Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 165

‫ﻣﺪﺧﻞ إﻟﻰ‬

‫اﻟﻠـــﻴــﺒــــــــﺮاﻟـــــﻴــــﺔ‬
‫اﻟﻜـــــﻼﺳــــﻴـﻜــﻴــــﺔ‬

‫إﻳﻤﻮن ﺑﺎﺗﻠﺮ‬
‫مدخل إىل الليربالية الكالسيكية‬

‫تأليف‬
‫إميون باتلر‬

‫ترجمة‬
‫حبيب زريق‬ ‫حازم موس‬ ‫مريا جندي‬ ‫رزان حميدة‬

‫عبد املعني السباعي‬ ‫زينب أحمد‬ ‫حسام شبيل‬

‫مراجعة‬
‫أحمد رضا‬
‫قامئة املحتويات‬

‫نبذة عن املؤلف‪1.....................................................................................‬‬

‫شكر وتقدير‪3........................................................................ ..............................‬‬

‫متهيد ‪4 ..............................................................................................................‬‬

‫ملخص ‪9.............................................................................................................‬‬

‫‪ .1‬مقدمة‪12.........................................................................................................‬‬

‫‪ .2‬ما الليربالية الكالسيكية‪14...................................................................................‬‬

‫‪ .3‬الليربالية الكالسيكية‪ :‬شجرة العائلة‪27...................................................................‬‬

‫‪ .4‬الليربالية الكالسيكية والحرية‪44...........................................................................‬‬

‫‪ .5‬األخالقيات الليربالية الكالسيكية‪57........................................................................‬‬

‫‪ .6‬السياسات الليربالية الكالسيكية‪71.........................................................................‬‬

‫‪ .7‬املجتمع الليربايل الكالسيك‪85.............................................................................‬‬

‫‪ .8‬االقتصاد الليربايل الكالسيك‪99...........................................................................‬‬

‫‪ .9‬الليربالية الكالسيكية اليوم‪112..............................................................................‬‬

‫‪ .10‬أهم مفكري الليربالية الكالسيكية ‪125...................................................................‬‬


‫‪ .11‬اقتباسات ليربالية كالسيكية‪136........................................................................‬‬

‫‪ .12‬تاريخ أحداث الليربالية الكالسيكية ‪150...............................................................‬‬


‫إىل صديقي جون بلوندل (‪)2014-1952‬‬
‫نبذة عن املؤلف‬

‫يتوىل إميون باتلر منصب مدير معهد آدم سميث‪ ،‬وهو مؤسسة فكرية رائدة يف‬
‫وضع السياسات‪ .‬يحمل باتلر شهادات جامعية يف االقتصاد وعلم النفس‪ ،‬وحصل‬
‫عىل شهادة الدكتوراه يف الفلسفة‪ ،‬وشهادة الدكتوراه الفخرية يف اآلداب‪ .‬يف‬
‫سبعينيات القرن العرشين‪ ،‬عمل يف واشنطن لصالح مجلس النواب األمرييك‪،‬‬
‫ود ّرس الفلسفة يف كلية هيلزديل بوالية ميتشيغان‪ ،‬ثم عاد إىل اململكة املتحدة‬
‫للمساعدة يف تأسيس معهد آدم سميث‪ .‬حاز سابقًا عىل الجائزة الوطنية للمشاريع‬
‫الحرة يف اململكة املتحدة‪.‬‬
‫ألّف إميون كت ًبا عن االقتصاديني الرواد ميلتون فريدمان‪ ،‬وفريدريش فون‬
‫هايك‪ ،‬ولودفيغ فون ميزس‪ ،‬وكتابًا متهيديًا عن املدرسة النمساوية يف االقتصاد‬
‫وكتاب ثروة األمم املخترص‪ .‬كتب ملعهد الشؤون االقتصادية (‪ )IEA‬كت ًبا متهيدية‬
‫عن آدم سميث ولودفيغ فون ميزس ونظرية الخيار العام؛ حصل عىل جائزة فيرش‬
‫يف عام ‪ 2014‬عن كتابه التمهيدي أسس ملجتمع حر‪ .‬شارك إميون يف تأليف تاريخ‬
‫عن ضوابط األجور واألسعار وسلسلة من الكتب عن نسبة الذكاء‪ .‬اجتذبت‬
‫منشوراته الحديثة الرائجة‪ ،‬وهي‪ :‬أفضل كتاب عن السوق‪ ،‬والحالة الفاسدة‬
‫لربيطانيا والبيان البديل‪ ،‬اهتام ًما كب ً‬
‫ريا‪ ،‬وله مساهامت كثرية يف اإلعالم املقروء‬
‫واملسموع‪.‬‬

‫‪1‬‬
2
‫شكر وتقدير‬

‫أكرر شكري ملادسن بريي عىل إسداء املشورة وتقديم املدخالت يف وقت مبكر‪،‬‬
‫ولزماليئ اآلخرين يف معهد آدم سميث عىل صربهم‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫متهيد‬

‫إن الليربالية الكالسيكية واحدة من أهم الفلسفات السياسية واالجتامعية الحديثة‪.‬‬


‫يف الحقيقة‪ ،‬ميكننا القول إن جهود املؤمنني بهذه املجموعة من األفكار كانت‬
‫حاسمة يف ظهور العامل الحديث‪ .‬فلوال حمالت الذين ع ّرفوا أنفسهم عىل أنهم‬
‫ليرباليون كالسيكيون وحججهم وتفكريهم وتحليلهم‪ ،‬ملا وجدت العديد من السامت‬
‫الجوهرية للحداثة‪ ،‬كالنمو املكثف املستمر‪ ،‬وخصخصة الهوية الدينية‪ ،‬وإلغاء‬
‫العبودية‪.‬‬
‫وعىل الرغم من أهمية الليربالية الكالسيكية‪ ،‬إنها اليوم غري مفهومة جي ًدا‪،‬‬
‫وغال ًبا ما يُساء تجسيدها (عن قصد يف حاالت كثرية) وربطها بشكل خاطئ مع‬
‫أساليب تفكري أخرى‪ ،‬وال سيام النزعة املحافظة‪ .‬تتمثل إحدى الصعوبات املح َّددة‬
‫يف الطريقة التي يستخدم فيها األمريكيون مصطلح ليربايل مبعنى «دميقراطي‬
‫اجتامعي» مام يعني أنه يف العامل الناطق باللغة اإلنجليزية‪ ،‬كان عىل املؤمنني‬
‫بالليربالية التقليدية أن يجدوا تسمية جديدة ألفكارهم‪( .‬ال ينطبق هذا يف أوروبا‬
‫القارية‪ ،‬حيث يحافظ مصطلح «ليربايل» عىل معناه التقليدي)‪ .‬وقد أصبح‬
‫ٍ‬
‫مرض ألسباب‬ ‫«ليربتاري» املصطلح املعتمد عىل نطاق واسع ولكن هذا غري‬
‫مختلفة‪.‬‬
‫يف ضوء هذا‪ ،‬يكون كتاب إميون باتلر مرح ًبا به بشكل خاص‪ ،‬فهو مقدمة‬
‫واضحة ومنسقة جي ًدا ملاهية الليربالية الكالسيكية كنظام فكري‪ ،‬وملكان نشوئها‪،‬‬

‫‪4‬‬
‫وما تبدو عليه اآلن‪ ،‬وما قد تؤول إليه‪ .‬تكمن إحدى سامت الكتاب القيمة يف طريقة‬
‫عرضه لالختالفات والتنوع ضمن ما يظل رغم ذلك نه ًجا متامسكًا للتفكري‬
‫السيايس ومسائل السياسة العامة‪( .‬ميكن قول اليشء نفسه عن االشرتاكية‬
‫والسياسة املحافظة بالتأكيد)‪ .‬من الجدير التفكري يف بعض من األسئلة التي يثريها‬
‫هذا الكتاب والطرق التي قد نستكشف من خاللها هذه األسئلة أكرث‪.‬‬
‫وكام تقول الرواية التاريخية‪ ،‬للِّيربالية الكالسيكية جذورها وأصولها كحركة‬
‫سياسية يف فصول التاريخ اإلنجليزي وكطريقة للتفكري يف القانون والحكومة‬
‫ميكننا تقفي أثرها إىل القرن السابع عرش عىل األقل‪ ،‬أو حتى قبل ذلك‪ ،‬إىل الوثيقة‬
‫العظمى ودستورية القرون الوسطى‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كام هو واضح‪ ،‬مثة أيضً ا منشأ لها‬
‫يف تاريخ أوروبا القارية‪ ،‬وال سيام يف فرنسا (رغم وصف إف إيه هايك بأنها «أكرث‬
‫الدول امليؤوس منها يف الليربالية الكالسيكية»)‪ .‬يُنسب هذا إىل عرص التنوير‬
‫ومفكرين مثل كانط‪ ،‬إال أنه ميكن أن يُنسب أيضً ا إىل فرتة أبعد تعود إىل عرص‬
‫النهضة واملفكرين يف أواخر العصور الوسطى كاملرتبطني مبدرسة سالمنكا‪ ،‬وإىل‬
‫تقاليد القرون الوسطى للحكومة الدستورية والقيود املفروضة عىل السلطة امللكية‬
‫من شبه الجزيرة اإليبريية إىل إسكندنافيا وبولندا‪-‬ليتوانيا‪ .‬ومع أن أصول‬
‫الليربالية الكالسيكية نشأت يف أوروبا‪ ،‬ال يجعل ذلك منها طريقة تفكري أوروبية‪.‬‬
‫وال ينبغي اعتبارها أيديولوجية «غربية»؛ فهي منظور عاملي يف توجهه وميكن أن‬
‫يرتكز عىل التقاليد املتوافقة واملتعاطفة يف جميع ثقافات العامل وحضاراته‪.‬‬
‫باإلضافة إىل األفكار املهمة التي يعرضها هذا الكتاب برباعة ويرشحها‬
‫بوضوح‪ ،‬ترتبط الليربالية الكالسيكية أيضً ا بعدد من املواقف وخصائص األسلوب‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫من أهمها التفاؤل والثقة بإمكانية تحسن حال البرش وقد تحسن يف القرنني‬
‫املنرصمني‪ .‬ومن املواقف األخرى ذات الصلة التطلع إىل األمام‪ ،‬والتطلع إىل‬
‫املستقبل بدالً من املايض‪ .‬وقد نستشف أيضً ا تركي ًزا عىل الفردية والحكم الذايت أو‬
‫االستقالل‪ .‬رمبا يكون أهمها الكياسة وحسن الظن باملنافسني واملحاورين بدالً من‬
‫نسب أهداف ومخططات مغرضة إليهم – وهي ميزة تفتقر إليها خطابات معارصة‬
‫كثرية‪.‬‬
‫عمال متقنًا بوصف ماهية الليربالية الكالسيكية ببساطة‬
‫يؤدي هذا الكتاب ً‬
‫ووضوح‪ ،‬ووصف ما هي ليست عليه باالستدالل‪ .‬من الواضح أنها تختلف عن‬
‫االشرتاكية وغريها من أشكال الجامعية املساواتية كالدميقراطية االجتامعية‬
‫والليربالية االجتامعية أو «الجديدة»‪ .‬كام أنها تختلف عن السياسة املحافظة‪ ،‬فهي‬
‫عمو ًما أكرث تفاؤالً ‪ ،‬وأكرث ثقة بالعقل (مقارنة باإلميان أو النقل)‪ ،‬وأقل احرتا ًما‬
‫للمؤسسات املوروثة أو التقليدية‪ .‬من األفكار التي تتضح عند قراءة هذا الكتاب‬
‫حا عند االستزادة باملراجع اإلضافية املقرتحة‪ ،‬هو أن الليربالية‬
‫وتصبح أشد وضو ً‬
‫ريا‬
‫الكالسيكية‪ ،‬بعي ًدا عن اتصافها بنزعة محافظة‪ ،‬تعد عقيدة راديكالية أحدثت تغي ً‬
‫هائال وعميقًا يف ظروف وأساليب حياة معظم الناس يف العامل‪ ،‬وبذلك قضت عىل‬ ‫ً‬
‫الكثري من جوانب النظام القديم (وهي فكرة عرب عنها لودفيغ فون ميزس بوضوح‬
‫عىل سبيل املثال)‪ .‬من األمثلة عىل هذا هو االرتباط التاريخي بني الليربالية‬
‫الكالسيكية والنسوية‪ ،‬مع معظم نسويات «املوجة األوىل» والليرباليني‬
‫الكالسيكيني املتحمسني ومع أمثلة كثرية عىل ذلك املوقف يف يومنا الراهن‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫لقد طرأت تغريات عديدة عىل الليرباليني الكالسيكيني كحركة وعىل‬
‫ريا‪ ،‬ولكن كان هناك‬
‫الليربالية الكالسيكية كمجموعة من األفكار وأحرزا تحس ًنا كب ً‬
‫أيضً ا فرتة فتور كام يشري الكتاب‪ ،‬وما يزال هناك الكثري للقيام به‪ .‬حني ينىس‬
‫الليرباليون الكالسيكيون هذا ويتحولون إىل مدافعني عن الطريقة التي تسري عليها‬
‫األمور‪ ،‬إنهم بذلك يخرسون زخمهم وجز ًءا جوهريًا من هويتهم‪ .‬وكام يوضح‬
‫الكتاب أيضً ا من خالل مناقشته للتطورات الفكرية الجديدة التي طرأت عىل‬
‫التقاليد‪ ،‬هذه ليست مبجموعة ثابتة وكاملة من األفكار مع نصوص مقدسة‬
‫واستنتاجات دامئة ال تتطلب إال الرشح والتعقيب‪ .‬بل إنها حركة فكرية نابضة‬
‫بالحيوية والنشاط يُعاد فيها باستمرار تطبيق الرؤى األساسية الواردة هنا‬
‫والتفكري فيها‪ ،‬مع صياغة أفكار وتحليالت ومقرتحات جديدة والقضاء عىل‬
‫األخطاء املتجددة كرؤوس الهيدرا‪.‬‬
‫ويف معهد الشؤون االقتصادية‪ ،‬نحن ال ندعم فلسفة سياسية معينة بشكل‬
‫رصيح‪ ،‬ناهيك عن موقف حزب أو حركة سياسية معينة‪ .‬إال أن الرتكيز املستمر عىل‬
‫فهم املشاكل االجتامعية ومعالجتها بنجاعة يستبعد بعض املقاربات يف أثناء‬
‫االنفتاح عىل أخرى‪ .‬فالليربالية الكالسيكية واحدة من الفلسفات والحركات‬
‫املتناغمة التي تجد طريقة متوافقة ومنسجمة للتفكري بالعامل وفهمه‪ ،‬مع أنها‬
‫ليست الوحيدة‪ .‬وبذلك‪ ،‬يكون هذا الكتاب إضافة مرح ًبا بها إىل قامئة معهد‬
‫الشؤون االقتصادية‪ ،‬فهو يقدم مساهمة كبرية لفهم إحدى الفلسفات التكوينية يف‬
‫العرص الحديث بشكل أفضل‪.‬‬
‫ستيفن ديفيز‬

‫‪7‬‬
‫مدير التعليم‬
‫معهد الشؤون االقتصادية‬
‫مايو ‪2015‬‬

‫إن اآلراء الواردة يف هذه األفرودة –كام يف جميع منشورات معهد الشؤون‬
‫االقتصادية– تخص املؤلف وال تعرب عن آراء املعهد (فهو ال يتبنى رأيًا مؤسس ًيا)‪،‬‬
‫أو أمناء إدارته‪ ،‬أو أعضاء املجلس االستشاري األكادميي أو كبار املوظفني‪ .‬تخضع‬
‫جميع أفرودات معهد الشؤون االقتصادية‪ ،‬مع بعض االستثناءات كنرش‬
‫املحارضات‪ ،‬ملراجعة النظراء العمياء عىل يد اثنني عىل األقل من األكادمييني أو‬
‫الباحثني الخرباء‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ملخص‬

‫يعطي الليرباليون الكالسيكيون األولوية للحرية الفردية يف الحياة‬ ‫•‬

‫االجتامعية والسياسية واالقتصادية‪ .‬وهم يعرتفون أن حريات مختلف‬


‫األشخاص قد تتعارض‪ ،‬ويختلفون عىل نطاق حدود الحرية‪ ،‬لكنهم يتفقون‬
‫عمو ًما عىل رضورة تعظيم الحرية الفردية وتقليل استخدام القوة‪.‬‬

‫يعتربون الفرد أهم من الجامعة ويطالبون بحكومة متثيلية محدودة تستمد‬ ‫•‬

‫رشعيتها من الشعب‪ .‬وينبغي أن تلتزم الحكومات ذاتها بسيادة القانون‪،‬‬


‫وينبغي إقامة العدالة وفقًا ملبادئ وإجراءات مقبولة‪.‬‬

‫يختلف الليرباليون الكالسيكيون حول الدور الدقيق للدولة‪ ،‬لكنهم يأملون‬ ‫•‬

‫عمو ًما يف الحد من استخدام القوة‪ ،‬سواء من جانب األفراد أو الحكومات‪.‬‬


‫إنهم يطالبون بدول صغرية تلتزم بالحدود مبوجب قواعد معروفة‪ .‬ال تكمن‬
‫املشكلة الرئيسية يف السياسة يف كيفية اختيار القادة‪ ،‬وإمنا يف كيفية كبح‬
‫جامحهم فور توليهم السلطة‪.‬‬

‫ليست الليربالية الكالسيكية كالليربالية األمريكية التي تقدر الحرية‬ ‫•‬

‫ريا من القوة االقتصادية‪ .‬وليست فكرة‬


‫االجتامعية لكنها متنح الدولة قد ًرا كب ً‬
‫فسيفسائية‪ :‬فهي تعترب األفراد أعضا ًء ينتمون إىل مجموعات مختلفة‬

‫‪9‬‬
‫متداخلة‪ ،‬بوالءات عديدة عائلية أو أخالقية أو دينية أو غريها‪ .‬وإن مؤسسات‬
‫املجتمع املدين هذه حصن منيع ضد سلطة الدولة املركزية‪.‬‬

‫يُنظر إىل حرية التعبري والتسامح املتبادل عىل أنهام ركيزتان جوهريتان‬ ‫•‬

‫للتعاون السلمي بني أفراد الشعب الحر‪ .‬ويجادل الليرباليون الكالسيكيون‬


‫بأن مثل هذا التعاون يفيض إىل ظهور أنظمة اجتامعية تلقائية (كاألسواق‬
‫والعادات والثقافة واللغة) تكون أعقد وأنجع وأكرث تكيفًا بشكل النهايئ من‬
‫أي يشء ميكن تصميمه مركزيًا‪.‬‬

‫يف االقتصاد‪ ،‬يؤمن الليرباليون الكالسيكيون بأن الرثوة ال تُحدثها‬ ‫•‬

‫الحكومات‪ ،‬بل التعاون املتبادل بني األفراد األحرار‪ .‬ويتحقق االزدهار باألفراد‬
‫ويحدثون ويدخرون ويستثمرون‪ ،‬ويف نهاية‬ ‫ِ‬ ‫األحرار الذين يبتكرون‬
‫املطاف‪ ،‬يتبادلون السلع والخدمات طواعية لتحقيق مكاسب مشرتكة –‬
‫النظام التلقايئ القتصاد السوق الحر‪.‬‬

‫ميكن نسب الليربالية الكالسيكية إىل إنجلرتا األنجلوسكسونية وما بعدها‪،‬‬ ‫•‬

‫لكنها اس ُتمدت يف معظمها من أفكار مفكرين أمثال جون لوك (‪-1632‬‬


‫‪ )1704‬وآدم سميث (‪ )1790-1723‬واآلباء املؤسسني للواليات املتحدة‪.‬‬
‫ويف اآلونة األخرية‪ ،‬جددها باحثون أمثال إف إيه هايك (‪)1992-1899‬‬
‫وميلتون فريدمان (‪.)2006-1912‬‬

‫‪10‬‬
‫يقدم عدد من الليرباليني الكالسيكيني حج ًجا مختلفة للحرية‪ .‬فبعضهم‬ ‫•‬

‫ريا يف حد ذاتها‪ ،‬ويلجأ آخرون إىل فكرة الحقوق الطبيعية التي‬


‫يعتربها خ ً‬
‫يتمتع بها جميع األفراد‪ .‬ويقول البعض إن السلطة عىل اآلخرين ال تنبثق إال‬
‫من موافقتهم عىل الخضوع للقوانني املنصوص عليها يف العقد االجتامعي‪.‬‬
‫وآخرون يجادلون بأن الحرية االجتامعية والسياسية تجعل الجميع أفضل‬
‫حاالً ‪.‬‬

