Professional Documents
Culture Documents
في ضيافة سورة
في ضيافة سورة
في ضيافة سورة
ميحرلا نمحرلا هللا مسب وصلى الله على حبيب الحق وسبد الخلق ا معين وعلى آله وصحبه وآلتابعين ومن م ا ان ى وم د ن
ي آل ب لا س ح ب ه
الحلقة الأولى:
س -1ما وجه المناسبة بين هذه الآيات وما ذكر قبلها من انقسام المشركين إلى فر يقين في الإيمان بالقرآن ال كريم والنبي
هذه الآيات معطوفة على ما قبلها ،وهي استمرار لسياق التنديد بالم كذبين بالقرآن ال كريم ،المعرضين عن هدايته،
فبعدما ذكر الله عز وجل انقسامهم في الإيمان إلى فر يقين :فر يق يؤمن به عز وجل ،وبرسوله صلى الله عليه وسلم الذي
أرسل ،وكتابه الذي أنزل ،وفر يق لا يؤمن ،وجه الخطاب في هذه الآيات للنبي صلى الله عليه وسلم ،و اصفا حال القسم
فمنهم من يستمع إلى ما يتلو النبي صلى الله عليه وسلم من قرآن ،ول كنه كالأصم الذي لا يسمع ،ومنهم من ينظر
إليه ول كنه كالأعمى الذي لا يبصر ،وذلك من شدة العمى الذي أصاب قلبه ،لأن العمى الحقيقي عمى القلوب ،كما
وهذا تصوير قرآني بليغ لشدة إصرار المشركين الم كذبين على العناد والمكابرة ،فرغم ما شاهدوه من حجج ،ورغم
كثرة القرائن التي تدل أن القرآن العظيم من عند الله تعالى ،وليس مفترا من دونه ،أصروا على إعراضهم وتكذيبهم ،بل
اتهموا الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام باختلاقه وافترائه ،كما فعل الوليد بن المغيرة.
س -3ما حقيقة الاستماع والنظر المذكورين هنا؟ وما الذي جعلهما بلا جدوى؟
حقيقة الاستماع في الآيات ال كريمة ،الإصغاء للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يتلو القرآن ال كريم ،ويبين للناس
طر يق الله المستقيم ،وحقيقة النظر :الاعتبار بالحجج والبراهين والأدلة التي تثبت صدقه عليه الصلاة والسلام.
فقد كان المعاندون له المعرضون عن هديه ،يطلبون سماع الوحي ،ل كن من أجل الاستهزاء والسخر ية والطعن
الله ُ عَلى قُلُو بِه ِ ْم و ََّاتب َع ُوا أَ ه ْواءَه ُ ْم﴾. ل آن ِفا ً ُّأولئ ِ َ
ك الَّذ ِي َ
ن طَب َ َع َّ قا َ
1
كما أنهم يلاحظون دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم بينة واضحة ،ويشاهدون أماراتها لائحة ،ومع ذلك ينكرونها
و يعرضون عنها حسدا وبغيا وكبرا ،كما قال تعالى﴿ :و َجَ حَد ُوا بِها و َاسْ تَيْق َنَتْها أَ نْف ُسُه ُ ْم ظُل ْما ً و َعُلُوًّا﴾.
يسمعون وينظرون ل كن بدون جدوى ،يتغافلون وكأنهم لم يسمعوا صوتا ،ولم يروا شيئا ،كما قال الشاعر :
وسبب ذلك :عنادهم وعداوتهم وبغضهم للنبي صلى الله عليه وسلم ،وجهلهم بحقيقة الرسالة التي بعث بها ،فقد
أرسل عليه الصلاة والسلام رحمة لهم بل للعالمين أجمعين ،ليخرجهم من الظلمات إلى النور ،ليخرجهم من عبادة العباد
إلى عبادة رب العباد ،ل كنهم لم ينتفعوا بما رأوا ،ولا بما سمعوا ،وكان حالهم مع الوحي كحال حكاية عن الأصنام التي
ك و َه ُ ْم ل َا يُبْص ِر ُونَ﴾.
