Professional Documents
Culture Documents
Philosophie de L'espace
Philosophie de L'espace
Philosophie de L'espace
: مقدمـــــــة
هذا ما سنحاول اإلجابة عنه من خالل الكشف ،عبر تتبعنا للمسار التاريخي
للعمران ،أن هذا األخير في كل مرة يعرف تجددا وانزياحا على مستوى التصميم
والهندسة المعمارية ،وإ ال نجد أن الفلسفة تلعب دورا محوريا في ذلك التجدد وذلك
االنزياح .
فاإلنسان على مر التاريخ السحيق عرف منعطفات إبستمولوجية جعلته ينتقل من
مرحلة هيمنة الطبيعي إلى مرحلة الثقافة ،ثم من مرحلة التعددية الثقافية والتنوع
الحضاري ،إلى مرحلة سطوع نجم العولمة على حساب الخصوصية الثقافية .ولم تكن
العمارة( )Architectureبمنأى عن هذا التحول الكبير.
بمعنى أن اإلنسان انتقل بفعل الغريزة الحيوانية من أبسط أشكال البناء ليحمي نفسه
من األخطار المحدقة به ،ومن تقلبات أحوال الجو وهزات الطبيعة ،ليبدأ في تشكل النواة
1
األولى للعمارة أو باألحرى للبناء من خالل الكوخ الطبيعي والكهوف الحجرية ،وغيرها
من األساليب البسيطة لمفهوم العمارة .يقول هيجل" :إن العمارة هي أسبق الفنون في
ترتيبـ الوجود" ،حيث ارتبطت األصول األولى لفـن العمارة بالمنفعة والحاجة التي يؤديها
فن العمارة لإلنسان ،حيث يرى هيجل أن البـدايات األولى للعمـارة تتمثل في الكوخ
كمسكن ،والمعبد كمالذ للتعبد .والمالحظ على هذه األعمال المعمارية األولى أنها كانت
تقام من أجل هدف معين ،فاإلنسان لم يبن هذه األشياء من أجل ذاته و إنما لتلبية حاجات
اإلنسان إلى المأوى وحاجته لمكان يتعبد فيه .
في هذا السياق ،يرى ابن خلدون ،أن اإلنسان انتقل في عالقته بالعمارة ،من إطار
الحاجة والضرورة إلى إطار الغنى والترف ،ومن مرحلة البداوة إلى مرحلة الحضر .وقد
لزم هذا التحول تغيرات في محيط اإلنسان في شتى المجاالت ،أبرزها المجال العمراني.
يقول ابن خلدون " :والحضارة تتفاوت بتفاوت العمران ،فمتى كان العمران أكثر ،كانت
الحضارة أكمل" .والمقصود بالحضارة العمرانية هنا بصيغة الجمع ،ألن التاريخ أثبت بأن
هناك حضارات عمرانية مختلفة وثقافات عمرانية متعددة ،تطفح بتصاميم هندسية متباينة،
وبأشكال أيقونية متمايزة بينها.
وهذا االختالف والتعدد في األيقونات المعمارية ،هو نتيجة للرؤى الفكرية المتعددة
التي الزمت تشييد هذه األيقونات.
وعليه ،فالعمارة هي تعمير للفضاء .وهذا التعمير ليس سلوكا عفويا أو اعتباطيا،
بل هو سلوك قصدي ،مبني على وعي فكري مسبق .بمعنى أن تشييد األيقونات
المعمارية يتم من خالل أطر معرفية تشكل خلفيتها على مستوى التصميم أو التشكيل
المعماري.
2
فن تشكيل ،وابتكار ،وصنع
وأهم هذه األطر المعرفية ،نجد الفلسفة ،بوصفها ّ “ :
المفاهيم" .أي بتعبير شارل ساندرس بيرس ، Charles Seinders Pierceكل ما نتمثله
ذهنيا من مقوالت ،ومن أفكار ،ومن ممكنات قابلة للتطبيق على أرض الواقع.