‫يقدم الليرباليون الكالسيكيون حج ًجا مختلفة للتسامح أيضً ا‪ ،‬إذ يعتقد‬ ‫•‬

‫الكثريون أن إرغام الناس عىل القيام بأشياء ضد إرادتهم أمر مكلف ومؤذ‬
‫وينجم عنه عواقب وخيمة‪ .‬ال يجد آخرون أي مربر للتدخل يف خيارات منط‬
‫حياة الناس‪ ،‬رشيطة أال يترضر أحد منها‪ .‬ويستشهد البعض بفوائد السامح‬
‫بتنوع األفكار واآلراء‪.‬‬

‫ليست الليربالية الكالسيكية أيديولوجية ثابتة‪ ،‬بل طيفًا من اآلراء حول‬ ‫•‬

‫القضايا االجتامعية واالقتصادية والسياسية‪ ،‬يقوم عىل اإلميان بالحرية‬


‫والنفور من اإلكراه الذي ميارسه فرد عىل آخر‪ .‬وقد أُعيد إحياؤها يف العقود‬
‫األخرية‪ ،‬لكنها تواجه اآلن مسائل جديدة وملحة – كالحرية التي ينبغي أن‬
‫تشمل الجامعات التي ترغب يف تدمري الحرية‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ .1‬مقدمة‬

‫الغرض من هذا الكتاب‬


‫يهدف هذا الكتاب التمهيدي إىل إتاحة مقدمة واضحة للمبادئ والشخصيات‬
‫والتطورات الرئيسية يف الليربالية الكالسيكية‪ .‬وهو مصمم للطالب والقراء‬
‫العاديني الذين ميكنهم استيعاب املفاهيم العامة للحرية االجتامعية والسياسية‬
‫واالقتصادية‪ ،‬لكنهم يرغبون يف عرض منهجي لعنارصها الجوهرية‪.‬‬
‫مييض الكتاب بالليربالية الكالسيكية لتبني ٍ‬
‫طيف واسعٍ من اآلراء‪ ،‬التي تعترب‬
‫جمي ُعها الحرية الفردية وتقليص استخدام العنف عىل رأس أولوياتها‪ ،‬ولكنها قد‬
‫ترتاوح من آراء قريبة من الليربتارية عند أحد طرفيها إىل آراء أكرث تحفظًا يف‬
‫الطرف اآلخر‪ .‬ويرى أن الليرباليني الكالسيكيني يؤمنون إميانًا راس ًخا بالحرية‬
‫الفردية‪ ،‬لكنهم يؤمنون برضورة وجود إدارة للحكومة والعدالة عىل األقل للحفاظ‬
‫عليها‪ .‬يدور الجدل‪ ،‬بني الليرباليني الكالسيكيني عىل نقاط مختلفة من الطيف‪،‬‬
‫حول مدى اتساع ذلك الدور الحكومي الذي ينبغي أن يكون عليه‪.‬‬
‫مخطط الكتاب‬
‫يحدد الفصل الثاين املبادئ األساسية العرشة التي توحد الليرباليني الكالسيكيني‪،‬‬
‫أيًّا كانت االختالفات بينهم‪ .‬ثم يعرض الفصل الثالث التطور التاريخي لليربالية‬
‫الكالسيكية‪ ،‬من جذورها األنجلوسكسونية‪ ،‬مرو ًرا باإلصالح والتنوير والثورات‪،‬‬
‫وحتى انحدارها يف القرن التاسع عرش وإحيائها الحديث اليوم‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫يتناول الفصل الرابع الحجج املؤيدة للحرية‪ ،‬ويوضح وجهات النظر املختلفة‬
‫واملتضاربة أحيانًا لليرباليني الكالسيكيني من تقاليد مختلفة‪ .‬ثم يسلط الفصل‬
‫الخامس الضوء عىل أفكار الليرباليني الكالسيكيني حول األخالق‪ ،‬وأهميتها يف‬
‫تقليل اإلكراه‪ ،‬سواء من جانب األفراد أو الدولة‪ .‬ويلخص الفصل السادس الجدل‬
‫الشائك حول دور تلك الدولة الذي ينبغي أن يكون عليه وحدودها‪ .‬يرشح الفصل‬
‫السابع سبب اعتقاد الليرباليني الكالسيكيني أن املجتمعات البرشية ذاتية التنظيم‬
‫إىل حد كبري وتحقق منفعة عامة دون الحاجة إىل أي سلطة مركزية كبرية للحفاظ‬
‫عليها‪ .‬ويوضح الفصل الثامن أن هذا صحيح أيضً ا يف االقتصاد‪ ،‬بفضل تطور‬
‫املؤسسات الطبيعية كاألسواق واألسعار‪.‬‬
‫يعرض الفصل التاسع اإلحياء األخري يف التفكري الليربايل الكالسييك‪،‬‬
‫وبعض املدارس الفكرية الجديدة التي نشأت ضمن التقاليد الليربالية الكالسيكية‪.‬‬
‫ويُختتم الكتاب مبخطط ملساهامت املفكرين الليرباليني الكالسيكيني‬
‫البارزين‪ ،‬وبعض االقتباسات املهمة عن القضايا الليربالية الكالسيكية‪ ،‬وجدول‬
‫زمني لتطور الليربالية الكالسيكية‪ ،‬وبعض املراجع لالستزادة‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ .2‬ما الليربالية الكالسيكية؟‬

‫إن أكرث ما مييز الليرباليني الكالسيكيني هو األهمية التي يولونها للحرية الفردية‪.‬‬
‫يحظى البرش أيضً ا بقيم أخرى بالتأكيد – كالصدق والوالء واألمن واألرسة وغريها‬
‫الكثري‪ ،‬إال أنه عندما يتعلق األمر بحياتنا االجتامعية والسياسية واالقتصادية‪ ،‬يعتقد‬
‫الليرباليون الكالسيكيون أنه ينبغي علينا أن نهدف إىل تحقيق أقىص قدر من‬
‫الحرية التي يتمتع بها األفراد‪.‬‬
‫يؤكد الليرباليون الكالسيكيون أنه ينبغي السامح للناس بأن يعيشوا حياتهم‬
‫وفقًا الختياراتهم‪ ،‬مع قيام األفراد أو السلطات األخرى بفرض الحد األدىن من‬
‫القيود الرضورية‪ .‬وهم يقبلون بأن الحرية ال ميكن أن تكون مطلقة أب ًدا‪ ،‬ما دامت‬
‫حرية شخص ما قد تتعارض مع حرية شخص آخر‪ :‬ميكننا أن نحظى جميعنا‬
‫بحرية الحركة‪ ،‬لكننا مع ذلك ال نستطيع جمي ًعا االنتقال إىل ذات البقعة يف نفس‬
‫اللحظة‪ .‬والحرية ال تعني أنك ح ٌّر يف سلب اآلخرين أو تهديدهم أو إكراههم أو‬
‫مهاجمتهم أو قتلهم‪ ،‬ما يؤدي إىل انتهاك حريتهم‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬ما هي حدود الحرية الفردية؟ ليس لدى الليربالية الكالسيكية إجابة‬
‫واحدة‪ ،‬فهي ليست مجموعة دوغامئية من القواعد‪ .‬وال يتفق الليرباليون‬
‫الكالسيكيون متا ًما عىل نطاق حدود الفعل الشخيص (والحكومي) الذي ينبغي أن‬
‫يكون عليه‪ ،‬لكنهم يتفقون عمو ًما عىل أن أي إجابة ينبغي أن تسعى إىل تعظيم‬
‫الحرية الفردية‪ ،‬وأن أي شخص يريد تقليصها يجب أن يكون لديه سبب وجيه ج ًدا‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫املبادئ العرشة للِّيربالية الكالسيكية‬
‫لفهم ماهية الليربالية الكالسيكية بشكل أفضل‪ ،‬ميكننا ذكر عرشة مبادئ يتفق‬
‫عليها الليرباليون الكالسيكيون جميعهم‪.‬‬

‫‪ .1‬افرتاض الحرية‬
‫لدى الليرباليني الكالسيكيني افرتاض يؤيد الحرية الفردية ( ‪individual‬‬
‫‪ freedom‬أو ‪ liberty‬يف اللغة اإلنجليزية)‪ .‬إنهم يريدون تعظيم الحرية يف‬
‫حياتنا السياسية واالجتامعية واالقتصادية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لديهم مسوغات مختلفة لهذا‬
‫االستنتاج‪.‬‬
‫بالنسبة للكثريين‪ ،‬الحرية جيدة يف حد ذاتها‪ .‬فهم يجادلون من وجهة نظر‬
‫خ ِّريوا– يفضلون دامئًا أن يكونوا أحرا ًرا عىل أن يكونوا‬
‫علم النفس بأن الناس –لو ُ‬
‫مك َرهني‪ .‬ويقول آخرون‪ ،‬من دعاة الحقوق الطبيعية‪ ،‬إن الحرية يشء منحنا إياه‬
‫الله أو الطبيعة‪ .‬يف حني يجادل البعض بأن الحرية مبنية عىل عقد اجتامعي يجب‬
‫أن يوافق عليه الناس يف «حالة الطبيعة» إذا أرادوا تفادي الفوىض والرصاع‪.‬‬
‫يقرتح كثريون أن الحرية مطلب جوهري للتقدم‪ .‬ويشري البعض إىل وجهة‬
‫نظر إنسانية‪ ،‬بأن الحرية جزء جوهري من معنى كون املرء إنسانًا‪ :‬فالشخص الذي‬
‫ريا‪ ،‬يقدر الليرباليون‬
‫كامال‪ ،‬وإمنا مجرد نكرة‪ .‬أخ ً‬
‫ً‬ ‫شخصا‬
‫ً‬ ‫يتحكم فيه اآلخرون ليس‬

‫‪15‬‬
‫الكالسيكيون النفعيون الحرية باعتبارها الطريقة الفضىل لتحقيق أقىص قدر من‬
‫رفاهية املجتمع ككل‪.‬‬

‫‪ .2‬أسبقية الفرد‬
‫يرى الليرباليون الكالسيكيون أن الفرد أهم من الجامعة‪ .‬وهم ال يضحون بحرية‬
‫الفرد من أجل منفعة جامعية ما – عىل األقل‪ ،‬ال يضحون من دون تقديم بعض‬
‫املربرات الجيدة‪ .‬ولديهم عدة أسباب مختلفة لهذا‪.‬‬
‫تقول إحدى وجهات النظر –تسمى الفردية املنهجية– إن الجامعة ال وجود‬
‫لها خارج األفراد الذين يشكلونها‪ .‬ال شك أن املجتمع أكرث من مجرد مجموعة من‬
‫األفراد‪ ،‬متا ًما كاملنزل الذي يكون أكرث من مجرد مجموعة من القراميد‪ .‬لكن املجتمع‬
‫ال يحظى بعقل مستقل خاص به؛ إنهم األفراد الذين يفكرون ويق ّدرون ويختارون‬
‫ويقودون األحداث‪ .‬فال توجد «مصلحة عامة» جامعية خارج مصالح األفراد الذين‬
‫يشكلون ذلك املجتمع‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ ،‬هؤالء األفراد يختلفون‪ ،‬فام يصب يف مصلحة شخص ما قد يكون ضد‬
‫مصلحة اآلخرين‪ .‬والتضحية بحرية الفرد لصالح «الجامعة» يعني أننا سنضحي‬
‫بها من أجل مجموعة محددة من املصالح‪ ،‬وليس من أجل مصالح الجميع‪.‬‬
‫ويتجسد سبب آخر يف التجربة البسيطة‪ .‬فالتاريخ يغص بأمثلة عن الرشور‬
‫التي لحقت بالشعوب عندما ضحوا بحريتهم من أجل فكرة خاطئة ألحد القادة عن‬
‫منفعة الجامعة‪ .‬حتى يف اآلونة األخرية‪ ،‬ليس عىل املرء إال أن ينظر إىل الفظائع‬

‫‪16‬‬
‫التي ارتكبها هتلر‪ ،‬أو التجويع والتطهري تحت حكم ستالني‪ ،‬أو القتل الجامعي‬
‫الذي أمر به بول بوت‪.‬‬
‫راب ًعا‪ ،‬املجتمع معقد للغاية ويف حالة مستمرة من التغري‪ .‬وال ميكن ألي‬
‫سلطة مبفردها أن تعرف ما هو األفضل للجميع يف هذا العامل املعقد والدينامييك‪.‬‬
‫واألفراد أقدر عىل اتخاذ القرارات بأنفسهم‪ ،‬وينبغي تركهم أحرا ًرا للقيام بذلك‪.‬‬

‫‪ .3‬التقليل من اإلكراه‬
‫يود الليرباليون الكالسيكيون تقليل اإلكراه‪ ،‬فهم يريدون عامل ًا يتعايش فيه الناس‬
‫باالتفاق السلمي‪ ،‬ال عامل ًا يستخدم فيه املرء القوة أو يهدد الستغالل اآلخرين أو‬
‫فرض إرادته عليهم‪.‬‬
‫وفقًا لذلك‪ ،‬مينح الليرباليون الكالسيكيون احتكار استخدام القوة للحكومة‬
‫والسلطات القضائية‪ ،‬إال أنهم يريدون إبقاء ذلك عند الحد األدىن الرضوري؛ فهم‬
‫يدركون مدى سهولة إساءة استخدام السلطة‪.‬‬
‫يؤكد الليرباليون الكالسيكيون أن أي استخدام للقوة لكبح أفعال الناس يجب‬
‫تربيره‪ .‬ويقع العبء عىل عاتق الشخص الذي يريد تقييد الحرية يف توضيح سبب‬
‫كون ذلك رضوريًا ومفي ًدا مبا يكفي إلجازته‪.‬‬
‫عمو ًما‪ ،‬يعتقد الليرباليون الكالسيكيون أن األفراد ينبغي أن يكونوا قادرين‬
‫عىل عيش حياتهم وفقًا الختيارهم‪ ،‬دون الحاجة إىل طلب إذن أحد قبل أن يُقدموا‬

‫‪17‬‬
‫عىل فعل يشء ما‪ .‬قد يكون هناك سبب وجيه وراء كبح أفعال الناس؛ ولكن إقامة‬
‫الدليل تقع عىل كاهل الذين يريدون فعل ذلك‪.‬‬

‫‪ .4‬التسامح‬
‫يؤمن الليرباليون الكالسيكيون بأن السبب الوجيه الرئييس –أو رمبا الوحيد–‬
‫للتدخل يف حرية الناس هو ملنعهم من تهديد اآلخرين أو إلحاق أذى فعيل بهم‪.‬‬
‫وهم ال يعتقدون بأننا ينبغي أن نقيد أفعال األشخاص ملجرد أننا نستنكرها أو‬
‫نعتربها مسيئة‪.‬‬
‫عىل سبيل املثال‪ ،‬يدافع الليرباليون الكالسيكيون عن حرية التعبري‪ ،‬حتى لو‬
‫استخدم بعض الناس هذه الحرية للتفوه بكالم قد يراه آخرون –أو حتى الجميع–‬
‫بغيضً ا‪ .‬وباملثل‪ ،‬ينبغي أن يكون األفراد أحرا ًرا يف التجمع يف مجموعات كالنوادي‬
‫أو االتحادات أو األحزاب السياسية‪ ،‬حتى لو اعترب آخرون أن أهدافهم وأنشطتهم‬
‫كريهة‪ .‬وينبغي أن يكونوا أحرا ًرا يف املتاجرة بالسلع والخدمات‪ ،‬وحتى األشياء‬
‫(مثل املخدرات والدعارة) التي قد ال يوافق عليها آخرون‪ .‬وينبغي أن يحظوا بحرية‬
‫العيش‪ ،‬وتبني اآلراء التي تعجبهم‪ ،‬واعتناق الدين الذي يريدونه‪.‬‬
‫يرى الليرباليون الكالسيكيون أن مثل هذا التسامح ليس جي ًدا يف حد ذاته‬
‫فحسب‪ ،‬فهم يعتربون التسامح واالحرتام املتبادل أساسني جوهريني للتعاون‬
‫السلمي وخلق مجتمع نافع وحسن األداء‪ .‬االختالفات البرشية هي إحدى حقائق‬
‫حياتنا االجتامعية‪ ،‬ولطاملا كانت كذلك‪ .‬وال يعتقد الليرباليون أنه ميكن القضاء عىل‬

‫‪18‬‬
‫تلك االختالفات‪ ،‬وهم مشككون بشدة يف املحاوالت اليوتوبية لفعل ذلك‪ .‬يف ضوء‬
‫هذا‪ ،‬سيظل التسامح دامئًا جز ًءا رضوريًا من سري الحياة االجتامعية‪.‬‬

‫‪ .5‬الحكومة املحدودة والتمثيلية‬


‫يعرتف الليرباليون الكالسيكيون بأنه قد تكون هناك حاجة إىل استخدام بعض‬
‫القوة ملنع الناس من إلحاق األذى باآلخرين‪ ،‬ويتفقون عىل أن السلطات وحدها‬
‫ينبغي أن تحظى بهذه القوة‪ ،‬إال أنهم يدركون أن السلطة ال متارسها «دولة» نزيهة‪،‬‬
‫وإمنا برش حقيقيون لديهم ذات مثالب اآلخرين‪ .‬إنهم يعرفون أن السلطة متيل إىل‬
‫الفساد‪ ،‬وأن السياسيني غال ًبا ما يستشهدون بـ«املصلحة العامة» عىل السياسات‬
‫التي تصب يف الواقع يف مصالحهم الشخصية‪.‬‬
‫عالوة عىل ذلك‪ ،‬يجادل منظرو العقد االجتامعي أمثال الفيلسوف اإلنجليزي‬
‫جون لوك (‪ )1704-1632‬بأن سلطة الحكومة تأيت من األفراد‪ ،‬وليس العكس‪.‬‬
‫يتنازل الناس عن بعض من حرياتهم للحكومة من أجل تعظيم حريتهم بشكل عام‪،‬‬
‫لذلك ال تحظى الحكومة بسلطات رشعية تتجاوز السلطات التي يحظى بها األفراد‬
‫أنفسهم؛ فالغرض األسايس من الحكومة هو توسيع الحرية وليس تقييدها‪ .‬وكام‬
‫يجادل املفكر الثوري األمرييك توماس بني (‪ )1809-1737‬بأنه سيكون من‬
‫ضمن حقوق املواطنني اإلطاحة بأي حكومة تخون هذه الثقة‪.‬‬
‫لكن الثورة هي املالذ األخري‪ .‬فالليرباليون الكالسيكيون يعتقدون أن‬
‫الدميقراطية التمثيلية والدستورية هي أفضل وسيلة مكتشَ فة حتى اآلن إلبقاء‬

‫‪19‬‬
‫املرشعني مسؤولني أمام الشعب‪ .‬وليست االنتخابات الختيار قادة جيدين بقدر ما‬
‫تتمحور حول التخلص من القادة السيئني‪ .‬فكلام كان الناخبون أكرث دراية ويقظة‪،‬‬
‫كان عملهم أفضل‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬للدميقراطية حدودها‪ :‬فهي قد تكون طريقة جيدة‬
‫التخاذ بعض القرارات‪ ،‬ولكن هذه القرارات قليلة؛ من األفضل عادة أن نسمح‬
‫لألفراد باتخاذ قراراتهم بأنفسهم‪.‬‬

‫‪ .6‬سيادة القانون‬
‫مثة مبدأ آخر يقيد السلطة ويخلق املزيد من األمن لعامة الشعب هو سيادة القانون‪.‬‬
‫هذه هي الفكرة بأننا يجب أن نُحكم بقوانني معروفة‪ ،‬وليس بقرارات املسؤولني‬
‫الحكوميني التعسفية – ما أسامه السيايس األمرييك جون آدامز (‪)1826-1735‬‬
‫«حكومة القوانني‪ ،‬وليست حكومة الرجال»‪.‬‬
‫يرص الليرباليون الكالسيكيون عىل أن القانون ينبغي أن يُط َّبق عىل الجميع‬
‫عىل قدم املساواة‪ ،‬بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الدين أو اللغة أو األرسة أو‬
‫أي خصائص أخرى غري ذات صلة‪ .‬وينبغي أن يُط َّبق عىل املسؤولني الحكوميني‬
‫متا ًما كام يُط َّبق عىل الناس العاديني؛ ال ينبغي ألحد أن يكون «فوق القانون»‪.‬‬
‫يتطلب الحفاظ عىل سيادة القانون نظا ًما للعدالة‪ ،‬مبحاكم مستقلة ال ميكن‬
‫لألفراد أو الحكومات التالعب بها‪ .‬ويجب أن تكون هناك مبادئ قضائية أساسية‬
‫مثل األمر باملثول أمام القضاء‪ ،‬واملحاكمة أمام هيئة املحلفني‪ ،‬واملحاكمة العادلة ملنع‬
‫من هم يف السلطة من استخدام القانون ملصالحهم الشخصية‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫لسيادة القانون عاقبة أخرى سعيدة – إنها تجعل الحياة أكرث قابلية للتنبؤ‪،‬‬
‫ألنها متكننا من توقع كيف سيترصف الناس (ومن بينهم املسؤولون)‪ .‬وبذلك‬
‫نتمكن من وضع خطط طويلة األجل دون الخوف من إخفاقها بسبب نزوات‬
‫اآلخرين‪.‬‬

