبتسم ‪..‬‬
‫ـ قلت لك ‪ ..‬أسبوع واحد فقط ‪ ..‬اشتقت ألهلي كثيراً ‪ ..‬باإلضافة إلى أني أشعر‪ 0‬بحاجة إلى‬
‫الراحة‪ 0‬والخلود حتى يتجدد ما بيننا ‪ ..‬سوف أعود إليك سريعاً صدقني ‪ ..‬وحتى تثق بكالمي فلن‬
‫آخذ معي أي شي من متاعي ‪ ..‬فالمدة قصيرة جداً وال تحتاج أبداً‪ 0‬للمتاع !!‬

‫قال وهو يحاول تصديقي ‪ ..‬وقد بدت لهجة االطمئنان في حديثه ‪:‬‬
‫ـ ال أعرف ! ‪ ..‬أشعر‪ 0‬بأني غير مطمئن ‪ ..‬ولكن ‪ ..‬حسناً ‪ ..‬هل تكفيك‪ 0‬خمسة أيام فقط ؟!‬

‫أجبته متظاهرة بالقناعة والرضا …‪..‬‬


‫ـ وإن أردتها ثالثة أيام فقط فال بأس !!! ‪ ..‬هيا اآلن أرجوك ‪ ..‬احجز مقعداً إلى بالدي بأسرع‬
‫وقت ‪ ..‬حتى أعود إليك بأسرع وقت !!!‬

‫وأخـيـ ـ ــراً ……‪..........‬‬

‫( ‪ ) 27‬الرحيل األبدي‪0‬‬

‫حجــز لي مقعداً منفرداً‪ .. 0‬اإلقالع في العاشرة ليالً ‪ ..‬والساعة‪ 0‬اآلن الثامنة‪ .. 0‬ال وقت ‪ ..‬قبل أن‬
‫يغيّر رأيه !!‬

‫قمت بإعداد‪ 0‬نفسي بسرعة ‪ ..‬دخل ليستحم ‪ ..‬انتهزت الفرصة‪ .. 0‬كتبت له أن الحياة بيننا‬
‫مستحيلة ‪ ..‬منذ أن وقعت قدماي على هذه األرض ‪ ..‬وأنني حاولت اإلصالح ففشلت !! ‪..‬‬
‫وأنني لم أطق البقاء معه يوماً بعد أن علمت بخديعته لي وألهلي في ‪ ..‬دينه !! ‪..‬‬
‫ال اتفاق بيننا من حيث الدين‪ 0‬وال األخالق وال الحياة والعقيدة والعادات‪ .. 0‬لذا يجب علينا‬
‫االفتراق إلى األبد دون عودة ! ‪..‬‬
‫وهذا األمر كان يُفترض بنا أن نفعله‪ 0‬ليس من اآلن فقط ‪ ..‬بل ‪ ..‬من يوم عقد فيه قراننا !!! ‪ ..‬أنا‬
‫لست منكم ‪ ..‬ولستم منا !! ‪ ..‬وداعاً وداعاً إلى األبد !!‬

‫سمعته يفتح مقبض باب الحمام ‪ ..‬طويتها بسرعة ‪ ..‬وضعتها في حقيبتي ‪ ..‬عاملته جيداً ‪ ..‬حتى ال‬
‫يظهر تغيّر علي ‪ ..‬نظرت إليه وهو يستعد للخروج ‪ ..‬إنها‪ 0‬النظرات األخيرة‪ .. 0‬سامحوني جميعاً ‪..‬‬
‫طـأطـأ رأسـه ‪ ..‬ما به ؟!! حاول‪ 0‬إخفاء وجهه عني ‪ ..‬تظاهرت بأني‪ 0‬لم أره ‪ ..‬ورأيته ‪ ..‬لقد اكتسى‬
‫وجهه حمرة من شدة البكاء !! ‪ ..‬ال بـأس ‪ ..‬هذه هي النهاية‪ 0‬الحتمية ولكني سأجعله هو من يفهم‬
‫ذلك بنفسه ‪..‬‬

