Professional Documents
Culture Documents
1
1
1
إن دخول الطفل إلى المدرسة يمثل أزمة جديدة في التكيف مع البيئة ،إذ عليه أن يتالءم في وقت واحد مع
وجود المعلم ،ومع وجود األطفال اآلخرين،ومع وجود الجماعة المدرسية :أبعد من أمه وأبيه وأقل حديا
عليه ،وأشد صرامة في ممارسة وظائفه.
أوبير :التربية العامة
حلل وناقش
مقدمة:
ورد هذا النص في كتاب التربية العمة لمفكر فرنسي ًرونيه أبير ً ويعرض فيه لجو الجماعة المدرسية ،وأن
اهتمامه بهذا الجانب جاء كتقويم للنهج الذي كانت تملكه البيد اغوجية القديمة والتي كانت ترجع كل اندماج
اجتماعي تقوم به المدرسة إلى الضغط واإلكراه كما تولى كامل العناية إلى جهود المتعلم الفردية ،وتمهل
بالتالي الجوانب المتعلقة بالتفاعل الوحداني بين األفراد ،ويؤكد الكتب على الصعوبات التي يشعر بها المتعلم
في التكيف مع البيئة المدرسية وقوانينها واحتكاك الطفل بالمعلم وعالقته باألنداد.
ويطرح النص قضية تكيف الطفل الجديد مع الجماعة المدرسية عند انتقاله من األسرة ٌ.لقد كان يشعر داخل
أسرته بكثير من العطف والحنان وعند انتقاله غالى الجماعة المدرسية يجد أمامه جوا غير الذي ألفه،
فالعطف والحنان يتقلصان والحرية تضيق ،إذ أخذت المدرية تطبق عليه مجموعة من القواعد التي يصعب
عليه تحملها ولكنه يضطر لالمتثال لها.
وقصد تحليل هذا النص ولغدائه سنطرح التساؤالت اآلتية:
-كيف يتم انتقال الطفل من المجال األسري إلى المجال المدرسي؟
-ما هي تفاعالت الطفل مع أفراد الجماعة؟
-ما هو دور المعلم في إعداد الطفل للتوافق مع المدرسة؟
التحليل:
-1إن انتقال الطفل من البيت إلى الكتاب أو المدرسة يعد حدثا حرجا فهو انتقال من مجتمع صغير بسيط إلى
مجتمع أوسع ،فالمدرسة على الخصوص هي بيئة ذات نظم جديدة ،وبها من التكاليف والواجبات ما لم بعهده
الطفل من قبل ففيها صالت وتفاعالت ومنافسات جديدة.
ففيها يضطر الطفل إلى التضحية بكثير من المميزات التي كان ينعم بها ،ففي أحضان األسرة كان ينعم بكثير
من العطف وكان يحتل مركزا خاصا ،فأصبح في المدرسة مجرد طفل بين عدد كبير من األطفال يعاملون
على حد سواء ،إن عادات السلوك االجتماعي التي ألفها في البيت طرأ عليها تغيير عنيف في البيئة
المدرسية.
والمعتاد أن تظهر على األطفال وهم يتوجهون إلى المدرسة ألول مرة معالم معاناة أليمة تجعلنا نحرك بأنهم
يعانون في وذاتهم تمزقا يمكن اعتباره فطاما نفسيا جديدا ،ويتعمق الشعور بهذا الفطام كلما كانت العملية
التثقيفية السابقة لدخول المدرسة سلبية.
إن التهيؤ لحياة المدرسة الذي تمارسه البيئة على الطفل قد يكتفي مظاهر سلبية أو ايجابية :فقد يغلب على هذا
التهيؤ في بعض الحاالت عامل القمع بحيث تكون حياة المدرسة وعيدا وتمديدا مستمرا النطالق الطفل
وحيويته وفعاليته ،وكثيرا ما نسمع األمهات على الخصوص في بيئتنا المغربية يتوعدن أطفالهن بحياة
المدرسة أو يظهرن مللهن من شيطنة األطفال أيام العطل وخارج أوقات المدرسة.
فهذه مظاهر تثقيفية تجعل الطفل يمتلئ أن المدرسة أقيمت للحد من رغباته ،وقمع نشاطاته األصلية.
إن المواقف الجديدة التي يعيشها الطفل في المدرسة أخذت تفرض عليه الخضوع لنظام جديد :فالمجال
المدرسي يمثل مجموعة من النظم والقوانين Sالجديدة على المتعلم ،إذ تمارس فيها نشاطات وتفاعالت لم
يتكيف معها من قبل ،ويجد نفسه مضطرا إلى التنازل عن كثير من الممارسات والقيم التي هي جزء من
شخصيته والتي كان ينعم بها سابقا داخل األسرة.
