في ضيافة سورة

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 6

‫تبع‬ ‫ج‬

‫ميحرلا نمحرلا هللا مسب وصلى الله على حبيب الحق وسبد الخلق ا معين وعلى آله وصحبه وآلتابعين ومن م ا ان ى وم د ن‬
‫ي‬ ‫آل‬ ‫ب‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫ب‬ ‫ه‬

‫الحلقة الأولى‪:‬‬

‫ك أَ فأَ َ ن ْتَ تَهْدِي‬ ‫ك أَ فأَ َ ن ْتَ ت ُ ْسمِ ُع ُّ‬


‫الص َّم و َلَو ْ كانُوا لا يَعْق ِلُونَ وَمِنْه ُ ْم م َنْ يَنْظ ُر ُ ِإلَي ْ َ‬ ‫يقول الله تعالى‪﴿ :‬وَمِنْه ُ ْم م َنْ يَسْتَمِع ُونَ ِإلَي ْ َ‬

‫اس أَ نْف ُسَه ُ ْم يَظْل ِم ُونَ﴾‪.‬‬ ‫شي ْئا ً و َل ك َِّن َّ‬


‫الن َ‬ ‫اس َ‬ ‫الله َ لا ي َ ْظل ِم ُ َّ‬
‫الن َ‬ ‫ي و َلَو ْ كانُوا لا يُبْص ِر ُونَ ِإ َّن َّ‬
‫ال ْع ُ ْم َ‬

‫س ‪ -1‬ما وجه المناسبة بين هذه الآيات وما ذكر قبلها من انقسام المشركين إلى فر يقين في الإيمان بالقرآن ال كريم والنبي‬

‫صلى الله عليه وسلم؟‬

‫هذه الآيات معطوفة على ما قبلها‪ ،‬وهي استمرار لسياق التنديد بالم كذبين بالقرآن ال كريم ‪ ،‬المعرضين عن هدايته‪،‬‬

‫فبعدما ذكر الله عز وجل انقسامهم في الإيمان إلى فر يقين‪ :‬فر يق يؤمن به عز وجل‪ ،‬وبرسوله صلى الله عليه وسلم الذي‬

‫أرسل‪ ،‬وكتابه الذي أنزل‪ ،‬وفر يق لا يؤمن‪ ،‬وجه الخطاب في هذه الآيات للنبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬و اصفا حال القسم‬

‫الثاني الذي لا يؤمن‪.‬‬

‫فمنهم من يستمع إلى ما يتلو النبي صلى الله عليه وسلم من قرآن‪ ،‬ول كنه كالأصم الذي لا يسمع‪ ،‬ومنهم من ينظر‬

‫إليه ول كنه كالأعمى الذي لا يبصر‪ ،‬وذلك من شدة العمى الذي أصاب قلبه ‪ ،‬لأن العمى الحقيقي عمى القلوب‪ ،‬كما‬

‫قال تعالى‪﴿ :‬فإنها لا تعمى الأبصار ول كن تعمى القلوب التي في الصدور﴾‪.‬‬

‫وهذا تصوير قرآني بليغ لشدة إصرار المشركين الم كذبين على العناد والمكابرة‪ ،‬فرغم ما شاهدوه من حجج ‪ ،‬ورغم‬

‫كثرة القرائن التي تدل أن القرآن العظيم من عند الله تعالى‪ ،‬وليس مفترا من دونه ‪ ،‬أصروا على إعراضهم وتكذيبهم‪ ،‬بل‬

‫اتهموا الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام باختلاقه وافترائه‪ ،‬كما فعل الوليد بن المغيرة‪.‬‬

‫س ‪ -3‬ما حقيقة الاستماع والنظر المذكورين هنا؟ وما الذي جعلهما بلا جدوى؟‬

‫حقيقة الاستماع في الآيات ال كريمة ‪ ،‬الإصغاء للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يتلو القرآن ال كريم‪ ،‬ويبين للناس‬

‫طر يق الله المستقيم‪ ،‬وحقيقة النظر ‪ :‬الاعتبار بالحجج والبراهين والأدلة التي تثبت صدقه عليه الصلاة والسلام‪.‬‬

