Professional Documents
Culture Documents
رحيل بلا وداع نهائية 2
رحيل بلا وداع نهائية 2
رﺣﻴﻞ ﺑﻼ ﻭداع
1
2
ﳛﻀﻴﻪ ﺑﻮﻫﺪا
رﺣﻴﻞ ﺑﻼ ﻭداع
رﻭاﻳﺔ
3
رﺣﻴﻞ ﺑﻼ ﻭداع
ﳛﻀﻴﻪ ﺑﻮﻫﺪﺍ
ﺗﺼﻔﻴﻒ وإﺧﺮاج
ت واﻟﻨﺸﺮ واﻻﺗﺼﺎل،
ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺁﻓﺎق ﻟﻠﺪراﺳﺎت
483/4اﻟﻮﺣﺪة اﻟﺮاﺑﻌﺔ ،اﻟﺪﺪاودﻳﺎت -ﻣﺮاآﺶ -اﻟﻤﻐﺮﺮب
Tél/Fax: +
+212 5 24 30 73 59
affaqedit@gmail.com
ب أهﻞ اﻋﻠﻲ
ﻟﻮﺣﺔ اﻟﻐﻼف :ﺑﻮﺳﺤﺎب
اﻟﻤﻄﺒﻌﺔ :ﻣﻄﺒﻌﺔ ووراﻗﺔ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ
،132ﻣﺤﺞ ﻣﻜﺔ – اﻟﻌﻴﻮن
+ 212 5 28 89 41 32
4
: ﺇﻫـــﺪﺍﺀ
5
6
- 1 اﻟﻔﺮﻳﻚ :ﲡﻤﻊ ﺧﻴﺎﻡ ﰲ ﻭﺣﺪات اﺟﺘﲈﻋﻴﺔ.
7
اﻟﺴﲈء ,ﻳﺘﻔﺮس ﰲ ﺷﺴﺎﻋﺔ اﻟﻜﻮﻥ ﻛﻠﲈ ﺗﻜﺎﺛﻔﺖ اﻟﻈﻠﲈت ﻭﻋﻢ
اﻟﺴﻜﻮﻥ اﻟﻠﻴﻞ ,ﺳﻜﻮﻥ ﻻ ﻳﻜﺪرﻩ ﺳﻮ اﺟﱰار ﲨﻠﻪ ﳌﺎ اﻟﺘﻘﻄﻪ ﰲ
ﻣﺮاﻋﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺧﻼﻝ ﻣﺴﲑﻩ اﻟﻄﻮﻳﻞ .ﺗﺘﻐﲑ اﻟﺘﻀﺎرﻳﺲ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ
إﱃ أﺧﺮ ,إذ ﻟﻴﺲ ﺛﻤﺔ ﻣﻜﺎﻥ آﺧﺮﻳﻤﻜﻦ أﻥ ﻳﺘﻨﻘﻞ ﻓﻴﻪ اﻹﻧﺴﺎﻥ
ﲠﺪﻭء ﻭﺳﻬﻮﻟﺔ ,ﻭﻫﻮ ﻳﺘﻨﻔﺲ اﳊﺮﻳﺔ ﻏﲑ اﻟﺼﺤﺮاء ,ﻓﻬﻲ ﻣﻐﺮﻳﺔ
ﺣﻘﺎ ﺑﺎﻟﺘﺠﻮاﻝ ﻓﻴﻬﺎ ,ﺣﲔ ﻭﺻﻞ ﻗﻠﺐ ﺗﲑس ﰲ ﻳﻮﻡ ﻻ ﺗﻜﺪرﻩ
رﻳﺎح ,ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮؤﻳﺎ ﻭاﺿﺤﺔ ,ﺳﻤﺤﺖ ﻟﻪ ﺑﻤﺸﺎﻫﺪة ﻫﺬا اﳌﻨﻈﺮ
اﻟﺴﻮرﻳﺎﱄ ﻟﺘﻼﺣﻢ رؤﻭس اﳉﺒﺎﻝ اﳌﺘﺒﺎﻋﺪة ﰲ ﺧﻼء ﳑﺘﺪ ,ﻛﻞ ﺟﺒﻞ
ﻓﻴﻪ ﳛﻜﻲ أﺳﻄﻮرة ﻣﻠﺤﻤﻴﺔ دﻭﳖﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ذات ﻳﻮﻡ .ﺑﲔ ﻫﺬﻩ
اﳉﺒﺎﻝ أرض ﺷﺎﺳﻌﺔ ﻳﺰﻳﻨﻬﺎ اﻟﴪاب أﻳﻨﲈ ﲤﻌﻦ ,ﰲ اﻷرض ﲢﺖ
ﻗﺪﻣﻴﻪ أﻭﻋﲆ ﻣﺪ اﻟﺒﴫ ﻭاﻟﺸﻤﺲ ﺗﺮﻛﺰ أﺷﻌﺘﻬﺎ ,ﺟﺪ ﰲ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ
ﺣﺠﺮة ﻛﺠﻴﻢ اﳌﻮﻋﻮدة.
ﻃﺎﻝ ﺑﻪ اﻟﺒﺤﺚ ﻷﻳﺎﻡ ﻭأﺳﺎﺑﻴﻊ .ﻛﻠﲈ أﴍﻕ ﻋﻠﻴﻪ ﺻﺒﺎح ﹶﻣ ﱠﻦ
اﻟﻨﻔﺲ ﺑﺈﳚﺎد ﻣﺒﺘﻐﺎﻩ ,ﻭﰲ اﻟﻠﻴﻞ ﻛﺎﻥ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﲆ ﺿﻮء اﻟﻘﻤﺮ ,ﻭﻛﻠﲈ
ﺻﺎدﻑ أﺣﺠﺎرا ﺻﻐﲑة ﻏﺮﻳﺒﺔ اﻟﺸﻜﻞ ﺗﻠﻤﻊ اﻟﺘﻘﻄﻬﺎ ,ﻭﻋﻨﺪ ﻛﻞ
ﺟﻠﺴﺔ ﺷﺎﻱ ﻭﺣﻴﺪا ﳜﺮج ﻣﺎ ﳌﻠﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﻳﻘﻠﺒﻬﺎ ﺑﲔ ﻳﺪﻳﻪ ﺗﺎرة ﻭﻳﺮﻣﻴﻬﺎ
ﰲ اﳍﻮاء ﻟﺘﺴﻘﻂ ﰲ ﻳﺪﻩ ﺗﺎرة أﺧﺮ ,ﻭﻛﺄﳖﺎ ﻟﻌﺒﺔ ﻃﻔﻞ ,ﳛﺎﻭﻝ
ﺟﺎﻫﺪا أﻥ ﻳﻜﴪ ﻭﺣﺪﺗﻪ ﺑﺤﺪﻳﺚ ﻣﻊ ﲨﻠﻪ "ﺳﻮﻑ ﻧﺠﺪﻫﺎ"
ﳜﺎﻃﺒﻪ ﻣﺮ اﻟﻮﻗﺖ ﻃﻮﻳﻼ ﻭﱂ ﳚﺪ ﺷﻴﺌﺎ.
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﺪأ اﻟﻴﺄس ﻳﺘﺴﻠﻞ إﱃ ﻧﻔﺲ ﺧﻠﻴﻞ ,ﺑﻌﺪ أﻳﺎﻡ ﻭﻟﻴﺎﻝ
ﻃﻮاﻝ أﻣﻀﺎﻫﺎ ﰲ اﻟﺒﺤﺚ دﻭﻥ ﺟﺪﻭ ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ إﺑﺮة
8
ﺻﻐﲑة ﰲ ﻛﻮﻣﺔ ﻗﺶ ﻗﺮر اﻟﻌﻮدة أﺧﲑا ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺳﻠﻢ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﻭاﻗﺘﻨﻊ
ﺑﻌﺪﻡ ﺟﺪﻭ ﺑﺤﺜﻪ ﻭﻛﻔﺎﻩ ﴍﻑ اﳌﺤﺎﻭﻟﺔ .أﺛﻨﺎء اﻟﻠﻴﻞ ﺗﻘﻠﺐ ﻃﻮﻳﻼ
ﰲ ﻣﻨﺎﻣﻪ ﻭﺳﻴﻞ ﻣﻦ اﻻﺳﺌﻠﺔ ﻳﺮاﻭدﻩ "ﻣﺎذا ﺳﺄﻗﻮﻝ ﻟﻠﻐﺎﻟﻴﺔ?
ﻭﻛﻴﻒ ﺳﺄﻭاﺟﻬﻬﺎ?" "ﻫﻞ ﺳﺘﺘﻘﺒﻞ اﻷﻣﺮ?"" ,ﻛﻴﻒ
ﺳﺘﻘﺘﻨﻊ ﺑﺬﻟﻚ ?" ﻭﻫﻠﻢ ﺟﺮا..
ﰲ أﺻﻴﻞ اﻟﻴﻮﻡ اﻟﺘﺎﱄ ,ﺗﻔﻘﺪ اﳉﻤﻞ اﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻣﻘﻴﺪا ﻗﻴﺪا
ﺧﻔﻴﻔﺎ ﺑﺠﻮارﻩ ﻓﻠﻢ ﳚﺪﻩ ,ﺗﻔﻄﻦ أﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﻋﻰ ﻋﲆ ﺿﻮء اﻟﻘﻤﺮ,
ﺗﺘﺒﻊ أﺛﺮﻩ ,ﻭﺑﻌﺪ ﻣﺴﲑ ﻭﺟﺪ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﰲ اﻗﺘﻔﺎء اﻷﺛﺮ ,ﻓﻘﺪ ﺣﺪث ﻣﺎﱂ
ﻳﻜﻦ ﻣﺘﻮﻗﻌﺎ ﻋﺎﺻﻔﺔ رﻣﻠﻴﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﻻ ﻳﻜﺎد اﳌﺮء ﻳﺮ أﺻﺒﻌﻪ ﺧﻼﳍﺎ.
ﺑﻔﻌﻞ اﻟﺮﻳﺎح ﱂ ﻳﻌﺮﻑ ﺧﻠﻴﻞ ﺑﻌﺪﻫﺎ أﻥ ﳛﺪد اﲡﺎﻩ اﻟﻘﺒﻠﺔ ﻭﻻ
اﻻﲡﺎﻫﺎت اﻷﺧﺮ ,ﻭﻻ ﻛﻴﻒ اﻟﺴﺒﻴﻞ إﱃ اﻟﺮﺟﻮع اﱃ ﻣﻜﺎﻥ
ﺻﺒﺎﺣﻪ ﺣﻴﺚ اﳌﺆﻭﻧﺔ ﻭﻗﺮﺑﺔ اﳌﺎء ,ﻭﺑﺪا ﻛﺄﻧﻪ ﺑﲔ ﺑﺮزﺧﲔ ﻭاﻟﻌﺎﺻﻔﺔ
ﺗﺸﺘﺪ ,ﻭاﻛﻔﻬﺮ ﻭﺟﻪ اﻟﺴﲈء .ﻛﺎﻥ ﻛﻠﲈ ﺗﻘﺪﻡ اﺑﺘﻌﺪ ﻋﻦ ﻗﺮﺑﺔ اﳌﺎء,
ﻭﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻭﺟﻮد اﳉﻤﻞ ,ﻣﺮ اﻟﻮﻗﺖ ﻳﺰﺣﻒ ﺑﻄﻴﺌﺎ ,ﻭﺑﻌﺪ ﺣﲔ
ﺗﻘﻠﺒﺖ اﻷﺟﻮاء ﻓﺒﻌﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺬر ﺑﺒﻮادر ﻣﻄﺮ ﻭﻏﲈﻡ ﻳﻐﻄﻲ ﻋﺮﻱ
اﻟﺼﺤﺮاء اﻷﺑﺪﻱ أﻃﻠﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﺑﺄﺷﻌﺘﻬﺎ اﳊﺎرﻗﺔ ﻟﺘﻘﻮﻝ أﻧﺎ ﻫﻨﺎ
ﺳﻴﺪة اﻟﺼﺤﺮاء ﺑﻼ ﻣﻨﺎزع.
ﺷﻌﺮ ﺧﻠﻴﻞ ﺑﺎﻟﻀﻴﺎع ,ﻓﺎﻟﺮﻳﺎح أﺗﺖ ﻋﲆ ﻛﻞ أﺛﺮ ,ﻭﱂ ﻳﻌﺪ
ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ ﲢﺪﻳﺪ ﻣﻌﺎﱂ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﰲ أرض ﻣﻨﺒﺴﻄﺔ ﻭﺟﻐﺮاﻓﻴﺎ ﻣﺘﺸﺎﲠﺔ,
9
ﻳﺘﺴﺎءﻝ أﻱ اﻹﲡﺎﻫﲔ أﻗﺮب ,ﻭﻣﻊ ﻣﺮﻭر اﻟﻮﻗﺖ أﺣﺲ ﺑﺎﻟﻌﻄﺶ
ﻓﺘﺬﻛﺮ اﳌﺎء ,أدرﻙ أﻧﻪ ﰲ ﺧﻼء ﻣﻘﻄﻮع ﺑﻼ ﻗﻄﺮة ﻣﺎء.
ﺟﻠﺲ اﻟﻘﺮﻓﺼﺎء ﻳﻔﻜﺮ أﻳﻦ ﻳﺘﺠﻪ .ﺑﺪﻭﻥ ﻣﺎء ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺴﲑ
ﰲ اﻟﺼﺤﺮاء اﻟﺒﺘﺔ .ﻋﻘﺪ اﻟﻌﺰﻡ أﻥ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻗﺮﺑﺔ اﳌﺎء ﻭﻳﻀﺤﻲ
ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﳉﻤﻞ ,ﻭﲤﻨﻰ ﺻﺎدﻗﺎ أﻥ ﳚﺪﳘﺎ ﻣﻌﺎ اﻟﻴﻮﻡ ﻗﺎﺋﻆ,
ﻭزادﺗﻪ رﻳﺎح اﻟﴩﻛﻲ ﺳﺨﻮﻧﺔ ﻭﺟﻔﺎﻓﺎ .أﺛﻨﺎء ﻣﺴﲑﻩ ,ﻻ ﻳﺪرﻱ إﱃ
أﻳﻦ ,ﺻﺎدﻑ ﻭادﻳﺎ ﻓﻴﻪ ﺷﺠﺮ اﻟﻄﻠﺢ ﻓﺎﺳﺘﻈﻞ ﺑﻈﻞ ﻭاﺣﺪة ﺣﺘﻰ
ﻳﺘﻘﻲ ﴍ اﳊﺮارة اﳌﻔﺮﻃﺔ ﻭاﻟﺮﻳﺎح اﻟﺴﺎﺧﻨﺔ .اﻟﺘﺤﻒ ﻟﺜﺎﻣﻪ ﻭﺣﺎﻭﻝ
أﺧﺬ ﻗﺴﻂ ﻣﻦ اﻟﻨﻮﻡ اﻟﺬﻱ ﱂ ﻳﻌﺮﻑ إﻟﻴﻪ ﺳﺒﻴﻼ.
ﻣﺮاﻟﻮﻗﺖ ﻳﺰﺣﻒ ﺑﻄﻴﺌﺎ ,ﺧﻠﻊ ﻋﻨﻪ اﻟﻠﺜﺎﻡ ,ﻭاﲡﻪ ﺷﲈﻻ,
ﻓﺎﺳﺘﻘﺒﻞ اﻟﺮﻳﺎح ﺑﺼﺪرﻩ اﻟﻌﺎرﻱ ﺷﻮﻗﺎ إﱃ رﺷﻔﺔ ﺑﺎردة ﻭﻛﺄﻧﻪ ﳛﻠﻢ,
ﻻﺗﺰاﻝ اﻟﺸﻤﺲ ﰲ ﻛﺒﺪ اﻟﺴﲈء .ﻗﻄﻊ اﻟﻮادﻱ ,ﻭإذا ﺑﻪ ﰲ ﻣﻨﺤﺪر ﱂ
ﻳﻌﺪ ﻫﻨﺎﻙ ﻇﻞ ,اﻧﺤﻨﻰ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ اﺗﻘﺎء ﴍ أﺷﻌﺔ ﻻﻫﺒﺔ .ﻣﺮ اﻟﻴﻮﻡ
ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ,ﻭﻋﻨﺪ ﳖﺎﻳﺔ اﻟﻴﻮﻡ اﻟﺜﺎﲏ اﻣﺘﺪ ﻇﻠﻪ أﻣﺎﻣﻪ .ﳌﺎ ﻣﺎﻟﺖ اﻟﺸﻤﺲ
إﱃ اﳌﻐﻴﺐ رأ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ ﺻﻮرﺗﻪ اﳌﺘﻬﺎﻟﻜﺔ اﻟﺘﻲ ﲤﻴﻞ ﻭﺗﺘﺤﺮﻙ
ﺑﺒﻂء ﺑﻌﺪ ﻣﺎ أﻋﻴﺎﻩ اﳌﺴﲑ ,ﺣﺎﻭﻝ أﻥ ﻳﺰﺣﻒ أﻥ ﻳﻨﻬﺾ ﻳﺮﻭﻡ
ﻣﻜﺎﻓﺤﺔ اﻟﻔﺸﻞ ,ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻪ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﺑﺮﻙ ﻣﺎء ﻣﻦ اﻟﴪاب ,ﻭﻣﻦ أﻣﺎﻣﻪ
اﻟﻈﻼﻡ اﳌﻜﻠﻞ ﺑﺎﻟﻀﺒﺎب ,ﻭرﻏﻢ إﻣﻌﺎﻧﻪ اﻟﻨﻈﺮﻻﺧﱰاﻕ ﻫﺬﻩ اﳌﺴﺎﻓﺔ
اﻟﻀﺒﺎﺑﻴﺔ إﻻ أﻧﻪ ﱂ ﻳﺘﺒﲔ ﺷﻴﺌﺎ .ﻭﰲ ﳊﻈﺔ ﳌﺢ ﺷﻴﺌﺎ ﺿﺎرﺑﺎ إﱃ اﻟﻠﻮﻥ
اﻟﺮﻣﺎدﻱ ,ﻭﺧﻴﻞ إﻟﻴﻪ أﻧﻪ ﳌﺢ ﺷﻴﺌﺎ ﻳﻤﻴﻞ اﱃ اﻟﺴﻮاد ﺛﻢ ﺷﻴﺌﺎ أﺷﺒﻪ
ﺑﻮﻣﻴﺾ ﻧﺎر ,ﻫﻨﺎﻙ ﺣﻴﺚ ﻻﺑﺪ أﻥ ﻳﻮﺟﺪ ﺑﴩ ,ﺛﻢ ﺧﻴﻞ إﻟﻴﻪ أﻥ
10
اﻟﻮﻣﻴﺾ ﺻﺎدرﻣﻦ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻓﺤﺴﺐ ,ﻭراﺣﺖ ﻣﻘﻠﺘﺎﻩ ﺗﻮاﺻﻼﻥ
اﻟﺘﻐﻤﻴﺾ ﺛﻢ ﻃﻐﺖ أﻣﺎﻣﻪ ﺻﻮرة ﻗﺪح ﻣﺎء ﺑﺎرد ,ﱂ ﻳﺬﻕ ﻓﻤﻪ ﻗﻄﺮة
ﻣﺎء ﻣﻨﺬ ﻣﺪة ,اﻟﻌﻄﺶ ﻣﻮت ﺑﻄﺊ ﻳﻄﻮﻝ ﻭﻳﺸﺘﺪ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﲑ اﳌﺮء
ﻣﻨﻬﻚ اﻟﻘﻮ ﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﲆ اﳊﺮﻛﺔ .ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﳚﻒ ﺣﻠﻖ اﻹﻧﺴﺎﻥ,
ﻭﻳﺴﺘﺤﻴﻞ اﻟﻠﻌﺎب إﱃ زﺑﺪ ﻳﺘﻮﻗﻒ اﻟﺘﻔﻜﲑ ﻋﻦ ﻛﻞ ﳾء إﻻ ﰲ
اﳌﺎء ,أﻭﺗﺮﺟﻊ اﻟﺬاﻛﺮة إﱃ ﴍﻳﻂ اﳊﻴﺎة اﻟﺬﻱ ﻳﻤﺮ ﴎﻳﻌﺎ ,آﻻﻣﻪ
ﻭآﻣﺎﻟﻪ .ﺗﺬﻛﺮ ﺧﻠﻴﻞ اﻟﻔﺮﻳﻚ ,أﺧﺎﻩ ﻭاﻣﻪ ,ﺑﺎﻷﻣﺲ اﻟﻘﺮﻳﺐ ﻓﻘﻂ
أﺑﺪ اﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻷﻥ ﻳﻀﺤﻲ ﺑﺄﻱ ﳾء ﰲ ﺳﺒﻴﻞ أﻥ ﻳﻔﻮز ﺑﻘﻠﺐ
اﻟﻐﺎﻟﻴﺔ ,ﻟﻜﻨﻪ اﻵﻥ ﻳﻮاﺟﻪ ﺧﻄﺮ اﳌﻮت ﻇﻤﺄ ,ﻋﺎد ﺑﻪ اﻟﺰﻣﻦ ﻛﻬﻴﺄﺗﻪ
اﻷﻭﱃ أﻳﺎﻡ اﻟﺼﺒﺎ ,ﺗﺬﻛﺮﻟﻔﺮﻳﻚ ,اﻷﻫﻞ ,اﻟﻜﺘﺎب ﻭاﻟﺸﻴﺦ اﻟﻄﺎﻋﻦ
ﰲ اﻟﺴﻦ ﻭﺳﻮﻃﻪ اﻟﺮﻗﻴﻖ اﻟﻘﺎﳼ ,ﻛﻠﲈ ﺟﻠﺪ ﻣﺮﻳﺪا ﱂ ﳛﻔﻆ ﺳﻮرة
ﻣﻦ ﺳﻮر اﻟﻘﺮآﻥ .ﻳﺬﻛﺮ ذات ﻳﻮﻡ ﺑﻴﻨﲈ ﻛﺎﻥ اﳌﺮﻳﺪﻭﻥ ﰲ ﺣﺮﻛﺔ
داﺋﻤﺔ ,ﻭﻫﻢ ﻳﺘﻠﻮﻥ اﻟﻘﺮآﻥ ﺑﺄﺻﻮات ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ﰲ ﺟﻮﻗﺔ ﲨﺎﻋﻴﺔ ,ﺗﻌﻮد
ﺑﻪ اﻟﺬﻛﺮ ﻭﻫﻮ ﻳﻘﺮأ ﺳﻮرة "ﺗﺒﺖ ﻳﺪا أﰊ ﳍﺐ" ﺣﺘﻰ إذا ﻗﺎﻝ
"ﻭاﻣﺮأﺗﻪ ﲪﺎﻟﺔ اﳊﻄﺐ".
ﻗﺎﻝ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﻘﺎﻃﻌﺎ":ﻣﻦ ﻣﻨﻜﻢ ﻳﻌﺮﻑ اﺳﻢ اﳌﺮأة?
"ﻓﺄﺟﺎب أﺧﻮﻩ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻣﻨﻘﺬا اﳌﻮﻗﻒ ﻣﻦ ﴐﺑﺎت اﻟﺴﻮط
"أرﻭ ﺑﻨﺖ ﺣﺮب" ,اﺑﺘﺴﻢ اﻟﺸﻴﺦ ﻋﻼﻣﺔ ﻋﲆ اﻟﺮﴇ
ﻭﻗﺎﻝ":أﺗﻮﻕ ﺑﻨﻲ ﻟﻠﻴﻮﻡ اﻟﺬﻱ ﺗﻀﻊ ﻓﻴﻪ أﻣﻚ اﳊﻨﺔ ﰲ ﻳﺪﻙ إﻳﺬاﻧﺎ
ﺑﺨﺘﻤﻚ اﻟﻘﺮآﻥ" ,ﻟﻜﻦ إﺑﺮﻫﻴﻢ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻧﺒﺎﻫﺘﻪ ﻭﻓﻄﻨﺘﻪ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ
ﻋﻨﻴﺪا ,ﻟﻦ ﻳﻔﻌﻞ إﻻ ﻣﺎ أراد ﺣﻘﺎ أﻥ ﻳﻔﻌﻠﻪ .ﻳﺘﺬﻛﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﲢﺪ
11
اﻟﺸﻴﺦ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﻤﺪة ,ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﲔ أﺑﻨﺎء اﻟﻔﺮﻳﻚ ﻋﺎدة ﺷﺒﻴﻬﺔ
ﺑﺎﻟﻌﺮﻑ ,ﻭﻫﻲ ﺣﻠﻖ اﻟﺮؤﻭس ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮﺷﻴﺊ
ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺼﻴﻒ .ﻭﺑﲈ أﻥ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻛﺎﻥ ذا ﺷﻌﺮ ﻛﺜﻴﻒ ﲨﻴﻞ ﻳﺘﺒﺎﻫﻰ ﺑﻪ
أﻣﺎﻡ أﻗﺮاﻧﻪ ﻟﻄﺎﳌﺎ رﻓﺾ أﻥ ﳛﻠﻘﻪ ,ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ اﻟﻠﺜﺎﻡ دﻭﻣﺎ ﻛﻴﻼ
ﻳﻈﻬﺮ ﻣﻨﻪ ﺷﻴﺌﺎ أﻣﺎﻡ اﻟﺸﻴﺦ ,إذ ﻛﺎﻥ اﻟﺮﺟﻞ ﺿﻌﻴﻒ اﻟﻨﻈﺮ ﻭداﺋﲈ
ﻣﺎﺗﻨﻄﲇ ﻋﻠﻴﻪ اﳊﻴﻠﺔ ,ﻭﰲ ﻳﻮﻡ ﻭﺑﻤﺤﺾ اﻟﺼﺪﻓﺔ ﺑﻴﻨﲈ اﺑﺮاﻫﻴﻢ
ﻳﺴﺘﻈﻬﺮﻋﲆ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻮرا ﻣﻦ اﻟﻘﺮاﻥ ,ﺳﻘﻂ ﺟﺰء ﻣﻦ اﻟﻠﺜﺎﻡ ﻓﺄﺑﺎﻥ
ﻋﻦ ﺧﺼﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ .ﻭﻫﻮ ﻣﺎ اﺳﺘﺸﺎط ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ ﻏﻀﺒﺎ ﻓﺼﺎح
ﺑﺎﻟﻔﺘﻴﺎﻥ ﺑﺄﻥ ﻳﻤﺴﻜﻮا ﺑﻪ ,ﻓﻔﻌﻠﻮا ﻓﴬﺑﻪ ﻋﲆ ﻇﻬﺮﻩ ﺑﺎﻟﺴﻮط ﴐﺑﺎ
ﻣﱪﺣﺎ ,ﻭأﻧﺰﻝ ﺑﻪ اﻟﻌﻘﺎب ﻭﻗﺎﻡ ﺑﻄﺮدﻩ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب ,ﻭأﻣﺮ أﻥ ﳛﴬ
أﺑﺎﻩ اﻟﺬﻱ ﻳﻜﻦ ﺗﻘﺪﻳﺮا ﻛﺒﲑا ﻟﻠﺸﻴﺦ .ﻓﺄﺧﱪﻩ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﻭﺑﺄﻥ "ﻣﺮﻭﻙ
اﻟﻌﺎدة ﺑﻼء" ,ﻭﻷﻧﻪ ارﺗﻜﺐ ﺟﺮﻣﺎ ﻻ ﻳﻐﺘﻔﺮﰲ ﻧﻈﺮ اﻷب اﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ
ﻗﺎﺳﻴﺎ ,ﻭذا ﻣﻼﻣﺢ ﻛﺄﳖﺎ ﻗﺪت ﻣﻦ ﺣﺠﺮ ﻻ ﻳﻀﺤﻚ ﻭﻻ ﻳﺒﺘﺴﻢ إﻻ
ﻧﺎدرا.
ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻠﺸﻴﺦ " :ﻻ ﳞﻤﻚ ﻛﻞ ﲥﺎﻭﻥ ﻣﻦ أﻭﻻدﻱ
ﰲ اﳊﻔﻆ ,ﻻ ﺗﺘﻬﺎﻭﻥ ﻣﻌﻪ ,أﻧﺖ ﺗﺬﺑﺢ ﻭأﻧﺎ أﺳﻠﺦ" ﻧﺎد ﻋﲆ
إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻭﴐﺑﻪ ﴐﺑﺎ ﻣﻮﺟﻌﺎ ,ﱂ ﺗﻨﻔﻊ ﻣﻌﻪ ﺗﻮﺳﻼت اﻷﻡ اﻟﺘﻲ
أﻣﺮﻫﺎ ﺑﺄﻥ ﺗﺒﻘﻰ ﺑﻌﻴﺪا ﻭاﻣﺘﺜﻠﺖ ﻟﻸﻣﺮ ﻣﻜﺮﻫﺔ .ﺳﺎﻟﺖ دﻣﺎء ﻛﺜﲑة
ﻣﻦ أﻧﻒ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻭﻓﻴﻪ ,ﻟﻜﻨﻪ ﻇﻞ ﺻﺎﻣﺪا ﱂ ﻳﺼﺪرﻋﻨﻪ ﺑﻜﺎء أﻭﻃﻠﺐ
رﲪﺔ ,ﻭﻛﻠﲈ ﻃﺎﻝ ﺻﻤﺘﻪ ازداد ﺣﻨﻖ اﻷب ﻋﻠﻴﻪ ,ﻭاﺳﺘﻤﺮ ﰲ اﻟﺘﻨﻜﻴﻞ
ﺑﻪ ﻭﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ اﻟﻘﺴﻮة ﺑﻪ ﰲ اﻷﺧﲑ أﻥ أﺣﺮﻕ ﺷﻌﺮﻩ .ﻗﺎﺋﻼ" :ﻟﺘﻜﻦ
12
ﻋﱪة ﳌﻦ ﻻ ﻳﻌﺘﱪ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء "ﻟﻔﺮﻳﻚ" اﻟﺬﻳﻦ ﳛﺎﻭﻟﻮﻥ اﻟﺘﻤﺮد ﻋﲆ
اﻷﻋﺮاﻑ ﻭاﻟﻌﺎدات".
ﻭأﺿﺎﻑ" :اﻵﻥ ﻳﻤﻜﻨﻚ أﻥ ﺗﺘﺒﺎﻫﻰ ﺑﺸﻌﺮﻛﺎﳌﺤﺮﻭﻕ ".ﻫﻨﺎ
ﺑﻜﻰ اﻻﺑﻦ ﻛﺜﲑا.
ﴏخ اﻷب ﰲ ﻭﺟﻬﻪ" :أﱂ أﻗﻞ ﻟﻚ أﻥ ﺗﻄﻴﻊ ﺷﻴﺨﻚ
دﻭﻣﺎ ,ﺳﻨﺮ إذﻥ ﻣﻦ ﻣﻨﺎ أﻛﺜﺮﻋﻨﺎدا" .ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻫﺮب اﺑﺮاﻫﻴﻢ إﱃ
أﺧﻮاﻟﻪ ﺑﻤﺤﺎذاة اﻟﻜﺜﺒﺎﻥ اﻟﺒﻌﻴﺪة ,ﻭأﻣﴣ أﻳﺎﻣﺎ ﻋﻨﺪﻫﻢ ,إذ ﻫﺎﳍﻢ
اﻷﻣﺮ ﻭاﺣﺘﺠﻮا ﻋﲆ اﻷب ,ﻟﻜﻦ ذﻟﻚ ﱂ ﻳﻐﲑ ﰲ اﻷﻣﺮ ﺷﻴﺌﺎ ,ﻭﱂ
ﻳﻌﺪ اﺑﺮاﻫﻴﻢ إﻻ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﳊﺖ اﻷﻡ ﻭﺗﻮﺳﻠﺖ ﻟﻸب اﻟﺬﻱ أﺧﺬﺗﻪ
اﻟﻌﺰة ﺑﺎﻹﺛﻢ .ﻟﻜﻨﻪ ﺗﻮﺟﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﱃ أﺻﻬﺎرﻩ ,ﻭﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻨﻬﻢ
ﻭﺟﺪﻩ ﻣﺴﺘﻠﻘﻴﺎ ﻭﺣﻴﺪا ﻓﻮﻕ ﻛﺜﻴﺐ رﻣﲇ ,ﻓﻌﺎد ﺑﻪ ﺑﻌﺪ أﻥ ﻭﻋﺪ
أﺻﻬﺎرﻩ أﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﻌﺎﻭد ﴐﺑﻪ أﻭﺗﻌﺬﻳﺒﻪ ,أﺛﻨﺎء ﻋﻮدﲥﲈ ﱂ ﻳﻜﻠﻤﻪ ﺑﺘﺎﺗﺎ
ﻃﻮاﻝ اﻟﻄﺮﻳﻖ .ﻭﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻧﺰﻭﻟﻪ ﻋﻨﺪ رﻏﺒﺔ زﻭﺟﺘﻪ إﻻ أﻧﻪ ﱂ
ﻳﻐﲑ رأﻳﻪ ﰲ اﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﺬﻱ أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻘﺐ اﳌﺴﺨﻮط .إﻻ أﻥ اﻻﺑﻦ
ﻇﻞ ﻋﲆ ﻋﻨﺎدﻩ ﺻﻠﺒﺎ ﻣﺘﻤﺴﻜﺎ ﺑﺮأﻳﻪ ﱂ ﺗﻨﻞ ﻣﻨﻪ ﻛﻞ اﻟﻌﻘﻮﺑﺎت .ﻛﻠﲈ
ﺗﺬﻛﺮ ﺧﻠﻴﻞ ﻫﺬا اﳊﺪث ﻛﺎﻥ ﻳﻔﺨﺮ ﺑﺸﺨﺼﻴﺔ أﺧﻴﻪ اﻟﺼﻠﺒﺔ
اﻟﺒﻄﻮﻟﻴﺔ ﰲ ﻧﻈﺮﻩ.
ﲤﻨﻰ ﰲ ﻗﺮارة ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻮأﻥ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺣﺎﴐا ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻘﺬﻩ
ﻭﳚﻠﺐ ﻟﻪ اﳌﺎء ,ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﺧﲑﻣﻌﲔ ﻟﻪ دﻭﻣﺎ ﰲ ﺷﺘﻰ أﻣﻮراﳊﻴﺎة,
ﻭﻛﺜﲑا ﻣﺎ اﻋﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ ,ﻓﻬﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﺴﻨﺪ ﰲ أﺣﻠﻚ اﻟﻈﺮﻭﻑ ,ﻓﻜﻢ
13
ﲤﻨﻰ أﻥ ﻳﺴﻤﻊ ﺧﻄﺎﻩ ﻗﺮﺑﻪ ,ﻟﻮ ﻳﻐﻤﺾ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻟﻴﺠﺪﻩ ﺑﺠﺎﻧﺒﻪ ,ﻟﻜﻨﻪ
ﻋﺎد إﱃ ﺣﺎﻟﻪ ﻭﻭاﻗﻌﻪ ,ﻋﺮﻑ أﻥ اﳌﺎء ﺣﺠﺎب ﰲ اﻟﺼﺤﺮاء ﻭﺑﺪﻭﻥ
ﻣﺎء اﳊﻴﺎة ﻻ ﺗﺴﺘﻘﻴﻢ ﰲ اﻟﺒﻴﺪاء أﺑﺪا.
ﺳﻠﻢ دﻭﻣﺎ أﻥ اﻟﺮﺣﻴﻞ ﻃﺒﻊ أﺑﻨﺎء اﻟﺴﺤﺐ ,ﻏﲑأﻧﻪ ﱂ ﻳﻜﻦ
ﻳﺘﻮﻗﻊ أﻥ ﻳﺘﻴﻪ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻓﺮﻳﺴﺔ اﻟﻌﻄﺶ .أﺣﺲ ﻟﻮﻫﻠﺔ ﺑﺎﳉﻔﺎﻑ ﰲ
ﺣﻠﻘﻪ ,ﺧﺎرت ﻗﻮاﻩ ﻭﺻﺎر ﻏﲑ ﻗﺎدر ﻋﲆ اﳊﺮﻛﺔ ﲤﺎﻣﺎ .أﻱ اﺣﺴﺎس
ﻫﺬا اﻟﺬﻱ ﻳﻐﺮﻱ اﻟﻨﻔﺲ ﺣﺪ اﻟﻴﺄس ,ﻫﻲ ﳊﻈﺎت ﺧﻴﺒﺔ .ﻣﺮ اﻟﻴﻮﻡ
ﻭاﻟﻠﻴﻞ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ﻭاﻟﻴﻮﻡ اﻵﺧﺮ .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻠﻄﻒ اﳉﻮ أﺛﻨﺎء اﻟﻠﻴﻞ ﺣﺎﻭﻝ
اﻟﺘﺤﺮﻙ ﻋﻜﺲ اﲡﺎﻩ اﻟﺮﻳﺎح ,ﻳﺴﺘﻘﺒﻞ اﳍﻮاء اﳌﻨﻌﺶ .ﺑﻌﺪ ﻓﱰة ,ﻓﻜﺮ
ﰲ أﻥ ﻳﺴﺘﻨﺸﻖ ﻗﻄﺮات اﻟﻨﺪ ﺻﺒﺎﺣﺎ .ﻋﺒﺜﺎ ﳛﺎﻭﻝ ,أدرﻙ ﺑﺎﻟﻔﻄﺮة
أﻥ اﳊﺮﻛﺔ ﺗﺴﺘﻨﺰﻑ ﻗﻮاﻩ ﻟﻜﻦ اﻟﺴﻜﻮﻥ أﻳﻀﺎ ﺣﻜﻢ ﺑﺎﳌﻮت.
ﺣﺎﻭﻝ ﺟﺎﻫﺪا اﻟﺘﺤﺮﻙ ﻣﻊ ﺑﺪاﻳﺔ ﺷﻔﻖ اﻟﻴﻮﻡ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﴫا ﻋﲆ
اﻟﻨﺠﺎة ,ﳌﺢ ﻧﺎرا ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﻭﻛﺄﳖﺎ ﺗﺄﰐ ﻣﻦ اﻷﻓﻖ اﳌﱰاﻣﻲ أﻭ ﻣﻦ
اﻟﻼﻣﻜﺎﻥ ,ﻓﺘﺴﻤﺮ ﰲ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻟﱪﻫﺔ ,ﺛﻢ ﺛﺎﺑﺮ ﺣﺘﻰ ﲢﻘﻖ أﻧﻪ ﻻ
ﻳﺘﺨﻴﻞ ,ﺣﺚ اﳋﻄﻰ ﻧﺤﻮﻫﺎ ﺟﺪ ﰲ اﻟﺴﲑ .ﻛﻠﲈ اﻗﱰب ﺑﻌﺪت
اﻟﻨﺎر .ﺗﻌﺜﺮ ﰲ اﳌﴚ ,ﻣﺎﻝ ﻛﺎﻟﺜﻤﻞ ,ﻛﺎد أﻥ ﻳﺼﻞ .ﺳﻤﻊ رﻏﻰ إﺑﻞ
ﻭأﺻﻮات ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ,ﻟﻜﻨﻪ ﻓﻘﺪ اﻟﻮﻋﻲ ﻭﺧﺮﻣﻐﺸﻴﺎﻋﻠﻴﻪ .ﻻ ﺻﻮت
ﻭﻻ إﺣﺴﺎس ,ﳎﺮد ﻓﺮاغ ﺻﺎﻣﺖ ﻻ ﳖﺎﻳﺔ ﻟﻪ .ﱂ ﻳﻌﺪ ﻟﻠﻌﺎﱂ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻲ
ﻭﺟﻮد .أﺻﺒﺢ ﻟﺪﻳﻪ اﻵﻥ ﻭﻋﻲ ﺧﺎﻟﺺ ,ﻭﻋﻲ أﻭﱄ ,ﺑﻼ ﺟﺴﺪ .ﻛﺎﻥ
ﻋﻘﻠﻪ ﳛﺪﻕ ﰲ اﻟﻈﻼﻡ ,ﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﳾء ﻳﺘﻌﺮﻑ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻜﻨﻪ ﱂ ﳚﺪﻩ.
أﻏﻤﺾ ﻋﻴﻨﻴﻪ ,ﻫﻨﺎﻙ ﻇﻼﻡ ﺗﺎﻡ ,ﻭﺻﻤﺖ ﺗﺎﻡ ,ﻻﺑﺪ أﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﺬا
14
ﻫﻮ اﻟﺮد أﻭ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻇﻤﺄ ,ﺷﻌﺮ أﻥ اﻟﺰﻣﻦ ﻳﺘﻤﺪد ﻭﻳﺘﻘﻠﺺ ﻭﻛﺄﻧﻪ ﱂ
ﻳﻌﺪ ﻟﻪ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺒﺘﺔ ,ﱂ ﻳﻌﺮﻑ ﻛﻢ ﻣﺮ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ :ﺛﻼﺛﻮﻥ ﺳﺎﻋﺔ?
ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎﻡ? ﺛﻼﺛﺔ أﺳﺎﺑﻴﻊ? ﻋﻤﺮ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ? ﺑﻌﺪ ﻣﺪة ,ﻭﰲ أﻋﲈﻕ ذﻫﻨﻪ
اﳌﺸﻮش ﻣﻦ أﺛﺮ اﻟﻌﻄﺶ ﺳﻤﻊ ﴏاﺧﺎ ﻭﰲ ﻣﻜﺎﻥ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻨﻪ
أﺻﻮات أﻧﺎس ﻳﺘﺤﺪﺛﻮﻥ ,ﻏﺎب ﺧﻠﻴﻞ ﻋﻦ اﻟﻮﻋﻲ ﺛﺎﻧﻴﺔ .ﺑﻌﺪ ﻣﺪة
ﻟﻴﺴﺖ ﻗﺼﲑة ﻭﺻﻞ إﱃ أﺳﲈﻋﻪ اﳌﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﺻﻮات ﻭاﳊﺮﻛﺔ.
ﻓﺠﺄة ﻭﺻﻠﺖ إﱃ ﻣﺴﺎﻣﻌﻪ اﻧﻔﺠﺎرات ﺷﻈﺎﻳﺎ اﳉﻤﺮ ﻣﻦ ﻧﺎر ﻗﺮﻳﺒﺔ.
ﺑﺪأت اﻷﺣﺪاث ﺗﺘﻤﺜﻞ أﻣﺎﻣﻪ ,ﻭﲥﺐ ﻧﺤﻮﻩ ﻣﺜﻞ أﻣﻮاج ﺳﻴﻞ
ﺟﺎرﻑ ﰲ ﻭاد ﻣﻦ اﻟﻔﺮاغ ﺗﺬﻛﺮ اﻟﺮاﺣﻠﺔ ﻭاﳉﻤﻞ ﻭاﻟﻘﺮﺑﺔ,
ﻭاﻟﻌﺎﺻﻔﺔ اﻟﺮﻣﻠﻴﺔ ﻭاﳊﺮ اﻟﺸﺪﻳﺪ...
ﲪﻠﻮﻩ اﱃ ﻓﺮاش ﻗﺮﻳﺐ ,ﻛﺎﻥ رﺟﻼ أﺳﻤﺮ ﻳﻠﺘﺤﻒ ﻟﺜﺎﻣﺎ,
ﻳﻠﻤﻠﻢ ﺣﻄﺐ ﻧﺎر ﺻﻐﲑة ﺑﴪﻋﺔ ,ﻳﻌﺪﹼ اﻟﺸﺎﻱ .أﻣﺪﻭﻩ ﺑﻜﺄس
ﺳﺎﺧﻦ أﻭﻝ ﻣﴩﻭب ﻳﻐﺰﻭ ﻓﻤﻪ ﻣﻨﺬ أﻳﺎﻡ .ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ اﺗﻀﺤﺖ اﻟﺮؤﻳﺔ
ﻋﻨﺪ ﺧﻠﻴﻞ أﺧﲑا ﻭﺟﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﳛﺪﻕ ﰲ ﺷﺠﺮة اﻟﻄﻠﺢ ﻗﺮﺑﻪ ﻭاﻟﻨﺎر
اﳌﺸﺘﻌﻠﺔ ,ﺗﻔﺮس ﰲ ﻭﺟﻮﻩ رﺟﺎﻝ ﺗﺒﺪﻭ ﻣﻼﳏﻬﻢ اﻟﺼﺎرﻣﺔ اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ
ﻭﻛﺄﳖﺎ ﻗﺪت ﻣﻦ ﺻﺨﺮ ..ﻟﻜﻨﻬﻢ رأﻓﻮا ﺑﻪ ,ﻏﻄﻮﻩ ﺑﻔﺮاش ,ﻛﺎﻥ
ﺟﺴﺪﻩ ﻛﻠﻪ ﻳﺮﺗﻌﺶ .ﻭﺑﺪأت اﻟﻜﻠﲈت ﲣﺮج ﻣﻦ ﺣﻠﻘﻪ ﺑﺒﻂء:
"اﳊﻤﺪ ﷲ ,ﺷﻜﺮا ﻟﻜﻢ".
ﻗﺎﻝ اﻟﺮﺟﻞ اﻷﺳﻤﺮ":ﻻﲥﺘﻢ ﻟﻘﺪ ﻛﺘﺐ ﻟﻚ ﻋﻤﺮ
ﺟﺪﻳﺪ"ﻣﻦ أﻧﺖ? ﻣﺎ اﻟﺬﻱ رﻣﻰ ﺑﻚ ﰲ ﻫﺬﻩ اﻟﻔﻴﺎﰲ? ﻫﻞ أﻧﺖ
ﺑﻮاﻩ* أﻡ دﻳﺎرﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺿﺎﻟﺔ ?.اﻟﻜﺜﲑ ﻣﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ ﺗﺪﺧﻞ رﺟﻞ
15
أﺷﻴﺐ ﻳﺪﺧﻦ ﺑﻐﻠﻴﻮﻧﻪ اﳊﺪﻳﺪﻱ ﺑﲔ أﺻﺎﺑﻌﻪ .ﺑﻌﺪﻣﺎ اﺳﺘﻞ ﺟﺮﻋﺔ
دﺧﺎﻥ ﻗﺎﻝ" :أﺗﺮﻙ اﻟﺮﺟﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﺮﺗﺎح ﻭﺗﺮﺟﻊ إﻟﻴﻪ أﻧﻔﺎﺳﻪ,
ﻭاﳊﻤﺪ ﷲ ﻋﲆ ﺳﻼﻣﺘﻪ" ﺑﻌﺪ ﻣﺎ أﺧﺬ ﻧﻔﺴﺎ ﻋﻤﻴﻘﺎ .ﻗﺎﻝ" :أﻧﺎ
ﺧﻠﻴﻞ ﻭﻟﺪ أﲪﺪ ﻓﺎﻝ ,أﻫﲇ ﻳﻘﻄﻨﻮﻥ ﻭاد اﻟﺴﺎﻗﻴﺔ اﳊﻤﺮاء ,ﻗﺪﻣﺖ
ﻣﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ ﺣﺠﺮة ﻛﺠﻴﻢ".
ﻧﻈﺮﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﻠﲔ اﱃ ﺑﻌﻀﻬﲈ ﰲ اﺳﺘﻐﺮاب ,ﺳـﺄﻝ رﺟـﻞ
آﺧﺮ ﻗﺒﻞ أﻥ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺑﲔ اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ﻭاﻹﺷـﻔﺎﻕ ":أﺟﺎزﻓـﺖ
ﺑﺤﻴﺎﺗـــﻚ ﺑﺴـــﺒﺐ ﺣﺠـــﺮة ﻻﻳﺴـــﻤﻊ ﻋﻨﻬـــﺎ إﻻ ﰲ اﻟﻘﺼـــﺺ
ﻭاﻷﺳﺎﻃﲑ?".
ﺛﻢ أردﻑ اﻷﺷﻴﺐ" :ﻻ ﻋﻠﻴﻚ ﻛﺘﺐ ﻟﻚ ﻋﻤﺮ ﺟﺪﻳﺪ,
ﻭﻫﺬا درس ﺗﺘﻌﻠﻤﻪ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻚ" ﻻ ﲡﺎزﻑ أﺑﺪا ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﴪاب.
"ﱂ ﻳﺮد! ﺑﺪا ﺻﺎﻣﺘﺎ ,ﻛﺎﻥ ﻋﻘﻠﻪ ﻳﻄﻮﻑ ﰲ ﻫﺎﻭﻳﺔ ﻻ ﻗﺮار ﳍﺎ,
أﺻﻮات ﺗﺘﻬﺎﻣﺲ ﻣﺸﻮﺷﺔ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻭﻛﻠﲈت ﻣﻦ ﻫﻨﺎﻙ.
ﺑﻌﺪ ﻣﴤ ﻭﻗﺖ ,أﺧﺬ ﻳﺮﺟﻊ إﱃ ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ ﻭرﺷﺪﻩ ,أﻣﴣ
ﻣﻌﻬﻢ أﻳﺎﻡ ,راﻓﻘﻬﻢ إﱃ اﻟﺒﺌﺮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ,أﻋﻄﻮﻩ اﻟﻠﺒﻦ ﻭﳊﻢ اﻹﺑﻞ
اﳌﺠﻔﻒ ,ﺳﻬﺮﻭا ﻋﲆ راﺣﺘﻪ إﱃ أﻥ اﺳﺘﻌﺎد ﻋﺎﻓﻴﺘﻪ ,اﻋﺘﺎد ﻋﲆ
رﻓﻘﺘﻬﻢ ﺑﻌﺪ ﻣﴤ أﻳﺎﻡ ﺟﻬﺰﻭﻩ ﺑﺠﻤﻞ ﻭﻗﺮﺑﺔ ﻣﺎء ﻭﺑﻌﺾ اﳌﺆﻭﻧﺔ.
ذﻫﺐ ﻣﻌﻪ دﻟﻴﻞ ﻛﻲ ﻳﺪﻟﻪ ﻋﲆ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﳌﺨﺘﴫة ﻭاﻟﻌﺎﻣﺮة ﺑﺎﻟﻔﺮﻛﺎﻥ
ﻭﻗﻔﻞ راﺟﻌﺎ اﱃ أﻫﻠﻪ ,أﻭﺻﺎﻫﻢ ﺑﺠﻤﻠﻪ ﻭأﻋﻄﺎﻫﻢ أﻣﺎرة اﻟﻌﻼﻣﺔ
ﻋﲆ رﻗﺒﺘﻪ ,ﻓﻘﺎﻝ ﳍﻢ" :ﺑﺄﻥ اﻟﺼﻔﺮ ﻭﺧﻂ اﻟﺸﺎﻫﺪ ﻋﲆ رﻗﺒﺘﺔ" ,ﺑﻌﺪ
16
ﻣﺴﲑ أﻳﺎﻡ ﻭﻋﻨﺪ اﻟﻐﺮﻭب ﺗﺮاءت ﻟﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﺧﻴﺎﻣﻬﻢ ,اﻧﺘﺎﺑﺘﻪ
أﺣﺎﺳﻴﺲ ﳐﺘﻠﻔﺔ ﻓﺮﺣﺔ ﻭرﻫﺒﺔ ,ﰲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ ﺷﻌﻮر ﻣﺘﻨﺎﻗﺾ
ﺑﻌﻮدﺗﻪ ﺳﺎﳌﺎ ﻟﻜﻦ ﺑﺨﻔﻲ ﺣﻨﲔ ,اﻗﱰب ﻣﻦ اﳋﻴﻤﺔ ﴍﻗﺎ ,ﻭإذا
ﺑﺤﺮﻛﺔ ﻏﲑ ﻋﺎدﻳﺔ ﰲ ﻟﻔﺮﻳﻚ ,اﻟﻜﻞ ﳞﺮﻭﻝ ﻭﻳﺴﺘﻌﺪ ﳊﺪث ﺟﻠﻞ
ﺗﻔﻄﻦ اﱃ ﺧﻴﻤﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻧﺼﺒﺖ ﻏﲑ ﺑﻌﻴﺪ ﺟﻨﻮب ﴍﻕ ﻟﻔﺮﻳﻚ,
أﻭﻝ ﻣﻦ ﺻﺎدﻓﻪ ﻫﻢ اﻷﻃﻔﺎﻝ ﻳﺴﺘﻘﺒﻠﻮﻧﻪ ﻭﳞﺮﻭﻟﻮﻥ ﺧﻠﻒ اﳉﻤﻞ,
ﺗﺮﺟﻞ ﻣﻦ ﻋﲆ راﺣﻠﺘﻪ ,ﻭﲡﻤﻊ اﻷﻃﻔﺎﻝ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ,اﻟﻜﻞ ﻳﻌﺎﻧﻘﻪ.
ﺗﻔﺮح اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺼﻐﲑة ﺑﻀﺤﻜﺘﻬﺎ اﻟﱪﻳﺌﺔ ﺑﻔﻢ ﺧﺎﻝ ﻣﻦ
ﻗﺎﻟﺖ :ﹼ
ﺑﻌﺾ اﻷﺳﻨﺎﻥ "ﻣﺮﺣﺒﺎ ﺧﻠﻴﻞ ﺟﺌﺖ ﻣﻊ اﻟﻌﺮس" ﺣﺮﻙ رأﺳﻪ
ﻣﺒﺘﺴﲈ ﻗﺎﻝ" :ﺣﻘﺎ ﺻﻐﲑﰐ ﻋﺮس ﻣﻦ?" ﻭﻫﻮ ﳛﻤﻠﻬﺎ ﺑﲔ ذراﻋﻴﻪ
ﻗﺎﻟﺖ" :أﺧﻮﻙ اﺑﺮاﻫﻴﻢ" ﻭﻣﻦ اﻟﻌﺮﻭس اﳌﺼﻮﻧﺔ?
أﺟﺎﺑﺘﻪ" :اﻟﻐﺎﻟﻴﺔ".
ﺗﻌﺠﺐ ,ﻇﻦ أﻥ اﻟﻄﻔﻠﺔ ﲤﺰح .ﳌﺎ دﺧﻞ ﺧﻴﻤﺘﻬﻢ اﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻪ
أﻣﻪ ﻭأﺧﺘﻪ ﺑﺎﻟﺰﻏﺎرﻳﺪ" ,اﳊﻤﺪ ﷲ ﻋﲆ ﺳﻼﻣﺘﻚ رﺟﻌﺖ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ
اﳌﻨﺎﺳﺐ".
ﺑﻌﺪ أﻥ اﻛﻤﻠﻮا اﻟﺴﻼﻡ ,أﺧﱪﻭﻩ أﻥ اﻟﻠﻴﻠﺔ زﻓﺎﻑ أﺧﻮﻩ
إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻣﻦ اﻟﻐﺎﻟﻴﺔ ,ﺻﺪﻡ ﻟﻮﻫﻠﺔ ,ﻇﻞ ﺻﺎﻣﺘﺎ "أﺣﻘﺎ ﻣﺎﺗﺴﻤﻊ أذﻧﺎﻩ
أﻡ أﻧﻪ ﻳﺘﺨﻴﻞ ".ﺧﺮج ﻣﻬﺮﻭﻻ ﻣﻦ اﳋﻴﻤﺔ ﻻﻳﺪرﻱ إﱃ أﻳﻦ ,أﴎع
اﳋﻄﻰ ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳﺴﺎﺑﻖ اﻟﺮﻳﺢ ,ﻭﻧﻔﺴﻪ ﺗﴫخ ﰲ ﻓﺮاغ ,ﻛﺄﻧﻪ ﳞﺮب ﻣﻦ
ﳾء ﳎﻬﻮﻝ ﻳﻄﺎردﻩ ﻓﻴﻜﺎد ﻳﻠﺤﻖ ﺑﻪ ,رﺑﲈ ﻭﻗﻊ اﳋﱪ ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻣﻌﻪ.
ﻭﰲ ﻣﻜﺎﻥ ﻏﲑ ﺑﻌﻴﺪ ﻗﺎدﺗﻪ ﻗﺪﻣﺎﻩ إﱃ اﳌﻜﺎﻥ ذاﺗﻪ ,ﺗﻮﻗﻒ ﻭﺟﻠﺲ
17
ﻭﺣﻴﺪا ﻳﺴﺘﻮﻋﺐ اﳌﻮﻗﻒ ﻣﻦ ﺷﺪة ﺗﺄﺛﺮﻩ ,ﺗﺮﻙ دﻣﻮﻋﻪ ﺗﻨﺴﺎب
ﻛﺸﻼﻝ ﻋﻼ ﻓﺠﺄة ﻓﻐﻤﺮ ﻭﺟﻬﻪ ﺣﺘﻰ ﻛﺎد ﻳﻄﻤﺲ ﻣﻼﳏﻪ اﻟﺘﻲ ﺑﺪا
ﻋﻠﻴﻬﺎ اﳊﺰﻥ ﻭإﻋﻴﺎء اﻟﺴﻔﺮ .ﻓﻘﺪ اﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﲆ اﺗﺰاﻧﻪ ﻓﺘﻬﺎﻭ ﻋﲆ
اﻟﻜﺜﻴﺐ ﲢﺘﻪ ,ﺟﻠﺲ ﰲ اﳌﻜﺎﻥ ذاﺗﻪ اﻟﺬﻱ ﻭدﻋﻬﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻨﺬ أﻳﺎﻡ ﻭﺣﻴﺪا
ﺑﺎﺋﺴﺎ ,ﺗﻠﻤﺲ ﺗﺮاب اﻟﻜﺜﻴﺐ ﻭﲢﺴﺴﻪ ﺑﻴﺪﻩ ,ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﳾء
ﻣﺎ ..رﺑﲈ اﳊﺠﺮ ذاﺗﻪ اﻟﺬﻱ ﻛﺎد ﻳﻜﻠﻔﻪ ﺣﻴﺎﺗﻪ .ﴏخ ﴏاﺧﺎ ﻳﻤﻸ
اﻟﻔﺮاغ اﳌﺤﻴﻂ ﺑﻪ .ﻫﺬا اﻟﻔﺮاغ اﻷﻭﻝ اﻟﺬﻱ اﺑﺘﺪأت ﻣﻨﻪ اﻷﺷﻴﺎء.
أﺣﺲ أﻧﻪ ﱂ ﻳﻄﻌﻦ ﻣﻦ اﳋﻠﻒ ﻓﻘﻂ ﺑﻞ ﻃﻌﻦ ﻣﻦ اﻷﻣﺎﻡ أﻳﻀﺎ,
ﻭذﺑﺢ ﻣﻦ اﻟﻮرﻳﺪ إﱃ اﻟﻮرﻳﺪ ,ﳘﺴﺖ ﺷﻔﺘﺎﻩ ﺑﻌﺒﺎرات ﻏﲑ ﻣﻔﻬﻮﻣﺔ
ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳﻨﺎﺟﻲ اﻟﺴﲈء" ,ﻣﺎذا ﺻﻨﻌﺖ ﺣﺘﻰ أﻛﺎﻓﺄ ﲠﻜﺬا ﺟﺰاء?".
ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻴﻠﺔ ﻟﻴﻼء ,ﻻﻳﺪرﻱ ﻭﻻ ﻳﺘﺨﻴﻞ ﻣﺎﺣﺪث ,ﻭﻣﻬﲈ أﻛﺪ
ﻟﻨﻔﺴﻪ أﻧﻪ ﺣﺪث ﻓﻠﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺗﺼﺪﻳﻘﻪ .ﲤﺎﻟﻚ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺑﻌﺪﻣﺎ أﻓﺎﻕ
ﻣﻦ ﺳﻜﺮة اﳋﱪﺗﻄﺎﻳﺮت آﻣﺎﻟﻪ ﻭأﺣﻼﻣﻪ ﻛﲈ ﺗﺘﻄﺎﻳﺮ أﻛﻮاﻡ اﻟﻘﺶ ﰲ
ﻳﻮﻡ ﺧﺮﻳﻔﻲ ﻋﺎﺻﻒ ,اﻣﺘﻸ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﺤﻨﻈﻞ اﳌﺮارة ,ﻭﻃﻔﺤﺖ رﻭﺣﻪ
ﺑﻌﻠﻘﻢ اﳋﻴﺒﺔ ,ﰲ ﺣﲔ أﻋﺮﺿﺖ ﻋﻨﻪ اﻟﻐﺎﻟﻴﺔ ﻭذﺑﺤﺘﻪ ﺑﺴﻜﲔ ﻣﻦ
اﻟﻮرﻳﺪ إﱃ اﻟﻮرﻳﺪ ,ﺷﻌﺮأﻧﻪ اﺳﺘﻬﱰ ﺑﻪ ,ﻭﺗﺮﻙ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﺨﻴﺎﻧﺔ.
ﺑﻌﺪ أﺧﺬ ﻭرد ﻗﺮر أﻥ ﳛﴬ اﻻﺣﺘﻔﺎﻝ ﻭأﻥ ﻳﺒﺎرﻙ
ﻟﻠﻌﺮﻭﺳﲔ دﺧﻞ ﻋﲆ أﺧﻴﻪ ,ﻏﻤﺮﻩ ﺑﺎﳊﻀﻦ ﻭﲤﻨﻰ ﻟﻪ اﻟﺮﻓﺎﻩ
ﻭاﻟﺒﻨﲔ.
ﻗﺎﻝ اﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﱪﻭد ﻏﲑ ﻣﻌﻬﻮد" :ﺣﻀﻮرﻙ ﺑﻌﺪ اﻟﻐﻴﺎب
أﻋﻄﻰ ﻟﻠﺤﻔﻞ ﻧﻜﻬﺔ ﺧﺎﺻﺔ".
18
أﴎﻫﺎ ﺧﻠﻴﻞ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ﻭاﺻﻔﺮ ﻭﺟﻬﻪ ,ﻭﻋﺾ ﻋﲆ ﺷﻔﺘﻴﻪ
ﺛﻢ ﻧﺒﺲ ﻣﺘﻤﻬﻼ" :ﺣﺴﻨﺎ" ﳏﺎﻭﻻ أﻥ ﻳﻜﻈﻢ ﻏﻴﻈﻪ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ أﻭﰐ ﻣﻦ
ﻗﻮة ﻷﻥ اﻟﻐﻀﺐ ﻛﺎﻥ ﳜﻨﻘﻪ ﺧﻨﻘﺎ ,ﻗﺎﻝ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ" :ﱂ ﻳﻔﺘﻨﻲ أﻥ
أﻻﺣﻆ .ﻣﻨﺬ ﻗﻠﻴﻞ ﺣﲔ ﻗﺎﺑﻠﺘﻚ ,اﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻝ اﻟﺒﺎرد ﺑﺮد اﻟﺼﻘﻴﻊ,
ﻟﻜﻨﻨﻲ ﺗﻌﻤﺪت أﻥ أدارﻱ ﺣﴪﰐ ﻷر إﱃ أﻱ ﺣﺪ ﺳﻮﻑ ﲤﴤ,
أﻭإذا ﻛﻨﺖ ﻓﻌﻼ ﻣﺘﻮاﻃﺌﺎ ﻣﻌﻬﺎ ..ﻭﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻳﻤﻜﻦ أﻥ أﻏﻔﺮ ﻛﺜﲑا
اﻷخ ﻟﻦ ﺗﻠﺪﻩ ﱄ أﻣﻲ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ,ﻭأﻛﺜﺮ إﻧﺴﺎﻥ ﺗﺮﺑﻄﻨﻲ ﺑﻪ راﺑﻄﺔ
اﻟﺪﻡ ﻭاﻟﺮﻭح ,ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻟﻦ أﻏﻔﺮ ﻳﻮﻣﺎ ﳌﻦ ﺧﺬﻟﻨﻲ ﻋﻦ ﺳﺒﻖ إﴏار ,ﻻ
ﻟﻚ ﻭﻻ ﳍﺎ ﻓﻘﻂ .ﻫﻲ اﻟﻜﺒﺪ اﻟﺮﻃﺒﺔ ﻟﻌﻨﻬﺎ اﷲ ﺗﺮﻣﻲ ﺑﺼﺎﺣﺒﻬﺎ إﱃ
اﻟﺬﻝ ﻭاﳍﻮاﻥ ﻭﺗﺪﻓﻌﻪ إﱃ أﻥ ﻳﺘﺤﻤﻞ أﺑﺸﻊ اﻹﻫﺎﻧﺎت ,ﻭأﺑﺸﻊ
اﻟﻄﻌﻨﺎت ,ﻻ ﻟﴚء ﺳﻮ اﳋﻮﻑ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﻴﺤﺔ أﻭاﺣﱰاﻣﺎ
ﻟﻠﻌﺮﻑ ﻭاﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﰲ ﳎﺘﻤﻊ "ﻣﺮﻭﻙ اﻟﻌﺎدة ﺑﻼء".
ﺧﺮج ﻣﻦ ﻟﺞ أﻓﻜﺎرﻩ ,ﻭأردﻑ" :ﻛﻴﻒ ﻟﻚ أﻥ ﺗﺘﺰﻭج ﺑﺪﻭﻥ
ﺣﻀﻮرﻱ ﻭأﻧﺎ أﻗﺮب اﻟﻨﺎس إﻟﻴﻚ "?.ﻗﺎﻝ اﺑﺮاﻫﻴﻢ ﳑﺎزﺣﺎ:
"ﺧﻔﺖ أﻥ ﻳﻄﻮﻝ اﻟﻐﻴﺎب".
ﻗﺎﻝ ﺧﻠﻴﻞ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ" :ﻟﻮ ﻋﺮﻓﺖ ﻛﻢ ﻛﺎد أﻥ ﻳﻜﻠﻔﻨﻲ ﻫﺬا
اﻟﻐﻴﺎب ,ﻟﻮ اﻃﻠﻌﺖ ﻋﲆ ﺳﺒﺐ ﻫﺬﻩ اﳌﻐﺎﻣﺮة ﳌﺎ أﻗﺪﻣﺖ ﻋﲆ ﻣﺎ أﻧﺖ
ﻓﻴﻪ اﻵﻥ ".ﻟﻜﻨﻪ اﺑﺘﺴﻢ ﻭﺻﻤﺖ.
ﻣﺮت ﻣﺮاﺳﻴﻢ اﻻﺣﺘﻔﺎﻝ اﻟﻠﻴﻞ ﻛﻠﻪ ,اﺧﺘﻠﻂ ﻓﻴﻪ اﻟﻄﺒﻞ
ﻭاﻟﻐﻨﺎء ﻭاﻟﺮﻗﺺ إﱃ ﻭﻗﺖ ﻣﺘﺄﺧﺮ ,اﻟﻜﻞ ﻓﺮح ﻭﻣﴪﻭر إﻻ ﺧﻠﻴﻞ
19
اﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﺒﺪﻭ ﻣﺒﺘﺴﲈ .ﺣﻴﺚ أﺑﺪ ﺗﺂﻟﻔﻪ ﻣﻊ ﻃﻘﻮس اﻟﻌﺮس,
ﻓﺘﻈﺎﻫﺮ ﺑﺎﻟﻔﺮح ﻟﻜﻦ ﻧﺎرا ﻣﺴﺘﻌﺮة ﺗﺸﺘﻌﻞ داﺧﻠﻪ.
ﺑﻌﺪ ﻣﺮﻭر أﻳﺎﻡ اﻟﻌﺮس اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻧﺰﻭ ﺧﻠﻴﻞ ﻭﺣﻴﺪا ,ﻳﻤﴤ
اﻟﻴﻮﻡ ﻛﻠﻪ ﰲ اﳌﺮاﻋﻲ ﻻﻳﺮﺟﻊ إﻻ إذا أرﺧﻰ اﻟﻠﻴﻞ ﺳﺪﻭﻟﻪ .ﻗﴣ
ﻓﱰة ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻭﻫﻮ ﻋﲆ ﻫﺬا اﳊﺎﻝ .ﱂ ﻳﺮ اﻟﻐﺎﻟﻴﺔ أﺑﺪا ,ﺻﺎﻡ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ
ﻋﻦ اﻷﻛﻞ ﻭاﻟﻜﻼﻡ ﻭأﺻﺒﺢ ﻫﺎﺋﲈ ,ﻭأﻛﺜﺮ اﻷﻭﻗﺎت ﻣﻄﺮﻗﺎ رأﺳﻪ,
أﻭ ﳏﺪﻗﺎ ﰲ اﻟﻔﺮاغ .ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳﺘﻴﻢ اﻟﺪﻧﻴﺎ .ﺗﻔﻄﻦ اﻟﻜﻞ إﱃ ﺗﺪﻫﻮر
ﺣﺎﻟﻪ ,ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻌﺸﻖ ﺗﺪﺣﺮج ﻣﻦ ﻳﻮﻣﻬﺎ إﱃ اﳍﻼﻙ ﺗﺪﺣﺮج
اﻟﺼﺨﺮة اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ اﳌﺪﻓﻮﻋﺔ ﻣﻦ ذرﻭة ﺟﺒﻞ ﺻﺤﺮاﻭﻱ ﺷﺎﻫﻖ إﱃ
ﺟﺮﻑ ﻫﺎر ﻣﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﻗﺮار...
أﻭﻝ ﻣﻦ ﺗﻔﻄﻦ ﻟﺘﻘﻠﺐ ﺣﺎﻟﻪ ﻭﻣﺮﺿﻪ ﻫﻲ أﻣﻪ.ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ
ﺑﻌﺪﻣﺎ آﳌﻬﺎ ﺣﺎﻟﻪ " :ﺑﻨﻲ ﻣﺎﺑﻚ ?".
ﻣﻨﺬ رﺟﻮﻋﻚ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻭﺣﺎﻟﻚ ﺗﺘﻐﲑ ﻣﻦ ﳼء إﱃ
أﺳﻮأ! ﻗﻞ ﱄ :ﻣﺎﺑﻚ ,ﻫﻞ أﻧﺖ ﻣﺮﻳﺾ? ﺑﲈذا ﲢﺲ ﻋﺴﺎﻱ أﺟﺪ ﻟﻚ
دﻭاء? ﻟﻜﻨﻪ ﱂ ﻳﺮد اﻟﺒﺘﺔ.
ﻭﺗﻌﻴﺪ اﻟﻜﺮة" :ﻳﺎﻭﻟﺪﻱ أﻃﻤﻊ ﰲ أﻥ ﺗﻜﻠﻤﻨﻲ ,ارﻓﻖ ﺑﺤﺎﱄ,
ﻓﺄﻧﺖ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﻛﺒﺪﻱ ,ﻓﺤﺎﻟﻚ ﱂ ﺗﻌﺪ ﺗﻌﺠﺒﻨﻲ ﺑﻞ أﺣﻴﺎﻧﺎ
ﺗﻌﺬﺑﻨﻲ ".أﻣﺎﻫﻮ ﻓﻼ ﳚﻴﺐ .ﺗﺄﺛﺮت اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﺤﺎﻟﻪ ﻭأﺧﺬ
اﳊﺰﻥ ﻳﺪﻕ أﻭﺗﺎد ﺧﻴﻤﺘﻪ ﻋﲆ اﳌﻜﺎﻥ .ﱂ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أﺣﺪ أﻥ ﻳﻌﺮﻑ
ﻣﺎﺑﻪ .ﺣﺘﻰ أﺧﻮﻩ اﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺣﺎﻭﻝ اﳊﺪﻳﺚ ﻣﻌﻪ ﺑﺈﻳﻌﺎز ﻣﻦ أﻣﻪ ﻟﻜﻨﻪ
20
ﻓﺸﻞ .ﻇﻞ اﻟﺮﺟﻞ ﺻﺎﻣﺘﺎ ,ﻭﺣﺎﻟﻪ ﺗﺘﺪﻫﻮر ﻳﻮﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻳﻮﻣﺎ .اﻗﱰح
أﻗﺎرﺑﻪ ﺧﺎﺻﺔ رﻗﻴﺔ ﺑﻨﺖ ﺧﺎﻟﺘﻪ ﻭاﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰﻭرﻩ ﺑﺸﻜﻞ ﺷﺒﻪ
ﻳﻮﻣﻲ ,ﺗﺘﻔﻘﺪ أﺣﻮاﻟﻪ ﻣﺘﻌﺎﻃﻔﺔ ﻣﻌﻪ ﻓﻴﲈ أﺻﺎﺑﻪ ,ﻭاﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﻦ ﻟﻪ
ﻣﻌﺰة ﻛﺒﲑة ﲢﻮﻟﺖ إﱃ ﻋﺸﻖ ﻣﻊ ﻣﺮﻭر اﻷﻳﺎﻡ أﻥ ﻳﺴﺎﻓﺮﻭا ﺑﻪ اﱃ
اﳌﺪﻳﻨﺔ ﻋﻠﻪ ﳚﺪ اﻟﺪﻭاء ﻭاﻟﺮﻋﺎﻳﺔ ﻭﻳﺸﺨﺼﻮا ﺣﺎﻟﻪ ,ﻟﻜﻨﻪ رﻓﺾ.
ﻛﺎﻥ دﻭﻣﺎ ﳛﺮﻙ رأﺳﻪ ﻣﻌﱰﺿﺎ ﻛﻠﲈ أﺗﻰ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻷﻗﺎرب ﻋﲆ ذﻛﺮ
اﻟﻄﺐ ﻭاﳌﺪﻳﻨﺔ ,إﱃ أﻥ ﺟﺎء ﺷﻴﺦ ﻛﺒﲑ ﻣﺎﻫﺮ ﺑﺎﻟﻄﺐ ,ﻓﺸﺨﺺ
ﺣﺎﻟﺘﻪ ﻭأﺧﱪﻫﻢ أﻥ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﺴﻘﻮﻡ ﺑﺪاء اﳊﺐ .ﻋﺮﻓﺖ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ
اﻟﺴﺒﺐ ﻭاﺳﺘﻘﺮ أﻣﺮ أﺧﻴﻪ ﻋﲆ ﺗﻄﻠﻴﻖ اﻟﻐﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺎﺷﺖ ﴏاﻋﺎ
ﻧﻔﺴﻴﺎ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﺪ ﻣﻮت أﺑﻴﻬﺎ ﻭﻏﻴﺎب أﺧﻴﻬﺎ اﻟﺬﻱ ﺗﺮﻛﻬﺎ ﻭﺣﻴﺪة
ﻟﻴﺲ ﳍﺎ ﻣﻌﲔ ,ﻭﲬﻨﺖ أﻥ اﻷﻣﺮ ﳛﺪث ﻟﺴﺒﺐ ,ﻭأﻥ اﻷﻗﺪار
ﺗﻌﺎﻗﺒﻬﺎ ﻭﺗﻨﺘﻘﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﳌﺎ ﺻﻨﻌﺖ ﻳﺪاﻫﺎ .ﻭﺑﻌﺪ ﻣﺪة ﺷﻔﻲ ﺧﻠﻴﻞ ﲤﺎﻣﺎ.
ﻭﺟﺎء اﻷﻗﺎرب ﻳﺒﺎرﻛﻮﻥ ﻟﻪ ﻭﳛﻤﺪﻭﻥ اﷲ ﻋﲆ ﺷﻔﺎﺋﻪ ,أﴎ اﻟﺒﻌﺾ
ﻟﻪ أﻥ ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ أﺻﺒﺤﺖ ﺣﺮة,ﻏﲑ أﻧﻪ ﺣﺮﻣﻬﺎ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ
ﻭﺗﻌﺠﺐ اﳉﻤﻴﻊ ﻣﻦ ﻗﺮارﻩ .ﻭﺗﺄﺗﻰ ﻟﻪ ذﻟﻚ ,ﻓﻘﺪ أﺧﺬ ﻳﺴﺘﻠﻄﻒ
رﻗﻴﺔ ﻣﻊ ﻣﺮﻭر اﻷﻳﺎﻡ .ﺑﻞ ﻋﺰﻡ ﰲ ﻗﺮارة ﻧﻔﺴﻪ ﻋﲆ اﻟﺰﻭاج ﻣﻨﻬﺎ,
ﻓﺨﻼﻝ ﻣﺮﺿﻪ اﻛﺘﺸﻒ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻭاﻷﺷﺨﺎص ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ
ﻓﻤﺤﻨﺘﻪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻀﺎرة اﻟﻨﺎﻓﻌﺔ ,ﺗﻔﻄﻦ ﻷﺷﻴﺎء ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮﺑﻪ ﱂ ﻳﻠﻖ ﳍﺎ
ﺑﺎﻻ ﺑﺤﻜﻢ اﻧﺪﻓﺎع اﻟﺸﺒﺎب ﻭاﻟﺘﴪع ,ﻭأدرﻙ أﻥ ﻣﻦ ﳛﺒﻪ أﻭﱃ
ﺑﺎﳌﺤﺒﺔ ﻣﻦ ﻏﲑﻩ.
21
"إﻥ ﻛﴪة اﳋﺒﺰ ﻗﺪ ﺗﺒﺪﻭ ﻟﻨﺎ أﻛﱪ ﺣﺠﲈ ﳑﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ
اﻟﻮاﻗﻊ ﺣﲔ ﻧﺮاﻫﺎ ﰲ ﻳﺪ ﻏﲑﻧﺎ ,ﻭﺣﺘﻰ اﳌﺮأة ﻗﺪ ﺗﺒﺪﻭ أﻛﺜﺮ ﲨﺎﻻ
ﻭإﺛﺎرة ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ زﻭﺟﺔ ﻟﻐﲑﻧﺎ ,ﻓﺎﳌﻼﺑﺲ ﻭاﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﻧﻤﻠﻚ
ﻻ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﻘﻴﻤﺘﻬﺎ إﻻ إذا رأﻳﻨﺎ اﻷﺧﺮ ﻳﻠﺒﺴﻬﺎ .ﻫﻲ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺒﴩﻳﺔ
إذﻥ ﳏﺒﺔ ﳌﺎ ﻣﻠﻚ اﻷﺧﺮ دﻭﻣﺎ".
22
23
اﻟﻄﺒﻴﺔ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﺒﺎدﻳﺔ ,ﺑﻌﺪ أﺷﻬﺮ ﻣﻦ اﺳﺘﻘﺮارﻫﺎ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻮﻥ,
رزﻗﺖ ﺑﺘﻮأﻡ ,ﻣﻮﻟﻮد أﺳﻤﺘﻪ ﺧﻠﻴﻞ ﺗﻴﻤﻨﺎ ﺑﻌﻤﻪ اﻟﺬﻱ ﻗﴣ ﻧﺤﺒﻪ ﺑﻌﺪ
ﴏاع ﻣﻊ ﻣﺮض ﻋﻀﺎﻝ أﻣﺎ اﻟﻄﻔﻠﺔ أﺳﻤﺘﻬﺎ ﺻﻔﻴﺔ ﻭﻫﻲ ﻻ ﺗﺰاﻝ
ﲢﻤﻞ ﻭزر ذﻛﺮﻳﺎت أﻟﻴﻤﺔ ﺳﺒﺒﺖ ﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﺑﺄﻛﻤﻠﻬﺎ ﻣﺄﺳﺎة ﻻﺗﻨﺘﻬﻲ .ﰲ
اﳊﻴﺎة ﻗﺪ ﺗﺼﻴﺐ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﺼﺎﺋﺐ ﻋﺪﻳﺪة ,ﻭﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ اﳌﺘﺴﺒﺐ
ﻓﻴﻬﺎ ,ﻏﲑأﻧﻪ ﻻ ﻳﺪرﻙ ذﻟﻚ ﻋﻦ ﻗﺼﺪ أﻭﻏﲑﻗﺼﺪ .ﻭﺣﻴﻨﲈ ﻳﺪرﻙ
ﺟﺬﻭر ذﻟﻚ ﻳﻜﻮﻥ اﻷﻭاﻥ ﻗﺪ ﻓﺎت ﻭﺗﻜﻮﻥ ﻧﻘﻄﺔ ﲢﻮﻝ إﱃ اﻷﺑﺪ ,ﻓﲈ
أﴎع ﺗﻘﻠﺒﺎت اﻷﻳﺎﻡ ﻭﻣﺎ أﻏﺮب ﺗﺼﺎرﻳﻔﻬﺎ ﻭﺷﺆﻭﳖﺎ??.
ﺗﻐﲑت ﺣﻴﺎﲥﺎ ﰲ اﳌﺪﻳﻨﺔ ﻓﺄﺻﺒﺢ ﻣﻦ أﻭﻟﻮﻳﺎﲥﺎ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﻃﻔﻠﻴﻬﺎ,
ﻭاﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﺨﺎﻟﺘﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻘﺪﻡ ﲠﺎ اﻟﺴﻦ ﻛﻠﲈ ﻣﺮت اﻟﺴﻨﻮﻥ .ﻛﺎﻥ
اﳌﺎﴈ ﻳﺘﺒﻌﻬﺎ ﻛﻈﻠﻬﺎ ﺑﻌﺪﻣﺎ أﻳﻘﻨﺖ ﻳﻮﻡ ﻗﺮرت اﻟﺮﺣﻴﻞ ﻋﻦ ﻟﻔﺮﻳﻚ
أﳖﺎ ﻟﻦ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أﻥ ﺗﱪر أﺳﺒﺎب ﻓﻌﻠﺘﻬﺎ ,ﻭﻻ أﻥ ﺗﺪﻓﻊ ﺑﺼﻚ
ﺑﺮاءﲥﺎ ,ﺣﲔ ﻭﻗﻒ اﻟﻜﻞ ﺿﺪﻫﺎ ﻭﲪﻠﻮﻫﺎ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﻣﺎﻭﻗﻊ ,ﻭﻫﻲ
ﺗﺮ ﻧﻈﺮات اﳊﻘﺪ ﻭاﻻزدراء ﰲ ﻋﻴﻮﳖﻢ ,ﺑﻌﺪ أﻥ اﻧﺘﴩ اﳋﱪ ﺑﲔ
اﻟﻔﺮﻛﺎﻥ ﻛﺎﻟﻨﺎرﰲ اﳍﺸﻴﻢ .ﻟﺬﻟﻚ اﺧﺘﺎرت اﻟﺮﺣﻴﻞ ﻋﻨﻬﻢ .ﻭرﻏﻢ
اﻧﺘﻘﺎﳍﺎ إﱃ اﳌﺪﻳﻨﺔ ﻗﴪا ﺑﻘﻴﺖ ذﻛﺮﻳﺎت اﻟﺒﺎدﻳﺔ ﻣﺪﻓﻮﻧﺔ ﻭﳏﻔﻮرة ﰲ
أﻋﲈﻕ ﺳﻠﻮﻛﻬﺎ.
ﻫﻨﺎﻙ ﰲ اﻟﺼﺤﺮاء ﺗﺒﺪﻝ اﳊﺎﻝ ﻋﱪ اﻟﺴﻨﲔ ,ﻓﲈ ﻛﺎﻧﺖ
ﺑﺎﻷﻣﺲ أرﺿﺎ ﻗﺎﺣﻠﺔ ,ﺻﺎرت ﻣﺪﻧﺎ ﻳﺘﺪاﻓﻊ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺒﴩ ﻭاﳊﺪﻳﺪ.
ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﻴﺎﻣﺎ ﰲ ﻏﺎﺑﺔ أﻡ اﻟﺴﻌﺪ ﺑﺎﻟﻌﻴﻮﻥ أﺻﺒﺤﺖ ﺑﻨﺎﻳﺎت
ﻭﺷﻮارع ﻭأزﻗﺔ ﻳﻠﻌﺐ ﻓﻴﻬﺎ اﻷﻃﻔﺎﻝ ,ﻭﺗﺪب ﰲ ﴍاﻳﻴﻨﻬﺎ اﳊﻴﺎة,
24
ﻭﻣﺴﺎﺣﺎت ﻳﻐﺰﻭﻫﺎ اﻹﺳﻤﻨﺖ ﻓﺎﻟﺼﺤﺮاء ﻋﻤﺮاﻥ ﲡﺴﺪ ...ﺗﺮﻋﺮع
ﺧﻠﻴﻞ اﻟﺼﻐﲑ ﰲ أﺣﻀﺎﻥ أﴎة ﺑﺴﻴﻄﺔ ﺟﺪا ﺧﺎﻟﺔ اﻟﻐﺎﻟﻴﺔ اﻟﻄﺎﻋﻨﺔ ﰲ
اﻟﺴﻦ ,اﻣﺒﺎرﻛﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﺮت ﺑﺘﺠﺮﺑﺔ اﻻﻋﺘﻘﺎﻝ اﻟﺴﻴﺎﳼ ,ﻭﱂ ﺗﺴﻠﻢ
اﳌﺮأة اﻟﻘﺼﲑة اﻟﻘﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﻏﺰت اﻟﺘﺠﺎﻋﻴﺪ ﻭﺟﻬﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻄﺶ
اﻟﻈﻠﻢ ,ﻓﻌﻤﻘﺖ اﻟﺴﻨﻮﻥ ﺧﱪﲥﺎ .ﻭﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﳉﺪة اﳊﻜﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ
ﺗﻘﻮﻝ دﻭﻣﺎ ﺑﺼﻮت ﻋﻤﻴﻖ ﺟﺪا ﻛﻠﲈت ﻛﺎﻟﻮﺣﻲ ,ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺗﺮﻛﻴﺰ
ﻛﻞ أﴎار اﻟﺪﻧﻴﺎ ﰲ ﲨﻠﺔ ﻭاﺣﺪة ,ﲡﻤﻌﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﺰﻣﻦ
ﻭﺣﻜﻤﺔ اﻟﺪﻫﻮر .ﻛﺜﲑا ﻣﺎﻛﺎﻧﺖ ﲢﻜﻲ ﳋﻠﻴﻞ ﻋﻦ أﻫﻠﻪ ﻭﺷﻬﺎﻣﺘﻬﻢ
ﻭﻛﺮﻣﻬﻢ ﻭﺗﻘﻮﻝ ﻟﻪ ﺣﺮﻱ ﺑﻚ أﻥ ﺗﻔﺘﺨﺮ ﺑﺎﺳﻤﻚ ﻭأﺻﻠﻚ ﻭذﻭﻳﻚ
رﻣﺰ اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ .ﺗﺎرة ﲢﻜﻲ ﻟﻪ ﻋﻦ أﺑﻴﻪ ,ﻭﺗﺎرة أﺧﺮ ﻋﻦ اﻟﺮﺟﻞ
اﻟﺬﻱ ﳛﻤﻞ اﺳﻤﻪ ﻣﺎ اﻣﺘﺎز ﺑﻪ ﻣﻦ ﺷﺠﺎﻋﺔ ﻭإﻗﺪاﻡ ﻭﺣﻜﺖ ﻣﺎ ﻭﻗﻊ
ﺑﲔ أﻫﻠﻪ ﻭأﻣﻪ ,ﻗﺼﺺ ﺗﻔﻮح ﻣﻨﻬﺎ ذﻛﺮﻳﺎت ﲨﻴﻠﺔ ﻭأﻟﻴﻤﺔ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ
ﻧﻔﺴﻪ .ﻟﻜﻨﻪ ﱂ ﻳﻜﻦ ﻳﻜﱰث ﻛﺜﲑا ﻟﺬﻟﻚ.
ﻭﺗﻘﻮﻝ ﻟﻪ" :ﺳﻨﺮ إﻥ ﻛﺎﻥ ﰲ اﻟﻌﻤﺮ ﺑﻘﻴﺔ ﳌﻦ ﺳﺘﺸﺒﻪ ﻋﻤﻚ
ﺧﻠﻴﻞ أﻡ أﺑﺎﻙ".
ﻛﺜﲑا ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮدد ﹺﻻزﻣﺘﻬﺎ:
دﻓـــﺎرﻭ ﻭأﻣﻈـــﺎﻩ ﺑﻤﻌﻨـــﺎﻩ "اﻟــﺪﻫﺮ دﻓــﺎرﻭ ﻓﻴــﻪ اﳍــﻢ
1
ﺣــﻲ اﻣــﲇ ﻳﻘﻄــﻊ ﺑﻤﻈــﺎﻩ" ﺣـــﺪ أﻗﻄـــﻊ ﺑـــﺪﻓﺎرﻭﻻﺗﻢ
-1ﰲ ﴏﻭﻑ اﻟﺪﻫﺮ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻣﻬﻤﺔ .ﻭاﺗﺮاح)اﻟﺪﻫﺮ( ﻭ اﻓﺮاﺣﻪ ﳍﻢ ﻣﻐﺰ ﻛﺒﲑ
)ﻳﻘﺼﺪ ﺗﺮاﻛﻢ اﻟﺘﺠﺎرب( .ﻓﻤﻦ اﻃﺎﻝ اﷲ ﻋﻤﺮﻩ ﻭﺻﱪ ﻭﲡﻠﺪ ﻟﴫﻭﻓﻪ ﺳﻴﺴﺘﻔﻴﺪ ﺣﺘﲈ
ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺠﺎرب ﻭﻳﺴﺘﻐﻠﻬﺎ ﻟﻠﺘﻐﻠﺐ ﻋﲆ ﻧﻮاﺋﺒﻪ )اﻟﺪﻫﺮ(.
25
ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮدد أﻧﺎء اﻟﻠﻴﻞ دﻋﻮة اﻟﺒﻮﺻﲑﻱ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﱪدة :
"ﻳﺎأﻛﺮﻡ اﳋﻠﻖ ﻣﺎﱄ ﻣﻦ أﻟﻮذ ﺑﻪ
ﺳﻮاﻙ ﻋﻨﺪ ﺣﻠﻮﻝ اﳊﺎدث اﻟﻌﻤﻢ".
ﻛﺎﻧﺖ ﳍﺬﻩ اﳌﺮأة ﻗﺪرة ﻋﺠﻴﺒﺔ ﻋﲆ دب اﳊﲈس ﰲ أﺿﻌﻒ
اﻟﻨﻔﻮس ﻭاﺳﺘﺜﺎرة أﻭﻫﻦ اﻟﻌﺰاﺋﻢ ﻭاﺳﺘﻜﲈﻝ أﻧﻘﺺ اﳍﻤﻢ ﳌﺎ ﻋﺮﻑ
ﻋﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺻﱪ ﻭﻗﻮة ﺷﻜﻴﻤﺔ ,ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﳑﺎﻋﺎﻧﺘﻪ ﻣﻦ ﻧﻮاﺋﺐ اﳊﻴﺎة.
ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﺎﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮدد" :ﺣﺒﺎﺋﻞ اﳋﻠﻖ ﻭإﻥ ﺿﻌﻔﺖ ﻓﺤﺒﻞ اﷲ
ﻣﻔﺘﻮﻝ" .ﺗﻮﰲ زﻭﺟﻬﺎ ﻭﺗﺮﻙ ﺛﻼﺛﺔ أﻃﻔﺎﻝ ,رﺑﺘﻬﻢ إﱃ أﻥ أﺻﺒﺤﻮا
رﺟﺎﻻ ,ﺗﺮﻛﻮﻫﺎ ﻭﺣﻴﺪة ﻭاﻟﺘﺤﻘﻮا ﺑﺼﻔﻮﻑ ﺟﺒﻬﺔ اﻟﺒﻮﻟﻴﺴﺎرﻳﻮ
ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﺎت ﻭﱂ ﻳﺼﻠﻬﺎ ﻣﻦ أﺧﺒﺎرﻫﻢ ﺳﻮ أﳖﻢ ﻣﺎﺗﻮا
ﲨﻴﻌﺎ ﻣﻊ ﺑﺪاﻳﺔ ﺣﺮب اﻹﺧﻮة اﻷﻋﺪاء.
ﻭﻛﲈ ﱂ ﺗﺴﻠﻢ ﻫﻲ اﻷﺧﺮ ﺣﲔ زج ﲠﺎ ﰲ اﻟﺴﺠﻦ ﺑﻌﺪﻣﺎ
ﻭﺟﺪت أﻋﻼﻡ ﻟﻠﺠﺒﻬﺔ ﰲ ﺑﻴﺘﻬﺎ ,اﻗﺘﺤﻢ زﻭار اﻟﻠﻴﻞ ﺑﻴﺘﻬﺎ اﻟﺒﺴﻴﻂ
ﻓﺠﺮا .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺗﺪﻱ ﻣﻠﺤﻔﺎ أﺳﻮدا ,ﻇﻞ ﻳﻠﻒ ﺟﺴﺪﻫﺎ ﻟﺴﻨﻮات.