إن المجال المدرسي من حيث هو مجال تربوي اجتماعي ونفسي تقوم فيه العالقات على أساس أعم وأشمل
من أساس القرابة الذي تقوم عليه العالقات المنزلية وهذا المجال هو الكفيل بإعداد الطفل للقيام بواجباته
االجتماعية ،وتنمية قدراته وعواطفه سواء عن طريق توسيع أفق ما تبلور منها في المنزل أو عن طريق
خلق ما يظهر منها فيما بعد ،ذلك أن األسرة بحكم تكوينها البسيط بالنسبة للمجال المدرسي وتوقظ وتنمي
قدرات وعواطف تكون أساس العالقات الفردية البسيطة ،أما دور المدرسة فانه يتجاوز ذلك ،ألنها تعمل على
تطوير تلك القدرات والعواطف S،وتنميتها من جهة وعلى خلق غيرها من جهة أخرى.
ومن خالل تقبل الطفل للنظام المدرسي ينشأ لديه نوع من التبعية فهو يطيع أوامر معلمه وأوامر جماعته،
وتتغلغل فيه التصورات الجمعية السائدة في قسمه ،يقول دور كايمً :التصورات الجمعية هي مدركات يكونها
الفرد عن وسطه الشخصي ،وهي تعكس الكيفية التي يتصور بها المجتمع تجربته ً
والتصورات Sالجمعية تمارس على الفرد نوعا من اإلكراه مادامت تنتقل من جيل إلى آخر ،ومن خاللها يظهر
أن للراشد تأثير على الطفل ،فيرفض احترامه.
والمدرسة التقليدية تختزل االندماج االجتماعي في اإلكراه ،فالعالقة أحادية بين المعلم والمتعلم بين المرسل
والمتقبل بين العارف والجاهل ،لكن المدرسة اليوم مطالبة بتغيير هذه الصور ،فإذا كان اإلكراه ضروريا
لتلقي المفاهيم واختزال تجارب األولين ،فان التعاون بين التالميذ يسهل مأمورية المعلم ،إذ يجد أمامه جماعة
متماسكة متآزرة ،قال بياجيه ً :التعاون هو األخالق في الفعل ،كما أن العمل النشيط هو الذكاء في الفعل ً.
والتعاون في المدرسة يعني احترام قوانينها واالشتراك في األشغال واأللعاب ،ويعني حفط الوعود والمحافظة
على نظافة المدرسة وأثاثها.
وان الطفل المدلل يستفيد كثيرا من هذه البيئة الجديدة التي تعلمه تحمل المسؤولية ،ويصدق ذلك أيضا على
الطفل الوحيد أو الخامل.
وان النظام الداخلي للمدرسة األولية أو االبتدائية هو عبارة عن إجراءات وقائمة يقصد من ورائها أبعاد
الطفل عن كل ما من شأنه أن يلحق الضرر به أو برفاقه ،سواء داخل القسم أو في الساحة أو في الطريق بين
البيت والمدرسة باإلضافة إلى الحث على النظافة والمحافظة على التجهيزات المدرسية.
وهذه اإلجراءات وغيرها تعمل على تكوين الوعي واالنضباط االجتماعي لدى التلميذ والمحافظة على
ممتلكات المؤسسة واحترام العاملين بها :ففيها يتعين على الطفل أن يراعي النظام وأن يلزم التأدب ،أو
الصمت في أوقات معينة ،وأال يغضب إن اقتضت مصلحة الجماعة أال يأخذ أكتر من نصيبه.
.2ومن الفوائد العملية للمدرسة االبتدائية أنها تمنح للطفل قدرا من االستقالل ،فتتوسع صالته االجتماعية ،اذ
يصبح قادرا على إقامة عالقات من التفاعل مع هذه الكائنات التي تماثله ،كما أن المدرسة تعمل على انتزاع
الطفل من التمركز الذاتي L égocentrismeالذي يسيطر على تفكيره وسلوكه االجتماعي وخلقه حتى سن
السابعة فيما يراه بياجيه.
وال يقصد بياجيه بالتمركز الذاتي أن األطفال في هذه المرحلة يكونون أنانيين ،بل يقصد أنهم يدركون العالم
من منظورهم الخاص ،والواقع أن هذا المفهوم يمكن تعميمه على سلوك الطفل االجتماعي ،وليس فقط على
سلوكه المعرفي ،وهكذا يتضح لنا أن التغير المفاجئ في بيئة المتعلم يمكن أن يكون له أثر سلبي وسلوكه
االجتماعي،ألنه ما يزال متشبعا بتنشئة أسرية مختلفة ينبغي أن يكون المعلم مستعدا لمواجهة مشاكلها النفسية
واالجتماعية.
إن الدخول المدرسي األول يعد بالنسبة للمتعلم إجراء اضطراريا قد يؤدي إلى معاناة انفعالية أو إلى تخلف
في المجال المعرفي.