‫فقد كان المعاندون له المعرضون عن هديه‪ ،‬يطلبون سماع الوحي‪ ،‬ل كن من أجل الاستهزاء والسخر ية والطعن‬

‫ن ُّأوتُوا ال ْعِلْم َ م َاذ َا‬


‫ك ح ََّتى ِإذا خَرَجُوا م ِنْ عِنْدِك َ قالُوا ل َّلِذ ِي َ‬
‫‪ ،‬كما حكى الله تعالى عن بعضهم فقال‪﴿ :‬وَمِنْه ُ ْم م َنْ يَسْتَمِ ُع ِإلَي ْ َ‬

‫الله ُ عَلى قُلُو بِه ِ ْم و ََّاتب َع ُوا أَ ه ْواءَه ُ ْم﴾‪.‬‬ ‫ل آن ِفا ً ُّأولئ ِ َ‬
‫ك الَّذ ِي َ‬
‫ن طَب َ َع َّ‬ ‫قا َ‬

‫‪1‬‬
‫كما أنهم يلاحظون دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم بينة واضحة ‪ ،‬ويشاهدون أماراتها لائحة ‪ ،‬ومع ذلك ينكرونها‬

‫و يعرضون عنها حسدا وبغيا وكبرا‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬و َجَ حَد ُوا بِها و َاسْ تَيْق َنَتْها أَ نْف ُسُه ُ ْم ظُل ْما ً و َعُلُوًّا﴾‪.‬‬

‫يسمعون وينظرون ل كن بدون جدوى‪ ،‬يتغافلون وكأنهم لم يسمعوا صوتا‪ ،‬ولم يروا شيئا‪ ،‬كما قال الشاعر ‪:‬‬

‫أصم عما ساءه سميع‬

‫وسبب ذلك‪ :‬عنادهم وعداوتهم وبغضهم للنبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وجهلهم بحقيقة الرسالة التي بعث بها‪ ،‬فقد‬

‫أرسل عليه الصلاة والسلام رحمة لهم بل للعالمين أجمعين‪ ،‬ليخرجهم من الظلمات إلى النور‪ ،‬ليخرجهم من عبادة العباد‬

‫إلى عبادة رب العباد‪ ،‬ل كنهم لم ينتفعوا بما رأوا‪ ،‬ولا بما سمعوا‪ ،‬وكان حالهم مع الوحي كحال حكاية عن الأصنام التي‬

‫ك و َه ُ ْم ل َا يُبْص ِر ُونَ﴾‪.‬‬
‫كانت تعبد من دون الله‪ ،‬قال سبحانه‪﴿ :‬و َِإ ْن ت َ ْدع ُوه ُ ْم ِإلَى ال ْهُد َى ل َا ي َ ْسم َع ُوا و َت َر َاه ُ ْم يَنْظ ُر ُونَ ِإلَي ْ َ‬

‫س ‪ -5‬ما ذا يستفاد من اختتام الآيات التي بين أيدينا بنفي ظلم الناس عن الله وإثباته الأنفسهم؟‬

‫من صفات الله تعالى العدل‪ ،‬فهو منزه عن الظلم والجور في أحكامه وأفعاله‪ ،‬وقد نفى سبحانه ظلمه للناس في هذه‬

‫الآيات وأثبته لأنفسهم‪:‬‬

‫من أجل رفع ما يتوهم أو ينقدح في الأذهان‪ ،‬وهو أنه سبحانه قد حجب من لم يستجيبوا عن الهداية‪ ،‬وذلك‬

‫بسلب حواسهم وعقولهم عنها‪ ،‬وعليه فهم مجبرون على ال كفر ولا اختيار لهم‪ ،‬والمؤاخذة مرفوعة عنهم ‪ ،‬فذكر سبحانه أنه‬

‫لم يظلمهم بعدم توفيقهم لذلك‪ ،‬فهو يتصرف في مل كه كيف يشاء سبحانه‪ ،‬وله الأمر من قبل ومن بعد‪ ،‬لا يسأل عما‬