أﺛﻨﺎء اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻣﻌﻬﺎ ﻛﺎﻥ اﳉﻼد ﻳﻤﻌﻦ ﰲ إذﻻﳍﺎ ﻭﻳﻘﻮﻝ ﳍﺎ" :أﻧﺖ
ﱂ ﻳﺒﻖ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻙ إﻻ ﻳﻮﻣﲔ ,أﻧﺖ ﺑﻌﻤﺮ ﺟﺪﰐ ﻓﻼ ﺗﺼﻠﺤﲔ ﻟﴚء
ﺣﺘﻰ ﻟﻠﴬب" .ﻭﻳﻀﺤﻚ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ .ﻭﻳﺮدد" :ﻭﺟﻪ اﻟﺸﺎرﻓﺔ ﻣﺎ
ﳜﻔﻰ ﻭاﺧﺎ ﲢﻜﻮ ﺑﺎﳊﻠﻔﺔ " ﻭﻫﻲ ﻻﺗﺮد ,ﺑﻘﻴﺖ ﻋﲆ ﻫﺬﻩ اﳊﺎﻝ إﱃ
أﻥ رﺣﻠﺖ إﱃ ﻗﻠﻌﺔ ﻣﻜﻮﻧﺔ ﴍﻗﻲ اﳌﻐﺮب ,ﻣﻊ ﳎﻤﻮﻋﺔ أﺧﺮ ﰲ
ﻃﺎﺋﺮة ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ .ﺣﻈﻮاﺑﺎﺳﺘﻘﺒﺎﻝ ﻣﻬﻴﺐ ﻣﻦ ﴐب ﻣﱪح ﺑﺎﻟﻌﴢ ﱂ
ﻳﻔﺮﻕ اﳉﻼد ﺑﲔ ﻛﺒﲑ ﻭﺻﻐﲑ ,أﻣﻀﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﺴﻊ ﺳﻨﻮات ﻣﻊ
26
ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺴﻮة اﻟﺼﺤﺮاﻭﻳﺎت ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ اﻷﻋﲈر .ذﻗﻦ ﻛﻞ أﻧﻮاع
اﻟﻘﻬﺮ ﻭاﳊﺮﻣﺎﻥ ,ذﻧﺒﻬﻦ اﻟﻮﺣﻴﺪ أﳖﻦ ﻋﺎﻳﺸﻦ ﻣﺎﻳﻌﺮﻑ ﺑﺴﻨﻮات
اﳉﻤﺮ ﻭاﻟﺮﺻﺎص ,ﰲ ﺧﻀﻢ ﻫﺬﻩ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻳﻌﺎﲏ اﻟﺴﺠﺎﻥ ﻣﻦ
ﺻﻤﻮد اﳌﺴﺠﻮﻥ ﻭﻳﻌﺮﻑ اﻷﺧﲑ أﻥ اﻟﺬﻱ ﺑﻴﺪﻩ اﻷﻋﲈر ﻭاﻻرزاﻕ
ﻫﻮ اﷲ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ .ﻭﱂ ﳛﺰ ﰲ اﻟﻘﻠﺐ ﻏﲑ أﻭﻟﺌﻚ اﻷﻃﻔﺎﻝ اﻟﺬﻳﻦ
ﺗﺮﻛﻮا ﻧﻴﺎﻣﺎ ﰲ ﻣﻨﺎزﳍﻢ ,ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ أﻓﺎﻗﻮا ﱂ ﳚﺪﻭا أﻣﻬﺎﲥﻢ .ﻭﻇﻠﻮا
ﻟﺴﻨﲔ ﻃﻮاﻝ ﻳﻨﺘﻈﺮﻭﻥ أﻭﺑﺘﻬﻢ ﺑﺄﻋﲔ داﻣﻌﺔ ﻭﻗﻠﻮب داﻋﻴﺔ ﻭأﻣﻞ
ﻣﻌﺎﻧﺪ ﺑﺠﺮح ﻓﺮاﻕ ﻗﴪﻱ ﲢﺪ اﻟﺰﻣﺎﻥ ﻭﻏﺎﻟﺐ اﻟﻴﺄس ﻭاﻷﺣﺰاﻥ
ﺑﺄﻣﻞ ﻻ ﻳﻨﻄﻔﺊ أﺑﺪا .ﺑﻘﻮا ﰲ اﻟﺰﻧﺎزﻥ إﱃ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺘﺴﻌﻴﻨﺎت ..رﺟﺎﻝ
ﻭﻧﺴﺎء ,اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﺑﴩ ,أﻋﻴﺎﻫﻢ ﺻﻘﻴﻊ ﻭﺣﺮ اﻟﺰﻧﺎزﻥ,
ﻭزﺣﻒ أﻧﻮاع اﳌﺮض ﻭاﻹﳘﺎﻝ ,ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺣﺮﻣﻮا أﺑﺴﻂ اﳊﻘﻮﻕ.
ﻭاﻟﺒﻌﺾ اﻷﺧﺮ اﻧﺘﺰﻋﺖ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻼﻣﺢ اﳌﺮح ﻭاﻟﺒﻬﺠﺔ ,ﻭأﺷﻴﺎء
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺸﻌﺔ زﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب ﻭاﳊﺮﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ ذﻛﺮاﻩ ﻣﺸﻌﺔ ﺑﺎﳊﻴﺎة
ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﴣ ﻧﺤﺒﻪ ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﻨﺤﻪ اﻟﻘﺪر ﻓﺮﺻﺔ أﺧﺮ.
ﺗﺬﻛﺮت اﻣﺒﺎرﻛﺔ ذﻟﻚ اﳌﺴﺎء اﳋﺮﻳﻔﻲ ﺣﲔ زارﻫﺎ ﺿﺒﺎط ﳜﱪﻭﳖﺎ
ﺑﺎﻟﻌﻔﻮ اﻟﺬﻱ ﺣﻈﻴﺖ ﺑﻪ ,ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﺄﻟﻮﻫﺎ" :ﻫﻞ أﻧﺖ ﻓﺮﺣﺔ
ﺑﻤﻜﺮﻣﺔ ﺳﻴﺪﻧﺎ."?..
ﻣﺮت ﳊﻈﺎت ﻭﻫﻲ ﺗﺘﻔﺮس ﰲ اﻟﻮﺟﻮﻩ اﳌﻨﺘﻔﺨﺔ اﻟﻨﺎﺻﻌﺔ
اﳌﺤﺘﻘﻨﺔ ﺑﺎﻟﺪﻣﺎء ,ﻭﻫﻲ أﻣﺎﻣﻬﻢ ﺑﻘﺎﻳﺎ إﻧﺴﺎﻥ .ﻭﺑﻌﺪ ﺻﻤﺖ ﺟﻨﺎﺋﺰﻱ
ﻭﻗﺪ ﺗﻮﻻﻫﺎ اﻟﻔﺮاغ ﻟﻴﺲ ﻷﳖﺎ ﻓﻘﺪت اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﻟﺘﻌﺒﲑﻋﲈ ﳚﻴﺶ
ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻟﺴﻨﻮات أﻭﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﳛﻴﻚ ﰲ ﺻﺪرﻫﺎ ﻣﻨﺬ زﻣﻦ ﰲ ﺣﻮار ﻻ
27
ﻳﻨﺘﻬﻲ ﻣﻊ اﻟﺬات .ﻭاﻵﻥ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﻥ ﺗﻨﻘﻞ ﻣﺎﻛﺎﻥ ﳚﻮﻝ ﺑﺨﺎﻃﺮﻫﺎ ﰲ
ﻫﺬﻩ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﺑﺎﻟﺬات ,ﻓﻬﻲ ﻣﻦ ﻃﻴﻨﺔ اﻟﺒﴩ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺆﻣﻨﻮﻥ ﺑﻮﺟﻮد
ﻧﺎر اﻟﻐﻀﺐ إذا ﱂ ﲢﱰﻕ ﲠﺎ.
ﻗﺎﻟﺖ ﺑﺠﻠﺪ" :ﻟﻘﺪ ﺟﻠﺒﺘﻤﻮﲏ إﱃ ﺟﺤﻴﻢ ﻫﺬا اﳌﻜﺎﻥ,
ﻭﺧﴪت أﻳﺎﻣﺎ ﻣﻦ ﻋﺘﻲ ﺣﻴﺎﰐ .أرﻳﺪ أﻥ أﻋﺮﻑ ﻣﺎﺟﺮ ﻋﲆ ﻭﺟﻪ
اﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﺣﺘﻰ ﺗﻌﻔﻮا ﻋﻨﻲ !!..رﺣﻞ ﻋﻘﺪ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻱ ﰲ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ
ﻭﻻﲥﻤﻨﻲ اﻟﺴﻨﲔ اﻟﺘﻲ ﺗﺄﰐ أﻭ ﺗﻮﻟﺪ ,ﻭﻻ ﲥﻤﻨﻲ اﻟﺒﺘﺔ ﺣﺘﻰ اﻟﺴﻨﲔ
اﻟﺘﻲ ﲤﻮت .ﻓﺰﻣﻨﻲ ﱂ ﻳﻌﺪ ﻣﻮﺟﻮدا .اﻏﺘﺎﻟﺘﻪ ﻋﻘﺎرب ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻈﻠﻢ,
أﻛﻞ اﻟﺪﻫﺮ ﻭاﻟﺴﺠﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻱ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺑﻠﻐﺖ ﻣﻨﻪ ﻋﺘﻴﺎ".
ﺑﻌﺪ ﻋﺎﻡ ﻣﻦ إﻃﻼﻕ ﴎاﺣﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﲈ ﺳﺌﻠﺖ ﻋﻦ أﺣﻮاﳍﺎ
ﻗﺎﻟﺖ" :اﳊﻤﺪ ﷲ ﺑﻌﺪ دش ﺳﺎﺧﻦ ﻭﺳﺎﻋﺔ راﺣﺔ ﺗﻨﺴﻰ ﻛﻞ ﳾء,
ﻫﻲ اﻟﻨﻔﺲ إذﻥ ﴎﻳﻌﺔ اﻟﻌﻄﺐ ,ﻛﲈ أﳖﺎ ﴎﻳﻌﺔ اﻟﺸﻔﺎء ,ﻛﻞ ﳾء
ﻳﻨﺴﻰ ﻣﻊ ﻣﺮﻭر اﻟﺰﻣﻦ" .ﱂ ﺗﻌﻤﺮ ﻃﻮﻳﻼ ﰲ اﳌﻨﺰﻝ ﻣﻊ اﻟﻐﺎﻟﻴﺔ ﻭاﺑﻨﻴﻬﺎ
ﺧﻠﻴﻞ ﻭﺻﻔﻴﺔ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺮﻳﻀﺔ ﺑﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻋﺎﻧﺘﻪ ﻣﻦ ﻫﻮﻝ اﻟﻌﺬاب
ﻭﺗﺪاﻋﻴﺎت ﺳﻨﲔ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ ,ﻋﺎﻧﺖ ﻭﻳﻼت أﻣﺮاض ﳐﺘﻠﻔﺔ ,ﱂ ﺗﻨﻔﻊ
ﻣﻌﻬﺎ أدﻭﻳﺔ .رﺣﻠﺖ إﱃ اﻟﺮﻓﻴﻖ اﻷﻋﲆ ,ﻛﺎﻥ ﻣﺼﲑﻫﺎ اﻟﻨﺴﻴﺎﻥ
ﻛﻐﲑﻫﺎ ,ﻻ إﻧﺼﺎﻑ ﻭﻻ ﻣﺼﺎﳊﺔ ﻋﻮﺿﺎ رﺣﻴﻠﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ
ذﻟﻚ .ﱂ ﺗﻜﻦ ﳍﺎ ذرﻳﺔ ﻏﲑ أﴎة اﻟﻐﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﺬﻟﺖ ﻗﺼﺎر ﺟﻬﺪﻫﺎ
ﻟﺮﻋﺎﻳﺘﻬﺎ ,ﻟﻜﻦ ﺣﺎﳍﺎ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﺑﺪا ﻣﻴﺌﻮﺳﺎ ﻣﻨﻪ .ﻓﻬﺬا اﻟﺼﻨﻒ ﻣﻦ
اﻟﺒﴩ ﻳﺸﻴﺦ ﻭﻳﻤﻮت دﻭﻥ أﻥ ﻳﻌﺮﻑ اﻟﺬﻝ ﻃﺮﻳﻘﻪ إﻟﻴﻪ ,ﻭﻛﺮاﻣﺘﻪ ﻻ
ﻳﺴﺎﻭﻡ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺈﺑﺎء ﺷﺪﻳﺪ.
28
ﻻ ﻳﺘﺬﻛﺮ ﺧﻠﻴﻞ اﻟﺼﻐﲑ ﺷﻴﺌﺎ ﻏﲑ أﻧﻪ ﱂ ﻳﻌﺪ ﻳﺴﻤﻊ ﺻﻮت
اﳉﺪة أﺛﻨﺎء اﻟﻠﻴﻞ ,ﻭﱂ ﻳﺒﻖ ﻣﻌﻪ ﰲ اﻟﺒﻴﺖ اﳌﺘﻮاﺿﻊ ﺳﻮ أﺧﺘﻪ ﻭأﻣﻪ
اﻟﻐﺎﻟﻴﺔ ,ﻫﺬﻩ اﻷﺧﲑة ﻛﺎﻧﺖ اﻣﺮأة ﺷﺪﻳﺪة اﻹﺑﺎء ,ﺗﻌﻴﺶ ﻣﻦ ﻋﺮﻕ
ﺟﺒﻴﻨﻬﺎ ﻭﻛﺪ ﻳﻤﻴﻨﻬﺎ .ﻭﻛﺎﻧﺖ اﻷﴎة ﺗﻘﺘﺎت ﻋﲆ اﻟﻜﻔﺎﻑ ,ﺗﺪﺑﺮ
اﻟﻨﺪرة ﻭﻻ ﺗﻮزع اﻟﻮﻓﺮة ,دﺧﻠﺖ اﻷﻡ ﻣﻌﱰﻙ اﳊﻴﺎة .ﻛﺎﻥ ﳘﻬﺎ
اﻷﻭﻝ ﺗﺮﺑﻴﺔ أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ﻭﱂ ﺗﻮﻝ ﺟﻬﺪا ﰲ ﺗﻌﻠﻴﻤﻬﻢ ,ﺻﻔﻴﺔ ﱂ ﺗﻜﻦ ذات
ﺑﺎﻝ أﻭ ﳍﺎ اﻫﺘﲈﻡ ﺑﺎﻟﺪراﺳﺔ ﺑﺤﻜﻢ أﳖﺎ ﺗﺴﺎﻋﺪ أﻣﻬﺎ ﰲ أﺷﻐﺎﻝ اﳌﻨﺰﻝ
ﻏﺎدرت ﻣﻘﺎﻋﺪ اﻟﺪراﺳﺔ ﰲ اﻟﺴﻨﺔ اﻷﺧﲑة ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻚ اﻹﻋﺪادﻱ,
ﻋﲆ ﺧﻼﻑ ﺧﻠﻴﻞ اﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﳎﺪا ﰲ دراﺳﺘﻪ.
ﺑﻌﺪ ﺗﺪرﺟﻪ ﺣﺘﻰ ﺣﺼﻮﻟﻪ ﻋﲆ ﺷﻬﺎدة اﻟﺒﺎﻛﺎﻟﻮرﻳﺎ أﻣﴣ
ﻋﺎﻣﺎ ﰲ اﳉﺎﻣﻌﺔ ﺑﺄﻛﺎدﻳﺮ,ﻏﲑ أﻥ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﱂ ﺗﺴﺘﻘﺮ ﺑﻔﻌﻞ اﻷﱂ اﻟﺬﻱ
ﻛﺎﻥ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻪ ﻭأﻭﺟﺎع ﻣﺴﺘﻤﺮة ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮ اﻟﻜﲇ ﱂ ﻳﻌﺮﻑ ﳍﺎ
ﺳﺒﺒﺎ ,ﺗﻨﻘﻞ ﺑﲔ ﻣﺴﺘﺸﻔﻴﺎت اﳌﺪﻥ اﻟﻜﱪ ﻛﺎﻟﺪار اﻟﺒﻴﻀﺎء
ﻭاﻟﺮﺑﺎط ,ﻓﻜﺎﻥ ﺟﻞ اﻷﻃﺒﺎء ﻳﻨﺼﺤﻮﻧﻪ ﺑﺎﻟﻌﻼج ﰲ اﳋﺎرج ﺧﺎﺻﺔ
ﻓﺮﻧﺴﺎ أﻭ اﺳﺒﺎﻧﻴﺎ.
ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺟﻬﺰ ﺟﻮاز اﻟﺴﻔﺮ ﻭﻛﻞ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﳌﻄﻠﻮﺑﺔ ,ﻭﻛﺬا
اﻟﺸﻮاﻫﺪ اﻟﻄﺒﻴﺔ ,ﻭرﺳﺎﺋﻞ ﺗﻮﺻﻴﺎت ﳐﺘﻮﻣﺔ ﺑﺈﻣﻀﺎء اﻷﻃﺒﺎء ﺛﻢ
ﺗﻘﺪﻡ ﲠﺎ اﱃ اﻟﻘﻨﺼﻠﻴﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ أﻛﺎدﻳﺮ ,ﻭﺑﻌﺪ اﻧﺘﻈﺎر داﻡ
ﻋﴩﻳﻦ ﻳﻮﻣﺎﻋﺎد اﱃ اﻟﻘﻨﺼﻠﻴﺔ ﳑﻨﻴﺎ اﻟﻨﻔﺲ ﺑﺄﺧﺬ اﻟﺘﺄﺷﲑة ,ﻟﻜﻦ
اﻟﻄﻠﺐ رﻓﺾ دﻭﻥ ﺗﻘﺪﻳﻢ أﺳﺒﺎب ﻭﺟﻴﻬﺔ .ﻧﺼﺤﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺒﺎب
29
اﻟﺬﻳﻦ ﻭﺟﺪﻭﻩ أﻣﺎﻡ اﻟﻘﻨﺼﻠﻴﺔ أﻥ ﻳﻌﻴﺪ ﻭﺿﻊ ﻃﻠﺒﻪ ﰲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ
اﻟﺮﺑﺎط ,ﻓﺈﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﻨﺼﻼ ﻻ ﻳﺮد ﻋﻨﺪﻩ أﺣﺪ ﺧﺎﺻﺔ اﳌﺮﴇ.
ﻋﺎد اﱃ أﴎﺗﻪ ﰲ اﻟﻌﻴﻮﻥ ﳚﺮ أذﻳﺎﻝ اﳋﻴﺒﺔ ,ﻏﲑ أﻥ أﻣﻪ ﱂ
ﺗﻜﻒ ﻋﻦ ﺗﺸﺠﻴﻌﻪ.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﻐﺎﻟﻴﺔ ":ﻻ ﲥﺘﻢ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﺳﻮﻑ أذﻫﺐ ﻏﺪا إﱃ اﳊﺎج
ﳏﻤﺪ اﻟﴩﻳﻒ ﻓﻬﻮ أﺣﺪ أﻋﻴﺎﻥ اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻭﻟﻪ اﻟﻴﺪ اﻟﻄﻮﱃ ﻭﻛﻠﻤﺘﻪ
ﻣﺴﻤﻮﻋﺔ ﻋﻨﺪ اﳌﺨﺰﻥ) .اﻟﺪﻭﻟﺔ(".
ﻗﺎﻝ" :إﻳﺎﻙ ﻳﺎأﻣﺎﻩ! ﻟﻦ ﺗﺬﻫﺒﻲ إﱃ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺒﻮرﺟﻮازﻱ
اﳌﺘﻌﻔﻦ ,ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﻌﺪﻭ أﻥ ﻳﻜﻮﻥ إﻻ أﺣﺪ أﻏﻨﻴﺎء اﳊﺮب .إذا ﻓﻌﻞ
ﻟﻚ ﻣﻌﺮﻭﻓﺎ أذﻟﻚ ﻭأﻓﺸﺎﻩ ﰲ ﲨﻴﻊ اﳌﺠﺎﻟﺲ ,ﻓﻤﺮة ﻭﺟﺪﺗﻪ ﻣﻊ
ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻴﻮخ ﻣﻦ أﻗﺎرﺑﻨﺎ ﻭﳌﺎ ﺳﺄﻝ ﻋﻨﻲ ﻗﺎﻟﻮا :ﻫﺬا ﻓﻼﻥ ﺑﻦ ﻓﻼﻥ,
ﻓﻨﻈﺮ إﱄ ﻧﻈﺮة ﺑﲔ اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ﻭاﻟﺘﻬﻜﻢ ,ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻫﺰ رأﺳﻪ ﻗﺎﻝ :أﻩ
"ﻛﺠﻴﻢ" ﻭﱂ أﻓﻬﻢ إﱃ ﻣﺎ ﻳﻐﻤﺰ ,ﻛﺮﻫﺘﻪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ,
أﺗﺬﻛﺮﻳﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺧﱪﺗﻚ أﻣﺎﻩ ,ﻭﻃﻠﺒﺖ ﻣﻨﻚ أﻥ ﺗﴩﺣﻲ ﱄ ﻣﺎ
ﻳﻌﻨﻲ ﺑﻜﻼﻣﻪ ,ﻭﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﺧﱪﺗﻨﻲ ﺑﺎﳊﻜﺎﻳﺔ ,ﳾء أﻓﺘﺨﺮ ﺑﻪ ﻭﻟﻴﺲ
ﻋﻴﺒﺎ ,ﻛﻮﲏ ﻋﲆ ﻳﻘﲔ ﺣﺘﻰ إﻥ ﱂ ﻳﺒﻖ ﻏﲑﻩ ,ﻓﻠﻦ أذﻫﺐ إﻟﻴﻪ ﻹﻳﲈﲏ
اﻟﺸﺪﻳﺪ ﺑﻤﻘﻮﻟﺔ ﺑﺎﻟﺰاﻙ" ﻭراء ﻛﻞ ﺛﺮﻭة ﻛﺒﲑة ﺟﺮﻳﻤﺔ ﻣﺎ" ﻛﺎﻧﺖ
أﻣﻪ −ﺑﺪاﻓﻊ اﳋﻮﻑ ﻭاﻟﻌﻄﻒ −ﺗﺮﻳﺪ أﻥ ﺗﻔﻌﻞ أﻱ ﳾء ﻷﺟﻠﻪ,
ﻟﻜﻨﻪ ﻃﻤﺄﳖﺎ أﻥ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻻزاﻟﺖ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﰲ اﻟﺮﺑﺎط.
30
ﻗﺎﻝ ﳐﺎﻃﺒﺎ أﻣﻪ" :ﻋﻨﺪﻣﺎ أﲡﻬﺰ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﺳﺄﺷﺪ اﻟﺮﺣﺎﻝ إﱃ
ﻫﻨﺎﻙ".
ﺑﻌﺪ أﺷﻬﺮﻋﺎﻭد ﺧﻠﻴﻞ اﻟﻜﺮة ﻭﺗﻘﺪﻡ ﺑﻄﻠﺐ اﻟﺘﺄﺷﲑة ﻣﺮة
أﺧﺮ ﺑﻨﻔﺲ اﻹﺟﺮاءات ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ ,اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ﻭدﻓﻊ إﺟﺮاءات
اﻟﺘﺄﻣﲔ ...ﻭﻃﻔﻖ ﻳﻨﺘﻈﺮ ,ﻣﺮ أﺳﺒﻮع ..ﻋﴩة أﻳﺎﻡ ..ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﻳﺘﺤﻘﻖ
ﻣﻦ ﺻﻨﺪﻭﻕ اﻟﱪﻳﺪ ,ﻛﻠﻞ اﻟﻄﻠﺐ ﺑﺎﻟﺮﻓﺾ ﻣﺮة أﺧﺮ ,ﻟﻜﻨﻪ ﱂ
ﻳﻴﺄس ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺷﻌﻮرﻩ ﺑﺎﻟﻐﺒﻦ ,ﻫﻮ ﻟﻦ ﻳﺬﻫﺐ إﱃ ﻫﻨﺎﻙ ﻃﻠﺒﺎ
ﻟﻠﺮزﻕ أﻭاﻟﻌﻤﻞ ﻭ اﻹﻗﺎﻣﺔ ,ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﻤﻊ داﺋﲈ أﺛﻨﺎء ﺗﻨﻘﻼﺗﻪ ﻋﱪ
ﻣﺴﺎﻓﺎت ﻃﻮﻳﻠﺔ ﰲ ﺳﻔﺮ ﻛﻠﻪ ﻋﺬاب ﻗﻴﺎﺳﺎ اﱃ ﺣﺎﻟﺘﻪ اﳌﺮﺿﻴﺔ,
أﺻﻮات اﺣﺘﺠﺎج ﺗﻨﺒﻌﺚ ﻣﻦ داﺧﻠﻪ ﻭﳜﺎﳉﻪ ﺷﻌﻮرﺑﺄﻥ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ
ﺣﻘﻪ إﻧﺴﺎﻧﻴﺎ ﻳﺴﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺣﺘﲈ ﻫﻮ أﻏﲆ ﻣﺎﻳﻤﻠﻚ "ﺻﺤﺘﻪ" .ﻋﲆ
اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻫﺬا ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻃﻴﻨﺔ اﻟﺒﴩ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺆﻣﻨﻮﻥ أﻥ "ﻻ"
ﺧﻠﻘﺖ ﻣﻌﻬﺎ "ﻧﻌﻢ" .ﻭﻋﻤﻮﻣﺎ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻭﺿﻌﻪ اﻟﺼﺤﻲ ﰲ ﻫﺬﻩ
اﻟﻔﱰة ﻣﺴﺘﻘﺮا ﻭأﻗﺮب إﱃ اﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﺑﺎﻟﻘﺪر ﻭاﳋﻨﻮع ﻟﻪ ,ﻟﺬﻟﻚ
ﺗﻌﺎﻳﺶ ﻣﻌﻪ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﺼﻌﻮﺑﺎت ﻭاﻟﻨﻮاﺋﺐ.
ﻛﺎﻥ ﻟﺪﻳﻪ إﻳﲈﻥ ﺷﺪﻳﺪ أﻥ اﻹﻧﺴﺎﻥ إذا ﻋﺰﻡ ﻭﺧﻄﻂ ﺟﻴﺪا
ﻭﻗﺎﻡ ﺑﻮاﺟﺒﻪ ﻋﲆ أﻛﻤﻞ ﻭﺟﻪ ,إذا ﻛﺎﻥ ﻓﻌﻼ ﻣﺴﺘﻌﺪا ﻟﺘﺤﻤﻞ اﳌﺸﻘﺔ
ﻭﺟﺮﻋﺎت اﻷﱂ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺆﻗﺖ ,ﻓﻌﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻻﻧﺰﻋﺎج ﻭاﻟﻀﻴﻖ
ﻭﺣﺘﻰ اﻹﺣﺒﺎط ﻭﺗﺜﺒﻴﻂ اﻟﻌﺰاﺋﻢ ﻭاﳍﻤﻢ ,ﻓﻘﻂ اﻟﺼﱪﻛﻔﻴﻼ ﺑﺘﻐﻴﲑﻙ
اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﻋﲆ اﻷرض ﻟﺼﺎﳊﻚ ﺣﺘﻰ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻈﺮﻭﻑ ﺿﺪﻙ.
ﻓﺄﻧﺖ ﻟﺴﺖ ﻭﻟﻴﺪﻫﺎ ,ﺑﻞ ﻫﻲ ﻭﻟﻴﺪﺗﻚ ,إذا ﻋﺸﺖ ﲠﺬا اﳌﺒﺪأ
31
ﺳﺘﻜﻮﻥ ﺧﺼﲈ ﻗﻮﻳﺎ ﻻﻳﻘﻬﺮ ,ﻭﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺗﻌﺘﱪﻩ ﻗﻼﻋﺎ ﻣﻦ ﺻﺨﻮر
ﻣﺎﻫﻲ إﻻ ﺣﺼﻮﻥ ﻣﻦ ﻭرﻕ ,ﻟﺘﺤﺼﻞ ﻓﻴﲈ ﺑﻌﺪ ﻋﲆ اﻟﺮﴇ
ﻭاﻹﺣﺴﺎس ﺑﺎﻟﻨﺠﺎح اﻟﻘﺎدر ﻋﲆ إزاﺣﺔ أﺛﻘﻞ اﻻﻋﺒﺎء.
ﻛﺎﻧﺖ اﻷﴎة ﺗﻘﴤ ﻓﺼﻞ اﻟﺼﻴﻒ ﰲ ﺷﺎﻃﺊ ﻓﻢ اﻟﻮاد
ﻏﺮب ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻮﻥ ,ﻫﻨﺎﻙ اﻟﺘﻘﻰ ﺧﻠﻴﻞ أﺣﺪ أﻗﺮﺑﺎﺋﻪ ,اﺑﻦ ﺧﺎﻟﻪ
ﻭﺻﺪﻳﻖ دراﺳﺘﻪ اﻟﺒﺸﲑ ,ﻭﻛﺎﻥ ﺑﻴﻨﻬﲈ ﺷﺒﻪ ﻛﺒﲑ ,ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ
اﻷﺻﺪﻗﺎء ﰲ اﻟﺪراﺳﺔ ﻳﻈﻨﻮﻥ أﳖﻢ إﺧﻮة .ﻋﻘﺐ ﺳﻨﲔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻛﺎﻥ
ﺷﺎﺑﺎ ﺗﻔﻴﺾ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﺮﻭﺳﻴﺔ.
ﺑﻌﺪ اﻟﺴﻼﻡ ﻭﻋﻨﺎﻕ ﺣﺎر ,دﺧﻼ ﰲ دردﺷﺔ ﻟﻴﻠﻴﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻋﲆ
اﻟﺸﺎﻃﺊ ,ﺣﻜﻰ ﻟﻪ أﻧﻪ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﲆ أﻋﺘﺎب اﻟﺜﻼﺛﲔ ﻳﺘﺴﻜﻊ ﰲ
أزﻗﺔ اﻟﻌﻴﻮﻥ ﻭﻳﺴﺘﻨﺪ إﱃ اﳊﺎﺋﻂ ﻃﻮاﻝ اﻟﻮﻗﺖ ,ﻳﻘﺘﺴﻢ ﺳﻴﺠﺎرة
رﺧﻴﺼﺔ ﻣﺘﺨﲈ ﺑﺄﻭﺟﺎع اﳋﻴﺒﺎت ﻭاﳋﺴﺎرة ﻭاﻷﻓﻖ اﳌﺴﺪﻭد ﻭاﳊﻴﺎة
اﻟﺒﺎﻃﻠﺔ ,أﺿﺤﻰ ﻣﻘﻴﲈ ﺑﺈﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻳﺸﺘﻐﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﻧﺎدﻻ ﰲ ﻓﻨﺪﻕ.
ﻭﻳﻀﻴﻒ" :ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻗﺮب اﳌﺴﺎﻓﺔ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻭﺑﲔ أﻭرﻭﺑﺎ,
ﻭﻓﺎرﻕ اﻟﺘﻮﻗﻴﺖ اﻟﺒﺴﻴﻂ اﻟﺬﻱ ﻻﻳﺘﺠﺎﻭزﺳﺎﻋﺔ ﻭاﺣﺪة ,ﻟﻜﻨﻬﻢ ﰲ
اﻟﻮاﻗﻊ ﻳﻔﻮﻗﻮﻧﻨﺎ ﺑﻤﺌﺎت اﻟﺴﻨﲔ اﻟﻀﻮﺋﻴﺔ ﰲ اﻟﺘﺤﴬ ﻭﺿﲈﻥ ﺣﻘﻮﻕ
اﳌﻮاﻃﻦ ,ﻓﺎﻟﻌﻘﺪ اﻻﺟﺘﲈﻋﻲ اﻟﺬﻱ ﺟﺎء ﺑﻪ ﺟﻮﻥ ﻟﻮﻙ ﺑﲔ اﳊﺎﻛﻢ
ﻭاﳌﺤﻜﻮﻡ ﻗﺎﺋﻢ ﻓﻌﻼ ﻟﻴﺲ ﻛﲈ ﰲ ﺑﻼدﻧﺎ ﻧﻌﺎﻣﻞ ﻛﺮﻋﺎﻳﺎ ..ﺑﻞ اﻟﺸﻌﺐ
ﰲ ﻧﻈﺮﺣﻜﺎﻣﻨﺎ أﻃﻔﺎﻝ ﻗﺎﴏﻭﻥ ,ﻓﻜﻞ ﻣﻦ ﻳﻨﻈﺮ إﱃ ﺣﺎﻟﻨﺎ ﻻﳚﺪ
ﺗﻔﺴﲑا ﳍﺬا اﻟﻮاﻗﻊ ﺳﻮ ﻇﻠﻢ اﻟﻮﻻة ﻭارﺗﺸﺎء اﻟﻘﻀﺎة ,ﻭﺿﻴﺎع
32
اﳊﻘﻮﻕ ﺑﲔ ﻋﺎﻣﻞ ﺟﺎﻫﻞ ﻭﻗﺎض ﻣﺘﺠﺎﻫﻞ ,ﻭﺑﺬﻟﻚ ﺗﻘﻤﻊ اﳊﺮﻳﺎت
ﻭﺗﺼﺎدر اﳌﻤﺘﻠﻜﺎت ﲢﺖ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻣﻦ اﳌﺘﻄﻠﺒﺎت اﻟﺘﻲ ﻣﺎ أﻧﺰﻝ اﷲ ﲠﺎ
ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺎﻥ .ﻛﻔﻰ اﷲ اﳌﻮاﻃﻨﲔ ﴍ اﳊﺮﻳﺔ ,ﻓﺎﳊﻴﺎة ﻫﻨﺎﻙ ﻓﻌﻼ
ﳐﺘﻠﻔﺔ ﺟﺪا" .ﻭأﺿﺎﻑ أﻧﻪ ﻳﻤﴤ اﻟﻌﻄﻠﺔ ﻛﻞ ﺻﻴﻒ ﻣﻊ أﻫﻠﻪ
ﺑﺎﻟﻌﻴﻮﻥ.
ﺣﻜﻰ ﻟﻪ ﺧﻠﻴﻞ ﻋﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻭﻣﻌﺎﻧﺎﺗﻪ ﻭﺳﻔﺮﻩ اﻟﺪاﺋﻢ إﱃ
اﻟﺸﲈﻝ ,ﻭﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻌﻮﺑﺎت اﳉﻤﺔ اﻟﺘﻲ اﻋﱰﺿﺖ ﺳﺒﻴﻠﻪ ﰲ
اﳊﺼﻮﻝ ﻋﲆ اﻟﺘﺄﺷﲑة ﻗﺼﺪ اﻟﻌﻼج ,ﻭ ﻇﺮﻭﻓﻪ اﻟﺘﻲ ﱂ ﺗﻌﺪ ﺗﺴﺎﻋﺪﻩ
ﻋﲆ ﲢﻤﻞ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﳌﺼﺎرﻳﻒ.
ﻗﺎﻝ ﺧﻠﻴﻞ" :ﰲ ﺣﺪﻳﺜﻲ ﻛﻨﺖ أﻇﻬﺮ ﻧﻔﴘ راﺿﻴﺎ ﺑﻘﺪرﻱ,
ﻭأﻧﻪ ﱂ ﻳﻌﺪ ﱄ ﰲ اﳊﻴﺎة ﺳﻮ ﻫﺪﻑ ﻭاﺣﺪ ﻫﻮ اﻟﺴﻔﺮ ﻭاﻟﻌﻼج
ﻓﻘﻂ".
ﺑﻌﺪ ﺻﻤﺖ ,ﻗﺎﻝ اﻟﺒﺸﲑ" :أﱂ ﺗﻔﻜﺮ ﺑﺎﳍﺠﺮة اﻟﴪﻳﺔ ﻳﻮﻣﺎ,
ﻓﻜﲈ ﺗﻌﺮﻑ اﳊﺮﻛﺔ ﻧﺸﻴﻄﺔ ﻫﺬﻩ اﻷﻳﺎﻡ ,ﻭﻧﺤﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻧﺴﻤﻊ ﻳﻮﻣﻴﺎ
ﻋﻦ ﻋﴩات اﻟﻘﻮارب ﺗﺼﻞ إﱃ ﺟﺰر اﻟﻜﻨﺎرﻱ".
أﺟﺎب ﺧﻠﻴﻞ" :أﻧﺎ أﻛﺮﻩ أﻥ أﺟﺎزﻑ ﺑﺤﻴﺎﰐ ,ﻭأﻥ أﻛﻮﻥ
ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﻀﻴﺎع ﰲ ﻗﻮارب اﳌﻮت ﻏﺮﻗﺎ ﻭﻃﻌﺎﻣﺎ ﻟﻠﺴﻤﻚ ,ﻟﻜﻦ ﰲ
ﻇﻞ ﻫﺬﻩ اﻟﻈﺮﻭﻑ ﻳﻈﻞ ﺧﻴﺎرا ﳏﺘﻤﻼ ﻭ ﳐﻄﻄﺎ ﺑﺪﻳﻼ".
ﻗﺎﻝ اﻟﺒﺸﲑ" :ﻻ ﺗﻔﻘﺪ اﻷﻣﻞ ,ﻧﺤﻦ ﰲ اﳊﻴﺎة ﻧﺠﺎﻫﺪ,
ﻧﺤﺎرب ,ﻧﺠﺮﻱ ,ﻣﺪرﻛﲔ ﰲ أﻋﲈﻗﻨﺎ أﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺧﻂ ﳖﺎﻳﺔ ﻋﻠﻴﻨﺎ
33
ﺑﻠﻮﻏﻪ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ أﺣﻼﻣﻨﺎ ",ﺛﻢ أﺿﺎﻑ" :أﻧﺎ ﻇﻠﻠﺖ أﺧﻄﻂ ﳍﺠﺮﰐ
ﺳﺘﺔ أﺷﻬﺮ ,ﻭأﺑﺤﺮت ﰲ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺷﺤﻦ ﻣﻦ اﳌﺮﺳﻰ ﻟﻜﻦ اﻟﺜﻤﻦ اﻟﺬﻱ
دﻓﻌﺘﻪ ﻛﻠﻔﻨﻲ اﻟﻜﺜﲑ ﲨﻌﺘﻪ ﺑﺸﻖ اﻷﻧﻔﺲ".
ﺛﻢ أردﻑ" :ﻻ أﺧﻔﻴﻚ ﴎا ,اﳊﻤﺪ ﷲ أﻧﻨﻲ اﺳﱰﺟﻌﺖ
ﻫﺬا اﳌﺒﻠﻎ ﻣﻀﺎﻋﻔﺎ ﻋﱪ ﺟﻠﺐ ﺳﻴﺎرات ﻭﺑﻴﻌﻬﺎ ﻛﻞ ﺻﻴﻒ".
أﺧﺬﳘﺎ اﳊﺪﻳﺚ ﺑﻌﻴﺪا ﻭﳘﺎ ﺟﺎﻟﺴﺎﻥ ﺑﲔ اﳊﴡ ﻋﲆ ﺿﻮء
اﻟﻘﻤﺮ ﻭﻫﺪﻳﺮ أﻣﻮاج اﻟﺒﺤﺮ .أﺧﺮج ﺧﻠﻴﻞ ﺗﻨﻬﻴﺪة ﻋﻤﻴﻘﺔ ,ﻛﺎﻥ ﺣﻘﺎ
ﺷﺎرد اﻟﺬﻫﻦ ﻭﻗﺪ ﲤﻠﻜﺘﻪ ﻓﻜﺮة أراد أﻥ ﻳﺒﻮح ﲠﺎ ﳌﺆﻧﺴﻪ اﻟﺬﻱ ﺣﺎﻭﻝ
أﻥ ﻳﻠﺘﻘﻄﻪ ﻣﻦ ﻏﻴﺎﺑﻪ ﺑﻌﺪ ﺻﻤﺖ.
ﻗﺎﻝ" :ﻣﺎﺑﻚ إﱃ أﻳﻦ ﴎﺣﺖ?".
أﺟﺎب ﺧﻠﻴﻞ":أﻭ ﺗﻌﺮﻑ ﻛﺜﲑا ﻣﺎ ﺳﻬﺮت ﻟﻴﺎﱄ ذﻭات
اﻟﻌﺪد أﻧﺪب ﺣﻈﻲ اﻟﻌﺎﺛﺮ ,ﻭﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﺎ راﻭدﺗﻨﻲ أﺣﻼﻡ أﻥ أﺟﻠﺲ
ﻋﲆ اﻟﺸﺎﻃﺊ اﳌﻘﺎﺑﻞ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺷﻮاﻃﺊ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻭأﻧﺎ أﲣﻴﻞ اﳌﻨﻈﺮ ﻣﻦ
ﻫﻨﺎﻙ ,ﻛﺜﲑاﻣﺎ ﺟﺎﻝ ﺑﺨﺎﻃﺮﻱ".
ﻭﻗﺎﻝ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ﻭاﻟﱰدد ﳛﺎﴏﻩ" :إذا ﱂ أﻛﻦ ﻣﻘﺘﻨﻌﺎ ﺑﲈ
أﻃﻠﺐ ﻓﻜﻴﻒ ﺳﻴﻘﺘﻨﻊ اﻟﺒﺸﲑ ﺑﺴﺆاﱄ ﻭﻳﺮدد :ﻓﻠﻴﻜﻦ ﺳﺆاﱄ ﻋﻦ
اﻗﺘﻨﺎع ﺳﺄﺟﻌﻠﻪ ﻳﺜﻖ ﺑﲈ أرﻳﺪ" رﻭﻳﺪا ..رﻭﻳﺪا ﺳﻴﻄﺮت ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻔﻜﺮة
أﻥ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻪ.
ﺳﺄﻏﺎﻣﺮ إذا ﻧﺠﺤﺖ ,ﺳﺄﻗﻮﻝ آﻧﺬاﻙ أﻧﻪ أرﻭع ﻗﺮار اﲣﺬﺗﻪ
ﰲ ﺣﻴﺎﰐ ﰲ ﻇﻞ ﻏﻴﺎب اﻟﺒﺪاﺋﻞ .أﻋﻠﻢ أﻧﻪ ﻗﺮار ﺻﻌﺐ ﻟﻜﻨﻪ ﺣﺘﲈ إذا
34
ﻧﺠﺢ ﺳﻴﻐﲑ ﺣﻴﺎﰐ .ﻭﺳﺄﻋﺰﻡ ﻋﲆ اﻷﻣﺮ ,ﻛﺎﻥ اﻷﻭاﻥ ﻗﺪ ﺣﺎﻥ ﻛﻲ
أﻃﻠﻖ اﺧﺮ اﻟﺴﻬﺎﻡ ﻣﻦ ﺟﻌﺒﺘﻲ ".ﻫﻜﺬا ﻭاﺟﻪ ﺗﺮددﻩ ﻭﺣﺪث ﻧﻔﺴﻪ.
ﻭﻗﺎﻝ ":ﺻﺪﻳﻘﻲ ﻟﺪﻱ ﻋﻨﺪﻙ ﻃﻠﺐ ﻭرﺟﺎء ﻟﻮ ﺣﻘﻘﺘﻪ ﱄ
ﺳﻮﻑ أﻛﻮﻥ ﻣﺪﻳﻨﺎ ﻟﻚ ﻣﺎﺣﻴﻴﺖ".
ﻗﺎﻝ اﻟﺒﺸﲑ ﻭﻫﻮ ﻣﺪﻫﻮش ﻛﻞ اﻟﺪﻫﺸﺔ ,ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻓﺎﺟﺄﻩ ﻛﻼﻡ
ﺧﻠﻴﻞ " :ﻧﻌﻢ ﺗﻔﻀﻞ ,ﻣﺎﻫﻮ ﻃﻠﺒﻚ?".
ﻗﺎﻝ ":أﻋﺮﻑ أﻥ اﳌﻮﺿﻮع ﺻﻌﺐ ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﺴﺘﺤﻴﻼ".
ﻭأردﻑ":إﻥ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﺷﺒﻪ ﻛﺒﲑ ﻛﲈ ﺗﻌﺮﻑ ,ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻚ
إﻋﻄﺎﺋﻲ ﻭﺛﺎﺋﻘﻚ ﻛﻲ أﺳﺎﻓﺮ ﲠﺎ ,إذا أﻣﻜﻦ ﻓﺄﻧﺎ ﱂ أﻗﻞ ﻟﻚ ﻫﺬا
اﻟﻜﻼﻡ ﺣﺘﻰ ﺗﺄﻛﺪت ﺑﺄﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﺪﻱ ﺑﺪﻳﻞ".
ﻻذ رﻓﻴﻘﻪ ﺑﺎﻟﺼﻤﺖ ﻃﻮﻳﻼ ,ﳊﻈﺎت ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻜﲑ ﺑﺈﻣﻌﺎﻥ ,ﺛﻢ
ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﻔﺎﺟﺊ اﺳﺘﻮ ﻭاﻗﻔﺎ ﻭاﺑﺘﻌﺪ ﺧﻄﻮﺗﲔ.
أﺣﺠﻢ ﺧﻠﻴﻞ ﻋﻦ اﻟﻜﻼﻡ ﺣﺘﻰ ﻳﺮ ردة ﻓﻌﻠﻪ..
أﺟﺎب اﻟﺒﺸﲑ" :ﻟﻨﻀﻊ اﳌﻮﺿﻮع ﺟﺎﻧﺒﺎ اﻵﻥ ,ﻟﻜﻨﻪ ﺗﺎﺑﻊ:
"ﻛﲈ ﺗﻌﺮﻑ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻗﺪ ﻳﴬ ﺑﻨﺎ ﻣﻌﺎ ,ﻭﻳﺪﻣﺮ ﻣﺴﺘﻘﺒﲇ ﺑﺎﳌﺮة".
ﻭﺗﻮﻗﻒ ﻋﻦ اﻟﻜﻼﻡ ﻟﱪﻫﺔ ﻗﺎﺋﻼ" :ﺣﺴﺐ ﲡﺮﺑﺘﻲ ﻓﺎﻟﻘﺮارات
اﳌﺼﲑﻳﺔ ﺗﺆﺧﺬ ﻋﲆ ﻣﻬﻞ داﺋﲈ ﻭﻣﻦ ﺧﻼﻝ اﻟﻨﻈﺮة اﳌﺘﻔﺤﺼﺔ ﻟﻠﺤﻴﺎة
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺨﻄﻂ ﻟﴚء ﻣﺎ ﻭﺣﺘﻰ ﳖﺪئ ﻣﻦ ﲪﺎﺳﻨﺎ ﻧﻜﻮﻥ ﰲ ﺣﺎﺟﺔ
ﻣﺎﺳﺔ إﱃ ﺷﺨﺺ ﻳﺒﲔ ﻟﻨﺎ ﺛﻐﺮة ﺗﻔﻜﲑﻧﺎ ,ﻭﻗﺪ ﻳﻨﻘﺬﻧﺎ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻣﻦ
35
ﴍ ﻣﺎ ﻗﺮرﻧﺎﻩ" ,ﺛﻢ ﺻﻤﺖ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻜﻨﻪ اﺳﺘﺪرﻙ" :ﻋﲆ ﻛﻞ
ﺣﺎﻝ أﻋﻄﻨﻲ ﻣﻬﻠﺔ ﻟﻠﺘﻔﻜﲑ".
ﻗﺎﻝ اﳋﻠﻴﻞ" :ﻧﻌﻢ" ,ﻭﻫﻮﳛﺎﻭﻝ أﻥ ﻻ ﳛﺮج ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺈﻟﻘﺎء
ﲨﻠﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ .ﱂ ﻳﻜﻦ ﻭاﺛﻘﺎ أﻧﻪ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أﻥ ﻳﻤﻨﻊ ﺻﻮﺗﻪ ﻣﻦ اﻻرﲡﺎﻑ,
ﻟﻜﻨﻪ أﺿﺎﻑ" :ﻣﻦ ﺣﻘﻚ ﺧﺬ ﻛﺎﻣﻞ ﻭﻗﺘﻚ ,ﻟﻜﻦ ﺗﺬﻛﺮ أﻧﻚ ﺳﺘﻨﻘﺬ
ﺣﻴﺎﰐ ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﺳﺄﻛﻮﻥ ﻣﺪﻳﻨﺎ ﻟﻚ ﲠﺎ ".ﺛﻢ اﻓﱰﻗﺎ...
ﺑﻌﺪ ﻳﻮﻣﲔ اﻟﺘﻘﻴﺎ ﰲ اﳌﻜﺎﻥ ﻧﻔﺴﻪ .ﻫﺎج ﻗﻠﺐ اﳋﻠﻴﻞ ﻭﻣﺎج
ﻭﻫﻮ ﳜﻔﻖ ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻣﺘﺤﺎﻥ ﻣﺎ.
ﻗﺎﻝ اﻟﺒﺸﲑ" :ﻭاﷲ ﻳﺎ أﺧﻲ ,ﻓﻜﺮت ﰲ اﳌﻮﺿﻮع ﻣﻠﻴﺎ",
ﻭرأ ﰲ ﻋﻴﻨﻲ ﺧﻠﻴﻞ اﳊﺰﻥ ,ﻭﺳﻠﻢ ﺑﺄﻧﻪ ﻗﺪ رﻓﺾ ﻃﻠﺒﻪ ,ﻟﻜﻨﻪ
أردﻑ" :ﻣﺎذا ﺗﺮﻳﺪﲏ أﻥ أﻗﻮﻝ" ﻭﻓﺠﺄة رﻓﻊ رأﺳﻪ ,ﻭﻧﻈﺮ إﻟﻴﻪ
ﻣﺒﺎﴍة ﻭﺣﺪﻕ ﰲ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻃﻮﻳﻼ ﺣﺘﻰ ﺧﺎﻟﻪ ﺧﻠﻴﻞ دﻫﺮا ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ.
اﺑﺘﺴﻢ ﻭﺧﺮﺟﺖ اﳊﺮﻭﻑ ﺗﺒﺎﻋﺎ ﺗﺮﺳﻢ "أﻧﺎ ﻣﻮاﻓﻖ"...
ﻭاﻏﺮﻭرﻗﺖ ﻋﻴﻨﺎﻩ ﺑﺪﻣﻮع اﻻﻣﺘﻨﺎﻥ ,ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ أدرﻙ أﻥ اﻟﻨﺎس
ﻣﻌﺎدﻥ .ﻭﱂ ﻳﺸﻌﺮ إﻻ ﻭﻫﻮ ﻳﻀﻤﻪ ﺑﲔ ذراﻋﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻛﺎدت ﺗﻨﻘﻄﻊ
أﻧﻔﺎﺳﻪ .ﲣﻴﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﳛﻠﻢ ﻭﱂ ﻳﺼﺪﻕ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻊ.
"ﻣﺎ أﲨﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺎت ﻭذاﻙ اﻟﻔﺮح اﻟﺬﻱ اﻋﱰاﲏ ﻗﺎدﻣﺎ
ﻣﻦ أﻋﲈﻗﻲ اﻟﺪﻓﻴﻨﺔ ".ﻫﻜﺬا ﳛﺪث ﻧﻔﺴﻪ ﻛﻠﲈ اﺳﱰﺟﻊ ﴍﻳﻂ ﺗﻠﻚ
اﻟﻠﺤﻈﺔ.
36
ﻛﺎﻥ اﻟﺒﺸﲑ ﻳﺒﺘﺴﻢ ﻭﻳﻘﻮﻝ" :ﻛﻢ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻣﻦ ﺧﻠﻴﻞ? ﻓﻘﻂ
ﻭاﺣﺪ" .ﻭأﺧﺬ ﻳﺮﺑﺖ ﻋﲆ ﻛﺘﻒ ﺧﻠﻴﻞ
ﻭﻳﻘﻮﻝ" :ﻳﺎرﺟﻞ ﻻ ﲥﺘﻢ دﻋﻨﺎ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻦ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ
ﻭﺟﺐ أﻥ ﺗﻌﺮﻑ أﻥ أﻓﻀﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﳚﺐ أﻥ ﲤﺮ ﻣﻨﻪ ﻫﻮ ﻣﻴﻨﺎء ﻃﻨﺠﺔ.
ﺣﺎﻭﻝ أﻥ ﲡﻬﺰ ﻧﻔﺴﻚ ﻟﻠﺴﻔﺮ اﻷﺳﺒﻮع اﻟﻘﺎدﻡ ,ﺳﻮﻑ ﻧﺴﺎﻓﺮ ﻣﻌﺎ أﻧﺎ
ﺳﻮﻑ أﻣﺮ ﻋﲆ ﻣﺮاﻛﺶ ﻭﱄ ﻏﺎﻳﺔ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺪار اﻟﺒﻴﻀﺎء ,ﻭﻣﻦ
ﻫﻨﺎﻙ ﻧﻔﱰﻕ ,ﺗﻜﻤﻞ أﻧﺖ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﰲ اﻟﻘﻄﺎر ﻭأﺑﻘﻰ أﻧﺎ ﻫﻨﺎﻙ,
ﺳﻨﺘﺤﺪث ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﻣﻮر اﻟﺸﻜﻠﻴﺔ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ إذا ﻧﺠﺤﻨﺎ ﻓﻬﻮ ﻣﺎ
ﻧﺤﺐ ,أﻣﺎ إذا ﻗﺪر اﷲ ﺷﻴﺌﺎ آﺧﺮ ﻓﻠﻜﻞ ﺣﺎدث ﺣﺪﻳﺚ ,ﻭﻟﻜﻞ ﻣﻘﺎﻡ
ﻣﻘﺎﻝ ,ﻟﻜﻦ أﻫﻢ ﳾء أﻥ ﻳﺒﻘـﻰ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﴎا ﺑﻴﻨﻨـﺎ ,ﻷﻥ ﱄ إﻳﻤـﺎﻧﺎ
راﺳﺨﺎ ﺑﺄﻧﻚ إذا أردت أﻥ ﺗﻔﻌﻞ أﻱ ﺷﻴﺊ ﻓﺎﺳﺘﻌﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻜﺘﲈﻥ,
إذا أردت أﻥ ﺗﺴﺎﻓﺮ ﻓﻼ ﲣﱪ أﺣﺪا ,ﻋﺶ ﺣﻴﺎﺗﻚ ﺑﺘﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ ﻭﻻ
ﲣﱪ أﺣﺪا ,ﻏﺎﻣﺮ ﻭﻻ ﲣﱪ أﺣﺪا ﻓﺎﻟﻨﺎس ﻳﻔﺴﺪﻭﻥ اﻷﺷﻴﺎء إذا
ﺧﱪﻭﻫﺎ".
ﻗﺎﻝ ﺧﻠﻴﻞ" :ﻻﲥﺘﻢ".
ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ذﻫﺐ ﻛﻞ إﱃ ﺣﺎﻝ ﺳﺒﻴﻠﻪ.
ﱂ ﻳﺪاﻋﺐ اﻟﻨﻮﻡ ﺟﻔﻮﻥ ﺧﻠﻴﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﺣﺘﻰ اﻟﻔﺠﺮ .ﻋﻨﺪﻣﺎ
ﻧﻮدﻱ ﻟﻠﺼﻼة ﰲ اﳌﺴﺠﺪ اﻟﻘﺮﻳﺐ اﷲ أﻛﱪ ..اﷲ أﻛﱪ ﻟﺒﻰ اﻟﻨﺪاء,
ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﱂ ﻳﺴﺘﻄﻊ اﳋﺸﻮع ﰲ اﻟﺼﻼة رﻏﻢ ﻳﻘﻴﻨﻪ أﻥ ﻗﺮآﻥ اﻟﻔﺠﺮ
ﻛﺎﻥ ﻣﺸﻬﻮدا ,ﻓﻜﺮ ﰲ ﲨﻴﻊ اﻟﺴﻨﺎرﻳﻮﻫﺎت ":ﻣﺎذا ﻳﻤﻜﻦ أﻥ ﻳﻘﻊ?"
37
إﻻ أﻥ ﰲ داﺧﻠـﻪ ﻛﻠﻤـﺎت أﻭﺻﺪ أﺻﻮات رﺑﻤـﺎ ﲢﻤﻞ
ﻣﻦ ﻗﻌﺮ اﻟﺬﻛﺮ ﺻﻮت اﻟﺬات اﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻣﺘﻼﺷﻴﺎ ﻭﺳﻂ ﺟﻮﻗﺔ
اﻷﺻﻮات اﳉﲈﻋﻴﺔ ﻳﺮدد ﻧﻌﻢ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ...ﻓﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﺣﲔ ﻳﻘﺒﻞ ﻋﲆ
ﻣﻐﺎﻣﺮة ﻻ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﻜﲑ ﻓﻴﻬﺎ ,ﻳﻔﱰض ﺑﻪ أﻥ ﻳﻌﻲ أﻧﻪ ﻋﻨﺪ أﻱ
ﺧﻄﻮة ﻳﻘﺪﻡ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﺪ ﻳﺘﻤﻠﻜﻪ ﺧﻮﻑ دﻓﲔ ﻭﺗﺮﺗﻔﻊ ﻧﺴﺒﺔ اﻷدرﻳﻨﺎﻟﲔ
ﺑﻤﺠﺮد ﺗﺼﻮر اﻷﻣﺮ ,ﻟﻜﻦ ﺑﺎﳌﻘﺎﺑﻞ ﻳﻔﱰض أﻥ ﻳﻔﻬﻢ أﻥ اﻟﺴﻠﻮﻙ
اﻹﻧﺴﺎﲏ ﻫﻮ ﻓﻌﻞ ﻭردة ﻓﻌﻞ ﻋﻨﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﺎﺗﻜﻮﻥ
ﺣﺎﺳﻤﺔ ,ﻭاﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ اﻷﻣﺮ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﺎ ﺧﺎرج اﻟﺴﻴﻄﺮة ,ﻛﺄﻧﻪ
ﳾء ﻫﻼﻣﻲ ,ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻴﺲ ﺧﺎرج ﻧﻄﺎﻕ اﻻﺳﺘﻴﻌﺎب.
ﻛﺎﻥ ﻳﻨﺎﺟﻲ ﻧﻔﺴﻪ داﺋﲈ ﳊﻈﺎت اﳌﻄﺮ ,ﻭﻳﻌﻲ أﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ
ﳛﺲ ﺑﻤﻮﺳﻴﻘﻰ رذاذﻩ ﻭﻳﻌﻴﺶ ﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻪ ,ﻭآﺧﺮﻭﻥ ﻻ ﻳﻌﺪﻭ أﻥ
ﻳﻜﻮﻥ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻴﻬﻢ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﺒﻠﻞ ﻓﻘﻂ ,دﻭﻥ أﻥ ﻳﺪرﻛﻮا أﻥ
ﺷﻴﺌﺎ ﲨﻴﻼ ﻗﺪ ﺣﺪث ﳍﻢ.
38
39
ﻭأﺧﱪﻧﺎ اﻟﻄﻠﺒﺔ أﻧﻨﺎ ﺳﻨﺮﺟﻊ ﻣﺘﺄﺧﺮﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﻬﺮة ﻭﲪﻠﻨﺎ ﻣﻌﻨﺎ
اﳌﻔﺘﺎح.
ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﱄ ﺑﻴﺖ اﻟﻌﺮس اﻟﻮاﻗﻊ ﰲ ﺣﻲ ﻛﻴﻠﻴﺰ ,ﻗﻠﺖ
ﻟﺼﺪﻳﻘﻲ" :ﳌﺎذا ﻻ ﻧﺄﻛﻞ ﺷﻴﺌﺎ ,ﻓﺄﻧﺎ ﻣﺴﻨﻲ اﳉﻮع ,ﻫﻠﻢ ﺑﻨﺎ إﱃ
ﻣﻘﻬﻰ" .ﺿﺤﻚ اﻟﺒﺸﲑ ﻭأﺟﺎب" :ﻫﻞ أﻧﺖ ﳐﺒﻮﻝ أﻧﺎ ﺟﻮﻋﺎﻥ
ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻜﻦ ﻧﺤﻦ ذاﻫﺒﻮﻥ ﻟﻮﻟﻴﻤﺔ ﻋﺮس ﺳﻮﻑ ﻳﻜﺮﻣﻮﻥ ﻭﻓﺎدﺗﻨﺎ
ﻻﲥﺘﻢ" .ﺛﻢ أﺿﺎﻑ ﺑﺴﺨﺮﻳﺔ "ﻧﺄﻛﻞ ﺷﻴﺌﺎ" ﻟﻮح ﺑﺬراﻋﻪ ﰲ
اﳍﻮاء" .ﻻ ﺗﻘﻞ ﻫﺬا ,ﻧﺘﻌﺸﻰ ﰲ اﻟﺸﺎرع ? إﻧﺲ اﻷﻣﺮ ",ﱂ أﻋﻠﻖ.
ﻗﺒﻴﻞ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻠﻴﻞ ,ﻭﺻﻠﻨﺎ ﻣﻨﺰﻝ اﻷﴎة ,اﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻨﺎ اﺑﻨﺘﻬﻢ
ﻭأﻡ اﻟﻌﺮﻳﺲ ﺑﺎﻟﺰﻏﺎرﻳﺪ ".ﹶﺻ ﹾﺤ ﹶ
ﺮاﻭ ﹶﺟ ﹾﺎﻭ" دﺧﻠﻨﺎ اﳌﻨﺰﻝ ﻭﺻﻌﺪﻧﺎ
اﻟﺪرج إﱃ اﻟﺴﻄﺢ ﺣﻴﺚ اﻷﻫﺎزﻳﺞ ﻭاﳌﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ,ﻭراﻗﺼﺔ
ﺑﺪﻳﻨﺔ ﺗﻐﻨﻲ ﻭﺗﺮﻗﺺ ,أﻧﺎس ﻣﻦ أﻋﲈر ﳐﺘﻠﻔﺔ ..اﻟﺒﻌﺾ ﺑﻤﻼﺑﺲ
ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ أﻧﻴﻘﺔ ..ﻭاﻟﻨﺴﺎء ﺑﻔﺴﺎﺗﲔ أﻟﻮاﳖﺎ زاﻫﻴﺔ .ﻭاﻟﺒﻌﺾ ﻳﺼﻔﻖ
ﻭآﺧﺮﻭﻥ ﻳﺮددﻭﻥ ﻣﻊ اﳌﻐﻨﻴﺔ ﺟﻮ ﲠﻴﺞ...
أﺟﻠﺴﻮﻧﺎ ﰲ اﳌﻘﺎﻋﺪ اﻷﻣﺎﻣﻴﺔ ﻣﻊ ﺿﻴﻮﻑ اﻟﴩﻑ .ﺑﻌﺪ ﺑﺮﻫﺔ
ﻗﺪﻣﻮا ﻟﻨﺎ اﳊﻠﻮ ﺑﺄﻧﻮاﻋﻬﺎ ﻭاﳌﻜﴪات ﻭاﻟﻔﻮاﻛﻪ اﳉﺎﻓﺔ ,ﻭﻛﻨﺎ ﺣﻘﺎ
ﺟﻴﺎﻋﺎ.
40
ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ,ﺗﻘﺪﻣﺖ ﻣﻨﺎ أﺧﺖ اﻟﻌﺮﻳﺲ ﻭﻭﺿﻌﺖ أﻣﺎﻣﻨﺎ
ﻓﻨﺠﺎﻧﺎ أﺑﻴﺾ اﻟﻠﻮﻥ ﻛﻜﺆﻭس اﻟﻘﻬﻮة ذا ﺧﺮب ﻣﻜﺴﻮر اﳉﺎﻧﺐ ﻓﻴﻪ
ﳾء ﻛﺎﺳﻠﻴﻠﻮ.1
ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻠﺒﺸﲑ" :ﺧﺬ إذا أردت أﻥ ﺗﺬﻭﻕ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ
"اﳌﻌﺠﻮﻥ" .ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺄﺳﺎ ﳑﻠﻮءة".
اﻟﺘﻔﺖ إﱄ ﻳﺒﺘﺴﻢ ﻭﻗﺎﻝ":ﻫﻞ أﻛﻠﺖ اﳌﻌﺠﻮﻥ 2ﻗﻂ?"
أﺟﺒﺖ" :ﻻ ,إﻃﻼﻗﺎ".
أردﻑ" :ذﻕ ﻃﻌﻤﻪ ﻟﺬﻳﺬ ﻣﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻠﻮز ﻭاﻟﻔﺴﺘﻖ ﻭاﻟﻜﺎﻛﺎﻭ
ﻭاﻟﻌﺴﻞ ﻭأﺷﻴﺎء ﻻ اﺗﺬﻛﺮﻫﺎ".
أﺟﺒﺘﻪ ﺣﺎﻧﻴﺎ رأﳼ ﻋﻠﻴﻪ " :ﻫﺬا اﻟﴚء ﻻ أﻋﺮﻓﻪ ﻭﱂ أذﻗﻪ ﰲ
ﺣﻴﺎﰐ".
ﻗﺎﻝ ﱄ" :ﺗﺬﻭﻕ ﻣﻜﺮﻣﺔ اﻟﻌﺮس ,ﻫﺬﻩ ﻓﺮﺻﺘﻚ أﻥ ﲡﺮب
ﻭأﺟﺮب أﻧﺎ ﻛﺬﻟﻚ ,ﻓﻬﻮ ﻣﻨﺘﻮج ﺧﺎص ﲠﺬﻩ اﳌﻨﺎﺳﺒﺎت ﻫﻨﺎ ,إﻧﻪ
ﺣﻠﻮ".
ﻣﺪدت ﻳﺪﻱ ﻭﻭﺿﻌﺖ ﺣﻔﻨﺔ ﰲ ﻓﻤﻲ ,ﳊﺴﺖ ﻣﻨﻪ ,ﻭإذا ﺑﻪ
ﻓﻌﻼ ﻟﺬﻳﺬ اﳌﺬاﻕ ﻛﺎﺳﻠﻴﻠﻮ .ﻭﺿﻌﻪ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻭﰲ ﻛﻞ ﻣﺮة ,أﳊﺲ ﻣﻨﻪ
ﺑﺴﺒﺐ اﳉﻮع اﻟﺬﻱ ﺣﻞ ﰊ ,ﻭﺑﻌﺾ اﳌﺮات ﺗﻠﺘﻘﻲ ﻳﺪﻱ ﻣﻊ ﻳﺪ
- 1 ﺣﻠﻮ ﺗﻘﺪﻡ ﰲ ﺷﻬﺮ رﻣﻀﺎﻥ ﻏﺎﻟﺒﺎ .
- 2 ﳐﺪر ﺷﻌﺒﻲ ﻳﺼﻴﺐ ﻣﺴﺘﻬﻠﻜﻪ ﲠﻴﺴﺘﲑﺑﺎ ﻣﻦ اﻟﻀﺤﻚ .
41
اﻟﺒﺸﲑ ﰲ اﻟﻜﺄس ﻛﺄﻧﻨﺎ ﻧﺸﱰﻙ اﳌﺼﲑﻧﻔﺴﻪ .ﻛﻠﲈ ﺗﺬﻭﻗﺘﻪ ﻃﺎب ﱄ
اﳌﺰﻳﺪ ﻭﰲ ﻛﻞ ﻣﺮة ﳛﺮﻙ ﺻﺎﺣﺒﻲ رأﺳﻪ اﺳﺘﻤﺘﺎﻋﺎ ﺑﺎﻟﻨﻐﻢ ﻧﻌﺎﻭد
اﻟﻜﺮة ﺣﺘﻰ أﺗﻴﻨﺎ ﻋﲆ آﺧﺮﻩ .ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻭﺿﻌﻮا أﻣﺎﻣﻨﺎ ﻛﺄﺳﺎ أﺧﺮ,
ﻭﻫﺬﻩ اﳌﺮة أﻳﻀﺎ ﺗﺮﻛﻨﺎ اﻟﻜﺄس ﻗﺎﻋﺎ ﺻﻔﺼﻔﺎ.
ﺑﻌﺪ ﺑﺮﻫﺔ ,ﻗﺎﻝ ﱄ ﺻﺎﺣﺒﻲ" :أﻧﺎ ذاﻫﺐ إﱃ اﳌﺮﺣﺎض,
"ﺗﺄﺧﺮ ﰲ اﻟﻌﻮدة ﺗﺴﺎءﻟﺖ " :إﻳﻦ ذﻫﺐ اﻟﺮﺟﻞ?".
اﻟﺘﻔﺖ إﱃ اﳋﻠﻒ أﻧﻈﺮ إﱃ ﺗﻠﻚ اﻟﺮؤﻭس ,أﺷﺨﺎص ﻛﺜﺮ
ﳚﻠﺴﻮﻥ ﺧﻠﻔﻲ ﰲ اﳌﻘﺎﻋﺪ ,ﱂ أﺳﺘﻄﻊ أﻥ أر ﺷﻴﺌﺎ ,ﻓﻘﺪ ﺣﺠﺒﻮا
ﻋﻨﻲ اﻟﺮؤﻳﺎ ,ﻭﻗﻔﺖ ﰲ ﻣﻜﺎﲏ ,ﻭإذا ﺑﺼﺎﺣﺒﻲ ﻳﻘﻒ ﰲ رﻛﻦ ﻗﴢ
ﻭﻳﻀﺤﻚ ﻭﺣﻴﺪا ﻭ ﺑﺸﻜﻞ ﻫﺴﺘﲑﻱ ,ﻭاﺿﻌﺎ ﻳﺪﻩ ﻋﲆ ﺑﻄﻨﻪ .ﻗﻠﺖ
ﰲ ﻧﻔﴘ" :ﻣﺎذا ﻳﻘﻊ ,ﻫﻞ ﺟﻦ اﻟﺮﺟﻞ?" ﻭﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﻧﺴﻴﺖ أﻧﻨﺎ ﺗﻮا
أﻛﻠﻨﺎ اﳌﻌﺠﻮﻥ .ﻭﺣﻘﻴﻘﺔ أﺻﺪﻕ اﻟﻘﻮﻝ ,ﱂ أﻛﻦ أﻋﺮﻑ إﻃﻼﻗﺎ ﺗﺄﺛﲑ
اﳌﻌﺠﻮﻥ ,ﻭﻻ ﻣﺎﻫﻴﺘﻪ أﺻﻼ ﻟﺴﺒﺐ ﺑﺴﻴﻂ ﻫﻮ أﻧﻨﻲ ﱂ أﺗﻨﺎﻭﻝ ﺷﻴﺌﺎ
ﻛﻬﺬا ﰲ ﺣﻴﺎﰐ.
ذﻫﺒﺖ إﻟﻴﺼﺎﺣﺒﻲ .ﻭ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﻗﻔﺖ ﻷﺳﺘﺪﻳﺮ,دارت ﰊ
اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻨﻔﴘ" :ﻣﺎذا ﺣﻞ ﰊ?" ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻗﱰﺑﺖ ﻣﻨﻪ ﺧﻴﻠﺖ
إﱄ رأﺳﻪ ﻭﻛﺄﳖﺎ ﻗﺮع أﻭﻳﻘﻄﲔ ﻛﺒﲑ ﺟﺪا ..اﻧﺘﺎﺑﺘﻨﻲ ﻫﻴﺴﺘﲑﻳﺎ ﻣﻦ
اﻟﻀﺤﻚ ﺣﺘﻰ ﻓﺎﺿﺖ ﻣﻘﻠﺘﺎﻱ دﻣﻌﺎ .ﻗﺎﻝ ﱄ" :اﺣﺬر رب اﻷﴎة
اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻀﻴﻔﻨﺎ ﻗﺎدﻡ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻚ ,ﻗﻒ..اﻧﺘﺒﻪ ..ﻟﻴﻜﻦ ﺳﻠﻮﻛﻚ ﻛﲈ
ﳚﺐ" .اﺳﺘﻨﺪت إﱃ ﻋﺎرﺿﺔ إﺳﻤﻨﺖ أﺣﺴﺴﺖ ﲠﺎ ﲥﺒﻂ ﻋﲆ
42
ﻇﻬﺮﻱ ,ﻭأدﻓﻌﻬﺎ إﱃ اﳋﻠﻒ ,ﻭﲥﺒﻂ ﻭأدﻓﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ,ﺗﻔﻄﻦ أب
اﻷﴎة ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺮاﻗﺐ اﳌﺸﻬﺪ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﻗﺎﻝ ﻟﻨﺎ" :ﺗﻌﺎﻻ
ﻣﻌﻲ.ﻫﻴﺎ ﻛﻲ ﺗﺘﻌﺸﻴﺎ أﻓﻀﻞ ﻟﻜﲈ" .ﻗﺒﺾ ﺑﺄﻳﺪﻳﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻧﻨﺰﻝ ﻣﻦ
اﻟﺪرج إﱃ ﻣﻜﺎﻥ اﻟﻌﺸﺎء ﰲ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻟﺴﻔﲇ...أﻧﺎ ﱂ أر ﰲ ﺣﻴﺎﰐ
أﻃﻮﻝ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺪرج ﻭﻛﺄﻥ ﻣﺴﺎﻓﺘﻪ ﻛﻴﻠﻮﻣﱰا.أﺿﻊ رﺟﲇ ﻭأﻗﻮﻝ
ﰲ ﻧﻔﴘ ﺳﺄﻗﻊ ﰲ ﻫﺎﻭﻳﺔ ﻻ ﻗﺮار ﳍﺎ ,ﻭأﺗﺮدد ﰲ اﳋﻄﻮة ﳑﺴﻜﺎ
ﺑﺼﺎﺣﺒﻲ ﻭﺑﺎﻟﺮﺟﻞ.
ﻭﻳﻘﻮﻝ ﱄ اﻷﺧﲑ ":ﻫﻴﺎ ﻻﲣﻒ أﻧﺎ ﳑﺴﻚ ﺑﻚ",ﻭاﻟﺪرج
ﻛﺄﻧﻪ ﺷﻔﺎ ﺟﺒﻞ ﻫﺎر ,ﻭأﻧﺎ ﻛﺄﲏ ﻧﺎزﻝ ﻣﻦ ﻗﻤﺔ ﺷﺎﻫﻘﺔ.
أدﺧﻠﻨﺎ اﻟﺮﺟﻞ ﰲ ﻏﺮﻓﺔ ﻛﺒﲑة ﻋﲆ ﺷﻜﻞ ﻣﺴﺘﻄﻴﻞ ,ﻭﺟﺪﻧﺎ
ﻓﻴﻬﺎ أﻧﺎﺳﺎ آﺧﺮﻳﻦ ﻣﻦ اﳌﺪﻋﻮﻳﻦ ,أﺟﻠﺴﻮﲏ ﰲ رﻛﻦ ﺻﻔﺖ ﻋﻠﻴﻪ
ﻭﺳﺎﺋﺪ ,ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺳﺘﻨﺪت ﺑﻈﻬﺮﻱ ﻋﻠﻴﻪ,ﺳﻘﻄﺖ اﻟﻮﺳﺎﺋﺪ ﻋﲇ" ..ﻳﺎ
رﺑﺎﻩ ﻣﺎأﺛﻘﻠﻪ ﻣﻦ ﲪﻞ" ,أدﻓﻊ ﺑﻈﻬﺮﻱ ﻭﺗﺴﻘﻂ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ,ﻭﻛﺄﳖﺎ
ﺻﺨﻮر اﻟﺪﻧﻴﺎ أﻭﻛﺼﺨﺮة ﺳﻴﺰﻳﻒ ﺗﺜﻘﻞ ﻛﺎﻫﲇ ,ﻭأدﻓﻊ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ
ﺗﻨﺒﻪ اﻷب إﱃ أﻧﻨﺎ أﻛﻠﻨﺎ اﳌﻌﺠﻮﻥ ,ﻭأﻧﻨﺎ ﰲ ﺣﺎﻝ ﻻ ﻧﺤﺴﺪ ﻋﻠﻴﻪ,
اﻗﱰب ﻣﻨﻲ ﲪﻞ ﻋﻨﻲ اﻟﻮﺳﺎﺋﺪ ,أﺧﲑا ﺟﻲء ﺑﻮﻟﻴﻤﺔ اﻟﻌﺸﺎء ﻭﺿﻌﻮا
ﻃﺒﻘﺎ ﻋﲆ اﳌﺎﺋﺪة .ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﲪﻠﺖ ﻗﻄﻌﺔ ﺧﺒﺰ ﻛﻲ آﻛﻞ ﺑﺪا ﱄ أﻥ
اﻟﻄﺒﻖ ﺻﻐﲑ ﺟﺪا ﻛﺴﺪادة اﳌﴩﻭﺑﺎت اﻟﻐﺎزﻳﺔ.ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻪ
ﰲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻣﻦ اﳊﺠﻢ اﻟﻜﺒﲑ اﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﻮﻋﺐ ﰲ اﻟﻌﺎدة ﺛﲈﻧﻴﺔ
أﺷﺨﺎص .أﻗﺮب ﻛﴪة اﳋﺒﺰ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻲ أﻗﺪر ﺣﺠﻤﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﻄﺒﻖ
43
ﻭأﻋﺎﻭد اﻟﻜﺮة ﺑﺪا ﱄ ﻟﻮﻫﻠﺔ ﺻﻐﲑا أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﳌﻌﺘﺎد ,ﻭأﺗﺴﺎءﻝ ﻣﻊ
ﻧﻔﴘ ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻘﻄﻌﺔ اﳋﺒﺰ أﻥ ﺗﻮﺿﻊ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻄﺒﻖ?
اﻟﺘﻔﺖ إﱃ ﺻﺎﺣﺒﻲ أﺳﺄﻟﻪ ,ﻭﺟﺪﺗﻪ ﻭاﺿﻌﺎ ﻳﺪﻩ ﻋﲆ ﻓﻤﻪ.
ﻗﻠﺖ " :ﻟﻪ ﻣﺎﺑﻚ?".
أﺟﺎب" :ﱂ أﺟﺪ ﻓﻤﻲ" ﻓﺈذا ﺑﻪ ﳛﻤﻞ ﻗﻄﻌﺔ اﳋﺒﺰ ﻓﻼ ﳚﺪ
ﻓﺎﻩ ,ﻭاﷲ ﺟﻦ ﺟﻨﻮﻧﻨﺎ إﺿﺎﻓﺔ إﱃ ذﻟﻚ أﻧﻨﺎ ﺑﲔ اﳊﲔ ﻭاﻷﺧﺮ ﻧﺤﺲ
أﻧﻨﺎ ﻓﻘﺪﻧﺎ ﻋﻘﻮﻟﻨﺎ ﲤﺎﻣﺎ.
ﻭأﻧﺎ ﺑﺎﻟﺬات −ﰲ ﻛﻞ ﻭﻗﺖ−ﱂ أﻋﺪ أﺗﺬﻛﺮﺷﻴﺌﺎ ,ﻭﻛﺄﻥ
ذاﻛﺮﰐ أﺻﻴﺒﺖ ﺑﻌﻄﺐ.ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺪارﻛﺖ اﳌﻮﻗﻒ ﻟﱪﻫﺔ ,ﻭﺟﺪت
ﻧﻔﴘ أﺑﺤﺚ ﰲ اﳋﺎرج ﻋﻦ ﺳﻴﺎرة أﺟﺮة أرﻛﺒﻬﺎ .ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻏﺎدرت
ﻣﻜﺎﻥ اﻟﻌﺸﺎء ﻧﺴﻴﺖ ﺻﺎﺣﺒﻲ اﻟﺒﺸﲑ .ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻛﻨﺎ ﰲ ﻋﺎﱂ
ﺧﺎص ,ﰲ ﻣﺰاج أﻗﺮب إﱃ اﳉﻨﻮﻥ ﻭاﻟﺜﲈﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻜﺮ ,أﺣﺴﺴﺖ
ﺑﺘﻴﻪ ﱂ أﻛﻦ أﺗﻮﻗﻌﻪ ﻋﲆ اﻹﻃﻼﻕ.
ﻋﲆ ﻏﲑ اﻟﻌﺎدةأﺣﺴﺴﺖ أﻥ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗﺪﻭر ﻣﻦ ﺣﻮﱄ ,ﻭأﻥ
اﻷﺷﻴﺎء ﻭاﻷﺷﺨﺎص أﻛﱪ ﺣﺠﲈ ,ﻭأﻥ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﲔ ﺳﻼﱂ اﻟﺪرج
أﻃﻮﻝ ﻭاﳌﺴﺎﻓﺎت ﻛﺄﳖﺎ ﺗﺘﻀﺎﻋﻒ.
ﰲ اﻟﺸﺎرع ﻛﻨﺖ أﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﺳﻴﺎرة أﺟﺮة ﻛﻲ ﺗﻘﻠﻨﻲ ,ﻭإذا
ﺑﺼﺎﺣﺒﻲ ﻳﺘﺒﺨﱰ ﺑﻤﺸﻴﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﰲ اﻟﺰﻗﺎﻕ اﳉﺎﻧﺒﻴﻤﻦ اﳉﻬﺔ اﳌﻘﺎﺑﻠﺔ,
ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻟﺘﻘﺖ ﻧﻈﺮاﺗﻨﺎ ﺻﺎح ﻓﻼﻥ ,ﻓﺼﺤﺖ أﻧﺎ أﻳﻀﺎ ﺑﺄﻋﲆ ﺻﻮﰐ
44
ﻭﻛﺎﻥ ﺑﻌﻴﺪا ﻭﻳﻠﺰﻡ ﻋﲇ رﻓﻊ ﺻﻮﰐ إﱃ أﻗﴡ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﻴﻊ ﺣﺘﻰ
ﻳﺴﻤﻌﻨﻲ..
ﻗﺎﻝ ":ﻧﻌﻢ أﻧﺎ ﻫﻨﺎ".
ﺣﻀﻦ ﻛﻞ ﻣﻨـﺎ اﻷﺧﺮ ﻭﻛﺄﻧﻨـﺎ ﻷﻭﻝ ﻣﺮة ﻧﻠﺘﻘـﻲ ﺑﻌﺪ ﻓﺮاﻕ.
ﰲ اﻟﻠﺤﻈﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺟﻊ إﻟﻴﻨﺎ اﻹدراﻙ ,ﻧﻌﺮﻑ ﻣﺎذا ﺳﻨﻔﻌﻞ ,ﻭﺑﻌﺪ
ذﻟﻚ ﻧﺘﻴﻪ ﻣﺮة أﺧﺮ ,ذﻫﺒﻨﺎ إﱃ ﺷﺎرع ﻛﺒﲑأﻭﻗﻔﻨﺎ ﻃﺎﻛﴘ ﻗﻠﻨﺎ ﻟﻪ
ﻭﺟﻬﺘﻨﺎ ﺣﻲ اﻟﺪاﻭدﻳﺎت ,ﻟﻜﻦ اﻟﻄﺎﻣﺔ اﻟﻜﱪ أﻧﻨﺎ ﲥﻨﺎ ﱂ ﻧﻌﺮﻑ
ﻣﻜﺎﻥ اﳌﻨﺰﻝ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ .اﻷزﻗﺔ ﺗﺘﺸﺎﺑﻪ,أﻣﻀﻴﻨﺎ ﻭﻗﺘﺎ ﻃﻮﻳﻼ إﱃ أﻥ
ﻋﺜﺮﻧﺎ ﻋﲆ ﻣﻨﺰﻝ اﻟﻄﻠﺒﺔ.
أﻣﺎﻡ اﻟﺒﺎب ﻛﻨﺖ أﻣﺴﻚ ﺑﺼﺎﺣﺒﻲ ﻭﻫﻮ ﻳﻤﺴﻚ ﰊ,ﻭﻛﺄﻧﻨﺎ ﱂ
ﻧﺄﻣﻦ ﻣﻦ ﺧﻮﻑ.ﻋﻨﺪﻣﺎ دﺧﻠﻨﺎ اﳌﻨﺰﻝ ﻭﺟﺪﻧﺎ أﲪﺪ ﻻزاﻝ ﻣﺴﺘﻴﻘﻈﺎ
ﻳﺪﺧﻦ ﺳﻴﺠﺎرة ﰲ اﻟﻔﻨﺎء .ﺳﻠﻤﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻭدﺧﻠﻨﺎ ﰲ ﻧﻮﺑﺔ ﻫﺴﺘﲑﻳﺔ ﻣﻦ
اﻟﻀﺤﻚ ﻟﻠﺤﻈﺔ .ﻗﻔﺰ اﻟﺒﺸﲑ ﻓﻮﻕ ﻛﺮﳼ ,ﻭﻭﺿﻊ ﻳﺪﻳﻪ ﰲ ﺳﻘﻒ
اﻟﻐﺮﻓﺔ .ﻭﻫﻮ ﻳﻘﻮﻝ ":اﺣﱰس اﻟﺴﻘﻒ ﺳﻮﻑ ﻳﺴﻘﻂ" ﺗﻌﺠﺐ
أﲪﺪ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ اﳉﻠﺒﺔ ,دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻳﺴﺘﻔﴪ ﻋﻦ اﻷﻣﺮ .اﻣﺘﻘﻊ ﻭﺟﻬﻪ,
ﻭﺿﻌﺖ ﻳﺪﻱ ﻋﲆ ﻛﺘﻔﻪ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﻔﻄﻨﺖ إﱃ ردة ﻓﻌﻠﻪ.
ﻗﻠﺖ" :أرﺟﻮﻙ ﻻ ﺗﻨﺰﻋﺞ إذا ﺻﺪر ﻣﻨﺎ ﺗﴫﻑ ,أﻋﺬرﻧﺎ
ﻓﻘﺪ ﺗﻨﺎﻭﻟﻨﺎ اﳌﻌﺠﻮﻥ" .ﱂ ﻳﻌﻠﻖ اﻷﺧﲑ ﻟﱪﻫﺔ
ﻗﺎﻝ ﻟﻨﺎ ":اﺳﻜﺒﻮا اﳌﺎء ﻋﲆ رؤﻭﺳﻜﻢ " .ﻭاﻧﴫﻑ اﱃ
ﻏﺮﻓﺘﻪ ﻓﻌﻼ ﻛﺎﻥ اﻷﻣﺮ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻭﺻﻒ ,ﻏﲑ أﻧﻪ ﱂ ﳛﺴﻦ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﻨﺎ.
45
أراد اﻟﺒﺸﲑ أﻥ ﻳﻔﺘﺢ ﺑﺎب اﻟﻐﺮﻓﺔ ﻟﻜﻨﻪ أﺣﺲ ﻓﺠﺄة ﺑﺄﻧﻪ
ﻣﺸﻠﻮﻝ ,ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أﻥ ﻳﺘﺤﺮﻙ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ .ﺑﺬﻝ ﺟﻬﺪا ﻛﺒﲑا
ﻣﻦ أﺟﻞ أﻥ ﳛﻤﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﲆ اﻟﻨﻬﻮض ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ,ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻘﺎرب
اﻟﺴﺎﻋﺔ ﺗﻐﺘﺎﻝ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻓﺠﺮا.
ﰲ ﻏﺮﻓﺔ ﻧﻮﻣﻨﺎ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﴎﻳﺮاﻥ ,أﺣﺪﳘﺎ ﻣﻮﺿﻮع ﻋﲆ
اﻷرﺿﻴﺔ ﻭاﻵﺧﺮ ﻣﺮﺗﻔﻊ ﻗﻠﻴﻼ ﻋﻨﻬﺎ ,ﻭﻛﺎﻥ اﻟﴪﻳﺮ اﳌﺮﺗﻔﻊ ﻣﻦ
ﻧﺼﻴﺒﻲ .ارﲤﻰ اﻟﺒﺸﲑ ﻋﲆ ﴎﻳﺮﻩ اﻷرﴈ ,ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻭﺟﺪت ﺻﻌﻮﺑﺔ
ﺣﻘﺎ ,ﻛﻴﻒ ﺳﺄرﲤﻲ أﻧﺎ اﻷﺧﺮ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﴪﻳﺮ اﻟﻌﺎﱄ? ﻳﺘﻬﻴﺄ ﱄ أﻧﻪ
ﻣﺮﺗﻔﻊ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ,ﻭأﺗﺴﺎءﻝ ﻣﻊ ﻧﻔﴘ :ﻛﻴﻒ ﺳﺄﺻﻌﺪ إﻟﻴﻪ? رﺑﲈ أﺣﺘﺎج
ﺳﻠﲈ?!! ﻳﻘﻮﻝ ﱄ ﺻﺎﺣﺒﻲ" :إﺟﻠﺲ ﻳﺎ أﺧﻲ ﻻ ﲣﻒ ﳌﺎذا ﻛﻞ ﻫﺬا
اﳉﺒﻦ? ﺧﺬ ﻗﺴﻄﺎ ﻣﻦ اﻟﺮاﺣﺔ اﺗﻜﺊ ﻣﻜﺎﻧﻚ ,ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺿﻊ ﻳﺪﻱ.
أﻗﻮﻝ" :ﻻ" ﻫﺬا ﻏﲑ ﳑﻜﻦ ,ﻫﺬا اﻟﴚء ﻣﺮﺗﻔﻊ ,ﻻﻳﻤﻜﻨﻨﻲ اﳌﺒﻴﺖ
ﻫﻜﺬا ﻣﻌﻠﻘﺎ ,أﺻﺒﺤﺖ اﳌﺴﺎﻓﺔ ﺗﺘﻀﺎﻋﻒ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﱄ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻬﻮﻝ.
ﱂ أﺳﺘﻄﻊ اﻟﺼﻌﻮد اﺳﺘﺴﻠﻤﺖ ﻟﻸﻣﺮ ﻭﺟﻠﺴﺖ ﺑﺠﺎﻧﺐ
اﻟﴪﻳﺮ .ﺣﺎﻭﻟﺖ اﻟﻨﻮﻡ ﻓﻠﻢ أﺳﺘﻄﻊ ﺣﺎﻭﻟﺖ اﳊﺮﻛﺔ ﻓﻠﻢ أﺟﺪ إﻟﻴﻬﺎ
ﺳﺒﻴﻼ ,ﻭاﻛﺘﺸﻔﺖ ﺣﺎﻟﺔ اﳋﺪر ﻭاﻟﺸﻠﻞ ﻭاﻟﻮﺟﻮﻡ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﱰﻳﻨﻲ
ﻭﺗﺮﲥﻨﻨﻲ ﺣﺘﻰ أﺧﺬﺗﻨﻲ ﺳﻨﺔ .ﻭﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎﻥ أﺟﺪ ﻧﻔﴘ أﺗﻜﻠﻢ
ﻭﺣﻴﺪا ,ﻧﺴﻴﺖ ﻛﻞ ﳾء ﺣﺘﻰ اﺳﻤﻲ! ﻭﱂ ﻳﻌﺪ ﻟﻠﺰﻣﺎﻥ ﻭاﳌﻜﺎﻥ
ﻣﻌﻨﻰ ,ﻭﻻ أدرﻱ ﻣﻦ أﻳﻦ أﺗﻴﺖ? ﻭﻻ أﻳﻦ ﻭﺟﻬﺘﻲ? .ﻭﺗﻔﺎﻗﻢ
اﻟﻮﺿﻊ ﻋﻨﺪﻱ إﱃ أﻥ ﺑﻠﻎ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻻ أﺣﺴﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻛﺪت أﻓﻘﺪ
اﻟﻮﻋﻲ ,ﲢﻤﻠﺖ ﻫﺬا اﻟﻮﺿﻊ ﻭﺳﻴﻄﺮت ﻋﲆ ﻧﻔﴘ أﺧﲑا.
46
ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﻗﻠﺖ ﻟﻠﻄﺎﻟﺐ أﲪﺪ أﻥ ﻳﻘﻔﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺎب اﻟﻐﺮﻓﺔ
ﲢﺴﺒﺎ ﻟﻠﻄﻮارئ .ﻛﻨﺖ ﻭﺻﺎﺣﺒﻲ ﰲ ﺗﻴﻪ ﺗﺎﻡ ,أﺣﺎﻳﲔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻧﺮﺟﻊ
إﱃ رﺷﺪﻧﺎ ﻭﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻋﻮد ﻋﲆ ﺑﺪء .أﺧﲑا ﻧﻤﻨﺎ ﻧﻮﻣﺎ ﻏﲑ رﺣﻴﻢ.
ﰲ اﻟﻴﻮﻡ اﳌﻮاﱄ اﺳﺘﻴﻘﻈﻨﺎ ﰲ ﻭﻗﺖ ﻣﺘﺄﺧﺮ ﺑﻌﺪﻣﺎ أﺣﺴﺴﻨﺎ
ﺑﺎﳉﻮع ﻭاﻟﻌﻄﺶ ,ﻧﴩب اﳌﺎء ﺑﺎﺳﺘﻤﺮارﻟﻜﻦ ﻇﻤﺄﻧﺎ ﻻ ﻳﺮﺗﻮﻱ,
ﻛﺎﻥ اﻟﺸﺒﺎب ﰲ اﳌﻨﺰﻝ ﻗﺪ أﻋﺪﻭا ﻟﻨﺎ اﻟﻔﻄﻮر ,ﻭﻃﺎﻝ ﲠﻢ اﻻﻧﺘﻈﺎر.
ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻣﴣ ﻭﻗﺖ اﻟﻔﻄﻮر ﺑﺴﺎﻋﺎت ,ﻭﺿﻌﻮا أﻣﺎﻣﻨﺎ ﻣﺎﺋﺪة
ﺻﻐﲑة ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺧﺒﺰ ﻭﺟﺒﻦ ﻭﻣﺮﺑﻰ ,ﺟﻠﺲ ﺑﺠﺎﻧﺒﻲ أﺣﺪﻫﻢ ,ﻛﺎﻥ
ﻳﻀﻊ ﺑﻌﺾ اﳉﺒﻦ ﻭﺳﻂ اﳋﺒﺰ ,ﻭﻣﺎﻛﺎد ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺣﺘﻰ اﻧﺘﺰﻋﺖ اﳋﺒﺰ
ﻣﻦ ﻳﺪﻩ ﺑﴪﻋﺔ ,ﻭﺗﻌﺠﺐ ﻣﻦ ردة ﻓﻌﲇ .اﻗﺘﺴﻤﺖ ﻛﴪة اﳋﺒﺰﻣﻊ
ﺻﺎﺣﺒﻲ ﻭﺿﻌﺖ ﻧﺼﻴﺒﻲ ﰲ ﻓﻤﻲ ﻭاﻟﺘﻬﻤﺘﻪ ﺑﴩاﻫﺔ ,ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻓﻌﻞ
ﻫﻮ .ﻭﻛﺄﻧﻨﺎ ﱂ ﻧﺤﻆ ﺑﺎﻟﻨﻌﻢ ﻗﻂ .ﻭﻓﺠﺄة ﻫﺪر ﰲ ﻧﻔﴘ ﻟﻴﻠﺔ أﻭﻝ أﻣﺲ
ﺑﻜﻞ أﺣﺪاﺛﻪ اﳌﻀﺤﻜﺔ ﻭاﳌﺒﻜﻴﺔ ,ﻭرﻭاﺋﺢ اﻟﺒﺨﻮر ﻭﺟﻮﻗﺔ اﳌﻐﻨﲔ,
ﻭﺻﺨﺐ اﳊﻀﻮر ,ﻭﻣﻔﻌﻮﻝ اﳌﻌﺠﻮﻥ ..ﺧﻠﻴﻂ ﻣﻦ اﳌﺘﻨﺎﻗﻀﺎت
ﺗﺘﴪب ﻣﻦ ذاﻛﺮﰐ.
أﺗﻴﻨﺎ ﻋﲆ اﻟﻔﻄﻮر اﳌﺘﻮاﺿﻊ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ .اﻟﺸﺒﺎب اﳌﺴﺎﻛﲔ ﱂ
ﻳﻌﺮﻓﻮا ﺑﲈذا اﺑﺘﻠﻮا ,ﻭﻻ ﻛﻴﻒ ﻳﺘﴫﻓﻮﻥ ,ﻗﺎﻟﻮا ﻟﻨﺎ :أﻧﺬﻫﺐ ﺑﻜﻢ إﱃ
اﳌﺴﺘﺸﻔﻰ ﻛﻲ ﻳﻔﺤﺼﻜﻢ اﻟﻄﺒﻴﺐ? "ﻧﺠﻴﺒﻬﻢ :ﻻ ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﺬﻟﻚ,
ﻫﺬﻩ ﺣﺎﻟﺔ ﻋﺎرﺿﺔ ﺳﺘﺰﻭﻝ ﺑﻤﺮﻭر اﻟﻮﻗﺖ" .ﻣﺮ اﻟﻴﻮﻡ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ﱂ
ﻧﱪح اﳌﻨﺰﻝ ﺣﺘﻰ إذا ﺣﻞ اﳌﺴﺎء اﻗﱰح ﻋﲇ ﺻﺎﺣﺒﻲ أﻥ ﻧﺬﻫﺐ إﱃ
47
اﳊﲈﻡ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻟﻜﻲ ﻧﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻮﻫﻦ اﻟﺬﻱ أﺻﺎﺑﻨﺎ .ﺧﺮﺟﻨﺎ
ﻣﻦ اﳌﻨﺰﻝ ﻭﻗﺬﻓﻨﺎ ﺑﺄﻧﻔﺴﻨﺎ ﰲ أﻭﻝ ﺳﻴﺎرة أﺟﺮة ﺻﺎدﻓﺘﻨﺎ ,ﻃﻠﺒﻨﺎ ﻣﻦ
ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ أﻥ ﻳﻘﻠﻨﺎ إﱃ أﻗﺮب ﲪﺎﻡ.
ﻭﺑﲈ أﻥ ﻟﻜﻨﺘﻨﺎ ﺗﺪﻝ ﻋﲆ أﻧﻨﺎ ﻟﺴﻨﺎ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﳌﺪﻳﻨﺔ ﻓﻘﺪ أﺧﺬﻧﺎ
ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻄﺎﻛﴘ ﰲ ﺟﻮﻟﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﰲ اﻟﺸﻮارع ﺣﺘﻰ ﻳﺒﺘﺰ ﻣﻨﺎ دراﻫﻢ
أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﺮ اﳊﻘﻴﻘﻲ .ﻛﺎﻥ اﻟﺴﺎﺋﻖ ﺛﺮﺛﺎرا ﻛﺜﲑ اﻟﻜﻼﻡ ,ﻗﺎﻝ إﻥ
أﺻﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺮاء ﻭإﻧﻪ ﻭﺻﻞ إﱃ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻄﻨﻄﺎﻥ ﻭرﺟﻊ ,ﻭأﻥ
أﺑﻮﻳﻪ ﺷﺎرﻛﺎ ﰲ اﳌﺴﲑة اﳋﴬاء ,ﻭأﻥ اﳌﻌﻴﺸﺔ ﰲ اﻟﺼﺤﺮاء
رﺧﻴﺼﺔ ,ﻭﻛﺜﲑ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر ﻻ أذﻛﺮﻫﺎ ﻷﻥ ﺣﺎﱄ ﻻ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺬﻟﻚ.
ﺑﻌﺪ ﺟﻮﻟﺔ ﺗﻮﻗﻒ ﺑﻨﺎ أﻣﺎﻡ ﲪﺎﻡ ,أﻣﺪدﺗﻪ ﺑﻮرﻗﺔ ﻧﻘﺪﻳﺔ ﻣﻦ ﻓﺌﺔ
ﻣﺎﺋﺔ درﻫﻢ .ﺳﺄﻟﻨﻲ اﻟﺴﺎﺋﻖ":ﻫﻞ ﻟﺪﻳﻚ ﻓﻜﺔ?" أﺟﺒﺖ ﺑﺎﻟﻨﻔﻲ ﻧﺰﻝ
ﻣﻦ اﻟﻄﺎﻛﴘ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﻘﺎﻝ اﳌﻘﺎﺑﻞ ﻟﻠﺤﲈﻡ ﻛﻲ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻔﻜﺔ,
ﺗﺄﺧﺮ اﻟﺴﺎﺋﻖ ,ﻧﻈﺮت إﱃ ﺻﺎﺣﺒﻲ اﻟﺒﺸﲑ إذا ﺑﻪ ﻳﻨﺰع ﻣﻼﺑﺴﻪ داﺧﻞ
اﻟﻄﺎﻛﴘ .ﺣﺬﻭت ﺣﺬﻭﻩ ﱂ ﻧﺒﻖ إﻻ ﰲ اﻟﺘﺒﺎﻥ ,ﲣﻠﺼﻨﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ
ﻣﻼﺑﺴﻨﺎ .ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺎد اﻟﺴﺎﺋﻖ ﺗﻔﺎﺟﺄ ﺑﻤﻨﻈﺮﻧﺎ ﻭاﺧﺬ ﰲ اﻟﺴﺐ
ﻭاﻟﺸﺘﻢ.
ﻭﻗﺎﻝ":أﻱ ﻳﻮﻡ ﻫﺬا ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺎح ﻭأﻧﺎ أﲪﻞ ﻫﺬﻩ اﻻﺻﻨﺎﻑ
ﻣﻦ اﳊﻤﻘﻰ ﻭاﳌﺜﻠﻴﲔ?!! رﻣﻰ ﺑﺎﻟﻨﻘﻮد ﰲ ﻭﺟﻬﻲ ﻭﴏخ ":اﻫﺒﻄﻮا
"ﻓﻌﻠﻨﺎ ﻣﺎ أﻣﺮﻧﺎ ﻧﺘﺄﺑﻂ ﻣﻼﺑﺴﻨﺎ.
48
ﻭأﻧﺎ أﻗﻮﻝ ﻟﻪ ":إﻟﻌﻦ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ" ﻭﻫﻮﻳﴫخ أﻧﺖ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ
ﺑﺬاﺗﻪ ",ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﺻﻠﻨﺎ ﺑﺎب اﳊﲈﻡ ,ﻛﺎﻧﺖ اﳌﻔﺎﺟﺄة أﻛﱪ ﻓﻘﺪ
اﺳﺘﻘﺒﻠﻮﻧﺎ ﺑﺎﻟﺸﺘﻢ ﻭاﻟﺴﺐ" :اﷲ ﻳﻨﻌﻞ أﺑﻮﻛﻢ ﻗﻮ ...ﺑﺤﺎﻟﻜﻢ
ﺧﺮﺑﻮا ﻟﺒﻼد ﻭأﻓﺴﺪﻭ اﻟﻌﺒﺎد" ,ﻇﻨﺎ ﻣﻨﻬﻢ أﻧﻨﺎ ﻣﺜﻠﻴﲔ ,ﺑﻞ رﲨﻮﻧﺎ
ﺑﺎﳊﺠﺎرة ,ﻭﻧﺤﻦ ﳖﺮب ﻛﺎﳉﻨﻮد اﻟﻔﺎرﻳﻦ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻛﺔ .ﻋﺪﻧﺎ
أدراﺟﻨﺎ ﻛﻞ ﻫﺬا ﺣﺪث ﻭﻧﺤﻦ ﱂ ﺗﻜﻦ ﻟﻨﺎ دراﻳﺔ ﻻ ﺑﺎﻟﻮﻗﺖ ﻭﻻ
ﺑﺎﻷﻣﺎﻛﻦ ..ﺗﻴﻪ ﻣﻄﻠﻖ ﻓﻘﻂ" .ﻛﻴﻒ ﱄ أﻥ أﲣﻴﻞ ﻣﺎ ﺣﺪث ,أﻥ
أﺗﻨﺎﻭﻝ ﺧﻠﻴﻂ ﱂ أﻋﺮﻑ ﻣﺎﻫﻴﺘﻪ ﻗﻂ ﰲ ﺣﻴﺎﰐ .أﻳﺎﻡ ﺧﺎرج اﻟﻮاﻗﻊ
ﻭﺧﺎرج اﻟﻮﻋﻲ ,ﺣﺘﻰ ﻭإﻥ ﺣﺎﻭﻟﺖ أﻥ أﺗﺬﻛﺮ ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ ,ﴏاع
رﻫﻴﺐ ﻷﻓﻜﺎرﻱ أرﻭﻡ ﻓﻘﻂ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻛﻢ ﺑﻘﻴﻨﺎ ﻋﲆ ﻫﺬا اﳊﺎﻝ .ﰲ
اﻟﻴﻮﻡ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻭﺑﻔﻀﻞ ﺑﻌﺾ اﻷﻋﺸﺎب اﻟﻄﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﻠﺒﻬﺎ أﺣﺪ
اﻟﻄﻠﺒﺔ ﻣﻦ ﻋﻄﺎر ﳎﺎﻭر ﺑﺪأﻧﺎ ﰲ اﻟﺘﻌﺎﰲ ﻭاﺳﱰﺟﺎع ﻋﻘﻮﻟﻨﺎ ,ﻟﻜﻦ
ﺗﺄﺛﲑ اﻷﻣﺮ ﻋﲇ أﻧﺎ ﺧﺎﺻﺔ ﺗﻄﻠﺐ أﺳﺒﻮﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺪاﻭﻱ ﺑﺎﻷﻋﺸﺎب
اﺗﻨﺎﻭﳍﺎ ﻛﻞ ﺻﺒﺎح ﰲ اﳊﺴﺎء ,ﻭﻗﺪ ﻛﻨﺖ ﻣﻨﻬﻜﺎ ﲤﺎﻣﺎ ,ﻟﻜﻨﻨﻲ
ﺗﻌﺎﻓﻴﺖ أﺧﲑا.
ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺷﻜﺮﻧﺎ أﺻﺪﻗﺎءﻧﺎ اﻟﻄﻠﺒﺔ ﻋﲆ ﺣﺴﻦ اﻟﻀﻴﺎﻓﺔ
ﻭاﻋﺘﺬرﻧﺎ ﻋﻦ اﳌﺘﺎﻋﺐ اﻟﺘﻲ ﻋﺎﺷﻮﻫﺎ ﻣﻌﻨﺎ ﺛﻢ ﻋﺰﻣﻨﺎ ﻋﲆ اﻟﺴﻔﺮ ﻣﻦ
ﺟﺪﻳﺪ.
ﰲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻷﺳﺒﻮع اﻟﺜﺎﲏ ,اﺳﺘﺄﻧﻔﻨﺎ اﻟﺮﺣﻠﺔ ﰲ اﻟﻘﻄﺎر .ﻧﺰﻝ
اﻟﺒﺸﲑ ﰲ ﳏﻄﺔ اﳌﺴﺎﻓﺮﻳﻦ ﺑﺎﻟﺒﻴﻀﺎء .ﻭأﻛﻤﻠﺖ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﱃ ﻃﻨﺠﺔ.
ﻛﻨﺖ ﻭﺣﻴﺪا ﰲ اﳌﻘﻄﻮرة ,أﺿﻊ ﻳﺪﻱ ﻋﲆ زﺟﺎج اﻟﻨﺎﻓﺬة .ﻭﺑﻌﺪ
49
ﳊﻈﺎت ﴍﻭد ﴏت اﺳﺘﻌﺬب إﻳﻘﺎع ﺻﻮت ﻫﺬا اﳌﺎرد اﻟﺬﻱ
ﻳﴪع ﰊ ﻧﺤﻮ ﻋﻮاﱂ ﲢﻔﻬﺎ اﳌﻐﺎﻣﺮة .اﻧﺘﺎﺑﻨﻲ ﺧﻮﻑ ﻭرﻫﺒﺔ ﻛﺜﲑا ﻣﺎ
ﺣﴬﺗﻨﻲ ﰲ أﺣﻼﻣﻲ ﻭﻳﻘﻈﺘﻲ ﻃﻮاﻝ اﻷﻳﺎﻡ اﻷﺧﲑة ,ﻓﺄﺣﻴﺎﻧﺎ
ﻳﺘﻤﻠﻜﻨﻲ إﺣﺴﺎس ﻏﺎﻣﺾ ﻻ أﻋﺮﻑ ﻟﻪ ﺗﻔﺴﲑا ﻳﻐﺮﻱ ﻧﻔﴘ,
ﻓﺄﺷﻌﺮ ﺑﺎﻻﻧﺘﺸﺎء ﻳﻐﻤﺮ رﻭﺣﻲ ﻭﺑﻌﺪ ﺑﺮﻫﺔ أﻋﻮد إﱃ ﻭاﻗﻌﻲ ﻭأﻣﻌﻦ
اﻟﻨﻈﺮﰲ اﻻﺻﻔﺮار اﳌﺤﻴﻂ ﺑﻘﺮص اﻟﺸﻤﺲ اﳌﻨﺤﺪر ﻓﻮﻕ اﳌﺮﻭج
ﻭاﻟﺴﻬﻮﻝ اﻟﻨﺎﺋﻴﺔ .ﳎﺮد ﻫﻨﻴﻬﺎت ﻭﺗﻐﻴﺐ اﻟﺸﻤﺲ ,ﻫﻨﺎﻙ ﺳﻴﺤﻞ
اﻟﻈﻼﻡ ﻗﺮﻳﺒﺎ ﻟﻜﻦ ﻛﻮﻧﺎ آﺧﺮ ﰲ ﻣﻜﺎﻥ ﻗﴢ ﺳﻴﻀﺎء ﺣﺘﲈ..
ﱂ أﻧﻢ اﻟﻠﻴﻞ ﻛﻠﻪ ﺑﻔﻌﻞ ﺻﻮت ﻫﺬا اﳌﺎرد ﻭﲢﺮﻛﻪ ,ﻛﻠﲈ
ﺻﺎدﻑ اﻟﺴﻜﺔ ﻣﻨﻌﻄﻒ ,ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺑﻔﻌﻞ ﺻﻌﻮد اﻟﺮﻛﺎب ﻭﻧﺰﻭﳍﻢ
ﻃﻮاﻝ اﻟﻄﺮﻳﻖ .ﻗﻀﻴﺖ اﻟﻠﻴﻞ إﱃ آﺧﺮﻩ أﻗﻠﺐ اﳌﻮﺿﻮع ,ﻭﺳﺆاﻝ
ﻃﺎﳌﺎ آرﻗﻨﻲ" ﻣﺎذا ﻳﻤﻜﻦ أﻥ ﳛﺪث ﻏﺪا ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻛﻮﻥ أﻣﺎﻡ ﴍﻃﺔ
اﳊﺪﻭد?" ,ﻭﺗﺼﻮرت ﻛﻞ اﻟﻨﻬﺎﻳﺎت اﳌﺤﺘﻤﻠﺔ ﺣﺘﻰ أﺳﻮأﻫﺎ ﻋﲆ
اﻹﻃﻼﻕ ﻭأﺣﺴﺴﺖ ﻟﻮﻫﻠﺔ ﺑﱪﻭدة ﻭﻗﺴﻮة اﻷﺻﻔﺎد ﻋﲆ ﻳﺪﻱ,
ﺣﺘﻰ اﻧﺘﺰﻋﻨﻲ ﺻﻮت ﻣﺮاﻗﺐ اﻟﺘﺬاﻛﺮ ﻣﻦ دﻓﲔ ﲣﻴﻼﰐ .ﺑﻌﺪ أﻥ
أﺧﺬﺗﻨﻲ ﺳﻨﺔ أﻭﻛﺪت أﻏﻔﻮ ﻭﺑﻌﺪﻫﺎ ﻧﻤﺖ ﻧﻮﻣﺎ ﻣﺘﻘﻄﻌﺎ ﺑﻔﻌﻞ ﺗﻌﺐ
ﻃﻮﻝ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺴﻔﺮ.
اﺳﺘﻴﻘﻈﺖ ﻋﲆ ﻧﺪاء "اﻟﻘﻄﺎر ﻃﻨﺠﺔ اﳌﻴﻨﺎء ﳖﺎﻳﺔ اﻟﺴﲑ".
ﲪﻠﺖ ﺣﻘﻴﺒﺘﻲ ﻭﺗﻮﺟﻬﺖ إﱃ أﻗﺮب ﻓﻨﺪﻕ ,ﻫﻨﺎﻙ أﺧﺬت ﲪﺎﻣﺎ
ﺑﺎردا ,ﻭﺣﺎﻭﻟﺖ ﻗﺪر اﻹﻣﻜﺎﻥ ﻭﺿﻊ اﻟﻠﻤﺴﺎت اﻷﺧﲑة.
50
ﻛﻨﺖ أﻧﻈﺮ إﱃ ﺻﻮرﰐ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻭإﱃ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﴪﳛﺔ اﻟﺸﻌﺮ
ﻭرﺳﻢ ﺣﻼﻗﺔ اﻟﻠﺤﻴﺔ ﻟﻌﲇ أﻛﻮﻥ ﻧﺴﺨﺔ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﺟﺪا ﻣﻦ ﺻﻮرة
اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ,ﺗﻮﺟﻬﺖ اﱃ اﳌﻘﻬﻰ ,أﺧﺬت ﻭﺟﺒﺔ إﻓﻄﺎر .ﻭﺑﻌﺪﻫﺎ ﴎت
أﺗﺴﻜﻊ ﰲ ﺷﻮارع اﳌﺪﻳﻨﺔ .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﻞ اﳌﺴﺎء ,ﻛﺎﻥ اﳋﻮﻑ ﻗﺪ أﺧﺬ
ﻳﺪﻕ أﻭﺗﺎدﻩ ﰲ ﻗﻠﺒﻲ .ﻛﻠﲈ اﻗﱰﺑﺖ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﺼﻔﺮ .ﺗﻮﺟﻬﺖ إﱃ
اﳌﻴﻨﺎء ,ﻭإذا ﺑﻤﻨﻈﺮ ﻟﻔﺖ اﻧﺘﺒﺎﻫﻲ ,ﻃﻴﻮراﻟﻨﻮرس ﲢﻠﻖ ﺑﺄﴎاب
ﻛﺒﲑة ﻓﻮﻕ أﻣﻮاج اﻟﺒﺤﺮ ﻭاﻟﺒﻌﺾ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺸﺎﻃﺊ ,ﻓﲈ أﻥ ﺗﻜﺎد
ﲢﻂ ﻭاﺣﺪة ﺣﺘﻰ ﺗﻄﲑ اﻻﺧﺮ ,أذﻫﻠﻨﻲ ﻫﺬا اﳌﻨﻈﺮ ﺑﺪﻗﺘﻪ
ﻭاﻧﺘﻈﺎﻣﻪ ,ﻗﻠﺖ ﰲ ﻧﻔﴘ " :أﻭ ﻟﻴﺴﺖ ﻫﺬﻩ ﻋﻼﻣﺔ ﻋﲆ أﻥ أﺣﺪاﺛﺎ
ﺳﻌﻴﺪة أﻭﺗﻌﻴﺴﺔ ﻋﲆ ﻭﺷﻚ أﻥ ﺗﻘﻊ ﱄ?! ﻟﻠﺤﻈﺔ ﺗﺸﺠﻌﺖ
ﻭﺗﺬﻛﺮت أﻥ ﺣﺒﺎﺋﻞ اﳋﻠﻖ ﻭإﻥ ﺿﻌﻔﺖ ﻓﺤﺒﻞ اﷲ ﻣﻔﺘﻮﻝ..
ﻗﻠﺖ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺳﻴﺤﺪث ﻫﺬا اﳌﺴﺎء ﻳﻌﺪ ﻧﻘﻄﺔ ﲢﻮﻝ ﰲ ﺣﻴﺎﰐ
ﺑﻜﻞ ﻣﺎﲢﻤﻠﻪ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﻣﻌﻨﻰ ,إذا ﻣﺎ ﻣﺮ اﻷﻣﺮ ﺑﺴﻼﻡ ﻓﻬﺬا ﻏﺎﻳﺔ
اﻟﺮﺟﺎء ,أﻣﺎ إذا ﻛﺎﻥ اﻟﻌﻜﺲ ﻓﻼ ﳞﻤﻨﻲ ﻣﻄﻠﻘﺎ اﻟﺘﻮﻗﻴﻒ أﻭ اﻟﺴﺠﻦ,
اﳌﺮض ﻭاﳌﻮت ,ﻓﻔﻲ اﻷﺧﲑ ﻫﺬﻩ ﺳﻨﺔ اﳊﻴﺎة اﻟﺮﺑﺢ أﻭاﳋﺴﺎرة ,ﻗﺪ
ﻻ ﳚﺘﻤﻌﺎﻥ ﰲ آﻥ ﻭاﺣﺪ.
ﺗﺮاءت ﱄ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﺗﺮﺳﻮ ﻫﻨﺎﻙ ,ﻛﻠﲈ ﺗﻘﺪﻣﺖ ﻣﻦ
ﺑﻮاﺑﺔ اﳌﻴﻨﺎء ,ﺗﻀﺎﻋﻔﺖ رﻫﺒﺘﻲ ,ﻋﻨﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻣﻦ ذاﻙ اﻟﺰﻣﻦ
ازدادت ﺣﺎﻟﺘﻲ ﺗﻮﺗﺮا ﻭاﻧﺘﺎﺑﺖ ﺟﺴﺪﻱ ﲪﻰ ﻣﺒﺎﻏﺘﺔ اﻣﺘﺪت إﱃ ﻛﻞ
ﺟﺰء ﻓﻴﻪ ,ﺑﺪأ إﺑﻄﻲ ﻳﺘﻔﺼﺪ ﻋﺮﻗﺎ ﻛﻠﲈ اﻗﱰﺑﺖ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺰ ﴍﻃﺔ
اﳊﺪﻭد ,ﻗﻠﺒﻲ ﳜﻔﻖ ﺧﻔﻘﺎﻧﺎ ﻗﻮﻳﺎ ﻳﻜﺎد ﻳﺸﻖ ﻟﻪ ﺻﺪرﻱ .ﲤﺎﻟﻜﺖ
51
ﻧﻔﴘ ﻛﻲ أﺧﻔﻲ ﺗﻮﺗﺮﻱ ,ﻭﻣﻊ ذﻟﻚ ﺗﺮددت ﻛﲈ ﻟﻮ أﻧﻨﻲ ﺣﺬرت
ﺑﻮاﺳﻄﺔ إﻧﺬار أﻭ ﻏﺮﻳﺰة اﻟﻮﻗﺎﻳﺔ اﻟﺬاﺗﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﻐﺒﺔ اﳌﻐﺎﻣﺮة.
ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ أرﺑﻊ ﳑﺮات ﻛﺎﻥ أﺣﺪﻫﺎ ﻣﻌﻄﻞ ,ﻭﻃﺎﺑﻮر ﻣﻦ
اﳌﺴﺎﻓﺮﻳﻦ أﻣﺎﻡ ﻛﻞ ﳑﺮ .ﺣﺮﺻﺖ ﻋﲆ أﻥ أﻛﻮﻥ ﻣﻦ ﺑﲔ آﺧﺮ
اﻟﻮاﺻﻠﲔ.ﻛﺎﻥ ﻋﻤﻼ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻛﺜﲑا ﻣﻦ اﻟﺼﱪ اﻟﺬﻱ ﻟﻴﺲ ﻟﺪﻱ
ﳾء ﻣﻨﻪ ,ﻭﻫﺬا ﻣﺎ أزﻋﺠﻨﻲ ﺑﺎﻷﺻﻞ ﻷﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﻋﻲ ﺟﻴﺪا أﻥ
ﻫﺎﺗﻪ اﻟﻠﺤﻈﺎت ﺳﺘﻜﻮﻥ ﻣﻦ أﺻﻌﺐ اﻟﻠﺤﻈﺎت ﰲ ﺣﻴﺎﰐ ﻋﲆ
اﻹﻃﻼﻕ .ﻭأﻧﺎ أﻧﺘﻈﺮ اﻟﻄﺎﺑﻮر ,ﻓﺒﻌﺪﻣﺎ ﻗﻤﺖ ﺑﻄﺮح ﻛﻞ
اﻻﺣﺘﲈﻻت ,ﻛﻨﺖ أدرﻙ أﻧﻨﻲ أﺷﱰﻱ ﺣﻴﺎﰐ ﺑﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺗﻜﺎﻟﻴﻒ
اﳌﻐﺎﻣﺮة .اﻧﺘﺒﻬﺖ إﱃ أﻥ اﳌﻤﺮ اﻷﻭﻝ ﻓﻴﻪ ﴍﻃﻲ ﺷﺎب ﰲ ﻋﻘﺪﻩ
اﻟﺜﻼﺛﲔ ,ﻗﻮﻱ اﻟﺒﻨﻴﺔ ﻧﻈﺮا ﻟﻜﺴﻮﺗﻪ اﳌﻠﺘﺼﻘﺔ ﺑﺠﺴﺪﻩ .ﻭاﻟﺜﺎﲏ ﻓﻴﻪ
ﴍﻃﻲ أﺳﻤﺮ اﻟﻠﻮﻥ ,ﺣﻠﻴﻖ اﻟﺮأس ,ﻋﺎﺑﺲ .أﻣﺎ اﳌﻤﺮ اﻟﺜﺎﻟﺚ ,ﻓﻔﻴﻪ
رﺟﻞ ﲬﺴﻴﻨﻲ ,ﻏﺰت اﻟﺘﺠﺎﻋﻴﺪ ﻭﺟﻬﻪ ,أﺷﻴﺐ اﻟﺮأس ,ﻳﻀﻊ ﻧﻈﺎرة
ﻃﺒﻴﺔ ﺳﻤﻴﻜﺔ .ﻓﻘﻠﺖ ﰲ ﻧﻔﴘ ":ﻫﺬا ﻫﻮ ﺻﺎﺣﺒﻲ ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺣﺘﲈ
ﺿﻌﻴﻒ اﻟﻨﻈﺮ" .ﻛﲈ أﻥ اﳌﺴﺎﻓﺮﻳﻦ ﰲ رﻛﻨﻪ ﻗﻠﺔ ,ﻗﺪرت ﻋﺪدﻫﻢ
اﻟﺘﺴﻌﺔ ﻋﴩ .ﻛﻨﺖ ﻗﺪ اﺷﱰﻳﺖ ﻭأﻧﺎ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻲ إﱃ اﳌﻴﻨﺎء ﻋﻠﺒﺔ
ﺳﺠﺎﺋﺮ ﻣﻦ ﻧﻮع ﻣﺎﻟﺒﻮرﻭ اﳋﻔﻴﻔﺔ ,ﻭﴏت أدﺧﻦ ﺑﴩاﻫﺔ ﺑﻔﻌﻞ
اﻟﺘﻮﺗﺮﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ أﻗﻠﻌﺖ ﻋﻦ اﻟﺘﺪﺧﲔ ﻣﻨﺬ زﻣﻦ
ﻣﴣ.
ﻣﻨﺬ ذاﻙ اﳌﺴﺎء اﳋﺮﻳﻔﻲ اﻟﺬﻱ ﱂ ﻳﻜﻦ ﻛﻐﲑﻩ ﻣﻦ اﻷﻣﺎﳼ ﰲ
ﻣﺪﻳﻨﺔ أﻏﺎدﻳﺮ اﻟﺴﺎﺣﺮة ﻛﻨﺖ ﻃﺎﻟﺒﺎ ﰲ اﻟﺴﻨﺔ أﻻﻭﱃ ,ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﺘﻬﻴﺖ
52
ﻣﻦ ﻣﻜﺎﳌﺔ ﻫﺎﺗﻔﻴﺔ ﳜﺘﻠﻂ ﻓﻴﻬﺎ اﻷﺛﲑﺑﺼﻮت ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ
اﳌﺘﻘﻄﻊ ,ﲪﻞ اﻻﺛﲑ ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺮﻳﺎح رﺳﺎﻟﺔ ﻓﺤﻮاﻫﺎ ,اﻟﺴﺒﺖ
اﻟﻘﺎدﻡ ﻣﻮﻋﺪ زﻭاﺟﻲ ,ﱂ أﺻﺪﻕ رﻏﻢ أﻥ ﻧﱪة اﻟﺼﻮت ﻛﺎﻧﺖ
ﺣﺎزﻣﺔ ﻣﺼﺤﻮﺑﺔ ﺑﻨﺤﻴﺐ ﺧﺎﻓﺖ ,ﻛﻨﺖ أﺻﻐﻲ ﺑﻜﻞ ﺟﻮارﺣﻲ,
ﻭأﻛﺎد أﻟﺼﻖ اﻟﺴﲈﻋﺔ ﻋﲆ أذﲏ إﱃ اﻷﺑﺪ.
ﻟﻜﻦ أﻣﻮرا ﲢﺪث دﻭﻣﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻭﻗﻒ ﺗﺪﻓﻖ ﺗﻴﺎرﻫﺎ ﺛﲈﻧﻘﻄﻊ
اﳋﻂ ..داﳘﻨﻲ إﺣﺴﺎس ﺛﺎﺋﺮ ﻭآﺧﺮ ﻣﴬج ﺑﺮﻏﺒﺔ ﳎﻬﻮﻟﺔ ﰲ اﻟﺘﺪﺧﲔ.
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻴﺠﺎرة اﻟﻮﺣﻴﺪة اﳌﺘﺒﻘﻴﺔ ﰲ اﻟﻌﻠﺒﺔ ﻭﻟﻠﻤﺼﺎدﻓﺔ ﻛﺄﳖﺎ ﺗﻨﺘﻈﺮ
ﻫﺬﻩ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻭﻗﻔﺖ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺎﻓﺬة أﺣﺪﻕ ﰲ اﻷﻓﻖ ,ﻣﺮرت اﻟﺴﻴﺠﺎرة
ﻋﲆ أﻧﻔﻲ ﻓﻬﺰﺗﻨﻲ راﺋﺤﺔ اﻟﺘﺒﻎ ﺑﻼ ﻫﻮادة.
أﺷﻌﻠﺘﻬﺎ ﻭدﺧﻠﺖ ﰲ ﺣﻮار ﻣﻌﻬﺎ:
ﻟﺜﻤﺘﻬﺎ ﺑﻌﻤﻖ ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻫﺠﺖ..
ﺻﺎﺣﺖ ﻛﻴﻒ ﺣﻞ ﻟﻚ ﺗﺒﻐﻲ?..
ﻗﺎﻟﺖ :ﻛﻞ اﻟﻌﺎﺷﻘﺎت ﳛﺴﺪﻧﻨﻲ ﻋﲆ دﻑء ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺒﻠﺔ
ﻓﻘﻠﺖ :اﻟﻘﺒﻠﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﻚ ﺑﻞ ﻫﻲ رﺳﺎﻟﺔ ﻭداع ﳍﺎ..
ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﱄ ﺣﺎﴐﻱ ﺣﻠﻤﻲ ﻭﻣﺴﺘﻘﺒﲇ
ﻗﺎﻟﺖ:ﺣﺘﲈ أﻧﺎ ﻣﺘﻮﺟﺔ ﻋﺮﳾ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﻠﺜﻢ ﰲ اﻟﻔﻢ
ﻭرﻗﴢ دﻭراﻥ اﻟﺪﺧﺎﻥ ﰲ اﳍﻮاء ﺑﲔ اﻟﺸﻔﺎﻩ ﻳﺮﺳﻢ.
ﻓﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﺎﻧﺖ دﻭﻣﺎ ﱄ ﻭاﺳﻌﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔ اﻟﻠﺤﻦ ﻭاﻟﻨﻐﻢ..
أرﺟﻮﻙ ﳘﺴﺖ ﻻ ﺗﺮﻣﻴﻨﻲ اﺣﺘﻔﻆ ﺑﻴﻞ ﻟﺬﻛﺮ ﻓﻘﻂ ﺷﺎﻫﺪة
ﻋﲆ اﻟﻔﺮاﻕ ﻭاﳌﺤﻦ..
53
ﻗﻠﺖ:اﺣﱰﻗﻲ اﺣﱰﻗﻲ ﻭﻧﺎﻣﻮﳼ دﺧﻦ ﻋﲆ اﻷﺣﺰاﻥ
ﺗﻨﺠﲇ..
ﺗﺮﻛﺖ اﻟﺴﻴﺠﺎرة ﺗﺘﻼﺷﻰ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻗﺒﻠﺘﻬﺎ ﺑﻌﻤﻖ أﺧﲑا
ﻭاﻟﺪﺧﺎﻥ ﻳﺘﻮارﻳﻮداﻋﺎ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﺣﺒﻴﺐ ﻣﺘﻴﻢ..
رﻣﻴﺖ أﻋﻘﺎﲠﺎ ﻛﲈ رﻣﺘﻨﻲ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ..
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ أﻫﻢ ﺳﻴﺠﺎرة دﺧﻨﺘﻬﺎ ﻋﲆ اﻹﻃﻼﻕ ,ﻓﻬﻲ
ﲢﺘﻔﻆ ﱄ ﺑﺬﻛﺮ ﻋﺼﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﻨﺴﻴﺎﻥ ﻭﻛﺎﻥ ﻫﺬا أﺧﺮ ﻋﻬﺪﻱ
ﺑﺎﻟﺘﺪﺧﲔ إﱃ ﻫﺎﺗﻪ اﳍﻨﻴﻬﺎت اﻟﺘﻲ أﺧﻮض ﻓﻴﻬﺎ ﻏﲈرﻫﺬﻩ اﳌﻐﺎﻣﺮة,
ﻛﻨﺖ ﰲ ﳊﻈﺔ ﺧﺎرج اﻟﻮاﻗﻊ ﻭﺧﺎرج اﻟﺰﻣﻦ ,أﺗﺴﺎءﻝ ﰲ ﳐﻴﻠﺔ
أﻓﻜﺎرﻱ .ﻣﴣ اﻟﻮﻗﺖ ﻳﺰﺣﻒ ﺑﺒﻂء ,ﻭﺟﺮح ﻧﺎزﻑ ﱂ ﻳﻨﺪﻣﻞ .ﻛﻠﲈ
ﺗﺬﻛﺮﺗﻪ ﻋﺎد أﳌﻪ ﺣﺒﺎ ﻣﻨﻔﻴﺎ ﻳﺘﻨﻔﺲ ﻟﺬة اﻟﺬﻛﺮ اﳌﺘﻘﺪة.
إﻧﺲ ﻻ ﺗﺘﺬﻛﺮ ﻻ ﺧﻴﺎر ﻟﺪﻳﻚ ﻣﺰﻕ أﻭراﻕ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت,
اﺣﺮﻗﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺼﲑ رﻣﺎدا.
اﻧﺘﺸﻠﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﺣﺒﻞ أﻓﻜﺎرﻱ اﻣﺮأة ﻋﺠﻮز ﺗﺴﺄﻝ ﻋﻦ ﻣﻮﻋﺪ
اﻧﻄﻼﻕ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ,أﺟﺒﺖ ":اﻵﻥ" .ﺗﻨﺎزﻋﺘﻨﻲ رﻏﺒﺘﺎﻥ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺘﺎﻥ
ﻣﻮاﺻﻠﺔ اﳌﻐﺎﻣﺮة أﻭاﻟﱰاﺟﻊ ﻋﻨﻬﺎ .أﺧﲑاﺗﻘﺪﻣﺖ ﻣﻦ اﻟﻄﺎﺑﻮر
اﻟﺜﺎﻟﺚ .ﰲ ﻫﺬﻩ اﻷﺛﻨﺎء ﻛﻨﺖ ﻻ أﺣﺲ ﻭﻻ أﺳﻤﻊ إﻻ ﺑﺨﻄﻰ
ﺟﺴﺪﻱ ﺗﺘﻮﺟﻪ إﱃ اﳌﻤﺮ .ﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﴘ" :إذا ﱂ أﺳﺘﻄﻊ ﻋﺒﻮر ﺗﻠﻚ
اﻟﺒﻮاﺑﺔ ,ﻓﺎﳌﻮت أﻭﱃ ﰊ ,إﻣﺎ اﻟﻴﻮﻡ ﻭإﻣﺎ أﺑﺪا" .ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺗﺮددت
ﻟﻠﺤﻈﺎت ,ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﱄ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ زﻣﻦ ﻻ ﳖﺎﻳﺔ ﻟﻪ .ﻓﻠﻢ ﻳﺘﺒﻖ إﻻ
54
ﲬﺴﺔ أﺷﺨﺎص .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ أراﻫﻢ ﻳﻤﺮﻭﻥ إﱃ اﳉﺎﻧﺐ اﻷﺧﺮ
أﻣﺎﻣﻲ أﺗﺒﻌﻬﻢ ﺑﻨﻈﺮاﰐ اﳊﺎﳌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮﻕ أﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻜﺎﳖﻢ .ﻋﻨﺪﻣﺎ
ﺣﺎﻥ دﻭرﻱ ﻭﻗﻔﺖ أﻣﺎﻣﻪ ﻭﻣﺪدت ﻟﻪ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ,ﻗﺎﺑﻠﺘﻪ ﺑﻨﺼﻒ
ﻭﺟﻪ ,ﺣﻴﺚ إﻥ اﻟﺒﺸﲑ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﻧﺪﺑﺔ ﺻﻐﲑة ﻗﺮب ﻋﻴﻨﻪ
اﻟﻴﴪ,ﻧﻈﺮ إﱄ اﻟﴩﻃﻲ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻨﻈﺎرة اﻟﺴﻤﻴﻜﺔ ﻧﻈﺮات ﻛﺎﻧﺖ
ﺗﺮﺗﻌﺶ ﳍﺎ أدﻕ أﻭﺗﺎر رﻭﺣﻲ ,ﱂ ﻳﺒﻖ ﱄ ﺣﻴﻨﻬﺎ أﻱ ﺳﻴﻄﺮة ﻋﲆ
ﻧﻔﴘ ﻭﺟﺴﺪﻱ .ﴎت ﻗﺸﻌﺮﻳﺮة ﰲ ﺑﺪﲏ ,ﻋﻼ ﻛﺎﻣﻞ ﻭﺟﻬﻲ
اﲪﺮار ,اﻧﻘﺒﺾ ﻗﻠﺒﻲ ,ﻭاﻣﺘﻘﻊ ﻟﻮﻥ ﳏﻴﺎﻱ ,أﺻﺎﺑﻨﻲ ﺗﺸﻨﺞ ﱂ أﻋﺮﻑ
ﻟﻪ ﻣﺜﻴﻼ ﰲ ﺣﻴﺎﰐ .ﻓﻘﺎﻝ" :ﻟﺪﻳﻚ ﻣﺸﻜﻞ" .ﻛﺎد ﻗﻠﺒﻲ أﻥ ﻳﺘﻮﻗﻒ
أﺧﺬﺗﻨﻲ رﻋﺸﺔ ﻣﻦ أﲬﺺ ﻗﺪﻣﻲ .ﳎﺪدا ﻧﻈﺮ اﱃ اﳊﺎﺳﻮب أﻣﺎﻣﻪ
ﳊﻈﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺧﻠﺘﻬﺎ دﻫﺮا ,ﻭاﺳﺘﺤﴬت ﻛﻞ اﻷدﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ
أﻋﺮﻑ,ﻭﺗﻠﻮت آﻳﺔ اﻟﻜﺮﳼ ,ﻭأﺗﺒﻌﺘﻬﺎ ﺑﺎﳌﻌﻮذﺗﲔ ﻭآﻳﺎت أﺧﺮ,
أﺧﺬت أردد ﰲ دﻫﺎﻟﻴﺰ ﻧﻔﴘ ﺳﻮرة ﻳﺎﺳﲔ" :ﻭﺟﻌﻠﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﲔ
أﻳﺪﳞﻢ ﺳﺪا ﻭﻣﻦ ﺧﻠﻔﻬﻢ ﺳﺪا" ,ﺑﻠﻎ ﰊ اﻟﺘﻮﺗﺮ ﻣﺒﻠﻐﺎ ﺣﺘﻰ أﲏ ﱂ
أﻋﺪ أﻋﺮﻑ ﺗﺮﺗﻴﺐ اﻵﻳﺎت ﻭأﲣﺒﻂ ﻭأردد ..ﻟﻠﻤﺮة اﻟﻌﴩﻳﻦ ﻛﺮرﲥﺎ
"ﻓﺄﻏﺸﻴﻨﺎﻫﻢ ﻓﻬﻢ ﻻ ﻳﺒﴫﻭﻥ" ,ﻭددت ﻟﻮ أﻫﺮب ﻭأﲣﻠﺺ ﻣﻦ
اﻟﻘﻴﻮد ﻭاﻟﻜﻠﲈت ﻭﻣﻦ ﻛﻞ ﳘﻮﻣﻲ ﻭﳐﺎﻭﰲ ,ﻭأﺣﺮر رﻭﺣﻲ ﻣﻦ
ﻗﻠﻖ أﺛﻘﻞ ﻛﺎﻫﲇ ,ﰲ رﺣﻠﺔ أﻋﺮﻑ أﳖﺎ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻭﻣﺘﻌﺒﺔ إﱃ أرض
ﻣﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﳌﻔﺎﺟﺂت ﻭاﳌﺨﺎﻃﺮ ,ﻭﻟﻜﻦ ﻛﺎﻥ ﻋﲆ ذﻟﻚ أﻥ ﻳﺘﻢ .ﻗﻠﺖ
ﻟﻨﻔﴘ" :ﺗﺸﺠﻊ اﻟﻮﻗﺖ ﱂ ﻳﻔﺖ ﺑﻌﺪ".
55
ﻧﻈﺮ إﱄ اﻟﴩﻃﻲ ﻣﺒﺎﴍة ﰲ ﺻﻤﺖ...ﻓﺎﳌﻐﺎﻣﺮ ﳛﺲ ﺑﻘﺪﻭﻡ
اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ﺑﺎﳍﺪﻭء اﻟﺬﻱ ﻳﺴﺒﻘﻬﺎ.
ﻗﺎﻝ" :ﻟﺪﻳﻚ ﺳﻴﺎرة ﻣﺴﺠﻠﺔ ﱂ ﲢﺬﻑ ﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﻧﻈﺎﻡ
اﳊﺎﺳﻮب" ﻧﺰﻝ ﻋﲇ ﻛﻼﻣﻪ ﺑﺮدا ﻭﺳﻼﻣﺎ .ﺗﻨﻔﺴﺖ ﺑﻌﻤﻖ
ﻭﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻣﺼﻄﻨﻌﺔ ﲣﻔﻲ اﻟﺘﻮﺗﺮ"اﻵﻥ أﻧﺎ ﺑﺸﲑ".
ﻗﻠﺖ":ﻣﺎ اﻟﻌﻤﻞ إذﻥ?".
أﺟﺎب ":ﳚﺐ أﻥ ﺗﺴﻮﻱ اﻷﻣﺮ ﻣﻊ اﳉﲈرﻙ ".ﻭأﺷﺎر إﱃ
ﻣﻜﺘﺐ ﰲ اﻟﺰاﻭﻳﺔ اﻟﻴﴪ.
ﻋﻨﺪﻣﺎ دﺧﻠﺖ ﻋﲆ ﺿﺎﺑﻂ اﳉﲈرﻙ ﻭأﺧﱪﺗﻪ ﺑﺎﻷﻣﺮ.
ﻗﺎﻝ" :ﻋﻔﻮا ﻫﺬا ﻳﺘﺠﺎﻭز ﺻﻼﺣﻴﺎﰐ ,ﻻ أﻗﺪر ﻋﲆ ﻓﻌﻞ ﳾء ﳚﺐ
أﻥ ﲢﺬﻑ ﻣﻦ ﺟﻬﺎز ﻧﻈﺎﻡ اﳌﻌﻠﻮﻣﻴﺎت ﰲ اﳌﻜﺎﻥ اﻟﺬﻱ ﺑﻴﻌﺖ ﻓﻴﻪ
اﻟﺴﻴﺎرة ,ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻜﻨﻚ اﳋﺮﻭج".
"ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ" :إﱃ أﻳﻦ ﺳﺄذﻫﺐ إذﻥ".أﺟﺎب ﻋﻨﺪ اﳌﻔﺘﺶ
اﻟﻌﺎﻡ ﻟﻠﺠﲈرﻙ".
ﻫﺮﻭﻟــﺖ إﱃ اﳌﻔــﺘﺶ ,ﻭﳌــﺎ أﺧﱪﺗــﻪ ﺑــﺎﻷﻣﺮ ﻗــﺎﻝ ﻫــﻮ
اﻵﺧﺮﺑﺠﻮاب أرﻋﻦ ":ﻣﺎذا ﻫﻨـﺎﻙ? أﻛﻠـﲈ أﺧﻄـﺄ أﺣـﺪﻛﻢ ﻳﺮﻣـﻲ
ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﻠﻮاﻩ?" ﻣﻠﻮﺣﺎ ﺑﺬراﻋﻪ ﺑﺪﻭﻥ اﻫﺘﲈﻡ ﻭﻻ ﻣﺒﺎﻻة .ﱂ ﻳﻠﺘﻔﺖ ﹼ
إﱄ
اﻟﺒﺘﺔ ,ﻛﻢ ﻛﺎﻥ ﺣﺰﲏ ﻛﺒﲑ ﰲ ﻋﺪﻡ ﲤﻜﻨـﻲ ﻣـﻦ ﺗﱪﻳـﺮ ﺳـﻠﻮﻛﻪ اﻟـﻼ
إﻧﺴﺎﲏ.
56
أﺧﲑا ﻗﺎﻝ ﺑﺸﻜﻞ ﻓﻆ" :ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ ﻓﻌﻞ ﳾء ,اﳌﺪﻳﺮ ﻫﻮ
اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﻘﺎدر ﻋﲆ ﺣﻞ ﻫﺬا اﳌﺸﻜﻞ".
ﺑﻌﺪ ﺗﻮﺳﻞ ﻣﻨﻲ ,دﻟﻨﻲ أﺧﲑا ﻋﲆ ﻣﻜﺘﺐ اﳌﺪﻳﺮ ,ﻓﻮﺟﺪت
ﻋﻨﺪﻩ ازدﺣﺎﻡ ,أﺷﺨﺎص ﻛﺜﺮ ﻳﻨﺘﻈﺮﻭﻥ ﺧﺎرﺟﺎ ,ﻭإذا ﺑﻪ ﰲ ﴏاخ
داﺋﻢ ,رﺟﻞ ﻗﺼﲑ ,ﺳﻤﲔ ﻣﻨﺘﻔﺦ اﻷﻭداج ﻳﺮﻓﻊ ﺷﺎرﺑﻪ اﻟﻜﺚ ﻛﻠﲈ
ﺗﻜﻠﻢ ,ﻳﻌﺘﻤﺮ ﻗﺒﻌﺔ ﺻﻮﻓﻴﺔ رﻭﺳﻴﺔ ,ﻓﻜﺄﻧﻨﺎ ﰲ ﻋﺰ ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء,
ﺗﺮددت ﰲ اﻟﺪﺧﻮﻝ ,ﺗﺮﻳﺜﺖ إﱃ أﻥ اﻧﻔﺾ اﳉﻤﻊ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ.
ﻓﺎﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﺗﻮﺷﻚ ﻋﲆ اﻹﺑﺤﺎر ﱂ ﻳﺘﺒﻖ إﻻ رﺑﻊ ﺳﺎﻋﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ .اﻧﺘﻈﺮﺗﻪ
ﺣﺘﻰ ﺧﺮج ﻣﻦ ﻣﻜﺘﺒﻪ أراﻗﺒﻪ ,أﺷﻌﻞ ﺳﻴﺠﺎرة ﻭأﺧﺬ ﻳﺪﺧﻦ أﻣﺎﻡ
اﳌﻜﺘﺐ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﺻﻞ ﰲ اﻟﺘﺪﺧﲔ ﻧﺼﻒ اﻟﺴﻴﺠﺎرة ﻭﻗﻔﺖ ﻋﻠﻴﻪ
أﺟﺮ ﺣﻘﻴﺒﺘﻲ ,ﺑﺎدرﺗﻪ ﺑﺎﻟﺘﺤﻴﺔ ﻓﺮد اﻟﺴﻼﻡ..
ﻭﻗﺎﻝ ":ﻣﺎذا ﻫﻨﺎﻙ?".
ﻗﻠﺖ ﻟﻪ أﻣﺮ اﻟﺴﻴﺎرة ,ﻭأردﻓﺖ أﻥ ﻫﺬا اﳌﺸﻜﻞ ﻻ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﰊ,
آﺧﺮ ﺳﻴﺎرة ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺤﻮزﰐ ﻣﻦ ﻧﻮع ﻣﺮﺳﻴﺪس ﺑﻴﻀﺎء ﻟﺪﻱ ﻭرﻗﺘﻬﺎ,
ﻭاﻷﻣﺮ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺄﺧﺮ ﲪﺮاء اﻟﻠﻮﻥ ﻭاﳌﺸﻜﻞ ﰲ اﳊﺎﺳﻮب ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ
اﻟﺪاﺧﻠﺔ ﺣﻴﺚ ﱂ ﲢﺬﻑ ﻣﻦ ﻧﻈﺎﻡ اﳌﻌﻠﻮﻣﻴﺎت ,ﺗﻨﺎﻭﻝ ﻣﻦ ﻳﺪﻱ ﻭرﻗﺔ
ﺻﻔﺮاء ,ﻭﻭﺿﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺧﺘﻢ ﻭﻃﺎﺑﻊ ﺗﻮﻗﻴﻌﻪ ﻷﺳﻠﻤﻬﺎ ﻟﻠﴩﻃﺔ ﻛﻲ
أﻣﺮ ,ﺛﻢ ﺳﺄﻟﻨﻲ" :ﻣﺘﻰ اﻟﺴﻔﺮ ,أﺟﺒﺖ اﻵﻥ ﰲ ﻫﺬﻩ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ
"ﺻﺎح" :أﴎع! أرﻛﺾ! ﻗﺪ ﺗﻔﻮت اﳌﻮﻋﺪ" .رﻛﻀﺖ ﺑﺄﻗﴡ ﻣﺎ
أﻣﻠﻚ ,ﻟﻜﻦ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻭأﺧﻔﻘﺖ ﰲ اﻟﻠﺤﺎﻕ ﲠﺎ.
57
ﻋﻨﺪ اﳌﺪﺧﻞ ﺻﺎدﻓﺖ ﴍﻃﻴﺎ ﻣﻨﻌﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﺪﺧﻮﻝ ﺑﺤﺠﺔ أﻥ اﻟﺒﻮاﺑﺔ
ﺳﺪت .ﺳﺄﻟﺘﻪ إذا ﻛﺎﻥ ﺑﺈﻣﻜﺎﲏ ﻓﻌﻞ ﳾء ,أﺟﺎب" :ﻋﻠﻴﻚ
اﻻﻧﺘﻈﺎر ﺣﺘﻰ ﺻﺒﺎح اﻟﻐﺪ ﰲ ﻧﻔﺲ اﻟﺘﻮﻗﻴﺖ ﻣﺴﺎء ,ﺳﺄﻟﻨﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ
ﻧﻈﺮ إﱃ ﻭﺛﺎﺋﻖ اﻟﺴﻔﺮ :ﻫﻞ أﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﻌﻴﻮﻥ?" ,أﺧﱪﲏ ﺑﺄﻧﻪ ﻋﻤﻞ
ﻫﻨﺎﻙ ﲬﺲ ﺳﻨﻮات ,ﻭﺑﺎدرﲏ ﺑﺎﻟﺴﺆاﻝ ﻣﺮة أﺧﺮ إﻥ ﻛﻨﺖ أﻋﺮﻑ
اﻟﻐﻴﻼﲏ اﻟﺬﻱ ﻳﺸﺘﻐﻞ ﰲ ﻗﻄﺎع اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ,أﺟﺒﺖ" :ﻧﻌﻢ .ﻭأﻋﺮﻑ
أﺻﺪﻗﺎءﻩ ﻓﻼﻥ ﻭﻓﻼﻥ ﺷﻠﺘﻪ" .ﻓﺄﺧﱪﲏ أﳖﻢ أﺻﺪﻗﺎؤﻩ .ﻋﺰﻣﺖ
اﻷﻣﺮ ﻋﲆ أﻥ أﻋﺎﻭد اﻟﻜﺮة ﻏﺪا ﰲ ﻧﻔﺲ اﻟﺘﻮﻗﻴﺖ ﻋﻠﻨﻲ اﻟﺘﻘﻲ ﺑﻪ,
ﻭأﻣﺮ ﺑﺴﻼﻡ .ﰲ ﻃﺮﻳﻖ ﻋﻮدﰐ إﱃ ﺧﺎرج ﺑﻮاﺑﺔ اﳌﻴﻨﺎء ﺻﺎدﻓﺖ أﺣﺪ
اﻟﻌﺎﻣﻠﲔ ﳛﻤﻞ اﻷﻣﺘﻌﺔ ,ﻭﻛﻨﺖ ﻗﺪ اﺳﺘﻔﴪﺗﻪ ﻋﻦ أﻣﺮ دﻭاﻡ
اﻟﴩﻃﺔ ,ﺑﺤﺠﺔ أﻥ ﴍﻃﻴﺎ ﺳﺎﻋﺪﲏ ﻛﺜﲑا ,ﻭأرﻳﺪ أﻥ أﺟﻠﺐ ﻟﻪ
ﻫﺪﻳﺔ أﺛﻨﺎء ﻋﻮدﰐ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﺎر اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﺧﻼﻝ ﻳﻮﻣﲔ أﻭﺛﻼث,
أﺧﱪﲏ أﳖﻢ ﻳﺸﺘﻐﻠﻮﻥ ﰲ ﻧﻔﺲ اﻟﺘﻮﻗﻴﺖ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ ﻭﳍﻢ اﻟﺪﻭاﻡ ﻧﻔﺴﻪ.
ﻋﺪت أدراﺟﻲ إﱃ اﻟﻔﻨﺪﻕ ,ﻭأﻧﺎ أﻟﻌﻦ اﳊﻆ اﻟﺬﻱ ﺳﺎﻗﻨﻲ
إﱃ ﻫﺬا اﻟﺘﺄﺧﲑ ﻭأﻭاﳼ ﻧﻔﴘ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻭأﻗﻮﻝ" :ﻛﻞ ﺗﺄﺧﲑ ﻓﻴﻪ
ﺧﲑ" .ﻭﺗﺬﻛﺮت ﻗﺼﺔ ذﻟﻚ اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟﻌﺴﻜﺮﻱ اﳌﺸﻬﻮر ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎﻝ
ﳉﻨﻮدﻩ "إﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﻨﺴﺤﺐ ﺑﻞ ﻧﺘﻘﺪﻡ ﰲ اﲡﺎﻩ آﺧﺮ" .ﱂ أﺳﺘﻄﻊ اﻟﻨﻮﻡ,
ﻛﺬﻟﻚ ﻣﺮت ﺣﻴﺎﰐ أﻣﺎﻡ ﻋﻴﻨﻲ ﻛﴩﻳﻂ ﻏﲑ ﻣﻨﺴﺠﻢ ﻣﱰدد ﻣﻊ ﺳﻮء
اﻟﻄﺎﻟﻊ ,ﻭﻛﺎﳊﻠﻢ رﺣﺖ أﲤﻌﻦ ﻓﻴﻪ .ﻛﺎﻥ ﻋﲇ ﻓﻚ أﴎارﻩ ﺑﻜﻞ
أﺣﺪاﺛﻪ اﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻭاﻟﺒﻌﻴﺪة ,اﳊﺰﻳﻨﺔ ﻭاﻟﺴﻌﻴﺪة.
58
ﰲ اﻟﻴﻮﻡ اﳌﻮاﱄ ,اﺳﺘﻴﻘﻈﺖ ﻣﺘﺄﺧﺮا ,ﺗﻨﺎﻭﻟﺖ ﻭﺟﺒﺔ ﻏﺬاء ﻣﻦ
اﻟﺴﻤﻚ ,ﻭﰲ اﳌﺴﺎء ﺗﻮﺟﻬﺖ إﱃ اﳌﻴﻨﺎء ,ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﺻﻠﺖ ﱂ أﺟﺪ
اﻟﴩﻃﻲ ,ﻭأﺧﱪﻭﻧﺎ أﻥ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﺳﻮﻑ ﺗﺘﺄﺧﺮﻋﻦ ﻣﻮﻋﺪ اﻧﻄﻼﻗﻬﺎ,
ﻭﻟﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أﺣﺪ اﳋﺮﻭج ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻣﺒﺎراة ﻛﺮة اﻟﻘﺪﻡ ﺑﲔ اﻟﻔﺮﻳﻖ
اﻟﻮﻃﻨﻲ اﳌﻐﺮﰊ ﻭﻣﻨﺘﺨﺐ ﻣﴫ ﺿﻤﻦ إﻗﺼﺎﺋﻴﺎت ﻛﺄس إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ,
اﳌﻐﺮب ﻣﻄﺎﻟﺐ ﺑﺎﻟﻔﻮز ,ﻭﻣﴫ ﻳﻜﻔﻴﻬﺎ اﻟﺘﻌﺎدﻝ ,ﻭأﺧﱪﻭﻧﺎ أﻥ
اﻟﻌﻤﻞ ﻣﺘﻮﻗﻒ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺘﻬﻲ اﳌﺒﺎراة .ﻭﺑﲈ أﲏ ﻛﻨﺖ أﻣﻘﺖ ﻛﺮة اﻟﻘﺪﻡ
ﻧﻈﺮا ﻟﺬﻛﺮﻳﺎﰐ اﻷﻟﻴﻤﺔ ﻣﻌﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﻛﻨﺖ ﻃﻔﻼ ,ﻓﲈزﻟﺖ أذﻛﺮ ذاﻙ
اﳌﺴﺎء اﻟﺒﻌﻴﺪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻮﻗﻔﺖ ﺳﻴﺎرة اﻟﴩﻃﺔ ﻭرﻣﺖ ﺑﺠﲈﻝ اﺑﻦ
ﺧﺎﻟﺘﻲ أﻣﺎﻡ ﺑﺎب اﳌﻨﺰﻝ ﻣﴬﺟﺎ ﺑﺎﻟﺪﻣﺎء ,ﻋﻨﺪﻣﺎ أدﺧﻠﻮﻩ اﳌﻨﺰﻝ ﺑﺪأ
ﻳﺘﺄﻭﻩ ,ﺳﺄﻟﺘﻪ أﻣﻲ ﻣﺎ ﺣﻞ ﺑﻪ ﻭأﻱ ﺟﺮﻡ ارﺗﻜﺐ ,ﻭإﻥ ﻛﺎﻥ ﻳﲈرس
اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ.
أﺟﺎب ﺑﺼﻮت ﻣﺮﺗﻌﺶ" :ﻭاﷲ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﱂ أﻓﻌﻞ ﺷﻴﺌﺎ
أﺳﺘﺤﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﴬب ,ﻛﻨﺎ ﰲ اﳌﻠﻌﺐ ﻧﺸﺠﻊ ﻓﺮﻳﻖ اﻟﺼﺤﺔ
ﺿﺪ ﻓﺮﻳﻖ اﻟﴩﻃﺔ ﰲ ﳖﺎﻳﺔ ﻛﺄس اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ .ﻭﻛﻨﺖ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ
ﻣﻊ ﻗﻠﺔ ﲥﺘﻒ ﺑﺤﻴﺎة اﻟﺼﺤﺔ ﻭأﺷﺠﻌﻬﺎ .ﰲ ﳖﺎﻳﺔ اﳌﺒﺎراة اﻧﺘﴫ ﻓﺮﻳﻖ
اﻟﺼﺤﺔ ﺑﺸﻖ اﻷﻧﻔﺲ ﰲ آﺧﺮ دﻗﻴﻘﺔ ﻣﻦ اﳌﺒﺎراة ,ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﳘﻤﺖ
ﺑﻤﻐﺎدرة ﺑﻮاﺑﺔ اﳌﻠﻌﺐ اﻗﱰب ﻣﻨﻲ ﺷﺨﺼﺎﻥ ﺳﺄﻟﻨﻲ أﺣﺪﳘﺎ ﻋﻦ
ﺑﻄﺎﻗﺔ اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ اﻟﺘﻲ ﱂ ﺗﻜﻦ ﺑﺤﻮزﰐ ,اﺻﻄﺤﺒﺎﲏ إﱃ أﻗﺮب ﻣﺮﻛﺰ
ﴍﻃﺔ ﺣﻴﺚ أﻣﻀﻴﺖ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎﻡ ﺑﻠﻴﺎﻟﻴﻬﺎ ,ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻷﺻﻨﺎﻑ
اﻟﺘﻌﺬﻳﺐ اﳊﺎﻃﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺮاﻣﺔ ,ﻭاﻟﺘﻬﻤﺔ ﻭاﻫﻴﺔ :زﻋﺰﻋﺔ اﻷﻣﻦ
59
اﻟﺪاﺧﲇ .ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﺘﻬﻮا ﻣﻨﻲ ﻗﺎﻟﻮا ﱄ" :إذﻫﺐ إﱃ اﻟﺼﺤﺔ ﻛﻲ
ﻳﻌﺎﳉﻮﻙ" .ﻭﻃﻔﻖ ﻳﺒﻜﻲ" :ﲪﻠﻮﲏ ﻭزر اﳍﺰﻳﻤﺔ" .آﳌﻨﻲ ﺣﺎﻟﻪ,
ﻭﻛﺮﻫﺖ ﻛﺮة اﻟﻘﺪﻡ ﻣﻦ ﻳﻮﻣﻬﺎ ,ﻭﻣﺎزﻟﺖ أﺳﺘﻐﺮب ﻷﺷﺨﺎص
ﺗﺸﻜﻞ ﳏﻮر ﺣﻴﺎﲥﻢ ,ﻟﻜﻦ ﰲ اﳊﻴﺎة اﻻﻫﺘﲈﻣﺎت أذﻭاﻕ .ﻭﻟﻠﻨﺎس
ﰲ ﻣﺎﻳﻌﺸﻘﻮﻥ ﻣﺬاﻫﺐ.
ﻛﻨﺖ أﺷﺎﻫﺪ اﳌﺒﺎرة ﰲ ﻣﻘﻬﻰ اﳌﻴﻨﺎء ,ﻓﺄﻧﺎ ﻛﺬﻟﻚ أﺷﺠﻊ
اﻟﻔﺮﻳﻖ اﻟﻮﻃﻨﻲ اﳌﻐﺮﰊ ,ﻛﻠﲈ ﻗﻔﺰ اﳌﺸﺠﻌﻮﻥ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻋﺪﻫﻢ ﻗﻔﺰت
ﻣﻌﻬﻢ ﻭﴏﺧﺖ ,ﰲ أﻋﲈﻕ أﻋﲈﻕ ﻧﻔﴘ ﻛﺎﻧﺖ ﺛﻤﺔ رﻏﺒﺔ ﻛﺒﲑة ﰲ
أﻥ ﻳﻔﻮز اﳌﻐﺮب ,ﻛﻲ أرﺗﺎح.
أﴏخ ﻭأﺷﺠﻊ ﺑﺎﻟﺘﺼﻔﻴﻖ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ,ﻭأﺣﺎﻛﻲ اﳌﺘﻔﺮﺟﲔ.
ﺑﺬﻟﻚ ﻛﻨﺖ أدارﻱ ﺧﻮﰲ ﻭأﺗﺴﱰ ﻋﲆ ﻣﻐﺎﻣﺮﰐ إﱃ أﻥ اﻧﺘﻬﺖ اﳌﺒﺎراة
ﺑﺎﻟﺘﻌﺎدﻝ ﻭﺻﻌﺪت ﻣﴫ ,ﻭﺑﺪا اﳊﺰﻥ ﻋﲆ اﻟﻜﻞ ﻭﻛﻨﺖ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ.
ﻛﻨﺖ أﻟﻌﻦ اﳊﻆ اﻟﻌﺎﺛﺮ ﻭاﳊﻜﻢ اﻟﻈﺎﱂ ﻭاﻟﻌﺸﺐ ﻭاﻷرﺿﻴﺔ ﻏﲑ
اﳌﻨﺎﺳﺒﺔ .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﳘﻤﺖ ﺑﺎﳋﺮﻭج ﻣﻦ اﳌﻤﺮ إﱃ اﳊﺎﺟﺰ اﻷﻣﻨﻲ,
اﻧﺘﻈﺮت ﺣﺘﻰ ﺑﻘﻲ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﺴﺎﻓﺮﻳﻦ ﰲ اﻟﻄﺎﺑﻮر ,ﻗﺼﺪت اﻟﴩﻃﻲ
ﻧﻔﺴﻪ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻨﻈﺎرات اﻟﺴﻤﻴﻜﺔ ,ﻣﺪدت ﻟﻪ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﺑﲈ
ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻮرﻗﺔ اﳌﻮﻗﻌﺔ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ اﳌﺪﻳﺮ .ﻗﺎﻝ ﱄ" :ﻫﻞ ﺳﻮﻳﺖ
اﻷﻣﻮر?" أﺟﺒﺖ ﺑﺈﻳﲈءة ﻣﻦ رأﳼ ,ﻛﻨﺖ أﺑﺪﻭ ﺣﺰﻳﻨﺎ ﺑﻔﻌﻞ
اﳌﺒﺎراة ,ﻃﺒﻊ اﳉﻮاز ﻭﻗﺎﻝ :ﺗﻔﻀﻞ .ﻏﺎدرت اﳌﻤﺮ ﺑﺨﻄﻰ ﴎﻳﻌﺔ,
دﻭﻥ أﻥ أﻟﺘﻔﺖ ,ﻭﻛﺄﻧﻨﻲ ﻓﻌﻼ ﻣﻄﺎرد .ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﱃ ﺑﻮاﺑﺔ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ,
ﺑﺪرت ﻣﻨﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﻷدﻳﺮ رأﳼ ﻭأر ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻲ ,ﻟﻜﻨﻨﻲ ﲤﺎﻟﻜﺖ
60
ﻧﻔﴘ ﻭأﻣﺮﲥﺎ أﻻ ﺗﻠﺘﻔﺖ ,ﻭأردد ﰲ ﴎﻱ" :اذﻫﺐ
ﻭﻏﺎدر."..ﻋﻨﺪ ﻣﺪﺧﻞ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ اﻟﻀﺨﻤﺔ ﻛﺎﻥ اﻟﻄﺎﺑﻮر ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ,
ﻭاﳌﺮاﻗﺐ ﻻ ﳞﺘﻢ ﺳﻮ ﺑﺎﻟﺘﺬﻛﺮة .ﻛﺎﻥ اﻟﻄﻘﺲ ﻣﺘﻘﻠﺒﺎ ,اﻧﻄﻠﻘﻨﺎ
ﻧﺒﺤﺮ ﺑﺒﻂء ﻧﻈﺮا ﻷﺟﻮاء اﻟﺒﺤﺮ ﻛﻨﺖ أر ﺑﻌﺾ اﻟﺮﻛﺎب ﻳﺼﻴﺒﻬﻢ
اﻟﻐﺜﻴﺎﻥ ﻭاﻟﺪﻭار ﻛﻠﲈ ﲤﺎﻳﻠﺖ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ,ﻭاﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ﻳﻀﺤﻚ
ﻭﻳﻌﻠﻖ ﻣﺎذا ﻛﺎﻥ ﺳﻮﻑ ﳛﺼﻞ ﳍﻢ ﻟﻮ أﳖﻢ ﰲ اﻟﻘﻮارب اﳋﺸﺒﻴﺔ
اﻟﺼﻐﲑة ,ﻭﺗﺘﻌﺎﱃ اﻟﺼﻴﺤﺎت ﻭاﻟﻀﺤﻜﺎت .ﻭﻗﻔﺖ ﰲ رﻛﻦ ﻗﴢ
ﻣﻦ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ أراﻗﺐ اﻷﺿﻮاء اﻟﺒﻌﻴﺪة .ﻭﻫﺪﻳﺮ ﻣﻴﺎﻩ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻘﻮﻱ ﻛﻠﲈ
ﺷﻘﺖ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ .ﺣﴬت اﱃ ذﻫﻨﻲ ﻗﺼﺔ اﻟﺴﻴﺠﺎرة
ﻭﻋﻼﻗﺘﻲ ﺑﻠﻴﲆ اﻟﺘﻲ داﻣﺖ ﻋﺎﻣﲔ ﻋﻠﻘﻨﺎ ﺧﻼﳍﺎ آﻣﺎﻻ ﻛﺒﲑة ﺗﻔﻮﻕ
ﻣﻘﺪرﺗﻨﺎ .ﻛﻨﺖ داﺋﲈ أﻗﻮﻝ ﳍﺎ ":إﻥ أﻏﲆ ﻣﺎ أﻣﻠﻚ ﻫﻮ ﻗﻠﺒﻲ ﻭأﻗﺪﻣﻪ
ﻟﻚ ﻋﲆ ﻛﻞ اﻷﻃﺒﺎﻕ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ ﻭاﳌﺎﺳﻴﺔ "ﻓﺘﻌﻠﻖ" :ﻳﻜﻔﻴﻨﻲ أﻥ
ﺗﻌﻄﻴﻨﻲ ﺷﻴﺌﺎ ﳜﺼﻚ ,ﻭﻳﻨﺒﺾ ﺑﺪاﺧﻠﻚ" ,ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻼﻗﺘﻲ ﲠﺎ
ﺑﺮﻳﺌﺔ .أذﻛﺮ أﻥ أﻭﻝ ﻗﺒﻠﺔ ﻗﺒﻠﺘﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﲢﺖ اﳌﻄﺮ ﺑﺠﻮار ﺑﻨﺎﻳﺔ ﻗﻴﺪ
اﻹﻧﺸﺎء ,ﺣﻴﺚ ﺗﻮﻗﻒ ﺑﻨﺎ اﻟﺰﻣﻦ.
ﻭﻗﺎﻟﺖ ﱄ ﺑﻜﻞ ﻋﻔﻮﻳﺔ":دﻭﺧﺘﻨﻲ."..
ﻗﻠﺖ ﳍﺎ":زﻳﺪﻳﻨﻲ ﻗﺒﻠﺔ زﻳﺪﻳﻨﻲ".
ﻏﻦ ﻓﻘﻂ زﻳﺪﲏ ﻋﺸﻘﺎ زﻳﺪﻳﻨﻲ"
ﻓﱰد" :ﻳﻜﻔﻲ أﻧﺖ ﻃﲈع ,ﹼ
ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ أﴍع ﰲ اﻟﻐﻨﺎء,
ﲥﻤﺲ ":ﻛﻔﻰ أﻧﺖ ﻳﺎﻋﻤﺮﻱ ﱂ ﲣﻠﻖ ﳍﺬا"
ﻭأرد ﻋﻠﻴﻬﺎ ":اﻧﺖ ﻻ ﺗﺸﺠﻌﲔ اﳌﻮاﻫﺐ",
61
ﺗﻀﺤﻚ ":ﺻﻮﺗﻚ ﻻ ﳏﻞ ﻟﻪ ﰲ اﻟﻐﻨﺎء".
ﻭﺻﻠﻨﺎ ﻣﺘﺄﺧﺮﻳﻦ ﺟﺪا إﱃ ﻣﻴﻨﺎء اﳉﺰﻳﺮة اﳋﴬاء اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ
أﺳﻤﻊ ﻋﻨﻬﺎ ﰲ ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺦ .ﱂ ﻳﻜﻦ اﻟﻔﺠﺮ ﺑﻌﻴﺪا ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﺻﻠﻨﺎ,
اﻟﴚء ﻧﻔﺴﻪ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ ﺛﻼث ﳑﺮات .ﺑﺪا ﻋﲆ اﻟﻌﺎﻣﻠﲔ اﻹﺳﺒﺎﻥ −ﻣﻦ
ﴍﻃﺔ اﳊﺪﻭد−اﻟﺴﻬﺮ ﻭاﻹﻋﻴﺎء ﻣﻦ ﻓﺮط اﻻﻧﺘﻈﺎر ,رﺑﲈ ﻛﺎﻧﻮا
ﻳﻠﻌﻨﻮﻧﻨﺎ ﰲ ﴎﻫﻢ ﺑﻌﺪ أﻥ ﱂ ﻳﺒﻖ إﻻ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﳌﺴﺎﻓﺮﻳﻦ ,ﺗﻘﺪﻣﺖ
ﻣﻨﻲ ﻣﻮﻇﻔﺔ اﻟﴩﻃﺔ ﺷﺎﺑﺔ ﺷﻘﺮاء ,ﻣﺪدت ﳍﺎ اﳉﻮاز ﻃﺒﻌﺖ ﱄ
اﻟﺪﺧﻮﻝ ﻭﻗﺎﻟﺖ ﱄ" :ﻣﺮﺣﺒﺎ" ﻭﺗﺒﻌﺘﻬﺎ ﺑﻜﻠﲈت أﺧﺮ ,أﻧﺎ ﻻ أﻓﻘﻪ
اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﺟﻴﺪا ,ﻓﺮددت ﳍﺎ ﻛﻠﲈت ﻏﲑ ﻣﻔﻬﻮﻣﺔ ﻭﻻ ﻣﺴﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ
ﺧﻠﻒ اﻟﺰﺟﺎج ,ﺣﺮﺻﺖ ﻋﲆ أﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺗﻌﺎﺑﲑ اﻟﻮﺟﻪ ﻭاﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ﺧﲑ رﺳﻮﻝ.
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﻃﺄت ﻗﺪﻣﻲ اﻷراﴈ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﻛﻨﺖ ﺑﲔ ﺷﻄﺤﺎت
اﳊﻠﻢ ﻭﻳﻘﲔ اﳊﻮاس اﳋﻤﺲ ,ﲤﻠﻜﻨﻲ ﻓﺮح ﻋﺎرﻡ ﻭﻧﺸﻮة ﱂ أﻋﺮﻑ
ﳍﺎ ﻃﻌﲈ ﰲ ﺣﻴﺎﰐ ,ﻭﻛﺄﲏ أﻧﺘﻈﺮ ﻫﺬﻩ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻣﻨﺬ زﻣﻦ ,ﻷﺣﻘﻖ
ﺣﻠﲈ راﻭدﲏ ﻃﻮﻳﻼ ﰲ ﻧﻮﻣﻲ ﻭﻳﻘﻈﺘﻲ .ﺳﻌﺪت ﺟﺪا ﺣﲔ ﻟﻔﺤﻨﻲ
ﺑﺮد اﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻭدﻏﺪغ ﺟﺒﻬﺘﻲ ﻭﻫﻴﺞ أﺷﺠﺎﲏ.
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ اﳌﺤﻄﺔ ﻟﻔﺖ اﻧﺘﺒﺎﻫﻲ ﺗﻮاﺟﺪ أﺷﺨﺎص
ﻣﻐﺎرﺑﺔ ﺑﺴﻴﺎرﲥﻢ اﳋﺎﺻﺔ ﻳﺴﺄﻟﻮﻥ ﻋﻦ اﻟﻮﺟﻬﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﺼﺪ .ﻓﻬﻤﺖ
ﺑﺄﳖﻢ ﻳﲈرﺳﻮﻥ اﻟﻨﻘﻞ اﻟﴪﻱ أﻭ ﻣﺎ ﻳﻌﺮﻑ "ﺑﺎﳋﻄﺎﻓﺔ" ,ﺳﺄﻟﻨﻲ
أﺣﺪﻫﻢ ﻋﻦ ﻭﺟﻬﺘﻲ أﺟﺒﺖ" :ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﺎرﺑﻴﺎ" .ﻛﺎﻥ اﻟﺒﺸﲑ ﻗﺪ ﻗﺎﻡ
62
ﺑﺎﻟﺘﻨﺴﻴﻖ ﻣﻊ أﺣﺪ ﻣﻌﺎرﻓﻪ ﻳﺪﻋﻰ أﻳﻮب ﻳﻘﻄﻦ ﻫﻨﺎﻙ ,ﻛﻨﺖ ﻗﺪ
اﺗﺼﻠﺖ ﺑﺎﻟﺒﺸﲑ أزﻑ ﻟﻪ ﺑﴩ ﻋﺒﻮرﻱ ﺑﻨﺠﺎح ,ﻭﻛﺬا أﴎﰐ اﻟﺘﻲ
ﱂ ﺗﻜﻦ ﻋﲆ ﻋﻠﻢ ﺑﻤﻐﺎﻣﺮﰐ.
اﺳﺘﻘﺒﻠﻨﻲ أﻳﻮب ﺑﺤﻔﺎﻭة ﻋﻨﺪ ﻣﺪﺧﻞ ﻣﺪﻳﻨﺔ "ﻣﺎرﺑﻴﺎ",
ﻭاﺻﻄﺤﺒﻨﻲ ﻣﻌﻪ إﱃ ﻣﻨﺰﻝ ﻣﺘﻮاﺿﻊ ﻣﻦ ﻏﺮﻓﺘﲔ ,أﻭﻝ ﻣﺎ أﺛﺎر
اﻧﺘﺒﺎﻫﻲ ﻫﻮ ﻛﺜﺮة اﻷﺣﺬﻳﺔ ﻭاﻟﻔﻮﴇ اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺒﻊ اﳌﻨﺰﻝ ,ﻋﺮﻓﺖ ﺑﻌﺪ
ذﻟﻚ أﻥ ﺳﺎﻛﻨﻲ اﳌﻨﺰﻝ ﺛﲈﻧﻴﺔ أﺷﺨﺎص ,أرﺑﻌﺔ ﻳﺸﺘﻐﻠﻮﻥ ﻟﻴﻼ
ﻭاﻟﺒﻘﻴﺔ ﳖﺎرا ,ﻟﺬﻟﻚ ﺗﻌﻢ اﳌﺸﺎﻋﻴﺔ اﳌﻜﺎﻥ .ﺗﺄﻛﺪت ﻭﺑﺎﳌﻠﻤﻮس أﻥ
اﳌﻬﺎﺟﺮﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺄﺗﻮﻥ ﻋﻨﺪ ﳖﺎﻳﺔ ﻛﻞ ﺻﻴﻒ ﺑﺴﻴﺎرات ﻋﻠﻴﻬﺎ أرﻗﺎﻡ
ﺧﺎرﺟﻴﺔ ﺗﴪع ﰲ ﺷﻮارع اﻟﻌﻴﻮﻥ ,ﻭاﻟﺒﻌﺾ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺘﴫﻓﺎت
ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻟﻠﻔﺖ اﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﻭﴎﻗﺔ اﻷﺿﻮاء ﻭﻳﺒﻴﻌﻮﻥ اﻟﻮﻫﻢ ﻟﻠﻤﺮاﻫﻘﺎت
ﻳﻌﻴﺸﻮﻥ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﰲ ﳎﻤﻮﻋﺎت ﺑﴩﻳﺔ ﻳﻄﺒﻌﻬﺎ اﻟﻜﺪ ﻭاﻹﺧﻔﺎﻕ
اﻻﺟﺘﲈﻋﻲ ﰲ ﺷﻜﻞ ﺑﺆس ﻻ ﺗﺴﻌﻪ اﻟﻜﻠﲈت ...أﻣﻀﻴﺖ ﻣﻌﻬﻢ
ﻳﻮﻣﲔ ,ﺳﺄﻟﻮﲏ ﻋﻦ اﻷﺣﻮاﻝ ﻭأﺧﺒﺎر اﻷﻫﻞ ﰲ اﻟﻌﻴﻮﻥ ,ﻭﻛﻠﲈ
اﺳﺘﻔﺮد ﰊ أﺣﺪﻫﻢ ﻳﻐﺪﻕ ﻋﲇ ﺑﺎﻟﻨﺼﺢ ﻭاﻟﻮﺻﺎﻳﺎ ,ﻋﺮﻓﺖ ﰲ
ﺣﴬﲥﻢ أﻥ إﺳﺪاء اﻟﻨﺼﺎﺋﺢ ﺳﻬﻞ ﻟﻜﻦ ﺗﻄﺒﻴﻘﻪ ﻭﻟﻮ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﳍﻢ
ﺻﻌﺐ.
ﰲ ﺻﺒﻴﺤﺔ اﻟﻴﻮﻡ اﻟﺜﺎﻟﺚ ,أﺧﺬت اﳊﺎﻓﻠﺔ اﳌﺘﻮﺟﻬﺔ إﱃ
إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻷﻧﺪﻟﺲ ,ﻛﻨﺖ أﻧﻈﺮإﱃ ﻫﺬﻩ اﳌﺮﻭج اﳋﴬاء ﻋﲆ
ﻃﻮﻝ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻭاﻟﺒﻨﻴﺔ اﻟﺘﺤﺘﻴﺔ اﻟﻘﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﻃﺮﻕ ﻭأﻧﻔﺎﻕ ﻭﺳﻂ اﳉﺒﺎﻝ,
ﺑﻌﺪ ﻣﺴﲑ ﺳﺎﻋﺎت ﻭﺻﻠﻨﺎ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ .ﻭﻛﻨﺖ أﲪﻞ ﻣﻌﻲ ﻛﺘﺎﺑﺎ أﺣﺒﻪ
63
رﻭاﻳﺔ "ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎﻡ ﻣﻦ اﻟﻌﺰﻟﺔ" ,ﻟﻠﺴﺎﺣﺮ"ﻏﺎﺑﺮﻳﻞ ﻏﺎرﺳﻴﺎ ﻣﺎرﻛﻴﺰ"
أﻗﺮأ ﺑﺒﻂء ,ﺑﻌﺪﻣﺎ دﻭﺧﻨﻲ ﺗﺴﻠﺴﻞ أﺣﺪاﺛﻪ ﻭﺷﺨﺼﻴﺎﺗﻪ اﳌﺘﺸﺎﲠﺔ
اﻷﺳﲈء .أﻏﻠﻘﻪ ﺗﺎرة ﻭأﻓﺘﺤﻪ ﺗﺎرة أﺧﺮ ,ﺛﻢ أﻟﻘﻲ ﺑﻪ أﻣﺎﻣﻲ .ﰲ
ذﻟﻚ اﻟﻴﻮﻡ آرﻗﻨﻲ ﺳﺆاﻝ ﺑﻘﻲ ﻣﻌﻠﻘﺎ ﰲ ﻫﻮاء ﻣﺴﺘﻘﺒﲇ" .ﻛﻢ ﻋﺎﻡ
ﺳﺄﻋﻴﺸﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﺰﻟﺔ?" ﻻ ﺟﻮاب ﳎﺮد ﻛﻠﲈت ﺗﻮاﳼ اﻟﺮﻭح
ﻭﲤﻨﻴﻬﺎ ﺑﻐﺪ أﻓﻀﻞ .ﺣﻴﺎﰐ أﺻﺒﺤﺖ ﻟﻌﺒﺔ ﺣﻆ ﻛﺎﻟﺮﻭﻟﻮ اﻟﺮﻭﳼ.
ﻣﺮات ﲣﻄﺊ ﻭﻣﺮة ﺗﺼﻴﺐ.
ﻋﺠﻴﺒﺔ ﻫﻲ اﳊﻴﺎة ﻛﻠﲈ اﻧﺘﻬﻰ ﻗﻠﻖ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﺄﻣﺮ ﻛﺎﻥ ﻳﻘﺾ
ﻣﻀﺠﻌﻪ إﻻ ﻭاﺑﺘﺪأ ﻗﻠﻖ آﺧﺮ ﺑﻤﻨﻄﻖ ﻭﻇﺮﻭﻑ ﻣﻐﺎﻳﺮة ,ﻭﻛﺄﳖﺎ
اﻟﻮﻻدة ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ,ﻟﻴﺴﺘﻤﺮ ﺣﺒﻞ اﳊﻴﺎة ﺑﲔ اﻟﺼﻌﻮد ﻭاﳍﺒﻮط.
ﻛﻨﺖ أﺟﺮ ﺣﻘﻴﺒﺘﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻮﺟﻬﺖ إﱃ اﳌﺼﻌﺪ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻲ
اﻟﺬﻱ ﻣﺎﻛﺎد ﻳﺼﻞ ﰊ إﱃ ﳖﺎﻳﺘﻪ ﺣﺘﻰ ﺻﺎدﻓﺖ رﺟﺎﻝ اﻟﴩﻃﺔ,
ﻳﺪﻗﻘﻮﻥ ﰲ اﳌﺴﺎﻓﺮﻳﻦ ﱂ أﺛﺮ اﻧﺘﺒﺎﻫﻬﻢ ,رﺑﲈ ﺷﻔﻊ ﱄ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺬﻱ ﰲ
ﻳﺪﻱ ﻇﻨﺎ ﻣﻨﻬﻢ أﻧﻨﻲ ﻃﺎﻟﺐ أﻭ ﳾء ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺧﺮﺟﺖ
ﻣﻦ اﳌﺤﻄﺔ أﺧﺬت اﳊﺎﻓﻠﺔ اﳌﺘﻮﺟﻬﺔ إﱃ ﺿﺎﺣﻴﺔ اﳌﺪﻳﻨﺔ اﳌﺴﲈة
doeshermanasﻋﻨﺪ ﻗﺮﻳﺐ ﱄ ﻳﺪﻋﻰ اﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ اﺗﺼﻠﺖ ﺑﻪ
ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ,ﻭﻫﻮ ﻣﻘﻴﻢ ﻫﻨﺎﻙ ﻗﺎدﻡ ﻣﻦ ﳐﻴﲈت اﻟﻼﺟﺌﲔ ,أﻣﻀﻴﺖ
ﻫﻨﺎﻙ ﺷﻬﺮﻳﻦ ,زرت ﺧﻼﳍﺎ ﻣﺂﺛﺮ اﳌﺪﻳﻨﺔ ,ﻭﻗﺪ أﻋﺠﺒﻨﻲ ﻛﺜﲑا
اﻟﻌﺰﻑ اﳉﲈﻋﻲ ﳌﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﳌﺤﺘﻔﻠﲔ ﰲ ﻣﺴﲑة ﻋﲆ ﺟﻨﺒﺎت اﻟﻮاد
اﻟﻜﺒﲑ ,ﱂ ﻳﺒﺨﻞ ﻋﲇ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺧﻼﻝ ﻫﺬﻩ اﳌﺪة ﻛﻠﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ
اﳌﺴﺎﻋﺪات ,ﻋﺎدة ﻣﺎ ﳜﺮج ﺑﺎﻛﺮا ﻭﻳﻌﻮد ﻣﺴﺎء ﻣﻨﻬﻚ اﳉﺴﺪ ﺧﺎﺋﺮ
64
اﻟﻘﻮ ﻣﻦ ﻓﺮط ﺗﻌﺐ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺸﺎﻕ اﻟﺬﻱ ﻳﺰاﻭﻟﻪ ,ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻳﺸﺘﻐﻞ
ﰲ ﻗﻄﺎع اﻟﺒﻨﺎء.
ﻭﻛﺎﻥ أﺛﻨﺎء أﻳﺎﻡ اﻟﻌﻄﻞ ﳛﻜﻲ ﱄ ﻋﻦ ﻣﻌﺎﻧﺎة أﴎﺗﻪ ﻭﻗﻠﺔ
ﺣﻴﻠﺘﻬﺎ ﰲ اﳌﺨﻴﻢ ﻗﺮب ﺗﻨﺪﻭﻑ ,ﻭﺑﺄﻧﻪ ﻳﻜﺪ ﻣﻦ أﺟﻞ أﻥ ﻳﻌﲔ
زﻭﺟﺘﻪ ﻭاﺑﻨﺘﻴﻪ ﻫﻨﺎﻙ ..ﻛﺎﻥ ﻛﺮﻳﲈ ﻣﻌﻲ ,ﻭﻧﺼﺤﻨﻲ ﺑﺄﻥ أﺳﺎﻓﺮ إﱃ
"ﻭﻳﻼﺑﺎ" أﻭ ﻣﺪﻳﻨﺔ "اﻳﻜﺴﱰاﻣﺎذﻭرا" ﰲ أﻗﴡ اﳉﻨﻮب ﻓﻬﻨﺎﻙ
اﻹﺟﺮاءات ﺳﻬﻠﺔ ,ﻭﺑﺄﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻗﺎﺿﻴﺔ ﻣﺘﻌﺎﻃﻔﺔ ﻣﻊ ﻃﺎﻟﺒﻲ ﺗﺴﻮﻳﺔ
اﻟﻮﺿﻌﻴﺔ ﻭﺧﺎﺻﺔ اﻟﺼﺤﺮاﻭﻳﲔ .ﺑﻌﺪ ﻣﺪة ﻗﺮرت اﻟﺮﺣﻴﻞ ,ﺷﻜﺮت
ﻟﻪ ﻣﻌﺮﻭﻓﻪ ,ﻭﻣﻮاﻗﻔﻪ ﻣﻌﻲ .ﻛﻨﺖ ﻛﻄﺎﺋﺮ ﺻﺤﺮاﻭﻱ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﺑﺰﻭغ
ﻓﺠﺮ ﺟﺪﻳﺪ ﻛﻲ ﻳﻨﻄﻠﻖ ﰲ أرض اﻹﺳﺒﺎﻥ اﻟﻮاﺳﻌﺔ ﻟﻴﺠﺮب ﺣﻈﻪ.
ﺣﺮﺻﺖ دﻭﻣﺎ ﻋﲆ اﺳﺘﻌﲈﻝ اﳌﻮاﺻﻼت اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺧﺸﻴﺖ أﻥ
ﺗﺼﺎدﻓﻨﻲ اﻟﴩﻃﺔ ﻭﺗﻌﻴﺪﲏ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ أﺗﻴﺖ ,ﺧﺼﻮﺻﺎ أﻥ اﻟﺒﻼد
ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﺿﺎﻗﺖ ذرﻋﺎ ﺑﺎﳌﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻻﺳﻴﲈ ﺑﻌﺪ اﳍﺠﲈت اﻹرﻫﺎﺑﻴﺔ.
ﻓﻘﺪ أﻋﻠﻨﺖ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺘﺄﻫﺐ اﻟﻘﺼﻮ ﰲ اﳌﻨﺎﻃﻖ اﳊﺴﺎﺳﺔ ﻭﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ
اﻷﻭﱃ اﻟﺴﻴﺎﺣﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ,ﱂ أﻛﻦ أﻣﻠﻚ ﻭﺛﻴﻘﺔ ﺗﺜﺒﺖ ﴍﻋﻴﺔ ﺗﻮاﺟﺪﻱ
ﻋﲆ اﻷراﴈ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ,ﻷﻧﻨﻲ أرﺳﻠﺖ ﻟﻠﺒﺸﲑ ﻭﺛﺎﺋﻘﻪ ﻣﻨﺬ ﻭﺻﻠﺖ
إﱃ "ﻣﺎرﺑﻴﺎ".
