Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 49

‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫المختصر في التفسير‬
‫)سورة الفاتحة (‪١‬‬

‫۝ ِإَّیاَك َنۡع ُبُد َو ِإَّیاَك َنۡس َتِع یُن ‪٥‬‬


‫۝﴿‬ ‫۝ َم ٰـِلِك َیۡو ِم ٱلِّدیِن ‪٤‬‬ ‫۝ ٱۡل َح ۡم ُد ِهَّلِل َر ِّب ٱۡل َعٰـ َلِم یَن ‪٢‬‬
‫۝ ٱلَّر ۡح َم ٰـ ِن ٱلَّر ِح یِم ‪٣‬‬ ‫ِبۡس ِم ٱِهَّلل ٱلَّر ۡح َم ٰـ ِن ٱلَّر ِح یِم ‪١‬‬
‫[الفاتحة‪٧-١ :‬‬ ‫۝ ِص َر⁠ٰ َط ٱَّلِذ یَن َأۡن َعۡم َت َعَلۡی ِه ۡم َغۡی ِر ٱۡل َم ۡغ ُضوِب َعَلۡی ِه ۡم َو اَل ٱلَّض ۤا ِّلیَن ‪٧‬‬
‫۝﴾‬ ‫]ٱۡه ِد َنا ٱلِّص َر⁠ٰ َط ٱۡل ُم ۡس َتِقیَم ‪٦‬‬


سورة الفاتحة مكية *‬
‫‪ِ:‬م ن َّم قاِص ِد الُّسوَر ِة *‬

‪.‬تحقيق التوجه هلل تعالى بكمال العبودية له وحده‬
‫‪:‬الَّتْفِسيُر *‬
‫ُسِّم يت سورَة الفاتحة الفتتاح كتاب هللا بها‪ ،‬وتسَّم ى أم القرآن الشتمالها على موضوعاته‪ ،‬من توحيد هلل‪ ،‬وعبادة‪ ،‬وغير ذلك‪،‬‬
‫‪.‬وهي أعظم سورة في القرآن‪ ،‬وهي الَّسبُع المثاني‬
‫‪:‬باسم هللا أبدأ قراءة القرآن‪ ،‬مستعيًنا به تعالى متبرًكا بذكر اسمه‪ .‬وقد تضمنت البسملة ثالثة من أسماء هللا الحسنى‪ ،‬وهي ‪١-‬‬
‫‪.‬هللا»‪ ،‬أي‪ :‬المعبود بحق‪ ،‬وهو أخص أسماء هللا تعالى‪ ،‬وال يسمى به غيره سبحانه« •‬
‫‪.‬الَّر ْح َم ن»‪ ،‬أي‪ :‬ذو الرحمة الواسعة‪ .‬فهو الرحمن بذاته« •‬
‫‪.‬الَّر ِح يم»‪ ،‬أي‪ :‬ذو الرحمة الواصلة‪ .‬فهو يرحم برحمته من شاء من خلقه ومنهم المؤمنون من عباده« •‬
‫جميع أنواع المحامد من صفات الجالل والكمال هي له وحده دون من سواه‪ ،‬إذ هو رب كل شيء وخالقه ومدبره‪٢- .‬‬
‫‪.‬و«العالمون» جمع «عاَلم» وهم كل ما سوى هللا تعالى‬
‫) ( ‪.‬ثناء على هللا تعالى بعد حمده في اآلية السابقة ‪٣-‬‬ ‫) (‬
‫‪.‬تمجيد هلل تعالى بأنه المالك لكل ما في يوم القيامة‪ ،‬حيث ال تملك نفس لنفس شيًئا‪ .‬فـ«يوم الدين»‪ :‬يوم الجزاء والحساب ‪٤-‬‬
‫نخُّص ك وحدك بأنواع العبادة والطاعة‪ ،‬فال نشرك معك غيرك‪ ،‬ومنك وحدك نطلب العون في كل شؤوننا‪ ،‬فِبَيِدَك الخير ‪٥-‬‬
‫‪.‬كله‪ ،‬وال ُم عين سواك‬
‫ُدَّلنا إلى الصراط المستقيم‪ ،‬واسلك بنا فيه‪ ،‬وثِّبتنا عليه‪ ،.‬وزدنا هدى‪ .‬و«الصراط المستقيم» هو الطريق الواضح الذي ال ‪٦-‬‬
‫‪.‬اعوجاج فيه‪ ،‬وهو اإلسالم الذي أرسل هللا به محمًدا ﷺ‬
‫طريق الذين أنعمت عليهم من عبادك بهدايتهم‪ ،‬كالنبيين والصِّديقين والشهداء والصالحين وَح ُسَن أولئك رفيًقا‪ ،‬غير طريق ‪٧-‬‬
‫المغضوب عليهم الذين عرفوا الحق ولم يتبعوه كاليهود‪ ،‬وغير طريق الضالين عن الحق الذين لم يهتدوا إليه لتفريطهم في طلب‬

‪.‬الحق واالهتداء إليه كالنصارى‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬افتتح هللا تعالى كتابه بالبسملة‪ ،‬ليرشد عباده أن يبدؤوا أعمالهم وأقوالهم بها طلًبا لعونه وتوفيقه •‬
‫‪.‬من هدي عباد هللا الصالحين في الدعاء البدء بتمجيد هللا والثناء عليه سبحانه ثم ليشرع في الطلب •‬
‫تحذير المسلمين من التقصير في طلب الحق كالنصارى الضالين‪ ،‬أو عدم العمل بالحق الذي عرفوه كاليهود المغضوب •‬
‫‪.‬عليهم‬
‫‪.‬دَّلت السورة على أن كمال اإليمان يكون بإخالص العبادة هلل تعالى وطلب العون منه وحده دون سواه •‬
‫‪١‬‬

‫)سورة البقرة (‪٢‬‬

‫﷽‬

‫ࣰد‬
‫۝ ٱَّلِذ یَن ُیۡؤ ِم ُنوَن ِبٱۡل َغۡی ِب َو ُیِقیُم وَن ٱلَّص َلٰو َة َو ِم َّم ا َر َز ۡق َنٰـُه ۡم ُینِفُقوَن ‪٣‬‬
‫۝ َو ٱَّلِذ یَن ﴿‬ ‫۝ َذٰ ⁠ِلَك ٱۡل ِك َتٰـ ُب اَل َر ۡی َۛب ِفیِۛه ُه ى ِّلۡل ُم َّتِقیَن ‪٢‬‬ ‫اۤل ۤم ‪١‬‬
‫ࣰد‬
‫۝﴾‬ ‫۝ ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك َعَلٰى ُه ى ِّم ن َّر ِّبِه ۖۡم َو ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك ُهُم ٱۡل ُم ۡف ِلُح وَن ‪٥‬‬
‫ُیۡؤ ِم ُنوَن ِبَم ۤا ُأنِز َل ِإَلۡی َك َو َم ۤا ُأنِز َل ِم ن َقۡب ِلَك َو ِبٱۡل َٔـاِخ َر ِة ُهۡم ُیوِقُنوَن ‪٤‬‬
‫][البقرة‪٥-١ :‬‬


سورة البقرة مدنية *‬
‫ُّس‬
‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪1/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫‪ِ:‬م ن َّم قاِص ِد الُّسوَر ِة *‬



‪.‬إعداد األمة لعمارة األرض والقيام بدين هللا‪ ،‬وبيان أقسام الناس‪ ،‬وفيها أصول اإليمان وكليات الشريعة‬
‫‪:‬الَّتْفِسيُر *‬
‫ُسِّم يت سورة البقرة بهذا االسم لورود قصة بقرة بني إسرائيل فيها‪ ،‬وفيها إشارة إلى وجوب المسارعة إلى تطبيق شرع هللا‪،‬‬
‫‪.‬وعدم التلكؤ فيه كما حصل من يهود‬
‫الم﴾ هذه من الحروف التي افُتِتحت بها بعض سور القرآن‪ ،‬وهي حروٌف هجائية ال معنى لها في نفسها إذا جاءت مفردة﴿ ‪١-‬‬
‫هكذا (أ‪ ،‬ب‪ ،‬ت‪ ،‬إلخ)‪ ،‬ولها حكمة ومغزى‪ ،‬حيث ال يوجد في القرآن ما ال حكمة له‪ ،‬ومن أهم ِح َكمها‪ :‬اإلشارة إلى التحدي‬
‫بالقرآن الذي يتكَّو ن من الحروف نفسها التي يعرفونها ويتكلمون بها‪ ،‬لذا يأتي غالًبا بعدها ذكٌر للقرآن الكريم‪ ،‬كما في هذه‬
‫‪.‬السورة‬
‫ذلك القرآن العظيم ال شك فيه‪ ،‬ال من جهة تنزيله‪ ،‬وال من حيث لفظه ومعناه‪ ،‬فهو كالم هللا‪ ،‬يهدي المتقين إلى الطريق ‪٢-‬‬
‫‪.‬الموصل إليه‬
‫) ( الذين يؤمنون بالغيب وهو كل ما ال ُيدرك بالحواس وغاب عّنا‪ ،‬مما أخبر هللا عنه أو أخبر عنه رسوله‪ ،‬كاليوم اآلخر‪٣- ،‬‬
‫وهم الذين يقيمون الصالة بأدائها وفق ما شرع هللا من شروطها‪ ،‬وأركانها‪ ،‬وواجباتها‪ ،‬وسننها‪ ،‬وهم الذين ينفقون مما رزقهم هللا‪،‬‬
‫) (‬ ‫بإخراج الواجب كالزكاة‪ ،‬أو غير الواجب كصدقة التطوع‪ ،‬رجاء ثواب هللا‪ ،‬وهم الذين يؤمنون بالوحي الذي أنزل هللا عليك ‪ -‬أيها‬
‫النبي ‪ -‬والذي أنزل على سائر األنبياء عليهم السالم من قبلك دون تفريق‪ ،‬وهم الذين يؤمنون إيماًنا جازًم ا باآلخرة وما فيها من‬
‫‪.‬الثواب والعقاب‬
‫هؤالء الُم َّتِص فون بهذه الصفات على َتمُّكٍن من طريق الهداية‪ ،‬وهم الفائزون في الدنيا واآلخرة بَنيلهم ما يرجون ونجاتهم ‪٥-‬‬

‪.‬مما يخافون‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬الثقة المطلقة في نفي الَّر يب دليل على أنه من عند هللا‪ ،‬إذ ال يمكن لمخلوق أن يدعي ذلك في كالمه •‬
‫‪.‬ال ينتفع بما في القرآن الكريم من الهدايات العظيمة إال المتقون هلل تعالى المعِّظ مون له •‬
‫من أعظم مراتب اإليماِن اإليماُن بالغيب‪ ،‬ألنه يتضمن التسليم هلل تعالى في كل ما تفرد بعلمه من الغيب‪ ،‬ولرسوله بما أخبر •‬
‫‪.‬عنه سبحانه‬
‫كثيًر ا ما يقرن هللا تعالى بين الصالة والزكاة‪ ،‬ألّن الصالة إخالص للمعبود‪ ،‬والزكاة إحسان للعبيد‪ ،‬وهما عنوان السعادة •‬
‫‪.‬والنجاة‬
‫‪.‬اإليمان باهلل تعالى وعمل الصالحات يورثان الهداية والتوفيق في الدنيا‪ ،‬والفوز والفالح في اُألخرى •‬
‫‪٢‬‬

‫ࣱۖة‬
‫۝ َخَتَم ٱُهَّلل َعَلٰى ُقُلوِبِه ۡم َو َعَلٰى َسۡم ِع ِه ۖۡم َو َعَلٰۤى َأۡب َصٰـ ِر ِه ۡم ِغ َشٰـ َو ﴿‬ ‫ِإَّن ٱَّلِذ یَن َكَفُر و۟ا َسَو ۤا ٌء َعَلۡی ِه ۡم َء َأنَذۡر َتُه ۡم َأۡم َلۡم ُتنِذ ۡر ُهۡم اَل ُیۡؤ ِم ُنوَن ‪٦‬‬
‫ࣱم‬
‫۝ ُیَخ ٰـِدُعوَن ٱَهَّلل َو ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا َو َم ا‬ ‫۝ َو ِم َن ٱلَّناِس َم ن َیُقوُل َء اَم َّنا ِبٱِهَّلل َو ِبٱۡل َیۡو ِم ٱۡل َٔـاِخ ِر َو َم ا ُهم ِبُم ۡؤ ِم ِنیَن ‪٨‬‬ ‫َو َلُه ۡم َعَذاٌب َعِظ ی ‪٧‬‬
‫ࣰض‬ ‫ࣱض‬
‫۝ ِفی ُقُلوِبِه م َّمَر َفَز اَد ُهُم ٱُهَّلل َمَر ۖا َو َلُه ۡم َعَذاٌب َأِلیُۢم ِبَم ا َكاُنو۟ا َیۡك ِذ ُبوَن ‪١٠‬‬
‫۝ َو ِإَذا ِقیَل َلُه ۡم‬ ‫َیۡخ َدُعوَن ِإۤاَّل َأنُفَسُه ۡم َو َم ا َیۡش ُعُر وَن ‪٩‬‬

‫۝ َأۤاَل ِإَّنُه ۡم ُهُم ٱۡل ُم ۡف ِسُدوَن َو َلٰـِك ن اَّل َیۡش ُعُر وَن ‪١٢‬‬
‫۝ َو ِإَذا ِقیَل َلُه ۡم َء اِم ُنو۟ا َكَم ۤا َء اَم َن‬ ‫اَل ُتۡف ِسُدو۟ا ِفی ٱَأۡلۡر ِض َقاُلۤو ۟ا ِإَّنَم ا َنۡح ُن ُم ۡص ِلُح وَن ‪١١‬‬
‫ٱلَّناُس َقاُلۤو ۟ا َأُنۡؤ ِم ُن َكَم ۤا َء اَم َن ٱلُّسَفَه ۤا ُۗء َأۤاَل ِإَّنُه ۡم ُهُم ٱلُّسَفَه ۤا ُء َو َلٰـِك ن اَّل َیۡع َلُم وَن ‪١٣‬‬
‫۝ َو ِإَذا َلُقو۟ا ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا َقاُلۤو ۟ا َء اَم َّنا َو ِإَذا َخ َلۡو ۟ا‬

‫۝ ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك ٱَّلِذ یَن ٱۡش َتَر ُو ۟ا‬


‫۝ ٱُهَّلل َیۡس َتۡه ِز ُئ ِبِه ۡم َو َیُم ُّدُهۡم ِفی ُطۡغ َیٰـِنِه ۡم َیۡع َم ُه وَن ‪١٥‬‬
‫ِإَلٰى َشَیٰـِط یِنِه ۡم َقاُلۤو ۟ا ِإَّنا َمَعُكۡم ِإَّنَم ا َنۡح ُن ُم ۡس َتۡه ِز ُء وَن ‪١٤‬‬
‫[البقرة‪١٦-٦ :‬‬ ‫]ٱلَّض َلٰـ َلَة ِبٱۡل ُه َد ٰى َفَم ا َر ِبَح ت ِّتَجٰـ َر ُتُه ۡم َو َم ا َكاُنو۟ا ُم ۡه َتِد یَن ‪١٦‬‬
‫۝﴾‬

‫ولما بَّين هللا صفات المؤمنين المتقين الذين صلح ظاهرهم وباطنهم‪ ،‬ذكر صفات الكافرين الذين فسد ظاهرهم وباطنهم‪٦- ،‬‬
‫‪:‬فقال‬
‫‪.‬إن الذين كفروا مستمرون على ضاللهم وعنادهم‪ ،‬فإنذارك لهم وعدمه سواء‬ ‫)(‬
‫ألن هللا طبع على قلوبهم فأغلقها على ما فيها من باطل‪ ،‬وطبع على سمعهم فال يسمعون الحق سماع َقبول وانقياد‪ ،‬وجعل ‪٧-‬‬
‫‪.‬على أبصارهم غطاء فال يبصرون الحق مع وضوحه‪ ،‬ولهم في اآلخرة عذاب عظيم‬
‫ولما بَّين هللا صفات الكافرين الذين فسد ظاهرهم وباطنهم‪ ،‬بَّين صفات المنافقين الذين فسد باطنهم وصلح ظاهرهم فيما ‪٨-‬‬
‫‪:‬يبدو للناس‪ ،‬فقال‬
‫‪.‬ومن الناس طائفة يزعمون أنهم مؤمنون‪ ،‬يقولون ذلك بألسنتهم خوًفا على دمائهم وأموالهم‪ ،‬وهم في الباطن كافرون‬
‫يخادعون هللا والمؤمنين بإظهار اإليمان وإبطان الكفر‪ ،‬وهم في الحقيقة يخدعون أنفسهم فقط‪ ،‬ولكنهم ال يشعرون بذلك‪٩- ،‬‬
‫‪.‬ألن هللا تعالى يعلم السر وأخفى‪ ،‬وقد أْط َلع المؤمنين على صفاتهم وأحوالهم‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫ًّك‬ ‫ًّك‬ ‫‪2/49‬‬


‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫)(‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫والسبب أن في قلوبهم شًّكا‪ ،‬فزادهم هللا شًّكا إلى شِّك هم‪ ،‬والجزاء من جنس العمل‪ ،‬ولهم عذاب أليم في الدرك األسفل من ‪١٠-‬‬
‫‪.‬النار‪ ،‬بسبب كذبهم على هللا وعلى الناس‪ ،‬وتكذيبهم بما جاء به محمد ﷺ‬
‫)( ‪.‬وإذا ُنهوا عن اإلفساد في األرض بالكفر والذنوب وغيرها‪ ،‬أنكروا وزعموا أنهم هم أصحاب الصالح واإلصالح ‪١١-‬‬
‫‪.‬والحقيقة أنهم هم أصحاب اإلفساد‪ ،‬ولكنهم ال يشعرون بذلك‪ ،‬وال يشعرون أن فعلهم عين الفساد ‪١٢-‬‬
‫وإذا ُأمروا باإليمان كما آمن أصحاب محمد ﷺ‪ ،‬أجابوا على سبيل االستنكار واالستهزاء بقولهم‪ :‬أنؤمن كإيمان ِخ فاِف ‪١٣-‬‬
‫‪.‬العقول؟! والحق أنهم هم السفهاء‪ ،‬ولكنهم يجهلون ذلك‬
‫وإذا التقوا المؤمنين قالوا‪ :‬صَّدقنا بما تؤمنون به‪ ،‬يقولون ذلك خوًفا من المؤمنين‪ ،‬وإذا انصرفوا عن المؤمنين إلى ‪١٤-‬‬
‫رؤسائهم منفردين بهم‪ ،‬قالوا مؤكدين ثباتهم على متابعتهم لهم‪ :‬إنا معكم على طريقتكم‪ ،‬ولكنا نوافق المؤمنين ظاهًر ا سخرية بهم‬
‫‪.‬واستهزاًء‬
‫هللا يستهزئ بهم في مقابلة استهزائهم بالمؤمنين‪ ،‬جزاًء لهم من جنس عملهم‪ ،‬ولهذا أجرى لهم أحكام المسلمين في الدنيا‪١٥- ،‬‬
‫‪.‬وأما في اآلخرة فيجازيهم على كفرهم ونفاقهم‪ ،‬وكذلك يملي لهم ليتمادوا في ضاللهم وطغيانهم‪ ،‬فيبقوا حائرين مترددين‬
‫أولئك هم السفهاء ألنهم استبدلوا الكفر باإليمان‪ ،‬فما ربحت تجارتهم‪ ،‬لخسارتهم اإليمان باهلل‪ ،‬وما كانوا مهتدين إلى ‪١٦-‬‬

‪.‬الحق‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬أن من طبع هللا على قلوبهم بسبب عنادهم وتكذيبهم ال تنفع معهم اآليات وإن عظمت •‬
‫‪.‬أن إمهال هللا تعالى للظالمين المكذبين لم يكن عن غفلة أو عجز عنهم‪ ،‬بل ليزدادوا إثًم ا‪ ،‬فتكون عقوبتهم أعظم •‬
‫‪٣‬‬

‫ࣰر‬
‫۝ ُص ُّۢم ُبۡك ٌم ُعۡم ࣱی َفُه ۡم اَل ﴿‬ ‫َم َثُلُه ۡم َكَم َثِل ٱَّلِذی ٱۡس َتۡو َقَد َنا ا َفَلَّم ۤا َأَض ۤا َء ۡت َم ا َح ۡو َل ۥُه َذَهَب ٱُهَّلل ِبُنوِر ِه ۡم َو َتَر َكُه ۡم ِفی ُظُلَم ٰـ ࣲت اَّل ُیۡب ِص ُر وَن ‪١٧‬‬
‫یُۢط‬ ‫ࣱق‬ ‫ࣱد‬ ‫ࣱت‬
‫۝ َأۡو َكَص ِّیࣲب ِّم َن ٱلَّسَم ۤا ِء ِفیِه ُظُلَم ٰـ َو َر ۡع َو َبۡر َیۡج َعُلوَن َأَصٰـ ِبَعُه ۡم ِفۤی َء اَذاِنِه م ِّم َن ٱلَّص َو⁠ٰ ِع ِق َح َذَر ٱۡل َم ۡو ِۚت َو ٱُهَّلل ُم ِح‬ ‫َیۡر ِج ُعوَن ‪١٨‬‬
‫۝ َیَكاُد ٱۡل َبۡر ُق َیۡخ َطُف َأۡب َصٰـ َر ُهۖۡم ُكَّلَم ۤا َأَض ۤا َء َلُه م َّم َشۡو ۟ا ِفیِه َو ِإَذۤا َأۡظ َلَم َعَلۡی ِه ۡم َقاُم وۚ۟ا َو َلۡو َشۤا َء ٱُهَّلل َلَذَهَب ِبَسۡم ِع ِه ۡم‬
‫ِبٱۡل َكٰـِفِر یَن ‪١٩‬‬
‫ࣱر‬
‫۝ ٱَّلِذی َجَعَل‬ ‫۝ َیٰۤـ َأُّیَه ا ٱلَّناُس ٱۡع ُبُدو۟ا َر َّبُكُم ٱَّلِذی َخَلَقُكۡم َو ٱَّلِذ یَن ِم ن َقۡب ِلُكۡم َلَعَّلُكۡم َتَّتُقوَن ‪٢١‬‬ ‫َو َأۡب َصٰـ ِر ِه ۚۡم ِإَّن ٱَهَّلل َعَلٰى ُكِّل َشۡی ࣲء َقِدی ‪٢٠‬‬
‫ࣰد‬ ‫ࣰق‬ ‫ࣰء‬ ‫ࣰء‬ ‫ࣰش‬
‫۝‬ ‫َلُكُم ٱَأۡلۡر َض ِفَر⁠ٰ  ا َو ٱلَّسَم ۤا َء ِبَنۤا َو َأنَز َل ِم َن ٱلَّسَم ۤا ِء َم ۤا َفَأۡخ َر َج ِبِهۦ ِم َن ٱلَّثَمَرٰ ⁠ِت ِر ۡز ا َّلُكۖۡم َفاَل َتۡج َعُلو۟ا ِهَّلِل َأنَدا ا َو َأنُتۡم َتۡع َلُم وَن ‪٢٢‬‬

‫َو ِإن ُكنُتۡم ِفی َر ۡی ࣲب ِّم َّم ا َنَّز ۡل َنا َعَلٰى َعۡب ِد َنا َفۡأ ُتو۟ا ِبُسوَر ࣲة ِّم ن ِّم ۡث ِلِهۦ َو ٱۡد ُعو۟ا ُشَه َد ۤا َء ُكم ِّم ن ُدوِن ٱِهَّلل ِإن ُكنُتۡم َصٰـِدِقیَن ‪٢٣‬‬
‫۝ َفِإن َّلۡم َتۡف َعُلو۟ا‬

‫۝﴾ [البقرة‪٢٤-١٧ :‬‬ ‫]َو َلن َتۡف َعُلو۟ا َفٱَّتُقو۟ا ٱلَّناَر ٱَّلِتی َو ُقوُدَها ٱلَّناُس َو ٱۡل ِح َج اَر ُۖة ُأِع َّد ۡت ِلۡل َكٰـِفِر یَن ‪٢٤‬‬

‫ضرب هللا لهؤالء المنافقين مثلين‪ :‬مثاًل نارًّيا‪ ،‬ومثاًل مائًّيا‪ ،‬فأما مثلهم الناري‪ :‬فهم كمثل من أوقد ناًر ا ليستضيء بها‪١٧- ،‬‬
‫فلما سطع نورها وظن أنه ينتفع بضوئها خمدت‪ ،‬فذهب ما فيها من إشراق‪ ،‬وبقي ما فيها من إحراق‪ ،‬فبقي أصحابها في ظلمات‬
‫‪.‬ال يرون شيًئا‪ ،‬وال يهتدون سبياًل‬
‫‪.‬فهم صٌّم ال يسمعون الحق سماع قبول‪ُ ،‬بْك ٌم ال ينطقون به‪ ،‬عمي عن إبصاره‪ ،‬فال يرجعون عن ضاللهم ‪١٨-‬‬
‫وأما مثلهم المائي‪ :‬فهم كمثل مطر كثير‪ ،‬من سحاب فيه ظلمات متراكمة ورعد وبرق‪ ،‬نزل على قوم فأصابهم ذعر ‪١٩-‬‬
‫‪.‬شديد‪ ،‬فجعلوا يسُّدون آذانهم بأطراف أصابعهم‪ ،‬من شدة صوت الصواعق خوًفا من الموت‪ ،‬وهللا محيط بالكافرين ال يعجزونه‬
‫يكاد البرق من شدة لمعانه وسطوعه يأخذ أبصارهم‪ ،‬كلما ومض البرق لهم وأضاء تقدموا‪ ،‬وإذا لم يضئ بقوا في ‪٢٠-‬‬
‫الظالم‪ ،‬فلم يستطيعوا التحرك‪ ،‬ولو شاء هللا لذهب بسمعهم وأبصارهم بقدرته الشاملة لكل شيء‪ ،‬فال تعود إليهم‪ ،‬إلعراضهم عن‬
‫الحق‪.‬فكان المطر مثاًل للقرآن‪ ،‬وصوت الصواعق مثاًل لما فيه من الزواجر‪ ،‬وضوء البرق مثاًل لظهور الحق لهم أحياًنا‪ ،‬وجعل‬
‫سد اآلذان من شدة الصواعق‪ ،‬مثاًل إلعراضهم عن الحق وعدم االستجابة له‪ ،‬ووجه الشبه بين المنافقين وأصحاب الَم َثَلين‪ ،‬هو‬
‫عدم االستفادة‪ ،‬ففي المثل الناري‪ :‬لم يستفد مستوقدها غير الظالم واإلحراق‪ ،‬وفي المثل المائي‪ :‬لم يستفد أصحاب المطر إال ما‬
‫‪.‬يرِّو عهم ويزعجهم من الرعد والبرق‪ ،‬وهكذا المنافقون ال يرون في اإلسالم إال الشدة والقسوة‬
‫‪:‬ولما ذكر هللا أنواع الناس من مؤمنين وكافرين ومنافقين‪ ،‬ناداهم جميعا داعيا إياهم إلى إفراده بالعبادة‪ ،‬فقال ‪٢١-‬‬
‫يا أيها الناس اعبدوا ربكم وحده دون سواه‪ ،‬ألنه الذي خلقكم وخلق األمم السابقة لكم‪ ،‬رجاء أن تجعلوا بينكم وبين عذابه‬
‫‪.‬وقاية‪ ،‬بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‬
‫فهو الذي جعل لكم األرض بساًطا ممهًدا‪ ،‬وجعل السماء من فوقها ُم حكمة البنيان‪ ،‬وهو المنعم بإنزال المطر‪ ،‬فأنبت به ‪٢٢-‬‬
‫‪.‬مختلف الثمار من األرض‪ ،‬لتكون رزًقا‪ ،‬فال تجعلوا هلل شركاء وأمثااًل وأنتم تعلمون أنه ال خالق إال هللا عّز وجل‬
‫وإن كنتم ‪ -‬يا أيها الناس ‪ -‬في شك من القرآن الُم نزل على عبدنا محمد ﷺ‪ ،‬فنتحداكم أن تعارضوه باإلتيان بسورة واحدة ‪٢٣-‬‬
‫‪.‬مماثلة له‪ ،‬ولو كانت أقصر سورة منه‪ ،‬ونادوا من استطعتم من أنصاركم إن كنتم صادقين فيما تَّدعونه‬
‫فإن لم تفعلوا ذلك ‪ -‬ولن تقدروا عليه أبًدا ‪ -‬فاتقوا النار التي توقد بالناس المستحقين للعذاب‪ ،‬وبأنواع الحجارة مما كانوا ‪٢٤-‬‬
‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪3/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬


‪.‬يعبدونه وغيرها‪ ،‬هذه النار قد أعدها هللا وهيأها للكافرين‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬أن هللا تعالى يخذل المنافقين في أشد أحوالهم حاجة وأكثرها شدة‪ ،‬جزاء نفاقهم وإعراضهم عن الهدى •‬
‫‪.‬من أعظم األدلة على وجوب إفراد هللا بالعبادة أنه تعالى هو الذي خلق لنا ما في الكون وجعله مسَّخ ًر ا لنا •‬
‫‪.‬عجز الخلق عن اإلتيان بمثل سورة من القرآن الكريم يدل على أنه تنزيل من حكيم عليم •‬
‫‪٤‬‬
‫ࣰق‬
‫َو َبِّش ِر ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا َو َعِم ُلو۟ا ٱلَّصٰـِلَحٰـِت َأَّن َلُه ۡم َج َّنٰـ ࣲت َتۡج ِر ی ِم ن َتۡح ِتَه ا ٱَأۡلۡن َهٰـ ُۖر ُكَّلَم ا ُر ِز ُقو۟ا ِم ۡن َه ا ِم ن َثَمَر ࣲة ِّر ۡز ا َقاُلو۟ا َهٰـ َذا ٱَّلِذی﴿‬
‫ࣰة‬ ‫اࣰل‬ ‫ࣱۖة‬ ‫ࣱج‬ ‫ࣰه‬
‫۝ ۞ ِإَّن ٱَهَّلل اَل َیۡس َتۡح ۤۦِی َأن َیۡض ِر َب َم َث َّم ا َبُعوَض‬ ‫ُر ِز ۡق َنا ِم ن َقۡب ُۖل َو ُأُتو۟ا ِبِهۦ ُم َتَشٰـ ِب ۖا َو َلُه ۡم ِفیَه ۤا َأۡز َوٰ ⁠ ُّم َطَّه َر َو ُهۡم ِفیَه ا َخ ٰـِلُدوَن ‪٢٥‬‬
‫ࣰر‬
‫َفَم ا َفۡو َقَه ۚا َفَأَّم ا ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا َفَیۡع َلُم وَن َأَّنُه ٱۡل َحُّق ِم ن َّر ِّبِه ۖۡم َو َأَّم ا ٱَّلِذ یَن َكَفُر و۟ا َفَیُقوُلوَن َم اَذۤا َأَر اَد ٱُهَّلل ِبَهٰـ َذا َم َثۘاࣰل ُیِض ُّل ِبِهۦ َكِثی ا‬
‫ࣰر‬
‫۝ ٱَّلِذ یَن َینُقُضوَن َعۡه َد ٱِهَّلل ِم ۢن َبۡع ِد ِم یَثٰـِقِهۦ َو َیۡق َطُعوَن َم ۤا َأَمَر ٱُهَّلل ِب ۤۦِه َأن ُیوَصَل‬ ‫َو َیۡه ِدی ِبِهۦ َكِثی ۚا َو َم ا ُیِض ُّل ِب ۤۦِه ِإاَّل ٱۡل َفٰـِسِقیَن ‪٢٦‬‬
‫ࣰت‬
‫َو ُیۡف ِسُدوَن ِفی ٱَأۡلۡر ِۚض ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك ُهُم ٱۡل َخ ٰـِس ُر وَن ‪٢٧‬‬
‫۝ َكۡی َف َتۡك ُفُر وَن ِبٱِهَّلل َو ُكنُتۡم َأۡم َوٰ ⁠ ا َفَأۡح َیٰـ ُكۖۡم ُثَّم ُیِم یُتُكۡم ُثَّم ُیۡح ِییُكۡم ُثَّم ِإَلۡی ِه ُتۡر َجُعوَن‬
‫ࣱم‬ ‫ࣰع‬
‫۝﴾ [البقرة‪:‬‬ ‫۝ ُهَو ٱَّلِذی َخَلَق َلُكم َّم ا ِفی ٱَأۡلۡر ِض َجِم ی ا ُثَّم ٱۡس َتَو ٰۤى ِإَلى ٱلَّسَم ۤا ِء َفَسَّو ٰى ُه َّن َسۡب َع َسَم ٰـ َوٰ ⁠ࣲۚت َو ُهَو ِبُكِّل َشۡی ٍء َعِلی ‪٢٩‬‬ ‫‪٢٨‬‬
‫]‪٢٩-٢٥‬‬

‫وإذا كان الوعيد السابق للكافرين‪ ،‬فبِّشر ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬المؤمنين باهلل الذين يعملون الصالحات‪ ،‬بما يسُّر هم من جنات ‪٢٥-‬‬
‫تجري األنهار من تحت قصورها وأشجارها‪ ،‬كلما ُأطعموا من ثمارها الطيبة رزًقا‪ ،‬قالوا من شدة الّشَبِه بثمار الدنيا‪ :‬هذا مثل‬
‫الثمار التي رزقنا من قبل‪ ،‬وُقدمت لهم ثمار متشابهة في شكلها واسمها حتى ُيْقِبُلوا عليها بحكم المعرفة بها‪ ،‬ولكنها مختلفة في‬
‫طعمها ومذاقها‪ ،‬ولهم في الجنة أزواج مبَّر أة من كل ما تنفر منه النفس‪ ،‬وُيْس َتْقَذر طبًعا مما ُيَتَصَّو ر في أهل الدنيا‪ ،‬وهم في نعيم‬
‫‪.‬دائم ال ينقطع‪ ،‬بخالف نعيم الدنيا المنقطع‬


‫بالبعوضة‪ ،‬فما فوقها في الِك َبر أو دونها في ‪٢٦-‬‬ ‫إن هللا سبحانه وتعالى ال يستحي من ضرب األمثال بما شاء‪ ،‬فيضرب المثل‬
‫الِّص َغر‪ ،‬والناس أمام هذا نوعان‪ :‬مؤمنون وكافرون‪ ،‬فأما المؤمنون فيصدقون ويعلمون أّن من وراء ضرب المثل بها حكمة‪،‬‬
‫وأما الكافرون فيتساءلون على سبيل االستهزاء عن سبب ضرب هللا األمثال بهذه المخلوقات الحقيرة‪ ،‬كالبعوض‪ ،‬والذباب‪،‬‬
‫والعنكبوت‪ ،‬وغيرها‪ ،‬فيأتي الجواب من هللا‪ :‬إن في هذه األمثال هداياٍت وتوجيهاٍت واختباًر ا للناس‪ ،‬فمنهم من يضُّلهم هللا بهذه‬
‫األمثال إلعراضهم عن تدبرها‪ ،‬وهم كثير‪ ،‬ومنهم من يهديهم بسبب اتعاظهم بها‪ ،‬وهم كثير‪ ،‬وال يضل إال من كان مستحًّقا‬
‫‪.‬للضالل‪ ،‬وهم الخارجون عن طاعته‪ ،‬كالمنافقين‬
‫أخبرت به الرسل قبله‪ .‬هؤالء الذين يتنكرون ‪٢٧-‬‬ ‫
‬ ‫الذين ينقضون عهد هللا الذي أخذه عليهم بعبادته وحده واتباع رسوله الذي‬
‫لعهود هللا يتصفون بأنهم يقطعون ما أمر هللا بوصله كاألرحام‪ ،‬ويسعون لنشر الفساد في األرض بالمعاصي‪ ،‬فهؤالء هم الناقصة‬
‫‪.‬حظوظهم في الدنيا واآلخرة‬
‫إن أمركم ‪ -‬أيها الكفار ‪ -‬لعجب! كيف تكفرون باهلل‪ ،‬وأنتم تشاهدون دالئل قدرته في أنفسكم‪ ،‬فقد
كنتم عدًم ا ال شيء‪٢٨- ،‬‬
‫‪.‬فأنشأكم وأحياكم‪ ،‬ثم هو يميتكم الموتة الثانية‪ ،‬ثم يحييكم الحياة الثانية‪ ،‬ثم يرجعكم إليه ليحاسبكم على ما قدمتم‬
‫الذي خلق لكم جميع ما في األرض من أنهار وأشجار وغير ذلك مما ال ُيْح صى عدده‪ ،‬وأنتم تنتفعون به ‪٢٩-‬‬ ‫وهللا وحده


‪.‬وتستمتعون بما سَّخ ره لكم‪ ،‬ثم ارتفع على السماء فخلقهن سبع سماوات مستويات‪ ،‬وهو الذي أحاط علمه بكل شيء‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬من كمال النعيم في الجنة أن ملذاتها ال يكدرها أي نوع من التنغيص‪ ،‬وال

‫يخالطها أي أذى •‬
‫‪.‬األمثال التي يضربها
هللا تعالى ال ينتفع بها إال المؤمنون‪ ،‬ألنهم هم الذين يريدون الهداية بصدق‪ ،‬ويطلبونها بحق •‬
‫‪.‬من
أبرز صفات الفاسقين نقُض عهودهم مع هللا ومع الخلق‪ ،‬وقطُعُه م لما أمر هللا بوصله‪ ،‬وسعُيُه م بالفساد في األرض •‬
‫‪.‬األصل في األشياء اإلباحة والطهارة‪ ،‬ألن هللا تعالى امتَّن على عباده بأن خلق لهم كل ما في األرض •‬ ‫

‫‪٥‬‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪4/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫ࣰۖة‬ ‫ࣱل‬
‫َو ِإۡذ َقاَل َر ُّبَك ِلۡل َم َلٰۤـ ِٕىَكِة ِإِّنی َج اِع ِفی ٱَأۡلۡر ِض َخ ِلیَف َقاُلۤو ۟ا َأَتۡج َعُل ِفیَه ا َم ن ُیۡف ِسُد ِفیَه ا َو َیۡس ِفُك ٱلِّد َم ۤا َء َو َنۡح ُن ُنَسِّبُح ِبَح ۡم ِد َك َو ُنَقِّد ُس ﴿‬
‫َلَۖك َقاَل ِإِّنۤی َأۡع َلُم َم ا اَل َتۡع َلُم وَن ‪٣٠‬‬
‫۝ َو َعَّلَم َء اَد َم ٱَأۡلۡس َم ۤا َء ُكَّلَه ا ُثَّم َعَر َض ُه ۡم َعَلى ٱۡل َم َلٰۤـ ِٕىَكِة َفَقاَل َأۢن ِبُٔـوِنی ِبَأۡس َم ۤا ِء َهٰۤـ ُؤ ۤاَل ِء ِإن ُكنُتۡم‬

‫۝ َقاُلو۟ا ُسۡب َحٰـ َنَك اَل ِع ۡل َم َلَنۤا ِإاَّل َم ا َعَّلۡم َتَنۖۤا ِإَّنَك َأنَت ٱۡل َعِلیُم ٱۡل َحِك یُم ‪٣٢‬‬
‫۝ َقاَل َیٰۤـ َٔـاَد ُم َأۢن ِبۡئ ُه م ِبَأۡس َم ۤا ِٕىِه ۖۡم َفَلَّم ۤا َأۢن َبَأُهم ِبَأۡس َم ۤا ِٕىِه ۡم‬ ‫َصٰـِدِقیَن ‪٣١‬‬
‫۝ َو ِإۡذ ُقۡل َنا ِلۡل َم َلٰۤـ ِٕىَكِة ٱۡس ُج ُدو۟ا ِلَٔـاَد َم َفَسَجُدۤو ۟ا‬ ‫َقاَل َأَلۡم َأُقل َّلُكۡم ِإِّنۤی َأۡع َلُم َغۡی َب ٱلَّسَم ٰـ َوٰ ⁠ِت َو ٱَأۡلۡر ِض َو َأۡع َلُم َم ا ُتۡب ُدوَن َو َم ا ُكنُتۡم َتۡك ُتُم وَن ‪٣٣‬‬

‫۝ َو ُقۡل َنا َیٰۤـ َٔـاَد ُم ٱۡس ُكۡن َأنَت َو َز ۡو ُج َك ٱۡل َج َّنَة َو ُكاَل ِم ۡن َه ا َر َغًدا َح ۡی ُث ِش ۡئ ُتَم ا َو اَل َتۡق َر َبا َهٰـِذِه‬ ‫ِإۤاَّل ِإۡب ِلیَس َأَبٰى َو ٱۡس َتۡك َبَر َو َكاَن ِم َن ٱۡل َكٰـِفِر یَن ‪٣٤‬‬
‫۝ َفَأَز َّلُه َم ا ٱلَّشۡی َطٰـ ُن َعۡن َه ا َفَأۡخ َر َجُه َم ا ِم َّم ا َكاَنا ِفیِۖه َو ُقۡل َنا ٱۡه ِبُطو۟ا َبۡع ُضُكۡم ِلَبۡع ٍض َعُدࣱّۖو َو َلُكۡم ِفی‬ ‫ٱلَّشَج َر َة َفَتُكوَنا ِم َن ٱلَّظٰـِلِم یَن ‪٣٥‬‬
‫ࣱّر‬
‫[البقرة‪٣٧-٣٠ :‬‬ ‫۝ َفَتَلَّقٰۤى َء اَد ُم ِم ن َّر ِّبِهۦ َكِلَم ٰـ ࣲت َفَتاَب َعَلۡی ِۚه ِإَّن ۥُه ُهَو ٱلَّتَّو اُب ٱلَّر ِح یُم ‪٣٧‬‬
‫۝﴾‬ ‫]ٱَأۡلۡر ِض ُم ۡس َتَق َو َم َتٰـٌع ِإَلٰى ِح یࣲن ‪٣٦‬‬

‫يخبر هللا تعالى أنه سبحانه قال للمالئكة‪ :‬إنه سيجعل في األرض بشًر ا يخُلف بعضهم بعًض ا‪ ،‬للقيام بعمارتها على طاعة ‪٣٠-‬‬
‫هللا‪ ،‬فسأل المالئكُة رَّبهم ‪ -‬سؤال استرشاد واستفهام ‪ -‬عن الحكمة من جعل بني آدم خلفاء في األرض‪ ،‬وهم سيفسدون فيها‪،‬‬
‫ويريقون الدماء ظلًم ا‪ ،‬قائلين‪ :‬ونحن أهل طاعتك‪ُ ،‬نَنّز ُهك حامدين لك‪ ،‬ومعّظمين جاللك وكمالك‪ ،‬ال نفُتُر عن ذلك‪ ،‬فأجابهم هللا‬
‫‪.‬عن سؤالهم‪ :‬إني أعلم ما ال تعلمون من الِح َكِم الباهرة في خلقهم‪ ،‬والمقاصد العظيمة من استخالفهم‬
‫ولبيان منزلة آدم عليه السالم عَّلمه هللا تعالى أسماء األشياء كلها من الحيوان والجماد‪ ،‬ألفاظها ومعانيها‪ ،‬ثم عرض تلك ‪٣١-‬‬
‫‪.‬المسَّم يات على المالئكة قائاًل ‪ :‬أخبروني بأسمائها إن كنتم صادقين فيما تقولون‪ ،‬أنكم أكرم من هذا المخلوق وأفضل منه‬
‫قالوا ‪ُ -‬مْعتِر فين بنقصهم ُم ْر ِج عين الفضل إلى هللا ‪ُ :-‬نَنّز ُهك ونعِّظ مك يا رَّبنا عن االعتراض عليك في ُح كمك وشرعك‪٣٢- ،‬‬
‫فنحن ال نعلم شيًئا إال ما رزقتنا علمه‪ ،‬إنك أنت العليم الذي ال يخفى عليك شيء‪ ،‬الحكيم الذي تضع األمور في مواضعها من‬
‫‪.‬قدرك وشرعك‬
‫وعندئذ قال هللا تعالى آلدم‪ :‬أخبرهم بأسماء تلك المسَّم يات‪ ،‬فلما أخبرهم كما عَّلمه ربه‪ ،‬قال هللا للمالئكة‪ :‬ألم أقل لكم‪ :‬إني ‪٣٣-‬‬
‫‪.‬أعلم ما خفي في السماوات وفي األرض‪ ،‬وأعلم ما ُتْظ هرون من أحوالكم وما تحِّد ُثون به أنفسكم‬
‫يبين هللا تعالى أنه أمر المالئكة بالسجود آلدم سجود تقدير واحترام‪ ،‬فسجدوا مسارعين المتثال أمر هللا‪ ،‬إال ما كان من ‪٣٤-‬‬
‫‪.‬إبليس الذي كان من الجن‪ ،‬فامتنع اعتراًض ا على أمر هللا له بالسجود وتَكُّبًر ا على آدم‪ ،‬فصار بذلك من الكافرين باهلل تعالى‬
‫وقلنا‪ :‬يا آدم اسكن أنت وزوجك ‪ -‬حواء ‪ -‬الجنة‪ ،‬وُكال منها أكاًل هنيًئا واسًعا ال ُم َنِّغ ص فيه‪ ،‬في أي مكان من الجنة‪٣٥- ،‬‬
‫‪.‬وإياكما أن تقربا هذه الشجرة التي نهيتكما عن األكل منها‪ ،‬فتكونا من الظالمين بعصيان ما أمرتكم به‬
‫فلم يزل الشيطان يوسوس لهما ويزين‪ ،‬حتى أوقعهما في الزلل والخطيئة باألكل من تلك الشجرة التي نهاهما هللا عنها‪٣٦- ،‬‬
‫فكان جزاؤهما أن أخرجهما هللا من الجنة التي كانا فيها‪ ،‬وقال هللا لهما وللشيطان‪ :‬انزلوا إلى األرض‪ ،‬بعضكم أعداء بعض‪ ،‬ولكم‬
‫‪.‬في تلك األرض استقرار وبقاء وَتَم ُّتٌع بما فيها من خيرات إلى أن تنتهي آجالكم‪ ،‬وتقوم الساعة‬
‫فأخذ آدم ما ألقى هللا إليه من كلمات‪ ،‬وألهمه الدعاء بهن‪ ،‬وهي المذكورة في قوله تعالى‪﴿ :‬قاال َر َّبنا َظَلْم نا أْنُفَسنا وإْن َلْم ‪٣٧-‬‬
‫َتْغِفْر َلنا وَتْر َح ْم نا َلَنُكوَنَّن ِم َن الخاِس ِر يَن ﴾ [األعراف ‪ ،]٢٣‬فقبل هللا توبته‪ ،‬وغفر له‪ ،‬فهو سبحانه كثير التوبة على عباده‪ ،‬رحيٌم‬

‪.‬بهم‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬الواجب على المؤمن إذا خفيت عليه حكمة هللا في بعض خلقه وَأْم ِر ِه أن يسِّلم هلل في خلقه وَأْم ِر ِه •‬
‫‪َ.‬ر َفَع القرآن الكريم منزلة العلم‪ ،‬وجعله سبًبا للتفضيل بين الخلق •‬
‫‪.‬الِك ْبُر هو رأس المعاصي‪ ،‬وأساس كل بالء ينزل بالخلق‪ ،‬وهو أول معصية ُعِص َي هللا بها •‬
‫‪٦‬‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪5/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫ࣰد‬ ‫ࣰع‬
‫ُقۡل َنا ٱۡه ِبُطو۟ا ِم ۡن َه ا َجِم ی ۖا َفِإَّم ا َیۡأ ِتَیَّنُكم ِّم ِّنی ُه ى َفَم ن َتِبَع ُهَداَی َفاَل َخۡو ٌف َعَلۡی ِه ۡم َو اَل ُهۡم َیۡح َز ُنوَن ‪٣٨‬‬
‫۝ َو ٱَّلِذ یَن َكَفُر و۟ا َو َكَّذُبو۟ا ﴿‬
‫۝ َیٰـَبِنۤی ِإۡس َرٰ ۤ⁠ِء یَل ٱۡذ ُكُر و۟ا ِنۡع َم ِتَی ٱَّلِتۤی َأۡن َعۡم ُت َعَلۡی ُكۡم َو َأۡو ُفو۟ا ِبَعۡه ِد ۤی ُأوِف ِبَعۡه ِد ُكۡم‬
‫ِبَٔـاَیٰـِتَنۤا ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك َأۡص َحٰـ ُب ٱلَّناِۖر ُهۡم ِفیَه ا َخ ٰـِلُدوَن ‪٣٩‬‬
‫ࣰن اࣰل‬ ‫ࣰق‬
‫۝‬ ‫۝ َو َء اِم ُنو۟ا ِبَم ۤا َأنَز ۡل ُت ُم َصِّد ا ِّلَم ا َمَعُكۡم َو اَل َتُكوُنۤو ۟ا َأَّو َل َكاِفِۭر ِب ۖۦِه َو اَل َتۡش َتُر و۟ا ِبَٔـاَیٰـِتی َثَم ا َقِلی َو ِإَّیٰـ َی َفٱَّتُقوِن ‪٤١‬‬
‫َو ِإَّیٰـ َی َفٱۡر َهُبوِن ‪٤٠‬‬

‫َو اَل َتۡل ِبُسو۟ا ٱۡل َحَّق ِبٱۡل َبٰـِط ِل َو َتۡك ُتُم و۟ا ٱۡل َحَّق َو َأنُتۡم َتۡع َلُم وَن ‪٤٢‬‬
‫۝ َو َأِقیُم و۟ا ٱلَّص َلٰو َة َو َء اُتو۟ا ٱلَّز َكٰو َة َو ٱۡر َكُعو۟ا َمَع ٱلَّر⁠ٰ ِكِع یَن ‪٤٣‬‬
‫۝۞‬
‫َأَتۡأ ُمُر وَن ٱلَّناَس ِبٱۡل ِبِّر َو َتنَسۡو َن َأنُفَسُكۡم َو َأنُتۡم َتۡت ُلوَن ٱۡل ِك َتٰـ َۚب َأَفاَل َتۡع ِقُلوَن ‪٤٤‬‬
‫۝ َو ٱۡس َتِع یُنو۟ا ِبٱلَّص ۡب ِر َو ٱلَّص َلٰو ِۚة َو ِإَّنَه ا َلَكِبیَر ٌة ِإاَّل َعَلى‬

‫۝ َیٰـَبِنۤی ِإۡس َرٰ ۤ⁠ِء یَل ٱۡذ ُكُر و۟ا ِنۡع َم ِتَی ٱَّلِتۤی َأۡن َعۡم ُت َعَلۡی ُكۡم َو َأِّنی‬ ‫ٱۡل َخ ٰـِشِع یَن ‪٤٥‬‬
‫۝ ٱَّلِذ یَن َیُظُّنوَن َأَّنُه م ُّم َلٰـ ُقو۟ا َر ِّبِه ۡم َو َأَّنُه ۡم ِإَلۡی ِه َر⁠ٰ ِج ُعوَن ‪٤٦‬‬
‫ࣱل‬ ‫ࣱة‬ ‫ࣰٔـ‬ ‫ࣰم‬
‫۝ َو ٱَّتُقو۟ا َیۡو ا اَّل َتۡج ِز ی َنۡف ٌس َعن َّنۡف ࣲس َشۡی ا َو اَل ُیۡق َبُل ِم ۡن َه ا َشَفٰـَع َو اَل ُیۡؤ َخ ُذ ِم ۡن َه ا َعۡد َو اَل ُهۡم ُینَص ُر وَن‬ ‫َفَّض ۡل ُتُكۡم َعَلى ٱۡل َعٰـ َلِم یَن ‪٤٧‬‬
‫[البقرة‪٤٨-٣٨ :‬‬ ‫۝﴾‬
‫] ‪٤٨‬‬

‫قلنا لهم‪ :‬انزلوا جميًعا من الجنة إلى األرض‪ ،‬فإن جاءتكم هداية على أيدي رسلي‪ ،‬فمن اتبعها وآمن برسلي فال خوف ‪٣٨-‬‬
‫‪.‬عليهم في اآلخرة‪ ،‬وال هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا‬
‫‪.‬وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا‪ ،‬فأولئك هم أصحاب النار المقيمون فيها ‪٣٩-‬‬
‫يا أبناء نبي هللا يعقوب تذكروا نعم هللا المتتالية عليكم واشكروها‪ ،‬والتزموا بالوفاء بعهدي إليكم‪ ،‬من اإليمان بي ‪٤٠-‬‬
‫وبرسلي‪ ،‬والعمل بشرائعي‪ ،‬فإن وفيتم به أوفيت بعهدي لكم فيما وعدتكم به‪ ،‬من الحياة الطيبة في الدنيا‪ ،‬والجزاء الحسن يوم‬
‫‪.‬القيامة‪ ،‬وإياي وحدي فخافوني وال تنقضوا عهدي‬
‫وآِم نوا بالقرآن الذي أنزلته على محمد ﷺ موافًقا لما جاء في التوراة قبل تحريفها في شأن توحيد هللا‪ ،‬ونبوة محمد ﷺ‪٤١- ،‬‬
‫‪.‬واحذروا من أن تكونوا أول فريق يكفر به‪ ،‬وال تستبدلوا بآياتي التي أنزلتها ثمًنا قلياًل من جاه ورئاسة‪ ،‬واتقوا غضبي وعذابي‬
‫وال تخلطوا الحق ‪ -‬الذي أنزلته على رسلي ‪ -‬بما تفترون من أكاذيب‪ ،‬وال تكتموا الحق الذي جاء في كتبكم من صفة ‪٤٢-‬‬
‫‪.‬محمد ﷺ‪ ،‬مع علمكم به ويقينكم منه‬
‫وأّدوا الصالة تامة بأركانها وواجباتها وسننها‪ ،‬وأخرجوا زكاة أموالكم التي جعلها هللا في أيديكم‪ ،‬واخضعوا هلل مع ‪٤٣-‬‬
‫‪.‬الخاضعين له من أمة محمد ﷺ‬
‫ما أقبح أن تأمروا غيركم باإليمان وفعل الخير‪ ،‬وُتعرضوا أنتم عنه ناسين أنفسكم‪ ،‬وأنتم تقرؤون التوراة‪ ،‬عاِلمين بما ‪٤٤-‬‬
‫!فيها من األمر باتباع دين هللا‪ ،‬وتصديق رسله‪ ،‬أفال تنتفعون بعقولكم؟‬
‫واطلبوا العون على كل أحوالكم الدينية والدنيوية‪ ،‬بالصبر وبالصالة التي تقربكم إلى هللا وتصلكم به‪ ،‬فيعينكم ويحفظكم ‪٤٥-‬‬
‫‪.‬ويذهب ما بكم من ضر‪ ،‬وإن الصالة لشاقة وعظيمة إال على الخاضعين لربهم‬
‫‪.‬وذلك ألنهم هم الذين يوقنون أنهم واردون على ربهم ومالقوه يوم القيامة‪ ،‬وأنهم إليه راجعون ليجازيهم على أعمالهم ‪٤٦-‬‬
‫يا أبناء نبي هللا يعقوب‪ ،‬اذكروا نعمي الدينية والدنيوية التي أنعمت بها عليكم‪ ،‬واذكروا أني فَّضلتكم على أهل زمانكم ‪٤٧-‬‬
‫‪.‬المعاصرين لكم بالنبوة والملك‬
‫واجعلوا بينكم وبين عذاب يوم القيامة وقاية بفعل األوامر وترك النواهي‪ ،‬ذلك اليوم الذي ال تغني فيه نفس عن نفس ‪٤٨-‬‬
‫شيًئا‪ ،‬وال ُتْقَبُل فيه شفاعة أحد بدفع ضر أو جلب نفع إال بإذن من هللا‪ ،‬وال يؤخذ فداء ولو كان ملء األرض ذهًبا‪ ،‬وال ناصر لهم‬

!في ذلك اليوم‪ ،‬فإذا لم ينفع شافع وال فداء وال ناصر‪ ،‬فأين المفر؟‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬من أعظم الخذالن أن يأمر اإلنسان غيره بالبر‪ ،‬وينسى نفسه •‬
‫‪.‬الصبر والصالة من أعظم ما يعين العبد في شؤونه كلها •‬
‫‪.‬في يوم القيامة ال َيْدَفُع العذاَب عن المرء الشفعاُء وال الفداُء وال ينفعه إال عمله الصالح •‬
‫‪٧‬‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪6/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫ࣱم‬ ‫ࣱء‬
‫۝﴿‬ ‫َو ِإۡذ َنَّج ۡی َنٰـُكم ِّم ۡن َء اِل ِفۡر َعۡو َن َیُسوُم وَنُكۡم ُسۤو َء ٱۡل َعَذاِب ُیَذِّبُح وَن َأۡب َنۤا َء ُكۡم َو َیۡس َتۡح ُیوَن ِنَسۤا َء ُكۚۡم َو ِفی َذٰ ⁠ِلُكم َبۤاَل ِّم ن َّر ِّبُكۡم َعِظ ی ‪٤٩‬‬
‫ࣰة‬
‫۝ َو ِإۡذ َوٰ ⁠َعۡد َنا ُم وَسٰۤى َأۡر َبِع یَن َلۡی َل ُثَّم ٱَّتَخ ۡذ ُتُم ٱۡل ِع ۡج َل ِم ۢن َبۡع ِد ِهۦ‬
‫َو ِإۡذ َفَر ۡق َنا ِبُكُم ٱۡل َبۡح َر َفَأنَج ۡی َنٰـ ُكۡم َو َأۡغ َر ۡق َنۤا َءاَل ِفۡر َعۡو َن َو َأنُتۡم َتنُظُر وَن ‪٥٠‬‬

‫۝ َو ِإۡذ َقاَل‬ ‫۝ َو ِإۡذ َء اَتۡی َنا ُم وَسى ٱۡل ِك َتٰـ َب َو ٱۡل ُفۡر َقاَن َلَعَّلُكۡم َتۡه َتُدوَن ‪٥٣‬‬ ‫۝ ُثَّم َعَفۡو َنا َعنُكم ِّم ۢن َبۡع ِد َذٰ ⁠ِلَك َلَعَّلُكۡم َتۡش ُكُر وَن ‪٥٢‬‬ ‫َو َأنُتۡم َظٰـِلُم وَن ‪٥١‬‬
‫ُم وَسٰى ِلَقۡو ِم ِهۦ َیٰـ َقۡو ِم ِإَّنُكۡم َظَلۡم ُتۡم َأنُفَسُكم ِبٱِّتَخ اِذُكُم ٱۡل ِع ۡج َل َفُتوُبۤو ۟ا ِإَلٰى َباِر ِٕىُكۡم َفٱۡق ُتُلۤو ۟ا َأنُفَسُكۡم َذٰ ⁠ِلُكۡم َخۡی ࣱر َّلُكۡم ِع نَد َباِر ِٕىُكۡم َفَتاَب َعَلۡی ُكۚۡم‬
‫ࣰة‬
‫۝ َو ِإۡذ ُقۡل ُتۡم َیٰـ ُم وَسٰى َلن ُّنۡؤ ِم َن َلَك َح َّتٰى َنَر ى ٱَهَّلل َج ۡه َر َفَأَخ َذۡت ُكُم ٱلَّصٰـِع َقُة َو َأنُتۡم َتنُظُر وَن ‪٥٥‬‬
‫۝ ُثَّم َبَعۡث َنٰـُكم‬ ‫ِإَّن ۥُه ُهَو ٱلَّتَّو اُب ٱلَّر ِح یُم ‪٥٤‬‬
‫۝ َو َظَّلۡل َنا َعَلۡی ُكُم ٱۡل َغَم اَم َو َأنَز ۡل َنا َعَلۡی ُكُم ٱۡل َم َّن َو ٱلَّسۡل َو ٰۖى ُكُلو۟ا ِم ن َطِّیَبٰـِت َم ا َر َز ۡق َنٰـ ُكۚۡم َو َم ا َظَلُم وَنا‬
‫ِّم ۢن َبۡع ِد َم ۡو ِتُكۡم َلَعَّلُكۡم َتۡش ُكُر وَن ‪٥٦‬‬
‫[البقرة‪٥٧-٤٩ :‬‬ ‫]َو َلٰـِك ن َكاُنۤو ۟ا َأنُفَسُه ۡم َیۡظ ِلُم وَن ‪٥٧‬‬
‫۝﴾‬

‫واذكروا يا بني إسرائيل حين أنقذناكم من أتباع فرعون الذين كانوا يذيقونكم أصناف العذاب‪ ،‬حيث يقتلون أبناءكم ذبًح ا‪٤٩- ،‬‬
‫حتى ال يكون لكم بقاء‪ ،‬ويتركون بناتكم أحياًء حتى يكن نساء ليخدمنهم‪ ،‬إمعاًنا في إذاللكم وإهانتكم‪ ،‬وفي إنجائكم من بطش‬
‫‪.‬فرعون وأتباعه اختبار عظيم من ربكم‪ ،‬لعلكم تشكرون‬
‫واذكروا من نعمنا عليكم أن شققنا لكم البحر فجعلناه طريًقا يابًسا تسيرون فيه‪ ،‬فأنجيناكم‪ ،‬وأغرقنا عدوكم فرعون ‪٥٠-‬‬
‫‪.‬وأتباعه أمام أعينكم وأنتم تنظرون إليهم‬
‫واذكروا من هذه النعم مواعَدَتنا موسى أربعين ليلًة ِلَيِتَّم فيها إنزال التوراة نوًر ا وهدى‪ ،‬ثم ما كان منكم إال أن عبدتم ‪٥١-‬‬
‫‪.‬العجل في تلك المدة‪ ،‬وأنتم ظالمون بفعلكم هذا‬
‫‪.‬ثم تجاوزنا عنكم بعد توبتكم‪ ،‬فلم نؤاخذكم لعلكم تشكرون هللا بحسن عبادته وطاعته ‪٥٢-‬‬
‫واذكروا من هذه النعم أن آتينا موسى عليه السالم التوراة فرقاًنا بين الحق والباطل وتمييًز ا بين الهدى والضالل لعلكم ‪٥٣-‬‬
‫‪.‬تهتدون بها إلى الحق‬
‫واذكروا من هذه النعم أن وفقكم هللا للتوبة من عبادة العجل‪ ،‬حيث قال موسى عليه السالم لكم‪ :‬إنكم ظلمتم أنفسكم ‪٥٤-‬‬
‫باتخاذكم العجل إلًه ا تعبدونه‪ ،‬فتوبوا وارجعوا إلى خالقكم وُم وجدكم‪ ،‬وذلك بأن يقتل بعضكم بعًض ا‪ ،‬والتوبة على هذا النحو خير‬
‫لكم من التمادي في الكفر المؤدي إلى الخلود في النار‪ ،‬فقمتم بذلك بتوفيق من هللا وإعانة‪ ،‬فتاب عليكم‪ ،‬ألنه كثير التوبة رحيم‬
‫‪.‬بعباده‬
‫واذكروا حين قال آباؤكم مخاطبين موسى عليه السالم بجرأة‪ :‬لن نؤمن لك حتى نرى هللا ِع ياًنا ال ُيْح جب عّنا‪ ،‬فأخذتكم ‪٥٥-‬‬
‫‪.‬النار المحرقة‪ ،‬فقتلتكم وبعضكم ينظر إلى بعض‬
‫‪.‬ثم أحييناكم بعد موتكم لعلكم تشكرون هللا على إنعامه عليكم بذلك ‪٥٦-‬‬
‫ومن نعمنا عليكم أن أرسلنا السحاب يظلكم من حر الشمس لّم ا ُتْه ُتم في األرض‪ ،‬وأنزلنا عليكم من نعمنا شراًبا حلًو ا مثل ‪٥٧-‬‬
‫العسل‪ ،‬وطائًر ا صغيًر ا طيب اللحم يشبه الُّسمانى‪ ،‬وقلنا لكم‪ :‬كلوا من طيبات ما رزقناكم‪ .‬وما نقصونا شيًئا بجحدهم هذه النعم‬