‫‪ .7‬النظام التلقايئ‬
‫ريا ومعق ًدا يحتاج إىل حكومة كبرية وقوية إلدارته‪ ،‬لكن‬
‫قد تظن أن مجتم ًعا كب ً‬
‫الليرباليني الكالسيكيني يعارضون هذا‪ .‬إذ إنهم يعتقدون أن الحكومة ليست أساس‬
‫النظام االجتامعي‪ .‬واملؤسسات االجتامعية املعقدة التي نراها حولنا غري مخطَّط لها‬
‫عمو ًما‪ ،‬فهي نتيجة الفعل البرشي‪ ،‬ال نتيجة التصميم البرشي‪.‬‬
‫عىل سبيل املثال‪ ،‬مل تكن هناك حاجة إىل سلطة مركزية أو تخطيط وا ٍع‬
‫إلنتاج اللغة‪ ،‬أو عاداتنا وثقافتنا‪ ،‬أو أسواق السلع والخدمات‪ .‬فمثل هذه املؤسسات‬
‫تنمو وتتطور ببساطة نتيجة التفاعالت التي ال تُحىص بني األفراد األحرار‪ .‬إذا ثبتت‬
‫فائدتها عىل مر القرون‪ ،‬فإنها تستمر؛ وإن مل تثبت نجاعتها‪ ،‬فإنها تتغري أو تُهجر‪.‬‬
‫أطلق امل ُنظِّر االجتامعي النمساوي إف إيه هايك (‪ )1992-1899‬عىل‬
‫النتيجة اسم النظام التلقايئ‪ .‬وميكن أن تكون األنظمة التلقائية معقدة بشدة‪ ،‬فهي‬
‫تتطور من خالل اتباع األفراد لقواعد السلوك –مثل قواعد النحو– التي قد ال‬
‫يدركون حتى أنهم يتبعونها‪ ،‬وبالكاد يستطيعون وصفها‪ .‬إنها لحامقة بالغة لدى‬

‫‪21‬‬
‫السياسيني واملسؤولني أن يفرتضوا أن أي عقل مبفرده ميكنه استيعاب مثل هذه‬
‫األنظمة املعقدة‪ ،‬ناهيك عن تحسينها‪.‬‬

‫‪ .8‬امللكية والتجارة واألسواق‬


‫يعتقد الليرباليون الكالسيكيون بأن الرثوة ال ِ‬
‫تحدثها الحكومات‪ ،‬وإمنا التعاون‬
‫املتبادل بني األفراد يف النظام التلقايئ للسوق‪ .‬فاالزدهار يتحقق بواسطة األفراد‬
‫األحرار الذين يبتكرون ويخلقون ويدخرون ويستثمرون‪ ،‬ويف نهاية املطاف‪،‬‬
‫يتبادلون السلع والخدمات طواعية لتحقيق مكاسب متبادلة – إنه النظام التلقايئ‬
‫القتصاد السوق الحر‪.‬‬
‫ينشأ هذا النظام االجتامعي امل ِ‬
‫ُحدث للرثوة من قاعدة بسيطة‪ :‬احرتام امللكية‬
‫الخاصة والعقد‪ ،‬ما يتيح التخصص والتجارة‪.‬‬
‫ترتبط الحرية وامللكية ارتباطًا وثيقًا‪ .‬فاقتصاد السوق‪ ،‬والرثوة التي يولدها‪،‬‬
‫يعتمدان عىل حرية تنقل األشخاص والسلع والخدمات ورأس املال واألفكار‪.‬‬
‫ووجود الرثوة الخاصة يسهل عىل الناس مقاومة استغالل الحكومة الجائرة‪.‬‬
‫وال يسمح الليرباليون الكالسيكيون بحيازة املمتلكات بالقوة‪ .‬ففي الواقع‪،‬‬
‫معظم املمتلكات ت ُح َدث – املحاصيل تُزرع‪ ،‬واملنازل تُش َّيد‪ ،‬واالبتكارات تُط َّور‪ .‬من‬
‫الواضح أن املمتلكات تعود بالنفع عىل املالك‪ ،‬إال أنها يف الحقيقة تحقق الفائدة‬
‫للجميع ألنها تعزز الرخاء عىل نطاق أوسع‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫‪ .9‬املجتمع املدين‬
‫يؤمن الليرباليون الكالسيكيون بأن الجمعيات التطوعية أفضل من الحكومات يف‬
‫تلبية احتياجات األفراد‪ .‬ومع أنهم يؤكدون عىل أولوية األفراد‪ ،‬هم يدركون أن الناس‬
‫ليسوا كائنات منعزلة وفسيفسائية وأنانية‪ .‬عىل العكس من ذلك‪ ،‬إنهم حيوانات‬
‫اجتامعية ويعيشون ضمن العائالت واملجموعات واملجتمعات التي تشكل قيمهم‬
‫جزئ ًيا – كالنوادي والجمعيات والنقابات واألديان واملدارس واملجتمعات عرب‬
‫اإلنرتنت والحمالت ومجموعات املساعدة الذاتية والجمعيات الخريية وجميع‬
‫املؤسسات األخرى التي نسميها املجتمع املدين‪.‬‬
‫مهام من كيفية ارتباط الناس ببعضهم‪ .‬فنظرتنا‬
‫وتعد هذه املؤسسات جز ًءا ً‬
‫وقيمنا وأفعالنا تتشكل داخلها‪ .‬وهي توفر أساس التفاهم املتبادل الذي ميكن أن‬
‫مستحيال لوال حرية التنظيم بهذا‬
‫ً‬ ‫يقوم عليه التعاون‪ .‬يف الحقيقة‪ ،‬سيكون التعاون‬
‫الشكل‪.‬‬
‫يوفر املجتمع املدين أيضً ا عازالً بني األفراد والحكومات‪ .‬فلو كنا جميعنا‬
‫أفرا ًدا منعزلني حقًا‪ ،‬لقمعت الحكومات االستبدادية حرياتنا بسهولة‪ .‬لكن الدوائر‬
‫املتقاطعة املعقدة يف املجتمع املدين ال تثبت فحسب أن بدائل أعامل الحكومة ممكنة‬
‫مثال‪ ،‬بدالً من الرعاية االجتامعية الحكومية– بل‬
‫–الجمعيات الخريية الخاصة ً‬
‫متنحنا أيضً ا املصلحة املشرتكة والقوة لنقاوم بها‪.‬‬

‫‪ .10‬القيم اإلنسانية املشرتكة‬

‫‪23‬‬
‫يرغب الليرباليون الكالسيكيون يف تسخري إنسانيتنا املشرتكة من أجل املنفعة‬
‫املتبادلة‪ .‬وهم يدعمون املبادئ األساسية للحياة والحرية وامللكية مبوجب القانون‪.‬‬
‫فتلك املبادئ‪ ،‬يف اعتقادهم‪ ،‬هي أسس النظام االجتامعي املزدهر والتلقايئ الذي‬
‫يقوم عىل االحرتام املتبادل والتسامح وعدم االعتداء والتعاون والتبادل الطوعي‬
‫بني األفراد األحرار‪.‬‬
‫من الناحية السياسية‪ ،‬يفضل الليرباليون الكالسيكيون حرية التعبري‪ ،‬وحرية‬
‫التنظيم‪ ،‬وسيادة القانون وقيو ًدا تُفرض عىل الحكومة –مبا أن الحكام ليسوا أقدس‬
‫من سواهم– متنع َمن يف السلطة من إلحاق الكثري من األذى باآلخرين‪.‬‬
‫وهم يعرفون أن املجتمع الجيد ال ميكن أن يعتمد عىل اإلحسان البرشي فقط‪،‬‬
‫فهو يعتمد أكرث عىل التعاون السلمي بني األفراد املختلفني املهتمني مبصالحهم‬
‫الذاتية‪ .‬لذلك إنهم يفضلون الحرية واملساواة مبوجب القانون‪ ،‬مع نظام عدالة قوي‬
‫وجدير بالثقة مينعنا من إيذاء اآلخرين‪ ،‬دون أن يحاول توجيه حياتنا‪.‬‬
‫ومن الناحية االقتصادية‪ ،‬يفضل الليرباليون الكالسيكيون الحرية يف اإلنتاج‬
‫والتبادل‪ ،‬وحرية تنقل األشخاص والسلع ورأس املال‪ .‬وهم يدافعون عن امللكية‬
‫الخاصة ويرغبون يف إبقاء الرضائب عىل ما هو رضوري لتزويد عامة الناس‬
‫بالدفاع و«السلع العامة» األخرى التي يوفرها السوق دون الحد املطلوب‪.‬‬
‫هذا بعيد كل البعد عن التجسيد الكاريكاتوري الشائع للِّيربالية الكالسيكية‬
‫مثال‪ ،‬مؤسسة‬
‫كدولة حارسة صغرية تعتمد مبدأ عدم التدخل‪ .‬فالعدالة وحدها‪ً ،‬‬

‫‪24‬‬
‫معقدة بشدة تحتاج إىل بذل جهود كبرية ومتواصلة لحفظها‪ .‬ويدرك الليرباليون‬
‫الكالسيكيون أن صون الحياة والحرية واملمتلكات ليست باملهام السهلة‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫اإلطار ‪ 1‬مالحظة عن الليربالية األمريكية‬
‫_________________________________________‬

‫عندما يتحدث األمريكيون عن «الليربالية»‪ ،‬إن ما يقصدونه مختلف ج ًدا عن‬


‫الليربالية الكالسيكية‪ .‬فالليربالية الكالسيكية‪ ،‬التي تُعرف أيضً ا باسم «الليربالية‬
‫القدمية» أو «الليربالية باملعنى األورويب» تركز عىل حرية األفراد؛ والتقليل من‬
‫اإلكراه؛ وامللكية والتبادل الحر؛ والحكومة املحدودة والخاضعة للمساءلة التي‬
‫تصون الحرية وتوسعها‪.‬‬

‫تتشارك الليربالية األمريكية أو «الليربالية الجديدة» أو «الليربالية الحديثة» يف‬


‫إميانها الراسخ بالحرية الشخصية‪ ،‬إال أنها تع ُّد الحرية أكرث من مجرد غياب لإلكراه‬
‫– إذ ميكن أن تعززها الحكومة األبوية والقامئة عىل التدخل‪.‬‬

‫يقول الليرباليون األمريكيون إن الدولة يقع عىل عاتقها واجب حامية الناس من‬
‫أنفسهم ومن أوجه عدم املساواة املجحفة للسلطة التي غالبًا ما تنشأ عن حيازة‬
‫سخي لتعويض الفقراء ودعم‬
‫ّ‬ ‫املمتلكات‪ .‬وهم يطالبون بنظام رعاية اجتامعية‬
‫العامل ضد أرباب العمل (األقوى)‪ .‬ويشككون يف أن الحرية االقتصادية تعود‬
‫مثال) ويعتقدون أن الدولة ينبغي أن تتدخل من‬
‫مبنافع عامة (كالعاملة املرتفعة ً‬
‫أجل زيادة الفرص وتوفري السلع العامة وجعل األسواق تخدم املصلحة العامة‪.‬‬

‫يشعر الليرباليون الكالسيكيون بريبة شديدة من سياسات كهذه‪ .‬فهم يخشون من‬
‫تنامي سلطة الحكومة بسهولة إىل ما هو أبعد من فائدتها؛ ويشريون إىل أنه حتى‬
‫السياسات حسنة النية غال ًبا ما ينجم عنها عواقب وخيمة وغري مقصودة‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ .3‬الليربالية الكالسيكية‪ :‬شجرة العائلة‬

‫األسالف األوائل‬

‫ترجع أصول أفكار بعض الليرباليني الكالسيكيني إىل الفيلسوف الصيني الو تسو‬
‫الذي دعا إىل االنضباط يف استعامل السلطة‪ .‬وقبل عرشين قرنًا مضت‪ ،‬دعا‬
‫اإلمرباطور الهندي أشوكا إىل الحرية والتسامح السياسيني‪ .‬وقد تبنى اإلسالم‬
‫الحرية االقتصادية منذ أصوله األوىل يف القرن السادس‪.‬‬

‫ولكن تلك األمثلة متثل أبناء عمومة الليربالية الكالسيكية الحديثة البعيدة‪.‬‬
‫فهي تنحدر مبارش ًة من ساللة أوروبية‪ ،‬وتحدي ًدا إنجليزية‪ .‬فطبقًا للمفكر‬
‫والسيايس الليربايل الكالسييك دانيال هانان (‪ ،)–1971‬بدأت الليربالية‬
‫الكالسيكية باألنجلوسكسون الذين رشعوا يف استيطان ما ندعوه اآلن إنجلرتا قرابة‬
‫عام ‪.400‬‬

‫إنجلرتا األنجلوسكسونية‬

‫متتعت إنجلرتا بدرجة أعىل من االستقرار مقارن ًة بأوروبا القارية لكونها دولة‬
‫جزرية يصعب غزوها‪ ،‬ونشأ فيها نظام آمن لحيازة امللكية والعدالة‪ .‬ومل يتحقق‬
‫ذلك بنا ًء عىل رغبة شخص ما – بل كان نتيجة تدريجية لألنجلوسكسون ذوي‬

‫‪27‬‬
‫التفكري املستقل الواقفني مثل الثريان يف أخاديدهم مدافعني عن حقوقهم ضد‬
‫املتطفلني‪.‬‬

‫والحقًا‪ ،‬أدت الحاجة إىل التعايش مع الفايكنغ‪ ،‬الذين استوطنوا إنجلرتا قرابة‬
‫عام ‪ ،800‬إىل نشوء لغة مشرتكة وترتيبات قانونية مشرتكة بشكل غري مقصود‬
‫أيضً ا‪ .‬ويف غياب أي سلطة إقطاعية عىل الطراز األورويب‪ ،‬فام خرج من تلك‬
‫البوتقة هو القانون العام – أي قانون األرض الذي تطور من خالل التعامالت بني‬
‫األفراد‪ ،‬عوضً ا عن قانون األمراء الذي يضعه األقوياء وأصحاب النفوذ‪.‬‬

‫وال يزال القانون العام من بني أسس الليربالية الكالسيكية األساسية اليوم‪.‬‬
‫ذلك أنه مل يقم عىل أساس مليك‪ ،‬بل حدده الناس ذات أنفسهم‪ .‬واحرتم هذا القانون‬
‫امللكية الخاصة والعقود‪ .‬واعرتف بالحرية يف ظل القانون‪ .‬مل يضطر أحد إىل طلب‬
‫إذن قبل الترصف يف أي يشء‪ :‬ذلك أن أي يشء غري ممنوع عىل وجه الخصوص‬
‫يعنرب قانون ًيا‪ .‬وكان القانون يطال الجميع‪ ،‬وخضع رجال القانون أنفسهم إىل‬
‫املساءلة‪ .‬وحتى امللوك كانوا من اختيار مجلس من الشيوخ (الويتان‪ ،‬أو الرجال‬
‫الحكامء)‪ ،‬الذين كانوا يطلبون من امللوك أن يبدوا والءهم‪ ،‬وليس العكس‪.‬‬

‫الغزو والوالدة الجديدة‬

‫وصل ذلك الحال إىل نهاية مفاجئة يف ‪ 1066‬بغزو النورمان واالحتالل العسكري‪.‬‬
‫وأضحت إنجلرتا تحكمها صفوة أوروبية ذات لغة وطرق سلطوية منفصلة عن‬
‫‪28‬‬
‫الشعب اإلنجليزي‪ .‬وفرضوا اإلقطاعية‪ ،‬والقنانة‪ ،‬والطبقية االجتامعية‪ ،‬والترشيع‬
‫القانوين من األعىل إىل األسفل – أي النقيض التام للحريات والحكومة املحدودة‬
‫التي عهدها األنجلوسكسون‪.‬‬

‫ولكن يف غضون بضعة أجيال‪ ،‬متاهى النورمان تدريجيًا مع السكان‬


‫املحليني‪ .‬ويف ذات الوقت‪ ،‬أضحى امللك جون (‪ ،)1216–1166‬الذي كان يف معزل‬
‫عن حاشيته الفرنسية‪ ،‬استبداديًا ومنعزالً عىل نحو مطرد‪ ،‬وأضحى يتالعب‬
‫بالقوانني بعشوائية حتى يجني أكرب قدر ممكن من الرضائب‪.‬‬

‫وكانت نتيجة ذلك‪ ،‬يف عام ‪ ،1215‬أن أجرب البارونات امللك عىل التوقيع عىل‬
‫امليثاق األعظم (‪ )Magna Carta‬الذي يختص بالحقوق واالمتيازات‪.‬‬

‫يتعلق معظم محتوى امليثاق بالتأكيد عىل حقوق امللكية العتيقة للناس‪،‬‬
‫وحاميتها من االفرتاس العشوايئ من قبل طبقة كبار املوظفني – وهو نفس نوع‬
‫حقوق الحيازة اآلمنة التي يعتربها الليرباليون الكالسيكيون اليوم ذات أهمية‬
‫حيوية‪.‬‬

‫ولكن جز ًءا رئيس ًيا من امليثاق بلور الحقوق القدمية –حقوق الكنيسة‪،‬‬
‫وحقوق املدن‪ ،‬وحقوق الشعب بصفة عامة– ومبادئ الليربالية الكالسيكية مثل‬
‫املحاكمة أمام هيئة محلفني وأصول املحاكمة العادلة‪ .‬بل وأكد عىل أن امللك‪ ،‬عىل‬
‫غرار أي فرد آخر‪ ،‬سيكون ُملز ًما بقانون األرض‪ .‬أي بعبارة أخرى‪ ،‬ستكون الحكومة‬
‫خاضعة لـحكم القانون‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ورغم أن جون تنصل من امليثاق‪ ،‬فقد مات بعدها بفرتة وجيزة‪ .‬وجلس ابنه‬
‫هرني الثالث عىل العرش وهو قارص‪ ،‬وتحولت القوة يف خفاء من امللكية إىل‬
‫جمعية من البارونات‪ .‬وأعاد هرني إصدار امليثاق مبحض إرادته يف ‪ .1225‬لكن‬
‫صدامات أخرى مع البارونات‪ ،‬يتعلق معظمها بالرضائب املفروضة لشن الحروب‪،‬‬
‫أدت إىل مبادرة ليربالية كالسيكية أخرى يف إنجلرتا – وهي إنشاء الربملان‪.‬‬

‫صعود الليربالية الكالسيكية‬


‫الثورات الثقافية والدينية‬

‫كتب املؤرخ اإلنجليزي اللورد أكتون (‪« :)1902–1843‬تُؤسس الحرية من النزاع‬


‫بني السلطات»‪ .‬ففي أوروبا القارية‪ ،‬واجهت سلطة اإلمرباطورية الرومانية يف‬
‫الغرب وسلطة اإلقطاعيني الالحقة تحديًا من صعود الكنيسة املسيحية‪ .‬ومل تطور‬
‫تلك السلطات مؤسسات حرة بشكل واعٍ‪ ،‬ولكن القيود املتبادلة التي فرضوها عىل‬
‫بعضهم بعضً ا مهدت الطريق أمام حرية شخصية أكرب‪.‬‬

‫وطد حدثان تاريخيان آخران يف أوروبا أهمية الحرية الفردية يف مقابل‬


‫سلطة الدولة‪ .‬فمن املكونات الرئيسية للثورة الثقافية املتمثلة يف حركة النهضة‪،‬‬
‫التي استمرت من القرن الخامس عرش إىل السابع عرش تقري ًبا‪ ،‬هو ظهور آلة‬
‫الطباعة يف أوروبا يف ‪ .1450‬فقد كرس هذا االخرتاع البسيط احتكار الصفوة‬
‫للعلم والتعلّم‪ ،‬ما جعل املعرفة متاحة لألفراد العاديني‪ .‬ومل يعد أحد مضط ًرا إىل‬
‫‪30‬‬
‫استشارة السلطات وطلب اإلرشاد واإلذن منها‪ :‬فقد كان لديهم املعلومات التي‬
‫ميكن أن تستند إليها اختياراتهم‪.‬‬

‫وعززت الثورة الربوتستانتية‪ ،‬التي أشعلها مارتن لوثر يف ‪ ،1517‬تلك‬


‫الفكرة أكرث‪ .‬فقد تحدت سلطة الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬ورفعت تقدير الذات للناس‬
‫العاديني من خالل التأكيد عىل أن بوسعهم أن يكون لهم اتصال مبارش وشخيص‬
‫ومتساو بالرب‪ ،‬دون الحاجة إىل وساطة نخبة من القساوسة‪.‬‬