أﺛﻨﺎء ﺳﻔﺮﻱ إﱃ أﻗﴡ ﺟﻨﻮب اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻭﰲ اﳊﺎﻓﻠﺔ
ﺻﺎدﻓﺖ رﺟﻼ ﻛﻞ ﻗﺴﲈﺗﻪ ﺗﺪﻝ ﻋﲆ أﻧﻪ ﻋﺮﰊ ,أﺳﻤﺮ ﻃﻮﻳﻞ اﻟﻘﺎﻣﺔ,
ﻧﺤﻴﻒ ,ذﻭ ﻭﺟﻪ ﻃﻮﻳﻞ ﻭأﻧﻒ ﺣﺎد,ﻋﻴﻨﺎﻥ ﺻﻐﲑﺗﺎﻥ ,ﺟﺒﲔ ﺷﺎﻣﺦ,
65
ﻭﻭﺟﻨﺘﺎﻥ ﺑﺎرزﺗﺎﻥ ,ﻳﺮﺗﺪﻱ ﻣﻌﻄﻔﺎ ﻃﻮﻳﻼ ,ﻧﻈﺮاﺗﻪ اﱃ اﳌﺴﺎﻓﺮات
اﻟﺴﺎﻓﺮات ﺗﴚ ﺑﺄﻧﻪ زﻳﺮ ﻧﺴﺎء إذ ﻳﻜﺎد ﻳﺄﻛﻠﻬﻦ ﺑﻌﻴﻨﻴﻪ ,أﺣﺴﺒﻪ ﻣﻦ
ﻃﻴﻨﺔ اﻟﺮﺟﺎﻝ أﻭ أﺷﺒﺎﻩ اﻟﺮﺟﺎﻝ اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﺪﳞﻢ ﻫﺪﻑ ﺳﻮ
اﻗﺘﻨﺎص اﻟﻔﺮص إرﺿﺎء ﺑﻄﻮﳖﻢ ﻭأﺟﺴﺎدﻫﻢ ,ﻓﻼ ﻳﻔﻜﺮﻭﻥ ﺳﻮ
ﰲ ﺟﺰﺋﻬﻢ اﻟﺴﻔﲇ ﻓﻘﻂ.
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻮﻗﻔﺖ اﳊﺎﻓﻠـﺔ ﰲ إﺣـﺪ اﳌﺤﻄـﺎت اﻗـﱰب ﻣﻨـﻲ
ﺑـــﺎدرﲏ ﺑﺎﻟﺴـــﻼﻡ ﻭﻗـــﺎﻝ":ﻫـــﻞ ﻟـــﺪﻳﻚ ﻭﻻﻋـــﺔ?" أﺟﺒـــﺖ
ﺑﺎﻟﻨﻔﻲ".اﺳﺘﺴﻤﺢ ﻻ أدﺧﻦ".
أردﻑ ":أﻧﺖ ﻋﺮﰊ .ﺗﺒﺪﻭ ﻣﻦ ﺳﺤﻨﺘﻚ ﻭﲢﺮﻛﺎﺗﻚ أﻧﻚ
ﻣﻦ ﻗﻮﻡ اﻟﻀﺎد" ,ﻭأﺿﺎﻑ ﻣﻦ دﻭﻥ ﻣﻘﺪﻣﺎت":ﺑﻼد اﻟﻌﺮب
أﻭﻃﺎﲏ ﻭﻟﻴﺲ ﻛﻞ اﻟﻌﺮب إﺧﻮاﲏ".
ﻭأﺿﺎﻑ" :أﻣﺎ اﻵﻥ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ أﻋﻠﻦ ﺷﻌﺎر اﻟﻮﺣﺪة ".ﻭﺑﺪأ
ﻳﻘﻬﻘﻪ ,أﺑﺎﻧﺖ ﺿﺤﻜﺘﻪ ﻋﻦ أﺳﻨﺎﻥ ﻣﺼﻔﺮة ﻛﺜﲑة ﻏﺰاﻫﺎ اﻟﺘﺪﺧﲔ.
ﻭأردﻑ ﺑﴚء ﻣﻦ اﳉﺪ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻻﺣﻆ ﻻﻣﺒﺎﻻﰐ" :إﻧﻨﻲ ﱂ أﺟﺪ ﻫﻨﺎ
إﻧﺴﺎﻧﺎ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺟﻠﺪﰐ أﲢﺪث إﻟﻴﻪ" .ﻭددت ﻟﻮ أﲢﺪث إﻟﻴﻚ ﺣﺘﻰ
ﻧﺨﺘﴫ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻭﻧﺘﻌﺎرﻑ" .ﻭﱂ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﺟﻮاﰊ ﻭﺑﺪأ ﻳﻘﻮﻝ ":ﻧﺤﻦ
ﻧﻌﻴﺶ ﰲ ﺑﻼد اﻟﻌﻨﴫﻳﺔ ,ﻻ ﺗﻐﺮﻧﻚ اﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻬﻢ ,ﻟﻘﺪ ﻋﺎﴍﲥﻢ
ﻭأﻋﺮﻓﻬﻢ ﻣﻨﺬ ﺳﺒﻊ ﺳﻨﲔ ﻋﺠﺎﻑ ﻭردح ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ".
ﻭﺻﻤﺖ ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳﻨﺘﻈﺮ ردﻱ..ﱂ أﻋﻠﻖ!?.
66
أﺷﻌﻞ ﺳﻴﺠﺎرة أﺧﺮ ,ﻓﺼﺎر ﻳﺪﺧﻦ ﺑﴩاﻫﺔ ﻭأﻣﻌﻦ اﻟﻨﻈﺮ
ﻭﻫﻮ ﻳﺘﻔﺤﺼﻨﻲ ﻛﻤﻦ ﺗﺬﻛﺮ ﺷﻴﺌﺎ "ﻣﻦ أﻱ اﻟﺒﻠﺪاﻥ أﻧﺖ? ﻭﻛﻢ ﻣﺮ
ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻋﲆ ﺗﻮاﺟﺪﻙ ﻫﻨﺎ ?"ﻭأﺳﺌﻠﺔ ﻛﺜﲑة ﻻ ﺣﴫ ﳍﺎ ﻛﺎﻧﺖ
إﺟﺎﺑﺘﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﳐﺘﴫة.
ﲢﺪث ﻛﺜﲑا ﻋﻦ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻭ ﻇﺮﻭﻑ اﻟﻌﻴﺶ ﲠﺎ " :ﻻ ﺗﺴﺄﻝ
اﻟﻄﺒﻴﺐ ﻭﻟﻜﻦ اﺳﺄﻝ ﳎﺮب .ﻓﺎﻟﺒﴩ ﻣﻼﺋﻜﺔ ﻭﺷﻴﺎﻃﲔ أﴍار
ﻭأﺧﻴﺎر ﻭأﻛﺜﺮﻫﻢ ﰲ ﻭﻗﺘﻨﺎ اﳊﺎﱄ أﺗﺒﺎع إﺑﻠﻴﺲ".
ﱂ أرﺗﺢ ﳊﺪﻳﺚ اﻟﺮﺟﻞ ,ﻭﻇﻨﻨﺘﻪ ﳐﺒﻮﻻ أﻭ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا
اﻟﻘﺒﻴﻞ ,ﳚﻴﺐ ﻗﺒﻞ أﻥ ﻳﺴﺄﻝ ,ﻟﻴﺲ ﰲ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﺳﻮ اﻟﺸﻜﻮ
ﻭاﻟﺘﺬﻣﺮ ,ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻃﺒﻌﻲ دﻭﻣﺎ ﺗﺮﻙ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺑﻴﻨﻲ ﻭﺑﲔ ﻣﻦ ﺗﻌﺮﻓﺖ
إﻟﻴﻪ ﺻﺪﻓﺔ ,ﻭﻻ أﺣﺐ أﻥ أﻧﺎﻗﺶ اﳌﻮاﺿﻴﻊ ﻣﻊ اﻵﺧﺮﻳﻦ ,ﻭﻻ
أﺳﺘﻄﻴﻊ اﻟﺜﺮﺛﺮة ﻣﻊ رﺟﻞ ﺿﺤﻞ اﻟﻔﻜﺮ ﻭﻟﻴﺲ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﺎﻳﻘﻮﻟﻪ ,ﻳﻄﻴﺐ
ﱄ ﻓﻘﻂ أﻥ أﺟﺎﻟﺲ أﺷﺨﺎﺻﺎ ﻣﻦ ﻃﻴﻨﺔ اﳌﻮﺳﻮﻋﻴﲔ اﻟﺬﻳﻦ ﺧﱪﻭا
اﳊﻴﺎة ﺣﻘﺎ ﻭﻓﻘﻬﻮا اﻟﺘﺠﺎرب ,ﻫﺆﻻء ﻳﺰﻳﺪﻭﻥ ﻣﻦ ﻣﻌﺎرﻓﻨﺎ ﻭﻳﻌﻠﻤﻮﻧﺎ
ﻣﺎ ﱂ ﻧﻌﻠﻢ ,أﻭﻳﻘﻮدﻭﻥ إﱃ اﻷﺧﺮة ﺑﻌﻤﻠﻬﻢ ﻷﳖﻢ ﳛﻤﻠﻮﻥ إﻟﻴﻨﺎ
اﻷﴎار ﻭﻃﺮح اﻷﺳﺌﻠﺔ .أﻣﺎ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻫﺬا ﻓﲈ أﺣﺴﺒﻪ إﻻ
ﻣﻦ أﻭﻟﺌﻚ اﻟﻔﺎرﻏﲔ اﻟﺬﻳﻦ ﳛﺒﻮﻥ اﻷﺿﻮاء ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﻣﺎ ﻧﻌﻠﻢ,
ﳚﻴﺒﻮﻥ ﻗﺒﻞ أﻥ ﻧﺴﺄﻝ ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﻻ ﻧﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻏﲑ ﺿﻴﺎع اﻟﻮﻗﺖ.
ﺻﻌﺪﻧﺎ اﳊﺎﻓﻠﺔ ﻭﲣﻠﺼﺖ ﻣﻨﻪ أﺧﲑا.
67
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﺻﻠﻨﺎ ﻭﺟﻬﺘﻨﺎ ﻭﰲ ﻣﻘﻬﻰ ﳏﻄﺔ ,دﺧﻠﺖ إﱃ أﺣﺪ
اﳌﺮاﺣﻴﺾ ﻭﺑﻴﻨﲈ ﻛﻨﺖ أﻫﻢ ﺑﺎﳋﺮﻭج ,اﻋﱰض ﻃﺮﻳﻘﻲ ﺷﺎب,
ﻭﺑﺎدرﲏ ﺑﺎﻟﺴﻼﻡ ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳﻌﺮﻓﻨﻲ ,ﻓﺎﺟﺄﲏ اﳌﻮﻗﻒ ﻋﺮﻓﺖ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﺜﲇ,
ﻭأﻥ ﻟﻪ ﻏﺎﻳﺔ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ﲡﺎﻫﻠﺘﻪ ﺑﺎﳌﺮة ,ﻟﻜﻨﻪ ﺗﺒﻌﻨﻲ ﻭﱂ أﲣﻠﺺ ﻣﻨﻪ إﻻ
ﺑﻌﺪ أﻥ ﳖﺮﺗﻪ ﻭأﻧﺎ أردد ﻋﺒﺎرات ﻧﺎﺑﻴﺔ.
ﻛﻨﺖ ﻗﺪ أﺧﺬت أﺳﺘﺄﻧﺲ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ,ﻭﻳﻮﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻳﻮﻡ أﺿﻴﻒ إﱃ
ﻣﻌﺠﻤﻲ اﻟﻔﻘﲑ أﻟﻔﺎﻇﺎ ﻭﺗﻌﺎﺑﲑ ﺟﺪﻳﺪة ,ﻭأﻧﻔﺾ اﻟﻐﺒﺎر ﻋﻦ أﺧﺮ
ﻏﻴﺒﻬﺎ اﻟﻨﺴﻴﺎﻥ ﻣﺘﺪاﻭﻟﺔ ﰲ اﻟﺼﺤﺮاء ﻫﻨﺎﻙ ﰲ اﳌﺴﺘﻌﻤﺮة اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ.
ﺗﺴﻜﻌﺖ أﻳﺎﻣﺎ ﰲ اﳌﺪﻳﻨﺔ .ﱂ ﻳﻄﺐ ﱄ اﳌﻘﺎﻡ ﻓﻴﻬﺎ .ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ
اﺳﺘﻔﻬﻤﺖ ﻋﻦ ﻃﻠﺐ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﴩﻭط ﳎﺤﻔﺔ ,ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻬﺎدة
اﻹﻗﺎﻣﺔ ﰲ اﳌﺪﻳﻨﺔ أﻭ ﻧﻮاﺣﻴﻬﺎ ﺳﺘﺔ أﺷﻬﺮ ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ,ﻭأﻧﺎ ﱂ أﻣﻜﺚ
ﻓﻴﻬﺎ إﱃ ﺣﺪﻭد اﻟﻠﺤﻈﺔ إﻻ ﺳﺘﺔ أﻳﺎﻡ ,ﻭﺣﺘﻰ ﺷﻬﺎدة اﻟﺴﻜﻨﻰ ﻛﺎﻥ
ﺳﻌﺮﻫﺎ ﻣﺮﺗﻔﻌﺎ ﰲ اﻟﺴﻮﻕ اﻟﺴﻮداء ,إﺿﺎﻓﺔ إﱃ ﺗﻜﻠﻔﺔ اﻟﻮﺳﻴﻂ ,ﻭﱂ
ﻳﻌﺪ ﻟﺪﻱ ﺳﻮ ﺑﻌﺾ اﻻﻭراﻕ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﲤﻜﻨﻨﻲ ﻓﻘﻂ
ﻣﻦ ﺗﺬﻛﺮة اﻟﺴﻔﺮ ﻟﻠﻌﻮدة ﻋﲆ اﻷﻗﻞ إﱃ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ.
أﺛﻨﺎء ﻣﻘﺎﻣﻲ ﻫﻨﺎﻙ ﰲ ﻓﻨﺪﻕ أﴎﺗﻪ ﻣﺸﱰﻛﺔ ,أﻧﺎس ﻣﻦ
ﳐﺘﻠﻒ اﳉﻨﺴﻴﺎت ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻷﻓﺎرﻗﺔ ,ﻭﺑﺤﻜﻢ ﻣﻮﻗﻌﻨﺎ اﳉﻐﺮاﰲ
ﻛﻨﺎ ﻧﺸﻜﻞ اﻟﺴﻮاد اﻷﻋﻈﻢ ,ﻧﺴﺠﺖ ﻋﻼﻗﺔ ﻃﻴﺒﺔ ﻣﻊ ﻣﻬﺎﺟﺮ
ﻧﻴﺠﲑﻱ ﻣﺴﻠﻢ ,رﺑﻄﺘﻨﻲ ﺑﻪ ﻋﻼﻗﺔ ﻭد ﺑﺤﻜﻢ ﻣﻌﺮﻓﺘﻲ اﳌﺘﻮاﺿﻌﺔ
ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﻜﻰ ﱄ رﺣﻠﺘﻪ ﻋﺮﻓﺖ أﻣﺎﻡ ﻫﻮﻝ ﻣﺎ
68
ﺣﺼﻞ ﻟﻪ ﻭﻟﺮﻓﺎﻗﻪ أﻧﻨﻲ ﱂ أﺻﺎدﻑ إﻻ اﻟﻨﺰر اﻟﻴﺴﲑ ﻭﺑﺄﻥ ﻣﻐﺎﻣﺮﰐ
ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺰﻫﺔ ﺑﺎﳌﻘﺎرﻧﺔ ﻣﻊ ﻣﺴﺎﻓﺔ اﻟﻔﻴﺎﰲ اﻟﺘﻲ ﻗﻄﻌﻬﺎ راﺟﻼ,
اﳌﻌﺎﻧﺎة ﻭاﻟﻜﻠﻔﺔ ﻭاﳌﺪة اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻐﺮﻗﺘﻬﺎ اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻭﻋﺼﺎﺑﺎت
اﳌﻬﺮﺑﲔ ,ﻭﻳﻼت ﻭﻣﺂﳼ ﺗﺸﻴﺐ ﳍﺎ اﻟﻮﻟﺪاﻥ ,أﺣﺒﺒﺖ ﻫﺬا اﻟﺸﺎب
اﻟﺬﻱ ﻻ ﺗﻔﺎرﻕ اﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﳏﻴﺎﻩ ..إﻳﲈﻧﻪ اﻟﻘﻮﻱ ﺑﺄﻥ اﳌﻘﺪر ﻭاﳌﻜﺘﻮب
ﻻ ﳏﻴﺪ ﻋﻨﻪ ﻭﻻ ﻫﺮﻭب .ﺗﻌﻠﻤﺖ اﻟﻜﺜﲑ ﰲ ﺣﴬة إﺳﺤﺎﻕ,
ﻭأﻟﻔﺖ دردﺷﺎﺗﻪ ,أدرﻛﺖ ﺑﺎﻟﺼﺪﻓﺔ أﻥ اﻟﺮﻫﺎﻥ ﰲ اﳊﻴﺎة ﻳﻜﻮﻥ ﺣﺘﲈ
ﻋﲆ اﻟﺴﻼﻡ اﻟﺪاﺧﲇ .ﺳﻼﻡ ﻣﻊ اﻟﺮﻭح اﻟﺬﻱ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﺑﺎﻷﺳﺎس ﻋﲆ
ﺗﻄﻮﻳﻊ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻄﲈﻋﺔ ,ﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﻻ ﻳﺄﰐ ﻣﻦ ﻓﺮاغ ﺑﻞ ﻣﻦ ﺻﱪ ﻋﲆ
اﻟﻨﻮاﺋﺐ ﻭﳎﺎﻫﺪة ﻟﻠﻨﻔﺲ ﻭاﻹدراﻙ أﻥ اﷲ ﻗﺪ ﺧﻠﻖ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﰲ ﻛﺒﺪ
ﻟﻜﻦ ﻟﻪ اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﻟﻜﻔﺎح إﱃ أﺧﺮ رﻣﻖ.
أذﻛﺮ أﻧﻨﻲ ﻋﺸﺖ أﻳﺎﻣﺎ ﺳﻮداء ﰲ ﻫﺎﺗﻪ اﳌﺪﻳﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﱂ أرﺗﺢ
ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺘﺎﺗﺎ ﻣﻨﺬ ﻭﻃﺄﲥﺎ ﻗﺪﻣﺎﻱ ,ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺪﻥ ﻻ ﻧﺮﺗﺎح ﻓﻴﻬﺎ ﻭﺗﻨﻔﺮ ﻣﻨﺎ
ﻛﲈ ﻧﻨﻔﺮ ﻣﻨﻬﺎ ,اﺿﻄﺮرت إﱃ اﳌﺒﻴﺖ ﺧﺎرﺟﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺳﺘﻨﻔﺬت آﺧﺮ
ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻌﻲ ﻣﻦ ﻣﺎﻝ ,ﻭﺑﺪأت أﻓﻜﺮ ﰲ اﻟﺒﺪاﺋﻞ.أﺷﺘﻐﻞ ﻟﻴﻼ ﻛﻴﻒ
ﻣﺎ اﺗﻔﻖ ﻭﺑﺄﺟﺮ زﻫﻴﺪ ﻣﺮة ﻧﺎدﻻ ,ﻭﻣﺮة أﻏﺴﻞ اﻟﺼﺤﻮﻥ ﻭأﺧﺮ
ﲪﺎﻻ ﻭﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎﻥ ﺣﺎرﺳﺎ ﻟﻴﻠﻴﺎ ﻟﻠﻤﻨﺎزﻝ ﻗﻴﺪ اﻹﻧﺸﺎء ,ﻛﻨﺖ
ﻣﻬﺎﺟﺮا ﻏﲑ ﴍﻋﻲ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺿﻌﻒ ,ﻣﺮت ﻋﲇ أﻳﺎﻡ أﺷﱰﻱ ﻋﻠﺒﺔ
ﴎدﻳﻦ ﻟﻮﺟﺒﺔ اﻟﻌﺸﺎء أﺳﻜﺐ زﻳﺘﻬﺎ ﰲ ﻗﺎرﻭرة ﻭأﺗﺮﻛﻪ ﺣﺘﻰ
اﻟﺼﺒﺎح ﻛﻲ أﻓﻄﺮ ﺑﻪ ,ﻛﲈ اﺑﺘﺪﻋﺖ ﻭﺳﺎﺋﻞ أﺧﺮ .أﻳﺎﻡ اﻷﺣﺪ
أﺗﻮﺟﻪ إﱃ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻟﻴﺲ ﻗﺼﺪ أداء ﺷﻌﺎﺋﺮ اﻟﺼﻼة ﺑﻞ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ
69
أﺟﻞ أﻥ أﻓﻮز ﺑﺘﻌﺎﻃﻒ ﺑﻌﺾ اﳌﺆﻣﻨﲔ ,ﻛﲈ ﻛﻨﺖ أﻗﺼﺪ اﳌﻨﻈﲈت
اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻰ ﺑﺎﳌﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﺧﺎﺻﺔ اﻟﺼﻠﻴﺐ اﻷﲪﺮ ﻭأﺧﺬ دﻭرﻱ ﰲ
اﻟﻄﺎﺑﻮر اﻟﻄﻮﻳﻞ ﻷﺣﻈﻰ ﺑﻮﺟﺒﺔ ,ﻛﻨﺖ أﻛﺮﻩ ﻧﻔﴘ أﺣﻴﺎﻧﺎ ﻭأﻟﻌﻦ
اﻟﻈﺮﻭﻑ اﻟﺘﻲ رﻣﺘﻨﻲ ﻫﻨﺎ .أﺛﻨﺎء ﺗﺬﻣﺮﻱ اﻛﺘﺸﻔﺖ ﺑﺎﻟﺼﺪﻓﺔ أﻧﻨﺎ
ﻧﺤﻦ اﻟﻌﺮب ﺿﺤﺎﻳﺎ ﺗﻨﺸﺌﺘﻨﺎ ,داﺋﲈ ﻧﺤﻤﻞ أﺧﻄﺎءﻧﺎ ﻭزﻻﺗﻨﺎ ﻟﻠﻮﻗﺖ
ﻭﻟﻸﺧﺮ ﻭﻟﻠﻈﺮﻭﻑ ,ﻭﻧﺘﺨﺬﻫﺎ ﻛﻤﺸﺠﺐ أﻭﺷﲈﻋﺔ ﻧﻌﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺎ
ﻻ ﳛﺘﻤﻞ ,ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻟﺪﻳﻨﺎ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﺑﺄﻥ ﻧﺤﻤﻞ أﻧﻔﺴﻨﺎ اﳌﺴﺆﻭﻟﻴﺔ,
ﻭﻧﻌﱰﻑ أﻥ ﻣﺎﻧﻌﻴﺸﻪ ﻣﺎﻫﻮ إﻻ ﺣﺼﺎد أﻳﺪﻳﻨﺎ ,ﻓﻨﻘﻮﻝ ﻣﺜﻼ ﰲ
ﺷﻌﻮرﻧﺎ ﻭﻻﺷﻌﻮرﻧﺎ " :ﻓﺎﺗﻨﺎ اﻟﻘﻄﺎر ,ﻭﻻ ﻧﻘﻮﻝ " :ﻓﻮﺗﻨﺎ اﻟﻘﻄﺎر".
ﻣﺎ اﻟﻐﺮﺑﺔ إذﻥ? أﺗﺮاﲏ ﻋﺸﺘﻬﺎ? أدرﻛﺘﻬﺎ? ﻛﻨﺖ ﰲ ﺑﻴﺘﻨﺎ أﻣﲑا
ﳏﻞ اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ ﻭاﻟﺘﺪﻟﻴﻞ ,ﻭﻫﺎﻫﻨﺎ ﻻ أﺟﺪ ﺣﺘﻰ اﳊﺼﲑ ,ﻏﺮﻳﺐ
اﻷرض ﻭاﻟﻮﻃﻦ ,ﻭأﻛﺎد أﻣﴘ ﻏﺮﻳﺐ اﻟﻠﺤﺪ ﻭاﻟﻜﻔﻦ ,أرﻕ
ﻳﻌﺬﺑﻨﻲ ﻟﻠﻴﺎﻝ ,أﻣﻀﻴﺖ ﻭﻗﺘﺎ ﻃﻮﻳﻼ ﻭأﻧﺎ أﺻﺎرع اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت ,أرﻭﻡ
ﺗﺮﺗﻴﺒﻬﺎ ﻭﺗﺼﻔﻴﻔﻬﺎ ﻭﻭﺿﻌﻬﺎ ﰲ ﻛﺮﻧﻮﻟﻮﺟﻴﺎ زﻣﻦ ﻣﻌﲔ .أزﻣﺎت
ﺗﻜﺎد ﻻ ﺗﻨﺘﻬﻲ ,ﻭﻗﺪ اﻏﱰﺑﺖ ﻟﺰﻣﻦ .ﺳﻴﻞ ﺟﺎرﻑ ﻣﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ ﻭﰲ
أﺧﺮ اﳌﻄﺎﻑ ﻻ أﻳﻦ ﱄ ﻭﻻ ﻛﻴﻒ.?!...
ﻛﺎﻧﺖ ﰊ رﻏﺒﺔ ﺟﺎﳏﺔ ﰲ اﻟﻌﻮدة إﱃ ﻣﻮﻃﻨﻲ .ﰲ ﺛﻨﺎﻳﺎ اﻟﻨﻔﺲ
أﴎار ﺣﻨﲔ ﻣﺴﺠﻮﻧﺔ ﺗﻘﻄﺮ ﻛﺂﺑﺔ ﻭﻏﲈ .ﻛﻠﲈ أرﺧﻰ اﻟﻠﻴﻞ
ﺳﺪﻭﻟﻪ,ﻭاﻧﻄﻮﻳﺖ ﻋﲆ ﻧﻔﴘ ﰲ رﻛﻦ رﻛﲔ أﻳﻨﲈ ﻭﺟﺪ ﺑﻔﻌﻞ اﻟﱪد
ﻭاﻟﺼﻘﻴﻊ ,آﻫﺎت ﺗﺘﻨﻔﺲ ﻣﻦ ﻗﻌﺮاﻟﺬﻛﺮ ﺷﻮﻗﺎ ﻟﻠﻮﻃﻦ ,ﻣﺴﻜﻮﻥ
ﺑﺎﻟﻮﺟﻊ ﻭاﻷﻣﻞ اﳌﺮﻫﻮﻥ ,ﻭأدرﻛﺖ ﻳﻘﻴﻨﺎ ﺑﺄﻧﻪ ﻟﻴﺴﺖ ﻛﻞ اﻟﺒﻴﻮت
70
ﺑﻴﺘﻲ ,ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻛﻞ اﻟﻨﺴﺎء أﻣﻲ اﻟﻐﺎﻟﻴﺔ .أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻘﺾ
ﻣﻀﺠﻌﻲ ﻭﺿﻌﻴﺘﻲ ﻏﲑاﻟﴩﻋﻲ ﻟﺘﻮاﺟﺪﻱ ﻓﻮﻕ اﻟﱰاب اﻹﺳﺒﺎﲏ
ﻛﺎﻵﻻﻑ ﻣﻦ اﳌﻬﺎﺟﺮﻳﻦ أﺑﻨﺎء ﺟﻠﺪﰐ .ﻟﻜﻦ ﻭﺿﻌﻲ اﻟﺼﺤﻲ
اﺳﺘﺜﻨﺎء ﺑﲈ ﲢﻤﻞ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﻣﻌﻨﻰ ,ﻓﻠﻘﺪ ﻫﺎﺟﺮت ﴎا ﺑﻮﺛﺎﺋﻖ
اﻟﺒﺸﲑ ,ﻟﻜﻦ رﺣﻠﺔ اﻟﻌﺬاب ﰲ ﺗﺴﻮﻳﺔ أﻭراﻕ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﺑﺪأت ﻟﻠﺘﻮ.
ﻋﻨﺪ ﻣﻘﺎﻣﻲ ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻛﻨﺖ أﺗﺴﻜﻊ ﺑﲔ اﳌﺪﻥ ﻋﻨﺪ ﻣﻌﺎرﰲ
ﻭأﻗﺮﺑﺎﺋﻲ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ أﺑﻴﺖ ﰲ ﻣﻜﺎﻥ .ﻭأﺣﺎﻳﲔ ﻛﺜﲑة أﻣﴤ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﰲ
ﳏﻄﺔ اﻷﻧﻔﺎﻕ أﻓﱰش اﻷرض ﰲ زاﻭﻳﺔ ﻣﻈﻠﻤﺔ أﻟﺘﻤﺲ اﻟﺪﻑء ﰲ
اﻟﻄﻘﺲ اﻟﺒﺎرد ,ﻳﺎﷲ ﻛﻢ ارﺗﻌﺪت ﻭاﻧﻜﻤﺸﺖ ﻋﲆ ﻧﻔﴘ اﺗﻘﺎء ﴍ
اﻟﱪد ,أﻧﺎﻡ ﰲ اﳌﺤﻄﺔ ﻻ أﺳﺘﻔﻴﻖ إﻻ ﻋﲆ ﺿﺠﻴﺞ اﳌﺎرة ﻭﺧﻄﻮاﲥﻢ,
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ أرﻗﺒﻬﻢ ﺧﻠﺖ ﻟﻮﻫﻠﺔ أﻥ اﻟﺒﻮاﺑﺎت ﺳﺘﺸﻬﺪ ازدﺣﺎﻣﺎ
ﻭﺗﺪاﻓﻌﺎ ,ﻟﻜﻦ اﳌﺮﻭر ﻛﺎﻥ ﻣﻨﻈﲈ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ,ﻳﻄﺒﻌﻪ اﺣﱰاﻡ اﻷﻭﻟﻮﻳﺔ
ﻓﻜﺄﳖﻢ ﻧﻤﻞ ﻳﺪﻟﻒ ﰲ ﺷﻖ ﺻﺨﺮة ﻛﺒﲑة ﺑﺴﻼﺳﺔ ﻣﻨﻘﻄﻌﺔ
اﻟﻨﻈﲑ...
ﻛﺮاﻣﺘﻲ ﻣﻨﻌﺘﻨﻲ دﻭﻣﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻮﻝ ﺑﻌﺾ اﻷﻣﻮر اﳌﻐﺮﻳﺔ
ﻷﺷﺨﺎص اﻟﺘﻘﻴﺘﻬﻢ ﺻﺪﻓﺔ ﻛﺎﳌﺒﻴﺖ رﻓﻘﺘﻬﻢ ﻷﺳﺒﺎب ﲣﺼﻨﻲ,
ﺗﻌﻠﻤﺖ ﰲ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ أﻥ أﻋﻴﺶ آﻻﻡ اﳌﴩدﻳﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺻﺒﺢ ﺣﺎﱄ ﻣﻦ
ﺣﺎﳍﻢ ﻭﻭﺟﻌﻲ ﻣﻦ ﻭﺟﻌﻬﻢ ,ﻓﺎﻟﻔﺎﺟﻌﺔ ﻫﻲ ﺑﻘﺎء اﳌﺮء إﱃ ﺟﺎﻧﺐ
ﻣﻮﻗﺪ ﻧﺎر ﺧﺎﻣﺪة ﰲ ﻋﺰ اﻟﺸﺘﺎء ,ﺛﻢ ﻳﱰﻙ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﱪد ﻳﺮﺗﻌﺪ
ﻭاﳌﺤﻈﻮﻇﻮﻥ ذﻭﻭ اﻷﻳﺎدﻱ اﻟﺮﻃﺒﺔ ﻳﺪﻓﻌﻮﻥ ﻋﻨﻬﻢ اﻟﻐﻄﺎء اﻟﻮﻓﲑ
ﺑﻌﺪﻣﺎ زادت ﺣﺮارﲥﻢ.
71
ﻳﻘﻔﺰ اﱃ ذﻫﻨﻲ أﺣﻴﺎﻧﺎ ﺗﻌﺒﲑ"اﳊﻴﺎة اﻟﻮردﻳﺔ" اﳌﺘﺪاﻭﻝ ﺑﲔ
اﻟﻨﺎس ,ﻣﺎ ﻋﺎﻳﺸﺘﻪ ﺣﻴﺎة ﻻ ﻟﻮﻥ ﳍﺎ ,ﻻ رﻭح ﻓﻴﻬﺎ ,ﺻﻮت دﻓﲔ
داﺧﲇ ﻻ ﺣﻴﺎة ﻓﻴﻪ ﺣﺒﻴﺲ ﺳﺠﻮﻥ اﻟﺼﺪر ,ﻻ زاﻝ ﻣﺒﺘﻐﻰ اﻟﻌﻼج
ﺑﻌﻴﺪا .ﺗﻀﺎﻋﻔﺖ اﳌﺤﻨﺔ ﻣﺮﺗﲔ :اﻟﱰدد ,ﻭاﳊﲑة ,ﻭاﳋﻮﻑ ﻣﻦ
اﳌﺠﻬﻮﻝ .أﻟﻮﻡ اﻟﻈﺮﻭﻑ دﻭﻣﺎ" :ﻣﻨﺤﻮس أﻧﺎ" أﺣﻼﻣﻲ اﳌﱰددة
ﻭاﳌﻮؤدة ﻛﺎﻧﺖ ﲤﺰﻗﻨﻲ ﻫﻨﺎﻙ اﺻﻄﺪﻣﺖ ﺑﺼﺨﺮة اﻟﻮاﻗﻊ ,اﻟﺒﻌﺾ
ﻣﻨﻬﺎ ذﻫﺐ أدراج اﻟﺮﻳﺎح ﻭاﻟﺒﻘﻴﺔ ﳎﻬﻮﻟﺔ اﳌﺼﲑ.
ﻏﲑ أﻥ ﺻﻮﺗﺎ آﺧﺮ ﻗﺎدﻣﺎ ﻣﻦ ﻗﺎع دﻧﻴﺎﻱ اﻟﺮاﻗﺪة ﺑﻌﻴﺪا ﻳﻌﻠﻮ
ﻭﻳﺮﺗﻔﻊ ,ﻟﻴﺴﺘﺤﻴﻞ ﺻﺪ ,ﳛﻠﻖ ﰲ ﺳﲈﻭات أرﺣﺐ" ,ﺿﻊ ﻳﻘﻴﻨﻚ
ﰲ اﳋﺎﻟﻖ ,رزﻗﻚ ﻣﻘﺴﻮﻡ ﻭﻗﺪرﻙ ﳏﺴﻮﻡ أﺣﻮاﻝ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻻ ﺗﺪﻭﻡ .إﻥ
ﻣﻊ اﻟﻌﴪ ﻳﴪا .إذا اﺷﺘﺪ اﳊﺒﻞ اﻧﻘﻄﻊ ,ﻭإذا أﻇﻠﻢ اﻟﻠﻴﻞ اﻧﻘﺸﻊ,
ﻭﻭراء ﻛﻞ ﻟﻴﻞ داﻣﺲ ﻓﺠﺮ ﺑﺎﺳﻢ" ,ﺑﻌﺪﻫﺎ أﲨﻊ أﺷﻼء ﻣﺘﻨﺎﺛﺮة,
ﻭأﺑﻨﻲ ﲠﺎ أﻣﻼ ﻳﻤﻨﺤﻨﻲ ﺟﺮﻋﺎت اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﳌﻘﺎﻭﻣﺔ ﻓﺄﳖﺾ ﻣﻦ
ﺟﺪﻳﺪ.
ﻗﻀﻴﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺎ ﻳﺮﺑﻮ ﻋﻦ ﺗﺴﻌﺔ أﺷﻬﺮ ,ﺗﻌﻠﻤﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎﱂ
ﻳﻜﻦ ﳜﻄﺮ ﱄ ﻋﲆ ﺑﺎﻝ ,ﻋﺮﻓﺖ ﺟﺰءا ﻣﻦ ﻧﻔﴘ ,ﺗﺸﻜﻠﺖ
ﺷﺨﺼﻴﺘﻲ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻭأﺣﺴﺒﻪ اﳌﻴﻼد اﻟﺜﺎﲏ ,ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﲏ ﱂ
أﻇﻔﺮ ﺑﴚء ,ﻻ ﻭﺛﺎﺋﻖ ﻭﻻﻫﻢ ﳛﺰﻧﻮﻥ .ﻛﻨﺖ ﻛﻤﻦ ﳚﺮﻱ ﻭراء
اﻟﴪاب اﳉﺮﻱ اﻟﻼﻫﺚ ﺧﻠﻒ اﻷﻭراﻕ ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ إﱃ أﺧﺮ ,ﻭﻣﻦ
ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ إﱃ أﺧﺮ ﻭﻛﺄﳖﺎ ﺻﻜﻮﻙ ﻏﻔﺮاﻥ ﻭﻟﻴﺴﺖ أﻭراﻕ إﻗﺎﻣﺔ.
72
ﻟﻜﻨﻨﻲ ﺑﺎﳌﻘﺎﺑﻞ ﺗﻌﻠﻤﺖ اﻟﻠﻐﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﺣﺘﻰ أﺗﻘﻲ ﴍ ﻣﻄﺒﺎت
ﺳﻘﻄﺖ ﻓﻴﻬﺎ ,ﻭﻫﺬا ﺧﲑ ﻣﻜﺴﺐ.
ﻗﺮرت اﻟﺮﺣﻴﻞ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ,ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ أﻥ اﻷﻣﻮر
أﺳﻬﻞ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﺎ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺧﺎﻳﻦ ,ﺻﺎدﻓﺖ ﺑﻌﺾ اﻹﺧﻮة ﻭﻧﺼﺤﻮﲏ
ﺑﺪﻓﻊ اﻟﻄﻠﺐ ﻫﻨﺎﻙ ,ﻋﻨﺪ ﳏﺎﻣﻴﺔ ﳐﺘﺼﺔ ﺗﺪﻋﻰ "ﺑﺮﺧﻴﺪا".
73
74
ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ ,ﻻ ﻳﺼﺎدﻕ أﺣﺪا ﺑﻞ ﻳﻌﺘﺰﻝ اﳉﻤﻴﻊ ,ﻏﲑ أﻥ ﺣﺎﻟﻪ ﺗﺒﺪﻟﺖ
ﰲ اﻟﻐﺮﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺘﻪ ﻳﻨﻔﺘﺢ ﻋﲆ ﻏﲑﻩ ,ﻭاﻟﺬﻱ ﺑﺪﻭرﻩ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﺎﻋﺪ
اﻣﺮأة ﻗﺎدﻣﺔ ﻣﻦ ﺟﺰر اﻟﻜﻨﺎرﻱ ﻋﲆ إﲤﺎﻡ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ﺑﻌﺪﻣﺎ
ﺿﺎﻋﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ ﺣﺎدﺛﺔ ﴎﻗﺔ ﺣﻴﺚ ﺣﻜﻰ ﱄ أﳖﺎ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻻﻋﺘﺪاء
ﰲ إﺣﺪ اﳌﺤﻄﺎت ,ﺗﺒﻌﻬﺎ ﻟﺺ ﻭأﺷﻌﻞ اﻟﻨﺎر ﺧﻠﺴﺔ ﰲ ﻃﺮﻑ
ﻣﻠﺤﻔﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﳋﻠﻒ ,ﻭﴏخ" :اﺣﺬرﻱ اﻟﻨﺎر ﰲ ﻣﻼﺑﺴﻚ".
ارﺗﻌﺒﺖ اﳌﺮأة ,ﻭﴏﺧﺖ ﻭرﻣﺖ ﺣﻘﻴﺒﺘﻬﺎ اﻟﻴﺪﻭﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﲠﺎ ﻛﻞ
ﻣﺎﲤﻠﻚ ,ﺟﻮازﺳﻔﺮﻫﺎ ﻭﻭﺛﺎﺋﻘﻬﺎ ﻭأﻭراﻕ ﻧﻘﺪﻳﺔ ,ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ اﻟﻠﺺ
ﻳﻨﺘﻈﺮﻩ إذ أﺧﺬ اﳊﻘﻴﺒﺔ ,ﻭأﻃﻠﻖ ﺳﺎﻗﻴﻪ ﻟﻠﺮﻳﺢ.
ﻭأﺛﻨﺎء ﻋﻮدﺗﻨﺎ ﺣﻜﻴﺖ ﻟﻪ رﺣﻠﺘﻲ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﺘﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ ,ﻛﻨﺖ
أر اﻟﺪﻣﻊ ﰲ ﻋﻴﻨﻴﻪ .ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﺻﻠﻨﺎ اﳌﺪﻳﻨﺔ ,أﻗﺴﻢ ﺑﺄﻏﻠﻆ اﻹﻳﲈﻥ
أﻥ أراﻓﻘﻪ اﱃ ﻣﻨﺰﻟﻪ ﻭأﻣﻜﺚ ﻣﻌﻪ ﺣﺘﻰ أﺟﺪ ﺷﻐﻼ أﻭ ﻳﻘﴤ اﷲ أﻣﺮا
ﻛﺎﻥ ﻣﻔﻌﻮﻻ.
ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺷﺎب ﻗﺼﲑ اﻟﻘﺎﻣﺔ ,ﺑﻨﻴﺘﻪ ﺗﴚ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻔﻴﺾ ﺣﻴﻮﻳﺔ,
ﺑﺸﻮش ﻧﺸﻴﻂ ,ﻣﻦ ﻃﻴﻨﺔ اﻟﺒﴩ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﺗﻔﱰ ﻟﻪ ﳘﺔ ,ﻣﺘﻔﺎﺋﻞ ﻣﻘﺒﻞ
ﻋﲆ اﳊﻴﺎة .ﻳﺸﺘﻌﻞ ﰲ ﻣﻄﻌﻢ ﻟﻠﻮﺟﺒﺎت اﻟﴪﻳﻌﺔ ,ﻣﺪﻳﺮﻩ ﺗﺮﻛﻲ
اﳉﻨﺴﻴﺔ .ﻳﻘﻄﻦ ﰲ ﺷﻘﺔ ﺻﻐﲑة ﺗﺘﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻏﺮﻓﺘﲔ ﰲ ﺣﻲ ﺟﻞ
ﻗﺎﻃﻨﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻐﺠﺮ .ﻫﺆﻻء اﻟﻘﻮﻡ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻴﺸﻮﻥ ﻧﻤﻄﺎ ﻣﻦ اﳊﻴﺎة
ﻳﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ ﻃﺒﺎﺋﻌﻬﻢ اﻟﺒﺪﻭﻳﺔ ﰲ ﲨﺎﻋﺎت ﺑﴩﻳﺔ ﺗﺘﻨﻘﻞ ﰲ ﺳﻬﻮﻝ
اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺗﺮﻙ ﳍﻢ اﳊﺒﻞ ﻋﲆ اﻟﻐﺎرب ﰲ اﳊﻔﺎظ ﻋﲆ
ﺧﺼﻮﺻﻴﺘﻬﻢ.
75
أﻣﻀﻴﺖ ﻣﻊ ﻣﺼﻄﻔﻰ أﺷﻬﺮا ذﻭات اﻟﻌﺪد ,ﻛﻨﺖ أﺷﺘﻐﻞ
ﻣﻦ ﻭﻗﺖ ﻷﺧﺮ ﻣﻌﻪ .ﻭأﻗﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻨﻨﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﰲ ﺣﻘﻪ أﻧﻪ "ﻭﻟﺪ ﺧﻴﻤﺔ
ﻛﺒﲑة" ﻋﲆ ﺣﺪ ﺗﻌﺒﲑ أﻫﻞ اﻟﺼﺤﺮاء..ﺷﻬﻢ ﻛﺮﻳﻢ إﱃ ﺣﺪ أﻧﻨﻲ
ﻛﻨﺖ أﺣﺴﺪﻩ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﳋﺼﺎﻝ .اﻋﺘﺪت رﻓﻘﺘﻪ ﻛﺜﲑا ,ﻓﻠﻪ رﻭح
دﻋﺎﺑﺔ ﻗﻠﻴﻼ ﻣﺎ ﺻﺎدﻓﺘﻬﺎ .ﻭﻟﻦ أﻧﺴﻰ ﻟﻪ ﻣﻌﺮﻭﻓﻪ ﻭﻣﻮاﻗﻔﻪ ﻣﻌﻲ ,ﻛﻨﺎ
ﻧﺨﺮج ﻋﻄﻠﺔ ﳖﺎﻳﺔ اﻷﺳﺒﻮع ﺑﻤﻌﻴﺔ ﺻﺪﻳﻘﺘﻪ "ﻛﻤﻴﻠﻴﺎ" ﻟﻠﺴﻬﺮ
ﻭاﳌﺮح.
ﻛﻨﺖ أﺳﻌﺪ ﺑﺮﻓﻘﺘﻬﲈ ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﲢﴬ ﻣﻌﻬﺎ زﻣﻴﻠﺘﻬﺎ
ﰲ اﻟﻌﻤﻞ "أﻧﻄﻮﻧﻴﺎ" ,اﻟﺸﻘﺮاء اﳉﻤﻴﻠﺔ اﳌﺤﻴﺎ ,ﻓﺘﺎة ﻭاﺳﻌﺔ اﻟﻌﻴﻨﲔ,
ﻋﲆ ﺧﺪﻫﺎ ﺧﺎﻟﺔ ﻛﺄﻧﻪ اﳊﺠﺮ اﻷﺳﻮد .ﻛﺜﲑا ﻣﺎ ﲤﻨﻴﺖ أﻥ أﻃﻮﻑ
ﻭأﻗﺒﻠﻪ ,ﻭﻗﺪ اﳖﻤﺮ ﻋﲆ ﻛﺘﻔﻴﻬﺎ ﺷﻼﻝ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻘﻤﺤﻲ
اﳌﺘﻮﺣﺶ ,ﻧﺎﻫﺪة اﻟﺼﺪر ,ﻣﻜﺘﻨﺰة اﻷرداﻑ ﻛﻠﲈ اﺑﺘﺴﻤﺖ زادﻫﺎ
رﺳﲈ ﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ إﴍاﻗﺎ ..ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺻﺎﻓﺤﺘﻨﻲ أﻭﻝ ﻭﻫﻠﺔ أﺣﺴﺴﺖ
ﺑﺘﻴﺎرﻫﺎ اﻷﻧﺜﻮﻱ اﳉﺎرﻑ ﳛﻤﻠﻨﻲ ,ﻓﺎﻗﱰﺑﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻛﺪت أﻥ أﻏﺮﻕ
ﰲ ﻋﻄﺮﻫﺎ اﳌﺜﲑ ,ﻟﻜﻨﻨﻲ ﲤﺎﻟﻜﺖ ﻧﻔﴘ أﺧﲑا ﻭﴏﻓﺖ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻨﻬﺎ
ﻭاﻧﺪﳎﺖ ﰲ اﳊﺪﻳﺚ ﻭاﻟﺼﺨﺐ.
ﻣﻨﺬ ﻟﻘﺎﺋﻨﺎ اﻟﺜﺎﲏ ,ﺑﺪأت ﺧﻴﻮط اﻹﻋﺠﺎب ﺗﺘﺸﻜﻞ ﻟﺘﻨﺴﺞ
رﻭاﺑﻂ أﻭﻝ ﻋﻼﻗﺔ ﺧﺎرج اﳊﺪﻭد ,ﻛﺜﺮت ﻟﻘﺎءاﺗﻨﺎ ﻭأﺧﺬﻧﺎ ﰲ
اﻻﻋﺘﻴﺎد ﻋﲆ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺑﴪﻋﺔ .ﻛﻨﺖ أﺣﺘﺎج ﳌﻦ ﻳﺆﻧﺲ ﻭﺣﺸﺘﻲ,
ﻭﻳﻌﻠﻤﻨﻲ ﻣﺎﻻ أﻋﻠﻢ .ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺮﺳ ﹰﺎ إﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﲢﺘﺎج إﱃ ﻓﺎرس أﺻﻴﻞ
ﻳﻤﺘﻄﻴﻬﺎ ,ﻭﻳﻄﻠﻖ ﳍﺎ اﻟﻌﻨﺎﻥ ,ﰲ ﲨﻮﺣﻬﺎ اﳌﺘﻤﺮد دﻭﻣﺎ ,ﻛﺎﻧﺖ ﲥﻤﺲ
76
ﰲ أذﲏ" :أﻳﻦ ﻛﻨﺖ ﻛﻞ ﻫﺬﻩ اﳌﺪة" .أﺟﻴﺐ ﰲ ﴎﻱ" ﻛﻨﺖ ﻫﻨﺎﻙ
ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺮﻳﺎح."...
ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺮارة ﺟﺴﻤﻬﺎ ﺗﻠﻔﺤﻨﻲ ,ﻛﻨﺎ ﻧﺘﺒﺎدﻝ اﻟﻘﺒﻞ ﻛﻠﲈ
ﺳﻨﺤﺖ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻭأﻧﺎ أراﻗﺼﻬﺎ ﰲ ﺳﻬﺮة ﳖﺎﻳﺔ اﻷﺳﺒﻮع اﳋﺎﺻﺔ
ﺑﺸﻘﺘﻬﺎ ,رﺣﺖ أﺗﺪﺣﺮج ﻧﺤﻮﻫﺎ ﲠﺪﻭءﻋﲆ أﻧﻐﺎﻡ ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ
رﻭﻣﺎﻧﺴﻴﺔ ﺧﺎﻓﺘﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺼﺪح "ﺟﻮرج ﻣﺎﻳﻜﻞ" ﰲ أﻏﻨﻴﺘﻪ
اﻟﺸﻬﲑة "ﳘﺴﺔ ﻋﺎﺑﺮة" ,ﻟﻴﻘﻮﻝ ﰲ ﻣﻘﻄﻊ ﺣﺰﻳﻦ" :أﻧﺎ ﻟﻦ أرﻗﺺ
ﳎﺪدا ﻣﻊ ﻏﲑﻙ ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ أﻓﻌﻞ ﻣﻌﻚ ".ﰲ ﻛﻠﲈﲥﺎ ﻛﺜﲑ ﻣﻦ
ﳘﺴﺎت اﻟﻌﺎﺑﺮﻳﻦ ﻋﲆ رﺻﻴﻒ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت اﻟﺒﻌﻴﺪة .ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻋﻤﻨﻲ
اﺣﺴﺎس ﻏﺎﻣﺮ ﻳﺮﻣﻲ ﰊ ﺣﺪﻭد اﻟﻨﺸﻮة ,ﻛﻨﺖ أﻗﺒﻠﻬﺎ ﻭأﺷﺘﻢ
راﺋﺤﺘﻬﺎ ﻛﲈ ﻟﻮﻛﻨﺖ أﺗﻮﺟﺲ ﻣﻦ أﻻ ﺗﺘﻜﺮر اﻟﻠﺤﻈﺔ ,ﻭﻋﲇ أﻥ
أﺗﺰﻭد ﻣﺎ اﺳﺘﻄﻌﺖ ﻟﻌﻤﺮ ﺗﻌﻴﺲ ﺑﺪﻭﳖﺎ .ﻣﺎ أﻛﺜﺮﻣﺎ ﻗﻠﺖ ﳍﺎ ,ﻭﻣﺎ
أﻛﺜﺮ اﻟﻮﻋﻮد اﻟﺘﻲ ﺑﻘﻴﺖ ﻣﻌﻠﻘﺔ.
ﻓﻴﲈ ﺳﺒﻖ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻳﺎ ﺗﺮﺳﺒﺎت ﻭأﻓﻜﺎر ﻧﻤﻄﻴﺔ ,ﻭﻗﻨﺎﻋﺔ ﻻ
ﺗﻘﻬﺮ ﺑﺄﻥ ﻋﺸﻖ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ أﻭ ﺣﺘﻰ اﻟﺰﻭاج ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎﻫﻮ إﻻ زﻭاج ﻣﻦ
ﻛﺘﺎب ﻣﻜﺘﻮب ﺑﺎﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ أﻭ ﻗﺮاءة ﻛﻠﲈت ﻛﺘﺒﺖ أﺣﺮﻓﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﺮآة
ﻻﻳﻤﻜﻦ ﺳﱪ أﻏﻮارﻫﺎ ,ﻭﻻ ﻓﻚ ﻃﻼﺳﻤﻪ ,ﻭأﻥ ﻋﺎﺷﻖ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ
ﺳﻴﺒﻘﻰ ﺗﺮﲨﺎﻧﺎ ﺑﻘﻴﺔ ﻋﻤﺮﻩ ,ﻷﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻤﻘﺪﻭرﻩ ﻋﻜﺲ اﳌﺮآة.
ﻛﺎﻧﺖ أﻳﺎﻣﻲ ﻣﻌﻬﺎ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻣﺘﺒﺎدﻟﺔ ,ﺗﻨﻔﻖ ﻋﲇ ﻣﻦ ﻣﺎﳍﺎ,
ﻭأﻧﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﺤﻮﻟﺘﻲ .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻐﻮﻳﻨﻲ ﺣﺪ اﻟﻨﺸﻮة ﻛﻠﲈ ﺿﻤﺖ
77
ﻓﺘﺤﺔ ﺻﺪرﻫﺎ ﺑﻜﻠﺘﻰ ﻳﺪﳞﺎ ﺑﺎﺳﻤﺔ ,ﻭﻧﺎﻇﺮة إﱄ ﺑﺪﻻﻝ ﻭﻫﻲ ﺗﻌﺾ
ﺑﺄﺳﻨﺎﳖﺎ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻋﲆ ﺷﻔﺘﻬﺎ اﻟﺴﻔﲆ ,ﻓﻤﺘﻰ ﳌﺤﺘﻬﺎ ﺳﺎﻝ ﻟﻌﺎﰊ ﺷﺒﻘﺎ
ﻭﻧﻈﺮت إﻟﻴﻬﺎ ﻧﻈﺮة ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﳉﻮع ﻭاﻟﻠﻬﺐ اﳌﺴﻌﻮر ﻭاﻻرﺗﻌﺎش
اﻟﻠﺬﻳﺬ ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ ﳊﻈﺎت ﻣﴪﻭﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ اﳌﻔﺠﻮع ,ﺣﺘﻰ أﳖﺎ ﰲ
ﳊﻈﺎت اﳋﺼﺎﻡ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﴫخ "ﺑﺎﻟﻜﻄﻼﻧﻴﺔ" أﻭﺗﺸﺘﻢ ,ﺑﻌﺪ
ذﻟﻚ ﺗﻀﻤﻨﻲ ﻭأر دﻣﻮﻋﻬﺎ ﺗﻨﺴﺎب ﻛﺸﻼﻝ ,ﻭددت ﻟﻮ أﺟﻴﺐ
ﻭأداﻓﻊ ﻋﻦ ﻧﻔﴘ ﻟﻜﻦ ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ ,ﻓﺄﺣﻴﻄﻬﺎ ﺑﺬراﻋﻲ ﺣﺘﻰ أﻛﺎد
أﺷﻌﺮ أﻧﻨﻲ ﻗﻄﻌﺖ ﻋﻨﻬﺎ ﺗﻴﺎر اﻷﻭﻛﺴﺠﲔ ﻭﺗﻀﻤﻨﻲ ﺑﺪﻭرﻫﺎ إﱃ
ﺣﺪ أﻥ أﻧﻔﺎﺳﻬﺎ ﺗﺘﻼﺣﻖ ﻭأﻧﺎ أﻫﻢ ﺑﻤﺴﺢ دﻣﻮﻋﻬﺎ ﺛﻢ أﻟﺜﻤﻬﺎ ﻣﻦ
ﺟﺪﻳﺪ.
اﻩ ﻛﻢ ﻭددت أﻥ أﺟﻴﺒﻬﺎ ﻟﻜﻦ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﺪﻱ اﻟﻘﺪرة أﻥ أﻓﴪ
ﳍﺎ اﻷﻣﺮ اﻟﺬﻱ ﻗﺼﺪﺗﻪ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻲ ,ﻭأردﻑ" :ﻣﻬﲈ ﺑﻠﻐﺖ ﻣﻦ
ﻓﺼﺎﺣﺔ اﻟﺘﻌﺒﲑ أﺣﻴﺎﻧﺎ ﻻ أﺟﺪ ﻋﺒﺎرات اﻻﻋﺘﺬار ﰲ ﻣﻌﺠﻤﻲ
اﻟﻌﺎﻃﻔﻲ اﻟﻔﻘﲑ أﺻﻼ" .أﻭ ﺗﺼﺪر ﻣﻨﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﻋﻔﻮﻳﺔ ﻋﻦ ﻏﲑ
ﻗﺼﺪ ﺗﺒﻨﻲ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﺼﺼﺎ ﻭﺣﻜﺎﻳﺎت .ﻗﻠﺖ ﳍﺎ" :ﻣﻬﻼ إﻥ
أﺑﺴﻂ ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﻌﺪاﻟﺔ اﻟﺴﲈﻭﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﱰﻙ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺒﴩﻳﺔ أﻥ ﻳﺴﻤﺢ
ﻟﻠﻤﺮء أﻥ ﻳﺪاﻓﻊ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻭ ﻳﻌﱪ ﻋﻦ ﻣﺸﺎﻋﺮﻩ .أﻧﺖ ﺗﺘﻬﻤﻨﻲ
ﺑﺎﻟﻼﻣﺒﺎﻻة .أﻧﺎ ﻻﻳﻤﻜﻦ أﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻛﻠﲈﰐ أﻛﱪ ﻣﻦ ﺣﺠﻢ ﻋﻮاﻃﻔﻲ
ﻭأﻥ أﻗﻮﻝ ﻟﻚ ﻛﻼﻣﺎ ﻻ أﻋﻨﻴﻪ" .ﻛﺎﻥ ﱄ أﻋﺘﻘﺎد راﺳﺦ أﻧﻨﻲ إذا
أردت ﻣﻜﺮﻭﻫﺎ ﺑﺸﺨﺺ ﻭﻓﻌﻠﺘﻪ ﻟﻪ ﻓﺈﻥ اﻟﺴﲈء ﺳﻮﻑ ﺗﻌﺎﻗﺒﻨﻲ ﻋﲆ
ذﻟﻚ إﻥ ﻋﺎﺟﻼ أﻡ آﺟﻼ ,ﻛﺎﻥ ﻫﺬا اﳍﺎﺟﺲ دﻭﻣﺎ ﰲ اﻋﺘﺒﺎرﻱ ,ﻭﻋﲆ
78
اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻨﻲ أﴎرت ﳍﺎ ﲠﺬا اﻷﻣﺮ ,ﻭﺑﺄﻧﻨﻲ ﱂ أﻋﺪﻫﺎ ﺑﴚء ﱂ
ﺗﺼﺪﻗﻨﻲ.
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﴫخ ﰲ ﻭﺟﻬﻲ أﺣﻴﺎﻧﺎ" :ﻛﺬاب ﳐﺎدع اﺳﺘﻐﻠﻠﺖ
ﺣﺒﻲ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻣﺂرﺑﻚ ,ﻫﻜﺬا أﻧﺘﻢ ﻣﻌﴩاﻟﺮﺟﺎﻝ اﻟﴩﻗﻴﲔ."..
ﻭاﺿﻴﻒ":أﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺣﻘﻲ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﻧﻔﴘ ﻭأﻥ أداﻓﻊ
ﻋﻦ ﻃﺮﺣﻲ? ﻻ أرﻳﺪ أﻥ أﺻﺪﻕ أﲏ ﺟﻌﻠﺖ ﻏﲑﻱ ﺟﴪا أﻋﱪ ﻣﻦ
ﺧﻼﻟﻪ إﱃ ﲢﻘﻴﻖ أﺣﻼﻣﻲ ,أﻧﺎ ﺑﺤﻜﻢ ﺧﻠﻔﻴﺘﻲ ﻭأﻧﺘﲈﺋﻲ ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ
أﻥ أﺣﺐ إﻣﺮأة ﻻ أﺷﺘﻢ ﻓﻴﻬﺎ راﺋﺤﺔ "ﺗﻴﺪﻛﺖ" ,اﻟﺮﺷﻮش
"ﻭﺗﺎرة" ,ﻭاﻟﻌﻨﱪ" اﻟﺘﻲ ﲤﻸ ﺻﺤﺮاﺋﻲ..ﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪ ﺗﻠﻚ اﳌﺮﺣﻠﺔ
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻄﺎﻟﺒﻲ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻫﻲ اﳊﺼﻮﻝ ﻋﲆ ﺑﻄﺎﻗﺔ اﻹﻗﺎﻣﺔ ,ﻭاﳊﻖ أﻧﻨﻲ
ﻭﺟﺪت ﰲ أﻧﻄﻮﻧﻴﺎ ﺧﲑ ﻣﻌﲔ ﻋﲆ ﲣﻄﻲ اﳌﺮﺣﻠﺔ ﻭﱂ ﺗﺒﺨﻞ ﻋﲇ ﺑﺄﻱ
ﳾء .ﻭأدرﻛﺖ ﺑﻔﻌﻞ ﻣﻮاﻗﻔﻬﺎ أﻥ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻓﻮﻕ ﻛﻞ
اﻋﺘﺒﺎر.
ذات ﺻﺒﺎح أﺧﱪﺗﻨﻲ أﻧﻄﻮﻧﻴﺎ أﻥ ﻣﻜﺘﺐ اﳌﺤﺎﻣﻴﺔ اﺗﺼﻞ ﲠﺎ,
ﻟﻴﻄﻠﺐ ﻣﻨﻲ اﳊﻀﻮر ﻋﲆ ﻭﺟﻪ اﻟﴪﻋﺔ إﱃ ﻣﻜﺘﺒﻬﺎ ﺑﺨﺎﻳﻦ ﻗﺼﺪ
ﺗﻮﻗﻴﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ,ﻭﻛﻤﻦ ﻳﺰﻑ ﱄ اﻟﺒﴩ ﺑﻔﺘﺢ ﺟﺪﻳﺪ,
راﻓﻘﺘﻨﻲ إﱃ ﻫﻨﺎﻙ ﻭﻛﺎﻥ ﻭﻗﻊ ﺧﱪ ﺣﺼﻮﱄ ﻋﲆ ﺑﻄﺎﻗﺔ اﻹﻗﺎﻣﺔ
ﳋﻤﺲ ﺳﻨﻮات ﺷﻬﺎدة ﻣﻴﻼد ﺛﺎﻟﺚ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﱄ .ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺮﺣﺘﻬﺎ
ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ ,ﻭرﻗﺼﻬﺎ اﻟﻌﻔﻮﻱ ﻭﴏاﺧﻬﺎ ﻭﻗﺒﻼﲥﺎ ﻋﲆ ﻛﺎﻣﻞ ﻭﺟﻬﻲ
79
ﻳﻌﺰﻑ ﻋﲆ أﻭﺗﺎر رﻭﺣﻲ ﺣﺘﻰ أﲏ ﺧﺠﻠﺖ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺒﻠﺘﻨﻲ ﰲ اﻟﺸﺎرع
أﻣﺎﻡ اﳌﻸ..
ﻭﺗﻘﻮﻝ ﱄ ":ﻻ ﲥﺘﻢ ﻫﺬﻩ ﻟﻴﺴﺖ اﻓﺮﻳﻘﻴﺎ".
ﻛﻨﺎ ﻗﺪ ﻋﻘﺪﻧﺎ اﻟﻌﺰﻡ ﻋﲆ اﻟﺮﺣﻴﻞ إﱃ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ ﺑﺤﻜﻢ ﺗﻮاﺟﺪ
أﴎﲥﺎ ﻫﻨﺎﻙ ,ﻭﻛﺬا ﻓﺮص اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ اﱃ أﲏ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ
ﻋﻘﺪت اﻟﻌﺰﻡ ﻋﲆ زﻳﺎرة ﻃﺒﻴﺐ ﳐﺘﺺ ,ﻓﺒﻄﺎﻗﺔ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﺳﺘﺴﺎﻋﺪﲏ
ﻛﺜﲑا ,ﺑﻔﻀﻞ اﻟﺘﺄﻣﲔ اﻟﺼﺤﻲ ,ﻓﻘﺪ ﺑﺪت ﺻﺤﺘﻰ ﰲ اﻟﺘﺪﻫﻮر.
ﻭأﺣﻴﺎﻧﺎ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﻮﻫﻦ ﻭﻛﺄﻥ ﺟﺴﺪﻱ ﻛﺎﻥ ﻣﺘﻀﺎﻣﻨﺎ ﻣﻌﻲ ﻃﻮاﻝ ﻫﺬﻩ
اﳌﺪة.
ﺳﺎﻓﺮت ﺑﻤﻌﻴﺔ أﻧﻄﻮﻧﻴﺎ إﱃ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ .ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺑﺪت ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ
ﺣﻴﺎة أﺧﺮ ﻗﺪﻣﺘﻨﻲ إﱃ أﴎﲥﺎ ﻭﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻨﺎ ﻋﺸﻨﺎ ﰲ اﻟﻄﺎﺑﻖ
اﻟﻌﻠﻮﻱ ﻭﻻ ﻧﻠﺘﻘﻲ ﻣﻊ أﺑﻮﳞﺎ إﻻ ﻭﻗﺖ اﻷﻛﻞ ,أﻭ أﻣﺴﻴﺎت ﳖﺎﻳﺔ
اﻷﺳﺒﻮع ﻛﻨﺖ أﲢﺎﺷﻰ اﻟﻠﻘﺎء ﲠﲈ ,ﻟﻜﻦ ﻳﺒﺪﻭ أﻥ أﻣﻬﺎ ﱂ ﺗﺴﺘﻠﻄﻔﻨﻲ
ﻛﺜﲑا ,ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أر ﰲ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﻧﻔﻮرا ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻮاﻓﺪ اﳉﺪﻳﺪ.
ﺣﺎﻭﻟﺖ اﻟﺘﺄﻗﻠﻢ ﻭاﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻋﻤﻞ ﺑﻤﺪﺧﻮﻝ ﻗﺎر ,ﻛﺎﻥ أﻛﱪ ﳘﻲ
أﻥ أﻧﻌﻢ ﺑﺎﻻﺳﺘﻘﺮار ﻭ أﻫﺘﻢ ﺑﺎﻟﻌﻼج.
ﻣﻊ ﻣﺮﻭر اﻷﻳﺎﻡ ,ﺑﺪا اﻟﻔﺘﻮر ﳜﻴﻢ ﻋﲆ ﻋﻼﻗﺘﻲ ﺑﺄﻧﻄﻮﻧﻴﺎ,
ﻭﻳﺒﺪﻭ أﻥ أﴎﲥﺎ أﺛﺮت ﻋﲆ ﻣﻴﻮﳍﺎ ﻧﺤﻮﻱ ,ﻛﲈ أﲏ ﺳﺌﻤﺖ أﻥ أﻛﻮﻥ
ﺑﺎﺋﻊ ﻣﺘﻌﺔ ﻟﺸﺎﺑﺔ ﰲ ﻣﻘﺘﺒﻞ اﻟﻌﻤﺮ ,ﻭأﻥ أﻟﻌﺐ دﻭر اﳌﺤﺐ اﻟﺬﻱ
ﺗﻜﻤﻦ أﳘﻴﺘﻪ ﰲ إﺣﺪ ﻋﴩ دﻗﻴﻘﺔ ﻋﲆ ﺣﺪ ﺗﻌﺒﲑ "ﺑﺎﻭﻟﻮ
80
ﻛﻮﻳﻠﻬﻮ" ,ﺣﺎﻭﻟﺖ ﻣﺮارا أﻥ أﴍح ﳍﺎ أﻥ ﻛﻼ ﻣﻨﺎ ﻟﺪﻳﻪ ﻃﺮﻳﻖ
ﳐﺘﻠﻒ ,ﻭﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﲢﺎﻓﻆ ﻋﲆ ﺷﻌﺮة ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ
ﺑﻴﻨﻨﺎ ,ﻛﻠﲈ اﺷﺘﺎﻗﺖ إﱃ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺣﺐ ,ﻫﻴﺄت ﳍﺎ ﻛﻞ اﻷﺳﺒﺎب.
أﻣﺴﻴﺔ ﳖﺎﻳﺔ اﻷﺳﺒﻮع ﻭاﳊﻖ أﲏ اﺳﺘﻔﺪت ﺑﺼﺤﺒﺘﻬﺎ ﻛﺜﲑا ﻓﻘﺪ زرﻧﺎ
ﲨﻴﻊ ﻣﺂﺛﺮ اﳌﺪﻳﻨﺔ اﻟﺴﺎﺣﺮة ,ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮﻡ ﻣﻌﻲ ﺑﺪﻭر اﳌﺮﺷﺪة
اﻟﺴﻴﺎﺣﻴﺔ ﺑﺎﻣﺘﻴﺎز ,ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﳍﺎ ﻓﻀﻞ ﻛﺒﲑ ﰲ ﺗﻌﺮﻳﻔﻲ ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ
اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ,ﻓﺤﻜﺖ ﱄ ﻋﻦ "ﺛﺮﺑﺎﻧﺘﺲ" ﻭﻋﻦ ﺗﺎرﻳﺦ ﻛﺎﻃﻠﻮﻧﻴﺎ,
ﻭﻋﺮﻓﺘﻨﻲ ﺑﺸﻌﺮاء ﻛﺒﺎر ﻣﻦ ﻃﻴﻨﺔ "ﻟﻮرﻛﺎ" ﻭﲬﻴﻨﺲ" ﻭﺑﻴﻜﲑ"
ﻭرﻓﺎﺋﻴﻞ أﻟﺒﲑﲏ" ﻭأﻧﻄﻮﻧﻴﻮﻣﺎﺗﺸﺎدﻭ ...ﻛﺎﻧﺖ ﳍﺎ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﳏﱰﻣﺔ
ﳖﻠﺖ ﻣﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻛﻠﲈ ﺳﺎﻓﺮت ﺑﻨﺎ ﺳﻔﻦ اﻟﻜﻼﻡ إﱃ ﺑﺤﺎر اﻷدب
ﻭاﻟﺸﻌﺮ.
اﺳﺘﻮﺣﻴﺖ ﻣﻦ ﻏﺮﺑﺘﻲ −ﺧﺼﻮﺻﺎ ﰲ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ −أﺳﺌﻠﺔ
اﻟﻮﺟﻮد ﻭاﻟﻜﻴﻨﻮﻧﺔ ,ﻭاﻛﺘﺸﻔﺖ أﻥ اﻻﻏﱰاب ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﺗﺮﺣﺎﻝ ﻣﻦ
ﻣﻜﺎﻥ إﱃ آﺧﺮ ﺑﻞ ﻣﻦ ذﻛﺮ إﱃ أﺧﺮ .أﻣﻀﻴﺖ أﻳﺎﻣﺎ أﺗﻮﻏﻞ ﰲ
اﺳﺘﻜﺸﺎﻑ ذاﰐ ﻭﻣﻨﺎﻃﻘﻬﺎ اﳌﺴﻜﻮت ﻋﻨﻬﺎ ﰲ ﳎﺘﻤﻌﻲ ,ﻭأﻧﺎ ﺑﻌﻴﺪ
ﻋﻨﻪ ,ﺑﻴﻨﻲ ﻭﺑﻴﻨﻪ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺗﺘﻴﺢ ﱄ أﻥ أر اﻷﺷﻴﺎء ﻋﻦ ﻛﺜﺐ ,ﺑﻌﺪﻣﺎ
ﺗﻔﻄﻨﺖ ﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ﺻﻐﲑة ,ﱂ ﲣﻄﺮ ﱄ ﻋﲆ ﺑﺎﻝ ﺧﺎﺻﺔ ﰲ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ
ﺑﻌﻼﻗﺎﺗﻨﺎ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﻋﻼﻗﺘﻨﺎ ﺑﺎﻵﺧﺮ ,ﻭﺣﺘﻰ ﻣﺎ ﻳﻌﺘﱪ ﻣﻦ
اﻟﻄﺎﺑﻮﻫﺎت اﳌﺤﺮﻣﺔ ﻛﺎﳉﻨﺲ اﻟﺬﻱ ﻋﺮﻓﺘﻪ ﻋﻦ ﻗﺮب ﻣﻊ أﻧﻄﻮﻧﻴﺎ
ﻭﺛﻘﺎﻓﺘﻬﺎ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻓﻴﻪ ,ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺘﻲ ﺑﺄﳖﺎ اﻣﺮأة ﻟﻌﻮب
ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻓﺮﻳﺴﺔ ﻟﺘﺸﺒﻊ ﻏﺮاﺋﺰﻫﺎ.
81
ﻭﺿﻌﺖ ﻣﻘﺎرﻧﺎت ﺑﲔ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻄﻨﺎ ﻧﺤﻦ
اﻟﻌﺮب ,ﻭﻗﻮة ﻧﻮاة اﻷﴎة اﻟﺘﻲ ﻳﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺒﺪأ اﻟﺘﻜﺎﻓﻞ ,ﻭﻫﺬا
اﻟﺘﺸﺘﺖ اﻷﴎﻱ اﻟﺬﻱ ﺗﻌﻴﺸﻪ اﻷﴎ ﻫﺎﻫﻨﺎ ,ﺑﺪاﻓﻊ اﳊﺮﻳﺔ
اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺑﺈﳚﺎﺑﻴﺎﲥﺎ ﻭﺳﻠﺒﻴﺎﲥﺎ اﻟﻜﺜﲑة ,ﻭﲪﺪت اﷲ ﻋﲆ ﺣﺎﻟﻨﺎ,
ﻭﺑﻘﺎء ذﻟﻚ اﳊﺒﻞ اﻷﴎﻱ اﻟﺬﻱ ﻳﺮﺑﻄﻨﺎ ﻭﻳﻌﻀﺪﻧﺎ ﺑﻌﻀﺎ ﺑﺒﻌﺾ,
ﻭﻳﺸﻬﺪ اﷲ ﺑﺄﻧﻨﻲ ﻗﺪ أﺣﺴﺴﺖ ﺑﻘﻴﻤﺘﻪ ﺑﲔ اﻟﻨﻮاﺋﺐ ﻭأﺻﻘﺎع اﻟﻐﺮﺑﺔ
اﳌﻘﻠﻘﺔ اﳌﻔﻀﻴﺔ إﱃ ﻋﺰﻟﺔ اﻟﺬات ﻭﻏﺮﺑﺘﻬﺎ ,ﻭﻛﺬا ﻣﻮﺿﻌﻬﺎ ﰲ ﺳﻴﺎﻕ
اﻟﺘﺄﻣﻼت اﳉﻮاﻧﻴﺔ اﳌﺮاﻓﻘﺔ ﳍﺎ ﻭﺿﻌﻒ اﻟﻔﺮد ﰲ ﻋﺰﻟﺘﻪ ,ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ
ﻣﻨﻔﺮدا داﺧﻞ ﻋﻮاﱂ ﻻ ﺗﻨﻔﻚ ﺗﻮﻏﻞ ﰲ ﻣﺘﺎﻫﺎت اﻟﻐﺮﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻗﺮار
ﳍﺎ ,ﻭاﻟﺘﻲ ﺗﺆدﻱ ﺣﺘﲈ إﱃ اﻻﻏﱰاب ﻭاﳊﻨﲔ اﻟﻔﻴﺎض اﱃ اﳌﻮﻃﻦ.
ذات ﻣﺴﺎء ﻭﰲ ﳊﻈﺔ ﲪﻴﻤﺔ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ أردت أﻥ أﺛﲑ ﻣﻌﻬﺎ
ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ارﺗﺒﺎﻃﻨﺎ ﳘﺴﺖ" :اﺳﻜﺖ ﻳﺎﺣﺒﻴﺒﻲ ,ﻓﺄﻧﺎ أدرﻱ أﻥ ﻟﻚ
ﻗﺪرة ﻋﺠﻴﺒﺔ ﻋﲆ اﻟﻜﻼﻡ ,ﻷﻥ ﻫﻨﺎﻙ أﺷﻴﺎء ﻛﺜﲑة أرﻳﺪ أﻥ أﻗﻮﳍﺎ
ﻟﻚ ,أﺷﻴﺎء ﺗﺒﻠﻎ ﻣﻦ اﻟﻜﺜﺮة أﻧﻨﻲ أﺧﺸﻰ أﻥ أﻓﻘﺪ ﺗﺴﻠﺴﻞ أﻓﻜﺎرﻱ
ﻓﻼ أﻗﻮﳍﺎ أﺑﺪا" ﻭﺗﻀﻴﻒ ﺑﻌﺪ أﻥ ﺗﻔﺮغ ﻛﺄس ﻧﺒﻴﺬ ﺟﺮﻋﺎت ﰲ
ﺟﻮﻓﻬﺎ" :ﻣﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻷﺷﻬﺮ ,ﻣﺎ أﴎع ﻣﺎ ﲤﴤ اﳊﻴﺎة,
ﻭﻣﺎ أﺷﺪ ﺗﻘﻠﺐ أﻳﺎﻣﻬﺎ .ﻛﻞ ﳾء ﳚﺮﻱ ,ﻛﻞ ﳾء ﻳﺘﻐﲑ ﺣﺘﻰ
اﳌﺸﺎﻋﺮ,ﺛﻢ ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﳾء ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ".
ذات ﻣﺴﺎء ﻗﺎﻟﺖ ﱄ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻔﺎﺟﺊ :ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺛﻤﻠﺖ ﻣﺎﻫﻮ
اﳊﺐ ﰲ رأﻳﻚ ,ﳞﻤﻨﻲ أﻥ أﻋﺮﻑ?
82
ﻭﻗﻊ ﺳﺆاﳍﺎ ﻛﺴﺎﺋﻞ ﺣﺎرﻕ ﺑﺪد ﻧﺴﲈت اﻟﻠﻴﻞ اﳍﺎدئ ﰲ
ﺧﺎﻃﺮﻱ ﱂ أﺟﺐ.
ﺑﻌﺪ ﺑﺮﻫﺔ ,ﺗﺪارﻛﺖ ﳑﺎزﺣﺎ":اﳊﺐ ﻣﺎﻧﻔﻌﻠﻪ اﻵﻥ".
ﻗﺎﻟﺖ ﱄ" :ﺗﴫ ﻋﲆ ذﺑﺤﻲ ﺑﺴﺨﺮﻳﺘﻚ" ﻫﻞ ﻟﻚ أﻥ
ﺗﺼﺎرﺣﻨﻲ أﻭ ﺗﻨﺎﻓﻘﻨﻲ إﻥ ﺷﺌﺖ? ﻓﻠﻘﺪ أدﻣﻨﺖ ﻧﻔﺎﻗﻚ ﻣﺴﺘﻌﺪة
ﻟﻜﺆﻭس ﻣﻦ ﻗﻮارﻳﺮ ﻧﻔﺎﻗﻚ .ﻭﺑﲈ أﻧﻚ ﻻ ﺗﴩب ,ﻭﺗﻌﺘﱪﻩ ﺣﺮاﻣﺎ
ﰲ ﺛﻘﺎﻓﺘﻚ ﻓﺮﺑﲈ ﻻﺗﺪرﻙ ﻗﺪر ﺛﲈﻟﺘﻲ ﻋﻨﺪ اﻣﺘﺰاج اﻷﻧﻔﺎس أﻭأﻧﻚ
ﺗﺪرﻙ ﻓﻌﻼ ,ﻷﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺘﻨﻔﺲ ﺑﻨﻔﺲ ﻭاﺣﺪة ,ﳜﺘﻠﻒ اﻹﻳﻘﺎع ﻗﻄﻌﺎ.
ﻗﺪ ﺗﺘﻈﺎﻫﺮ أﻧﻚ ﺗﺬﻭب ﺑﲔ أﺣﻀﺎﲏ ﻭأﻧﺖ ﻻ ﺗﻔﻌﻞ ,ﺟﺴﺪﻙ ﻣﻌﻲ
ﻭﻗﻠﺒﻚ ﻋﲇ ,ﻷﺗﻨﻬﺪ ﻭﺣﻴﺪة ﻫﻮاء ﺳﺎﺧﻨﺎ ,ﻓﺄﻧﺎ أرﺿﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺘﺤﻬﺎ
ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ,ﻭﺗﻠﻌﺐ دﻭر اﻟﻌﺎﺷﻖ اﳌﺰﻳﻒ ﻣﻌﻲ ..ﻭﻟﻦ
أﺳﻤﺢ ﻟﻚ أﻥ ﺗﻌﺘﱪﲏ ﻣﺴﺘﻌﻤﺮة ﺳﺎﺑﻘﺔ".
ﺣﺎﻭﻟﺖ أﻥ أﲣﻠﺺ ﻣﻦ اﳌﻮﻗﻒ ,أردت أﻥ أﺗﻜﻠﻢ .ﻗﺎﻟﺖ
ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻭﺿﻌﺖ ﺳﺒﺎﺑﺘﻬﺎ ﻋﲆ ﺷﻔﺘﻲ" :ﺻﻪ..ﻫﺬﻩ ﳊﻈﺔ اﳊﻘﻴﻘﺔ ﻓﻬﻲ
ﲡﺮح ﻟﻜﻦ اﻟﻜﺬب ﻳﻘﺘﻞ ,إذا ﻛﻨﺖ ﺳﺘﻜﺬب ,ﻓﻼ داﻋﻲ ﻟﻠﻜﻼﻡ".
ﻛﺎﻧﺖ ﳍﺎ ﻗﺪرة ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻋﲆ اﻟﺮدع.
أردﻓﺖ ﺑﻨﻮع ﻣﻦ اﳉﺪﻳﺔ" :ﻫﻨﺎﻙ أﺳﺌﻠﺔ ﻳﺼﻌﺐ اﻹﺟﺎﺑﺔ
ﻋﻨﻬﺎ ,اﳊﺐ ﰲ ﻧﻈﺮﻱ ﻟﻴﺲ ﻓﻜﺮة ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻤﺮء أﻥ ﻳﻌﱪ ﻋﻨﻬﺎ
ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ دﻭﻥ أﻥ ﻳﻌﻴﺸﻬﺎ ﻛﺤﺎﻟﺔ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﻭﻋﻮاﻃﻒ ,ذات ﻗﻴﻤﺔ
إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﺘﺒﺎدﻟﺔ ﻛﺎﻣﻨﺔ ﰲ اﻟﺼﺪﻭرأﺗﺪرﻳﻦ أﻧﻄﻮﻧﻴﺎ" :اﻟﻌﻮاﻃﻒ ﻗﺪ
83
ﲢﺪث ﺧﺪاﻋﺎ ﰲ اﳌﺪرﻛﺎت ﻭاﻟﺰﻣﺎﻥ ﻗﺪ ﳛﺪث ﺧﺪاﻋﺎ ﰲ
اﻟﻌﻮاﻃﻒ ,ﻭﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ أﻧﺎ ﻟﻦ أﻧﺴﻰ ﻣﻮاﻗﻔﻚ ﻣﻌﻲ أﺑﺪا."..
ﺑﻌﺪ ﺻﻤﺖ ,أﺷﻌﻠﺖ ﺳﻴﺠﺎرة ﻗﺎﻟﺖ ﻭاﻟﺪﺧﺎﻥ ﻳﺮﺳﻢ ﺳﺤﺒﺎ
أﻣﺎﻡ ﻭﺟﻬﻬﺎ" ﻻ داﻋﻲ ﻟﻜﻞ ﻫﺬﻩ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ,أﻭﺗﺪرﻱ ﻫﺬا اﻟﻜﻼﻡ
أﺻﺎﺑﻨﻲ ﺑﺎﻟﺘﺨﻤﺔ ,داﺋﲈ ﺗﻜﺮرﻩ ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻣﻌﻲ ,ﻟﻦ أﻧﺴﻰ اﳌﻮاﻗﻒ أﻧﺎ
ﺷﻌﺎرﻱ ﰲ اﳊﻴﺎة ﻳﻘﻮﻡ ﻋﲆ ﻣﺒﺪأ ﻣﺎدﻱ ﺑﺴﻴﻂ :اﻟﱪﻏﲈﺗﻴﺔ أﺳﺎﺳﻪ
ﻭأدرﻱ أﻥ ﻟﻌﻼﻗﺘﻨﺎ ﻗﺪر ﺳﺘﻠﻘﺎﻩ ﺣﺘﲈ ,ﻭﳏﻜﻮﻡ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﻬﺎﻳﺔ
ﻋﺎﺟﻼ أﻭ آﺟﻼ .ﻟﺬا دﻋﻨﻲ أﻣﴤ ﻣﻌﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﺑﻜﻞ ﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ,
ﻓﺎﻟﺬﻱ ﺑﻴﻨﻲ ﻭﺑﻴﻨﻚ ﳎﺮد ﺧﻴﻂ رﻓﻴﻊ ﺟﺰء ﻣﻦ ﺷﺒﻖ أﻧﻮﺛﺘﻲ ﻭﺑﻌﻀﺎ
ﻣﻦ ﻓﺤﻮﻟﺔ ﻋﻨﱰﻳﺘﻚ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ".
ﺑﻌﺪﻣﺎ أﺻﺒﺤﺖ ﻧﱪة ﺻﻮﲥﺎ أﻛﺜﺮ ﻟﻴﻮﻧﺔ ,ﺗﻨﻬﺪت ﺑﻌﻤﻖ
أﻃﻔﺄت اﻟﺴﻴﺠﺎرة ﺟﺬﺑﺘﻨﻲ ﻧﺤﻮﻫﺎ ,ﻭﳘﺴﺖ ﰲ أذﲏ" :دﻋﻨﻲ
أﺗﻘﻔﻰ اﻷﺛﺮ ﻣﻦ اﻷﲬﺺ ﺣﺘﻰ اﺧﺮ اﳌﺴﺎﻣﺎت ,أﻣﺰج دﻣﺎء اﻟﻌﺮﻭﻕ
ﺑﻄﻌﻢ اﻷﻧﻮﺛﺔ ,أﺧﻠﻊ ﳊﺎﻑ اﻟﻨﺴﻴﺎﻥ ﻋﻦ ﻏﺮاﺋﺰ اﻟﻌﺬرﻳﺔ ﻓﻴﻚ ,دﻋﻨﻲ
أﻛﴪ ﺗﺎﺑﻮت اﻟﻮﺣﺪة ﻋﻦ ﺻﺪر رﺟﻮﻟﺘﻚ."..
ﺛﻢ أﺿﺎﻓﺖ" :ﻻ أﺣﺐ أﻥ أﻫﺪر أﻳﺎﻣﻲ دﻭﻥ ﻃﺎﺋﻞ .أﻭ
ﺗﺪرﻱ ? ﺳﺄﻗﻮﻝ ﻟﻚ ﺷﻴﺌﺎ ,ﳾء أﻋﻴﻪ ﺟﻴﺪا ﻭأدرﻛﻪ ,ﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ
ﻟﺪﻱ اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﻟﺘﻌﺒﲑ ﻋﻨﻪ أﻭ رﺳﻤﻪ ﺑﺎﻟﻜﻠﲈت ﺣﺘﻰ أﻧﻔﺦ ﻓﻴﻪ
رﻭﺣﺎ ,ﻟﻴﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺷﻜﻞ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﻔﻬﻢ ,ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻚ .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎﺑﻠﺘﻚ
ذﻟﻚ اﳌﺴﺎء ,ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ اﳍﻮاﺟﺲ ﺗﻌﱰﻳﻨﻲ ﻭﺣﻴﺎﰐ ﻣﺘﻮازﻧﺔ ﺑﺪﻭﻥ
84
رﺟﻞ ,ﻟﻜﻦ ﺣﲔ أﺟﻮﻝ ﺑﺨﺎﻃﺮﻱ ﻭأﺳﺄﻝ :ﻣﺎﻣﻌﻨﻰ ﺣﻴﺎﰐ? .ﻫﻨﺎﻙ
دﻭﻣﺎ ﴏاع داﺧﻞ ﻧﻔﴘ ﻭﰲ أﻋﲈﻗﻲ ,ﻗﻮ ﺗﺘﺠﺎذﺑﻨﻲ ﺗﻴﺎر ﳚﺮﻓﻨﻲ
إﱃ ﺟﻬﺔ ,ﻭآﺧﺮ ﻳﻌﻴﺪﲏ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ أﺗﻴﺖ ,ﻭأﻧﺎ ﻛﺎﻟﺴﻤﻜﺔ اﳌﻴﺘﺔ أﺳﺒﺢ
ﻣﻊ اﻟﺘﻴﺎر أﻳﻨﲈ اﲡﻪ ,ﳜﺎﳉﻨﻲ ﺷﻌﻮر ﻣﺰدﻭج أﺣﻴﺎﻧﺎ ,ﻻ أﺟﺪ ﻟﻪ
ﺗﻔﺴﲑا ﺑﺄﻧﻨﻲ ﻳﻮﻣﺎ ﻣﺎ ﺳﺄﻧﻈﺮ إﱃ ﻛﺘﺎب ﺣﻴﺎﰐ ﻭأﺟﺪﲏ ﻣﺰﻗﺖ
ﺻﻔﺤﺎت ﻣﻨﻪ دﻭﻥ ﻃﺎﺋﻞ ,ﻭأﻧﺪﻡ ﻋﲆ ﻛﻞ ﻣﺎﻓﻌﻠﺖ ,ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء
ﳊﻈﺎت ﻋﺸﺘﻬﺎ دﻭﻥ ذرة ﻧﺪﻡ ,ﻭﻫﻜﺬا ﺗﻮاﺻﻞ أﻓﻜﺎرﻱ اﺟﱰار
ﻧﻔﺴﻬﺎ دﻭﻥ ﺗﻮﻗﻒ ,ﻛﻨﺖ دﻭﻣﺎ ﺣﺎﺋﺮة ﺗﺎﺋﻬﺔ ﺑﲔ زﻳﻒ اﳊﻘﻴﻘﺔ
ﻭاﳊﻘﻴﻘﺔ اﳌﺰﻳﻔﺔ ,ﻭأﻗﻮﻝ أﺧﲑا ":ﻓﻠﻴﺬﻫﺐ اﻟﻜﻞ إﱃ اﳉﺤﻴﻢ.
"ﺗﻠﻮح ﺑﻴﺪﻫﺎ " :اﻧﺲ اﻷﻣﺮ".
ﻭﺑﺼﻮت داﻓﺊ ﺗﻀﻴﻒ ﻗﺎﻟﺖ" :أرﺟﻮﻙ ﻻ ﺗﻠﻖ ﺑﺎﻻ
ﻟﻜﻼﻣﻲ ,ﺳﺎﳏﻨﻲ .ﻭﻻ ﺗﺴﺘﻐﺮب ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺣﺪﻳﺜﻲ اﻵﻥ .ﻭﻋﺬرا
إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﲈﰐ ﻗﺪ اﲣﺬت ﻣﺴﺎرا أﺛﺎر ﺣﻔﻴﻈﺘﻚ ,ﻓﺄﻧﺎ ﻓﻌﻼ ﴍﺑﺖ
ﻛﺜﲑا.ﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺻﺤﻮ ﻣﻦ ﺳﻜﺮﻱ ,أﻋﺪﻙ أﻥ اﳌﻴﺎﻩ ﺳﺘﻐﲑ
ﳎﺎرﳞﺎ ,ﻭﻟﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﴩب" ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ آﺧﺮ رﺳﺎﺋﻠﻬﺎ,
ﻭﻳﺒﺪﻭ أﲏ ﻗﺪ اﺳﺘﻮﻋﺐ رﺳﺎﻟﺘﻬﺎ.
أﺟﺒﺖ" :ﻻ ﲥﺘﻤﻲ ,أﻧﺖ ﺣﺮة ﻓﻴﲈ ﺗﻘﻮﻟﲔ" .ﺑﻌﺪ ﺑﺮﻫﺔ,
ارﲤﺖ ﻋﲆ اﻟﴪﻳﺮ ﰲ ﺣﺮﻛﺔ ﻋﻔﻮﻳﺔ ,ﻭاﻟﺘﻔﺘﺖ إﱃ اﳉﻬﺔ اﻷﺧﺮ−
ﻭﺑﺪﻭﻥ ﺳﺎﺑﻖ إﻧﺬار−ﻏﻄﺖ ﰲ اﻟﻨﻮﻡ ,ﻛﻨﺖ أﻣﻘﺖ ﻣﺰاﺟﻴﺘﻬﺎ,
ﺧﺎﺻﺔ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﺛﻤﻠﺔ ..ﻋﻀﻀﺖ ﻋﲆ ﺷﻔﺘﻲ ,ﻭﻛﺄﻧﻨﻲ أرﻳﺪ اﻥ
أﻣﻨﻊ اﻟﻜﻠﲈت ﻣﻦ اﳋﺮﻭج.
85
ﻣﻨﺬ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ,أﺣﺴﺴﺖ ﺑﺎﻟﻐﺒﻦ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﳖﺎ
ﺛﻤﻠﺔ ﻓﻘﺪ ﻋﱪت ﻋﻦ أﺷﻴﺎء ﰲ اﻟﺼﻤﻴﻢ .ﻭأﻧﺎ ﰲ ﻗﺮارة ﻧﻔﴘ أدرﻱ
أﳖﺎ ﻻ ﺗﻌﺪﻭأﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺳﻮ اﻣﺮأة ﰲ ﻣﻘﺎﻡ اﻟﻌﺎﺑﺮﻳﻦ ﰲ ﺣﻴﺎﰐ ﻻ
أﻛﺜﺮ.