‪.‬وكفرانها‪ ،‬ولكن ظلموا أنفسهم بنقص حظها من الثواب وتعريضها للعقاب‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪ِ.‬ع َظُم نعم هللا وكثرتها على بني إسرائيل‪ ،‬ومع هذا لم تزدهم إال تكُّبًر ا وعناًدا •‬
‫‪َ.‬سَعُة ِح لم هللا تعالى ورحمته بعباده‪ ،‬وإن عظمت ذنوبهم •‬
‫‪.‬الوحي هو الَفْيَص ُل بين الحق والباطل •‬
‫‪٨‬‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪7/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬
‫ࣱة‬ ‫ࣰد‬ ‫ࣰد‬
‫َو ِإۡذ ُقۡل َنا ٱۡد ُخُلو۟ا َهٰـِذِه ٱۡل َقۡر َیَة َفُكُلو۟ا ِم ۡن َه ا َح ۡی ُث ِش ۡئ ُتۡم َر َغ ا َو ٱۡد ُخُلو۟ا ٱۡل َباَب ُسَّج ا َو ُقوُلو۟ا ِح َّط َّنۡغ ِفۡر َلُكۡم َخ َطٰـ َیٰـ ُكۚۡم َو َسَنِز یُد ٱۡل ُم ۡح ِسِنیَن ﴿‬
‫ࣰز‬
‫۝ ۞ َو ِإِذ‬ ‫۝ َفَبَّدَل ٱَّلِذ یَن َظَلُم و۟ا َقۡو اًل َغۡی َر ٱَّلِذی ِقیَل َلُه ۡم َفَأنَز ۡل َنا َعَلى ٱَّلِذ یَن َظَلُم و۟ا ِر ۡج ا ِّم َن ٱلَّسَم ۤا ِء ِبَم ا َكاُنو۟ا َیۡف ُسُقوَن ‪٥٩‬‬ ‫‪٥٨‬‬
‫ࣰن‬
‫ٱۡس َتۡس َقٰى ُم وَسٰى ِلَقۡو ِم ِهۦ َفُقۡل َنا ٱۡض ِر ب ِّبَعَص اَك ٱۡل َحَج َۖر َفٱنَفَج َر ۡت ِم ۡن ُه ٱۡث َنَتا َعۡش َر َة َعۡی ۖا َقۡد َعِلَم ُكُّل ُأَناࣲس َّم ۡش َر َبُه ۖۡم ُكُلو۟ا َو ٱۡش َر ُبو۟ا ِم ن‬

‫۝ َو ِإۡذ ُقۡل ُتۡم َیٰـ ُم وَسٰى َلن َّنۡص ِبَر َعَلٰى َطَعاࣲم َو⁠ٰ ِح ࣲد َفٱۡد ُع َلَنا َر َّبَك ُیۡخ ِر ۡج َلَنا ِم َّم ا ُتۢن ِبُت‬
‫ِّر ۡز ِق ٱِهَّلل َو اَل َتۡع َثۡو ۟ا ِفی ٱَأۡلۡر ِض ُم ۡف ِسِد یَن ‪٦٠‬‬
‫ࣰر‬
‫ٱَأۡلۡر ُض ِم ۢن َبۡق ِلَه ا َو ِقَّثۤا ِٕىَه ا َو ُفوِم َه ا َو َعَد ِسَه ا َو َبَصِلَه ۖا َقاَل َأَتۡس َتۡب ِد ُلوَن ٱَّلِذی ُهَو َأۡد َنٰى ِبٱَّلِذی ُهَو َخۡی ٌۚر ٱۡه ِبُطو۟ا ِم ۡص ا َفِإَّن َلُكم َّم ا‬
‫َسَأۡل ُتۗۡم َو ُض ِر َبۡت َعَلۡی ِه ُم ٱلِّذ َّلُة َو ٱۡل َم ۡس َكَنُة َو َبۤا ُء و ِبَغَض ࣲب ِّم َن ٱِۗهَّلل َذٰ ⁠ِلَك ِبَأَّنُه ۡم َكاُنو۟ا َیۡك ُفُر وَن ِبَٔـاَیٰـِت ٱِهَّلل َو َیۡق ُتُلوَن ٱلَّنِبِّیۧـ َن ِبَغۡی ِر ٱۡل َح ِّۗق َذٰ ⁠ِلَك‬
‫[البقرة‪٦١-٥٨ :‬‬ ‫]ِبَم ا َعَص و۟ا َّو َكاُنو۟ا َیۡع َتُدوَن ‪٦١‬‬
‫۝﴾‬

‫واذكروا من نعم هللا عليكم حين قلنا لكم‪ :‬ادخلوا بيت المقدس‪ ،‬وكلوا مما فيه من الطيبات من أي مكان شئتم أكاًل هنيًئا ‪٥٨-‬‬
‫واسًعا‪ ،‬وكونوا في دخولكم راكعين خاضعين هلل‪ ،‬واسألوا هللا قائلين‪ :‬ربنا ُح َّط عنا ذنوبنا‪ ،‬نستجب لكم‪ ،‬وسنزيد الذين أحسنوا في‬
‫‪.‬أعمالهم ثواًبا على إحسانهم‬
‫فما كان من الذين ظلموا منهم إال أن بدلوا العمل‪ ،‬وحّر فوا القول‪ ،‬فدخلوا يزحفون على أدبارهم‪ ،‬وقالوا‪َ :‬ح َّبة في شعرة‪٥٩- ،‬‬
‫مستهزئين بأمر هللا تعالى‪ ،‬فكان الجزاء أن أنزل هللا على الظالمين منهم عذاًبا من السماء بسبب خروجهم عن حد الشرع ومخالفة‬
‫‪.‬األمر‬
‫واذكروا من نعم هللا عليكم لّم ا كنتم في الِّتيه‪ ،‬ونالكم العطش الشديد‪ ،‬فتضّر ع موسى عليه السالم إلى ربه وسأله أن ‪٦٠-‬‬
‫يسقيكم‪ ،‬فأمرناه أن يضرب بعصاه الحجر‪ ،‬فلما ضربه تفجرت منه اثنتا عشرة عيًنا بعدد قبائلكم‪ ،‬وانبعث منها الماء‪ ،‬وبّينا لكل‬
‫قبيلة مكان شربها الخاص بها‪ ،‬حتى ال يقع نزاع بينهم‪ ،‬وقلنا لكم‪ :‬كلوا واشربوا من رزق هللا الذي ساقه إليكم بغير جهد منكم وال‬
‫‪.‬عمل‪ ،‬وال تسعوا في األرض مفسدين فيها‬
‫واذكروا حين كفرتم نعمة ربكم فَم ِلْلُتم من أكل ما أنزل هللا عليكم من الَمِّن والَّسْلوى‪ ،‬وقلتم‪ :‬لن نصبر على طعام واحد ال ‪٦١-‬‬
‫يتغير‪ ،‬فطلبتم من موسى عليه السالم أن يدعو هللا أن يخرج لكم من نبات األرض من بقولها وُخ َض رها وِقّثائها (يشبه الخيار لكنه‬
‫أكبر) وحبوبها وعدسها وبصلها‪ ،‬طعاًم ا‪ ،‬فقال موسى عليه السالم ‪ -‬مستنكًر ا طلبكم أن تستبدلوا الذي طلبتم وهو أقل وأدنى‪،‬‬
‫بالَم ّن والَّسْلوى وهو خير وأكرم‪ ،‬وقد كان يأتيكم دون عناء وتعب ‪ :-‬انزلوا من هذه األرض إلى أي قرية‪ ،‬فستجدون ما سألتم في‬
‫حقولها وأسواقها‪ .‬وباتباعهم ألهوائهم وإعراضهم المتكرر عما اختاره هللا لهم‪ ،‬الزمهم الهوان والفقر والبؤس‪ ،‬ورجعوا بغضب‬
‫من هللا‪ ،‬إلعراضهم عن دينه‪ ،‬وكفرهم بآياته‪ ،‬وقتلهم أنبياءه ظلًم ا وعدواًنا‪ ،‬كل ذلك بسبب أنهم عصوا هللا وكانوا يتجاوزون‬

‪.‬حدوده‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬كل من يتالعب بنصوص الشرع ويحّر فها فيه َشَبٌه من اليهود‪ ،‬وهو ُم توَّعد بعقوبة هللا تعالى •‬
‫‪ِ.‬ع َظُم فضل هللا تعالى على بني إسرائيل‪ ،‬وفي مقابل ذلك شدة جحودهم وعنادهم وإعراضهم عن هللا وشرعه •‬
‫‪.‬أن من شؤم المعاصي وتجاوز حدود هللا تعالى ما ينزل بالمرء من الذل والهوان‪ ،‬وتسلط األعداء عليه •‬
‫‪٩‬‬

‫ࣰح‬
‫ِإَّن ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا َو ٱَّلِذ یَن َهاُدو۟ا َو ٱلَّنَصٰـ َر ٰى َو ٱلَّصٰـ ِبِٔـیَن َم ۡن َء اَم َن ِبٱِهَّلل َو ٱۡل َیۡو ِم ٱۡل َٔـاِخ ِر َو َعِم َل َصٰـِل ا َفَلُه ۡم َأۡج ُر ُهۡم ِع نَد َر ِّبِه ۡم َو اَل ﴿‬

‫۝‬‫۝ َو ِإۡذ َأَخ ۡذ َنا ِم یَثٰـ َقُكۡم َو َر َفۡع َنا َفۡو َقُكُم ٱلُّطوَر ُخ ُذو۟ا َم ۤا َء اَتۡی َنٰـُكم ِبُقَّو ࣲة َو ٱۡذ ُكُر و۟ا َم ا ِفیِه َلَعَّلُكۡم َتَّتُقوَن ‪٦٣‬‬
‫َخۡو ٌف َعَلۡی ِه ۡم َو اَل ُهۡم َیۡح َز ُنوَن ‪٦٢‬‬

‫۝ َو َلَقۡد َعِلۡم ُتُم ٱَّلِذ یَن ٱۡع َتَد ۡو ۟ا ِم نُكۡم ِفی ٱلَّسۡب ِت َفُقۡل َنا‬ ‫ُثَّم َتَو َّلۡی ُتم ِّم ۢن َبۡع ِد َذٰ ⁠ِلَۖك َفَلۡو اَل َفۡض ُل ٱِهَّلل َعَلۡی ُكۡم َو َر ۡح َم ُت ۥُه َلُكنُتم ِّم َن ٱۡل َخ ٰـِس ِر یَن ‪٦٤‬‬
‫ࣰة‬ ‫اࣰل‬
‫۝ َو ِإۡذ َقاَل ُم وَسٰى ِلَقۡو ِم ۤۦِه ِإَّن ٱَهَّلل َیۡأ ُمُر ُكۡم‬ ‫۝ َفَجَعۡل َنٰـَه ا َنَكٰـ ِّلَم ا َبۡی َن َیَد ۡی َه ا َو َم ا َخ ۡل َفَه ا َو َم ۡو ِع َظ ِّلۡل ُم َّتِقیَن ‪٦٦‬‬
‫َلُه ۡم ُكوُنو۟ا ِقَر َد ًة َخ ٰـِس ِٔـیَن ‪٦٥‬‬
‫ࣰو‬
‫۝ َقاُلو۟ا ٱۡد ُع َلَنا َر َّبَك ُیَبِّین َّلَنا َم ا ِه َۚی َقاَل ِإَّن ۥُه َیُقوُل ِإَّنَه ا‬ ‫َأن َتۡذ َبُح و۟ا َبَقَر ࣰۖة َقاُلۤو ۟ا َأَتَّتِخ ُذَنا ُهُز ۖا َقاَل َأُعوُذ ِبٱِهَّلل َأۡن َأُكوَن ِم َن ٱۡل َجٰـ ِه ِلیَن ‪٦٧‬‬
‫ࣱة‬ ‫ࣱة َف ࣱض‬
‫َو اَل ِبۡك ٌر َعَو اُۢن َبۡی َن َذٰ ⁠ِلَۖك َفٱۡف َعُلو۟ا َم ا ُتۡؤ َمُر وَن ‪٦٨‬‬
‫۝ َقاُلو۟ا ٱۡد ُع َلَنا َر َّبَك ُیَبِّین َّلَنا َم ا َلۡو ُنَه ۚا َقاَل ِإَّن ۥُه َیُقوُل ِإَّنَه ا َبَقَر‬ ‫َبَقَر اَّل اِر‬
‫ࣱع‬
‫۝﴾ [البقرة‪٦٩-٦٢ :‬‬ ‫]َص ۡف َر ۤا ُء َفاِق َّلۡو ُنَه ا َتُسُّر ٱلَّنٰـِظ ِر یَن ‪٦٩‬‬

‫إن َم ن آمن ِم ن هذه األمة‪ ،‬وكذلك من آمن من األمم الماضية قبل بعثة محمد ﷺ من يهود ونصارى وصابئة ‪ -‬وهم ‪٦٢-‬‬
‫طائفة من أتباع بعض األنبياء من تحقق فيهم اإليمان باهلل وباليوم اآلخر ‪ -‬فلهم ثوابهم عند ربهم‪ ،‬وال خوف عليهم مما يستقبلونه‬
‫‪.‬في اآلخرة‪ ،‬وال يحزنون على ما فاتهم من الدنيا‬
‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪8/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫واذكروا ما أخذنا عليكم من العهد المؤكد‪ ،‬من اإليمان باهلل ورسله‪ ،‬ورفعنا الجبل فوقكم تخويًفا لكم وتحذيًر ا من ترك ‪٦٣-‬‬
‫العمل بالعهد‪ ،‬آمرين لكم بأخذ ما أنزلنا عليكم من التوراة بجد واجتهاد‪ ،‬دون تهاون وكسل‪ ،‬واحفظوا ما فيه وتدبروه‪ ،‬لعلكم بفعل‬
‫‪.‬ذلك تتقون عذاب هللا تعالى‬
‫فما كان منكم إال أن أعرضتم وعصيتم بعد أخذ العهد المؤكد عليكم‪ ،‬ولوال فضل هللا عليكم بالتجاوز عنكم‪ ،‬ورحمته ‪٦٤-‬‬
‫‪.‬بقبول توبتكم‪ ،‬لكنتم من الخاسرين بسبب ذلك اإلعراض والعصيان‬
‫ولقد علمتم خبر أسالفكم علًم ا ال لبس فيه‪ ،‬حيث اعتدوا بالصيد يوم السبت الذي ُح ِّر م عليهم الصيد فيه‪ ،‬فاحتالوا على ‪٦٥-‬‬
‫‪.‬ذلك بنصب الشباك قبل يوم السبت‪ ،‬واستخراجها يوم األحد‪ ،‬فجعل هللا هؤالء المتحايلين قردة منبوذين عقوبة لهم على تحايلهم‬
‫فجعلنا هذه القرية المعتدية عبرة لما جاورها من القرى‪ ،‬وعبرة لمن يأتي بعدها‪ ،‬حتى ال يعمل بعملها فيستحق عقوبتها‪٦٦- ،‬‬
‫‪.‬وجعلناها تذكرة للمتقين الذين يخافون عقاب هللا وانتقامه ِم َّم ن يتعدى حدوده‬
‫واذكروا من خبر أسالفكم ما جرى بينهم وبين موسى عليه السالم‪ ،‬حيث أخبرهم بأمر هللا لهم أن يذبحوا بقرة من البقر‪٦٧- ،‬‬
‫فبداًل من المسارعة قالوا ُم َتعِّنِتين‪ :‬أتجعلنا موضًعا لالستهزاء! فقال موسى‪ :‬أعوذ باهلل أن أكون من الذين َيْك ِذُبون على هللا‪،‬‬
‫‪.‬ويستهزئون بالناس‬
‫قالوا لموسى‪ :‬ادُع لنا ربك حتى يبين لنا صفة البقرة التي أَمَر نا بذبحها‪ ،‬فقال لهم‪ :‬إن هللا يقول‪ :‬إنها بقرة ليست كبيرة ‪٦٨-‬‬
‫‪.‬السن وال صغيرة‪ ،‬ولكن وسط بين ذلك‪ ،‬فباِدروا بامتثال أمر ربكم‬
‫فاستمروا في جدالهم وتعُّنتهم قائلين لموسى عليه السالم‪ :‬ادُع ربك حتى يبين لنا ما لونها‪ ،‬فقال لهم موسى‪ :‬إن هللا يقول‪٦٩- :‬‬

‪.‬إنها بقرة صفراء شديدة الُّص ْفرة‪ُ ،‬تعجب كل من ينظر إليها‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫الُح كم المذكور في اآلية األولى ِلما قبل بعثة النبي ﷺ‪ ،‬وأما بعد بعثته فإن الدين الَم ْر ِض َّي عند هللا هو اإلسالم‪ ،‬ال يقبل غيره‪• ،‬‬
‫‪].‬كما قال هللا تعالى‪﴿ :‬وَم ن َيْبَتِغ َغْيَر اإلْس الِم ِديًنا َفَلْن ُيْقَبَل ِم نُه﴾ [آل عمران ‪٨٥‬‬
‫قد ُيَعِّج ُل هللا العقوبة على بعض المعاصي في الدنيا قبل اآلخرة‪ ،‬لتكون تذكرة يتعظ بها الناس فيحذروا مخالفة أمر هللا •‬
‫‪.‬تعالى‬
‫‪.‬أّن من ضَّيق على نفسه وشّدد عليها فيما ورد موَّسًعا في الشريعة‪ ،‬قد ُيعاَقُب بالتشديد عليه •‬
‫‪١٠‬‬

‫ࣱل‬ ‫ࣱة‬
‫۝ َقاَل ِإَّن ۥُه َیُقوُل ِإَّنَه ا َبَقَر اَّل َذُلو ُتِثیُر ﴿‬ ‫َقاُلو۟ا ٱۡد ُع َلَنا َر َّبَك ُیَبِّین َّلَنا َم ا ِه َی ِإَّن ٱۡل َبَقَر َتَشٰـَبَه َعَلۡی َنا َو ِإَّنۤا ِإن َشۤا َء ٱُهَّلل َلُم ۡه َتُدوَن ‪٧٠‬‬
‫ࣰس‬ ‫ࣱة‬
‫۝ َو ِإۡذ َقَتۡل ُتۡم َنۡف ا َفٱَّدٰ ⁠َر ٰۡٔ  ⁠ُتۡم‬
‫ٱَأۡلۡر َض َو اَل َتۡس ِقی ٱۡل َح ۡر َث ُم َسَّلَم اَّل ِشَیَة ِفیَه ۚا َقاُلو۟ا ٱۡل َٔـٰـ َن ِج ۡئ َت ِبٱۡل َح ِّۚق َفَذَبُح وَها َو َم ا َكاُدو۟ا َیۡف َعُلوَن ‪٧١‬‬
‫ࣱج‬
‫۝ ُثَّم َقَسۡت‬ ‫۝ َفُقۡل َنا ٱۡض ِر ُبوُه ِبَبۡع ِض َه ۚا َكَذٰ ⁠ِلَك ُیۡح ِی ٱُهَّلل ٱۡل َم ۡو َتٰى َو ُیِر یُكۡم َء اَیٰـِتِهۦ َلَعَّلُكۡم َتۡع ِقُلوَن ‪٧٣‬‬ ‫ِفیَه ۖا َو ٱُهَّلل ُم ۡخ ِر َّم ا ُكنُتۡم َتۡك ُتُم وَن ‪٧٢‬‬
‫ُقُلوُبُكم ِّم ۢن َبۡع ِد َذٰ ⁠ِلَك َف َكٱۡل ِح َج اَر ِة َأۡو َأَشُّد َقۡس َو ࣰۚة َو ِإَّن ِم َن ٱۡل ِح َج اَر ِة َلَم ا َیَتَفَّج ُر ِم ۡن ُه ٱَأۡلۡن َهٰـ ُۚر َو ِإَّن ِم ۡن َه ا َلَم ا َیَّشَّقُق َفَیۡخ ُر ُج ِم ۡن ُه ٱۡل َم ۤا ُۚء‬
‫ِهَی‬
‫ࣱق‬
‫۝ ۞ َأَفَتۡط َمُعوَن َأن ُیۡؤ ِم ُنو۟ا َلُكۡم َو َقۡد َكاَن َفِر ی ِّم ۡن ُه ۡم َیۡس َمُعوَن‬ ‫َو ِإَّن ِم ۡن َه ا َلَم ا َیۡه ِبُط ِم ۡن َخ ۡش َیِة ٱِۗهَّلل َو َم ا ٱُهَّلل ِبَغٰـِفٍل َعَّم ا َتۡع َم ُلوَن ‪٧٤‬‬
‫۝ َو ِإَذا َلُقو۟ا ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا َقاُلۤو ۟ا َء اَم َّنا َو ِإَذا َخاَل َبۡع ُض ُه ۡم ِإَلٰى َبۡع ࣲض َقاُلۤو ۟ا‬
‫َكَلٰـ َم ٱِهَّلل ُثَّم ُیَح ِّر ُفوَن ۥُه ِم ۢن َبۡع ِد َم ا َعَقُلوُه َو ُهۡم َیۡع َلُم وَن ‪٧٥‬‬
‫[البقرة‪٧٦-٧٠ :‬‬ ‫]َأُتَحِّد ُثوَنُه م ِبَم ا َفَتَح ٱُهَّلل َعَلۡی ُكۡم ِلُیَح ۤا ُّج وُكم ِبِهۦ ِع نَد َر ِّبُكۚۡم َأَفاَل َتۡع ِقُلوَن ‪٧٦‬‬
‫۝﴾‬

‫ثم تمادوا في تعُّنتهم قائلين‪ :‬ادُع لنا ربك حتى يبين لنا مزيًدا من صفاتها‪ ،‬ألن البقر المتصف بالصفات المذكورة كثير ال ‪٧٠-‬‬
‫‪.‬نستطيع تعيينها من بينها‪ .‬مؤكدين أنهم ‪ -‬إن شاء هللا ‪ -‬مهتدون إلى البقرة المطلوب ذبحها‬
‫فقال لهم موسى‪ :‬إن هللا يقول‪ :‬إن صفة هذه البقرة أنها غير مذّللة بالعمل في الحراثة‪ ،‬وال في سقاية األرض‪ ،‬وهي ‪٧١-‬‬
‫سالمة من العيوب‪ ،‬ليس فيها عالمة من لون آخر غير لونها األصفر‪ ،‬وعندئذ قالوا‪ :‬اآلن جئت بالوصف الدقيق الذي يعِّين البقرة‬
‫‪.‬تماًم ا‪ ،‬وذبحوها بعد أن أوشكوا أال يذبحوها بسبب الجدال والتعنت‬
‫واذكروا حين قتلتم واحًدا منكم فتدافعتم‪ ،‬كٌّل يدفع عن نفسه تهمة القتل‪ ،‬ويرمي بها غيره‪ ،‬حتى تنازعتم‪ ،‬وهللا ُم خرج ما ‪٧٢-‬‬
‫‪.‬كنتم تخفونه من قتل ذلك البريء‬
‫فقلنا لكم‪ :‬اضربوا القتيل بجزء من البقرة التي ُأِم ْر تم بذبحها‪ ،‬فإن هللا سُيحييه ليخبر َم ن القاتل! ففعلوا ذلك فأخبر بقاتله‪٧٣- .‬‬
‫‪.‬ومثل إحياء هذا الميت يحيي هللا الموتى يوم القيامة‪ ،‬ويريكم الدالئل البينة على قدرته‪ ،‬لعلكم تعقلونها فتؤمنون حًّقا باهلل تعالى‬
‫ثم قست قلوبكم من بعد هذه المواعظ البليغة والمعجزات الباهرة‪ ،‬حتى صارت مثل الحجارة‪ ،‬بل أشد صالبة منها‪ ،‬فهي ‪٧٤-‬‬
‫ال تتحول عن حالها أبًدا‪ ،‬وأما الحجارة فتتغير وتتحول‪ ،‬فإن من الحجارة ما يتفجر منه األنهار‪ ،‬وإن منها لما يتشقق فيخرج منه‬
‫الماء ينابيع جارية في األرض‪ ،‬ينتفع بها الناس والدواب‪ ،‬ومنها ما يسقط من أعالي الجبال خشية من هللا ورهبة‪ ،‬وليست كذلك‬
‫‪.‬قلوبكم‪ ،‬وما هللا بغافل عما تعملون‪ ،‬بل هو عالم به‪ ،‬وسيجازيكم عليه‬
‫أفترجون ‪ -‬أيها المؤمنون ‪ -‬بعد أن علمتم حقيقة حال اليهود وعنادهم أن يؤمنوا‪ ،‬ويستجيبوا لكم؟! وقد كان جماعة من ‪٧٥-‬‬
‫َظ‬
‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪9/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫علمائهم يسمعون كالم هللا المنّز ل عليهم في التوراة‪ ،‬ثم يغِّيرون ألفاظها ومعانيها بعد فهمهم لها ومعرفتهم بها‪ ،‬وهم يعلمون ِع َظم‬
‫‪.‬جريمتهم‬
‫من تناقضات اليهود ومكرهم أنهم إذا لقي بعُض هم المؤمنين اعترفوا لهم بصدق النبي محمد ﷺ وصحة رسالته وهو ما ‪٧٦-‬‬
‫تشهد له التوراة‪ ،‬ولكن حين يخلو اليهود بعضهم ببعض يتالومون فيما بينهم بسبب هذه االعترافات‪ ،‬ألن المسلمين يقيمون عليهم‬

‪.‬بها الحجة فيما صدر عنهم من االعتراف بصدق النبوة‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬أن بعض قلوب العباد أشد قسوة من الحجارة الصلبة‪ ،‬فال تلين لموعظة‪ ،‬وال ترق لذكرى •‬
‫‪.‬أن الدالئل والبينات ‪ -‬وإن عظمت ‪ -‬ال تنفع إن لم يكن القلب مستسلًم ا خاشًعا هلل •‬
‫‪.‬كشفت اآليات حقيقة ما انطوت عليه أنفس اليهود‪ ،‬حيث توارثوا الرعونة والخداع والتالعب بالدين •‬
‫‪١١‬‬

‫ࣱل‬ ‫۝ َو ِم ۡن ُه ۡم ُأِّم ُّیوَن اَل َیۡع َلُم وَن ٱۡل ِك َتٰـ َب ِإۤاَّل‬
‫۝ َفَو ۡی ﴿‬ ‫َأَم اِنَّی َو ِإۡن ُهۡم ِإاَّل َیُظُّنوَن ‪٧٨‬‬ ‫َأَو اَل َیۡع َلُم وَن َأَّن ٱَهَّلل َیۡع َلُم َم ا ُیِس ُّر وَن َو َم ا ُیۡع ِلُنوَن ‪٧٧‬‬
‫ࣱل‬ ‫ۡش ۟ا َث ࣰن َق ۖاࣰل َف ࣱل‬
‫َّلُه م ِّم َّم ا َكَتَبۡت َأۡی ِدیِه ۡم َو َو ۡی َّلُه م ِّم َّم ا‬ ‫ِّلَّلِذ یَن َیۡك ُتُبوَن ٱۡل ِك َتٰـ َب ِبَأۡی ِدیِه ۡم ُثَّم َیُقوُلوَن َهٰـ َذا ِم ۡن ِعنِد ٱِهَّلل ِلَی َتُر و ِبِهۦ َم ا ِلی َو ۡی‬
‫ࣰد‬ ‫ࣰم‬
‫۝ َو َقاُلو۟ا َلن َتَمَّسَنا ٱلَّناُر ِإۤاَّل َأَّیا ا َّم ۡع ُدوَد ࣰۚة ُقۡل َأَّتَخ ۡذ ُتۡم ِع نَد ٱِهَّلل َعۡه ا َفَلن ُیۡخ ِلَف ٱُهَّلل َعۡه َد ۖۤۥُه َأۡم َتُقوُلوَن َعَلى ٱِهَّلل َم ا اَل‬ ‫َیۡك ِس ُبوَن ‪٧٩‬‬
‫ࣰة‬
‫۝ َو ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا َو َعِم ُلو۟ا‬ ‫۝ َبَلٰۚى َم ن َكَسَب َسِّیَئ َو َأَحٰـ َطۡت ِبِهۦ َخ ِط ۤی َٔـُت ۥُه َفُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك َأۡص َحٰـ ُب ٱلَّناِۖر ُهۡم ِفیَه ا َخ ٰـِلُدوَن ‪٨١‬‬ ‫َتۡع َلُم وَن ‪٨٠‬‬
‫ࣰن‬
‫۝ َو ِإۡذ َأَخ ۡذ َنا ِم یَثٰـَق َبِنۤی ِإۡس َرٰ ۤ⁠ِء یَل اَل َتۡع ُبُدوَن ِإاَّل ٱَهَّلل َو ِبٱۡل َوٰ ⁠ِلَد ۡی ِن ِإۡح َسا ا َو ِذی‬ ‫ٱلَّصٰـِلَحٰـِت ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك َأۡص َحٰـ ُب ٱۡل َج َّنِۖة ُهۡم ِفیَه ا َخ ٰـِلُدوَن ‪٨٢‬‬
‫اࣰل‬ ‫ࣰن‬
‫۝﴾‬ ‫ٱۡل ُقۡر َبٰى َو ٱۡل َیَتٰـ َمٰى َو ٱۡل َم َسٰـِك یِن َو ُقوُلو۟ا ِللَّناِس ُح ۡس ا َو َأِقیُم و۟ا ٱلَّص َلٰو َة َو َء اُتو۟ا ٱلَّز َكٰو َة ُثَّم َتَو َّلۡی ُتۡم ِإاَّل َقِلی ِّم نُكۡم َو َأنُتم ُّم ۡع ِر ُضوَن ‪٨٣‬‬
‫][البقرة‪٨٣-٧٧ :‬‬

‫هؤالء اليهود يسلكون هذا المسلك الَم ِشين وكأنهم يغُفلون عن أن هللا يعلم ما يخفون من أقوالهم وأفعالهم وما يعلنون ‪٧٧-‬‬
‫‪.‬منها‪ ،‬وسيظهرها لعباده ويفضحهم‬
‫أكاذيب أخذوها من كبرائهم‪٧٨- ،‬‬ ‫ومن اليهود طائفة‪ ،‬ال يعلمون التوراة إال تالوة‪ ،‬وال يفهمون ما دلت عليه‪ ،‬وليس معهم إال

‫‪.‬يظنون أنها التوراة التي أنزلها هللا‬
‫فهالك وعذاب شديد ينتظر هؤالء الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون ‪ -‬كذًبا ‪ :-‬هذا من
عند هللا‪ ،‬ليستبدلوا بالحق ‪٧٩-‬‬
‫واتباع الهدى ثمًنا زهيًدا في الدنيا‪ ،‬مثل المال والرئاسة‪ ،‬فهالك وعذاب شديد لهم على ما كتبته أيديهم مما َيْك ِذبون به على هللا‪،‬‬
‫‪.‬وهالك وعذاب شديد لهم على ما يكسبونه من وراء ذلك من مال ورئاسة‬
‫وقالوا ‪ -‬كذًبا وغروًر ا ‪ :-‬لن تمَّسنا النار ولن ندخلها
إال أياًم ا قليلة‪ ،‬قل ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬لهؤالء‪ :‬هل أخذتم على ذلك وعًدا ‪٨٠-‬‬
‫مؤكًدا من هللا؟ فإن كان لكم ذلك‪ ،‬فإن هللا ال يخلف عهده‪ ،‬أم أنكم تقولون على هللا ‪ -‬كذًبا وزوًر ا ‪ -‬ما ال تعلمون؟‬
‫ليس األمر
كما يتوهم هؤالء‪ ،‬فإن هللا يعذب كل من كسب سيئة الكفر‪ ،‬وأحاطت به ذنوبه من كل جانب‪ ،‬ويجازيهم ‪٨١-‬‬
‫‪.‬بدخول النار ومالزمتها‪ ،‬ماكثين فيها أبًدا‬
‫الجنة ومالزمتها‪ ،‬ماكثين فيها أبًدا ‪٨٢-‬‬ ‫‪.‬والذين آمنوا باهلل ورسوله‪ ،‬وعملوا األعمال الصالحة‪ ،‬ثوابهم عند هللا دخول

‫واذكروا ‪ -‬يا بني إسرائيل ‪ -‬العهد المؤكد الذي أخذناه عليكم‪ ،‬بأن توِّح دوا هللا وال تعبدوا معه غيره‪ ،‬وبأن تحسنوا إلى ‪٨٣-‬‬ ‫

‫الوالدين واألقارب واليتامى والمساكين المحتاجين‪ ،‬وبأن تقولوا للناس كالًم ا حسًنا‪ ،‬أمًر ا بالمعروف ونهًيا عن المنكر بال غلظة‬
‫وشدة‪ ،‬وبأن تؤدوا الصالة تامة على نحو ما أمرتكم‪ ،‬وبأن تؤتوا الزكاة بصرفها لمستحقيها طّيبة بها أنفسكم‪ ،‬فما كان منكم بعد‬

‪.‬هذا العهد إال أن انصرفتم ُم عرضين عن الوفاء بما أخذ عليكم‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬بعض أهل الكتاب يّدعي العلم بما أنزل هللا‪ ،‬والحقيقة أن ال علم له بما أنزل هللا‪ ،‬وإنما هو
الوهم والجهل •‬
‫‪.‬من أعظم الناس إثًم ا من يكذب على هللا تعالى ورسله‪ ،‬فينسب إليهم ما لم يكن منهم •‬ ‫

‫هللا تعالى على اليهود وشدة التأكيد عليها‪ ،‬لم يزدهم ذلك إال إعراًض ا عنها ورفًض ا لها •‬‫‪.‬مع عظم المواثيق التي أخذها

‫‪١٢‬‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪10/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫۝ ُثَّم َأنُتۡم َهٰۤـ ُؤ ۤاَل ِء َتۡق ُتُلوَن ﴿‬ ‫َو ِإۡذ َأَخ ۡذ َنا ِم یَثٰـ َقُكۡم اَل َتۡس ِفُكوَن ِد َم ۤا َء ُكۡم َو اَل ُتۡخ ِر ُج وَن َأنُفَسُكم ِّم ن ِد َیٰـ ِر ُكۡم ُثَّم َأۡق َر ۡر ُتۡم َو َأنُتۡم َتۡش َهُدوَن ‪٨٤‬‬
‫ࣰق‬
‫َأنُفَسُكۡم َو ُتۡخ ِر ُج وَن َفِر ی ا ِّم نُكم ِّم ن ِد َیٰـ ِر ِه ۡم َتَظٰـَه ُر وَن َعَلۡی ِه م ِبٱِإۡل ۡث ِم َو ٱۡل ُعۡد َو⁠ٰ ِن َو ِإن َیۡأ ُتوُكۡم ُأَسٰـ َر ٰى ُتَفٰـ ُدوُهۡم َو ُهَو ُم َح َّر ٌم َعَلۡی ُكۡم‬
‫ِإۡخ َر اُجُه ۚۡم َأَفُتۡؤ ِم ُنوَن ِبَبۡع ِض ٱۡل ِك َتٰـ ِب َو َتۡك ُفُر وَن ِبَبۡع ࣲۚض َفَم ا َج َز ۤا ُء َم ن َیۡف َعُل َذٰ ⁠ِلَك ِم نُكۡم ِإاَّل ِخ ۡز ࣱی ِفی ٱۡل َح َیٰو ِة ٱلُّد ۡن َیۖا َو َیۡو َم ٱۡل ِقَیٰـ َم ِة ُیَر ُّدوَن‬

‫۝ ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك ٱَّلِذ یَن ٱۡش َتَر ُو ۟ا ٱۡل َح َیٰو َة ٱلُّد ۡن َیا ِبٱۡل َٔـاِخ َر ِۖة َفاَل ُیَخَّفُف َعۡن ُه ُم ٱۡل َعَذاُب َو اَل ُهۡم‬
‫ِإَلٰۤى َأَشِّد ٱۡل َعَذاِۗب َو َم ا ٱُهَّلل ِبَغٰـِفٍل َعَّم ا َتۡع َم ُلوَن ‪٨٥‬‬

‫۝ َو َلَقۡد َء اَتۡی َنا ُم وَسى ٱۡل ِك َتٰـ َب َو َقَّفۡی َنا ِم ۢن َبۡع ِد ِهۦ ِبٱلُّر ُسِۖل َو َء اَتۡی َنا ِع یَسى ٱۡب َن َم ۡر َیَم ٱۡل َبِّیَنٰـِت َو َأَّیۡد َنٰـ ُه ِبُر وِح ٱۡل ُقُدِۗس َأَفُكَّلَم ا‬
‫ُینَص ُر وَن ‪٨٦‬‬
‫اࣰل‬ ‫ُۚۢف‬ ‫ࣰق‬ ‫ࣰق‬
‫۝ َو َقاُلو۟ا ُقُلوُبَنا ُغۡل َبل َّلَعَنُه ُم ٱُهَّلل ِبُكۡف ِر ِه ۡم َفَقِلی َّم ا‬ ‫َج ۤا َء ُكۡم َر ُسوُۢل ِبَم ا اَل َتۡه َو ٰۤى َأنُفُسُكُم ٱۡس َتۡك َبۡر ُتۡم َفَفِر ی ا َكَّذۡب ُتۡم َو َفِر ی ا َتۡق ُتُلوَن ‪٨٧‬‬
‫[البقرة‪٨٨-٨٤ :‬‬ ‫]ُیۡؤ ِم ُنوَن ‪٨٨‬‬
‫۝﴾‬

‫واذكروا العهد المؤكد الذي أخذناه عليكم في التوراة من تحريم إراقة بعضكم دماء بعض‪ ،‬وتحريم إخراج بعضكم بعًض ا ‪٨٤-‬‬
‫‪.‬من ديارهم‪ ،‬ثم اعترفتم بما أخذناه عليكم من عهد بذلك‪ ،‬وأنتم تشهدون على صحته‬
‫ثم أنتم تخالفون هذا العهد‪ ،‬فيقتل بعضكم بعًض ا‪ ،‬وتخرجون فريًقا منكم من ديارهم مستعينين عليهم باألعداء ظلًم ا ‪٨٥-‬‬
‫وعدواًنا‪ ،‬وإذا جاؤوكم أسرى في أيدي األعداء سعيتم في دفع الفدية لتخليصهم من أسرهم‪ ،‬مع أن إخراجهم من ديارهم محَّر م‬
‫عليكم‪ ،‬فكيف تؤمنون ببعض ما في التوراة من وجوب فداء األسرى‪ ،‬وتكفرون ببعض ما فيها من صيانة الدماء ومنع إخراج‬
‫بعضكم بعًض ا من ديارهم؟! فليس للذي يفعل ذلك منكم جزاء إال الذل والمهانة في الحياة الدنيا‪ ،‬وأما في اآلخرة فإنه ُيَر ّد إلى أشد‬
‫‪.‬العذاب‪ ،‬وليس هللا بغافل عما تعملون‪ ،‬بل هو مطلع عليه‪ ،‬وسيجازيكم به‬
‫أولئك الذين استبدلوا الحياة الدنيا باآلخرة‪ ،‬إيثاًر ا للفاني على الباقي‪ ،‬فال ُيَخفف عنهم العذاب في اآلخرة‪ ،‬وليس لهم ‪٨٦-‬‬
‫‪.‬ناصر ينصرهم يومئذ‬
‫ولقد آتينا موسى التوراة‪ ،‬وأتبعناه برسل من بعده على أثره‪ ،‬وآتينا عيسى بن مريم اآليات الواضحة المبِّينَة لصدقه‪٨٧- ،‬‬
‫كإحياء الموتى‪ ،‬وإبراء األكمه واألبرص‪ ،‬وقَّو ْيناه بالمَلِك جبريل عليه السالم‪ ،‬أفكلما جاءكم ‪ -‬يا بني إسرائيل ‪ -‬رسول من عند هللا‬
‫!بما ال يوافق أهواءكم استكبرتم على الحق‪ ،‬وتعاليتم على رسل هللا‪ ،‬ففريًقا منهم تكِّذبون‪ ،‬وفريًقا تقتلون؟‬
‫لقد كانت حجة اليهود في عدم اتباع محمد ﷺ قولهم‪ :‬إن قلوبنا ُم َغّلفة ال يصل إليها شيء مما تقول وال تفهمه‪ ،‬وليس ‪٨٨-‬‬

‪.‬الحال كما زعموا‪ ،‬بل َطَر َدهم هللا من رحمته بكفرهم فال يؤمنون إال بقليل مما أنزل هللا‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬من أعظم الكفر‪ :‬اإليمان ببعض ما أنزل هللا والكفر ببعضه‪ ،‬ألن فاعل ذلك قد جعل إلهه هواه •‬
‫‪ِ.‬ع َظم ما بلغه اليهود من العناد‪ ،‬واتباع الهوى‪ ،‬والتالعب بما أنزل هللا تعالى •‬
‫‪.‬فضل هللا تعالى ورحمته بخلقه‪ ،‬حيث تابع عليهم إرسال الرسل وإنزال الكتب لهدايتهم للرشاد •‬
‫أن هللا يعاقب المعرضين عن الهدى المعاندين ألوامره بالطبع على قلوبهم وطردهم من رحمته‪ ،‬فال يهتدون إلى الحق‪ ،‬وال •‬
‫‪.‬يعملون به‬
‫‪١٣‬‬

‫ࣱق‬ ‫ࣱب‬
‫َو َلَّم ا َج ۤا َء ُهۡم ِك َتٰـ ِّم ۡن ِعنِد ٱِهَّلل ُم َصِّد ِّلَم ا َم َعُه ۡم َو َكاُنو۟ا ِم ن َقۡب ُل َیۡس َتۡف ِتُح وَن َعَلى ٱَّلِذ یَن َكَفُر و۟ا َفَلَّم ا َج ۤا َء ُهم َّم ا َعَر ُفو۟ا َكَفُر و۟ا ِب ۚۦِه ﴿‬
‫۝ ِبۡئ َسَم ا ٱۡش َتَر ۡو ۟ا ِب ۤۦِه َأنُفَسُه ۡم َأن َیۡك ُفُر و۟ا ِبَم ۤا َأنَز َل ٱُهَّلل َبۡغ ًیا َأن ُیَنِّز َل ٱُهَّلل ِم ن َفۡض ِلِهۦ َعَلٰى َم ن َیَشۤا ُء ِم ۡن‬‫َفَلۡع َنُة ٱِهَّلل َعَلى ٱۡل َكٰـِفِر یَن ‪٨٩‬‬
‫ࣱن‬ ‫ࣱب‬
‫ِعَباِدِه َفَبۤا ُء و ِبَغَض ٍب َعَلٰى َغَض ࣲۚب َو ِلۡل َكٰـِفِر یَن َعَذا ُّم ِه ی ‪٩٠‬‬
‫۝ َو ِإَذا ِقیَل َلُه ۡم َء اِم ُنو۟ا ِبَم ۤا َأنَز َل ٱُهَّلل َقاُلو۟ا ُنۡؤ ِم ُن ِبَم ۤا ُأنِز َل َعَلۡی َنا‬ ‫ۖۦ‬
‫ࣰق‬
‫۝ ۞ َو َلَقۡد َج ۤا َء ُكم ُّم وَسٰى‬ ‫َو َیۡك ُفُر وَن ِبَم ا َو َر ۤا َء ۥُه َو ُهَو ٱۡل َحُّق ُم َصِّد ا ِّلَم ا َم َعُه ۗۡم ُقۡل َفِلَم َتۡق ُتُلوَن َأۢن ِبَیۤا َء ٱِهَّلل ِم ن َقۡب ُل ِإن ُكنُتم ُّم ۡؤ ِم ِنیَن ‪٩١‬‬
‫۝ َو ِإۡذ َأَخ ۡذ َنا ِم یَثٰـ َقُكۡم َو َر َفۡع َنا َفۡو َقُك ٱلُّطوَر ُخ ُذو۟ا َم ۤا َء اَتۡی َنٰـُكم ُقَّو ࣲة َو ٱۡس َمُعوۖ۟ا‬ ‫ِبٱۡل َبِّیَنٰـِت ُثَّم ٱَّتَخ ۡذ ُتُم ٱۡل ِع ۡج َل ِم ۢن َبۡع ِد ِهۦ َو َأنُتۡم َظٰـِلُم وَن ‪٩٢‬‬
‫ِب‬ ‫ُم‬
‫۝﴾ [البقرة‪٩٣-٨٩ :‬‬ ‫]َقاُلو۟ا َسِم ۡع َنا َو َعَص ۡی َنا َو ُأۡش ِر ُبو۟ا ِفی ُقُلوِبِه ُم ٱۡل ِع ۡج َل ِبُكۡف ِر ِه ۚۡم ُقۡل ِبۡئ َسَم ا َیۡأ ُمُر ُكم ِب ۤۦِه ِإیَم ٰـ ُنُكۡم ِإن ُكنُتم ُّم ۡؤ ِم ِنیَن ‪٩٣‬‬

‫ولما جاءهم القرآن الكريم من عند هللا وهو موافق لما في التوراة واإلنجيل في األصول العامة الصحيحة‪ ،‬وكانوا من ‪٨٩-‬‬
‫قبل نزوله يقولون‪ :‬سننتصر على المشركين وُيْفتح لنا حين ُيْبعث نبي فنؤمن به ونتبعه‪ ،‬فلما جاءهم القرآن ومحمد ﷺ على الصفة‬
‫‪.‬التي عرفوها والحق الذي علموه‪ ،‬كفروا به‪ ،‬فلعنة هللا على الكافرين باهلل ورسوله‬
‫بئس الذي استبدلوا به حظ أنفسهم من اإليمان باهلل ورسله‪ ،‬فكفروا بما أنزل هللا وكذبوا رسله‪ ،‬ظلًم ا وحسًدا بسبب إنزال ‪٩٠-‬‬
‫النبوة والقرآن على محمد ﷺ‪ ،‬فاستحقوا غضًبا مضاعًفا من هللا تعالى بكفرهم بمحمد ﷺ‪ ،‬وبسبب تحريفهم التوراة من قبل‪.‬‬

‫ٌّل‬
‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪11/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫‪.‬وللكافرين بنبوة محمد ﷺ عذاب ُم ِذ ٌّل يوم القيامة‬


‫وإذا قيل لهؤالء اليهود‪ :‬آمنوا بما أنزل هللا على رسوله من الحق والهدى‪ ،‬قالوا‪ :‬نؤمن بما ُأنزل على أنبيائنا‪ ،‬ويكفرون ‪٩١-‬‬
‫بما سواه مما ُأنزل على محمد ﷺ‪ ،‬مع أن هذا القرآن هو الحق الموافق لما معهم من هللا‪ ،‬ولو كانوا يؤمنون بما ُأنزل عليهم حًّقا‬
‫!آلمنوا بالقرآن‪ .‬قل ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬جواًبا لهم‪ِ :‬لَم تقتلون أنبياء هللا من قبل إن كنتم مؤمنين حًّقا بما جاؤوكم به من الحق؟‬
‫ولقد جاءكم رسولكم موسى عليه السالم باآليات الواضحات الدالة على صدقه‪ ،‬ثم بعد ذلك جعلتم العجل إلًه ا تعبدونه بعد ‪٩٢-‬‬
‫‪.‬ذهاب موسى لميقات ربه‪ ،‬وأنتم ظالمون إلشراككم باهلل‪ ،‬وهو المستحق للعبادة وحده دون سواه‬
‫واذكروا حين أخذنا عليكم عهًدا مؤكًدا باتباع موسى عليه السالم‪ ،‬وقبول ما جاء به من عند هللا‪ ،‬ورفعنا فوقكم الجبل ‪٩٣-‬‬
‫تخويًفا لكم‪ ،‬وقلنا لكم‪ :‬خذوا ما آتيناكم من التوراة بجد واجتهاد‪ ،‬واسمعوا سماع قبول وانقياد‪ ،‬وإال أسقطنا الجبل عليكم‪ ،‬فقلتم‪:‬‬
‫سمعنا بآذاننا وعصينا بأفعالنا‪ ،‬وتمكنت عبادة العجل في قلوبهم بسبب كفرهم‪ .‬قل ‪ -‬أيها النبي ‪ :-‬بئس الذي يأمركم به هذا اإليمان‬

‪.‬من الكفر باهلل إن كنتم مؤمنين‪ ،‬ألن اإليمان الحق ال يكون معه كفر‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬اليهود أعظم الناس حسًدا‪ ،‬إذ حملهم حسدهم على الكفر باهلل ورِّد ما أنزل‪ ،‬بسبب أن الرسول ﷺ لم يكن منهم •‬
‫‪.‬أن اإليمان الحق باهلل تعالى يوجب التصديق بكل ما أنزل من كتب‪ ،‬وبجميع ما أرسل من رسل •‬
‫‪.‬من أعظم الظلم اإلعراض عن الحق والهدى بعد معرفته وقيام األدلة عليه •‬
‫‪.‬من عادة اليهود نقض العهود والمواثيق‪ ،‬وهذا ديدنهم إلى اليوم •‬
‫‪١٤‬‬
‫ࣰة‬
‫ُقۡل ِإن َكاَنۡت َلُكُم ٱلَّداُر ٱۡل َٔـاِخ َر ُة ِع نَد ٱِهَّلل َخ اِلَص ِّم ن ُدوِن ٱلَّناِس َفَتَم َّنُو ۟ا ٱۡل َم ۡو َت ِإن ُكنُتۡم َصٰـِدِقیَن ‪٩٤‬‬
‫۝ َو َلن َیَتَم َّنۡو ُه َأَبَۢد ا ِبَم ا َقَّد َم ۡت ﴿‬

‫۝ َو َلَتِج َد َّنُه ۡم َأۡح َر َص ٱلَّناِس َعَلٰى َح َیٰو ࣲة َو ِم َن ٱَّلِذ یَن َأۡش َر ُكوۚ۟ا َیَو ُّد َأَح ُدُهۡم َلۡو ُیَعَّمُر َأۡل َف َسَنࣲة َو َم ا ُهَو‬ ‫َأۡی ِدیِه ۚۡم َو ٱُهَّلل َعِلیُۢم ِبٱلَّظٰـِلِم یَن ‪٩٥‬‬
‫ࣰق‬ ‫ࣰّو‬
‫۝ ُقۡل َم ن َكاَن َعُد ا ِّلِج ۡب ِر یَل َفِإَّن ۥُه َنَّز َل ۥُه َعَلٰى َقۡل ِبَك ِبِإۡذ ِن ٱِهَّلل ُم َصِّد ا ِّلَم ا‬ ‫ِبُم َز ۡح ِز ِح ِهۦ ِم َن ٱۡل َعَذاِب َأن ُیَعَّم َۗر َو ٱُهَّلل َبِص یُۢر ِبَم ا َیۡع َم ُلوَن ‪٩٦‬‬
‫ࣱّو‬ ‫ࣰّو‬ ‫ࣰد‬
‫۝ َو َلَقۡد‬ ‫۝ َم ن َكاَن َعُد ا ِهَّلِّل َو َم َلٰۤـ ِٕىَكِتِهۦ َو ُر ُسِلِهۦ َو ِج ۡب ِر یَل َو ِم یَكٰى َل َفِإَّن ٱَهَّلل َعُد ِّلۡل َكٰـِفِر یَن ‪٩٨‬‬ ‫َبۡی َن َیَد ۡی ِه َو ُه ى َو ُبۡش َر ٰى ِلۡل ُم ۡؤ ِم ِنیَن ‪٩٧‬‬
‫ࣱق‬ ‫ࣰد‬
‫۝ َو َلَّم ا‬ ‫۝ َأَو ُكَّلَم ا َعٰـَه ُدو۟ا َعۡه ا َّنَبَذ ۥُه َفِر ی ِّم ۡن ُه ۚم َبۡل َأۡك َثُر ُهۡم اَل ُیۡؤ ِم ُنوَن ‪١٠٠‬‬ ‫َأنَز ۡل َنۤا ِإَلۡی َك َء اَیٰـ ِۭت َبِّیَنٰـ ࣲۖت َو َم ا َیۡك ُفُر ِبَه ۤا ِإاَّل ٱۡل َفٰـِس ُقوَن ‪٩٩‬‬
‫ࣱق‬ ‫ࣱق‬ ‫ࣱل‬
‫۝﴾‬ ‫َج ۤا َء ُهۡم َر ُسو ِّم ۡن ِعنِد ٱِهَّلل ُم َصِّد ِّلَم ا َم َعُه ۡم َنَبَذ َفِر ی ِّم َن ٱَّلِذ یَن ُأوُتو۟ا ٱۡل ِك َتٰـ َب ِك َتٰـ َب ٱِهَّلل َو َر ۤا َء ُظُه وِر ِه ۡم َكَأَّنُه ۡم اَل َیۡع َلُم وَن ‪١٠١‬‬
‫][البقرة‪١٠١-٩٤ :‬‬

‫قل ‪ -‬أيها النبي ‪ :-‬إن كانت لكم ‪ -‬يا يهود ‪ -‬الجنة في الدار اآلخرة خالصة ال يدخلها غيركم من الناس‪ ،‬فتمنوا الموت ‪٩٤-‬‬
‫‪.‬واطلبوه‪ ،‬لتنالوا هذه المنزلة بسرعة‪ ،‬وتستريحوا من أعباء الحياة الدنيا وهمومها‪ ،‬إن كنتم صادقين في دعواكم هذه‬
‫ولن يتمنوا
الموت أبًدا‪ ،‬بسبب ما قدموه في حياتهم من الكفر باهلل‪ ،‬وتكذيب رسله‪ ،‬وتحريف كتبه‪ ،‬وهللا عليم بالظالمين ‪٩٥-‬‬
‫‪.‬منهم ومن غيرهم‪ ،‬وسيجازي كاًّل بعمله‬
‫ولَتِج َدّن ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬اليهوَد أشَّد الناس حرًص ا على الحياة مهما كانت حقيرة ذليلة‪ ،‬بل
هم أحرص من المشركين الذين ‪٩٦-‬‬
‫ال يؤمنون بالبعث والحساب‪ ،‬ومع كونهم أهَل كتاب‪ ،‬ويؤمنون بالبعث والحساب‪ ،‬فإن الواحد منهم يحب أن يبلغ عمره ألف سنة‪،‬‬
‫‪.‬وليس بُم ْبِع ِده عن عذاب هللا طوُل عمره مهما بلغ‪ ،‬وهللا مَّطلع على أعمالهم بصير بها‪ ،‬ال يخفى عليه منها شيء‪ ،‬وسيجازيهم بها‬
‫قل ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬لمن قال من اليهود‪« :‬إن جبريل عدونا من المالئكة»‪ :‬من كان معادًيا لجبريل فإنه هو الذي َنَز َل ‪٩٧-‬‬ ‫

‫بالقرآن على قلبك بإذن من هللا‪ ،‬مصدًقا لما سبق من الكتب اإللهية‪ ،‬كالتوراة واإلنجيل‪ ،‬ودااًّل على الخير‪ ،‬ومبّشًر ا للمؤمنين بما‬
‫‪.‬أعده هللا لهم من النعيم‪ ،‬فمن كان معادًيا لمن هذه صفته وعمله فهو من الضالين‬


‫ومعادًيا للَم َلكين الُم َقّر َبْين‪ :‬جبريل وميكائيل‪ ،‬فإن هللا عدو للكافرين منكم ومن ‪٩٨-‬‬ ‫من كان معادًيا هلل ومالئكته ورسله‪،‬‬
‫‪.‬غيركم‪ ،‬ومن كان هللا عدوه فقد عاد بالخسران المبين‬
‫ولقد أنزلنا إليك ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬عالمات واضحات على صدقك فيما جئت به من النبوة والوحي‪ ،‬وما يكفر بها مع ‪٩٩-‬‬
‫‪.‬وضوحها وبيانها إال الخارجون عن دين هللا‬
‫دلت عليه التوراة من نبوة محمد ﷺ ‪١٠٠-‬‬ ‫ومن سوء حال اليهود أنهم كلما أخذوا على أنفسهم عهًدا ‪ -‬ومن جملته اإليمان بما

‫‪ -.‬نقضه فريق منهم‪ ،‬بل أكثر هؤالء اليهود ال يؤمنون بما أنزل هللا تعالى حقيقة‪ ،‬ألن اإليمان يحمل على الوفاء بالعهد‬
‫جاءهم محمد ﷺ رسواًل من عند هللا وهو موافق لما في التوراة من صفته‪ ،‬أعرض فريق منهم عما دلت عليه‪١٠١- ،‬‬ ‫ولما


‪.‬وطرحوها وراء ظهورهم غير مبالين بها‪ ،‬مشابهين حال الجاهل الذي ال ينتفع بما فيها من الحق والهدى‪ ،‬فال يبالي بها‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬المؤمن الحق يرجو ما عند هللا من النعيم المقيم‪ ،‬ولهذا يفرح بلقاء هللا وال
يخشى الموت •‬
‫‪ِ.‬ح رص اليهود على الحياة الدنيا حتى لو كانت حياة حقيرة مهينة غير كريمة •‬ ‫

‫‪.‬أّن من عادى أولياء هللا المقربين منه فقد عادى هللا تعالى •‬ ‫

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪12/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫‪.‬إعراض اليهود عن نبوة محمد ﷺ بعدما عرفوا تصديقه لما في أيديهم من الكتب •‬
‫‪.‬أَن من لم ينتفع بعلمه صح أن يوصف بالجهل‪ ،‬ألنه شابه الجاهل في جهله •‬
‫‪١٥‬‬

‫َو ٱَّتَبُعو۟ا َم ا َتۡت ُلو۟ا ٱلَّشَیٰـِط یُن َعَلٰى ُم ۡل ِك ُسَلۡی َم ٰـ َۖن َو َم ا َكَفَر ُسَلۡی َم ٰـ ُن َو َلٰـِك َّن ٱلَّشَیٰـِط یَن َكَفُر و۟ا ُیَعِّلُم وَن ٱلَّناَس ٱلِّس ۡح َر َو َم ۤا ُأنِز َل َعَلى﴿‬
‫ࣱة‬
‫ٱۡل َم َلَكۡی ِن ِبَباِبَل َهٰـ ُر وَت َو َم ٰـ ُر وَۚت َو َم ا ُیَعِّلَم اِن ِم ۡن َأَح ٍد َح َّتٰى َیُقوۤاَل ِإَّنَم ا َنۡح ُن ِفۡت َن َفاَل َتۡك ُفۖۡر َفَیَتَعَّلُم وَن ِم ۡن ُه َم ا َم ا ُیَفِّر ُقوَن ِبِهۦ َبۡی َن ٱۡل َم ۡر ِء‬
‫ِبِهۦ ِم ۡن َأَح ٍد ِإاَّل ِبِإۡذ ِن ٱِۚهَّلل َو َیَتَعَّلُم وَن َم ا َیُض ُّر ُهۡم َو اَل َینَفُعُه ۚۡم َو َلَقۡد َعِلُم و۟ا َلَم ِن ٱۡش َتَر ٰى ُه َم ا َل ۥُه ِفی ٱۡل َٔـاِخ َر ِة ِم ۡن‬ ‫َو َز ۡو ِج ۚۦِه َو َم ا ُهم ِبَض ۤا ِّر یَن‬
‫ࣱة‬
‫۝ َو َلۡو َأَّنُه ۡم َء اَم ُنو۟ا َو ٱَّتَقۡو ۟ا َلَم ُثوَب ِّم ۡن ِعنِد ٱِهَّلل َخۡی ࣱۚر َّلۡو َكاُنو۟ا َیۡع َلُم وَن ‪١٠٣‬‬
‫۝‬ ‫ِب ۤۦِه َأنُفَسُه ۚۡم َلۡو َكاُنو۟ا َیۡع َلُم وَن ‪١٠٢‬‬ ‫َخ َلٰـ ࣲۚق َو َلِبۡئ َس َم ا َشَر ۡو ۟ا‬
‫ࣱم‬
‫۝ َّم ا َیَو ُّد ٱَّلِذ یَن َكَفُر و۟ا ِم ۡن َأۡه ِل ٱۡل ِك َتٰـ ِب َو اَل‬‫َتُقوُلو۟ا َر⁠ٰ ِع َنا َو ُقوُلو۟ا ٱنُظۡر َنا َو ٱۡس َمُعوۗ۟ا َو ِلۡل َكٰـِفِر یَن َعَذاٌب َأِلی ‪١٠٤‬‬ ‫َیٰۤـ َأُّیَه ا ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا اَل‬

‫[البقرة‪١٠٥-١٠٢ :‬‬ ‫]ٱۡل ُم ۡش ِر ِك یَن َأن ُیَنَّز َل َعَلۡی ُكم ِّم ۡن َخۡی ࣲر ِّم ن َّر ِّبُكۚۡم َو ٱُهَّلل َیۡخ َتُّص ِبَر ۡح َم ِتِهۦ َم ن َیَشۤا ُۚء َو ٱُهَّلل ُذو ٱۡل َفۡض ِل ٱۡل َعِظ یِم ‪١٠٥‬‬
‫۝﴾‬

‫ولما تركوا دين هللا اتبعوا بداًل عنه ما َتَتَقَّو ُلُه الشياطين كذًبا على ُم لك نبي هللا سليمان عليه السالم‪ ،‬حيث زعمت أنه ‪١٠٢-‬‬
‫َثّبت ملكه بالسحر‪ ،‬وما كفر سليمان بتعاطي السحر ‪ -‬كما زعمت اليهود ‪ -‬ولكن الشياطين كفروا حيث كانوا يعِّلمون الناس‬
‫السحر‪ ،‬ويعلمونهم السحر الذي ُأنزل على المَلكين‪ :‬هاروت وماروت‪ ،‬بمدينة بابل بالعراق‪ ،‬امتحاًنا وابتالء للناس‪ ،‬وما كان هذان‬
‫الملكان ُيَعِّلمان أّي أحد السحر حتى يحّذراه ويبِّينا له بقولهما‪ :‬إنما نحن ابتالء وامتحان للناس فال تكفر بتعلمك السحر‪ ،‬فمن لم‬
‫يقبل نصحهما تعَّلم منهما السحر‪ ،‬ومنه نوع يفرق بين الرجل وزوجته‪ ،‬بزرع البغضاء بينهما‪ ،‬وما يضر أولئك السحرة أَّي أحد‬
‫إال بإذن هللا ومشيئته‪ ،‬ويتعلمون ما يضرهم وال ينفعهم‪ ،‬ولقد علم أولئك اليهود أن من استبدل السحر بكتاب هللا ما له في اآلخرة‬
‫من حظ وال نصيب‪ ،‬ولبئس ما باعوا به أنفسهم حيث استبدلوا السحر بوحي هللا وشرعه‪ ،‬ولو كانوا يعلمون ما ينفعهم ما أقدموا‬
‫‪.‬على هذا العمل الَم ِشين والضالل المبين‬
‫ولو أن اليهود آمنوا باهلل حًّقا‪ ،‬واتقوه بفعل طاعته وترك معصيته‪ ،‬لكان ثواب هللا خيًر ا لهم مما هم عليه‪ ،‬لو كانوا ‪١٠٣-‬‬
‫‪.‬يعلمون ما ينفعهم‬
‫يوجه هللا تعالى المؤمنين إلى حسن اختيار األلفاظ قائاًل لهم‪ :‬يا أيها الذين آمنوا ال تقولوا كلمة‪﴿ :‬راِع نا﴾‪ ،‬أي‪ :‬راع ‪١٠٤-‬‬
‫أحوالنا‪ ،‬ألن اليهود يحرفونها ويخاطبون بها النبي ﷺ‪ ،‬يقصدون بها معًنى فاسًدا وهو الرعونة‪ ،‬فنهى هللا عن هذه الكلمة سًّدا لهذا‬
‫الباب‪ ،‬وأمر عباده أن يقولوا بداًل عنها‪﴿ :‬اْنُظْر نا﴾‪ ،‬أي‪ :‬انتظرنا نفهم عنك ما تقول‪ ،‬وهي كلمة تؤدي المعنى بال محذور‪.‬‬
‫‪.‬وللكافرين باهلل عذاب مؤلم موجع‬
‫ما يحب الكفار ‪ -‬أًّيا كانوا‪ :‬أهل كتاب أو مشركين ‪ -‬أن ُيَنَّز َل عليكم أّي خير من ربكم‪ ،‬قلياًل كان أو كثيًر ا‪ ،‬وهللا يختص ‪١٠٥-‬‬
‫برحمته من النبوة والوحي واإليمان من يشاء من عباده‪ ،‬وهللا صاحب الفضل العظيم‪ ،‬فال خيَر يناُل أحًدا من الخلق إال منه‪ ،‬ومن‬