‫أدى كل ذلك إىل رفع مكانة وأهمية الفرد مقابل مؤسسات القوة القامئة‪.‬‬
‫ويف البالد التي ازدهرت فيها تلك الحرية الكربى ألقىص مدى‪ ،‬ازدهرت فيها أيضً ا‬
‫الفنون‪ ،‬والصناعة‪ ،‬والعلم‪ ،‬والتجارة‪.‬‬

‫ثورة سياسية‬

‫أخذت السياسة منحى مختلفًا أيضً ا‪ .‬فقد اجتاحت الحركة الجامعية املؤيدة للحرية‪،‬‬
‫ذا ليفيلرز‪ ،‬إنجلرتا يف خمسينات القرن السابع عرش‪ .‬وقادها جون ليلربن‬
‫(‪ )57–1614‬الذي أرص عىل أن حقوق الناس فطرة يولد بها كل الناس‪ ،‬ال هبة‬
‫متنحها الحكومة أو القانون‪ .‬ومثل أمام محكمة غرفة امللك سيئة السمعة‪ ،‬بعد أن‬
‫تعرض لالعتقال لطباعة كتب غري ُمرصح بها (متحديًا بذلك االحتكار الحكومي)‪،‬‬
‫رصا عىل أنهم مساوون له) أو أن يقبل‬
‫ولكنه أىب أن ينحني أمام القضاة (م ً‬
‫إجراءاتهم‪ .‬وحتى حني وضعوه عىل املشهرة‪ ،‬ظل يدعو إىل الحرية والحقوق‬
‫‪31‬‬
‫املتساوية‪ ،‬وانتهى به املطاف يف السجن لتحديه للسلطة – كام فعل بعدها بضع‬
‫مرات أخرى‪.‬‬

‫وأضحى ليلربن شخصية مشهورة معادية للمؤسسة‪ .‬فقد قدم عريضة‬


‫وبني معامل ما يعادل وثيقة حقوق‪ .‬وقد واصل‬
‫لوضع حد الحتكارات الدولة ّ‬
‫ريتشارد أوفرتون (‪ )63–1610‬مسرية ليلربن‪ ،‬وزُج به هو اآلخر يف السجن‬
‫لرفضه االعرتاف بالسلطة القضائية ملجلس اللوردات‪ ،‬ودعا أوفرتون إىل «عقد‬
‫اجتامعي» دستوري بني األحرار الذين اعترب أن لديهم حق يف حيازة املمتلكات‬
‫بأنفسهم‪ ،‬وال ميكن ألي أحد آخر أن يسلب منهم هذا الحق‪.‬‬

‫كبح سلطة امللوك‬

‫عقب انتهاء الحرب األهلية اإلنجليزية (‪ ،)51–1642‬قُدم امللك الحاكم‪ ،‬تشارلز‬


‫األول‪ ،‬للمحاكمة وأُعدم بتهمة الخيانة العظمى – ما ميثل تأكي ًدا صار ً‬
‫خا عىل القيود‬
‫املفروضة عىل سلطة الحكومة‪.‬‬

‫ولكن عالقة القوة بني امللك والربملان انقلبت بالفعل‪ .‬إذ مل تكن دولة بريطانيا‬
‫العظمى الجزرية (كام كانت حينها) يف حاجة إىل جيش دائم يحميها من الغزوات‬
‫املتكررة‪ .‬ولذا‪ ،‬بخالف أوروبا القارية‪ ،‬مل يكن للملك قوة ميكن له استخدامها يف‬
‫قمع واستغالل العامة‪ .‬ولذا كان تشارلز يف حاجة إىل موافقة الربملان لزيادة‬
‫الرضائب لشن حروب خارجية‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫وقد أصاب ذلك امللك الغيور باإلحباط وأدى إىل نزاعات عديدة‪ .‬ومن بني‬
‫القرارات األخرى التي اتخذها إيقاف عمل الربملان‪ ،‬ومحاولة فرض الرضائب دون‬
‫موافقته واعتقال خمسة من بني أبرز أعضائه عنوةً‪ .‬وبذلك خرق العقد الضمني مع‬
‫الشعب الذي يضمن حقوقه‪.‬‬

‫الثورة املجيدة‬

‫وبعد فرتة (‪ )60–1649‬يف ظل دكتاتورية أوليفر كرومويل‪ ،‬تجىل ميزان السلطة‬


‫مجد ًدا حني اضطر ابن تشارلز‪ ،‬تشارلز الثاين‪ ،‬أن يسرتيض الربملان حتى يعود‬
‫ملكًا‪ .‬وحني ُعزل خليفته‪ ،‬ابن تشارلز الثاين‪ ،‬جيمس الثاين‪ ،‬دعا الربملان ويليام‬
‫(أمري أورانج الهولندي) وماري للجلوس عىل العرش‪ .‬كان اتجاه السلطة‪ ،‬من‬
‫الشعب إىل امللك‪ ،‬أوضح ما يكون‪.‬‬

‫ويف ‪ ،1689‬وقّع ويليام وماري عىل وثيقة الحقوق‪ ،‬وهي مبثابة تأكيد عىل‬
‫حقوق وحريات الرعايا الربيطانيني وتربير لخلع جيمس الثاين عىل أسس انتهاك‬
‫تلك الحقوق والحريات‪ .‬ودعت تلك الوثيقة إىل نظام قضايئ مستقل عن امللوك‪،‬‬
‫ووضع حد لجباية الرضائب دون موافقة الربملان‪ ،‬والحق يف تقديم التامسات إىل‬
‫حكومة دون الخوف من العقاب‪ ،‬وانتخابات حرة‪ ،‬وحرية التعبري يف الربملان‬
‫ووضع حد لـ«العقوبات القاسية وغري العادية»‪ .‬وألهمت تلك الوثيقة مبارش ًة‬
‫مبادرة ليربالية كالسيكية أخرى‪ ،‬وهي وثيقة الحقوق األمريكية‪ ،‬بعدها بقرن واحد‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫جون لوك (‪)1704–1632‬‬

‫جمع جون لوك بني املبادئ األقدم لليربالية الكالسيكية يف جسد حديث ُمتعارف‬
‫عليه للفكر الليربايل الكالسييك‪ .‬ومن بني أهدافه هو توضيح الكيفية التي صادر‬
‫بها جيمس الثاين عرشه بانتهاكه العقد االجتامعي‪ .‬وأكد عىل أن جميع أشكال‬
‫السيادة مصدرها الشعب الذي يرضخ إىل تلك السيادة حتى يعزز أمنه ويوسع‬
‫حريته العامة فقط‪ .‬وحني يُنتهك هذا العقد‪ ،‬لدى األفراد كل الحق يف الثورة عىل‬
‫هذه السيادة‪.‬‬

‫طور جون لوك أيضً ا نظرية الحقوق الطبيعية‪ ،‬وجادل بأن البرش لهم حقوق‬
‫أصيلة يسبق وجودها وجود الحكومة وال ميكن التضحية بها من أجلها‪.‬‬
‫والحكومات التي متس بتلك الحقوق غري رشعية‪.‬‬

‫ولكن ما كان يقع يف صميم أفكار لوك فكرة امللكية الخاصة‪ ،‬التي ال تقترص‬
‫عىل املمتلكات املادية فقط‪ .‬فقد أكد لوك عىل أن الناس لهم حقوق ملكية يف‬
‫حيواتهم‪ ،‬وأجسامهم‪ ،‬وعملهم – أي امللكية الذاتية‪ .‬ومن منطلق هذا الفهم الحيوي‪،‬‬
‫أدرك لوك أن الناس لهم حق ملكية يف كل األشياء التي بذلوا فيها جه ًدا شخص ًيا‬
‫يف خلقها – أو أي يشء «خلطوا عملهم به»‪ .‬وبالتايل يقتيض مبدأ امللكية الذاتية‬
‫أن من الرضوري أن تُؤمن تلك املمتلكات مبوجب القانون‪ .‬وقد أرشدت تلك األفكار‬
‫العديد من املفكرين القامئني بالثورة األمريكية‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫التنوير‬

‫شهد القرن الثامن عرش إعادة إحياء جديدة للتفكري الليربايل الكالسييك‪ .‬ففي‬
‫فرنسا‪ ،‬طور مونتيسيكو (‪ )1755–1689‬الفكرة التي تنطوي عىل أنه‪ ،‬يف مجتمع‬
‫حر واقتصاد حر‪ ،‬يجب عىل األفراد أن يترصفوا بطرق تحافظ عىل التعاون السلمي‬
‫بينهم – وأن يفعلوا ذلك دون الحاجة إىل اإلرشاد من جانب أي سلطة‪ .‬ولهذا دعا‬
‫إىل نظام من الضوابط واملوازين املفروضة عىل سلطة الحكومة – وهي بدورها‬
‫فكرة أخرى أرشدت املفكرين األمريكيني‪.‬‬

‫ويف الوقت ذاته‪ ،‬أدت ثورة فكرية متنامية عىل سلطوية الكنيسة مبفكرين‬
‫مثل فولتري (‪ )1778–1694‬إىل الدعوة إىل العقل والتسامح والتنوع الديني‬
‫والعدالة اإلنسانية‪ .‬ويف االقتصاد أيضً ا‪ ،‬دعا مفكرون مثل تريجو (‪)81–1727‬‬
‫إىل رفع الحواجز التجارية‪ ،‬وتبسيط الرضائب‪ ،‬وأسواق عمل وزراعة أكرث تنافسية‪.‬‬

‫وأوضح الفيلسوف واالقتصادي اإلسكتلندي آدم سميث (‪ ،)90–1723‬عىل‬


‫غرار مونتيسيكو‪ ،‬أن يف كثري من الحاالت‪ ،‬متيل التفاعالت الحرة بني األفراد إىل‬
‫تحقيق نتائج مفيدة عمو ًما – وهو تأثري أطلق عليه اسم اليد الخفية‪ .‬ذلك أن‬
‫املصلحة الذاتية هي التي تحفز حياتنا االقتصادية‪ ،‬ولكن علينا أن نعود عىل الزبائن‬
‫بالفائدة قبل أن نحصل عىل أي فائدة ألنفسنا‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫وقد ثار سميث عىل االحتكارات الحكومية‪ ،‬والرضائب املرتفعة‪ ،‬واملحاباة‬
‫الخانقة بني الحكومة واألعامل التجارية‪ .‬واعتقد أن األسواق الحرة التنافسية‬
‫ستحرر العامة‪ ،‬ال سيام الفقراء العاملني‪ .‬وقد أثرت أفكاره بدرجة كبرية يف‬
‫السياسة وأذنت ببدء فرتة طويلة من التجارة الحرة والنمو االقتصادي‪.‬‬

‫دولة العدل‬

‫ويف تلك األثناء‪ ،‬يف القارة األوروبية‪ ،‬طور مفكرون مثل الفيلسوف األملاين‬
‫إميانويل كانت (‪ )1804–1724‬مبادئ «دولة العدل» أو «‪ »Rechtsstat‬التي‬
‫أرشدت صياغة الدستور األمرييك والدستور الفرنيس يف أواخر القرن الثامن‬
‫عرش‪.‬‬

‫ودعا كانت إىل إنشاء دستور كتايب كوسيلة لضامن التعايش السلمي الدائم‬
‫بني األفراد املختلفني‪ ،‬وهو ما رآه بدوره رشطًا أساس ًيا لسعادة اإلنسان ورخائه‪.‬‬
‫ورفض الفكرة اليوتوبية القائلة إن التعليم األخالقي من شأنه أن يحد من تلك‬
‫االختالفات ويجعل أهداف الجميع تتطابق‪ .‬بل إن ما يجب عىل الدولة فعله هو‬
‫متكني األفراد املختلفني من االتفاق عىل املنفعة املتبادلة‪ ،‬والدستور هو الذي يجعل‬
‫هذا النظام متامسكًا‪.‬‬

‫ويف دولة العدل‪ ،‬تحظى مؤسسات املجتمع املدين –رابطات طوعية مثل‬
‫النوادي‪ ،‬واملجتمعات‪ ،‬والكنائس– بدور متسا ٍو يف تعزيز هذا الوئام االجتامعي‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫وستتقيد قوى الحكومة بفصل السلطات‪ ،‬وسيخضع القضاة والسياسيون إىل‬
‫القانون وسيتقيدون به‪ .‬وال بد للقانون نفسه من أن يكون شفافًا‪ ،‬و ُموض ًحا‪،‬‬
‫ومتناس ًبا‪ .‬وسيقترص استعامل القوة عىل النظام القضايئ بحزم‪ .‬وميثل محافظة‬
‫الحكومة عىل هذا النظام الدستوري العادل اختبا ًرا لها‪.‬‬

‫نجاح وإعادة تقييم‬


‫بيت جديد لليربالية الكالسيكية‬

‫تبنى توماس بني العديد من أفكار لوك الليربالية الكالسيكية املتعلقة بالحقوق‬
‫الطبيعية والعقود االجتامعية‪ ،‬وأن الحكومة رش ال بد منه قد يتحول إىل أمر ال‬
‫يُحتمل إذا تُركت بال مراقبة‪ .‬ويف يناير ‪ ،1776‬نسج تلك األفكار يف دعوته لحمل‬
‫السالح‪ ،‬املنطق السليم‪ ،‬الذي أدان فيه بريطانيا بانتهاكها لعقدها مع املستعمرين‪.‬‬

‫ولذلك كان من الطبيعي‪ ،‬بعد تلك العداوات‪ ،‬أن يبحث األمريكيون عن عقد‬
‫ليربايل كالسييك بينهم وبني الحكومة التي كانوا يؤسسونها‪ .‬وكان الدستور‬
‫ُمشب ًعا بأفكار لوك عن الحقوق الطبيعية غري القابلة للترصف‪ ،‬وتقسيم سلطات‬
‫الحكومة باألسلوب الذي دعا إليه مونتيسيكو‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫القرن التاسع عرش‬

‫ولكن أفكا ًرا ليربالية كالسيكية جديدة وجذرية عادت إىل بريطانيا‪ .‬فبحلول‬
‫‪ ،1833‬أ ّمن ناشطون ليرباليون كالسيكيون إلغاء العبودية يف كل أنحاء‬
‫اإلمرباطورية الربيطانية تقريبًا‪ ،‬وبحلول ‪ 1843‬اكتمل هذا اإلصالح‪.‬‬

‫وعىل الصعيد االجتامعي أيضً ا‪ ،‬صاغ الفيلسوف واالقتصادي الربيطاين‬


‫جون ستوارت ميل (‪ )73–1806‬مبدأ «عدم اإلرضار» – أي أن من حق الناس أن‬
‫يترصفوا كام يشاؤون‪ ،‬برشط أال يلحقوا الرضر باآلخرين خالل ذلك‪ ،‬ما ينتقص‬
‫من حريتهم‪ .‬ودعا أيضً ا إىل فكرة «النطاق الشخيص» الذي ال ميكن للدولة أن‬
‫متسه‪ ،‬متب ًعا بذلك الفيلسوف النفعي جريمي بينتهام (‪ )1832–1764‬الذي جادل‬
‫بأن الحرية هي أفضل طريقة لتحقيق أقىص درجة من االستفادة العامة‪ ،‬أو‬
‫«املنفعة»‪.‬‬

‫وعىل صعيد االقتصاد‪ ،‬تطورت العصبة املناهضة لقانون الذرة‪ ،‬التي سعت‬
‫إىل إنهاء الرضائب الحامئية عىل القمح املستورد‪ ،‬لتصبح مدرسة مانشسرت‪ ،‬التي‬
‫دعت الشخصيات البارزة فيها مثل ريتشارد كوبدين (‪ )65–1804‬وجون برايت‬
‫(‪ )89–1811‬إىل سياسات عدم التدخل فيام يخص التجارة والصناعة والعمل‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫إعادة التقييم واالضمحالل‬

‫ورغم ذلك‪ ،‬أىت التحول الصناعي الرسيع بعد منتصف القرن التاسع عرش بتحديات‬
‫أمام الليربالية الكالسيكية‪ ،‬مثل أوضاع العمل الرديئة‪ ،‬والطبقية االجتامعية‪،‬‬
‫والترشد والفقر الحرضي‪ .‬وتزايدت مناشدات العامة للحكومة بوضع حد لتلك‬
‫الرشور من خالل التنظيامت‪.‬‬

‫وبعدها يف القرن العرشين‪ ،‬عززت العداوات والتهديدات يف أوروبا ثقافة‬


‫قومية وإميان أقوى بدور الدولة‪ .‬وبعد كل مرة تضخمت فيها الحكومات يف أوقات‬
‫الحروب‪ ،‬عجزت عن التقلص إىل وضعها السابق من جديد‪ .‬ففي ‪ ،1913‬أي قبل‬
‫الحرب العاملية األوىل‪ ،‬بلغ إنفاق الحكومة ‪ 17‬يف املائة فقط من الناتج املحيل‬
‫اإلجاميل يف فرنسا‪ ،‬و‪ 15‬يف املائة يف أملانيا و‪ 13‬يف املائة يف اململكة املتحدة‪ .‬أما‬
‫اآلن فقد ارتفع إنفاق تلك الحكومات إىل ثالثة أمثال ذلك من حيث النسبة املئوية‪،‬‬
‫وإىل أكرث من النسبة السابقة بكثري من حيث القيمة املطلقة‪.‬‬

‫ويف الوقت ذاته‪ ،‬وعىل غرار مساعي علامء الطبيعة إىل تشكيل العامل املادي‪،‬‬
‫تخيل االقتصاديون وعلامء االجتامع أيضً ا أن بوسعهم تشكيل املجتمعات البرشية‬
‫علم ًيا‪ .‬واعتربوا التخطيط املركزي عقالن ًيا أكرث من الفوىض الطبيعية املتأصلة يف‬
‫األسواق بكل مؤثراتها الخارجية وميلها االفرتايض إىل االحتكار أو البطالة‪ .‬مل يعد‬
‫العبء واق ًعا عىل عاتق مؤيدي سياسات التدخل‪ ،‬بل اآلن صار الليرباليون‬
‫الكالسيكيون من عليهم أن يربروا مطالبهم بجعل الحرية تسود‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫إعادة اإلحياء الحديثة لليربالية الكالسيكية‬
‫مشاكل السياسات والرد الليربايل الكالسييك‬

‫لكن الثقة املتعالية التي اتسم بها مؤيدو سياسات التدخل كانت يف غري محلها‪.‬‬
‫فقد أُثقل كاهل االقتصادات بالبطالة والتضخم (اللذين كانا‪ ،‬لسبب غري مفهوم‬
‫لديهم‪ ،‬يحدثان يف نفس الوقت)‪ ،‬والنمو املنخفض وأزمات اإلسكان‪ ،‬والطاقة‪،‬‬
‫واإلقراض وأسواق العمالت األجنبية التي حددت فيها الحكومة األسعار أو تالعبت‬
‫بالعرض والطلب‪ .‬واُبتليت دولة الرعاية املتنامية مبشاكل االعتامد وغياب الحوافز‪.‬‬
‫وقد بدا أن من املستحيل تقليص حجم الحكومة‪ ،‬أو تقليل االحتياجات التي كانت‬
‫تفرضها عىل دافعي الرضائب‪.‬‬

‫ورغم أن الليرباليني الكالسيكيني كانوا يف موقف دفاعي‪ ،‬فقد كان املفكرون‬


‫منهم من جميع األطياف يفكرون يف حلول لتلك املشاكل لوقت الطويل‪ .‬وعادوا إىل‬
‫مبادئ الليربالية الكالسيكية القدمية وأعادوا التفكري فيها‪ ،‬مطورين بذلك حج ًجا‬
‫جديدة أو ُمحدثة مناسبة أكرث لتلك األزمنة املتغرية‪ .‬ويف النهاية‪ ،‬يف مثانينيات‬
‫القرن العرشين‪ ،‬أرشدت تلك الثورة الفكرية سياسات قادة العامل مثل رونالد ريغان‬
‫يف الواليات املتحدة ومارغريت تاترش يف بريطانيا‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫التطورات الفكرية‬

‫أدرك اقتصاديو املدرسة النمساوية‪ ،‬بد ًءا بكارل مينغر (‪ ،)1921–1840‬أن علم‬
‫علام بل مسألة قيم وأفعال فردية‪ .‬وأدرك منساويون مثل لودفيج‬
‫االقتصاد ليس ً‬
‫فون ميزس (‪ )1973–1881‬وفريدريش فون هايك (‪ )1992–1899‬أن ضوابط‬
‫الدولة تشوه اإلشارات االقتصادية‪ ،‬ما يؤدي إىل تبعات ال ميكن التنبؤ بها‪.‬‬