‫يفعل وهم يسألون‪.‬‬

‫ثم إنه جل ذكره وتقدست أسماؤه‪ ،‬لم يهملهم‪ ،‬بل أرسل إليهم الرسل‪ ،‬وأنزل عليهم ال كتب‪ ،‬وأقام عليهم الحجة‬
‫‪ ،‬فظلموا أنفسهم بالحجود وال كفران‪ ،‬والفسوق والعصيان‪ :‬وهذا نظير قوله تعالى‪﴿ :‬وما ظَلَم ْناه ُ ْم و َل كِنْ كانُوا هُم ُ َّ‬
‫الظالِمِينَ﴾‪،‬‬

‫وقوله سبحانه‪﴿ :‬وَم َا ظَلَم ْنَاه ُ ْم و َل َكِنْ ظَلَم ُوا أَ نْف ُسَه ُ ْم﴾‪.‬‬

‫وقد جازاهم سبحانه بأعمالهم بعد أن أمرهم ونهاهم‪ ،‬وبين لهم طر يق الخير وطر يق الشر‪ ،‬فأكرم الطائع منهم‬

‫بفضله‪ ،‬وأهان العاصي منهم بعدله‪.‬‬

‫قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرو يه عن ربه عز وجل‪" :‬يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته‬

‫بينكم محرما فلا تظالموا ‪ ....‬يا عبادي إنما هي أعمال كم أحصيها ل كم ثم أوفيكم إياها‪ ،‬فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن‬

‫وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه"‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الحلقة الثانية‪:‬‬

‫خر ُونَ‬ ‫ُل ُّأ َّمة ٍ أَ ج َ ٌ‬


‫ل ِإذا جاء َ أَ ج َلُه ُ ْم فَلا يَسْت َأْ ِ‬ ‫الله ُ لِك ِ‬
‫ك لِن َ ْفس ِي ض َرًّا و َلا نَفْعا ً ِإل َا م َا شاء َ َّ‬
‫يقول الله تعالى‪﴿ :‬قُلْ لا أَ مْل ِ ُ‬

‫ل مِن ْه ُ ال ْم ُجْ رِم ُونَ أَ ث َُّم ِإذا م َا و َق َ َع آمَن ْتُم ْ بِه ِ آلْآنَ‬ ‫ساع َة ً و َلا يَسْت َ ْقدِم ُونَ قُلْ أَ ر َأَ ي ْتُم ْ ِإ ْن أَ تاك ُ ْم ع َذابُه ُ بَياتا ً أَ ْو نَهارا ً م َاذ َا يَسْتَعْ ِ‬
‫ج ُ‬

‫كن ْتُم ْ ت َ ْكسِبُونَ﴾‪.‬‬


‫تج ْز َ ْونَ ِإل َا بِما ُ‬ ‫ل ل َّلِذ ِي َ‬
‫ن ظَلَم ُوا ذ ُوقُوا ع َذابَ الْخل ُْد ِ ه َلْ ُ‬ ‫كن ْتُم ْ بِه ِ تَسْتَعْجِلُونَ ث َُّم ق ِي َ‬
‫و َق َ ْد ُ‬

‫س ‪ -1‬هناك ترابط قوي بين معاني هذه الآيات وما ذكر قبلها‪ ،‬فما هي تجلياته ومظاهره؟‬

‫من تجليات الترابط بين معاني هذه الآيات ال كريمة وما قبلها‪:‬‬

‫أن الآيات السالفة لما تحدثت عن طلب المشركين المعاندين أن يعجل لهم الوعيد في الدنيا ‪ ،‬أتبعت بهذه الآيات‬

‫التي كشفت عن بشر ية النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأنه إنسان مثلهم لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا‪ ،‬فكيف يملك ذلك‬

‫لغيره‪ ،‬وأنه عبد من عباد الله تعالى لا يعلم الغيب حتى يخبرهم عن أجل ما توعدهم به من العذاب‪ ،‬لأن علم ذلك عند‬