‪.‬فضله َبْعُث الرسول وإنزاُل الكتاب‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬سوء أدب اليهود مع أنبياء هللا حيث نسبوا إلى سليمان عليه السالم تعاطي السحر‪ ،‬فبّر أه هللا منه‪ ،‬وَأْكَذَبهم في زعمهم •‬
‫‪.‬أن السحر له حقيقة وتأثير في العقول واألبدان‪ ،‬والساحر كافر‪ ،‬وحكمه القتل •‬
‫‪.‬ال يقع في ملك هللا تعالى شيء من الخير والشر إال بإذنه وعلمه تعالى •‬
‫‪.‬سد الذرائع من مقاصد الشريعة‪ ،‬فكل قول أو فعل يوهم أموًر ا فاسدة يجب تجنبه والبعد عنه •‬
‫‪.‬أن الفضل بيد هللا تعالى وهو الذي يختص به من يشاء برحمته وحكمته •‬
‫‪١٦‬‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪13/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫َم ا َننَسۡخ ِم ۡن َء اَیٍة َأۡو ُننِسَه ا َنۡأ ِت ِبَخۡی ࣲر ِّم ۡن َه ۤا َأۡو ِم ۡث ِلَه ۗۤا َأَلۡم َتۡع َلۡم َأَّن ٱَهَّلل َعَلٰى ُكِّل َشۡی ࣲء َقِدیٌر ‪١٠٦‬‬
‫۝ َأَلۡم َتۡع َلۡم َأَّن ٱَهَّلل َل ۥُه ُم ۡل ُك ۞﴿‬

‫۝ َأۡم ُتِر یُدوَن َأن َتۡس َٔـُلو۟ا َر ُسوَلُكۡم َكَم ا ُسِٕىَل ُم وَسٰى ِم ن َقۡب ُۗل َو َم ن‬ ‫ٱلَّسَم ٰـ َوٰ ⁠ِت َو ٱَأۡلۡر ِۗض َو َم ا َلُكم ِّم ن ُدوِن ٱِهَّلل ِم ن َو ِلࣲّی َو اَل َنِص یٍر ‪١٠٧‬‬
‫ࣰد‬ ‫ࣱر‬
‫۝ َو َّد َكِثی ِّم ۡن َأۡه ِل ٱۡل ِك َتٰـ ِب َلۡو َیُر ُّدوَنُكم ِّم ۢن َبۡع ِد ِإیَم ٰـِنُكۡم ُكَّفاًر ا َحَس ا ِّم ۡن ِعنِد َأنُفِس ِه م‬ ‫َیَتَبَّد ِل ٱۡل ُكۡف َر ِبٱِإۡل یَم ٰـ ِن َفَقۡد َض َّل َسَو ۤا َء ٱلَّسِبیِل ‪١٠٨‬‬
‫ࣱر‬
‫۝ َو َأِقی و۟ا ٱلَّص َلٰو َة َو َء اُتو۟ا ٱلَّز َكٰو َۚة‬
‫ُم‬ ‫ِّم ۢن َبۡع ِد َم ا َتَبَّیَن َلُه ُم ٱۡل َح ُّۖق َفٱۡع ُفو۟ا َو ٱۡص َفُح و۟ا َح َّتٰى َیۡأ ِتَی ٱُهَّلل ِبَأۡم ِر ۗۤۦِه ِإَّن ٱَهَّلل َعَلٰى ُكِّل َشۡی ࣲء َقِدی ‪١٠٩‬‬
‫۝ َو َقاُلو۟ا َلن َیۡد ُخ َل ٱۡل َج َّنَة ِإاَّل َم ن َكاَن ُهوًدا َأۡو َنَصٰـ َر ٰۗى‬ ‫ࣱر‬
‫َو َم ا ُتَقِّد ُم و۟ا َأِلنُفِسُكم ِّم ۡن َخۡی ࣲر َتِج ُدوُه ِع نَد ٱِۗهَّلل ِإَّن ٱَهَّلل ِبَم ا َتۡع َم ُلوَن َبِص ی ‪١١٠‬‬
‫ࣱن‬
‫ِتۡل َك َأَم اِنُّیُه ۗۡم ُقۡل َهاُتو۟ا ُبۡر َهٰـ َنُكۡم ِإن ُكنُتۡم َصٰـِدِقیَن ‪١١١‬‬
‫۝ َبَلٰۚى َم ۡن َأۡس َلَم َو ۡج َه ۥُه ِهَّلِل َو ُهَو ُم ۡح ِس َفَل ۤۥُه َأۡج ُر ۥُه ِع نَد َر ِّبِهۦ َو اَل َخۡو ٌف َعَلۡی ِه ۡم َو اَل‬

‫[البقرة‪١١٢-١٠٦ :‬‬ ‫]ُهۡم َیۡح َز ُنوَن ‪١١٢‬‬


‫۝﴾‬

‫يبين هللا تعالى أنه حين يرفع حكم آية من القرآن أو يرفع لفظها فينساها الناس‪ ،‬فإنه سبحانه يأتي بما هو أنفع منها في ‪١٠٦-‬‬
‫العاجل واآلجل‪ ،‬أو بما هو مماثل لها‪ ،‬وذلك بعلم هللا وحكمته‪ ،‬وأنت تعلم ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬أن هللا على كل شيء قدير‪ ،‬فيفعل ما‬
‫‪.‬يشاء‪ ،‬وَيْح ُكُم ما يريد‬
‫قد علمت ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬أن هللا هو مالك السماوات واألرض‪ ،‬يحكم ما يريد‪ ،‬فيأمر عباده بما شاء‪ ،‬وينهاهم عما شاء‪١٠٧- ،‬‬
‫وُيقِّر ر من الشرع ما شاء وينسخ ما شاء‪ ،‬وما لكم بعد هللا من ولي يتولى أموركم‪ ،‬وال نصير يدفع عنكم الضر‪ ،‬بل هللا هو ولي‬
‫‪.‬ذلك كله والقادر عليه‬
‫ليس من شأنكم ‪ -‬أيها المؤمنون ‪ -‬أن تسألوا رسولكم ‪ -‬سؤال اعتراض وتَعُّنت ‪ -‬كما سأل قوم موسى نبيهم من قبل‪١٠٨- ،‬‬
‫‪.‬كقولهم‪﴿ :‬أِر نا َهَّللا َجْه َر ًة﴾ [النساء ‪ ،]١٥٣‬ومن يستبدل الكفر باإليمان فقد ضل عن الطريق الوسط الذي هو الصراط المستقيم‬
‫تمنى كثير من اليهود والنصارى أن يرُّدوكم من بعد إيمانكم كفاًر ا كما كنتم تعبدون األوثان‪ ،‬بسبب الحسد الذي في ‪١٠٩-‬‬
‫أنفسهم‪ ،‬يتمنون ذلك بعدما تبين لهم أن الذي جاء به النبي حق من هللا‪ ،‬فاعفوا ‪ -‬أيها المؤمنون ‪ -‬عن أفعالهم‪ ،‬وتجاوزوا عن‬
‫جهلهم وسوء ما في نفوسهم‪ ،‬حتى يأتي حكم هللا فيهم ‪ -‬وقد أتى أمر هللا هذا وحكمه‪ ،‬فكان الكافر ُيخَّيُر بين اإلسالم أو دفع الجزية‬
‫‪.‬أو القتال ‪ -‬إن هللا على كل شيء قدير‪ ،‬فال يعجزونه‬
‫‪:‬ثم بعد أمر هللا تعالى المؤمنين بالصبر على األذى أمرهم بالثبات على دينهم‪ ،‬وتقوية إيمانهم‪ ،‬فقال ‪١١٠-‬‬
‫أّدوا الصالة تامة بأركانها وواجباتها وسننها‪ ،‬وأخرجوا زكاة أموالكم إلى مستحقيها‪ ،‬ومهما تعملوا من عمل صالح في‬
‫حياتكم‪ ،‬فتقدموه قبل مماتكم ذخًر ا ألنفسكم‪ ،‬تجدوا ثوابه عند ربكم يوم القيامة‪ ،‬فيجازيكم به‪ ،‬إن هللا بما تعملون بصير فيجازي كاًّل‬
‫‪.‬بعمله‬
‫وقالت كل طائفة من اليهود والنصارى‪ :‬إن الجنة خاصة بهم‪ ،‬فقال اليهود‪ :‬لن يدخلها إال من كان يهودًّيا‪ ،‬وقال ‪١١١-‬‬
‫النصارى‪ :‬لن يدخلها إال من كان نصرانًّيا‪ ،‬تلك أمنياتهم الباطلة وأوهامهم الفاسدة‪ ،‬قل ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬راًّدا عليهم‪ :‬هاتوا حجتكم‬
‫‪.‬على ما تزعمون إن كنتم صادقين حًّقا في دعواكم‬
‫إنما يدخل الجنة كل من أخلص هلل متوجًه ا إليه‪ ،‬وهو ‪ -‬مع إخالصه ‪ -‬محسٌن في عبادته باتباع ما جاء به الرسول‪١١٢- ،‬‬
‫فذاك الذي يدخل الجنة من أي طائفة كان‪ ،‬وله ثوابه عند ربه‪ ،‬وال خوف عليهم فيما يستقبلون من اآلخرة‪ ،‬وال هم يحزنون على‬

‪.‬ما فاتهم من الدنيا‪ .‬وهي أوصاف ال تتحقق بعد مجيء النبي محمد ﷺ إّال في المسلمين‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬أن األمر كله هلل‪ ،‬فيبدل ما يشاء من أحكامه وشرائعه‪ ،‬ويبقي ما يشاء منها‪ ،‬وكل ذلك بعلمه وحكمته •‬
‫‪َ.‬حَسُد كثيٍر من أهل الكتاب هذه األمة‪ ،‬لما خَّص ها هللا من اإليمان واتباع الرسول‪ ،‬حتى تمنوا رجوعها إلى الكفر كما كانت •‬
‫‪١٧‬‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪14/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫َو َقاَلِت ٱۡل َیُه وُد َلۡی َسِت ٱلَّنَصٰـ َر ٰى َعَلٰى َشۡی ࣲء َو َقاَلِت ٱلَّنَصٰـ َر ٰى َلۡی َسِت ٱۡل َیُه وُد َعَلٰى َشۡی ࣲء َو ُهۡم َیۡت ُلوَن ٱۡل ِك َتٰـ َۗب َكَذٰ ⁠ِلَك َقاَل ٱَّلِذ یَن اَل ﴿‬
‫۝ َو َم ۡن َأۡظ َلُم ِم َّم ن َّم َنَع َم َسٰـ ِج َد ٱِهَّلل َأن ُیۡذ َكَر ِفیَه ا ٱۡس ُم ۥُه‬ ‫َیۡع َلُم وَن ِم ۡث َل َقۡو ِلِه ۚۡم َفٱُهَّلل َیۡح ُكُم َبۡی َنُه ۡم َیۡو َم ٱۡل ِقَیٰـ َم ِة ِفیَم ا َكاُنو۟ا ِفیِه َیۡخ َتِلُفوَن ‪١١٣‬‬
‫ࣱم‬
‫۝ َو ِهَّلِل ٱۡل َم ۡش ِر ُق‬ ‫َو َسَعٰى ِفی َخ َر اِبَه ۚۤا ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك َم ا َكاَن َلُه ۡم َأن َیۡد ُخُلوَهۤا ِإاَّل َخ ۤا ِٕىِفیَۚن َلُه ۡم ِفی ٱلُّد ۡن َیا ِخ ۡز ࣱی َو َلُه ۡم ِفی ٱۡل َٔـاِخ َر ِة َعَذاٌب َعِظ ی ‪١١٤‬‬
‫ࣱّل‬ ‫ࣰد‬ ‫ࣱم‬
‫۝ َو َقاُلو۟ا ٱَّتَخ َذ ٱُهَّلل َو َل ۗا ُسۡب َحٰـ َن ۖۥُه َبل َّل ۥُه َم ا ِفی ٱلَّسَم ٰـ َوٰ ⁠ِت َو ٱَأۡلۡر ِۖض ُك َّل ۥُه‬‫َو ٱۡل َم ۡغ ِر ُۚب َفَأۡی َنَم ا ُتَو ُّلو۟ا َفَثَّم َو ۡج ُه ٱِۚهَّلل ِإَّن ٱَهَّلل َو⁠ٰ ِسٌع َعِلی ‪١١٥‬‬
‫۝ َو َقاَل ٱَّلِذ یَن اَل َیۡع َلُم وَن َلۡو اَل ُیَكِّلُم َنا ٱُهَّلل َأۡو َتۡأ ِتیَنۤا‬ ‫ࣰر‬
‫۝ َبِدیُع ٱلَّسَم ٰـ َوٰ ⁠ِت َو ٱَأۡلۡر ِۖض َو ِإَذا َقَض ٰۤى َأۡم ا َفِإَّنَم ا َیُقوُل َل ۥُه ُكن َفَیُكوُن ‪١١٧‬‬ ‫َقٰـِنُتوَن ‪١١٦‬‬
‫ࣰر‬ ‫ࣰر‬ ‫ࣱۗة‬
‫۝ ِإَّنۤا َأۡر َسۡل َنٰـ َك ِبٱۡل َح ِّق َبِشی ا َو َنِذی ۖا َو اَل‬ ‫َء اَی َكَذٰ ⁠ِلَك َقاَل ٱَّلِذ یَن ِم ن َقۡب ِلِه م ِّم ۡث َل َقۡو ِلِه ۘۡم َتَشٰـَبَه ۡت ُقُلوُبُه ۗۡم َقۡد َبَّیَّنا ٱۡل َٔـاَیٰـِت ِلَقۡو ࣲم ُیوِقُنوَن ‪١١٨‬‬
‫[البقرة‪١١٩-١١٣ :‬‬ ‫]ُتۡس َٔـُل َعۡن َأۡص َحٰـ ِب ٱۡل َجِح یِم ‪١١٩‬‬
‫۝﴾‬

‫وقالت اليهود‪ :‬ليست النصارى على دين صحيح‪ ،‬وقالت النصارى‪ :‬ليست اليهود على دين صحيح‪ ،‬وهم جميًعا ‪١١٣-‬‬
‫يقرؤون الكتب التي أنزلها هللا عليهم وما فيها من األمر باإليمان بكل األنبياء دون تفريق‪ ،‬مشابهين في فعلهم هذا قول الذين ال‬
‫يعلمون من المشركين‪ ،‬حين كَّذبوا بالرسل كلهم وبما ُأنزل عليهم من الكتب‪ ،‬فلهذا يحكم هللا بين الُم خَتِلفين جميًعا يوم القيامة‪،‬‬
‫‪.‬بحكمه العدل الذي أخبر به عباده‪ :‬بأنه ال فوز إال باإليمان بكل ما أنزل هللا تعالى‬
‫ال أحد أشُّد ظلًم ا من الذي منع أن يذكر اسم هللا في مساجده‪َ ،‬فَم َنَع الصالة والذكر وتالوة القرآن فيها‪ ،‬وسعى جاهًدا ‪١١٤-‬‬
‫متسّبًبا في خرابها وإفسادها‪ ،‬بهدمها أو المنع من أداء العبادة فيها‪ ،‬أولئك الساعون في خرابها ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد‬
‫هللا إال خائفين ترجف أفئدتهم‪ ،‬لما هم عليه من الكفر والصد عن مساجد هللا‪ ،‬لهم في الحياة الدنيا ذل وهوان على أيدي المؤمنين‪،‬‬
‫‪.‬ولهم في اآلخرة عذاب عظيم على منعهم الناس من مساجد هللا‬
‫وهلل ملك المشرق والمغرب وما بينهما‪َ ،‬يأُم ر عباده بما شاء‪ ،‬فحيثما تتوجهون فإنكم تستقبلون هللا تعالى‪ ،‬فإْن أمركم ‪١١٥-‬‬
‫باستقبال بيت المقدس أو الكعبة‪ ،‬أو أخطأتم في القبلة‪ ،‬أو َشَّق عليكم استقبالها‪ ،‬فال حرج عليكم‪ ،‬ألن الجهات كلها هلل تعالى‪ ،‬إن هللا‬
‫‪.‬واسع يسع َخ ْلَقُه برحمته وتيسيره‪ ،‬عليم بنياتهم وأفعالهم‬
‫وقال اليهود والنصارى والمشركون‪ :‬اتخذ هللا له ولًدا! تنّز ه وتقّدس عن ذلك‪ ،‬فهو الغني عن خلقه‪ ،‬وإنما يتخذ الولد ‪١١٦-‬‬
‫من يحتاج إليه‪ ،‬بل له سبحانه وتعالى ملك ما في السماوات واألرض‪ ،‬كل الخالئق عبيد له سبحانه‪ ،‬خاضعون له‪ ،‬يتصرف فيهم‬
‫‪.‬بما يشاء‬
‫وهللا سبحانه ُم نشئ السماوات واألرض وما فيهما على غير مثال سابق‪ ،‬وإذا قّدر أمًر ا وأراده فإنما يقول لذلك األمر‪١١٧- :‬‬
‫‪ُ﴿.‬كْن ﴾‪ ،‬فيكون على ما أراد هللا أن يكون‪ ،‬ال راَّد ألمره وقضائه‬
‫وقال الذين ال يعلمون من أهل الكتاب والمشركين عناًدا للحق‪ِ :‬لَم ال يكلمنا هللا دون واسطة‪ ،‬أو تأتينا عالمة حسية ‪١١٨-‬‬
‫خاصة بنا؟ ومثل قولهم هذا قالت األمم المكذبة من َقبُل لرسلها‪ ،‬وإن اختلفت أزمنتهم وأمكنتهم‪ ،‬قد أوضحنا اآليات لقوم يوقنون‬
‫‪.‬بالحق إذا ظهر لهم‪ ،‬ال يعتريهم شك‪ ،‬وال يمنعهم عناد‬
‫إنا أرسلناك ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬بالدين الحق الذي ال ِم ْر َيَة فيه‪ ،‬لتبشر المؤمنين بالجنة‪ ،‬وتنذر الكافرين بالنار‪ ،‬وليس عليك ‪١١٩-‬‬

‪.‬إال البالغ المبين‪ ،‬ولن يسألك هللا عن الذين لم يؤمنوا بك من أصحاب الجحيم‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬الكفر ملة واحدة وإن اختلفت أجناس أهله وأماكنهم‪ ،‬فهم يتشابهون في كفرهم وقولهم على هللا بغير علم •‬
‫‪.‬أعظم الناس ُجْر ًم ا وأشدهم إثًم ا من يصد عن سبيل هللا‪ ،‬ويمنع من أراد فعل الخير •‬
‫‪.‬تنّز ه هللا تعالى عن الصاحبة والولد‪ ،‬فهو سبحانه ال يحتاج لخلقه •‬
‫‪١٨‬‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪15/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫َو َلن َتۡر َض ٰى َعنَك ٱۡل َیُه وُد َو اَل ٱلَّنَصٰـ َر ٰى َح َّتٰى َتَّتِبَع ِم َّلَتُه ۗۡم ُقۡل ِإَّن ُهَدى ٱِهَّلل ُهَو ٱۡل ُه َد ٰۗى َو َلِٕىِن ٱَّتَبۡع َت َأۡه َو ۤا َء ُهم َبۡع َد ٱَّلِذی َج ۤا َء َك ِم َن ﴿‬

‫ِتِه ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك ُیۡؤ ِم ُنوَن ِب ۗۦِه َو َم ن َیۡك ُفۡر ِبِهۦ َفُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك ُهُم‬ ‫۝ ٱَّلِذ یَن َء اَتۡی َنٰـُه ُم ٱۡل ِك َتٰـ َب َیۡت ُلوَن ۥُه َحَّق ِتاَل َو ۤۦ‬
‫ٱۡل ِع ۡل ِم َم ا َلَك ِم َن ٱِهَّلل ِم ن َو ِلࣲّی َو اَل َنِص یٍر ‪١٢٠‬‬
‫ࣰم‬
‫۝ َو ٱَّتُقو۟ا َیۡو ا اَّل َتۡج ِز ی َنۡف ٌس َعن‬ ‫۝ َیٰـَبِنۤی ِإۡس َرٰ ۤ⁠ِء یَل ٱۡذ ُكُر و۟ا ِنۡع َم ِتَی ٱَّلِتۤی َأۡن َعۡم ُت َعَلۡی ُكۡم َو َأِّنی َفَّض ۡل ُتُكۡم َعَلى ٱۡل َعٰـ َلِم یَن ‪١٢٢‬‬ ‫ٱۡل َخ ٰـِس ُر وَن ‪١٢١‬‬
‫ࣱة‬ ‫ࣱل‬ ‫ࣰٔـ‬
‫۝ ۞ َو ِإِذ ٱۡب َتَلٰۤى ِإۡب َرٰ ⁠ِهۧـ َم َر ُّب ۥُه ِبَكِلَم ٰـ ࣲت َفَأَتَّم ُه َّۖن َقاَل ِإِّنی َج اِع ُلَك‬ ‫َّنۡف ࣲس َشۡی ا َو اَل ُیۡق َبُل ِم ۡن َه ا َعۡد َو اَل َتنَفُعَه ا َشَفٰـَع َو اَل ُهۡم ُینَص ُر وَن ‪١٢٣‬‬
‫ࣰن‬ ‫ࣰة‬ ‫ࣰم‬
‫ٰ ‬
‫⁠ِهۧـ‬ ‫ۡب‬
‫َّم ِم ِإ َر َم‬ ‫ا‬ ‫َق‬ ‫ن‬ ‫ِم‬ ‫۟ا‬‫و‬ ‫ُذ‬ ‫ِخ‬ ‫َّت‬ ‫ٱ‬ ‫َو‬ ‫ا‬ ‫ۡم‬‫َأ‬ ‫ِس َو‬ ‫ا‬‫َّن‬ ‫ل‬ ‫ِّل‬ ‫۝ َو ِإۡذ َجَعۡل َنا ٱۡل َبۡی َت َم َثاَب‬
‫ِللَّناِس ِإَم ا ۖا َقاَل َو ِم ن ُذِّر َّیِتۖی َقاَل اَل َیَناُل َعۡه ِدی ٱلَّظٰـِلِم یَن ‪١٢٤‬‬
‫ࣰّل‬
‫۝ َو ِإۡذ َقاَل ِإۡب َرٰ ⁠ِهۧـ ُم َر ِّب ٱۡج َعۡل َهٰـ َذا َبَلًدا‬ ‫ُم َص ۖى َو َعِه ۡد َنۤا ِإَلٰۤى ِإۡب َرٰ ⁠ِهۧـ َم َو ِإۡس َم ٰـِعیَل َأن َطِّه َر ا َبۡی ِتَی ِللَّطۤا ِٕىِفیَن َو ٱۡل َعٰـِكِفیَن َو ٱلُّر َّكِع ٱلُّسُجوِد ‪١٢٥‬‬
‫اࣰل‬ ‫ࣰن‬
‫َء اِم ا َو ٱۡر ُز ۡق َأۡه َل ۥُه ِم َن ٱلَّثَمَرٰ ⁠ِت َم ۡن َء اَم َن ِم ۡن ُه م ِبٱِهَّلل َو ٱۡل َیۡو ِم ٱۡل َٔـاِخ ِۚر َقاَل َو َم ن َكَفَر َفُأَمِّتُع ۥُه َقِلی ُثَّم َأۡض َطُّر ۤۥُه ِإَلٰى َعَذاِب ٱلَّناِۖر َو ِبۡئ َس‬
‫[البقرة‪١٢٦-١٢٠ :‬‬ ‫]ٱۡل َمِص یُر ‪١٢٦‬‬
‫۝﴾‬

‫يخاطب هللا نبيه موجًه ا محذًر ا قائاًل له‪ :‬لن ترضى عنك اليهود وال النصارى حتى تترك اإلسالم‪ ،‬وتتبع ما هم عليه‪١٢٠- ،‬‬
‫ولئن حصل هذا منك أو من أحد من أتباعك بعد الذي جاءك من الحق الواضح فلن تجد من هللا مناصرة أو معونة‪ ،‬وهذا من باب‬
‫‪.‬بيان خطورة ترك الحق ومجاراة أهل الباطل‬
‫يتحدث القرآن الكريم عن طائفة من أهل الكتاب يعملون بما في أيديهم من كتب منزلة ويتبعونها حَّق اتباعها‪ ،‬هؤالء ‪١٢١-‬‬
‫يجدون في هذه الكتب عالمات دالة على صدق النبي محمد ﷺ‪ ،‬ولهذا سارعوا إلى اإليمان به‪ ،‬وطائفة أخرى أصرت على كفرها‬
‫‪.‬فكان لها الخسران‬
‫يا بني إسرائيل‪ ،‬اذكروا نعمتي الدينية والدنيوية التي أنعمت بها عليكم‪ ،‬واذكروا أني فضلتكم على أهل زمانكم بالنبوة ‪١٢٢-‬‬
‫‪.‬والملك‬
‫واجعلوا بينكم وبين عذاب يوم القيامة وقايًة‪ ،‬باتباع أوامر هللا واجتناب نواهيه‪ ،‬فإنه ال ُتْغِني ‪ -‬في ذلك اليوم ‪ -‬نفٌس عن ‪١٢٣-‬‬
‫نفس شيًئا‪ ،‬وال ُيْقبل منها فيه أي فداء مهما َعُظَم ‪ ،‬وال تنفعها فيه شفاعة من أحد مهما عال مكانه‪ ،‬وليس لها نصير ينصرها من‬
‫‪.‬دون هللا‬
‫واذكر حين اختبر هللا إبراهيم عليه السالم بما أمره به من أحكام وتكاليف‪ ،‬فقام بها وأتم أداءها على أكمل وجه‪ ،‬قال ‪١٢٤-‬‬
‫هللا لنبيه إبراهيم‪ :‬إني جاعلك للناس قدوة ُيْقتدى بك في أفعالك وأخالقك‪ ،‬قال إبراهيم‪ :‬واجعل ‪ -‬يا رب ‪ -‬من ذريتي كذلك أئمة‬
‫‪.‬يقتدي بهم الناس‪ ،‬قال هللا مجيًبا إياه‪ :‬ال ينال عهدي لك باإلمامة في الدين الظالمين من ذريتك‬
‫واذكر حين جعل هللا البيت الحرام مرجًعا للناس تتعلق به قلوبهم‪ ،‬كلما رحلوا عنه رجعوا إليه‪ ،‬وجعله أمًنا لهم‪ ،‬ال ‪١٢٥-‬‬
‫ُيعَتدى عليهم فيه‪ .‬وقال للناس‪ :‬اتخذوا من الَحَج ر ‪ -‬الذي كان يقف عليه إبراهيم وهو يبني الكعبة ‪ -‬مكاًنا للصالة‪ .‬وأوصينا‬
‫إبراهيم وابنه إسماعيل بتطهير البيت الحرام من األقذار واألوثان وتهيئته لمن أراد التعبد فيه بالطواف واالعتكاف والصالة‬
‫‪.‬وغيرها‬
‫واذكر ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬حين قال إبراهيم وهو يدعو ربه‪ :‬رب اجعل مكة بلًدا آمًنا‪ ،‬ال ُيتعرض فيه ألحد بسوء‪ ،‬وارزق ‪١٢٦-‬‬
‫أهله من أنواع الثمرات‪ ،‬واجعله رزًقا خاًّص ا بالمؤمنين بك وباليوم اآلخر‪ ،‬قال هللا‪ :‬ومن كفر منهم فإني أمّتعه بما أرزقه في الدنيا‬

‪.‬متاًعا قلياًل ‪ ،‬ثم في اآلخرة ُألِج ئه ُم كرًها إلى عذاب النار‪ ،‬وبئس المصير الذي يرجع إليه يوم القيامة‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬أن المسلمين مهما فعلوا من خير لليهود والنصارى‪ ،‬فلن يرضوا حتى ُيخرجوهم من دينهم‪ ،‬ويتابعوهم على ضاللهم •‬
‫‪.‬اإلمامة في الدين ال ُتنال إال بصحة اليقين والصبر على القيام بأمر هللا تعالى •‬
‫‪.‬بركة دعوة إبراهيم عليه السالم للبلد الحرام‪ ،‬حيث جعله هللا مكاًنا آمًنا للناس‪ ،‬وتفّضل على أهله بأنواع األرزاق •‬
‫‪١٩‬‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪16/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫۝ َر َّبَنا َو ٱۡج َعۡل َنا ُم ۡس ِلَم ۡی ِن َلَك َو ِم ن ُذِّر َّیِتَنۤا ﴿‬ ‫َو ِإۡذ َیۡر َفُع ِإۡب َرٰ ⁠ِهۧـ ُم ٱۡل َقَو اِع َد ِم َن ٱۡل َبۡی ِت َو ِإۡس َم ٰـِع یُل َر َّبَنا َتَقَّبۡل ِم َّنۖۤا ِإَّنَك َأنَت ٱلَّسِم یُع ٱۡل َعِلیُم ‪١٢٧‬‬
‫اࣰل‬ ‫ࣰة‬ ‫ࣰة‬
‫ُه‬
‫ُم ُم‬ ‫ِّل‬‫َع‬‫ُی‬ ‫َو‬ ‫َك‬‫ٰـِت‬‫َی‬ ‫ا‬ ‫َء‬ ‫ۡم‬ ‫ۡی‬‫َل‬ ‫َع‬ ‫۟ا‬ ‫و‬‫ُل‬ ‫ۡت‬‫َی‬ ‫ۡم‬ ‫ُه‬ ‫ۡن‬ ‫ِّم‬ ‫و‬ ‫ُس‬ ‫ۡم‬
‫ِه َر‬ ‫ی‬ ‫ِف‬ ‫ۡث‬‫َع‬ ‫ۡب‬ ‫ٱ‬ ‫َو‬ ‫ا‬‫َن‬‫َّب‬ ‫َر‬ ‫۝‬
‫‪١٢٨‬‬ ‫ی‬ ‫ِح‬
‫ُب َّر ُم‬‫ٱل‬ ‫ا‬ ‫َّو‬‫َّت‬ ‫ٱل‬ ‫نَت‬‫َأ‬ ‫َك‬ ‫َّن‬ ‫ِإ‬ ‫ۖۤا‬‫َن‬ ‫ۡی‬‫َل‬ ‫َع‬ ‫ُتۡب‬ ‫َو‬ ‫ا‬‫َن‬ ‫َك‬ ‫ِس‬‫ا‬‫َن‬ ‫ا‬‫َن‬
‫ِر َم‬ ‫َأ‬ ‫َو‬ ‫َك‬ ‫َّل‬ ‫ُأَّم ُّم َم‬
‫ِل‬ ‫ۡس‬
‫ِه‬
‫۝ َو َم ن َیۡر َغُب َعن ِّم َّلِة ِإۡب َرٰ ⁠ِهۧـ َم ِإاَّل َم ن َسِفَه َنۡف َس ۚۥُه َو َلَقِد ٱۡص َطَفۡی َنٰـ ُه ِفی ٱلُّد ۡن َیۖا‬‫ٱۡل ِك َتٰـ َب َو ٱۡل ِح ۡك َم َة َو ُیَز ِّك یِه ۖۡم ِإَّنَك َأنَت ٱۡل َعِز یُز ٱۡل َحِك یُم ‪١٢٩‬‬

‫۝ ِإۡذ َقاَل َل ۥُه َر ُّب ۤۥُه َأۡس ِلۖۡم َقاَل َأۡس َلۡم ُت ِلَر ِّب ٱۡل َعٰـ َلِم یَن ‪١٣١‬‬
‫۝ َو َو َّص ٰى ِبَه ۤا ِإۡب َرٰ ⁠ِهۧـ ُم َبِنیِه َو َیۡع ُقوُب َیٰـَبِنَّی ِإَّن‬ ‫َو ِإَّن ۥُه ِفی ٱۡل َٔـاِخ َر ِة َلِم َن ٱلَّصٰـِلِح یَن ‪١٣٠‬‬

‫۝ َأۡم ُكنُتۡم ُشَه َد ۤا َء ِإۡذ َح َض َر َیۡع ُقوَب ٱۡل َم ۡو ُت ِإۡذ َقاَل ِلَبِنیِه َم ا َتۡع ُبُدوَن ِم ۢن َبۡع ِد ۖی‬ ‫ٱَهَّلل ٱۡص َطَفٰى َلُكُم ٱلِّد یَن َفاَل َتُم وُتَّن ِإاَّل َو َأنُتم ُّم ۡس ِلُم وَن ‪١٣٢‬‬
‫ࣱة‬ ‫ࣰد‬ ‫ࣰه‬
‫۝ ِتۡل َك ُأَّم َقۡد َخَلۖۡت َلَه ا َم ا َكَسَبۡت َو َلُكم‬ ‫َقاُلو۟ا َنۡع ُبُد ِإَلٰـَه َك َو ِإَلٰـ َه َء اَبۤا ِٕىَك ِإۡب َرٰ ⁠ِهۧـ َم َو ِإۡس َم ٰـِعیَل َو ِإۡس َحٰـَق ِإَلٰـ ا َو⁠ٰ ِح ا َو َنۡح ُن َل ۥُه ُم ۡس ِلُم وَن ‪١٣٣‬‬
‫[البقرة‪١٣٤-١٢٧ :‬‬ ‫]َّم ا َكَسۡب ُتۖۡم َو اَل ُتۡس َٔـُلوَن َعَّم ا َكاُنو۟ا َیۡع َم ُلوَن ‪١٣٤‬‬
‫۝﴾‬

‫واذكر ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬حين كان يرفع إبراهيم وإسماعيل أسس الكعبة‪ ،‬وهما يقوالن ‪ -‬في خضوع وتذلل ‪ :-‬ربنا تقبل ‪١٢٧-‬‬
‫‪.‬منا أعمالنا ‪ -‬ومنها بناء هذا البيت ‪ -‬إنك أنت المجيب لدعائنا‪ ،‬العليم بنياتنا وأعمالنا‬
‫ربنا واجعلنا ُم سَتسِلَم ين ألمرك‪ ،‬خاضَعين لك‪ ،‬ال نشرك معك أحًدا‪ ،‬واجعل من ذريتنا أمة مستسلمة لك‪ ،‬وعِّر فنا ‪١٢٨-‬‬
‫‪.‬عبادتك كيف تكون‪ ،‬وتجاوز عن سيئاتنا وتقصيرنا في طاعتك‪ ،‬إنك أنت التواب على من تاب من عبادك‪ ،‬الرحيم بهم‬
‫ربنا وابعث فيهم رسواًل منهم من ذرية إسماعيل‪ ،‬يتلو عليهم آياتك المنزلة‪ ،‬ويعلمهم القرآن والُّسَّنة‪ ،‬ويطهرهم من ‪١٢٩-‬‬
‫‪.‬الشرك والرذائل‪ ،‬إنك أنت القوي الغالب‪ ،‬الحكيم في أفعالك وأحكامك‬
‫وال أحد ينصرف عن دين إبراهيم عليه السالم إلى غيره من األديان إال من ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبيره بتركه الحق ‪١٣٠-‬‬
‫إلى الضالل‪ ،‬ورضي لها بالهوان‪ .‬ولقد اخترناه في الدنيا رسواًل وخلياًل ‪ ،‬وإنه في اآلخرة لمن الصالحين الذين أدوا ما أوجب هللا‬
‫‪.‬عليهم‪ ،‬فنالوا أعلى الدرجات‬
‫اختاره هللا لمسارعته إلى اإلسالم حين قال له ربه‪ :‬أخلص لي العبادة‪ ،‬واخضع لي بالطاعة‪ ،‬فقال مجيًبا ربه‪ :‬أسلمت ‪١٣١-‬‬
‫‪.‬هلل خالق العباد ورازقهم ومدبر شؤونهم‬
‫ووّص ى إبراهيُم أبناءه بهذه الكلمة‪﴿ :‬أْس َلْم ُت ِلَر ِّب العاَلِم يَن ﴾‪ ،‬ووّص ى بها كذلك يعقوُب أبناءه‪ ،‬قاال مناديين أبناءهما‪ :‬إن ‪١٣٢-‬‬
‫‪.‬هللا اختار لكم دين اإلسالم‪ ،‬فاستمسكوا به حتى يأتيكم الموت‪ ،‬وأنتم مسلمون هلل ظاهًر ا وباطًنا‬
‫أم كنتم حاضرين خبر يعقوب حين حضرته الوفاة‪ ،‬حين قال ألبنائه سائاًل إياهم‪ :‬ما تعبدون من بعد موتي؟ قالوا جواًبا ‪١٣٣-‬‬
‫‪.‬لسؤاله‪ :‬نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق‪ ،‬إلًه ا واحًدا ال شريك له‪ ،‬ونحن له وحده مستسلمون ومنقادون‬
‫تلك أمة قد مضْت فيمن مضى قبلكم من األمم‪ ،‬وأْفَض ْت إلى ما َقَّدَم ْت من عمل‪ ،‬فلها ما كسبت من َح سن أو سيئ‪ ،‬ولكم ‪١٣٤-‬‬
‫ما كسبتم‪ ،‬وال ُتْسألون عن أعمالهم‪ ،‬وال ُيْسألون عن أعمالكم‪ ،‬وال يؤاَخذ أحٌد بذنب غيره‪ ،‬بل ُيجازى كل واحد بما قدم‪ ،‬فال‬

‪.‬يشغلكم عمل من مضى قبلكم عن النظر في عملكم‪ ،‬فإن أحًدا لن ينفعه بعد رحمة هللا غير عمله الصالح‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬المؤمن المتقي ال يغتر بأعماله الصالحة‪ ،‬بل يخاف أن ترد عليه‪ ،‬وال تقبل منه‪ ،‬ولهذا ُيْك ِثُر سؤاَل هللا َقبولها •‬
‫‪.‬بركة دعوة أبي األنبياء إبراهيم عليه السالم‪ ،‬حيث أجاب هللا دعاءه وجعل خاتم أنبيائه وأفضل رسله من أهل مكة •‬
‫‪.‬دين إبراهيم عليه السالم هو الملة الحنيفية الموافقة للفطرة‪ ،‬ال يرغب عنها وال يزهد فيها إال الجاهل المخالف لفطرته •‬
‫‪.‬مشروعية الوصية للذرية باتباع الهدى‪ ،‬وأخذ العهد عليهم بالتمسك بالحق والثبات عليه •‬
‫‪٢٠‬‬

‫ࣰف‬
‫َو َقاُلو۟ا ُكوُنو۟ا ُهوًدا َأۡو َنَصٰـ َر ٰى َتۡه َتُدوۗ۟ا ُقۡل َبۡل ِم َّلَة ِإۡب َرٰ ⁠ِهۧـ َم َحِنی ۖا َو َم ا َكاَن ِم َن ٱۡل ُم ۡش ِر ِك یَن ‪١٣٥‬‬
‫۝ ُقوُلۤو ۟ا َء اَم َّنا ِبٱِهَّلل َو َم ۤا ُأنِز َل ِإَلۡی َنا َو َم ۤا ﴿‬
‫ُأنِز َل ِإَلٰۤى ِإۡب َرٰ ⁠ِهۧـ َم َو ِإۡس َم ٰـِعیَل َو ِإۡس َحٰـَق َو َیۡع ُقوَب َو ٱَأۡلۡس َباِط َو َم ۤا ُأوِتَی ُم وَسٰى َو ِع یَسٰى َو َم ۤا ُأوِتَی ٱلَّنِبُّیوَن ِم ن َّر ِّبِه ۡم اَل ُنَفِّر ُق َبۡی َن َأَح ࣲد‬

‫۝ َفِإۡن َء اَم ُنو۟ا ِبِم ۡث ِل َم ۤا َء اَم نُتم ِبِهۦ َفَقِد ٱۡه َتَدوۖ۟ا َّو ِإن َتَو َّلۡو ۟ا َفِإَّنَم ا ُهۡم ِفی ِش َقاࣲۖق َفَسَیۡك ِفیَكُه ُم ٱُۚهَّلل َو ُهَو‬
‫ِّم ۡن ُه ۡم َو َنۡح ُن َل ۥُه ُم ۡس ِلُم وَن ‪١٣٦‬‬
‫ࣰۖة‬
‫۝ ُقۡل َأُتَح ۤا ُّج وَنَنا ِفی ٱِهَّلل َو ُهَو َر ُّبَنا َو َر ُّبُكۡم َو َلَنۤا‬
‫۝ ِص ۡب َغَة ٱِهَّلل َو َم ۡن َأۡح َسُن ِم َن ٱِهَّلل ِص ۡب َغ َو َنۡح ُن َل ۥُه َعٰـ ِبُدوَن ‪١٣٨‬‬ ‫ٱلَّسِم یُع ٱۡل َعِلیُم ‪١٣٧‬‬
‫۝ َأۡم َتُقوُلوَن ِإَّن ِإۡب َرٰ ⁠ِهۧـ َم َو ِإۡس َم ٰـِعیَل َو ِإۡس َحٰـَق َو َیۡع ُقوَب َو ٱَأۡلۡس َباَط َكاُنو۟ا ُهوًدا َأۡو‬ ‫َأۡع َم ٰـ ُلَنا َو َلُكۡم َأۡع َم ٰـ ُلُكۡم َو َنۡح ُن َل ۥُه ُم ۡخ ِلُص وَن ‪١٣٩‬‬
‫ࣱة‬
‫۝ ِتۡل َك ُأَّم َقۡد َخَلۖۡت َلَه ا َم ا‬
‫َنَصٰـ َر ٰۗى ُقۡل َء َأنُتۡم َأۡع َلُم َأِم ٱُۗهَّلل َو َم ۡن َأۡظ َلُم ِم َّم ن َكَتَم َشَه ٰـَد ًة ِع نَد ۥُه ِم َن ٱِۗهَّلل َو َم ا ٱُهَّلل ِبَغٰـِفٍل َعَّم ا َتۡع َم ُلوَن ‪١٤٠‬‬
‫[البقرة‪١٤١-١٣٥ :‬‬ ‫]َكَسَبۡت َو َلُكم َّم ا َكَسۡب ُتۖۡم َو اَل ُتۡس َٔـُلوَن َعَّم ا َكاُنو۟ا َیۡع َم ُلوَن ‪١٤١‬‬
‫۝﴾‬

‫وقال اليهود لهذه األمة‪ :‬كونوا يهوًدا تسلكوا سبيل الهداية‪ ،‬وقال النصارى‪ :‬كونوا نصارى تسلكوا سبيل الهداية‪ .‬قل ‪١٣٥- -‬‬
‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪17/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫‪.‬أيها النبي ‪ -‬مجيًبا إياهم‪ :‬بل نتبع دين إبراهيم‪ ،‬المائل عن األديان الباطلة إلى الدين الحق‪ ،‬ولم يكن ممن أشركوا مع هللا أحًدا‬
‫قولوا ‪ -‬أيها المؤمنون ‪ -‬ألصحاب هذه الدعوى الباطلة من يهود ونصارى‪ :‬آمنا باهلل وبالقرآن الذي أنزل إلينا‪ ،‬وآمنا ‪١٣٦-‬‬
‫بما أنزل على إبراهيم وأبنائه إسماعيل وإسحاق ويعقوب‪ ،‬وآمنا بما أنزل على األنبياء من ولد يعقوب‪ ،‬وآمنا بالتوراة التي آتاها‬
‫هللا موسى‪ ،‬واإلنجيل الذي آتاه هللا عيسى‪ ،‬وآمنا بالكتب التي آتاها هللا األنبياء جميًعا‪ ،‬ال نفرق بين أحد منهم فنؤمن ببعض ونكفر‬
‫‪.‬ببعض‪ ،‬بل نؤمن بهم جميًعا‪ ،‬ونحن له سبحانه وحده منقادون خاضعون‬
‫فإن آمن اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار إيماًنا مثل إيمانكم‪ ،‬فقد اهتدوا إلى الطريق المستقيم الذي ارتضاه هللا‪١٣٧- ،‬‬
‫وإن أعرضوا عن اإليمان بأن كذبوا باألنبياء كلهم أو ببعضهم فإنما هم في اخِتالف وِع داء‪ ،‬فال تحزن ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬فإن هللا‬
‫‪.‬سيكفيك أذاهم‪ ،‬ويمنعك من شرهم‪ ،‬وينصرك عليهم‪ ،‬فهو السميع ألقوالهم‪ ،‬والعليم بنياتهم وأفعالهم‬
‫الزموا دين هللا الذي فطركم عليه ظاهًر ا وباطًنا‪ ،‬فال أحسن ديًنا من دين هللا‪ ،‬فهو موافق للفطرة‪ ،‬جالب للمصالح‪ ،‬مانع ‪١٣٨-‬‬
‫‪.‬للمفاسد‪ ،‬وقولوا‪ :‬نحن عابدون هلل وحده ال نشرك معه غيره‬
‫قل ‪ -‬أيها النبي ‪ :-‬أتجادلوننا ‪ -‬يا أهل الكتاب ‪ -‬في أنكم أولى باهلل ودينه مّنا‪ ،‬ألن دينكم أقدم وكتابكم أسبق‪ ،‬فإن ذلك ال ‪١٣٩-‬‬
‫ينفعكم‪ ،‬فاهلل هو ربنا جميًعا ال تختصون به‪ ،‬ولنا أعمالنا التي ال ُتسألون عنها‪ ،‬ولكم أعمالكم التي ال ُنسأل عنها‪ ،‬وكٌّل سُيْج زى‬
‫‪.‬بعمله‪ ،‬ونحن مخلصون هلل في العبادة والطاعة ال نشرك به شيًئا‬
‫أم تقولون ‪ -‬يا أهل الكتاب ‪ :-‬إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب واألنبياء من ولد يعقوب‪ ،‬كانوا على ملة ‪١٤٠-‬‬
‫اليهودية أو النصرانية؟ قل ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬مجيًبا إياهم‪ :‬أأنتم أعلم أم هللا؟! فإن زعموا أنهم كانوا على مَّلتهم فقد كذبوا‪ ،‬ألّن مبعثهم‬
‫وموتهم كان قبل نزول التوراة واإلنجيل! وُعلم بذلك أن ما يقولونه كذب على هللا ورسله‪ ،‬وأنهم كتموا الحق الذي نزل عليهم‪ ،‬وال‬
‫‪.‬أحد أشد ظلًم ا من الذي كتم شهادة ثابتًة عنده َعِلَم ها من هللا‪ ،‬كفعل أهل الكتاب‪ ،‬وليس هللا بغافل عن أعمالكم‪ ،‬وسيجازيكم عليها‬
‫تلك أمة قد مضت من قبلكم‪ ،‬وأفضت إلى ما قدمت من عمل‪ ،‬فلها ما كسبت من األعمال‪ ،‬ولكم ما كسبتم‪ ،‬وال تسألون ‪١٤١-‬‬

‪.‬عن أعمالهم‪ ،‬وال يسألون عن أعمالكم‪ ،‬فال يؤخذ أحد بذنب أحد‪ ،‬وال ينتفع بعمل غيره‪ ،‬بل كٌّل سيجازى على ما قدم‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬أن دعوى أهل الكتاب أنهم على الحق ال تنفعهم وهم يكفرون بما أنزل هللا على نبيه محمد ﷺ •‬
‫‪ُ.‬سِّم ي الدين صبغة لظهور أعماله وَسْم ته على المسلم كما يظهر أثر الصبغ في الثوب •‬
‫‪.‬أن هللا تعالى قد َر َكَز في فطرِة خلقه جميًعا اإلقراَر بربوبيته وألوهيته‪ ،‬وإنما يضلهم عنها الشيطان وأعوانه •‬
‫‪٢١‬‬

‫َسَیُقوُل ٱلُّسَفَه ۤا ُء ِم َن ٱلَّناِس َم ا َو َّلٰى ُه ۡم َعن ِقۡب َلِتِه ُم ٱَّلِتی َكاُنو۟ا َعَلۡی َه ۚا ُقل ِهَّلِّل ٱۡل َم ۡش ِر ُق َو ٱۡل َم ۡغ ِر ُۚب َیۡه ِدی َم ن َیَشۤا ُء ِإَلٰى ِص َرٰ ⁠ࣲط ۞﴿‬
‫ࣰد‬ ‫ࣰة ࣰط‬
‫۝ َو َكَذٰ ⁠ِلَك َجَعۡل َنٰـ ُكۡم ُأَّم َو َس ا ِّلَتُكوُنو۟ا ُشَه َد ۤا َء َعَلى ٱلَّناِس َو َیُكوَن ٱلَّر ُسوُل َعَلۡی ُكۡم َشِه ی ۗا َو َم ا َجَعۡل َنا ٱۡل ِقۡب َلَة ٱَّلِتی ُكنَت‬ ‫ُّم ۡس َتِقیࣲم ‪١٤٢‬‬
‫َعَلۡی َه ۤا ِإاَّل ِلَنۡع َلَم َم ن َیَّتِبُع ٱلَّر ُسوَل ِم َّم ن َینَقِلُب َعَلٰى َعِقَبۡی ِۚه َو ِإن َكاَنۡت َلَكِبیَر ًة ِإاَّل َعَلى ٱَّلِذ یَن َهَدى ٱُۗهَّلل َو َم ا َكاَن ٱُهَّلل ِلُیِض یَع ِإیَم ٰـ َنُكۚۡم ِإَّن‬
‫ࣰة‬ ‫ࣱم‬ ‫ࣱف‬
‫۝ َقۡد َنَر ٰى َتَقُّلَب َو ۡج ِه َك ِفی ٱلَّسَم ۤا ِۖء َفَلُنَو ِّلَیَّنَك ِقۡب َل َتۡر َض ٰى َه ۚا َفَو ِّل َو ۡج َه َك َشۡط َر ٱۡل َم ۡس ِج ِد ٱۡل َح َر اِۚم َو َح ۡی ُث‬
‫ٱَهَّلل ِبٱلَّناِس َلَر ُء و َّر ِح ی ‪١٤٣‬‬

‫َم ا ُكنُتۡم َفَو ُّلو۟ا ُو ُج وَهُكۡم َشۡط َر ۗۥُه َو ِإَّن ٱَّلِذ یَن ُأوُتو۟ا ٱۡل ِك َتٰـ َب َلَیۡع َلُم وَن َأَّنُه ٱۡل َحُّق ِم ن َّر ِّبِه ۗۡم َو َم ا ٱُهَّلل ِبَغٰـِفٍل َعَّم ا َیۡع َم ُلوَن ‪١٤٤‬‬
‫۝ َو َلِٕىۡن َأَتۡی َت‬
‫ٱَّلِذ یَن ُأوُتو۟ا ٱۡل ِك َتٰـ َب ِبُكِّل َء اَیࣲة َّم ا َتِبُعو۟ا ِقۡب َلَتَۚك َو َم ۤا َأنَت ِبَتاِبࣲع ِقۡب َلَتُه ۚۡم َو َم ا َبۡع ُض ُه م ِبَتاِبࣲع ِقۡب َلَة َبۡع ࣲۚض َو َلِٕىِن ٱَّتَبۡع َت َأۡه َو ۤا َء ُهم ِّم ۢن َبۡع ِد َم ا‬
‫ࣰذ‬
‫۝﴾ [البقرة‪١٤٥-١٤٢ :‬‬ ‫]َج ۤا َء َك ِم َن ٱۡل ِع ۡل ِم ِإَّنَك ِإ ا َّلِم َن ٱلَّظٰـِلِم یَن ‪١٤٥‬‬

‫سيقول الجهال ِخ فاُف العقول من اليهود‪ ،‬وَم ن على شاكلتهم من المنافقين‪ :‬ما صرف المسلمين عن قبلة بيت المقدس ‪١٤٢-‬‬
‫التي كانت قبلتهم من قبل؟! قل ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬مجيًبا إياهم‪ :‬هلل وحده ملك المشرق والمغرب وغيرهما من الجهات‪ ،‬يوجه من شاء‬
‫‪.‬من عباده إلى أي جهة شاء‪ ،‬وهو سبحانه يهدي من يشاء من عباده إلى طريق مستقيم ال اعوجاج فيه وال انحراف‬
‫وكما جعلنا لكم قبلة ارتضيناها لكم‪ ،‬جعلناكم أمة خياًر ا عدواًل ‪ ،‬وسًطا بين األمم كلها‪ ،‬في العقائد والعبادات ‪١٤٣-‬‬
‫والمعامالت‪ ،‬لتكونوا يوم القيامة شهداء لرسل هللا أنهم بّلغوا ما أمرهم هللا بتبليغه ألممهم‪ ،‬وليكون الرسول محمد ﷺ كذلك شهيًدا‬
‫عليكم أنه بلغكم ما ُأْر ِس ل به إليكم‪ .‬وما جعلنا تحويل القبلة التي كنت تتجه إليها‪ ،‬وهي بيت المقدس‪ ،‬إال لنعلم ‪ -‬علَم ظهوٍر يترتب‬
‫عليه الجزاء ‪ -‬من يرضى بما شرعه هللا‪ ،‬وُيذعن له‪ ،‬فيتبع الرسول‪ ،‬ومن يرتد عن دينه‪ ،‬ويتبع هواه‪ ،‬فال ُيذعن لما شرعه هللا‪.‬‬
‫ولقد كان أمر تحويل القبلة األولى عظيًم ا إال على الذين وفقهم هللا لإليمان به‪ ،‬وبأن ما يشرعه لعباده إنما يشرعه ِلِح َكٍم بالغة‪ .‬وما‬
‫كان هللا ليضيع إيمانكم باهلل‪ ،‬ومنه صالتكم التي صَّليتموها قبل تحويل القبلة‪ ،‬إن هللا بالناس لرؤوف رحيم‪ ،‬فال يشق عليهم‪ ،‬وال‬
‫‪.‬يضيع ثواب أعمالهم‬
‫قد رأينا ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬تحُّو ل وجهك ونظرك إلى جهة السماء‪ ،‬ترُّقًبا وتحرًيا لنزول الوحي بشأن القبلة وتحويلها إلى ‪١٤٤-‬‬
‫حيث ُتحب‪ ،‬فلُنَو ِّج هنك إلى قبلة ترتضيها وتحبها ‪ -‬وهي بيت هللا الحرام ‪ -‬بدل بيت المقدس اآلن‪ ،‬فاصرف وجهك إلى جهة بيت‬
‫هللا الحرام بمكة المكرمة‪ ،‬وأينما كنتم ‪ -‬أيها المؤمنون ‪ -‬فتوجهوا إلى جهته عند أداء الصالة‪ .‬وإن الذين أوتوا الكتاب من اليهود‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪18/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫والنصارى ليعلمون أن تحويل القبلة هو الحق المنزل من خالقهم ومدبر أمرهم‪ ،‬لثبوته في كتابهم‪ ،‬وليس هللا بغافل عما يعمل‬
‫‪.‬هؤالء المعرضون عن الحق‪ ،‬بل هو سبحانه عالم بذلك‪ ،‬وسيجازيهم عليه‬
‫وِهللا لئن جئَت ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى مصحوًبا بكل آية وبرهان على أن تحويل القبلة ‪١٤٥-‬‬
‫حق‪ ،‬ما توجهوا إلى قبلتك عناًدا لما جئت به‪ ،‬وتكبًر ا عن اتباع الحق‪ ،‬وما أنت بمتوجه إلى قبلتهم بعد أن صرفك هللا عنها‪ ،‬وما‬
‫بعضهم بمتوجه إلى قبلة بعضهم‪ ،‬ألن كاًّل منهم يكِّفر الفريق اآلخر‪ ،‬ولئن اتبعت أهواء هؤالء في شأن القبلة وغيرها من الشرائع‬
‫واألحكام من بعد ما جاءك من العلم الصحيح الذي ال مرية فيه‪ ،‬إنك حينئذ لمن الظالمين بترك الهدى‪ ،‬واتباع الهوى‪ .‬وهذا‬

‪.‬الخطاب للنبي ﷺ للداللة على شناعة متابعتهم‪ ،‬وإال فإن هللا قد عصم نبيه من ذلك‪ ،‬فهو تحذير ألمته من بعده‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬أن االعتراض على أحكام هللا وشرعه والتغافل عن مقاصدها دليل على الَّسَفه وقَّلة العقل •‬
‫‪.‬فضُل هذه األمة وشرفها‪ ،‬حيث أثنى عليها هللا ووصفها بالوسطية بين سائر األمم •‬
‫‪.‬التحذير من متابعة أهل الكتاب في أهوائهم‪ ،‬ألنهم أعرضوا عن الحق بعد معرفته •‬
‫جواز َنْس ِخ األحكام الشرعية في اإلسالم زمن نزول الوحي‪ ،‬حيث ُنِسَخ التوجه إلى بيت المقدس‪ ،‬وصار إلى المسجد •‬
‫‪.‬الحرام‬
‫‪٢٢‬‬

‫ࣰق‬
‫۝ ٱۡل َحُّق ِم ن َّر ِّبَك َفاَل َتُكوَنَّن ﴿‬
‫ٱَّلِذ یَن َء اَتۡی َنٰـُه ُم ٱۡل ِك َتٰـ َب َیۡع ِر ُفوَن ۥُه َكَم ا َیۡع ِر ُفوَن َأۡب َنۤا َء ُهۖۡم َو ِإَّن َفِر ی ا ِّم ۡن ُه ۡم َلَیۡك ُتُم وَن ٱۡل َحَّق َو ُهۡم َیۡع َلُم وَن ‪١٤٦‬‬
‫ࣱر‬
‫۝ َو ِلُكࣲّل ِو ۡج َه ٌة ُهَو ُمَو ِّلیَه ۖا َفٱۡس َتِبُقو۟ا ٱۡل َخۡی َرٰ ⁠ِۚت َأۡی َن َم ا َتُكوُنو۟ا َیۡأ ِت ِبُكُم ٱُهَّلل َجِم یًعۚا ِإَّن ٱَهَّلل َعَلٰى ُكِّل َشۡی ࣲء َقِدی ‪١٤٨‬‬
‫۝‬ ‫ِم َن ٱۡل ُم ۡم َتِر یَن ‪١٤٧‬‬

‫َو ِم ۡن َح ۡی ُث َخ َر ۡج َت َفَو ِّل َو ۡج َه َك َشۡط َر ٱۡل َم ۡس ِج ِد ٱۡل َح َر اِۖم َو ِإَّن ۥُه َلۡل َحُّق ِم ن َّر ِّبَۗك َو َم ا ٱُهَّلل ِبَغٰـِفٍل َعَّم ا َتۡع َم ُلوَن ‪١٤٩‬‬
‫۝ َو ِم ۡن َح ۡی ُث َخ َر ۡج َت َفَو ِّل‬
‫َشۡط َر ۥُه ِلَئاَّل َیُكوَن ِللَّناِس َعَلۡی ُكۡم ُحَّج ٌة ِإاَّل ٱَّلِذ یَن َظَلُم و۟ا ِم ۡن ُه ۡم َفاَل‬ ‫َو ۡج َه َك َشۡط َر ٱۡل َم ۡس ِج ِد ٱۡل َح َر اِۚم َو َح ۡی ُث َم ا ُكنُتۡم َفَو ُّلو۟ا ُو ُج وَهُكۡم‬
‫اࣰل‬
‫َأۡر َسۡل َنا ِفیُكۡم َر ُسو ِّم نُكۡم َیۡت ُلو۟ا َعَلۡی ُكۡم َء اَیٰـِتَنا َو ُیَز ِّك یُكۡم َو ُیَعِّلُم ُكُم‬ ‫َتۡخ َشۡو ُهۡم َو ٱۡخ َشۡو ِنی َو ُأِلِتَّم ِنۡع َم ِتی َعَلۡی ُكۡم َو َلَعَّلُكۡم َتۡه َتُدوَن ‪١٥٠‬‬
‫۝ َكَم ۤا‬

‫۝ َفٱۡذ ُكُر وِنۤی َأۡذ ُكۡر ُكۡم َو ٱۡش ُكُر و۟ا ِلی َو اَل َتۡك ُفُر وِن ‪١٥٢‬‬
‫۝ َیٰۤـ َأُّیَه ا ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا ٱۡس َتِع یُنو۟ا‬ ‫ٱۡل ِك َتٰـ َب َو ٱۡل ِح ۡك َم َة َو ُیَعِّلُم ُكم َّم ا َلۡم َتُكوُنو۟ا َتۡع َلُم وَن ‪١٥١‬‬
‫[البقرة‪١٥٣-١٤٦ :‬‬ ‫]ِبٱلَّص ۡب ِر َو ٱلَّص َلٰو ِۚة ِإَّن ٱَهَّلل َمَع ٱلَّصٰـ ِبِر یَن ‪١٥٣‬‬
‫۝﴾‬

‫الذين آتيناهم الكتاب من علماء اليهود والنصارى‪ ،‬يعرفون أمر تحويل القبلة الذي هو من عالمات نبوة محمد ﷺ ‪١٤٦-‬‬
‫عندهم‪ ،‬كما يعرفون أوالدهم ويميزونهم من غيرهم‪ ،‬ومع ذلك فإن طائفة منهم ليكتمون الحق الذي جاء به‪ ،‬حسًدا من عند أنفسهم‪،‬‬
‫‪.‬يفعلون ذلك وهم يعلمون أنه الحق‬
‫‪.‬هذا هو الحق من ربك فال تكونن ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬من الشاِّك ين في صحته ‪١٤٧-‬‬
‫ولكل أمة من األمم جهة يتجهون إليها حسية كانت أو معنوية‪ ،‬ومن ذلك اختالف األمم في قبلتهم وما شرع هللا لهم‪ ،‬فال ‪١٤٨-‬‬
‫يضر تنوع وجهاتهم إن كان بأمر هللا وشرعه‪ ،‬فتسابقوا أنتم ‪ -‬أيها المؤمنون ‪ -‬إلى فعل الخيرات التي ُأمرتم بفعلها‪ ،‬وسيجمعكم‬
‫‪.‬هللا من أي مكان كنتم فيه يوم القيامة‪ ،‬ليجازيكم على عملكم‪ ،‬إن هللا على كل شيء قدير‪ ،‬فال يعجزه جمعكم وال مجازاتكم‬
‫ومن أي مكان خرجَت وأينما كنت ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬أنت وأتباعك‪ ،‬وأردت الصالة‪ ،‬فاستقبل جهة المسجد الحرام‪ ،‬فإنه ‪١٤٩-‬‬
‫‪.‬الحق الُم وحى به إليك من ربك‪ ،‬وما هللا بغافل عما تعملون‪ ،‬بل هو ُم طلع عليه وسيجازيكم به‬
‫ومن أي مكان خرجت ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬وأردت الصالة‪ ،‬فاستقبل جهة المسجد الحرام‪ ،‬وبأي مكان كنتم ‪ -‬أيها المؤمنون ‪١٥٠- -‬‬
‫فاستقبلوا بوجهكم جهته إذا أردتم الصالة‪ ،‬لئال يكون للناس حجة يحتجون بها عليكم‪ ،‬إال الذين ظلموا منهم‪ ،‬فإنهم سيبقون على‬
‫عنادهم‪ ،‬ويحتجون عليكم بأوهى الحجج‪ ،‬فال تخشوهم واخشوا ربكم وحده‪ ،‬بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‪ ،‬فإن هللا قد شرع‬
‫‪.‬استقبال الكعبة من أجل أن يتم نعمته عليكم بتمييزكم عن سائر األمم‪ ،‬وألجل هدايتكم إلى أشرف قبلة للناس‬
‫كما أنعمنا عليكم نعمة أخرى‪ ،‬حيث أرسلنا إليكم رسواًل من أنفسكم‪ ،‬يقرأ عليكم آياتنا‪ ،‬ويطهركم بما يأمركم به من ‪١٥١-‬‬
‫الفضائل والمعروف‪ ،‬وما ينهاكم عنه من الرذائل والمنكر‪ ،‬ويعلمكم القرآن والُّسَّنة‪ ،‬ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من أمور دينكم‬
‫‪.‬ودنياكم‬
‫فاذكروني بقلوبكم وجوارحكم‪ ،‬أذكركم بالثناء عليكم والحفظ لكم‪ ،‬فالجزاء من جنس العمل‪ ،‬واشكروا لي نعمي التي ‪١٥٢-‬‬
‫‪.‬أنعمت بها عليكم‪ ،‬وال تكفروني بجحودها‪ ،‬واستعمالها فيما ُح ِّر م عليكم‬
‫يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصالة على القيام بطاعتي والتسليم ألمري‪ ،‬إن هللا مع الصابرين يوفقهم ‪١٥٣-‬‬

‪.‬ويعينهم‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬إطالة الحديث في شأن تحويل القبلة‪ ،‬لما فيه من الداللة على نبوة محمد ﷺ •‬
‫‪.‬ترك الجدال واالشتغاُل بالطاعات والمسارعة إلى هللا أنفع للمؤمن عند ربه يوم القيامة •‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪19/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫‪.‬أن األعمال الصالحة الموصلة إلى هللا متنوعة ومتعددة‪ ،‬وال بأس أن يختار المؤمن ما يميل إليه منها‪ ،‬ويناسب حاله •‬
‫‪.‬عظم شأن ذكر هللا جَّل وعال حيث يكون ثوابه ذكر العبد في المأل األعلى •‬
‫‪٢٣‬‬