‫ركبنا في السيارة ‪ ..‬كأنه يشعر أنني لن أعود ‪ ..‬لم ينظر إلي ‪ ..‬تركته ‪ ..‬فضلت الصمت‬
‫والسكوت ‪ ..‬لمحت في عينيه بريقاً‪ .. 0‬دققت النظر إليه ‪ ..‬فإذا هي الدموع تترقرق في عينيه ‪..‬‬
‫مع أني لم أخبره بقراري بعد ‪ ..‬ال مجال للعيش بيننا إطالقاً ‪ ..‬قدر اهلل وما شاء فعل ‪ ..‬أخذ‬
‫يحذرني من عاقبة تأخري‪ 0‬عليه عند أهلي ‪ ..‬وأجهش بالبكــاء ‪ ..‬فلم أهدئه‪ .. 0‬ال أريد أن أكذب‬
‫عليه ‪..‬‬

‫نظر إلي بعينين حزينتين وقال ‪:‬‬


‫ـ هل ستعودين ؟!! ‪ ..‬ال أعرف لم أنا حزين‪ .. ! 0‬عندما تعدين‪ 0‬فإنك تفين بوعدك دائماً ! ‪ ..‬فهل‬
‫ستفعلين ؟!!‬

‫نظرت إلى النافذة واصطنعت البراءة هذه المرة وأنا أقول ‪:‬‬
‫ـ نعم ‪ ..‬ال داعي لحزنك ‪ ..‬يجب أن تصدقني ‪ ..‬هل بدر مني أسلوب الكذب‪ 0‬معك ؟!!‬
‫( اللهم سامحني )‬

‫هز رأسه نافياً وصمت ‪ ..‬إلى أن دخلنا إلى المطار ‪ ..‬وقلبي يخفق بشدة ‪ ..‬وداعاً للجميع‬
‫وليسامحني الجميع على كل ما بدر مني ‪ ..‬شعرت‪ 0‬باألمان في المطار ‪ ..‬لن يستطيع إرغامي على‬
‫العودة ‪ ..‬الموت أهون عندي !‬
‫وقبل النــداء على ر ّكـاب الطائرة ‪ ..‬فتحت حقيبتي وأخرجت‪ 0‬منها رسالتي ‪ ..‬وناولته‪ 0‬إياها‪.. 0‬‬
‫وحلّفته ثالثاً أال يقرأها إال عندما يعود إلى المنزل ‪ ..‬إلى‪ 0‬حجرته ‪ ..‬فوافق على مضض ‪ ..‬دخلت‬
‫إلى صالة المسافرين‪ 0‬بسرعة ‪ ..‬أدهشه ذلك ‪ّ ..‬لوح لي والحزن يبدو متفجراً من قسماته والدمع‬
‫يفيض كما يفيض النهر ‪ ..‬بعد ماذا ؟!!!!‬

‫نظرت إليه ‪ ..‬كنت سعيدة ‪ ..‬خائفة ‪ ..‬لم أطل البقاء ألنظر إليه ‪ ..‬ولكنني‪ 0‬لمحته يغطي وجهه‬
‫بثيابه وكأنه يحمي نفسه من البرد ‪ ..‬وما زال النحيب والبكاء يسيطران عليه بينما انتبه إليه الكثير‪0‬‬
‫من الناس في حالته تلك ‪ ..‬فرحموه !! ولم يعلموا من هو !!!‬

‫شعرت بنوع من الحرية التي طالما افتقدتها بينهم ‪ ..‬شعرت‪ 0‬باستقالليتي من معتقداتهم التي فعلت‬
‫بي األعاجيب !!‬
‫هل حقاً أنا بعيدة عنه ؟ ‪ ..‬عنهم ؟! ‪ ..‬تركتهم إلى األبد ؟!! ‪ ..‬صحيح ؟!! ‪ ..‬ال ‪..‬ال ‪ ..‬هذا حلم‬
‫جميل وسرعان ما سينقضي ‪ ..‬ركبت الطائرة ‪ ..‬نظرت بخوف فيمن حولي وأنا أحتضن حقيبتي‬
‫الصغيرة ! ‪ ..‬هل كلهم صوفيون ؟! هل اتفقوا معه ؟!‬