كانت تعبد من دون الله ،قال سبحانه﴿ :و َِإ ْن ت َ ْدع ُوه ُ ْم ِإلَى ال ْهُد َى ل َا ي َ ْسم َع ُوا و َت َر َاه ُ ْم يَنْظ ُر ُونَ ِإلَي ْ َ
س -5ما ذا يستفاد من اختتام الآيات التي بين أيدينا بنفي ظلم الناس عن الله وإثباته الأنفسهم؟
من صفات الله تعالى العدل ،فهو منزه عن الظلم والجور في أحكامه وأفعاله ،وقد نفى سبحانه ظلمه للناس في هذه
من أجل رفع ما يتوهم أو ينقدح في الأذهان ،وهو أنه سبحانه قد حجب من لم يستجيبوا عن الهداية ،وذلك
بسلب حواسهم وعقولهم عنها ،وعليه فهم مجبرون على ال كفر ولا اختيار لهم ،والمؤاخذة مرفوعة عنهم ،فذكر سبحانه أنه
لم يظلمهم بعدم توفيقهم لذلك ،فهو يتصرف في مل كه كيف يشاء سبحانه ،وله الأمر من قبل ومن بعد ،لا يسأل عما
ثم إنه جل ذكره وتقدست أسماؤه ،لم يهملهم ،بل أرسل إليهم الرسل ،وأنزل عليهم ال كتب ،وأقام عليهم الحجة
،فظلموا أنفسهم بالحجود وال كفران ،والفسوق والعصيان :وهذا نظير قوله تعالى﴿ :وما ظَلَم ْناه ُ ْم و َل كِنْ كانُوا هُم ُ َّ
الظالِمِينَ﴾،
وقوله سبحانه﴿ :وَم َا ظَلَم ْنَاه ُ ْم و َل َكِنْ ظَلَم ُوا أَ نْف ُسَه ُ ْم﴾.
وقد جازاهم سبحانه بأعمالهم بعد أن أمرهم ونهاهم ،وبين لهم طر يق الخير وطر يق الشر ،فأكرم الطائع منهم
قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرو يه عن ربه عز وجل" :يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته
بينكم محرما فلا تظالموا ....يا عبادي إنما هي أعمال كم أحصيها ل كم ثم أوفيكم إياها ،فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن
2
الحلقة الثانية:
ل مِن ْه ُ ال ْم ُجْ رِم ُونَ أَ ث َُّم ِإذا م َا و َق َ َع آمَن ْتُم ْ بِه ِ آلْآنَ ساع َة ً و َلا يَسْت َ ْقدِم ُونَ قُلْ أَ ر َأَ ي ْتُم ْ ِإ ْن أَ تاك ُ ْم ع َذابُه ُ بَياتا ً أَ ْو نَهارا ً م َاذ َا يَسْتَعْ ِ
ج ُ
س -1هناك ترابط قوي بين معاني هذه الآيات وما ذكر قبلها ،فما هي تجلياته ومظاهره؟
من تجليات الترابط بين معاني هذه الآيات ال كريمة وما قبلها:
أن الآيات السالفة لما تحدثت عن طلب المشركين المعاندين أن يعجل لهم الوعيد في الدنيا ،أتبعت بهذه الآيات
التي كشفت عن بشر ية النبي صلى الله عليه وسلم ،وأنه إنسان مثلهم لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ،فكيف يملك ذلك
لغيره ،وأنه عبد من عباد الله تعالى لا يعلم الغيب حتى يخبرهم عن أجل ما توعدهم به من العذاب ،لأن علم ذلك عند
كما أن الآيات السابقة لما حكت أحوال الظالمين لأنفسهم ،بإعراضهم عن القرآن ال كريم ،وتكذيهم جهلا وعنادا
للنبي الأمين ،واتهامهم له بالافتراء المبين ،أشارت هذه الآيات إلى عاقبة ظلمهم ونتيجة بغيهم ،وهي حلول العذاب الذي
ل ل َّلِذ ِي َ
ن ظَلَم ُوا ذ ُوقُوا ع َذابَ توعدهم الله به في الدنيا ،فضلا عما سيحل بهم يوم القيامة وهو أشق ،قال تعالى ﴿ :ث َُّم ق ِي َ
فهذه الآيات ال كريمة لها علاقة بالتي قبلها ،وارتباطها بها من حيث الموضوع جلي وواضح ،شأنها شأن باقي آيات
س -3ذكرت الآيات أن لكل أمة أجلا لا يؤخر ساعة ولا يقدم أخرى ،فهل من بیان مختصر لهذه المسألة؟
يخبر الحق سبحانه وتعالى في الآية ال كريمة عن حقيقة دينية وكونية ،طالما قررها وكررها في كتابه العزيز ،ألا
وهي أن لكل أمة أعمارا وآجالا محددةكالأفراد ،فإذا حل وقت هذه الآجال لا تستأخر عنه ساعة ولا تستقدم ،وانتهت
ل كن لا يمكن أَ ن تأتي هذه الآجال قبل أَ وانها ،وعليه فقد كان الأولى بالمشركين الم كذبين أَ لا يستعجلوا وقت
العذاب ،لأنه مرتبط بأجل معلوم ،ووقت محدد ،لا يقدم ولا يؤخر ،سواء كان هذا الأجل المسمى في الدنيا أو الآخرة،
3
ل مُسَمًّى لَجَاءَهُم ُ ال ْعَذ َابُ و َلَي َأْ تِي َّ َنه ُ ْم بَغْت َة ً و َه ُ ْم ل َا يَشْع ُر ُونَ﴾ ،وقد نزلت
َذاب و َلَوْل َا أَ ج َ ٌ
ك ب ِال ْع ِ
قال تعالى ﴿ :و َيَسْتَعْجِلُون َ َ
هذه الآية في النضر بن الحارث وكان من ألد الأعداء للنبي صلى الله عليه وسلم ،حيث قال استهزاء﴿ :فأَ َ ْمطِر ْ عَلَي ْنا ِحجارَة ً
وأجل كل أمة ،كما يقول المفسرون ،إما أن يكون باستئصالها في الدنيا وإبادتها بالمرة وإزالتها من خر يطة العالم
كقوم عاد وثمود ،وغيرهما من الأمم البائدة التي حق عليها العذاب بسبب ذنوبها ومعاصيها.