ﻛﺎﻥ ﻟﺪﻱ ﻳﻘﲔ أﻥ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﺎ ﺳﻴﺘﻬﺪﻡ ,ﻟﻜﻨﻲ ﱂ أﻛﻦ أﻋﻠﻢ ﻣﺎ
ﺳﻴﺒﻨﻰ ﻓﻮﻕ أﻧﻘﺎﺿﻪ .ﻭﲬﻨﺖ أﻥ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﺨﺺ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺘﻨﺒﺆ
ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎ ﺳﻴﻘﻊ ﺑﺸﻜﻞ ﻳﻘﻴﻨﻲ ﻭإﻥ ﻛﺎﻥ ﻋﺮاﻓﺎ .ﻋﺰﻣﺖ ﻋﲆ اﻟﺮﺣﻴﻞ
ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻬﺎ ﻷﻗﻄﻊ ﺷﻌﺮة ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻣﻌﻬﺎ ,ﻭﻟﻜﻨﻲ ﻓﻜﺮت ﰲ ﻋﻮاﻗﺐ
ﻗﺮارﻱ ,ﻣﺮﺣﻠﻴﺎ ﻣﺬ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ,ﻗﺮرت اﻥ أﺗﺪﺑﺮ أﻣﺮ ﻧﻔﴘ ﻟﻜﻨﻨﻲ
ﺗﺮاﺟﻌﺖ أﺧﲑا ﻋﻦ ﻫﺠﺮﻫﺎ .ﻛﻨﺖ أﻣﴤ ﻭﻗﺘﺎ ﻣﻌﻬﺎ.
ﻟﻜﻦ −ﻣﻊ ﻣﺮﻭر اﻷﻳﺎﻡ ﻭاﻟﺸﻬﻮر −ﺑﺪأ اﻟﻔﺘﻮر ﳜﻴﻢ ﻋﲆ
ﻋﻼﻗﺘﻲ ﲠﺎ .ﻭﻣﻠﻠﺖ أﻥ أﻣﺎرس دﻭر اﻟﻔﺎرس اﳌﻐﻮار ,ﻛﲈ أﳖﺎ ﱂ
ﺗﻌﺪ ﻛﲈ ﻛﺎﻧﺖ .ﻭﺑﺪأت ﻟﻘﺎءاﺗﻨﺎ ﺗﺘﺒﺎﻋﺪ إﱃ أﻥ ﻗﻠﺖ ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮﻡ
اﻟﺬﻱ ﻭﺟﺪت ﺣﻘﻴﺒﺔ ﻣﻼﺑﴘ أﻣﺎﻡ ﺑﺎب ﻣﻨﺰﳍﺎ,أدرﻛﺖ ﺧﺒﺜﻬﺎ اﻟﺬﻱ
ﱂ ﻳﻜﻦ ﻟﺪﻱ ﺷﻚ ﻓﻴﻪ .ﻓﻬﻤﺖ أﻥ ﻗﺮارﻫﺎ ﻫﺬا ﻛﺎﻥ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻭﻗﺖ إﱃ
أﻥ ﲡﺪ ﻣﻦ ﻳﺸﺒﻊ ﺷﺒﻘﻬﺎ..
ﻭرﺣﻠﺖ ﺑﺎﳌﺮة ﻋﻦ ﺑﻴﺘﻬﺎ ,إﱃ ﻭﺟﻬﺔ أﺧﺮ ,ﰲ ﻓﻨﺪﻕ
رﺧﻴﺺ ﻏﲑ ﻣﺼﻨﻒ ﻻ ﻧﺠﻮﻡ ﻓﻴﻪ ﻭﻻ ﻗﻤﺮ ...ﺑﺖ ﻓﻴﻪ ﻟﻴﻠﺘﻲ
اﻷﻭﱃ.
86
اﺳﺘﻴﻘﻈﺖ ﺑﺎﻛﺮا ﺻﺒﺎح اﻟﻴﻮﻡ اﻟﺜﺎﲏ ,ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ
اﻟﻔﻨﺪﻕ ﲤﻠﻜﺘﻨﻲ رﻏﺒﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﺑﺎﻟﺘﺠﻮﻝ ﰲ ﻫﺬﻩ اﳌﺪﻳﻨﺔ اﻟﺴﺎﺣﺮة.
ﻗﺼﺪت ﻣﻨﻄ ﻘﺔ " ﻛﻮدﻱ " ﻭزرت اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﳌﺸﻬﻮرة
"ﺳﺎﻏﺮاداﻓﺎﻣﻴﻠﻴﺎ" ﻭﺑﻘﻴﺖ ﻟﻮﻗﺖ أﺗﻔﺮس ﰲ ﲨﺎﻟﻴﺔ اﳌﻌﲈر ,ﻳﻤﻤﺖ
ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺻﻮب "ﺑﺎرﻙ ﺟﻴﻞ" .ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺧﻴﻢ اﳌﺴﺎء ﻋﲆ ﻣﻨﻄﻘﺔ
ﻻراﻣﺒﻼ اﳌﺰدﲪﺔ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎح ﻭﺻﻠﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﺳﻮﻳﻌﺎت اﻷﺻﻴﻞ ,ﻭﻗﺪ
ﻧﺎﻝ ﻣﻨﻲ اﻟﺘﻌﺐ ,اﻗﱰﺑﺖ ﻣﻦ اﻟﻘﻨﻄﺮة ﰲ اﲡﺎﻩ اﻟﺒﺤﺮﻭإذا ﺑﺮﻳﺎح
رﻃﺒﺔ ,ﻟﻔﺤﻨﻲ ﻫﻮاؤﻫﺎ ﻟﻴﺬﻛﺮﲏ ﺑﺄﻧﻨﻲ ﻏﺮﻳﺐ ﰲ ﻭﻃﻦ اﻟﻐﲑ.
ﻭﺟﻠﺴﺖ ﻋﲆ أﻭﻝ ﻣﻘﻌﺪ ﻛﻲ أﺳﱰﻳﺢ ,ﰲ ﳊﻈﺔ ﺧﺎﻃﻔﺔ,
ﻧﻈﺮت إﱃ اﻷﻓﻖ اﻟﺒﻌﻴﺪ ﻏﺎرﻗﺎ ﰲ ﺗﺄﻣﻼﰐ ﻛﺎﳌﺄﺧﻮذ ﺑﴪ ﻏﺎﻣﺾ,
ﴎﺣﺖ أﻗﻠﺐ ﺻﻔﺤﺎت دﻓﱰ أﻳﺎﻣﻲ ﻫﺎﻫﻨﺎ .ﻭأﻃﺮح اﻟﻜﺜﲑ ﻣﻦ
ﻋﻼﻣﺎت اﻻﺳﺘﻔﻬﺎﻡ ﻋﲆ اﻟﻘﺎدﻡ ﻣﻨﻬﺎ .أدرﻛﺖ ﻳﻘﻴﻨﺎ ﻻﻳﺮﻗﻰ إﻟﻴﻪ
اﻟﺸﻚ أﻥ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﺣﺎﻝ ﻭأﺣﻮاﻝ":اﺑﺘﻬﺎج ﺑﻤﻮﺟﻮد ﻛﺎﻥ
ﻣﻔﻘﻮدا,ﻭﺣﺰﻥ ﻋﲆ ﻣﻮﺟﻮد ﺻﺎر ﻣﻔﻘﻮدا".
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﺪأت ﻣﺼﺎﺑﻴﺢ اﻟﺸﻮارع ﺗﺮﺳﻞ أﺿﻮاءﻫﺎ اﳋﺎﻓﺘﺔ
ﻗﻔﻠﺖ راﺟﻌﺎ .ﰲ اﻟﻴﻮﻡ اﳌﻮاﱄ ,ذﻫﺒﺖ اﱃ اﳌﺴﺘﺸﻔﻰ اﻟﻌﺎﻡ ﰲ اﳌﺪﻳﻨﺔ
ﻭأﺟﺮﻳﺖ اﻟﻔﺤﻮﺻﺎت اﻟﻼزﻣﺔ ,ﺣﻴﺚ ﻧﺼﺤﻨﻲ اﻟﻄﺒﻴﺐ اﳌﺪاﻭﻡ
ﺑﺎﻟﺬﻫﺎب إﱃ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ "ﺳﺎﻣﻨﻴﺖ" ,ﻫﻨﺎﻙ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﳉﻤﻌﻴﺎت
اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻰ ﺑﻤﺮﴇ اﻟﻜﲇ ﺧﺎﺻﺔ اﻷﺟﺎﻧﺐ ,ﻟﻜﻨﻨﻲ ﺣﻘﺎ ﻛﻨﺖ أﻋﺎﲏ
ﻣﻦ اﻟﺘﻮاﺻﻞ أﺟﻠﺲ ﺑﲔ ﻏﺮﺑﺎء ﻳﺘﺤﺪﺛﻮﻥ ﻟﻐﺔ ﻻ أﻓﻘﻬﻬﺎ:
اﻟﻜﻄﻼﻧﻴﺔ.
87
داﺋﲈ أﺣﺪث ﻧﻔﴘ ﰲ ﻫﺬا اﳌﻨﻔﻰ اﻹﺟﺒﺎرﻱ ﺑﲔ ﺷﻘﻖ ﺑﺎردة,
ﻻ ﻃﻌﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻻ راﺋﺤﺔ ..أﺟﺪ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪث أﻭاﻟﺴﺆاﻝ ﻋﻦ
أﻣﺎﻛﻦ ﻣﻌﻴﻨﺔ ,ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻮاﻗﻒ ﻛﻨﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺎﻷﺧﺮس أﲢﺪث ﻟﻐﺔ
اﻹﺷﺎرة..
ﺗﻨﻘﻠﺖ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻥ إﱃ آﺧﺮ أﺳﻜﻦ ﺷﻬﺮا ﻫﻨﺎ ﻭأﺷﻬﺮاﻫﻨﺎﻙ.
دﺧﻠﺖ دﻭاﻣﺔ ﺟﺪﻳﺪة .ﻭأﺧﲑا اﺳﺘﺄﺟﺮت ﻏﺮﻓﺔ ﳐﺘﻠﻄﺔ اﳌﻄﺒﺦ
ﻭاﳌﺮﺣﺎض ﻋﺎدة ﻣﺎﻳﻜﱰﳞﺎ اﻟﻄﻠﺒﺔ اﻷﺟﺎﻧﺐ أﻭ اﳌﻬﺎﺟﺮﻭﻥ .ﻓﻴﻬﺎ
ﻛﻞ ﻣﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﺗﻌﺐ اﻟﻌﻤﻞ اﳌﺆﻗﺖ ﻭاﳌﺸﺎﻏﻞ ﴎﻳﺮ أﳉﺄ إﻟﻴﻪ ﻛﻠﲈ ﹼ
اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ..اﻟﺘﻘﻴﺖ ﻫﻨﺎﻙ "ﳏﻔﻮظ" ,ﺷﺎب ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ "ﻛﻠﻤﻴﻢ",
ﻭﻗﺪ ﻛﻨﺎ ﻧﺘﺴﺎﻣﺮ ﻛﻠﲈ ﺳﻨﺤﺖ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﺑﺬﻟﻚ.
ﻛﻨﺖ أﺷﻜﻮ إﻟﻴﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺠﻮز ﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﺒﺎﻧﺼﻴﻮﻥ ,ﻭﻗﺪ
ﻧﺼﺤﻨﻲ أﻥ ﻻ أﻟﻖ ﺑﺎﻻ ﳌﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ ,ﻳﻘﻮﻝ "ﲨﻴﻌﺔ ﻫﺬﻩ ﻋﺎدﲥﺎ ,ﻣﻦ
ﺷﺐ ﻋﲆ ﳾء ﺷﺎب ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻳﻀﻴﻒ :ﻻ ﲥﺘﻢ ﻭﻻﺗﺘﺄﺛﺮ ﺑﻜﻼﻡ اﻟﻨﺴﺎء
ﻛﺒﺎر اﻟﺴﻦ ,ﲣﻴﻞ أﳖﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﴫخ ﰲ ﻭﺟﻪ رﺟﻞ ﻳﻘﻄﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻛﻠﲈ
ﳌﺤﺘﻪ ﺑﺴﺒﺐ أﻭﺑﺪﻭﻧﻪ ,ﺗﺎرة ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻨﻈﺎﻓﺔ ﻭ أﺧﺮ ﺑﻮﺿﻊ اﻟﻘﲈﻣﺔ
ﰲ أﻣﺎﻛﻨﻬﺎ اﳋﺎﺻﺔ" .اﻛﺘﺸﻔﺖ ﺻﺪﻓﺔ −ﺑﻌﺪ أﻥ ﻏﺎدر −أﻧﻪ ﻣﻦ
أﻗﺮﺑﺎﺋﻬﺎ ﻭﻧﺪﻣﺖ أﺷﺪ اﻟﻨﺪﻡ.
ﱂ أﻣﻜﺚ ﻫﻨﺎﻙ ﻃﻮﻳﻼ ﻓﻘﺪ اﻛﱰﻳﺖ ﺷﻘﺔ ﺻﻐﲑة ﰲ ﺳﺎﻣﻨﻴﺖ
ﺣﺘﻰ أﻛﻮﻥ أﻗﺮب إﱃ اﳌﺴﺘﺸﻔﻰ ,اﲣﺬت ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺣﻴﺎﰐ ﻣﺴﺎراآﺧﺮ.
ﻛﺎﻥ أﻛﱪ ﳘﻲ ﻫﻮ اﻟﻌﻼج .ﺗﻌﺮﻓﺖ ﻋﲆ أﺷﺨﺎص ﺟﺪد ﻣﺘﻄﻮﻋﲔ,
88
أﻋﻀﺎء ﰲ ﲨﻌﻴﺎت أﻣﺮاض اﻟﻜﲇ ﺣﴬت ﳏﺎﴐات ﻭﲪﻼت
ﺗﻮﻋﻴﺔ ﻭﺗﱪع ﺑﺄدﻭﻳﺔ .ﻛﻨﺖ أﻣﴤ أﻏﻠﺐ اﻷﻭﻗﺎت ﻫﻨﺎﻙ ﻭﰲ ﳖﺎﻳﺔ
اﻷﺳﺒﻮع أﻗﻔﻞ راﺟﻌﺎ إﱃ ﺑﻴﺘﻲ ,أدﻋﻮ ﳏﻔﻮظ ﻛﻠﲈ ﻛﺎﻥ ﰲ ﻭﻗﺖ
ﻓﺮاﻏﻪ ,أﻣﴤ ﻣﻌﻪ ﻭﻗﺘﺎ ﰲ ﺟﻠﺴﺎت ﺷﺎﻱ ,ﺣﺘﻰ أﲣﻠﺺ ﻣﻦ
ﻭﺣﺸﺔ ﻏﺮﺑﺘﻲ.
اﻧﺘﺎﺑﺘﻨﻲ ﰲ ﺟﻮﻻﰐ ﺑﲔ ﻣﻘﺮ اﳉﻤﻌﻴﺎت اﳋﲑﻳﺔ ﺷﻜﻮﻙ ﻻ
ﺣﴫ ﳍﺎ ,ﻭﻛﺄﳖﻢ ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻬﻢ اﻟﺪاﺋﻤﺔ ﻳﺒﻴﻌﻮﻧﻨﻲ اﻟﻮﻫﻢ .ﻗﺪ ﻋﺎﻧﻴﺖ
أﻫﻮاﻻ ﰲ ﻣﻨﺎﻣﺎﰐ ﺣﺘﻰ ﻣﺮت ﻋﲇ ﺷﻬﻮر اﻟﺘﻴﻪ اﻷرﺑﻌﺔ ﺑﲔ ﺿﻮاﺣﻲ
ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ .ﻣﴣ اﻟﻮﻗﺖ رﺗﻴﺒﺎ ﺣﺘﻰ ﻣﻠﻠﺖ ﻓﻌﻼ ,اﳍﺎﺗﻒ ﻻ ﻳﺮﻥ,
ﻭاﻟﱪﻳﺪ ﻓﺎرغ ,رﺑﲈ ﺑﻘﻲ ﻭﺿﻌﻲ ﻫﻜﺬا اﱃ ﻣﺎﺷﺎء اﷲ .أﻗﻮﻝ ﻟﻨﻔﴘ:
" ﻻﻳﻤﻜﻦ أﻥ أﴏﻑ ﺣﻴﺎﰐ ﰲ اﻧﺘﻈﺎراﻵﺧﺮﻳﻦ ﻛﻲ ﻳﻘﺮرﻭا
ﻣﺼﲑﻱ".
ﻛﻨﺖ أﻣﻘﺖ اﻻﻧﺘﻈﺎر ﻭأﻋﺘﱪﻩ ﺣﺎﻟﺔ ﻋﺒﻮدﻳﺔ ﻳﻌﱰﳞﺎ اﻟﺬﻝ.
أﺣﺎﻳﲔ ﻛﺜﲑة أﻓﻜﺮ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ" :ﻣﺎذا أﻓﻌﻞ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ?" ﻳﻜﺎد
ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ إﱃ ﻭﺳﻮاس ﻗﻬﺮﻱ ﻟﻴﺰﻋﺰع ﻗﻨﺎﻋﺘﻲ اﳍﺸﺔ أﺻﻼ,
أﺷﻌﺮﻭﻛﺄﻧﻨﻲ أﻫﺪر ﻭﻗﺘﻲ ﻭأﻳﺎﻡ ﺣﻴﺎﰐ ﺑﻼ ﻃﺎﺋﻞ .ﳜﺎﳉﻨﻲ ﺷﻌﻮر
ﻣﺰدﻭج ﻻ أﺟﺪ ﻟﻪ ﺗﻔﺴﲑا .ﺑﻘﻴﺖ ﻋﲆ ﻫﺎﺗﻪ اﳊﺎﻝ إﱃ أﻥ ﺟﺎءت
ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ اﻟﺮاﺋﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻦ أﻧﺴﺎﻫﺎ ﻣﺎﺣﻴﻴﺖ ,ﺣﻴﺚ ﺻﺎدﻓﺖ ﻋﻴﺪ
اﻷﺿﺤﻰ .ﻛﻨﺖ ﻣﺘﻮﺳﺪا ذراﻋﻲ ﻋﲆ اﻟﴪﻳﺮ ﺑﻌﺪﻣﺎ اﺗﺼﻠﺖ ﺑﺄﻣﻲ
أﺑﺎرﻙ ﳍﺎ اﻟﻌﻴﺪ ﻭﺳﺄﻟﺘﻬﺎ أﻥ ﺗﺼﲇ ﻭﺗﺪﻋﻮ ﱄ ..ﻛﺎﻥ ﺻﻮﲥﺎ ﺑﻌﻴﺪا,
89
أدرﻛﺖ ﻣﻨﻪ ﻛﻠﲈت ﻭدﻋﺎء" :اﷲ ﻳﺴﻬﻞ ﻃﺮﻳﻘﻚ ﰲ ﻛﻞ ﺧﻄﻮة
ﲣﻄﻮﻫﺎ".
رﻥ اﳍﺎﺗﻒ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ,اﳌﻤﺮﺿﺔ ﻣﺎرﻳﺎ ﻋﲆ اﳋﻂ" :ﻋﻤﺖ
ﻣﺴﺎء ﺳﻴﺪﻱ "اﻟﺪﻛﺘﻮر" راﻭﻭﻝ ﻏﺎرﺳﻴﺎ" ﻳﻨﺘﻈﺮﻙ ﰲ ﲤﺎﻡ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ
ﺻﺒﺎﺣﺎ".
ﱂ ﻳﻐﻤﺾ ﱄ ﺟﻔﻦ ﻋﱪ ﺗﻔﺴﲑات ﻻﳖﺎﺋﻴﺔ ﳌﺎ ﻳﻤﻜﻦ أﻥ ﺗﻜﻮﻥ
اﻟﺘﺤﺎﻟﻴﻞ ﻗﺪ أﺳﻔﺮت ﻋﻨﻪ ,أﺧﺬﺗﻨﻲ ﺳﻨﺔ ﻣﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻟﺮؤ ﻭاﻟﻜﻮاﺑﻴﺲ,
ﻛﻨﺖ ﻻ أﺣﺐ ﻫﺬﻩ اﳍﻨﻴﻬﺎت اﻟﻮاﺻﻠﺔ ﺑﲔ اﻧﺘﻬﺎء اﻟﺼﺤﻮ
ﻭﺧﻠﺴﺎت اﻟﻨﻮﻡ ,ﻓﺪﻣﺎﻏﻲ ﻻﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﻜﲑ ,ﻛﻨﺖ ﻏﺎرﻗﺎ ﰲ
ﺗﺄﻣﻼﰐ ﻛﺎﳌﺄﺧﻮذ ﺑﴪ ﻏﺎﻣﺾ ﻻ أﺟﺪ ﻟﻪ ﺗﻔﺴﲑا .أﺟﻠﺲ ﺳﺎﻋﺎت
اﺛﻨﺎء اﻟﻠﻴﻞ ,أﺗﺄﻣﻞ ﰲ ﺻﻤﺖ ﺷﺎﻣﻞ اﻧﺘﻈﺎرا ﳌﺎ ﺳﻴﺤﺪث ﰲ اﻟﻴﻮﻡ
اﳌﻮاﱄ.
ﻋﻨﺪ اﻟﺼﺒﺎح اﻟﺒﺎﻛﺮاﺳﺘﻴﻘﻈﺖ ,أﺧﺬت دﺷﺎ ﺑﺎردا ,ﺗﻮﺟﻬﺖ
اﱃ أﻗﺮب ﺧﻂ ﺳﲑ ﻟﻠﺤﺎﻓﻼت اﳌﺘﻮﺟﻬﺔ إﱃ ﺑﻠﺪة ﺳﺎﻣﻨﻴﺖ ,دﺧﻠﺖ
اﱃ اﳌﺴﺘﺸﻔﻰ ,ﻟﻜﻨﻨﻲ ﱂ أﻋﺮﻑ اﺳﻢ اﳉﻨﺎح ﻓﺘﻮﺟﻬﺖ إﱃ ﻗﺴﻢ
اﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻝ ,ﻫﺮﻭﻟﺖ إﱃ اﳌﺼﻌﺪ ﻭﺣﺒﺎت اﻟﻌﺮﻕ ﺗﺘﺴﺎﻗﻂ ﻣﻦ ﺟﺒﻴﻨﻲ
ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﻗﺼﻮ ﻣﻦ اﻻﻧﺘﻈﺎرﻳﺔ ﻭﻛﺄﲏ أﺗﻮﻗﻊ ﺣﺪﻭث ﳾء ﺧﺎرﻕ,
ﺣﺘﻰ ﺧﻠﺖ ﻟﻮﻫﻠﺔ أﻥ اﳌﺼﻌﺪ ﻳﺴﲑ ﻋﻜﺲ اﳉﺎذﺑﻴﺔ ﻭأﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﺼﻞ
إﱃ ﺣﻴﺚ اﻟﺪﻛﺘﻮر راﻭﻭﻝ ﰲ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﺑﺠﻨﺎح ﻣﺮﴇ اﻟﻜﲇ.
90
ﻃﺮﻗﺖ اﻟﺒﺎب ,ﺣﺎﻭﻟﺖ ﺟﺎﻫﺪا إﺧﻔﺎء ﺗﻮﺗﺮﻱ ﻭﺧﻮﰲ .ﺑﻌﺪ
ﺑﺮﻫﺔ,ﲡﻠﺖ ﻃﻠﻌﺔ اﻟﻄﺒﻴﺐ راﻭﻭﻝ ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻣﴩﻗﺔ ﻋﲆ ﻣﺪﺧﻞ
اﻟﻐﺮﻓﺔ ,ﺑﻘﺎﻣﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔﻭﺑﺬﻟﺔ ﻃﺒﻴﺔ أﻧﻴﻘﺔﻭﺷﻌﺮ أﺷﻌﺚ ﺗﺮﺟﺤﺖ ﻣﻨﻪ
ﺧﺼﻠﺘﲔ ﻋﲆ ﺟﺒﻴﻨﻪ ,اﺳﺘﻘﺒﻠﻨﻲ ﺑﺘﺤﻴﺔ اﻷﻃﺒﺎء اﳌﻌﻬﻮدة ﻫﻨﺎ ,ﺳﻠﻢ
ﻋﲇ ﺑﺤﺮارة ﻭأﺟﻠﺴﻨﻲ ﰲ اﻟﻜﺮﳼ اﳌﻘﺎﺑﻞ ﳌﻜﺘﺒﻪ .رﺑﺖ ﻋﲆ ﻛﺘﻔﻲ,
ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺳﺄﻟﻨﻲ ﻋﻦ اﻷﺣﻮاﻝ ﻭأﻧﺎ أﺟﻴﺐ ﺑﺈﻳﲈءة ﻣﻦ رأﳼ ,ﺑﻌﺪﻣﺎ
ﺿﺎﻋﺖ ﻣﻦ ﻓﺮط اﳋﻮﻑ ﺣﺮﻭﰲ ":ﺑﺨﲑ ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ" ,ﻭﺣﺎﻟﺔ
ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻨﻔﺎر اﻟﻘﺼﻮ ﺗﻌﻴﺸﻬﺎ رﻭﺣﻲ ,أدﺧﻞ ﻳﺪﻩ ﰲ اﻟﺪرج,
ﻭأﺧﺮج ﻣﻠﻔﺎ أزرﻕ ﻓﻴﻪ ﻇﺮﻑ ﻃﺒﻲ ﻛﺒﲑ ,ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ":ﺧﻠﻴﻞ ﳚﺐ أﻥ
ﺗﻌﺮﻑ ﺑﻌﺾ اﳌﻌﻠﻮﻣﺎت ﻋﻦ ﻣﺮض اﻟﻘﺼﻮر اﻟﻜﻠﻮﻱ ,ﻓﻬﻮﻣﺮض
ﺻﺎﻣﺖ ,اﻧﻈﺮ ,ﳚﺐ أﻥ أﺑﺴﻂ ﻟﻚ اﻷﻣﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﺪﻳﻚ ﻭﻋﻲ
ﺑﲈ ﺗﻌﺎﻧﻴﻪ .أﻧﺖ ﺗﻌﺮﻑ أﻥ ﻛﻞ ﻋﻀﻮ ﰲ اﳉﺴﻢ ﻟﻪ دﻭر ﰲ اﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ
اﳊﻴﺎة ,دﻋﻨﻲ أﺳﻮﻕ ﻟﻚ ﻣﺜﺎﻝ دﻭر اﻟﻜﻠﻴﺔ ,ﻓﻬﻲ ﲤﻜﻦ اﳉﺴﻢ ﻣﻦ
اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ اﻟﺴﻮاﺋﻞ اﻟﺰاﺋﺪة ,ﻭﺗﻘﻮﻡ ﺑﺘﺼﻔﻴﺔ اﻟﺪﻡ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﻮﻡ,
ﻛﲈ أﳖﺎ ﺗﻮازﻥ اﻟﻀﻐﻂ اﻟﺪﻣﻮﻱ ﻭﺗﻔﺮز ﻫﺮﻣﻮﻧﺎت أﺳﺎﺳﻴﺔ ﺗﺴﺎﻋﺪ
ﻋﲆ اﺗﺰاﻥ ﻭﻇﺎﺋﻔﻪ ﻣﺜﻞ اﳊﻔﺎظ ﻋﲆ اﻟﻜﻠﺴﻴﻮﻡ ﰲ اﳉﺴﻢ ﻭﺗﻜﻮﻳﻦ
اﳍﻴﻤﻮﻗﻠﲔ .ﻫﺬا اﻷﺧﲑ اﻟﺬﻱ ﻳﻌﺪ ﺟﺰء ﻫﺎﻣﺎ ﰲ ﺧﻼﻳﺎ اﻟﺪﻡ
اﳊﻤﺮاء .ﻭﻳﺴﺎﻋﺪ ﻋﲆ ﻧﻘﻞ اﻷﻭﻛﺴﺠﲔ إﱃ ﺧﻼﻳﺎ اﳉﺴﻢ اﳌﺨﺘﻠﻔﺔ,
ﻛﲈ أﳖﺎ ﻣﺴﺆﻭﻟﺔ ﻋﻦ اﻟﻨﻤﻮ ﻭإﻓﺮاز ﻫﺮﻣﻮﻧﺎت ﺗﻨﺘﺞ اﻟﻔﻴﺘﺎﻣﲔ "د"
اﻟﴬﻭرﻱ ﺟﺪا ,ﻭﻟﻌﻠﻤﻚ ﻓﻜﺜﲑ ﻣﻦ أﻋﻀﺎء اﳉﺴﻢ اﳊﻴﻮﻳﺔ ﺗﻌﺘﻤﺪ
ﻋﲆ ﻭﻇﺎﺋﻒ اﻟﻜﲇ ,ﻫﺬا ﻓﻀﻼ ﻋﲆ أﻥ ﻫﻨﺎﻙ أﻋﺮاﺿﺎ ﳐﺘﻠﻔﺔ ﻗﺪ
91
ﺗﺼﺎﺣﺐ اﳌﺮﻳﺾ ,ﻛﺎرﺗﻔﺎع اﻟﻀﻐﻂ ﻭاﻟﻘﻲء ﻭاﻟﻐﺜﻴﺎﻥ ﻭﻛﺜﺮة اﻟﺘﺒﻮﻝ
ﻭﰲ ﻣﺮاﺣﻞ ﻣﺘﻘﺪﻣﺔ ﻳﺼﺎب اﳌﺮﻳﺾ ﺑﺎﳍﺬﻳﺎﻥ ﻭأﺣﻴﺎﻧﻨﺎ اﻟﻐﻴﺒﻮﺑﺔ".
ﻭاﺳﱰﺳﻞ " :أﻭﺗﻌﺮﻑ ﺧﻠﻴﻞ ﻣﺎأﺛﺎر دﻫﺸﺘﻲ أﻥ ﺟﻞ ﻫﺬﻩ
اﻷﻋﺮاض ﱂ ﺗﻨﺘﺎﺑﻚ ﳌﺪة ,ﻣﺎ أرﻳﺪ أﻥ أﴍح ﻟﻚ أﻥ اﻟﻜﻠﻴﺔ ﺗﻘﻮﻡ
ﺑﺘﺼﻔﻴﺔ اﻟﺪﻡ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﻼت ﺑﲔ 100 -90ﻣﻞ ﻟﱰ ﰲ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ.
ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﻨﺎﻗﺺ −ﺑﻔﻌﻞ اﳌﺮض أﻭ اﻟﺘﻘﺪﻡ ﰲ اﻟﺴﻦ اﱃ أﻥ ﺗﺼﻞ ﺑﲔ
أﻗﻞ 30ـ 15ﻣﻴﻞ ﻟﱰ ﻫﻨﺎ ﻧﻠﺠﺄ إﻣﺎ ﻟﻠﺘﺼﻔﻴﺔ أﻭ اﻟﺰرع".
ﺛﻢ أﺿﺎﻑ "أﻧﺖ إﻧﺴﺎﻥ ﻣﺆﻣﻦ ,ﻭﻣﺎ ﺳﺄﻗﻮﻟﻪ ﻟﻚ ﻫﻮ
ﺑﺨﺼﻮص ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻟﺘﺤﺎﻟﻴﻞ ﻭاﻟﻔﺤﻮﺻﺎت .ﻋﻦ ﺣﺎﻟﺘﻚ ,ﻳﺆﺳﻔﻨﻲ
أﻥ أﺧﱪﻙ أﻥ ﻟﺪﻳﻚ ﻛﻠﻴﺔ ﻣﻴﺘﺔ ﻻ ﺗﻌﻤﻞ ﻭﻣﺘﻮﻗﻔﺔ ﻣﻨﺬ ﻣﺎ ﻳﻘﺎرب
ﻋﴩﻳﻦ ﻋﺎﻣﺎ ,ﻭاﻟﻜﻠﻴﺔ اﻷﺧﺮ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﺧﻼﻳﺎ ﴎﻃﺎﻧﻴﺔ ﺑﻤﻘﺪار
ﺳﺘﺔ ﺳﻨﺘﻤﱰات ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻨﺼﻒ ,ﺣﺠﻢ اﻟﻜﻠﻴﺔ اﺛﻨﺎ ﻋﴩ ﺳﻨﺘﻤﱰا,
ﻟﻜﻦ ﻛﻦ ﻋﲆ ﻳﻘﲔ أﻥ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﰲ ﻫﺎﺗﻪ اﳊﺎﻻت −ﺑﻔﻌﻞ ﺗﻄﻮر
اﻟﻄﺐ −ﻧﺎﺟﺤﺔ ﺑﻨﺴﺒﺔ ﻛﺒﲑة .ﺿﻊ ﺛﻘﺘﻚ ﰲ اﷲ .ﻭﺑﻔﻀﻞ إرادﺗﻚ
ﻭﻋﺰﻳﻤﺘﻚ ,ﻭﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﺟﺘﻬﺎدﻧﺎ ﺳﻮﻑ ﺗﺘﺨﻄﻰ اﳌﺮﺣﻠﺔ ﻣﻊ ﻣﺮﻭر
اﻟﻮﻗﺖ.
ﱂ أﻧﺒﺲ ﺑﺒﻨﺖ ﺷﻔﺔ .ﻣﺮت ﰊ ﳊﻈﺎت ﺻﻤﺖ ,ﻻ أدرﻱ :ﻫﻞ
ﻛﺎﻥ اﻟﺰﻣﻦ ﻳﻌﱪﲏ أﻡ أﲏ ﻛﻨﺖ أﻋﱪﻩ??...
ﻗﺎﻝ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻻﺣﻆ ﴍﻭدﻱ":إذا ﻓﻬﻤﺖ ﻣﺎﻗﻠﺘﻪ ﻟﻚ ﳊﺪ
اﻵﻥ ,ﻓﻬﺬا ﺟﻴﺪ ﻣﺮﺣﻠﻴﺎ ,ﻭإذا ﱂ ﺗﻔﻬﻢ أﺑﺴﻂ ﻟﻚ اﻷﻣﺮ أﻛﺜﺮ".
92
ﻭﺑﺸﻜﻞ ﻣﻔﺎﺟﺊ ﱄ ﻭﻟﻪ ,ﺳﻘﻄﺖ دﻣﻌﺔ ﻳﺘﻴﻤﺔ ﻋﲆ ﺧﺪﻱ,
ﻣﺴﺤﺘﻬﺎ ﺑﻌﺪﻣﺎ اﻋﺘﺬرت ﻟﻠﻄﺒﻴﺐ ﻣﺘﻠﻌﺜﲈ.
ﱂ ﻳﺒﻖ أﻣﺎﻣﻲ إﻻاﻻﻧﴫاﻑ ,ﻭﻗﺪ ﻭددت ﻟﻮ ﺗﺒﺘﻠﻌﻨﻲ اﻷرض
ﻷﲣﻠﺺ ﻣﻦ ﺧﻮﰲ ﻭﺧﺠﲇ .ﺳﻴﻞ ﻣﻦ اﻹﺣﺴﺎﺳﺎت اﳉﺎرﻓﺔ
ﻭاﳌﺘﻼﻃﻤﺔ .إﻥ أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺆرﻗﻨﻲ أﺳﺌﻠﺔ ﺣﺎرﻗﺔ ":ﻫﻞ ﻋﲇ
إﺟﺮاء اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ? ﻣﺎﻫﻲ ﻧﺴﺒﺔ ﻧﺠﺎﺣﻬﺎ? ﻭأﺗﺴﺎءﻝ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻭﻣﻦ
ﻫﻮﻝ اﻟﺼﺪﻣﺔ" :أﺣﻘﺎ ﻭﻗﻊ ﻫﺬا ﱄ ,أأﻋﻴﺶ ﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ﻋﲆ
ﻫﺎﺗﻪ اﳊﺎﻝ ??".
ﻭﺳﺆاﻝ أﺧﺮ ﳜﱰﻗﻨﻲ":ﻟﻮﻣﺖ ﰲ أرض اﻟﻐﺮﺑﺔ ,ﻣﻦ
ﺳﻴﺘﻜﻔﻞ ﺑﻨﻘﲇ ﻷدﻓﻦ ﰲ ﺑﻠﺪﻱ? ﻻ أﺣﺪ ﻣﻦ أﴎﰐ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﺎﻳﺴﺪ
اﻟﺮﻣﻖ ,ﻓﺒﺎﻷﺣﺮ دﻓﻊ ﻣﺼﺎرﻳﻒ اﻟﻨﻌﺶ ﻭاﻟﻨﻘﻞ ﻭاﻟﺪﻓﻦ!,ﻭﻫﻞ
ﺳﺄدﻓﻦ ﻫﻨﺎ ﻭأﻛﻮﻥ رﻗﲈ ﻋﲆ ﻗﱪ ﻛﺒﻘﻴﺔ اﳌﺠﻬﻮﻟﲔ? ﻣﺎذا?ﻭﳌﺎذا?".
ﻭأﻋﻴﺪ اﻟﻜﺮة" :ﻛﻴﻒ أﻣﻜﻨﻨﻲ اﻟﻌﻴﺶ ﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﻌﻤﺮ ﺑﻨﺼﻒ
ﻛﻠﻴﺔ,ﻭأﻧﺎ أﻇﻦ ﻧﻔﴘ ﺑﺼﺤﺔ اﳉﻤﻞ .ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺗﻌﺒﺖ ﻣﻦ اﻟﱰﺣﺎﻝ
اﻟﺪاﺋﻢ,ﻭآﻥ ﱄ أﻥ أﺟﺪ ﻣﻼذا ﻟﺒﻘﻴﺔ ﻋﻤﺮﻱ ﺣﺘﻰ أﻫﻨﺄ ﺑﺴﻜﻴﻨﺘﻲ ﺣﻴﻨﺎ,
ﻭأﺧﲑا ﳌﺎذا أﺧﺎﻑ?" أردد ﰲ ﻧﻔﴘ ":أﺟﺮﻱ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻗﺪ ﺗﻨﺠﺢ
أﻭﺗﻔﺸﻞ! ﳌﺎذا أﺧﺎﻑ اﳌﻮت .ﺣﺮﻱ ﰊ أﻥ أﺧﺎﻑ اﳊﻴﺎة ﻭﻛﻠﻔﺘﻬﺎ,
ﻓﻬﻲ اﻷﻛﺜﺮ إﻳﻼﻣﺎ.?!.
ﺑﻌﺪ ﺗﺴﻜﻊ ﻃﻮﻳﻞ ﰲ ﺷﻮارع ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ ﺣﺘﻰ اﳌﺴﺎء ﻛﺎﻥ اﳉﻮ
راﺋﻘﺎ ﻭﻣﻌﺘﺪﻻ ,ﻏﲑأﻥ ﺟﻮﻱ ﱂ ﻳﻜﻦ ﻛﺬﻟﻚ اﻟﺒﺘﺔ .رﺟﻌﺖ إﱃ
93
ﻏﺮﻓﺘﻲ ﻣﻨﻬﻜﺎ ,ﻭﺣﲔ دﺧﻠﺖ ارﲤﻴﺖ ﻋﲆ ﴎﻳﺮﻱ ﺑﻨﺼﻒ رﻭح,
دﻭﻥ ﺗﻐﻴﲑ ﻣﻼﺑﴘ .ﱂ أﻧﻢ اﻟﻠﻴﻞ ﻛﻠﻪ ﺗﺘﻘﺎذﻓﻨﻲ أﻭﻫﺎﻡ ﳐﺘﻠﻔﺔ ﻭأﺳﺌﻠﺔ
ﻻﺣﴫ ﳍﺎ ,ﺑﻘﻴﺖ ﺣﺎﺋﺮا ﻭﻗﺪ اﺧﺘﻠﻄﺖ ﰲ ﻗﻠﺒﻲ اﻷﺷﻴﺎء ﺑﺎﻷﺷﻴﺎء,
ﱂ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﺑﺮأﳼ ﻟﻴﻠﺘﻬﺎ دﻭرة اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻄﺤﻨﻨﻲ.
أﻧﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﺳﻴﻨﺎرﻳﻮ إﱃ أﺧﺮ",ﱂ أدر ﻣﺎ أﺻﻨﻊ ,ﱂ أﻛﻦ ﻗﺎدرا
ﻋﲆ اﲣﺎذ ﺧﻄﻮة أﻭ ﻗﺮار ,أﻋﻠﻢ أﻥ ﺣﻴﺎﰐ ﱄ ﻭأﻧﺎ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻋﻠﻴﻞ أﻭ
ﺳﻠﻴﻢ .ﻓﺄﻧﺎ أﺗﻮﱃ ﺷﺆﻭﻥ ﻧﻔﴘ ﻓﻼ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﻐﲑﻱ ﻫﺎﻫﻨﺎ.ﻭﻻ
ﺷﺄﻥ ﻟﻜﺎﺋﻦ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﰲ ﻓﺮض أﻣﺮﻋﲇ ﺳﻮاﻱ .ﻓﺎﻧﺎ ﻣﻦ ﳛﺪد
ﻣﺼﲑﻱ ﺑﻴﺪﻱ".ﻋﱪت ﺧﻼﻝ ﻫﺬا اﳊﻮار اﻟﺪاﺧﲇ ﻓﺠﺎﺟﺎ ﻋﻤﻴﻘﺔ
ﻣﻦ رﻭﺣﻲ ,اﻷﻣﺮ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬﻱ ﻛﻨﺖ ﻣﺘﺄﻛﺪا ﻣﻨﻪ ﻫﻮ أﻧﻨﻲ ﻟﻦ
أﺧﻴﺐ ﻇﻦ اﻟﻄﺒﻴﺐ راﻭﻭﻝ .ﻭأﻧﻨﻲ −ﰲ ﻛﻞ اﻷﺣﻮاﻝ−ﺳﺄﻋﻮد
ﻹﺟﺮاء اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ رﻏﻢ ﻛﻞ اﻟﱰدد.
ﺗﺸﺠﻌﺖ أﺧﲑا ﻭﺳﻠﻤﺖ أﻣﺮﻱ ﷲ ﻟﻴﻔﻌﻞ ﰊ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ,
ﻭأﻳﻘﻨﺖ أﻥ ﻋﲆ اﳌﺮء ﻣﻨﺎ أﻥ ﻳﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﳊﻴﺎة ﻛﲈ ﻫﻲ ﻭﻟﻴﺲ ﻛﲈ
ﻳﺮﻳﺪﻫﺎ أﻥ ﺗﻜﻮﻥ .ﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﴘ" :ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﺳﺄﻋﺎﻣﻞ إﻧﺴﺎﻧﻴﺎ .ﻓﻬﺬا
ﻣﺎ اﻓﺘﻘﺪﺗﻪ ﻣﺮارا ﰲ ﻭﻃﻨﻲ ﺣﻴﺚ اﻷﻃﺒﺎء ﻭاﳌﻤﺮﺿﻮﻥ ﻻﻳﻌﲑﻭﻥ
اﳌﺮﻳﺾ أﻱ إﻫﺘﲈﻡ إﻻ ﻣﻦ رﺣﻢ رﰊ ﻓﻠﻴﺴﺖ ﳍﻢ اﻟﻘﺪرة اﻟﻜﺎﻓﻴﺔ
ﻟﻺﺣﺴﺎس ﺑﺎﻵﺧﺮ ﺑﺈﻧﺴﺎﻧﻴﺘﻪ ﺑﺄﳌﻪ ﻭﻭﺟﻌﻪ .ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﻣﺎﻋﺎﻳﺸﺘﻪ
ﻟﺴﻨﻮات ﻫﻨﺎﻙ ,ﺣﻴﻨﲈ ﻻﺗﻌﻴﺶ ﻣﻌﺎﻧﺎة اﻵﺧﺮﻳﻦ ,ﺳﻬﺮﻫﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ
ﻻﲢﺲ ﺑﺤﻴﺎة اﳌﻴﺆﻭس ﻣﻨﻬﻢ ,أﻭ ﻻﺗﺴﻤﻊ أﻧﲔ اﳌﻌﺬﺑﲔ ﻭﴏاخ
آﺧﺮﻳﻦ ﻟﻴﺎﻝ ﻃﻮاﻝ ﰲ اﳌﺴﺘﺸﻔﻴﺎت اﳋﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﳌﺴﻌﻔﲔ ,اﻟﺬﻳﻦ
94
ﻻﻳﺄﺗﻮا إﻻ ﻣﺘﺄﺧﺮﻳﻦ ﻟﻴﺴﻤﻌﻮا اﳌﺮﴇ أرذﻝ اﻟﻜﻼﻡ اﻟﻨﺎﰊ ﻭاﻟﺸﺘﻢ
ﻭاﻟﺴﺐ ,ﻻ ﻟﴚء ﺳﻮ ﻷﳖﻢ أﻗﻠﻘﻮا راﺣﺘﻬﻢ ,ﻭﻣﺎﺑﺎﻟﻚ
ﺑﺎﳌﺴﺘﻀﻌﻔﲔ ,إﳖﻢ ﻻﻳﻌﲑﻭﻥ اﻫﺘﲈﻣﺎ اﻟﺒﺘﺔ ﳊﺎﻝ ﻛﻞ ﻫﺆﻻء ﻭﻻ
ﻳﺘﺤﴪﻭﻥ ﻋﲆ ﻣﺼﺎﲠﻢ.
ﰲ ﻭﻃﻨﻲ ﻻ أﺣﺪ ﳞﺘﻢ ﻭﻻ ﻳﻌﻴﺶ ﺣﻴﺎﲥﻢ,ﻭﻻ ﻳﻜﱰث
ﻟﻮﺟﻮدﻫﻢ ,ﻭﻻ ﻳﺄﰐ ﻋﲆ ذﻛﺮﻫﻢ إﻻ إذا ﺻﺎدﻓﻬﻢ ﰲ ﺑﻌﺾ
اﳌﺠﺎﻟﺲ اﻟﻔﺎرﻏﺔ .ﻫﺬا اﻟﻮاﻗﻊ ﻛﺜﲑا ﻣﺎ أرﻗﻨﻲ ﻭآﳌﻨﻲ.
ﻫﻨﺎ ﻻﺣﻈﺖ اﻟﻔﺮﻕ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻋﺮﻓﺖ أﻥ ﺑﲔ أﻭﻃﺎﲏ
ﻭاﻟﻐﺮب,ﺳﺘﻈﻞ ﺗﻨﺎﻗﻀﺎت ﻟﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻌﻘﻞ ﻓﻬﻤﻬﺎ إﱃ إﻥ ﺗﻘﻊ
ﻣﻌﺠﺰة ﻳﺘﻐﲑﲠﺎ ﺣﺎﻟﻨﺎ ,ﻟﺘﺴﻘﻂ اﻟﺘﻨﺎﻗﻀﺎت ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎء ﻧﻔﺴﻬﺎ,
أﺣﺴﺴﺖ أﲏ ﰲ اﻟﻌﺎﱂ اﻟﻨﻘﻴﺾ ﺣﻴﺚ إﻥ اﻟﻄﺒﻴﺐ ﻳﻌﺎﳉﻚ ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
أﻭ ﻛﻠﻤﺔ ﻗﺪ ﺗﻔﻌﻞ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﺎﻻ ﺗﻔﻌﻠﻪ ﻛﻞ أدﻭﻳﺔ اﻟﺪﻧﻴﺎ ,ﻓﻬﻲ ﺑﻠﺴﻢ
ﻻﻳﺰﻭﻝ ﻣﻔﻌﻮﳍﺎ ﺑﺰﻭاﻝ ﻗﺎﺋﻠﻬﺎ .ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻓﻘﻂ ﻧﻤﺖ ﻧﻮﻣﺎ رﺣﻴﲈ
ﻻﻣﻜﺎﻥ ﻓﻴﻪ ﻟﻸﺣﻼﻡ ,أﻳﻘﻈﻨﻲ ﺻﺨﺐ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻈﻬﺮ ﻓﻘﻤﺖ ﺑﺒﺪﻥ
ﻣﺜﻘﻞ ﻭرﻭح ﳎﻬﺪة ﻭﺑﺨﻄﻮات ﻣﱰﻧﺤﺔ ,ﻓﺘﺤﺖ اﻟﺪﻭش ﻭﺗﺮﻛﺖ
ﻗﻄﺮات اﳌﺎء ﺗﻐﺰﻭ ﻣﺴﺎﻣﺎت ﺟﻠﺪﻱ ﻭﺗﺘﴪب إﻟﻴﻬﺎ .ارﺗﺪﻳﺖ
ﻣﻼﺑﴘ ,ﱂ أﻓﻄﺮ ﻛﲈ أﻭﺻﺎﲏ اﻟﻄﺒﻴﺐ ,ﻭﺻﻠﺖ إﱃ اﳌﺴﺘﺸﻔﻰ ﰲ
اﻟﻮﻗﺖ اﳌﺤﺪد ,ﻭﻛﺎﻟﻌﺎدة اﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺎت ﰲ اﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻝ ,ﺗﺬﻛﺮت أﻧﻨﺎ
ﰲ ﳎﺘﻤﻌﻨﺎ ﻻ ﻧﺘﺼﺪﻕ ﻛﺜﲑا ,إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻹﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﰲ ﻭﺟﻪ أﺧﻴﻚ
ﺻﺪﻗﺔ ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء ﻭاﳌﻔﺎرﻗﺎت اﻟﺘﻲ ﻻﺣﻈﺖ اﻟﻔﺮﻕ ﻓﻴﻬﺎ.
95
ﻛﺎﻥ ﻳﻮﻡ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻳﻮﻣﺎ ﻣﺸﻬﻮدا ,ﻓﻘﺪ أدﺧﻠﺖ اﱃ ﻏﺮﻓﺔ
اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻻ أﺗﺬﻛﺮ ﺳﻮ اﻟﺒﺬﻟﺔ اﻟﺰرﻗﺎء ﻭاﻟﻌﺮﺑﺔ اﻟﻄﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻭﺿﻌﺖ
ﻋﻠﻴﻬﺎ ,دﻓﻌﻬﺎ ﳑﺮﺿﺎﻥ ,أدﺧﻠﺖ ﻏﺮﻓﺔ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻜﺜﲑ ﻣﻦ اﻷﺟﻬﺰة.
ﻭ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺣﻘﻨﺖ ﺑﺎﳌﺨﺪر ﴎﻋﺎﻥ ﻣﺎ أﻇﻠﻢ ﻋﻘﲇ ,ﻭﺷﻌﺮت ﺑﺮﻏﺒﺔ
ﻻ ﺗﻘﻬﺮﰲ اﻟﻨﻮﻡ .ﻭ ﻟﱪﻫﺔ أﺣﺴﺴﺖ ﺑﺎﻻرﺗﻴﺎح ﻭاﻟﻨﺸﻮة ﻛﻨﺖ أﺗﻘﺪﻡ
ﻟﻜﻦ ﺟﺴﺪﻱ ﻳﱰاﺟﻊ ,ﻛﺎﻥ ﺣﺎﴐا ﻫﻨﺎ ,ﻟﻜﻦ رﻭﺣﻲ ﻭﻣﻌﻨﻮﻳﺎﰐ ﰲ
ﻣﻜﺎﻥ آﺧﺮ ﻗﻄﻌﺎ.
ﺗﺬﻛﺮت آﺧﺮ اﻟﺼﻮر اﻟﺘﻲ ﲤﺜﻠﺖ أﻣﺎﻣﻲ :ﻭﺟﻪ أﻣﻲ ﻭﺻﻮﲥﺎ
اﻟﺒﻌﻴﺪ اﻟﻘﺎدﻡ ﻣﻦ ﺧﻠﻒ اﻷﺻﻮات ﻳﺮدد" :اﷲ ﻳﻄﻠﻊ درﺟﺘﻚ ,اﷲ
ﳛﻔﻈﻚ ﻳﺎﻭﻟﻴﺪﻱ" ,أردت اﳌﻘﺎﻭﻣﺔ ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻓﺸﻠﺖ ,ﻓﻐﺒﺖ ﻋﻦ
اﻟﻮﻋﻲ ﲤﺎﻣﺎ.
ﺑﻌﺪ ﻣﺮﻭر اﺛﻨﲔ ﻭﺳﺒﻌﲔ ﺳﺎﻋﺔ ﻓﺘﺤﺖ ﻋﻴﻨﻲ ﰲ ﻏﺮﻓﺔ ﺗﺘﺴﻠﻞ
ﻣﻦ ﻧﺎﻓﺬﲥﺎ أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ .ﺑﻌﺪ ﺑﺮﻫﺔ ,ﺳﻤﻌﺖ ﺣﺮﻛﺔ ﺧﻔﻴﻔﺔ داﺧﻞ
أرﺻﻔﺔ ﻣﺒﻨﻰ اﳌﺴﺘﺸﻔﻰ .ﻛﺎﻥ ﻭﻗﻊ اﻷﻗﺪاﻡ داﺧﻞ اﳌﻤﺮﻳﺪﻝ ﻋﲆ أﳖﻢ
ﺛﻼﺛﺔ أﻭ أرﺑﻌﺔ أﺷﺨﺎص .ﺑﺪأت أﺗﻮﺟﺲ ﺣﺘﻰ دﻓﻊ اﻟﺒﺎب ﲠﺪﻭء,
ﻭإذا ﺑﺎﻟﻄﺒﻴﺐ راﻭﻭﻝ ﻭﺧﻠﻔﻪ اﳌﻤﺮﺿﺔ "ﻣﺎرﻳﺎ "ﻭﻃﺒﻴﺐ أﺧﺮ ﻳﻀﻊ
ﻧﻈﺎرات ﻃﺒﻴﺔ ,ﺳﻘﻄﺖ ﺣﺘﻰ أﻧﻔﻪ ,ﻭﳑﺮﺿﺔ ﺳﻤﺮاء اﻟﺒﴩة ﻋﺮﻓﺖ
ﻣﻦ ﺳﺤﻨﺘﻬﺎ أﳖﺎ ﻋﺮﺑﻴﺔ أﻭ ﲡﺮﻱ ﰲ دﻣﺎﺋﻬﺎ ﻋﺮﻭﻕ أﻧﺪﻟﺴﻴﺔ .ﰲ
ﺣﺪﻭد اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻣﺴﺎء,ﻋﺎد راﻭﻭﻝ ,ﻭﺟﺎءت ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻪ اﻟﺴﻤﺮاء
ﻭﺟﺪدت ﺣﻘﻨﻲ ﺑﻤﻮاد أﺧﺮ أدت إﱃ ارﲣﺎﺋﻲ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﲇ.
96
أﺧﱪﻭﲏ −ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ −أﻥ رﺣﻠﺔ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﺳﺘﻐﺮﻗﺖ إﺛﻨﺘﻲ
ﻋﴩة ﺳﺎﻋﺔ ﻭﻧﺼﻒ ,ﻭﺑﻘﻴﺖ ﰲ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ اﳌﺮﻛﺰة أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﲈﻥ
ﻭأرﺑﻌﲔ ﺳﺎﻋﺔ.
ﻛﺎﻥ اﻟﻄﺒﻴﺐ ﻳﺰﻭرﲏ ﺑﲔ اﻟﻔﻴﻨﺔ ﻭاﻷﺧﺮ .ﻭﻳﻤﴣ ﻣﻌﻲ
ﻭﻗﺘﺎ ﰲ ﺟﻠﺴﺎت ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻛﻞ ﳾء .ﻛﻠﲈ ﺷﻜﺮﺗﻪ ﻋﲆ ﻣﺎﻓﻌﻞ
ﻣﻌﻲ ,ﻳﻘﻮﻝ ﻭﻗﺪ ﺗﻐﲑ ﻭﺟﻬﻪ " :أﻧﺎ ﱂ أﻓﻌﻞ ﺷﻴﺌﺎ ,ﻫﺬا ﻭاﺟﺒﻲ ﻭأﻧﺎ
أﻗﻮﻡ ﺑﻪ".
اﳊﻖ أﳖﻢ ﻋﺎﻣﻠﻮﲏ ﺑﺈﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﱂ أﻋﻬﺪﻫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ,ﻭأﺣﺴﺴﺖ
ﻓﻌﻼ أﻧﻨﻲ إﻧﺴﺎﻥ ﺑﺎﺣﱰاﻣﻬﻢ ﱄ ﺣﺘﻰ ﰲ أﺑﺴﻂ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ.
ﺷﻌﺮت ﻣﻦ إﻧﺼﺎﺗﻪ إﱄ أﻧﻪ ﻳﺪرﻙ ﻣﻦ اﳌﻌﺎﲏ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻭراء
ﺣﻜﺎﻳﺘﻲ ,رﻏﻢ ﺗﻌﺜﺮﻱ ﰲ ﴍح ﺑﻌﺾ ﻣﺎﻫﻮ أﻋﻤﻖ ﻣﻦ ﻇﺎﻫﺮ
اﳊﺮﻛﺎت ﻭﺑﺎﻃﻦ اﻟﻜﻠﲈت .ﻭﰲ ﺑﻌﺾ ﳊﻈﺎت اﻟﺼﻤﺖ ,ﻳﻨﻈﺮ إﱃ
ﻋﻴﻨﻲ ﺑﻌﻤﻖ ,ﻭﻳﻘﻮﻝ" :أﺗﻌﺮﻑ ﺑﺪأت أﺣﺐ ﳎﺎﻟﺴﺘﻚ".
ﻭأﺟﻴﺒﻪ ":ﻭأﻧﺎ أﻟﻔﺖ ﺣﻀﻮرﻙ".
ﻗﺎﻝ ﱄ ذات ﺻﺒﺎح ":اﳌﻤﺮﺿﺔ "ﺳﻮﻛﺔ"ﺳﺘﺘﻜﻔﻞ ﺑﺎﻟﻌﻨﺎﻳﺔ
ﺑﻚ ,ﻭﺑﺎﳌﻨﺎﺳﺒﺔ ﻫﻲ ﻣﻦ أﻓﻀﻞ اﳌﻤﺮﺿﺎت ﻋﻨﺪﻧﺎ" .ﻛﻨﺖ أر
ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﺗﻄﻞ ﻣﻦ ﺧﻠﻒ ﻛﺘﻒ اﻟﺪﻛﺘﻮر راﻭﻭﻝ ,ﺗﻘﺪﻣﺖ ﻭإذا
ﺑﻮﺟﻬﻬﺎ اﻟﻄﻔﻮﱄ ﻳﻔﻴﺾ ﺑﺮاءة ﻭﻳﺸﻊ ﺑﺈﴍاﻕ ﻧﺎدر ,ﻋﻴﻨﺎﻫﺎ ﻣﺜﻞ
ﻋﻴﻨﻲ اﻣﺮأة ﻭرﻋﺔ زاﻫﺪة ﺳﻤﺮاء اﻟﻠﻮﻥ .ﻣﺮت ﻫﻨﻴﻬﺎت ﻭأﻧﺎ
97
أﺗﻔﺮﺳﻔﻲ ﻣﻼﳏﻬﺎ :اﳉﺒﲔ اﻟﻄﻮﻳﻞ ﻭاﻷﻧﻒ اﳌﻤﺪﻭدة ,اﻟﺬﻗﻦ
اﻟﺪﻗﻴﻖ ,اﻟﻮﺟﻨﺘﺎﻥ اﻟﻨﺤﻴﻠﺘﺎﻥ ,ﺷﻔﺎﻩ رﻗﻴﻘﺔ ,ﻭﺷﻌﺮ أﺳﻮد ﻃﻮﻳﻞ.
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﻋﻦ أﺣﻮاﱄ ﺗﻜﻠﻤﺖ,ﻭإذا ﲠﺎ ﻣﻔﻠﺠﺔ
اﻷﺳﻨﺎﻥ,ﻭﻛﻢ ﻛﻨﺖ أﺣﺐ اﻥ أﺷﺎﻫﺪ ﻣﻔﻠﺠﺔ ﺗﺘﺤﺪث!.
ﻗﺎﻟﺖ ﺑﻜﻞ دﻑء ﻭﺑﺪﻭﻥ ﻛﻠﻔﺔ ﺑﺈﺳﺒﺎﻧﻴﺔ رﻧﺎﻧﺔ " :ﺳﻴﺪﻱ
ﻛﻴﻒ ﺣﺎﻟﻚ ?".
ﻫﻨﺎ اﻧﺘﺎﺑﺘﻨﻲ ﺣﲑة ﻭﺟﻴﺰة ,أﺟﺒﺖ ﺑﺼﻮت ﻭﻫﻦ" :اﳊﻤﺪ
ﷲ ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ".
ﺧﺮج اﻟﺪﻛﺘﻮر راﻭﻭﻝ ﻭﺑﻘﻴﺖ ﻫﻲ ﻣﻌﻲ ..ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻈﺮ اﱃ
ﻛﻴﺲ اﻟﻜﻠﻴﻜﻮز اﳌﻌﻠﻖ ﻭاﳌﻐﺮﻭس ﰲ ﻣﻌﺼﻤﻲ.
ﻗﺎﻟﺖ ﱄ":اﳊﻤﺪ ﷲ ﲡﺎﻭزت ﻣﺮﺣﻠﺔ اﳋﻄﺮ ,ﻭﻣﻊ ﻣﺮﻭر
اﻷﻳﺎﻡ ﺳﺘﺸﻔﻰ ﺑﻌﻮﻥ اﷲ".
ﺣﺎﻭﻟﺖ أﻥ ﺗﻠﺘﻘﻄﻨﻲ ﻣﻦ ﻏﻴﺎﰊ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻻﺣﻈﺖ ﴍﻭدﻱ
ﻭﻋﺪﻡ ردﻱ ﻋﻠﻴﻬﺎ..
ﻗﻠﺖ" :ﻧﻌﻢ. .ﻧﻌﻢ ﺷﻜﺮا إﻥ ﺷﺎء اﷲ".
ﺛﻢ أردﻓﺖ ":إذا اﺣﺘﺠﺖ أﻱ ﳾء ﻓﻬﺬا اﻟﺰر ﻛﻔﻴﻞ ﺑﺘﻨﺒﻴﻬﻨﺎ
اﱃ ﺗﻠﺒﻴﺔ ﻃﻠﺒﺎﺗﻚ ".ﻭاﻧﴫﻓﺖ..
ﳌﺎ ﺑﻘﻴﺖ ﻭﺣﻴﺪا ﰲ ﻏﺮﻓﺔ ﺑﺎردة ﺟﺪا ,ﻣﻀﺖ ﻋﲇ أﻭﻗﺎت ﻻ
أﻋﺮﻑ ,ﻛﻢ أﻣﴘ ﻭأﺻﺒﺢ? أﻧﺎﻡ ﻭأﺳﺘﻴﻘﻆ ,أﻏﻴﺐ ﻭأﺣﴬ ,ﻭﻗﺪ
98
اﻧﺘﺎﺑﺘﻨﻲ ﳊﻈﺎت ﺷﻌﻮرﻳﺔ ﻭﻻ ﺷﻌﻮرﻳﺔ .ﻋﺎﻃﻔﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﲡﺮﻓﻨﻲ إﱃ
ﻣﻮﻃﻨﻲ ,ﻛﺎﻥ اﳊﻠﻢ ﻃﺮﻳﻘﺎ ﻣﻦ ﻃﺮﻕ اﻟﺘﻌﺒﲑ −ﻟﻌﻠﻬﺎ ﺑﻌﺾ
اﻷﺣﻴﺎﻥ −أﺻﺪﻕ ﺗﻌﺒﲑﻣﻦ أﺣﻼﻡ اﻟﻴﻘﻈﺔ ,اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﺪﻭ أﻥ ﺗﻜﻮﻥ
ﻏﲑ اﺟﱰار ﻟﺬﻛﺮﻳﺎت ﰲ ﳐﻴﻠﺔ أﻓﻜﺎرﻱ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﺰﻭاﻝ.
ﻧﻈﺮت إﱃ أﻋﲆ ,ﺟﻠﺖ ﰲ ﺳﻘﻒ اﻟﻐﺮﻓﺔ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻭإذا ﰊ
ﺳﻬﻮت .ﻭﰲ رﺣﻠﺘﻲ ﻫﺎﺗﻪ أﻃﻠﻘﺖ اﻟﻌﻨﺎﻥ ﳋﻴﺎﱄ ﺑﻼ ﻗﻴﻮد ,ﻭﺗﺮﻛﺘﻪ
ﺣﺮا ﰲ ﲣﻴﻞ ﻣﺎ ﳛﺐ .ﺗﺬﻛﺮﺗﻜﻢ ﻧﺤﻦ ﺑﻨﻲ اﻟﺒﴩ ﻧﺤﺐ اﳊﻴﺎة,
ﺧﺎﺻﺔ اﻟﺬﻳﻦ اﻗﱰﺑﻮا ﻣﻦ اﻟﺮد ﻣﺜﲇ ,ﻓﻨﻘﺒﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ
أﳖﺎ ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺑﺎﻟﻨﻮاﺋﺐ ﻭاﳌﺤﻦ ,ﻧﻄﻤﻊ ﰲ اﳌﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻏﲑ ﻣﻄﻤﻊ.
ﻭﲤﴘ ﺣﺎﺟﺎﺗﻨﺎ أﻛﺜﺮ ﳑﺎ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻓﺤﺎﻟﻨﺎ ﻛﺎﳌﻘﺎﻣﺮ :ﻳﺰداد ﻃﻤﻌﺎ ﻛﻠﲈ زاد
ﺧﺴﺎرة .ﻫﻲ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻄﲈﻋﺔ اﻷﻣﺎرة ﺑﺎﻟﺴﻮء ,اﻟﺒﻌﻴﺪة ﻋﻦ اﻟﻄﺎﻋﺔ,
ﺣﻴﺚ ﺗﻐﺪﻭ اﳋﺴﺎرة ﻣﺰدﻭﺟﺔ ﻭﻧﻨﺴﻰ أﻧﻨﺎ ﻛﺒﴩ ﻟﻨﺎ اﻟﻌﱪة أﻥ ﻣﻦ
ﻟﺪﻳﻪ اﻟﺼﺤﺔ ﺛﺮﻱ ,ﻭﻧﺤﻦ ﻋﻨﻬﺎ ﻏﺎﻓﻠﻮﻥ ﻷﻧﻨﺎ ﲨﻴﻌﺎ ﻣﺮﻫﻮﻧﻮﻥ
ﺑﺄﻭﻫﺎﻣﻨﺎ.
أدرﻛﺖ ﻳﻘﻴﻨﺎ أﻥ اﻟﻨﺎس أﻏﻨﻴﺎء ﻻ ﻳﺪرﻭﻥ,ﻣﻊ اﻟﻌﻠﻢ أﻥ
ﻣﻌﺎدﻟﺔ اﳊﻴﺎة ﺗﻘﺘﴤ اﻟﻨﻘﺼﺎﻥ ﰲ اﻟﺰﻳﺎدة .إذ ﻛﻠﲈ ﺗﻘﺪﻡ ﺑﻨﺎ اﻟﻌﻤﺮ,
ﻛﻞ اﳊﻮاس ﺗﻨﻘﺺ إﻻ اﻟﺪﻣﺎغ ﻓﻴﺰﻳﺪ ,ﻓﺴﺒﺤﺎﻥ ﺧﺎﻟﻖ اﳋﻠﻖ ﰲ
ﻛﺒﺪ..
ﰲ ﺣﺪﻭد اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻣﺴﺎء ,ﻋﺎدت اﳌﻤﺮﺿﺔ ﳏﻤﻠﺔ ﺑﺒﺎﻗﺔ ﻭرد,
ﻭﺿﻌﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﴪﻳﺮ .ﻧﻈﺮت إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻜﻞ اﻣﺘﻨﺎﻥ ﱂ ﺗﺴﻌﻔﻨﻲ
99
اﻟﻜﻠﲈت ﻓﺘﻤﺘﻤﺖ ":ﺷﻜﺮا"ﻣﻼﻙ اﻟﺮﲪﺔ ﻫﺎﺗﻪ,ﳍﺎ ﺛﻐﺮ ﻭﺿﺎء ﻻ
ﺗﻔﺎرﻗﻪ اﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﳊﻈﺔ ﻭاﺣﺪة ,ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﺤﺮ ﻣﺎ ﻳﺆﻧﺲ
اﻟﻮﺣﺸﺔ,ﻭﳜﻔﻒ أﱂ اﺣﺘﲈﻝ اﻟﻮﺣﺪة ﻭأﻋﺒﺎءﻫﺎ.
ﰲ اﻟﻠﻴـﺎﱃ اﻷﻭﱃ ﱂ أذﻕ ﻃﻌﻢ اﻟﻨﻮﻡ ﺑﻔﻌﻞ ﺗﻨﻤـﻞ اﳉﺮح ,إﻻ
ﻭﺳﻨﺎت ﺧﺎﻃﻔﺔ ﻓﻘﺪ ﺗﻮﻻﲏ أرﻕ ﻛﻠﲈ ﺣﺎﻭﻟﺖ اﻥ أﻃﺒﻖ اﳉﻔﻮﻥ ,إﻻ
ﻭﻗﻀﻴﺖ أﻭﻗﺎﺗﺎ ﺗﺎﺋﻬﺎ ﰲ ﺻﺤﺎر اﻷﱂ اﻟﻘﻠﻖ ﻭاﻷرﻕ ,ﺷﻌﻮر
ﻏﺮﻳﺐ ﳜﺎﳉﻨﻲ ﻭأﻱ إﺣﺴﺎس ذاﻙ اﻟﺬﻱ ﻳﺪﻋﻚ ﻭﺣﻴﺪا ﻻ ﻣﻠﺠﺄ
إﻟﻴﻚ إﻻ ﻧﻔﺴﻚ ﺑﺄرض ﻏﺮﻳﺒﺔ? ﰲ ﻫﺬﻩ اﻷﺛﻨﺎء ,ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻱ
ﺣﺴﺎﺳﻴﺔ ﻣﻔﺮﻃﺔ ,أﺟﺪﲏ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎﻥ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺒﻠﻞ ﰲ ﻣﺴﺎﺣﺔ
ﺑﲔ ﻋﻴﻨﻲ ﻭأذﻧﻰ ,ﻭﻻ أﺷﻌﺮ إﻻ ﻭأﻧﺎ أﻣﺴﺤﻪ دﻭﻥ ﺳﺎﺑﻖ إﻧﺬار.
أﻥ ﻳﻜﻮﻥ اﳌﺮء ﻣﺮﻳﻀﺎ ﰲ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ ﻋﺪد ﺳﻜﺎﳖﺎ ﺣﻮاﱄ أرﺑﻊ
ﻣﻼﻳﲔ ﻧﺴﻤﺔ ﻳﻌﻨﻲ أﻥ ﻳﻌﻴﺶ اﻟﺘﻴﻪ اﳌﻄﻠﻖ ,ﻭﻻ ﺗﻨﺘﻈﺮ زﻳﺎرة أﺣﺪ .ﱂ
ﻳﻜﻦ ﱄ ﻫﻨﺎ ﺳﻮء أﻧﻄﻮﻧﻴﺎ ﻭﻗﺪ ﻗﻄﻌﺖ ﺷﻌﺮة ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻣﻌﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﻣﺪة.
ﰲ رﺣﻠﺔ اﳌﺮض ﻓﻌﻠﺖ ﻛﻠﲈ ﺑﻮﺳﻌﻲ ﻟﻠﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﻜﲑ ﰲ
ذﻟﻚ ,ﻛﻨﺖ ﰲ اﳌﺴﺘﺸﻔﻰ أﺻﻐﻲ إﱃ اﳌﻄﺮ ,ﻭﻫﻮ ﻳﺴﻘﻂ ﲠﺪﻭء..
ﻭﻫﻮ ﻳﺮﻓﻊ إﻳﻘﺎﻋﻪ ,أﺳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻪ ﻳﻄﺮﺑﻨﻲ ﺣﻘﺎ ,أﻧﺎ اﻟﺬﻱ ﺧﺎض أﺳﻔﺎرا
ﺑﻌﻴﺪة ,ﻣﺘﻘﻠﺐ ﺑﲔ اﻟﺘﻌﺐ ﻭاﻟﻮﻫﻦ.
ﻛﺎﻥ ﻗﻠﺒﻲ ﳜﻔﻖ ﲠﺪﻭء ﻭأﻧﺎ أﻧﻈﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة ﻟﺰﺧﺎت اﳌﻄﺮ,
ﻫﻴﺞ ذﻛﺮﻳﺎﰐ اﳊﻨﲔ ﻓﺮح ﻭﺣﺰﻥ اﺟﺘﻤﻌﺎ ﻣﻌﺎ .ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻮﻳﻌﺎت
اﻟﺘﻲ أﻣﻀﻴﻬﺎ ﻭﺣﻴﺪا ﺗﻌﻴﺪ إﱃ اﻟﺬﻫﻦ ﲨﻴﻊ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت اﻟﺪﻓﻴﻨﺔ ﰲ
100
اﻷﻋﲈﻕ ,ﻓﺮاﻕ اﻷﺣﺒﺔ ..اﺑﺘﺴﺎﻣﺎت أﻧﺎس ﻗﺪ اﻧﻄﻔﺄت ﻭﻏﻴﺒﺘﻬﺎ
اﳌﻨﻴﺔ .ﻭآﻣﺎﻝ ﻗﺪ ﻃﻮﻳﺖ إﱃ اﻷﺑﺪ ,ﻓﻘﺪت أﺟﻨﺤﺘﻬﺎ ﻭاﻧﻜﴪت ,ﱂ
ﻳﺒﻖ ﻣﻨﻬﺎ إﻻ اﻟﻨﺰر اﻟﻴﺴﲑ ,أﺟﺰاء ﻣﺘﻼﺷﻴﺔ ﻋﲆ أﺟﻨﺤﺔ اﻟﺮﻭح
اﳍﺎﺋﻤﺔ.
ﻭﺗﺒﻘﻰ اﻷﺷﻴﺎء ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗﺘﺪاﻋﻰ..ﻛﻨﺖ ﰲ ﻫﺬﻩ اﳌﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ
ﻋﻤﺮﻱ أﺗﻮﻓﺮﻋﲆ زاد ﻣﻦ اﻟﺼﱪﻭاﳉﻠﺪ ,ﻭﻟﺪﻱ ﻗﺪرة ﻋﺠﻴﺒﺔ ﻋﲆ أﻥ
أﻣﺴﻚ ﺑﺰﻣﺎﻡ ﻗﻠﺒﻲ أﻣﺎﻡ اﻟﻨﻮاﺋﺐ ﻭاﳌﺤﻦ ,ﻭأﻋﺘﴫﻩ ﻟﺌﻼ ﻳﺴﻤﻊ
ﻧﺒﻀﻪ ﻭﻳﺪرﻛﻪ أﺣﺪ ﻏﺮﻳﺐ ﻋﻦ ﻋﻮاﳌﻲ ,ﺑﻞ ﻛﻨﺖ أﻋﺘﱪ اﻟﺪﻣﻮع ﻣﻦ
ﻋﻼﻣﺔ اﻟﻀﻌﻒ اﻟﺘﻲ ﲣﻞ ﺑﻤﺮﻭءة اﻟﺮﺟﻞ.
ﻛﺎﻧﺖ اﳌﻤﺮﺿﺔ ﺗﺰﻭرﲏ ﰲ اﻟﺼﺒﺎح ﻣﺮة ﻭﻣﺮﺗﲔ ﻋﻨﺪ ﺣﻠﻮﻝ
اﳌﺴﺎء ,ﺑﺪأت آﻟﻒ ﺣﻀﻮرﻫﺎ .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺤﺪث ﻣﻌﻲ ﺑﺈﺳﺒﺎﻧﻴﺔ
ﻃﻠﻴﻘﺔ ,ﺗﺴﺄﻟﻨﻲ ﻋﻦ أﺣﻮاﱄ.
ذات ﻣﺴﺎء ,ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺣﴬت ﻛﻲ ﺗﻌﻄﻴﻨﻲ ﺣﻘﻨﺔ ﻗﻠﺖ:
"اﺳﺘﺴﻤﺤﻚ ﻋﺬرا ﰲ اﻟﺴﺆاﻝ" أﺟﺎﺑﺖ ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻣﻦ اﻷﻭﺟﺎع
ﺗﺪاﻭﻱ..
"ﻧﻌﻢ ,ﺗﻔﻀﻞ"..ﻗﻠﺖ ﺑﺘﻌﺜﺮ ":ﻫﻞ أﻧﺖ ﻋﺮﺑﻴﺔ? أﻭ ﻣﻦ
ﺷﲈﻝ إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ?".
ﻭﻷﻭﻝ ﻣﺮة ﲣﺮج ﺣﺮﻭﻑ ﻟﻐﺔ اﻟﻀﺎد ﺗﺒﻌﺎ .ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ,ﻛﻢ
ﻓﺮﺣﺖ ﺑﺈﺟﺎﺑﺘﻬﺎ ﻭأردﻓﺖ":اﺳﻤﻲ ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﳑﺮﺿﺔ ﰲ
101
ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ﺣﻜﻮﻣﻲ ,أﻋﺎﻣﻞ اﳌﺮﴇ ﻋﲆ ﻗﺪﻡ اﳌﺴﺎﻭاة ﻻ ﻓﺮﻕ ﻋﻨﺪﻱ
ﻣﻄﻠﻘﺎ."..
أﺿﻔﺖ":ﻃﺒﻌﺎ ﻫﺬا ﺣﻖ إﻧﺴﺎﲏ".
ﻭدﺧﻠﻨﺎ ﰲ ﺣﺪﻳﺚ ﻣﻄﻮﻝ أﺧﱪﺗﻨﻲ أﳖﺎ ﺻﺤﺮاﻭﻳﺔ ﻣﻦ
اﳌﺨﻴﲈت ﻗﺮب ﺗﻨﺪﻭﻑ ﺑﺎﳉﺰاﺋﺮ ,ﻣﻘﻴﻤﺔ ﰲ اﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات
ﻋﺪة.
ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻴﺄﳖﺎ ﻋﺮﻓﺖ أﻧﻨﻲ ﺻﺤﺮاﻭﻱ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ اﻟﻄﺒﻴﺐ
راﻭﻭاﻝ ﻭأﲏ ﻗﺎدﻡ ﻣﻦ اﻟﻌﻴﻮﻥ..
ﺑﻌﺪ ﺑﺮﻫﺔ أردﻓﺖ ":اﺳﺘﺴﻤﺢ ﻣﻨﻚ ﻟﺪﻱ ﻣﺮﴇ آﺧﺮﻳﻦ
ﳚﺐ أﻥ أﺗﻔﻘﺪﻫﻢ ,ﻓﺎﻟﻠﻴﻠﺔ ﻋﻨﺪﻱ اﻟﺪﻭاﻡ ,ﻭﻛﲈ ﺗﻌﺮﻑ اﻟﻮاﺟﺐ
ﻓﻮﻕ ﻛﻞ اﻋﺘﺒﺎر".
ﻗﻠﺖ ":ﻃﺒﻌﺎ..ﻃﺒﻌﺎ" .ﻭﻛﻨﺖ أﺳﱰﻕ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﻭﻫﻲ
ﺗﻐﺎدر اﻟﻐﺮﻓﺔ ,ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﺻﻠﺖ اﻟﺒﺎﺑﺎﻟﺘﻔﺘﺘﻮﻗﺎﻟﺖ ":ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﺑﻘﻴﺔ".
أﺟﺒﺖ ﺑﺈﻳﲈءة ﻣﻦ رأﳼ ,ﻭﻓﺮح اﻷﻃﻔﺎﻝ ﻳﻌﱰﻳﻨﻲ..ﻣﻊ
ﻣﺮﻭراﻷﻳﺎﻡ ﻭاﻟﻠﻴﺎﱄ ,اﻋﺘﺪت ﻋﲆ ﺣﻀﻮرﻫﺎ.
ﳍﺬﻩ اﳌﻤﺮﺿﺔ ﻗﺪرة ﻋﺠﻴﺒﺔ ﻋﲆ ﺧﻠﻖ اﻷﻟﻔﺔ ﻭاﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ,
أﺣﺴﺴﺖ −ﻣﻨﺬ اﻟﻮﻫﻠﺔ اﻷﻭﱃ −أﻧﻨﻲ أﺗﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻣﺮأة ﻣﻦ ﻃﻴﻨﺔ
أﺧﺮ .ﺳﺤﺮﺗﻨﻲ ﺑﺤﻀﻮرﻫﺎ اﻟﺮاﻗﻲ ﻭاﻟﺒﺴﻴﻂ اﳋﺎﱄ ﻣﻦ أﻱ
ﺗﺼﻨﻊ ,ﻛﻨﺎ أﺛﻨﺎء دﻭاﻣﻬﺎ اﻟﻠﻴﲇ ﺣﲔ ﻧﺘﺤﺪث ﺗﻀﻊ اﻟﻜﺮﳼ ﻗﺮب
102
اﻟﴪﻳﺮ ,ﻭﺗﻄﻮﻑ ﺑﻨﺎ ﺳﻔﻦ اﻟﻜﻼﻡ ﺑﻌﻴﺪا .ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﲥﻢ
ﺑﺎﻻﻧﴫاﻑ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﻼﺣﻆ أﻥ ﻋﻴﻨﻲ ﻳﻐﺎﻟﺒﻬﺎ اﻟﻨﻌﺎس أﻭ أﺗﻔﻮﻩ ﺗﻘﻮﻝ:
"ﺗﺼﺒﺢ ﻋﲆ ﻋﺎﻓﻴﺔ" .ﻭﺗﺮدﻑ ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻬﺎ اﳌﻼﺋﻜﻴﺔ" :ﻋﲆ أﻱ
ﺣﺎﻝ ,ﺣﻮارﻧﺎ ﺳﻴﻄﻮﻝ ﻟﻠﻴﺎﻝ .ﻭرﺑﲈ ﻳﻄﻮﻝ ﻣﺪة ﺑﻘﺎﺋﻚ ﰲ
اﻟﻔﺮاش ".ﻭﻫﻲ ﺗﻀﻐﻂ ﻋﲆ زر اﻹﻧﺎرة ﻗﺮب رأﳼ ,ﻛﻨﺖ أﺣﺐ
ﻓﻴﻬﺎ ﻫﺬا اﻻﻫﺘﲈﻡ.
أﻟﻔﺖ ﺻﺤﺒﺘﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻏﺮﻳﺐ ,ﻟﺪرﺟﺔ أﲏ ﻛﻨﺖ أﻋﺪ
اﻟﺴﺎﻋﺎت إﱃ أﻥ ﺗﺴﺘﺄﻧﻒ اﻟﻌﻤﻞ .ﻛﺎﻥ ﻳﻮﻡ ﻋﻄﻠﺘﻬﺎ ﻳﻤﺮ ﻃﻮﻳﻼ.
ﻓﺎﻟﻮﺣﺪة ﲡﻌﻠﻨﻲ داﺋﲈ أﻧﺰﻑ ,ﻭأﲤﻨﻰ أﻥ ﳜﺘﺰﻝ اﻟﺰﻣﻦ ﻭﺗﻄﻮ
اﻟﺴﺎﻋﺎت ﻟﺘﻠﺪ ﺛﻮاﻥ ,ﻭأراﻫﺎ ﺑﺤﻠﺘﻬﺎ اﻟﺒﻴﻀﺎءﻋﻨﺪ ﻃﺮﻑ ﺑﺎب
اﻟﻐﺮﻓﺔ ﻟﻴﻌﻢ اﻟﺴﻼﻡ اﳌﻜﺎﻥ ﺑﻜﻼﻣﻬﺎ اﻟﻌﺬب اﳍﺎدئ .اﳊﺪﻳﺚ ﻣﻌﻬﺎ
ﻛﺎﻥ أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻹﺻﻐﺎء إﱃ أﻏﺎﲏ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺗﺴﺘﺤﴬﻫﺎ ﻣﻦ زﻭاﻳﺎ ذاﻛﺮﲥﺎ
ﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﻃﻴﻒ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﳌﻨﺴﻴﺔ.
ﻗﺎﻟﺖ ذات ﻣﺴﺎء":ﺣﺪﺛﻨﻲ ﻋﻨﻚ ﺧﻠﻴﻞ ,أرﻳﺪ أﻥ أﻋﺮﻑ
ﺣﻜﺎﻳﺘﻚ ﻭﻣﺎ اﻟﺬﻱ رﻣﻰ ﺑﻚ إﱃ ﻫﻨﺎ? ﻭأرﺟﻮ أﻥ ﺗﺘﺤﺪث ﲠﺪﻭء
ﻓﺒﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎﻥ ﻻ أﻓﻬﻢ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻝ .ﺿﺤﻜﺖ ﰲ ﴎﻱ,
ﻭﻗﻠﺖ":ﳚﺐ أﻥ ﺗﻌﺮﰲ أﲏ ﻣﻦ ﻃﻴﻨﺔ اﻟﺒﴩ اﻟﺒﴫﻳﲔ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻭﻥ
اﻟﻌﺎﱂ ﰲ ﳐﻴﻠﺘﻬﻢ ﻋﲆ ﺷﻜﻞ ﺻﻮر ,ﻓﻌﻼ اﻛﺘﺸﻔﺖ أﲏ أﲢﺪث
ﺑﴪﻋﺔ ﻭﻻ أﻋﲑ اﻫﺘﲈﻣﺎ ﻟﻜﻴﻔﻴﺔ ﻧﻄﻖ اﻟﻜﻠﲈت ,ﻭﻛﺜﲑا ﻣﺎ أﺳﺘﻌﻤﻞ
اﺳﺘﻌﺎرات ﺑﴫﻳﺔ ,ﻭﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﻀﻴﻊ ﻋﲇ أﻓﻜﺎرا ﻛﻨﺖ أﺣﺎﻭﻝ
إﻳﻀﺎﺣﻬﺎ ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ ﻟﻜﻨﻬﺎ ذﻫﺒﺖ أدراج اﻟﺮﻳﺎح ﻭﴎﻋﺔ اﻟﻜﻼﻡ
103
ﻭاﻟﺘﻠﻌﺜﻢ" .ﻗﻠﺖ":ﻭﳌﺎذا ﻻ ﲢﺪﺛﻴﻨﻲ ﻋﻨﻚ ﻓﺄﻧﺖ ﻋﻜﴘ ﲤﺎﻣﺎ
ﲢﺴﻨﲔ ﻓﻦ اﻹﺻﻐﺎء ﻭاﻧﺘﻘﺎء اﻟﻜﻠﲈت ,ﻭﻣﺎ ﺷﺎء اﷲ ﺣﺪﻳﺜﻚ ﺑﻄﻲء
ﻭﺑﻤﺨﺎرج ﺣﺮﻭﻑ ﳚﻌﻞ ﺻﻮﺗﻚ رﻧﺎﻧﺎ رﺧﻴﲈ ﻭﻛﺄﻧﻪ ﳊﻦ ﺷﺠﻲ.
ﺣﻘﻴﻘﺔ أﺣﺐ اﻻﺳﺘﲈع إﻟﻴﻪ دﻭﻣﺎ .ﻭﺳﺄﺣﺎﻭﻝ اﻟﺘﻐﻴﲑﻭﳏﺎﻛﺎﺗﻚ
ﻟﻜﻨﻨﻲ ﺳﺄﻓﺸﻞ ﲤﺎﻣﺎ ﺑﻔﻌﻞ اﻟﻌﺎدة.
ﻏﲑ أﲏ ﻛﻨﺖ أﻋﺰﻱ ﻧﻔﴘ أﻣﺎﻣﻬﺎ ﺑﺄﻧﻨﺎ ﰲ ﻋﴫ اﻟﴪﻋﺔ
ﻭاﻟﺼﻮرة ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻨﻲ أﺳﺎﻳﺮ اﳌﻮﺿﺔ ﺿﺤﻜﺖ ,ﻭﻗﺎﻟﺖ أﺧﲑا:
"اﻟﴪﻋﺔ ﻛﺜﲑا ﻣﺎ ﻗﺘﻠﺖ أﻧﺎﺳﺎ ﻋﲆ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻗﺮؤﻭﻫﺎ ﻋﲆ ﻟﻮﺣﺎت
اﻟﺘﺸﻮﻳﺮ ,ﻟﻜﻨﻬﻢ ﱂ ﻳﻌﲑﻭﻫﺎ اﻫﺘﲈﻣﺎ ,ﻭﻛﺄﳖﺎ ﺟﺰء ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ
ﻭاﻹﺳﻔﻠﺖ".
أﺿﺎﻓﺖ ﻭاﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺗﻌﻠﻮ ﳏﻴﺎﻫﺎ" :ﻫﻴﺎ دﻋﻚ ﻣﻦ ذﻟﻚ,
ﻓﺘﻠﻚ ﻗﺼﺔ أﺧﺮ ﲡﻴﺐ اﻟﺴﺆاﻝ ﺑﺴﺆاﻝ ,أﻧﺎ ﻃﻠﺒﺖ ﻣﻨﻚ أﻥ
ﲢﺪﺛﻨﻲ ﻋﻨﻚ ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ أﻋﺮﻑ ﺣﻜﺎﻳﺘﻚ رﺑﲈ ﺳﺘﻌﺮﻑ ﺣﻜﺎﻳﺘﻲ,
"ﻗﻠﺖ ﻭأﻧﺎ أﻋﺘﺪﻝ ﰲ رﻗﺪﰐ" :ﻭﳌﺎذا رﺑﲈ? ﱂ ﻻ ﺗﻘﻮﻟﲔ ﺣﺘﲈ أﻭ
ﻗﻄﻌﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﺪﻝ ﻭإﻧﺼﺎﻑ ,ﻓﺎﻟﻜﻼﻡ أﺧﺬ ﻭﻋﻄﺎء".
ﻭأﺿﻔﺖ":ﻋﲆ أﻱ ﺣﺎﻝ ,ﺳﻮﻑ أﻟﺒﻲ ﻃﻠﺒﻚ" ,ﻭﺑﺪأت ﰲ
اﳊﺪﻳﺚ ,ﻭﻛﻨﺖ ﻣﺪرﻛﺎ أﳖﺎ ﺗﻨﺼﺖ ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﺑﺤﻮاﺳﻬﺎ اﳋﻤﺲ
ﺑﻞ ﺑﺠﻮارﺣﻬﺎ .ﻭأﺛﻨﺎء ﻛﻼﻣﻲ أﻗﻒ ﻋﻨﺪ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ﻻ أدرﻱ ﳌﺎذا.
داﻡ ﻫﺬا اﳊﻜﻲ ﻟﻠﻴﺎﻝ –ﻟﻴﺎﱄ دﻭاﻣﻬﺎ ﻃﺒﻌﺎ −ﺑﻞ ﻛﻨﺖ أر ﰲ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ
ﻋﻄﺸﻬﺎ ﻟﻠﻤﺰﻳﺪ .ﻭﻛﺎﻧﺖ ﲢﴬ ﰲ ﻧﻔﺲ اﻟﺘﻮﻗﻴﺖ ,ﻭﺗﺒﻘﻰ ﻣﻌﻲ اﱃ
104
ﻭﻗﺖ ﻣﺘﺄﺧﺮ ,ﻭأﻧﺎ أﻗﻮﻝ ﰲ ﻧﻔﴘ" :ﻟﻮﻛﺎﻥ ﻫﺬا اﳊﻜﻲ ﻳﺒﻘﻴﻚ
ﺑﺠﺎﻧﺒﻲ ﻟﻘﻀﻴﺖ ﺑﻘﻴﺔ ﻋﻤﺮﻱ ﻛﻠﻪ أﺣﻜﻲ".
اﻟﺘﺸﻮﻳﻖ ﻳﺰﻳﺪ ﻛﻠﲈ أرﺧﻰ اﻟﻠﻴﻞ ﺳﺪﻭﻟﻪ .ﻛﺎﻥ ﳊﺪﻳﺚ
اﳌﺴﺎء ﻧﻜﻬﺔ ﺧﺎﺻﺔ ,ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﲏ ﻻأﻣﻠﻚ ﺣﺒﻜﺔ ﺷﻬﺮزاد ﻭﻻ
ﺧﻴﺎﻝ"أﻟﻒ ﻟﻴﻠﺔ ﻭﻟﻴﻠﺔ" ,ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﻫﻒ اﻟﺴﻤﻊ,
ﻭﻟﻠﺤﻈﺎت أﻧﻈﺮ اﱃ ﺳﺤﺐ دﻣﻮع ﻣﻼﻙ ﰲ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ .ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻗﻮﻝ إﻥ
اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺻﻐﲑة اﱃ درﺟﺔ أﳖﺎ ﺿﺎﻗﺖ ﺑﺄﻣﺜﺎﱄ.
ﹴ
ﻣﺂس ﻛﻠﻔﺘﻨﻲ أﻳﺎﻣﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﰐ ,اﻏﺮﻭرﻗﺖ ﺣﻜﻴﺖ ﳍﺎ ﻋﻦ
ﻋﻴﻨﺎﻫﺎ ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع ,ﲨﻴﻠﺔ ﻫﻲ ﺣﺘﻰ ﺑﺪﻣﻮﻋﻬﺎ .أﺗﻮﻗﻒ ﻟﻠﺤﻈﺎت,
ﻭأﺳﺄﻝ ﻧﻔﴘ ﻋﻦ ﺟﺪﻭ ﻣﺎ أﻗﻮﻝ ,ﻏﲑ أﻥ ﻫﺬا اﻟﺒﻮح ﻣﻨﺤﻨﻲ
ﺷﻌﻮرا ﱂ أﺗﻮﻗﻌﻪ ,ﺷﻌﻮر ﻏﺎﻣﺮ ﺑﺎﻟﺴﻼﻡ أﻭ ﻟﻨﻘﻞ ﺳﻼﻡ ﻋﺎرﻡ,
أﻓﺸﻴﺖ ﻓﻴﻪ ﻛﻞ اﻷﴎار ,ﻭأدرﻛﺖ أﻥ ﻟﻠﻐﺮﺑﺔ ﻣﻔﻌﻮﳍﺎ اﻟﺴﺤﺮﻱ.