‫لماذا ينظر الركاب‪ 0‬إلي بهذه الطريقة‪ 0‬؟! ‪ ..‬هل علموا بشخصيتي ؟!‬
‫هل جميعهم ضدي ؟! ‪ ..‬ربما ‪ ..‬اتجهت بنظري إلى الخلف !!! ‪ ..‬يا إلهي‪ .. !! 0‬هناك راكب‬
‫يشبهه !! ‪ ..‬الالالالالالالال ! ‪ ..‬هل لحق بي ؟ لماذا تبعني ؟ ‪ ..‬لماذا أتى ؟! ‪ ..‬سأصرخ ‪..‬‬
‫سأفقد صوابي !! ‪ ..‬ولكن ‪ ..‬تحرك الرجل‪ 0‬هو وزوجته إلى مقعد‪ 0‬آخر !! ‪ ..‬الحمد هلل ‪ ..‬إنه ليس‬
‫هو ! ليس هو ‪ ..‬ليس هو !!!‬

‫يا إلهي‪ 0‬ما العمل ؟ ‪ ..‬لجهاد بالسيف والرمح أهون علي من جهادي‪ 0‬ضد نفسي !‬

‫تحول مزاجي ‪ ..‬تمكنت العزلة‪ 0‬من اختطافي‪ 0‬عن أنظار الجميع ! ‪..‬‬
‫ســاءت حالي ‪ّ ..‬‬
‫حتى الطعام كنت آكله قسراً حتى أتعايش‪ 0‬مع اللحظات الباقيات لي !!‬
‫بعد ستة أيام ‪ ..‬كنت ملقاة على فراشي في بيت عائلتي ‪ ..‬أصارع الحياة والموت ‪ ..‬أشعر‪ 0‬ببقايا‬
‫من أنفاسي‪ 0‬المعدودة ‪ ..‬ال أحب الطعام ‪ ..‬وال الماء ‪ ..‬وال النوم ‪ ..‬وال اليقظة ‪ ..‬أتململ في‬
‫مكاني‪ .. 0‬وأنا أنتظر أمر اهلل في أي لحظة أن يناديني‪ .. 0‬بينما فاضت عيوني بالدمع المنهمــر دون‬
‫توقـ ــف ‪..‬‬

‫( ‪ .. ) 28‬لن أعود ‪ ..‬لن أعود ‪..‬‬

‫وفي عتمة المكان دخل نور خافت يتفـقـدني ‪..‬استدرت‪ 0‬إليه ‪ ..‬فإذا هو والـ ــدي ‪ ..‬يطمئن علي ‪..‬‬
‫ويسأل عن حالي‪ .. 0‬وعيناه تفيض بالحزن والكمد !! ‪..‬‬
‫حتى االبتسامة ترفّعت عن شفاهي‪ .. !! 0‬تردد أبي كثيراً قبل أن يقول ‪:‬‬

‫ـ يا ابنتي ‪ ..‬هل ما ِ‬
‫زلت مستيقظة ؟ أريد ‪ ..‬أريد أن أخبرك ب ـ ‪ ..‬ب ـ ‪..‬‬
‫ـ يا ابنتي ‪ ..‬هل ما ِ‬
‫زلت مستيقظة ؟ أريد ‪ ..‬أريد أن أخبرك ب ـ ‪ ..‬ب ـ ‪ ..‬بأن زوجـك قد جاء ‪ ..‬وهو‬
‫‪ ..‬وهو في انتظارك ‪ ..‬ويريد أن ‪ ..‬أن يتفاهم معك ‪ ..‬و ‪..........‬‬

‫استجمعت شجاعتي ‪ ..‬اتأكت على يدي حتى وقفت أترنّـح من شدة اإلرهاق والتعب والحزن ‪..‬‬
‫هتفت بصوت بالكاد‪ُ 0‬سمع ‪:‬‬