‫ࣱء‬ ‫ُۚۢت‬
‫۝ َو َلَنۡب ُلَو َّنُكم ِبَشۡی ࣲء ِّم َن ٱۡل َخۡو ِف َو ٱۡل ُج وِع َو َنۡق ࣲص ِّم َن ﴿‬ ‫َو اَل َتُقوُلو۟ا ِلَم ن ُیۡق َتُل ِفی َسِبیِل ٱِهَّلل َأۡم َوٰ ⁠ َبۡل َأۡح َیۤا َو َلٰـِك ن اَّل َتۡش ُعُر وَن ‪١٥٤‬‬
‫ࣱة‬
‫۝ ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك َعَلۡی ِه ۡم‬
‫۝ ٱَّلِذ یَن ِإَذۤا َأَصٰـَبۡت ُه م ُّمِص یَب َقاُلۤو ۟ا ِإَّنا ِهَّلِل َو ِإَّنۤا ِإَلۡی ِه َر⁠ٰ ِج ُعوَن ‪١٥٦‬‬‫ٱَأۡلۡم َو⁠ٰ ِل َو ٱَأۡلنُفِس َو ٱلَّثَمَرٰ ⁠ِۗت َو َبِّش ِر ٱلَّصٰـ ِبِر یَن ‪١٥٥‬‬
‫ࣱۖة‬ ‫ࣱت‬
‫۝ ۞ ِإَّن ٱلَّص َفا َو ٱۡل َم ۡر َو َة ِم ن َشَعۤا ِٕىِر ٱِۖهَّلل َفَم ۡن َحَّج ٱۡل َبۡی َت َأِو ٱۡع َتَمَر َفاَل ُج َناَح‬ ‫َص َلَوٰ ⁠ ِّم ن َّر ِّبِه ۡم َو َر ۡح َم َو ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك ُهُم ٱۡل ُم ۡه َتُدوَن ‪١٥٧‬‬
‫ࣰر‬
‫۝ ِإَّن ٱَّلِذ یَن َیۡك ُتُم وَن َم ۤا َأنَز ۡل َنا ِم َن ٱۡل َبِّیَنٰـِت َو ٱۡل ُه َد ٰى ِم ۢن َبۡع ِد َم ا َبَّیَّنٰـ ُه‬
‫َعَلۡی ِه َأن َیَّطَّو َف ِبِه َم ۚا َو َم ن َتَطَّو َع َخۡی ا َفِإَّن ٱَهَّلل َشاِك ٌر َعِلیٌم ‪١٥٨‬‬

‫ِللَّناِس ِفی ٱۡل ِك َتٰـ ِب ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك َیۡل َعُنُه ُم ٱُهَّلل َو َیۡل َعُنُه ُم ٱلَّلٰـِع ُنوَن ‪١٥٩‬‬
‫۝ ِإاَّل ٱَّلِذ یَن َتاُبو۟ا َو َأۡص َلُح و۟ا َو َبَّیُنو۟ا َفُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك َأُتوُب َعَلۡی ِه ۡم َو َأَنا ٱلَّتَّو اُب‬
‫۝ ِإَّن ٱَّلِذ یَن َكَفُر و۟ا َو َم اُتو۟ا َو ُهۡم ُكَّفاٌر ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك َعَلۡی ِه ۡم َلۡع َنُة ٱِهَّلل َو ٱۡل َم َلٰۤـ ِٕىَكِة َو ٱلَّناِس َأۡج َم ِع یَن ‪١٦١‬‬
‫۝ َخ ٰـِلِد یَن ِفیَه ا اَل ُیَخَّفُف َعۡن ُه ُم‬ ‫ٱلَّر ِح یُم ‪١٦٠‬‬
‫ࣱه‬
‫۝﴾ [البقرة‪١٦٣-١٥٤ :‬‬ ‫۝ َو ِإَلٰـُه ُكۡم ِإَلٰـ َو⁠ٰ ِح ࣱۖد ۤاَّل ِإَلٰـ َه ِإاَّل ُهَو ٱلَّر ۡح َم ٰـ ُن ٱلَّر ِح یُم ‪١٦٣‬‬
‫]ٱۡل َعَذاُب َو اَل ُهۡم ُینَظُر وَن ‪١٦٢‬‬

‫وال تقولوا ‪ -‬أيها المؤمنون ‪ -‬في شأن من ُيقتلون في الجهاد في سبيل هللا‪ :‬إنهم أموات ماتوا كما يموت غيرهم‪ ،‬بل هم ‪١٥٤-‬‬
‫‪.‬أحياٌء عند ربهم‪ ،‬ولكن ال ُتدركون حياتهم‪ ،‬ألنها حياة خاصة ال سبيل لمعرفتها إال بوحي من هللا تعالى‬
‫ولَنْم تِح نّنكم بأنواع من المصائب‪ ،‬بشيء من الخوف من أعدائكم‪ ،‬وبالجوع لقلة الطعام‪ ،‬وبنقص في األموال لذهابها أو ‪١٥٥-‬‬
‫مشقة الحصول عليها‪ ،‬وبنقص في األنفس بسبب اآلفات التي تهلك الناس‪ ،‬أو بالشهادة في سبيل هللا‪ ،‬وبنقص من الثمرات التي‬
‫‪.‬تنبتها األرض‪ ،‬وبّشر ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬الصابرين على تلك المصائب بما يسرهم في الدنيا واآلخرة‬
‫الذين إذا أصابتهم مصيبة من تلك المصائب قالوا برًض ا وتسليم‪ :‬إنا ملٌك هلل يتصرف فينا بما يشاء‪ ،‬وإنا إليه عائدون ‪١٥٦-‬‬
‫‪.‬يوم القيامة‪ ،‬فهو الذي خلقنا وتفضل علينا بمختلف النعم‪ ،‬وإليه مرجعنا ونهاية أمرنا‬
‫أولئك المتصفون بهذه الصفة لهم ثناء من هللا عليهم في مأل المالئكة األعلى‪ ،‬ورحمة تنزل عليهم‪ ،‬وأولئك هم ‪١٥٧-‬‬
‫‪.‬المهتدون إلى طريق الحق‬
‫إّن الجبلين المعروفين بالصفا والمروة قرب الكعبة من معالم الشريعة الظاهرة‪ ،‬فمن قصد البيت ألداء نسك الحج أو ‪١٥٨-‬‬
‫نسك العمرة‪ ،‬فال إثم عليه أن يسعى بينهما‪ .‬وفي نفي اإلثم هنا طمأنٌة لمن َتَح َّر ج من المسلمين من السعي بينهما اعتقاًدا أنه من‬
‫أمر الجاهلية‪ ،‬وقد بَّين تعالى أن ذلك من مناسك الحج‪ .‬ومن َفَعَل المستحبات من الطاعات متطوًعا بها مخلًص ا‪ ،‬فإن هللا شاكر له‪،‬‬
‫‪.‬يقبلها منه‪ ،‬ويجازيه عليها‪ ،‬وهو العليم بمن يفعل الخير‪ ،‬ويستحق الثواب‬
‫إن الذين يخفون ما أنزلنا من البِّينات الدالة على صدق النبي وما جاء به‪ ،‬من اليهود والنصارى‪ ،‬من بعد ما أظهرناه ‪١٥٩-‬‬
‫‪.‬للناس في كتبهم‪ ،‬أولئك يطردهم هللا من رحمته‪ ،‬ويدعو عليهم المالئكة واألنبياء والناس أجمعون بالطرد من رحمته‬
‫إال الذين رجعوا إلى هللا نادمين على كتمان تلك اآليات الواضحات‪ ،‬وأصلحوا أعمالهم الظاهرة والباطنة‪ ،‬وبَّينوا ما ‪١٦٠-‬‬
‫‪.‬كتموه من الحق والهدى‪ ،‬فأولئك أقبل رجوعهم إلى طاعتي‪ ،‬وأنا التواب على من تاب من العباد‪ ،‬الرحيم بهم‬
‫إن الذين كفروا وماتوا على الكفر قبل أن يتوبوا منه أولئك عليهم لعنة هللا بطردهم من رحمته‪ ،‬وعليهم دعاء المالئكة ‪١٦١-‬‬
‫‪.‬والناس كلهم بالطرد من رحمة هللا واإلبعاد منها‬
‫‪.‬مالزمين هذه اللعنة‪ ،‬ال ُيَخفف عنهم العذاب‪ ،‬ولو يوًم ا واحًدا‪ ،‬وال ُيْم هلون يوم القيامة ‪١٦٢-‬‬
‫ومعبودكم الحق ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬واحد متفّر د في ذاته وصفاته‪ ،‬ال معبود بحق غيره‪ ،‬وهو الرحمن ذو الرحمة الواسعة‪١٦٣- ،‬‬

‪.‬الرحيم بعباده‪ ،‬حيث أنعم عليهم النعم التي ال تحصى‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬االبتالء ُسَّنة هللا تعالى في عباده‪ ،‬وقد وعد الصابرين على ذلك بأعظم الجزاء وأكرم المنازل •‬
‫‪.‬مشروعية السعي بين الصفا والمروة لمن حج البيت أو اعتمر •‬
‫من أعظم اآلثام وأشدها عقوبة كتمان الحق الذي أنزله هللا‪ ،‬والتلبيس على الناس‪ ،‬وإضاللهم عن الهدى الذي جاءت به •‬
‫‪.‬الرسل‬
‫‪٢٤‬‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪20/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫ِإَّن ِفی َخ ۡل ِق ٱلَّسَم ٰـ َوٰ ⁠ِت َو ٱَأۡلۡر ِض َو ٱۡخ ِتَلٰـِف ٱَّلۡی ِل َو ٱلَّنَه اِر َو ٱۡل ُفۡل ِك ٱَّلِتی َتۡج ِر ی ِفی ٱۡل َبۡح ِر ِبَم ا َینَفُع ٱلَّناَس َو َم ۤا َأنَز َل ٱُهَّلل ِم َن ٱلَّسَم ۤا ِء ﴿‬

‫ِم ن َّم ۤا ࣲء َفَأۡح َیا ِبِه ٱَأۡلۡر َض َبۡع َد َم ۡو ِتَه ا َو َبَّث ِفیَه ا ِم ن ُكِّل َد ۤا َّبࣲة َو َتۡص ِر یِف ٱلِّر َیٰـ ِح َو ٱلَّسَح اِب ٱۡل ُم َسَّخ ِر َبۡی َن ٱلَّسَم ۤا ِء‬
‫َو ٱَأۡلۡر ِض َلَٔـاَیٰـ ࣲت ِّلَقۡو ࣲم‬
‫َیَر ى ٱَّلِذ یَن َظَلُم ۤو ۟ا ِإۡذ‬ ‫ࣰّب‬ ‫ࣰد‬
‫۝ َو ِم َن ٱلَّناِس َم ن َیَّتِخ ُذ ِم ن ُدوِن ٱِهَّلل َأنَدا ا ُیِح ُّبوَنُه ۡم َكُح ِّب ٱِۖهَّلل َو ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنۤو ۟ا َأَشُّد ُح ا ِۗهَّلِّل َو َلۡو‬ ‫َیۡع ِقُلوَن ‪١٦٤‬‬
‫َیَر ۡو َن ٱۡل َعَذاَب َأَّن ٱۡل ُقَّو َة ِهَّلِل َجِم یࣰع ا َو َأَّن ٱ َشِدیُد ٱۡل َعَذاِب ‪ۡ ١٦٥‬ذ‬
‫۝ ِإ َتَبَّر َأ ٱَّلِذ یَن ٱُّتِبُعو۟ا ِم َن ٱَّلِذ یَن ٱَّتَبُعو۟ا َو َر َأُو ۟ا ٱۡل َعَذاَب َو َتَقَّطَعۡت ِبِه ُم‬ ‫َهَّلل‬
‫ࣰة‬
‫۝ َو َقاَل ٱَّلِذ یَن ٱَّتَبُعو۟ا َلۡو َأَّن َلَنا َكَّر َفَنَتَبَّر َأ ِم ۡن ُه ۡم َكَم ا َتَبَّر ُء و۟ا ِم َّنۗا َكَذٰ ⁠ِلَك ُیِر یِه ُم ٱُهَّلل َأۡع َم ٰـ َلُه ۡم َحَسَرٰ ⁠ٍت َعَلۡی ِه ۖۡم َو َم ا ُهم‬
‫ٱَأۡلۡس َباُب ‪١٦٦‬‬
‫ࣱّو‬ ‫اࣰل ࣰب‬
‫۝ َیٰۤـ َأُّیَه ا ٱلَّناُس ُكُلو۟ا ِم َّم ا ِفی ٱَأۡلۡر ِض َح َلٰـ َطِّی ا َو اَل َتَّتِبُعو۟ا ُخ ُطَوٰ ⁠ِت ٱلَّشۡی َطٰـ ِۚن ِإَّن ۥُه َلُكۡم َعُد ُّم ِبیٌن ‪١٦٨‬‬
‫۝ ِإَّنَم ا‬ ‫ِبَخ ٰـ ِر ِج یَن ِم َن ٱلَّناِر ‪١٦٧‬‬
‫۝﴾ [البقرة‪١٦٩-١٦٤ :‬‬ ‫]َیۡأ ُمُر ُكم ِبٱلُّسۤو ِء َو ٱۡل َفۡح َشۤا ِء َو َأن َتُقوُلو۟ا َعَلى ٱِهَّلل َم ا اَل َتۡع َلُم وَن ‪١٦٩‬‬

‫إن في خلق السماوات واألرض وما فيهما من عجائب الخلق‪ ،‬وفي تعاقب الليل والنهار‪ ،‬وفي السفن التي تجري في ‪١٦٤-‬‬
‫مياه البحار حاملة ما ينفع الناس من طعام ولباس وتجارة‪ ،‬وغيرها مما يحتاجون إليه‪ ،‬وفيما أنزل هللا من السماء من ماء فأحيا به‬
‫األرض بما ينبت فيها من الزرع والكأل‪ ،‬وفيما نشره فيها من كائنات حية‪ ،‬وفي تحويل الرياح من جهة لجهة‪ ،‬وفي السحاب‬
‫المذلل بين السماء واألرض‪ ،‬إن في كل ذلك لدالئل واضحة على وحدانيته سبحانه لمن يعقلون الُح جج‪ ،‬ويفهمون األدلة‬
‫‪.‬والبراهين‬
‫ومع تلك اآليات الواضحة فإن من الناس من يتخذ من دون هللا آلهة يجعلونهم نظراء هلل تعالى‪ ،‬يحبونهم كما يحبون ‪١٦٥-‬‬
‫هللا‪ ،‬والذين آمنوا أشد حًّبا هلل من هؤالء لمعبوداتهم‪ ،‬ألنهم ال يشركون مع هللا أحًدا‪ ،‬ويحبونه في السراء والضراء‪ ،‬وأما أولئك‬
‫فإنهم يحبون آلهتهم في حال السراء‪ ،‬أما في الضراء فال يدعون إال هللا‪ .‬ولو يرى الظالمون بشركهم وارتكاب السيئات حاَلهم في‬
‫اآلخرة حين يشاهدون العذاب‪ ،‬لعلموا أّن المتفرد بالقوة جميًعا هو هللا‪ ،‬وأنه شديد العذاب لمن عصاه‪ ،‬لو يرون ذلك لما أشركوا‬
‫‪.‬معه أحًدا‬
‫وذلك حين يتبرأ الرؤساء المتبوعون من الضعفاء الذين اتبعوهم‪ِ ،‬لما يشاهدونه من أهوال يوم القيامة وشدائده‪ ،‬وقد ‪١٦٦-‬‬
‫‪.‬تقطعت بهم كل أسباب النجاة ووسائلها‬
‫وقال الضعفاء واألتباع‪ :‬ليت لنا رجعة إلى الدنيا فنتبرأ من رؤسائنا كما تبرؤوا منا‪ ،‬وكما أراهم هللا العذاب الشديد في ‪١٦٧-‬‬
‫‪.‬اآلخرة يريهم عاقبة متابعتهم لرؤسائهم على الباطل َندامات وأحزاًنا‪ ،‬وليسوا بخارجين أبًدا من النار‬
‫يا أيها الناس كلوا مما في األرض من حيوان ونبات وأشجار‪ ،‬مما كان كسبه حالاًل وكان طيًبا في نفسه غير خبيث‪١٦٨- ،‬‬
‫وال تتبعوا مسالك الشيطان التي يستدرجكم بها‪ ،‬إنه لكم عدو واضح العداوة‪ ،‬وال يجوز لعاقل أن يتبع عدوه الذي يحرص على‬
‫!إيذائه وضالله‬
‫فهو إنما يأمركم بما يسوء من اآلثام وما يعظم من الذنوب‪ ،‬وبأن تقولوا على هللا في العقائد والشرائع بغير علم جاءكم ‪١٦٩-‬‬

‪.‬عن هللا أو رسله‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬المؤمنون باهلل حّقا هم أعظم الخلق محبة هلل‪ ،‬ألنهم يطيعونه على كل حال في السراء والضراء‪ ،‬وال يشركون معه أحًدا •‬
‫‪.‬في يوم القيامة تنقطع كل الروابط‪ ،‬وَيْبَر ُأ كل خليل من خليله‪ ،‬وال يبقى إال ما كان خالًص ا هلل تعالى •‬
‫‪.‬التحذير من كيد الشيطان لتنوع أساليبه وخفائها وقربها من مشتهيات النفس •‬
‫‪٢٥‬‬

‫ࣰٔـ‬
‫َو ِإَذا ِقیَل َلُه ُم ٱَّتِبُعو۟ا َم ۤا َأنَز َل ٱُهَّلل َقاُلو۟ا َبۡل َنَّتِبُع َم ۤا َأۡل َفۡی َنا َعَلۡی ِه َء اَبۤا َء َنۚۤا َأَو َلۡو َكاَن َء اَبۤا ُؤُهۡم اَل َیۡع ِقُلوَن َشۡی ا َو اَل َیۡه َتُدوَن ‪١٧٠‬‬
‫۝ َو َم َثُل ﴿‬
‫ࣰء‬
‫ٱَّلِذ یَن َكَفُر و۟ا َكَم َثِل ٱَّلِذی َیۡن ِعُق ِبَم ا اَل َیۡس َمُع ِإاَّل ُدَعۤا َو ِنَد ۤاࣰۚء ُص ُّۢم ُبۡك ٌم ُعۡم ࣱی َفُه ۡم اَل َیۡع ِقُلوَن ‪١٧١‬‬
‫۝ َیٰۤـ َأُّیَه ا ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا ُكُلو۟ا ِم ن َطِّیَبٰـِت‬
‫َم ا َر َز ۡق َنٰـ ُكۡم َو ٱۡش ُكُر و۟ا ِهَّلِل ِإن ُكنُتۡم ِإَّیاُه َتۡع ُبُدوَن ‪١٧٢‬‬
‫۝ ِإَّنَم ا َح َّر َم َعَلۡی ُكُم ٱۡل َم ۡی َتَة َو ٱلَّد َم َو َلۡح َم ٱۡل ِخ نِز یِر َو َم ۤا ُأِهَّل ِبِهۦ ِلَغۡی ِر ٱِۖهَّلل َفَم ِن ٱۡض ُطَّر‬
‫ࣰن‬ ‫ࣱر‬
‫۝ ِإَّن ٱَّلِذ یَن َیۡك ُتُم وَن َم ۤا َأنَز َل ٱُهَّلل ِم َن ٱۡل ِك َتٰـ ِب َو َیۡش َتُر وَن ِبِهۦ َثَم ا َقِلیاًل ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك َم ا‬ ‫َغۡی َر َباࣲغ َو اَل َعاࣲد َفۤاَل ِإۡث َم َعَلۡی ِۚه ِإَّن ٱَهَّلل َغُفو َّر ِح یٌم ‪١٧٣‬‬

‫َیۡأ ُكُلوَن ِفی ُبُطوِنِه ۡم ِإاَّل ٱلَّناَر َو اَل ُیَكِّلُم ُه ُم ٱُهَّلل َیۡو َم ٱۡل ِقَیٰـ َم ِة َو اَل ُیَز ِّك یِه ۡم َو َلُه ۡم َعَذاٌب َأِلیٌم ‪١٧٤‬‬
‫۝ ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك ٱَّلِذ یَن ٱۡش َتَر ُو ۟ا ٱلَّض َلٰـ َلَة ِبٱۡل ُه َد ٰى‬
‫َو ٱۡل َعَذاَب ِبٱۡل َم ۡغ ِفَر ِۚة َفَم ۤا َأۡص َبَر ُهۡم َعَلى ٱلَّناِر ‪١٧٥‬‬
‫۝ َذٰ ⁠ِلَك ِبَأَّن ٱَهَّلل َنَّز َل ٱۡل ِك َتٰـ َب ِبٱۡل َح ِّۗق َو ِإَّن ٱَّلِذ یَن ٱۡخ َتَلُفو۟ا ِفی ٱۡل ِك َتٰـ ِب َلِفی ِش َقاِۭق َبِع یࣲد ‪١٧٦‬‬
‫۝﴾‬
‫][البقرة‪١٧٦-١٧٠ :‬‬

‫وإذا قيل لهؤالء الكفار‪ :‬اتبعوا ما أنزل هللا من الهدى والنور‪ ،‬قالوا معاندين‪ :‬بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا من ‪١٧٠-‬‬
‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪21/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫!المعتقدات والتقاليد‪ ،‬أيتبعون آباءهم ولو كانوا ال يعقلون شيًئا من الهدى والنور‪ ،‬وال يهتدون إلى الحق الذي َيْر ضى هللا عنه؟‬
‫ومثل الذين كفروا في اتباعهم آلبائهم كالراعي الذي يصيح منادًيا على بهائمه‪ ،‬فتسمع صوته‪ ،‬وال تفهم قوله‪ ،‬فهم ُص ٌّم ‪١٧١-‬‬
‫عن سماع الحق سماًعا ينتفعون به‪ُ ،‬بكٌم قد خرست ألسنتهم عن النطق بالحق‪ُ ،‬عمٌي عن إبصاره‪ ،‬ولهذا ال يعقلون الهدى الذي‬
‫‪.‬تدعوهم إليه‬
‫يا أيها الذين آمنوا باهلل واتبعوا رسوله‪ ،‬كلوا من الطيبات التي رزقكم هللا وأباحها لكم‪ ،‬واشكروا هلل ظاهًر ا وباطًنا ما ‪١٧٢-‬‬
‫تفضل به عليكم من النعم‪ ،‬وِم ن ُشكره تعالى أن تعملوا بطاعته‪ ،‬وأن تجتنبوا معصيته‪ ،‬إن كنتم حًّقا تعبدونه وحده‪ ،‬وال تشركون‬
‫‪.‬به شيًئا‬
‫إنما حرم هللا عليكم من األطعمة ما مات بغير ذكاة شرعية‪ ،‬والدم المسفوح السائل‪ ،‬ولحم الخنزير‪ ،‬وما ُذِك ر عليه غيُر ‪١٧٣-‬‬
‫اسم هللا عند تذكيته‪ ،‬فإذا اضُطَّر اإلنسان إلى أْك ل شيء وهو غير ظالم باألكل منها دون حاجة‪ ،‬وال متجاوز لحد الضرورة‪ ،‬فال‬
‫‪.‬إثم عليه وال عقوبة‪ ،‬إّن هللا غفور لمن تاب من عباده‪ ،‬رحيم بهم‪ ،‬ومن رحمته أنه تجاوز عن أْك ل هذه المحرمات عند االضطرار‬
‫إن الذين يكتمون ما أنزل هللا من الكتب وما فيها من داللة على الحق ونبوة محمد ﷺ‪ ،‬كما يفعل اليهود والنصارى‪١٧٤- ،‬‬
‫ويشترون بكتمانهم لها ِع َو ًض ا قلياًل كرئاسة أو جاه أو مال‪ ،‬أولئك ما يأكلون في بطونهم حقيقة إال ما يكون سبًبا لتعذيبهم بالنار‪،‬‬
‫‪.‬وال يكلمهم هللا يوم القيامة بما يحبون‪ ،‬بل بما يسوؤهم‪ ،‬وال ُيطهرهم وال ُيْثني عليهم‪ ،‬ولهم عذاب أليم‬
‫أولئك المتصفون بكتمان العلم الذي يحتاج إليه الناس هم الذين استبدلوا الضاللة بالهدى لّم ا كتموا العلم الحق‪١٧٥- ،‬‬
‫‪.‬واستبدلوا عذاب هللا بمغفرته‪ ،‬فما أصبرهم على فعل ما يسبب لهم دخول النار‪ ،‬كأنهم ال يبالون بما فيها من عذاب لصبرهم عليها‬
‫ذلك الجزاء على كتمان العلم والهدى بسبب أن هللا نَّز ل الُكتب اإللهية بالحق‪ ،‬وهذا يقتضي أن ُتبَّين وال ُتْك َتم‪ .‬وإن ‪١٧٦-‬‬

‪.‬الذين اختلفوا في الكتب اإللهية فآمنوا ببعضها وكتموا بعضها لفي جانب بعيد عن الحق‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬أكثر ضالل الخلق بسبب تعطيل العقل‪ ،‬ومتابعة من سبقهم في ضاللهم‪ ،‬وتقليدهم بغير وعي •‬
‫‪.‬عدم انتفاع المرء بما وهبه هللا من نعمة العقل والسمع والبصر‪ ،‬يجعله مثل من فقد هذه النعم •‬
‫‪.‬من أشد الناس عقوبة يوم القيامة من يكتم العلم الذي أنزله هللا‪ ،‬والهدى الذي جاءت به رسله تعالى •‬
‫‪.‬من نعمة هللا تعالى على عباده المؤمنين أن جعل المحرمات قليلة محدودة‪ ،‬وأما المباحات فكثيرة غير محدودة •‬
‫‪٢٦‬‬

‫َّلۡی َس ٱۡل ِبَّر َأن ُتَو ُّلو۟ا ُو ُج وَهُكۡم ِقَبَل ٱۡل َم ۡش ِر ِق َو ٱۡل َم ۡغ ِر ِب َو َلٰـِك َّن ٱۡل ِبَّر َم ۡن َء اَم َن ِبٱِهَّلل َو ٱۡل َیۡو ِم ٱۡل َٔـاِخ ِر َو ٱۡل َم َلٰۤـ ِٕىَكِة َو ٱۡل ِك َتٰـ ِب َو ٱلَّنِبِّیۧـ َن ۞﴿‬
‫َو َء اَتى ٱۡل َم اَل َعَلٰى ُح ِّبِهۦ َذِو ی ٱۡل ُقۡر َبٰى َو ٱۡل َیَتٰـ َمٰى َو ٱۡل َم َسٰـِك یَن َو ٱۡب َن ٱلَّسِبیِل َو ٱلَّسۤا ِٕىِلیَن َو ِفی ٱلِّر َقاِب َو َأَقاَم ٱلَّص َلٰو َة َو َء اَتى ٱلَّز َكٰو َة‬

‫۝‬‫َو ٱۡل ُم وُفوَن ِبَعۡه ِدِه ۡم ِإَذا َعٰـَه ُدوۖ۟ا َو ٱلَّصٰـ ِبِر یَن ِفی ٱۡل َبۡأ َسۤا ِء َو ٱلَّض َّر ۤا ِء َو ِح یَن ٱۡل َبۡأ ِۗس ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك ٱَّلِذ یَن َص َد ُقوۖ۟ا َو ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك ُهُم ٱۡل ُم َّتُقوَن ‪١٧٧‬‬
‫َیٰۤـ َأُّیَه ا ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا ُكِتَب َعَلۡی ُكُم ٱۡل ِقَص اُص ِفی ٱۡل َقۡت َلۖى ٱۡل ُح ُّر ِبٱۡل ُح ِّر َو ٱۡل َعۡب ُد ِبٱۡل َعۡب ِد َو ٱُأۡلنَثٰى ِبٱُأۡلنَثٰۚى َفَم ۡن ُعِف َل ۥُه ِم ۡن َأِخ یِه َشۡی ࣱء َفٱِّتَباُۢع‬
‫َی‬
‫ࣱة‬ ‫ࣱم‬ ‫ࣱۗة‬ ‫ࣱف‬
‫۝ َو َلُكۡم ِفی ٱۡل ِقَص اِص َح َیٰو‬ ‫ِبٱۡل َم ۡع ُر وِف َو َأَد ۤا ٌء ِإَلۡی ِه ِبِإۡح َسٰـ ࣲۗن َذٰ ⁠ِلَك َتۡخ ِفی ِّم ن َّر ِّبُكۡم َو َر ۡح َم َفَم ِن ٱۡع َتَد ٰى َبۡع َد َذٰ ⁠ِلَك َفَل ۥُه َعَذاٌب َأِلی ‪١٧٨‬‬

‫۝ ُكِتَب َعَلۡی ُكۡم ِإَذا َح َض َر َأَح َدُكُم ٱۡل َم ۡو ُت ِإن َتَر َك َخۡی ًر ا ٱۡل َو ِص َّیُة ِلۡل َوٰ ⁠ِلَد ۡی ِن َو ٱَأۡلۡق َر ِبیَن ِبٱۡل َم ۡع ُر وِۖف َح ًّقا َعَلى‬ ‫َیٰۤـ ُأ۟و ِلی ٱَأۡلۡل َبٰـ ِب َلَعَّلُكۡم َتَّتُقوَن ‪١٧٩‬‬
‫ࣱم‬
‫۝﴾ [البقرة‪١٨١-١٧٧ :‬‬ ‫۝ َفَم ۢن َبَّد َل ۥُه َبۡع َد َم ا َسِم َع ۥُه َفِإَّنَم ۤا ِإۡث ُم ۥُه َعَلى ٱَّلِذ یَن ُیَبِّد ُلوَن ۚۤۥُه ِإَّن ٱَهَّلل َسِم یٌع َعِلی ‪١٨١‬‬
‫]ٱۡل ُم َّتِقیَن ‪١٨٠‬‬

‫ليس الخير الَم رضي عند هللا مجرد االتجاه إلى جهة المشرق أو المغرب واالختالف في ذلك‪ ،‬ولكّن الخير كَّل الخير ‪١٧٧-‬‬
‫فيمن آمن باهلل إلًه ا واحًدا‪ ،‬وآمن بيوم القيامة‪ ،‬وبجميع المالئكة‪ ،‬وبجميع الكتب المنزلة‪ ،‬وبجميع األنبياء دون تفريق‪ ،‬وأنفق المال‬
‫مع حبه والحرص عليه على ذوي قرابته‪ ،‬ومن فقد أباه دون سن البلوغ‪ ،‬وذوي الحاجة‪ ،‬والغريب الذي انقطع في السفر عن أهله‬
‫ووطنه‪ ،‬والذين تعرض لهم حاجٌة توجب سؤال الناس‪ ،‬وصرف المال في تحرير الرقاب من الِّر ِّق واألسر‪ ،‬وأقام الصالة باإلتيان‬
‫بها تامة على ما أمر هللا‪ ،‬ودفع الزكاة الواجبة‪ ،‬والذين ُيوفون بعهدهم إذا عاهدوا‪ ،‬والذين يصبرون على الفقر والشدة‪ ،‬وعلى‬
‫المرض‪ ،‬وفي وقت شدة القتال فال َيِفُّر ون‪ ،‬أولئك المتصفون بهذه الصفات هم الذين صدقوا هللا في إيمانهم وأعمالهم‪ ،‬وأولئك هم‬
‫‪.‬المتقون الذين امتثلوا ما أمرهم هللا به‪ ،‬واجتنبوا ما نهاهم هللا عنه‬
‫يا أيها الذين آمنوا باهلل واتبعوا رسوله‪ُ ،‬فِر َض عليكم في شأن الذين َيقتلون غيرهم عمًدا وعدواًنا‪ ،‬معاقبُة القاتل بمثل ‪١٧٨-‬‬
‫جنايته‪ ،‬فالحر ُيقتل بالحر‪ ،‬والعبد ُيقتل بالعبد‪ ،‬واألنثى ُتقتل باألنثى‪ ،‬فإن عفا المقتول قبل موته أو عفا ولي المقتول مقابل الدية ‪-‬‬
‫وهي مقدار من المال يدفعه القاتل مقابل العفو عنه ‪ -‬فعلى من َعفا اتباُع القاتل في طلب الدية بالمعروف ال بالَمِّن واألذى‪ ،‬وعلى‬
‫القاتل أداء الدية بإحسان‪ ،‬من غير مماطلة وتسويف‪ ،‬وذلك العفو وَأْخ ذ الدية تخفيف من ربكم عليكم‪ ،‬ورحمة بهذه األمة‪ ،‬فمن‬
‫‪.‬اعتدى على القاتل بعد العفو وقبول الدية‪ ،‬فله عذاب أليم من هللا تعالى‬
‫ولكم فيما شرعه هللا من القصاص حياة لكم‪ ،‬بحقن دمائكم‪ ،‬ودفع االعتداء بينكم‪ ،‬يدرك ذلك أهل العقول الذين يتقون هللا ‪١٧٩-‬‬
‫‪.‬تعالى باالنقياد لشرعه والعمل بأمره‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫اًل‬ ‫ُف‬ ‫‪22/49‬‬


‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫ُفِر َض عليكم إذا حضر أحَدكم عالماُت الموت وأسباُبه‪ ،‬إن ترك مااًل كثيًر ا أن يوصي للوالدين ولذوي القرابة بما َح َّده ‪١٨٠-‬‬
‫الشرع وهو أال يزيد عن ثلث المال‪ ،‬وِفْعُل هذا حٌّق مؤكد على المتقين هلل تعالى‪ .‬وقد كان هذا الحكم قبل نزول آيات المواريث‪،‬‬
‫‪.‬فلما نزلت آيات المواريث بَّينت َم ن يرث الميت ومقدار ما يرث‬
‫فمن غّير في الوصية بزيادة أو نقص أو منع بعد علمه بالوصية‪ ،‬فإنما يكون إثم ذلك التبديل على المغّيرين ال على ‪١٨١-‬‬

‪.‬الموصي‪ ،‬إن هللا سميع ألقوال عبيده‪ ،‬عليم بأفعالهم‪ ،‬ال يفوته شيء من أحوالهم‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬الِبُّر الذي يحبه هللا يكون بتحقيق اإليمان والعمل الصالح‪ ،‬وأما التمسك بالمظاهر فقط فال يكفي عنده تعالى •‬
‫‪.‬من أعظم ما يحفظ األنفس‪ ،‬ويمنع من التعدي والظلم‪ ،‬تطبيق مبدأ القصاص الذي شرعه هللا في النفس وما دونها •‬
‫‪ِ.‬ع َظُم شأن الوصية‪ ،‬وال سيما لمن كان عنده شيء ُيوصي به‪ ،‬وإثُم من غَّير في وصية الميت وبَّدل ما فيها •‬
‫‪٢٧‬‬

‫ࣱم‬ ‫ࣱر‬ ‫ࣰم‬


‫َفَم ۡن َخ اَف ِم ن ُّم وࣲص َج َنًفا َأۡو ِإۡث ا َفَأۡص َلَح َبۡی َنُه ۡم َفۤاَل ِإۡث َم َعَلۡی ِۚه ِإَّن ٱَهَّلل َغُفو َّر ِح ی ‪١٨٢‬‬
‫۝ َیٰۤـ َأُّیَه ا ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا ُكِتَب َعَلۡی ُكُم ٱلِّص َیاُم﴿‬
‫ࣱة‬ ‫ࣰم‬
‫۝ َأَّیا ا َّم ۡع ُدوَدٰ ⁠ࣲۚت َفَم ن َكاَن ِم نُكم َّمِر یًضا َأۡو َعَلٰى َسَفࣲر َفِع َّد ِّم ۡن َأَّیاٍم ُأَخ َۚر َو َعَلى ٱَّلِذ یَن‬ ‫َكَم ا ُكِتَب َعَلى ٱَّلِذ یَن ِم ن َقۡب ِلُكۡم َلَعَّلُكۡم َتَّتُقوَن ‪١٨٣‬‬
‫ࣱر‬ ‫ࣱر‬ ‫ࣰر‬ ‫ࣱة‬
‫۝ َشۡه ُر َر َم َضاَن ٱَّلِذ ۤی ُأنِز َل‬ ‫ُیِط یُقوَن ۥُه ِفۡد َی َطَعاُم ِم ۡس ِك یࣲۖن َفَم ن َتَطَّو َع َخۡی ا َفُهَو َخۡی َّل ۚۥُه َو َأن َتُص وُم و۟ا َخۡی َّلُكۡم ِإن ُكنُتۡم َتۡع َلُم وَن ‪١٨٤‬‬
‫ࣱة‬
‫ِفیِه ٱۡل ُقۡر َء اُن ُهࣰد ى ِّللَّناِس َو َبِّیَنٰـ ࣲت ِّم َن ٱۡل ُه َد ٰى َو ٱۡل ُفۡر َقاِۚن َفَم ن َشِه َد ِم نُكُم ٱلَّشۡه َر َفۡل َیُص ۡم ُۖه َو َم ن َكاَن َمِر یًضا َأۡو َعَلٰى َسَفࣲر َفِع َّد ِّم ۡن‬

‫َأَّیاٍم ُأَخ َۗر ُیِر یُد ٱُهَّلل ِبُكُم ٱۡل ُیۡس َر َو اَل ُیِر یُد ِبُكُم ٱۡل ُعۡس َر َو ِلُتۡك ِم ُلو۟ا ٱۡل ِع َّد َة َو ِلُتَكِّبُر و۟ا ٱَهَّلل َعَلٰى َم ا َهَد ٰى ُكۡم َو َلَعَّلُكۡم َتۡش ُكُر وَن ‪١٨٥‬‬
‫۝ َو ِإَذا َسَأَلَك‬
‫[البقرة‪١٨٦-١٨٢ :‬‬ ‫]ِعَباِدی َعِّنی َفِإِّنی َقِر یٌۖب ُأِج یُب َد ۡع َو َة ٱلَّداِع ِإَذا َدَعاِۖن َفۡل َیۡس َتِج یُبو۟ا ِلی َو ۡل ُیۡؤ ِم ُنو۟ا ِبی َلَعَّلُه ۡم َیۡر ُشُدوَن ‪١٨٦‬‬
‫۝﴾‬

‫فمن علم من صاحب الوصية مياًل عن الحق‪ ،‬أو َجْو ًر ا في الوصية‪ ،‬فأصلح ما أفسد الموِص ي بنصحه‪ ،‬وأصلح بين ‪١٨٢-‬‬
‫‪.‬المختلفين على الوصية‪ ،‬فال إثم عليه‪ ،‬بل هو مأجور على إصالحه‪ ،‬إن هللا غفور لمن تاب من عباده‪ ،‬رحيم بهم‬
‫يا أيها الذين آمنوا باهلل واتبعوا رسوله ُفِر َض عليكم الصيام من ربكم كما ُفِر َض على األمم من قبلكم‪ ،‬لعلكم تتقون هللا ‪١٨٣-‬‬
‫‪.‬بأن تجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية باألعمال الصالحة ومن أعظمها الصيام‬
‫الصيام المفروض عليكم أن تصوموا أياًم ا قليلة من الَّسَنِة ‪ ،‬فمن كان منكم مريًض ا مرًض ا يشق معه الصوم‪ ،‬أو مسافًر ا‪١٨٤- ،‬‬
‫فله أن يفطر‪ ،‬ثم عليه أن يقضي بقدر ما أفطر من األيام‪ .‬وعلى الذين يستطيعون الصيام فدية إذا أفطروا‪ ،‬وهي إطعام مسكيٍن عن‬
‫كل يوم يفطرون فيه‪ .‬وصومكم خير لكم من اإلفطار وإعطاء الفدية‪ ،‬إن كنتم تعلمون ما في الصوم من الفضل‪ .‬وكان هذا الحكم‬
‫‪.‬أول ما شرع هللا الصيام‪ ،‬فكان من شاء صام‪ ،‬ومن شاء أفطر وأطعم‪ ،‬ثم أوجب هللا الصيام بعد ذلك‪ ،‬وفرضه على كل بالغ قادر‬
‫شهر رمضان الذي بدأ فيه نزول القرآن على النبي ﷺ في ليلة القدر‪ ،‬أنزله هللا هدايًة للناس‪ ،‬فيه الدالئل الواضحات ‪١٨٥-‬‬
‫من الهدى‪ ،‬والفرقان بين الحق والباطل‪ ،‬فمن حضر شهر رمضان وهو مقيم صحيح فليصمه وجوًبا‪ ،‬ومن كان مريًض ا يشق عليه‬
‫الصوم أو مسافًر ا‪ ،‬فله أن يفطر‪ ،‬وإذا أفطر فالواجب عليه أن يقضي تلك األيام التي أفطرها‪ ،‬يريد هللا بما شرع لكم أن يسلك بكم‬
‫سبيل اليسر ال العسر‪ ،‬ولتكملوا عدة صوم الشهر كله‪ ،‬ولتكبروا هللا بعد ختام شهر رمضان ويوم العيد على أن وفقكم لصومه‪،‬‬
‫‪.‬وأعانكم على إكماله‪ ،‬ولعلكم تشكرون هللا على هدايتكم لهذا الدين الذي ارتضاه لكم‬
‫وإذا سألك ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬عبادي عن قربي وإجابتي لدعائهم‪ ،‬فإني قريب منهم‪ ،‬عالم بأحوالهم‪ ،‬سامع لدعائهم‪ ،‬فال ‪١٨٦-‬‬
‫يحتاجون إلى وسطاء‪ ،‬وال إلى رفع أصواتهم‪ُ ،‬أجيب دعوة الداعي إذا دعاني مخلًص ا في دعائه‪ ،‬فلينقادوا لي وألوامري‪ ،‬وليثبتوا‬

‪.‬على إيمانهم‪ ،‬فإن ذلك أنفع وسيلة إلجابتي‪ ،‬لعلهم يسلكون بذلك سبيل الرشد في شؤونهم الدينية والدنيوية‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫َفَّضَل هللا شهر رمضان بجعله شهر الصوم بإنزال القرآن فيه‪ ،‬فهو شهر القرآن‪ ،‬ولهذا كان النبي ﷺ يتدارس القرآن مع •‬
‫‪.‬جبريل في رمضان‪ ،‬ويجتهد فيه ما ال يجتهد في غيره‬
‫‪.‬شريعة اإلسالم قامت في أصولها وفروعها على التيسير ورفع الحرج‪ ،‬فما جعل هللا علينا في الدين من حرج •‬
‫‪ُ.‬قْر ب هللا تعالى من عباده‪ ،‬وإحاطته بهم‪ ،‬وعلمه التام بأحوالهم‪ ،‬ولهذا فهو يسمع دعاءهم ويجيب سؤالهم •‬
‫‪٢٨‬‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪23/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫ࣱس‬ ‫ࣱس‬
‫ُأِح َّل َلُكۡم َلۡی َلَة ٱلِّص َیاِم ٱلَّر َفُث ِإَلٰى ِنَسۤا ِٕىُكۚۡم ُهَّن ِلَبا َّلُكۡم َو َأنُتۡم ِلَبا َّلُه َّۗن َعِلَم ٱُهَّلل َأَّنُكۡم ُكنُتۡم َتۡخ َتاُنوَن َأنُفَسُكۡم َفَتاَب َعَلۡی ُكۡم َو َعَفا﴿‬

‫َعنُكۖۡم َفٱۡل َٔـٰـ َن َبٰـِش ُر وُهَّن َو ٱۡب َتُغو۟ا َم ا َكَتَب ٱُهَّلل َلُكۚۡم َو ُكُلو۟ا َو ٱۡش َر ُبو۟ا َح َّتٰى َیَتَبَّیَن َلُكُم ٱۡل َخۡی ُط ٱَأۡلۡب َیُض ِم َن ٱۡل َخۡی ِط ٱَأۡلۡس َو ِد ِم َن ٱۡل َفۡج ِۖر ُثَّم‬
‫َأِتُّم و۟ا ٱلِّص َیاَم ِإَلى ٱَّلۡی ِۚل َو اَل ُتَبٰـِش ُر وُهَّن َو َأنُتۡم َعٰـِك ُفوَن ِفی ٱۡل َم َسٰـ ِج ِۗد ِتۡل َك ُح ُدوُد ٱِهَّلل َفاَل َتۡق َر ُبوَهۗا َكَذٰ ⁠ِلَك ُیَبِّیُن ٱُهَّلل َء اَیٰـِتِهۦ ِللَّناِس َلَعَّلُه ۡم‬
‫ࣰق‬
‫۝۞‬ ‫۝ َو اَل َتۡأ ُكُلۤو ۟ا َأۡم َوٰ ⁠َلُكم َبۡی َنُكم ِبٱۡل َبٰـِط ِل َو ُتۡد ُلو۟ا ِبَه ۤا ِإَلى ٱۡل ُح َّكاِم ِلَتۡأ ُكُلو۟ا َفِر ی ا ِّم ۡن َأۡم َو⁠ٰ ِل ٱلَّناِس ِبٱِإۡل ۡث ِم َو َأنُتۡم َتۡع َلُم وَن ‪١٨٨‬‬
‫َیَّتُقوَن ‪١٨٧‬‬

‫َمَوٰ ⁠ِقیُت ِللَّناِس َو ٱۡل َح ِّۗج َو َلۡی َس ٱۡل ِبُّر ِبَأن َتۡأ ُتو۟ا ٱۡل ُبُیوَت ِم ن ُظُه وِر َها َو َلٰـِك َّن ٱۡل ِبَّر َم ِن ٱَّتَقٰۗى َو ۡأ ُتو۟ا ٱۡل ُبُیوَت‬ ‫ِۖة‬
‫َیۡس َٔـُلوَنَك َعِن ٱَأۡلِه َّل ُقۡل ِه َی‬
‫۝﴾ [البقرة‪:‬‬ ‫۝ َو َقٰـِتُلو۟ا ِفی َسِبیِل ٱِهَّلل ٱَّلِذ یَن ُیَقٰـِتُلوَنُكۡم َو اَل َتۡع َتُدۤو ۚ۟ا ِإَّن ٱَهَّلل اَل ُیِح ُّب ٱۡل ُم ۡع َتِد یَن ‪١٩٠‬‬
‫ُتۡف ِلُح وَن ‪١٨٩‬‬ ‫ِم ۡن َأۡب َوٰ ⁠ِبَه ۚا َو ٱَّتُقو۟ا ٱَهَّلل َلَعَّلُكۡم‬
‫]‪١٩٠-١٨٧‬‬

‫قد كان في أول األمر يحرم على الرجل إذا نام في ليلة الصيام ثم استيقظ قبل الفجر أن يأكل أو يقرب أهله‪ ،‬فنسخ هللا ‪١٨٧-‬‬
‫ذلك‪ ،‬وأباح هللا لكم ‪ -‬أيها المؤمنون ‪ -‬في ليالي الصيام جماع نسائكم‪ ،‬فهن ستر وإعفاف لكم‪ ،‬وأنتم ستر وإعفاف لهن‪ ،‬ال يستغني‬
‫بعضكم عن بعض‪َ ،‬عِلَم هللا أنكم كنتم تخونون أنفسكم بفعل ما نهاكم عنه‪ ،‬فرحمكم وتاب عليكم‪ ،‬وخفف عنكم‪ ،‬فاآلن جامعوهن‪،‬‬
‫واطلبوا ما قّدر هللا لكم من الذرية‪ ،‬وكلوا واشربوا في الليل كله‪ ،‬حتى يتبين لكم طلوع الفجر الصادق ببياض الفجر وانفصاله عن‬
‫سواد الليل‪ ،‬ثم أكملوا الصيام باإلمساك عن المفطرات من طلوع الفجر حتى تغيب الشمس‪ ،‬وال تجامعوا النساء وأنتم معتكفون في‬
‫المساجد‪ ،‬ألن ذلك يبطله‪ .‬تلك األحكام المذكورة هي حدود هللا بين الحالل والحرام فال تقربوها أبًدا‪ ،‬فإن من اقترب من حدود هللا‬
‫يوشك أن يقع في الحرام‪ ،‬وبمثل هذا البيان الواضح الجلي لتلك األحكام يبين هللا آياته للناس لعلهم يتقونه بفعل ما أمر وترك ما‬
‫‪.‬نهى‬


‫‪١٨٨-‬‬ ‫وال يأخذ بعضكم مال بعضكم بوجه غير مشروع‪ ،‬كالسرقة والَغْص ب والغش‪ ،‬وال تخاصموا بها إلى الحكام لتأخذوا‬
‫طائفة من أموال الناس متلّبسين بالمعصية‪ ،‬وأنتم تعلمون أن هللا حرم ذلك‪ ،‬فاإلقدام على الذنب مع العلم بتحريمه أشد ُقْبًح ا وأعظم‬
‫‪.‬عقوبة‬
‫يسألونك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬عن تكوين األهلة وتغير أحوالها‪ ،‬قل مجيًبا إياهم عن حكمة ذلك‪ :‬إنها مواقيت للناس‪
،‬‬
‫‪١٨٩-‬‬
‫يعرفون بها أوقات عباداتهم‪ ،‬كأشهر الحج‪ ،‬وشهر الصيام‪ ،‬وَتمام الَحْو ل في الزكاة‪ ،‬ويعرفون أوقاتهم في المعامالت‪ ،‬كتحديد‬
‫آجال الديات والديون‪ .‬وليس البر والخير أن تأتوا البيوت من ظهورها عند إحرامكم بالحج أو العمرة ‪ -‬كما كنتم تزعمون في‬
‫الجاهلية ‪ -‬ولكن البّر حقيقًة بُّر من اتقى هللا في الظاهر والباطن‪ ،‬ولكن مجيئكم للبيوت من أبوابها‪ ،‬فهو أيسر لكم وأبعد عن‬
‫المشقة‪ ،‬ألن هللا لم يكلفكم بما فيه عسر ومشقة عليكم‪ ،‬واجعلوا بينكم وبين عذاب هللا وقاية من العمل الصالح‪ ،‬لعلكم تفلحون بنيل‬
‫‪.‬ما ترغبون فيه‪ ،‬والنجاة مما ترهبون منه‬
‫تتجاوزوا حدود هللا بقتل الصبيان ‪١٩٠-‬‬ ‫وقاتلوا ‪ -‬ابتغاء رفع كلمة هللا ‪ -‬الذين ُيقاتلونكم من الكفار ليصدوكم عن دين هللا‪ ،‬وال


‪.‬والنساء والشيوخ‪ ،‬أو بالتمثيل بالقتلى ونحو ذلك‪ ،‬إّن هللا ال يحب المتجاوزين لحدوده فيما شرع وحكم‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬مشروعية االعتكاف‪ ،‬وهو لزوم المسجد للعبادة‪ ،‬ولهذا ُينهى عن كل ما يعارض مقصود االعتكاف‪ ،‬ومنه
مباشرة المرأة •‬
‫‪.‬النهي عن أكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬وتحريم كل الوسائل واألساليب التي تقود لذلك‪ ،‬ومنها الرشوة •‬ ‫

‫‪.‬تحريم االعتداء والنهي عنه‪ ،‬ألن هذا الدين قائم على العدل واإلحسان •‬ ‫

‫‪٢٩‬‬

‫َو ٱۡق ُتُلوُهۡم َح ۡی ُث َثِقۡف ُتُم وُهۡم َو َأۡخ ِر ُج وُهم ِّم ۡن َح ۡی ُث َأۡخ َر ُج وُكۚۡم َو ٱۡل ِفۡت َنُة َأَشُّد ِم َن ٱۡل َقۡت ِۚل َو اَل ُتَقٰـِتُلوُهۡم ِع نَد ٱۡل َم ۡس ِج ِد ٱۡل َح َر اِم َح َّتٰى ُیَقٰـِتُلوُكۡم ﴿‬
‫ࣱة‬ ‫ࣱم‬ ‫ࣱر‬
‫۝ َو َقٰـِتُلوُهۡم َح َّتٰى اَل َتُكوَن ِفۡت َن َو َیُكوَن‬ ‫۝ َفِإِن ٱنَتَه ۡو ۟ا َفِإَّن ٱَهَّلل َغُفو َّر ِح ی ‪١٩٢‬‬ ‫ِفیِۖه َفِإن َقٰـ َتُلوُكۡم َفٱۡق ُتُلوُهۗۡم َكَذٰ ⁠ِلَك َج َز ۤا ُء ٱۡل َكٰـِفِر یَن ‪١٩١‬‬
‫۝ ٱلَّشۡه ُر ٱۡل َح َر اُم ِبٱلَّشۡه ِر ٱۡل َح َر اِم َو ٱۡل ُح ُر َم ٰـُت ِقَص اࣱۚص َفَم ِن ٱۡع َتَد ٰى َعَلۡی ُكۡم‬
‫ٱلِّد یُن ِۖهَّلِل َفِإِن ٱنَتَه ۡو ۟ا َفاَل ُعۡد َوٰ ⁠َن ِإاَّل َعَلى ٱلَّظٰـِلِم یَن ‪١٩٣‬‬

‫َفٱۡع َتُدو۟ا َعَلۡی ِه ِبِم ۡث ِل َم ا ٱۡع َتَد ٰى َعَلۡی ُكۚۡم َو ٱَّتُقو۟ا ٱَهَّلل َو ٱۡع َلُم ۤو ۟ا َأَّن ٱَهَّلل َمَع ٱۡل ُم َّتِقیَن ‪١٩٤‬‬
‫۝ َو َأنِفُقو۟ا ِفی َسِبیِل ٱِهَّلل َو اَل ُتۡل ُقو۟ا ِبَأۡی ِد یُكۡم ِإَلى‬
‫ٱلَّتۡه ُلَكِة َو َأۡح ِس ُنۤو ۚ۟ا ِإَّن ٱَهَّلل ُیِح ُّب ٱۡل ُم ۡح ِسِنیَن ‪١٩٥‬‬
‫۝ َو َأِتُّم و۟ا ٱۡل َحَّج َو ٱۡل ُعۡم َر َة ِۚهَّلِل َفِإۡن ُأۡح ِص ۡر ُتۡم َفَم ا ٱۡس َتۡی َسَر ِم َن ٱۡل َه ۡد ِۖی َو اَل َتۡح ِلُقو۟ا ُر ُء وَسُكۡم‬
‫ࣱة‬ ‫ࣰذ‬
‫َح َّتٰى َیۡب ُلَغ ٱۡل َه ۡد ُی َم ِح َّل ۚۥُه َفَم ن َكاَن ِم نُكم َّمِر یًضا َأۡو ِب ۤۦِه َأ ى ِّم ن َّر ۡأ ِس ِهۦ َفِفۡد َی ِّم ن ِص َیاٍم َأۡو َص َد َقٍة َأۡو ُنُسࣲۚك َفِإَذۤا َأِم نُتۡم َفَم ن َتَم َّتَع‬
‫ࣱۗة‬ ‫ࣱة‬
‫ِبٱۡل ُعۡم َر ِة ِإَلى ٱۡل َح ِّج َفَم ا ٱۡس َتۡی َسَر ِم َن ٱۡل َه ۡد ِۚی َفَم ن َّلۡم َیِج ۡد َفِص َیاُم َثَلٰـ َثِة َأَّیاࣲم ِفی ٱۡل َح ِّج َو َسۡب َعٍة ِإَذا َر َج ۡع ُتۗۡم ِتۡل َك َعَشَر َكاِم َل َذٰ ⁠ِلَك ِلَم ن َّلۡم‬
‫۝﴾ [البقرة‪١٩٦-١٩١ :‬‬ ‫]َیُكۡن َأۡه ُل ۥُه َح اِض ِر ی ٱۡل َم ۡس ِج ِد ٱۡل َح َر اِۚم َو ٱَّتُقو۟ا ٱَهَّلل َو ٱۡع َلُم ۤو ۟ا َأَّن ٱَهَّلل َشِدیُد ٱۡل ِع َقاِب ‪١٩٦‬‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪24/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫واقتلوهم حيث لقيتموهم‪ ،‬وأخرجوهم من المكان الذي أخرجوكم منه‪ ،‬وهو مكة‪ ،‬والفتنة الحاصلة بَص ِّد المؤمن عن ‪١٩١-‬‬
‫دينه ورجوعه إلى الكفر أعظم من القتل‪ .‬وال تبدؤوهم بقتال عند المسجد الحرام تعظيًم ا له حتى يبدؤوكم بالقتال فيه‪ ،‬فإن بدؤوا‬
‫‪.‬بالقتال في المسجد الحرام فاقتلوهم‪ ،‬ومثل هذا الجزاء ‪ -‬وهو قتلهم إذا اعتدوا في المسجد الحرام ‪ -‬يكون جزاء الكافرين‬
‫فإن انتهوا عن قتالكم وكفرهم فانتهوا عنهم‪ ،‬إن هللا غفور لمن تاب فال يؤاخذهم بذنوبهم السابقة‪ ،‬رحيم بهم ال يعاجلهم ‪١٩٢-‬‬
‫‪.‬بالعقوبة‬
‫وقاتلوا الكفار حتى ال يكون منهم شرك وال َص ٌّد للناس عن سبيل هللا وال كفر‪ ،‬ويكون الدين الظاهر دين هللا‪ ،‬فإن ‪١٩٣-‬‬
‫‪.‬انتهوا عن كفرهم وصدهم عن سبيل هللا فاتركوا قتالهم‪ ،‬فإنه ال عدوان إال على الظالمين بالكفر والصد عن سبيل هللا‬
‫الشهر الحرام الذي مّكَنكم هللا فيه من دخول الحرم وأداء العمرة سنَة َسبع‪ ،‬هو ِع َو ض عن الشهر الحرام الذي صدكم ‪١٩٤-‬‬
‫فيه المشركون عن الحرم سنَة ِس ٍّت‪ ،‬والُح رمات ‪ -‬كحرمة البلد الحرام والشهر الحرام واإلحرام ‪ -‬يجري فيها القصاص من‬
‫المعتدين‪ ،‬فمن اعتدى عليكم فيها فعاملوه بمثل فعله‪ ،‬وال تتجاوزوا حد المماثلة‪ ،‬إن هللا ال يحب المتجاوزين لحدوده‪ ،‬وخافوا هللا‬
‫‪.‬في تجاوز ما أذن لكم فيه‪ ،‬واعلموا أن هللا مع المتقين له بالتوفيق والتأييد‬
‫وأنفقوا المال في طاعة هللا من الجهاد وغيره‪ ،‬وال تلقوا بأنفسكم إلى الهالك‪ ،‬بأن تتركوا الجهاد والبذل في سبيله‪ ،‬أو ‪١٩٥-‬‬
‫بأن تلقوا بأنفسكم فيما يكون سبًبا لهالككم‪ ،‬وأحسنوا في عباداتكم ومعامالتكم وأخالقكم‪ ،‬إن هللا يحب المحسنين في كل شؤونهم‪،‬‬
‫‪.‬فيعظم لهم الثواب‪ ،‬ويوفقهم للرشاد‬
‫وأدوا الحج والعمرة تاَّم ين‪ ،‬مبتغين وجه هللا تعالى‪ ،‬فإذا ُمِنْعُتم من إتمامهما بمرض أو بعدٍّو ‪ ،‬فعليكم بذبح ما تيسر من ‪١٩٦-‬‬
‫الهدي ‪ -‬من اإلبل أو البقر أو الغنم ‪ -‬لتتحَّللوا من إحرامكم‪ .‬وال تحلقوا رؤوسكم أو تقصروها حتى يبلغ الهدي الموضع الذي يحُّل‬
‫فيه ذبحه‪ ،‬فإن كان ممنوًعا من الحرم فليذبح حيث ُم نع‪ ،‬وإن كان غير ممنوع من الحرم فليذبح في الحرم يوم النحر وما بعده من‬
‫أيام التشريق‪ .‬فمن كان منكم مريًض ا‪ ،‬أو به أذى من شعر رأسه‪ ،‬كقمل ونحوه‪َ ،‬فَح َلق رأسه بسبب ذلك‪ ،‬فال حرج عليه‪ ،‬وعليه أن‬
‫يفدي عن ذلك‪ ،‬إما بصيام ثالثة أيام‪ ،‬أو بإطعام ستة مساكين من مساكين الحرم‪ ،‬أو بذبح شاة توزع على فقراء الحرم‪ ،‬فإذا كنتم‬
‫غير خائفين فمن استمتع منكم بأداء العمرة في أشهر الحج‪ ،‬وتمتع بما حُر َم عليه من محظورات اإلحرام إلى أن يحرم بالحج من‬
‫عامه‪ ،‬فليذبح ما تيسر له من شاة أو يشترك سبعة في ذبح بعير أو بقرة‪ ،‬فإذا لم يقدر على الهدي فعليه صيام ثالثة أيام من أيام‬
‫المناسك بداًل منه‪ ،‬وعليه صيام سبعة أيام بعد رجوعه إلى أهله‪ ،‬ليكون مجموع األيام عشرة كاملة‪ ،‬ذلك التمتع مع وجوب الهدي‬
‫أو الصيام للعاجز عن الهدي هو لغير أهل الحرم ومن يقيم قريًبا من الحرم‪ ،‬ألنهم ال حاجة بهم إلى التمتع فهم لوجودهم بالحرم‬
‫يكفيهم مطلق الطواف عن التمتع بالعمرة إلى الحج‪ ،‬واتقوا هللا باتباع ما شرع‪ ،‬وتعظيم حدوده‪ ،‬واعلموا أن هللا شديد العقاب لمن‬

‪.‬خالف أمره‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬مقصود الجهاد وغايته َج ْعل الحكم هلل تعالى وإزالة ما يمنع الناس من سماع الحق والدخول فيه •‬
‫‪.‬ترك الجهاد والقعود عنه من أسباب هالك األمة‪ ،‬ألنه يؤدي إلى ضعفها وطمع العدو فيها •‬
‫‪.‬وجوب إتمام الحج والعمرة لمن شرع فيهما‪ ،‬وجواز التحلل منهما بذبح هدي لمن ُم ِنع عن الحرم •‬
‫‪٣٠‬‬

‫ࣱر‬
‫ٱۡل َحُّج َأۡش ُه َّم ۡع ُلوَم ٰـ ࣱۚت َفَم ن َفَر َض ِفیِه َّن ٱۡل َحَّج َفاَل َر َفَث َو اَل ُفُسوَق َو اَل ِج َداَل ِفی ٱۡل َح ِّۗج َو َم ا َتۡف َعُلو۟ا ِم ۡن َخۡی ࣲر َیۡع َلۡم ُه ٱُۗهَّلل َو َتَز َّو ُدو۟ا ﴿‬
‫ۡذ‬ ‫اࣰل‬
‫۝ َلۡی َس َعَلۡی ُكۡم ُج َناٌح َأن َتۡب َتُغو۟ا َفۡض ِّم ن َّر ِّبُكۚۡم َفِإَذۤا َأَفۡض ُتم ِّم ۡن َعَر َفٰـ ࣲت َفٱ ُكُر و۟ا ٱَهَّلل‬ ‫َفِإَّن َخۡی َر ٱلَّز اِد ٱلَّتۡق َو ٰۖى َو ٱَّتُقوِن َیٰۤـ ُأ۟و ِلی ٱَأۡلۡل َبٰـ ِب ‪١٩٧‬‬
‫۝ ُثَّم َأِفیُضو۟ا ِم ۡن َح ۡی ُث َأَفاَض ٱلَّناُس َو ٱۡس َتۡغ ِفُر و۟ا ٱَۚهَّلل‬ ‫ِع نَد ٱۡل َم ۡش َعِر ٱۡل َح َر اِۖم َو ٱۡذ ُكُر وُه َكَم ا َهَد ٰى ُكۡم َو ِإن ُكنُتم ِّم ن َقۡب ِلِهۦ َلِم َن ٱلَّض ۤا ِّلیَن ‪١٩٨‬‬
‫ࣰر‬ ‫ࣱم‬ ‫ࣱر‬
‫۝ َفِإَذا َقَض ۡی ُتم َّم َنٰـِس َكُكۡم َفٱۡذ ُكُر و۟ا ٱَهَّلل َكِذ ۡك ِر ُكۡم َء اَبۤا َء ُكۡم َأۡو َأَشَّد ِذ ۡك ۗا َفِم َن ٱلَّناِس َم ن َیُقوُل َر َّبَنۤا َء اِتَنا ِفی ٱلُّد ۡن َیا‬‫ِإَّن ٱَهَّلل َغُفو َّر ِح ی ‪١٩٩‬‬
‫ࣰة‬ ‫ࣰة‬
‫۝ َو ِم ۡن ُه م َّم ن َیُقوُل َر َّبَنۤا َء اِتَنا ِفی ٱلُّد ۡن َیا َحَسَن َو ِفی ٱۡل َٔـاِخ َر ِة َحَسَن َو ِقَنا َعَذاَب ٱلَّناِر ‪٢٠١‬‬
‫۝ ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك َلُه ۡم‬ ‫َو َم ا َل ۥُه ِفی ٱۡل َٔـاِخ َر ِة ِم ۡن َخ َلٰـ ࣲق ‪٢٠٠‬‬
‫ࣱب‬
‫۝﴾ [البقرة‪٢٠٢-١٩٧ :‬‬ ‫]َنِص ی ِّم َّم ا َكَسُبوۚ۟ا َو ٱُهَّلل َسِر یُع ٱۡل ِح َساِب ‪٢٠٢‬‬