‫الله تعالى وحده‪.‬‬


‫َّ‬

‫كما أن الآيات السابقة لما حكت أحوال الظالمين لأنفسهم‪ ،‬بإعراضهم عن القرآن ال كريم‪ ،‬وتكذيهم جهلا وعنادا‬

‫للنبي الأمين ‪ ،‬واتهامهم له بالافتراء المبين‪ ،‬أشارت هذه الآيات إلى عاقبة ظلمهم ونتيجة بغيهم‪ ،‬وهي حلول العذاب الذي‬

‫ل ل َّلِذ ِي َ‬
‫ن ظَلَم ُوا ذ ُوقُوا ع َذابَ‬ ‫توعدهم الله به في الدنيا‪ ،‬فضلا عما سيحل بهم يوم القيامة وهو أشق ‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ث َُّم ق ِي َ‬

‫كن ْتُم ْ ت َ ْكسِبُونَ﴾‪.‬‬


‫تج ْز َ ْونَ ِإل َا بِما ُ‬
‫الْخل ُْد ِ ه َلْ ُ‬

‫فهذه الآيات ال كريمة لها علاقة بالتي قبلها‪ ،‬وارتباطها بها من حيث الموضوع جلي وواضح‪ ،‬شأنها شأن باقي آيات‬

‫كتاب الله تعالى وسوره في الترابط والتناسب‪.‬‬

‫س ‪ -3‬ذكرت الآيات أن لكل أمة أجلا لا يؤخر ساعة ولا يقدم أخرى‪ ،‬فهل من بیان مختصر لهذه المسألة؟‬

‫يخبر الحق سبحانه وتعالى في الآية ال كريمة عن حقيقة دينية وكونية‪ ،‬طالما قررها وكررها في كتابه العزيز‪ ،‬ألا‬

‫وهي أن لكل أمة أعمارا وآجالا محددةكالأفراد‪ ،‬فإذا حل وقت هذه الآجال لا تستأخر عنه ساعة ولا تستقدم‪ ،‬وانتهت‬

‫ومضت ودخلت في عداد الغابرين‪.‬‬

‫ل كن لا يمكن أَ ن تأتي هذه الآجال قبل أَ وانها‪ ،‬وعليه فقد كان الأولى بالمشركين الم كذبين أَ لا يستعجلوا وقت‬

‫العذاب ‪ ،‬لأنه مرتبط بأجل معلوم‪ ،‬ووقت محدد‪ ،‬لا يقدم ولا يؤخر‪ ،‬سواء كان هذا الأجل المسمى في الدنيا أو الآخرة‪،‬‬

‫‪3‬‬
‫ل مُسَمًّى لَجَاءَهُم ُ ال ْعَذ َابُ و َلَي َأْ تِي َّ َنه ُ ْم بَغْت َة ً و َه ُ ْم ل َا يَشْع ُر ُونَ﴾‪ ،‬وقد نزلت‬
‫َذاب و َلَوْل َا أَ ج َ ٌ‬
‫ك ب ِال ْع ِ‬
‫قال تعالى‪ ﴿ :‬و َيَسْتَعْجِلُون َ َ‬

‫هذه الآية في النضر بن الحارث وكان من ألد الأعداء للنبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬حيث قال استهزاء‪﴿ :‬فأَ َ ْمطِر ْ عَلَي ْنا ِحجارَة ً‬

‫السماء ِ أَ وِ ائْت ِنا ب ِع ٍ‬


‫َذاب أَ ل ٍِيم﴾‪.‬‬ ‫ن َّ‬‫مِ َ‬

‫وأجل كل أمة‪ ،‬كما يقول المفسرون‪ ،‬إما أن يكون باستئصالها في الدنيا وإبادتها بالمرة وإزالتها من خر يطة العالم‬

‫كقوم عاد وثمود‪ ،‬وغيرهما من الأمم البائدة التي حق عليها العذاب بسبب ذنوبها ومعاصيها‪.‬‬

‫وإما أن يكون بتأخير حسابها إلى يوم القيامة‪ ،‬فيجازي الله عز وجل العباد حينئذ بأعمالهم‪ ،‬إن خيرا فخير وإن‬