فإذا كان سؤال الحاجة مرتبطا بالبدايات األولى لتعامل اإلنسان مع العمارة ،إال أنه
مع التقدم الذي أحرزه على مستويات متعددة ،تحول اإلنسان إلى طرح سؤال اإلبداع
والتنظير الفلسفي حول كيفية التشكيل األيقوني للعمارة .يقول والتر جروبيوس"":منذ
قرون سحيقة والعمارة أداة تواصل تعبر عن مكنونات اإلنسان ورغباته ،حيث تختلط
أبنيتها الفيزيائية المادية بأبنية فلسفية وفكرية متنوعة تتواطأ فيما بينــها على بث ثيمات
وانساق وتعابير ورؤى وأصوات منطوقة وسجاالت محمومة و حوارات إنسانية ".
هكذا اذن بدأت األسئلة الفلسفية توضع تباعا عبر العصور وتتعدد وتختلف بتعدد
واختالف الرؤى حول العمارة .فالعمارة ليست كتلة جامدة ،بل دائمة التطور .وهذا
التطور هو نتيجة منطقية للتطور المواكب لها على المستوى الفلسفي .فال تشكيل أيقوني
بدون تفكير فلسفي مسبق .بمعنى أي براديغم فلسفي يعكس تشكيال أيقونيا معينا ،ألن
األيقون المعماري ال يأتي من فراغ ،وإ نما من قاعدة فلسفية تؤطر وجودها على مستوى
الفضاء .إننا اذن أمام جدلية المتناهية ،جدلية السؤال(التفكير الفلسفي)/الجواب (التشكيل
المعماري).
وعليه ،إذا كانت العمارة عبر السيرورة التاريخية هي البحث عن تشكيل المعنى،
فإن هذا المعنى ال يتأتى إال من خالل تدخل الفلسفة؛ واذا كانت العمارة في إطار تنوعها
وتعدديتها هي دائما مختلفة على مستوى التصميم واإلخراج الجمالي ،فإن ذلك راجع
لكون الفلسفة ،بوصفها المساهم الفعلي في تشكيلها ،هي في أهم تعاريفها هي ":التفكير
بشكل مختلف".
3
الفلسفة أيضا ،في تعاريفها المشهورة ،هي البحث عن المعرفة ،ومحاولة اإلجابة
عن األسئلة المتعلقة بالوجود والكون ،والتأمل والتفكر بكل القضايا التي يمكن أن تشكل
موضوعات العالم ،بما فيها موضوع العمارة .إنه البحث في الوجود بكل موضوعاته.،
إننا مع الفلسفة نلج مجال التأمل :أي التأمل في فكر اإلنسان ومحيطه .وأهم ما يحيط
اإلنسان هو العمارة بتجلياتها المتعددة.
في ضوء هذا التصور ،نقول بأن المعمارى ه و فيلس وف بالدرج ة األولى ..فالعمـ ــارة مـ ــا
هى اال بقايـا ثقافـة قـد قـام العقـل ببلورتهـا لتخــرج أفكـارا تصــلح أن تكـون قاعـدة لتبــنى عليهــا
العمارة.
وعليه ،فالتصور الفلسفي هو عبارة عن دراسات احتياجات االنسـان ومتطلباتـه متماشـيا مـع
الطبيعــة بأشــكالها ...فحين تكتمــل الفكــرة الفلســفية يــأتي دور التصــميم ليــترجم الفلســفة على
ارض الواقع .
وعليه ،فالفلسفة المعمارية :هى الفكــر المحــرك وطريقــة نظرتنــا إلى العــالم ،وفهمنــا للكــون
الذي نعيش فيه ونتـأثر بـه ،والـتي على ضـوئها نقـدم رؤى متعـددة عن االحتمـاالت الممكنـة
لتشييد أيقونات عمرانية متنوعة.
4
ولعل عمليـة التقطيـع االبسـتمولوجي للعمـارة في عالقتهـا بالفلسـفة ،يجعلنـا أمـام ثالث
محطات أساسية:
منهجيا قبل الحديث عن المحطة األخيرة التي وصل إليها اإلنســان في عالقتــه بالعمــارة،
ف ــإن الض ــرورة العلمي ــة والنس ــقية ،تلزمن ــا الح ــديث في البداي ــة عن التش ــكالت الثقافي ــة األولى
للعمارة ،والمقصود بذلك اإلطار الفلسفي الميتافزيقي للعمارة .