‫ـ ماذا ؟ ‪ ..‬ماذا ؟! ‪ ..‬لماذا أدخلتموه إلى المنزل ؟ ‪ ..‬أال يكفيه ما آلت إليه حالي‪ 0‬؟! ‪ ..‬أال يكفيه‪0‬‬
‫ما فعله بي ؟ ‪ ..‬أبـ ـ ــي !! ‪ ..‬كيف تستطيع النظر إليه أو مخاطبته ؟! ‪ ..‬إنه إنه بال قلب ‪ ..‬أال‬
‫ترحمونني ؟!!‬

‫وأجهشت بالبكاء الذي رجا الدنيا أن ينفيه من أمامي‪ .0.‬ولكن ‪ ..‬أبي أمسك‪ 0‬بي برفق وقال بهدوء‬
‫‪:‬‬
‫ـ يا ابنتي أخبرته‪ 0‬بكل ما تريدين ‪ ..‬فبكى بمـرارة ‪ ..‬وقال أنه ال يص ّدق ذلك ـ وأنه يريد‪ 0‬أن ِ‬
‫يراك‬
‫ويسمع ذلك منك ‪..‬‬
‫ـ الالال ‪ ..‬ال أريد رؤيته حرام عليكم ‪ ..‬أنا أكرهه ‪ ..‬هل تعرف معنى ذلك يا أبي ‪ ..‬أرجوك ‪..‬‬
‫أرجوك ‪..‬‬

‫رجاني أبي بقلب وجي ــع ‪:‬‬


‫ِ‬
‫أرجوك يا ابنتي ‪ ..‬يجب أن تخبريه بما تريدين‪ .. 0‬وأنك تريدين الفراق عنه ‪ ..‬فلن يص ّدق أحداً‪0‬‬ ‫ـ‬
‫ِ‬
‫سواك !!‬
‫هيا يا ابنتي أرجوك ‪ ..‬سأقف معك فال تقلقي‪ 0‬وال تخشي شيئاً ‪ ..‬هيا يا ابنتي هداك اهلل !‬

‫بخطى متماوتة ‪ ..‬متثاقلة ! ‪ ..‬حاولت الدخول فلم أستطع !! ‪ ..‬فشجعني أبي بأن‬
‫ً‬ ‫مشيت معه‬
‫ُ‬
‫دخل قبلي ‪ ..‬وبقيت خلف الباب ‪ ..‬أمسك‪ 0‬بالحائط ّعله يساعدني في الثبات ‪ ..‬دخلت ببطء ‪..‬‬
‫وجدته يجلس في وسط المكان وعلى األرض ‪ ..‬لم أعرفه !!! ‪ ..‬من هذا الرجل‪ 0‬؟!! ‪..‬‬

‫استدرت للخروج بسرعة ‪ ..‬فناداني‪ 0‬أبي ‪ ..‬ظننت أني قد دخلت على رجل آخر !! ‪ ..‬هل يُعقل‬ ‫ُ‬
‫أن يكون هذا ؟!! ‪ ..‬ما أبشع منظره !! ‪ ..‬يا إلهي ما هذا االختالف الكلي‪ 0‬الذي طرأ عليه !!! ‪..‬‬
‫أين القوة والضخامة ؟! ‪ ..‬أين الصحة والخشونة ؟ ‪ ..‬الال ‪ ..‬ال يُعقل أن يكون هو !!!‬

‫وقف بسرعة كلمح البصر ! ‪ ..‬لم أتعرف على مالمحه ! ‪ ..‬كرهت النظر إليه ‪ ..‬أو سماع صوته‬
‫!! ‪..‬‬
‫جلست متهاوية‪ 0‬على األريكة‪ .. 0‬ش ّقـت ابتسامته‪ 0‬نهر الدموع في عينيه ‪ ..‬اعتقد أني وافقت على‬
‫العودة معه ‪..‬‬

‫نظر إلي بفـرح ‪ ..‬وتغيّرت مالمـح وجهه فجأة وهو يقول ‪:‬‬
‫ِ‬
‫نحلت كثيراً !! ‪ ..‬هل أصابك مكروه ؟! ‪ ..‬حتى أنا تغيّر حالي‪0‬‬ ‫ـ ما بك ال تنظرين إلي ؟!!! ‪ ..‬لقد‬
‫ِ‬
‫ذهبت ونحن نعيش في فراغ كبير ‪ ..‬في جفاء ووحشة أنا وأهلي جميعاً !!‬ ‫‪ ..‬منذ أن‬