‫وقت الحج أشهر معلومات‪ ،‬تبدأ بشهر شوال‪ ،‬وتنتهي بعشر ذي الحجة‪ ،‬فمن أوجب على نفسه الحج في هذه األشهر ‪١٩٧-‬‬
‫وأحرم به‪َ ،‬حُر َم عليه الجماع ومقدماته‪ ،‬ويتأكد في حقه ُحْر مة الخروج عن طاعة هللا بارتكاب المعاصي‪ ،‬لعظم الزمان والمكان‪،‬‬
‫ويحرم عليه الجدال المؤدي إلى الغضب والخصومة‪ ،‬وما تفعلوا من خير يعلمه هللا فيجازيكم به‪ .‬واستعينوا على أداء الحج بأخذ‬
‫ما تحتاجون إليه من طعام وشراب‪ ،‬واعلموا أن خير ما تستعينون به في كل شؤونكم هو تقوى هللا تعالى‪ ،‬فخافوني بامتثال‬
‫‪.‬أوامري واجتناب نواهّي يا ذوي العقول السليمة‬
‫ليس عليكم إثم أن تطلبوا الرزق الحالل بالتجارة وغيرها في أثناء الحج‪ ،‬فإذا دفعتم من عرفات بعد وقوفكم فيها يوم ‪١٩٨-‬‬
‫التاسع‪ ،‬متوجهين إلى مزدلفة ليلة العاشر من ذي الحجة‪ ،‬فاذكروا هللا بالتسبيح والتهليل والدعاء عند المشعر الحرام بمزدلفة‪،‬‬
‫‪.‬واذكروا هللا لهدايته لكم إلى معالم دينه‪ ،‬ومناسك حج بيته‪ ،‬فقد كنتم من قبل ذلك من الغافلين عن شريعته‬
‫ثم ادفعوا من عرفات كما كان يصنع الناس المقتدون بإبراهيم عليه السالم‪ ،‬ال كما كان يصنع من ال يقف بها من أهل ‪١٩٩-‬‬
‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪25/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫‪.‬الجاهلية‪ ،‬واطلبوا المغفرة من هللا على تقصيركم في أداء ما شرع‪ ،‬إن هللا غفور لمن تاب من عباده‪ ،‬رحيم بهم‬
‫فإذا أنهيتم أعمال الحج‪ ،‬وفرغتم منها فاذكروا هللا‪ ،‬وأكثروا من الثناء عليه‪ ،‬كَفْخ ِر كم بآبائكم وثنائكم عليهم‪ ،‬أو أشد ‪٢٠٠-‬‬
‫ذكًر ا هلل من ذكر آبائكم‪ ،‬ألن كل نعمة تتنّعمون بها هي منه سبحانه وتعالى‪ ،‬والناس مختلفون‪ ،‬فمنهم الكافر المشرك الذي ال يؤمن‬
‫إال بهذه الحياة الدنيا‪ ،‬فال يسأل ربه إال نعيمها وزينتها من الصحة والمال والولد‪ ،‬وليس لهم نصيب مما أعد هللا لعباده المؤمنين‬
‫‪.‬في اآلخرة‪ ،‬لرغبتهم في الدنيا وإعراضهم عن اآلخرة‬
‫وفريق من الناس مؤمن باهلل يؤمن باآلخرة‪ ،‬فيسأل ربه نعيم الدنيا والعمل الصالح فيها‪ ،‬كما يسأله الفوز بالجنة ‪٢٠١-‬‬
‫‪.‬والسالمة من عذاب النار‬
‫أولئك الداعون بَخْيَر ي الدنيا واآلخرة لهم حٌّظ من ثواب عظيم بما اكتسبوا من األعمال الصالحة في الدنيا‪ ،‬وهللا سريع ‪٢٠٢-‬‬

‪.‬الحساب لألعمال‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬يجب على المؤمن التزود في سفر الدنيا وسفر اآلخرة‪ ،‬ولذلك ذكر هللا أن خير الزاد هو التقوى •‬
‫‪.‬مشروعية اإلكثار من ذكر هللا تعالى عند إتمام نسك الحج •‬
‫اختالف مقاصد الناس‪ ،‬فمنهم من جعل هّم ه الدنيا‪ ،‬فال يسأل ربه غيرها‪ ،‬ومنهم من يسأله خير الدنيا واآلخرة‪ ،‬وهذا هو •‬
‫‪.‬الموَّفق‬
‫‪٣١‬‬

‫َو ٱۡذ ُكُر و۟ا ٱَهَّلل ِفۤی َأَّیاࣲم َّم ۡع ُدوَدٰ ⁠ࣲۚت َفَم ن َتَعَّجَل ِفی َیۡو َم ۡی ِن َفۤاَل ِإۡث َم َعَلۡی ِه َو َم ن َتَأَّخ َر َفۤاَل ِإۡث َم َعَلۡی ِۖه ِلَم ِن ٱَّتَقٰۗى َو ٱَّتُقو۟ا ٱَهَّلل َو ٱۡع َلُم ۤو ۟ا َأَّنُكۡم ۞﴿‬
‫۝ َو ِم َن ٱلَّناِس َم ن ُیۡع ِج ُبَك َقۡو ُل ۥُه ِفی ٱۡل َح َیٰو ِة ٱلُّد ۡن َیا َو ُیۡش ِه ُد ٱَهَّلل َعَلٰى َم ا ِفی َقۡل ِبِهۦ َو ُهَو َأَلُّد ٱۡل ِخ َص اِم ‪٢٠٤‬‬
‫۝ َو ِإَذا َتَو َّلٰى‬ ‫ِإَلۡی ِه ُتۡح َشُر وَن ‪٢٠٣‬‬
‫۝ َو ِإَذا ِقیَل َلُه ٱَّتِق ٱَهَّلل َأَخ َذۡت ُه ٱۡل ِع َّز ُة ِبٱِإۡل ۡث ِۚم َفَح ۡس ُب ۥُه‬
‫َسَعٰى ِفی ٱَأۡلۡر ِض ِلُیۡف ِسَد ِفیَه ا َو ُیۡه ِلَك ٱۡل َح ۡر َث َو ٱلَّنۡس َۚل َو ٱُهَّلل اَل ُیِح ُّب ٱۡل َفَساَد ‪٢٠٥‬‬
‫۝ َو ِم َن ٱلَّناِس َم ن َیۡش ِر ی َنۡف َسُه ٱۡب ِتَغۤا َء َم ۡر َض اِت ٱِۚهَّلل َو ٱُهَّلل َر ُء وُۢف ِبٱۡل ِعَباِد ‪٢٠٧‬‬
‫۝ َیٰۤـ َأُّیَه ا ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا ٱۡد ُخُلو۟ا‬ ‫َجَه َّنُۖم َو َلِبۡئ َس ٱۡل ِم َهاُد ‪٢٠٦‬‬
‫ࣱّو ࣱن‬ ‫ࣰة‬
‫۝ َفِإن َز َلۡل ُتم ِّم ۢن َبۡع ِد َم ا َج ۤا َء ۡت ُكُم ٱۡل َبِّیَنٰـُت َفٱۡع َلُم ۤو ۟ا َأَّن ٱَهَّلل َعِز یٌز‬
‫ِفی ٱلِّس ۡل ِم َكۤا َّف َو اَل َتَّتِبُعو۟ا ُخ ُطَوٰ ⁠ِت ٱلَّشۡی َطٰـ ِۚن ِإَّن ۥُه َلُكۡم َعُد ُّم ِبی ‪٢٠٨‬‬
‫[البقرة‪٢١٠-٢٠٣ :‬‬ ‫۝ َهۡل َینُظُر وَن ِإۤاَّل َأن َیۡأ ِتَیُه ُم ٱُهَّلل ِفی ُظَلࣲل ِّم َن ٱۡل َغَم اِم َو ٱۡل َم َلٰۤـ ِٕىَكُة َو ُقِض َی ٱَأۡلۡم ُۚر َو ِإَلى ٱِهَّلل ُتۡر َجُع ٱُأۡلُم وُر ‪٢١٠‬‬
‫۝﴾‬ ‫]َحِك یٌم ‪٢٠٩‬‬

‫واذكروا هللا بالتكبير والتهليل في أيام قالئل‪ ،‬هي‪ :‬الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة‪ ،‬فمن تعَّج ل ‪٢٠٣-‬‬
‫وخرج من منى بعد الرمي في اليوم الثاني عشر فله ذلك‪ ،‬وال إثم عليه‪ ،‬ألن هللا خفف عنه‪ ،‬ومن تأخر إلى الثالث عشر حتى‬
‫يرمي فله ذلك‪ ،‬وال حرج عليه‪ ،‬وقد جاء باألكمل‪ ،‬واتبع فعل النبي ﷺ‪ ،‬كل ذلك لمن اتقى هللا في حجه فجاء به كما أمر هللا‪ ،‬واتقوا‬
‫‪.‬هللا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‪ ،‬وأيقنوا أنكم إليه وحده ترجعون وتصيرون‪ ،‬فيجازيكم على أعمالكم‬
‫ومن الناس منافق يعجبك ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬كالمه في هذه الدنيا‪ ،‬فتراه حسن المنطق‪ ،‬حتى لتظن صدقه ونصحه‪ ،‬وإنما ‪٢٠٤-‬‬
‫‪َ.‬قْص ده حفُظ نفسه وماله‪ ،‬وُيشِه د هللا ‪ -‬وهو كاذب ‪ -‬على ما في قلبه من إيمان وخير‪ ،‬وهو شديد الخصومة والعداوة للمسلمين‬
‫وإذا أدبر عنك وفارقك سعى مجتهًدا في األرض من أجل أن ُيفسد بالمعاصي‪ ،‬وُيْتِلف الزرع‪ ،‬ويقتل المواشي‪ ،‬وهللا ال ‪٢٠٥-‬‬
‫‪.‬يحب الفساد في األرض‪ ،‬وال يحب أهله‬
‫وإذا قيل لذلك المفسد ‪ -‬على سبيل النصح ‪ :-‬اتق هللا بتعظيم حدوده واجتناب نواهيه‪ ،‬منعته اَألَنَفُة والِك ْبر عن الرجوع ‪٢٠٦-‬‬
‫‪.‬إلى الحق‪ ،‬وتمادى في اإلثم‪ ،‬فجزاؤه الذي يكفيه دخول جهنم‪ ،‬ولبئس المستقر والمقام ألهلها‬
‫ومن الناس مؤمن يبيع نفسه‪ ،‬فيبذلها طاعة لربه‪ ،‬وجهاًدا في سبيله وطلًبا لمرضاته‪ ،‬وهللا واسع الرحمة بعباده‪ ،‬رؤوف ‪٢٠٧-‬‬
‫‪.‬بهم‬
‫يا أيها الذين آمنوا باهلل واتبعوا رسوله ادخلوا في اإلسالم جميعه‪ ،‬وال تتركوا منه شيًئا‪ ،‬كما يفعل أهل الكتاب من ‪٢٠٨-‬‬
‫‪.‬اإليمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه‪ ،‬وال تتبعوا مسالك الشيطان‪ ،‬ألنه لكم عدو واضح العداوة ُم ْظ ِه ُر ها‬
‫فإن وقع منكم زلل وميل من بعد ما جاءتكم الدالئل الواضحات التي ال َلبس فيها‪ ،‬فاعلموا أن هللا عزيز في قدرته ‪٢٠٩-‬‬
‫‪.‬وقهره‪ ،‬حكيم في تدبيره وتشريعه‪ ،‬فخافوه وَعِّظ موه‬
‫ما ينتظر هؤالء المتبعون مسالك الشيطان المائلون عن طريق الحق إال أن يأتيهم هللا يوم القيامة إتياًنا يليق بجالله ‪٢١٠-‬‬
‫سبحانه‪ ،‬في ُظَلل من السحاب للقضاء بينهم‪ ،‬وتأتيهم المالئكة محيطة بهم من كل جانب‪ ،‬وعندئذ ُيقضى أمر هللا فيهم‪ ،‬وُيفرُغ منه‪،‬‬

‪.‬وإلى هللا سبحانه وحده ترجع أمور الخالئق وشؤونهم‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬التقوى حقيقة ال تكون بكثرة األعمال فقط‪ ،‬وإنما بمتابعة هدي الشريعة وااللتزام بها •‬
‫‪.‬الحكم على الناس ال يكون بمجرد أشكالهم وأقوالهم‪ ،‬بل بحقيقة أفعالهم الدالة على ما أخفته صدورهم •‬
‫‪.‬اإلفساد في األرض بكل صوره من صفات المتكبرين التي تالزمهم‪ ،‬وهللا تعالى ال يحب الفساد وأهله •‬
‫‪.‬ال يكون المرء مسلًم ا حقيقة هلل تعالى حتى ُيَسِّلم لهذا الدين كله‪ ،‬ويقبله ظاهًر ا وباطًنا •‬
‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪26/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫‪٣٢‬‬

‫َسۡل َبِنۤی ِإۡس َرٰ ۤ⁠ِء یَل َكۡم َء اَتۡی َنٰـُه م ِّم ۡن َء اَیِۭة َبِّیَنࣲۗة َو َم ن ُیَبِّد ۡل ِنۡع َم َة ٱِهَّلل ِم ۢن َبۡع ِد َم ا َج ۤا َء ۡت ُه َفِإَّن ٱَهَّلل َشِدیُد ٱۡل ِع َقاِب ‪٢١١‬‬
‫۝ ُز ِّیَن ِلَّلِذ یَن َكَفُر و۟ا ﴿‬
‫ࣰة‬
‫۝ َكاَن ٱلَّناُس ُأَّم‬ ‫ٱۡل َح َیٰو ُة ٱلُّد ۡن َیا َو َیۡس َخ ُر وَن ِم َن ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنوۘ۟ا َو ٱَّلِذ یَن ٱَّتَقۡو ۟ا َفۡو َقُه ۡم َیۡو َم ٱۡل ِقَیٰـ َم ِۗة َو ٱُهَّلل َیۡر ُز ُق َم ن َیَشۤا ُء ِبَغۡی ِر ِح َساࣲب ‪٢١٢‬‬
‫ࣰة‬
‫َو⁠ٰ ِح َد َفَبَعَث ٱُهَّلل ٱلَّنِبِّیۧـ َن ُم َبِّش ِر یَن َو ُم نِذ ِر یَن َو َأنَز َل َم َعُه ُم ٱۡل ِك َتٰـ َب ِبٱۡل َح ِّق ِلَیۡح ُكَم َبۡی َن ٱلَّناِس ِفیَم ا ٱۡخ َتَلُفو۟ا ِفیِۚه َو َم ا ٱۡخ َتَلَف ِفیِه ِإاَّل ٱَّلِذ یَن‬

‫ِنِه َو ٱُهَّلل َیۡه ِدی َم ن َیَشۤا ُء ِإَلٰى‬ ‫ُأوُتوُه ِم ۢن َبۡع ِد َم ا َج ۤا َء ۡت ُه ُم ٱۡل َبِّیَنٰـُت َبۡغ َۢی ا َبۡی َنُه ۖۡم َفَه َدى ٱُهَّلل ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا ِلَم ا ٱۡخ َتَلُفو۟ا ِفیِه ِم َن ٱۡل َح ِّق ِبِإۡذ ۗۦ‬

‫۝ َأۡم َحِس ۡب ُتۡم َأن َتۡد ُخُلو۟ا ٱۡل َج َّنَة َو َلَّم ا َیۡأ ِتُكم َّم َثُل ٱَّلِذ یَن َخ َلۡو ۟ا ِم ن َقۡب ِلُكۖم َّمَّسۡت ُه ُم ٱۡل َبۡأ َسۤا ُء َو ٱلَّض َّر ۤا ُء َو ُز ۡل ِز ُلو۟ا َح َّتٰى َیُقوَل‬ ‫ِص َرٰ ⁠ࣲط ُّم ۡس َتِقیٍم ‪٢١٣‬‬
‫ࣱب‬
‫۝ َیۡس َٔـُلوَنَك َم اَذا ُینِفُقوَۖن ُقۡل َم ۤا َأنَفۡق ُتم ِّم ۡن َخۡی ࣲر َفِلۡل َوٰ ⁠ِلَد ۡی ِن‬ ‫ٱلَّر ُسوُل َو ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا َمَع ۥُه َم َتٰى َنۡص ُر ٱِۗهَّلل َأۤاَل ِإَّن َنۡص َر ٱِهَّلل َقِر ی ‪٢١٤‬‬
‫ࣱم‬
‫۝﴾ [البقرة‪٢١٥-٢١١ :‬‬ ‫]َو ٱَأۡلۡق َر ِبیَن َو ٱۡل َیَتٰـ َمٰى َو ٱۡل َم َسٰـِك یِن َو ٱۡب ِن ٱلَّسِبیِۗل َو َم ا َتۡف َعُلو۟ا ِم ۡن َخۡی ࣲر َفِإَّن ٱَهَّلل ِبِهۦ َعِلی ‪٢١٥‬‬

‫اسأل ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬بني إسرائيل سؤال توبيخ لهم‪ :‬كم بَّين هللا تعالى لكم من آية واضحة دالة على صدق الرسل! ‪٢١١-‬‬
‫‪.‬فكذبتموها وأعرضتم عنها‪ ،‬ومن يبدل نعمة هللا كفًر ا وتكذيًبا بعد معرفتها وظهورها‪ ،‬فإن هللا شديد العقاب للكافرين المكذبين‬
‫ُح ِّسن للذين كفروا باهلل الحياة الدنيا وما فيها من ُم َتع زائلة‪ ،‬وملذات منقطعة‪ ،‬ويستهزئون بالذين آمنوا باهلل واليوم ‪٢١٢-‬‬
‫اآلخر‪ ،‬والذين اتقوا هللا بفعل أوامره وترك نواهيه فوق هؤالء الكافرين في اآلخرة‪ ،‬حيث ينزلهم هللا في جنات عدن‪ ،‬وهللا يعطي‬
‫‪.‬من يشاء من خلقه بال عّد وال حساب‬
‫كان الناس أمة واحدة متفقين على الهدى‪ ،‬على دين أبيهم آدم‪ ،‬حتى أضلتهم الشياطين‪ ،‬فاختلفوا بين مؤمن وكافر‪٢١٣- ،‬‬
‫فألجل ذلك بعث هللا الرسل مبشرين أهل اإليمان والطاعة بما أعد هللا لهم من رحمته‪ ،‬ومنذرين أهل الكفر بما أوعدهم هللا به من‬
‫شديد عقابه‪ ،‬وأنزل مع رسله الكتب مشتملة على الحق الذي ال شك فيه‪ ،‬ليحكموا بين الناس فيما اختلفوا فيه‪ .‬وما اختلف في‬
‫التوراة إال الذين أعطوا علمها من اليهود بعدما جاءتهم حجج هللا أنه حق من عنده ال يسعهم االختالف فيه‪ ،‬ظلًم ا منهم‪ ،‬فوّفق هللا‬
‫‪.‬المؤمنين لمعرفة الهدى من الضالل بإذنه وإرادته‪ ،‬وهللا يهدي من يشاء إلى طريق مستقيم ال اعوجاج فيه‪ ،‬وهو طريق اإليمان‬
‫أم ظننتم ‪ -‬أيها المؤمنون ‪ -‬أن تدخلوا الجنة ولم يصبكم ابتالٌء مثل ابتالء الماضين من قبلكم‪ ،‬حيث أصابهم شدة الفقر ‪٢١٤-‬‬
‫والمرض‪ ،‬وزلزلتهم المخاوف‪ ،‬حتى بلغ بهم البالء أن يستعجلوا نصر هللا‪ ،‬فيقول الرسول والمؤمنون معه‪ :‬متى يأتي نصر هللا؟‬
‫‪.‬أال إن نصر هللا قريب من المؤمنين به‪ ،‬المتوكلين عليه‬
‫يسألك أصحابك ‪ -‬أيها النبي ‪ :-‬ماذا ينفقون من أموالهم المتنوعة‪ ،‬وأين يضعونها؟ قل مجيًبا إياهم‪ :‬ما أنفقتم من خير ‪٢١٥- -‬‬
‫وهو الحالل الطيب ‪ -‬فليصرف للوالدين‪ ،‬ولألدنى منكم من قراباتكم بحسب الحاجة‪ ،‬وللمحتاج من اليتامى‪ ،‬وللُم عِدمين الذين ليس‬
‫لهم مال‪ ،‬وللمسافر الذي انقطع به السفر عن أهله ووطنه‪ ،‬وما تفعلوا ‪ -‬أيها المؤمنون ‪ -‬من خير قلياًل كان أو كثيًر ا فإن هللا به‬

‪.‬عليم‪ ،‬ال يخفى عليه منه شيء‪ ،‬وسيجازيكم عليه‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬ترك شكر هللا تعالى على نعمه وترك استعمالها في طاعته يعرضها للزوال ويحيلها بالًء على صاحبها •‬
‫األصل أن هللا خلق عباده على فطرة التوحيد واإليمان به‪ ،‬وإبليس وأعوانه هم الذين صرفوهم عن هذه الفطرة إلى الشرك •‬
‫‪.‬به‬
‫‪.‬أعظم الخذالن الذي يؤدي للفشل أن تختلف األمة في كتابها وشريعتها‪ ،‬فيكّفر بعُض ها بعًض ا‪ ،‬ويلعن بعُض ها بعًض ا •‬
‫‪.‬الهداية للحق الذي يختلف فيه الناس‪ ،‬ومعرفة وجه الصواب بيد هللا‪ ،‬وُيطلب منه تعالى باإليمان به واالنقياد له •‬
‫‪.‬االبتالء ُسَّنة هللا تعالى في أوليائه‪ ،‬فيبتليهم بقدر ما في قلوبهم من اإليمان به والتوكل عليه •‬
‫‪.‬من أعظم ما يعين على الصبر عند نزول البالء‪ ،‬االقتداء بالصالحين وأخذ األسوة منهم •‬
‫‪٣٣‬‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪27/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫ࣱّر‬ ‫ࣰٔـ‬ ‫ࣱر‬ ‫ࣰٔـ‬ ‫ࣱه‬


‫ُكِتَب َعَلۡی ُكُم ٱۡل ِقَتاُل َو ُهَو ُكۡر َّلُكۖۡم َو َعَسٰۤى َأن َتۡك َر ُهو۟ا َشۡی ا َو ُهَو َخۡی َّلُكۖۡم َو َعَسٰۤى َأن ُتِح ُّبو۟ا َشۡی ا َو ُهَو َش َّلُكۚۡم َو ٱُهَّلل َیۡع َلُم َو َأنُتۡم اَل ﴿‬
‫ࣱل‬
‫۝ َیۡس َٔـُلوَنَك َعِن ٱلَّشۡه ِر ٱۡل َح َر اِم ِقَتاࣲل ِفیِۖه ُقۡل ِقَتا ِفیِه َكِبیࣱۚر َو َص ٌّد َعن َسِبیِل ٱِهَّلل َو ُكۡف ُۢر ِبِهۦ َو ٱۡل َم ۡس ِج ِد ٱۡل َح َر اِم َو ِإۡخ َر اُج َأۡه ِلِهۦ‬ ‫َتۡع َلُم وَن ‪٢١٦‬‬
‫ِم ۡن ُه َأۡك َبُر ِع نَد ٱِۚهَّلل َو ٱۡل ِفۡت َنُة َأۡك َبُر ِم َن ٱۡل َقۡت ِۗل َو اَل َیَز اُلوَن ُیَقٰـِتُلوَنُكۡم َح َّتٰى َیُر ُّدوُكۡم َعن ِدیِنُكۡم ِإِن ٱۡس َتَطٰـ ُعوۚ۟ا َو َم ن َیۡر َتِد ۡد ِم نُكۡم َعن ِدیِنِهۦ‬
‫ࣱر‬
‫۝ ِإَّن ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا َو ٱَّلِذ یَن‬ ‫َفَیُم ۡت َو ُهَو َكاِف َفُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك َح ِبَطۡت َأۡع َم ٰـ ُلُه ۡم ِفی ٱلُّد ۡن َیا َو ٱۡل َٔـاِخ َر ِۖة َو ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك َأۡص َحٰـ ُب ٱلَّناِۖر ُهۡم ِفیَه ا َخ ٰـِلُدوَن ‪٢١٧‬‬
‫ۤا ۡث ࣱم‬ ‫ࣱم‬ ‫ࣱر‬
‫۝ ۞ َیۡس َٔـُلوَنَك َعِن ٱۡل َخۡم ِر َو ٱۡل َم ۡی ِس ِۖر ُقۡل ِفیِه َم ِإ‬ ‫َهاَج ُر و۟ا َو َجٰـَه ُدو۟ا ِفی َسِبیِل ٱِهَّلل ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك َیۡر ُج وَن َر ۡح َم َت ٱِۚهَّلل َو ٱُهَّلل َغُفو َّر ِح ی ‪٢١٨‬‬
‫ࣱر‬
‫۝﴾‬ ‫َكِبی َو َم َنٰـ ِفُع ِللَّناِس َو ِإۡث ُم ُه َم ۤا َأۡك َبُر ِم ن َّنۡف ِع ِه َم ۗا َو َیۡس َٔـُلوَنَك َم اَذا ُینِفُقوَۖن ُقِل ٱۡل َعۡف َۗو َكَذٰ ⁠ِلَك ُیَبِّیُن ٱُهَّلل َلُكُم ٱۡل َٔـاَیٰـِت َلَعَّلُكۡم َتَتَفَّكُر وَن ‪٢١٩‬‬
‫][البقرة‪٢١٩-٢١٦ :‬‬

‫ُفِر ض عليكم ‪ -‬أيها المؤمنون ‪ -‬القتال في سبيل هللا وهو مكروه للنفس بطبعها‪ ،‬لما فيه من بذل المال والنفس‪ ،‬ولعلكم ‪٢١٦-‬‬
‫تكرهون شيًئا وهو في الواقع خير ونفع لكم‪ ،‬كالقتال في سبيل هللا‪ ،‬فمع ِع ظم ثوابه فيه النصر على األعداء ورفع كلمة هللا‪ ،‬ولعلكم‬
‫تحبون شيًئا وهو شر ووبال عليكم‪ ،‬كالجلوس عن الجهاد‪ ،‬فإن فيه الخذالن وتسلط األعداء‪ ،‬وهللا يعلم علًم ا تاًّم ا خير األمور‬
‫‪.‬وشرها‪ ،‬وأنتم ال تعلمون ذلك‪ ،‬فاستجيبوا ألمره‪ ،‬ففيه الخير لكم‬
‫الحرم‪ :‬ذي القعدة وذي الحجة والمحرم ورجب‪ ،‬قل مجيًبا ‪٢١٧-‬‬ ‫
‬ ‫يسألك الناس ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬عن حكم القتال في األشهر‬
‫إياهم‪ :‬القتال في هذه األشهر عظيم عند هللا ومستنكر‪ ،‬كما أن ما يقوم به المشركون من صد عن سبيل هللا مستقبح كذلك‪ ،‬ومنع‬
‫المؤمنين عن المسجد الحرام‪ ،‬وإخراج أهل المسجد الحرام منه أعظم عند هللا من القتال في الشهر الحرام‪ ،‬والشرك الذي هم فيه‬
‫أعظم من القتل‪ .‬وال يزال المشركون على ظلمهم يقاتلونكم ‪ -‬أيها المؤمنون ‪ -‬حتى يردوكم عن دينكم الحق إلى دينهم الباطل إن‬
‫استطاعوا إلى ذلك سبياًل ‪ ،‬ومن يرجع منكم عن دينه‪ ،‬ويمت وهو على الكفر باهلل‪ ،‬فقد بطل عمله الصالح‪ ،‬ومآله في اآلخرة دخول‬
‫‪.‬النار ومالزمتها أبًدا‬
‫إن الذين آمنوا باهلل ورسوله‪ ،‬والذين تركوا أوطانهم مهاجرين إلى هللا ورسوله‪ ،‬وقاتلوا لتكون كلمة هللا
هي العليا‪٢١٨- ،‬‬
‫‪.‬أولئك يطمعون في رحمة هللا ومغفرته‪ ،‬وهللا غفور لذنوب عباده رحيم بهم‬
‫(وهي‪ :‬كل ما غطى العقل وأذهبه)‪ ،‬يسألونك عن حكم شربها وبيعها ‪٢١٩-‬‬ ‫يسألك أصحابك ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬عن الخمر

‫وشرائها؟ ويسألونك عن حكم الِقمار (وهو‪ :‬ما ُيؤخذ من المال عن طريق المنافسات التي فيها عوض من الطرفين المشتِر َكين في‬
‫المنافسة)؟ قل مجيًبا إياهم‪ :‬فيهما مضار ومفاسد دينية ودنيوية كثيرة‪ ،‬من ذهاب العقل والمال‪ ،‬والوقوع في العداوة والبغضاء‪،‬‬
‫وفيهما منافع قليلة كالمكاسب المالية‪ ،‬وضررهما واإلثم الحاصل بهما أكبر من نفعهما‪ ،‬وما كان ضّر ه أكثر من نفعه‪ ،‬فإن العاقل‬
‫يجتنبه‪ ،‬وهذا البيان من هللا فيه تمهيد لتحريم الخمر‪ .‬ويسألك أصحابك ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬عن قدر ما ينفقونه من أموالهم على وجه‬
‫التطوع والتبرع؟ قل مجيًبا إياهم‪ :‬أنفقوا من أموالكم الذي يزيد عن حاجتكم (وقد كان هذا أول األمر‪ ،‬ثم شرع هللا بعد ذلك الزكاة‬

‪.‬الواجبة في أموال مخصوصة وأنصبة معينة)‪ ،‬وبمثل هذا البيان الذي ال لبس فيه يبين هللا لكم أحكام الشرع لعلكم تتفكرون‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬الجهل بعواقب األمور قد يجعل المرء يكره ما ينفعه ويحب ما يضره‪ ،‬وعلى المرء أن يسأل هللا
الهداية للرشاد •‬
‫‪.‬جاء اإلسالم بتعظيم الحرمات والنهي عن االعتداء عليها‪ ،‬ومن أعظمها صد الناس عن سبيل هللا تعالى •‬ ‫

‫‪.‬ال يزال الكفار أبًدا حرًبا على اإلسالم وأهله حتى يخرجوهم من دينهم‪ ،‬وهللا موهن كيد الكافرين •‬ ‫

‫‪.‬اإليمان

‫باهلل تعالى‪ ،‬والهجرة إليه‪ ،‬والجهاد في سبيله‪ ،‬أعظم الوسائل التي ينال بها المرء رحمة هللا ومغفرته •‬
‫‪.‬حّر مت الشريعة كل ما فيه ضرر غالب وإن كان فيه بعض المنافع‪ ،‬مراعاة لمصلحة العباد •‬ ‫

‫‪٣٤‬‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪28/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫ࣱح‬
‫ِفی ٱلُّد ۡن َیا َو ٱۡل َٔـاِخ َر ِۗة َو َیۡس َٔـُلوَنَك َعِن ٱۡل َیَتٰـ َم ٰۖى ُقۡل ِإۡص اَل َّلُه ۡم َخۡی ࣱۖر َو ِإن ُتَخ اِلُطوُهۡم َفِإۡخ َوٰ ⁠ُنُكۚۡم َو ٱُهَّلل َیۡع َلُم ٱۡل ُم ۡف ِسَد ِم َن ٱۡل ُم ۡص ِلِۚح َو َلۡو َشۤا َء ﴿‬
‫ࣱة‬
‫۝ َو اَل َتنِكُح و۟ا ٱۡل ُم ۡش ِر َكٰـِت َح َّتٰى ُیۡؤ ِم َّۚن َو َأَلَم ُّم ۡؤ ِم َنٌة َخۡی ࣱر ِّم ن ُّم ۡش ِر َكࣲة َو َلۡو َأۡع َجَبۡت ُكۗۡم َو اَل ُتنِكُح و۟ا‬ ‫ࣱم‬
‫ٱُهَّلل َأَلۡع َنَتُكۚۡم ِإَّن ٱَهَّلل َعِز یٌز َحِك ی ‪٢٢٠‬‬
‫ٱۡل ُم ۡش ِر ِك یَن َح َّتٰى ُیۡؤ ِم ُنوۚ۟ا َو َلَعۡب ࣱد ُّم ۡؤ ِم ٌن َخۡی ࣱر ِّم ن ُّم ۡش ِر ࣲك َو َلۡو َأۡع َجَبُكۗۡم ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك َیۡد ُعوَن ِإَلى ٱلَّناِۖر َو ٱُهَّلل َیۡد ُعۤو ۟ا ِإَلى ٱۡل َج َّنِة َو ٱۡل َم ۡغ ِفَر ِة ِبِإۡذ ۖۦ‬
‫ِنِه‬
‫ࣰذ‬
‫۝ َو َیۡس َٔـُلوَنَك َعِن ٱۡل َم ِح یِۖض ُقۡل ُهَو َأ ى َفٱۡع َتِز ُلو۟ا ٱلِّنَسۤا َء ِفی ٱۡل َم ِح یِض َو اَل َتۡق َر ُبوُهَّن َح َّتٰى‬ ‫َو ُیَبِّیُن َء اَیٰـِتِهۦ ِللَّناِس َلَعَّلُه ۡم َیَتَذَّكُر وَن ‪٢٢١‬‬
‫ۡأ‬ ‫ࣱث‬
‫۝ ِنَسۤا ُؤُكۡم َح ۡر َّلُكۡم َف ُتو۟ا َح ۡر َثُكۡم َأَّنٰى‬ ‫َیۡط ُه ۡر َۖن َفِإَذا َتَطَّه ۡر َن َفۡأ ُتوُهَّن ِم ۡن َح ۡی ُث َأَمَر ُكُم ٱُۚهَّلل ِإَّن ٱَهَّلل ُیِح ُّب ٱلَّتَّوٰ ⁠ِبیَن َو ُیِح ُّب ٱۡل ُم َتَطِّه ِر یَن ‪٢٢٢‬‬
‫ࣰة‬
‫۝ َو اَل َتۡج َعُلو۟ا ٱَهَّلل ُعۡر َض َأِّلۡی َم ٰـِنُكۡم َأن َتَبُّر و۟ا َو َتَّتُقو۟ا‬ ‫ِش ۡئ ُتۖۡم َو َقِّد ُم و۟ا َأِلنُفِسُكۚۡم َو ٱَّتُقو۟ا ٱَهَّلل َو ٱۡع َلُم ۤو ۟ا َأَّنُكم ُّم َلٰـ ُقوُۗه َو َبِّش ِر ٱۡل ُم ۡؤ ِم ِنیَن ‪٢٢٣‬‬
‫ࣱم‬
‫۝﴾ [البقرة‪٢٢٤-٢٢٠ :‬‬ ‫]َو ُتۡص ِلُح و۟ا َبۡی َن ٱلَّناِۚس َو ٱُهَّلل َسِم یٌع َعِلی ‪٢٢٤‬‬

‫شرع ذلك لكي تتفكروا فيما ينفعكم في الدنيا واآلخرة‪ .‬ويسألك أصحابك ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬عن قيامهم بالوالية على ‪٢٢٠-‬‬
‫اليتامى‪ :‬كيف يتصرفون في التعامل معهم؟ وهل يخلطون أموالهم معهم في النفقة والمطاعمة والمساكنة؟ قل مجيًبا إياهم‪ :‬تفُّضلكم‬
‫عليهم بإصالح أموالهم من غير عوض أو مخالطة في أموالهم‪ ،‬خير لكم عند هللا وأعظُم أجًر ا‪ ،‬وهو خير لهم في أموالهم‪ ،‬لما فيه‬
‫من حفظ أموالهم عليهم‪ ،‬وإْن تشاركوهم بضم مالهم إلى مالكم في المعاش والمسكن ونحو ذلك‪ ،‬فال حرج في ذلك‪ ،‬فهم إخوانكم‬
‫في الدين‪ ،‬واإلخوة يعين بعضهم بعًض ا‪ ،‬ويقوم بعضهم على شؤون بعض‪ ،‬وهللا يعلم من يريد اإلفساد من األولياء بمشاركة‬
‫اليتامى أموالهم ممن يريد اإلصالح‪ ،‬ولو شاء أن يشق عليكم في شأن اليتامى لشّق عليكم‪ ،‬ولكنه سبحانه وتعالى يسر لكم سبيل‬
‫‪.‬التعامل معهم‪ ،‬ألن شريعته مبنية على اليسر‪ ،‬إن هللا عزيز ال يغالبه شيء‪ ،‬حكيم في َخ ْلِقه وتدبيره وتشريعه‬
‫وال تتزوجوا ‪ -‬أيها المؤمنون ‪ -‬المشركات باهلل حتى يؤمّن باهلل وحده‪ ،‬ويدخلن في دين اإلسالم‪ ،‬وإّن امرأة مملوكة ‪٢٢١-‬‬
‫مؤمنة باهلل ورسوله خير من امرأة حرة تعبد األوثان‪ ،‬ولو أعجبتكم بجمالها ومالها‪ ،‬وال تزِّو جوا المسلمات رجااًل مشركين‪ ،‬ولعبد‬
‫مملوك مؤمن باهلل ورسوله خير من حٍّر مشرك‪ ،‬ولو أعجبكم‪ ،‬أولئك المتصفون بالشرك ‪ -‬رجااًل ونساًء ‪ -‬يدعون بأقوالهم‬
‫وأفعالهم إلى ما يقود إلى دخول النار‪ ،‬وهللا يدعو إلى األعمال الصالحة التي تقود إلى دخول الجنة والمغفرة من الذنوب بإذنه‬
‫‪.‬وفضله‪ ،‬ويبين آياته للناس لعلهم يعتبرون بما دلت عليه فيعملون بها‬
‫ويسألك أصحابك ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬عن الحيض (وهو دم طبيعي يخرج من رحم المرأة في أوقات مخصوصة)؟ قل مجيًبا ‪٢٢٢-‬‬
‫إياهم‪ :‬الحيض أذى للرجل والمرأة‪ ،‬فاجتنبوا جماع النساء في وقته‪ ،‬وال تقربوهن بالوطء حتى ينقطع الدم عنهن‪ ،‬ويتطهرن منه‬
‫بالُغسل‪ ،‬فإذا انقطع وتطهرن منه فجامعوهن على الوجه الذي أباح لكم‪ :‬طاهرات في ُقُبلهن‪ ،‬إن هللا يحب المكثرين من التوبة من‬
‫‪.‬المعاصي‪ ،‬والمبالغين في الطهارة من األخباث‬
‫زوجاتكم محل زرع لكم يلدن لكم األوالد‪ ،‬كاألرض التي تخرج الثمار‪ ،‬فأتوا محل الزرع ‪ -‬وهو الُقبل ‪ِ -‬م ن أي جهة ‪٢٢٣-‬‬
‫شئتم وكيفما شئتم إذا كان في الُقبل‪ ،‬وقدموا ألنفسكم بفعل الخيرات‪ ،‬ومنه أن يجامع الرجل امرأته بقصد التقرب إلى هللا‪ ،‬ورجاء‬
‫الذرية الصالحة‪ ،‬واتقوا هللا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‪ ،‬ومنها ما شرع لكم في شأن النساء‪ ،‬واعلموا أنكم مالقوه يوم القيامة‪،‬‬
‫واقفون بين يديه‪ ،‬ومجازيكم على أعمالكم‪ ،‬وبّشر ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬المؤمنين بما يسرهم عند لقاء ربهم من النعيم المقيم‪ ،‬والنظر إلى‬
‫‪.‬وجهه الكريم‬
‫وال تجعلوا الحلف باهلل حجة مانعة‪ ،‬من فعل البر والتقوى واإلصالح بين الناس‪ ،‬بل إذا حلفتم على ترك البر‪ ،‬فافعلوا ‪٢٢٤-‬‬

‪.‬البر وكِّفروا عن أيمانكم‪ ،‬وهللا سميع ألقوالكم‪ ،‬عليم بأفعالكم‪ ،‬وسيجازيكم عليها‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬تحريم النكاح بين المسلمين والمشركين‪ ،‬وذلك لُبعد ما بين الشرك واإليمان •‬
‫‪.‬دلت اآلية على اشتراط الولي عند عقد النكاح‪ ،‬ألن هللا تعالى خاطب األولياء لّم ا نهى عن تزويج المشركين •‬
‫‪.‬حث الشريعة على الطهارة الحسية من النجاسات واألقذار‪ ،‬والطهارة المعنوية من الشرك والمعاصي •‬
‫‪.‬ترغيب المؤمن في أن يكون نظره في أعماله ‪ -‬حتى ما يتعلق بالملذات ‪ -‬إلى الدار اآلخرة‪ ،‬فيقدم لنفسه ما ينفعه فيها •‬
‫‪٣٥‬‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪29/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫ࣱم‬
‫۝ ِّلَّلِذ یَن ُیۡؤ ُلوَن ِم ن ِّنَسۤا ِٕىِه ۡم َتَر ُّبُص َأۡر َبَعِة ﴿‬ ‫اَّل ُیَؤاِخ ُذُكُم ٱُهَّلل ِبٱلَّلۡغ ِو ِفۤی َأۡی َم ٰـِنُكۡم َو َلٰـِك ن ُیَؤاِخ ُذُكم ِبَم ا َكَسَبۡت ُقُلوُبُكۗۡم َو ٱُهَّلل َغُفوٌر َحِلی ‪٢٢٥‬‬
‫۝ َو ٱۡل ُم َطَّلَقٰـُت َیَتَر َّبۡص َن ِبَأنُفِس ِه َّن َثَلٰـ َثَة ُقُر ۤو ࣲۚء‬ ‫ࣱم‬ ‫ࣱم‬ ‫ࣱر‬
‫۝ َو ِإۡن َعَز ُم و۟ا ٱلَّطَلٰـَق َفِإَّن ٱَهَّلل َسِم یٌع َعِلی ‪٢٢٧‬‬
‫َأۡش ُه ࣲۖر َفِإن َفۤا ُء و َفِإَّن ٱَهَّلل َغُفو َّر ِح ی ‪٢٢٦‬‬
‫َو اَل َیِح ُّل َلُه َّن َأن َیۡك ُتۡم َن َم ا َخَلَق ٱُهَّلل ِفۤی َأۡر َح اِم ِه َّن ِإن ُكَّن ُیۡؤ ِم َّن ِبٱِهَّلل َو ٱۡل َیۡو ِم ٱۡل َٔـاِخ ِۚر َو ُبُعوَلُتُه َّن َأَحُّق ِبَر ِّدِه َّن ِفی َذٰ ⁠ِلَك ِإۡن َأَر اُدۤو ۟ا‬
‫ࣱۗة‬ ‫ࣰح‬
‫۝ ٱلَّطَلٰـُق َمَّر َتاِۖن َفِإۡم َساُۢك ِبَم ۡع ُر وٍف َأۡو‬ ‫ِإۡص َلٰـ ۚا َو َلُه َّن ِم ۡث ُل ٱَّلِذی َعَلۡی ِه َّن ِبٱۡل َم ۡع ُر وِۚف َو ِللِّر َج اِل َعَلۡی ِه َّن َد َر َج َو ٱُهَّلل َعِز یٌز َحِك یٌم ‪٢٢٨‬‬
‫َتۡس ِر یُۢح ِبِإۡح َسٰـ ࣲۗن َو اَل َیِح ُّل َلُكۡم َأن َتۡأ ُخ ُذو۟ا ِم َّم ۤا َء اَتۡی ُتُم وُهَّن َشۡی ًٔـا ِإۤاَّل َأن َیَخ اَفۤا َأاَّل ُیِقیَم ا ُح ُدوَد ٱِۖهَّلل َفِإۡن ِخ ۡف ُتۡم َأاَّل ُیِقیَم ا ُح ُدوَد ٱِهَّلل َفاَل‬
‫۝ َفِإن َطَّلَقَه ا َفاَل َتِح ُّل َل ۥُه ِم ۢن‬ ‫ُج َناَح َعَلۡی ِه َم ا ِفیَم ا ٱۡف َتَد ۡت ِب ۗۦِه ِتۡل َك ُح ُدوُد ٱِهَّلل َفاَل َتۡع َتُدوَهۚا َو َم ن َیَتَعَّد ُح ُدوَد ٱِهَّلل َفُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك ُهُم ٱلَّظٰـِلُم وَن ‪٢٢٩‬‬

‫َبۡع ُد َح َّتٰى َتنِكَح َز ۡو ًج ا َغۡی َر ۗۥُه َفِإن َطَّلَقَه ا َفاَل ُج َناَح َعَلۡی ِه َم ۤا َأن َیَتَر اَجَعۤا ِإن َظَّنۤا َأن ُیِقیَم ا ُح ُدوَد ٱِۗهَّلل َو ِتۡل َك ُح ُدوُد ٱِهَّلل ُیَبِّیُنَه ا ِلَقۡو ࣲم‬
‫[البقرة‪٢٣٠-٢٢٥ :‬‬ ‫]َیۡع َلُم وَن ‪٢٣٠‬‬
‫۝﴾‬

‫ال يحاسبكم هللا بسبب األيمان التي تجري على ألسنتكم من غير قصد‪ ،‬كقول أحدكم‪ :‬ال وهللا‪ ،‬وبلى وهللا‪ ،‬فال كفارة ‪٢٢٥-‬‬
‫‪.‬عليكم وال عقوبة في ذلك‪ ،‬ولكن يحاسبكم على ما قصدتموه من تلك األيمان‪ ،‬وهللا غفور لذنوب عباده‪ ،‬حليم ال يعاجلهم بالعقوبة‬
‫للذين يحلفون على ترك جماع نسائهم انتظار مدة ال تزيد عن أربعة أشهر‪ ،‬ابتداء من حلفهم‪ ،‬وهو ما ُيعرف باإليالء‪٢٢٦- ،‬‬
‫فإن رجعوا إلى جماع نسائهم بعد حلفهم على تركه في مدة أربعة أشهر فما دون‪ ،‬فإن هللا غفور يغفر لهم ما حصل منهم‪ ،‬ورحيم‬
‫‪.‬بهم حيث شرع الكفارة مخرًج ا من هذا اليمين‬
‫وإن قصدوا الطالق باستمرارهم على ترك جماع نسائهم وعدم الرجوع إليه فإن هللا سميع ألقوالهم التي منها الطالق‪٢٢٧- ،‬‬
‫‪.‬عليم بأحوالهم ومقاصدهم‪ ،‬وسيجازيهم عليها‬
‫والمطلقات ينتظرن بأنفسهن ثالث حيض ال يتزوجن خاللها‪ ،‬وال يجوز لهن أن ُيخفين ما خلق هللا في أرحامهن من ‪٢٢٨-‬‬
‫الحمل‪ ،‬إن كن صادقات في اإليمان باهلل واليوم اآلخر‪ ،‬وأزواجهن المطلقون لهن أحق بمراجعتهن في مدة العدة‪ ،‬إن قصدوا‬
‫بالمراجعة األلفة وإزالة ما وقع بسبب الطالق‪ ،‬وللزوجات من الحقوق والواجبات مثل الذي ألزواجهن عليهن بما تعارف عليه‬
‫‪.‬الناس‪ ،‬وللرجال درجة أعلى عليهن‪ ،‬من الِقوامة وأمر الطالق‪ ،‬وهللا عزيز ال يغلبه شيء‪ ،‬حكيم في شرعه وتدبيره‬
‫الطالق الذي يمتلك فيه الزوج الرجعة طلقتان‪ ،‬بأن يطلق‪ ،‬ثم يراجع‪ ،‬ثم يطلق‪ ،‬ثم يراجع‪ ،‬ثم بعد الطلقتين إما أن ‪٢٢٩-‬‬
‫يمسكها في عصمته مع المعاشرة بالمعروف‪ ،‬أو يطلقها الثالثة مع اإلحسان إليها وأداء حقوقها‪ ،‬وال يِح ُّل لكم ‪ -‬أيها األزواج ‪ -‬أن‬
‫تأخذوا مما دفعتم إلى زوجاتكم من المهر شيًئا‪ ،‬إال أن تكون المرأة كارهًة لزوجها بسبب ُخ ُلقه أو َخ ْلقه‪ ،‬ويظن الزوجان بسبب هذا‬
‫الُكره عدم وفائهما بما عليهما من الحقوق‪ ،‬فليعرضا أمرهما على من له بهما صلة قرابة أو غيرها‪ ،‬فإن خاف األولياء عدم‬
‫قيامهما بالحقوق الزوجية بينهما‪ ،‬فال حرج عليهما أن َتْخ َلع المرأة نفسها بمال تدفعه لزوجها مقابل طالقها‪ .‬تلك األحكام الشرعية‬
‫هي الفاصلة بين الحالل والحرام‪ ،‬فال تتجاوزوها‪ ،‬ومن يتجاوز حدود هللا بين الحالل والحرام‪ ،‬فأولئك هم الظالمون ألنفسهم‬
‫‪.‬بإيرادها موارد الهالك‪ ،‬وتعريضها لغضب هللا وعقابه‬
‫فإن طلقها زوجها طلقة ثالثة لم يحل له نكاحها من جديد حتى تتزوج رجاًل غيره زواًج ا صحيًح ا لرغبة ال لقصد ‪٢٣٠-‬‬
‫التحليل‪ ،‬ويجامعها في هذا النكاح‪ ،‬فإن طلقها الزوج الثاني أو توفي عنها‪ ،‬فال إثم على المرأة وزوجها األول أن يتراجعا بعقد‬
‫ومهر جديدين‪ ،‬إن غلب على ظنهما أنهما يقومان بما يلزمهما من األحكام الشرعية‪ ،‬وتلك األحكام الشرعية يبينها هللا ألناس‬

‪.‬يعلمون أحكامه وحدوده‪ ،‬ألنهم هم الذين ينتفعون بها‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬بَّين هللا تعالى أحكام النكاح والطالق بياًنا شاماًل حتى يعرف الناس حدود الحالل والحرام فال يتجاوزوها •‬
‫عَّظم هللا شأن النكاح وحرم التالعب فيه باأللفاظ فجعلها ملزمة‪ ،‬وألغى التالعب بكثرة الطالق والرجعة فجعل لها حًّدا •‬
‫‪.‬بطلقتين رجعيتين ثم تحرم عليه إال أن تنكح زوجا غيره ثم يطلقها‬
‫‪.‬المعاشرة الزوجية تكون بالمعروف‪ ،‬فإن تعذر ذلك فال بأس من الطالق‪ ،‬وال حرج على أحد الزوجين أن يطلبه •‬
‫‪٣٦‬‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪30/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫ࣰر‬
‫َو ِإَذا َطَّلۡق ُتُم ٱلِّنَسۤا َء َفَبَلۡغ َن َأَج َلُه َّن َفَأۡم ِس ُكوُهَّن ِبَم ۡع ُر وٍف َأۡو َسِّر ُح وُهَّن ِبَم ۡع ُر وࣲۚف َو اَل ُتۡم ِس ُكوُهَّن ِض َر ا ا ِّلَتۡع َتُدوۚ۟ا َو َم ن َیۡف َعۡل َذٰ ⁠ِلَك َفَقۡد ﴿‬
‫ࣰو ۡذ‬
‫َظَلَم َنۡف َس ۚۥُه َو اَل َتَّتِخ ُذۤو ۟ا َء اَیٰـِت ٱِهَّلل ُهُز ۚا َو ٱ ُكُر و۟ا ِنۡع َم َت ٱِهَّلل َعَلۡی ُكۡم َو َم ۤا َأنَز َل َعَلۡی ُكم ِّم َن ٱۡل ِك َتٰـ ِب َو ٱۡل ِح ۡك َم ِة َیِع ُظُكم ِب ۚۦِه َو ٱَّتُقو۟ا ٱَهَّلل‬
‫ࣱم‬
‫۝ َو ِإَذا َطَّلۡق ُتُم ٱلِّنَسۤا َء َفَبَلۡغ َن َأَج َلُه َّن َفاَل َتۡع ُض ُلوُهَّن َأن َینِك ۡح َن َأۡز َو⁠ٰ َجُه َّن ِإَذا َتَرٰ ⁠َض ۡو ۟ا َبۡی َنُه م‬ ‫َو ٱۡع َلُم ۤو ۟ا َأَّن ٱَهَّلل ِبُكِّل َشۡی ٍء َعِلی ‪٢٣١‬‬
‫۝۞‬ ‫ِبٱۡل َم ۡع ُر وِۗف َذٰ ⁠ِلَك ُیوَعُظ ِبِهۦ َم ن َكاَن ِم نُكۡم ُیۡؤ ِم ُن ِبٱِهَّلل َو ٱۡل َیۡو ِم ٱۡل َٔـاِخ ِۗر َذٰ ⁠ِلُكۡم َأۡز َكٰى َلُكۡم َو َأۡط َه ُۚر َو ٱُهَّلل َیۡع َلُم َو َأنُتۡم اَل َتۡع َلُم وَن ‪٢٣٢‬‬
‫َۚة‬
‫َو ٱۡل َوٰ ⁠ِلَدٰ ⁠ُت ُیۡر ِض ۡع َن َأۡو َلٰـ َدُهَّن َح ۡو َلۡی ِن َكاِم َلۡی ِۖن ِلَم ۡن َأَر اَد َأن ُیِتَّم ٱلَّر َض اَع َو َعَلى ٱۡل َم ۡو ُلوِد َل ۥُه ِر ۡز ُقُه َّن َو ِك ۡس َو ُتُه َّن ِبٱۡل َم ۡع ُر وِۚف اَل ُتَكَّلُف‬
‫ࣱد‬
‫ِدِه َو َعَلى ٱۡل َو اِر ِث ِم ۡث ُل َذٰ ⁠ِلَۗك َفِإۡن َأَر اَدا ِفَص ااًل َعن َتَر اࣲض ِّم ۡن ُه َم ا َو َتَشاُو ࣲر َفاَل‬ ‫َنۡف ٌس ِإاَّل ُو ۡس َعَه ۚا اَل ُتَض ۤا َّر َوٰ ⁠ِلَد ُۢة ِبَو َلِد َها َو اَل َم ۡو ُلو َّل ۥُه ِبَو َل ۚۦ‬

‫ُج َناَح َعَلۡی ِه َم ۗا َو ِإۡن َأَر دُّتۡم َأن َتۡس َتۡر ِض ُعۤو ۟ا َأۡو َلٰـ َدُكۡم َفاَل ُج َناَح َعَلۡی ُكۡم ِإَذا َسَّلۡم ُتم َّم ۤا َء اَتۡی ُتم ِبٱۡل َم ۡع ُر وِۗف َو ٱَّتُقو۟ا ٱَهَّلل َو ٱۡع َلُم ۤو ۟ا َأَّن ٱَهَّلل ِبَم ا‬
‫ࣱر‬
‫۝﴾ [البقرة‪٢٣٣-٢٣١ :‬‬ ‫]َتۡع َم ُلوَن َبِص ی ‪٢٣٣‬‬

‫وإذا طلقتم نساءكم فقارْبَن انتهاء عدتهن‪ ،‬فلكم أن ُتراجعوهن أو تتركوهن بالمعروف دون رجعة حتى تنقضي عدتهن‪٢٣١- ،‬‬
‫وال ُتراجعوهن ألجل االعتداء عليهن واإلضرار بهن كما كان ُيفعل في الجاهلية‪ ،‬ومن يفعل ذلك بقصد اإلضرار بهن‪ ،‬فقد ظلم‬
‫نفسه بتعريضها لإلثم والعقوبة‪ ،‬وال تجعلوا آيات هللا محل استهزاء بالتالعب بها والتجرؤ عليها‪ ،‬واذكروا نعم هللا عليكم‪ ،‬ومن‬
‫أعظمها ما أنزل عليكم من القرآن والُّسَّنة‪ ،‬يذكركم بهذا ترغيًبا لكم وترهيًبا‪ ،‬وخافوا هللا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‪ ،‬واعلموا‬
‫‪.‬أن هللا بكل شيء عليم‪ ،‬فال يخفى عليه شيء‪ ،‬وسيجازيكم بأعمالكم‬
‫وإذا طلقتم نساءكم أقل من ثالث طلقات‪ ،‬وانتهت عدتهن‪ ،‬فال تمنعوهن ‪ -‬أيها األولياء ‪ -‬حينئذ من العودة إلى أزواجهن ‪٢٣٢-‬‬
‫بعقد ونكاح جديد إذا رغبن في ذلك‪ ،‬وتراضين مع أزواجهن عليه‪ ،‬ذلك الحكم المتضمن النهي عن منعهن ُيذَّكر به من كان منكم‬
‫يؤمن باهلل واليوم اآلخر‪ ،‬ذلكم أكثر نماء للخير فيكم‪ ،‬وأشد ُطْهًر ا ألعراضكم وأعمالكم من األدناس‪ ،‬وهللا يعلم حقائق األمور‬
‫‪.‬وعواقبها وأنتم ال تعلمون ذلك‬
‫والوالدات يرضعن أوالدهن سنتين كاملتين‪ ،‬ذلك التحديد بسنتين لمن قصد إكمال مدة الرضاعة‪ ،‬وعلى والد الطفل ‪٢٣٣-‬‬
‫نفقة الوالدات المرضعات المطلقات ولباسهن‪ ،‬بحسب ما تعارف عليه الناس مما ال يخالف الشرع‪ ،‬ال يكلف هللا نفًسا أكثر من‬
‫سعتها وقدرتها‪ ،‬وال يحل ألحد األبوين أن يتخذ الولد وسيلة إضرار لآلخر‪ ،‬وعلى وارث الطفل إذا ُعِد َم األب‪ ،‬وكان الطفل ليس‬
‫له مال مثل ما على األب من الحقوق‪ .‬فإن أراد األبوان فطام الولد قبل تمام السنتين فال إثم عليهما في ذلك‪ ،‬إذا كان بعد تشاورهما‬
‫وتراضيهما على ما فيه مصلحة المولود‪ ،‬وإن أردتم أن تطلبوا ألوالدكم مرضعات غير األمهات‪ ،‬فال إثم عليكم إذا سلمتم ما‬
‫اتفقتم عليه مع المرضعة من أجرة بالمعروف بال نقص أو مماطلة‪ ،‬واتقوا هللا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‪ ،‬واعلموا أن هللا بما‬

‪.‬تعملون بصير‪ ،‬فال يخفى عليه شيء من ذلك‪ ،‬وسيجازيكم على ما قدمتم من أعمال‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬نهي الرجال عن ظلم النساء سواء كان ِبَعْض ِل َم ْو ِلَّيِته عن الزواج‪ ،‬أو إجبارها على ما ال تريد •‬
‫‪َ.‬ح ِفَظ الشرع لألم حق الرضاع‪ ،‬وإن كانت مطلقة من زوجها‪ ،‬وعليه أن ينفق عليها ما دامت ترضع ولده •‬
‫‪.‬نهى هللا تعالى الزوجين عن اتخاذ األوالد وسيلة يقصد بها أحدهما اإلضرار باآلخر •‬
‫‪.‬الحث على أن تكون كل الشؤون المتعلقة بالحياة الزوجية مبنية على التشاور والتراضي بين الزوجين •‬
‫‪٣٧‬‬

‫ࣰر‬ ‫ࣰج‬
‫َو ٱَّلِذ یَن ُیَتَو َّفۡو َن ِم نُكۡم َو َیَذُر وَن َأۡز َو⁠ٰ  ا َیَتَر َّبۡص َن ِبَأنُفِس ِه َّن َأۡر َبَعَة َأۡش ُه ࣲر َو َعۡش ۖا َفِإَذا َبَلۡغ َن َأَج َلُه َّن َفاَل ُج َناَح َعَلۡی ُكۡم ِفیَم ا َفَعۡل َن ِفۤی ﴿‬
‫ࣱر‬
‫۝ َو اَل ُج َناَح َعَلۡی ُكۡم ِفیَم ا َعَّر ۡض ُتم ِبِهۦ ِم ۡن ِخ ۡط َبِة ٱلِّنَسۤا ِء َأۡو َأۡك َننُتۡم ِفۤی َأنُفِسُكۚۡم َعِلَم ٱُهَّلل‬ ‫َأنُفِس ِه َّن ِبٱۡل َم ۡع ُر وِۗف َو ٱُهَّلل ِبَم ا َتۡع َم ُلوَن َخ ِبی ‪٢٣٤‬‬
‫ࣰف‬ ‫اࣰل‬
‫َأَّنُكۡم َسَتۡذ ُكُر وَنُه َّن َو َلٰـِك ن اَّل ُتَو اِعُدوُهَّن ِس ًّر ا ِإۤاَّل َأن َتُقوُلو۟ا َقۡو َّم ۡع ُر و ۚا َو اَل َتۡع ِز ُم و۟ا ُعۡق َد َة ٱلِّنَكاِح َح َّتٰى َیۡب ُلَغ ٱۡل ِك َتٰـ ُب َأَج َل ۚۥُه َو ٱۡع َلُم ۤو ۟ا َأَّن‬
‫ࣱم‬
‫۝ اَّل ُج َناَح َعَلۡی ُكۡم ِإن َطَّلۡق ُتُم ٱلِّنَسۤا َء َم ا َلۡم َتَمُّسوُهَّن َأۡو َتۡف ِر ُضو۟ا‬ ‫ٱَهَّلل َیۡع َلُم َم ا ِفۤی َأنُفِس ُكۡم َفٱۡح َذُر وُۚه َو ٱۡع َلُم ۤو ۟ا َأَّن ٱَهَّلل َغُفوٌر َحِلی ‪٢٣٥‬‬
‫ࣰۚة‬
‫۝ َو ِإن َطَّلۡق ُتُم وُهَّن ِم ن َقۡب ِل‬ ‫َلُه َّن َفِر یَض َو َمِّتُعوُهَّن َعَلى ٱۡل ُم وِس ِع َقَد ُر ۥُه َو َعَلى ٱۡل ُم ۡق ِتِر َقَد ُر ۥُه َم َتٰـ َۢع ا ِبٱۡل َم ۡع ُر وِۖف َح ًّقا َعَلى ٱۡل ُم ۡح ِسِنیَن ‪٢٣٦‬‬
‫ࣰة‬
‫َأن َتَمُّسوُهَّن َو َقۡد َفَر ۡض ُتۡم َلُه َّن َفِر یَض َفِنۡص ُف َم ا َفَر ۡض ُتۡم ِإۤاَّل َأن َیۡع ُفوَن َأۡو َیۡع ُفَو ۟ا ٱَّلِذی ِبَیِد ِهۦ ُعۡق َد ُة ٱلِّنَكاِۚح َو َأن َتۡع ُفۤو ۟ا َأۡق َر ُب ِللَّتۡق َو ٰۚى‬

‫[البقرة‪٢٣٧-٢٣٤ :‬‬ ‫]َو اَل َتنَسُو ۟ا ٱۡل َفۡض َل َبۡی َنُكۚۡم ِإَّن ٱَهَّلل ِبَم ا َتۡع َم ُلوَن َبِص یٌر ‪٢٣٧‬‬
‫۝﴾‬