- 1األساطير : قصص عن اآللهة ،وهي تتميز عن الحكايات البطولية بكون شخصيات األخيرة من البشر.
5
يوجـه الفكـر والسـلوك .وقـد جـاء النتـاج المعمـاري تعبـيرا عن هـذه الخلفيـة الفلسـفية،
فتجسد على أشكال مختلفة اختالف المجتمعات والثقافات والحضارات التي تمثلتها.
ففي الحض ـ ــارة الفرعوني ـ ــة ،وتحدي ـ ــدا في زمن حكم "إخن ـ ــاتون" ،تح ـ ــولت العقي ـ ــدة
آنذاك من تعدد اآللهة إلى عبادة إله واحد فقط وهو "آتــون" ،الــذي يرمــز إلى قــرص
الشمس بوصفه القوة والحياة والنماء.
ولعـ ــل أهم تـ ــأثير للعبـ ــادة اآلتونيـ ــة على الفكـ ــر المعمـ ــاري هـ ــو هـ ــذا االرتبـ ــاط بين
العمارة واإلله آتون ،ومحاولة الربــط بين أشــعة الشــمس والمبــنى والشــارع والمدينــة.
فالش ــوارع واس ــعة ترتب ــط مباش ــرة م ــع اإلل ــه من خالل تخلل ــه لجمي ــع أج ــزاء المدين ــة.
إضــافة إلى تغــير شــكل األجــزاء الحجــرات المقدســة ،حيث اإللــه آتــون يظهــر للعيــان
وال يحتاج لالختفـاء .فقـدس األقـداس يصـل إليـه اإلنسـان مباشـرة ،وقـد أقيم في ردهـة
غير مسقوفة لتسمح بدخول أشعة الشمس إليها.
بإيج ــاز ،فالش ــمس تتخل ــل كاف ــة المب ــاني الس ــكنية ،ودور العب ــادة والش ــوارع ،وه ــو
الهدف األول الواجب تحقيقه تماشيا مع العقيدة اآلتونية.
لقد ظل تأثير الميتافزيقا ممتــدا في النتــاج المعمــاري عــبر العصــورـ المختلفــة الــتي
تلت الحض ــارة الفرعوني ــة ،وظه ــرت تأثيراته ــا في الحض ــارة اإلغريقي ــة ،حيث ت ــأثر
المجتمــع بأفكــار الفالســفة والمفكــرين حيث تم تحويــل رحالت المحــاربين ومعــاركهم
ألس ـ ــاطير وقص ـ ــص ش ـ ــعبية ،وق ـ ــد رفع ـ ــوا بعض ـ ــهم من درج ـ ــة الفن ـ ــانين إلى درج ـ ــة
المخلدين وعبدوهم ،بجانب آلهة األولمب ، Olympeوتعتبر أسطورة هــرقليس من
أشهر األساطير.
وض ـ ــع الفالس ـ ــفة تص ـ ــورات رمزي ـ ــة للشخص ـ ــيات والوح ـ ــوش داخ ـ ــل األس ـ ــاطير
والقصــص ،فأصــبحت رمــوزا دينيــة لهــا قداســتها وأهميتهــا ،تحــولت لتيجــان أعمــدة أو
منحوتات حامية لبوابات المعابد.
6
وقـــد شـــيدت أعلى مرتفعـــات المـــدن لتتصـــل بالس ــماء ولمنحه ــا الق ــدر األك ــبر من
الخصوصـ ـ ــية بعيـ ـ ــدا عن العامـ ـ ــة وليكسـ ـ ــبها االرتفـ ـ ــاع عامـ ـ ــل الحمايـ ـ ــة من األعـ ـ ــداء
والعابثين.
أما العمارة الرومانية ،فقد تشابهت إلى حــد مــا مـع عمـارة اإلغريــق نظــرا للقــرب
الجغرافي والزمني ،وانتقال بعض التيارات الميثولوجية من اإلغريق للرومان.