وإما أن يكون بتأخير حسابها إلى يوم القيامة ،فيجازي الله عز وجل العباد حينئذ بأعمالهم ،إن خيرا فخير وإن
شرا فشر ،وهذا فضل منه سبحانه ورحمة ،ولو آخذهم بما كسبت أيديهم ما ترك على ظهر الأرض دابة.
س -5ما ذا يفهم من قوله تعالى تحديدا﴿ :أثم إذا ما وقع آمنتم به الآن وقد كنتم به تستعجلون﴾؟
الاستفهام في الآية ال كريمة للتوبيخ والتقرير كما قال المفسرون ،ومعناه :أن أهل ال كفر قالوا :نكذب بالعذاب
ونستعجله ،ثم إذا ما وقع آمنا به ،فقال الله عز وجل موبخا ومقررا :أثم إذا ما وقع وحل بكم آمنتم به؟ الآن آمنتم وقد
كنتم تستعجلون العذاب سخر ية واستهزاء ؟ فذوقوا ما كنتم به تستعجلون ،قال تعالى﴿ :ذ ُوقُوا فِت ْنَتَك ُ ْم هَذ َا الَّذ ِي ُ
كن ْتُم ْ بِه ِ
تَسْتَعْجِلُونَ﴾.
ولا شك أن هذا التصرف يدل على غبائهم وجهلهم بالعاقبة ،وعدم معرفتهم بحقيقة ما استعجلوا به من العذاب
الذي أصاب الم كذبين قبلهم ،إذ لو كانوا عقلاء لطلبوا النجاة منه أو تأخيره ،بل لتمنوا عدم وقوعه أصلا.
والآية جواب واقع موقع التسليم المؤدي إلى إبطال دعوتهم ،وحاصله :إن قدر الله حصول ما سألتم عنه من
العذاب ،ماذا يحصل ل كم من فائدة ؟ ،إذ لا يمكن أن تؤمنوا حينئذ ،ولو آمنتم لن ينفعكم ولن يقبل منكم إيمان ،لأنه
فلا يقبل الله إيمانا عند مشاهدة العذاب ،أو وقت الغرغرة والاحتضار ،كما قال تعالى عن فرعون لما آمن في
ن﴾.
سدِي َ
ن ال ْم ُ ْف ِ
كن ْتَ م ِ َ
ل وَ ُ
صي ْتَ قَب ْ ُ
آخر اللحظات عندما أيقن الهلاك﴿ :آلآنَ و َق َ ْد ع َ َ
4
الحلقة الثالثة:
س -1ما وجه المناسبة بين هذه الآية وما ذكر قبلها من قلة شكر الناس لخالقهم سبحانه؟
لما تحدث سبحانه في الآيات السابقة عن أحوال ال كفار ومذاهبهم والرد عليهم ،ومحاورة الرسول صلى الله عليه
وسلم لهم ،ثم امتن على الناس بفضله ،حيث أنزل إليهم القرآن ،و بين لهم الحلال والحرام ،ورزقهم من الطيبات،
فقابلوا ذلك بالجحود وال كفر بدل الشكر ،وتجرؤوا على الله تعالى بالتحليل والتحريم افتراء عليه .
ذكر سبحانه في هذه الآيات اطلاعه على أحوالهم ،وحال الرسول صلى الله عليه وسلم في مجاهدته لهم ،وتلاوة
القرآن ال كريم عليهم ،وأنه تعالى عالم بجميع أعمالهم ،ولا يغيب عنه شيء من صنيعهم.