‫شرا فشر‪ ،‬وهذا فضل منه سبحانه ورحمة‪ ،‬ولو آخذهم بما كسبت أيديهم ما ترك على ظهر الأرض دابة‪.‬‬

‫س ‪ -5‬ما ذا يفهم من قوله تعالى تحديدا‪﴿ :‬أثم إذا ما وقع آمنتم به الآن وقد كنتم به تستعجلون﴾؟‬

‫الاستفهام في الآية ال كريمة للتوبيخ والتقرير كما قال المفسرون ‪ ،‬ومعناه‪ :‬أن أهل ال كفر قالوا‪ :‬نكذب بالعذاب‬

‫ونستعجله‪ ،‬ثم إذا ما وقع آمنا به‪ ،‬فقال الله عز وجل موبخا ومقررا‪ :‬أثم إذا ما وقع وحل بكم آمنتم به؟ الآن آمنتم وقد‬

‫كنتم تستعجلون العذاب سخر ية واستهزاء ؟ فذوقوا ما كنتم به تستعجلون‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ذ ُوقُوا فِت ْنَتَك ُ ْم هَذ َا الَّذ ِي ُ‬
‫كن ْتُم ْ بِه ِ‬

‫تَسْتَعْجِلُونَ﴾‪.‬‬

‫ولا شك أن هذا التصرف يدل على غبائهم وجهلهم بالعاقبة ‪ ،‬وعدم معرفتهم بحقيقة ما استعجلوا به من العذاب‬

‫الذي أصاب الم كذبين قبلهم‪ ،‬إذ لو كانوا عقلاء لطلبوا النجاة منه أو تأخيره ‪ ،‬بل لتمنوا عدم وقوعه أصلا‪.‬‬

‫والآية جواب واقع موقع التسليم المؤدي إلى إبطال دعوتهم ‪ ،‬وحاصله‪ :‬إن قدر الله حصول ما سألتم عنه من‬

‫العذاب‪ ،‬ماذا يحصل ل كم من فائدة ؟ ‪ ،‬إذ لا يمكن أن تؤمنوا حينئذ‪ ،‬ولو آمنتم لن ينفعكم ولن يقبل منكم إيمان ‪ ،‬لأنه‬

‫ك يَنْف َعُه ُ ْم ِإيمَانُه ُ ْم ل ََّما ر َأَ وْا بَأْ سَنَا﴾‪.‬‬


‫وقت الإلجاء ولا فائدة منه‪ ،‬وهذا كقوله تعالى ‪﴿ :‬فَل َ ْم ي َ ُ‬

‫فلا يقبل الله إيمانا عند مشاهدة العذاب‪ ،‬أو وقت الغرغرة والاحتضار ‪ ،‬كما قال تعالى عن فرعون لما آمن في‬

‫ن﴾‪.‬‬
‫سدِي َ‬
‫ن ال ْم ُ ْف ِ‬
‫كن ْتَ م ِ َ‬
‫ل وَ ُ‬
‫صي ْتَ قَب ْ ُ‬
‫آخر اللحظات عندما أيقن الهلاك‪﴿ :‬آلآنَ و َق َ ْد ع َ َ‬

‫‪4‬‬
‫الحلقة الثالثة‪:‬‬

‫ل ِإل َا ك َُّنا عَلَيْك ُ ْم شُه ُودا ً ِإ ْذ تُف ِيضُونَ ف ِيه ِ‬


‫ن و َلا تَعْم َلُونَ م ِنْ ع َم َ ٍ‬
‫ن و َما تَت ْلُوا مِن ْه ُ م ِنْ قُر ْآ ٍ‬
‫يقول الله تعالى‪﴿ :‬و َما تَكُونُ فِي شَأْ ٍ‬

‫ِتاب م ُبِينٍ﴾‪.‬‬ ‫السماء ِ و َلا أَ صْ غ َر َ م ِنْ ذل ِ َ‬


‫ك و َلا أَ كْ ب َر َ ِإل َا فِي ك ٍ‬ ‫ض و َلا فِي َّ‬
‫ل ذ ََّرة ٍ فِي الْأَ ْر ِ‬
‫ك م ِنْ مِث ْقا ِ‬
‫و َما يَعْز ُبُ ع َنْ ر َب ِ َ‬