‫ويف ذات الوقت‪ ،‬يف شيكاغو‪ ،‬وضع فرانك نايت (‪ )1972–1885‬هو اآلخر‬
‫األفراد يف مركز علم االقتصاد‪ ،‬مؤك ًدا عىل أن املجتمع مكون من مجموعة من األفراد‬
‫دون أن يكون له عقل انتقايئ خاص به‪ .‬ودعا ميلتون فريدمان (‪)2006–1912‬‬
‫إىل حكومة يقترص دورها بحزم عىل خلق األوضاع (مثل االستقرار النقدي) التي‬
‫ميكن لألفراد أن يؤسسوا حياتهم االجتامعية واالقتصادية يف إطارها‪ .‬واكتشف‬
‫رونالد كوس (‪ )2013–1910‬أن من شأن األسواق أن تحل مشكالت مثل التلوث‪،‬‬
‫يف حني أن تدخل الحكومة من شأنه ببساطة أن يجعل األمور أسوأ‪.‬‬

‫ويف ‪ 1947‬جمع هايك مجموعة من االقتصاديني وعلامء التاريخ وعلامء‬


‫السياسة يف مؤمتر ملناقشة بعض التحديات الرئيسية التي تواجه الليربالية‬
‫الكالسيكية يف عرص ما بعد الحرب املظلم‪ .‬ومنذ ذلك الحني‪ ،‬منا مجتمع مونت‬
‫بيلريين‪ ،‬كام ُعرف الحقًا‪ ،‬حتى بلغ عدد أعضائه بضع مئات‪ ،‬ومن بينهم شخصيات‬
‫فائزة بجائزة نوبل وشخصيات لها نفوذ قوي‪ .‬ويظل هذا املجتمع بؤرة لألفكار‬
‫والنقاشات الليربالية الكالسيكية‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫ومن تطورات ما بعد الحرب األخرى نشأة مدرسة االختيار العام‪ ،‬التي برزت‬
‫تحت قيادة جيمس م‪ .‬بوخانان (‪ )2013–1919‬وغوردن تولوك (‪)2014–1922‬‬
‫يف جامعة فريجينيا‪ .‬وأظهرت أنه عىل الرغم من أن أنصار التيار السائد يف علم‬
‫االقتصاد تطرقوا إىل إخفاق السوق وطبّقوا تحليل التكاليف والفوائد لخلق سياسة‬
‫«عقالنية» من أجل «الصالح العام»‪ ،‬فقد نسوا أمر إخفاق الحكومة‪ .‬وقد يتجىل ذلك‬
‫يف نواقص العملية السياسية أو املصلحة الذاتية ألولئك املشاركني يف تلك العملية‪.‬‬

‫فاالنتخابات‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬ليست معيا ًرا للحكم عىل «الصالح العام» بل‬
‫مسابقة بني املصالح املتنافسة؛ ذلك أن قاعدة األخذ برأي األغلبية البسيطة بنسبة‬
‫سهال للغاية‪ .‬ويجب عىل السياسيني أن‬
‫ً‬ ‫‪ 1+%50‬تجعل استغالل األقليات أم ًرا‬
‫يسرتضوا جامعات املصالح حتى يجري انتخابهم‪ ،‬وتستغل جامعات الضغط ذلك‬
‫يف انتزاع الفوائد ألنفسهم‪ .‬واملسؤولون القامئون بتنفيذ السياسات لهم مصالحهم‬
‫الخاصة أيضً ا‪ .‬واالستنتاج‪ ،‬كام كان يعلم الليرباليون الكالسيكيون بالفعل‪ ،‬أن اتخاذ‬
‫القرارات الخاصة أفضل بصفة عامة من اتخاذ القرارات السياسية – وهو ما يجب‬
‫أن يقترص فقط عىل ما تقتيض الحاجة إليه من أجل حامية الحريات الفردية‪.‬‬

‫تنوع األفكار الليربالية الكالسيكية‬

‫يتسم الليرباليون الكالسيكيون بنطاق واسع من اآلراء بخصوص دور الدولة‪ ،‬بد ًءا‬
‫ريا من التدخل يف توفري الرعاية االجتامعية واملنافع‬
‫بأولئك الذين يولون لها قد ًرا كب ً‬
‫‪42‬‬
‫العامة‪ ،‬وانتها ًء بأولئك‪ ،‬الذين يتحلون بنظرة تحررية أكرث‪ ،‬الذين يقيدون دورها‬
‫ريا‬
‫إىل أقىص مدى‪ .‬ولكن الحكومة الصغرية ال تعني ضمن ًيا بالرضورة مجتم ًعا صغ ً‬
‫لئيام‪.‬‬
‫ً‬
‫فمثال‪ ،‬دعا الفيلسوف األمرييك روبرت نوزيك (‪ )2002–1938‬إىل الحد‬
‫ً‬
‫األدىن من الدولة‪ ،‬ألغراض الحامية فقط‪ .‬ومثل هذا النوع من الدولة يوفر إطا ًرا‬
‫آم ًنا بوسع الناس داخله أن تنشئ اليوتوبيات املصغرة الخاصة بها‪ ،‬مجتمعني سويًا‬
‫لتكوين مجتمعات تتعاون وتقرر أي حرية من الحريات قد يتحتم عليهم التخيل‬
‫عنها مقابل خدمات املجموعة املختارة‪ .‬وقد يختلف الليرباليون الكالسيكيون األقل‬
‫تحر ًرا مع ذلك‪ ،‬ولكنهم رغم ذلك يحتفلون جمي ًعا بتنوع ودينامية املجتمع الذي‬
‫يتصوره نوزيك‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪ .4‬الليربالية الكالسيكية والحرية‬

‫الدفاع عن الحرية‬

‫لدينا إذًا مجموعة متنوعة من اآلراء التي يؤمن بها الليرباليون الكالسيكيون فيام‬
‫يتعلق بدور الدولة‪ .‬ومع هذا‪ ،‬جميعها تويل الحرية األولوية يف حياتنا الشخصية‬
‫واالقتصادية واالجتامعية‪ ،‬وتدافع عن حق كل فرد يف الحياة والحرية وامللكية‬
‫والسعي وراء السعادة‪ .‬وعىل الرغم من ذلك‪ ،‬لكل شخص أسبابه املختلفة التي‬
‫تدفعه إىل اإلميان مبثل هذه املبادئ‪.‬‬

‫الحرية خري يف حد ذاتها‬


‫بحسب ما يعتقد الكثريون‪ ،‬إن الحرية خري يف حد ذاتها وتستحق أن يسعى املرء‬
‫وراءها‪ .‬فحني تتاح لهم الفرصة‪ ،‬يختار معظم الناس أن يعيشوا حياتهم بطريقتهم‬
‫الخاصة بدالً من يفرض عليهم اآلخرون ما ينبغي فعله‪ .‬فهم يريدون االختيار الذايت‬
‫واالستقاللية‪ ،‬ما يعني أن الناس يقدرون الحرية؛ ولذلك نتمكن من تعزيز رفاهية‬
‫األفراد‪ ،‬وبالتايل املجتمع‪ ،‬حني نوسع نطاق الحرية ونضيق نطاق اإلكراه‪.‬‬

‫الحقوق الطبيعية‬

‫‪44‬‬
‫من املوضوعات الراسخة يف أوساط العديد من الليرباليني الكالسيكيني‪ ،‬بد ًءا بجون‬
‫لوك‪ ،‬مرو ًرا باآلباء املؤسسني مثل توماس جيفرسون (‪ ،)1826-1743‬ووصوالً‬
‫إىل يومنا هذا‪ ،‬هو القول إن األفراد ميتلكون حقوقًا طبيعي ًة معين ًة‪ .‬وبحسب ما‬
‫يعتقدونه‪ ،‬هي جزء متأصل من إنسانيتنا‪ ،‬إذ ال ميكننا التخيل عنها‪ ،‬وال تعتمد يف‬
‫وجودها عىل القوانني أو الحكومات‪.‬‬

‫وفقًا ملا يقولونه‪ ،‬ال تستمد حقوقنا الطبيعية من القوانني أو العادات أو‬
‫األديان أو املعتقدات أو الثقافة أو الحكومة‪ ،‬بل هي موجودة بشكل طبيعي بني‬
‫البرش‪ .‬إنها قوانني عاملية بالنسبة لنا جمي ًعا‪ ،‬وهي أصيلة – ال ميكننا بيعها أو‬
‫التخيل عنها أو إنكارها‪ ،‬ألنها يف حد ذاتها جزء من إنسانيتنا‪.‬‬

‫تختلف اآلراء فيام يتعلق باملاهية الحقيقية لهذه الحقوق األساسية‪ ،‬عىل‬
‫الرغم من أن لوك تحدث بالنيابة عن العديد حني تكلم عن الحياة والحرية وامللكية‪:‬‬
‫ميتلك الناس حقًا يف أن يعيشوا وأن يفعلوا ما يختارونه برشط أال ينتهكوا حقوق‬
‫اآلخرين يف ذلك‪ ،‬وأن يتمتعوا بكل ما يصنعونه أو يكسبونه سوا ًء كان هدي ًة أو‬
‫تجار ًة – ولكن ليس بالقوة‪ .‬وألنها جزء أسايس منا‪ ،‬ال ميكننا التخيل عن هذه‬
‫الحقوق‪ .‬ال نستطيع أن ندفع بأنفسنا نحو العبودية‪ ،‬ألننا بذلك ننتهك حقوقنا‬
‫ونحاول التخيل عن يشء ال ميكن االستغناء عنه‪ .‬وباإلضافة إىل ذلك‪ ،‬ال ميكن أن‬
‫يسلب منا هذه الحقوق ال ترشيعات وال أشخاص‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫إن فكرة الحقوق الطبيعية التي يتمتع بها الجميع من شأنها أن تتحدى الحق‬
‫اإللهي املزعوم الذي ميتلكه امللوك؛ إذ استشهد املستعمرون األمريكيون مبحاوالت‬
‫الحكومة الربيطانية لقمع حقوقهم األساسية باعتبارها مرب ًرا لتمردهم عليها‪.‬‬

‫إن هذا االتجاه الفكري يعطي الحرية قيم ًة أعىل من كل يشء آخر‪ .‬إن وجود‬
‫أساسا يقتيض وجود الحرية أوالً ‪ ،‬فإن مل نكن أحرا ًرا يف‬
‫ً‬ ‫أي نوع من الحقوق‬
‫ترصفاتنا لن نتمكن من مامرسة أي حق من حقوقنا األخرى (بخالف حريتنا يف‬
‫التفكري التي ال ميكن ألحد أن مينعها)‪ .‬إن الحرية هي الرشط األسايس الذي يسمح‬
‫لنا مبامرسة حقوقنا وواقع الحال الذي يسمح باحرتام تلك الحقوق‪.‬‬

‫العقد االجتامعي‬
‫بحسب ما يعتقد الفيلسوف السيايس اإلنجليزي توماس هوبز (‪،)1679–1588‬‬
‫تصبح قيمة أي حقوق أو حريات مفرتضة ضئيل ًة يف «حالة الطبيعة» إن مل تكبح‬
‫الوحشية؛ إذ علينا أن نتقبل فرض قيود عىل أنفسنا وخلق التزامات وحقوق مدنية‬
‫جديدة من أجل أن نعيش يف سالم‪ .‬وعىل الرغم من أن هوبز ليس ليربال ًيا كالسيك ًيا‬
‫بنظر العديد من الناس‪ ،‬اتبع لوك أسلوب العقد االجتامعي الخاص به‪ ،‬بحجة أنه ال‬
‫يحق ألحد أن يحكم اآلخرين يف عامل طبيعي يعيش فيه أفراد أحرار ومستقلون؛‬
‫ولكن إذا وافق الناس عىل إيجاد واحرتام سلطة مدنية قادرة عىل كبح العنف‪،‬‬
‫سيتمكنون بذلك من إتاحة فرص جديدة وبالتايل توسيع نطاق حرياتهم‪ .‬يف اآلونة‬

‫‪46‬‬
‫األخرية‪ ،‬جادل الفيلسوف األمرييك جون رولز (‪ )2002–1921‬بأسلوب مشابه‬
‫أنه إذا ما أتيحت الفرصة إليجاد مجتمع جديد ومراع ألوجه الغموض يف الحياة‪،‬‬
‫سيختار الناس عق ًدا اجتامع ًيا ال يتسامح مع االختالفات يف النتائج إال إذ عملت هذه‬
‫االختالفات لصالح األسوأ‪.‬‬

‫مل يلمح أي من مؤلفي العقد االجتامعي إىل أننا قد شهدنا يف وقت ما لحظ ًة‬
‫تاريخي ًة وقع فيها أفراد أحرار ومستقلون بعض االتفاقات التعاقدية ً‬
‫فعال‪ .‬إن‬
‫نظرياتهم مجرد «تجارب فكرية» لرشح املبادئ العقالنية التي ينبغي أن تقوم‬
‫الحكومة عليها‪.‬‬

‫وعىل الرغم من ذلك‪ ،‬يبدو أنه دامئًا ما تربر النتائج وجهات نظرهم‪ .‬إن عقد‬
‫هوبز االجتامعي‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬يؤيد وجود نظام مليك قوي –الذي أثبت عدم‬
‫جدواه يف الحرب األهلية اإلنجليزية– يف حني بنى املفكر الثوري الفرنيس جان‬
‫جاك روسو (‪ )1778-1712‬عقده االجتامعي عىل الفضائل الجمهورية‪ .‬وأما من‬
‫وجهة نظر لوك‪ ،‬فال وجود للسلطة السياسية إال بعد موافقة املحكومني الذين‬
‫ميتلكون الحق يف التمرد إذا خرق «العقد» – وهو ما يربر اإلطاحة بجيمس الثاين‪.‬‬
‫وأما بالنسبة لنظام رولز‪ ،‬فهو يعكس وجهات النظر السياسية األكرث مساواتية يف‬
‫عرصه‪.‬‬

‫تأثر التمرد األمرييك بنظرية عقد لوك‪ ،‬يف حني استمدت وثيقة الحقوق‬
‫األمريكية الكثري من وجهة نظره املتعلقة بالحقوق الطبيعية‪ .‬ولكن نظرية العقد‬

‫‪47‬‬
‫مثال‬
‫االجتامعي ال تقوم بالرضورة عىل وجود الحقوق الطبيعية‪ :‬إن نظرية هوبز ً‬
‫هي مجرد وسيلة للتقليل من الرصاعات‪.‬‬

‫تسعى نظرية العقد االجتامعي إىل استبانة األساس العقالين للحكومة‪.‬‬


‫ولكن يف الواقع‪ ،‬الحياة ليست منظم ًة إىل هذا الحد‪ .‬نحن مخلوقات اجتامعية‪،‬‬
‫ولكننا نتملك العديد من اآلراء املتضاربة حول ما ميكنه أن يشكل مجتم ًعا جي ًدا –‬
‫ما من «اتفاق عقالين» يبدو ممك ًنا‪ .‬وحني يحاول أي شخص خلق مجتمع يفرتض‬
‫أنه «عقالين»‪ ،‬دامئًا ما تكون النتيجة كارثي ًة‪ .‬فالثورة الفرنسية‪ ،‬التي استندت إىل‬
‫منوذج روسو‪ ،‬أظهرت ألوروبا حجم الرعب الذي ميكن أن يصيب شعبها بسبب‬
‫طريقة التفكري تلك‪.‬‬

‫التاريخ والتقدم‬
‫إن الحرية‪ ،‬من وجهة نظر عدد قليل من الليرباليني الكالسيكيني مثل ميل وعامل‬
‫السياسة األمريكية املعارص فرانسيس فوكوياما (‪ ،)-1952‬هي جزء من مسرية‬
‫التقدم – ففوائدها االقتصادية (السامح لألفراد باالبتكار‪ ،‬واختيار عملهم‪ ،‬وبناء‬
‫رأس املال‪ ،‬وخلق الرثوة) ومنافعها املدنية (العدالة واألمن والحكومة التمثيلية)‬
‫حتام مرا ًرا وتكرا ًرا‪ .‬ولكن عىل الرغم‬
‫شديدة الوضوح لدرجة أن البرشية ستتبناها ً‬
‫مهام؛ علينا أن نتذكر أن هناك نزعات قوية يف االتجاه املعاكس‬
‫من أن هذا األمر يبدو ً‬
‫أيضً ا‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫املنفعة العامة‬
‫ما يزال الليرباليون الكالسيكيون اآلخرون‪ ،‬مبن فيهم املفكران التنويريان‬
‫االسكتلنديان آدم سميث وديفيد هيوم (‪ ،)1776-1711‬يركزون عىل الفوائد‬
‫العامة التي تنتج عن الحرية‪ .‬فبحسب ما يجادلون‪ ،‬توسع الحرية الخيارات‬
‫املطروحة أمام األفراد إىل حد كبري‪ ،‬فاألفراد أفضل بكثري يف إصدار أحكامهم‬
‫الخاصة حول الغايات والوسائل مقارن ًة بسلطة معزولة ما‪ .‬ولذلك‪ ،‬يعزز االختيار‬
‫من رفاهية األفراد‪ ،‬وبالتايل رفاهية املجتمع ككل‪.‬‬

‫مل يجد هؤالء الليرباليون الكالسيكيون األوائل أي تعارض بني الحرية‬


‫الفردية والصالح العام‪« ،‬كام لو أنه من بواسطة يد خفية» تخلق األوىل تلك األخرية‬
‫وفقًا لتعبري سميث‪ .‬ولكنهم كانوا مدركني ملدى تعقيد وحساسية وقصور هذه‬
‫العالقة‪ .‬ال ميكننا االعتامد عىل مبدأ أحب جارك وحده وحسب‪ :‬فاملصلحة الذاتية‬
‫شعور أقوى بكثري‪ ،‬وينبغي أن يوجه يف اتجاهات إنتاجية‪ .‬ولذلك نحتاج إىل‬
‫توجيه بواسطة قواعد األخالق والعادات والتقاليد باإلضافة إىل قليل من اإلكراه‬
‫بواسطة القانون ونظام العدالة ليك نتجنب األذى ونحافظ عىل االنسجام‪.‬‬

‫بالنسبة لهؤالء املفكرين‪ ،‬الحرية هي ما يخلق املنفعة العامة وليس العكس‪.‬‬


‫ولكن من جهة أخرى‪ ،‬اعتقد بينثام أن الحقوق ال تعني شي ًئا ما مل تكن مدعوم ًة‬
‫بقوة القانون‪ :‬فالحقوق الطبيعة «هراء» والحقوق الطبيعية األصيلة «هراء مبني‬

‫‪49‬‬
‫عىل ركائز متينة»‪ .‬وباملثل‪ ،‬جادل الحقوقي األمرييك أوليفر ويندل هوملز جونيور‬
‫(‪ )1935-1841‬بأن الحقوق‪ ،‬كام حرية التعبري‪ ،‬تخلقها الحكومة وال تسمح بها‬
‫إال ألنها مفيدة للمجتمع ككل‪.‬‬

‫ولكن هذا االتجاه الفكري مرفوض بالنسبة للعديد من الليرباليني‬


‫الكالسيكيني‪ .‬إنه يلمح إىل أن الحكومة تستطيع أن تقرر حقوقنا كام يحلو لها؛‬
‫وأن لحكامنا حقوقًا خاص ًة فوق حقوقنا‪ ،‬أي الحق يف اختيار الحقوق التي ينبغي‬
‫أن منتلكها؛ وأنه ال حقوق إال تلك التي تختار األغلبية أن تسمح بها‪ .‬ولهذا السبب‪،‬‬
‫يخشون أن يبقى األقليات دون أي حامية عىل اإلطالق‪.‬‬

‫التعبري عن الفردية‬
‫يتحدث ميل وسميث وهيوم عن نقطة أخرى‪ ،‬وهي أن الحرية تسمح للناس بالتعبري‬
‫عن شخصياتهم وتنوعهم‪ .‬إنه أمر مفيد للمجتمع ككل‪ ،‬إذ يفسح املجال أمام‬
‫التخصص والفرص‪ .‬ولكن األهم من ذلك كله هو البعد األخالقي‪ .‬ال ميكن للناس أن‬
‫رشا كاملني أو يظهروا أي حكم أو شعور برشي أو مسؤولية أخالقية إذا‬
‫يكونوا ب ً‬
‫وجه شخص آخر جميع أفعالهم‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫الفردانية املنهجية‬
‫كام سبق ورأينا‪ ،‬يعتقد الليرباليون الكالسيكيون أن الفرد أهم من الجامعة‪ ،‬ألن‬
‫الجامعة ال تتمتع بحياة بعي ًدا عن حياة األفراد‪ .‬لرمبا يكون البرش كائنات اجتامعية‪،‬‬
‫ولكنهم يفكرون ويترصفون كأفراد‪.‬‬

‫يتحدث الناس عن «املصلحة العامة»‪ ،‬ولكن يف الواقع ما من معادلة رياضية‬


‫ميكننا من خاللها مقايضة مصالح شخص مقابل اآلخرين‪ .‬إن األذى (كخيبة األمل‬
‫مثال) الذي نتسبب به أو املنفعة (كالفرح أو السعادة) التي‬
‫أو الغضب أو الحزن ً‬
‫نسببها لآلخرين هي مشاعر برشية غري قابلة للقياس‪ .‬ولذلك‪ ،‬ال ميكننا تربير‬
‫التضحية بحرية الفرد لصالح مصلحة الجامعة املفرتضة ولكن غري القابلة للقياس‪.‬‬