ﺑﻌﺪﻣﺎ أﳖﻴﺖ ﺣﻜﺎﻳﺘﻲ ﻗﻠﺖ ﳍﺎ ﻫﺬا ﻛﻞ ﻣﺎﰲ اﻷﻣﺮ.
"أرﻳﺪ ﺳﲈع ﺣﻜﺎﻳﺘﻚ" أردﻓﺖ.
"ﻻﺗﻜﻦ ﻋﺠﻮﻻ" ﳘﺴﺖ..أﻃﻔﺄت اﻟﻨﻮر,ﻭأﻏﻠﻘﺖ ﺑﺎب
اﻟﻐﺮﻓﺔ ﻭراءﻫﺎ ,ﺛﻢ ﻏﺎدرت.ﻛﺎﻥ اﻟﻮﻗﺖ ﻗﺪ ﺗﺄﺧﺮ ,ﻣﺮ ﴎﻳﻌﺎ ﱂ
ﻧﺸﻌﺮ ﺑﻪ اﻟﺒﺘﺔ.
أﻃﻠﻘﺖ زﻓﲑا ﻛﺜﲑاﻭﻛﺄﲏ أزﻳﺢ ﻋﺒﺌﺎ ﺛﻘﻴﻼ ﻋﻦ ﻛﺎﻫﲇ.
ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻧﻤﺖ ﻧﻮﻣﺎ رﺣﻴﲈ .أﻳﻘﻈﻨﻲ ﺻﺨﺐ اﻟﻌﺼﺎﻓﲑ ﻭاﻟﻜﺎﺋﻨﺎت
ﺗﺘﻨﻔﺲ أﻭﻝ اﻟﺼﺒﺎح ,ﻏﲑ أﲏ ﺑﻘﻴﺖ ﳑﺪدا ﰲ ﴎﻳﺮﻱ,ﱂ أﺗﺰﺣﺰح
105
ﻗﻴﺪ أﻧﻤﻠﺔ .ﺗﺬﻛﺮت ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺒﺎرﺣﺔ.ﻭﻏﻤﺮﲏ إﺣﺴﺎس راﺋﻖ .ﻭﻛﻨﺖ
ﻛﺎﻟﺬﻱ ﻋﺎد ﻣﻦ ﺳﻔﺮ ﻃﻮﻳﻞ ﻟﻠﺬاﻛﺮة ﻭﻳﻮﺷﻚ ﻋﲆ اﳋﺮﻭج ﻟﺴﻔﺮ
أﻃﻮﻝ.
ﻣﺮ اﻟﻴﻮﻡ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ,رﻭﺗﲔ اﳌﺴﺘﺸﻔﻰ اﻟﻌﺎدﻱ ﺑﺤﻠﻮﻝ اﳌﺴﺎء,
ﻋﻨﺪﻣﺎ أرﺧﻰ اﻟﻈﻼﻡ ﺧﻴﻮﻃﻪ أﲢﺮ ﺷﻮﻗﺎ ﻟﺮؤﻳﺘﻬﺎ ,أدﻣﻨﺖ
ﺣﻀﻮرﻫﺎ اﳌﺴﺎﺋﻲ اﻟﺮاﺋﻊ ,ﻭﻛﻨﺖ أﺗﺼﻮر أﲏ اﳌﺮﻳﺾ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬﻱ
ﲡﺐ رﻋﺎﻳﺘﻪ .أﺿﻒ اﱃ ذﻟﻚ أﲏ أﻧﺘﻈﺮ ﺳﲈع ﺣﻜﺎﻳﺘﻬﺎ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ
ﺻﻤﺘﻬﺎ ﻳﻐﺮﻳﻨﻲ ,ذاﻙ اﻟﺼﻤﺖ اﻟﺬﻱ أﺣﺲ أﻧﻪ ﻣﺼﻨﻮع ﻣﻦ آﻫﺎت
ﻭﴏﺧﺎت ﻣﻜﺘﻮﻣﺔ ,ﻭﻧﻈﺮاﲥﺎ اﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﻛﻠﲈ ﻧﻮﻣﺖ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻻ
إرادﻱ ﺗﻌﻄﻲ ﻟﻮﺟﻬﻬﺎ ﻭرﻋﺎ ﻫﺎدﺋﺎ.
ﻣﺮاﻟﻮﻗﺖ ﻭﱂ ﻳﻈﻬﺮ ﳍﺎ أﺛﺮ .ﻣﻦ ﺣﲔ ﻵﺧﺮ أﺗﻄﻠﻊ إﱃ اﻟﺒﺎب,
ﳜﻴﻞ إﱄ أﲏ أﺳﻤﻊ ﻃﺮﻗﺎ ﺧﻔﻴﻔﺎ ﻟﻜﻦ ﻻﳾء ..أرﻫﻒ اﻟﺴﻤﻊ,
ﻭأﻏﻤﺾ ﻋﻴﻨﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺘﻬﻲ أﻥ ﺗﺮاﻫﺎ ,أرﻛﺰ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻭﻛﺄﲏ
أﺗﻮﻗﻊ ﺻﻮت ﻭﻗﻊ أﻗﺪاﻣﻬﺎ ﻗﺎدﻣﺔ ﺑﲔ اﻟﻔﻴﻨﺔ ﻭاﻷﺧﺮ ,ﻭﻗﻊ أﻣﻴﺰﻩ
ﻋﻦ ﺑﻌﺪ ﻭأﻇﻨﻬﺎ ﻫﻲ ﻛﻠﲈ ﻣﺮ ﻃﻴﻒ ﳑﺮﺿﺔ ﻣﻦ أﻣﺎﻡ اﻟﻐﺮﻓﺔ ,ﺣﺎﻟﺔ
اﺳﺘﻨﻔﺎر ﻗﺼﻮ ﺗﻌﻴﺸﻬﺎ رﻭﺣﻲ ﻭﻳﻄﻮﻝ اﻻﻧﺘﻈﺎر.
اﻟﺬﻳﻦ ﻻﻳﺄﺗﻮﻥ ﰲ ﻣﻮﻋﺪﻫﻢ اﳌﻌﺘﺎد ﻻﻳﻘﱰﻓﻮﻥ ﺧﻄﻴﺌﺔ اﻟﻐﻴﺎب
ﻓﺤﺴﺐ ,ﺑﻞ ﳚﻌﻠﻮﻧﻨﺎ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﻗﺼﻮ ﻣﻦ اﻻﻧﺘﻈﺎرﻳﺔ ﺗﻌﱰﳞﺎ
اﻟﺪﻫﺸﺔ .ﻓﺎﻟﻐﻴﺎب ﺷﻜﻞ ﻣﻦ أﺷﻜﺎﻝ اﳊﻀﻮر ,ﻳﻐﻴﺐ ﻣﻦ ﻧﺘﻮﻗﻊ
ﺣﻀﻮرﻩ ,ﻓﲈ أدراﻙ ﻣﺎ ﻏﻴﺎﺑﻪ ,ﻓﻬﻮ اﳊﺎﴐ ﰲ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ﻭأذﻫﺎﻧﻨﺎ ,أﻛﺜﺮ
106
ﳑﺎ ﻳﻔﻌﻞ ﻭاﻗﻌﻴﺎ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ .ﻣﺮت ﺳﺎﻋﺎت ﻋﲆ ﻏﻴﺎﲠﺎ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﺰاﻝ
ﺣﺎﴐة.
أﻣﻀﻴﺖ ﻟﻴﻠﺘﻲ ﻭﺣﻴﺪا ﻭﱂ ﺗﺄت ﺳﻜﻴﻨﺔ ,ﻭﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ
ذﻟﻚ ﺷﻌﺮت أﻥ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﺎ ﺑﺪاﺧﲇ ﲢﺴﻦ ,ﻭﻣﻸت ﻓﺮاﻏﺎﺗﻪ ﺛﻘﺔ ﺑﺄﻥ
أﺣﺪا ﻣﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﻠﺪ ﳞﺘﻢ ﻷﻣﺮﻱ ,ﻣﻨﺤﻨﻲ ﻫﺬا ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻼﻡ
ﻭاﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ.
ﻛﻨﺖ أﻧﺎ ﻭاﻟﻠﻴﻞ ﻧﺪﻳﲈﻥ أﻭ ﻭﻧﻴﺴﺎﻥ ﻛﻼ ﻭاﺣﺪا ,أﺣﺴﺴﺖ
ﺑﺮﻭﺣﻲ ﺣﺮة ﻃﻠﻴﻘﺔ ﻭﺣﻴﺪة ﻻﻳﻌﻜﺮ ﺻﻔﻮﻫﺎ إﻧﺲ ﻭﻻ ﺟﺎﻥ,
ﻭأﻃﻠﻘﺖ اﻟﻌﻨﺎﻥ ﳋﻴﺎﱄ دﻭﻥ ﻗﻴﻮد ,ﻓﺎﳌﺮﻳﺾ إذا ﱂ ﳛﻠﻢ ﺑﺎﻟﺸﻔﺎء ﻻ
ﳞﻨﺄ ﻟﻪ ﺑﺎﻝ.
ﺗﻮﻗﻌﺖ ﺣﻀﻮرﻫﺎ ﰲ اﻟﻴﻮﻡ اﳌﻮاﱄ ,ﻟﻜﻨﻬﺎ ﱂ ﺗﻔﻌﻞ .ﻣﴣ
اﻟﻮﻗﺖ رﺗﻴﺒﺎ ﺣﺘﻰ ﻣﻠﻠﺖ اﻻﻧﺘﻈﺎر ,ﻭﺑﺪأ اﻟﻘﻠﻖ ﻳﺴﺎﻭرﲏ أﻥ
ﻣﻜﺮﻭﻫﺎ ﺣﺼﻞ ﳍﺎ ﻭأﺗﺴﺎءﻝ ﻣﺎذا ﺗﻔﻌﻞ اﻵﻥ ﻫﻞ ﻫﻲ ﰲ ﺑﻴﺘﻬﺎ? أﻡ
ﰲ اﻟﺸﺎرع? أﻡ ﰲ ﻣﻜﺎﻥ أﺧﺮ?.
ﺳﺄﻟﺖ إﺣﺪ زﻣﻴﻠﺘﻬﺎ ,ﻓﺄﺟﺎﺑﺖ أﻥ ﻻ ﻋﻠﻢ ﳍﺎ ﺑﺄﻣﺮﻫﺎ,
ﻭأﺿﺎﻓﺖ أﻥ ﺑﺈﻣﻜﺎﲏ أﻥ أﺳﺄﻝ اﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻻت ﻋﻨﻬﺎ ﻫﺎﺗﻔﻴﺎ ,ﻟﻜﻨﻲ
ﻃﻠﺒﺖ ﻣﻨﻬﺎ أﻥ ﺗﴫﻑ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ اﻷﻣﺮ ,ﻭﺷﻜﺮﲥﺎ ﻋﲆ ﻟﻄﻔﻬﺎ.
ﻣﺎﻛﺎﻥ ﻳﺜﻠﺞ ﺻﺪرﻱ ﻫﻮ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ اﻹﻧﺴﺎﲏ اﻟﺮاﻗﻲ ,أﺣﻴﺎﻧﺎ
أﻗﻮﻝ" :أﻧﺎ ﻟﺴﺖ ﰲ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ,ﺑﻞ ﰲ ﻧﺰﻝ ﻣﻦ ﻓﺌﺔ ﲬﺲ ﻧﺠﻮﻡ".
أذﻛﺮ أﻧﻪ ﰲ إﺣﺪ زﻭاﻳﺎ اﳌﺴﺘﺸﻔﻰ ﻛﺘﺒﺖ ﻋﺒﺎرة ﺑﺴﻴﻄﺔ ,ﳏﻔﻮرة
107
ﻋﲆ ﻟﻮح ﺧﺸﺒﻲ ,ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻔﺘﺖ ﻧﻈﺮﻱ"ﻧﺤﻦ ﻫﻨﺎ ﳋﺪﻣﺘﻚ ﻋﺰﻳﺰﻱ
اﳌﻮاﻃﻦ".ﻭﻛﺎﻧﻮا ﻓﻌﻼ ﻳﻌﻨﻮﻥ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ,ﻫﻨﺎ ﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪ اﳊﻖ ﰲ
أﻥ ﻳﺪﻋﻲ أﻧﻪ ﲪﻴﻢ ﻟﻠﻤﺮﻳﺾ ﻏﲑ اﳌﻤﺮض ﻭاﻟﻄﺒﻴﺐ .ﻭﻛﻨﺖ أﺣﱰﻡ
ﻓﻴﻬﻢ ﻫﺬا اﻻﻫﺘﲈﻡ اﻹﻧﺴﺎﲏ ﻭاﻟﺮﻋﺎﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﲤﻨﺢ ﻭﻻ ﺗﻄﻠﺐ .ﻛﺜﲑا
ﻣﺎ اﺳﺘﻮﻗﻔﺘﻨﻲ ﻫﺬﻩ اﳌﻌﺎﻣﻠﺔ ﻭﻟﻠﻤﻔﺎرﻗﺔ ,ﺧﻄﺮت اﱃ ذاﻛﺮﰐ ﺣﺎدﺛﺔ
ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﻭﻗﻌﺖ ﰲ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻮﻥ .ﻓﻘﺪ ﺗﻌﺮض أﺣﺪ
اﻗﺮﺑﺎﺋﻲ ﻭﻳﺪﻋﻰ"ﳏﺠﻮب" ﳊﺎدﺛﺔ ﺳﲑ ﺧﻄﲑة ,ﻭﻗﺪ ﺗﻜﻔﻠﺖ
ﻟﻠﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﻪ زﻭﺟﺔ أﺧﻴﻪ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ "أﻭﻟﻜﺎ" اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻘﻦ اﳊﺴﺎﻧﻴﺔ
ﺟﻴﺪا ,ﻭﺑﻴﻨﲈ ﲡﻤﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺴﻮة ﻳﻌﺪﻥ اﳌﺮﻳﺾ ﰲ اﻟﻐﺮﻓﺔ ﻗﺎﻟﺖ
إﺣﺪاﻫﻦ :ﻳﺎرب ﻫﺬﻩ اﳊﺎﻟﺔ اﻗﻠﺒﻬﺎ إﱃ اﻟﻨﺼﺎر" .ﻓﲈ ﻛﺎﻥ
ﻣﻦ"أﻭﻟﻜﺎ" إﻻ أﻥ اﺳﺘﺸﺎﻃﺖ ﻏﻀﺒﺎ ﻭأﺧﺬت ﺗﴫخ ﻭﺗﺜﻔﻞ
ﻭﺗﻘﻮﻝ":ﻳﻘﻠﺒﻬﺎ إﻟﻴﻜﻢ أﻧﺘﻢ ﻟﺴﻮاد ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ ﻛﲈ ﻫﻮ ﳊﺎﻓﻜﻢ".
ﰲ رﺣﻠﺔ ﻣﺮﴈ ﻛﻨﺖ أﻗﻮﻝ داﺋﲈ ﻟﻨﻔﴘ ,رﻏﻢ اﻟﱰدد اﻟﺬﻱ
ﻛﺎﻥ ﻳﺴﻴﻄﺮ ﻋﲇ" :ﳚﺐ اﳌﴤ ﰲ اﻷﻣﻮرﺣﺘﻰ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ".
ﰲ ﻋﴫ اﻟﻴﻮﻡ اﻟﺜﺎﻟﺚ ,ﻛﻨﺖ ﻣﻨﺸﻐﻼ ﺑﺘﻘﻠﻴﺐ ﺻﻔﺤﺎت
ﳎﻠﺔ إﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ,أﻧﻈﺮ اﱃ اﻟﺼﻮر أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻗﺮاءة ﻣﺎ ﻛﺘﺐ ﲢﺘﻬﺎ ,ﻭإذا
ﰊ أﺳﻤﻊ ﻃﺮﻗﺎ ﺧﻔﻴﻔﺎ ﻋﲆ اﻟﺒﺎب .ﻟﻮﻫﻠﺔ ﱂ أﺻﺪﻕ ,ﻗﻠﺖ" :رﺑﲈ
ﻫﻲ ﻫﻠﻮﺳﺎت اﻟﻠﻴﺎﱄ اﳌﺎﺿﻴﺔ " ,ﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻃﻠﺖ ﻣﻦ ﺧﻠﻒ
اﻟﺒﺎب ﻛﺪت أﻗﻔﺰ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﲏ ﻟﻜﻨﻨﻲ ﲤﺎﻟﻜﺖ ﻧﻔﴘ ,ﻭﺑﺤﺮﻛﺔ ﻋﻔﻮﻳﺔ
ﻗﺎﻟﺖ ﻭﻫﻲ ﲢﺮﻙ رأﺳﻬﺎ " :ﻧﻌﺘﺬر ﻋﻦ اﻟﻐﻴﺎب".
108
ﻓﺄﺟﺒﺖ ":ﳚﺐ أﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﱪرا ﻭإﻻ ﺷﻜﻮﺗﻚ ﻹدارة
اﳌﺴﺘﺸﻔﻰ .اﻹﳘﺎﻝ اﳌﻘﺼﻮد" ,ﻓﺄﺑﺎﻧﺖ ﺿﺤﻜﺘﻬﺎ ﻋﻦ أﺳﻨﺎﳖﺎ
اﳌﻔﻠﺠﺔ .ﻗﻠﺖ ﰲ ﺧﺎﻃﺮﻱ "ﻳﺎ اﻟﺘﻤﺮ" 1.ﻛﻨﺖ ﻓﻌﻼ ﻓﺮﺣﺎ
ﺑﺤﻀﻮرﻫﺎ ,رﻏﻢ أﻧﻨﻲ ﱂ أﲤﻜﻦ ﻣﻦ ﲢﻠﻴﻞ دﻭاﻋﻲ ﺗﴫﰲ
ﻭﺳﻠﻮﻛﻲ.
ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﻋﻦ أﺣﻮاﱄ ,أﺧﱪﺗﻨﻲ أﳖﺎ أﺧﺬت إﺟﺎزة
ﻟﻴﻮﻣﲔ ﻟﻘﻀﺎء ﺑﻌﺾ أﻣﻮرﻫﺎ اﳋﺎﺻﺔ.
ﻓﺄردﻓﺖ ﻣﺎزﺣﺔ":ﻫﻞ ﻓﻌﻼ اﻧﺘﻈﺮﺗﻨﻲ أﻡ اﻧﺘﻈﺮت
ﺣﻜﺎﻳﺘﻲ?".
أﺟﺒﺖ ":أﺻﺪﻗﻚ اﻟﻘﻮﻝ ,اﻧﺘﻈﺮﺗﻜﲈ ﻣﻌﺎ."..
ﻛﺎﻥ اﳉﻮ ﺑﺎردا ﰲ اﻟﻐﺮﻓﺔ ﻋﲆ ﻏﲑ اﻟﻌﺎدة ,ﻟﻜﻦ اﳉﻮ ﺑﺪا
رﻭﻳﺪا رﻭﻳﺪا ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ إﱃ دﻑء.
ﻭﺿﺤﻜﺖ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﺛﻢ دﻓﻌﺖ اﳌﻘﻌﺪ إﱃ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﴪﻳﺮ.
ﻭاﻋﺘﺪﻟﺖ ﰲ ﺟﻠﺴﺘﻬﺎ ﻭﻭﺿﻌﺖ رﺟﻼ ﻋﲆ رﺟﻞ.
ﳍﺬﻩ اﻹﻧﺴﺎﻧﺔ ﻗﺪرة ﻋﺠﻴﺒﺔ ﻋﲆ ﺧﻠﻖ اﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻭﺑﻌﺚ رﻭح
ﺟﺪﻳﺪة ﻭﺣﻴﻮﻳﺔ ﰲ اﳌﻜﺎﻥ ,ﺿﺤﻜﺘﻬﺎ ﺗﺄﴎ اﻟﻘﻠﺐ .ﻭﺗﺪرﻙ ﲤﺎﻣﺎ
ﻣﺪ ﺗﺄﺛﲑﻫﺎ ﻋﲆ اﻵﺧﺮﻳﻦ.
ﻗﺎﻟﺖ":ﻣﺎذا ﺗﺮﻳﺪﲏ أﻥ أﺣﻜﻲ ﻟﻚ ?
−1ﻳﺎﻟﺘﻤﺮ :ﻛﻨﺎﻳﺔ ﻋﲆ ﲨﺎﻝ اﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻟﻼﻫﻞ اﻟﺼﺤﺮاء
109
إﻧﺲ اﻷﻣﺮ .أﺧﱪﲏ ﻋﻦ ﺣﺎﻟﻚ أﻭﻻ ,ﻭﻫﻞ ﲢﺴﻨﺖ
أﺣﻮاﻟﻚ ﰲ ﻏﻴﺎﰊ?" ﻭﻛﺄﳖﺎ ﺗﺮﻳﺪ أﻥ ﺗﴫﻑ ﻧﻈﺮﻱ ﻋﻦ اﳌﻮﺿﻮع.
ﻟﻜﻨﻲ ﱂ أﻣﻬﻠﻬﺎ ﻓﺮﺻﺔ..
ﳘﺴﺖ ﺑﺤﺬر":ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﻣﺬ ﻟﻴﻠﺘﲔ ﻓﺄﺟﺒﺘﻚ ﻋﻦ ﻛﻞ ﳾء,
ﻭﳌﺎ ﺳﺄﻟﺘﻚ اﻵﻥ ﻻ ﺗﺮﻳﺪﻳﻦ أﻥ ﲡﻴﺒﻲ ﻋﻦ أﻱ ﳾء ,ﻫﺬا ﻟﻴﺲ ﻋﺪﻻ
ﺣﴬة اﳌﻤﺮﺿﺔ!".
أﺧﺬت ﻧﻔﺴﺎ ﻋﻤﻴﻘﺎ ,ﻭﺑﻨﱪﲥﺎ اﳌﺒﺘﻬﺠﺔ اﳊﻤﻴﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻄﻴﺐ
ﱄ ﺳﲈﻋﻬﺎ ﺗﺄﰐ ﺣﺎدة ﻣﺘﻤﻴﺰة ,ﻛﺄﳖﺎ ﻭﺗﺮ ﻳﺘﺤﻮﻝ إﱃ ﳊﻦ ﺗﻈﻞ
ذﺑﺬﺑﺎﲥﺎ ﲡﻮب اﳍﻮاء ﳌﺪة ..ﻛﻠﲈﲥﺎ اﻟﻌﻔﻮﻳﺔ ﺗﺜﲑ اﻧﺘﺒﺎﻫﻲ ,ﰲ اﻟﺒﺪء
ﻭﺑﻌﺪ ﺻﻤﺖ ﻗﺎﻟﺖ" :ﻣﻦ أﻳﻦ أﺑﺪأ? ﻣﺎذا أﻗﻮﻝ? إﻳﺎﻙ أﻥ ﺗﺴﺨﺮ
ﻣﻨﻲ!
أﺟﺒﺖ ﺑﺈﻳﲈءة ﻣﻦ رأﳼ":إﻃﻼﻗﺎ."..
اﺳﻤﻊ":أﻧﺎ ﻣﻬﲈ ﺑﻠﻐﺖ ﻣﻦ ﻓﺼﺎﺣﺔ اﻟﺘﻌﺒﲑ ,ﻓﻠﻦ أﺳﺘﻄﻴﻊ أﻥ
أﻧﲑ اﳌﻈﻠﻢ ﻣﻦ درﻭب ,ﻭﻻ أﻥ أﻭﺿﺢ اﳌﺒﻬﻢ ﻣﻦ ﺗﺎرﳜﻲ اﻟﺬاﰐ.
ﻓﺎﻷﻣﺮ ﺻﻌﺐ ,ﻭﻻ أﻋﺮﻑ ﺑﺄﻳﺔ ﻟﻐﺔ أﻧﻘﻞ ﻟﻚ ﻣﺎ ﻳﺒﺪﻭ ﻣﺘﻘﻄﻌﺎ ﻣﻦ
ﺻﻮر ﻣﻨﻈﻤﺔ ,اﳌﺎﴈ ﻛﺎﻥ دﻭﻣﺎ ﺧﻠﻔﻴﺔ ﻗﺎﺳﻴﺔ ﻭراﺋﻲ ,ﻟﻜﻦ
ذﻛﺮﻳﺎﰐ ﻛﻠﲈ اﺑﺘﻌﺪت ﻋﻨﻬﺎ ﺣﺎﴏﺗﻨﻲ.
دﻭﻣﺎ أﺗﺴﺎءﻝ :ﻣﺎﻫﻮ ذﻧﺒﻲ? ﻣﺎاﳋﻄﻴﺌﺔ اﻟﺘﻲ اﻗﱰﻓﺖ? أﻡ
ﺗﺮاﻩ ﻗﺪرﻱ ,ﺳﻴﻞ ﺟﺎرﻑ ﻣﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ ﻳﺆرﻗﻨﻲ ,ﻫﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﻃﻔﻠﺔ
ﻣﺴﺘﻌﺪة أﻥ ﺗﻐﺎدر ﺣﻀﻦ أﻣﻬﺎ ﺑﻤﺤﺾ إرادﲥﺎ? ﻻ ﻭﺟﻮد ﻟﴚء
110
أﻛﺜﺮ ﻓﻈﺎﻋﺔ ﻣﻦ أﻥ ﺗﻌﻴﺶ ﻃﻔﻠﺔ ﰲ ﺑﻴﺌﺔ ﻻ ﺗﻌﺮﻓﻬﺎ ,ﻭﻻ ﲢﺒﻬﺎ ﻟﻴﺲ
ﻟﻴﻮﻡ ﻭاﺣﺪ أﻭ ﻷﺳﺒﻮع ,ﺑﻞ ﻟﺴﻨﻮات ﻭﻟﻌﻤﺮ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ,ﻓﲈ ﺑﺎﻟﻚ ﺑﻤﻦ
ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺰﻣﻦ ﺗﻠﻬﺚ ﻭراء ﴎاب ﺣﻨﺎﻥ ﻭﻋﻄﻒ أﻡ ﺑﻌﻴﺪة ﻋﻨﻬﺎ ﻃﻮاﻝ
اﻟﻮﻗﺖ ,ﻓﻘﻄﻌﺖ ﺑﺪﻭﳖﺎ أﺷﻮاﻃﺎ ﻭﻣﺴﺎﻟﻚ ﻭﻋﺮة ﳊﻴﺎة دﻭﳖﺎ.
أﺻﺒﺤﺖ ﻧﱪة ﺻﻮﲥﺎ أﻛﺜﺮ ﻟﻴﻮﻧﺔ ,ﻭﻛﺄﳖﺎ ﺗﺴﺤﺐ اﻟﻜﻠﲈت
ﻣﻦ ﻗﻌﺮ اﻟﺬاﻛﺮة.
ﻗﺎﻟﺖ " :أﺑﺪأ ﻣﻦ ﻋﻬﺪ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ.ﻻ."..
ﻗﻠﺖ " :ﻟﻴﺲ ﻟﺪﻱ ﺳﺆاﻝ ﳏﺪد أﻭﺟﻬﻪ ﻟﻚ .ﻫﺬا ﻟﻴﺲ
ﲢﻘﻴﻖ أﻭد أﻥ ﺗﺘﺤﺪﺛﻲ ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎء ﻧﻔﺴﻚ ,ﻟﻜﻨﻲ أرﻳﺪ أﻥ ﲢﻜﻲ ﻭأﻻ
ﺗﻐﻔﲇ ﺷﻴﺌﺎ ﺑﺬﻛﺮ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ,ﻻ ﺗﺴﻘﻄﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎ ﻓﻔﻴﻬﺎ ﺗﻜﻤﻦ
اﻟﺸﻴﺎﻃﲔ ﻭرﺑﲈ اﳌﻼﺋﻜﺔ".
ﻗﺎﻟﺖ ﺑﻌﺪ ﺻﻤﺖ ﻣﻨﻬﺎ" :ﻧﻌﻢ" ﻛﻨﺖ أرﻳﺪ ﺑﺎﻷﺣﺮ أﻥ
أﻗﻮﻝ" :ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﳉﻮاب ﺑﻜﻠﻤﺔ ﻭاﺣﺪة" .اﺳﺘﻐﺮﻗﺖ ﻣﺪة ﰲ
اﻟﺘﻔﻜﲑ ﻭأﺿﺎﻓﺖ" :أﺣﻴﺎﻧﺎ ﻳﺒﺤﺚ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻦ ﳾء دﻭﻧﲈ ﻗﺼﺪ.
ﻭﺣﲔ ﻻﳚﺪﻩ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻀﻴﺎع ,ﻭﻟﻌﻞ اﳊﻖ ﻣﻌﻚ ,رﺑﲈ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ
اﻷﻓﻀﻞ ﱄ أﻥ أﺣﻜﻲ ﻭﻟﻮ ﳌﺮة ﻭاﺣﺪة ﰲ ﺣﻴﺎﰐ ﻣﺎﻋﺸﺘﻪ ﻭﻛﺎﺑﺪﺗﻪ,
ﻭأرﻭﻱ ﻟﻚ ﻛﲈ ﻓﻌﻠﺖ ﻣﻌﻲ ﻣﺎﱂ أﻓﺼﺢ ﻋﻨﻪ ﻷﺣﺪ ,ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ دﻭﻣﺎ
ﺣﺒﻴﺲ اﻟﺼﺪر ﻟﺴﻨﻮات .ﻭﻋﲆ ﺣﺪ ﺗﻌﺒﲑﻙ ﻧﺤﻦ ﻧﺤﻜﻲ ﻛﻲ
ﻧﺮﺗﺎح ﻭﻧﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻋﺐء اﳌﺎﴈ ﺧﲑﻩ ﻭﴍﻩ .ﻓﺎﳊﻴﺎة ﺣﺘﲈ ﺗﻌﺎش
ﻟﱰﻭ ,ﺧﺎﺻﺔ اﳌﺎﴈ اﻟﺬﻱ ﻳﺘﺒﻌﻨﻲ ﻛﻈﲇ ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ .ﻣﺎ أﻛﺜﺮ
111
اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﻟﺪﻱ ﻷﺣﻜﻴﻬﺎ ﻟﻚ ,ﻭ ﻟﺴﺖ أدرﻱ إﻥ ﻛﺎﻥ ﻗﻮﳍﺎ
ﴐﻭرﻳﺎ أﻡ ﻻ −ﻛﲈ ﻗﻠﺖ−إﻧﻪ "ﻣﻦ اﻷﻓﻀﻞ ﻟﻮأﺣﻜﻴﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ,ﻟﻜﻦ
ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﺟﺪا أﻥ ﻳﻘﺒﺾ اﳌﺮء ﻋﲆ ﳊﻈﺔ ﰲ اﳌﺎﴈ ﻟﻴﻨﻄﻠﻖ ﻣﻨﻬﺎ,
ﻋﲆ أﺳﺎس أﳖﺎ ﺑﺪاﻳﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ أﻭ ﻭﻻدة ذاﻛﺮﺗﻪ .ﻭﻳﺒﻘﻰ ﰲ اﻷﺧﲑ
ﺣﺎﺋﺮاﺗﻔﺮ ﻣﻨﻪ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت ,ﻭﻳﻐﺪﻭ ﻛﺎﻟﻘﺎﺑﺾ ﻋﲆ اﳌﺎء ﺧﺎﻧﺘﻪ ﻓﺮﻭج
اﻷﺻﺎﺑﻊ.
أﻃﺒﻘﺖ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﻗﺎﺋﻠﺔ" :ﻻأرﻳﺪ أﻥ أﺣﻜﻲ ﺷﻴﺌﺎ ﻏﲑ ﻣﺄﻟﻮﻑ.
ﺣﻴﺎﰐ ﻗﺪ ﺗﺒﺪﻭ ﻋﺎدﻳﺔ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﳾء ﳐﺘﻠﻒ ﻭﻗﺪ ﺗﺒﺪﻭ ﻏﲑ ذﻟﻚ
ﻋﻦ ﺣﻴﺎة ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻨﺎس اﻟﻌﺎدﻳﲔ.
ﻻأدرﻱ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ,ﺑﻌﺪ ﺻﻤﺖ:
"ﰲ ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ ﺗﺮﻋﺮﻋﺖ ﺑﺄرض ﻗﺎﺣﻠﺔ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﳾء .ﻣﻨﺬ
ﻧﻌﻮﻣﺔ أﻇﺎﻓﺮﻱ ﻭﻫﺬا اﳌﺤﻴﻂ ﻳﺘﻤﻠﻜﻨﻲ ,ﻗﺪ ﻻ أﻋﻲ اﻟﻜﺜﲑ ﻣﻦ أﻣﻮر
ذاﻙ اﻟﺰﻣﻦ ,ﻭرﺑﲈ ﻻ أﻋﺮﻑ ﺷﻴﺌﺎ ﻏﲑ أﲏ أﺳﺘﻄﻴﻊ اﻟﻘﻮﻝ أﲏ ﻧﺸﺄت
ﰲ ﳏﻴﻂ أﻗﻞ ﻣﺎﻳﻤﻜﻦ أﻥ ﻳﻘﺎﻝ ﻋﻨﻪ أﻧﻪ ﺳﻌﻴﺪ ﺗﻄﺒﻌﻪ اﻟﺒﺴﺎﻃﺔ ,ﻟﻴﺲ
ﻋﻨﺪﻧﺎ اﻟﻜﺜﲑ ,ﻻ ﻧﻌﺮﻑ إﻻ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء ,ﻛﲈ ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ ﺳﺎﺋﺮ
اﻷﻃﻔﺎﻝ ﰲ ﺑﻠﺪاﻥ اﻟﺪﻧﻴﺎ .ﻛﻨﺎ ﻧﺄﻛﻞ اﻷﻛﻞ ﻧﻔﺴﻪ ,ﻧﻠﺒﺲ اﳌﻼﺑﺲ
ﻧﻔﺴﻬﺎ ,ﻧﺴﻜﻦ ﰲ اﳋﻴﺎﻡ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺣﻴﺎة ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻭﻣﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻟﻨﻮاﻳﺎ اﻟﻄﻴﺒﺔ,
ﻗﻮﻡ ﻳﺪﺑﺮﻭﻥ اﻟﻨﺪرة ﻭﻻ ﻳﻮزﻋﻮﻥ اﻟﻮﻓﺮة".
" ﻡ ...ﻡ " . .ﺗﺘﻠﻌﺜﻢ ﻭﺗﺘﺴﺎءﻝ " ﻋﺬرا ﻣﺎذا ﻛﻨﺖ
ﺳﺄﻗﻮﻝ?"
112
أﺟﺒﺖ" :ﻻ أدرﻱ ﻣﺎذا ﻛﻨﺖ ﺗﺮﻳﺪﻳﻦ ﻗﻮﻟﻪ ,ﻟﻜﻨﻲ أﻭد أﻥ
ﺗﻜﻤﲇ ﺣﺪﻳﺜﻚ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﺪﺛﲔ ﲠﺎ .ﻫﻜﺬا ﺗﺒﺪﻳﻦ ﱄ
أﻛﺜﺮ ﻭﺿﻮﺣﺎ".
ﻗﺎﻟﺖ" :ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ اﺳﺘﺴﻤﺢ ﻓﻜﻠﲈﰐ ﺗﺘﻌﺜﺮ ,ﻛﻠﲈ ﺗﺬﻛﺮت
اﳌﺎﴈ اﻟﺒﻌﻴﺪ ,ﻟﻜﻨﻨﻲ ﺳﺄﻋﱰﻑ ﻟﻚ أﳖﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻃﻔﻮﻟﺔ ﻣﺜﺎﻟﻴﺔ .ﻏﲑ
أﳖﺎ ﰲ ﻧﻈﺮﻱ ﺑﺮﻳﺌﺔ ,ﺗﺘﺨﻠﻠﻬﺎ ذﻛﺮﻳﺎت ﺳﻌﻴﺪة ﲢﺘﻞ ﻛﻞ ﺟﻮارﺣﻲ.
ﺗﺮﺑﻴﺖ ﰲ ﻛﻨﻒ أﴎة ﺑﺴﻴﻄﺔ ,أﰊ اﻟﻐﺎﺋﺐ اﳊﺎﴐ ,أﻣﻲ
ﻭأﺧﺘﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﱪﲏ ﺑﺴﻨﻮات ﻗﻠﻴﻠﺔ ,ﻳﴪﻱ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﺎﻳﴪﻱ ﻋﲆ
اﻟﻨﺎس ﰲ ﳐﻴﲈت اﻟﻠﺠﻮء .أﻟﻌﺐ ﻣﻊ أﺗﺮاﰊ ﻣﻦ اﻟﺒﻨﺎت ,ﻛﻨﺖ
أﺻﻐﺮﻫﻦ ﻟﻜﻨﻲ ﺷﻘﻴﺔ ,أدﺧﻞ ﰲ ﺷﺠﺎر ﻣﻊ ﻛﻞ ﻣﻦ أراد ﺳﻮاء
ﺑﺄﺧﺘﻲ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ أﻭ ﴐﲠﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻨﺎت .ﻛﻨﺎ ﻧﺬﻫﺐ −ﺑﺸﻜﻞ ﲨﺎﻋﻲ −
ﻧﺤﻮ اﳋﻴﺎﻡ اﻻﺧﺮ ﻛﻠﲈ ﺣﻠﺖ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻣﻦ اﳌﻨﺎﺳﺒﺎت .ﰲ اﳌﺨﻴﻢ
اﻟﻜﻞ ﻋﲆ ﻗﺪﻡ اﳌﺴﺎﻭاة ,أﻋﻨﻲ أﻥ اﳋﻴﻤﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺆﺛﺜﺔ ﺗﺄﺛﻴﺜﺎ ﺟﻴﺪا,
ﻭﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻔﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻻﺑﺪ ﻣﻨﻪ ,ﻣﺎداﻡ اﻟﻼﺟﺊ ﳛﺘﺎج اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ
اﻷﺷﻴﺎء ﻭﻳﺘﻜﻴﻒ ﻣﻊ أﺣﻠﻚ ﻇﺮﻭﻑ ذاﻙ اﻟﺰﻣﻦ".
أﺿﺎﻓﺖ ﺑﻠﻬﺠﺔ ﻣﻔﻌﻤﺔ ﺑﺎﳊﻨﲔ إﱃ اﳌﺎﴈ" :ﻫﻨﺎﻙ ذﻛﺮ
أﺣﺒﺒﺘﻬﺎ ﻭﻃﺒﻌﺖ ﰲ ﳐﻴﻠﺘﻲ اﱃ اﻷﺑﺪ ,ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﻄﻮﻑ ﻋﲆ اﳋﻴﺎﻡ
ﻭﻧﻐﻨﻲ أﻣﺎﻣﻬﻢ أﻧﺸﻮدة "ﻋﺮﻓﺔ ﻋﺮﻓﺔ ﻳﺎﻣﺒﺎرﻛﺔ" ﻛﻲ ﳚﻮدﻭا ﻋﻠﻴﻨﺎ
ﺑﺒﻌﺾ اﳊﻠﻮ ﻭاﻟﺘﻤﺮ ﻭاﳌﻜﴪات ,ﻭﻛﺬا ﻳﻮﻡ اﻟﻌﻴﺪ ﳌﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ
زﻳﻨﺔ ,ﻧﺮﺗﺪﻱ ﻣﻼﺑﺲ ﺟﺪﻳﺪة ﻭﻧﻤﴤ اﻟﻴﻮﻡ ﰲ زﻳﺎرة اﻷﻗﺎرب.
113
آﻩ ﻋﲆ ذاﻙ اﻟﺰﻣﺎﻥ ﻭﻃﻴﺒﺔ أﻫﻠﻪ ﻭأﻳﺎﻣﻪ ,ﻛﻨﺖ أﻧﺎﻡ ﻋﲆ ﺣﻜﺎﻳﺎ
أﻣﻲ ,ﺑﺼﻮت ﻋﻤﻴﻖ ﺟﺪا ,ﺗﴪد ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺼﺼﺎ ﻣﺸﻮﻗﺔ".
اﺑﺘﺴﻤﺖ" :أﺣﺴﺒﻚ ﺗﻔﻬﻢ ﺧﻠﻴﻞ أﻥ ﻋﻼﻗﺘﻨﺎ ﺑﺬﻛﺮﻳﺎت
اﻷﺷﺨﺎص ﻭاﻷﺷﻴﺎء ﻣﺮﻫﻮﻧﺔ ﺑﻔﻬﻤﻨﺎ ﳍﺎ ,ﻓﺄﺧﻄﺎء اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ ﻛﺜﲑة,
ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﱪاءة ﻣﺎ ﳛﺘﻤﻞ اﻟﻐﻔﺮاﻥ ,ﻓﻜﻢ ﻣﻦ ﻣﺮة ﻋﻮﻗﺒﺖ أﺧﺘﻲ
ﳉﺮﻡ ﱂ ﺗﺮﺗﻜﺒﻪ ﻭﻛﻢ ﻣﺮة أﺧﺬﲥﺎ أﻣﻲ ﺑﺠﺮﻳﺮﰐ ,ذﻧﺒﻬﺎ اﻟﻮﺣﻴﺪ أﳖﺎ
ﻛﺜﲑة اﳊﺮﻛﺔ .أﺛﻨﺎء ﺗﺄدﻳﺒﻬﺎ ﻛﻨﺖ أدﻓﻊ أﻣﻲ ﻋﻨﻬﺎ ,ﻭأﻗﻮﻝ ":أﻧﺎ ﻣﻦ
ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ " ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺄﺑﻰ اﻟﺘﺼﺪﻳﻖ .ﻫﻨﺎﻙ ﺻﻮرﻭﻣﻮاﻗﻒ ,ﻭﻫﻨﺎﻙ
ﻣﺸﺎﻫﺪ ﻣﻦ ﻃﺮاﻓﺘﻬﺎ ﲢﻔﺮ ﻧﻘﻮﺷﺎ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﰲ ﺟﺪراﻥ اﻟﺬاﻛﺮة ,ﺗﻜﻮﻥ
ﻋﺼﻴﺔ ﻋﲆ ﺳﻄﻮة اﻟﺰﻣﻦ ﳌﺤﻮ ﻣﺎ ﺗﺮﺳﺐ ﻣﻨﻬﺎ .ﻭأذﻛﺮ أﲏ ﻛﻨﺖ
ﻛﻠﲈ ﺗﺒﻮﻟﺖ ﰲ ﻓﺮاﳾ أﻧﺘﻘﻞ إﱃ ﻓﺮاﺷﻬﺎ ﻭأدﻓﻌﻬﺎ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ أﻭﺗﻴﺖ ﻣﻦ
ﻗﻮة ﻛﻲ أﺣﻞ ﻣﻜﺎﳖﺎ ﻭﻫﻲ ﻧﺎﺋﻤﺔ .ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺴﺘﻴﻘﻆ ﺻﺒﺎﺣﺎ ﺗﻜﻮﻥ
اﻟﺘﻬﻤﺔ ﻗﺪ أﻟﺼﻘﺖ ﲠﺎ ﺟﺰاﻓﺎ.
ﻛﻨﺖ أﺣﺒﻬﺎ ﻛﺜﲑا ,ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ اﻟﺘﺤﻘﺖ ﺑﺎﳌﺪرﺳﺔ راﻓﻘﺘﻬﺎ
ﺻﺤﺒﺔ أﻣﻲ إﱃ ﻫﻨﺎﻙ .ﻭﱂ أﺷﺄ أﻥ أﻓﺎرﻗﻬﺎ ﻟﻠﺤﻈﺔ .ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﻔﻠﻨﺎ ﻣﻦ
ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺑﻜﻴﺖ ﻛﺜﲑا .ﻋﻨﺪ ﻓﺮاﻗﻬﺎ ﺗﱰﻛﻨﻲ أﻣﻲ ﰲ اﳊﻀﺎﻧﺔ ﻭﺗﺬﻫﺐ
ﻟﺘﺪﺑﺮ أﻣﻮرا أﺧﺮ .اﳊﻀﺎﻧﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أﻣﻘﺘﻬﺎ ﻣﺎﻋﺪا ﰲ اﻷﻳﺎﻡ اﻟﺘﻲ
ﻳﻌﻄﻮﻧﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﳊﻠﻮ اﻟﻠﺬﻳﺬة ﻭﺑﻌﺾ اﻟﻌﺼﲑ اﳌﻌﻠﺐ.
أذﻛﺮ ﻛﺬﻟﻚ أﻧﻨﺎ أﺛﻨﺎء ﻓﺼﻞ اﻟﺼﻴﻒ ﻛﻨﺎ ﻧﻌﻴﺶ ﺣﻴﺎة
ﺻﻌﺒﺔ ,ﻭﻳﺘﻐﲑ اﻟﱪﻧﺎﻣﺞ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﲇ .ﻛﺎﻧﺖ أﻣﻲ ﺗﺴﺘﻴﻘﻆ ﺑﺎﻛﺮا
114
ﳉﻠﺐ اﳌﺎء ﻣﻦ اﳊﺎﻭﻳﺎت اﻟﺒﻌﻴﺪة ,ﻟﻦ أﻧﺴﻰ ﻣﺎ ﺣﻴﻴﺖ ﻣﺎ ﻛﺎﺑﺪﺗﻪ
ﻷﺟﻠﻨﺎ ,ﲢﻤﻞ ﻋﻠﺐ اﳌﺎء اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ,ﻭﺗﻘﻄﻊ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ,ﻭﻫﻲ
ﺗﺼﺎرع ﻣﻦ أﺟﻞ أﻥ ﺗﺼﻞ إﻟﻴﻨﺎ ﻭﻧﺤﻦ ﻛﻔﺮاخ ﻃﺎﺋﺮ ﻧﻨﺘﻈﺮ أﻭﺑﺘﻬﺎ,
ﻟﺘﻄﻬﻮ ﻭﺗﻐﺴﻞ اﻷﻭاﲏ ﻭﺗﻘﺴﻢ ﻛﻤﻴﺔ اﳌﺎء ,ﻣﺎ ﻳﺼﻠﺢ ﻟﻠﴩاب ﻭﻣﺎ
ﻟﻐﲑ ذﻟﻚ.
ﻭﺑﻔﻌﻞ اﳊﺮارة ,ﻧﻼزﻡ أﻣﻜﻨﺘﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﺻﺒﺎﺣﺎ ,ﻓﺈذا
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﺗﺴﺘﻐﺮﻕ ﺛﲈﲏ دﻗﺎﺋﻖ ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻞ إﱃ اﻷرض ,ﻓﺄﻇﻦ
أﻥ اﻷﻣﺮ ﻻ ﻳﺴﺘﻐﺮﻕ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﲈﲏ ﺛﻮاﲏ ﳉﻌﻞ ﺻﺤﺮاء ﳊﲈدة ﻧﺎرا
ﺗﻠﻈﻰ ,ﻓﻄﻘﺴﻬﺎ أﻗﻞ ﻣﺎ ﻳﻘﺎﻝ ﻋﻨﻪ أﻧﻪ ﺟﺤﻴﻢ رﻫﻴﺐ إﱃ أﺑﻌﺪ
اﳊﺪﻭد ,ﻳﺸﻬﺪ اﷲ أﻧﻨﻲ ﻣﺎزﻟﺖ أذﻛﺮ ﺻﻮت اﻟﺰﻧﻚ اﳌﻮﺿﻮع ﻓﻮﻕ
ﺑﻴﺖ اﻟﻄﲔ اﳌﺠﺎﻭر ﻟﻠﺨﻴﻤﺔ ,ﳛﺪث ﺻﻮت اﻧﻔﺠﺎر ﻛﺎﻟﺸﻈﺎﻳﺎ ﺑﻔﻌﻞ
اﳊﺮارة ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻈﻬﲑة ,ﻭﻣﺮارة اﻟﺼﻴﻒ اﻟﻘﺎﳼ ﻻ ﺗﺰاﻝ ﻛﺎﻣﻨﺔ ﻓﻴﻨﺎ,
ﺑﻌﻜﺲ ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء اﻟﱪد اﻟﻘﺎرس ﺟﺪا .ﳊﲈدة ﻭﻣﺎ أدراﻙ ﻣﺎ
ﳊﲈدة ,ﻭﻫﻜﺬا ﻫﻮ ﺣﺎﻝ اﳌﻨﺎخ اﻟﻘﺎرﻱ ﰲ اﻟﺼﺤﺮاء ﻫﺬا ﻏﻴﺾ ﻣﻦ
ﻓﻴﺾ اﳌﻌﺎﻧﺎة ﰲ ﳐﻴﲈت اﻟﻠﺠﻮء".
"دﻋﻨﻲ أﺧﱪﻙ ﺷﻴﺌﺎ ﺧﻠﻴﻞ ,ﻛﻨﺎ ﳏﺾ أﻃﻔﺎﻝ ﳛﺮﻛﻨﺎ
ﻓﻀﻮﻟﻨﺎ.ﻋﻨﺪ ﺑﻠﻮﻏﻨﺎ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﻳﺄﺧﺬﻭﻧﻨﺎ ﺧﻼﻝ ﻋﻄﻠﺔ اﻟﺼﻴﻒ
ﰲ ﻣﺎ ﻳﻌﺮﻑ"ﺑﺎﳉﻮﻟﺔ" اﱃ أﻭرﻭﺑﺎ ,ﻛﺜﲑا ﻣﺎ ﺳﺤﺮﺗﻨﻲ ﻗﺼﺺ
اﻷﻃﻔﺎﻝ اﻟﻌﺎﺋﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﻫﻨﺎﻙ ,ﻭﺣﻜﺎﻳﺘﻬﻢ اﻟﻠﻴﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺄﴎﲏ ﻋﻦ
اﻟﻄﺎﺋﺮة ﻭاﻟﺒﺤﺮ ﻭاﳌﺪﻥ ,ﻭأﻧﺎس ذﻭﻱ ﺑﴩة ﺑﻴﻀﺎء ﻭأﺷﻴﺎء ﱂ
115
أﲣﻴﻠﻬﺎ ,ﻭﱂ أﻛﻦ أدرﻱ أﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﻮاﱂ ﺧﺎرج اﻟﻌﺎﱂ اﻟﺬﻱ أﻋﻴﺸﻪ
ﰲ"اﳌﺨﻴﻢ".
ﻭﺑﲈ أﻥ أﺧﺘﻲ ﺗﻜﱪﲏ ﻓﻘﺪ ﺳﺒﻘﺘﻨﻲ إﱃ اﳉﻮﻟﺔ ذات ﺻﻴﻒ
ذﻫﺒﺖ إﱃ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ .ﻭﻛﻨﺖ أﺣﺜﻬﺎ أﻥ ﺗﺮﻭﻱ ﱄ ﻣﺎﺷﺎﻫﺪت
ﺑﺎﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ,ﻭأﻧﺎ أﺿﻊ ﻳﺪﻱ ﲢﺖ ﺧﺪﻱ أﺳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺤﺪﻳﺜﻬﺎ .ﺑﻌﺪﻣﺎ
ﺟﻠﺒﺖ ﻣﻌﻬﺎ ﻫﺪاﻳﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ دﻣﻴﺔ أﺣﺒﺒﺘﻬﺎ ﻭﱂ أﻓﺎرﻗﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﰲ
ﻓﺮاﳾ ,ﻭﻫﺬا ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﺧﻠﺪت ﰲ ذاﻛﺮﰐ ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪﻣﺎ
ﻛﱪت.
ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻭﺻﻠﺖ ﺳﻦ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ أﺻﺒﺢ ﺑﺈﻣﻜﺎﲏ أﻥ أذﻫﺐ ﰲ
اﳉﻮﻟﺔ ﺧﻼﻝ اﻟﺼﻴﻒ ,ﰲ ﺑﺎدء اﻷﻣﺮ ﻓﺮﺣﺖ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﲏ
ﱂ أﻛﻦ أﻋﻲ اﻟﻜﺜﲑ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﲢﺼﻞ ,ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺄﺧﺬﻭﻥ ﻟﻨﺎ
ﺻﻮرا ﰲ اﳌﺪرﺳﺔ ﻗﺒﻞ أﻭاﻥ اﳉﻮﻟﺔ ﺑﺄﺷﻬﺮ ,أﻋﺘﻘﺪ ﰲ ﻣﺎرس أذار
ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺮﺑﻴﻊ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺟﻮاز ﺳﻔﺮ .ﻭﻣﺎ أﺛﺎر اﻧﺘﺒﺎﻫﻲ −ﺑﻌﺪ
ذﻟﻚ −أﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﺟﻮاز ﺳﻔﺮ ﲨﺎﻋﻲ ,ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻜﻞ ﻃﻔﻞ ﺟﻮاز ﺳﻔﺮ
ﺧﺎص ﺑﻪ .ﻭﻫﺬﻩ ﻣﻦ اﳌﻔﺎرﻗﺎت اﻟﺘﻲ ﱂ أﻋﺮﻑ ﳍﺎ ﺳﺒﺒﺎ .ﺑﻌﺪﻣﺎ
أﺧﺬﻧﺎ اﻟﺼﻮر ﻭأﺻﺒﺢ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺟﻮاز ﺳﻔﺮ ,ﰲ ﳖﺎﻳﺔ ﺷﻬﺮ اﺑﺮﻳﻞ ﻧﻴﺴﺎﻥ
ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﻠﻨﻮﻥ اﻷﻓﻮاج ﻳﻨﺎدﻭﻥ ﻋﲆ اﻷﻣﻬﺎت ﻭﳜﱪﻭﳖﻦ ﺑﺄﻥ
أﻃﻔﺎﻟﻜﻦ ﰲ اﻟﻔﻮج ﻛﺬا ,ﻭاﻟﺮﻗﻢ ﻛﺬا ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻢ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺑﺴﻼﺳﺔ.
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻢ اﻟﺘﻘﺴﻴﻢ ﻧﻮدﻱ ﻋﲆ أﻣﻲ ﻭأﺧﱪﻭﻫﺎ ﺑﻔﻮﺟﻲ ﻭرﻗﻤﻲ اﻟﺬﻱ
ﺣﻔﻈﺘﻪ ﻋﻦ ﻇﻬﺮ ﻗﻠﺐ إﱃ اﻟﻴﻮﻡ.
116
ﻗﺪ ﻳﺘﺬﻛﺮ اﳌﺮء ﻣﻨﻈﺮا أﺑﴫﻩ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺧﺎﺻﺔ ﰲ ﻋﻬﺪ
اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ .ﺣﻴﺚ ﺗﻜﻮﻥ اﻟﺬاﻛﺮة ﺧﺼﺒﺔ .ﺳﻮاء أرﻗﺎﻣﺎ أﻭ أﺳﲈء,
أﻭ ﺗﻮارﻳﺦ ,ﺑﻞ ﺣﺘﻰ راﺋﺤﺔ اﳋﺒﺰ اﳌﺸﻮﻱ ,أﻭ ﻳﻤﻜﻦ أﻥ ﻳﻜﻮﻥ
ﻣﻨﻈﺮﻏﺮاب أﺳﻮد رآﻩ ﻭاﻗﻔﺎ ﻋﲆ ﺷﺠﺮ اﻟﻄﻠﺢ ﺑﺎﻛﺮا أﻭ ﺣﺪﺛﺎ ﻫﺎﻣﺎ
ﻛﺎﻥ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﻭﻗﻮﻋﻪ أﻭ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ ,ﻷﻥ ﻫﺬﻩ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ﺗﺒﻘﻰ
ﳏﻔﻮرة ﰲ اﻟﺬاﻛﺮة اﱃ اﻷﺑﺪ.
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻜﻠﻢ ﺑﺴﻼﺳﺔ ,ﻭﻛﺄﳖﺎ ﺗﺘﺤﺪث ﻣﻦ ﻭﺣﻲ ﺧﻴﺎﳍﺎ,
ﻭﱂ أﺷﺄ أﻥ أﻗﺎﻃﻌﻬﺎ أﻭ أﻓﺮط ﻋﻘﺪ ذﻛﺮﻳﺎﲥﺎ ,ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﳊﺪﻳﺚ
اﻷﻣﺎﳼ ﻧﻜﻬﺔ ﺧﺎﺻﺔ..
ﺗﺴﱰﺳﻞ ﻭﺗﻠﺘﺤﻒ اﻟﻌﺒﺎرات ﰲ ﺣﺪﻳﺜﻬﺎ ﺑﻠﺤﺎﻑ اﳊﻨﲔ
أﺣﻴﺎﻧﺎ ,ﻭﺗﺘﺰﻳﻦ اﻵﻫﺎت ﺑﻤﺴﺤﻮﻕ اﻟﺸﻮﻕ ,ﻭﻳﻔﻮح ﻣﻨﻬﺎ ﻋﺒﻖ
اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت اﻟﺒﻌﻴﺪة اﳌﻌﺘﻖ.
ﻋﻨﺪ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﻳﻮﻧﻴﻮ ﺣﺰﻳﺮاﻥ ﺗﺒﺪأ اﳉﻮﻟﺔ ,ﻭﰲ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ
ﻳﺬﻫﺐ ﻓﻮج إﱃ اﳌﺪﻥ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﻭ اﻟﺪﻭﻝ أرﻭﺑﻴﺔ ﻛﺈﻳﻄﺎﻟﻴﺎ
ﻭﻓﺮﻧﺴﺎ.ﻛﻨﺖ أﻧﺘﻈﺮ دﻭرﻱ ﻟﺬﻟﻚ ,ﻛﻨﺎ ﺣﺮﻳﺼﲔ ﻛﻞ ﻣﺴﺎء ﻋﲆ
اﻻﺳﺘﲈع إﱃ اﻹﺷﻌﺎر ﻋﲆ أﺛﲑ اﻹذاﻋﺔ ﺣﺘﻰ ﻧﻌﺮﻑ ﻣﺘﻰ ﺳﻴﻨﻄﻠﻖ
اﻟﻔﻮج اﻟﺬﻱ ﻳﻀﻤﻨﻲ .ﻭأذﻛﺮ أﲏ ﻛﺜﲑا ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﺻﺨﻲ اﻟﺴﻤﻊ إﱃ
ﻣﻮﺟﺎت أﺛﲑاﻟﺮادﻳﻮﻭاﻷﺧﺒﺎر ﺑﻨﻬﻢ":ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺳﻔﺮاء اﻟﺴﻼﻡ
"أﻃﻔﺎﻟﻨﺎ اﳌﺘﻮﺟﻬﻮﻥ اﱃ اﻟﺪﻳﺎر اﻷﻭرﺑﻴﺔ أﻭاﳌﺪﻥ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﻟﻘﻀﺎء
اﻟﻌﻄﻠﺔ اﺳﺘﻌﺪادا ﰲ ﻳﻮﻡ ﻛﺬا ﻭﺗﺎرﻳﺦ ﻛﺬا" .ﺣﻘﻴﻘﺔ أﻧﻨﻲ ﱂ أﻛﻦ
117
أﻓﻬﻢ ﺷﻴﺌﺎ ,ﻛﻨﺖ أﻇﻦ أﻥ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﳎﺮد ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻗﺮﻳﺒﺔ ,ﻧﺬﻫﺐ ﺻﺒﺎﺣﺎ
ﻭﻧﻐﺪﻭﻣﺴﺎء ..ﻫﻲ اﻟﱪاءة إذﻥ.
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻮدﻱ ﻋﲆ اﻟﻔﻮج ,ﺟﻬﺰﺗﻨﻲ أﻣﻲ ﺻﺒﺎﺣﺎ ,ﻭﲡﻤﻌﻨﺎ
ﻗﺮب ﻣﻘﺮ اﻟﺪاﺋﺮة,اﻷﻃﻔﺎﻝ ﻛﻠﻬﻢ ,ﻛﻞ ﻳﻤﺴﻚ ﺑﻄﺮﻑ ﻣﻠﺤﻔﺔ أﻣﻪ,
ﻭاﻟﺸﺎﺣﻨﺔ اﻟﻜﺒﲑة ﺗﻨﺘﻈﺮﻧﺎ ﰲ ﻣﻨﻈﺮ ﻳﻌﺒﻖ ﺑﺮﺣﻴﻖ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ,
ﺣﴬت ﺧﺎﻟﺘﻲ ﻟﺘﻮدﻳﻌﻲ ,ﺟﻠﺒﺖ أﻣﻲ ﺑﻌﺾ اﳍﺪاﻳﺎ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ
اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﻭاﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﻛﻲ أﻋﻄﻴﻬﺎ ﻟﻠﻌﺎﺋﻠﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺤﻈﻰ
ﺑﺎﺳﺘﻘﺒﺎﱄ ,ﻭﻫﻲ ﺗﻮﺻﻴﻨﻲ أﻥ أﻻ أﺳﻠﻤﻬﺎ إﻻ ﻟﻠﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻮﻑ
أﺳﺘﻘﺮ ﰲ ﻣﻨﺰﳍﺎ ,ﺣﻘﻴﻘﺔ أﻧﺎ ﱂ أﻛﻦ أدرﻱ ﺷﻴﺌﺎ اﻟﺒﺘﺔ.
ﻭﺗﻀﺤﻚ ﻭﺗﻘﻮﻝ ":أﻧﺎ ﻻ أﻋﺮﻑ اﺳﻢ ﻭﻻ ﺷﻜﻞ ﻫﺎﺗﻪ
اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ,ﻛﻨﺖ ﻛﻄﺎﺋﺮة ﻭرﻗﻴﺔ ﰲ ﻣﻬﺐ اﻟﺮﻳﺢ ,ﻳﺮاﻭدﻫﺎ ﻃﻔﻞ
ﻣﻨﺪﻫﺶ ﻛﺪﻫﺸﺘﻲ ﺑﻜﻞ ﻋﻔﻮﻳﺔ أﻭ ﺗﻔﻬﻢ ﻣﺎ أﻗﻮﻝ.
ﻟﻌﻞ ﻣﻦ أﺻﻌﺐ اﻟﻠﺤﻈﺎت اﻟﺘﻲ ﻃﺒﻌﺖ ﰲ ﳐﻴﻠﺘﻲ ﻛﺬﻟﻚ
ﻫﻲ ﳊﻈﺔ اﻟﻮداع ,راﺋﺤﺔ أﻣﻲ ﻭﻫﻲ ﺗﻐﻤﺮﲏ ﺑﺎﻟﻘﺒﻞ ﰲ ﻇﻤﺄ ﻻ
ﻳﺮﺗﻮﻱ أﺑﺪا ,ﻭﻃﻔﻘﺖ ﺗﻘﺒﻞ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ اﻷﺧﺮ ﰲ ﻛﻞ أﻧﺤﺎء اﻟﻮﺟﻪ,
ﻣﺰﻳﺪا ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺒﻴﻞ اﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ أﻥ ﻳﺘﻮﻗﻒ .ﲢﺘﻀﻨﻨﻲ ﺧﺎﻟﺘﻲ
ﻭﺗﻘﺒﻠﻨﻲ ﻋﲆ ﻛﺎﻣﻞ ﻭﺟﻬﻲ اﻟﺼﻐﲑﻫﻲ اﻷﺧﺮ ﻭﺗﺄﺧﺬ دﻭرﻫﺎ ﰲ
ﺿﻤﻲ .ﻭﺑﻌﺾ اﻟﻨﺴﻮة أﻣﻬﺎت اﻷﻃﻔﺎﻝ ﻳﻘﻠﻦ ":ﻛﻢ ﻫﻲ ﺻﻐﲑة.
"رﺑﲈ ﻛﻦ ﻳﺸﻔﻘﻦ ﻋﲆ ﺣﺎﱄ ,ﺗﻌﺎﻧﻘﻨﻲ أﻣﻲ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻭﺗﻀﻤﻨﻲ
ﺣﺘﻰ ﺗﻜﺎد ﺗﻨﻘﻄﻊ أﻧﻔﺎﳼ .ﻣﺎ أﲨﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﴫﺧﺔ اﳌﻜﺘﻮﻣﺔ اﻟﻘﺎدﻣﺔ
118
ﻣﻦ أﻋﲈﻗﻬﺎ اﻟﺪﻓﻴﻨﺔ ,ﻭﺣﺘﻰ اﻷﻃﻔﺎﻝ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻗﺎﻟﺖ ﳍﻢ":إﲏ
أﻗﺒﻠﻜﻢ ﲨﻴﻌﺎ" .ﻭﺳﺎﻟﺖ دﻣﻮع ﻣﻦ أﻋﲔ ﻋﺪد ﻛﺒﲑ ﻣﻨﻬﻢ .ﻛﺎﻥ
ﳍﺐ اﻟﺸﻤﺲ ﳛﺮﻕ اﻟﺮؤﻭس ﻭاﻣﺘﻸ اﳉﻮ ﺑﻜﻠﲈت اﻟﻮداع اﳊﺰﻳﻨﺔ
ﺑﺎﻟﻔﺮاﻕ ﻭاﻟﻘﺒﻼت اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ,اﻟﺪﻣﻮع ﻭاﻟﺘﻮﺻﻴﺎت اﻟﴪﻳﻌﺔ اﻟﻼﻫﺜﺔ,
ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻣﻬﺎت ﺗﺘﻬﺎﻓﺘﻦ ﻋﲆ أﻭﻻدﻫﻦ ﻭﻛﺄﳖﻢ ﻳﻔﱰﻗﻮﻥ إﱃ اﻷﺑﺪ
ﰲ ﺷﻜﻞ ﻭداع ﻻ ﺗﺴﻌﻪ اﻟﻜﻠﲈت. .
ﻋﺎدت ﺗﺘﺪﻓﻖ إﻟﻴﻬﺎ ذﻛﺮﻳﺎت ﻛﺜﲑة,أﺣﺪاث ﺧﻴﻞ إﻟﻴﻬﺎ أﳖﺎ
ﺗﻌﻴﺸﻬﺎ ﻣﻨﺬ زﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ,ﺻﻮرة أﻣﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﻭاﻗﻔﺔ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺳﻬﻮ ﺗﺎرة
ﺗﻠﻮح ﺑﻴﺪﻫﺎ ,ﻭأﺧﺮ ﺗﻀﻊ اﳌﻠﺤﻔﺔ ﻋﲆ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﲤﺴﺢ اﻟﺪﻣﻮع اﻟﺘﻲ
ﺑﻠﻠﺖ ﺧﺪﳞﺎ.
ﻭﺗﻀﻴﻒ":ﻋﻨﺪ ﺻﻌﻮدﻧﺎ اﻟﺸﺎﺣﻨﺔ ,ﻛﺎﻥ ﻛﻞ اﻷﻃﻔﺎﻝ
ﻳﻠﻮﺣﻮﻥ ﺑﺄﻳﺪﳞﻢ إﱃ أﻣﻬﺎﲥﻦ ﻭﻳﻮدﻋﻮﳖﻦ إﻻ أﻧﺎ ,ﻓﻘﺪ ﻭﻗﻒ أﻣﺎﻣﻲ
ﻃﻔﻞ أﻃﻮﻝ ﻗﺎﻣﺔ ﻣﻨﻲ .ﻭﺑﲈ أﲏ ﻣﺎ ﺷﺎء اﷲ ﻛﻨﺖ ﺻﻐﲑة اﻟﺒﻨﻴﺔ ﻓﻘﺪ
ﺣﺠﺐ ﻋﻨﻲ اﻟﺮؤﻳﺔ ﻭﺗﻮارﻳﺖ ﻋﻦ اﻷﻧﻈﺎر .ﻛﺎﻥ ذﻟﻚ ﻋﻬﺪ أﻣﻲ ﰊ
ﻋﻨﺪﻣﺎ رﻛﺒﺖ اﻟﺸﺎﺣﻨﺔ ,ﺣﺎﻭﻟﺖ اﻟﻠﺤﺎﻕ ﰊ ﻟﱰاﲏ ﻭﻟﻮ ﻷﺧﺮ ﻣﺮة
ﻟﻜﻦ ﻛﻞ ﳏﺎﻭﻟﺘﻬﺎ ﺑﺎءت ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ .أﺛﺮ ﰲ ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ ,ﻭﺗﻠﻚ ﳊﻈﺔ
ﺗﺄﳌﺖ ﳍﺎ ﻓﻌﻼ ,ﻭأﺣﺴﺐ أﻥ أﻣﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﻭﻻﺷﻚ أﳖﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﻜﻲ
ﰲ ﺻﻤﺖ .ﻭﻣﺎ أﻥ ﺗﻮارت اﻟﺸﺎﺣﻨﺔ ﻋﻦ اﻷﻧﻈﺎر ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻗﻔﺖ
ﻓﺠﺄة ,ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺎﺑﻌﺖ اﳌﺴﲑ ,ﻭاﻷﻡ ﱂ ﲥﻦ ﺑﺮؤﻳﺔ اﻟﺼﻐﲑة .أﺧﺬت
ﺗﺒﻜﻲ ﺑﻨﺸﻴﺞ ﻣﺘﻘﻄﻊ ﺧﺎﻧﻘﺔ ﺻﻮﲥﺎ ﰲ أﻭﻝ اﻷﻣﺮ ,ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻭﺿﻌﺖ
ﻃﺮﻑ اﳌﻠﺤﻔﺔ ﻋﲆ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﺗﺎرﻛﺔ أﻭﺟﺎﻋﻬﺎ أﻥ ﺗﻨﻔﺠﺮ ﻏﲑ ﻣﻜﻈﻮﻣﺔ
119
ﺑﻌﺪ أﻥ ﺗﻔﺮﻕ ﲨﻊ اﳌﻮدﻋﲔ .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮاﳼ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻭﺑﻘﻴﺔ اﻟﻨﺴﻮة ﻋﲆ
أﻣﻞ اﻟﻠﻘﺎء,ﻭﺑﲈ أﻥ اﻟﻮﻗﺖ ﻛﺎﻥ ﰲ ﻋﺰ اﻟﺼﻴﻒ ,أذﻛﺮ أﳖﻢ ﻛﺎﻧﻮا
ﻳﻌﻄﻮﻧﻨﺎ ﻗﻨﻴﻨﺎت ﻣﺎء ﻣﻐﻄﺎة ﺑﺎﳋﻴﺶ ﻛﻲ ﲢﺎﻓﻆ ﻋﲆ اﻟﱪﻭدة
ﻭﻧﴩب ﻣﻨﻬﺎ أﺛﻨﺎء اﻟﻄﺮﻳﻖ ,ﻭﻛﺜﲑا ﻣﺎ ﺗﺴﺎءﻟﺖ ":ﻛﻴﻒ ﻷﻣﻬﺎت
أﻥ ﻳﺼﱪﻥ ﻋﲆ ﻓﺮاﻕ ﻓﻠﺬات أﻛﺒﺎدﻫﻦ ﺻﻐﺎرا ﻳﺴﺎﻓﺮﻭا ﻭﻫﻢ ﱂ
ﻳﻤﻴﺰﻭا ﺑﻌﺪ ﺑﲔ اﻷﻣﻮر .ﻭأدرﻛﺖ أﻧﻪ ﺣﺎﻝ ﻗﻮﻡ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ اﺳﺘﺜﻨﺎء,
ﺣﺘﻰ أﻣﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻛﻠﲈ ﺟﺮﻧﺎ اﳊﺪﻳﺚ إﱃ ﺗﺬﻛﺮ ﺗﻠﻚ
اﻟﻠﺤﻈﺔ ,ﺗﻘﻮﻝ ":أﻥ أﳌﻬﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻔﻮﻕ ﻛﻞ آﻻﻡ اﻟﻜﻮﻥ ,ﻭأﳖﺎ ذﻛﺮ
ﻣﺆﳌﺔ ﳍﺎ ﻭﳊﻈﺔ ﻓﺎرﻗﺔ ﰲ ﺣﻴﺎﲥﺎ".ﻭﻗﺪ ﺑﻜﺖ ﻣﺎ ﺷﺎء اﷲ أﻥ ﺗﻔﻌﻞ
ﺣﺘﻰ ﺟﻒ دﻣﻌﻬﺎ ﻭﱂ ﺗﻜﻦ ﺗﻌﻠﻢ ﺣﻴﻨﻬﺎ أﻥ دﻣﻮع اﳊﺰﻥ أﻛﺜﺮ ﻣﻠﻮﺣﺔ
ﻣﻦ دﻣﻮع اﻟﻔﺮح!.
ﻛﺎﻥ ﺳﻔﺮا ﻃﻮﻳﻼ ﻭﻣﺘﻌﺒﺎ زادﺗﻪ اﳊﺮارة اﳌﻔﺮﻃﺔ
ﻋﺬاﺑﺎ,ﻭﺑﺪأت أﺟﺴﺎدﻧﺎ اﻟﻨﺤﻴﻠﺔ ﺗﺘﻌﺮﻕ ﻭﲥﺘﺰ ﻣﻊ اﻫﺘﺰاز اﻟﺸﺎﺣﻨﺔ.
ﻭﺻﻠﻨﺎ ﺗﻨﺪﻭﻑ ﺑﻌﺪ ﻣﺴﲑ ﻃﻮﻳﻞ ﻭﻣﺘﻌﺐ ,أﺧﺬﺗﻨﺎ اﻟﻄﺎﺋﺮة
إﱃ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﳉﺰاﺋﺮ ,ﻭ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﻣﻄﺎر ﻫﻮارﻱ ﺑﻮﻣﺪﻳﻦ ﻭﻣﻨﻪ إﱃ
اﺳﺒﺎﻧﻴﺎ .ﻣﻜﺎﻥ ﱂ أرﻩ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ,ﻛﻨﺖ ﻣﺄﺧﻮذة−ﺣﺪ اﻻﻧﺒﻬﺎر −ﺑﻜﻞ
ﳾء ,ﻭﻛﺄﲏ ﰲ ﺣﻠﻢ ﱂ أﺗﻮﻗﻌﻪ اﻟﺒﺘﺔ .أﺳﻤﻊ ﺻﻴﺤﺎت اﻟﻔﺮح اﻟﺘﻲ
ﺗﺼﺪح ﲠﺎ أﺻﻮات ﺣﻨﺎﺟﺮ اﻷﻃﻔﺎﻝ ﺑﺠﺎﻧﺒﻲ ﻳﴫﺧﻮﻥ ﻭ ﻳﻌﱪﻭﻥ
ﻋﻦ ﻓﺮﺣﺘﻬﻢ .ﻭأﻭﻝ ﻣﻄﺎر ﺣﻄﺖ ﻓﻴﻪ اﻟﻄﺎﺋﺮة ﻛﺎﻥ ﻣﻄﺎر"ﺧﲑﻭﻧﺎ"
ﻗﺮب ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ ,ﻣﻨﻪ أﺧﺬﻭﻧﺎ إﱃ ﻣﺪرﺳﺔ ﻭ ﺑﺪؤﻭا ﰲ ﴍح اﻟﺘﻘﺴﻴﻢ,
ﺑﺎﻷﺳﲈء ﻭ اﻷرﻗﺎﻡ ﺑﻤﻌﻴﺔ ﻣﺮاﻓﻘﲔ ﺻﺤﺮاﻭﻳﲔ ﻛﺒﺎر ,ﺟﺮ
120
اﻟﺘﻘﺴﻴﻢ ﻋﲆ اﻟﻌﺎﺋﻼت اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ اﻧﺘﻈﺎرﻧﺎ ﻭﻛﺄﳖﻢ
ﻳﻘﺴﻤﻮﻥ اﳉﻮاﺋﺰ أﻭ ﻫﻜﺬا ﺧﻴﻞ اﱄ .ﻭﻋﲆ اﳋﻂ ﻛﺎﻥ اﳌﱰﲨﺎﻥ
اﻟﺼﺤﺮاﻭﻳﺎﻥ ﻳﻔﴪاﻥ ﻟﻨﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻘﺎﻝ .ﻭﺑﲈ أﻥ ﺟﻠﻨﺎ ﻛﺎﻥ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ
إﻻ ﻛﻠﻤﺔ أﻭ ﻛﻠﻤﺘﲔ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ اﻟﻠﻐﺔ ,ﻓﺎﻹﺟﺎﺑﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺈﻳﲈءة ﻣﻦ
رؤﻭﺳﻨﺎ ﻛﻠﲈ اﺳﺘﻌﴡ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﻔﻬﻢ ,ﻛﻨﺎ ﳏﺾ أﻃﻔﺎﻝ ﳛﺮﻛﻨﺎ
ﻓﻀﻮﻟﻨﺎ ﻭﺑﺮاءﺗﻨﺎ .ﺑﻌﺪ ﻫﺬﻩ اﳋﻄﻮة ﳚﺮﻱ ﺗﻘﺴﻴﻤﻨﺎ ﻋﲆ اﻷﺣﻴﺎء
ﻭاﻟﻀﻮاﺣﻲ.
ﻭ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻧﺼﻴﺒﻲ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﺗﻘﻄﻦ ﰲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺷﲈﻝ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ
ﺗﺪﻋﻰ "ﺳﺎﻧﺖ ﻓﻮﺳﺖ دﻱ ﻛﺎﻣﺒﻮﺳﻨﺘﺎس" .ﻋﻨﺪ أﻭﻝ ﻟﻘﺎء ﻣﻊ
ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ اﳉﺪﻳﺪة :اﻷب "ﺧﻮاﻥ ﺑﲑﻳﺮا" ﻭ اﻷﻡ "اﻳﺰاﺑﻴﻼ"
أﺣﺴﺴﺖ ﺑﻐﺮﺑﺔ ﺷﺪﻳﺪة ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻥ اﻟﻔﺮح ﻭ اﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺗﻌﻠﻮ
ﳏﻴﺎﳘﺎ ,ﻓﺄﻧﺎ ﻻ أﻓﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻻﻥ ,ﻟﺬﻟﻚ أﺧﺬ ﻳﺘﺤﺪﺛﺎﻥ ﻣﻌﻲ ﺑﻠﻐﺔ
اﻹﺷﺎرة ﻛﻤﺤﺎﻭﻟﺔ ﻟﻠﺘﻘﺮب ﻣﻨﻲ ,ﻟﻜﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﻨﻌﺰﻟﺔ ﻭ أﺑﻜﻲ.
ﻋﻨﺪ ﻭﺻﻮﻟﻨﺎ إﱃ اﳌﻨﺰﻝ ﺑﻘﻲ اﳊـﺎﻝ ﻋـﲆ ﻣـﺎﻫﻮ ﻋﻠﻴـﻪ إﱃ أﻥ
ﺣﴬــت اﺑﻨــﺘﻬﲈ "ﻣﺎرﻳــﺎ" ﺳــﻠﻤﺖ ﻋــﲇ ﻭﻋــﺎﻧﻘﺘﻨﻲ ﺑﺤــﺮارة,
أﺣﺴﺴــﺖ ﺑﺎﻷﻣــﺎﻥ ﻣﻌﻬــﺎ .ﻭﻣــﻦ اﻟﻮﻫﻠــﺔ اﻷﻭﱃ دﺧﻠــﺖ ﻗﻠﺒــﻲ
ﻭأﺣﺴﺴﺖ ﺑﺎﻷﻟﻔﺔ ﻭﻇﻠﻠﺖ ﻣﻼزﻣﺔ ﳍﺎ أراﻓﻘﻬﺎ أﻳﻨﲈ ذﻫﺒﺖ.
ﻛــﺎﻥ اﻷب"ﺧــﻮاﻥ"ﻳﺸــﺘﻐﻞ ﺿــﻤﻦ أﺣــﺪ اﳉﻤﻌﻴــﺎت
اﳌﺘﻀﺎﻣﻨﺔ ﻣﻊ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺼﺤﺮاﻭﻱ ,ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﳞﻢ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻋﺎﻣـﺔ
ﻋﻨﻲ ﻭﻋﲆ ﻋﻠﻢ ﺑﺎﺳﻤﻲ ﻭرﻗﻤﻲ ﻭﺑﺤﻴﺜﻴﺎت أﺧﺮ .أﻣﺎ أﻧﺎ ﺑﺤﻜـﻢ
121
ﺻﻐﺮﻱ ﻻ أدرﻱ ﺷـﻴﺌﺎ ,ﻭﻻ أﻋـﺮﻑ إﱃ أﻳـﻦ أﻧـﺎ ذاﻫﺒـﺔ .ﰲ اﳌﻨـﺰﻝ
أدﺧﻠﻮﲏ اﻟﺪﻭش ﻭﻗﺎﻣﺖ ﻣﺎرﻳﺎ ﺑﺘﺤﻤﻴﻤﻲ ,ﻓﺎﺳـﱰﺣﺖ ﻣـﻦ ﻋﻨـﺎء
اﻟﺴﻔﺮ .أﺛﻨﺎء ﻓﱰة اﻟﻐﺪاء ﻳﺒﺘﺴـﻤﻮﻥ ..ﻳﺘﺤـﺪﺛﻮﻥ ﻣﻌـﻲ ..ﳚﻠﺴـﻮﻥ
ﺑﺠﺎﻧﺒﻲ .ﻭاﷲ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﱂ أﻛﻦ أدرﻱ اﻟﺒﺘﺔ ﻛﻴﻒ أﻓﺘﺢ ﺷﻔﺘ ﱠﻲ ,أﺗﻜﻠـﻢ
ﻓﻘﻂ ﺑﺎﻹﺷﺎرات ,ﺑﻜﺎﺋﻲ أﻛﺜـﺮ ﻣـﻦ ﺣـﺪﻳﺜﻲ ,ﻷﻥ ذﻛﺮﻳـﺎت أﻣـﻲ
ﻭأﺧﺘﻲ ﻭاﳌﺨﻴﻢ ﻻ ﺗﻐﻴﺐ ﻋﻦ ﳐﻴﻠﺘﻲ ﻭﻻ زاﻟﺖ ﻣﺴﻴﻄﺮة ﻋـﲇ .ﻭﰲ
ذاﻙ اﻟﺰﻣﻦ ﻭﻣﻊ ﻛﺎﻣﻞ اﻷﺳﻒ ﱂ ﻳﻜﻦ ﺑﻤﻘﺪﻭرﻱ اﻻﺗﺼـﺎﻝ ﺑـﺄﻣﻲ,
ﻫﻨﺎﻙ ﻻ ﻧﺘﻮﻓﺮ ﻋﲆ ﻫﺎﺗﻒ ﻭﻟﻮ أرادت اﻟﺘﺤﺪث ﻣﻌﻲ ﳚـﺐ ﻋﻠﻴﻬـﺎ
اﻻﻧﺘﻘﺎﻝ إﱃ ﺗﻨـﺪﻭﻑ ﻟﺘﺄﺧـﺬ دﻭرﻫـﺎ ﰲ ﻃـﺎﺑﻮر ﻃﻮﻳـﻞ ,ﻭاﳍـﺎﺗﻒ
ﻳﺸﺘﻐﻞ ﻣﺮة ﻭﻳﺘﻮﻗﻒ ﻣﺮات ,ﻭرﺑﲈ ﲤﴤ اﻟﻴﻮﻡ ﻛﻠـﻪ ﻭﺗﻌـﻮد ﺑﺨﻔـﻲ
ﺣﻨﲔ .ﻭإذا أﻋﺎدت اﻟﻜﺮة ﻓﻬﻨﺎﻙ إﺷﻜﺎﻟﻴﺔ أﺧﺮ ,ﳚـﺐ اﳊﺼـﻮﻝ
ﻋﲆ ﻫﺎﺗﻒ اﳌﴩﻑ اﻟـﺬﻱ ﻳﺘﺼـﻞ ﺑﺎﻟﻌﺎﺋﻠـﺔ اﳌﺴـﺘﻘﺒﻠﺔ أﻭاﳊﺎﺿـﻨﺔ.
ﻭﻫﺎﺗﻪ اﻹﺟﺮاءات ﻗﺪ ﺗﺄﺧﺬ أﻳﺎﻣﺎ ﳑﺎ ﻳﻘﻄﻊ أﻭﺻﺎﻝ اﻟﻜﺒـﺪ اﳊﻨـﻮﻥ,
ﻭﻫﺬﻩ اﻷﻡ اﻟﺮؤﻭﻡ اﻟﺘﻲ ﻇﻠﺖ ﺗﻨﺘﻈﺮ أﻥ ﺗﺴﻤﻊ ﺻـﻮت ﺻـﻐﲑﲥﺎ أﻭ
أﻭﺑﺘﻬﺎ ﺑﺄﻋﲔ داﻣﻌﺔ .ﻭﺑﺄﻣﻞ ﻣﻌﺎﻧﺪ ﲢﺪ ﻛﻞ اﻟﺼـﻌﻮﺑﺎت ﻟﺘﺤـﺎﻓﻆ
ﻋﲆ أﻣﻞ اﳊﺪﻳﺚ ﻣﻌﻬﺎ .ﻛﻞ ﻫﺬا ﳌﺠﺮد ﻛﻠﲈت ﰲ دﻗﺎﺋﻖ ,ﻳﻌﻨـﻲ أﻥ
اﻻﺗﺼﺎﻻت ﺻﻌﺒﺔ ﻭ ﻏﲑ ﻣﻴﴪة ﺑﺎﳌﺮة.
أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺆﳌﻨﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﳛﻞ اﻟﻠﻴﻞ أﺷﺘﺎﻕ إﱃ ﺣﻀﻦ
أﻣﻲ .أﻣﺎ ﰲ اﻟﻨﻬﺎر ﻓﺘﻠﻚ ﺣﻴﺎة ﻭ ﻣﺸﺎﻏﻞ أﺧﺮ.
ﻛﺎﻥ ﱄ ﺧﺎﻝ ﻳﻘﻄﻦ ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ,ﺣﺎﻭﻟﺖ ﻭاﻟﺪﰐ اﻻﺗﺼﺎﻝ
ﺑﻪ ﻟﺘﺴﺄﻝ ﻋﻨﻲ ,ﻟﻜﻦ ﻛﻞ ﳏﺎﻭﻻﲥﺎ ﺑﺎءت ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ .ﻭ ﺑﻌﺪ إﴏار
122
ﻣﻨﻬﺎﻭ ﺗﻜﺮار اﻷﻣﺮ ﻣﺮات ,ﻧﺠﺤﺖ ﰲ اﻻﺗﺼﺎﻝ ﺑﺎﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﺑﻌﺪ ﻣﴤ
ﺷﻬﺮ ﻭﻧﻴﻒ ,ﻭأذﻛﺮ أﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﻮﻡ أﺣﺪ ﻷﻥ اﻟﻜﻞ ذﻫﺐ ﻟﺼﻼة
اﻟﻘﺪاس ﰲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ,ﻓﺒﻘﻴﺖ ﻭﺣﻴﺪة ﰲ اﻟﺒﻴﺖ .رﻥ اﳍﺎﺗﻒ
ﻭأﴎﻋﺖ ﻛﻲ أﻟﺘﻘﻄﻪ ﻓﺈذا ﺑﺼﻮت أﻣﻲ ﻭﻗﻊ ﻛﻠﲈﲥﺎ ﻫﻴﺠﺖ
أﺷﺠﺎﲏ ﻭ ﺑﻜﻴﺖ ﻛﺜﲑا ,ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﻋﻦ ﺣﺎﱄ ﻓﺄﺟﺒﺘﻬﺎ" :اﻓﺘﻘﺪﺗﻜﻢ
ﻛﺜﲑا أﻣﺎﻩ ,"...ﻛﻢ ﲤﻨﻴﺖ أﻥ ﺗﻄﻮﻝ اﳌﻜﺎﳌﺔ ﻟﻜﻦ اﳋﻂ اﻧﻘﻄﻊ.
أﻭﺗﺪرﻱ ﻳﺎﺧﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﳌﻀﺤﻜﺔ اﳌﺒﻜﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ
ﻣﻌﻲ أﻳﺎﻣﻲ اﻷﻭﱃ ﰲ ﺿﻴﺎﻓﺔ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ أﳖﻢ ﻛﻠﲈ أﻋﻄﻮﲏ ﻭﺟﺒﺔ
اﻷﻛﻞ ﻛﻨﺖ أﺗﻘﻴﺆﻫﺎ .ﻓﻘﺪ ﺗﻐﲑ ﻧﻈﺎﻣﻲ اﻟﻐﺬاﺋﻲ −ﻭ ﻣﺎ زاﻝ أﻓﺮاد
ﻋﺎﺋﻠﺔ "ﺑﲑﻳﺮا" ﻳﺬﻛﺮﻭﻧﻨﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﺎزﺣﲔ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺎت .إذ
أﻧﻨﻲ ﻣﻨﺬ ذاﻙ اﻟﺰﻣﻦ ﱂ أﺳﺘﻄﻊ اﻟﺘﺄﻗﻠﻢ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﻣﻊ ﻫﺬا اﻟﺘﻐﻴﲑ,
أﻣﻀﻴﺖ ﺷﻬﺮﻳﻦ ﻭﻣﻦ أﻏﺮب اﻷﻣﻮر أﲏ أﺻﺒﺤﺖ أﲢﺪث
اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﳏﺮﺟﺔ ﰲ اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻌﻬﻢ .ﻟﻜﻨﻲ اﺳﺘﻄﻌﺖ
ﺑﻌﺪ ﳎﻬﻮد أﻥ أﺗﺄﻗﻠﻢ ﻭأﻧﺼﻬﺮ ﰲ ﻋﺎﳌﻬﻢ .ﻟﻘﺪ ﻗﻤﻨﺎ ﺑﺮﺣﻼت
ﻭأﺳﻔﺎر ﻷﻣﺎﻛﻦ ﻣﺘﻌﺪدة ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﱄ أﺻﺒﺤﺖ أﺗﻜﻴﻒ ﻣﻊ اﻷﺟﻮاء,
ﻭﺻﺎرت ﺑﻴﻨﻲ ﻭﺑﻴﻨﻬﻢ أﻟﻔﺔ ,ﺧﺎﺻﺔ اﺑﻨﺘﻬﻢ ﻣﺎرﻳﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺮاﻓﻘﻨﻲ
دﻭﻣﺎ".
ﻛﺎﻥ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﺟﺪا أﻥ أﺗﻮاﺻﻞ ﻣﻊ أﻣﻲ ,ﻟﻜﻦ ﺧﺎﱄ أﲪﺪ
ﻛﺎﻥ ﺻﻠﺔ ﻭﺻﻞ ﺑﻴﻨﻨﺎ .ﻭﻫﺬا ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻮاﺳﻴﻨﻲ ﻭﻳﺆﻧﺲ ﻭﺣﺪﰐ
اﳊﻘﻴﻘﺔ أﲏ ﻛﻨﺖ ﻓﻌﻼ ﻃﻔﻠﺔ ﺻﻐﲑة ﻏﺮﻳﺒﺔ أﻭﻃﺎﻥ ,ﺑﺮﻳﺌﺔ أﺧﺬت
ﻣﻦ ﻛﻨﻒ أﻣﻬﺎ إﱃ ﻋﺎﱂ آﺧﺮﺑﻌﻴﺪا ﻛﻞ اﻟﺒﻌﺪ ﻋﲈ ﻋﺮﻓﺘﻪ ,ﻭﻣﺎ ﻋﺎﺷﺘﻪ
123
ﻓﻴﲈ ﺳﺒﻖ .ﻓﺄﻳﻦ أﻧﺎ ﳑﺎ ﻳﻘﺎﻝ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺨﺼﻴﺔ اﻟﻄﻔﻞ ﺗﺘﺸﻜﻞ
ﻭﻳﺘﻌﻠﻢ اﻟﻜﻼﻡ ﰲ ﺳﻨﻮاﺗﻪ اﻟﺴﺘﺔ اﻷﻭﱃ ,ﻓﲈ ﺑﺎﻟﻚ إﻥ ﺳﺎﻓﺮ إﱃ ﻋﻮاﱂ
أﺧﺮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻭﻫﻮ ﱂ ﻳﺪرﻙ اﻟﴚء اﻟﻜﺜﲑﻋﻦ اﳊﻴﺎة.