والقصد من هذا هو حملهم على شكر نعم الله تعالى وآلائه ،وحضهم على طاعته وعبادته ،والاستقامة على دينه،
ولا شك أن العباد إذا علموا أن الله تعالى مطلع على جميع تصرفاتهم شكروه وأطاعوه.
كما أن في الآية تحذيرا لهم من عاقبة تبديل نعم الله كفرا ،فمن جحد ولم يعترف بفضل الله ولم يقر بعطائه ولم
يشكره على آلائه ،كانت عاقبة أمره خسرا ،وذلك بزوال النعم وحلول النقم ،نعوذ بالله من السلب بعد العطاء.
س -3تحدثت الآية عن إحاطة علم الله تعالى بكل المخلوقات ورصده لكل الموجودات ،هل من بيان مجمل حول هذه
المسألة؟
من الصفات الإلهية التي وصف الله تعالى بها نفسه صفة العلم ،وهي صفة أزلية أبدية ،قد أحاط علمه بكل
شيء ،ولا يغيب عن علمه شيء ،ولو كان مثقال ذرة ،أي وزن نملة ،أو هباء ،ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ،إلا
ْب لا يَعْلَم ُها ِإ َّلا ه ُو َ و َيَعْلَم ُ ما فِي ال ْب َر ِ و َال ْب َحْ رِ و َما ت َ ْسق ُُط م ِنْ وَر َقَة ٍ وهذه الآية مثل قوله تعالى﴿ :وَعِنْد َه ُ م ِ
َفاتح ُ ال ْغَي ِ
َاط بِك ُِل فالآية إذا تقرير لشمول علم الله تعالى ورقابته ،وإحاطته بكل شيء ،كما قال تعالى﴿ :و َأَ َّن َّ
الله َ ق َ ْد أَ ح َ
شَيْء ٍ ع ِل ْمًا﴾.
5
وقال ابن القيم رحمه الله في هذا المعنى :
فما من شأن يكون فيه العبد ،وما من مجلس يتلو فيه قرآنا ،وما من عمل يعمله ،إلا وهو مطلع عليه سبحانه،
لاتخفى عليه خافية ،ولا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء ،ولو كان مثقال الذرة في الصغر ،أو أقل أو
أكبر ،يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون.
فعلمه سبحانه مطلق شامل ،يشمل ال كبير والصغير ،والجليل والحقير ،والغائب والحاضر ،والمشاهد والخفي،
بصمت ولم تجهر بسر تغيبـ رقيب على كل النفوس وإن تلذ
س -5في الآية إشارة إلى أصغر الموجودات في ال كون مما لا يدرك بالعين المجردة ،فماذا يعني السبق القرآني لهذه
المسألة؟
أولا :أنه وجه من أوجه الإعجاز القرآني ،وجزء من الآيات المتجددة التي أخبر الله جل ثناؤه أنه سيريها لعباده ،في قوله
ك أَ َّنه ُ عَلَى ك ُِل شَيْء ٍ شَه ِيدٌ ﴾. ق و َفِي أَ نْفُسِه ِ ْم ح ََّتى يَتَبَيَّنَ لَه ُ ْم أَ َّنه ُ الْح َُّق أَ و َل َ ْم يَك ِ
ْف ب ِر َب ِ َ سبحانه ﴿ :سَنُر ِيه ِ ْم آيَاتنَِا فِي الْآفَا ِ
ثانيا :أن هذا السبق العلمي دليل على أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم رسول من عند الله تعالى ،وأن ما نطق به من
حقائق علمية هي وحي من الله ،لأنها ترتبط بما يستقبل من الزمن ،وهو أمر غيبي محجوب عن الخلق كافة إلامن اصطفى
ل﴾.
ن ارْتَضى م ِنْ رَسُو ٍ من رسول فإنه يطلعه عليه ،قال تعالى﴿ :عالِم ُ ال ْغَي ِ
ْب فَلا ي ُ ْظه ِر ُ عَلى غَي ْبِه ِ أَ ح َدا ً ِإل َا م َ ِ
ثالثا :أن هذا السبق رد دامغ على الأفكار التشكيكية بصحة الرسال المحمدية ،فهذه الحقيقة العلمية قد أخبر عنها نبي أمي
في زمن لا يوجد فيه تقدم علمي ،ولذلك فهي وغيرها من الحقائق الأخرى تعتبر حجة على كل المشككين ،وفرصة لإقناع
المنصفين من العلماء الباحثين بربانية القرآن ال كريم ،وصدق رسول الله الصادق الأمين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
6