‫س ‪ -1‬ما وجه المناسبة بين هذه الآية وما ذكر قبلها من قلة شكر الناس لخالقهم سبحانه؟‬

‫لما تحدث سبحانه في الآيات السابقة عن أحوال ال كفار ومذاهبهم والرد عليهم ‪ ،‬ومحاورة الرسول صلى الله عليه‬

‫وسلم لهم‪ ،‬ثم امتن على الناس بفضله ‪ ،‬حيث أنزل إليهم القرآن ‪ ،‬و بين لهم الحلال والحرام‪ ،‬ورزقهم من الطيبات‪،‬‬

‫فقابلوا ذلك بالجحود وال كفر بدل الشكر‪ ،‬وتجرؤوا على الله تعالى بالتحليل والتحريم افتراء عليه ‪.‬‬

‫ذكر سبحانه في هذه الآيات اطلاعه على أحوالهم‪ ،‬وحال الرسول صلى الله عليه وسلم في مجاهدته لهم‪ ،‬وتلاوة‬

‫القرآن ال كريم عليهم‪ ،‬وأنه تعالى عالم بجميع أعمالهم‪ ،‬ولا يغيب عنه شيء من صنيعهم‪.‬‬

‫والقصد من هذا هو حملهم على شكر نعم الله تعالى وآلائه‪ ،‬وحضهم على طاعته وعبادته‪ ،‬والاستقامة على دينه‪،‬‬

‫واتباع شر يعته‪ ،‬والبعد عن معصيته‪.‬‬

‫ولا شك أن العباد إذا علموا أن الله تعالى مطلع على جميع تصرفاتهم شكروه وأطاعوه‪.‬‬

‫كما أن في الآية تحذيرا لهم من عاقبة تبديل نعم الله كفرا‪ ،‬فمن جحد ولم يعترف بفضل الله ولم يقر بعطائه ولم‬

‫يشكره على آلائه‪ ،‬كانت عاقبة أمره خسرا‪ ،‬وذلك بزوال النعم وحلول النقم‪ ،‬نعوذ بالله من السلب بعد العطاء‪.‬‬

‫س‪ -3‬تحدثت الآية عن إحاطة علم الله تعالى بكل المخلوقات ورصده لكل الموجودات‪ ،‬هل من بيان مجمل حول هذه‬

‫المسألة؟‬

‫من الصفات الإلهية التي وصف الله تعالى بها نفسه صفة العلم ‪ ،‬وهي صفة أزلية أبدية ‪ ،‬قد أحاط علمه بكل‬

‫شيء‪ ،‬ولا يغيب عن علمه شيء ‪ ،‬ولو كان مثقال ذرة‪ ،‬أي وزن نملة‪ ،‬أو هباء‪ ،‬ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ‪ ،‬إلا‬

‫ومعلوم له‪ ،‬ومحصي لديه ‪.‬‬

‫ْب لا يَعْلَم ُها ِإ َّلا ه ُو َ و َيَعْلَم ُ ما فِي ال ْب َر ِ و َال ْب َحْ رِ و َما ت َ ْسق ُُط م ِنْ وَر َقَة ٍ‬ ‫وهذه الآية مثل قوله تعالى‪﴿ :‬وَعِنْد َه ُ م ِ‬
‫َفاتح ُ ال ْغَي ِ‬

‫ِس ِإ َّلا فِي ك ِ ٍ‬


‫تاب م ُبِينٍ﴾‪.‬‬ ‫ب و َلا ياب ٍ‬
‫ض و َلا ر َطْ ٍ‬ ‫ِإ َّلا يَعْلَم ُها و َلا ح ََّبة ٍ فِي ظُل ُ ِ‬
‫مات الْأَ ْر ِ‬

‫َاط بِك ُِل‬ ‫فالآية إذا تقرير لشمول علم الله تعالى ورقابته‪ ،‬وإحاطته بكل شيء‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬و َأَ َّن َّ‬
‫الله َ ق َ ْد أَ ح َ‬