‫والذين يموتون ويتركون وراءهم زوجات غير حوامل‪ ،‬ينتظرن بأنفسهن وجوًبا مدة أربعة أشهر وعشرة أيام‪ ،‬يمتنعن ‪٢٣٤-‬‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪31/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫فيها عن الخروج من بيت الزوج‪ ،‬وعن الزينة والزواج‪ ،‬فإذا انقضت هذه المدة‪ ،‬فال إثم عليكم ‪ -‬أيها األولياء ‪ -‬فيما فعلن بأنفسهن‬
‫مما كان ممنوًعا عليهن في تلك المدة‪ ،‬على الوجه المعروف شرًعا وعرًفا‪ ،‬وهللا بما تعملون خبير ال يخفى عليه شيء من‬
‫‪.‬ظاهركم وباطنكم‪ ،‬وسيجازيكم عليه‬
‫وال إثم عليكم في التلميح بالرغبة في خطبة المعتدة من وفاة أو طالق بائن‪ ،‬دون التصريح بالرغبة‪ ،‬كأن يقول‪ :‬إذا ‪٢٣٥-‬‬
‫انقضت ِع َّدُتِك فأخبريني‪ ،‬وال إثم عليكم فيما أخفيتم في أنفسكم من الرغبة في نكاح المعتدة بعد انقضاء عدتها‪ ،‬علم هللا أنكم‬
‫ستذكرونهن لشدة رغبتكم فيهن‪ ،‬فأباح لكم التلميح دون التصريح‪ ،‬واحذروا أن تتواعدوا سًّر ا على النكاح وهن في مدة العدة‪ ،‬إال‬
‫وفق المعروف من القول وهو التعريض‪ ،‬وال ُتبرموا عقد النكاح في زمن العدة‪ ،‬واعلموا أن هللا يعلم ما تضمرونه في أنفسكم مما‬
‫‪.‬أباح لكم وحرم عليكم فاحذروه‪ ،‬وال تخالفوا أمره‪ ،‬واعلموا أن هللا غفور لمن تاب من عباده‪ ،‬حليم ال يعاجل بالعقوبة‬
‫ال إثم عليكم إن طلقتم زوجاتكم الالئي عقدتم عليهن قبل أن تجامعوهن وقبل أن توجبوا مهًر ا محدًدا لهن‪ ،‬فإذا ‪٢٣٦-‬‬
‫طلقتموهن على هذه الحال فال يجب لهن عليكم مهر‪ ،‬وإنما يجب إعطاؤهن شيًئا يتمتعن به‪ ،‬ويجبر كسر نفوسهن‪ ،‬بحسب‬
‫االستطاعة سواء كان ُم وَّسًعا عليه كثير المال أو ُمَض ّيًقا عليه قليل المال‪ ،‬وهذا العطاء حق ثابت على المحسنين في أفعالهم‬
‫‪.‬ومعامالتهم‬
‫وإن طلقتم زوجاتكم الالئي عقدتم عليهن قبل جماعهن وقد أوجبتم لهن مهًر ا محدًدا‪ ،‬فيجب عليكم دفع نصف المهر ‪٢٣٧-‬‬
‫المسمى إليهن‪ ،‬إال أن يسمحن لكم عنه ‪ -‬إن كّن رشيدات ‪ -‬أو يسمح األزواج أنفسهم ببذل المهر كاماًل لهن‪ ،‬وأن تتسامحوا في‬
‫الحقوق بينكم أقرب إلى خشية هللا وطاعته‪ ،‬وال تتركوا ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬تفضل بعضكم على بعض‪ ،‬والمسامحة في الحقوق‪ ،‬فإن هللا‬

‪.‬بما تعملون بصير‪ ،‬فاجتهدوا في بذل المعروف لتنالوا ثواب هللا عليه‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬مشروعية الِع دة على من توفي عنها زوجها بأن تمتنع عن الزينة والزواج مدة أربعة أشهر وعشرة أيام •‬
‫‪.‬معرفة المؤمن باطالع هللا عليه َتْح ِم ُله على الحذر منه تعالى والوقوف عند حدوده •‬
‫‪.‬الحث على المعاملة بالمعروف بين األزواج واألقارب‪ ،‬وأن يكون العفو والمسامحة أساس تعاملهم فيما بينهم •‬
‫‪٣٨‬‬

‫ࣰن‬
‫۝ َفِإۡن ِخ ۡف ُتۡم َفِر َج ااًل َأۡو ُر ۡك َبا ۖا َفِإَذۤا َأِم نُتۡم َفٱۡذ ُكُر و۟ا ٱَهَّلل َكَم ا َعَّلَم ُكم َّم ا﴿‬
‫َحٰـِفُظو۟ا َعَلى ٱلَّص َلَوٰ ⁠ِت َو ٱلَّص َلٰو ِة ٱۡل ُو ۡس َطٰى َو ُقوُم و۟ا ِهَّلِل َقٰـِنِتیَن ‪٢٣٨‬‬
‫ࣰة‬ ‫ࣰج‬
‫۝ َو ٱَّلِذ یَن ُیَتَو َّفۡو َن ِم نُكۡم َو َیَذُر وَن َأۡز َو⁠ٰ  ا َو ِص َّی َأِّلۡز َو⁠ٰ ِج ِه م َّم َتٰـ ًعا ِإَلى ٱۡل َح ۡو ِل َغۡی َر ِإۡخ َر اࣲۚج َفِإۡن َخ َر ۡج َن َفاَل ُج َناَح‬‫َلۡم َتُكوُنو۟ا َتۡع َلُم وَن ‪٢٣٩‬‬
‫ࣱم‬
‫۝ َو ِلۡل ُم َطَّلَقٰـِت َم َتٰـ ُۢع ِبٱۡل َم ۡع ُر وِۖف َح ًّقا َعَلى ٱۡل ُم َّتِقیَن ‪٢٤١‬‬
‫۝ َكَذٰ ⁠ِلَك ُیَبِّیُن‬ ‫َعَلۡی ُكۡم ِفی َم ا َفَعۡل َن ِفۤی َأنُفِس ِه َّن ِم ن َّم ۡع ُر وࣲۗف َو ٱُهَّلل َعِز یٌز َحِك ی ‪٢٤٠‬‬
‫َفَقاَل َلُه ُم ٱُهَّلل ُم وُتو۟ا ُثَّم َأۡح َیٰـُه ۚۡم‬ ‫۝ ۞ َأَلۡم َتَر ِإَلى ٱَّلِذ یَن َخ َر ُج و۟ا ِم ن ِد َیٰـ ِر ِه ۡم َو ُهۡم ُأُلوٌف َح َذَر ٱۡل َم ۡو ِت‬
‫ٱُهَّلل َلُكۡم َء اَیٰـِتِهۦ َلَعَّلُكۡم َتۡع ِقُلوَن ‪٢٤٢‬‬
‫ࣱم‬ ‫۝ َو َقٰـِتُلو۟ا ِفی َسِبیِل ٱِهَّلل َو ٱۡع َلُم ۤو ۟ا‬
‫۝ َّم ن َذا‬ ‫َأَّن ٱَهَّلل َسِم یٌع َعِلی ‪٢٤٤‬‬ ‫ِإَّن ٱَهَّلل َلُذو َفۡض ٍل َعَلى ٱلَّناِس َو َلٰـِك َّن َأۡك َثَر ٱلَّناِس اَل َیۡش ُكُر وَن ‪٢٤٣‬‬
‫ࣰف‬ ‫ࣰن‬
‫]ٱَّلِذی ُیۡق ِر ُض ٱَهَّلل َقۡر ًضا َحَس ا َفُیَض ٰـِع َف ۥُه َل ۤۥُه َأۡض َعا ا َكِثیَر ࣰۚة َو ٱُهَّلل َیۡق ِبُض َو َیۡب ُۜص ُط َو ِإَلۡی ِه ُتۡر َجُعوَن ‪٢٤٥‬‬
‫۝﴾ [البقرة‪٢٤٥-٢٣٨ :‬‬

‫حافظوا على الصلوات بأدائها تامة كما أمر هللا‪ ،‬وحافظوا على الصالة الوسطى بين الصلوات وهي صالة العصر‪٢٣٨- ،‬‬
‫‪.‬وقوموا هلل في صالتكم مطيعين خاشعين‬
‫فإن خفتم من عدٍّو ونحوه‪ ،‬فلم تقدروا على أدائها تامًة فصلوا مشاة على أرجلكم أو راكبين على اإلبل والخيل ونحوها‪٢٣٩- ،‬‬
‫أو على أي صفة تقدرون عليها‪ ،‬فإذا زال الخوف عنكم فاذكروا هللا كما عَّلمكم‪ ،‬ومنه ِذكُر ه في الصالة على كمالها وتمامها‪،‬‬
‫‪.‬واذكروه أيًض ا لتعليمه إياكم ما لم تكونوا تعلمونه من النور والهدى‬
‫والذين يموتون منكم ويتركون وراءهم أزواًج ا عليهم أن يوصوا لهن بأن ُيمَّتعن بالسكنى والنفقة عاًم ا كاماًل ال ‪٢٤٠-‬‬
‫ُيخرجهن ورثتكم‪ ،‬جبًر ا لهن لما أصابهن‪ ،‬ووفاء للميت‪ ،‬فإن خرجن قبل إكمال العام من تلقاء أنفسهن فال إثم عليكم وال عليهن‬
‫فيما فعلن في أنفسهن من التزين والتطيب‪ ،‬وهللا عزيز ال غالب له‪ ،‬حكيم في تدبيره وشرعه وقدره‪ .‬هذا وقد ذهب جمهور‬
‫المفسرين إلى أن حكم هذه اآلية منسوخ بقوله تعالى‪﴿ :‬واَّلِذ يَن ُيَتَو َّفْو َن ِم نُكْم وَيَذُر وَن أْز واًج ا َيَتَر َّبْص َن ِبَأْنُفِس ِه َّن أْر َبَعَة أْش ُه ٍر‬
‫‪].‬وَعْش ًر ا﴾ [البقرة ‪٢٣٤‬‬
‫وللمطلقات متاع يمَّتعن به من كسوة أو مال أو غير ذلك‪ ،‬جبًر ا لخواطرهن المنكسرة بالطالق‪ ،‬وفق المعروف من ‪٢٤١-‬‬
‫‪.‬مراعاة حال الزوج من قلة أو كثرة‪ ،‬وهذا الحكم حق ثابت على المتقين هلل تعالى بامتثال أمره واجتناب نهيه‬
‫مثل ذلك البيان السابق يبين هللا لكم ‪ -‬أيها المؤمنون ‪ -‬آياته المشتملة على حدوده وأحكامه‪ ،‬لعلكم تعقلونها وتعملون ‪٢٤٢-‬‬
‫‪.‬بها‪ ،‬فتنالون الخير في الدنيا واآلخرة‬
‫ألم يبلغ علمك ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬خبر الذين خرجوا من بيوتهم وهم خلق كثير خوًفا من الموت بسبب الوباء أو غيره‪ ،‬وهم ‪٢٤٣-‬‬
‫طائفة من بني إسرائيل‪ ،‬فقال لهم هللا‪ :‬موتوا فماتوا‪ ،‬ثم أعادهم أحياء‪ ،‬ليبين لهم أن األمر كله بيده سبحانه‪ ،‬وأنهم ال يملكون‬
‫‪.‬ألنفسهم نفًعا وال ضًّر ا‪ ،‬إن هللا لذو عطاء وفضل على الناس‪ ،‬ولكن أكثر الناس ال يشكرون هللا على نعمه‬
‫وقاتلوا ‪ -‬أيها المؤمنون ‪ -‬أعداء هللا‪ ،‬نصرة لدينه ورفعة لكلمته‪ ،‬واعلموا أن هللا سميع ألقوالكم‪ ،‬عليم بنياتكم وأفعالكم‪٢٤٤- ،‬‬
‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪32/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫‪.‬وسيجازيكم عليها‬
‫من ذا الذي يعمل عمل الُم قرض‪ ،‬فينفق ماله في سبيل هللا بنية حسنة ونفس طيبة‪ ،‬ليعود عليه أضعاًفا كثيرة‪ ،‬وهللا ‪٢٤٥-‬‬
‫يضِّيق في الرزق والصحة وغيرها‪ ،‬ويوسع في ذلك كله بحكمته وعدله‪ ،‬وإليه وحده ترجعون في اآلخرة‪ ،‬فيجازيكم على‬

‪.‬أعمالكم‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬الحث على المحافظة على الصالة وأدائها تامة األركان والشروط‪ ،‬فإن شق عليه صّلى على ما تيسر له من الحال •‬
‫‪.‬رحمة هللا تعالى بعباده ظاهرة‪ ،‬فقد بين لهم آياته أتم بيان لإلفادة منها •‬
‫‪.‬أن هللا تعالى قد يبتلي بعض عباده فيضِّيق عليهم الرزق‪ ،‬ويبتلي آخرين بسعة الرزق‪ ،‬وله في ذلك الحكمة البالغة •‬
‫‪٣٩‬‬

‫ࣰك‬
‫َأَلۡم َتَر ِإَلى ٱۡل َم ِإَل ِم ۢن َبِنۤی ِإۡس َرٰ ۤ⁠ِء یَل ِم ۢن َبۡع ِد ُم وَسٰۤى ِإۡذ َقاُلو۟ا ِلَنِبࣲّی َّلُه ُم ٱۡب َعۡث َلَنا َم ِل ا ُّنَقٰـِتۡل ِفی َسِبیِل ٱِۖهَّلل َقاَل َهۡل َعَسۡی ُتۡم ِإن ُكِتَب ﴿‬
‫اࣰل‬
‫َعَلۡی ُكُم ٱۡل ِقَتاُل َأاَّل ُتَقٰـِتُلوۖ۟ا َقاُلو۟ا َو َم ا َلَنۤا َأاَّل ُنَقٰـِتَل ِفی َسِبیِل ٱِهَّلل َو َقۡد ُأۡخ ِر ۡج َنا ِم ن ِد َیٰـ ِر َنا َو َأۡب َنۤا ِٕىَنۖا َفَلَّم ا ُكِتَب َعَلۡی ِه ُم ٱۡل ِقَتاُل َتَو َّلۡو ۟ا ِإاَّل َقِلی‬
‫ࣰك‬
‫۝ َو َقاَل َلُه ۡم َنِبُّیُه ۡم ِإَّن ٱَهَّلل َقۡد َبَعَث َلُكۡم َطاُلوَت َم ِل ۚا َقاُلۤو ۟ا َأَّنٰى َیُكوُن َلُه ٱۡل ُم ۡل ُك َعَلۡی َنا َو َنۡح ُن َأَحُّق ِبٱۡل ُم ۡل ِك‬ ‫ِّم ۡن ُه ۚۡم َو ٱُهَّلل َعِلیُۢم ِبٱلَّظٰـِلِم یَن ‪٢٤٦‬‬
‫ࣰة‬ ‫ࣰة‬
‫ِم ۡن ُه َو َلۡم ُیۡؤ َت َسَع ِّم َن ٱۡل َم اِۚل َقاَل ِإَّن ٱَهَّلل ٱۡص َطَفٰى ُه َعَلۡی ُكۡم َو َز اَد ۥُه َبۡس َط ِفی ٱۡل ِع ۡل ِم َو ٱۡل ِج ۡس ِۖم َو ٱُهَّلل ُیۡؤ ِتی ُم ۡل َك ۥُه َم ن َیَشۤا ُۚء َو ٱُهَّلل َو⁠ٰ ِسٌع‬
‫ࣱة‬ ‫ࣱة‬ ‫ࣱم‬
‫ِكِه َأن َیۡأ ِتَیُكُم ٱلَّتاُبوُت ِفیِه َسِك یَن ِّم ن َّر ِّبُكۡم َو َبِقَّی ِّم َّم ا َتَر َك َء اُل ُم وَسٰى َو َء اُل َهٰـ ُر وَن َتۡح ِم ُلُه‬ ‫۝ َو َقاَل َلُه ۡم َنِبُّیُه ۡم ِإَّن َء اَیَة ُم ۡل ۤۦ‬ ‫َعِلی ‪٢٤٧‬‬
‫ࣰة‬ ‫ُۚة‬
‫۝﴾ [البقرة‪٢٤٨-٢٤٦ :‬‬ ‫]ٱۡل َم َلٰۤـ ِٕىَك ِإَّن ِفی َذٰ ⁠ِلَك َلَٔـاَی َّلُكۡم ِإن ُكنُتم ُّم ۡؤ ِم ِنیَن ‪٢٤٨‬‬

‫ألم يبلغ علمك ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬خبر األشراف من بني إسرائيل بعد زمن موسى عليه السالم‪ ،‬حين قالوا لنبي لهم‪ :‬أقم لنا ‪٢٤٦-‬‬
‫َم ِلًكا نقاتل معه في سبيل هللا‪ ،‬فقال لهم نبيهم‪ :‬لعلكم إن فرض هللا عليكم القتال أال تقاتلوا في سبيل هللا! قالوا منكرين ظنه فيهم‪ :‬أي‬
‫مانع يمنعنا من القتال في سبيل هللا مع وجود ما يقتضي ذلك منا؟ فقد أخرَج نا أعداؤنا من أوطاننا‪ ،‬وأسروا أبناءنا‪ ،‬فنقاتل الستعادة‬
‫أوطاننا وتخليص أْسرانا‪ ،‬فلما فرض هللا عليهم القتال أعرضوا إذ لم يوّفوا بما وعدوا به إال قلة منهم‪ ،‬وهللا عليم بالظالمين‬
‫‪.‬المعرضين عن أمره‪ ،‬الناقضين لعهده‪ ،‬وسيجازيهم على ذلك‬
‫وقال لهم نبيهم‪ :‬إن هللا قد أقام لكم طالوت ملًكا عليكم لتقاتلوا تحت رايته‪ ،‬قال أشرافهم مستنكرين هذا االختيار ‪٢٤٧-‬‬
‫ومعترضين عليه‪ :‬كيف يكون له الُم لك علينا‪ ،‬ونحن أولى بالُم لك منه‪ ،‬إذ لم يكن من أبناء الملوك‪ ،‬ولم ُيْعَط مااًل واسًعا يستعين به‬
‫على الملك؟! قال لهم نبيهم‪ :‬إن هللا اختاره عليكم‪ ،‬وزاده عليكم سعة في العلم وقوة في الجسم‪ ،‬وهللا يؤتي ملكه من يشاء بحكمته‬
‫‪.‬ورحمته‪ ،‬وهللا واسع الفضل يعطي من يشاء‪ ،‬عليم بمن يستحقه من خلقه‬
‫وقال لهم نبيهم‪ :‬إن عالمة صدق اختياره ملًكا عليكم‪ ،‬أن َيُر د هللا عليكم التابوت ‪ -‬وكان صندوًقا يعظمه بنو إسرائيل ‪٢٤٨-‬‬
‫ُأخذ منهم ‪ -‬فيه طمأنينة تصاحبه‪ ،‬وفيه بقايا مما تركه آل موسى وآل هارون‪ ،‬مثل العصا‪ ،‬وبعض من األلواح‪ ،‬إن في ذلك لعالمة‬

‪.‬بينة لكم إن كنتم مؤمنين حًّقا‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬التنبيه إلى أهم صفات القائد التي تؤهله لقيادة الناس‪ ،‬وهي العلم بما يكون قائًدا فيه‪ ،‬والقوة عليه •‬
‫‪.‬إرشاد من يتولى قيادة الناس إلى أال يغتر بأقوالهم حتى يبلوهم‪ ،‬ويختبر أفعالهم بعد أقوالهم •‬
‫أن االعتبارات التي قد تشتهر بين الناس في وزن اآلخرين والحكم عليهم قد ال تكون هي الموازين الصحيحة عند هللا •‬
‫‪.‬تعالى‪ ،‬بل هو سبحانه يصطفي من يشاء من خلقه بحكمته وعلمه‬
‫‪٤٠‬‬

‫َفَلَّم ا َفَصَل َطاُلوُت ِبٱۡل ُج ُنوِد َقاَل ِإَّن ٱَهَّلل ُم ۡب َتِلیُكم ِبَنَهࣲر َفَم ن َشِر َب ِم ۡن ُه َفَلۡی َس ِم ِّنی َو َم ن َّلۡم َیۡط َعۡم ُه َفِإَّن ۥُه ِم ِّنۤی ِإاَّل َم ِن ٱۡغ َتَر َف ُغۡر َفَۢة ﴿‬
‫اࣰل‬
‫وِدِه َقاَل ٱَّلِذ یَن َیُظُّنوَن‬ ‫َیِدِه َفَشِر ُبو۟ا ِم ۡن ُه ِإاَّل َقِلی ِّم ۡن ُه ۚۡم َفَلَّم ا َج اَو َز ۥُه ُهَو َو ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا َمَع ۥُه َقاُلو۟ا اَل َطاَقَة َلَنا ٱۡل َیۡو َم ِبَج اُلوَت َو ُج ُن ۚۦ‬
‫ِب ۚۦ‬
‫ࣰة‬
‫۝ َو َلَّم ا َبَر ُز و۟ا ِلَج اُلوَت َو ُج ُنوِد ِهۦ َقاُلو۟ا َر َّبَنۤا َأۡف ِر ۡغ‬‫َأَّنُه م ُّم َلٰـ ُقو۟ا ٱِهَّلل َكم ِّم ن ِفَئࣲة َقِلیَلٍة َغَلَبۡت ِفَئ َكِثیَر َۢة ِبِإۡذ ِن ٱِۗهَّلل َو ٱُهَّلل َمَع ٱلَّصٰـ ِبِر یَن ‪٢٤٩‬‬
‫۝ َفَه َز ُم وُهم ِبِإۡذ ِن ٱِهَّلل َو َقَتَل َداُوۥُد َج اُلوَت َو َء اَتٰى ُه ٱُهَّلل ٱۡل ُم ۡل َك َو ٱۡل ِح ۡك َم َة‬ ‫ࣰر‬
‫َعَلۡی َنا َص ۡب ا َو َثِّبۡت َأۡق َداَم َنا َو ٱنُص ۡر َنا َعَلى ٱۡل َقۡو ِم ٱۡل َكٰـِفِر یَن ‪٢٥٠‬‬

‫َو َعَّلَم ۥُه ِم َّم ا َیَشۤا ُۗء َو َلۡو اَل َد ۡف ُع ٱِهَّلل ٱلَّناَس َبۡع َض ُه م ِبَبۡع ࣲض َّلَفَسَدِت ٱَأۡلۡر ُض َو َلٰـِك َّن ٱَهَّلل ُذو َفۡض ٍل َعَلى ٱۡل َعٰـ َلِم یَن ‪٢٥١‬‬
‫۝ ِتۡل َك َء اَیٰـُت ٱِهَّلل‬
‫[البقرة‪٢٥٢-٢٤٩ :‬‬ ‫]َنۡت ُلوَها َعَلۡی َك ِبٱۡل َح ِّۚق َو ِإَّنَك َلِم َن ٱۡل ُم ۡر َسِلیَن ‪٢٥٢‬‬
‫۝﴾‬

‫فلما خرج طالوت بالجنود عن البلد قال لهم‪ :‬إن هللا مختبركم بنهر‪ ،‬فمن شرب منه فليس على طريقتي‪ ،‬وال يصاحبني ‪٢٤٩-‬‬
‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪33/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫في قتال‪ ،‬ومن لم يشرب منه فإنه على طريقتي‪ ،‬ويصاحبني في القتال‪ ،‬إال من اضطر فشرب مقدار غرفة بكِّف يده فال شيء‬
‫عليه‪ ،‬فشرب الجنود إال قلياًل منهم صبروا على عدم الشرب مع شدة العطش‪ ،‬فلما جاوز طالوت النهر هو والمؤمنون معه‪ ،‬قال‬
‫بعض جنوده‪ :‬ال قدرة لنا اليوم على قتال جالوت وجنوده‪ ،‬وعندئذ قال الذين يوقنون أنهم مالقو هللا يوم القيامة‪ :‬كم من طائفة‬
‫مؤمنة قليلة العدد غلبت طائفة كافرة كثيرة العدد بإذن هللا وعونه‪ ،‬فالعبرة في النصر باإليمان ال بالكثرة‪ ،‬وهللا مع الصابرين من‬
‫‪.‬عباده يؤيدهم وينصرهم‬
‫ولما خرجوا ظاهرين لجالوت وجنوده توجهوا إلى هللا بالدعاء قائلين‪ :‬ربنا ُص َّب على قلوبنا الصبر صًّبا‪ ،‬وثبت أقدامنا ‪٢٥٠-‬‬
‫‪.‬حتى ال َنِفّر وال ننهزم أمام عدونا‪ ،‬وانصرنا بقوتك وتأييدك على القوم الكافرين‬
‫فهزموهم بإذن هللا‪ ،‬وقتل داوُد قائَدهم جالوت‪ ،‬وآتاه هللا الملك والنبوة‪ ،‬وعلمه مما يشاء من أنواع العلوم‪ ،‬فجمع له بين ‪٢٥١-‬‬
‫ما يصلح الدنيا واآلخرة‪ .‬ولوال أّن من ُسَّنة هللا أن يرَّد ببعض الناس فساد بعضهم‪ ،‬لفسدت األرض بتسلط المفسدين فيها‪ ،‬ولكن هللا‬
‫‪.‬ذو فضل على جميع المخلوقات‬
‫تلك آيات هللا الواضحة البينة نتلوها عليك ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬متضمنة صدًقا في األخبار‪ ،‬وعداًل في األحكام‪ ،‬وإنك لمن ‪٢٥٢-‬‬

‪.‬المرسلين من رب العالمين‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬من حكمة القائد أن ُيعِّر ض جيشه ألنواع االختبارات التي يتميز بها جنوده ويعرف الثابت من غيره •‬
‫‪.‬العبرة في النصر ليست بمجرد كثرة العدد والعدة فقط‪ ،‬وإنما معونة هللا وتوفيقه أعظم األسباب للنصر والظفر •‬
‫‪.‬ال يثبت عند الفتن والشدائد إال من َعَمَر اليقيُن باهلل قلوَبهم‪ ،‬فمثل أولئك يصبرون عند كل محنة‪ ،‬ويثبتون عند كل بالء •‬
‫‪.‬الضراعة إلى هللا تعالى بقلب صادق متعلق به من أعظم أسباب إجابة الدعاء‪ ،‬وال سيما في مواطن القتال •‬
‫‪.‬من ُسَّنة هللا تعالى وحكمته أن يدفع شر بعض الخلق وفسادهم في األرض ببعضهم •‬
‫‪٤١‬‬

‫ِتۡل َك ٱلُّر ُسُل َفَّض ۡل َنا َبۡع َض ُه ۡم َعَلٰى َبۡع ࣲۘض ِّم ۡن ُه م َّم ن َكَّلَم ٱُۖهَّلل َو َر َفَع َبۡع َض ُه ۡم َد َر َجٰـ ࣲۚت َو َء اَتۡی َنا ِع یَسى ٱۡب َن َم ۡر َیَم ٱۡل َبِّیَنٰـِت َو َأَّیۡد َنٰـ ُه ۞﴿‬
‫ِبُر وِح ٱۡل ُقُدِۗس َو َلۡو َشۤا َء ٱُهَّلل َم ا ٱۡق َتَتَل ٱَّلِذ یَن ِم ۢن َبۡع ِدِه م ِّم ۢن َبۡع ِد َم ا َج ۤا َء ۡت ُه ُم ٱۡل َبِّیَنٰـُت َو َلٰـِك ِن ٱۡخ َتَلُفو۟ا َفِم ۡن ُه م َّم ۡن َء اَم َن َو ِم ۡن ُه م َّم ن َكَفَۚر‬
‫ࣱع‬
‫۝ َیٰۤـ َأُّیَه ا ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنۤو ۟ا َأنِفُقو۟ا ِم َّم ا َر َز ۡق َنٰـُكم ِّم ن َقۡب ِل َأن َیۡأ ِتَی َیۡو ࣱم اَّل َبۡی ِفیِه َو اَل‬ ‫َو َلۡو َشۤا َء ٱُهَّلل َم ا ٱۡق َتَتُلو۟ا َو َلٰـِك َّن ٱَهَّلل َیۡف َعُل َم ا ُیِر یُد ‪٢٥٣‬‬
‫ࣱة‬ ‫ࣱۗة‬ ‫ࣱة‬
‫۝ ٱُهَّلل ۤاَل ِإَلٰـ َه ِإاَّل ُهَو ٱۡل َح ُّی ٱۡل َقُّیوُۚم اَل َتۡأ ُخ ُذ ۥُه ِس َن َو اَل َنۡو ࣱۚم َّل ۥُه َم ا ِفی ٱلَّسَم ٰـ َوٰ ⁠ِت َو َم ا ِفی‬ ‫ُخ َّل َو اَل َشَفٰـَع َو ٱۡل َكٰـِفُر وَن ُهُم ٱلَّظٰـِلُم وَن ‪٢٥٤‬‬
‫ٱَأۡلۡر ِۗض َم ن َذا ٱَّلِذی َیۡش َفُع ِع نَد ۤۥُه ِإاَّل ِبِإۡذ ۚۦ‬
‫ِنِه َیۡع َلُم َم ا َبۡی َن َأۡی ِدیِه ۡم َو َم ا َخ ۡل َفُه ۖۡم َو اَل ُیِح یُطوَن ِبَشۡی ࣲء ِّم ۡن ِع ۡل ِم ۤۦِه ِإاَّل ِبَم ا َشۤاَۚء َو ِسَع ُكۡر ِسُّیُه‬

‫ٱلَّسَم ٰـ َوٰ ⁠ِت َو ٱَأۡلۡر َۖض َو اَل َیُٔـوُد ۥُه ِح ۡف ُظُه َم ۚا َو ُهَو ٱۡل َعِلُّی ٱۡل َعِظ یُم ‪٢٥٥‬‬
‫۝ ۤاَل ِإۡك َر اَه ِفی ٱلِّدیِۖن َقد َّتَبَّیَن ٱلُّر ۡش ُد ِم َن ٱۡل َغِّۚی َفَم ن َیۡك ُفۡر ِبٱلَّطٰـ ُغوِت‬
‫۝﴾ [البقرة‪٢٥٦-٢٥٣ :‬‬ ‫]َو ُیۡؤ ِم ۢن ِبٱِهَّلل َفَقِد ٱۡس َتۡم َسَك ِبٱۡل ُعۡر َو ِة ٱۡل ُو ۡث َقٰى اَل ٱنِفَص اَم َلَه ۗا َو ٱُهَّلل َسِم یٌع َعِلیٌم ‪٢٥٦‬‬

‫أولئك الرسل الذين ذكرناهم لك‪ ،‬فَّضلنا بعضهم على بعض في الوحي واألتباع والدرجات‪ ،‬منهم من َكَّلَم ه هللا مثل ‪٢٥٣-‬‬
‫موسى عليه السالم‪ ،‬ومنهم من رفعه درجات عالية مثل محمد ﷺ‪ ،‬إذ ُأرِس ل للناس كلهم‪ ،‬وُخ ِتَم ت به النبوة‪ ،‬وُفِّض َلت أمته على‬
‫األمم‪ ،‬وآتينا عيسى بن مريم المعجزات الواضحات الدالة على نبوته‪ ،‬كإحياء الموتى وإبراء األكمه واألبرص‪ ،‬وأيدناه بجبريل‬
‫عليه السالم َتْقويًة له على القيام بأمر هللا تعالى‪ .‬ولو شاء هللا ما اقتتل الذين جاؤوا من بعد الرسل من بعد ما جاءتهم اآليات‬
‫الواضحة‪ ،‬ولكن اختلفوا فانقسموا‪ ،‬فمنهم من آمن باهلل‪ ،‬ومنهم من كفر به‪ ،‬ولو شاء هللا أال يقتتلوا ما اقتتلوا‪ ،‬ولكن هللا يفعل ما‬
‫‪.‬يريد‪ ،‬فيهدي من يشاء إلى اإليمان برحمته وفضله‪ ،‬ويضل من يشاء بعدله وحكمته‬
‫يا أيها الذين آمنوا باهلل واتبعوا رسوله‪ ،‬أنفقوا مما رزقناكم من ُم ختلف األموال الحالل‪ ،‬من قبل أن يأتي يوم القيامة‪٢٥٤- ،‬‬
‫حينئذ ال بيٌع فيه يكتسب منه اإلنسان ما ينفعه‪ ،‬وال صداقة تنفعه في وقت الشدة‪ ،‬وال وساطة َتدفع ضًّر ا أو َتجلب نفًعا إال بعد أن‬
‫‪.‬يأذن هللا لمن يشاء ويرضى‪ ،‬والكافرون هم الظالمون حًّقا لكفرهم باهلل تعالى‬
‫هللا الذي ال إله ُيعبد بحٍّق إال هو وحده دون سواه‪ ،‬الحي حياة كاملة ال موت فيها وال نقص‪ ،‬القيوم الذي قام بنفسه ‪٢٥٥-‬‬
‫فاستغنى عن جميع خلقه‪ ،‬وبه قامت جميع المخلوقات فال تستغني عنه في كل أحوالها‪ ،‬ال يأخذه نعاس وال نوم‪ ،‬لكمال حياته‬
‫وقيوميته‪ ،‬له وحده ملك ما في السماوات وما في األرض‪ ،‬ال يملك أحد أن يشفع عنده ألحد إال بعد إذنه ورضاه‪ ،‬يعلم ما مضى‬
‫من أمور خلقه مما وقع‪ ،‬وما يستقبلونه مما لم يقع‪ ،‬وال يحيطون بشيء من علمه تعالى إال بما شاء أن يطلعهم عليه‪ ،‬أحاط كرسيه‬
‫‪ -‬وهو‪ :‬موضع َقَدمي الرب ‪ -‬بالسماوات واألرض على َسَعِتهما وِع َظِم هما‪ ،‬وال ُيْثِقُله أو يشق عليه حفظهما‪ ،‬وهو الَعلُّي بذاته‬
‫‪.‬وَقْدِر ه وَقْه ِر ه‪ ،‬العظيم في ملكه وسلطانه‬
‫ال إكراه ألحد على الدخول في دين اإلسالم‪ ،‬ألنه الدين الحق البِّين فال حاجة به إلى إكراه أحد عليه‪ ،‬قد تميز الُّر شد من ‪٢٥٦-‬‬
‫الضالل‪ ،‬فمن يكفر بكل ما يعبد من دون هللا ويتبرأ منها‪ ،‬ويؤمن باهلل وحده‪ ،‬فقد استمسك من الدين بأقوى سبب ال ينقطع للنجاة‬

‪.‬يوم القيامة‪ ،‬وهللا سميع ألقوال عباده‪ ،‬عليم بأفعالهم‪ ،‬وسيجازيهم عليها‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪34/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫‪.‬أن هللا تعالى قد فاضل بين رسله وأنبيائه‪ ،‬بعلمه وحكمته سبحانه •‬
‫‪.‬إثبات صفة الكالم هلل تعال على ما يليق بجالله‪ ،‬وأنه قد كلم بعض رسله كموسى ومحمد عليهما الصالة والسالم •‬
‫‪.‬اإليمان والهدى والكفر والضالل كلها بمشيئة هللا وتقديره‪ ،‬فله الحكمة البالغة‪ ،‬ولو شاء لهدى الخلق جميًعا •‬
‫‪.‬آية الكرسي هي أعظم آية في كتاب هللا‪ ،‬لما تضمنته من ربوبية هللا وألوهيته وبيان أوصافه عز وجل •‬
‫‪.‬اتباع اإلسالم والدخول فيه يجب أن يكون عن رًض ا وَقبول‪ ،‬فال إكراه في دين هللا تعالى •‬
‫‪.‬االستمساك بكتاب هللا وُسَّنة رسوله أعظم وسيلة للسعادة في الدنيا‪ ،‬والفوز في اآلخرة •‬
‫‪٤٢‬‬

‫ٱُهَّلل َو ِلُّی ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا ُیۡخ ِر ُجُه م ِّم َن ٱلُّظُلَم ٰـِت ِإَلى ٱلُّنوِۖر َو ٱَّلِذ یَن َكَفُر ۤو ۟ا َأۡو ِلَیۤا ُؤُهُم ٱلَّطٰـ ُغوُت ُیۡخ ِر ُج وَنُه م ِّم َن ٱلُّنوِر ِإَلى ٱلُّظُلَم ٰـ ِۗت ﴿‬
‫۝ َأَلۡم َتَر ِإَلى ٱَّلِذی َح ۤا َّج ِإۡب َرٰ ⁠ِهۧـ َم ِفی َر ِّب ۤۦِه َأۡن َء اَتٰى ُه ٱُهَّلل ٱۡل ُم ۡل َك ِإۡذ َقاَل ِإۡب َرٰ ⁠ِهۧـ ُم َر ِّبَی ٱَّلِذی ُیۡح ِیۦ‬
‫ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك َأۡص َحٰـ ُب ٱلَّناِۖر ُهۡم ِفیَه ا َخ ٰـِلُدوَن ‪٢٥٧‬‬
‫َو ُیِم یُت َقاَل َأَن۠ا ُأۡح ِیۦ َو ُأِم یُۖت َقاَل ِإۡب َرٰ ⁠ِهۧـ ُم َفِإَّن ٱَهَّلل َیۡأ ِتی ِبٱلَّشۡم ِس ِم َن ٱۡل َم ۡش ِر ِق َفۡأ ِت ِبَه ا ِم َن ٱۡل َم ۡغ ِر ِب َفُبِه َت ٱَّلِذی َكَفَۗر َو ٱُهَّلل اَل َیۡه ِدی‬

‫۝ َأۡو َكٱَّلِذی َمَّر َعَلٰى َقۡر َیࣲة َو ِه َی َخ اِو َیٌة َعَلٰى ُعُر وِشَه ا َقاَل َأَّنٰى ُیۡح ِیۦ َهٰـِذِه ٱُهَّلل َبۡع َد َم ۡو ِتَه ۖا َفَأَم اَتُه ٱُهَّلل ِم ۟ا َئَة َعاࣲم ُثَّم‬ ‫ٱۡل َقۡو َم ٱلَّظٰـِلِم یَن ‪٢٥٨‬‬
‫َبَعَث ۖۥُه َقاَل َكۡم َلِبۡث َۖت َقاَل َلِبۡث ُت َیۡو ًم ا َأۡو َبۡع َض َیۡو ࣲۖم َقاَل َبل َّلِبۡث َت ِم ۟ا َئَة َعاࣲم َفٱنُظۡر ِإَلٰى َطَعاِم َك َو َشَر اِبَك َلۡم َیَتَسَّنۖۡه َو ٱنُظۡر ِإَلٰى ِح َم اِر َك‬
‫ࣱر‬ ‫ࣰم‬ ‫ࣰة‬
‫۝﴾‬ ‫َو ِلَنۡج َعَلَك َء اَی ِّللَّناِۖس َو ٱنُظۡر ِإَلى ٱۡل ِع َظاِم َكۡی َف ُننِش ُز َها ُثَّم َنۡك ُسوَها َلۡح ۚا َفَلَّم ا َتَبَّیَن َل ۥُه َقاَل َأۡع َلُم َأَّن ٱَهَّلل َعَلٰى ُكِّل َشۡی ࣲء َقِدی ‪٢٥٩‬‬
‫][البقرة‪٢٥٩-٢٥٧ :‬‬

‫هللا يتولى الذين آمنوا به‪ ،‬يوفقهم وينصرهم‪ ،‬ويخرجهم من ظلمات الكفر والجهل‪ ،‬إلى نور اإليمان والعلم‪ ،‬والذين ‪٢٥٧-‬‬
‫كفروا أولياؤهم األنداد واألوثان‪ ،‬الذين زينوا لهم الكفر‪ ،‬فأخرجوهم من نور اإليمان والعلم إلى ظلمات الكفر والجهل‪ ،‬أولئك‬
‫‪.‬أصحاب النار هم فيها ماكثون أبًدا‬
‫مثالين على الفريقين فقال ‪٢٥٨-‬‬ ‫‪:‬ولما ذكر هللا الفريقين ضرب

‫جادل إبراهيم عليه السالم في ربوبية هللا وتوحيده‪ ،‬وقد وقع منه ذلك‬‫هل رأيت ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬أعجب من جرأة الطاغية الذي

‫ألن هللا آتاه الُم لك فطغى‪ ،‬فبّين له إبراهيم صفات ربه قائاًل ‪ :‬ربي الذي يحيي الخالئق وُيِم يُتها‪ ،‬قال الطاغية عناًدا‪ :‬أنا ُأحيي وأميت‬
‫بأن أقتل من أشاء وأعفو عمن أشاء‪ ،‬فأتاه إبراهيم عليه السالم بحجة أخرى أعظم‪ ،‬قال له‪ :‬إن ربي الذي أعبده يأتي بالشمس من‬
‫جهة المشرق‪ ،‬فأت بها أنت من جهة المغرب‪ ،‬فما كان من الطاغية إال أن تحّير وانقطع‪ ،‬وُغلب من قوة الحجة‪ ،‬وهللا ال يوفق‬
‫‪.‬الظالمين لسلوك سبيله‪ ،‬لظلمهم وطغيانهم‬
‫سكانها‪ ،‬فأصبحت موحشة ُم ْقفرة‪ ،‬قال ‪٢٥٩-‬‬‫
‬ ‫أو هل رأيت ِم ْثَل الذي َم ّر على قرية سقطت سقوفها‪ ،‬وتهدمت جدرانها‪ ،‬وهلك‬
‫هذا الرجل متعجًبا‪ :‬كيف يحيي هللا أهل هذه القرية بعد موتها؟! فأماته هللا مدة مئة عام‪ ،‬ثم أحياه‪ ،‬وسأله فقال له‪ :‬كم مكثت ميًتا؟‬
‫قال مجيًبا‪ :‬مكثت مدة يوم أو بعض يوم‪ .‬قال له‪ :‬بل مكثت مئة سنة تامة‪ ،‬فانظر إلى ما كان معك من الطعام والشراب‪ ،‬فها هو ذا‬
‫باٍق على حاله لم يتغير‪ ،‬مع أن أسرع ما يصيبه التغير الطعام والشراب‪ ،‬وانظر إلى حمارك الميت‪ ،‬ولنجعلك عالمة بينة للناس‬
‫دالة على قدرة هللا على بعثهم‪ ،‬فانظر إلى عظام حمارك التي تفرقت وتباعدت‪ ،‬كيف نرفعها ونضم بعضها إلى بعض‪ ،‬ثم نكسوها‬
‫بعد ذلك اللحم‪ ،‬ونعيد فيها الحياة‪ ،‬فلما رأى ذلك تبين له حقيقة األمر‪ ،‬وعلم قدرة هللا‪ ،‬فقال معترًفا بذلك‪ :‬أعلم أن هللا على كل شيء‬

‪.‬قدير‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬من أعظم ما يميز أهل اإليمان أنهم على هدى وبصيرة من هللا تعالى في كل شؤونهم الدينية والدنيوية‪
،‬‬
‫بخالف أهل الكفر •‬
‫‪.‬من أعظم أسباب الطغيان الغرور بالقوة والسلطان حتى يعمى المرء عن حقيقة حاله •‬ ‫

‫‪.‬مشروعية مناظرة أهل الباطل لبيان الحق‪ ،‬وكشف ضاللهم عن الهدى •‬ ‫

‫‪.‬عظم قدرة هللا تعالى‪ ،‬فال ُيْعِج ُز ُه شيء‪ ،‬ومن ذلك إحياء الموتى •‬ ‫

‫‪٤٣‬‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪35/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬
‫ࣰة‬
‫َو ِإۡذ َقاَل ِإۡب َرٰ ⁠ِهۧـ ُم َر ِّب َأِر ِنی َكۡی َف ُتۡح ِی ٱۡل َم ۡو َتٰۖى َقاَل َأَو َلۡم ُتۡؤ ِم ۖن َقاَل َبَلٰى َو َلٰـِك ن ِّلَیۡط َمِٕىَّن َقۡل ِبۖی َقاَل َفُخ ۡذ َأۡر َبَع ِّم َن ٱلَّطۡی ِر َفُص ۡر ُهَّن ِإَلۡی َك ﴿‬
‫ࣱم‬ ‫ࣰی‬ ‫ࣰء‬
‫۝ َّم َثُل ٱَّلِذ یَن ُینِفُقوَن َأۡم َوٰ ⁠َلُه ۡم ِفی َسِبیِل ٱِهَّلل‬ ‫ُثَّم ٱۡج َعۡل َعَلٰى ُكِّل َجَبࣲل ِّم ۡن ُه َّن ُج ۡز ا ُثَّم ٱۡد ُعُه َّن َیۡأ ِتیَنَك َسۡع ۚا َو ٱۡع َلۡم َأَّن ٱَهَّلل َعِز یٌز َحِك ی ‪٢٦٠‬‬
‫۝ ٱَّلِذ یَن ُینِفُقوَن َأۡم َوٰ ⁠َلُه ۡم ِفی‬‫َكَم َثِل َحَّبٍة َأۢن َبَتۡت َسۡب َع َسَناِبَل ِفی ُكِّل ُسۢن ُبَلࣲة ِّم ۟ا َئُة َحَّبࣲۗة َو ٱُهَّلل ُیَض ٰـِع ُف ِلَم ن َیَشۤا ُۚء َو ٱُهَّلل َو⁠ٰ ِسٌع َعِلیٌم ‪٢٦١‬‬
‫َق ࣱل ۡع ࣱف‬ ‫ࣰذ‬ ‫ࣰّن‬
‫۝ ۞ ۡو َّم ُر و‬ ‫َسِبیِل ٱِهَّلل ُثَّم اَل ُیۡت ِبُعوَن َم ۤا َأنَفُقو۟ا َم ا َو ۤاَل َأ ى َّلُه ۡم َأۡج ُر ُهۡم ِع نَد َر ِّبِه ۡم َو اَل َخۡو ٌف َعَلۡی ِه ۡم َو اَل ُهۡم َیۡح َز ُنوَن ‪٢٦٢‬‬
‫ࣱم‬ ‫ࣰذ‬ ‫ࣱر‬
‫۝ َیٰۤـ َأُّیَه ا ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا اَل ُتۡب ِط ُلو۟ا َص َد َقٰـِتُكم ِبٱۡل َم ِّن َو ٱَأۡلَذٰى َكٱَّلِذی ُینِفُق َم اَل ۥُه‬
‫َو َم ۡغ ِفَر ٌة َخۡی ِّم ن َص َد َقࣲة َیۡت َبُعَه ۤا َأ ۗى َو ٱُهَّلل َغِنٌّی َحِلی ‪٢٦٣‬‬
‫ࣰد‬ ‫ࣱل‬ ‫ࣱب‬
‫ِر َئۤا َء ٱلَّناِس َو اَل ُیۡؤ ِم ُن ِبٱِهَّلل َو ٱۡل َیۡو ِم ٱۡل َٔـاِخ ِۖر َفَم َثُل ۥُه َكَم َثِل َص ۡف َو اٍن َعَلۡی ِه ُتَر ا َفَأَص اَب ۥُه َو اِب َفَتَر َك ۥُه َص ۡل ۖا اَّل َیۡق ِد ُر وَن َعَلٰى َشۡی ࣲء ِّم َّم ا‬
‫۝﴾ [البقرة‪٢٦٤-٢٦٠ :‬‬ ‫]َكَسُبوۗ۟ا َو ٱُهَّلل اَل َیۡه ِدی ٱۡل َقۡو َم ٱۡل َكٰـِفِر یَن ‪٢٦٤‬‬

‫واذكر ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬حين قال إبراهيم عليه السالم‪ :‬يا رب أرني ببصري كيف يكون إحياء الموتى؟! قال له هللا‪ :‬أَو لم ‪٢٦٠-‬‬
‫تؤمن بهذا األمر؟ قال إبراهيم‪ :‬بلى قد آمنت‪ ،‬ولكن زيادة في طمأنينة قلبي‪ ،‬فأمره هللا وقال له‪ :‬خذ أربعة من الطير‪ ،‬فاضممهَّن‬
‫إليك وقِّط ْعهن‪ ،‬ثم اجعل على كل جبل من الجبال التي حولك جزًء ا منهن‪ ،‬ثم ناِدهن يأتينك سعًيا مسرعات قد عادت إليهن الحياة‪.‬‬
‫‪.‬واعلم يا إبراهيم أن هللا عزيز في ملكه‪ ،‬حكيم في أمره وشرعه وخلقه‬
‫َم َثل ثواب المؤمنين الذين ينفقون أموالهم في سبيل هللا كمثل حبة يضعها الزارع في أرض طيبة فتنبت سبع سنابل‪ ،‬في ‪٢٦١-‬‬
‫كل سنبلة منها مئة حبة‪ ،‬وهللا يضاعف الثواب لمن يشاء من عباده‪ ،‬فيعطيهم أجرهم دون حساب‪ ،‬وهللا واسع الفضل والعطاء‪،‬‬
‫‪.‬عليم بمن يستحق المضاعفة‬
‫الذين يبذلون أموالهم في طاعة هللا ومرضاته‪ ،‬ثم ال ُيْتبعون بذلهم بما يبطل ثوابه من الَمِّن على الناس بالقول أو الفعل‪٢٦٢- ،‬‬
‫‪.‬لهم ثوابهم عند ربهم‪ ،‬وال خوف عليهم فيما يستقبلونه‪ ،‬وال هم يحزنون على ما مضى لعظم نعيمهم‬
‫قول كريم ُتدِخ ل به السرور على قلب مؤمن‪ ،‬وعفو عمن أساء إليك‪ ،‬أفضل من صدقة يتبعها إيذاء بالمِّن على ‪٢٦٣-‬‬
‫‪.‬المتصَّدق عليه‪ ،‬وهللا غني عن عباده‪ ،‬حليم ال يعاجلهم بالعقوبة‬
‫يا أيها الذين آمنوا باهلل واتبعوا رسوله‪ ،‬ال تفسدوا ثواب صدقاتكم بالَمِّن على المتصَّدق عليه وإيذائه‪ ،‬فإن َم ثَل من يفعل ‪٢٦٤-‬‬
‫ذلك َم ثُل الذي يبذل أمواله بقصد أن يراه الناس ويمدحوه‪ ،‬وهو كافر ال يؤمن باهلل وال بيوم القيامة وما فيه من ثواب وعقاب‪ ،‬فَم َثُل‬
‫هذا َم َثُل حجر أملس فوقه تراب‪ ،‬فأصاب ذلك الحجر مطر غزير‪ ،‬فأزاح التراَب عن الحجر وتركه أملس ال شيء عليه‪ ،‬فكذلك‬
‫الُم راؤون يذهب ثواب أعمالهم ونفقاتهم وال يبقى منها عند هللا شيء‪ ،‬وهللا ال يهدي الكافرين إلى ما يرضيه تعالى وينفعهم في‬

‪.‬أعمالهم ونفقاتهم‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫مراتب اإليمان باهلل ومنازل اليقين به متفاوتة ال حد لها‪ ،‬وكلما ازداد العبد نظرا في آيات هللا الشرعية والكونية زاد إيماًنا •‬
‫‪.‬ويقيًنا‬
‫‪َ.‬بْعُث هللا تعالى للخلق بعد موتهم دليل ظاهر على كمال قدرته وتمام عظمته سبحانه •‬
‫‪.‬فضل اإلنفاق في سبيل هللا وعظم ثوابه‪ ،‬إذا صاحبته النية الصالحة‪ ،‬ولم يلحقه أذى وال ِم ّنة محبطة للعمل •‬
‫‪.‬من أحسن ما يقدمه المرء للناس ُح سن الخلق من قول وفعل َحَسن‪ ،‬وعفو عن مسيء •‬
‫‪٤٤‬‬

‫ࣱل‬ ‫ࣰت‬
‫َو َم َثُل ٱَّلِذ یَن ُینِفُقوَن َأۡم َوٰ ⁠َلُه ُم ٱۡب ِتَغۤا َء َم ۡر َض اِت ٱِهَّلل َو َتۡث ِبی ا ِّم ۡن َأنُفِس ِه ۡم َكَم َثِل َج َّنِۭة ِبَر ۡب َو ٍة َأَص اَبَه ا َو اِب َفَٔـاَتۡت ُأُكَلَه ا ِض ۡع َفۡی ِن َفِإن َّلۡم ﴿‬
‫ࣱة‬ ‫ࣱل ࣱّۗل‬
‫۝ َأَیَو ُّد َأَح ُدُكۡم َأن َتُكوَن َل ۥُه َج َّن ِّم ن َّنِخ یࣲل َو َأۡع َناࣲب َتۡج ِر ی ِم ن َتۡح ِتَه ا ٱَأۡلۡن َهٰـ ُر َل ۥُه ِفیَه ا‬ ‫ُیِص ۡب َه ا َو اِب َفَط َو ٱُهَّلل ِبَم ا َتۡع َم ُلوَن َبِص یٌر ‪٢٦٥‬‬
‫ࣱر‬ ‫ࣱر‬ ‫ࣱة‬
‫۝‬‫ِم ن ُكِّل ٱلَّثَمَرٰ ⁠ِت َو َأَص اَبُه ٱۡل ِكَبُر َو َل ۥُه ُذِّر َّی ُض َعَفۤا ُء َفَأَص اَبَه ۤا ِإۡع َص ا ِفیِه َنا َفٱۡح َتَر َقۗۡت َكَذٰ ⁠ِلَك ُیَبِّیُن ٱُهَّلل َلُكُم ٱۡل َٔـاَیٰـِت َلَعَّلُكۡم َتَتَفَّكُر وَن ‪٢٦٦‬‬
‫َیٰۤـ َأُّیَه ا ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنۤو ۟ا َأنِفُقو۟ا ِم ن َطِّیَبٰـِت َم ا َكَسۡب ُتۡم َو ِم َّم ۤا َأۡخ َر ۡج َنا َلُكم ِّم َن ٱَأۡلۡر ِۖض َو اَل َتَیَّمُم و۟ا ٱۡل َخ ِبیَث ِم ۡن ُه ُتنِفُقوَن َو َلۡس ُتم ِبَٔـاِخ ِذیِه ِإۤاَّل‬
‫ࣰة‬ ‫ۡأ‬
‫۝ ٱلَّشۡی َطٰـ ُن َیِع ُدُكُم ٱۡل َفۡق َر َو َی ُمُر ُكم ِبٱۡل َفۡح َشۤا ِۖء َو ٱُهَّلل َیِع ُدُكم َّم ۡغ ِفَر ِّم ۡن ُه َو َفۡض ۗاࣰل َو ٱُهَّلل‬
‫َأن ُتۡغ ِم ُضو۟ا ِفیِۚه َو ٱۡع َلُم ۤو ۟ا َأَّن ٱَهَّلل َغِنٌّی َحِم یٌد ‪٢٦٧‬‬
‫ࣰر‬ ‫ࣰر‬ ‫ࣱم‬
‫۝﴾ [البقرة‪٢٦٩-٢٦٥ :‬‬ ‫۝ ُیۡؤ ِتی ٱۡل ِح ۡك َم َة َم ن َیَشۤا ُۚء َو َم ن ُیۡؤ َت ٱۡل ِح ۡك َم َة َفَقۡد ُأوِتَی َخۡی ا َكِثی ۗا َو َم ا َیَّذَّكُر ِإۤاَّل ُأ۟و ُلو۟ا ٱَأۡلۡل َبٰـ ِب ‪٢٦٩‬‬ ‫]َو⁠ٰ ِسٌع َعِلی ‪٢٦٨‬‬

‫ومثل المؤمنين الذين يبذلون أموالهم طلًبا لرضوان هللا‪ ،‬مطمئنًة أنفُسهم بصدق وعد هللا غيَر مكرهة‪ ،‬كمثل بستان على ‪٢٦٥-‬‬
‫مكان مرتفع طيب‪ ،‬أصابه مطر غزير‪ ،‬فأنتج ثمًر ا مضاعًفا‪ ،‬فإن لم يصبه مطر غزير أصابه مطر خفيف فاكتفى به لطيب‬
‫أرضه‪ ،‬وكذلك نفقات المخلصين يقبلها هللا ويضاعف أجرها وإن كانت قليلة‪ ،‬وهللا بما تعملون بصير‪ ،‬فال يخفى عليه حال‬
‫‪.‬المخلصين والمرائين‪ ،‬وسيجازي كاًّل بما يستحق‬
‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫اًل‬ ‫‪36/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫‪:‬ثم ضرب تعالى مثااًل يصور به حال المنفق ماله رياًء فقال ‪٢٦٦-‬‬
‫أيرغب أحدكم في أن يكون له بستان فيه نخل وعنب تجري في خالله المياه العذبة‪ ،‬له فيه من كل أنواع الثمرات الطيبة‪،‬‬
‫وأصاب صاحَبه الِكَبُر فأصبح شيًخ ا ال يقدر على العمل والكسب‪ ،‬وله أبناء صغار ضعفاء ال يستطيعون العمل‪ ،‬فأصابت البستاَن‬
‫ريٌح شديدة فيها نار شديدة‪ ،‬فاحترق البستان كله‪ ،‬وهو أحوج ما يكون إليه لكبره وضعف ذريته؟! فحال المنفق ماله رياء للناس‬
‫مثل هذا الرجل‪َ ،‬يِر ُد على هللا يوم القيامة بال حسنات‪ ،‬في وقت هو أشد ما يكون حاجة لها‪ .‬مثل هذا البيان يبين هللا لكم ما ينفعكم‬
‫‪.‬في الدنيا واآلخرة لعلكم تتفكرون فيه‬
‫يا أيها الذين آمنوا باهلل واتبعوا رسوله‪ ،‬أنفقوا من المال الحالل الطيب الذي كسبتموه‪ ،‬وأنفقوا مما أخرجنا لكم من نبات ‪٢٦٧-‬‬
‫األرض‪ ،‬وال تقصدوا إلى الرديء منه فتنفقوه‪ ،‬ولو ُأعطي لكم ما أخذتموه إال إذا تغاضيتم عنه مكرهين على رداءته‪ ،‬فكيف‬
‫‪.‬ترضون هلل ما ال ترضون ألنفسكم؟! واعلموا أن هللا غني عن نفقاتكم‪ ،‬محمود في ذاته وأفعاله‬
‫‪:‬ولما أمرهم بإنفاق الطيب حذرهم من كيد الشيطان ووساوسه‪ ،‬فقال ‪٢٦٨-‬‬
‫الشيطان يخوفكم من الفقر‪ ،‬ويحثكم على البخل‪ ،‬ويدعوكم إلى ارتكاب اآلثام والمعاصي‪ ،‬وهللا يعدكم مغفرة عظيمة لذنوبكم‪،‬‬
‫‪.‬ورزًقا واسًعا‪ ،‬وهللا واسع الفضل‪ ،‬عليم بأحوال عباده‬
‫يؤتي السداد في القول واإلصابة في العمل من يشاء من عباده‪ ،‬ومن يعط ذلك فقد ُأعطي خيًر ا كثيًر ا‪ ،‬وال يتذكر ويتعظ ‪٢٦٩-‬‬

‪.‬بآيات هللا إال أصحاب العقول الكاملة التي تستضيء بنوره‪ ،‬وتهتدي بهديه‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫المؤمنون باهلل تعالى حًّقا واثقون من وعد هللا وثوابه‪ ،‬فهم ينفقون أموالهم ويبذلون بال خوف وال حزن وال التفات إلى •‬
‫‪.‬وساوس الشيطان كالتخويف بالفقر والحاجة‬
‫‪.‬اإلخالص من أعظم ما يبارك األعمال وينميها •‬
‫‪.‬أعظم الناس خسارة من يرائي بعمله الناس‪ ،‬ألنه ليس له من ثواب على عمله إال مدحهم وثناؤهم •‬
‫‪٤٥‬‬

‫َو َم ۤا َأنَفۡق ُتم ِّم ن َّنَفَقٍة َأۡو َنَذۡر ُتم ِّم ن َّنۡذ ࣲر َفِإَّن ٱَهَّلل َیۡع َلُم ۗۥُه َو َم ا ِللَّظٰـِلِم یَن ِم ۡن َأنَص اٍر ‪٢٧٠‬‬
‫۝ ِإن ُتۡب ُدو۟ا ٱلَّص َد َقٰـِت َفِنِع َّم ا ِه َۖی َو ِإن ُتۡخ ُفوَها﴿‬
‫ࣱر‬ ‫ࣱر‬
‫۝ ۞ َّلۡی َس َعَلۡی َك ُهَد ٰى ُه ۡم َو َلٰـِك َّن ٱَهَّلل َیۡه ِدی َم ن‬‫َو ُتۡؤ ُتوَها ٱۡل ُفَقَر ۤا َء َفُهَو َخۡی َّلُكۚۡم َو ُیَكِّفُر َعنُكم ِّم ن َسِّیَٔـاِتُكۗۡم َو ٱُهَّلل ِبَم ا َتۡع َم ُلوَن َخ ِبی ‪٢٧١‬‬

‫َیَشۤا ُۗء َو َم ا ُتنِفُقو۟ا ِم ۡن َخۡی ࣲر َفَأِلنُفِسُكۚۡم َو َم ا ُتنِفُقوَن ِإاَّل ٱۡب ِتَغۤا َء َو ۡج ِه ٱِۚهَّلل َو َم ا ُتنِفُقو۟ا ِم ۡن َخۡی ࣲر ُیَو َّف ِإَلۡی ُكۡم َو َأنُتۡم اَل ُتۡظ َلُم وَن ‪٢٧٢‬‬
‫۝ ِلۡل ُفَقَر ۤا ِء‬
‫ࣰب‬
‫ٱَّلِذ یَن ُأۡح ِص ُر و۟ا ِفی َسِبیِل ٱِهَّلل اَل َیۡس َتِط یُعوَن َضۡر ا ِفی ٱَأۡلۡر ِض َیۡح َسُبُه ُم ٱۡل َج اِهُل َأۡغ ِنَیۤا َء ِم َن ٱلَّتَعُّفِف َتۡع ِر ُفُه م ِبِسیَم ٰـُه ۡم اَل َیۡس َٔـُلوَن‬
‫ࣰة‬ ‫ࣰّر‬ ‫ࣰف‬
‫۝ ٱَّلِذ یَن ُینِفُقوَن َأۡم َوٰ ⁠َلُه م ِبٱَّلۡی ِل َو ٱلَّنَه اِر ِس ا َو َعاَل ِنَی َفَلُه ۡم َأۡج ُر ُهۡم ِع نَد َر ِّبِه ۡم‬ ‫ٱلَّناَس ِإۡل َح ا ۗا َو َم ا ُتنِفُقو۟ا ِم ۡن َخۡی ࣲر َفِإَّن ٱَهَّلل ِبِهۦ َعِلیٌم ‪٢٧٣‬‬
‫[البقرة‪٢٧٤-٢٧٠ :‬‬ ‫]َو اَل َخۡو ٌف َعَلۡی ِه ۡم َو اَل ُهۡم َیۡح َز ُنوَن ‪٢٧٤‬‬
‫۝﴾‬

‫وما أنفقتم من نفقٍة قليلًة كانت أو كثيرة ابتغاء مرضاة هللا‪ ،‬أو التزمتم فعل طاعة هلل من عند أنفسكم لم تكلفوا بها‪ ،‬فإن ‪٢٧٠-‬‬
‫هللا يعلم ذلك كله‪ ،‬فال يضيع عنده شيء منه‪ ،‬وسيجازيكم عليه أعظم الجزاء‪ ،‬وليس للظالمين المانعين لما يجب عليهم‪ ،‬المتعدين‬
‫‪.‬لحدود هللا‪ ،‬أنصاٌر يدفعون عنهم عذاب يوم القيامة‬
‫إن ُتْظ ِه روا ما تبذلون من الصدقة بالمال َفِنْعم الصدقة صدقتكم‪ ،‬وإن تخفوها وتعطوها الفقراء فهو خير لكم من ‪٢٧١-‬‬
‫إظهارها‪ ،‬ألنه أقرب إلى اإلخالص‪ .‬وفي صدقات المخلصين ستر لذنوبهم ومغفرة لها‪ ،‬وهللا بما تعملون خبير‪ ،‬فال يخفى عليه‬
‫‪.‬شيء من أحوالكم‬
‫ليس عليك ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬هدايتهم لقبول الحق واالنقياد له وحملهم عليه‪ ،‬وإنما تجب عليك داللتهم إلى الحق وتعريفهم ‪٢٧٢-‬‬
‫به‪ ،‬فإن التوفيق للحق والهداية إليه بيد هللا‪ ،‬وهو يهدي من يشاء‪ .‬وما تنفقوا من خير فنفعه عائد إليكم‪ ،‬ألن هللا غني عنه‪ ،‬ولتكن‬
‫نفقتكم خالصة هلل‪ ،‬فالمؤمنون حًّقا ال ينفقون إال طلًبا لمرضاة هللا‪ ،‬وما تنفقوا من خير قلياًل كان أو كثيًر ا فإنكم ُتْعَطوَن ثوابه تاًّم ا‬
‫‪.‬غير منقوص‪ ،‬فإن هللا ال يظلم أحًدا‬
‫‪:‬ولما ذكر اإلنفاق في سبيله ودعا المؤمنين إليه بَّين لهم المصارف التي ينفقون فيها‪ ،‬فقال ‪٢٧٣-‬‬
‫اجعلوها للفقراء الذين منعهم الجهاد في سبيل هللا من السفر طلًبا للرزق‪ ،‬يظنهم الجاهل بحالهم أغنياء لتعففهم عن السؤال‪،‬‬
‫ويعرفهم المطلع عليهم بعالماتهم‪ ،‬من الحاجة الظاهرة على أجسامهم وثيابهم‪ ،‬ومن صفاتهم أنهم ليسوا كسائر الفقراء الذين‬
‫‪.‬يسألون الناس ُم ِلِّح ين في مسألتهم‪ ،‬وما تنفقوا من مال وغيره فإن هللا به عليم‪ ،‬وسيجازيكم عليه أعظم الجزاء‬
‫الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة هللا في الليل والنهار‪ ،‬سًّر ا وعالنية بال رياء وال سمعة‪ ،‬فلهم ثوابهم عند ربهم يوم ‪٢٧٤-‬‬