ومن خالل هذا الطرح ،فما هي محاوالت ومساهمة المعلم التربوي من أجل التخفيف من حدة األزمة،
وتكييف الطفل مع المجال المدرسي ؟
.3إن موضوع النص يطرح ضمنيا عالقة المعلم بالمتعلم المبنية على السيكولوجية ألفراد الجماعة ،أن
اهتمام المدرس بدراسة الطفولة ومراحل نموها يعد وسيلة لضبط التغيير الطارئ الذي يصادف المتعلم،
وتكييفه من بيئة إلى أخرى في ظروف عادية ومالئمة لرغباته وميوله.
.3لقد بينا سابقا أن الدخول إلى المدرسة يعد قطيعة شبيهة بفطام عاطفي جديد ،وهذا الفطام يتطلب جهدا
انفعاليا ينبغي أن يتحمله الطفل من أجل التوافق مع النظام المدرسي.
وفي هذا الجو الجديد يظهر دور المعلم االيجابي والمتفهم للصعوبات التي يواجهها التلميذ ،أن هذا الجو
يتطلب من المعلم وعيا بصعوبات االنفصال عن األم ،وعن حياة المنزل التي ألفها لبضع سنوات ،فالي حدود
السنة الخامسة يكون بعض األطفال غير قادرين على التحكم في التبول أو التبرز ،وهنا نشير إلى الدور الذي
يقوم به المربي أو المربية في النيابة عن األب أو األم.
ان قدرة المعلم على التعامل مع الطفل كبديل لألب أو األم هو أمر هام في نمو شخصية الصغير ،فالمعلم
يقوم بدور القدوة أو النموذج للصغار ،فهم يمثلونه بشخصيته وان التالميذ كثيرا ما يستعيضون عن اتجاهات
آبائهم باتجاهات أخرى يستمدونها من المعلمين.
وهكذا يبدو دور المعلم عظيما من الجوانب النفسية واالجتماعية فضال عن الجوانب التعليمية :إن اطالع
المدرس على العوامل المؤثرة في جو الجو الجماعة وتماسكها يجعله واعيا بأهمية خلق جو حجرة الدراسة
من خالل العالقات التفاعلية بينه وبين التالميذ بعضهم ببعض ،كما يتيح له إمكانيات تحريك النشاط الذاتي
للمتعلم ً
بغية البحث والمشاركة والمبادرةSً.....
وان تحقيق جو التعاطف الوجداني والتواصل والنشاط الذاتي من شأنه أن يخول للمتعلمين الظهور على
حقيقتهم واالبتعاد عن السلوك المزيف والرفع من معنوياتهم من أجل تكوين جماعة متكيفة ومنتجة.
وفي إطار العالقات التفاعلية السليمة داخل القسم ،ينبغي للمعلم أن يتفهم نفسية التلميذ الجديد ،ويحسن
معاملته ،بحيث ال تتصف هذه المعاملة ً بالسخرية أو الزجر ً فاالندماج األول للطفل مع الجماعة يتطلب
كثيرا من الرقة في المعاملة وكثيرا من األلفة والتقارب واالنتفاع في الكالم واالتصال.
خاتمة:
نستخلص مما سبق أن احتكاك الطفل ألول مرة مع الجماعة المدرسية يشكل ً أزمة ً تؤدي إلى بعض
االضطرابات االنفعالية الحقيقية ألن جماعة القسم هي جماعات العمل وهي تختلف عن الجماعات األخرى
كجماعات التسلية أو جماعات ملء الفراغ ،فالفل حينما يغادر األسرة ويدخل المدرسة التي تعتبر بيئة غريبة
تستلزم وقتا لكي يتكيف مع الجماعة الجديدة فالبيئة الجديدة تتمثل في غالب األحيان بالصرامة والنظام القاسي
وان تفاعل الطفل مع هذه الجماعات الجديدة يكسبه عادات جديدة مخالفة لما تعوده من قبل و أمام هذه
الوضعية ينبغي على المعلم أن يتدخل بوعي وتبصر من أجل تذليل كل الصعوبات مستخدما أساليب نفسية
وتربوية تتفق مع خصوصيات كل متعلم من أجل تحقيق االندماج السليم واالتزان الشخصي لكل طفل.
ولقد كان الكاتب ً أيبر ً صريحا وواضحا حينما أشار إلى هذه المرحلة المتأزمة ،غير أن المدرسة الحديثة قد
نظفت كثيرا من الضغوط التي يعاني منها المتعلمون إبان اندماجهم ،وفتحت أمامهم عدة مجاالت للتنشيط
والمشاركة وأخذ األطفال في الجو الجديد يتقاربون ويتعاونون في جو من المحبة والوئام.