أﺛﻨﺎء أﺳﻔﺎرﻱ ﻣﻊ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ,اﳌﻜﺎﻥ اﻟﻮﺣـﻴﺪ اﻟﺬﻱ ﻛﻨﺖ ﻻ
أﺗﺮﻛﻬﻢ ﻳﺮﺗﺎﺣﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﻫﻮ ﺷﺎﻃﺊ اﻟﺒﺤﺮ .ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﺧﺎﻓﻪ ﻛﺜﲑا
ﻧﻈﺮا ﳊﻜﺎﻳﺎت أﻣﻲ ﻋﻨﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺒﺘﻠﻊ اﻟﺒﴩ .ﻟﺬا ﻛﻨﺖ ﺳﺎذﺟﺔ
ﻭﻣﺮﻋﻮﺑﺔ ,ﰲ أﻏﻠﺐ اﻷﻭﻗﺎت ﻻ أﺗﺮﻛﻬﻢ ﻳﺴﺘﻤﺘﻌﻮﻥ ﺑﻪ .ﻟﻜﻦ
ﺑﺎﳌﻘﺎﺑﻞ ﻛﺎﻥ ﱄ ﺷﻐﻒ ﻛﺒﲑ ﺑﺎﳌﺴﺒﺢ ﺑﻌﺪ ﺗﻌﻠﻤﻲ اﻟﺴﺒﺎﺣﺔ ,ﻛﺎﻧﺖ
ﺷﻬﻴﺘﻲ ﻣﺴﺪﻭدة ﻭأﻛﲇ ﻗﻠﻴﻞ ,ﻧﻈﺮا ﻹﺣﺴﺎﳼ ﺑﺎﻟﻘﺮﻑ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ
اﻷﻃﻌﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ أﺳﺘﺴﻴﻐﻬﺎ .ﻭﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻛﻨﺖ أﺧﺠﻞ
ﻣﻦ رﻓﴤ اﳌﺘﻜﺮر ﻟﻠﻐﺬاء ,ﻭﺑﲈ أﻥ اﻟﺴﺒﺎﺣﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻮاﻳﺘﻲ اﳌﺤﺒﺒﺔ.
ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﺗﺸﱰط أﻥ أﺗﻨﺎﻭﻝ ﻭﺟﺒﺘﻲ ﻛﺎﻣﻠﺔ إذا أردت
اﻟﺬﻫﺎب إﻟﻴﻪ .ﻣﻊ ﻣﺮﻭر اﻷﻳﺎﻡ −ﻭﺑﺤﻜﻢ اﻟﺘﻮاﺻﻞ−أﺻﺒﺤﺖ
أﺗﻘﺮب إﻟﻴﻬﻢ ﺣﺘﻰ أﲏ ﻧﺠﺤﺖ ﰲ ﺗﻌﻠﻢ اﻟﻜﻄﻼﻧﻴﺔ ﻭﻫﻲ ﻟﻐﺔ
اﻟﺒﺎﺳﻚ ﰲ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ.
ﺑﻌﺪ اﻧﻘﻀﺎء اﻟﺼﻴﻒ ﻭاﻧﺘﻬﺎء ﺷﻬﻮر اﳉﻮﻟﺔ ﺟﺎءت ﳊﻈﺔ
اﻟﻮداع ,ﻭﻛﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺻﻌﺒﺔ .اﺟﺘﻤﻌﺖ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﺣﻮﱄ اﻟﻜﻞ ﻳﻌﺎﻧﻘﻨﻲ
ﻭﻳﻘﺒﻠﻨﻲ ﺑﺪﻭرﻩ ﰲ أرﻗﻰ ﺻﻮر اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ .ﻭاﳌﻔﺎرﻗﺔ أﻥ ﺷﻌﻮرﻱ ﻛﺎﻥ
ﳐﺘﻠﻔﺎ ﻗﻠﻴﻼ ﺑﲔ اﳊﺰﻥ ﻭﻓﻴﺾ ﻣﻦ اﻟﻔﺮح ,ﻓﺄﻧﺎ ﻋﺎﺋﺪة إﱃ ﺣﻀﻦ
أﻣﻲ..إﱃ ﻣﺴﻘﻂ رأﳼ ,إﱃ اﳌﺨﻴﻢ ﺣﻴﺚ ﻻ ﳾء ﻫﻨﺎﻙ ﻭ ﻛﻞ ﳾء
ﻫﻨﺎﻙ .أﺛﻨﺎء ﺗﻮدﻳﻌﻲ ذرﻓﺖ ﻣﺎرﻳﺎ دﻣﻮﻋﺎ ﻛﺜﲑة ,ﻭﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ
124
ذﻟﻚ ,اﻧﺘﺎﺑﺘﻨﻲ ﻓﺮﺣﺔ ﻣﺰدﻭﺟﺔ .ﻭﺣﻘﻴﻘﺔ ﻟﻠﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺬاﰐ ﻓﻘﻂ ,ﱂ
ﺗﺒﺨﻞ ﻋﲇ ﻋﺎﺋﻠﺔ"ﺧﻮاﻥ ﺑﲑﻳﺮا"ﺑﴚء ﻣﻦ اﻻﻫﺘﲈﻡ ,ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا
أﺳﺨﻴﺎء ﻣﻌﻲ ﻭاﺷﱰﻭا ﱄ اﳍﺪاﻳﺎ ﻭ اﳌﻼﺑﺲ ﻛﲈ أﳖﻢ أﻋﻄﻮﲏ ﻗﺪرا
ﻣﻦ اﳌﺎﻝ ﻷﺳﻠﻤﻪ ﻷﻣﻲ ,ﻭاﷲ ﻛﻨﺖ أر ﰲ ﻋﻴﻮﳖﻢ اﳊﴪة ﻭاﻷﺳﻰ
ﻋﲆ ﻓﺮاﻗﻲ .ﻭﺑﺎﳌﻘﺎﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺮﺣﺔ ﻟﻘﺎء أﻣﻲ ﺑﻌﺪ ﻏﻴﺎب ﻃﻮﻳﻞ
أﻛﱪ .أﺛﻨﺎء ﻋﻮدﰐ إﱃ ﻣﻄﺎر اﳉﺰاﺋﺮ ,ﻭﻣﻨﻪ إﱃ ﺗﻨﺪﻭﻑ أﺣﺪ ﻟﻴﺎﻝ
ﺳﺒﺘﻤﱪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻜﺜﲑ ﻣﻦ اﻷﻣﻬﺎت ﺑﻤﻌﻴﺔ أﻣﻲ ﻳﻨﻈﺮﻥ ﺑﻌﻴﻮﻥ
ﺷﺎﺧﺼﺔ إﱃ اﻟﺴﲈء إﱃ أﻥ ﲢﻂ اﻟﻄﺎﺋﺮة .ﻭﺑﻌﺪﻫﺎ اﺳﺘﻘﺒﻠﺖ اﻟﺸﺎﺣﻨﺔ
اﻟﺘﻲ ﺳﺘﻘﻠﻬﻢ اﱃ اﳌﺨﻴﻢ ﺑﴫﺧﺎت اﻷﻃﻔﺎﻝ ,اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﲨﻴﻌﺎ
ﻳﻨﺘﻈﺮﻭﳖﺎ ﺑﺼﱪ ﻧﺎﻓﺬ ,ﻭاﺑﺘﻬﺠﻮا ﺑﻮﺻﻮﻝ اﳌﴩﻑ ﻋﲆ اﳉﻮﻟﺔ .ﻛﺎﻥ
ﻋﺪدﻫﻢ ﻳﻔﻮﻕ اﻟﺜﻼﺛﲔ ﺻﺒﻴﺎ ﻭﺻﺒﻴﺔ ,ﳛﻤﻠﻮﻥ ﻋﲆ أﺟﺴﺎدﻫﻢ
اﻟﺼﻐﲑة ﺣﻘﺎﺋﺐ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ .ﻭﻻ أدرﻱ إﱃ أﻱ ﺣﺪارﺗﺒﻄﺖ اﻟﱪاءة
اﻟﺴﺎذﺟﺔ اﳌﻄﻠﺔ ﰲ أﺣﺪاﻕ اﻟﺼﻐﺎر ,ﻭﻃﺎب ﱄ أﻥ ﻧﻜﻮﻥ ﳏﻔﻮﻓﲔ
ﺑﻜﻞ ﻫﺬا اﻻﻫﺘﲈﻡ ﻭاﻟﻔﺮح .ﻭﲤﻨﻴﺖ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ أﻳﺎﻡ ﺑﻘﻴﺔ ﻋﻤﺮﻱ ﻳﻮﻣﺎ
ﻃﻮﻳﻼ ﻛﻬﺬا ,ﺣﻴﺚ ﲤﻠﻜﻨﻲ إﺣﺴﺎس اﻗﺸﻌﺮ ﻟﻪ ﺟﺴﺪﻱ ﻛﻠﲈ
ﺳﻤﻌﺖ ﰲ اﳉﺎﻧﺐ اﻷﺧﺮ زﻏﺎرﻳﺪ اﻷﻣﻬﺎت ﺗﺮﺟﻊ ﺻﺪ ﻓﺴﺤﺔ
اﻟﺼﺤﺮاء ﻭاﺑﺘﻬﺎﺟﻬﻦ ﻭﻫﻦ ﻳﻨﺘﻈﺮﻥ ﻋﲆ أﺣﺮ ﻣﻦ ﲨﺮﻓﻠﺬات
أﻛﺒﺎدﻫﻦ ﺑﻌﺪ إﺷﻌﺎرﻫﻦ ﺑﺎﻟﺘﺴﻠﻴﻢ .أذﻛﺮ أﻧﻨﻲ ﻗﻔﺰت ﻣﻦ اﻟﺸﺎﺣﻨﺔ
ﻭﻋﺎﻧﻘﺘﻨﻲ أﻣﻲ ﺛﻢ ﲪﻠﺘﻨﻲ ﻣﻌﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺧﻴﻤﺘﻨﺎ ,ﻫﻨﺎﻙ ﻭﺟﺪت اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ
ﰲ اﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻨﺎ ﻗﺒﻴﻞ اﻟﻐﺮﻭب ﻭﺑﺎﻷﺣﻀﺎﻥ" :ﻳﺎ أﴎﰐ ,ﱂ أﺷﻌﺮ
ﺑﺘﻌﺐ اﻟﺴﻔﺮ ﻭﱂ أﻧﻢ ,ﲢﻠﻘﻮا ﻣﻦ ﺣﻮﱄ ,ﻭأﺧﺬت ﰲ ﴎد رﺣﻠﺘﻲ
125
ﻣﻦ اﻟﻴﻮﻡ اﻷﻭﻝ إﱃ ﻳﻮﻡ ﻭﺻﻮﱄ ,ﻭأﺟﻴﺐ ﻋﻦ ﺳﻴﻞ ﻣﻦ أﺳﺌﻠﺔ
أﴎﰐ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺣﴫ ﳍﺎ .ﻭأﻣﻲ ﺗﻠﺢ ﺳﺎﺋﻠﺔ" :ﻫﻞ ﻛﻨﺖ ﺗﺼﻠﲔ?
ﻫﻞ أﻛﻠﺖ ﳊﻢ اﳋﻨﺰﻳﺮ ﺑﻨﻴﺘﻲ?" ﻭأﻧﺎ أﺟﻴﺐ ﺑﺎﻟﻨﻔﻲ ﺑﻜﻞ ﺑﺮاءة.
ﺟﻠﺒﺖ أﻣﻲ ﺣﻘﺎﺋﺒﻲ اﻟﺼﻐﲑة ﳏﻤﻠﺔ ﺑﺎﳍﺪاﻱ اﻟﻨﻔﺮغ ﻣﺎ ﲠﺎ
ﻭﻳﻮزع ﻋﲆ أﻓﺮاد اﻷﴎة ﻭﺑﻌﺾ اﳉﲑاﻥ .أﻣﺎ اﳌﺎﻝ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻓﺴﻠﻤﺘﻪ
ﻷﻣﻲ ﻟﺘﺤﺘﻔﻆ ﺑﻪ ﻭﺗﻘﴤ ﺑﻪ ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ أﻣﻮرﻫﺎ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ.
ﻫﻜﺬا رﺟﻌﺖ إﱃ رﻭﺗﲔ اﳊﻴﺎة ﰲ اﳌﺨﻴﻢ .اﻧﻄﻠﻖ اﳌﻮﺳﻢ
اﻟﺪراﳼ ﻭإﲨﺎﻻ ﻻ ﳾء ﺗﻐﲑ ﻣﻨﺬ ذاﻙ اﻷﻭاﻥ .ﻭﺑﻌﺪ ﻣﴤ أﺷﻬﺮ −
أﻇﻦ ﳖﺎﻳﺔ دﻳﺴﻤﱪ ﻗﺒﻴﻞ أﻋﻴﺎد اﳌﻴﻼد −زارﻧﺎ ﺧﻮاﻥ ﺑﲑﻳﺮا ﻭﻛﻢ
ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺮﺣﺘﻨﺎ ﻛﺒﲑة ﺟﺎء ﳏﻤﻼ ﺑﺎﳍﺪاﻳﺎ ﻭاﳌﺴﺎﻋﺪات ﺧﺎﺻﺔ
اﻷدﻭﻳﺔ ﺑﺄﻧﻮاﻋﻬﺎ .ﻗﴣ ﻣﻌﻨﺎ أﺳﺒﻮﻋﺎ ﻛﺎﻣﻼ ,ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻛﺎﻧﺖ أﺟﻮاء
راﺋﻌﺔ ﺗﻄﺒﻌﻬﺎ اﳌﻮدة .ﻫﺬﻩ اﻟﻌﻼﺋﻖ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ أﺣﻴﺎﻧﺎ ﻛﺜﲑة ﺗﺘﺠﲆ ﰲ
ﻣﺸﺎﻫﺪ ﻣﻦ اﳊﻴﺎة ﺻﺎدﻗﺔ ﺻﺪﻗﺎ ﻋﻤﻴﻘﺎ ,أﺣﺪاث أﻭ ﺳﻠﺴﻠﺔ أﺣﺪاث
ﺗﺮﺑﻂ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻭﺷﺎﺋﺞ ﻭﺗﺸﺪ ﺑﻌﻀﻬﺎ إﱃ ﺑﻌﺾ ﻓﻜﺮة ﻣﻮﺟﻬﺔ ﲤﻠﺆﻫﺎ
ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﻏﲑ ﻣﺘﻮﻗﻌﺔ ﺗﱰاﻭح ﺑﲔ أﻋﲆ ﲡﻠﻴﺎت اﻟﻮﺟﻮد اﻹﻧﺴﺎﲏ.
ﻭﻫﺬا ﻳﻈﻬﺮ ﰲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﳊﻤﻴﻤﻴﺔ ﺑﲔ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﺎﺋﻼت اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ
ﻭاﻷﻃﻔﺎﻝ اﻟﺼﺤﺮاﻭﻳﲔ ﺑﺪﻣﻮع ﺻﺎدﻗﺔ −ﻋﻨﺪ ﻛﻞ ﻓﺮاﻕ أﻭ ﻟﻘﺎء,−
أﺿﻒ إﱃ ذﻟﻚ أﻥ اﻟﻨﺎس ﰲ اﳌﺨﻴﻢ ﺗﻌﻄﻲ ﻛﻞ ﳾء ﺣﺘﻰ اﻷﺷﻴﺎء
اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺘﻮﻓﺮﻭﻥ إﻻﻋﲆ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻨﻬﺎ ,ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻈﺮﻭﻑ اﻟﺼﻌﺒﺔ.
ﻭﻫﻲ ﺷﻬﺎدات ﻳﺘﺪاﻭﳍﺎ اﻹﺳﺒﺎﻥ ﻓﻴﲈ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻋﺮﻓﺎﻧﺎ ﺑﺎﳉﻤﻴﻞ اﻟﺬﻱ
ﻳﺼﻨﻊ ﻣﻊ أﺑﻨﺎﺋﻬﻢ ﻛﻞ ﺻﻴﻒ ,ﻭﻛﺬا ﻛﻄﺒﻊ ﺑﺪﻭﻱ زادﻩ اﻟﻜﺮﻡ ,ﻭﻫﻮ
126
ﻣﺎ ﻳﻮﻟﺪ أﻟﻔﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻋﻨﺪ اﻷﺳﺒﺎﻥ ,ﺑﺘﺒﺎدﻝ اﻟﺰﻳﺎرات ﻭﻗﻀﺎء
أﻭﻗﺎت ﺑﲔ ﻇﻬﺮاﻧﻴﻬﻢ ﻭﺗﻘﺪﻳﻢ اﳌﺴﺎﻋﺪات ﻭإﻧﺸﺎء اﳉﻤﻌﻴﺎت ﰲ
ﺑﻼدﻫﻢ ,أﻭ رﺑﲈ ﻫﻲ ﻋﻘﺪة اﻟﺬﻧﺐ اﻟﺘﺎرﳜﻲ .ﺧﻠﻴﻞ ,ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ
ﻟﻴﺲ ﻟﺪﻱ ﺗﻔﺴﲑ ﻣﻘﻨﻊ ﻓﺎﻟﻌﻼﻗﺎت اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ أﺣﻴﺎﻧﺎ ﻋﺼﻴﺔ ﻋﲆ
اﻟﻔﻬﻢ.
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺎدت ﻋﲆ اﺳﻤﻪ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﱂ ﳚﺐ ﺧﻠﻴﻞ ,ﻓﻘﺪ
أﺧﺬﺗﻪ ﺳﻨﺔ ﻭﻧﺎﻡ ,أﻃﻔﺄت ﻫﻲ اﻟﻨﻮر ﻭاﻧﺴﻠﺖ ﺑﺒﻂء ﺧﺎرج اﻟﻐﺮﻓﺔ.
ﰲ ﻣﺴﺎء اﻟﻴﻮﻡ اﳌﻮاﱄ ﻋﺎدت ﻭﻗﺪ ﺑﺪا ﻋﲆ ﻗﺴﲈت ﻭﺟﻬﻬﺎ اﳌﻼﺋﻜﻲ
اﻟﺘﻌﺐ ,ﻓﺎﻋﺘﺬر ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻦ ﻧﻮﻣﻪ اﻟﺒﺎرﺣﺔ.
ﻟﻮﺣﺖ ﺑﻴﺪﻫﺎ" :ﻻ ﲥﺘﻢ ,أﻧﺖ ﰲ أﺧﺮ اﳌﻄﺎﻑ ﻣﺮﻳﺾ,
ﻭﻻزﻟﺖ ﻣﺘﻌﺒﺎ ﻭأﺛﻘﻠﺖ ﻋﻠﻴﻚ أﻧﺎ ﺑﺤﻜﺎﻳﺘﻲ" .ﻓﻘﻠﺖ" :أﺑﺪا أﻧﺎ ﻣﻦ
ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻚ ذﻟﻚ ,ﻓﻌﲆ اﻷﻗﻞ أﻧﺖ ﺣﻜﺎﻳﺎﺗﻚ ﺗﺆﻧﺲ ﻭﺣﺸﺘﻲ".
أﻣﻀﻴﻨﺎ ذاﻙ اﳌﺴﺎء إﱃ ﻭﻗﺖ ﻣﺘﺄﺧﺮ .ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﱄ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻗﺪرة
ﻋﲆ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﻛﻞ ﳾء ﺑﲈ ﻓﻴﻪ اﻟﺘﻌﺐ ﻭاﻟﻨﻮﻡ ,إﻻ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﻋﺬﻭﺑﺔ
ﴎدﻫﺎ ﻟﻸﺣﺪاث ﻓﻼ.
"ﻧﻜﻤﻞ اﳊﻜﺎﻳﺔ إذﻥ ".ﻗﺎﻟﺖ" :ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻣﴣ ﻣﻌﻨﺎ ﺧـﻮاﻥ
أﺳــﺒﻮﻋﺎ ,ﻗﻔــﻞ راﺟﻌــﺎ ﻭﻟﻜﻨــﻪ ﻭﻋــﺪ أﻣــﻲ أﻥ ﻳﻌــﻮد ﰲ أﻗــﺮب
ﻓﺮﺻﺔ.ﻭﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﻋﺮض ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻗﱰاح ,ﰲ أﻥ ﻳﺼـﺤﺒﻨﻲ ﻣﻌـﻪ ﳖﺎﻳـﺔ
اﻟﺼﻴﻒ ﻭأﻗﻴﻢ ﻣﻌﻪ ﻷﺳﺘﻜﻤﻞ دراﺳﺘﻲ ﻫﻨﺎﻙ.
127
ﻋﺎرﺿﺖ أﻣﻲ ذﻟﻚ ﺑﺸﺪة أﻭﻝ اﻷﻣﺮ ﻟﻜﻨﻬﺎ أﺟﺎﺑﺘﻪ ﺑﻌﺪ
ذﻟﻚ ﺑﺄﻥ اﻟﺼﻴﻒ ﻻﻳﺰاﻝ ﺑﻌﻴﺪا ,ﻭأﻥ ﻟﻜﻞ ﺣﺎدث ﺣﺪﻳﺚ ,ﻭﻟﻜﻞ
ﻣﻘﺎﻡ ﻣﻘﺎﻝ ﰲ ﺷﻜﻞ رﻓﺾ ﻭﲤﺎﻃﻞ دﺑﻠﻮﻣﺎﳼ ,ﻋﺪت إﱃ أﺟﻮاء
اﳌﺪرﺳﺔ ﺑﺎﳌﺨﻴﻢ .ﻭﻣﺮ ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء ﺑﺎردا ﻛﺎﻟﻌﺎدة ﻭﺗﻼﻩ اﻟﺮﺑﻴﻊ ﺛﻢ
اﻟﺼﻴﻒ ,ﻭدﻋﻨﻲ أﺧﱪﻙ أﻥ اﻟﻌﺎﻡ اﻟﺪراﳼ اﻟﺬﻱ ﻛﻨﺖ أﻣﻀﻴﻪ ﰲ
اﳌﺨﻴﻢ .ﻛﺎﻥ أﻃﻮﻝ ﻣﺪة ﺑﺤﻖ ,ﻭﻟﻴﺲ ﻛﺎﻟﻌﺎﻡ ﰲ أﻳﺎﻣﻨﺎ ﻫﺎﺗﻪ اﻟﺬﻱ
أﺻﺒﺢ ﻳﻤﴤ ﴎﻳﻌﺎ .ﻭﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪﻱ ﺗﻔﺴﲑ ﻟﺬﻟﻚ ﺣﻘﻴﻘﺔ ,رﺑﲈ
أﺻﺒﺤﺖ ﴎﻋﺔ دﻭراﻥ اﻷرض ﺣﻮﻝ اﻟﺸﻤﺲ أﴎع ,ﻭﻛﲈ
أﺧﱪﺗﻚ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ .ﻫﻨﺎ ﻧﻌﺎﻭد اﻟﻜﺮة ,ﻧﻔﺲ اﻹﺟﺮاءات اﻟﺮﻭﺗﻴﻨﻴﺔ,
ﻓﻜﲈ ﺗﻌﺮﻑ أﻥ ﻛﻞ اﻧﻔﺼﺎﻝ ﻣﺆﱂ ﻣﻬﲈ ﻗﻞ ﺷﺄﻧﻪ.
أﺷﻌﺮ ﺑﺬﻟﻚ اﻷﱂ ﰲ ﻛﻞ ذرة ﻣﻦ ﺟﺴﺪﻱ ,ﺗﴫخ ﺑﻪ إﳖﺎ
اﳌﺮة اﻷﻭﱃ اﻟﺘﻲ ﺳﺄﻧﻔﺼﻞ ﻋﻦ أﻣﻲ ﻭﻟﻦ أراﻫﺎ إﻻ ﺑﻌﺪ ﻣﺪة ﻃﻮﻳﻠﺔ,
ﻭﻫﻲ ﻣﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﲢﻨﻮ ﻋﲇ ﺣﻨﻮ اﳌﺮﺿﻊ ﻋﲆ اﻟﻔﻄﻴﻢ أﻭ ﺑﺘﻌﺒﲑﻫﺎ
"ﺳﻼﻟﺔ اﳌﴫاﻥ ﻭﺑﻨﺖ اﻟﺮﻛﺒﺔ".
ﻣﺎ ﺷﻌﺮت ﺑﻪ ﺻﺪﻗﺎ ﻻ ﺗﺴﻌﻪ اﻟﻜﻠﲈت ﻭأﻋﺠﺰ ﺣﻘﺎ ﻋﻦ
اﻟﺘﻌﺒﲑ ﻋﻨﻪ ,ﻓﻬﻮ أﻣﺮ ﻟﻦ أﲤﻜﻦ أﺑﺪا ﻣﻦ ﻭﺻﻔﻪ ﺑﺪﻗﺔ.
ﻗﻠﺖ ﻣﻘﺎﻃﻌﺎ ":ﺗﻔﺮﻕ اﳊﻴﺎة اﻹﺧﻮة ﻭاﻷﻫﻞ ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﻢ
ﹸ
ﻳﺎﺳﻜﻴﻨﺔ ,ﻭأﺣﻴﺎﻧﺎ ﺗﻔﺮﻕ ﺣﺘﻰ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ".
"ﺑﻜﻞ ﺗﺄﻛﻴﺪ" أردﻓﺖ ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻭ ﻭاﺻﻠﺖ ﺣﺪﻳﺜﻬﺎ.
128
رﺟﻌﺖ إﱃ اﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ ﻭﻋﺎﺋﻠﺔ ﺧﻮاﻥ ﻣﺮة ﺛﺎﻧﻴﺔ,
ﻭﻟﻜﻨﻲ ﻻزﻟﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺪﻭار ﻭﺗﻘﻠﺐ اﻷﺟﻮاء,ﻭﺗﺒﺪﻝ ﻛﻞ ﳾء ﻣﻦ
ﺑﻴﺌﺔ إﱃ ﺑﻴﺌﺔ ﻣﻐﺎﻳﺮة ﲤﺎﻣﺎ .زد ﻋﲆ ذﻟﻚ أﲏ ﱂ أﻛﻦ ﻣﺮﺗﺎﺣﺔ ﻧﻔﺴﻴﺎ.
ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﳋﺎﱄ دﻭر ﻛﺒﲑ ﰲ إﻗﻨﺎع أﻣﻲ −ﺑﻌﺪ ﺳﻨﺘﲔ −ﺑﺄﻥ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ
اﻟﺪراﺳﺔ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻊ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﺧﻮاﻥ أﺿﻤﻦ ﻣﻦ اﳌﺨﻴﻢ ,ﻛﲈ أﻥ ﻗﺮﺑﻪ ﻣﻨﻲ
ﻭﺳﺆاﻟﻪ ﻋﻦ ﺣﺎﱄ ﻣﻦ ﻭﻗﺖ ﻷﺧﺮ ﻃﻤﺄﳖﺎ ﻋﲇ .ﻭﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ
ﻟﻪ ﺗﺄﺛﲑ ﻛﺒﲑ ﻋﲆ ﻣﺴﺎر ﺣﻴﺎﰐ ﻫﻨﺎﻙ ,ﻛﺎﻥ ﻣﻼذﻱ ,ﻛﻠﲈ ﺿﺎﻗﺖ ﰊ
اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻮﺿﻨﻲ ﻋﻦ أﺷﻴﺎء اﻓﺘﻘﺪﲥﺎ .ﻭﻟﻦ أﻧﺴﻰ ﻟﻪ ﻣﻌﺮﻭﻓﻪ ﻫﺬا ﻣﻌﻲ
ﻣﺎ ﺣﻴﻴﺖ .ﲥﺪﻳﻚ اﳊﻴﺎة أﺣﻴﺎﻧﺎ ﻭﺳﻂ ﻏﺮﺑﺔ اﻷﱂ ﻭاﳋﻮﻑ ﻣﻦ
اﳌﺠﻬﻮﻝ ﻣﻮاﻗﻒ ﺗﻜﺸﻒ ﻟﻚ ﻣﻌﺎدﻥ أﻧﺎس رﺑﲈ ﺗﺪﻋﻲ ﻣﻌﺮﻓﺘﻬﻢ,
ﻟﻜﻦ ﱂ ﺗﻜﻦ ﻟﺪﻳﻚ ﻓﻜﺮة ﻋﻦ ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﻢ .ﻭﻫﻮ أﲠﻰ ﲡﻠﻴﺎت اﻹدراﻙ
اﻹﻧﺴﺎﲏ.
رﺑﲈ ﺗﻼﺣﻆ أﻥ ﺟﻞ ﺣﺪﻳﺜﻲ ﻋﻦ أﻣﻲ ﻭأﺧﺘﻲ ﻭأﺧﻮاﱄ ,ﻓﺄﰊ
أﻏﻠﺐ اﻷﻭﻗﺎت ﱂ ﻳﻜﻦ ﺣﺎﴐا ﰲ أﻫﻢ اﻟﻠﺤﻈﺎت ﻣﻦ ﺣﻴﺎﰐ ,ﻛﺎﻥ
ﻛﺜﲑ اﻷﺳﻔﺎر اﱃ اﻟﻘﻄﺮ اﳌﻮرﻳﺘﺎﲏ ﻭأﻏﻠﺐ اﻷﻭﻗﺎت ﻳﻘﻀﻴﻬﺎ ﰲ
اﻟﺒﻮادﻱ ,ﻟﺪﻳﻪ اﻹﺑﻞ ﻭﺑﻌﺾ اﳌﻮاﳾ ,ﻟﺬﻟﻚ ﱂ ﻳﻜﻦ ﺣﺎﴐا ﰲ
اﳌﻮاﻗﻒ ﻭاﳌﺤﻄﺎت اﻟﺘﻲ ﺷﻜﻠﺖ ﻓﺮﻗﺎ ﰲ ﺣﻴﺎﰐ .ﻛﺎﻥ ﻋﲆ ﻫﺬا
اﳊﺎﻝ−ﻣﻨﺬ أﻋﻮاﻡ ﺧﻠﺖ −ﻗﺪ أﺗﻔﻬﻢ اﻟﻐﻴﺎب اﳌﺆﻗﺖ ﻭأﻟﺘﻤﺲ ﻟﻪ
ﻋﺬرا ,ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻗﻄﻌﺎ ﻟﻦ أﻏﻔﺮ ﻟﻪ ﻷﻥ اﻟﺬﻧﺐ ذﻧﺐ اﺧﺘﻴﺎر ﻻ ﳎﺎﻝ ﻓﻴﻪ
ﻟﻼﺿﻄﺮار .أﻳﺘﺠﺎﻫﻞ ﻣﺘﻌﻤﺪ ﹰا ﻭﻻ أدرﻱ ﻟﻪ ﺗﻔﺴﲑا ﻭﻻ ﳌﺎذا ? ﻫﻞ
ﻣﻦ اﻟﻌﺪﻝ أﻥ ﻳﱰﻙ رب أﴎة ﺑﻨﺎﺗﻪ ﻭزﻭﺟﺔ ﻭﻫﻢ ﰲ أﻣﺲ اﳊﺎﺟﺔ
129
إﻟﻴﻪ ﺑﺬرﻳﻌﺔ أﻥ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﺎ ﰲ ﻫﺬﻩ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻴﻔﲈ ﻛﺎﻥ أﻫﻢ ﻣﻦ اﻻﺑﻨﺎء!
ﻭأﻋﻠﻢ ﻋﻠﻢ اﻟﻴﻘﲔ أﻥ ﻭراء ﻛﻞ أﺛﺮ ﺳﺒﺐ ﻟﻜﻦ −ﺑﺎﳌﻘﺎﺑﻞ −اﻷﺷﻴﺎء
اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺮﺗﻜﺰ ﻋﲆ ﻣﻨﻄﻖ ﻣﺼﲑﻫﺎ اﻟﺴﻘﻮط ﺑﻔﻌﻞ اﳉﺎذﺑﻴﺔ .أﻋﺮﻑ
أﻥ ﻫﺬﻩ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻜﻦ ﻛﲈ ﺗﺮ ﻫﺎ أﻧﺎ ذﻱ أرﻳﻚ رﻭﺣﻲ
ﻋﺎرﻳﺔ ,ﻭﻻ ﺗﺴﺄﻟﻨﻲ ﻋﻦ اﻟﺴﺒﺐ ,ﻓﺒﻜﻞ ﺑﺴﺎﻃﺔ ﻻ ﻋﻠﻢ ﱄ ﺑﻪ.
ﺛﻤﺔ أﺷﻴﺎء ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻘﺎﺳﻤﻬﺎ ﻣﻊ أﺣﺪ ﻭﺗﺒﻘﻰ ﻣﻠﻜﻨﺎ ﻭﺣﺪﻧﺎ
ﻭﻫﻲ ﴎ ﺣﺮﻳﺘﻨﺎ ,ﻟﻜﻦ ﻳﺒﺪﻭ أﻧﻚ ﺳﺒﻴﺘﻨﻲ ﰲ ﻏﻔﻠﺔ ﻣﻨﻲ ,ﻓﴫت
ﺑﺄﻭﺟﺎع اﻟﺒﻮح أﺗﻘﻠﺐ .ﻭأﻧﺠﻊ أﻧﻮاع اﻟﻌﺒﻮدﻳﺔ ﻫﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ
اﻟﻌﺒﺪ ﻏﲑ ﺣﺎس ﺑﻘﻴﻮدﻩ ﻭﻻ ﱂ ﻗ ﹼﻴﺪ أﺻﻼ.
ﻭﺣﻘﻴﻘﺔ أﻥ ﺟﻞ أﻫﲇ ﱂ أﻋﺮﻓﻬﻢ إﻻ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﱪت ﺑﺤﻜﻢ
ﺗﻮاﺟﺪﻫﻢ ﺑﲔ ﻣﺪﻥ اﻟﺼﺤﺮاء ﻭاﳌﺨﻴﲈت ,ﻟﺬﻟﻚ ﱂ ﻳﻜﻦ ﳍﻢ
ﺣﻀﻮر ﻻﻓﺖ ﰲ ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ .ﻭﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ أﻧﺎ ﺣﺎﻣﻠﺔ ﳍﺬا اﻹﺳﻢ
ﻣﺎدﻳﺎ ﻋﲆ اﻟﻮرﻕ ﻭﻟﻴﺲ رﻭﺣﻴﺎ.
اﻧﻘﴣ اﻟﺼﻴﻒ ﻭﲤﻠﻜﻨﻲ اﺣﺴﺎس ﺑﺎﻟﻮﺣﺪة ,ﻓﺒﻘﺎﺋﻲ ﻣﻊ
ﻋﺎﺋﻠﺔ ﺧﻮاﻥ ﻭﺑﻌﺪﻱ ﻋﻦ أﻣﻲ ﻭأﺧﺘﻲ أﳌﻨﻲ ﻛﺜﲑا .ﺣﺎﻭﻟﺖ −ﻗﺪر
اﻹﻣﻜﺎﻥ −اﻟﺘﺄﻗﻠﻢ ﻣﻊ ﻣﺴﺎر ﺣﻴﺎﰐ اﳉﺪﻳﺪة ,ﱂ ﺗﻜﻦ ﻣﺪرﺳﺔ
"اﺳﺎﻟﺒﺎ دﻱ ﺑﺎﻳﺲ" ﺑﻌﻴﺪة ﻋﻦ ﻣﻨﺰﻝ ﺧﻮاﻥ .ﻭﺟﺪت ﺻﻌﻮﺑﺎت
ﲨﺔ ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ,ﻟﻜﻦ ﺧﺎﱄ أﲪﺪ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻋﻴﺸﻪ ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻛﺎﻥ ﻳﺘﺼﻞ ﻣﺮﺗﲔ ﻛﻞ أﺳﺒﻮع ,ﻭﻛﺬا ﺗﻜﺎﺛﻒ ﺟﻬﻮد اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ
ﺳﺎﻋﺪﲏ ﻛﺜﲑا ﻋﲆ ﲣﻄﻲ ﻋﻮاﻗﺐ ﻋﺪة ,ﺧﺎﺻﺔ ﺣﺎﺟﺰ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺘﻲ
130
ﺗﺪرس ﲠﺎ اﳌﻮاد ﰲ اﳌﺪرﺳﺔ ,ﻭاﻧﻘﻠﺒﺖ ﻋﻨﺪﻱ اﻵﻳﺔ .ﻓﺒﻌﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ
أﻗﴤ ﻋﻄﻠﺔ اﻟﺼﻴﻒ ﰲ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ ,ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺤﺖ أﻣﻀﻴﻬﺎ رﻓﻘﺔ
أﴎﰐ ﰲ اﳌﺨﻴﻢ ,ﻭأﺟﺪ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﰲ ﻓﺮاﻗﻬﻢ ﻋﻨﺪ ﳖﺎﻳﺔ ﻛﻞ ﻣﻮﺳﻢ.
ﻣﺮت ﺳﻨﻮات ﻭأﻧﺎ ﻋﲆ ﻫﺬﻩ اﳊﺎﻝ ,اﻟﻌﺎﻡ اﻟﺪراﳼ ﻳﻤﴤ
ﻭأﻧﺎ أﻧﺘﻈﺮ ﻋﲆ أﺣﺮ ﻣﻦ اﳉﻤﺮ اﻟﺴﻔﺮ إﱃ اﳌﺨﻴﻢ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ
ﺻﻌﻮﺑﺔ اﳌﻨﺎخ ﻭاﳊﺮارة اﳌﻔﺮﻃﺔ −ﻛﲈ أﺧﱪﺗﻚ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ −إﻻ أﲏ
ﻛﻨﺖ أﺳﻌﺪ ﲠﺬﻩ اﻟﻌﻮدة ﳖﺎﻳﺔ ﻛﻞ ﻣﻮﺳﻢ ,ﻭﻋﻨﺪ ﻛﻞ دﺧﻮﻝ
ﻣﺪرﳼ ﻳﺘﻨﺎﻗﻞ زﻣﻼﺋﻲ أﺧﺒﺎرﻫﻢ ﻛﻞ أﻣﴣ اﻟﻌﻄﻠﺔ ﰲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﻦ
اﻟﻌﺎﱂ .ﻭﻛﻨﺖ أﺣﻴﺎﻧﺎ ﳏﺮﺟﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺳﺄﻝ ,ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻓﺨﻮرة أﲏ أﻣﴤ
اﻟﻌﻄﻠﺔ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ ﰲ أﺣﺐ ﻣﻜﺎﻥ ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﱄ ﻓﻠﻜﻞ
ﻓﺮدﻭﺳﻪ اﳋﺎص.
ﻋﺬرا ﺧﻠﻴﻞ ,أﺟﺪﲏ أﺧﻠﻂ اﻷﺣﺪاث ﺑﺄﺷﻴﺎء ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ
ﺑﻘﺎﻳﺎ أﻳﺎﻡ ﻏﺎﺑﺮة ﻣﻦ ﻳﺪرﻱ? ﻟﻜﻨﻚ ﺗﻔﻬﻢ اﻟﺴﺒﺐ ,ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ
أﻣﺴﻴﺖ ﺑﻔﻌﻞ ﻋﺎﻣﻞ اﻟﺰﻣﻦ ﺟﺰءا ﻣﻦ اﳌﻜﺎﻥ ,ﻓﺮدا ﻣﻦ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ.
ﻭﺗﻮاﻟﺖ اﻷﻋﻮاﻡ ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﺣﻠﻤﻲ أﻥ أﺻﺒﺢ ﻃﺒﻴﺒﺔ أﻃﻔﺎﻝ.
ﻗﺎﻃﻌﻬﺎ ﺧﻠﻴﻞ ﻣﺮة أﺧﺮ ﺑﻌﺪ ﺻﻤﺘﻪ اﻟﻄﻮﻳﻞ:
"ﻭﳌﺎذا اﻷﻃﻔﺎﻝ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ?".
أﺟﺎﺑﺖ ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ" :أﻭﺗﺪرﻱ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﰲ اﻟﻜﻮﻥ أﺳﻤﻰ ﻣﻦ
دﻓﻊ اﻷﱂ ﻋﻦ ﻃﻔﻞ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺘﻌﺒﲑ ﻋﲈ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻪ ,ﻟﻜﻨﻪ ﺣﻠﻢ
اﻗﱰﺑﺖ ﻣﻨﻪ ﻓﻘﺪ ﴏت ﳑﺮﺿﺔ .ﻭأﻥ ﻳﻜﻮﻥ اﳌﺮء ﻛﺬﻟﻚ ﳚﺐ أﻥ
131
ﻳﻜﻮﻥ إﻧﺴﺎﻧﺎ ﰲ اﳌﻘﺎﻡ اﻷﻭﻝ ,أﻥ ﲡﺪ اﻟﻌﺎﱂ أﺻﻐﺮ ﳑﺎ ﺗﺘﺨﻴﻞ ,أﻥ
ﲢﻤﻞ اﻟﻌﻼج ﰲ راﺣﺔ ﻳﺪﻙ ﻭﺗﻘﺪﻣﻬﺎ ﻟﻠﻤﺴﺎﻋﺪة ,أﻥ ﺗﺮﺳﻞ إﱃ
اﳌﺮﻳﺾ إﺷﺎرات ﺑﺄﻧﻪ ﺳﻴﺸﻔﻰ ﺣﺘﻰ ﻭإﻥ ﻛﻨﺖ ﻏﲑ ﻣﺘﺄﻛﺪا ﻣﻦ
ذﻟﻚ ,أﻥ ﲣﻔﻒ ﻋﻨﻪ ,ﻭأﻥ ﺗﻮﳘﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﺳﻴﻌﻴﺶ إﱃ ذﻟﻚ اﻟﻔﺠﺮ
اﻟﺒﻌﻴﺪ ,ﻭﺑﺄﻥ ﺗﻘﻨﻊ أﺧﺮ أﻥ ﻫﺬا ﻟﻴﺲ ﻭﻗﺖ اﻻﺳﺘﺴﻼﻡ ,أﻥ ﺗﺪرﻙ
ﺑﺸﺪة أﻧﻚ ﺻﺎﺣﺐ رﺳﺎﻟﺔ ﻭﻟﺪﻳﻚ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﰲ أﻥ ﺗﺴﺎﻋﺪ ﻗﺪر
اﳌﺴﺘﻄﺎع ,أﻧﻚ ﺷﺨﺺ ﳛﺲ ﺑﻤﻌﺎﻧﺎة ﻏﲑﻩ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﻌﻴﺸﻬﺎ ,ﻓﺎﳌﺮﻳﺾ
ﻻ ﻳﺘﺄﱂ ﻋﺎدة إﻻ ﺣﲔ ﺗﻜﻮﻥ ﻛﻤﻴﺔ اﻷﱂ أﻛﱪ ﻣﻦ أﻥ ﲢﺘﻤﻞ,
ﻭاﻟﺘﻤﺮﻳﺾ −ﻛﻤﻬﻨﺔ −ﻫﻮ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﺮﲪﺔ ﻭﺳﻂ ﻗﺴﻮة اﻟﻌﻴﻮﻥ ,ﻭﻫﻮ
ﺣﻀﻮر اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻄﻴﺒﺔ ﻭﺳﻂ ﺳﻴﺎدة اﻟﺼﻤﺖ ﻭاﻟﻮﺣﺪة ,ﻫﻮ اﻟﻴﺪ
اﻟﺘﻲ ﲤﺘﺪ ﻟﺘﻄﻤﺌﻦ ﻭﲢﻘﻦ ﺑﻠﺴﻢ اﻷﻣﻞ ,ﻭاﻟﺬراع اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻨﺪ ﻟﺘﻤﺘﺪ
ﻭﲢﻤﻲ اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺬﻱ ﻳﻨﺒﺾ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﻃﻒ ﻭاﳌﺤﺒﺔ ,ﻣﻬﻨﺔ ﲡﻌﻠﻨﺎ ﻧﻌﺮﻑ
ﻣﺘﻰ ﻧﺪاﻭﻱ ﻭﻣﺘﻰ ﻧﻮاﳼ ,ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﺗﻨﻬﺎر ﻋﻮاﱂ اﻷﻧﺎﻧﻴﺔ ﻭاﻟﻔﺮداﻧﻴﺔ ﰲ
ﻧﻔﺴﻚ ,إﻥ اﻟﻌﱪة ﻟﻴﺴﺖ أﺑﺪا ﰲ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻨﺎس ﻭإﻧﲈ ﰲ اﻹﺣﺴﺎس
ﲠﻢ .ﻫﻜﺬا أﻓﻬﻢ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﺑﺘﻐﺎء ﻣﺮﺿﺎة اﷲ ﻭﻟﺘﺤﻔﻨﺎ اﳌﻼﺋﻜﺔ
ﺑﺄﺟﻨﺤﺘﻬﺎ رﴇ ﺑﲈ ﻧﺼﻨﻊ ,ﻭﻳﻜﻔﻲ دﻋﻮات اﳋﻠﻖ ﻟﻴﺴﺘﺠﻴﺐ
اﳋﺎﻟﻖ.
ﻫﻨﺎﻙ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻌﻮﺑﺎت اﻟﺘﻲ ﻭاﺟﻬﺘﻨﻲ ﻋﲆ درب اﻟﺘﻄﺒﻴﻖ,
ﻓﻘﺪ ﻋﱪت ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ اﱃ اﻷﺻﻌﺐ ,ﻣﻦ اﻟﺪﻣﻰ −ﻛﲈ ﺗﻌﺮﻑ –
اﻟﺘﻲ ﻧﻄﺒﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻤﻨﺎﻩ اﱃ ﺑﴩ ﻣﻦ ﳊﻢ ﻭدﻡ .ﻭﻛﺎﻥ أﻭﻝ
اﺣﺘﻜﺎﻙ ﻣﺒﺎﴍ ﺑﺎﳌﺮﴇ ﰲ اﳌﺴﺘﺸﻔﻰ اﻟﻌﺎﻡ ,أذﻛﺮ ذاﻙ اﻟﺼﺒﺎح
132
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺻﺎدﻓﺖ ﻭزﻣﻴﻠﺘﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻭﻓﺎة اﻣﺮأةﻋﺠﻮز ,ﻭﻃﻠﺐ ﻣﻨﺎ أﻥ
ﻧﻨﺰع ﻋﻨﻬﺎ اﻷﺟﻬﺰة اﻟﻄﺒﻴﺔ ,ﻭأﻥ ﻧﻨﻘﻠﻬﺎ اﱃ ﺣﻴﺚ ﻣﺴﺘﻮدع اﻷﻣﻮات
ﻭﲤﻠﻜﺘﻨﻲ رﻫﺒﺔ ﰲ اﻟﻮﻫﻠﺔ اﻷﻭﱃ ,ﻟﻜﻨﻲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻭﺑﻔﻌﻞ اﻟﺘﺸﺠﻴﻊ
ﻭاﳌﲈرﺳﺔ اﻋﺘﺪت ﻋﲆ اﻷﻣﺮ ,ﻛﻨﺖ أﻗﺪﻡ ﻓﺎﺋﻖ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﻟﻜﻞ اﳌﺮﴇ
ﻭﺑﻌﻀﻬﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺑﻄﻨﻲ ﺑﻪ ﻋﻼﻗﺎت اﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﻴﻮﻡ ﻭﻗﺪ ﻻ أﺟﺪﻫﻢ
ﰲ اﻟﻐﺪ .ﻟﻜﻦ −ﺑﻔﻌﻞ ﻋﺎﻣﻞ اﻟﺰﻣﻦ −ارﺗﺒﻂ ﻋﻨﺪﻱ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻮزرة
اﻟﺘﻤﺮﻳﺾ ,ﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﻧﺰﻋﺘﻬﺎأﺗﺮﻙ ﻛﻞ ﳾء ﻭراﺋﻲ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺆﺛﺮ ﻋﲆ
ﺣﻴﺎﰐ اﻟﻌﺎدﻳﺔ .ﻭﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ ﻫﺬا اﻟﻨﻀﺞ ﺑﻤﺸﻘﺔ اﻷﻧﻔﺲ ,ﻓﻔﻲ
أﺷﻬﺮﻱ اﻷﻭﱃ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻤﻠﻜﻨﻲ ﻫﻮاﺟﺲ ﻭﻛﻮاﺑﻴﺲ ﻭأﺻﻮات
رﺟﻊ اﻟﺼﺪ ﺿﻌﻒ اﻟﺬﻭات اﻟﺒﴩﻳﺔ ,ﻛﻠﲈ ﺻﺎدﻓﺖ ﻣﻨﻈﺮا
إﻧﺴﺎﻧﻴﺎ ﳛﺰ ﰲ ﻗﻠﺒﻲ ,ﻭﻣﺎ أﻛﺜﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺣﺎﻻت ﲡﲆ ﻓﻴﻬﺎ اﻷﱂ
اﻹﻧﺴﺎﲏ اﱃ أﺑﻌﺪ اﳊﺪﻭد ﺑﻜﻞ أﺷﻜﺎﻟﻪ ﻭأﻫﻮاﻟﻪ ,ﻭﻟﻚ أﻥ ﺗﺘﺨﻴﻞ
أﺛﻨﺎء دﻭاﻡ اﻟﻠﻴﺎﱄ ,ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻥ ﱄ إﻳﲈﻥ راﺳﺦ أﻥ اﻟﻌﻄﺎء اﻹﻧﺴﺎﲏ ﻻ
ﺣﺪﻭد ﻟﻪ ,ﻭﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﻌﺒﻲ ﻭﺳﻬﺮﻱ ﻛﻨﺖ ﻣﺴﺘﻌﺪة ﻷﻋﻄﻲ
ﻣﻦ ﺣﻴﺎﰐ ﺑﺄﻛﻤﻠﻬﺎ ,ﻭأﺿﻴﻒ ﻣﻦ ﻭﻗﺘﻲ ﻷﺣﻈﻰ ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ أﻭ ﻛﻠﻤﺔ
ﻣﻦ ﻣﺮﻳﺾ ﺑﻌﺪ ﻣﻮاﺳﺎﺗﻪ ,ﻭأﺣﺲ ﺑﺎﳌﺮارة ﻓﻌﻼ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻛﻮﻥ ﻋﺎﺟﺰة
ﻋﻦ ﻓﻌﻞ أﻱ ﳾء "اﷲ ﻏﺎﻟﺐ" ﻟﻜﻨﻨﻲ ﺗﻌﻮدت ﺑﻔﻌﻞ اﳌﲈرﺳﺔ
ﻭاﻟﱰاﻛﻢ.
ﻭﻻ أﺧﻔﻴﻚ أﻥ اﻟﻔﻀﻞ ﻳﺮﺟﻊ ﻟﻌﺎﺋﻠﺔ "ﺧﻮاﻥ" اﻟﺬﻳﻦ
آزرﻭﲏ إﱃ أﺑﻌﺪ اﳊﺪﻭد ,ﻭﻗﺪ رﺑﻄﺘﻨﻲ ﲠﻢ ﻋﻼﻗﺔ ﻋﺎﺋﻠﻴﺔ ﻓﻌﻼ
ﺑﺤﻜﻢ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻭﻣﺮﻭراﻟﺴﻨﲔ ,أﺿﻒ إﱃ ذﻟﻚ أﳖﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﳛﱰ
133
ﻣﻮﻥ ﺧﻄﻮﻃﻲ اﳊﻤﺮاء ,دﻳﻨﻲ ﻭﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻱ ﻭﻋﺎداﰐ ﻭﻫﺬا ﻣﺎ ﻛﻨﺖ
أﺟﻠﻪ ﻓﻴﻬﻢ ,ﻭﻟﻸﻣﺎﻧﺔ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﲏ ﻋﺸﺖ ﻣﻌﻬﻢ ﺻﻐﲑة ﻓﻠﻢ
ﳛﺎﻭﻟﻮا اﻟﺒﺘﺔ اﻟﺘﺄﺛﲑ ﻋﲆ ﻧﻤﻂ ﺣﻴﺎﰐ أﻭ ﺗﻐﻴﲑ ﻣﺴﺎرﻫﺎ .ﻓﻜﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ
اﺗﻔﺎﻕ ﺿﻤﻨﻲ ﻭﻏﲑ ﻣﻌﻠﻦ ﻳﻄﺒﻌﻪ اﻻﺣﱰاﻡ اﻟﺘﺎﻡ ,ﻓﻄﺒﻴﻌﻲ أﻧﻪ ﻛﻠﲈ
ﺗﻌﺰزت اﻟﺮﻭح اﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﺑﻔﻌﻞ اﻟﻨﻈﺎﻡ اﻻﺟﺘﲈﻋﻲ اﳌﻮاﰐ إﻻ
ﻭارﺗﻔﻌﺖ ﻗﺪرة اﻟﻔﺮد ﻋﲆ اﻟﺘﻜﻴﻒ ﻭاﳌﺮﻭﻧﺔ ﰲ اﻟﺘﻐﲑ ﻭاﻛﺘﺴﺎب
اﳋﱪات ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺬات أﻭﻻ ﺛﻢ اﳌﺤﻴﻂ اﳋﺎرﺟﻲ ﻛﺎﻟﻌﺎﺋﻠﺔ
ﻭأﺻﺪﻗﺎء ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت ,ﻫﺬا اﻧﻄﻼﻗﺎ ﻣﻦ
ﺧﱪﰐ ﻓﻘﻂ.
ﻭﻗﺪ ﺗﺴﺘﻐﺮب ﻓﻨﺤﻦ ﻣﻦ أﺻﻮﻝ ﺑﺪﻭﻳﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ ,اﻋﺘﺎدت
رﺑﻂ اﻷﻧﻮﺛﺔ ﺑﺎﻟﻌﺎر ,ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﳚﻌﻞ ﳎﺘﻤﻌﻨﺎ ﳏﺮﻭﻣﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ,
ﺣﻴﺚ اﻟﺸﻚ ﻳﺴﺎﻭرﻩ ﻛﻞ ﻭﻗﺖ ,ﻓﻴﻘﻮ ﺧﻮﻓﻨﺎ ﻋﲆ اﻷﻧﺜﻰ ,أﻱ أﻥ
ﺟﻐﺮاﻓﻴﺎ اﻟﻨﻬﺪ أﻫﻢ ﻣﻦ ﺟﻐﺮاﻓﻴﺎ اﻷرض ﺟﺮاء أﻓﻜﺎر ﻧﻤﻄﻴﺔ
ﻭأﺣﻜﺎﻡ ﺟﺎﻫﺰة أﻥ ﻓﺘﺎة ﰲ ﻣﻘﺘﺒﻞ اﻟﻌﻤﺮ ﻣﻌﺮﺿﺔ ﻟﻠﺨﻄﺮ ﰲ ﻫﺬﻩ
اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺒﻌﻬﺎ اﳊﺮﻳﺔ ﰲ ﻛﻞ ﳾء .ﻭﺑﲈ أﻧﻨﺎ ﳎﺘﻤﻊ ﻣﺄزﻭﻡ ﻳﻔﻜﺮ
ﺑﺠﺰﺋﻪ اﻟﺴﻔﲇ ﻓﻘﻂ ﺗﺘﻜﻮﻥ ﻟﻨﺎ أﺣﻜﺎﻡ ﺟﺎﻫﺰة.
أﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﻌﺎر أﻥ ﻧﺘﺼﻮر أﻥ أﻣﺎﻫﺘﻨﺎ ﻭﺑﻨﺎﺗﻨﺎ ﻻﻳﻌﺮﻓﻦ ﺻﻴﺎﻧﺔ
أﻧﻔﺴﻬﻦ ,ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻧﺤﻦ ﻋﺎﺟﺰﻭﻥ ﻋﻦ ﺗﻘﺒﻞ ﻓﻜﺮة اﻟﺒﺎﺗﻮﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ
ﻟﻴﺴﺖ ﰲ ﻗﺎﻣﻮﺳﻨﺎ أﺻﻼ .ﲨﻴﻌﻨﺎ ﻟﻨﺎ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻈﻠﻢ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻔﺲ
اﻷﻣﺎرة ﺑﺎﻟﺴﻮء .أﻧﺎ ﻟﺴﺖ ﻣﱪأة ﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﻴﺐ إذا ﺗﻌﺮﺿﺖ
ﻹﻏﺮاءات ,ﻟﻜﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻗﺎدرة ﻋﲆ اﳊﻔﺎظ ﻋﲆ ﻗﻴﻤﻲ ﻗﺪر
134
اﳌﺴﺘﻄﺎع ,ﻟﺼﻴﺎﻧﺔ ﻧﻔﴘ ﻣﻦ ﺗﻴﺎر ﺟﺎرﻑ ﺣﺪ اﻹﻏﺮاء ,ﻓﻠﻜﻞ
ﺷﺨﺺ ﳏﺮﻣﺎﺗﻪ ,ﻭﻫﻲ ﺟﺰء أﺳﺎس ﻣﻦ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ ,إﻥ اﳋﲑ ﻭاﻟﴩ
ﺟﺰء ﻣﻦ ﺗﺮﻛﻴﺒﺔ اﳊﻴﺎة ,ﻭﻛﺬا اﳋﻮﻑ ﻭاﻹﻳﲈﻥ ﻭاﻟﺸﻬﻮة ﻭاﳊﺐ.
ﻳﻨﺒﻐﻲ أﻥ ﻧﺤﺎﻓﻆ ﻋﲆ اﻟﺘﻮازﻥ إذا أردﻧﺎ أﻥ ﻧﻌﻴﺶ ﺣﻴﺎة ﻣﺘﺰﻧﺔ ,ﻭ أﻥ
ﻧﻌﻲ أﻥ اﳌﺸﺎﻋﺮ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﰲ ﳖﺎﻳﺔ اﳌﻄﺎﻑ ﻣﺎﻫﻲ إﻻ ﺳﻠﻮﻛﺎت
ﻭﺗﴫﻓﺎت ,ﻣﻊ ﲢﻮﻝ اﳌﺴﺎﻓﺔ ﺑﲔ اﻟﻔﻌﻞ ﻭردة اﻟﻔﻌﻞ إﱃ ﺟﺰء ﻣﻦ
ﻭﻋﻲ اﻹﻧﺴﺎﻥ ,ﻓﻠﻠﻤﺮء أﻥ ﳜﺘﺎر ﺑﲔ اﻟﺴﲑ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺟﺪاراﻟﻘﻴﻢ
ﻭاﳌﺒﺎدئ أﻭ اﳍﺮﻭﻟﺔ ﰲ ﺧﺮاب اﻟﻐﺮﻳﺰة ﻭاﻟﺮذﻳﻠﺔ ,ﻭأﻧﺎ اﺧﱰت
اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻷﻭﻝ ,ﻭ ﻫﻮ ﻣﺎ ﺟﺮ ﻣﻌﻲ ,ﻫﺬا ﻟﻴﺲ ﻭﳘﺎ أﺑﻴﻌﻚ أﻳﺎﻩ
ﻟﻜﻨﻪ اﻟﻮاﻗﻊ ﻛﲈ ﻋﺸﺘﻪ إﱃ اﻟﻴﻮﻡ.
ﺑﻌﺪﻣﺎ اﺳﺘﻜﻤﻠﺖ دراﺳﺔ اﻟﺘﻤﺮﻳﺾ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ أﻣﻀﻴﺖ ﻣﺪة
ﻃﻮﻳﻠﺔ ﱂ أزر ﻓﻴﻬﺎ اﳌﺨﻴﲈت ﺑﻔﻌﻞ ﺿﻐﻂ اﻟﺪراﺳﺔﺑﲔ اﻟﻨﻈﺮﻱ
ﻭاﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻲ ﰲ اﳌﺴﺘﺸﻔﻰ ﻭﻣﺸﺎﻏﻞ اﳊﻴﺎة .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺰﻣﺖ ﻋﲆ
زﻳﺎرﲥﻤﻜﺎﻧﺖ ﻛﻞ ﺣﻘﺎﺋﺒﻲ ﳏﻤﻠﺔ ﺑﺎﻷدﻭﻳﺔ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ أﻧﻮاﻋﻬﺎ,
ﲨﻌﺘﻬﺎ ﻷﺷﻬﺮ ﻣﻦ اﳉﻤﻌﻴﺎت اﻟﻄﺒﻴﺔ ﻭاﳌﺎﻧﺤﲔ ﻭﳎﻬﻮدات ﻓﺮدﻳﺔ,
ﻭﱂ أﲪﻞ ﻣﻌﻲ ﻣﻦ ﻣﻼﺑﴘ إﻻ ﻗﻄﻌﺘﲔ ,ﻭﻫﻮ أﻗﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻨﻨﻲ ﻓﻌﻠﻪ
ﺣﻴﺎﻝ ﻋﺸﲑﰐ ﻭﻗﻮﻣﻲ اﻟﺬﻳﻦ اﺳﺘﺜﻤﺮت ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻤﺘﻪ ﻟﻔﺎﺋﺪﲥﻢ.
أﺣﺎﻳﲔ ﻛﺜﲑة أﺟﺪﲏ ﻣﻘﻴﺪة ﻭﻏﲑ ﻗﺎدرة ﻋﲆ اﲣﺎذ اﳋﻄﻮة
اﻟﻔﺎرﻗﺔ ﰲ ﺣﻴﺎﰐ ,ﻫﻞ أﺑﻘﻰ ﻫﻨﺎ أﻡ أرﺣﻞ إﱃ ﺑﻨﻲ ﺟﻠﺪﰐ ﰲ اﳌﺨﻴﻢ
ﻋﲇ أﻥ أﺳﺎﻋﺪﻫﻢ !ﻻ أﻋﺮﻑ ﻣﺎ أﺻﻨﻊ!
135
ﻭﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎﻥ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻹﺣﺒﺎط ﻭاﳍﺰﻳﻤﺔ ,اﳌﺎﻝ اﻟﻘﻠﻴﻞ
اﻟﺬﻱ أرﺳﻠﻪ ﻷﻣﻲ ﻭأﺧﺘﻲ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻫﺰاﻟﺘﻪ ﻳﻤﺜﻞ ﻣﺼﺪر رزﻕ
ﳍﻢ ,ﻗﺪ ﻧﺘﺨﺬ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻗﺮارات ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ أﺟﻠﻨﺎ ,ﺑﻞ ﻣﻦ أﺟﻞ
آﺧﺮﻳﻦ ﻧﺤﺒﻬﻢ ﺳﺨﺮﺗﻨﺎ اﻷﻗﺪار ﳍﻢ ,ﻭﻧﺘﺨﺬ ﺧﻄﻮات ﻟﺼﺎﳊﻬﻢ
ﻋﻦ ﺳﺒﻖ إﴏار ﻭﻭﻋﻲ ﻭإرادة ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ,ﻭﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺟﺮﻋﺎت
ﻣﻦ اﻷﱂ ﳚﺐ أﻥ ﻧﺘﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ أﺟﻠﻬﻢ .أﲤﻨﻰ أﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﻓﻬﻤﺖ ﻣﺎ
أﻗﺼﺪ.
ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﺰﻭج أﰊ ﻣﻦ إﻣﺮأة أﺧﺮ ﺗﻐﲑ اﻟﻮﺿﻊ ,زد ﻋﲆ ذﻟﻚ
أﻧﻪ ﻛﺄب ﱂ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ اﻫﺘﲈﻡ ﻛﺒﲑ ﺑﻨﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻭﻣﺎ ﺑﺎﻟﻚ إذا ﺣﻞ
ﺷﺨﺺ آﺧﺮ ﻣﻜﺎﻧﻨﺎ.
اﺳﻤﻊ ﺧﻠﻴﻞ ,ﺗﺼﻴﺐ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﰲ اﳊﻴﺎة ﻣﺼﺎﺋﺐ ﻋﺪة,
ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﺘﴫﻓﺎﺗﻪ ﻭاﺧﺘﻴﺎراﺗﻪ ,ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ اﳌﺘﺴﺒﺐ ﻓﻴﻬﺎ,
ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﺪرﻙ ذﻟﻚ ,ﻭﺣﺘﻰ إذا أدرﻙ ﺟﺬﻭرﻫﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﻓﺎت
اﻷﻭاﻥ .ﻭﻫﺬا ﲤﺎﻣﺎ ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﻣﻊ أﰊ ,ﻓﺒﻌﺪ ﺳﻨﻮات ﺣﺎﻭﻝ اﻟﺘﻜﻔﲑ
ﻋﻦ ذﻧﺒﻪ ﻭﺗﻌﻮﻳﺾ ﻣﺎﻓﺎت ,ﻟﻜﻦ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﱄ ﱂ ﺗﻌﺪ ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺎﺋﺪة,
ﻷﻥ ﺗﴫﻓﺎﺗﻪ ﺑﻨﺖ ﺟﺒﻞ ﺛﻠﺞ ﺑﻴﻨﻨﺎ ,ﻭإذا ﱂ ﻳﺬب ﻫﺬا اﳉﻠﻴﺪ ﻓﺈﻧﻪ
ﻟﻴﺲ ﺑﻤﻘﺪﻭرﻧﺎ اﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ,ﻟﺬﻟﻚ ﻇﻠﺖ اﻟﻘﻄﻴﻌﺔ ﻟﺴﻨﻮات ﺣﺘﻰ أﻧﻪ ﱂ
ﻳﻜﻠﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻨﺎء اﻻﺗﺼﺎﻝ ﰊ ﻭاﻟﺴﺆاﻝ ﻋﻦ ﺣﺎﱄ ,ﻭﻫﺬﻩ أﺷﻴﺎء
ﺧﻠﻘﺖ اﻟﻔﺮﻕ ﻋﻨﺪﻱ ﻭﺗﺮﻛﺖ ﰲ ﺧﺎﻃﺮﻱ ﺗﺄﺛﲑا ﺑﺎﻟﻐﺎ ,ﻏﲑ رأﻳﻲ ﰲ
ﳎﺮ ﺣﻴﺎﰐ إﱃ اﻷﺑﺪ.
136
ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻓﺘﺊ ﺷﻌﺎع ﺑﺮﻳﻖ اﻷﻣﻞ ﻳﻨﲑ ﻃﺮﻳﻘﻲ ﻣﻦ
ﺟﺪﻳﺪﻭأﺳﺘﴩﻑ اﳌﺴﺘﻘﺒﻞ ﻭأﻗﻮﻝ ﻟﻨﻔﴘ :ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أﻥ أﻗﻒ ﰲ
ﻧﺼﻒ اﻟﺪرب ,ﳚﺐ أﻥ أﻛﻤﻞ ﺣﺘﻰ آﺧﺮ اﳌﻄﺎﻑ رﻏﻢ اﻟﺼﻌﻮﺑﺎت
اﳉﻤﺔ ﻭاﻟﻄﺮﻳﻖ ﻏﲑ اﳌﻌﺒﺪة ,ﻟﻘﺪ ﻗﺮرت−ﻭﻫﺬا ﻳﻜﻔﻲ−أﻥ أﺣﺎرب
ﻣﻦ أﺟﻞ ﻣﺎ أرﻳﺪ اﻟﻮﺻﻮﻝ إﻟﻴﻪ ,ﻭأﻭﺻﻞ آﺧﺮﻳﻦ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻲ إﱃ ﺑﺮ
اﻷﻣﺎﻥ.
ﻟﻘﺪ أدرﻛﺖ أﻥ ﲨﺎﻝ اﻟﻔﻌﻞ ﻭاﻟﺴﺨﺎء أﻥ ﺗﺪﺧﻞ اﻟﻔﺮﺣﺔ إﱃ
ﻗﻠﺐ ﻣﻦ ﲢﺐ ,ﺣﺘﻰ ﻭإﻥ ﻛﺎﻥ ﻫﺬا اﻟﺬﻱ ﺗﻌﻄﻲ ﲢﺘﺎﺟﻪ أﺣﻴﺎﻧﺎ.
ﻓﺎﳌﻮﻗﻒ ﻻﺛﻤﻦ ﻟﻪ ,ﻭاﳊﺐ ﻻ ﻋﻤﻠﺔ ﻣﻮﺣﺪة ﺗﺸﱰﻳﻪ ﻭﻻرﻭح ﺗﺒﻴﻌﻪ
أﻭ ﺗﺴﺘﺠﺪﻳﻪ ,ﻭأﻧﺖ ﺑﺬﻟﻚ ﻛﺮﻳﻢ إذا أﻋﻄﻴﺖ ﻟﻜﻦ ﻻ ﲤﻦ ﻛﻲ
ﻻﺗﺮ ﺣﻴﺎء ﻣﻦ ﺗﻌﻄﻲ ﻋﺎرﻳﺎ أﻣﺎﻡ ﻋﻴﻨﻴﻚ ,اﳊﻜﻢ ﻋﲆ اﻷﺷﺨﺎص
ﻭاﻷﺷﻴﺎء ﰲ اﻟﺰﻣﻦ اﳌﺎﴈ ﺳﻬﻞ ,ﻭﻋﻤﻞ ﻳﺴﲑ ﰲ ﻧﻈﺮﻱ ,ﻭﺗﻘﺪﻳﻢ
اﻟﻨﺼﺢ أﺳﻬﻞ ,ﻟﻜﻦ ﺣﻴﻨﲈ ﺗﻜﻮﻥ أﻧﺖ اﳌﻌﻨﻲ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﻭﲡﺪ ﻧﻔﺴﻚ
داﺧﻞ اﻹﻋﺼﺎر ﻳﺘﻘﺎذﻓﻚ ﺗﻴﺎر اﳊﻴﺎة اﳉﺎرﻑ ,ﻟﻮ اﺳﺘﻄﻌﺖ ﻫﻨﺎﻙ
أﻥ ﺗﺜﺒﺖ ﳘﺘﻚ ﻭﺻﻤﻮدﻙ ﻭأﻥ ﺗﺘﺤﲆ ﺑﺎﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﳌﻮاﺟﻬﺔ اﳌﻮﻗﻒ
ﻭﻻ ﺗﱰﻙ اﳋﻮﻑ ﻳﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻴﻚ ﻭﻻ اﻟﻌﻘﺒﺎت أﻥ ﺗﻮﻗﻔﻚ ﺣﻴﻨﻬﺎ
ﻓﻘﻂ ﺳﺘﻌﺮﻑ ﻣﻦ أﻧﺖ ﻭﺗﻜﺘﺸﻒ ﻣﻌﺪﻧﻚ أﻣﺎﻡ ﻛﻞ ﳏﻚ.
ﺧﻠﻴﻞ ,أﻧﺎ ﻻ أﻣﻠﻚ ذﻟﻚ اﻟﻌﺎﱂ اﻟﻌﻠﻮﻱ ,ﻭﻻ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻧﻴﺎ
اﻟﺴﻔﲆ ,ﻻ ﻣﻼذ ﻭﻻ ﻣﻠﺠﺄ ﻣﻦ ﻧﻔﴘ إﻻ اﱄ .أﻭ ﺗﻌﺮﻑ ﳌﺎذا? ﻷﻥ
اﻟﺬﻛﺮ ﲢﺎﴏﲏ ﻛﺄﲏ أﻋﻴﺶ رﻭاﺳﺒﻬﺎ ,ﻏﲑ أﻧﻚ −ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻻ
ﺗﺪرﻱ −ﺣﺮرﺗﻨﻲ .اﻟﻠﺤﻈﺔ أﺷﻌﺮ أﻥ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﺎ ﺑﺪاﺧﲇ ﲢﺴﻦ .آﻥ ﱄ
137
أﻥ أﻋﻴﺶ ﺣﻴﺎة ﻋﺎدﻳﺔ ﻛﺴﺎﺋﺮ اﳋﻠﻖ ,أﺷﻜﺮﻙ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻚ اﻟﻄﻮﻳﻞ,
ﻭﻋﲆ ﺻﱪﻙ ﰲ ﺳﲈع ﻗﺼﺘﻲ ﻭﻫﻠﻮﺳﺎﰐ اﳌﺸﺆﻭﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﱂ ﻳﻜﻦ ﳍﺎ
ﻋﻼﻗﺔ ﺑﻚ,ﻭﻻ ﺗﻨﺲ أﲏ ﻧﺰﻭﻻ ﻋﻨﺪ رﻏﺒﺘﻚ ﻓﻘﻂ ﺣﻜﻴﺘﻬﺎ ﻟﻚ
ﺑﺘﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ ﻓﺨﺬﻫﺎ ﺑﻤﻼﺋﻜﺘﻬﺎ ﻭﺷﻴﺎﻃﻴﻨﻬﺎ.
ﻭﺑﺎﳌﻨﺎﺳﺒﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮر راﻭﻭﻝ ﺳﻴﻌﺎﻳﻨﻚ ﻏﺪا ﻟﻴﻄﻠﻖ ﴎاﺣﻚ
ﺗﺼﺒﺢ ﻋﲆ ﺷﻔﺎء.
ﻭﻛﲈ ﻛﺎﻥ ﻣﻨﺘﻈﺮا ,ﺣﴬاﻟﺪﻛﺘﻮر"راﻭﻭﻝ" ﰲ اﻟﺼﺒﺎح
ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻪ اﳌﻌﻬﻮدة ,ﺳﺄﻟﻨﻲ ﻋﻦ أﺣﻮاﱄ أﺧﱪﺗﻪ أﻧﻨﻲ أﲢﺴﻦ ﻳﻮﻣﺎ
ﺑﻌﺪ ﻳﻮﻡ ﻭأﻥ اﻟﻔﻀﻞ ﻳﺮﺟﻊ ﺑﻌﺪ اﷲ ﻟﻪ ﻭﻟﻠﻤﻤﺮﺿﺔ ﺳﻜﻴﻨﺔ.
ﻗﺎﻝ" :ﻛﻴﻒ أﺣﻮاﻟﻚ اﳊﻤﺪ ﷲ ﺗﺒﺪﻭ اﻷﻣﻮر ﰲ ﲢﺴﻦ".
أردﻓﺖ" :ﷲ اﻟﺸﻜﺮ ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ,ﻣﻬﲈ ﻗﻠﺖ ﻣﻦ ﻛﻠﲈت
اﻻﻣﺘﻨﺎﻥ ﻓﻠﻦ ﺗﻮﻓﻴﻜﻢ ﺣﻘﻜﻢ".
ﻗﺎﻝ :ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻧﻈﺮ إﱃ ﻋﻴﻨﻲ ﻣﺒﺎﴍة":ﻫﺬا ﻭاﺟﺐ ,ﻭاﻟﻮاﺟﺐ
ﻓﻮﻕ ﻛﻞ اﻋﺘﺒﺎر .ﻭﺑﺎﳌﻨﺎﺳﺒﺔ دﻋﻨﻲ أﻗﻮﻝ ﻟﻚ ﺷﻴﺌﺎ :ﻃﻮاﻝ ﲡﺮﺑﺘﻲ ﰲ
ﻫﺎذﻩ اﳌﻬﻨﺔ ,أﺻﺪﻗﻚ اﻟﻘﻮﻝ أﲏ ﺻﺎدﻓﺖ ﺣﺎﻻت ﻗﻠﻴﻠﺔ ,ﳍﺎ ﻣﻦ
اﻟﺼﱪ ﻭاﳌﻌﻨﻮﻳﺎت ﻗﻞ ﻧﻈﲑﻫﺎ ,ﻭﻫﻮ ﻣﺎﻳﺴﺎﻋﺪﻫﺎ ﻋﲆ اﻟﺸﻔﺎء,
ﻭأﻧﺖ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺎ ﺑﻄﻞ ﻭرﺑﺖ ﻋﲆ ﻛﺘﻔﻲ ﻭﻭاﺻﻞ ﻛﻼﻣﻪ :ﻫﻞ ﺗﻌﻲ
ﻣﺎذا ﻳﻌﻨﻲ أﻥ ﻳﺘﺴﻠﺢ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﺑﺎﻟﺼﱪ? أﻥ ﻳﻜﻮﻥ اﳌﺮء ﺑﻌﻴﺪ
اﻟﻨﻈﺮ ,ﻳﺘﺤﻤﻞ اﻻﻻﻡ ﻭاﳌﺼﺎﻋﺐ ﻭﻳﺪرﻙ أﳖﺎ ﺳﺘﺰﻭﻝ ,ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻥ
ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻪ اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﳊﺘﻤﻞ ,ﻭﻳﺮ أﻥ ﻛﻞ ﳏﻨﺔ ﲢﻤﻞ ﰲ ﺛﻨﺎﻳﺎﻫﺎ
138
درﺳﺎ ,ﻭﻳﺘﺪﺑﺮ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻜﻮﻥ أﻥ ﻳﻨﻈﺮ إﱃ اﻟﻠﻴﻞ ﻭﻳﺮ أﻥ اﻟﻔﺠﺮ آت
ﻻ ﳏﺎﻟﺔ ,ﻭأﻥ اﻟﻴﴪ ﺑﻌﺪ اﻟﻜﺮب ﻗﺎدﻡ .أﻣﺎ ﻧﺎﻓﺬ اﻟﺼﱪ ﻓﻬﻮ
ﺑﺎﻟﴬﻭرة ﻗﺼﲑ اﻟﻨﻈﺮ ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﻻ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ رؤﻳﺔ ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻟﻔﺮج.
ﺛﻢ ﲢﺪث ﻣﻄﻮﻻ ﻋﻦ اﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭاﻟﺰرع ﻭإﻣﻜﺎﻧﻴﺔ اﻟﻨﺠﺎح
اﻟﻜﺒﲑة ﺑﻔﻀﻞ اﻟﺘﺼﻤﻴﻢ ﻭاﻹرادة.
ﺛﻢ أردﻑ " :أﻭ ﺗﻔﻬﻢ ﻣﺎ أﻋﻨﻲ?".
أﺟﺒﺖ " :ﺑﻜﻞ ﺗﺄﻛﻴﺪ".
ﻛﺎﻥ ﻳﺘﺤﺪث ﺑﺜﻘﺔ ,ﻭﻛﻠﲈﺗﻪ ﻣﺴﺖ ﻛﻴﺎﲏ ﻭﻗﻠﺖ ﰲ ﻧﻔﴘ:
اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻭﺻﻠﺖ.. .
ﺑﻌﺪ ﺻﻤﺖ ﻣﻨﻪ ﻗﺎﻝ":ﻳﻤﻜﻨﻚ أﻥ ﺗﻐﺎدر اﳌﺴﺘﺸﻔﻰ ﻫﺬا
اﳌﺴﺎء ﻟﻜﻨﻚ ﻣﻄﺎﻟﺐ ﺑﺎﳊﻀﻮر ﻟﻠﻤﺮاﻗﺒﺔ ﻣﺮة ﻛﻞ ﺷﻬﺮ .ﻭﺳﻨﺒﺬﻝ
ﻗﺼﺎر ﺟﻬﺪﻧﺎ ﻋﺴﻰ أﻥ ﻧﺠﺪ ﻣﺘﱪﻋﺎ ﺑﻜﻠﻴﺔ ,ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻳﻤﻜﻦ أﻥ
ﺗﻌﻴﺶ ﺣﻴﺎة ﻋﺎدﻳﺔ".
ﺷﻜﺮﺗﻪ ﻭﲨﻌﺖ أﻏﺮاﴈ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ اﺳﺘﻌﺪادا ﻟﻠﺮﺣﻴﻞ.
ﻛﺎﻥ اﳌﺴﺎء ﻋﲆ ﻭﺷﻚ اﻻﻧﺘﻬﺎء ,ﻋﻨﺪ ﻣﺪﺧﻞ اﳌﺴﺘﺸﻔﻰ
ﻫﺒﺖ ﻋﲇ رﻳﺎح ﺑﺎردة ,ﻭﺑﺪأت أرﺗﻌﺶ ﻟﺴﺒﺐ ﻣﺎ ,أدرﻛﺖ أﲏ
أﻟﻔﺖ اﳌﻜﺎﻥ ﻭﺧﺎﳉﻨﻲ ﺷﻌﻮر ﺑﺎﳊﺰﻥ ﱂ أدرﻟﻪ ﺗﻔﺴﲑا ,رﺑﲈ أﻟﻔﺔ
اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﺘﻲ ﻗﻀﻴﺖ ﻓﻴﻬﺎ زﻣﻨﺎ ﺗﻠﺒﺴﻬﺎ ذاﻛﺮﰐ ﺛﻮب اﳊﻨﲔ ﻓﲈ أﻛﺎد
أﻏﺎدرﻫﺎ ﺣﺘﻰ أﺣﻦ ﳍﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ.
139
ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻏﺎدرت اﳌﺴﺘﺸﻔﻰ ﺗﺪﻓﻘﺖ اﳊﻴﺎة ﰲ ﻋﺮﻭﻗﻲ.ﻛﺎﻧﺖ
أﻳﺎﻣﻲ اﻷﻭﱃ ﺑﺈﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻳﻤﻸﻫﺎ اﻷﻣﻞ ,ﻓﻜﺎﻧﺖ ﳘﺘﻲ
ﻋﺎﻟﻴﺔ ,اﻋﺘﺪت أﻥ أﺧﺮج ﺑﺎﻛﺮا ﻭﻻ أﻋﻮد ﺣﺘﻰ اﳌﺴﺎء ,أﻛﺘﺸﻒ
ﻋﻮاﱂ أﺧﺮ ﺑﻌﺪ أﻥ أﻓﺮغ ﻣﻦ اﳌﻮﻋﺪ اﻟﺸﻬﺮﻱ ﻣﻊ اﻟﻄﺒﻴﺐ ﻭاﻟﺘﻘﻲ
ﺳﻜﻴﻨﺔ,ﻫﺬا ﻣﺎﻛﺎﻥ ﻳﻔﺮﺣﻨﻲ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻻ أدرﻱ.
ﺗﻜﺮرت ﻟﻘﺎءاﺗﻨﺎ ﺧﺎرج اﳌﺴﺘﺸﻔﻰ ,ﻛﻨﺖ ﺑﻌﺪﻫﺎ أﻏﻴﺐ ﳌﺪة
ﺣﺘﻰ ﳛﻞ اﳌﻮﻋﺪ اﻟﺸﻬﺮﻱ ,ﻟﻜﻦ اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻫﺎﺗﻔﻴﺎ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻇﻞ ﻗﺎﺋﲈ.
ﻣﴣ ﻭﻗﺖ ﻭأﻧﺎ أﺗﻨﻘﻞ ﺑﲔ اﳌﺪﻥ ,ﻓﻤﻨﺬ دﺧﻮﱄ إﱃ اﳉﺰﻳﺮة
اﳋﴬاء ,اﻟﺘﻲ ﱂ أﻋﺮﻓﻬﺎ إﻻ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻋﲆ أﳖﺎ اﳌﻜﺎﻥ اﻟﺬﻱ
ﻋﻘﺪت ﻓﻴﻬﺎ اﳌﻌﺎﻫﺪات اﻻﺳﺘﻌﲈرﻳﺔ ﻟﺘﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﺎﱂ اﻟﻌﺮﰊ ﺑﺪاﻳﺔ
اﻟﻘﺮﻥ اﻟﻌﴩﻳﻦ ,ﻭﻣﺎزاﻝ ﻣﴩﻭع اﻟﺘﻘﺴﻴﻢ ﻗﺎﺋﲈ إﱃ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا,
ﻭﻧﺤﻦ ﻻزﻟﻨﺎ أﴎ ﻭﻋﻲ ﻛﺎذب ﻳﺘﻐﺬ ﻣﻦ أﳎﺎد اﳌﺎﴈ ﺑﻌﺪﻣﺎ
أﻣﴣ أﺟﺪادﻧﺎ ﺛﲈﻧﻴﺔ ﻗﺮﻭﻥ ﻫﻨﺎ .ﻏﲑ أﻥ اﳌﻘﺎﻡ ﱂ ﻳﻄﺐ ﱄ إﻻ ﰲ
ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ.
أﺗﺬﻛﺮ ﺟﻴﺪا ذاﻙ اﻟﺼﺒﺎح اﻷﻧﺪﻟﴘ اﻟﺒﻌﻴﺪ ﻭﻫﻮاءﻩ اﻟﻨﻘﻲ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺼﺪت ﻗﴫ اﳊﻤﺮاء اﻟﺸﺎﻣﺦ اﳌﻬﻴﺐ ﰲ ﺟﱪﻭﺗﻪ اﳌﻌﲈرﻱ
اﻟﺬﻱ ﱂ ﺗﻨﻞ ﻣﻨﻪ ﻧﻮاﺋﺐ اﻟﺪﻫﺮ ,ﻭﻻ ﺗﻌﺎﻗﺐ اﻟﻔﺼﻮﻝ ﻋﱪ اﻟﻘﺮﻭﻥ,
ﻭرﻭﺣﻲ ﺗﺘﻮﻕ ﻟﻠﻮﻗﻮﻑ ﻋﲆ أﳎﺎد اﻟﻌﺮب ﻋﲆ ﺗﻼﻝ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ اﻟﺘﻲ
ﻛﺜﲑا ﻣﺎﺳﻤﻌﺖ اﳌﻄﺮب اﳌﻮرﻳﺘﺎﲏ "ﺳﺪﻭﻡ" ﻳﱰﻧﻢ ﺑﻘﺼﻴﺪة
"ﻟﻨﺰار ﻗﺒﺎﲏ" "ﰲ ﻣﺪﺧﻞ اﳊﻤﺮاء ﻛﺎﻥ ﻟﻘﺎؤﻧﺎ..ﻣﺎ أﻃﻴﺐ اﻟﻠﻘﻴﺎ
ﺑﻼ ﻣﻴﻌﺎد".
140
أﻭﻝ ﻣﺎ أﺛﺎرﲏ ﻫﻮ ﻫﺬا اﻻﺳﺘﺜﲈر اﳉﻴﺪ ﳍﺬﻩ اﳌﺄﺛﺮ ,ﻋﻨﺪ
اﳌﺪﺧﻞ أﻣﺪﻭﻧﺎ ﺑﺠﻬﺎز أﺑﻴﺾ ﻟﻠﱰﲨﺔ ﻛﺪﻟﻴﻞ ﺳﻴﺎﺣﻲ ﻳﺘﻮﻓﺮ ﻋﲆ
ﻛﻞ اﻟﻠﻐﺎت اﳊﻴﺔ ,إﻻ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﳌﻴﺘﺔ ﰲ ﻧﻈﺮﻫﻢ ﺳﻮ ﻣﻦ ذﻛﺮ
أﺳﲈء :ﻛﻌﺒﺪ اﻟﺮﲪﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ﻭﳏﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪﻦ .ﻋﻨﺪ ﻭﻗﻮﰲ
ﻋﲆ ﻣﺂﺛﺮ ﻗﴫ اﳊﻤﺮاء أﺣﺴﺴﺖ ﺑﺎﻟﻔﺨﺮ ﻟﻜﻮﲏ ﻋﺮﺑﻴﺎ ﻭﺑﺎﻟﺰﻫﻮ
ﻟﻜﻮﲏ ﺻﺤﺮاﻭﻳﺎ.
أﺛﻨﺎء ﺟﻮﻟﺘﻲ ﺑﲔ ﺟﻨﺒﺎت ﻫﺬا اﳌﻌﲈر اﻟﻔﺨﻢ .ﻭﻋﻨﺪ اﻟﻈﻬﲑة
رأﻳﺖ ﻃﺎﺑﻮرا ﻣﻦ اﻟﺴﻮاح ﻭاﻗﻔﲔ أﻣﺎﻡ اﻟﻘﴫ ﻣﻦ ﲨﻴﻊ اﳉﻨﺴﻴﺎت,
ﻛﻞ ﻳﻨﺘﻈﺮ دﻭرﻩ ﰲ اﻟﻄﺎﺑﻮر .ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ اﻣﺮأة ﺧﻠﻔﻲ ﺗﻘﺪﻡ ﲠﺎ اﻟﻌﻤﺮ
ﺑﺎﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﻓﺼﻴﺤﺔ ,ﺑﻌﺪﻣﺎ اﺑﺘﺴﻤﺖ "ﻣﻦ أﻱ اﻟﺒﻠﺪاﻥ أﻧﺖ ?ﻗﻠﺖ
ﳍﺎ ":أﻧﺎ ﻗﺎدﻡ ﻣﻦ إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ" .رأﻳﺖ اﻟﺘﻌﺠﺐ ﻋﲆ ﻗﺴﲈت ﻭﺟﻬﻬﺎ,
ﻓﺄردﻓﺖ :أﳖﺎ ﻣﻦ ﻓﻠﻮرﻳﺪا اﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ" ,دﺧﻠﻨﺎ
ﰲ دردﺷﺔ ﰲ اﻟﻄﺎﺑﻮر إﱃ أﻥ دﻟﻔﻨﺎ أﺛﻨﺎء اﳉﻮﻟﺔ ﰲ اﻟﻘﴫ ,اﻟﻜﻞ
ﻳﺆرخ ﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﺎرﳜﻴﺔ ,أﻣﻀﻴﺖ اﻟﻴﻮﻡ ﻛﻠﻪ ﻫﻨﺎﻙ إﱃ أﻥ ﻣﺎﻟﺖ
اﻟﺸﻤﺲ إﱃ ﻣﻐﺮﲠﺎ ,ﱂ أﻛﻦ ﰲ ﻋﻮاﱂ ﺳﺤﺮﻳﺔ ﻓﻘﻂ ,ﺑﻞ ﻋﺎﱂ أﺷﺘﻢ
ﻓﻴﻪ ﻋﺒﻖ اﻟﺘﺎرﻳﺦ .ﻛﺜﲑا ﻣﺎ ﺣﴬﺗﻨﻲ أﺣﺪاﺛﻪ ﰲ ﻳﻘﻈﺘﻲ ﻣﻦ اﳌﺼﺎدر
ﻭأﻣﻬﺎت اﻟﻜﺘﺐ ﻭأﺣﻼﻡ اﻟﻮﻗﻮﻑ ﻋﻠﻴﻪ ﻳﻮﻣﺎ ﻣﺎ ,ﻓﺄﺣﺴﺴﺖ
ﺑﺎﻻﻧﺘﺸﺎء ﻳﻐﻤﺮ ﺻﺪرﻱ ﺑﲔ اﻟﻔﺨﺎﻣﺔ ﻭاﻹﺗﻘﺎﻥ ﻭاﳋﴬة ﻭاﳌﺎء
اﻟﻌﺬب.
ﻭﻣﻦ ﺗﻼﻝ اﻟﻘﴫ أﻣﻌﻨﺖ اﻟﻨﻈﺮﺑﻘﺮص اﻟﺸﻤﺲ اﳌﻨﺤﺪر
ﻓﻮﻕ اﳉﺒﺎﻝ اﻟﺒﻌﻴﺪة ,ﳎﺮد ﻫﻨﻴﻬﺎت ,ﻭﺳﻴﻌﻢ اﻟﻈﻼﻡ ﻫﺬا اﻟﻜﻮﻥ.
141
ﻣﻨﺤﻨﻲ ذﻟﻚ ﻧﻐﲈت اﻟﻌﺰﻑ اﳉﲈﻋﻲ "ﻟﻠﻔﻼﻣﻨﻜﻮ" ﻟﺸﺒﺎﻥ إﺳﺒﺎﻥ
ﻋﻨﺪ ﻣﻘﺎﻫﻲ اﻟﺴﻔﺢ ,أﺛﻨﺎء ﻧﺰﻭﱄ ﺗﻞ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ,ﳊﻨﺎ ﻫﺰاﺗﻪ ﻋﺬﺑﺔ
ﺗﺪﻏﺪغ أﺷﺠﺎﲏ ,أﺣﺴﺴﺖ ﺑﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻄﺮب اﳍﺎدر اﻟﻌﺠﻴﺐ ﱂ
ﻳﺴﺒﻖ ﱄ ﺳﲈﻋﻪ ,ﺷﻌﻮر آﺧﺮ أﺿﺎء ﻣﻜﺎﻧﺎ ﻣﻈﻠﲈ ﰲ رﻭﺣﻲ .ﻟﻘﺪ
ﺗﺮاءت ﱄ أﳎﺎد اﻟﻌﺮب أﴎاراﻷﻫﻴﻢ ﻭأﺣﺎﻛﻲ "ﻧﺰار ﻗﺒﺎﲏ"
"ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ﻭﺻﺤﺖ ﻗﺮﻭﻥ ﺳﺒﻌﺔ ﰲ ﺗﻴﻨﻴﻚ اﻟﻌﻴﻨﲔ"...ﻭﺗﺄﻛﺪت
ذﻟﻚ اﻟﻴﻮﻡ أﻥ ﻫﺬا اﻟﻮﺟﻊ اﻟﺘﺎرﳜﻲ ﻛﻠﲈ زرﺗﻪ أﻭ ﺷﺎﻫﺪت ﻣﺂﺛﺮﻩ
ﻋﻦ ﻗﺮب ,ﲢﴪت ﻓﻌﻼ ﻋﲆ ﻓﻘﺪاﻧﻪ.
ﻟﻜﻨﻲ ﺑﺎﳌﻘﺎﺑﻞ ,أﺗﺴﺎءﻝ ﰲ ﻗﺮارة ﻧﻔﴘ" :ﻟﻮ أﻧﻨﺎ ﻧﺤﻦ
اﻟﻌﺮب ﺑﻘﻴﻨﺎ ﻫﻨﺎ ,ﻫﻞ ﺳﻨﺤﺎﻓﻆ ﻋﲆ ﻫﺬﻩ اﳌﺂﺛﺮ ﳌﺎ آﻝ إﻟﻴﻪ ﺣﺎﻟﻨﺎ ﻣﻦ
ﺗﺪﻣﲑ ﳌﺂﺛﺮﻧﺎ ﰲ ﺑﻠﺪاﻧﻨﺎ? ﻭﻗﻠﺖ ﴎا :ﻣﺎ أﻏﺮب اﻟﺘﺎرﻳﺦ? ﻛﻴﻒ
أﺻﺒﺢ ﻣﻦ اﻷﻓﻀﻞ ﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺎ أﻥ ﻧﺒﻘﻰ ﺑﻌﻴﺪا ﻋﻨﻬﺎ?" ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻓﻘﻂ
ﻗﻔﻠﺖ راﺟﻌﺎ اﱃ ﻭﺳﻂ اﳌﺪﻳﻨﺔ.
ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺎت ﻛﺜﲑا ﻣﺎ ﻣﺮ ﴍﻳﻂ ﺣﻴﺎﰐ ,أﺗﺬﻛﺮ آﻣﺎﱄ
ﻭأﺣﻼﻣﻲ اﻟﺘﻲ ﺑﺤﺖ ﳍﺎ ﲠﺎ ﻋﻨﺪ ﺗﻠﻚ اﳌﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ زﻣﻦ اﻟﺘﻴﻪ ﻭﻋﻦ
ﻛﻞ ﳾء ,ﺑﺆﳼ ﻭﺷﻘﺎﺋﻲ ﺧﺎﺻﺔ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ"ﺧﺎﻳﻦ" ﻭﻣﻜﺘﺐ
اﳌﺤﺎﻣﻴﺔ "ﺑﺮﳜﻴﺪا" اﻟﺬﻱ ﻳﻌﺞ ﺑﻄﺎﻟﺒﻲ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ,اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻨﻬﻢ
ﻻزاﻝ ﳛﻤﻞ ﺣﻘﺎﺋﺒﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺐ ﻣﻦ ﲪﻠﻬﺎ أﻳﻦ ﻣﺎﺣﻞ.
ﻟﻦ أﻧﺴﻰ أﺷﻬﺮا ﻃﻮﻳﻠﺔ ﰲ ﺿﻮاﺣﻲ اﳌﺪﻳﻨﺔ اﻟﺴﺎﺣﺮة ﻭﻣﺎ
ﻛﺎﺑﺪﺗﻪ ﰲ ﺣﻴﺎﰐ ﻣﻦ ﺷﺪة ﻭﺑﻼء ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﻋﻴﴚ ﻣﺮة ,ﻭ ﻭﺛﺎﺋﻘﻲ ﻣﺮة
142
أﺧﺮ ﻭﺻﺤﺘﻲ ﳌﺮات ﻋﺪﻳﺪة .ﻛﻨﺖ أﺣﻜﻲ ﳍﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﺎﱄ ﰲ
ردﻫﺎت اﳌﺴﺘﺸﻔﻰ ﻭاﻟﺪﻣﻮع ﺗﺒﻠﻞ ﺧﺪﻫﺎ اﻟﻮﺿﺎء ,ﺗﺎرة ﺗﺒﻜﻲ رﲪﺔ
ﰊ ﻭأﺧﺮ إﺷﻔﺎﻗﺎ ﻋﲇ ..ﻭﻫﻜﺬا أﺧﺬ ﺗﻌﺎﻃﻔﻬﺎ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ إﱃ رﲪﺔ
ﻭﺷﻔﻘﺔ ,ﻭاﻟﺘﻌﺎﻃﻒ إذا اﺳﺘﺤﺎﻝ إﱃ ﻫﺬﻳﻦ ﻓﻘﺪ أذﻥ ﻧﺠﻤﻪ ﺑﺎﻷﻓﻮﻝ,
ﻭﻫﻮﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﻛﺮﻫﻪ ﻭأﻗﻮﻝ ﳍﺎ" أﺣﺐ أﻥ ﳛﱰﻣﻨﻲ اﻵﺧﺮﻭﻥ ,ﺑﺪﻝ
أﻥ ﻳﺸﻔﻘﻮا ﻋﲇ ,ﻓﺎﻟﺸﻔﻘﺔ أﻓﻀﻞ ﻋﻨﻬﺎ اﳌﻮت".
إﻥ اﻟﻴﻮﻡ اﻟﺬﻱ أﺷﻌﺮﻓﻴﻪ ﺑﺨﻴﺒﺔ أﻣﺎﱄ ﻭاﻧﻘﻄﺎع ﺣﺒﻞ رﺟﺎﺋﻲ
ﳚﺐ أﻥ ﻳﻜﻮﻥ آﺧﺮ ﻳﻮﻡ ﻣﻦ أﻳﺎﻡ ﺣﻴﺎﰐ ,ﻓﻼ ﺧﲑ ﰲ ﺣﻴﺎة ﳛﻴﺎﻫﺎ
اﳌﺮء ﺑﻐﲑ ﻗﻠﺐ ,ﻭﻻ ﺧﲑ ﰲ ﻗﻠﺐ ﳜﻔﻖ ﺑﻐﲑ أﻣﻞ.
ﻟﻘﺪ ﻣﺮت ﻋﲇ أﻭﻗﺎت ﺻﻌﺒﺔ ﺟﺪا ,ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﻛﺘﻢ
ﻟﻮاﻋﺞ ﻧﻔﴘ ﻭأﳌﻬﺎ ﺑﻤﻌﻨﻮﻳﺎت ﻋﺰ ﻧﻈﲑﻫﺎ ,ﺣﺘﻰ ﻻ أﺳﺘﺠﺪﻱ
ﺷﻔﻘﺔ أﺣﺪ أﻭﻋﻄﻔﻪ ﻹﻳﲈﲏ اﻟﻌﻤﻴﻖ ﺑﺄﻥ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻋﺎﺟﺰﻭﻥ ﻋﻦ
ﻣﺴﺎﻋﺪة أﻧﻔﺴﻬﻢ ,ﻟﺬا أﺻﺒﺤﺖ ﰲ ﻫﺬﻩ اﳊﻴﺎة ﻏﺮﻳﺒﺎ ﻣﺘﻔﺮدا ,ﻻ أﺟﺪ
ﺑﲔ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻠﻮب اﳋﺎﻓﻘﺔ ﺑﺎﻟﻌﺠﺰ ﺣﻮﱄ ﻗﻠﺒﺎ ﳛﺰﻥ ﳊﺰﲏ ,ﻭﻻ ﺑﲔ
اﻟﻌﻴﻮﻥ اﻟﻨﺎﻇﺮة إﱄ ﻋﲔ ﺗﺒﻜﻲ ﻟﺒﻜﺎﺋﻲ ,ﻷﻧﻨﺎ أﺻﺒﺤﻨﺎ ﳎﺘﻤﻌﺎ ﻣﺄزﻭﻣﺎ
ﻳﺘﻌﺎﻳﺶ ﻣﻊ اﻟﻨﻔﺎﻕ ,ﻭﻣﺒﻨﻲ ﻋﲆ ﻣﺒﺪإ ﻧﺎﻓﻖ ﻛﻲ ﺗﻮاﻓﻖ ,إﱃ أﻥ
ﻭﺟﺪت ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻓﺘﻐﲑت ﻧﻈﺮﰐ ﻭأﻓﻜﺎرﻱ اﻟﻨﻤﻄﻴﺔ ﲤﺎﻣﺎ.
ﻛﻨﺖ ﻗﺪ أﺗﺼﻠﺖ ﺑﺄﻣﻲ ﻫﺎﺗﻔﻴﺎ ,ﻭﻋﺎﺗﺒﺘﻨﻲ ﺑﻜﻞ أﻧﻮاع اﻟﻌﺘﺎب
ﻋﲆ ﻫﺬﻩ اﻟﻘﻄﻴﻌﺔ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻭأﺧﱪﺗﻨﻲ أﳖﺎ ﺣﺎﻭﻟﺖ اﻹﺗﺼﺎﻝ ﰊ
143
ﺑﺸﺘﻰ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ,أﺧﱪﲥﺎ أﻥ أﻣﻮرﻱ ﻋﲆ أﺣﺴﻦ ﻣﺎﻳﺮاﻡ .ﻭﻗﺪ
ﻭﺟﺪت ﻓﻌﻼ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻛﺒﲑة ﰲ إﻗﻨﺎﻋﻬﺎ.
ﺳﺄﻟﺘﻬﺎ ﻋﻦ أﺣﻮﳍﺎ ﻭﻋﻦ ﺻﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﺧﱪﺗﻨﻲ ﺑﺄﳖﺎ رزﻗﺖ
ﺑﻤﻮﻟﻮد ﰲ ﻏﻴﺎﰊ أﺳﻤﺘﻪ ﺧﻠﻴﻞ ,ﻭﻗﺪ ﺗﺄﺛﺮت ﲠﺬﻩ اﳌﺤﺎدﺛﺔ ﺑﻌﺪﻣﺎ
ﺳﻤﻌﺖ ﴏاخ اﻟﺼﻐﲑ ,ﻭأﺧﺘﻲ ﺗﺘﺤﺪث إﱃ أﻣﻲ ﻛﻲ ﺗﺘﻜﻠﻢ ﻣﻌﻲ,
ﻭﻓﻌﻼ ﲢﺪﺛﻨﺎ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻜﻠﻢ ﻭﺗﺒﻜﻲ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻠﻢ أﺗﺒﲔ
ﻣﺎﺗﻘﻮﻝ إﻻ" :اﺷﺘﻘﺖ إﻟﻴﻚ أﺧﻲ" ,ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ ﳾء
أﺧﱪﲥﺎ أﲏ ﺳﺄﻋﻮد ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺴﻤﺢ اﻟﻈﺮﻭﻑ..
ﻫﻲ أﺣﺐ اﻷﺷﺨﺎص ﻭأﻗﺮﲠﻢ إﱃ ﻗﻠﺒﻲ ,ﻭﺑﺤﻜﻢ أﻧﻨﺎ ﺗﻮأﻡ
ﻓﻌﻼﻗﺘﻨﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﻮﻳﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ ,ﻭﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﱪﻧﺎ ﻛﻨﺎ داﺋﲈ ﰲ
ﻋﺮاﻙ ﻭﻣﺰاح داﺋﻢ ,ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﳍﺎ ﻋﺎدة ﻃﺮﻳﻔﺔ ,ﻛﻠﲈ ﺑﺤﺜﺖ ﻋﻦ
ﻧﻌﲇ ﻣﻦ ﻧﻮع"ﺳﻴﲈر" ,أﺟﺪﻫﺎ ﺗﻠﺒﺴﻬﲈ ,ﻭأﻗﻮﻝ ﳍﺎ" :ﻏﺮﻳﺐ أﻣﺮﻙ
ﻫﺬﻩ ﻧﻌﻞ ﻟﻠﺮﺟﺎﻝ".
ﻭﲡﻴﺐ":أﻋﺮﻑ ﻫﺬﻩ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻣﻨﺘﻬﻴﺔ اﻟﺼﻼﺣﻴﺔ".
ﻭﺗﻀﻴﻒ":ﻻ أﺧﻔﻴﻚ ﴎا ﺑﺄﻥ رﺟﲇ ﺗﺮﺗﺎح ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻟﺒﺴﻬﺎ".
ﻓﺄﺟﻴﺒﻬﺎ" :أدرﻱ ذﻟﻚ ﻭﺑﲈ أﻥ رﺟﻠﻚ ﻛﺒﲑة ,ﻓﻼ ﻳﻮﺟﺪ
ﻣﻘﺎﺳﻚ إﻻ ﻧﺎدرا ﻭﺑﻌﺪ ﺟﻬﺪ ﰲ اﻟﺴﻮﻕ".
ﻭأﺿﻴﻒ":ﺳﺄﻗﱰح ﻋﻠﻴﻚ ﻧﺼﻴﺤﺔ".
ﺗﻘﻮﻝ ,ﻭاﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺗﻌﻠﻮ ﳏﻴﺎﻫﺎ ":ﺗﻔﻀﻞ ﺣﻜﻴﻢ زﻣﺎﻧﻪ.
ﳌﺎذا ﻻ ﺗﻨﺨﺮﻃﻲ ﰲ اﳉﻴﺶ ,ﺳﻴﻜﻮﻥ أﻓﻀﻞ".
144
ﻭأﻫﺮب ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ ردة ﻓﻌﻠﻬﺎ ,ﻭﺗﺘﺒﻌﻨﻲ ﻫﻲ ﻛﻲ ﺗﻈﻔﺮ
ﺑﴬﺑﺔ ﻋﲆ ﻇﻬﺮﻱ .ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻼﻗﺘﻨﺎ ﻗﻮﻳﺔ ﻳﺘﺨﻠﻠﻬﺎ ﻣﺰاح داﺋﻢ,
ﻭﺣﺐ أﻗﻮ ﻋﲆ ﻣﺮ اﻟﺴﻨﲔ.
ﻏﲑ أﻥ اﻷﻣﺮ اﺧﺘﻠﻒ ﻛﺜﲑا .ﺑﻌﺪ أﻥ ﺗﻘﺪﻡ ﻋﻤﺮ ﳋﻄﺒﺘﻬﺎ,
ﻋﺎرﺿﺖ اﻷﻣﺮ ﺑﺸﺪة ﳌﻌﺮﻓﺘﻲ ﺑﺄﻧﻪ ﻟﻴﺲ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬﻱ أﺣﺐ أﻥ
ﻳﺸﺎرﻙ أﺧﺘﻲ اﻟﻮﺣﻴﺪة ﺣﻴﺎﲥﺎ ,ﺣﺎﻭﻟﺖ أﻥ أﺛﻨﻴﻬﺎ ﻋﻦ ﻗﺮارﻫﺎ ﺗﺎرة
ﺑﺤﺰﻡ ﻭأﺧﺮ ﺑﺎﳊﺪﻳﺚ ﻣﻌﻬﺎ ﻭﻧﺼﺤﻬﺎ ,ﻭأﻛﺪت ﳍﺎ ﻣﺮارا أﻧﻪ
ﻟﻴﺲ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬﻱ أﲤﻨﺎﻩ ﳍﺎ ,ﻛﺎﻥ ﺣﺮﴆ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻫﻮ ﺳﺒﺐ
ﻣﻮﻗﻔﻲ ,ﻟﻜﻨﻬﺎ ﴐﺑﺖ ﻛﻼﻣﻲ ﻋﺮض اﳊﺎﺋﻂ ,ﻭﻣﺎزاد اﻟﻄﲔ ﺑﻠﺔ
أﻥ ﻋﻤﺮ ﲢﺪاﲏ ﰲ أﻛﺜﺮﻣﻦ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ إﱃ أﻥ أﻗﻨﻌﻬﺎ ﺑﻄﺮﻗﻪ ﻭﺗﺰﻭﺟﻬﺎ,
ﻭﳌﺎ ﱂ ﺗﺄﺧﺬ ﺑﺮأﻳﻲ ﻭﻧﺼﻴﺤﺘﻲ أﺣﺴﺴﺖ أﲏ أﻫﻨﺖ ,ﻓﻘﺮرت
ﻣﻘﺎﻃﻌﺘﻬﺎ ﻭﱂ أﻛﻠﻤﻬﺎ ﳌﺪة ﺳﻨﺘﲔ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﻮﻗﻔﻲ ﻣﻦ زﻭاﺟﻬﺎ اﻟﺬﻱ
ﻛﻨﺖ ﺿﺪﻩ ﻭاﻋﺘﱪﺗﻪ اﺧﺘﻴﺎرا ﺧﺎﻃﺌﺎ إﱃ اﻟﻴﻮﻡ.
ﻛﺜﲑا ﻣﺎ ﺗﺪﺧﻠﺖ أﻣﻲ ﻭﻃﻠﺒﺖ ﻣﻨﻲ أﻥ أﻛﻠﻤﻬﺎ ﻭأﳊﺖ ﻋﲇ,
ﻟﻜﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻋﻨﻴﺪ اﻟﻄﺒﻊ ﻣﺜﻞ أﰊ ﻛﲈ ﺗﻠﻤﺢ ﻫﻲ دﻭﻣﺎ .إﱃ أﻥ ﺻﺎدﻑ
ﻳﻮﻡ ﻣﻦ اﻷﻳﺎﻡ ﻭﻛﺎﻥ ﻳﻮﻡ اﻟﻌﻴﺪ ﺑﻌﺪ زﻭاﺟﻬﺎ ﺑﻌﺎﻣﲔ ,ﻗﺪﻣﺖ ﺻﻔﻴﺔ
ﻛﻌﺎدﲥﺎ ﻟﺘﻤﴤ ﻣﻌﻨﺎ اﻟﻌﻴﺪ ,أذﻛﺮ أﲏ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺳﺘﻴﻘﻈﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﻮﻡ
ﻓﻮﺟﺪت أﻣﻲ ﺗﺘﻮﺿﺄ ,ﻗﺒﻠﺖ رأﺳﻬﺎ ,ﻭﲤﻨﻴﺖ ﳍﺎ ﻃﻮﻝ اﻟﻌﻤﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ
ﻭﻟﻴﺖ اﻷدﺑﺎر إﱃ ﻏﺮﻓﺘﻲ ﻗﺎﻟﺖ ﱄ ":أﻟﻦ ﺗﺴﻠﻢ ﻋﲆ أﺧﺘﻚ ﻭﺗﻠﻌﻦ
اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻭﺗﺘﺴﺎﳏﺎ ,ﻫﺬا ﻳﻮﻡ ﻋﻴﺪ اﻟﻨﺎس ﺗﻄﻠﺐ اﻟﺼﻔﺢ
ﻭاﳌﺴﺎﳏﺔ.ﻗﻠﺖ ﳍﺎ" :ﺳﺄﻛﻠﻤﻬﺎ إذا ﻛﺎﻥ ﻫﺬا ﻳﺮﺿﻴﻚ",ﻋﻨﺪﻣﺎ
145
ﺳﻤﻌﺖ ﻛﻼﻣﻲ ﱂ ﺗﺼﺪﻕ ,ﻓﱰﻛﺖ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺑﻴﺪﻫﺎ ﻣﻦ أﻭاﲏ
اﻟﻮﺿﻮء ﻭﻫﺮﻭﻟﺖ إﱃ اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻷﺧﺮ ﻟﺘﺨﱪﻫﺎ.ﻋﻨﺪﻣﺎ دﺧﻠﺖ
ﻭﺟﺪت ﺻﻔﻴﺔ ﺗﺮﺗﺐ اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﻜﺒﲑة اﺳﺘﻌﺪادا ﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻝ اﻟﻀﻴﻮﻑ
اﳌﻬﻨﺌﲔ ﺑﺎﻟﻌﻴﺪ.
ﻗﻠﺖ":اﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻋﻴﺪﻙ ﻣﺒﺎرﻙ ".
أﺟﺎﺑﺖ":ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻭﻋﻠﻴﻚ ".ﻭﺑﻌﺪ ﺻﻤﺖ ﻋﺎﻧﻘﺘﻨﻲ ﺑﻜﻞ
ﺣﺐ ﻭاﻧﻜﺴﺎر .ﻭﺑﻜﺖ ﺑﺤﺮﻗﺔ ,ﺑﻘﻴﺖ ﻋﲆ ﻫﺬﻩ اﳊﺎﻝ ﻃﻮﻳﻼ ﻛﻠﲈ
ﺣﻠﺖ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﺗﻌﺎﲏ ﰲ ﺻﻤﺖ ﻭﺑﲔ ﻛﲈﺷﺘﲔ :زﻭﺟﻬﺎ ﻭأﺧﻴﻬﺎ.
ﻫﻞ ﺗﻜﻮﻥ ﰲ ﺻﻒ زﻭﺟﻬﺎ ﻭﺗﺘﺨﲆ ﻋﻦ أﺧﻴﻬﺎ أﻡ اﻟﻌﻜﺲ.
ﻓﻜﻼﳘﺎ ﺧﻴﺎراﻥ أﺣﻼﳘﺎ ﻣﺮ..
ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ اﻟﻐﺮﻓﺔ ﻏﲑ أﻥ ﻧﻔﴘ ﱂ ﺗﻄﺎﻭﻋﻨﻲ ﻭرﺟﻌﺖ
إﻟﻴﻬﺎ ﻣﺮة أﺧﺮ اﻃﻠﺐ اﻟﺴﲈح ﻣﻨﻬﺎ ﻭأﻗﺒﻞ رأﺳﻬﺎ اﺑﺘﻐﺎء أﻥ ﺗﻜﻒ
ﻋﻦ اﻟﺒﻜﺎء ﻭﺗﻨﺴﻰ ﻣﺎ ﻣﴣ .ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﱂ ﺗﺴﺘﺠﺐ ,اﺳﺘﻔﴪﲥﺎ ﻋﻦ
اﻷﻣﺮ ,أﺟﺎﺑﺖ ﺑﺤﻨﻖ ":ﻫﻞ أﺗﻴﺖ ﻟﺘﺸﻔﻖ ﻋﲆ ﺣﺎﱄ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﺘﲔ ﰲ
ﻛﻞ ﻣﺮة أدﻋﻮ اﷲ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻗﻠﺒﻲ أﻥ ﺗﻜﻠﻤﻨﻲ ,أﻭ ﺣﺘﻰ أﻥ ﺗﻨﻈﺮ إﱄ
ﻭأﻧﺖ ﻛﺄﻧﻚ ﻟﺴﺖ ﻫﻨﺎ ﰲ ﻋﺎﱂ أﺧﺮ ,ﻻ ﲥﺘﻢ ﻭﻛﺄﲏ ﻟﺴﺖ ﻣﻮﺟﻮدة
ﻛﻨﺖ أﺗﻌﺬب ﻓﻌﻼ".
ﻗﻠﺖ":ﻣﻌﺎذ اﷲ أﻧﺖ أﺧﺘﻲ ﻋﲆ أﻱ ﺣﺎﻝ".
ﻓﻘﺎﻟﺖ":أﻳﻦ ﻛﻨﺖ ﳌﺪة ﻋﺎﻣﲔ?"ﱂ ﺗﻨﻈﺮ إﱄ ﻭﺗﻌﺎﻣﻠﻨﻲ
ﺑﺎﺣﺘﻘﺎر ,ﻭﱂ ﺗﺴﺘﻔﴪ ﻋﻦ أﺣﻮاﱄ أﺑﺪا ,ﻭﺗﺮﻛﺖ ﰲ ﺟﺮﺣﺎ ﻧﺎزﻓﺎ.
146
ﻭأﻧﺎ ﻓﻌﻼ ﻗﺎﻃﻌﺘﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﱂ ﺗﺴﺘﺠﺐ ﻟﻄﻠﺒﻲ ﻭﳌﻌﺮﻓﺘﻲ أﻥ زﻭاﺟﻬﺎ
ﻣﻦ ﻋﻤﺮ اﻟﻔﺘﻰ اﻟﻄﺎﺋﺶ ﺧﻄﺄ ﻻ ﻳﻐﺘﻔﺮ ,ﻷﻧﻪ اﻧﺘﺤﺎر ﰲ ﻧﻈﺮﻱ .ﻟﻴﺘﻬﺎ
أدرﻛﺖ أﲏ ﻣﺎ ﻋﺎرﺿﺘﻬﺎ إﻻ ﺣﺒﺎ ﻓﻴﻬﺎ.
ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻧﺪﻣﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻋﲆ ﻗﺮارﻱ ﰲ ﳊﻈﺔ ﻏﻀﺐ,
ﻭأدرﻛﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺄﻥ اﳋﻴﺎر ﰲ اﻷﺧﲑ ﳍﺎ ,ﻭﻫﻲ ﻣﻦ ﺳﻴﺘﺤﻤﻞ
ﻋﻮاﻗﺒﻪ ,ﻓﻘﺮرت أﻥ أزﻭرﻫﺎ ﻭأﺻﻞ رﲪﻬﺎ ﻣﻦ ﻭﻗﺖ ﻵﺧﺮ
ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ أﺧﺘﻲ اﻟﻮﺣﻴﺪة ,إﻻ أﻧﻨﻲ اﻧﻘﻄﻌﺖ ﻋﻦ زﻳﺎرﲥﺎ ﻣﺮة أﺧﺮ
ﺑﺴﺒﺐ زﻭﺟﻬﺎ اﻟﺬﻱ ﻃﺮدﲏ ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻪ ذات ﻳﻮﻡ.
ﰲ إﺣﺪ زﻳﺎراﰐ ﻛﻨﺖ ﰲ ﻏﺮﻓﺔ اﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻝ أداﻋﺐ
اﻟﺼﻐﲑة ﻓﺎﻃﻤﺔ ,ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﺿﺠﻴﺠﺎ ﻭﴏاﺧﺎ ﰲ اﳌﻄﺒﺦ.
اﺳﺘﻄﻠﻌﺖ اﻷﻣﺮ ﻓﺈذا ﲠﺎ ﲣﺮج ﻣﴪﻋﺔ ,ﻧﻈﺮت ﰲ ﻋﻴﻨﻬﺎ ﻭإذا ﲠﺎ
ﺗﻔﻴﺾ ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع .ﻗﺪﻡ ﻋﻤﺮ زﻭﺟﻬﺎ ﻭﺑﺪأ ﻳﴫخ ﰲ ﻭﺟﻬﻬﺎ أﻣﺎﻣﻲ,
ﻃﻠﺒﺖ ﻣﻨﻪ أﻥ ﳞﺪأ ﻭﻳﻌﺎﳉﺎ اﳌﻮﺿﻮع ,ﻟﻜﻨﻪ أﺳﺘﻤﺮ ﰲ اﻟﴫاخ
ﻭاﻟﺴﺐ ﻭﻫﻲ ﺗﺮد ﻋﻠﻴﻪ;
"ﳌﺎذا ﻻ ﺗﻘﻮﻝ اﳊﻘﻴﻘﺔ ,ﻋﻄﺮ ﻧﺴﺎﺋﻲ ﻓﻮاح ,ﺑﻘﺎﻳﺎ ﺷﻌﺮ ﻧﺴﺎء
ﻋﲆ ﺳﱰﺗﻚ ,ﻭأﺻﺪﻗﺎء اﻟﺴﻮء ,ﻻ ﺗﺄﰐ إﻻ ﻣﺘﺄﺧﺮا ﻟﻴﻼ ,اﳌﻜﺎﳌﺎت
اﳍﺎﺗﻔﻴﺔ ﻭاﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ,ﺻﱪت ﻋﻞ ﻛﻞ ﳾء ﻣﻦ أﺟﻞ أﻃﻔﺎﻟﻨﺎ ,ﳾء
ﻻﻳﻄﺎﻕ ﱂ ﺗﻌﺘﱪﲏ ,ﻛﻦ رﺟﻼ ﻣﺴﺆﻭﻻ ﻭﻟﻮ ﳌﺮة ﻭاﺣﺪة ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻚ,
ﻓﻘﺪت ﻛﻞ ﳾء ﺣﺘﻰ اﺣﱰاﻣﻚ ﱄ.
147
ﳌﺎ اﺳﺘﻔﺤﻞ اﻷﻣﺮ ﺑﻴﻨﻬﲈ ﻫﻢ ﺑﺼﻔﻌﻬﺎ أﻣﺎﻣﻲ ﱂ أﲤﺎﻟﻚ ﻧﻔﴘ
ﺗﻘﺪﻣﺖ ﻧﺤﻮﻩ ﺑﻌﺪﻣﺎ اﺣﺘﻤﺖ ﰊ ,اﺳﺘﻌﺮت ﰲ ﻧﺎر اﻟﻐﻀﺐ ﻳﺪاﻱ
ﺗﺮﲡﻔﺎﻥ ,ﴏﺧﺖ ﰲ ﻭﺟﻬﻪ "ﻗﻒ ﻫﻨﺎﻙ أﻳﺎﻙ "ﻭإﻻ ﻟﻦ ﺗﺒﻖ ﰲ
ﻋﻤﺮﻙ ﳊﻈﺔ ,أﺳﻤﻊ أﻗﺴﻢ ﺑﺎﷲ اﻟﺬﻱ رﻓﻊ اﻟﺴﲈء ﺑﻼ ﻋﲈد ﻟﻮ
ﺗﻘﺪﻣﺖ ﺧﻄﻮة ﺳﺘﻜﻮﻥ أﺧﺮ ﺧﻄﻮة ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻚ".
ﻧﻈﺮ إﱄ ﻭﻗﺎﻝ ﳏﺘﻘﻨﺎ ﺑﻐﻀﺐ ﻭﻋﺮﻭﻕ ﻋﻨﻘﻪ ﻧﺎﻓﺮة ﺗﻜﺎد أﻥ
ﺗﻨﻔﺠﺮ" :أﺧﺮج ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻲ ,ﻫﺬﻩ زﻭﺟﺘﻲ ,ﻭﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ ﻳﻤﻴﻨﻲ ﻻ
ﺗﺘﺪﺧﻞ ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎب ﻭﺷﻴﻌﻨﻲ إﻟﻴﻪ".
ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺎب ,ﻧﻈﺮت ﰲ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﺑﺘﺤﺪ ":ﻟﻮﻛﻨﺖ رﺟﻼ ﳌﺎ
ﴐﺑﺖ اﻣﺮأة ﻻﺣﻮﻝ ﳍﺎ ﻭﻻ ﻗﻮة ",ﻓﺎﻟﻠﻌﻨﺔ ﻋﲆ اﻟﺮﺟﻮﻟﺔ إذا ﻛﺎﻧﺖ
ﻫﻜﺬا.
ﻗﺎﻟﺖ":ﳚﺐ أﻥ ﺗﻌﻠﻢ أﻧﻨﻲ ﺳﺄﺧﺮج ﻣﻊ أﺧﻲ إذا أردت أﻥ
ﲡﻌﻞ ﺣﻴﺎﰐ ﺻﻌﺒﺔ ﲠﺬﻩ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ,ﻓﻜﻦ ﻋﲆ ﻳﻘﲔ أﻧﻚ إذا ﱂ ﺗﻠﺘﺰﻡ
ﺑﻮاﺟﺒﺎﺗﻚ ﲡﺎﻫﻲ ﺗﺄﻛﺪ أﲏ ﺳﺄﺗﺮﻙ ﺑﻴﺘﻚ ﻭأﻧﴫﻑ اﻵﻥ ﻭإﱃ
اﻷﺑﺪ".
ﻗﻠﺖ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻧﻈﺮت إﻟﻴﻬﺎ :ﻫﻞ ﺳﺘﺬﻫﺒﲔ ﻣﻌﻲ?".
ﻗﺎﻝ":ﻫﺬا ﻻﻳﻌﻨﻴﻚ ,أﺧﺮج".
أردﻓﺖ" :إﻥ اﻟﺬﻱ ﺑﻴﻨﻲ ﻭﺑﲔ أﺧﺘﻲ ﳾء ﻻ ﺗﺼﻞ إﻟﻴﻪ
ﻳﺪاﻙ ,ﻭﻻﻳﻤﺘﺪ إﻟﻴﻪ ﺳﻠﻄﺎﻧﻚ ,ﻭﻻ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ أﻣﺮﻙ ﻭﳖﻴﻚ ﻭﻋﻄﺎؤﻙ
ﻭﻣﻨﻌﻚ .إﻧﻚ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أﻥ ﺗﻄﺮدﲏ ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻚ ﻷﻧﻚ ﲤﻠﻜﻪ ,ﻭأﻥ
148
ﲢﺒﺲ زﻭﺟﺘﻚ ﰲ ﻏﺮﻓﺘﻚ ﻷﻧﻚ زﻭﺟﻬﺎ ,ﻭﻟﻜﻨﻚ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أﻥ
ﲤﻨﻊ راﺑﻄﺔ اﻷﺧﻮة ﻭاﻟﺪﻡ أﻥ ﻳﻨﻔﺼﻼ ".
ﺗﺒﻌﺘﻨﻲ ﺻﻔﻴﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺎب ,ﺑﻜﺖ ﻛﺜﲑا ﻓﴫخ ﻭاﻟﻠﻌﺎب
ﻳﺘﻄﺎﻳﺮ ﻣﻦ ﻓﻤﻪ".إذا ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ,ﻓﻼ ﺗﻌﻮدﻱ".
ﻓﺘﺴﻤﺮت ﰲ ﻣﻜﺎﳖﺎ ﻭﱂ ﺗﻨﺒﺲ ﺑﺒﻨﺖ ﺷﻔﺔ .ﻗﻠﺖ ":ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ
ﱄ ,أﻋﺎﻫﺪﻙ ﻣﺎﻣﺪ اﷲ ﰲ ﻋﻤﺮﻱ ﻟﻦ أﻃﺄ ﺑﻴﺘﻚ".
رﺑﺖ ﻋﲆ ﻛﺘﻔﻬﺎ ﻭأﻣﺮﲥﺎ أﻥ ﺗﺒﻘﻰ ﻭاﻧﴫﻓﺖ إﱃ ﺣﺎﻝ
ﺳﺒﻴﲇ ﻭﻧﺎر اﻟﻐﻀﺐ ﺗﺄﻛﻠﻨﻲ ,ﱂ أﻋﺪ إﱃ ﺑﻴﺘﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﺣﺎدث اﻟﻄﺮد
اﳌﺸﻬﻮد ,ﻛﻨﺖ ﻣﻨﻬﺎرا ,ﺑﻌﺪ أﺷﻬﺮ اﻟﺘﻘﻴﺖ ﺑﻌﻤﺮ ﰲ ﺟﻨﺎزة أﺑﻴﻪ ﺛﻢ
ﻣﺮت ﺑﺨﺎﻃﺮﻱ ﻣﺮﻭر اﻟﱪﻕ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺎت اﻟﺘﻲ ﻃﺮدﲏ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ
ﺑﻴﺘﻪ.
ﱂ ﻳﺘﻐﲑ رأﻳﻲ ﻓﻴﻪ أﺑﺪا ﻣﻦ اﻟﻴﻮﻡ اﻷﻭﻝ اﻟﺬﻱ ﺟﺎء ﳋﻄﺒﺔ
أﺧﺘﻲ ,ﻛﻨﺖ أﻋﺮﻑ أﻧﻪ ﻣﻦ ﻃﻴﻨﺔ اﻟﺮﺟﺎﻝ أﻭ أﺷﺒﺎﻩ اﻟﺮﺟﺎﻝ اﻟﺬﻳﻦ
ﻟﻴﺲ ﻟﺪﳞﻢ ﻫﺪﻑ ﰲ اﳊﻴﺎة ﺳﻮ إرﺿﺎء ﺑﻄﻮﳖﻢ ﻭﻏﺮاﺋﺰ
أﺟﺴﺎدﻫﻢ ,ﻟﺬا ﻓﻬﻢ ﻻﻳﻔﻜﺮﻭﻥ ﺳﻮ ﰲ أذﻳﺔ ﻏﲑﻫﻢ ﻓﻘﻂ .ﻛﻨﺖ
ﻗﺪ ﻋﺎرﺿﺖ اﻷﻣﺮ ﺑﺸﺪة ,ﻭﻗﻠﺖ ﻷﻣﻲ" :أﻥ ﻋﻤﺮ رﺟﻞ ﻏﲑ
ﻣﺴﺆﻭﻝ" ,ﻟﻜﻨﻬﺎ داﺋﲈ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮﻝ" :اﻟﻨﺎس أﻟﻮاﻥ ﻭأﺻﻨﺎﻑ,
أﻃﻬﺎر ﻭأﻧﺠﺎس ,ﻓﺎﻟﺸﻤﺲ ﺗﴩﻕ ﻋﲆ اﻷﴍار ﻭاﻷﺧﻴﺎر ﻭاﷲ
ﻳﻮاﻟﻴﻨﺎ ﺧﲑ ﻋﺒﺎدﻩ".
149
ﻭﺗﻀﻴﻒ" :اﻟﺰﻭاج ﻳﻘﻴﺪ اﻟﺮﺟﻞ ﻭﻳﺼﻠﺤﻪ ,ﻭﻟﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﲆ
ﻫﺎﺗﻪ اﳊﺎﻝ داﺋﲈ ,ﻟﻮ أﻥ ﺷﻴﺌﺎ ﻳﻤﻜﻦ أﻥ ﻳﺪﻭﻡ ﳌﺎ ﺗﻌﺎﻗﺒﺖ اﻟﻔﺼﻮﻝ".
ﻟﻜﻨﻲ ﺑﻘﻴﺖ ﻣﺘﺸﺒﺜﺎ ﺑﺮأﻳﻲ ,ﻓﻄﺒﺎع ﻋﻤﺮ ﻛﺬﻳﻞ اﻟﻜﻠﺐ ﻻ ﺗﻌﺘﺪﻝ.
ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﺘﻬﻴﺖ ﻣﻦ اﳌﻜﺎﳌﺔ ﻣﻌﻬﻦ ,ﺷﻌﺮت ﺑﺤﻨﲔ ﻭﺷﻮﻕ
ﺟﺎرﻑ ﻟﺮؤﻳﺘﻬﻦ ,ﻛﲈ ﻛﻨﺖ ﰲ ﺣﺎﺟﺔ ﻣﺎﺳﺔ إﱃ ﺷﺨﺺ أﺛﺮﺛﺮ ﻣﻌﻪ
ﻟﺬﻟﻚ ﻋﺰﻣﺖ ﻋﲆ ﳏﺎدﺛﺔ ﺳﻜﻴﻨﺔ. .
رﻥ اﳍﺎﺗﻒ ﰲ اﳉﺎﻧﺐ اﻻﺧﺮ ﻭﺟﺎء ﺻﻮﲥﺎ ﻋﺬﺑﺎ ﻛﲈ أﻟﻔﺘﻪ..
"ﻛﻴﻒ اﳊﺎﻝ ﺧﻠﻴﻞ."?..
"اﳊﻤﺪ ﷲ ,ﻭأﻧﺖ".
"ﻫﻞ ﻟﺪﻳﻚ ﺷﻐﻞ ﻫﺬا اﳌﺴﺎء?".
"ﻻ" أﺟﺎﺑﺖ" ,أﻧﺎ ﰲ إﺟﺎزة ﺑﺪءا ﻣﻦ اﻟﻴﻮﻡ".
ﻗﻠﺖ ﳍﺎ" :ﻋﻈﻴﻢ ﻣﺎ رأﻳﻚ أﻥ ﻧﻠﺘﻘﻲ".
"ﺑﻜﻞ ﻓﺮح" أردﻓﺖ..
ﻛﺎﻥ ﻣﻮﻋﺪﻧﺎ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻣﺴﺎء..
ﻟﺒﺴﺖ أﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﻟﺪﻱ ﻣﻦ ﺛﻴﺎب ,ﻛﻨﺖ ﻗﺪ اﻗﺘﻨﻴﺘﻬﺎ ﻣﺆﺧﺮا
ﻣﻦ ﳏﻞ ﻟﻠﺘﺨﻔﻴﻀﺎت ,ﻭأﻧﺎ أﲢﺮ ﺷﻮﻗﺎ ﻟﻠﻘﺎﺋﻬﺎ ﱂ أﻧﺘﻈﺮ ﻃﻮﻳﻼ
ﺟﺎءت ﰲ اﳌﻮﻋﺪ ,رﺑﲈ اﻛﺘﺴﺒﺖ ﻋﺎدة اﻻﻧﻀﺒﺎط ﺧﻼﻝ ﻣﻘﺎﻣﻬﺎ ﻫﻨﺎ.
دﻟﻔﻨﺎ إﱃ ﻣﻄﻌﻢ ﺻﻐﲑ ,ﺟﻠﺴﻨﺎ ﰲ رﻛﻦ ﻗﴢ ,ﻭﻛﺄﲏ أراﻫﺎ
ﻟﻠﻤﺮة اﻷﻭﱃ ﰲ ﺣﻞ ﻣﻦ ﻭزرﲥﺎ اﻟﺒﻴﻀﺎء .ﺗﺒﺪﻭ ﻣﻼﺑﺴﻬﺎ ﺑﺴﻴﻄﺔ
ﻟﻜﻨﻬﺎ ﰲ ﻏﺎﻳﺔ اﻷﻧﺎﻗﺔ .ﻭﺳﺤﺮ اﳌﻜﺎﻥ أﻋﻄﻰ رﻭﻧﻘﺎ ﺧﺎﺻﺎ ﻟﻜﻼﻣﻬﺎ.
150
ﻗﺎﻟﺖ" :ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻛﻨﺖ ﰲ ﴏاع ﻣﻊ ﻧﻔﴘ ﺑﻌﺪﻣﺎ أﳖﻴﻨﺎ
اﳌﻜﺎﳌﺔ ,ﻫﻞ ﻋﲇ اﳌﺠﻲء أﻡ ﻻ?".
ﻗﻠﺖ" :ﻭﻣﻦ اﻧﺘﴫ ﰲ اﻷﺧﲑ?".
ﻗﺎﻟﺖ":أﻧﺖ".
ﱂ أﻧﺒﺲ ﺑﺒﻨﺖ ﺷﻔﺔ ﻟﻮﻫﻠﺔ ﻭﻛﺄﲏ ﻣﻘﻴﺪ اﻟﻠﺴﺎﻥ أﻧﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ
ﺑﺘﻤﻌﻦ ﻭأﺑﺘﺴﻢ.
ﻛﴪت ﻫﻲ ﺟﺪار اﻟﺼﻤﺖ" :ﻛﻴﻒ ﻫﻲ أﺣﻮﻟﻚ ?".
أﺟﺒﺖ" :ﻋﲆ أﺣﺴﻦ ﻣﺎﻳﺮاﻡ".
ﻭأﺿﺎﻓﺖ" :ﳚﺐ أﻥ ﺗﺪاﻭﻡ ﻋﲆ ﴍب اﻟﺪﻭاء ﺳﻴﺴﺎﻋﺪﻙ
ﻛﺜﲑا ".
أﺟﺒﺖ" :ﺑﻜﻞ ﺗﺄﻛﻴﺪ."...
ﲢﺪﺛﻨﺎ ﰲ ﻣﻮاﺿﻴﻊ ﺷﺘﻰ ,ﻛﻨﺖ أﺣﺲ داﺋﲈ ﰲ ﺣﴬﲥﺎ ﺑﺄﻣﺎﻥ
ﻭأﻧﺎ أﺻﻐﻲ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻤﻨﻄﻘﻬﺎ اﳌﺘﻔﺮد ﻭﲢﻠﻴﻠﻬﺎ اﻟﻌﻤﻴﻖ ,اﻟﺬﻱ ﻳﻀﻔﻲ
ﻋﲆ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﻌﺎدﻳﺔ ﻭاﻟﺒﺎﻫﺘﺔ ﺗﺄﻟﻘﻬﺎ إﻳﺬاﻧﺎ ﺑﻤﻴﻼد ﺟﺪﻳﺪ..ﻋﺬﺑﺔ
اﳊﺪﻳﺚ .ﻭﻛﻨﺖ ﻣﻨﺒﻬﺮا ﻟﺜﻘﺎﻓﺘﻬﺎ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻭﺧﱪﲥﺎ ﰲ ﻛﻨﻪ اﻟﻨﻔﺲ
اﻟﺒﴩﻳﺔ.
أﺛﻨﺎء ﺣﺪﻳﺜﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮدد ﻋﺒﺎرة "اﷲ ﻏﺎﻟﺐ" ﻭﻛﻨﺖ
أﺿﺤﻚ ,ﻭأﻗﻮﻝ ﳍﺎ :ﻫﺬﻩ اﻟﻌﺒﺎرة ﺟﺰاﺋﺮﻳﺔ. .
أردﻓﺖ" :ﻧﻌﻢ ﻫﺬا ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻜﻠﲈت اﻟﺘﻲ ﺑﻘﻴﺖ ﻣﻼزﻣﺔ
ﱄ ﻣﻦ اﳌﺨﻴﻢ".
151
ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﲈﲥﺎ ﺗﺜﲑ اﻧﺘﺒﺎﻫﻲ ﰲ اﻟﺒﺪء ,ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﺘﺴﺎﻣﺮ ﰲ
اﳌﺴﺘﺸﻔﻰ ,ﺑﻌﺪ ﻣﺪة أﺧﺬت ﺗﺴﺤﺮﲏ ﺧﺼﻮﺻﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﺎﱄ اﻟﻄﻮاﻝ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﲢﻜﻲ ﱄ ﻋﻦ ﺣﻴﺎﲥﺎ ,أذﻛﺮ أﳖﺎ ﰲ ﳊﻈﺎت ﺻﻤﺖ ﺗﺴﻬﻮ
ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ أﻧﺎدﳞﺎ ﻻ ﺗﺮد ﻭأﻗﻮﻝ" :ﻣﻦ ﻳﺪرﻱ ﰲ أﻱ اﻟﺼﺤﺎرﻱ ﻫﻲ ﻻ
ﻳﺼﻠﻬﺎ ﺻﻮﰐ".ﻛﺎﻧﺖ رﻭﺣﻬﺎ ﺗﻄﻮﻑ ﻓﺄﻣﺪ ﻳﺪﻱ ﻭأﳌﺴﻬﺎ ﺑﻄﺮﻑ
أﺻﺎﺑﻌﻲ ﻋﲇ أﻥ اﻧﺘﺸﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﻴﻪ .ﻭﻛﻠﲈ اﻧﺘﺒﻬﺖ ﻗﺎﻟﺖ":ﻧﻌﻢ
أﻋﺬرﲏ ﺗﺮاﲏ أﺗﻮﻩ ﺑﻌﻴﺪا ".أﻣﺎ اﻵﻥ ﻭﻫﻲ أﻣﺎﻣﻲ أﻣﺴﺖ ﺗﺴﺘﻔﺰﲏ
ﺑﺒﺴﺎﻃﺘﻬﺎ ﻭﻋﻔﻮﻳﺘﻬﺎ.
ﻋﲆ ﺣﲔ ﻏﺮة ﺳﺄﻟﺘﻬﺎ ":ﻫﻞ اﺷﺘﻘﺖ إﱃ اﳌﺨﻴﻢ?" ﻓﺎﺟﺄﻫﺎ
ﺳﺆاﱄ ,ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺪارﻛﺖ ":ﻃﺒﻌﺎ."..
ﻛﺎﻥ اﳉﻮ ﻫﺎدﺋﺎ ﺗﺘﺨﻠﻠﻪ ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ ﺧﺎﻓﺘﺔ ,ﺗﻔﻄﻨﺖ ﺑﻌﺪ ﺑﺮﻫﺔ
أﳖﺎ ﻣﻘﻄﻮﻋﺔ ﻣﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ﺑﻌﻨﻮاﻥ "ﺣﻘﻮﻝ ﻣﻦ ذﻫﺐ" ﳌﻐﻨﻲ ﺑﺮﻳﻄﺎﲏ
ﻳﺪﻋﻰ "ﺳﺘﻴﻨﻎ".
ﺟﺎء اﻟﻨﺎدﻝ ﻓﻘﻄﻊ ﺣﺪﻳﺜﻨﺎ ,ﻃﻠﺒﻨﺎﻋﺸﺎء .ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﺳﺘﺄﻧﻔﺖ
اﻟﻜﻼﻡ" :ﻫﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﺨﺺ ﰲ اﻟﻮﺟﻮد ﻻ ﻳﺸﺘﺎﻕ إﱃ ﻣﻮﻃﻨﻪ? ﻻ
أﻇﻦ ,أﺣﺎﻳﲔ ﻛﺜﲑة أﻗﻮﻝ ﻣﺎ ﻓﺎﺋﺪة إﻗﺎﻣﺘﻲ ﻫﻨﺎ ,أﻋﻴﺶ ﻏﺮﺑﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ
ﻭﻋﺬاﺑﺎ داﺋﲈ ,ﺣﻴﺎة ﻣﻀﺠﺮة ,أر أﻥ اﻟﺘﻌﺎﺳﺔ ﻗﺪرﻱ ,ﻻ ﻭﻃﻦ ,ﻻ
أﻫﻞ ,ﻻ أﺣﺒﺎب .ﺳﻴﻞ ﻣﻦ اﻹﺣﺴﺎﺳﺎت اﳉﺎرﻓﺔ اﳌﺘﻼﻃﻤﺔ,
اﻟﻔﺎﺟﻌﺔ ﻫﻲ ﺑﻘﺎء اﳌﺮء ﻋﻨﺪ ﻣﻔﱰﻕ اﻟﻄﺮﻕ ,ﻣﱰدد ﻟﻴﺴﺖ ﻟﻪ اﻟﻘﺪرة
152
ﻋﲆ اﲣﺎذ اﳋﻄﻮة اﳊﺎﺳﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﻘﻮدﻩ إﱃ اﻷﻣﺎﻡ أﻭ ﲡﻌﻞ ﺣﻴﺎﺗﻪ
رأﺳﺎ ﻋﲆ ﻋﻘﺐ ,ﻭﻫﺬا ﻫﻮ ﴍ اﻻﺑﺘﻼء.
ﻭﻓﺠﺄة ﻗﺎﻟﺖ" :ﺧﻠﻴﻞ دﻋﻨﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا ﻭﻗﻞ ﱄ ﻣﺎ ﺟﺪﻳﺪﻙ?"
ﻗﻠﺖ ﻣﺎزﺣﺎ":ﻻ ﺟﺪﻳﺪ ﻳﺬﻛﺮ ,ﻭﻻ ﻗﺪﻳﻢ ﻳﻌﺎد .ﻓﻘﻂ ﻫﻮ
اﻻﻧﺘﻈﺎر ﺣﺘﻰ ﻳﻈﻬﺮ ﻣﺘﱪع أﻭ ﳚﺪ اﻟﺪﻛﺘﻮر راﻭﻭﻝ ﺣﻼ أﺧﺮأﻭ
ﻳﻘﺪر اﷲ أﻣﺮا ﻛﺎﻥ ﻣﻔﻌﻮﻻ".
ﻗﺎﻟﺖ":ﺑﺎﳌﻨﺎﺳﺒﺔ ﻋﻨﺪﻱ ﻟﻚ ﻣﻔﺎﺟﺄة ,ﻟﻘﺪ ﻭﺟﺪت ﻟﻚ
ﻋﻤﻼ ﻳﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺻﺤﺘﻚ ,ﻭﻻ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﺟﻬﺪا ﻛﺒﲑا.
ﻗﻠﺖ" :ﻭﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﻟﻚ إﲏ أرﻳﺪ أﻥ أﺷﺘﻐﻞ ,ﻋﲆ أﻱ ﺣﺎﻝ
ﺷﻜﺮا ,ﻭأﻗﺪر ﻟﻚ ﻫﺬا اﻻﻫﺘﲈﻡ ﻟﻜﻨﻨﻲ أﺣﺐ أﻥ أﺑﻘﻰ ﻋﺎﻃﻼ
ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ".
أردﻓﺖ" :ﻛﲈ ﲢﺐ" ﻭﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ أﺿﺎﻓﺖ":أﻧﺎ ﻓﻘﻂ أﻫﺘﻢ
ﻷﻣﺮﻙ ,ﻭأرﻳﺪ أﻥ أﺳﺎﻋﺪ ﻛﻘﺪر اﳌﺴﺘﻄﺎع".
ﻗﻠﺖ" :ﻻ ﻋﻠﻴﻚ ﻛﻨﺖ أﻣﺰح ﻓﻘﻂ ,ﻣﺮﺣﻠﻴﺎ ﻟﻘﺪ ﻭﺟﺪت
ﻋﻤﻼ ﰲ ﻓﻨﺪﻕ ﺑﺄﺟﺮ ﳏﱰﻡ ,ﻭﻫﺬا ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺳﺄﺧﱪﻙ ﺑﻪ".
ﻗﺎﻟﺖ" :ﲪﺪا ﷲ اﳌﻬﻢ أﻥ ﺗﺸﻐﻞ ﻭﻗﺘﻚ ,ﻟﻜﻦ ﻣﻊ ﻣﺮاﻋﺎة
ﺻﺤﺘﻚ."..
ﻗﺎﻟﺖ":إﻥ ﺷﺎء اﷲ ﺧﲑ".
ﺧﻴﻢ اﻟﺼﻤﺖ ﻗﻠﻴﻼ.
153
ﺛﻢ أردﻓﺖ" :ﺳﺄﻗﻮﻝ ﻟﻚ أﻣﺮا ﳛﺪث ﻣﻌﻲ دﻭﻣﺎ ﻛﻠﲈ
ﺣﺎﻭﻟﺖ أﻥ أﲨﻊ ﺣﻮادث ﺣﻴﺎﰐ ﻭﻣﺎ ﺣﻞ ﰊ ﺣﻠﻘﺔ ﺗﻠﻮ أﺧﺮ
ﻛﺎﻟﺴﻠﺴﺔ ,أدرﻙ أﻥ اﻷﻗﺪار ﺗﺴﺨﺮ ﱄ أﻣﺎﻛﻦ ﻭأﺷﺨﺎﺻﺎ ﱂ ﻳﻜﻦ
ﳜﻄﺮ ﺑﺒﺎﱄ أﻥ أﺻﺎدﻓﻬﻢ ﻳﻮﻣﺎ ,ﳜﻔﻔﻮﻥ ﻋﻨﻲ ﻣﺎ أﱂ ﰊ .ﻭأﺗﺴﺎءﻝ
أﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﴎ ﺧﻔﻲ ﳛﺮﻙ ﺧﻴﻮط ﺣﻴﺎﰐ ,ﻭﻳﻮﺟﻬﻬﺎ إﱃ اﻟﻴﴪ
ﻣﺮارا" ?..ﻫﻨﺎﻙ أﻭﻗﺎت ﻋﺪة أﻓﻜﺮ أﻥ ﻫﺬﻩ اﻷﺣﺪاث ﻏﲑ ﻣﺘﺼﻠﺔ
ﰲ اﻟﺰﻣﻦ ﻭﻻ ﻣﺘﺸﺎﲠﺔ .ﻭﻣﻊ ذﻟﻚ ﻳﺒﺪﻭ أﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺧﻴﻄﺎ رﻓﻴﻌﺎ ﻳﺮﺑﻂ
ﺑﻴﻨﻬﺎ .ﻭﻟﻴﺲ ﺑﺎﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻲ أﻥ أﻛﺸﻔﻬﺎ أﻭ أﺟﺪ ﳍﺎ ﺗﻔﺴﲑا" ,ﻫﻞ ﻫﻮ
اﴍاﻗﺔ ﻣﻦ إﴍاﻗﺎت اﻟﻜﺸﻒ ,أﻡ ﻧﻔﺤﺔ ﻣﻦ ﻧﻔﺤﺎت اﻹﻳﲈﻥ ﻛﻠﲈ
ﺿﺎﻗﺖ ﰊ اﻟﺴﺒﻞ أﺟﺪ أﻥ أﺟﻨﺤﺔ اﻟﻴﴪ ﲢﻔﻨﻲ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻻ
أدرﻱ!".
ﻭأﻋﻠﻞ أﺣﻴﺎﻧﺎ أﳖﺎ أﻳﺎدﻱ ﺗﺮﻓﻊ ﰲ اﻟﻠﻴﻞ إذا ﻋﺴﻌﺲ ﻟﻠﺨﺎﻟﻖ
ﻫﺬا اﻟﻜﻮﻥ .ﻓﺼﺪ دﻋﺎء ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﻳﻀﻌﻨﻲ ﻋﲆ ﺟﴪ اﻷﻣﺎﻥ دﻭﻣﺎ.
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﺮﻏﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺸﺎء أﻭﺻﻠﺘﻬﺎ إﱃ ﳏﻞ ﺳﻜﻨﺎﻫﺎ.
ﺗﻜﺮرت اﻟﻠﻘﺎءات ﻭاﳌﻮاﻋﻴﺪ ,ﻭﻳﻮﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻳﻮﻡ ﺗﺘﻮﺛﻖ ﻋﺮ
اﳊﺐ..
ﻋﺮﻓﺘﻨﻲ ﻋﲆ ﻋﺎﺋﻠﺘﻬﺎ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ,ﻛﻨﺖ أزﻭرﻫﺎ ﻣﻦ ﻭﻗﺖ ﻷﺧﺮ,
ﻛﻠﲈ ﻛﺎﻥ ﻟﺪﻱ ﻭﻟﺪﳞﺎ ﻭﻗﺖ ﻓﺮاغ.
154
ﻧﺴﺠﺖ اﻷﻳﺎﻡ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﺧﻴﻮط ﻋﺸﻖ ﻣﺘﺒﺎدﻝ ,ﻓﻼ ﻳﻜﺎد اﻟﻨﻬﺎر
ﻳﻨﺘﻬﻲ إﻻ ﻭﲢﺪﺛﻨﺎ ﻫﺎﺗﻔﻴﺎ أﻭ رﺗﺒﻨﺎ ﻟﻠﻘﺎء ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻣﺴﺎء .ﻛﺎﻥ ﻫﺬا ﺣﺎﻟﻨﺎ
ﳌﺪة ﻃﻮﻳﻠﺔ..
ﻫﺎﺗﻔﺘﻬﺎ" :ﻣﺮﺣﺒﺎ ﺳﻜﻴﻨﺔ .أﻋﺘﻘﺪ أﲏ اﻋﺘﺪت ﻋﲆ ﺣﻀﻮرﻙ
ﰲ ﺣﻴﺎﰐ ﺑﲈ ﻳﻔﻮﻕ ﻗﺪرﰐ ﻋﲆ إﺣﺘﲈﻝ ﻏﻴﺎﺑﻚ".
ﻗﺎﻟﺖ" :ﻛﻔﻰ ﻣﺰاﺣﺎ أﻧﺖ ﺗﺒﺎﻟﻎ ,اﻟﺘﻘﻴﻨﺎ ﻣﻨﺬ أﻳﺎﻡ ﻗﻠﻴﻠﺔ
ﻓﻘﻂ".
اﻧﺘﻈﺮﻱ ﻗﻠﻴﻼ ﺣﺘﻰ أﳖﻲ ﻛﻼﻣﻲ .ﻭﺗﻀﺤﻚ ﺳﻜﻴﻨﺔ.
ﻃﻴﺐ ﻭﻟﻜﻦ دﻋﻨﻲ أﺧﱪﻙ ﺧﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ,ﻻﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أﻥ
ﻧﻠﺘﻘﻲ اﻟﻴﻮﻡ ﻟﺪﻱ ﻣﺸﺎﻏﻞ ﻭاﻟﺘﺰاﻣﺎت.
ﻗﺎﻝ" :أﻋﺮﻑ ﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﻟﻴﺲ ﺳﺒﺐ اﺗﺼﺎﱄ".
"ﻃﻴﺐ ﻣﺎﻫﻮ اﻟﺴﺒﺐ?" أردﻓﺖ
أﺟﺒﺖ ":إﺷﺘﻘﺖ إﱃ ﺻﻮﺗﻚ".
ﻭﺟﺎء ﺻﻮﲥﺎ داﻓﺌﺎ" :ﻭأﻧﺎ أﻳﻀﺎ".
ﻗﻠﺖ" :أﻋﺘﻘﺪ أﻧﻚ ﻛﻨﺖ ﻛﺮﻳﻤﺔ ﻣﻌﻲ ﺟﺪا .ﻭأﻧﺎ ﻻ أﻣﻠﻚ
ﺧﻴﺎرا أﺧﺮ ﻏﲑ رد اﳉﻤﻴﻞ".
ﻗﺎﻟﺖ" :ﺗﻮﻗﻒ:ﻟﻴﺲ ﺑﲔ اﳋﲑﻳﻦ ﺣﺴﺎب".
ﺳﻜﺘﺖ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻃﻮﻳﻼ ,إﱃ أﻥ اﻧﻘﻄﻊ اﳋﻂ.
155
156
أﺣﻴﺎﻧﺎ ﺗﻨﻬﻤﺮ دﻣﻮع ﻋﻴﻨﺎﻱ ﺑﺪﻭﻥ اﺳﺘﺌﺬاﻥ ﻣﻨﻲ ,ﻭأﻧﺎ ﻧﻔﴘ ﻻ أدرﻱ
ﺣﻘﺎ ﳌﺎذا أﺑﻜﻲ."?..
راﻗﺖ ﱄ ﻧﱪﲥﺎ اﳊﻤﻴﻤﻴﺔ ﻭﻛﻠﲈﲥﺎ اﻟﻨﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ اﻷﻋﲈﻕ ,ﰲ
ﳊﻈﺔ ﲣﻴﻠﺖ أﳖﺎ ﺳﻮرﻳﺎﻟﻴﺔ .أدرﻙ ﻛﻢ ﻫﻲ رﻗﻴﻘﺔ اﳌﺸﺎﻋﺮ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﰲ
اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﻣﻌﻨﻰ,ﻭﰲ ﺻﺪﻓﺔ ﳎﻨﻮﻧﺔ ,اﻟﺘﻘﺖ أﻋﻴﻨﻨﻨﺎ ﻭأﺣﻄﺘﻬﺎ
ﺑﺬراﻋﻲ دﻭﻥ أﻥ أﻧﺒﺲ ﺑﺒﻨﺖ ﺷﻔﺔ .ﳘﺴﺎت ﺗﻨﻘﻞ ﻟﻮاﻋﺠﻬﺎ ﻭﺗﺼﻞ
ﻗﻠﺒﻲ ﺑﻘﻠﺒﻬﺎ ,ﺑﻌﺾ اﳌﺸﺎﻋﺮ ﺗﻀﻴﻖ ﲠﺎ اﻟﻜﻠﲈت ﻓﺘﻌﺎﻧﻖ اﻟﺼﻤﺖ إﱃ
اﻷﺑﺪ.
أﺣﺴﺴﺖ ﺑﺪﻣﻮﻋﻬﺎ ﺗﺒﻠﻞ ﺻﺪرﻱ اﳌﻜﺸﻮﻑ ﻭﻛﺄﳖﺎ ﺗﻐﺴﻞ
ﻗﻠﺒﻲ ﻣﻦ أﻭﺟﺎع ﺗﻜﺎد ﻻ ﺗﻔﺎرﻗﻪ ﻛﻠﲈ اﻣﺘﺰﺟﺖ ﻋﺎﻃﻔﺔ اﳊﺐ ﺑﻌﺎﻃﻔﺔ
اﻟﺮﲪﺔ.
ﻧﻈﺮت إﻟﻴﻬﺎ ﳎﺪدا,ﻭاﺳﺘﻐﺮﻗﺖ ﳊﻈﺎﺗﻮﻫﻲ ﺗﺒﺘﺴﻢ ﻭﲤﺴﺢ
ﺧﺪﻫﺎ.
ﻗﻠﺖ:ﻛﻴﻒ ﲡﺘﻤﻊ اﻟﺪﻣﻮع ﻭاﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﰲ ﻭﺟﻬﻚ اﻟﻮرع
اﻟﺼﻮﰲ?
ﻗﺎﻟﺖ":ﻻ أدرﻱ,رﺑﲈ أﺗﺼﻮر أﻥ دﻳﺎﻧﺔ اﳊﺐ أﻋﻈﻢ ﻣﻦ
ﻣﻌﺘﻨﻘﻴﻬﺎ."..
ﻗﻠﺖ":ﻣﻬﻼ ﻣﺎﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﺼﻮﻑ,أﻧﺎ ﻟﺴﺖ ﺷﺎﻋﺮا ﻭﻻ
ﺟﻼدا ﻟﻠﻐﺔ ﻭﻟﻮﻛﻨﺖ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻘﻠﺖ ﻓﻴﻚ ﲬﺮﻳﺔ اﺑﻦ اﻟﻔﺎرض".
157
ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﱃ ﺑﻴﺘﻬﺎ ﲢﺪﺛﻨﺎ ﻣﻄﻮﻻﻋﻦ ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻨﺎ,ﻗﻠﺘﻠﻬﺎ:ﻻ
أﺧﻔﻴﻚ ﴎا أﲏ ﻣﺴﺘﻌﺪ أﻥ أﻗﴤ ﺑﻘﻴﺔ ﻋﻤﺮﻱ ﻣﻌﻚ ,ﻣﺎ رأﻳﻚ أﻥ
ﺗﻜﻮﲏ ﴍﻳﻜﺔ ﺣﻴﺎﰐ?"ﻟﻜﻨﻨﻴﺘﻮﻗﻔﺖ ﻭاﺳﺘﺪرﻛﺖ":ﺑﻌﺪﻣﺎ أﺷﻔﻰ
ﲤﺎﻣﺎ" ﻭﺿﺤﻜﺖ. .
ﻗﺎﻟﺖ":ﻻ ﺗﻜﻦ ﺛﻘﻴﻞ اﻟﻈﻞ ,ﻫﺬﻩ أﻣﻮر ﻻ ﻣﺰاح ﻓﻴﻬﺎ .إﳖﺎ
ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻣﺼﲑ".
ﺑﺸﻜﻞ ﺟﺪﻱ ﻫﺬﻩ اﳌﺮة "ﻣﺎ رأﻳﻚ ﰲ أﻥ ﻧﺘﺰﻭج,ﻭﻧﻌﻮد إﱃ
ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻮﻥ ?".
ﺑﻌﺪ ﺻﻤﺖ,أﺟﺎﺑﺖ"ﺧﻠﻴﻞ ﻟﻌﻠﻚ ﺗﺪرﻙ أﻧﻚ اﻹﻧﺴﺎﻥ
اﻟﻮﺣﻴﺪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻜﻮﻥ ﻭﻫﺎﺗﻪ اﻟﻐﺮﺑﺔ اﻟﺬﻱ أﻓﺘﺢ ﻟﻪ ﻗﻠﺒﻴﻌﲆ
ﻣﴫاﻋﻴﻪ ,ﻓﺄﻧﺎ ﻻ أﺗﻜﻠﻢ ﺑﺼﺪﻕ إﻻ ﻣﻊ ﻧﻔﴘ ﻭﻣﻌﻚ,ﻭﺑﺄﻧﻚ
اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬﻱ أﺛﻖ ﻓﻴﻪ إﱃ أﺑﻌﺪ اﳊﺪﻭد ﻭأرﻛﻦ إﻟﻴﻪ.
ﻟﺮﺑﲈ ﺗﻼﺣﻆ أﻧﻨﻲ أﺣﻴﺎﻧﺎ أﺣﺐ أﻥ أﲢﺪث إﻟﻴﻚ أﻛﺜﺮ ﳑﺎ
أﺣﺐ أﻥ أﲢﺪث إﱃ ﻧﻔﴘ ,ﻫﺎﺗﻪ اﻟﻌﺎدة اﻟﺘﻲ دأﺑﺖ ﻋﲆ ﳑﺎرﺳﺘﻬﺎ
ﻟﺴﻨﻮات ﻗﺒﻞ أﻥ أﻋﺮﻓﻚ ,ﻭأﺻﺪﻗﻚ اﻟﻘﻮﻝ أﲏ أﺷﻌﺮ ﺑﺄﻣﺎﻥ ﰲ
ﺣﴬﺗﻚ ..ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﺰﻭاج ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﻓﺘﺎة ﰲ ﻭﺿﻌﻴﺘﻲ ﳍﺎ
ﴍﻭط,ﻭﳑﻜﻦ أﻥ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻨﻬﺎ .أﻭﻻ ﻟﺪﻱ ﻗﻨﺎﻋﺔ أﻥ أﻋﻴﺶ إﻣﺎ ﰲ
اﳌﺨﻴﻢ إﱃ ﺟﺎﻧﺐ أﻣﻲ ﻭأﺧﺘﻲ أﻭ ﻫﻨﺎ إذا ﺗﻌﴪ ذﻟﻚ .ﻭﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻚ
ﻻ اﻟﻌﻴﺶ ﻫﻨﺎ ﻳﺼﻔﻮ ﻟﻚ ,ﻭﻻ ﺗﻮﺟﺪ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ أﻥ ﺗﻌﻴﺶ ﺑﻌﻴﺪاﻋﻦ
158
أﻫﻠﻚ ﻋﲆ ﺣﺪ ﻋﻠﻤﻲ ,ﻭﻛﲈ ﻗﻠﺖ أﻧﺖ ﻣﺮارا ,ﺑﻤﻌﻨﻰ أﳖﺎ ﻣﻌﺎدﻟﺔ
ﺻﻌﺒﺔ اﳊﻞ.
أﺟﺒﺖ":ﻭﻣﺎ رأﻳﻚ ﰲ أﻥ ﻧﻌﻄﻲ ﻟﻠﻤﻮﺿﻮع ﻣﺴﺎﺣﺔ
ﻟﻠﺘﻔﻜﲑﺣﺘﻰ ﻧﻘﺮب ﻭﺟﻬﺎت اﻟﻨﻈﺮ".
ﻗﺎﻟﺖ ":ﻟﻴﺴﺖ ﻟﻨﺎ أرﺿﻴﺔ ﻣﺸﱰﻛﺔ ﻏﲑ اﳊﺐ,ﻭﻳﺒﺪﻭ أﻥ
ﻇﺮﻭﻓﻨﺎ أﻗﻮ ﻣﻨﻪ .ﺧﻠﻴﻞ ﻓﻜﺮ ﻣﻠﻴﺎ".
ﱂ أﻋﺮﻑ ﳌﺎذا ﻗﻔﺰ ﺑﻴﺖ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ ﱂ أﺗﺬﻛﺮ ﻻ ﺻﺎﺣﺒﻪ ,ﻭﻻ
ﰲ أﻱ دﻳﻮاﻥ ﺻﺎدﻓﺘﻪ.
ﺳﺎرت ﻣﴩﻗﺔ ﻭﴎت ﻣﻐﺮﺑﺎ ...ﺷﺘﺎﻥ ﺑﲔ ﻣﴩﻕ ﻭﻣﻐﺮب
رﺑﲈ ﻋﲇ أﻥ أرﺟﻊ اﱃ ﻛﺘﺎب "ﻗﻮﻝ ﻋﲆ ﻗﻮﻝ" ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ
ﺣﺴﻦ اﻟﻜﺮﻣﻲ اﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﰲ اﻷﺻﻞ ﻳﺪﻳﺮ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ اﻟﻘﺴﻢ اﻟﻌﺮﰊ ﻝ
.bbc
ﻗﻠﺖ ﳍﺎ ":ﻛﲈ ﲢﺒﲔ".
ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺷﻴﻌﺘﻬﺎ إﱃ ﺑﺎب ﻣﻨﺰﳍﺎ.ﰲ ﻃﺮﻳﻖ ﻋﻮدﰐ ﻛﻨﺖ أﺗﺮﻧﻢ
ﺑﺄﻏﻨﻴﺔ ﺷﻌﺒﻴﺔ
ﻭاﻟـــﺮزﻕ ﺿـــﻤﻨﻮا ﻣﻮﻻﻧـــﺎ "ﻟﻌﺒـــﺎد ﻟﻠـــﺮزﻕ ﺗﻘـــﻨﻂ
ﻣــﺎ ﺟــﺎب رﲪــﺔ ﻋﺠﻼﻧــﺔ" ﻭﻻﻛــــﻂ ﻣﻮﻻﻧــــﺎ ﻗــــﻨﻂ
ﻻ أدرﻱ ﳌﺎذا ﻛﻨﺖ أﻫﺰ رأﳼ ﻛﻠﲈ أﲤﻤﺖ اﻷﻏﻨﻴﺔ.
159
ﰲ اﻟﻴـــﻮﻡ اﳌـــﻮاﱄ ,ﻗﺼـــﺪت اﳌﺴﺘﺸـــﻔﻰ ﺑﻄﻠـــﺐ ﻣـــﻦ
اﻟﺪﻛﺘﻮر"راﻭﻭﻝ" ﻭﻛﻌﺎدﺗﻪ ﺑﺪأ ﻳﺴﺄﻝ ﻋﻦ اﻟﺼﺤﺔ ﻭاﻷﺣﻮاﻝ.
ﻭأﻧﺎ أﺟﻴﺐ":اﳊﻤﺪ ﷲ ﻋﲆ أﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﻳﺮاﻡ ﺑﻔﻀﻞ اﷲ".
"ﲤﺎﻡ..ﲤﺎﻡ ﻗﺎﻝ اﻟﺪﻛﺘﻮر ":ﻟﺪﻱ ﻣﻔﺎﺟﺄة ﻟﻚ ﻟﻘﺪ ﻭﺟﺪﻧﺎ
ﻣﺘﱪﻋﺎ".
ﻗﻠــﺖ":ﺻــﺤﻴﺢ" ﺑﻌــﺪﻣﺎ ﻋﻘــﺪت اﻟﻔﺮﺣــﺔ ﻟﺴــﺎﲏ
أﺟﺎب":ﻧﻌﻢ,اﻧﺘﻈﺮ ﻗﻠﻴﻼ ﻣﻬﻼ ﺣﺘﻰ أﻛﻤﻞ ﻟﻚ اﳋﱪ".
ﺑﺈﻳﲈءة ﻣﻦ رأﳼ ,أﴍت":ﺗﻔﻀﻞ" أردﻑ "اﳌﺘﱪع ﻣﻦ
داﺧﻞ اﳌﺴﺘﺸﻔﻰ".
ﻗﻠﺖ ":ﺣﻘﺎ" ﻭاﻻﻧﺪﻫﺎش ﻳﻌﱰﻳﻨﻲ. .
ﻭأﺿﺎﻑ ,اﳌﻤﺮﺿﺔ "ﺳﻮﻛﺔ" ﻣﺴﺘﻌﺪة أﻥ ﺗﺘﱪع ﻟﻚ
ﺑﻜﻠﻴﺔ,ﻓﻜﲈ ﺗﻌﺮﻑ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ اﻟﻌﻴﺶ ﺑﻮاﺣﺪة".
ﱂ أﺻﺪﻕ أذﻧﺎﻱ ,ﻇﻨﻨﺖ أﻥ دﻣﺎﻏﻲ ﻣﺸﻮش ,أﻭ رﺑﲈ ﱂ أﺳﻤﻊ
اﳋﱪ ﺑﻮﺿﻮح .ﻃﻔﻘﺖ أﲤﺘﻢ ﺑﺎﻟﺴﺆاﻝ أﻣﻼ أﻥ ﳚﻴﺒﻨﻲ أﺣﺪ ﻏﲑ
راﻭﻭﻝ.
اﻗﱰب اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻭرﺑﺖ ﻋﲆ ﻛﺘﻔﻲ ﻭأردﻑ":ﰲ ﺑﺤﺮ
اﻷﺳﺒﻮع اﳌﺎﴈ ,ﺟﺎءت إﱃ ﻣﻜﺘﺒﻲ ﺳﻮﻛﺔ ﻭﺣﺪﺛﺘﻨﻲ ﻋﻦ اﻷﻣﺮ,
ﻭﺑﺄﳖﺎ ﻣﻘﺘﻨﻌﺔ ﺑﻪ ﲤﺎﻣﺎ ,ﻭﺣﻘﻴﻘﺔ أﳖﺎ ﻓﺎﺟﺄﺗﻨﻲ ,ﻟﻜﻨﻨﻲ أﻗﺪر ﳍﺎ ﻫﺬﻩ
اﻟﻠﻔﺘﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ,ﻭﺑﻌﺪ إﺟﺮاء ﺑﻌﺾ اﻟﻔﺤﻮص ﳍﺎ,ﺗﺒﲔ أﻥ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ
ﺗﱪﻋﻬﺎ ﺑﻜﻠﻴﺘﻬﺎ ﳑﻜﻨﺔ ﺟﺪا".
160
ﻣﺎ ﴎ ﻫﺬا اﻻرﺗﺒﺎﻙ اﻟﺬﻱ ﻭﻗﻌﺖ ﻓﻴﻪ? اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻳﺘﺤﺪث,
ﻭأﻧﺎ ﰲ ﻋﺎﱂ أﺧﺮ ,ﱂ أﻧﺘﺒﻪ إﻻ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺷﺎر ﱄ أﻳﻦ ﴎﺣﺖ ﻭﻣﺎ
رأﻳﻚ?
ﻗﻠﺖ ﺑﻠﻬﺠﺔ ﺻﺎرﻣﺔ" :أرﻳﺪ ﻭﻗﺘﺎ ﻟﻠﺘﻔﻜﲑ ﻛﲈ أﻧﻨﻲ ﺟﺌﺖ
ﻛﻲ أﺳﺘﺸﲑﻙ ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻨﻨﻲ اﻟﺴﻔﺮ إﱃ ﺑﻠﺪﻱ?".
ﺗﻔﺎﺟﺄ اﻟﺮﺟﻞ ﻗﺎﻝ" :ﺑﻜﻞ ﺗﺄﻛﻴﺪ" ,ﻟﻜﻨﻪ أردﻑ":ﺣﺮﻱ
ﺑﻚ أﻥ ﺗﻔﺮح ﻭﺗﻘﻮﻝ ﻣﺘﻰ ﺳﻨﻘﻮﻡ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﻭﰲ أﴎع ﻭﻗﺖ ﳑﻜﻦ..
أﺿﻔﺖ ﰲ ﺧﺎﻃﺮﻱ ":أﻧﺖ ﺣﻘﺎ ﻻ ﺗﺪرﻙ ﺷﻴﺌﺎ ﳑﺎ ﳛﺪث".
ﻭدﻋﺘﻪ ﻋﲆ أﻣﻞ اﻟﻠﻘﺎء ﳎﺪدا ﺑﻌﺪ اﻟﻌﻮدة ﻣﻦ اﻟﺴﻔﺮ ﻭأﺧﱪﻩ
ﺑﺮأﻳﻲ ﰲ ﻫﺬا اﳌﻘﱰح ,إﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﻮدة.
ﰲ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻌﻮدة ,ﻛﻨﺖ أﻧﺎﺟﻲ ﻧﻔﴘ ":ﻟﻘﺪ ﺳﺠﻠﺖ ﻳﺎ
ﺳﻜﻴﻨﺔ ﰲ ﺻﻔﺤﺔ ﻗﻠﺒﻲ ﻧﻌﻤﺔ ﻻ أﻧﺴﺎﻫﺎ ﻟﻚ ﻣﺪ اﻟﺪﻫﺮ ﻭاﻷﻳﺎﻡ.
ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﺳﺘﻔﺪﻳﻨﻨﻲ ﺑﺠﺰء ﻣﻨﻚ ,ﺑﻜﻠﻴﺘﻚ دﻭﻥ ﻋﻠﻤﻲ ,ﻛﲈ ﺣﻜﻰ
ﱄ اﻟﻄﺒﻴﺐ راﻭﻭﻝ ,ﻟﻦ أﻧﺴﻰ ﻟﻚ ﻭأﻧﺎ ﰲ أﺷﺪ ﺣﺎﻻت ﺑﺆﳼ
ﻭﺿﻴﻘﻲ ﻭﻣﺮﴈ ﻭﻗﻠﺔ ﺣﻴﻠﺘﻲ ﻭﻗﴫ اﻟﻴﺪ ﻭأﻧﻚ ﻭاﺳﻴﺘﻴﻨﻲ ﻟﻴﺎﻝ
ﻭأﻳﺎﻣﺎ ﻃﻮاﻻ ,ﻭاﲢﻤﻠﺖ ﻣﺎ ﻻ ﳛﺘﻤﻞ .ﻣﺎذا ﻋﺴﺎﻱ أﻥ أﻓﻌﻞ أﻭ
أﻗﻮﻝ ,ﻓﻠﻮ أﻧﻨﻲ ﲨﻌﺖ ﻟﻚ ﰲ ﻟﻴﻠﺔ أﻭ ﻳﻮﻡ ﻭاﺣﺪ ﲨﻴﻊ ﻣﺎ ﻛﺎﻓﺄ ﺑﻪ
اﻟﻨﺎس ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ ﻋﲆ اﳋﲑ ﻭاﳌﻌﺮﻭﻑ ﻣﻨﺬ اﻷزﻝ ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮﻡ,
ﳌﺎ ﺟﺎزﻳﺘﻚ ﺑﻌﺾ اﳉﺰاء ﻋﲆ ﻣﺎ ﺻﻨﻌﺖ ﻣﻌﻲ ﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﻛﺜﲑ,
161
ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻟﺪﻱ ﻃﺎﻗﺔ ﻻﺣﺘﲈﻟﻪ ,أﻧﺎ ﱂ أﻓﻌﻞ ﻟﻚ ﺷﻴﺌﺎ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﻛﻞ ﻫﺬﻩ
اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ﻭﻫﺬا اﻟﻌﻄﺎء".
ﻭﻭﺟﺪت ﻧﻔﴘ أذرﻓﻬﺎ ﻣﺎﳊﺔ ,ﻭﻗﻠﺖ أﺑﻜﻲ ﻓﺎﻟﺪﻣﻮع ﻻ
ﲡﻌﻞ أﺣﺪا ﺿﻌﻴﻔﺎ ﻭﻻ ﳐﻨﺜﺎ .ﻓﺄﺣﻴﺎﻧﺎ ﻻ ﻧﺠﺪ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﺘﻌﺒﲑ أﻓﻀﻞ
ﻣﻨﻬﺎ ,ﻓﻠﻢ ﻳﺒﻖ ﱄ اﳊﺰﻥ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻟﻔﻬﻢ أﺷﻴﺎء ﱂ ﺗﻌﺪ ﲡﺪﻱ.
ﺳﺎﻗﺘﻨﻲ ﻗﺪﻣﺎﻱ ﺗﻄﻮﻱ اﳌﺴﺎﻓﺎت ﻃﻴﺎ ﺑﲔ ﺛﻨﺎﻳﺎ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﱃ
ﺑﻴﺘﻬﺎ ,ﻛﻨﺖ أﻭد أﻥ أﻋﺎﺗﺒﻬﺎ ﻟﻜﻨﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﺟﺪﲥﺎ ﻋﺎﻧﻘﺘﻬﺎ ﺑﺄﺳﻤﻰ
آﻳﺎت اﻻﻣﺘﻨﺎﻥ.
ﻗﻠﺖ ﳍﺎ ":أﻧﺎ ﻟﺴﺖ ﰲ ﺣﺎﺟﺔ اﱃ ﺟﺰء ﻣﻨﻚ ﻛﻲ أﻛﻤﻞ
ﺑﻘﻴﺔ ﺣﻴﺎﰐ ﺑﻪ ﺳﻴﺬﻛﺮﲏ دﻭﻣﺎ ﺑﻚ ,ﻳﻜﻔﻲ أﻧﻨﻲ ﻣﺪﻳﻦ ﻟﻚ ﻣﺎ ﺣﻴﻴﺖ
ﺑﲈ ﺻﻨﻌﺖ ﻣﻌﻲ ,ﻻ ﺗﺜﻘﲇ ﻛﺎﻫﲇ أﻛﺜﺮ رﺟﺎء..
أﺧﱪﺗﻨﻲ ﳘﺴﺎ أﻥ اﻟﻌﺸﻖ ﰲ اﻟﺮﻭح ﻻ ﰲ اﳉﺴﺪ".
ﻭأﺿﺎﻓﺖ" :دﻋﻚ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻜﻼﻡ أﻧﺎ أﻭﱃ اﻟﻨﺎس
ﺑﻤﺴﺎﻋﺪﺗﻚ".
ﻗﻠﺖ" :ﻭﻛﺄﲏ أﻫﺮب ﻣﻦ ﳾء ﻳﻄﺎردﲏ ,ﺑﺎﳌﻨﺎﺳﺒﺔ أﻧﺎ
ﻗﺮرت أﻥ أﺳﺎﻓﺮ ﺑﻌﺪ ﻳﻮﻣﲔ ".
ﻛﻴﻒ ﻣﻊ ﻣﻦ اﺳﺘﴩت ﻫﺬا ﻟﻴﺲ ﻭﻗﺖ ﺳﻔﺮ? ﻭاﳊﲑة ﺑﺎدﻳﺔ
ﻋﲆ ﳏﻴﺎﻫﺎ..
اﺳﻤﻊ ﺧﻠﻴﻞ أﻋﺮﻑ أﻧﻚ ﺗﺘﻮﻕ ﻟﻠﻌﻮدة ,ﻟﻜﻦ ﺻﱪا ﻗﺪ
ﻳﺘﻮﻗﻒ اﳌﺮءﻣﻨﺎ ﻭﻳﺘﺄﻣﻞ ﰲ ﻗﺮار أﻭ ﻣﻮﻗﻒ ﻣﻦ اﳌﻮاﻗﻒ ﻛﻬﺬا ,ﻣﺜﻼ
162
أدرﻱ أﳖﺎ ﺗﺮاﻭدﻙ أﻓﻜﺎر ﺣﻴﺎﻝ ﻭﺿﻌﻚ اﻟﺼﺤﻲ ,ﻟﻜﻦ ﺗﺄﻛﺪ أﻧﻚ
إذا ﺗﺄﻣﻠﺖ ﻭأﻋﻄﻴﺖ ﻧﻔﺴﻚ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻟﻠﺘﻔﻜﲑ .رﺑﲈ ﺗﺮاﻭدﻙ ﻓﻜﺮة
أﺧﺮ ﺗﺮﻳﻚ اﻟﻮﺟﻪ اﻷﺧﺮ ﻟﻌﻮاﻗﺐ ﺳﻔﺮﻙ .إذا ﻣﺎ ﻗﺪر اﷲ
ﺗﺪﻫﻮرت ﺻﺤﺘﻚ ,أﻧﺎ ﻭاﷲ ﻻ أرﻳﺪ اﻟﻀﻐﻂ ﻋﻠﻴﻚ ﻭﻟﻜﻦ ﻗﺪر
أﻧﻨﻲ إﻧﺴﺎﻧﺔ ﲥﺘﻢ ﻷﻣﺮﻙ.
أﺟﺒﺖ".أﺧﺬت اﻟﻀﻮء اﻷﺧﴬ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﺐ".
ﻗﺎﻟﺖ":ﺣﺮاﻡ ﻋﻠﻴﻚ أﻧﻈﺮ اﱃ اﻷﻣﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﳐﺘﻠﻒ ﻟﻘﺪ
أﻣﻀﻴﺖ ﺳﻨﻮات ﻫﻨﺎ ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﱂ ﻳﺘﺒﻖ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ أﻛﺜﺮ ﳑﺎ ﻣﴣ".
ﱂ أﻛﻦ أﻭد ﻛﺜﲑا أﻥ أﺳﱰﺳﻞ ﰲ اﳊﺪﻳﺚ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ
رﻭﺣﻲ ﻣﺜﻘﻠﺔ ﺑﺄﺷﻴﺎء ﻻ أدرﻙ ﻣﺎﻫﻴﺘﻬﺎ .ﻭﻗﺪ اﲣﺬت ﻗﺮارﻱ ﲠﺬﻩ
اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﳌﺘﴪﻋﺔ ﻟﻜﻨﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﺳﺄﺷﻔﻰ ﻣﻦ اﻟﺜﻘﻞ اﻟﺬﻱ ﺳﻴﻜﺒﻞ
ﺣﻴﺎﰐ ﳌﺎذا ﻋﲇ دﻭﻣﺎ أﻥ أﻛﻮﻥ اﳌﺴﺘﻔﻴﺪﻣﻦ ﺷﻔﻘﺔ اﻟﻐﲑ
ﻭﻋﻄﺎﺋﻬﻢ,اﻟﻘﺼﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺳﺘﺘﻜﺮر ,ﻭﺳﺄﻋﻮد ﻟﻼﺳﺘﺴﻼﻡ
ﻭاﻹﻳﲈﻥ ﺑﺄﲏ اﳌﺮﻳﺾ اﻟﺬﻱ ﲡﺐ رﻋﺎﻳﺘﻪ ﻭﺳﺄﻋﻴﺶ ﻏﺮاﻣﺎ
ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ إﱃ ﺷﻔﻘﺔ دﻭﻣﺎ,ﻭﺳﺄﺑﻨﻲ ﻛﻞ أﻧﻮاع اﻷﺣﻼﻡ ﻋﲆ ﻏﺪ
ﻏﺎﻣﺾ,ﻭﺳﺄﻇﻞ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺰرﻳﺔ أﻟﻌﻖ ﺟﺮاﺣﻲ اﻷزﻟﻴﺔ.
ﻧﻈﺮت ﺑﺘﻤﻌﻦ إﻟﻴﻬﺎ ﻭأﺿﻔﺖ ﺑﻌﺪﻣﺎ رأﻳﺖ اﳊﺰﻥ ﰲ
ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ":ﻻ ﲢﺰﲏ ﺳﻮﻑ ﻧﻠﺘﻘﻲ ﰲ ﻣﻜﺎﻥ ﱂ ﻧﺘﻮﻗﻌﻪ أﺑﺪا.
اﻓﻬﻤﻴﻨﻲ أرﺟﻮﻙ ,ﻳﻤﺮ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻈﺮﻭﻑ ﲡﱪﻩ ﻋﲆ اﻟﺘﺨﲇ
ﻋﻦ أﺷﻴﺎء ﻳﺆﳌﻪ اﻟﺘﻨﺎزﻝ ﻋﻨﻬﺎ".
163
ﻣﴣ ﻭﻗﺖ ﻃﻮﻳﻞ ,ﱂ ﻳﻜﻦ ﳋﻴﺎﳍﺎ أﻥ ﳞﺪأ ﳊﻈﺔ ﻭاﺣﺪة ﻋﻦ
ﺗﺮدﻳﺪ ﻣﺎﱂ ﺗﺴﺘﻄﻊ ﳐﺎرج ﺣﺮﻭﻑ أﻧﻔﺎﺳﻬﺎ ﺿﺒﻄﻪ "أﺗﻮﺳﻞ إﻟﻴﻚ ﻻ
ﺗﺮﺣﻞ ﺣﺘﻰ ﺗﺸﻔﻰ ﲤﺎﻣﺎ".
ﻛﺎﻧﺖ أﻧﻔﺎﺳﻬﺎ ﲤﻸ ﻋﲇ ﳊﻈﺎﰐ ﻣﻌﻬﺎ ,ﻟﻜﻦ ذﻛﺮ أﻳﺎﻣﻬﺎ
اﳉﻤﻴﻠﺔ ﺑﺪأت ﺗﺘﻮار ﺑﻌﻴﺪا.
أﻗﻮﻝ ﻟﻨﻔﴘ":ﻋﲇ اﻟﺮﺣﻴﻞ ,ﻓﺈذا ﺑﻘﻴﺖ ﰲ ﻫﺬﻩ اﳌﺪﻳﻨﺔ ﻟﻴﻮﻡ
ﻭاﺣﺪ ﺳﺄﺑﻘﻰ ﻟﻌﺎﻡ أﺧﺮ ﻭإذا ﺑﻘﻴﺖ ﻋﺎﻣﺎ ﻛﺎﻣﻼ ,ﻓﺴﺄﺑﻘﻰ ﻟﻌﻤﺮ
ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ,ﻭﻋﻨﺪﻱ اﻟﻴﻘﲔ أﻥ اﻷﻋﲈر ﺑﻴﺪ اﷲ ﻭﻟﻦ ﺗﻐﲑ ﳐﻠﻮﻗﺎت
اﻷرض ﻗﺮار اﻟﺴﲈء ﻣﻬﲈ ﻓﻌﻠﺖ".
ﺧﺮﺟﺖ ﻟﻠﺘﺒﻀﻊ ﰲ اﻟﻴﻮﻡ اﳌﻮاﱄ ﻭﻣﻨﻪ اﱃ ﻣﻄﺎر ﺧﲑﻭﻧﺎ أﺟﺮ
ﺣﻘﻴﺒﺘﻲ ﻋﲆ اﻷرﺿﻴﺔ,ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺠﻼﲥﺎ اﻟﺼﻐﲑة ﺗﴫخ ﻭﻛﺄﳖﺎ
ﲢﺘﺞ ﻻ ﺗﺮﻳﺪ أﻥ ﺗﻐﺎدر ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻷﺷﻴﺎء اﳌﺠﺮﻭرة أﻥ ﺗﺪاﻓﻊ ﻋﻦ
ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﺎﻟﴫاخ ..ﻟﻜﻨﻨﻲ ﱂ أﻋﺮ ذﻟﻚ اﻫﺘﲈﻣﺎ أدرﻛﺖ ﻓﻘﻂ أﻧﻨﻲ ﱂ
أﺳﺘﻄﻊ أﻥ أﻭدﻋﻬﺎ ,أﻛﺮﻩ اﻟﻮداع.
اﺗﺼﻠﺖ ﻣﺮارا ﻓﻠﻢ ﺗﺮد ,ﻛﻨﺖ أﻃﻤﻊ ﰲ أﻥ ﻳﺘﺴﻠﻞ إﱃ
ﻣﺴﺎﻣﻌﻴﺼﻮﲥﺎ اﳌﺨﻤﲇ اﻟﻨﻐﲈت ,ﺗﺄﻭﻫﺖ ﻭﻧﻔﺨﺖ ﰲ اﳍﻮاء ﻋﻨﺪﻣﺎ
أﺻﺒﺤﺖ ﻗﺮﻳﺒﺎ ﻣﻦ ﺑﻮاﺑﺔ اﳌﻄﺎر ,ﻧﻈﺮت ﺧﻠﻔﻲ أﺧﲑا .أرﻧﻮ أﻥ أر
ﻃﻴﻔﻬﺎ ,ﻟﻜﻦ اﻟﺒﴫاﻧﻘﻠﺐ ﺧﺎﺳﺌﺎ ﺣﺴﲑا..
أﻏﻠﻘﺖ اﳍﺎﺗﻒ ﻋﲆ ﻣﺪرج اﻟﻄﺎﺋﺮة ,ﻛﺎﻥ اﻟﺮﺣﻴﻞ ﻭﻣﻊ
اﻷﺳﻒ ﺑﻼ ﻭداع.
164
165
166