‪.‬القيامة‪ ،‬وال خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمرهم‪ ،‬وال هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا‪ ،‬فضاًل من هللا ونعمة‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫إذا أخلص المؤمن في نفقاته وصدقاته فال حرج عليه في إظهارها وإخفائها بحسب المصلحة‪ ،‬وإن كان اإلخفاء أعظم أجًر ا •‬
‫‪.‬وثواًبا ألنها أقرب لإلخالص‬
‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪37/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫‪.‬دعوة المؤمنين إلى االلتفات والعناية بالمحتاجين الذين تمنعهم العفة من إظهار حالهم وسؤال الناس •‬
‫مشروعية اإلنفاق في سبيل هللا تعالى في كل وقت وحين‪ ،‬وعظم ثوابها‪ ،‬حيث وعد تعالى عليها بعظيم األجر في الدنيا •‬
‫‪.‬واآلخرة‬
‫‪٤٦‬‬

‫ٱَّلِذ یَن َیۡأ ُكُلوَن ٱلِّر َبٰو ۟ا اَل َیُقوُم وَن ِإاَّل َكَم ا َیُقوُم ٱَّلِذی َیَتَخ َّبُطُه ٱلَّشۡی َطٰـ ُن ِم َن ٱۡل َم ِّۚس َذٰ ⁠ِلَك ِبَأَّنُه ۡم َقاُلۤو ۟ا ِإَّنَم ا ٱۡل َبۡی ُع ِم ۡث ُل ٱلِّر َبٰو ۗ۟ا َو َأَحَّل ٱُهَّلل﴿‬
‫ࣱة‬
‫ٱۡل َبۡی َع َو َح َّر َم ٱلِّر َبٰو ۚ۟ا َفَم ن َج ۤا َء ۥُه َم ۡو ِع َظ ِّم ن َّر ِّبِهۦ َفٱنَتَه ٰى َفَل ۥُه َم ا َسَلَف َو َأۡم ُر ۤۥُه ِإَلى ٱِۖهَّلل َو َم ۡن َعاَد َفُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك َأۡص َحٰـ ُب ٱلَّناِۖر ُهۡم ِفیَه ا‬
‫۝ ِإَّن ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا َو َعِم ُلو۟ا ٱلَّصٰـِلَحٰـِت َو َأَقاُم و۟ا‬
‫۝ َیۡم َحُق ٱُهَّلل ٱلِّر َبٰو ۟ا َو ُیۡر ِبی ٱلَّص َد َقٰـ ِۗت َو ٱُهَّلل اَل ُیِح ُّب ُكَّل َكَّفاٍر َأِثیٍم ‪٢٧٦‬‬
‫َخ ٰـِلُدوَن ‪٢٧٥‬‬
‫ٱلَّص َلٰو َة َو َء اَتُو ۟ا ٱلَّز َكٰو َة َلُه ۡم َأۡج ُر ُهۡم ِع نَد َر ِّبِه ۡم َو اَل َخۡو ٌف َعَلۡی ِه ۡم َو اَل ُهۡم َیۡح َز ُنوَن ‪ٰۤ ٢٧٧‬ـ‬
‫۝ َی َأُّیَه ا ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا ٱَّتُقو۟ا ٱَهَّلل َو َذُر و۟ا َم ا َبِقَی‬
‫۝ َفِإن َّلۡم َتۡف َعُلو۟ا َفۡأ َذُنو۟ا ِبَح ۡر ࣲب ِّم َن ٱِهَّلل َو َر ُسو ۖۦ‬
‫ِلِه َو ِإن ُتۡب ُتۡم َفَلُكۡم ُر ُء وُس َأۡم َوٰ ⁠ِلُكۡم اَل َتۡظ ِلُم وَن َو اَل‬ ‫ِم َن ٱلِّر َبٰۤو ۟ا ِإن ُكنُتم ُّم ۡؤ ِم ِنیَن ‪٢٧٨‬‬
‫ࣰم‬ ‫ࣱر‬
‫۝ َو ٱَّتُقو۟ا َیۡو ا ُتۡر َجُعوَن ِفیِه ِإَلى ٱِۖهَّلل‬ ‫۝ َو ِإن َكاَن ُذو ُعۡس َر ࣲة َفَنِظ َر ٌة ِإَلٰى َم ۡی َسَر ࣲۚة َو َأن َتَص َّد ُقو۟ا َخۡی َّلُكۡم ِإن ُكنُتۡم َتۡع َلُم وَن ‪٢٨٠‬‬ ‫ُتۡظ َلُم وَن ‪٢٧٩‬‬
‫[البقرة‪٢٨١-٢٧٥ :‬‬ ‫]ُثَّم ُتَو َّفٰى ُكُّل َنۡف ࣲس َّم ا َكَسَبۡت َو ُهۡم اَل ُیۡظ َلُم وَن ‪٢٨١‬‬
‫۝﴾‬

‫ولّم ا رَّغب تعالى في اإلنفاق في سبيله لما فيه من التعاون والتكافل بين المسلمين‪ ،‬حَّذر مما يناقض ذلك وهو الربا‪٢٧٥- ،‬‬
‫‪:‬فقال‬
‫الذين يتعاملون بالربا ويأخذونه ال يقومون يوم القيامة من قبورهم إال مثل ما يقوم الذي به مس من الشيطان‪ ،‬فيقوم من قبره‬
‫يخبط كما يخبط من به صرع في قيامه وسقوطه‪ ،‬ذلك بسبب أنهم استحلوا أكل الربا‪ ،‬ولم يفرقوا بين الربا وبين ما أحل هللا من‬
‫مكاسب البيع‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنما البيع مثل الربا في كونه حالاًل ‪ ،‬فكل منهما يؤدي إلى زيادة المال ونمائه‪ ،‬فرد هللا عليهم وأبطل قياسهم‬
‫وأكذبهم‪ ،‬وبّين أنه تعالى أحل البيع لما فيه من نفع عام وخاص‪ ،‬وحرم الربا لما فيه من ظلم وأكل ألموال الناس بالباطل بال‬
‫مقابل‪ ،‬فمن جاءته موعظة من ربه فيها النهي والتحذير من الربا‪ ،‬فانتهى عنه وتاب إلى هللا منه‪ ،‬فله ما مضى من أخذه للربا ال‬
‫إثم عليه فيه‪ ،‬وأمره إلى هللا فيما يستقبل بعد ذلك‪ ،‬ومن عاد إلى أخذ الربا بعد أن بلغه النهي من هللا‪ ،‬وقامت عليه الحجة‪ ،‬فقد‬
‫استحق دخول النار والخلود فيها‪.‬وهذا الخلود في النار المقصود به البقاء الطويل فيها‪ ،‬فإن الخلود الدائم فيها ال يكون إال للكفار‪،‬‬
‫‪.‬أما أهل التوحيد فال يخلدون فيها‬
‫‪:‬ولما ذكر هللا اإلنفاق في سبيله وَأْخ ذ الربا‪ ،‬بَّين الفرق بينهما في الجزاء‪ ،‬فقال ‪٢٧٦-‬‬
‫ُيهلك هللا المال الربوي وُيذِهُبه‪ ،‬إما حًّسا بتلفه ونحو ذلك‪ ،‬أو معًنى بنزع البركة منه‪ ،‬ويزيد الصدقات وينِّم يها بمضاعفة‬
‫ثوابها‪ ،‬فالحسنة بعشر أمثالها إلى َسبع ِم ئة ضعف إلى أضعاف كثيرة‪ ،‬ويبارك في أموال المتصدقين‪ ،‬وهللا ال يحب كل من كان‬
‫‪.‬كافًر ا عنيًدا‪ ،‬مستحاًّل للحرام‪ ،‬متمادًيا في المعاصي واآلثام‬
‫إن الذين آمنوا باهلل واتبعوا رسوله‪ ،‬وعملوا األعمال الصالحة‪ ،‬وأدوا الصالة تامة على ما شرع هللا‪ ،‬وآتوا زكاة ‪٢٧٧-‬‬
‫أموالهم لمن يستحقها‪ ،‬لهم ثوابهم عند ربهم‪ ،‬وال خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمورهم‪ ،‬وال هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا‬
‫‪.‬ونعيمها‬
‫يا أيها الذين آمنوا باهلل واتبعوا رسوله‪ ،‬خافوا هللا بأن تمتثلوا أوامره وتجتنبوا نواهيه‪ ،‬واتركوا المطالبة بما بقي لكم من ‪٢٧٨-‬‬
‫‪.‬أموال ربوية عند الناس‪ ،‬إن كنتم مؤمنين حًّقا باهلل وبما نهاكم عنه من الربا‬
‫فإن لم تفعلوا ما ُأِم رتم به فاعلموا واستيقنوا بحرب من هللا ورسوله‪ ،‬وإن تبتم إلى هللا وتركتم الربا فلكم َقْدُر ما أقرضتم ‪٢٧٩-‬‬
‫‪.‬من رؤوس أموالكم‪ ،‬ال َتظِلمون أحًدا بأخذ زيادة على رأس مالكم‪ ،‬وال ُتظَلمون بالنقص منها‬
‫وإن كان من تطالبونه بالَّدين معسًر ا ال يجد سداد دينه‪ ،‬فَأِّخ روا مطالبته إلى أن يتيسر له المال‪ ،‬ويجد ما يقضي به ‪٢٨٠-‬‬
‫‪.‬الدين‪ ،‬وأن تتصدقوا عليه بترك المطالبة بالدين أو إسقاط بعضه عنه‪ ،‬خير لكم إن كنتم تعلمون فضل ذلك عند هللا تعالى‬
‫وخافوا عذاَب يوم ترجعون فيه جميًعا إلى هللا‪ ،‬وتقومون بين يديه‪ ،‬ثم ُتعطى كُّل نفس جزاء ما كسبت من خير أو شر‪٢٨١- ،‬‬

‪.‬ال ُيظلمون بنقص ثواب حسناتهم‪ ،‬وال بزيادة العقوبة على سيئاتهم‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬من أعظم الكبائر أكل الربا‪ ،‬ولهذا توعد هللا تعالى آكله بالحرب وبالمحق في الدنيا والتخبط في اآلخرة •‬
‫‪.‬االلتزام بأحكام الشرع في المعامالت المالية ينزل البركة والنماء فيها •‬
‫‪.‬فضل الصبر على المعسر‪ ،‬والتخفيف عنه بالتصدق عليه ببعض الَّدين أو كله •‬
‫‪٤٧‬‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪38/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫ࣰّم‬
‫َیٰۤـ َأُّیَه ا ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنۤو ۟ا ِإَذا َتَداَینُتم ِبَد ۡی ٍن ِإَلٰۤى َأَج ࣲل ُّمَس ى َفٱۡك ُتُبوُۚه َو ۡل َیۡك ُتب َّبۡی َنُكۡم َكاِتُۢب ِبٱۡل َعۡد ِۚل َو اَل َیۡأ َب َكاِتٌب َأن َیۡك ُتَب َكَم ا َعَّلَم ُه ٱُۚهَّلل ﴿‬
‫ࣰٔـ‬
‫َفۡل َیۡك ُتۡب َو ۡل ُیۡم ِلِل ٱَّلِذی َعَلۡی ِه ٱۡل َحُّق َو ۡل َیَّتِق ٱَهَّلل َر َّب ۥُه َو اَل َیۡب َخ ۡس ِم ۡن ُه َشۡی ۚا َفِإن َكاَن ٱَّلِذی َعَلۡی ِه ٱۡل َحُّق َسِفیًه ا َأۡو َض ِع یًفا َأۡو اَل َیۡس َتِط یُع َأن‬
‫ࣱل‬
‫ُیِم َّل ُهَو َفۡل ُیۡم ِلۡل َو ِلُّی ۥُه ِبٱۡل َعۡد ِۚل َو ٱۡس َتۡش ِه ُدو۟ا َشِه یَد ۡی ِن ِم ن ِّر َج اِلُكۖۡم َفِإن َّلۡم َیُكوَنا َر ُج َلۡی ِن َفَر ُج َو ٱۡم َر َأَتاِن ِم َّم ن َتۡر َض ۡو َن ِم َن ٱلُّشَه َد ۤا ِء َأن‬
‫َتِض َّل ِإۡح َد ٰى ُه َم ا َفُتَذِّك َر ِإۡح َد ٰى ُه َم ا ٱُأۡلۡخ َر ٰۚى َو اَل َیۡأ َب ٱلُّشَه َد ۤا ُء ِإَذا َم ا ُدُعوۚ۟ا َو اَل َتۡس َٔـُم ۤو ۟ا َأن َتۡك ُتُبوُه َصِغ یًر ا َأۡو َكِبیًر ا ِإَلٰۤى َأ ۚۦ‬
‫َجِلِه َذٰ ⁠ِلُكۡم َأۡق َسُط‬
‫ࣰة‬
‫ِع نَد ٱِهَّلل َو َأۡق َو ُم ِللَّشَه ٰـَد ِة َو َأۡد َنٰۤى َأاَّل َتۡر َتاُبۤو ۟ا ِإۤاَّل َأن َتُكوَن ِتَجٰـ َر ًة َح اِض َر ُتِدیُر وَنَه ا َبۡی َنُكۡم َفَلۡی َس َعَلۡی ُكۡم ُج َناٌح َأاَّل َتۡك ُتُبوَهۗا َو َأۡش ِه ُدۤو ۟ا ِإَذا‬
‫ࣱم‬ ‫ࣱب‬
‫]َتَباَیۡع ُتۚۡم َو اَل ُیَض ۤا َّر َكاِت َو اَل َشِه یࣱۚد َو ِإن َتۡف َعُلو۟ا َفِإَّن ۥ‬
‫ُه ُفُسوُۢق ِبُكۗۡم َو ٱَّتُقو۟ا ٱَۖهَّلل َو ُیَعِّل ُم ُكُم ٱُۗهَّلل َو ٱُهَّلل ِبُكِّل َش ۡی ٍء َع ِل ی ﴾ [البقرة‪٢٨٢ :‬‬

‫يا أيها الذين آمنوا باهلل واتبعوا رسوله‪ ،‬إذا تعاملتم بالَّدْيِن ‪ ،‬بأن داَيَن بعضكم بعًض ا إلى مدة محددة فاكتبوا ذلك الَّدْيَن ‪٢٨٢- ،‬‬
‫وليكتب بينكم كاتب بالحق واإلنصاف الموافق للشرع‪ ،‬وال يمتنع الكاتب أن يكتب الَّدين بما يوافق ما عَّلمه هللا من الكتابة بالعدل‪،‬‬
‫فْلَيكتْب ما ُيْم ِليه الذي عليه الحق‪ ،‬حتى يكون ذلك إقراًر ا منه‪ ،‬وليتق هللا ربه‪ ،‬وال َينُقص من الَّدين شيًئا في قدره أو نوعه أو‬
‫كيفيته‪ ،‬فإن كان الذي عليه الحق ال يحسن التصرف‪ ،‬أو كان ضعيًفا لصغره أو جنونه‪ ،‬أو كان ال يستطيع اإلمالء لَخ َر ِس ه ونحو‬
‫ذلك‪ ،‬فْليُقم باإلمالء عنه ولُّيه المسؤول عنه بالحق واإلنصاف‪ .‬واطلبوا شهادة رجلين عاقلين عدلين‪ ،‬فإن لم يوجد رجالن‬
‫فاستشهدوا رجاًل وامرأتين ترضون دينهم وأمانتهم‪ ،‬حتى إذا نسيت إحدى المرأتين ذّكرتها أختها‪ ،‬وال يمتنع الشهود إذا ُطِلب منهم‬
‫الشهادة على الَّدين‪ ،‬وعليهم أداؤها إذا ُدعوا لذلك‪ ،‬وال ُيِص ْبكم الملل من كتابة الَّدين قلياًل كان أو كثيًر ا إلى مدته المحددة‪ ،‬فكتابة‬
‫الَّدين أعدل في شرع هللا‪ ،‬وأبلغ في إقامة الشهادة وأدائها‪ ،‬وأقرب إلى نفي الشك في نوع الَّدين ومقداره ومدته‪ ،‬إال إذا كان التعاقد‬
‫بينكم على تجارة في سلعة حاضرة وثمن حاضر‪ ،‬فال حرج في ترك الكتابة حينئذ لعدم الحاجة إليها‪ ،‬ويشرع لكم اإلشهاد منًعا‬
‫ألسباب النزاع‪ ،‬وال يجوز اإلضرار بالُكّتاِب والشهود‪ ،‬وال يجوز لهم اإلضرار بمن طلب كتابتهم أو شهادتهم‪ ،‬وإن يقع منكم‬
‫اإلضرار فإنه خروج عن طاعة هللا إلى معصيته‪ .‬وخافوا هللا ‪ -‬أيها المؤمنون ‪ -‬بأن تمتثلوا ما أمركم به‪ ،‬وتجتنبوا ما نهاكم عنه‪،‬‬
‫‪.‬ويعِّلمكم هللا ما فيه صالح دنياكم وآخرتكم‪ ،‬وهللا بكل شيء عليم‪ ،‬فال يخفى عليه شيء‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬مشروعية توثيق الَّدين وسائر المعامالت المالية دفًعا لالختالف والتنازع •‬
‫‪.‬وجوب تسمية األجل في جميع المداينات وأنواع اإلجارات •‬
‫‪.‬ثبوت الوالية على القاصرين إما بسبب عجزهم‪ ،‬أو ضعف عقلهم‪ ،‬أو صغر سنهم •‬
‫‪.‬مشروعية اإلشهاد على اإلقرار بالديون والحقوق •‬
‫‪.‬أن من تمام الكتابة والعدل فيها أن يحسن الكاتب اإلنشاء واأللفاظ المعتبرة في كل معاملة بحسبها •‬
‫‪.‬ال يجوز اإلضرار بأحد بسبب توثيق الحقوق وكتابتها‪ ،‬ال من جهة أصحاب الحقوق‪ ،‬وال من جهة من يكتبه ويشهد عليه •‬
‫‪٤٨‬‬

‫ࣰض‬ ‫ࣱۖة‬ ‫ࣱن‬ ‫ࣰب‬


‫َو ِإن ُكنُتۡم َعَلٰى َسَفࣲر َو َلۡم َتِج ُدو۟ا َكاِت ا َفِر َهٰـ َّم ۡق ُبوَض َفِإۡن َأِم َن َبۡع ُضُكم َبۡع ا َفۡل ُیَؤ ِّد ٱَّلِذی ٱۡؤ ُتِم َن َأَم ٰـ َنَت ۥُه َو ۡل َیَّتِق ٱَهَّلل َر َّب ۗۥُه َو اَل ۞﴿‬
‫ࣱم‬ ‫ࣱم‬
‫۝ ِهَّلِّل َم ا ِفی ٱلَّسَم ٰـ َوٰ ⁠ِت َو َم ا ِفی ٱَأۡلۡر ِۗض َو ِإن ُتۡب ُدو۟ا َم ا ِفۤی‬ ‫َتۡك ُتُم و۟ا ٱلَّشَه ٰـَد َۚة َو َم ن َیۡك ُتۡم َه ا َفِإَّن ۤۥُه َء اِث َقۡل ُب ۗۥُه َو ٱُهَّلل ِبَم ا َتۡع َم ُلوَن َعِلی ‪٢٨٣‬‬

‫َأنُفِس ُكۡم َأۡو ُتۡخ ُفوُه ُیَح اِس ۡب ُكم ِبِه ٱُۖهَّلل َفَیۡغ ِفُر ِلَم ن َیَشۤا ُء َو ُیَعِّذ ُب َم ن َیَشۤا ُۗء َو ٱُهَّلل َعَلٰى ُكِّل َشۡی ࣲء َقِدیٌر ‪٢٨٤‬‬
‫۝ َء اَم َن ٱلَّر ُسوُل ِبَم ۤا ُأنِز َل ِإَلۡی ِه‬
‫ِم ن َّر ِّبِهۦ َو ٱۡل ُم ۡؤ ِم ُنوَۚن ُكٌّل َء اَم َن ِبٱِهَّلل َو َم َلٰۤـ ِٕىَكِتِهۦ َو ُكُتِبِهۦ َو ُر ُسِلِهۦ اَل ُنَفِّر ُق َبۡی َن َأَح ࣲد ِّم ن ُّر ۚۦ‬
‫ُسِلِه َو َقاُلو۟ا َسِم ۡع َنا َو َأَطۡع َنۖا ُغۡف َر اَنَك َر َّبَنا َو ِإَلۡی َك‬
‫۝ اَل ُیَكِّلُف ٱُهَّلل َنۡف ًسا ِإاَّل ُو ۡس َعَه ۚا َلَه ا َم ا َكَسَبۡت َو َعَلۡی َه ا َم ا ٱۡك َتَسَبۗۡت َر َّبَنا اَل ُتَؤاِخ ۡذ َنۤا ِإن َّنِسیَنۤا َأۡو َأۡخ َطۡأ َنۚا َر َّبَنا َو اَل َتۡح ِم ۡل‬ ‫ٱۡل َمِص یُر ‪٢٨٥‬‬
‫ࣰر‬
‫َعَلۡی َنۤا ِإۡص ا َكَم ا َح َم ۡل َت ۥُه َعَلى ٱَّلِذ یَن ِم ن َقۡب ِلَنۚا َر َّبَنا َو اَل ُتَحِّم ۡل َنا َم ا اَل َطاَقَة َلَنا ِب ۖۦِه َو ٱۡع ُف َعَّنا َو ٱۡغ ِفۡر َلَنا َو ٱۡر َح ۡم َنۚۤا َأنَت َم ۡو َلٰى َنا َفٱنُص ۡر َنا‬
‫[البقرة‪٢٨٦-٢٨٣ :‬‬ ‫]َعَلى ٱۡل َقۡو ِم ٱۡل َكٰـِفِر یَن ‪٢٨٦‬‬
‫۝﴾‬

‫وإن كنتم مسافرين ولم تجدوا كاتًبا يكتب لكم وثيقة الَّدين‪ ،‬فيكفي أن ُيْعطي الذي عليه الحق رهًنا يقبضه صاحب ‪٢٨٣-‬‬
‫الحق‪ ،‬يكون ضماًنا لحقه‪ ،‬إلى أن يقضي المدين ما عليه من َدين‪ ،‬فإن وِثَق بعضكم ببعض لم تلزم كتابة وال إشهاد وال رهن‪،‬‬
‫ويكون الَّدين حينئذ أمانة في ذمة الَم ِدين يجب عليه أداؤه لدائنه‪ ،‬وعليه أن يتقي هللا في هذه األمانة فال ينكر منها شيًئا‪ ،‬فإن أنكر‬
‫كان على من شهد المعاملة أن يؤدي الشهادة‪ ،‬وال يجوز له أن يكتمها‪ ،‬ومن يكتمها فإن قلبه قلٌب فاجر‪ ،‬وهللا بما تعملون عليم‪ ،‬ال‬
‫‪.‬يخفى عليه شيء‪ ،‬وسيجازيكم على أعمالكم‬
‫هلل وحده ما في السماوات وما في األرض خلًقا وملًكا وتدبيًر ا‪ ،‬وإن ُتظهروا ما في قلوبكم أو تخفوه يعلمه هللا‪٢٨٤- ،‬‬
‫‪.‬وسيحاسبكم عليه‪ ،‬فيغفر بعد ذلك لمن يشاء فضاًل ورحمة‪ ،‬ويعذب من يشاء عداًل وحكمًة‪ ،‬وهللا على كل شيء قدير‬
‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫ُأ‬ ‫‪39/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫آمن الرسول محمد ﷺ بكل ما ُأنزل إليه من ربه‪ ،‬والمؤمنون آمنوا كذلك‪ ،‬كلهم جميًعا آمنوا باهلل‪ ،‬وآمنوا بجميع ‪٢٨٥-‬‬
‫مالئكته‪ ،‬وجميع كتبه التي أنزلها على األنبياء‪ ،‬وجميع رسله الذين أرسلهم‪ ،‬آمنوا بهم قائلين‪ :‬ال نفرق بين أحد من رسل هللا‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬سمعنا ما أمرتنا به ونهيتنا عنه‪ ،‬وأطعناك بفعل ما أمرت به وترك ما نهيت عنه‪ ،‬ونسألك أن تغفر لنا يا ربنا‪ ،‬فإن مرجعنا‬
‫‪.‬إليك وحدك في كل شؤوننا‬
‫ال يكلف هللا نفًسا إال ما تطيق من األعمال‪ ،‬ألن دين هللا مبني على اليسر فال مشقة فيه‪ ،‬فمن كسب خيًر ا فله ثواب ما ‪٢٨٦-‬‬
‫عمل ال ُيْنَقُص منه شيء‪ ،‬ومن كسب شًّر ا فعليه جزاء ما اكتسب من ذنب ال يحمله عنه غيره‪ .‬وقال الرسول والمؤمنون‪ :‬ربنا ال‬
‫تعاقبنا إن نسينا أو أخطأنا في فعل أو قول بال قصد منا‪ ،‬ربنا وال تكِّلفنا ما يشق علينا وال نطيقه‪ ،‬كما كَّلفت من قبلنا ممن عاقبتهم‬
‫على ظلمهم كاليهود‪ ،‬وال تحِّم لنا ما يشق علينا وال نطيقه من األوامر والنواهي‪ ،‬وتجاوز عن ذنوبنا‪ ،‬واغفر لنا‪ ،‬وارحمنا بفضلك‪،‬‬

‪.‬أنت ولينا وناصرنا فانصرنا على القوم الكافرين‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬جواز أخذ الرهن لضمان الحقوق في حال عدم القدرة على توثيق الحق‪ ،‬إال إذا وِثَق المتعاملون بعضهم ببعض •‬
‫‪.‬حرمة كتمان الشهادة وإثم من يكتمها وال يؤديها •‬
‫‪.‬كمال علم هللا تعالى واطالعه على خلقه‪ ،‬وقدرته التامة على حسابهم على ما اكتسبوا من أعمال •‬
‫‪.‬في اآلية تقرير ألركان اإليمان وبيان ألصوله •‬
‫‪.‬قام هذا الدين على اليسر ورفع الحرج والمشقة عن العباد‪ ،‬فال يكلفهم هللا إال ما يطيقون‪ ،‬وال يحاسبهم على ما ال يستطيعون •‬
‫‪٤٩‬‬

‫)سورة آل عمران (‪٣‬‬

‫﷽‬

‫ࣰق‬
‫۝ َنَّز َل َعَلۡی َك ٱۡل ِك َتٰـ َب ِبٱۡل َح ِّق ُم َصِّد ا ِّلَم ا َبۡی َن َیَد ۡی ِه َو َأنَز َل ٱلَّتۡو َر ٰى َة َو ٱِإۡل نِج یَل ‪٣‬‬
‫۝ ِم ن َقۡب ُل ﴿‬ ‫اۤل ۤم ‪١‬‬
‫۝ ٱُهَّلل ۤاَل ِإَلٰـ َه ِإاَّل ُهَو ٱۡل َح ُّی ٱۡل َقُّیوُم ‪٢‬‬
‫ࣱء‬ ‫ࣱز‬ ‫ࣱب‬ ‫ࣰد‬
‫۝ ِإَّن ٱَهَّلل اَل َیۡخ َفٰى َعَلۡی ِه َشۡی ِفی‬ ‫ُه ى ِّللَّناِس َو َأنَز َل ٱۡل ُفۡر َقاَۗن ِإَّن ٱَّلِذ یَن َكَفُر و۟ا ِبَٔـاَیٰـِت ٱِهَّلل َلُه ۡم َعَذا َشِدیࣱۗد َو ٱُهَّلل َعِز ی ُذو ٱنِتَقاٍم ‪٤‬‬
‫۝ ُهَو ٱَّلِذ ۤی َأنَز َل َعَلۡی َك‬ ‫۝ ُهَو ٱَّلِذی ُیَص ِّو ُر ُكۡم ِفی ٱَأۡلۡر َح اِم َكۡی َف َیَشۤا ُۚء ۤاَل ِإَلٰـ َه ِإاَّل ُهَو ٱۡل َعِز یُز ٱۡل َحِك یُم ‪٦‬‬ ‫ٱَأۡلۡر ِض َو اَل ِفی ٱلَّسَم ۤا ِء ‪٥‬‬
‫ࣱغ‬ ‫ࣱت‬
‫ٱۡل ِك َتٰـ َب ِم ۡن ُه َء اَیٰـ ُّم ۡح َكَم ٰـٌت ُهَّن ُأُّم ٱۡل ِك َتٰـ ِب َو ُأَخ ُر ُم َتَشٰـ ِبَهٰـ ࣱۖت َفَأَّم ا ٱَّلِذ یَن ِفی ُقُلوِبِه ۡم َز ۡی َفَیَّتِبُعوَن َم ا َتَشٰـَبَه ِم ۡن ُه ٱۡب ِتَغۤا َء ٱۡل ِفۡت َنِة َو ٱۡب ِتَغۤا َء‬
‫ࣱّل‬
‫۝ َر َّبَنا اَل ُتِز ۡغ‬ ‫ِلِه َو َم ا َیۡع َلُم َتۡأ ِو یَل ۤۥُه ِإاَّل ٱُۗهَّلل َو ٱلَّر⁠ٰ ِس ُخ وَن ِفی ٱۡل ِع ۡل ِم َیُقوُلوَن َء اَم َّنا ِبِهۦ ُك ِّم ۡن ِعنِد َر ِّبَنۗا َو َم ا َیَّذَّكُر ِإۤاَّل ُأ۟و ُلو۟ا ٱَأۡلۡل َبٰـ ِب ‪٧‬‬
‫َتۡأ ِو ی ۖۦ‬
‫ًۚة‬
‫۝ َر َّبَنۤا ِإَّنَك َج اِم ُع ٱلَّناِس ِلَیۡو ࣲم اَّل َر ۡی َب ِفیِۚه ِإَّن ٱَهَّلل اَل ُیۡخ ِلُف ٱۡل ِم یَعاَد‬ ‫ُقُلوَبَنا َبۡع َد ِإۡذ َهَد ۡی َتَنا َو َهۡب َلَنا ِم ن َّلُدنَك َر ۡح َم ِإَّنَك َأنَت ٱۡل َو َّهاُب ‪٨‬‬
‫[آل عمران‪٩-١ :‬‬ ‫۝﴾‬
‫] ‪٩‬‬


سورة آل عمران مدنية *‬
‫‪ِ:‬م ن َّم قاِص ِد الُّسوَر ِة *‬

‪.‬الثبات على اإلسالم بعد كماله وبيانه‪ ،‬ورّد شبهات أهل الكتاب وخاصة النصارى‬
‫‪:‬الَّتْفِسيُر *‬
‫‪.‬هي سورة مدنية‪ُ ،‬سِّم يت سورة آل عمران لذكر آل عمران فيها في اآلية (‪ )٣٣‬من السورة‬
‫الم﴾ هذه الحروف المقطعة تقّدم َنظيُر ها في سورة البقرة‪ ،‬وفيها إشارة إلى عجز العرب عن اإلتيان بمثل هذا القرآن مع﴿ ‪١-‬‬
‫‪.‬أنه مؤلف من مثل هذه الحروف التي ُبِدئت بها السورة‪ ،‬والتي ُيرّكبون منها كالمهم‬
‫هللا الذي ال إله يعبد بحق إال هو وحده دون سواه‪ ،‬الحي حياة كاملة ال موت فيها وال نقص‪ ،‬القُّيوم الذي قام بنفسه فاستغنى ‪٢-‬‬
‫‪.‬عن جميع خلقه‪ ،‬وبه قامت جميع المخلوقات فال تستغني عنه في كل أحوالها‬
‫نَّز ل عليك ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬القرآن بالصدق في األخبار والعدل في األحكام‪ ،‬موافًقا لما سبقه من الكتب اإللهية‪ ،‬فال تعارض ‪٣-‬‬
‫بينها‪ ،‬وأنزل التوراة على موسى‪ ،‬واإلنجيل على عيسى عليهما السالم ِم ن قبِل تنزيل القرآن عليك‪ ،‬وهذه الكتب اإللهية كلها هداية‬
‫وإرشاد للناس إلى ما فيه صالح دينهم ودنياهم‪ ،‬وأنزل الفرقان الذي يعرف به الحق من الباطل والهدى من الضالل‪ .‬والذين‬
‫‪.‬كفروا بآيات هللا التي أنزلها عليك لهم عذاب شديد‪ .‬وهللا عزيز ال ُيغالبه شيء‪ ،‬ذو انتقام ممن كَّذب رسله وخالف أمره‬
‫‪.‬إن هللا ال يخفى عليه شيء في األرض وال في السماء‪ ،‬قد أحاط علمه باألشياء كلها ظاهرها وباطنها ‪٥-‬‬
‫هو الذي يخلقكم صوًر ا شتى في بطون أمهاتكم كيف يشاء‪ ،‬من ذكٍر أو أنثى‪ ،‬وحسن أو قبيح‪ ،‬وأبيض أو أسود‪ ،‬ال معبود ‪٦-‬‬
‫‪.‬بحق غيره‪ ،‬العزيز الذي ال ُيغاَلب‪ ،‬الحكيم في خلقه وتدبيره وشرعه‬
‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪40/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫هو الذي أنزل عليك ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬القرآن‪ ،‬منه آيات واضحة الداللة‪ ،‬ال لبس فيها‪ ،‬هي أصل الكتاب ومعظمه‪ ،‬وهي ‪٧-‬‬
‫المرجع عند االختالف‪ ،‬ومنه آيات ُأخر محتملة ألكثر من معنى‪ ،‬يلتبس معناها على أكثر الناس‪ ،‬فأما الذين في قلوبهم ميل عن‬
‫الحق فيتركون الُم ْح كم‪ ،‬ويأخذون بالمتشابه الُم ْح تمل‪ ،‬يبتغون بذلك إثارة الشبهة وإضالل الناس‪ ،‬ويبتغون بذلك تأويلها بأهوائهم‬
‫على ما يوافق مذاهبهم الفاسدة‪ ،‬وال يعلم حقيقة معاني هذه اآليات وعاقبتها التي تؤول إليها إال هللا‪ .‬والراسخون في العلم‬
‫المتمكنون منه يقولون‪ :‬آمنا بالقرآن كله‪ ،‬ألنه كله من عند ربنا‪ ،‬ويفسرون المتشابه بما ُأْح ِك م منه‪ .‬وما يتذكر ويتعظ إال أصحاب‬
‫‪.‬العقول السليمة‬
‫وهؤالء الراسخون يقولون‪ :‬ربنا ال ُتِم ل قلوبنا عن الحق بعد أن هديتنا إليه‪ ،‬وسِّلمنا مما أصاب المنحرفين المائلين عن ‪٨-‬‬
‫‪.‬الحق‪ ،‬وهب لنا رحمة واسعة من عندك تهدي بها قلوبنا‪ ،‬وتعصمنا بها من الضالل‪ ،‬إنك ‪ -‬يا ربنا ‪ -‬الوهاب كثير العطاء‬

‪.‬ربنا إنك ستجمع الناس جميًعا إليك لحسابهم في يوم ال شك فيه‪ ،‬فهو آت ال محالة‪ ،‬إنك ‪ -‬يا ربنا ‪ -‬ال تخلف الميعاد ‪٩-‬‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬أقام هللا الحجة وقطع العذر عن الخلق بإرسال الرسل وإنزال الكتب التي تهدي للحق وتحذر من الباطل •‬
‫‪.‬كمال علم هللا تعالى وإحاطته بخلقه‪ ،‬فال يغيب عنه شيء في األرض وال في السماء‪ ،‬سواء كان ظاهًر ا أو خفًّيا •‬
‫‪.‬من أصول أهل اإليمان الراسخين في العلم أن يفسروا ما تشابه من اآليات بما ُأْح ِك م منها •‬
‫‪.‬مشروعية دعاء هللا تعالى وسؤاله الثبات على الحق‪ ،‬والرشد في األمر‪ ،‬وال سيما عند الفتن واألهواء •‬
‫‪٥٠‬‬

‫ࣰٔـ‬
‫۝ َكَد ۡأ ِب َء اِل ِفۡر َعۡو َن َو ٱَّلِذ یَن ِم ن َقۡب ِلِه ۚۡم ﴿‬ ‫ِإَّن ٱَّلِذ یَن َكَفُر و۟ا َلن ُتۡغ ِنَی َعۡن ُه ۡم َأۡم َوٰ ⁠ُلُه ۡم َو ۤاَل َأۡو َلٰـُدُهم ِّم َن ٱِهَّلل َشۡی ۖا َو ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك ُهۡم َو ُقوُد ٱلَّناِر ‪١٠‬‬
‫۝ َقۡد‬ ‫۝ ُقل ِّلَّلِذ یَن َكَفُر و۟ا َسُتۡغ َلُبوَن َو ُتۡح َشُر وَن ِإَلٰى َجَه َّنَۖم َو ِبۡئ َس ٱۡل ِم َهاُد ‪١٢‬‬ ‫َكَّذُبو۟ا ِبَٔـاَیٰـِتَنا َفَأَخ َذُهُم ٱُهَّلل ِبُذُنوِبِه ۗۡم َو ٱُهَّلل َشِدیُد ٱۡل ِع َقاِب ‪١١‬‬
‫ࣱة‬ ‫ࣱة‬ ‫ࣱة‬
‫َكاَن َلُكۡم َء اَی ِفی ِفَئَتۡی ِن ٱۡل َتَقَتۖا ِفَئ ُتَقٰـِتُل ِفی َسِبیِل ٱِهَّلل َو ُأۡخ َر ٰى َكاِفَر َیَر ۡو َنُه م ِّم ۡث َلۡی ِه ۡم َر ۡأ َی ٱۡل َعۡی ِۚن َو ٱُهَّلل ُیَؤ ِّیُد ِبَنۡص ِر ِهۦ َم ن َیَشۤا ُۚء ِإَّن ِفی‬
‫ࣰة‬
‫۝ ُز ِّیَن ِللَّناِس ُحُّب ٱلَّشَه َوٰ ⁠ِت ِم َن ٱلِّنَسۤا ِء َو ٱۡل َبِنیَن َو ٱۡل َقَنٰـِط یِر ٱۡل ُم َقنَطَر ِة ِم َن ٱلَّذَهِب َو ٱۡل ِفَّض ِة َو ٱۡل َخۡی ِل‬ ‫َذٰ ⁠ِلَك َلِع ۡب َر ُأِّل۟و ِلی ٱَأۡلۡب َصٰـ ِر ‪١٣‬‬

‫۝ ۞ ُقۡل َأُؤ َنِّبُئُكم ِبَخۡی ࣲر ِّم ن َذٰ ⁠ِلُكۖۡم ِلَّلِذ یَن ٱَّتَقۡو ۟ا ِع نَد‬ ‫ٱۡل ُمَسَّو َم ِة َو ٱَأۡلۡن َعٰـ ِم َو ٱۡل َح ۡر ِۗث َذٰ ⁠ِلَك َم َتٰـ ُع ٱۡل َح َیٰو ِة ٱلُّد ۡن َیۖا َو ٱُهَّلل ِع نَد ۥُه ُح ۡس ُن ٱۡل َم َٔـاِب ‪١٤‬‬
‫ࣱن‬ ‫ࣱة‬ ‫ࣱج‬ ‫ࣱت‬
‫۝﴾ [آل عمران‪١٥-١٠ :‬‬ ‫]َر ِّبِه ۡم َج َّنٰـ َتۡج ِر ی ِم ن َتۡح ِتَه ا ٱَأۡلۡن َهٰـ ُر َخ ٰـِلِد یَن ِفیَه ا َو َأۡز َوٰ ⁠ ُّم َطَّه َر َو ِر ۡض َو⁠ٰ  ِّم َن ٱِۗهَّلل َو ٱُهَّلل َبِص یُۢر ِبٱۡل ِعَباِد ‪١٥‬‬

‫إن الذين كفروا باهلل وبرسله لن تمنع عنهم أموالهم وال أوالدهم عذاَب هللا‪ ،‬ال في الدنيا وال في اآلخرة‪ ،‬وأولئك ‪١٠-‬‬
‫‪.‬المتصفون بتلك الصفات هم حطب جهنم الذي توقد به يوم القيامة‬
‫وشأن هؤالء الكافرين كشأن آل فرعون وَم ن قبلهم من الذين كفروا باهلل وكذبوا بآياته‪ ،‬فعذبهم هللا بسبب ذنوبهم‪ ،‬ولم ‪١١-‬‬
‫‪.‬تنفعهم أموالهم وال أوالدهم‪ ،‬وهللا شديد العقاب لمن كفر به‪ ،‬وكَّذب بآياته‬
‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬للذين كفروا على اختالف دياناتهم‪ :‬سيغلبكم المؤمنون‪ ،‬وتموتون على الكفر‪ ،‬ويجمعكم هللا إلى نار ‪١٢-‬‬
‫‪.‬جهنم‪ ،‬وبئس الفراش لكم‬
‫قد كان لكم داللة وعبرة في فرقتين التقتا للقتال يوم بدر‪ ،‬إحداهما فرقة مؤمنة وهي رسول هللا ﷺ وأصحابه‪ ،‬تقاتل في ‪١٣-‬‬
‫سبيل هللا لتكون كلمة هللا هي العليا‪ ،‬وكلمة الذين كفروا السفلى‪ ،‬واألخرى فرقة كافرة وهم كفار مكة الذين خرجوا فخًر ا ورياًء‬
‫وعصبية‪ ،‬يراهم المؤمنون ِض ْعفيهم حقيقًة رأي عين‪ ،‬فنصر هللا أولياءه‪ ،‬وهللا يؤيد بنصره من يشاء‪ ،‬إن في ذلك لعبرة وعظة‬
‫‪.‬ألصحاب البصائر‪ ،‬ليعلموا أن النصر ألهل اإليمان وإن َقَّل عددهم‪ ،‬وأن الهزيمة ألهل الباطل وإن كثر عددهم‬
‫يخبر هللا تعالى أنه َح َّسن للناس ‪ -‬ابتالًء لهم ‪ -‬حب الشهوات الدنيوية‪ :‬مثل النساء‪ ،‬والبنين‪ ،‬واألموال الكثيرة المجتمعة ‪١٤-‬‬
‫من الذهب والفضة‪ ،‬والخيل الُم عَّلمة الحسان‪ ،‬واألنعام من اإلبل والبقر والغنم‪ ،‬وزراعة األرض‪ ،‬ذلك متاع الحياة الدنيا ُيَتمَّتُع به‬
‫‪.‬فترة ثم يزول‪ ،‬فال ينبغي للمؤمن أن يتعلق به‪ ،‬وهللا عنده وحده حسن المرجع‪ ،‬وهو الجنة التي عرضها السماوات واألرض‬
‫‪:‬ولما كانت شهوات الدنيا منقطعة َنَّبه هللا إلى ما هو خير من ذلك فقال ‪١٥-‬‬
‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ :-‬أأخبركم بخير من تلك الشهوات؟ للذين اتقوا هللا بفعل طاعته وترك معصيته جناٌت تجري من تحت‬
‫قصورها وأشجارها األنهار‪ ،‬خالدين فيها ال يدركهم موت وال فناء‪ ،‬ولهم فيها أزواج مطهرات من كل سوء في َخ ْلِقهن‬
‫وأخالقهن‪ ،‬ولهم مع ذلك رضوان من هللا يحُّل عليهم فال يسخط عليهم أبًدا‪ ،‬وهللا بصير بأحوال عباده‪ ،‬ال يخفى عليه شيء منها‪،‬‬

‪.‬وسيجازيهم عليها‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬أن غرور الكفار بأموالهم وأوالدهم لن يغنيهم يوم القيامة من عذاب هللا تعالى إذا نزل بهم •‬
‫‪.‬النصر حقيقة ال يتعلق بمجرد العدد والُعدة‪ ،‬وانما بتأييد هللا تعالى وعونه •‬
‫‪َ.‬ز َّين هللا تعالى للناس أنواًعا من شهوات الدنيا ليبتليهم‪ ،‬وليعلم تعالى من يقف عند حدوده ممن يتعداها •‬
‫‪.‬كل نعيم الدنيا ولذاتها قليل زائل‪ ،‬ال يقاس بما في اآلخرة من النعيم العظيم الذي ال يزول •‬
‫‪٥١‬‬
‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪41/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫ٱَّلِذ یَن َیُقوُلوَن َر َّبَنۤا ِإَّنَنۤا َء اَم َّنا َفٱۡغ ِفۡر َلَنا ُذُنوَبَنا َو ِقَنا َعَذاَب ٱلَّناِر ‪١٦‬‬
‫۝ ٱلَّصٰـ ِبِر یَن َو ٱلَّصٰـِدِقیَن َو ٱۡل َقٰـِنِتیَن َو ٱۡل ُم نِفِقیَن َو ٱۡل ُم ۡس َتۡغ ِفِر یَن ﴿‬
‫۝ َشِه َد ٱُهَّلل َأَّن ۥُه ۤاَل ِإَلٰـ َه ِإاَّل ُهَو َو ٱۡل َم َلٰۤـ ِٕىَكُة َو ُأ۟و ُلو۟ا ٱۡل ِع ۡل ِم َقۤا ِٕىَۢم ا ِبٱۡل ِقۡس ِۚط ۤاَل ِإَلٰـ َه ِإاَّل ُهَو ٱۡل َعِز یُز ٱۡل َحِك یُم ‪١٨‬‬
‫۝ ِإَّن ٱلِّد یَن ِع نَد ٱِهَّلل‬ ‫ِبٱَأۡلۡس َح اِر ‪١٧‬‬
‫ٱِإۡل ۡس َلٰـ ُۗم َو َم ا ٱۡخ َتَلَف ٱَّلِذ یَن ُأوُتو۟ا ٱۡل ِك َتٰـ َب ِإاَّل ِم ۢن َبۡع ِد َم ا َج ۤا َء ُهُم ٱۡل ِع ۡل ُم َبۡغ َۢی ا َبۡی َنُه ۗۡم َو َم ن َیۡك ُفۡر ِبَٔـاَیٰـِت ٱِهَّلل َفِإَّن ٱَهَّلل َسِر یُع ٱۡل ِح َساِب ‪١٩‬‬
‫۝‬

‫َفِإۡن َح ۤا ُّج وَك َفُقۡل َأۡس َلۡم ُت َو ۡج ِهَی ِهَّلِل َو َم ِن ٱَّتَبَعِۗن َو ُقل ِّلَّلِذ یَن ُأوُتو۟ا ٱۡل ِك َتٰـ َب َو ٱُأۡلِّم ِّیۧـ َن َء َأۡس َلۡم ُتۚۡم َفِإۡن َأۡس َلُم و۟ا َفَقِد ٱۡه َتَدوۖ۟ا َّو ِإن َتَو َّلۡو ۟ا َفِإَّنَم ا‬
‫۝ ِإَّن ٱَّلِذ یَن َیۡك ُفُر وَن ِبَٔـاَیٰـِت ٱِهَّلل َو َیۡق ُتُلوَن ٱلَّنِبِّیۧـ َن ِبَغۡی ِر َح ࣲّق َو َیۡق ُتُلوَن ٱَّلِذ یَن َیۡأ ُمُر وَن ِبٱۡل ِقۡس ِط ِم َن‬ ‫َعَلۡی َك ٱۡل َبَلٰـ ُۗغ َو ٱُهَّلل َبِص یُۢر ِبٱۡل ِعَباِد ‪٢٠‬‬
‫[آل عمران‪٢٢-١٦ :‬‬ ‫۝ ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك ٱَّلِذ یَن َح ِبَطۡت َأۡع َم ٰـ ُلُه ۡم ِفی ٱلُّد ۡن َیا َو ٱۡل َٔـاِخ َر ِة َو َم ا َلُه م ِّم ن َّنٰـ ِص ِر یَن ‪٢٢‬‬
‫۝﴾‬ ‫]ٱلَّناِس َفَبِّش ۡر ُهم ِبَعَذاٍب َأِلیٍم ‪٢١‬‬

‫أهل الجنة هؤالء هم الذين يقولون في دعائهم لربهم‪ :‬ربنا إننا آمنا بك‪ ،‬وبما أنزلت على رسلك‪ ،‬واتبعنا شريعتك‪ ،‬فاْغ ِفْر ‪١٦-‬‬
‫‪.‬لنا ما ارتكبنا من ذنوب‪ ،‬وجِّنبنا عذاب النار‬
‫وهم الصابرون على فعل الطاعات وترك السيئات‪ ،‬وعلى ما يصيبهم من البالء‪ ،‬وهم الصادقون في أقوالهم وأعمالهم‪١٧- ،‬‬
‫وهم المطيعون هلل طاعة تامة‪ ،‬وهم المنفقون أموالهم في سبيل هللا‪ ،‬وهم المستغفرون آخر الليل‪ ،‬ألن الدعاء فيه أقرب لإلجابة‪،‬‬
‫‪.‬ويخلو فيه القلب من الشواغل‬
‫شهد هللا على أنه هو اإلله المعبود بحق دون سواه‪ ،‬وذلك بما أقام من اآليات الشرعية والكونية الدالة على ألوهيته‪١٨- ،‬‬
‫وشهد على ذلك المالئكة‪ ،‬وشهد أهل العلم على ذلك ببيانهم للتوحيد ودعوتهم إليه‪ ،‬فشهدوا على أعظم مشهود به وهو توحيد هللا‬
‫‪.‬وقيامه تعالى بالعدل في خلقه وشرعه‪ ،‬ال إله إال هو العزيز الذي ال يغالبه أحد‪ ،‬الحكيم في خلقه وتدبيره وتشريعه‬
‫إن الدين المقبول عند هللا هو اإلسالم‪ ،‬وهو االنقياد هلل وحده بالطاعة واالستسالم له بالعبودية‪ ،‬واإليمان بالرسل جميًعا ‪١٩-‬‬
‫إلى خاتمهم محمد ﷺ‪ ،‬الذي ختم هللا به الرساالت‪ ،‬فال َيْقَبُل غير شريعته‪ .‬وما اختلف اليهود والنصارى في دينهم وافترقوا شيًعا‬
‫وأحزاًبا إال من بعد ما قامت عليهم الحجة بما جاءهم من العلم‪ ،‬حسًدا وحرًص ا على الدنيا‪ .‬ومن يكفر بآيات هللا المنزلة على‬
‫‪.‬رسوله فإن هللا سريع الحساب لمن كفر به وكَّذب رسله‬
‫فإن جادلوك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬في الحق الذي نزل عليك‪ ،‬فقل مجيًبا إياهم‪ :‬أسلمت أنا ومن تبعني من المؤمنين هلل تعالى‪٢٠- ،‬‬
‫وقل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬ألهل الكتاب والمشركين‪ :‬أأسلمتم هلل تعالى مخلصين له متبعين لما ِج ئُت به؟ فإن أسلموا هلل واتبعوا شريعتك‬
‫فقد سلكوا سبيل الهدى‪ ،‬وإن أعرضوا عن اإلسالم فليس عليك إال أن تبلغهم ما أرسلت به‪ ،‬وأمرهم إلى هللا‪ ،‬فهو تعالى بصير‬
‫‪.‬بعباده‪ ،‬وسيجازي كل عامل بما عمل‬
‫إن الذين يكفرون بحجج هللا التي أنزلها عليهم‪ ،‬ويقتلون أنبياءه بغير حق‪ ،‬وإنما ظلًم ا وعدواًنا‪ ،‬ويقتلون الذين يأمرون ‪٢١-‬‬
‫‪.‬بالعدل من الناس‪ ،‬وهم اآلمرون بالمعروف والناهون عن المنكر‪ ،‬بِّشر هؤالء الكفار القتلة بعذاب أليم‬
‫أولئك المتصفون بتلك الصفات قد بطلت أعمالهم فال ينتفعون بها في الدنيا وال في اآلخرة‪ ،‬لعدم إيمانهم باهلل‪ ،‬وما لهم ‪٢٢-‬‬

‪.‬من ناصرين يدفعون عنهم العذاب‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬من أعظم ما ُيكِّفر الذنوب ويقي عذاب النار اإليمان باهلل تعالى واتباع ما جاء به الرسول ﷺ •‬
‫‪.‬أعظم شهادة وحقيقة هي ألوهية هللا تعالى ولهذا شهد هللا بها لنفسه‪ ،‬وشهد بها مالئكته‪ ،‬وشهد بها أولو العلم ممن خلق •‬
‫‪.‬البغي والحسد من أعظم أسباب النزاع والصرف عن الحق •‬
‫‪٥٢‬‬

‫ࣱق‬ ‫ࣰب‬
‫َأَلۡم َتَر ِإَلى ٱَّلِذ یَن ُأوُتو۟ا َنِص ی ا ِّم َن ٱۡل ِك َتٰـ ِب ُیۡد َعۡو َن ِإَلٰى ِك َتٰـ ِب ٱِهَّلل ِلَیۡح ُكَم َبۡی َنُه ۡم ُثَّم َیَتَو َّلٰى َفِر ی ِّم ۡن ُه ۡم َو ُهم ُّم ۡع ِر ُضوَن ‪٢٣‬‬
‫۝ َذٰ ⁠ِلَك ِبَأَّنُه ۡم ﴿‬
‫ࣰم‬
‫َقاُلو۟ا َلن َتَمَّسَنا ٱلَّناُر ِإۤاَّل َأَّیا ا َّم ۡع ُدوَدٰ ⁠ࣲۖت َو َغَّر ُهۡم ِفی ِدیِنِه م َّم ا َكاُنو۟ا َیۡف َتُر وَن ‪٢٤‬‬
‫۝ َفَكۡی َف ِإَذا َج َم ۡع َنٰـُه ۡم ِلَیۡو ࣲم اَّل َر ۡی َب ِفیِه َو ُو ِّفَیۡت ُكُّل‬
‫َنۡف ࣲس َّم ا َكَسَبۡت َو ُهۡم اَل ُیۡظ َلُم وَن ‪٢٥‬‬
‫۝ ُقِل ٱلَّلُه َّم َم ٰـِلَك ٱۡل ُم ۡل ِك ُتۡؤ ِتی ٱۡل ُم ۡل َك َم ن َتَشۤا ُء َو َتنِز ُع ٱۡل ُم ۡل َك ِم َّم ن َتَشۤا ُء َو ُتِع ُّز َم ن َتَشۤا ُء َو ُتِذُّل َم ن‬
‫ࣱر‬
‫۝ ُتوِلُج ٱَّلۡی َل ِفی ٱلَّنَه اِر َو ُتوِلُج ٱلَّنَه اَر ِفی ٱَّلۡی ِۖل َو ُتۡخ ِر ُج ٱۡل َح َّی ِم َن ٱۡل َم ِّیِت َو ُتۡخ ِر ُج ٱۡل َم ِّیَت‬ ‫َتَشۤا ُۖء ِبَیِد َك ٱۡل َخۡی ُۖر ِإَّنَك َعَلٰى ُكِّل َشۡی ࣲء َقِدی ‪٢٦‬‬

‫۝ اَّل َیَّتِخ ِذ ٱۡل ُم ۡؤ ِم ُنوَن ٱۡل َكٰـِفِر یَن َأۡو ِلَیۤا َء ِم ن ُدوِن ٱۡل ُم ۡؤ ِم ِنیَۖن َو َم ن َیۡف َعۡل َذٰ ⁠ِلَك َفَلۡی َس ِم َن ٱِهَّلل‬
‫ِم َن ٱۡل َحِّۖی َو َتۡر ُز ُق َم ن َتَشۤا ُء ِبَغۡی ِر ِح َساࣲب ‪٢٧‬‬
‫ࣰۗة‬
‫۝ ُقۡل ِإن ُتۡخ ُفو۟ا َم ا ِفی ُص ُدوِر ُكۡم َأۡو ُتۡب ُدوُه َیۡع َلۡم ُه ٱُۗهَّلل‬ ‫ِفی َشۡی ٍء ِإۤاَّل َأن َتَّتُقو۟ا ِم ۡن ُه ۡم ُتَقٰى َو ُیَحِّذ ُر ُكُم ٱُهَّلل َنۡف َس ۗۥُه َو ِإَلى ٱِهَّلل ٱۡل َمِص یُر ‪٢٨‬‬
‫ࣱر‬
‫۝﴾ [آل عمران‪٢٩-٢٣ :‬‬ ‫]َو َیۡع َلُم َم ا ِفی ٱلَّسَم ٰـ َوٰ ⁠ِت َو َم ا ِفی ٱَأۡلۡر ِۗض َو ٱُهَّلل َعَلٰى ُكِّل َشۡی ࣲء َقِدی ‪٢٩‬‬

‫ألم تنظر ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬إلى حال اليهود الذين آتاهم هللا حًّظا من العلم بالتوراة وما دَّلت عليه من نبوتك‪ُ ،‬يْدَعون إلى ‪٢٣-‬‬
‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪42/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫الرجوع إلى كتاب هللا التوراة ليفصل بينهم فيما اختلفوا فيه‪ ،‬ثم ينصرف فريق من علمائهم ورؤسائهم وهم ُمْعِر ضون عن حكمه‬
‫‪.‬إذ لم يوافق أهواءهم‪ ،‬وكان األولى بهم ‪ -‬وهم يزعمون اتباعهم له ‪ -‬أن يكونوا أسرع الناس إلى التحاكم إليه‬
‫ذلك االنصراف عن الحق واإلعراض عنه ألنهم كانوا يَّدعون أن النار لن تمسهم يوم القيامة إال أياًم ا قليلة‪ ،‬ثم يدخلون ‪٢٤-‬‬
‫‪.‬الجنة‪ ،‬فَغَّر هم هذا الظن الذي اختلقوه من األكاذيب واألباطيل فتجرؤوا على هللا ودينه‬
‫فكيف يكون حالهم وندمهم؟! سيكون غاية في السوء إذا جمعناهم للحساب في يوم ال شك فيه وهو يوم القيامة‪ ،‬وأعطيت ‪٢٥-‬‬
‫‪.‬كل نفس جزاء ما عملت على قدر ما تستحق‪ ،‬من غير ظلم بنقص حسناتها‪ ،‬أو زيادة سيئاتها‬
‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ُ -‬م ْثنًيا على ربك ومعّظًم ا له‪ :‬الَّلُهَّم أنت مالك الملك كله في الدنيا واآلخرة‪ ،‬تؤتي الملك من تشاء من ‪٢٦-‬‬
‫خلقك‪ ،‬وتنزعه ممن تشاء‪ ،‬وُتعز من تشاء منهم‪ ،‬وتذل من تشاء‪ ،‬وكل ذلك بحكمتك وعدلك‪ ،‬وبيدك وحدك الخير كله‪ ،‬وأنت على‬
‫‪.‬كل شيء قدير‬
‫ومن مظاهر قدرتك أنك تدخل الليل في النهار فيطول وقت النهار‪ ،‬وتدخل النهار في الليل فيطول وقت الليل‪ ،‬وتخرج ‪٢٧-‬‬
‫الحي من الميت‪ ،‬كإخراج المؤمن من الكافر‪ ،‬والزرع من الحب‪ ،‬وتخرج الميت من الحي‪ ،‬كالكافر من المؤمن‪ ،‬والبيضة من‬
‫‪.‬الدجاجة‪ ،‬وترزق من تشاء رزًقا واسًعا من غير حساب وعّد‬
‫ال تتخذوا ‪ -‬أيها المؤمنون ‪ -‬الكافرين أولياء تحبونهم وتنصرونهم من دون المؤمنين‪ ،‬ومن يفعل ذلك فقد برئ من هللا ‪٢٨-‬‬
‫وبرئ هللا منه‪ ،‬إال أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم‪ ،‬فال حرج أن تتقوا أذاهم بإظهار اللين في الكالم واللطف في‬
‫الفعال‪ ،‬مع إضمار العداوة لهم‪ ،‬ويحذركم هللا نفسه فخافوه‪ ،‬وال تتعرضوا لغضبه بارتكاب المعاصي‪ ،‬وإلى هللا وحده رجوع العباد‬
‫‪.‬يوم القيامة لمجازاتهم على أعمالهم‬
‫قل ‪ -‬أيها النبي ‪ :-‬إن ُتخفوا ما في صدوركم مما نهاكم هللا عنه كمواالة الكفار‪ ،‬أو تظهروا ذلك يعلمه هللا‪ ،‬وال يخفى ‪٢٩-‬‬

‪.‬عليه منه شيء‪ ،‬ويعلم ما في السماوات وما في األرض‪ ،‬وهللا على كل شيء قدير‪ ،‬ال يعجزه شيء‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫أن التوفيق والهداية من هللا تعالى‪ ،‬والعلم ‪ -‬وإن كثر وبلغ صاحبه أعلى المراتب ‪ -‬إن لم يصاحبه توفيق هللا لم ينتفع به •‬
‫‪.‬المرء‬
‫‪.‬أن الملك هلل تعالى‪ ،‬فهو المعطي المانع‪ ،‬المعز المذل‪ ،‬بيده الخير كله‪ ،‬وإليه يرجع األمر كله‪ ،‬فال ُيسأل أحد سواه •‬
‫‪.‬خطورة تولي الكافرين‪ ،‬حيث توَّعد هللا فاعله بالبراءة منه وبالحساب يوم القيامة •‬
‫‪٥٣‬‬

‫ࣰد‬ ‫ࣰر‬
‫َیۡو َم َتِج ُد ُكُّل َنۡف ࣲس َّم ا َعِم َلۡت ِم ۡن َخۡی ࣲر ُّم ۡح َض ا َو َم ا َعِم َلۡت ِم ن ُسۤو ࣲء َتَو ُّد َلۡو َأَّن َبۡی َنَه ا َو َبۡی َن ۤۥُه َأَم َۢد ا َبِع ی ۗا َو ُیَحِّذ ُر ُكُم ٱُهَّلل َنۡف َس ۗۥُه َو ٱُهَّلل﴿‬
‫ࣱم‬ ‫ࣱر‬
‫۝ ُقۡل َأِط یُعو۟ا ٱَهَّلل َو ٱلَّر ُسوَۖل‬ ‫۝ ُقۡل ِإن ُكنُتۡم ُتِح ُّبوَن ٱَهَّلل َفٱَّتِبُعوِنی ُیۡح ِبۡب ُكُم ٱُهَّلل َو َیۡغ ِفۡر َلُكۡم ُذُنوَبُكۚۡم َو ٱُهَّلل َغُفو َّر ِح ی ‪٣١‬‬ ‫َر ُء وُۢف ِبٱۡل ِعَباِد ‪٣٠‬‬
‫۝ ُذ َۢة‬ ‫ࣰح‬
‫۝ ۞ ِإَّن ٱَهَّلل ٱۡص َطَفٰۤى َء اَد َم َو ُنو ا َو َءاَل ِإۡب َرٰ ⁠ِه یَم َو َءاَل ِع ۡم َرٰ ⁠َن َعَلى ٱۡل َعٰـ َلِم یَن ‪ِّ ٣٣‬ر َّی‬ ‫َفِإن َتَو َّلۡو ۟ا َفِإَّن ٱَهَّلل اَل ُیِح ُّب ٱۡل َكٰـِفِر یَن ‪٣٢‬‬
‫ࣰر‬
‫۝ ِإۡذ َقاَلِت ٱۡم َر َأُت ِع ۡم َرٰ ⁠َن َر ِّب ِإِّنی َنَذۡر ُت َلَك َم ا ِفی َبۡط ِنی ُم َح َّر ا َفَتَقَّبۡل ِم ِّنۖۤی ِإَّنَك َأنَت ٱلَّسِم یُع‬ ‫َبۡع ُض َه ا ِم ۢن َبۡع ࣲۗض َو ٱُهَّلل َسِم یٌع َعِلیٌم ‪٣٤‬‬