‫يصح القول إن حياتنا بصفتنا كائنات اجتامعية تشكل وجهات نظرنا‬


‫وقيمنا‪ .‬نحن نتملك روابط وغرائز اجتامعية تدفعنا ملساعدة اآلخرين من حولنا‬
‫ومواساتهم‪ ،‬وال سيام القريبني منا‪ .‬إننا نقبل املؤسسات االجتامعية والتقاليد‬
‫والعادات والقواعد األخالقية التي تعود بالفائدة علينا جمي ًعا بشكل عام‪ ،‬ألنها‬
‫متكننا من التنبؤ بيشء من الدقة بآلية ترصف اآلخرين‪ ،‬ما يسمح لنا بوضع خطط‬
‫واتخاذ قرارات أفضل‪ .‬ولكن هذه املؤسسات واألنظمة هي نتائج غري مقصودة‬
‫لألعامل الفردية؛ لذا من غري الالئق أب ًدا أن نتخيل أننا نستطيع توجيه ترصفات‬
‫األفراد عم ًدا لنعود بنتيجة اجتامعية أفضل بشكل عام‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫الحرية اإليجابية والسلبية‬

‫إن الحرية الليربالية الكالسيكية سلبية يف جوهرها‪ .‬إنها متعلقة بعدم التقيد‬
‫بالتهديدات أو اإلكراه أو تدخل اآلخرين – أي األفراد اآلخرين أو املؤسسات التي‬
‫يخلقونها مثل الحكومة عىل وجه التحديد‪ .‬إنها ال تتعلق بأي قيود جسدية – مثل‬
‫عدم قدرتنا عىل القفز عرش أقدام يف الهواء عىل حد تعبري الفيلسوف الربيطاين‬
‫أشعيا برلني (‪.)1997-1909‬‬

‫ولكن بعض املفكرين يؤيدون نه ًجا إيجابيًا حني يتعلق األمر بالحرية‪ .‬إنهم‬
‫يعتقدون أنه ليك نكون أحرا ًرا بحق‪ ،‬علينا أن منتلك القوة واملوارد الكافية ملامرسة‬
‫ريا ال تستطيع تحمل تكلفة رشاء سيارة رولز رويس‪ ،‬فأنت ال‬
‫حرياتنا‪ .‬إذا كنت فق ً‬
‫فعال‪ .‬وبتعبري أوضح‪ ،‬إن كنت مدمنًا فأنت ال متتلك‬
‫متتلك «حرية» امتالك واحدة ً‬
‫حرية أن تكون ح ًرا‪ ،‬إذ ال ينبغي أن تكون أفعالك من اختيارك وحسب‪ ،‬بل يجب أن‬
‫تكون تأملي ًة ومدروس ًة‪.‬‬

‫بطبيعة الحال‪ ،‬جميعنا يرغب يف الحد من كل من القيود البرشية واملادية‬


‫عىل حريتنا يف الترصف‪ .‬ولهذا السبب اخرتعنا األدوية التي تخفف التهاب املفاصل‬
‫واآلالت التي تسمح لنا بالطريان‪ .‬ولكن لدى الليرباليني الكالسيكيني شكوك حول‬
‫فكرة الحرية اإليجابية‪ .‬ففي البداية‪ ،‬وكام أوضح حايك‪ ،‬إنها تخلط بني الحرية‬
‫والقدرة‪ .‬أنت حر طب ًعا إن كنت ترغب بامتالك سيارة رولز رويس –ما من شخص‬
‫أو قانون مينعك– ولكنك قد ال متتلك القدرة الرشائية للقيام بذلك‪ .‬أنت حر أيضً ا إن‬

‫‪52‬‬
‫أردت القفز عرش أقدام يف الهواء –لن يحاول أحد الوقوف يف وجهك– ولكنك قد‬
‫ال متتلك القدرة الكافية يف عضالتك للقيام بذلك‪.‬‬

‫يشعر الليرباليون الكالسيكيون أيضً ا بالقلق إزاء نهج الحرية اإليجابية الذي‬
‫يثق يف عقالنية وموضوعية السلطات البرشية أكرث من الالزم‪ .‬ففي كثري من‬
‫األحيان‪ ،‬تدعي بعض الحكومات أو مجموعات من النخبة أننا‪ ،‬متا ًما كام أولئك‬
‫الذين تفقدهم املخدرات وعيهم‪ ،‬ال ميكننا «حقًا» أن نعرف مصلحتنا – لذا عليهم‬
‫أن يقرروا بالنيابة عنا‪ .‬إنهم يقللون من شأن العامة‪ ،‬الذين يعرفون عمو ًما أين تكمن‬
‫مصلحتهم أفضل من أي مسؤول منعزل؛ إنه النهج الذي استخدم لتربير جميع‬
‫أنواع املشاريع الهندسية االجتامعية التي أثبتت يف نهاية املطاف أنها كارثية‪.‬‬

‫الحقوق والحريات‬

‫إن الفرق بني الحقوق والحرية دقيق‪ ،‬ورمبا يكون ملحوظًا بشكل أفضل حني ننظر‬
‫إىل أضاداهام‪ .‬إن نقيض الحرية هو العبودية – أي أن تكون مقي ًدا من قبل اآلخرين‪.‬‬
‫أما عكس الحق فهو الواجب – أي التزام أو حق عىل اآلخرين‪ .‬وبالتايل نحن نتحدث‬
‫عن حرية الضمري‪ ،‬ألنه ما من أحد قادر عىل منعك من التفكري لوحدك وألن تفكريك‬
‫الحر ال يفرض أي التزامات عىل أي شخص آخر‪ .‬وإننا نتحدث أيضً ا عن الحق يف‬
‫الحياة‪ ،‬ألن وجودك املادي يفرض واجبًا قانون ًيا أو أخالق ًيا عىل اآلخرين باحرتامه‬
‫وعدم إلحاق األذى به وعدم إلغائه‪ .‬وباملثل‪ ،‬أنت حر يف اقتنائك للممتلكات من‬

‫‪53‬‬
‫خالل التجارة السلمية بينك وبني اآلخرين‪ ،‬ولك الحق يف حيازة تلك املمتلكات‬
‫واالستمتاع بها دون أن يرسقها منك اآلخرون‪.‬‬

‫يرغب الليرباليون الكالسيكيون يف االعتقاد بأن الحقوق موجودة قبل‬


‫الحكومات – فالقوانني التي وضعتها الحكومة قد تساعد يف تعزيزها وحاميتها‬
‫ولكن ما من حكومة قادرة عىل تجاوزها مهام كانت أغلبيتها كبرية‪ .‬وعىل حد تعبري‬
‫ميل‪ ،‬ينبغي أن منتلك الحق يف التحدث بحرية‪ ،‬حتى ولو اختلف الجميع معنا‪:‬‬
‫فالحقوق ال تخضع لألرقام ببساطة‪.‬‬

‫وعىل الرغم من ذلك‪ ،‬ليس من السهل أن نحدد ماهية هذه الحقوق بالضبط‪.‬‬
‫إن الليرباليني الكالسيكيني مدافعون رشسون عن حقوق امللكية؛ ولكن‪ ،‬لنستعري‬
‫مثاالً من االقتصادي األمرييك ميلتون فريدمان (‪ ،)2006-1912‬هل ستمنعني‬
‫ملكيتك لقطعة أرض ما من الطريان فوقها؟ (أو ميكننا أيضً ا أن نقول اليوم‪ :‬هل‬
‫سيمنع ذلك رشكة تنقيب من الحفر أسفلها؟)‪ .‬يف حقيقة األمر‪ ،‬ينبغي أن تنقح‬
‫هذه الحقوق يف النقاش العام وأن تعرف يف املحاكم‪.‬‬

‫من الواضح أن بعض الحقوق تتفوق عىل غريها‪ .‬وعىل حد تعبري ميل‪ ،‬إن‬
‫حقك يف التلويح بقبضتك يتوقف عند أنفي؛ متا ًما كام ال يعني حقك يف حرية‬
‫التعبري أن تعرض سالمة اآلخرين للخطر كأن ترصخ كاذبًا‪« :‬حريق!» يف مرسح‬
‫مزدحم‪ .‬ولكن من جهة أخرى‪ ،‬وكام سأل حايك‪ ،‬هل يسمح لك حقك يف ملكية برئ‬
‫يف الصحراء بحرمان شخص ميوت عطشً ا من رشب املاء؟ – أم أن ذلك ينتهك حقه‬

‫‪54‬‬
‫يف الحياة؟ يبدو أنها مسألة رأي‪ :‬ولكن الليرباليني الكالسيكيني سيعتقدون أن‬
‫تحديد «حقوقنا» وفقًا لرأي األغلبية أمر خطري ج ًدا‪.‬‬

‫القيود عىل الحرية‬

‫إن السؤال األسايس بالنسبة لليرباليني الكالسيكيني إذًا هو‪ :‬ما هو املربر‪ ،‬إن وجد‪،‬‬
‫لتقييد حرية الترصف لدى الناس؟ – باإلضافة إىل أسئلة إضافية حول من يقرر‬
‫وكيف‪.‬‬

‫ستكون األمور يف غاية البساطة لو متكنا من قياس اهتاممات الناس‬


‫وتلخيصها‪ ،‬ومن ثم اتخاذ قرار عىل أساس القيمة األعىل‪ .‬ولكن القيم اإلنسانية‬
‫شخصية –أو ذاتية– وال ميكن تلخيصها بهذه الطريقة‪ .‬نحن نعطي الحكومة حق‬
‫احتكار اإلكراه ليك تتمكن بالضبط من اتخاذ مثل هذه القرارات وتنفيذها‪ .‬ولكن‬
‫ال ميكننا ائتامن مسؤويل الدولة عىل هذه العملية كل ًيا‪ ،‬فهم أيضً ا لديهم مصالحهم‬
‫حتام‪.‬‬
‫الذاتية التي ستلوث قراراتهم ً‬
‫ما يتفق عليه الليرباليون الكالسيكيون هو أن عبء اإلثبات يجب أن يقع عىل‬
‫عاتق أولئك الذين يرغبون بالتدخل‪ .‬ال ينبغي أن تستخدم القوة لتقييد حريات‬
‫الناس ما مل يكن األمر مرب ًرا رصاح ًة وعقالن ًيا‪ .‬أما بخالف ذلك‪ ،‬علينا أن نرتك الناس‬
‫يديرون حياتهم بأنفسهم‪ .‬لرمبا يكونون عرض ًة الرتكاب األخطاء‪ ،‬ولكن هذا أفضل‬

‫‪55‬‬
‫من أن نضع حقوقنا وحرياتنا تحت رحمة سياسيني منعزلني وغري مطلعني‬
‫وانتهازيني وسطحيني‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫‪ .5‬األخالقيات الليربالية الكالسيكية‬

‫اإلكراه والتقبل‬
‫يتفق الليرباليون الكالسيكيون عىل أن اإلكراه غري مرغوب بشكل عام‪ .‬ال يؤدي‬
‫السامح للناس بفرض إرادتهم عىل اآلخرين من خالل االعتداء‪ ،‬أو التهديد‪ ،‬أو‬
‫الرتهيب‪ ،‬أو العنف إىل مجتمع صالح‪ .‬بغض النظر عام إذا كانت الحكومة هي التي‬
‫تستخدم القوة أم أفراد آخرون‪ :‬إذا استطعنا تجنبها‪ ،‬فيجب علينا ذلك‪.‬‬

‫ولكن‪ ،‬سيكون هناك دامئًا نزاعات بني الناس األحرار‪ .‬سيختلفون بشأن‬
‫مسائل امللكية‪ ،‬وقد تؤدي أفعال شخص إىل إيذاء غريه‪ .‬لذا فألجل الحفاظ عىل‬
‫السالم والحد من العنف‪ ،‬نحن بحاجة نظام عدالة محايد يفض هذه النزاعات‬
‫ويكافح االعتداءات‪ .‬ولكننا ال ميكن أن نعتمد عىل التزام الجميع بهذه األحكام‬
‫والقوانني طو ًعا‪ :‬للحفاظ عىل السالم سنحتاج ال محالة إىل استخدام يشء من‬
‫ريا‪.‬‬
‫القوة القرسية التي يكرهها الليرباليون الكالسيكيون كث ً‬
‫يحل الليرباليون الكالسيكيون هذه املعضلة بإيكال الحق الحرصي الستخدام‬
‫القوة إىل الدولة – مؤسسة يتحفظون عليها‪ ،‬ولكن يأملون أنها ستكون أقل انفعاالً‬
‫يف استخدام القوة من الناس العاديني‪ ،‬إذا تركوا ألنفسهم‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫أذى‪ ،‬ال استنكار‬
‫إذن فالعدالة تتطلب القوة؛ ولكن استخدام القوة يتطلب التربير‪ .‬وبالنسبة‬
‫لليرباليني الكالسيكيني‪ ،‬فإن االستخدام الصحيح لهذه القوة املؤسسية محدد‬
‫للغاية‪ :‬ملنع الناس من إيذاء وتهديد اآلخرين – أي‪ ،‬لخفض استخدام العنف واإلكراه‬
‫أذى حقيق ًيا‪ ،‬أو تهدي ًدا بأذى حقيقي لآلخرين‪.‬‬
‫بشكل عام‪ .‬ولكن يجب أن يكون ً‬
‫يصمم الليرباليون الكالسيكيون عىل أن اإلكراه يجب أال يستخدم ضد األفراد‬
‫ببساطة ألننا نستنكرهم أو نستنكر أفعالهم‪.‬‬

‫ميكننا أن نبغض دين أشخاص آخرين‪ ،‬وأن نرفض آراءهم السياسية‪ ،‬وأن‬
‫منقت أسلوبهم يف الحياة‪ ،‬وأن نحتقر سلوكهم ونشمئز من عاداتهم‪ .‬قد تصدمنا‬
‫أفكارهم وآراؤهم‪ .‬وقد نقلق حتى من كونهم يرضون بصحتهم الخاصة من خالل‬
‫املخدرات أو بأفق تحصيلهم الخاصة من خالل سلوكهم املعادي للمجتمع‪ .‬ولكن‬
‫ليس أي من هذه األشياء سب ًبا يربر استخدام القوة ملحاولة جعلهم يترصفون‬
‫بطريقة مختلفة‪ .‬يقول الليرباليون الكالسيكيون إن معتقدات الناس‪ ،‬وسلوكهم‪،‬‬
‫وأساليب حياتهم‪ ،‬وخياراتهم األخالقية ال تستحق املنع باستخدام القوة القرسية‬
‫الحازمة التي متتلكها الدولة‪ .‬نحن أحرار إن أردنا أن نحاول مساعدتهم – بتجاوز‬
‫مثال – ولكن إذا مل تكن ألفعالهم ضحايا سوى‬
‫مشكلة اإلدمان عىل املخدرات‪ً ،‬‬
‫أنفسهم‪ ،‬فال ميكننا تربير استخدام القوة‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫ولكن الليرباليني الكالسيكيني يشككون بالحجة القائلة إن الناس يجب أن‬
‫حا‪ ،‬فإن الناس‬
‫«يُعلّموا» ليستطيعوا اتخاذ قرارات «هادفة» أو «صحيحة»‪ .‬وضو ً‬
‫الذين ميتلكون معلومات أفضل – كالعلم باملخاطر املحتملة للمخدرات‪ ،‬أو عدد‬
‫السعرات الحرارية يف األطعمة – يذهبون لخيارات مبنية عىل اطالع أفضل‪ .‬ولكن‬
‫الليرباليني الكالسيكيني يتمسكون بأن معظم الناس أكرث اطال ًعا مام يتصوره‬
‫معظم املؤيدين لسياسة التدخل‪ .‬هم بالتأكيد أكرث اطال ًعا فيام يخص أهدافهم‬
‫وفرصهم وظروفهم الخاصة مام ميكن ألي سيايس أن يكونه عىل اإلطالق‪ .‬ومهام‬
‫يكن مقدار ما ميتلكونه من معلومات‪ ،‬فإن خياراتهم النهائية تبقى مسألة حكم‬
‫شخيص‪ ،‬ال شي ًئا «صائ ًبا» أو «غري صائب» بشكل موضوعي‪ .‬يخاف الليرباليون‬
‫الكالسيكيون من أن حجة «التعليم» تطرح أكرث من الالزم من قبل املنادين‬
‫بسياسات التدخل كطريقة لفرض قيمهم الخاصة عىل خيارات اآلخرين‪.‬‬

‫حجج لصالح التقبل‬


‫لليرباليني الكالسيكيني العديد من األسباب‪ ،‬سوا ًء أخالقية أو عملية‪ ،‬لهذا التأكيد‬
‫عىل التقبل‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫الكلفة والرضر‬
‫أول األسباب الكلفة الهائلة ملحاولة إقناع الناس بتغيري مامرساتهم ومعتقداتهم‬
‫العزيزة عىل قلوبهم‪ .‬قد تكون الكلفة مادية‪ ،‬كالنفقات الضخمة لتدريب الجيوش‪،‬‬
‫والدفاعات‪ ،‬والرضائب التي تدفع لها خالل الحمالت الدينية الصليبية يف العصور‬
‫الوسطة‪ .‬أو ميكن أن تكون كلفة برشية‪ ،‬كمضايقات السلطات الرومانية‬
‫للمسيحيني األوائل‪ ،‬واضطهادات الربوتستانت يف زمن اإلصالح‪ ،‬وقتل املسلمني‬
‫من قبل املسيحيني الرصبيني يف تسعينيات القرن العرشين‪.‬‬

‫كام أشار الفيلسوف الفرنيس مونتسكيو (‪ ،)1755–1689‬فإن هناك فرصة‬


‫أكرب بكثري لتحقيق السالم لو مل تكن املعتقدات الدينية مسألة سياسية‪ .‬وبالتأكيد‬
‫قليال عن قرن‬
‫ريا أيضً ا‪ .‬خالل ما يربو ً‬
‫فإن الخالفات السياسية كلفت البرشية كث ً‬
‫واحد‪ ،‬شهدنا مذابح حربني عامليتني‪ ،‬وحمالت ستالني التطهريية يف االتحاد‬
‫السوفيايت‪ ،‬وثورة ماو الثقافية‪ ،‬وجرائم القتل الجامعية ألعداء حزب الخمري الحمر‪،‬‬
‫وأكرث من ذلك بكثري‪.‬‬

‫هل أمثرت هذه الكلفة عن أي مكتسبات؟ بينام ميكن بالتأكيد إرهاب الناس‪،‬‬
‫يبقى من شبه املستحيل تغيري معتقداتهم الراسخة‪ .‬وكيف سنعلم إن فعلنا؟ بكلامت‬
‫إليزابيث األوىل ملكة إنجلرتا (‪ ،)1603–1533‬ال ميكننا «فتح نوافذ عىل أرواح‬
‫البرش»‪ .‬وليس علينا أن نضيع وقتنا يف املحاولة‪ .‬وفقًا لجيفرسون‪ ،‬مبا أن الخالفات‬

‫‪60‬‬
‫أذى‪« :‬متتد القوى الرشعية للحكومة لهذه األفعال فقط مبقدار ما‬
‫الدينية ال تسبب ً‬
‫أذى لآلخرين‪ .‬ولكن ال أذى يلحقني إذا قال جاري إن هناك عرشين إل ًها‪ ،‬أو‬
‫تسبب ً‬
‫ال إله‪ .‬فذلك ال يرسق جيبي وال يكرس رجيل»‪.‬‬

‫مصالح متنوعة‬
‫تقول حجة ليربالية كالسيكية أخرى يف االستدالل عىل التقبل إننا ال ميكن أن نربر‬
‫استخدام القوة لتغيري معتقدات اآلخرين‪ ،‬أو أساليب حياتهم‪ ،‬أو توجهاتهم‬
‫األخالقية‪ ،‬عندما ال ميكننا ببساطة أن نتفق عىل ما هو مقبول‪ ،‬أو غري مقبول‪،‬‬
‫ريا عام هو مسموح‪،‬‬
‫ومسموح‪ ،‬أو غري مسموح‪ .‬كام احتج كانط‪ ،‬عندما يختلف كث ً‬
‫فعال أن نحاول تربير وجهات نظرنا لآلخرين‪ ،‬بدالً من أن نحاول فرضها‬
‫نحتاج ً‬
‫وحسب‪.‬‬