‫لزمت الصمت ! ‪ ..‬ال أريده !! ‪ ..‬اآلن !! ‪ ..‬بعد ما جعلتموني أعاني من الذل والهوان ؟!!‬

‫كرر حديثه ثانية‪: 0‬‬


‫ـ ما بك ؟!!! ‪ ..‬أال تعرفين من أنا ؟ ‪ ..‬أنا زوجك ! ‪ ..‬لقد وعدتيني بالعودة‪ 0‬ولم تفعلي‪ .. ! 0‬جئت‬
‫آلخذك معي ‪ ..‬هيا ‪ ..‬هيا استعدي فالطائرة‪ 0‬ستقلع بعد ساعتين ونصف من اآلن ‪..‬‬

‫أيضاً لزمت الصمت !!‬

‫نظر إلى أبي في تساؤل وحيرة ‪:‬‬


‫عمـ ــاه ؟! ‪ ..‬ما بزوجتي‪ 0‬ال تطيق حتى النظر إلى وجهي‪ 0‬؟!! ‪ ..‬اجعلها تكلمني أرجوك‬
‫ـ ما بها يا ّ‬
‫!! ‪ ..‬ما بها ؟‬

‫حول نظره إلي وقال ‪:‬‬


‫ثم ّ‬
‫ـ أال تريديني‪ 0‬؟!! ‪ ..‬لماذا ؟ ‪ ..‬تكلمي !! ‪ ..‬ماذا تريدين ؟!‬

‫نطقت أخيراً‪ 0‬من بين دموعي الوجعى‪ 0‬وما زلت أشيح بنظري عنه ‪:‬‬
‫ـ ال أريدك ‪ ..‬ال أريدك ‪ ..‬أرجوك ‪ ..‬أطلق سراحي‪ .. 0‬فأنا ال أطيق النظر في وجهك‪ .. 0‬ولن أعود‬
‫معك !! ‪ ..‬مهما حييت ! ‪..‬‬
‫أال ترى ما فعلته بي ؟! ‪ ..‬أبي أرجوك ‪ ..‬أخرجه من هنا !! ‪ ..‬أنا ال أريده ال أريده ال أريده ‪..‬‬
‫أكرهه ‪..‬‬

‫أمسك أبي بي بسرعة وأوقفني بتمهل وهو يبتعد بي عنه إلى الغرفة المجاورة ‪..‬‬

‫ـ على رسلك يا ابنتي ! ‪ ..‬ارحمي نفسك‪ 0‬وما وصلت إليه حالتك ‪ ..‬أرجوك ‪ ..‬ال تنفعلي كثيراً ‪..‬‬
‫أرجوك ‪..‬‬

‫صرخ الزوج بأعلى صوته وهو ينتحب وجميع أهلي يسمعونه ‪:‬‬
‫ـ أعيدوا إلي زوجتي ‪ ..‬لن أتركها لكم !! ‪ ..‬حرام عليكم ‪ ..‬أنا ال أستطيع العيش بدونها‪.. !! 0‬‬
‫أعيدوا زوجتي ‪ ..‬أريد زوجتي ‪ ..‬أريدها‪ 0‬أن تعود معي لمنزلي ‪ ..‬لن أدعها تذهب مني !! ‪..‬‬
‫أعيدوها إلي ‪ ..‬أعيدوها ‪ ..‬سأوافق على كل ما تريد ‪ ..‬صدقوني ‪ ..‬ماذا تريد‪ 0‬هي ؟!! ‪ ..‬أين‬
‫زوجتي ؟!‬
‫عدت إليه بسرعة وأنا أستند على الجدران وسألته بصوت ٍ‬
‫باك ومغتاظ ‪:‬‬
‫حسناً ‪ ..‬هل ستترك ما أنت فيه من ضالل ؟ ‪ ..‬هل ستهتدي إلى الطريقة المثلى ؟!! ‪ ..‬هل‬
‫سيعتدل سلوكك الديني‪ 0‬وأفكارك العقيمة‪ 0‬؟!!!! ‪ ..‬بالطبع ال ‪ ..‬أليس كذلك ؟!!‬