‫۝ َفَلَّم ا َو َض َعۡت َه ا َقاَلۡت َر ِّب ِإِّنی َو َض ۡع ُتَه ۤا ُأنَثٰى َو ٱُهَّلل َأۡع َلُم ِبَم ا َو َض َعۡت َو َلۡی َس ٱلَّذَكُر َكٱُأۡلنَثٰۖى َو ِإِّنی َسَّم ۡی ُتَه ا َم ۡر َیَم َو ِإِّنۤی ُأِع یُذَها‬ ‫ٱۡل َعِلیُم ‪٣٥‬‬
‫ࣰن‬
‫۝ َفَتَقَّبَلَه ا َر ُّبَه ا ِبَقُبوٍل َحَسࣲن َو َأۢن َبَتَه ا َنَباًتا َحَس ا َو َكَّفَلَه ا َز َكِر َّیۖا ُكَّلَم ا َد َخ َل َعَلۡی َه ا َز َكِر َّیا ٱۡل ِم ۡح َر اَب‬
‫ِبَك َو ُذِّر َّیَتَه ا ِم َن ٱلَّشۡی َطٰـ ِن ٱلَّر ِج یِم ‪٣٦‬‬
‫ࣰق‬
‫۝﴾ [آل عمران‪٣٧-٣٠ :‬‬ ‫]َو َج َد ِع نَد َها ِر ۡز ۖا َقاَل َیٰـ َم ۡر َیُم َأَّنٰى َلِك َهٰـ َذۖا َقاَلۡت ُهَو ِم ۡن ِعنِد ٱِۖهَّلل ِإَّن ٱَهَّلل َیۡر ُز ُق َم ن َیَشۤا ُء ِبَغۡی ِر ِح َساٍب ‪٣٧‬‬

‫يوم القيامة تلقى كُّل نفس عملها من الخير قد ُأتي به ال نقص فيه‪ ،‬والذي عملت من السوء تتمنى أن بينها وبينه زمًنا ‪٣٠-‬‬
‫‪.‬بعيًدا‪ ،‬وأنى لها ما تمنت! ويحذركم هللا نفسه‪ ،‬فال تتعرضوا لغضبه بارتكاب اآلثام‪ ،‬وهللا رؤوف بالعباد‪ ،‬ولهذا يحذرهم ويخوفهم‬
‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ :-‬إن كنتم تحبون هللا حًّقا فاتبعوا ما جئت به ظاهًر ا وباطًنا‪ ،‬تنالوا محبة هللا‪ ،‬ويغفر لكم ذنوبكم‪ ،‬وهللا ‪٣١-‬‬
‫‪.‬غفور لمن تاب من عباده رحيم بهم‬
‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ :-‬أطيعوا هللا وأطيعوا رسوله بامتثال األوامر واجتناب النواهي‪ ،‬فإن أعرضوا عن ذلك فإن هللا ال ‪٣٢-‬‬
‫‪.‬يحب الكافرين المخالفين ألمره وأمر رسوله‬
‫إن هللا اختار آدم عليه السالم فأسجد له مالئكته‪ ،‬واختار نوًح ا فجعله أول رسول إلى أهل األرض‪ ،‬واختار آل إبراهيم ‪٣٣-‬‬
‫‪.‬فجعل النبوة باقية في ذريته‪ ،‬واختار آل عمران‪ ،‬اختار كل هؤالء وفضلهم على أهل زمانهم‬
‫هؤالء المذكورون من األنبياء وذرياتهم الُم ّتِبعون لطريقتهم هم ذرية بعضها متسلسل من بعض في توحيد هللا وعمل ‪٣٤-‬‬
‫الصالحات‪ ،‬يتوارثون من بعضهم المكارم والفضائل‪ ،‬وهللا سميع ألقوال عباده‪ ،‬عليم بأفعالهم‪ ،‬ولهذا يختار من يشاء منهم‪،‬‬
‫‪.‬ويصطفي منهم من يشاء‬
‫اذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬إذ قالت امرأة عمران والدة مريم عليها السالم‪ :‬يا رب إني أوجبت على نفسي أن أجعل ما في ‪٣٥-‬‬
‫‪.‬بطني من حمل خالًص ا لوجهك‪ ،‬محّر ًر ا من كل شيء ليخدمك ويخدم بيتك‪ ،‬فتقبل مني ذلك‪ ،‬إنك أنت السميع لدعائي‪ ،‬العليم بنّيتي‬
‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫ُل‬ ‫‪43/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫فلما تم حمُلها وضعت ما في بطنها‪ ،‬وقالت معتذرة ‪ -‬وقد كانت ترجو أن يكون الحمل ذكًر ا ‪ :-‬يا رب إني ولدتها أنثى‪٣٦- ،‬‬
‫وهللا أعلم بما ولدت‪ ،‬وليس الذكر الذي كانت ترجوه كاألنثى التي ُو ِهبت لها في القوة والِخ ْلَقة‪ .‬وإني سَّم يتها مريم‪ ،‬وإني َح َّص نتها‬
‫‪.‬بك هي وذريتها من الشيطان المطرود من رحمتك‬
‫فتقَّبل هللا نذرها بَقبول حسن‪ ،‬وأنشأها نشأًة حسنة‪ ،‬وعطف عليها قلوب الصالحين من عباده‪ ،‬وجعل كفالتها إلى زكريا ‪٣٧-‬‬
‫عليه السالم‪ .‬وكان زكريا كلما دخل عليها مكان العبادة وجد عندها رزًقا طيًبا ميّسًر ا‪ ،‬فقال مخاطًبا إياها‪ :‬يا مريم‪ ،‬من أين لك هذا‬

‪.‬الرزق؟ قالت مجيبة إياه‪ :‬هذا الرزق من عند هللا‪ ،‬إن هللا يرزق من يشاء رزًقا واسًعا بغير حساب‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬عظم مقام هللا وشدة عقوبته تجعل العاقل على حذر من مخالفة أمره تعالى •‬
‫‪.‬برهان المحبة الحقة هلل ولرسوله باتباع الشرع أمًر ا ونهًيا‪ ،‬وأما دعوى المحبة بال اتباع فال تنفع صاحبها •‬
‫‪.‬أن هللا تعالى يختار من يشاء من عباده ويصطفيهم للنبوة والعبادة بحكمته ورحمته‪ ،‬وقد يخصهم بآيات خارقة للعادة •‬
‫‪٥٤‬‬

‫ࣱم‬ ‫ࣰة ًۖة‬


‫۝ َفَناَد ۡت ُه ٱۡل َم َلٰۤـ ِٕىَكُة َو ُهَو َقۤا ِٕى ُیَصِّلی ِفی ٱۡل ِم ۡح َر اِب﴿‬ ‫ُهَناِلَك َدَعا َز َكِر َّیا َر َّب ۖۥُه َقاَل َر ِّب َهۡب ِلی ِم ن َّلُدنَك ُذِّر َّی َطِّیَب ِإَّنَك َسِم یُع ٱلُّدَعۤا ِء ‪٣٨‬‬
‫ࣱم‬ ‫ࣰّی‬ ‫ࣰر‬ ‫ࣰد‬
‫۝ َقاَل َر ِّب َأَّنٰى َیُكوُن ِلی ُغَلٰـ َو َقۡد َبَلَغِنَی ٱۡل ِكَبُر‬ ‫َأَّن ٱَهَّلل ُیَبِّش ُر َك ِبَیۡح َیٰى ُم َصِّد َۢق ا ِبَكِلَم ࣲة ِّم َن ٱِهَّلل َو َسِّی ا َو َحُص و ا َو َنِب ا ِّم َن ٱلَّصٰـِلِح یَن ‪٣٩‬‬
‫ࣰز‬ ‫ࣰۖة‬
‫۝ َقاَل َر ِّب ٱۡج َعل ِّلۤی َء اَی َقاَل َء اَیُتَك َأاَّل ُتَكِّلَم ٱلَّناَس َثَلٰـ َثَة َأَّیاٍم ِإاَّل َر ۡم ۗا َو ٱۡذ ُكر َّر َّبَك‬ ‫َو ٱۡم َر َأِتی َعاِقࣱۖر َقاَل َكَذٰ ⁠ِلَك ٱُهَّلل َیۡف َعُل َم ا َیَشۤا ُء ‪٤٠‬‬
‫ࣰر‬
‫۝ َو ِإۡذ َقاَلِت ٱۡل َم َلٰۤـ ِٕىَكُة َیٰـ َم ۡر َیُم ِإَّن ٱَهَّلل ٱۡص َطَفٰى ِك َو َطَّه َر ِك َو ٱۡص َطَفٰى ِك َعَلٰى ِنَسۤا ِء ٱۡل َعٰـ َلِم یَن ‪٤٢‬‬
‫۝ َیٰـ َم ۡر َیُم‬ ‫َكِثی ا َو َسِّبۡح ِبٱۡل َعِش ِّی َو ٱِإۡل ۡب َكٰـ ِر ‪٤١‬‬

‫۝ َذٰ ⁠ِلَك ِم ۡن َأۢن َبۤا ِء ٱۡل َغۡی ِب ُنوِح یِه ِإَلۡی َۚك َو َم ا ُكنَت َلَد ۡی ِه ۡم ِإۡذ ُیۡل ُقوَن َأۡق َلٰـ َم ُه ۡم َأُّیُه ۡم َیۡك ُفُل‬
‫ٱۡق ُنِتی ِلَر ِّبِك َو ٱۡس ُج ِدی َو ٱۡر َكِع ی َمَع ٱلَّر⁠ٰ ِكِع یَن ‪٤٣‬‬
‫ࣰه‬
‫۝ ِإۡذ َقاَلِت ٱۡل َم َلٰۤـ ِٕىَكُة َیٰـ َم ۡر َیُم ِإَّن ٱَهَّلل ُیَبِّش ُر ِك ِبَكِلَم ࣲة ِّم ۡن ُه ٱۡس ُم ُه ٱۡل َم ِسیُح ِع یَسى ٱۡب ُن َم ۡر َیَم َو ِج ی ا‬ ‫َم ۡر َیَم َو َم ا ُكنَت َلَد ۡی ِه ۡم ِإۡذ َیۡخ َتِص ُم وَن ‪٤٤‬‬
‫[آل عمران‪٤٥-٣٨ :‬‬ ‫]ِفی ٱلُّد ۡن َیا َو ٱۡل َٔـاِخ َر ِة َو ِم َن ٱۡل ُم َقَّر ِبیَن ‪٤٥‬‬
‫۝﴾‬

‫عند ذلك الذي رآه زكريا من رزق هللا تعالى لمريم بنت عمران على غير المعتاد من ُسننه تعالى في الرزق‪ ،‬رجا أن ‪٣٨-‬‬
‫يرزقه هللا ولًدا مع الحال التي هو عليها من تقدم سِّنه وُعْقم امرأته‪ ،‬فقال‪ :‬يا رب‪ ،‬هب لي ولًدا طيًبا‪ ،‬إنك سميٌع لدعاء من دعاك‪،‬‬
‫‪.‬مجيب له‬
‫فنادته المالئكة مخاطبة له وهو في حال قيامه للصالة في مكان عبادته بقولها‪ :‬إن هللا ُيبّشرك بولد يولد لك اسمه يحيى‪٣٩- ،‬‬
‫من صفته أن يكون مصدًقا بكلمة من هللا‪ ،‬وهو عيسى ابن مريم ‪ -‬ألنه ُخ ِلق خلًقا خاًّص ا بكلمة من هللا ‪ -‬ويكون هذا الولد سيًدا على‬
‫قومه في العلم والعبادة‪ ،‬مانًعا نفسه وحابسها عن الشهوات ومنها ُقْر بان النساء‪ ،‬متفرًغا لعبادة ربه‪ ،‬ويكون ‪ -‬أيًض ا ‪ -‬نبًّيا من‬
‫‪.‬الصالحين‬
‫قال زكريا لّم ا بشرته المالئكة بيحيى‪ :‬يا رب‪ ،‬كيف يكون لي ولد بعد أن صرت شيًخ ا‪ ،‬وامرأتي عقيم ال يولد لها! قال ‪٤٠-‬‬
‫هللا جواًبا على قوله‪َ :‬م َثُل َخ ْلق يحيى على كبر سِّنك وُعْقم زوجك‪ ،‬كخلق هللا ما يشاء مما يخالف المألوف عادة‪ ،‬ألن هللا على كل‬
‫‪.‬شيء قدير‪ ،‬يفعل ما يشاء بحكمته وعلمه‬
‫قال زكريا‪ :‬يا رب‪ ،‬اجعل لي عالمة على حمل امرأتي مني‪ ،‬قال هللا‪ :‬عالمتك التي طلبَت هي‪ :‬أال تستطيع كالم الناس ‪٤١-‬‬
‫‪.‬ثالثة أيام بلياليهن إال باإلشارة ونحوها‪ ،‬من غير خلل يصيبك‪ ،‬فَأكِثْر ِم ن ذكر هللا وتسبيحه في آخر النهار وأوله‬
‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬حين قالت المالئكة لمريم عليها السالم‪ :‬إن هللا اختارك لما تتصفين به من صفات حميدة‪٤٢- ،‬‬
‫‪.‬وَطَّه رك من النقائص‪ ،‬واختارك على نساء العالمين في زمانك‬
‫‪.‬يا مريم‪ ،‬أطيلي القيام في الصالة‪ ،‬واسجدي لربك‪ ،‬واركعي له مع الراكعين من عباده الصالحين ‪٤٣-‬‬
‫ذلك المذكور من خبر زكريا ومريم عليهما السالم من أخبار الغيب نوحيه إليك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬وما كنت عند أولئك ‪٤٤-‬‬
‫‪.‬العلماء والصالحين حين اختصموا فيمن هو أحق بتربية مريم‪ ،‬حتى لجؤوا للقرعة فألقوا أقالمهم‪ ،‬ففاز قلم زكريا عليه السالم‬
‫اذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬إذ قالت المالئكة‪ :‬يا مريم‪ ،‬إن هللا يبّشرك بولد يكون َخ ْلُقه من غير أب‪ ،‬وإنما بكلمة من هللا بأن ‪٤٥-‬‬
‫يقول له‪« :‬كن»‪ ،‬فيكون ولًدا بإذن هللا‪ ،‬واسم هذا الولد‪ :‬المسيح عيسى بن مريم‪ ،‬له مكانة عظيمة في الدنيا وفي اآلخرة‪ ،‬ومن‬

‪.‬المقربين إليه تعالى‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬عناية هللا تعالى بأوليائه‪ ،‬فإنه سبحانه يجنبهم السوء‪ ،‬ويستجيب دعاءهم •‬
‫‪َ.‬فْضل مريم عليها السالم حيث اختارها هللا على نساء العالمين‪ ،‬وطَّه رها من النقائص‪ ،‬وجعلها مباركة •‬
‫‪.‬كلما عظمت نعمة هللا على العبد َعُظم ما يجب عليه من شكره عليها بالقنوت والركوع والسجود وسائر العبادات •‬
‫‪.‬مشروعية الُقْر عة عند االختالف فيما ال َبِّينة عليه وال قرينة تشير إليه •‬
‫‪٥٥‬‬
‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪44/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫ࣱد‬ ‫اࣰل‬
‫۝ َقاَلۡت َر ِّب َأَّنٰى َیُكوُن ِلی َو َل َو َلۡم َیۡم َسۡس ِنی َبَشࣱۖر َقاَل َكَذٰ ⁠ِلِك ٱُهَّلل َیۡخ ُلُق َم ا َیَشۤا ُۚء ﴿‬ ‫َو ُیَكِّلُم ٱلَّناَس ِفی ٱۡل َم ۡه ِد َو َكۡه َو ِم َن ٱلَّصٰـِلِح یَن ‪٤٦‬‬
‫۝ َو َر ُسواًل ِإَلٰى َبِنۤی ِإۡس َرٰ ۤ⁠ِء یَل َأِّنی َقۡد‬ ‫ࣰر‬
‫۝ َو ُیَعِّلُم ُه ٱۡل ِك َتٰـ َب َو ٱۡل ِح ۡك َم َة َو ٱلَّتۡو َر ٰى َة َو ٱِإۡل نِج یَل ‪٤٨‬‬
‫ِإَذا َقَض ٰۤى َأۡم ا َفِإَّنَم ا َیُقوُل َل ۥُه ُكن َفَیُكوُن ‪٤٧‬‬
‫ۡذ‬ ‫ۡخ‬
‫ِج ۡئ ُتُكم ِبَٔـاَیࣲة ِّم ن َّر ِّبُكۡم َأِّنۤی َأ ُلُق َلُكم ِّم َن ٱلِّط یِن َكَه ۡی َٔـِة ٱلَّطۡی ِر َفَأنُفُخ ِفیِه َفَیُكوُن َطۡی َۢر ا ِبِإ ِن ٱِۖهَّلل َو ُأۡب ِر ُئ ٱَأۡلۡك َم َه َو ٱَأۡلۡب َر َص َو ُأۡح ِی‬
‫ࣰق‬ ‫ࣰة‬
‫۝ َو ُم َصِّد ا ِّلَم ا َبۡی َن َیَد َّی ِم َن‬‫ٱۡل َم ۡو َتٰى ِبِإۡذ ِن ٱِۖهَّلل َو ُأَنِّبُئُكم ِبَم ا َتۡأ ُكُلوَن َو َم ا َتَّد ِخ ُر وَن ِفی ُبُیوِتُكۚۡم ِإَّن ِفی َذٰ ⁠ِلَك َلَٔـاَی َّلُكۡم ِإن ُكنُتم ُّم ۡؤ ِم ِنیَن ‪٤٩‬‬

‫۝ ِإَّن ٱَهَّلل َر ِّبی َو َر ُّبُكۡم َفٱۡع ُبُدوُۚه َهٰـ َذا‬‫ٱلَّتۡو َر ٰى ِة َو ُأِلِح َّل َلُكم َبۡع َض ٱَّلِذی ُح ِّر َم َعَلۡی ُكۚۡم َو ِج ۡئ ُتُكم ِبَٔـاَیࣲة ِّم ن َّر ِّبُكۡم َفٱَّتُقو۟ا ٱَهَّلل َو َأِط یُعوِن ‪٥٠‬‬
‫ࣱم‬ ‫ࣱط‬
‫۝ ۞ َفَلَّم ۤا َأَح َّس ِع یَسٰى ِم ۡن ُه ُم ٱۡل ُكۡف َر َقاَل َم ۡن َأنَص اِر ۤی ِإَلى ٱِۖهَّلل َقاَل ٱۡل َح َو اِر ُّیوَن َنۡح ُن َأنَص اُر ٱِهَّلل َء اَم َّنا ِبٱِهَّلل َو ٱۡش َه ۡد‬ ‫ِص َر⁠ٰ  ُّم ۡس َتِقی ‪٥١‬‬
‫[آل عمران‪٥٢-٤٦ :‬‬ ‫]ِبَأَّنا ُم ۡس ِلُم وَن ‪٥٢‬‬
‫۝﴾‬

‫ويكلم الناس وهو طفل صغير قبل أوان الكالم‪ ،‬ويكلمهم وهو كبير قد َكملت قَّو ُته ورجولته‪ ،‬يخاطبهم بما فيه صالح أمر ‪٤٦-‬‬
‫‪.‬دينهم ودنياهم‪ ،‬وهو من الصالحين في أقوالهم وأعمالهم‬
‫قالت مريم مستغربًة أن يكون لها ولد من غير زوج‪ :‬كيف يكون لي ولد ولم يقربني بشر ال في حالل وال في حرام؟! ‪٤٧-‬‬
‫قال لها المَلك‪ِ :‬م ثُل ما خلق هللا لك ولًدا من غير أب‪ ،‬يخلق ما يشاء مما يخالف المألوف والعادة‪ ،‬فإذا أراد أمًر ا قال له‪« :‬كن»‬
‫‪.‬فيكون‪ ،‬فال يعجزه شيء‬
‫وُيعلمه الكتابة واإلصابة والتوفيق في القول والعمل‪ ،‬ويعلمه التوراة التي أنزلها على موسى عليه السالم‪ ،‬ويعلمه ‪٤٨-‬‬
‫‪.‬اإلنجيل الذي سينزله عليه‬
‫ويجعله ‪ -‬كذلك ‪ -‬رسواًل إلى بني إسرائيل‪ ،‬حيث يقول لهم‪ :‬إني رسول هللا إليكم قد جئتكم بعالمة دالة على صدق نبوتي ‪٤٩-‬‬
‫هي‪ :‬أني ُأصِّو ر لكم من مادة الطين مثل شكل الطير‪ ،‬فأنفخ فيه فيصير طيًر ا حًّيا بإذن هللا‪ ،‬وأشفي من ُو ِلد أعمى فيبصر‪ ،‬ومن‬
‫أصيب ِبَبَر ٍص فيعود جلده سليًم ا‪ ،‬وُأْح يي من كان ميًتا‪ ،‬كل ذلك بإذن هللا‪ ،‬وأخبركم بما تأكلون وبما تخبئون في بيوتكم من طعام‬
‫وتخفونه‪ ،‬إن فيما ذكرته لكم من هذه األمور العظيمة التي ال يقدر عليها البشر‪ ،‬لعالمًة ظاهرة على أني رسول من هللا إليكم‪ ،‬إن‬
‫‪.‬كنتم تريدون اإليمان‪ ،‬وتصدقون بالبراهين‬
‫وجئتكم ‪ -‬كذلك ‪ -‬مصدًقا لما نزل قبلي من التوراة‪ ،‬وجئتكم ألحل لكم بعض ما ُح ِّر م عليكم من قبُل‪ ،‬تيسيًر ا وتخفيًفا ‪٥٠-‬‬
‫‪.‬عليكم‪ ،‬وجئتكم بحجة واضحة على صحة ما قلت لكم‪ ،‬فاتقوا هللا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‪ ،‬وأطيعوني فيما أدعوكم إليه‬
‫ذلك ألن هللا ربي وربكم‪ ،‬فهو وحده الُم ستِح ُّق أن ُيطاع وُيتقى‪ ،‬فاعبدوه وحده‪ ،‬هذا الذي أمرتكم به من عبادة هللا وتقواه ‪٥١-‬‬
‫‪.‬هو الطريق المستقيم الذي ال اعوجاج فيه‬
‫فلما علم عيسى عليه السالم منهم اإلصرار على الكفر‪ ،‬قال مخاطًبا بني إسرائيل‪ :‬من ينصرني في الدعوة إلى هللا؟ قال ‪٥٢-‬‬

‪.‬األصفياء من أتباعه‪ :‬نحن أنصار دين هللا‪ ،‬آمنا باهلل واتبعناك‪ ،‬واشهد ‪ -‬يا عيسى ‪ -‬بأنا منقادون هلل بتوحيده وطاعته‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬شرف الكتابة والخط وعلو منزلتهما‪ ،‬حيث بدأ هللا تعالى بذكرهما قبل غيرهما •‬
‫‪.‬من سنن هللا تعالى أن يؤيد رسله باآليات الدالة على صدقهم‪ ،‬مما ال يقدر عليه البشر •‬
‫جاء عيسى عليه السالم بالتخفيف على بني إسرائيل فيما ُشِّدد عليهم في بعض شرائع التوراة‪ ،‬وفي هذا داللة على وقوع •‬
‫‪.‬النسخ بين الشرائع‬
‫‪٥٦‬‬

‫۝ ِإۡذ َقاَل ٱُهَّلل َیٰـِع یَسٰۤى ﴿‬ ‫۝ َو َم َكُر و۟ا َو َم َكَر ٱُۖهَّلل َو ٱُهَّلل َخۡی ُر ٱۡل َم ٰـِك ِر یَن ‪٥٤‬‬
‫َر َّبَنۤا َء اَم َّنا ِبَم ۤا َأنَز ۡل َت َو ٱَّتَبۡع َنا ٱلَّر ُسوَل َفٱۡك ُتۡب َنا َمَع ٱلَّشٰـ ِه ِد یَن ‪٥٣‬‬
‫ِإِّنی ُم َتَو ِّفیَك َو َر اِفُعَك ِإَلَّی َو ُم َطِّه ُر َك ِم َن ٱَّلِذ یَن َكَفُر و۟ا َو َج اِعُل ٱَّلِذ یَن ٱَّتَبُعوَك َفۡو َق ٱَّلِذ یَن َكَفُر ۤو ۟ا ِإَلٰى َیۡو ِم ٱۡل ِقَیٰـ َم ِۖة ُثَّم ِإَلَّی َم ۡر ِج ُعُكۡم‬
‫ࣰد‬ ‫ࣰب‬
‫۝‬ ‫۝ َفَأَّم ا ٱَّلِذ یَن َكَفُر و۟ا َفُأَعِّذُبُه ۡم َعَذا ا َشِدی ا ِفی ٱلُّد ۡن َیا َو ٱۡل َٔـاِخ َر ِة َو َم ا َلُه م ِّم ن َّنٰـ ِص ِر یَن ‪٥٦‬‬ ‫َفَأۡح ُكُم َبۡی َنُكۡم ِفیَم ا ُكنُتۡم ِفیِه َتۡخ َتِلُفوَن ‪٥٥‬‬

‫۝ َذٰ ⁠ِلَك َنۡت ُلوُه َعَلۡی َك ِم َن ٱۡل َٔـاَیٰـِت َو ٱلِّذ ۡك ِر ٱۡل َحِك یِم‬
‫َو َأَّم ا ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا َو َعِم ُلو۟ا ٱلَّصٰـِلَحٰـِت َفُیَو ِّفیِه ۡم ُأُج وَر ُهۗۡم َو ٱُهَّلل اَل ُیِح ُّب ٱلَّظٰـِلِم یَن ‪٥٧‬‬
‫۝ َفَم ۡن‬ ‫۝ ٱۡل َحُّق ِم ن َّر ِّبَك َفاَل َتُكن ِّم َن ٱۡل ُم ۡم َتِر یَن ‪٦٠‬‬ ‫۝ ِإَّن َم َثَل ِع یَسٰى ِع نَد ٱِهَّلل َكَم َثِل َء اَد َۖم َخَلَق ۥُه ِم ن ُتَر اࣲب ُثَّم َقاَل َل ۥُه ُكن َفَیُكوُن ‪٥٩‬‬ ‫‪٥٨‬‬

‫َح ۤا َّج َك ِفیِه ِم ۢن َبۡع ِد َم ا َج ۤا َء َك ِم َن ٱۡل ِع ۡل ِم َفُقۡل َتَعاَلۡو ۟ا َنۡد ُع َأۡب َنۤا َء َنا َو َأۡب َنۤا َء ُكۡم َو ِنَسۤا َء َنا َو ِنَسۤا َء ُكۡم َو َأنُفَسَنا َو َأنُفَسُكۡم ُثَّم َنۡب َتِه ۡل َفَنۡج َعل َّلۡع َنَت‬
‫[آل عمران‪٦١-٥٣ :‬‬ ‫]ٱِهَّلل َعَلى ٱۡل َكٰـِذ ِبیَن ‪٦١‬‬
‫۝﴾‬

‫وقال الحواريون كذلك‪ :‬ربنا آمنا بما أنزلت من اإلنجيل‪ ،‬واتبعنا عيسى عليه السالم‪ ،‬فاجعلنا مع الشاهدين بالحق الذين ‪٥٣-‬‬
‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪45/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫‪.‬آمنوا بك وبرسلك‬
‫وَم َكر الكافرون من بني إسرائيل حيث سعوا في قتل عيسى عليه السالم‪ ،‬فمكر هللا بهم فتركهم في ضاللهم‪ ،‬وألقى َشَبَه ‪٥٤-‬‬
‫‪.‬عيسى عليه السالم على رجل آخر‪ ،‬وهللا خير الماكرين‪ ،‬ألنه ال أشد من مكره تعالى بأعدائه‬
‫ومكر هللا بهم ‪ -‬أيًض ا ‪ -‬حين قال مخاطًبا عيسى عليه السالم‪ :‬يا عيسى‪ ،‬إني قابضك من غير موت‪ ،‬ورافٌع بدنك ‪٥٥-‬‬
‫وروحك إلي‪ ،‬وُم نِّز هك من ِر ْج س الذين كفروا بك وُم بِع دك عنهم‪ ،‬وجاعل الذين اتبعوك على الدين الحق ‪ -‬ومنه اإليمان بمحمد ﷺ‬
‫‪ -‬فوق الذين كفروا بك إلى يوم القيامة بالبرهان والعزة‪ ،‬ثم إلَّي وحدي رجوعكم يوم القيامة‪ ،‬فأحكم بينكم بالحق فيما كنتم فيه‬
‫‪.‬تختلفون‬
‫فأما الذين كفروا بك وبالحق الذي جئتهم به فأعذبهم عذاًبا شديًدا في الدنيا بالقتل واألسر والذل وغيرها‪ ،‬وفي اآلخرة ‪٥٦-‬‬
‫‪.‬بعذاب النار‪ ،‬وما لهم من ناصرين يدفعون عنهم العذاب‬
‫وأما الذين آمنوا بك وبالحق الذي جئتهم به‪ ،‬وعملوا الصالحات من صالة وزكاة وصيام وصلة وغيرها‪ ،‬فإن هللا يعطيهم ‪٥٧-‬‬
‫ثواب أعمالهم تامة ال ُينِقُص منها شيًئا‪ ،‬وهذا الحديث عن أتباع المسيح قبل بعثة النبي محمد ﷺ الذي بَّشر به المسيُح نفُسه‪ ،‬وهللا‬
‫‪.‬ال يحب الظالمين‪ ،‬ومن أعظم الظلم الشرك باهلل تعالى وتكذيب رسله‬
‫ذلك الذي نقرؤه عليك من خبر عيسى عليه السالم من العالمات الواضحات الدالة على صحة ما ُأنزل إليك‪ ،‬وهو ِذ ْك ٌر ‪٥٨-‬‬
‫‪.‬للمتقين‪ ،‬محكم ال يأتيه الباطل‬
‫إن مثل خلق عيسى عليه السالم عند هللا كمثل خلق آدم من تراب‪ ،‬من غير أب وال أم‪ ،‬وإنما قال هللا له‪ :‬كن بشًر ا فكان ‪٥٩-‬‬
‫!كما أراد تعالى‪ ،‬فكيف يزعمون أنه إله بحجة أنه ُخ ِلق من غير أب‪ ،‬وهم يقرون بأن آدم بشر‪ ،‬مع أنه ُخ ِلق من غير أب وال أم؟‬
‫الحق الذي ال شك فيه في شأن عيسى عليه السالم هو الذي نزل عليك من ربك‪ ،‬فال تكن من الشاِّك ين الُم ترِّددين‪ ،‬بل ‪٦٠-‬‬
‫‪.‬عليك الثبات على ما أنت عليه من الحق‬
‫فمن جادلك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬من نصارى نجران في أمر عيسى زاعًم ا أنه ليس عبًدا هلل من بعد ما جاءك من العلم ‪٦١-‬‬
‫الصحيح في شأنه‪ ،‬فقل لهم‪ :‬تعالوا ُنناِد للحضور أبناءنا وأبناءكم‪ ،‬ونساءنا ونساءكم‪ ،‬وأنفسنا وأنفسكم‪ ،‬ونجتمع كلنا‪ ،‬ثم نتضرع‬

‪.‬إلى هللا بالدعاء أن ينزل لعنته على الكاذبين منا ومنكم‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬من كمال قدرته تعالى أنه يعاقب من يمكر بدينه وبأوليائه‪ ،‬فيمكر بهم كما يمكرون •‬
‫بيان المعتقد الصحيح الواجب في شأن عيسى عليه السالم‪ ،‬وبيان موافقته للعقل فهو ليس بدًعا في الخلقة‪ ،‬فآدم المخلوق من •‬
‫‪.‬غير أب وال أم أشد غرابة والجميع يؤمن ببشريته‬
‫‪.‬مشروعية الُم باهلة بين المتنازعين على الصفة التي وردت بها اآلية الكريمة •‬
‫‪٥٧‬‬

‫۝ ُقۡل ﴿‬ ‫ِإَّن َهٰـ َذا َلُهَو ٱۡل َقَصُص ٱۡل َح ُّۚق َو َم ا ِم ۡن ِإَلٰـٍه ِإاَّل ٱُۚهَّلل َو ِإَّن ٱَهَّلل َلُهَو ٱۡل َعِز یُز ٱۡل َحِك یُم ‪٦٢‬‬
‫۝ َفِإن َتَو َّلۡو ۟ا َفِإَّن ٱَهَّلل َعِلیُۢم ِبٱۡل ُم ۡف ِسِد یَن ‪٦٣‬‬
‫ࣰب‬ ‫ࣰٔـ‬
‫َیٰۤـ َأۡه َل ٱۡل ِك َتٰـ ِب َتَعاَلۡو ۟ا ِإَلٰى َكِلَم ࣲة َسَو ۤا ِۭء َبۡی َنَنا َو َبۡی َنُكۡم َأاَّل َنۡع ُبَد ِإاَّل ٱَهَّلل َو اَل ُنۡش ِر َك ِبِهۦ َشۡی ا َو اَل َیَّتِخ َذ َبۡع ُض َنا َبۡع ًضا َأۡر َبا ا ِّم ن ُدوِن ٱِۚهَّلل َفِإن‬
‫۝ َیٰۤـ َأۡه َل ٱۡل ِك َتٰـ ِب ِلَم ُتَح ۤا ُّج وَن ِفۤی ِإۡب َرٰ ⁠ِه یَم َو َم ۤا ُأنِز َلِت ٱلَّتۡو َر ٰى ُة َو ٱِإۡل نِج یُل ِإاَّل ِم ۢن َبۡع ۚۤۦ‬
‫ِدِه َأَفاَل‬ ‫َتَو َّلۡو ۟ا َفُقوُلو۟ا ٱۡش َه ُدو۟ا ِبَأَّنا ُم ۡس ِلُم وَن ‪٦٤‬‬
‫ࣱم‬
‫۝ َم ا َكاَن‬ ‫۝ َهٰۤـ َأنُتۡم َهٰۤـ ُؤ ۤاَل ِء َحٰـَج ۡج ُتۡم ِفیَم ا َلُكم ِبِهۦ ِع ۡل َفِلَم ُتَح ۤا ُّج وَن ِفیَم ا َلۡی َس َلُكم ِبِهۦ ِع ۡل ࣱۚم َو ٱُهَّلل َیۡع َلُم َو َأنُتۡم اَل َتۡع َلُم وَن ‪٦٦‬‬ ‫َتۡع ِقُلوَن ‪٦٥‬‬
‫ࣰم‬ ‫ࣰف‬ ‫ࣰّی‬ ‫ࣰّی‬
‫۝ ِإَّن َأۡو َلى ٱلَّناِس ِبِإۡب َرٰ ⁠ِه یَم َلَّلِذ یَن ٱَّتَبُعوُه َو َهٰـ َذا‬ ‫ِإۡب َرٰ ⁠ِه یُم َیُهوِد ا َو اَل َنۡص َر اِن ا َو َلٰـِك ن َكاَن َحِنی ا ُّم ۡس ِل ا َو َم ا َكاَن ِم َن ٱۡل ُم ۡش ِر ِك یَن ‪٦٧‬‬
‫ࣱة‬
‫۝‬ ‫۝ َو َّدت َّطۤا ِٕىَف ِّم ۡن َأۡه ِل ٱۡل ِك َتٰـ ِب َلۡو ُیِض ُّلوَنُكۡم َو َم ا ُیِض ُّلوَن ِإۤاَّل َأنُفَسُه ۡم َو َم ا َیۡش ُعُر وَن ‪٦٩‬‬ ‫ٱلَّنِبُّی َو ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنوۗ۟ا َو ٱُهَّلل َو ِلُّی ٱۡل ُم ۡؤ ِم ِنیَن ‪٦٨‬‬
‫۝﴾ [آل عمران‪٧٠-٦٢ :‬‬ ‫]َیٰۤـ َأۡه َل ٱۡل ِك َتٰـ ِب ِلَم َتۡك ُفُر وَن ِبَٔـاَیٰـِت ٱِهَّلل َو َأنُتۡم َتۡش َهُدوَن ‪٧٠‬‬

‫إن هذا الذي ذكرنا لك من شأن عيسى عليه السالم هو الخبر الحق الذي ال كذب فيه وال شك‪ ،‬وما من معبود بحق إال هللا ‪٦٢-‬‬
‫‪.‬وحده‪ ،‬وإن هللا لهو العزيز في ملكه‪ ،‬الحكيم في تدبيره وأمره وخلقه‬
‫‪.‬فإن أعرضوا عما جئت به‪ ،‬ولم يتبعوك‪ ،‬فذلك من فسادهم‪ ،‬وهللا عليم بالمفسدين في األرض‪ ،‬وسيجازيهم على ذلك ‪٦٣-‬‬
‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ :-‬تعالوا يا أهل الكتاب من اليهود والنصارى‪ ،‬نجتمع على كلمة عدٍل نستوي فيها جميًعا‪ :‬أن ُنْفرد هللا ‪٦٤-‬‬
‫بالعبادة فال نعبد معه أحًدا سواه مهما كانت منزلته‪ ،‬وعلت مكانته‪ ،‬وال يتخذ بعضنا بعًض ا أرباًبا ُيعبدون وُيطاعون من دون هللا‪،‬‬
‫فإن انصرفوا عن هذا الذي تدعوهم إليه من الحق والعدل فقولوا لهم ‪ -‬أيها المؤمنون ‪ :-‬اشهدوا بأنا مستسلمون هلل منقادون له‬
‫‪.‬تعالى بالطاعة‬
‫يا أهل الكتاب ِلَم تجادلون في مّلة إبراهيم عليه السالم؟ فاليهودي يزعم أن إبراهيم كان يهودًّيا‪ ،‬والنصراني يزعم أنه ‪٦٥-‬‬
‫كان نصرانًّيا‪ ،‬وأنتم تعلمون أّن اليهودية والنصرانية لم تظهر إال بعد موته بوقت طويل‪ ،‬أفال تدركون بعقولكم بطالن قولكم وخطأ‬
‫!زعمكم؟‬
‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫ُأ‬ ‫‪46/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫ها أنتم ‪ -‬يا أهل الكتاب ‪ -‬جادلتم النبي ﷺ فيما لكم به علم من أمر دينكم وما ُأنِز ل عليكم‪َ ،‬فِلم تجادلون فيما ليس لكم به ‪٦٦-‬‬
‫‪.‬علم من أمر إبراهيم ودينه‪ ،‬مما ليس في كتبكم وال جاءت به أنبياؤكم؟! وهللا يعلم حقائق األمور وبواطنها وأنتم ال تعلمون‬
‫ما كان إبراهيم عليه السالم على الملة اليهودية‪ ،‬وال على النصرانية‪ ،‬ولكن كان مائاًل عن األديان الباطلة‪ ،‬مسلًم ا هلل ‪٦٧-‬‬
‫‪.‬موحًدا له تعالى‪ ،‬وما كان من المشركين به كما يزعم مشركو العرب أنهم على ملته‬
‫إن أحق الناس باالنتساب إلى إبراهيم‪ ،‬هم الذين اتبعوا ما جاء به في زمانه‪ ،‬وأحق الناس أيًض ا بذلك هذا النبي محمد ﷺ‪٦٨- ،‬‬
‫‪.‬والذين آمنوا به من هذه األمة‪ ،‬وهللا ناصر المؤمنين به وحافظهم‬
‫يتمنى أحباٌر من أهل الكتاب من اليهود والنصارى أن يضلوكم ‪ -‬أيها المؤمنون ‪ -‬عن الحق الذي هداكم هللا له‪ ،‬وما ‪٦٩-‬‬
‫‪.‬يضلون إال أنفسهم‪ ،‬ألن سعيهم في إضالل المؤمنين يزيد في ضاللهم هم‪ ،‬وما يعلمون عاقبة أفعالهم‬
‫يا أهل الكتاب من اليهود والنصارى ِلَم تكفرون بآيات هللا التي أنزلت عليكم وما فيها من داللٍة على نبوة محمد ﷺ‪ ،‬وأنتم ‪٧٠-‬‬

!تشهدون أنه الحق الذي دلت عليه كتبكم؟‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬أن الرساالت اإللهية كلها اتفقت على كلمة عدل واحدة‪ ،‬وهي‪ :‬توحيد هللا تعالى والنهي عن الشرك •‬
‫‪.‬أهمية العلم بالتاريخ‪ ،‬ألنه قد يكون من الحجج القوية التي ُتَر ُّد بها دعوى المبطلين •‬
‫‪.‬أحق الناس بإبراهيم عليه السالم من كان على ملته وعقيدته‪ ،‬وأما مجرد دعوى االنتساب إليه مع مخالفته فال تنفع •‬
‫‪َ.‬دَّلِت اآليات على حرص كفرة أهل الكتاب على إضالل المؤمنين من هذه األمة حسًدا من عند أنفسهم •‬
‫‪٥٨‬‬
‫ࣱة‬
‫۝ َو َقاَلت َّطۤا ِٕىَف ِّم ۡن َأۡه ِل ٱۡل ِك َتٰـ ِب َء اِم ُنو۟ا ِبٱَّلِذ ۤی ُأنِز َل َعَلى﴿‬ ‫َیٰۤـ َأۡه َل ٱۡل ِك َتٰـ ِب ِلَم َتۡل ِبُسوَن ٱۡل َحَّق ِبٱۡل َبٰـِط ِل َو َتۡك ُتُم وَن ٱۡل َحَّق َو َأنُتۡم َتۡع َلُم وَن ‪٧١‬‬
‫َأ ۡؤ َأ ࣱد‬
‫۝ َو اَل ُتۡؤ ِم ُنۤو ۟ا ِإاَّل ِلَم ن َتِبَع ِدیَنُكۡم ُقۡل ِإَّن ٱۡل ُه َد ٰى ُهَدى ٱِهَّلل ن ُی َتٰۤى َح‬ ‫ٱَّلِذ یَن َء اَم ُنو۟ا َو ۡج َه ٱلَّنَه اِر َو ٱۡك ُفُر ۤو ۟ا َء اِخ َر ۥُه َلَعَّلُه ۡم َیۡر ِج ُعوَن ‪٧٢‬‬
‫ࣱم‬
‫۝ َیۡخ َتُّص ِبَر ۡح َم ِتِهۦ َم ن َیَشۤا ُۗء َو ٱُهَّلل‬ ‫ِّم ۡث َل َم ۤا ُأوِتیُتۡم َأۡو ُیَح ۤا ُّج وُكۡم ِع نَد َر ِّبُكۗۡم ُقۡل ِإَّن ٱۡل َفۡض َل ِبَیِد ٱِهَّلل ُیۡؤ ِتیِه َم ن َیَشۤا ُۗء َو ٱُهَّلل َو⁠ٰ ِسٌع َعِلی ‪٧٣‬‬

‫ِّدِه ِإَلۡی َك ِإاَّل َم ا ُدۡم َت‬ ‫۝ ۞ َو ِم ۡن َأۡه ِل ٱۡل ِك َتٰـ ِب َم ۡن ِإن َتۡأ َم ۡن ُه ِبِقنَطاࣲر ُیَؤ ۤۦ‬
‫ِّدِه ِإَلۡی َك َو ِم ۡن ُه م َّم ۡن ِإن َتۡأ َم ۡن ُه ِبِدیَناࣲر اَّل ُیَؤ ۤۦ‬ ‫ُذو ٱۡل َفۡض ِل ٱۡل َعِظ یِم ‪٧٤‬‬
‫ࣱل‬ ‫ࣰم‬
‫۝ َبَلٰۚى َم ۡن َأۡو َفٰى ِبَعۡه ِد ِهۦ َو ٱَّتَقٰى‬ ‫َعَلۡی ِه َقۤا ِٕى ۗا َذٰ ⁠ِلَك ِبَأَّنُه ۡم َقاُلو۟ا َلۡی َس َعَلۡی َنا ِفی ٱُأۡلِّم ِّیۧـ َن َسِبی َو َیُقوُلوَن َعَلى ٱِهَّلل ٱۡل َكِذ َب َو ُهۡم َیۡع َلُم وَن ‪٧٥‬‬
‫ࣰن‬
‫۝ ِإَّن ٱَّلِذ یَن َیۡش َتُر وَن ِبَعۡه ِد ٱِهَّلل َو َأۡی َم ٰـِنِه ۡم َثَم ا َقِلیاًل ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك اَل َخ َلٰـَق َلُه ۡم ِفی ٱۡل َٔـاِخ َر ِة َو اَل ُیَكِّلُم ُه ُم ٱُهَّلل َو اَل‬‫َفِإَّن ٱَهَّلل ُیِح ُّب ٱۡل ُم َّتِقیَن ‪٧٦‬‬
‫ࣱم‬
‫۝﴾ [آل عمران‪٧٧-٧١ :‬‬ ‫]َینُظُر ِإَلۡی ِه ۡم َیۡو َم ٱۡل ِقَیٰـ َم ِة َو اَل ُیَز ِّك یِه ۡم َو َلُه ۡم َعَذاٌب َأِلی ‪٧٧‬‬

‫يا أهل الكتاب لم تخلطون الحق الذي ُأنزل في كتبكم بالباطل من عندكم‪ ،‬وتخفون ما فيها من الحق والهدى‪ ،‬ومنه صحة ‪٧١-‬‬
‫!نبوة محمد ﷺ‪ ،‬وأنتم تعلمون الحق من الباطل والهدى من الضالل؟‬
‫وقالت جماعة من علماء اليهود‪ :‬آِم نوا في الظاهر بالقرآن الذي ُأنِز ل على المؤمنين أول النهار‪ ،‬واكفروا به آخره‪ ،‬لعلهم ‪٧٢-‬‬
‫‪.‬يُشُّكون في دينهم بسبب كفركم به بعد إيمانكم فيرجعون عنه قائلين‪ :‬هم أعلم منا بكتب هللا وقد رجعوا عنه‬
‫وقالوا أيًض ا‪ :‬وال تؤمنوا وتتبعوا إال لمن كان تابًعا لدينكم‪ ،‬قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ :-‬إن الهدى إلى الحق هو هدى هللا تعالى‪٧٣- ،‬‬
‫ال ما أنتم عليه من تكذيب وعناد‪ ،‬مخافة أن يؤتى أحد من الفضل مثل ما أوتيتم‪ ،‬أو مخافة أن يحاجوكم عند ربكم إن أقررتم بما‬
‫ُأنزل عليهم‪ ،‬قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ :-‬إن الفضل بيد هللا يؤتيه من يشاء من عباده‪ ،‬ال يقتصر فضله على أمة دون أمة‪ ،‬وهللا واسع‬
‫‪.‬الفضل عليم بمن يستحقه‬
‫‪.‬يختص برحمته من يشاء من خلقه‪ ،‬فيتفضل عليه بالهداية والنبوة وأنواع العطاء‪ ،‬وهللا ذو الفضل العظيم الذي ال حّد له ‪٧٤-‬‬
‫ومن أهل الكتاب َم ن إن تأمنه على مال كثير يؤِّد إليك ما ائتمنته عليه‪ ،‬ومنهم من إن َتْستأِم نه على مال قليل ال يؤِّد إليك ‪٧٥-‬‬
‫ما ائتمنته عليه إال إن ظللت ُتلُّح عليه بالمطالبة والتقاضي‪ ،‬ذلك من أجل قولهم وظنهم الفاسد‪ :‬ليس علينا في العرب وأكل أموالهم‬
‫‪.‬إثم‪ ،‬ألن هللا أباحها لنا‪ ،‬يقولون هذا الكذب وهم يعلمون افتراءهم على هللا‬
‫ليس األمر كما زعموا‪ ،‬بل عليهم حرج‪ ،‬ولكن من أوفى بعهده مع هللا من اإليمان به وبرسله‪ ،‬ووفى بعهده مع الناس ‪٧٦-‬‬
‫‪.‬فأدى األمانة‪ ،‬واتقى هللا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‪ ،‬فإن هللا يحب المتقين وسيجازيهم على ذلك أكرم الجزاء‬
‫إن الذين يستبدلون بوصية هللا إليهم باتباع ما أنزله في كتابه وأرسل به رسله‪ ،‬وبأيمانهم التي قطعوها بالوفاء بعهد هللا‪٧٧- ،‬‬
‫يستبدلون بها عوًض ا قلياًل من متاع الدنيا‪ ،‬ال نصيب لهم من ثواب اآلخرة‪ ،‬وال يكلمهم هللا بما يسرهم‪ ،‬وال ينظر إليهم نظر رحمة‬

‪.‬يوم القيامة‪ ،‬ولهم عذاب أليم‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬من علماء أهل الكتاب من يخدع أتباع ملتهم‪ ،‬وال يبين لهم الحق الذي دلت عليه كتبهم‪ ،‬وجاءت به رسلهم •‬
‫‪.‬من وسائل الكفار الدخول في الدين والتشكيك فيه من الداخل •‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪47/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫‪.‬هللا تعالى هو الوهاب المتفضل‪ ،‬يعطي من يشاء بفضله‪ ،‬ويمنع من يشاء بعدله وحكمته‪ ،‬وال ينال فضله إال بطاعته •‬
‫‪.‬كل ِع َو ٍض في الدنيا عن اإليمان باهلل والوفاء بعهده ‪ -‬وإن كان عظيًم ا ‪ -‬فهو قليل حقير أمام ثواب اآلخرة ومنازلها •‬
‫‪٥٩‬‬

‫ࣰق‬
‫َو ِإَّن ِم ۡن ُه ۡم َلَفِر ی ا َیۡل ُوۥَن َأۡل ِس َنَتُه م ِبٱۡل ِك َتٰـ ِب ِلَتۡح َسُبوُه ِم َن ٱۡل ِك َتٰـ ِب َو َم ا ُهَو ِم َن ٱۡل ِك َتٰـ ِب َو َیُقوُلوَن ُهَو ِم ۡن ِعنِد ٱِهَّلل َو َم ا ُهَو ِم ۡن ِعنِد ٱِهَّلل﴿‬
‫ࣰد‬
‫۝ َم ا َكاَن ِلَبَشٍر َأن ُیۡؤ ِتَیُه ٱُهَّلل ٱۡل ِك َتٰـ َب َو ٱۡل ُح ۡك َم َو ٱلُّنُبَّو َة ُثَّم َیُقوَل ِللَّناِس ُكوُنو۟ا ِعَبا ا ِّلی ِم ن‬
‫َو َیُقوُلوَن َعَلى ٱِهَّلل ٱۡل َكِذ َب َو ُهۡم َیۡع َلُم وَن ‪٧٨‬‬
‫۝ َو اَل َیۡأ ُمَر ُكۡم َأن َتَّتِخ ُذو۟ا ٱۡل َم َلٰۤـ ِٕىَكَة َو ٱلَّنِبِّیۧـ َن َأۡر َباًبۗا‬
‫ُدوِن ٱِهَّلل َو َلٰـِك ن ُكوُنو۟ا َر َّبٰـ ِنِّیۧـ َن ِبَم ا ُكنُتۡم ُتَعِّلُم وَن ٱۡل ِك َتٰـ َب َو ِبَم ا ُكنُتۡم َتۡد ُر ُسوَن ‪٧٩‬‬
‫ࣱق‬ ‫ࣱل‬
‫۝ َو ِإۡذ َأَخ َذ ٱُهَّلل ِم یَثٰـَق ٱلَّنِبِّیۧـ َن َلَم ۤا َء اَتۡی ُتُكم ِّم ن ِك َتٰـࣲب َو ِح ۡك َم ࣲة ُثَّم َج ۤا َء ُكۡم َر ُسو ُّم َصِّد ِّلَم ا‬ ‫َأَیۡأ ُمُر ُكم ِبٱۡل ُكۡف ِر َبۡع َد ِإۡذ َأنُتم ُّم ۡس ِلُم وَن ‪٨٠‬‬
‫َمَعُكۡم َلُتۡؤ ِم ُنَّن ِبِهۦ َو َلَتنُص ُر َّن ۚۥُه َقاَل َء َأۡق َر ۡر ُتۡم َو َأَخ ۡذ ُتۡم َعَلٰى َذٰ ⁠ِلُكۡم ِإۡص ِر ۖی َقاُلۤو ۟ا َأۡق َر ۡر َنۚا َقاَل َفٱۡش َه ُدو۟ا َو َأَن۠ا َمَعُكم ِّم َن ٱلَّشٰـ ِه ِد یَن ‪٨١‬‬
‫۝ َفَم ن‬
‫ࣰه‬ ‫ࣰع‬
‫۝ َأَفَغۡی َر ِدیِن ٱِهَّلل َیۡب ُغوَن َو َل ۤۥُه َأۡس َلَم َم ن ِفی ٱلَّسَم ٰـ َوٰ ⁠ِت َو ٱَأۡلۡر ِض َطۡو ا َو َكۡر ا َو ِإَلۡی ِه ُیۡر َجُعوَن‬ ‫َتَو َّلٰى َبۡع َد َذٰ ⁠ِلَك َفُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك ُهُم ٱۡل َفٰـِس ُقوَن ‪٨٢‬‬
‫[آل عمران‪٨٣-٧٨ :‬‬ ‫۝﴾‬
‫] ‪٨٣‬‬

‫وإن من اليهود لطائفة َيْح ِر فون ألسنتهم بذكر ما ليس من التوراة المنزلة من عند هللا‪ ،‬لتظنوا أنهم يقرؤون التوراة‪ ،‬وما ‪٧٨-‬‬
‫هو من التوراة‪ ،‬بل هو من كذبهم وافترائهم على هللا‪ ،‬ويقولون‪ :‬ما نقرؤه منزل من عند هللا‪ ،‬وليس هو من عند هللا‪ ،‬ويقولون على‬
‫‪.‬هللا الكذب وهم يعلمون كذبهم على هللا ورسله‬
‫ما كان ينبغي لبشر أن يؤتيه هللا كتاًبا منزاًل من عنده‪ ،‬ويرزقه العلم والفهم‪ ،‬ويختاره نبًّيا‪ ،‬ثم يقول للناس‪ :‬كونوا عباًدا ‪٧٩-‬‬
‫لي من دون هللا‪ ،‬ولكن يقول لهم‪ :‬كونوا علماء عاملين مربين للناس مصلحين ألمورهم بسبب تعليمكم الكتاب المنزل للناس‪ ،‬وبما‬
‫‪.‬كنتم تدرسونه منه حفًظا وفهًم ا‬
‫وال ينبغي له ‪ -‬كذلك ‪ -‬أن يأمركم أن تتخذوا المالئكة والنبيين أرباًبا تعبدونهم من دون هللا‪ ،‬أيجوز منه أن يأمركم بالكفر ‪٨٠-‬‬
‫!باهلل بعد انقيادكم إليه واستسالمكم له؟‬
‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬حين أخذ هللا العهد المؤكد على النبيين قائاًل لهم‪ :‬مهما أعطيتكم من كتاب أنزله عليكم‪ ،‬وحكمة ‪٨١-‬‬
‫أعلمكم إياها‪ ،‬وبلغ أحدكم ما بلغ من المكانة والمنزلة‪ ،‬ثم جاءكم رسول من عندي ‪ -‬وهو محمد ﷺ ‪ -‬مصدق لما معكم من الكتاب‬
‫والحكمة‪ ،‬لتؤمنن بما جاء به‪ ،‬ولتنصرنه متبعين له‪ ،‬فهل أقررتم ‪ -‬أيها األنبياء ‪ -‬بذلك‪ ،‬وأخذتم على ذلك عهدي الشديد؟ فأجابوا‬
‫‪.‬قائلين‪ :‬أقررنا به‪ ،‬قال هللا‪ :‬اشهدوا على أنفسكم وعلى أممكم‪ ،‬وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعليهم‬
‫‪.‬فمن أعرض بعد هذا العهد المؤكد بالشهادة من هللا ورسله‪ ،‬فأولئك هم الخارجون عن دين هللا وطاعته ‪٨٢-‬‬
‫أفغير دين هللا الذي اختار لعباده ‪ -‬وهو اإلسالم ‪َ -‬يْطُلُب هؤالء الخارجون عن دين هللا وطاعته؟! وله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬انقاد ‪٨٣-‬‬
‫واستسلم كل من في السماوات واألرض من الخالئق‪ ،‬طوًعا له كحال المؤمنين‪ ،‬وَكْر ًها كحال الكافرين‪ ،‬ثم إليه تعالى يرجع‬

‪.‬الخالئق كلهم يوم القيامة للحساب والجزاء‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬ضالل علماء اليهود ومكرهم في تحريفهم كالم هللا‪ ،‬وكذبهم على الناس بنسبة تحريفهم إليه تعالى •‬
‫‪.‬كل من يدعي أنه على دين نبي من أنبياء هللا إذا لم يؤمن بمحمد عليه الصالة والسالم فهو ناقض لعهده مع هللا تعالى •‬
‫‪.‬أعظم الناس منزلًة العلماُء الربانيون الذين يجمعون بين العلم والعمل‪ ،‬ويرُّبون الناس على ذلك •‬
‫‪.‬أعظم الضالل اإلعراض عن دين هللا تعالى الذي استسلم له سبحانه الخالئق كلهم َبُّر هم وفاجرهم •‬
‫‪٦٠‬‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪48/49‬‬
‫‪03/06/2022, 22:26‬‬ ‫التفسير التفاعلي‬

‫ُقۡل َء اَم َّنا ِبٱِهَّلل َو َم ۤا ُأنِز َل َعَلۡی َنا َو َم ۤا ُأنِز َل َعَلٰۤى ِإۡب َرٰ ⁠ِه یَم َو ِإۡس َم ٰـِعیَل َو ِإۡس َحٰـَق َو َیۡع ُقوَب َو ٱَأۡلۡس َباِط َو َم ۤا ُأوِتَی ُم وَسٰى َو ِع یَسٰى َو ٱلَّنِبُّیوَن ﴿‬
‫ࣰن‬
‫۝ َو َم ن َیۡب َتِغ َغۡی َر ٱِإۡل ۡس َلٰـ ِم ِدی ا َفَلن ُیۡق َبَل ِم ۡن ُه َو ُهَو ِفی ٱۡل َٔـاِخ َر ِة ِم َن ٱۡل َخ ٰـِس ِر یَن‬
‫ِم ن َّر ِّبِه ۡم اَل ُنَفِّر ُق َبۡی َن َأَح ࣲد ِّم ۡن ُه ۡم َو َنۡح ُن َل ۥُه ُم ۡس ِلُم وَن ‪٨٤‬‬
‫ࣱّق‬ ‫ࣰم‬
‫۝ َكۡی َف َیۡه ِدی ٱُهَّلل َقۡو ا َكَفُر و۟ا َبۡع َد ِإیَم ٰـِنِه ۡم َو َشِه ُدۤو ۟ا َأَّن ٱلَّر ُسوَل َح َو َج ۤا َء ُهُم ٱۡل َبِّیَنٰـ ُۚت َو ٱُهَّلل اَل َیۡه ِدی ٱۡل َقۡو َم ٱلَّظٰـِلِم یَن ‪٨٦‬‬
‫۝ ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك‬ ‫‪٨٥‬‬
‫۝ ِإاَّل ٱَّلِذ یَن‬ ‫۝ َخ ٰـِلِد یَن ِفیَه ا اَل ُیَخَّفُف َعۡن ُه ُم ٱۡل َعَذاُب َو اَل ُهۡم ُینَظُر وَن ‪٨٨‬‬ ‫َج َز ۤا ُؤُهۡم َأَّن َعَلۡی ِه ۡم َلۡع َنَة ٱِهَّلل َو ٱۡل َم َلٰۤـ ِٕىَكِة َو ٱلَّناِس َأۡج َم ِع یَن ‪٨٧‬‬
‫ࣰر‬ ‫ࣱر‬
‫۝ ِإَّن ٱَّلِذ یَن َكَفُر و۟ا َبۡع َد ِإیَم ٰـِنِه ۡم ُثَّم ٱۡز َداُدو۟ا ُكۡف ا َّلن ُتۡق َبَل َتۡو َبُتُه ۡم َو ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك ُهُم‬
‫َتاُبو۟ا ِم ۢن َبۡع ِد َذٰ ⁠ِلَك َو َأۡص َلُح و۟ا َفِإَّن ٱَهَّلل َغُفو َّر ِح یٌم ‪٨٩‬‬
‫ࣱم‬ ‫ࣰب‬ ‫ࣱر‬
‫۝ ِإَّن ٱَّلِذ یَن َكَفُر و۟ا َو َم اُتو۟ا َو ُهۡم ُكَّفا َفَلن ُیۡق َبَل ِم ۡن َأَحِدِه م ِّم ۡل ُء ٱَأۡلۡر ِض َذَه ا َو َلِو ٱۡف َتَد ٰى ِب ۗۤۦِه ُأ۟و َلٰۤـ ِٕىَك َلُه ۡم َعَذاٌب َأِلی َو َم ا‬ ‫ٱلَّض ۤا ُّلوَن ‪٩٠‬‬
‫[آل عمران‪٩١-٨٤ :‬‬ ‫]َلُه م ِّم ن َّنٰـ ِص ِر یَن ‪٩١‬‬
‫۝﴾‬

‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ :-‬آمنا باهلل إلًه ا‪ ،‬وأطعناه فيما أمرنا به‪ ،‬وآمنا بالوحي الذي أنزله علينا‪ ،‬وبما أنزله على إبراهيم ‪٨٤-‬‬
‫وإسماعيل وإسحاق ويعقوب‪ ،‬وبما أنزله على األنبياء من ولد يعقوب‪ ،‬وبما ُأوتي موسى وعيسى والنبيون جميًعا من الكتب‬
‫‪.‬واآليات من ربهم‪ ،‬ال نفرق بينهم فنؤمن ببعض ونكفر ببعض‪ ،‬ونحن منقادون هلل وحده مستسلمون له تعالى‬
‫ومن يطلب ديًنا غير الدين الذي ارتضاه هللا وهو دين اإلسالم‪ ،‬فلن يقبل هللا ذلك منه‪ ،‬وهو في اآلخرة من الخاسرين ‪٨٥-‬‬
‫‪.‬ألنفسهم بدخولهم النار‬
‫كيف يوفق هللا لإليمان به وبرسوله قوًم ا كفروا بعد إيمانهم باهلل وشهادتهم أن ما جاء به الرسول محمد ﷺ حق‪ ،‬وجاءتهم ‪٨٦-‬‬
‫‪.‬البراهين الواضحة على صحة ذلك؟! وهللا ال يوفق لإليمان به القوم الظالمين الذين اختاروا الضالل بداًل عن الهدى‬
‫إّن جزاء أولئك الظالمين الذين اختاروا الباطل أّن عليهم لعنة هللا والمالئكة والناس أجمعين‪ ،‬فهم ُم بَعُدون عن رحمة هللا ‪٨٧-‬‬
‫‪.‬مطرودون‬
‫‪.‬خالدين في النار ال يخرجون منها‪ ،‬وال ُيَخفف عنهم عذابها‪ ،‬وال هم ُيؤّخ رون ليتوبوا ويعتذروا ‪٨٨-‬‬
‫‪.‬إال الذين رجعوا إلى هللا بعد كفرهم وظلمهم‪ ،‬وأصلحوا عملهم‪ ،‬فإن هللا غفور لمن تاب من عباده رحيم بهم ‪٨٩-‬‬
‫إن الذين كفروا بعد إيمانهم‪ ،‬واستمروا على كفرهم حتى ماتوا‪ ،‬لن تقبل منهم التوبة عند حضور الموت لذهاب وقتها‪٩٠- ،‬‬
‫‪.‬وأولئك هم الضالون عن الصراط المستقيم الموصل إلى هللا تعالى‬
‫إن الذين كفروا وماتوا على كفرهم‪ ،‬فلن ُيْقبل من أحدهم وزن األرض ذهًبا ولو قّدمه مقابل انفكاكه من النار‪ ،‬أولئك ‪٩١-‬‬

‪.‬الذين لهم عذاب أليم‪ ،‬وما لهم من ناصرين يوم القيامة يدفعون عنهم العذاب‬
‫‪:‬من فوائد اآليات *‬
‫‪.‬يجب اإليمان بجميع األنبياء الذين أرسلهم هللا تعالى‪ ،‬وجميع ما أنزل عليهم من الكتب‪ ،‬دون تفريق بينهم •‬
‫‪.‬ال يقبل هللا تعالى من أحد ديًنا أًّيا كان بعد بعثة النبي محمد ﷺ إال اإلسالم الذي جاء به •‬
‫‪َ.‬م ن أصر على الضالل‪ ،‬واستمر عليه‪ ،‬فقد يعاقبه هللا بعدم توفيقه إلى التوبة والهداية •‬
‫‪.‬باب التوبة مفتوح للعبد ما لم يحضره الموت‪ ،‬أو تشرق الشمس من مغربها‪ ،‬فعندئذ ال ُتْقبل منه التوبة •‬
‫‪.‬ال ينجي المرء يوم القيامة من عذاب النار إال عمله الصالح‪ ،‬وأما المال فلو كان ملء األرض لم ينفعه شيًئا •‬

‫‪https://read.tafsir.one/almukhtasar#pg_25‬‬ ‫‪49/49‬‬

You might also like