‫رشح إشعيا برلني‪ ،‬يف وقت أقرب‪ ،‬أن لكل من األفراد وجهات نظرهم العديدة‬
‫كال منهم يرتب‬
‫املختلفة – كاألمان‪ ،‬واالستقالل‪ ،‬والعائلة‪ ،‬والرثوة‪ ،‬والراحة – وأن ً‬
‫هذه األمور بشكل مختلف أيضً ا من حيث األولوية‪ .‬لذا فقد يكون منطق ًيا متا ًما‬
‫بالنسبة لهم أن يختاروا طرقًا مختلفة للحياة‪ .‬ال توجد طريقة موضوعية لتقرير ما‬
‫إذا كانت قيم الناس املختلفني أجدر أو أقل جدارة‪ ،‬أو إذا ما كان ترتيبهم لألولويات‬
‫أفضل أو أسوأ‪ .‬يعود األمر ببساطة للرأي فيام إذا كانت الرثوة أفضل أم الراحة‪ ،‬أو‬

‫‪61‬‬
‫إذا كانت العائلة أهم من األمان‪ .‬يف عامل تتنوع فيه أهداف الناس بكل هذا القدر‪،‬‬
‫ال ميكن ألحد اتخاذ خيارات تصلح للجميع‪.‬‬

‫بدالً من أن نحاول فرض وجهات نظرنا عىل اآلخرين‪ ،‬بالتايل‪ ،‬يقول‬


‫الليرباليون الكالسيكيون إن علينا تقبل أن الناس اآلخرين كائنات أخالقية‪ ،‬يتخذون‬
‫قرارات متدبرة تستحق احرتامنا بنفس القدر‪ .‬قد ال تعجبنا خياراتهم دامئًا ولكن‬
‫علينا احرتامها‪ ،‬وعليهم بدورهم أن يحرتموا الخيارات التي نختارها‪.‬‬

‫فوائد التنوع‬
‫جادل جون ستيوارت ِمل بأن التربير الوحيد للتدخل باآلخرين هو منع الرضر أو‬
‫التهديد بإلحاق الرضر؛ ولكن اختالفات الرأي ال ترض الناس الذين يتقبلونها‪ .‬ألجل‬
‫الحق‪ ،‬رأى ميل أن هناك الكثري من األسباب اإليجابية التي تدفعنا بالفعل للرتحيب‬
‫بهذه االختالفات يف الرأي‪ ،‬بدل أن نحاول إخضاعها للرقابة‪ .‬الفردية‪ ،‬واألصالة‪،‬‬
‫واالبتكار‪ ،‬واألفكار املتنوعة‪ ،‬حسب ما رأى‪ ،‬تشكل وقود تطور التقدم البرشي‪.‬‬

‫وحتى لو عرب أحد ما عن رأي خاطئ بتجرد برأي معظم الناس اآلخرين‪ ،‬فقد‬
‫رصا ما من‬
‫ينفعنا مع ذلك‪ .‬قد يتضح‪ ،‬بإعادة النظر‪ ،‬أنه صائب‪ ،‬أو أنه ميتلك عن ً‬
‫الحقيقة والحكمة قد يساعد يف تقدم الفهم العام‪ .‬حتى لو كانت وجهة النظر‬
‫خاطئة بالكامل‪ ،‬فقد تشكل مع ذلك تحديًا مفي ًدا ملنع رأي قد يرتدى‪ ،‬إذا أخذ عىل‬

‫‪62‬‬
‫محمل الحقيقة‪ ،‬إىل أن يصبح مبدأً اعتقاديًا فارغًا‪ .‬كام الحظ أوليفر ويندل هوملز‪،‬‬
‫فإن أفضل اختبار للحقيقة سوق األفكار‪.‬‬

‫التنوع والتطور األخالقي‬


‫من الحجج األخرى لصالح التقبل التطور األخالقي لألفراد‪ .‬جادل الفيلسوف‬
‫مثال‪ ،‬بأن الغاية‬
‫والسيايس الربويس فيلهلم فون هومبولت (‪ً ،)1835–1767‬‬
‫األسمى للكائنات البرشية استصالح الذات‪ :‬لذا يجب أن يكون لكل إنسان أعىل قدر‬
‫ممكن من الحرية وتنوع التجارب التي ميكنه االستقاء منها‪ .‬عىل الدولة أن يكون‬
‫دورها فقط دور حارس لييل‪ ،‬يحمينا من املتعدين‪ ،‬ولكن دون التدخل يف تطورنا‬
‫الذايت‪.‬‬

‫كان ملِل رأي أخالقي مشابه‪ .‬التدخل بترصفات الناس‪ ،‬كام رأى‪ ،‬يحد تطورهم‬
‫ككائنات برشية أخالقية‪ .‬لن ميكنهم أب ًدا التعلم والتطور من تحمل مسؤولية‬
‫فعال اختياراتهم الخاصة‪ .‬ال ميكننا احرتامهم ككائنات‬
‫خياراتهم ما مل يختاروا ً‬
‫برشية أخالقية أو آهلة للمدح إذا كان شخص آخر مييل عليهم كل أفعالهم؛‬
‫سيكونون أقرب للروبوتات منهم للبرش‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫نتائج عكسية‬
‫نقطة أخرى أن السياسات غري املتقبلة ال تعمل بشكل عام‪ ،‬أو يكون لها عواقب غري‬
‫محمودة‪ ،‬أو فعل ًيا تحقق عكس ما يرمي إليه مؤلفوها‪.‬‬

‫فعال مدى صعوبة زحزحة املعتقدات‬


‫كمثال عىل الحالة األوىل‪ ،‬فقد رأينا ً‬
‫الدينية للناس‪ .‬كذلك‪ ،‬فلم تكن املحاوالت الترشيعية ملكافحة استخدام املخدرات‬
‫الرائجة فعالة‪.‬‬

‫من األمثلة الصارخة عىل الحالة الثانية العواقب غري املحمودة ملنطقة الحظر‬
‫يف الواليات املتحدة (‪ .)1933–1920‬املدفوعة بشكل كبري باالعرتاض األخالقي‬
‫عىل ثقافة الكحول والصالونات‪ .‬أدى الحظر إىل انتقال التجارة إىل الخفاء‪ ،‬تاركة‬
‫إياها ألولئك الذين ال يأبهون بخرق القوانني‪ .‬كانت النتيجة تصاعد عنف العصابات‪،‬‬
‫والفساد يف الرشطة وبني املسؤولني الرسميني‪ ،‬واالنتشار الواسع لعدم احرتام‬
‫القانون الذي مل يكن مطبقًا بشكل صحيح‪.‬‬

‫كان لحوادث حظر أخرى للخيارات الخاصة بأساليب الحياة‪ ،‬كالدعارة‬


‫واملخدرات‪ ،‬آثار شبيهة‪ ،‬بظهور عصابات احتكار االتجار باملخدرات‪ ،‬وحروب‬
‫الزعامات املناطقية‪ ،‬واالتجار بالبرش‪ .‬وأصبحت مواجهة املشاكل الحقيقية الناتجة‬
‫خصوصا‬
‫ً‬ ‫عن هذه النشاطات أم ًرا أصعب (كاألمراض املنتقلة بالجنس واإلدمان)‪،‬‬
‫ألنها دفعت إىل الخفاء‪ ،‬بعي ًدا عن أيدي السلطات‪ .‬تحول املواطنون امللتزمون‬

‫‪64‬‬
‫بالقانون عاد ًة إىل مجرمني‪ ،‬مضطرين للتعامل مع مجرمني‪ ،‬ومعرضني للخطر‬
‫لغياب أي مراقبة للجودة أو حامية للمستهلك التي قد يحصلون عليها يف األسواق‬
‫القانونية‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬تحولت موارد أجهزة تطبيق العدال عن األنشطة التي‬
‫تلحق بالفعل رض ًرا حقيقيًا باآلخرين‪.‬‬

‫ثالثًا‪ ،‬هناك العديد من األمثلة عىل تسبب السياسات غري الليربالية بآثار‬
‫مثال‪ ،‬أدت محاوالت منع التمييز يف مكان العمل والتأكيد‬
‫معاكسة لآلثار املقصودة‪ً .‬‬
‫عىل التقدير املالئم للكفاءات إىل «متييز إيجايب»‪ ،‬من خالل توظيف الناس ألنهم‬
‫يكملون النسب املفروضة‪ ،‬بدالً من توظيفهم تب ًعا للكفاءة‪ .‬أصبح تعليم الدولة‪،‬‬
‫املصمم ملنع املجموعات السياسية أو الدينية من السيطرة عىل عقول اليافعني‪،‬‬
‫تعليام احتكاريًا ال مفر فيه من التعاليم الدينية السائدة عىل اإلطالق أو إىل حد‬
‫ً‬
‫كبري‪ .‬كذلك‪ ،‬فقد أدى القمع السيايس أو الديني ببساطة إىل إشعال األضغان التي‬
‫تنفجر يف النهاية عىل شكل عنف ضد القامعني‪ .‬وبالحد األسوأ‪ ،‬ميكن للتعاليم‬
‫األيديولوجية التي تفرضها دولة مفرطة يف القوة كاالتحاد السوفيايت سابقًا أن‬
‫تؤخر التطور الشخيص واالجتامعي والعلمي لعقود‪.‬‬

‫أخالقية أو آهلة للمدح إذا كان شخص آخر مييل عليهم كل أفعالهم؛ سيكونون أقرب‬
‫للروبوتات منهم للبرش‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫املنحدر الزلق‬
‫عندما نستخدم القوة القرسية للدولة لقمع األفكار‪ ،‬والتوجهات‪ ،‬والسلوكيات التي‬
‫ال نوافق عليها‪ ،‬فليس من حد واضح نقف عنده‪ .‬يحذر ِمل من «طغيان الرأي‬
‫رسا بأن حتى لو كان الجميع يرون أن آرا ًء محددة أو أفعاالً محددة يجب‬
‫السائد»‪ ،‬مف ً‬
‫قمعها‪ ،‬فإن هذا ليس تربي ًرا كاف ًيا لفعل ذلك‪ .‬يجب أن يبقى «محيط شخيص» من‬
‫األفعال واآلراء التي ال ميكن للدولة التدخل فيها‪.‬‬

‫يعود هذا جزئ ًيا فقط إىل أن الناس مييلون إىل اتخاذ قرارات أفضل ألنفسهم‬
‫مام ميكن للمرشعني البعيدين واملسؤولني أن يتخذوه – يف النهاية‪ ،‬هم أدرى‬
‫بظروفهم الشخصية الدقيقة‪ .‬السبب اآلخر أنه يصبح من السهل ج ًدا لألغلبية أن‬
‫يفرتضوا بأن لديهم الحق للتدخل يف حيوات الناس‪ ،‬ببساطة ألن األرقام لصالحهم‪.‬‬
‫ولكن هذه الثقة املتساهلة تسمح لألغلبية‪ ،‬مسلح ًة بأدوات القوة القرسية للدولة‪،‬‬
‫مبد تدخلهم ملسافات كبرية ج ًدا وملصادرة حريات الناس األساسية‪.‬‬

‫إنه منحدر زلق‪ .‬التدخل يف جزء من حيوات الناس يستخدم لتربير التدخالت‬
‫املوازية يف األجزاء األخرى‪ .‬غال ًبا‪ ،‬تفشل تدخالت الدولة أو يكون لها نتائج عكسية‪،‬‬
‫ينظر إليها بعدها كحجة للمزيد من التدخل‪ .‬تستخدم العواقب غري املقصودة‬
‫مثال‪ ،‬كأسباب لزيادة تضييق الخناق أكرث‪،‬‬
‫لسياسات املخدرات وعدم فعاليتها‪ً ،‬‬
‫وتجعل املشاكل الناتجة أسوأ حتى‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫رسم الحد الفاصل‬
‫إذن أين يجب أن نرسم الحد الفاصل؟ ما هي حدود تدخل الدولة؟ ما هي النشاطات‬
‫التي يجب تقبلها‪ ،‬والنشاطات التي ال يجب تقبلها؟ ما هي الحقوق التي عىل اآلباء‬
‫مثال؟ ألديهم حق رضبهم‪ ،‬وختانهم‪ ،‬أو حتى رشب‬
‫واألمهات امتالكها تجاه أبنائهم‪ً ،‬‬
‫الكحول وتناول املخدرات وهم يف األرحام؟ أو بشكل أكرث عمو ًما‪ ،‬أيجب أن يتاح‬
‫للكوميديني ورسامي الكرتون حق حرية التعبري للسخرية من دين‪ ،‬إذا كانت هذه‬
‫األفعال ستثري العنف الذي قد يؤدي إىل إيذاء األبرياء؟‬

‫ال توجد إجابات واضحة لهذه األسئلة‪ :‬للناس املختلفني آراء مختلفة‪ .‬حرص‬
‫اإلجابات أكرث مهمة حرجة لليرباليني الكالسيكيني‪ .‬هم يريدون القوة القرسية‬
‫فعال‬
‫للدولة أن تكون مركزة يف أضيق نطاق ممكن‪ ،‬بحيث متنع األفعال املؤذية ً‬
‫وتعاقب عليها‪ .‬يجب أن يكون املكان الدقيق لهذا الحد مسألة مناظرة ونقاش عام‪:‬‬
‫ليس من الحكمة أن نسمح لقادتنا السياسيني باتخاذ القرارات عنا‪ .‬ولكن الكم‬
‫األكرب من األفعال التي قد ال تسبب سوى أضأل قدر من اإلزعاج لآلخرين يجب أن‬
‫يكون مسألة قابلة للنقاش واإلقناع بدالً من إخضاعه للقبضة الحديدية للدولة‪.‬‬

‫التقبل والدولة‬

‫‪67‬‬
‫مل تكن لإلغريق القدماء هكذا هواجس‪ .‬فقد آمن أفالطون (نحو ‪ 347–427‬ق‪.‬م‪).‬‬
‫ريا‪ ،‬عىل الدولة إلزام الناس‬
‫مثال‪ ،‬أنه إذا كان يشء خ ً‬
‫وأرسطو (‪ 322–384‬ق‪.‬م‪ً ،).‬‬
‫به‪ .‬وحتى اليوم‪ ،‬يعتقد العديد من الناس أن القانون يجب أن مينع األشياء التي‬
‫نعتربها غري أخالقية‪.‬‬

‫قبل ِمل بأن الكثري من األفعال غري األخالقية قد يكون م ً‬


‫رضا‪ ،‬وهو بالضبط‬
‫السبب الذي دفعنا العتبارها غري أخالقية‪ .‬ولكن أفعاالً أخرى قد تدعى غري أخالقية‬
‫أذى لآلخرين‪ :‬قد يعتربها من يفرتض أنه ضحية مفيد ًة حتى‪ ،‬كام‬
‫رمبا ال تسبب ً‬
‫مثال‪ .‬استخدام القوة القرسية للدولة ضد هذه‬
‫يف حالة املساعدة عىل االنتحار‪ً ،‬‬
‫األفعال الحميدة لن يؤدي إال إىل إنقاص رفاه البرش‪.‬‬

‫كل الليرباليني الكالسيكيني يشككون بسلطة الدولة‪ ،‬ويعتقد من يقعون‬


‫منهم يف أقىص الطيف من جهة التحرر أن احتامل إرضار الدولة بحريتنا أكرب من‬
‫احتامل ترويجها لها‪ .‬ومن هنا أتت قاعدة ِمل بعدم اإلرضار‪ :‬إذا بدأنا مننع األشياء‬
‫أذى ظاه ًرا وال تهدد بتسبيبه‪ ،‬قد ينتهي بنا األمر مبنع كل يشء‪.‬‬
‫التي ال تسبب ً‬
‫بالنسبة للوك أو جيفرسون‪ ،‬فإن الدولة وجدت فقط لحامية املواطنني وتوسعة‬
‫حرياتهم‪ :‬إمالء أسلوب الحياة عىل شخص ما‪ ،‬أو الرتويج لدين محدد أو عرف‬
‫أخالقي معني‪ ،‬مل يكن جز ًءا من صالحياتها‪ .‬هذا سبب إرصار التعديل الدستوري‬
‫األول ألمريكا ليس عىل التقبل الديني وحسب‪ ،‬بل عىل الحرية الدينية‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫الخطر واستخدام القوة‬
‫ولكن أنصار التدخل يحتجون بأن كل فعل له عىل األقل بعض العواقب التي يحتمل‬
‫أن تكون ضارة لألشخاص اآلخرين‪ ،‬لذا يجب التعاطي مع كل قضية حسب‬
‫مثال‪ ،‬مينع التدخني يف املساحات املغلقة كاملطاعم‬
‫حيثياتها‪ .‬يف العديد من الدول‪ً ،‬‬
‫ودور عرض السينام‪ .‬التربير املعتاد لهذا ليس أنها ترض املدخن‪ ،‬بل أن اآلخرين قد‬
‫يتعرضون لعوارض مرضية بسبب استنشاق الدخان كمدخنني سلبيني‪ .‬حديثًا‪ ،‬منع‬
‫التدخني أيضً ا يف الحدائق العامة‪ ،‬حيث خطر استنشاق الدخان من اآلخرين ميكن‬
‫إهامله؛ ولكن الحجة اآلن أنه يف الحدائق‪ ،‬قد يرى األطفال الناس يدخنون وقد‬
‫يحاولون تقليدهم‪ ،‬ما يؤدي إىل معاناتهم من مشاكل صحية كنتيجة لذلك‪.‬‬

‫قد يكون هناك أخطار من هذا النوع؛ ولكن الليرباليني الكالسيكيني‬


‫يتساءلون ما إذا كانت هذه األخطار جاد ًة مبا يكفي لإليذان باستخدام القوة‬
‫القرسية ملنعها – أو إذا ما كانت متناهية يف الصغر إىل درجة أن القيود اإللزامية‬
‫(أو الغرامات والعقوبات األخرى) ال ميكن تربيرها أب ًدا‪ .‬إذ لو اعتربت حتى املخاطر‬
‫متناهية الصغر التي تهدد اآلخرين أسبابًا صالحة لتربير تدخل الدولة‪ ،‬فلن يكون‬
‫أي فعل برشي عىل اإلطالق محم ًيا من التدخل االعتباطي من السلطات‪ .‬لن يكون‬
‫هناك «محيط خاص»؛ ولن يبقى بعدها ال حرية فردية وال حكم لقانون‪.‬‬

‫يجب أن يكون التقبل إراديًا‪ .‬هو موجود لسبب‪ :‬أي أن احرتام اآلخرين‬
‫ككائنات أخالقية‪ ،‬واحرتام حرياتهم‪ ،‬هو أساس التعاون السلمي يف مجتمع حر‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫ريا ما يكون سياسيونا ومسؤولونا الرسميون غري مدركني للحظة‬
‫ومع ذلك كث ً‬
‫ريا ما ينادون‬
‫تخطيهم ذلك الحد املفصيل‪ .‬العامة أيضً ا‪ ،‬عندما تحدث املشكالت‪ ،‬كث ً‬
‫الحكومة حتى «تفعل شي ًئا»‪ ،‬حتى عندما يكون تدخل الدولة اعتدا ًء غري مربر عىل‬
‫الحرية الشخصية‪ .‬ونحن أيضً ا مستعدون بشكل مفرط إلجبار الناس «ألجل‬
‫صالحهم» – بينام يف الحقيقة نحن نجربهم فقط ليخضعوا لقيمنا وانحيازاتنا‬
‫الخاصة‪.‬‬

‫«مع أننا مل نعد ندعي إجبار الناس لصالحهم الروحي»‪ ،‬كتب الفيلسوف‬
‫وعامل األنرثوبولوجيا اإلنجليزي هربرت سبنرس (‪« ،)1903–1820‬ما زلنا نظن‬
‫أننا مدعوون إلجبارهم ألجل صالحهم املادي‪ :‬دون أن نرى أن كال األمرين بنفس‬
‫املقدار من عدم الجدوى وانعدام املربرات»‪ .‬هذا سبب واحد فقط مام يدفع‬
‫الليرباليني الكالسيكيني للمناداة بوضع حدود للحكومات‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫‪ .6‬السياسات الليربالية الكالسيكية‬

‫أصل الحكومة والغرض منها‬

‫اعتقد الليرباليون الكالسيكيون األوائل أن الحكومة مل توجد سوى لحامية حقوق‬


‫الناس‪ ،‬وتوسيع فرصهم وحريتهم عن طريق تقليل اإلكراه والسامح للسالم بأن‬
‫يسود‪ .‬وإذا كان ألي أحد أن يستخدم القوة‪ ،‬فيجب أن تكون الحكومة وحدها‪،‬‬
‫ويجب استخدامها لهذه األغراض فقط‪.‬‬