وباعتبــار الرومــان حضــارة مبنيــة على االنتصــارات والبطــوالت ،فقــد تم إحاطــة
العمارة بتماثيل لشخصيات بطولية حولتها إلى أساطير ،ومزجت أيضا نمط العمــارة
بأصــناف معينــة من الحيوانــات الــتي ترمــز إلى القــوة مثــل األســود والنســور ،كمــا أن
موقع العمارة الخاصة بعلياء القوم موجودة في أعالي المدن ،كرمــز للســمو وبجعلهم
في مقام أصناف اآللهة.
ومن أهم التعبـ ــيرات والمالمح العمرانيـ ــة الرومانيـ ــة أيقونـ ــة المسـ ــرح الرومـ ــاني،
حيث جـ ــاءت السـ ــاحة الرئيسـ ــية كفـ ــراغ دائـ ــري أو بيضـ ــاوي مفتـ ــوح للسـ ــماء تعكس
أس ــطورة إش ــراف اآلله ــة على المتب ــارين ،ل ــذا توض ــع تم ــاثيلهم على محي ــط الس ــاحة،
ويراقب األباطرة من خاللها الطقوس االحتفالية.
أما لغة العمارة في الحضارة اإلسـالمية ،فهي لغـة مختلفـة عن لغـات الحضـارات
السابقة ،حيث العقيدة مرتبطة بإاله واحد هو اهلل سبحانه وتعالى.
وعلي ــه ،فق ــد اكتس ــت العم ــارة اإلس ــالمية الزخ ــارف النباتي ــة والكتاب ــات اإلس ــالمية
لتعـ ـ ــوض التماثيـ ـ ــل ورسـ ـ ــم الشـ ـ ــخوص(الحضـ ـ ــارة الفرعونيـ ـ ــة) والتجسـ ـ ــيد (العمـ ـ ــارة
المسيحية) ونحت صور الحيوانات (العمارة الرومانية) ...
ولعــل من أهم أيقونــات العمــارة اإلســالمية ،عمــارة المســاجد بالمــآذن العاليــة الــتي
ك ـ ــانت تس ـ ــتخدم لآلذان ،فهي ترم ـ ــز الرتف ـ ــاع الص ـ ــالة إلى الس ـ ــماء ،مجس ـ ــدة عالق ـ ــة
اإلنسان بربه عن طريق الدعاء.
7
كم ــا أن عم ــارة المس ــجد ك ــانت دوم ــا في مرك ــز المدين ــة ،ومن ــه تتف ــرع الش ــوارع
الرئيســة .ومركزيــة المســجد هي مركزيــة عمرانيــة وثقافيــة أيضــا .وال يتعلــق األمــر
هنـ ـ ــا فقـ ـ ــط بمركزيـ ـ ــة الـ ـ ــديني ،بـ ـ ــل هي أيضـ ـ ــا مركزيـ ـ ــة العلم والمعرفـ ـ ــة في النسـ ـ ــق
الحضــاري اإلســالمي ،حيث زاوج المســجد دومــا بين الــدورين الــديني والعلمي ،ففيــه
كانت تقام الصلوات وتلقى الدروس والمحاضرات.
بنـ ــاء على مـ ــا سـ ــبق ،يتـ ــبين أن الميتافزيقـ ــا كفلسـ ــفة أسـ ــهمت من خالل التجليـ ــات
الهندسية المتنوعة والمتعددة أليقونات العمـارة على اإلسـهام في صـناعة الحضـارات
والثقافات.
كم ــا أن الرؤي ــة الميتافزيقي ــة المهيمن ــة في ه ــذه المرحل ــة ه ــو أن ص ــناعة العم ــارة
مرتبطــة بتمثــل نمــوذج أعلى ومحاولــة تجســيده بأشــكال وتمظهــرات مرتبطــة بطقــوس
أو أساطير أو ديانات ...
8
نموذج من العمارة الفرعونية
9
نموذج من العمارة الرومانية
10