‫شَيْء ٍ ع ِل ْمًا﴾‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وقال ابن القيم رحمه الله في هذا المعنى ‪:‬‬

‫في ال كون من سر ومن إعلان‬ ‫وهو العليم أحاط علما بالذي‬

‫فما من شأن يكون فيه العبد‪ ،‬وما من مجلس يتلو فيه قرآنا‪ ،‬وما من عمل يعمله ‪ ،‬إلا وهو مطلع عليه سبحانه‪،‬‬

‫لاتخفى عليه خافية‪ ،‬ولا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء‪ ،‬ولو كان مثقال الذرة في الصغر‪ ،‬أو أقل أو‬

‫أكبر‪ ،‬يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون‪.‬‬

‫فعلمه سبحانه مطلق شامل‪ ،‬يشمل ال كبير والصغير‪ ،‬والجليل والحقير‪ ،‬والغائب والحاضر‪ ،‬والمشاهد والخفي‪،‬‬

‫ودقائق الأشياء ‪ ،‬وخفايا الضمائر والنفوس‪.‬‬

‫كما قال القائل‪:‬‬

‫على الفلك الدوار نجما وكوكبا‬ ‫رقيب على كل الوجـــود مهيمن‬

‫بصمت ولم تجهر بسر تغيبـ‬ ‫رقيب على كل النفوس وإن تلذ‬

‫على كل شيء ظاهرا أو مح َجبا‬ ‫رقيب تعالى مالك الملك مبص ر‬

‫س‪ -5‬في الآية إشارة إلى أصغر الموجودات في ال كون مما لا يدرك بالعين المجردة‪ ،‬فماذا يعني السبق القرآني لهذه‬

‫المسألة؟‬

‫للسبق القرآني في هذه المسألة دلالات عظيمة منها‪:‬‬

‫‪ ‬أولا‪ :‬أنه وجه من أوجه الإعجاز القرآني‪ ،‬وجزء من الآيات المتجددة التي أخبر الله جل ثناؤه أنه سيريها لعباده‪ ،‬في قوله‬

‫ك أَ َّنه ُ عَلَى ك ُِل شَيْء ٍ شَه ِيدٌ ﴾‪.‬‬ ‫ق و َفِي أَ نْفُسِه ِ ْم ح ََّتى يَتَبَيَّنَ لَه ُ ْم أَ َّنه ُ الْح َُّق أَ و َل َ ْم يَك ِ‬
‫ْف ب ِر َب ِ َ‬ ‫سبحانه‪ ﴿ :‬سَنُر ِيه ِ ْم آيَاتنَِا فِي الْآفَا ِ‬

‫‪ ‬ثانيا‪ :‬أن هذا السبق العلمي دليل على أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم رسول من عند الله تعالى‪ ،‬وأن ما نطق به من‬

‫حقائق علمية هي وحي من الله ‪ ،‬لأنها ترتبط بما يستقبل من الزمن‪ ،‬وهو أمر غيبي محجوب عن الخلق كافة إلامن اصطفى‬

‫ل﴾‪.‬‬
‫ن ارْتَضى م ِنْ رَسُو ٍ‬ ‫من رسول فإنه يطلعه عليه‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬عالِم ُ ال ْغَي ِ‬
‫ْب فَلا ي ُ ْظه ِر ُ عَلى غَي ْبِه ِ أَ ح َدا ً ِإل َا م َ ِ‬
‫‪ ‬ثالثا‪ :‬أن هذا السبق رد دامغ على الأفكار التشكيكية بصحة الرسال المحمدية‪ ،‬فهذه الحقيقة العلمية قد أخبر عنها نبي أمي‬

‫في زمن لا يوجد فيه تقدم علمي‪ ،‬ولذلك فهي وغيرها من الحقائق الأخرى تعتبر حجة على كل المشككين‪ ،‬وفرصة لإقناع‬

‫المنصفين من العلماء الباحثين بربانية القرآن ال كريم‪ ،‬وصدق رسول الله الصادق الأمين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم‪.‬‬

‫‪6‬‬

You might also like