‫صمت ‪ ..‬ثم قال باكياً ‪:‬‬


‫ـ اطلبي كل ما تريدين‪ .. 0‬إال هذا !! ‪ ..‬ال أستطيع !! ‪ ..‬ال أستطيع العيش بدون ذلك !! ‪ ..‬إنها‪0‬‬
‫عقيدتي ومذهبي وهو الصحيح !! ‪ ..‬ولكني أعدك أال أجعلك‪ 0‬ترغمين على الذهاب إلى مكان ال‬
‫ِ‬
‫أرجوك ‪..‬‬ ‫تريدينه‪ .. 0‬فعودي‬

‫قلت له بأسف ‪:‬‬


‫ـ ال جدوى من عودتي ! ‪ ..‬سيعود الحال إلى ما كان عليه !! ‪ ..‬نحن ال نستطيع العيش معاً ‪ ..‬ال‬
‫نستطيع‬
‫معيشتنا ستكون عيشة ضنكا !! ‪ ..‬مؤلمة متعبة ‪ ..‬الخالف الديني‪ 0‬سيقف حائالً دائماً بيننا ‪ ..‬عدا‬
‫أني قد زهدت فيك وقطعت األمل‪ 0‬في تفهمك لما أعني ‪ ..‬أرجوك ‪ ..‬ال يمكننا البقاء معاً أبداً‪.. 0‬‬
‫أبداً ‪..‬‬

‫وخرجت ‪ ..‬أبكي‪ .. 0‬فاحتضتني أمي ‪ ..‬وه ّدأت من روعتي أختي ‪ ..‬أما أبي ‪ ..‬فهو يمسح دمعات‬
‫ُ‬
‫فيّاضة تطفو قسراً من عينيه وهو يعاين لحظات الوداع األخيرة‪ .. 0‬ال جدوى منه أو مني !! ‪ ..‬ال‬
‫جدوى !! ‪..‬‬

‫أغلقت الدار علي بالمفتاح ‪ ..‬ال مجال‬


‫ُ‬ ‫رحل ‪ ..‬سمعته يناديني‪ .. 0‬فلم أجب ‪ ..‬ما الفائدة !! ‪..‬‬
‫للعودة أو التراجع ‪ ..‬هذا أمر اهلل ‪ ..‬وال يمكن أن يجتمع الضـ ّدان أبداً !!!!‬

‫مرت أيام عصيبة على حياتي‪ .. 0‬وفي هذه األثناء التي كنت أحتضر فيها جاء القريب والبعيد‬
‫ّ‬
‫يرجونني بالعودة‪ 0‬إليه !! ‪ ..‬إنه بقايا إنسان !! ‪..‬‬
‫يتصل مراراً وتكراراً‪ 0‬حتى أعود إليه !! ‪ ..‬إنهم قوم ال يعلمون !!‬
‫وما فائدة عودتي إال زيادة في العذابات والمفارقات‪ .. !! 0‬بالطبع رفضت ‪ ..‬مجرد محاولة واحدة‪0‬‬
‫فقط منهم في استمالتي إلى ما يدينون وسوف تؤدي بحياتي إن عدت وأنا بهذه الحال المترنحة‬
‫!!! ‪ ..‬حتى وإن كان يعاني‪ 0‬فقدي ونقل مراراً إلى المستشفى‪ 0‬فلن أع ـود !! ‪ ..‬لن أ أع ـود د ‪ ..‬لن‬
‫أعـ ــود ؟! ‪..‬‬

‫( النهاية‪) 0‬‬

‫ـــــــــــــــــــ‬

‫المصدر ‪ :‬كتاب ( دعوني أرحل ) بقلم الهاشمية‬


‫دار القاسم‪ 0‬للنشر والتوزيع‬

‫تحرير‪  : ‬حورية الدعوة‬


‫قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم « إ ذا دعا الرجل ألخيه بظهر الغيب قالت المالئكة ‪ :‬ولك‬
‫بمثل »‬
‫‪        ‬رواه مسلم وأبو داود‬

You might also like