‫بعبار ٍة أخرى‪ ،‬كانت رؤيتهم حكومة مقيدة ‪ -‬مقيدة يف السلطة والنطاق‪،‬‬


‫ويف الرشعية بالتأكيد‪ .‬فيام يتعلق بالسلطة‪ ،‬أدركوا متا ًما كيف ميكن للسلطة‬
‫الرسمية أن تعرض الحرية للخطر‪ ،‬ورضورة احتوائها‪ .‬أما بالنسبة للنطاق‪ ،‬أرصوا‬
‫عىل أن الحكومة الرشعية ال تقوم عىل اإلخضاع والقوة‪ ،‬بل عىل اتفاق مختلف‬
‫األفراد ‪ -‬فالغرض الوحيد من إنشائها هو تعزيز حقوقهم وحرياتهم وفرصهم‪.‬‬
‫وبخصوص الرشعية‪ ،‬يوضح لوك أن صالحية الحكومة تنبع من األفراد الذين‬
‫يقبلون فرض قيود عىل سلوكهم مقابل الحقوق املدنية‪ .‬لذا‪ ،‬ال ميكن أن تتجاوز‬
‫مثال إنكار‬
‫صالحية الحكومة الصالحية املخول لهؤالء األفراد منحها‪ .‬فال ميكن ً‬
‫حقوقنا الثابتة مثل الحياة والحرية‪.‬‬

‫والسبب الوجيه اآلخر لتقييد الحكومة هو هشاشة الطبيعة البرشية‪ .‬فالناس‬


‫يف الحكومة مجرد أشخاص؛ وهم غالبًا ليسوا أكرث حكمة وال أقل اهتام ًما بأنفسهم‬
‫‪71‬‬
‫من أي شخص آخر‪ .‬لكنهم ميارسون سلطة قرسية هائلة‪ ،‬ال سيام السلطات‬
‫لتغرمينا وسجننا‪ .‬وليس من الحكمة السامح لهم مبامرسة تلك السلطة كام يحلو‬
‫لهم؛ يجب أن تكون مضبوطة ومقيدة‪ .‬فال يثق الليرباليون الكالسيكيون‬
‫بالصالحية املطلقة‪ ،‬حتى لو حظيت بدعم الغالبية العظمى من الشعب‪.‬‬

‫وظائف الحكومة‬
‫لكن أليست هذه النظرة للحكومة ضيقة للغاية؟ غالبًا ما يصور الليرباليني‬
‫ريا عىل أنهم يؤمنون بعدم التدخل أو بدولة حارسة مصغرة‬
‫الكالسيكيني كاريكات ً‬
‫أثارية‪ .‬ويقول النقاد إنه لو كان عىل الجميع أن يتفقوا عىل سبب وجود الحكومات‪،‬‬
‫فلن يجدوا الكثري ليتفقوا عليه‪ ،‬وسيبقون عالقني يف الفوىض‪.‬‬

‫متيض الحكومات الحديثة إىل ما هو أبعد بكثري من النطاق والسلطة التي‬


‫كان الليرباليون الكالسيكيون األوائل مستعدون ملنحها إياهام‪ .‬فحتى الليرباليون‬
‫الكالسيكيون يقبلون اليوم غال ًبا أن يكون لديهم وظائف مفيدة تتجاوز الحفاظ‬
‫عىل قاعدة ميل بـ«عدم اإليذاء» وتعزيز حرية املواطنني‪ .‬اشتهر ميلتون فريدمان‬
‫بتأييد رضيبة الدخل السلبية إلعادة توزيع الدخل من األغنياء إىل الفقراء‪ ،‬وقسائم‬
‫التعليم التي متولها الدولة‪ ،‬املصممة ملنح األرس الفقرية إمكانية الحصول عىل‬
‫التعليم‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫اعتقد آدم سميث نفسه أنه باإلضافة إىل حامية العامة عن طريق الدفاع‬
‫ونظام العدالة‪ ،‬يجب عىل الحكومة توفري األشغال العامة مثل الجسور واملوانئ‪،‬‬
‫واملساهمة يف التعليم العام‪.‬‬

‫رغم أن هناك بعض األشياء املفيدة التي يفضل القيام بها جامعيًا‪ ،‬لكن‬
‫السؤال هو أين الخط الفاصل‪ .‬ال تساعد يف هذا حقيقة أنه غال ًبا ما يصعب تحديد‬
‫متى يحدث رضر حقيقي أو يهدد به‪ ،‬أو ما هي الفوائد الدقيقة للتدخل‪.‬‬

‫فمثال‪ ،‬رغم أن ميل كان مداف ًعا عن حرية التعبري‪ ،‬فقد اعتقد أن مبدأ عدم‬
‫ً‬
‫اإليذاء قد يربر الرقابة‪ .‬دعا أيضً ا إىل فرض واجبات مختلفة عىل األفراد ملساعدة‬
‫تعليام مناس ًبا‪ .‬ورأى‬
‫ً‬ ‫اآلخرين ‪ -‬مثل الشهادة يف املحكمة‪ ،‬وضامن تعليم أطفالك‬
‫دو ًرا للحكومة يف تنظيم التجارة‪ ،‬وساعات العمل‪ ،‬واألجور ومزايا مكان العمل‪.‬‬
‫دعا إىل قوانني الرعاية االجتامعية لتوفري العمل لألشخاص األصحاء وتوفري الحد‬
‫األدىن من مستويات املعيشة لآلخرين‪ .‬اعتقد أنه يجب عىل الحكومات إنشاء البنى‬
‫التحتية مثل الطرق والرصف الصحي‪ .‬ودعا إىل دعم عام للبحث العلمي والفنون‪.‬‬
‫إذ ميكن للمنافع العامة الصغرية حتى‪ ،‬حسب اعتقاده‪ ،‬أن تربر مثل هذه التدخالت‪.‬‬
‫قد يختلف العديد من الليرباليني الكالسيكيني مع هذا كله‪.‬‬

‫ويف اآلونة األخرية‪ ،‬رسد ف‪ .‬أ‪ .‬هايك أيضً ا‪ ،‬وحتى يف كتاب عن سلطة الدولة‬
‫املفرطة (الطريق إىل العبودية)‪ ،‬بعض الوظائف التي اعتقد أنه ميكن للحكومات‬
‫توليها رشعيًا‪ .‬وشملت تزويد الناس بالحد األدىن من الغذاء واملأوى وامللبس‪ ،‬مبا‬

‫‪73‬‬
‫يكفي للحفاظ عىل صحتهم وقدرتهم عىل العمل؛ ونظام تأمني االجتامعي شامل‬
‫للمصائب التي يصعب التأمني ضدها؛ واملساعدة بعد الكوارث الطبيعية‪ ،‬التي ال‬
‫يستطيع األفراد االستعداد لها أيضً ا؛ والسياسة االقتصادية ملكافحة دورات األعامل‬
‫والبطالة التي تخلقها‪.‬‬

‫يخىش العديد من الليرباليني الكالسيكيني من كون هذه االمتيازات نذير‬


‫عواقب شديدة الخطورة‪ .‬كام اشتىك هايك نفسه‪« ،‬لطاملا كانت حاالت الطوارئ‬
‫ذريعة تآكلت مبوجبها ضامنات الحرية الفردية» ‪ -‬فعندما ندع الدولة توفر اإلغاثة‬
‫يف حاالت الطوارئ والغذاء‪ ،‬واملأوى‪ ،‬وامللبس‪ ،‬والتعليم والرعاية الصحية‪ ،‬لن يكون‬
‫سهال الحفاظ عىل الحد الفاصل بني ما يعترب رضورة للقلة ووسيلة راحة‬
‫ً‬
‫للكثريين‪ .‬بعبار ٍة أخرى‪ ،‬ال يوجد حد واضح لهذا التدخل الحكومي‪.‬‬

‫حاول آدم سميث تحقيق املستحيل بالقول إن تدخالته ‪-‬الجسور واملوانئ‬


‫ودعم التعليم‪ -‬هي مجرد بنية تحتية تسمح للبرش بالتعاون مع بعضهم اجتامع ًيا‬
‫واقتصاديًا‪ .‬وبالتايل يعززون الحرية بدالً من تهديدها‪ .‬يرى هايك أيضً ا تدخالته‬
‫كمحاولة إلبقاء الناس قادرين عىل إعالة أنفسهم؛ ومر ًة أخرى‪ ،‬تتمثل فكرته يف‬
‫توفري ما يلزم فقط لتمكني األفراد األحرار من العيش والعمل والتعاون م ًعا‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فإن أي نشاط حكومي‪ ،‬مهام كان ً‬


‫قيام‪ ،‬يتطلب انتهاك بعض‬
‫حقوق الناس وحرياتهم ‪ -‬وخاص ًة‪ ،‬أخذ ممتلكاتهم‪ ،‬يف شكل رضائب‪ ،‬لدفع‬
‫تكاليف أنشطة الدولة‪ .‬يجد بعض الليرباليني الكالسيكيني‪ ،‬الذين يزعمون أن‬

‫‪74‬‬
‫امللكية هي أحد األشياء التي توجد الحكومة لحاميتها‪ ،‬صعوب ًة يف تربير هذا‪ .‬يريد‬
‫اآلخرون ببساطة التأكيد عىل أن املنفعة العامة ‪-‬مهام كان تعريفها‪ -‬كبري ًة كفاي ًة‬
‫لتربير التطفل عىل حقوق األفراد وحرياتهم‪.‬‬

‫يتمثل الخطر الواقعي يف «زحف املهمة» ‪ -‬بدء الحكومات بعض األشياء التي‬
‫يتضح أنها مسؤوليات جامعية‪ ،‬ثم توسع صالحياتها ووظائفها‪ ،‬دون نقطة نهاية‬
‫واضحة‪ .‬رمبا يكون الليرباليون الكالسيكيون مؤهلني أفضل من غريهم لوضع‬
‫الحدود‪ ،‬ألنهم يدركون الحاجة إىل حكومة مقيدة ومخاطر ازدهار سلطة الحكومة‪.‬‬
‫ويدركون ملا يجب أال توفر الحكومة بعض األشياء بنفسها‪ ،‬رغم أنه قد يكون لها‬
‫دور يف ضامن توفرها مثل اإلغاثة الطارئة‪ .‬ويفهمون أيضً ا ملاذا يجب أن تظل‬
‫حكام وأال تصبح العبًا يف السوق‪ ،‬رغم أنها قد تنظم السوق؛ وملَ ال ينبغي‬
‫الحكومة ً‬
‫أن تتوسع املساعدة التي تقودها الحكومة ألشخاص ومجموعات معينني منكوبني‬
‫إىل إعادة توزيع الدخل عىل األمد الطويل وعىل نطاق واسع‪.‬‬

‫أسطورة العدالة االجتامعية‬

‫ويف املقابل‪ ،‬يعتقد «الليرباليون الجدد» أن إعادة توزيع الدخل هو بالضبط ما يجب‬
‫أن تفعله الحكومات‪ .‬يرون عدم املساواة والفقر كنتيجة للسلطة غري املتكافئة‬
‫وقوانني امللكية غري العادلة التي تعود بالنفع عىل أرباب العمل واألغنياء ولكنها‬
‫ترض بالعاملني والفقراء‪ .‬وبالتايل‪ ،‬لتعزيز «العدالة االجتامعية» يجب عىل‬

‫‪75‬‬
‫الحكومة تصحيح اختالل ميزان السلطة وإعادة توجيه الرثوة والدخل من‬
‫األشخاص األفضل حاالً إىل األسوأ‪.‬‬

‫يعترب الليرباليون الكالسيكيون هذا إساءة استخدام جسيمة لكلمة «العدالة»‪.‬‬


‫فالعدالة بالنسبة لهم هي عدالة تبادلية‪ ،‬حل النزاعات بني األفراد ودعم حقوق‬
‫وحريات األفراد مبعاقبة من يتدخل فيها‪ .‬تتعلق بكبح التهديدات والعنف‪ ،‬ومنح‬
‫تعويض لألشخاص الذين يزداد وضعهم سو ًءا بسبب اإلكراه‪ .‬وتتعلق بالسلوك‬
‫الذي نتوقعه ومن حقنا أن نتوقعه من بعضنا البعض‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬تركز العدالة الحقيقية عىل كيفية ترصف الناس تجاه بعضهم فحسب‪.‬‬
‫فالرسقة غري عادلة؛ بينام اإلصابة باألنفلونزا محنة لكنها ليست ظلم‪ ،‬ألنه مل يظلم‬
‫أحد‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬تعد العدالة التوزيعية أو االجتامعية مختلفة متا ًما‪ .‬تتعلق‬
‫بتوزيع األشياء بني أعضاء مجموعة مختلفني‪ .‬وتسعى إىل تغيري هذا التوزيع ‪-‬‬
‫نحو مزيد من املساواة عمو ًما‪ -‬حتى لو كان التوزيع القائم نتيجة لألحداث‬
‫ببساطة‪ ،‬ومل يترصف فيه أي شخص بشكل يسء أو غري عادل‪.‬‬

‫مثال ملشاهدة مغني مشهور يف ملعب‪ ،‬سينهون‬


‫فلو دفع ‪ 100,000‬شخص ً‬
‫قليال وينهيها املغني أغنى بكثري‪ .‬لكن مل يرتكب أحد أي خطأ ومل‬
‫األمسية أفقر ً‬
‫يُكره أحد‪ .‬لذا يتساءل الليرباليون الكالسيكيون‪ :‬كيف ميكن أن يكون التوزيع‬
‫الناتج للرثوة غري عادل؟ ويشريون إىل أن إعادة تحقيق املساواة يتطلب إكرا ًها ‪-‬‬
‫رسا إلعادتها إىل الجمهور‪ .‬يف الواقع‪ ،‬وحسب قول‬
‫أخذ ثروة املغني الجديدة ق ً‬

‫‪76‬‬
‫نوزيك‪ ،‬سيتطلب األمر إكرا ًها مستمرًا ومتكر ًرا للحفاظ عىل هذه املساواة طوال‬
‫املستقبل‪.‬‬

‫هناك مشاكل عملية أيضً ا‪ .‬إذ تعد املساواة الكاملة يف الدخل مستحيلة‪ :‬فلامذا‬
‫يكلف الناس عناء العمل الجاد‪ ،‬أو العمل أيًا كان‪ ،‬إذا كانوا يتقاضون نفس رواتب‬
‫الذين ال يعملون؟ لذلك تركز «العدالة االجتامعية» أكرث عىل إعادة التوزيع وفقًا‬
‫للحاجة‪ ،‬أو مبا يتناسب مع القيمة التي يقدمها الناس للمجتمع‪ .‬ولكن من يقرر‬
‫ريا بسبب الكسل املطلق‬
‫من هو املحتاج‪ ،‬ومن قيمته أعظم؟ وهل يعترب من يصبح فق ً‬
‫جا» ممن يدمر منزله وعمله بفعل إعصار؟ هل يساهم املمرض يف‬
‫أقل «احتيا ً‬
‫املجتمع أكرث من عازف الكامن؟ ال توجد طريقة موضوعية للحكم‪ :‬إن القرار‬
‫شخيص متا ًما‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬وعىل خلفية مثل هذه األحكام التعسفية‪ ،‬يستويل دعاة‬
‫«العدالة االجتامعية» عىل ممتلكات الناس وحريتهم‪.‬‬

‫ليس هذا فحسب‪ ،‬بل إن «العدالة االجتامعية» تعامل الناس بشكل مختلف‪:‬‬
‫إذ يدفع الناس مبالغ مختلفة من الرضائب‪ ،‬أو يتلقون مبالغ مختلفة من دعم الدولة‪،‬‬
‫اعتام ًدا عىل مدى ثرائهم أو فقرهم‪ .‬وهذا ينتهك سيادة القانون ‪ -‬مبدأ أن القانون‬
‫يجب أن يعامل الناس عىل قدم املساواة وأنه ال ينبغي مساعدة أي شخص أو إلحاق‬
‫األذى به بأحكام السلطات التعسفية‪.‬‬

‫لذا‪ ،‬يرفض الليرباليون الكالسيكيون أي إعادة توزيع شاملة للرثوة أو الدخل‪.‬‬


‫قد يؤيدون بعض اإلغاثة الطارئة املؤقتة التي تنظمها الدولة؛ لكنهم ينكرون حق‬

‫‪77‬‬
‫أي شخص يف الحصول عىل دعم اجتامعي طويل األمد ‪ -‬ألن ذلك يعني أن اآلخرين‬
‫ملزمون بدعمهم‪ ،‬باإلكراه إن لزم األمر‪ ،‬رغم أنهم ال يالمون أب ًدا عىل ظروف‬
‫إخوانهم املواطنني املؤسفة‪.‬‬

‫ال يعني هذا أن حال الفقراء سيئ يف مجتمع ليربايل كالسييك‪ .‬متيل‬
‫ريا يف بلد غني‬
‫املجتمعات الحرة إىل أن تكون أكرث ثرا ًء‪ ،‬ومن األفضل أن تكون فق ً‬
‫بدالً من بلد فقري‪ .‬مييل الناس يف البلدان الغنية أيضً ا إىل املساهمة أكرث عن طريق‬
‫العطاء الخريي واألعامل الخريية؛ رغم أنه ال يقع عليهم أي التزام قانوين ملساعدة‬
‫اآلخرين املحتاجني‪ ،‬لكنهم ميتلكون املوارد لدعم االلتزام األخالقي الذي يشعرون‬
‫به تجاههم‪.‬‬

‫االختيار العام واملصالح الخاصة‬

‫عىل أي حال‪ ،‬يشكك الليرباليون الكالسيكيون بشدة يف كيفية اتخاذ القرارات‬


‫السياسية املتعلقة مبسائل مثل إعادة التوزيع‪ .‬وقد دعمت شكوكهم بعمل مدرسة‬
‫االختيار العام‪ ،‬التي طبقت املفاهيم االقتصادية عىل عملية صنع القرار السيايس‪،‬‬
‫ووجدتها قارصة بشدة‪.‬‬

‫لطاملا تحدث عموم «اقتصاديو الرفاه» عن فشل السوق والحاجة إىل اتخاذ‬
‫إجراء حكومي لتصحيحه‪ .‬ما نسوه هو أن هناك فشل حكومي أيضً ا‪ .‬فالسياسيون‬

‫‪78‬‬
‫واملسؤولون ليسوا مالئكة‪ :‬هناك الكثري من املصالح الذاتية يف النظام الدميقراطي‬
‫كام هو الحال يف السوق الخاصة‪.‬‬

‫مثال‪ ،‬هي معارك مصالح متنافسة‪ ،‬تقرر فيها األغلبية ما ينبغي‬


‫فاالنتخابات‪ً ،‬‬
‫عمله‪ .‬وهذا تهديد كبري لألقلية ‪ -‬مثل النكتة القدمية عن كون الدميقراطية ذئبني‬
‫وخروف يقررون ما سيتناولون عىل العشاء‪ .‬وما يزيد الطني بلة هو حقيقة هيمنة‬
‫جامعات الضغط عىل االنتخابات‪ ،‬والتي تشن حمالت قوية للفوز بالفوائد‬
‫ريا ما تعمل مجموعات املصالح عىل‬
‫االنتخابية ملصالحها الشديدة الرتكيز‪ .‬وكث ً‬
‫إنشاء تحالفات تدعم بعضها البعض لجعل نفوذها االنتخايب أعظم‪ .‬من ناحية‬
‫أخرى‪ ،‬يتعني عىل الساسة اسرتضاء تحالفات املصالح املكتسبة هذه لكسب‬
‫حرصا عىل املصلحة‬
‫ً‬ ‫أصواتها – فبعد كل يشء‪ ،‬يتعني حتى عىل أكرث الساسة‬
‫العامة أن يُنتخبوا ليتمكنوا من القيام بأي يشء‪ .‬فاألشخاص الذين يخرسون‪،‬‬
‫بطبيعة الحال‪ ،‬هم «األغلبية الصامتة» ‪ -‬عامة الشعب‪ ،‬الذين تكون مصالحهم أكرث‬
‫تشتتًا‪.‬‬

‫وال تعد القرارات يف الهيئة الترشيعية أفضل‪ .‬فلترشيع إجراءاتهم الخاصة‪،‬‬


‫أرشك املرشعون زمالئهم يف جوالت من «صوتوا إلجراءايت‪ ،‬وسأصوت‬
‫إلجراءاتكم»‪ .‬لذا مرر املزيد من القوانني أكرث مام يريده أي شخص حقًا‪ ،‬واستغل‬
‫عامة الشعب غري املمثلني أكرث‪ .‬وعند تنفيذ هذه القوانني‪ ،‬يكون للبريوقراطية مر ًة‬

‫‪79‬‬
‫أخرى مصالحها الخاصة – رمبا تزيد من حجم وتعقيد الربامج لتوسيع‬
‫إمرباطورياتها‪.‬‬

‫الليربالية الكالسيكية والدميقراطية‬


‫الليرباليون الكالسيكيون دميقراطيون‪ ،‬ولكنهم دميقراطيون متشككون‪ .‬إنهم‬
‫عمال جامع ًيا‪ .‬ويعتقدون أنه يجب‬
‫يقبلون وجود بعض الوظائف الدنيا التي تتطلب ً‬
‫عىل عامة الشعب‪ ،‬وليس بعض النخبة القوية‪ ،‬اتخاذ القرارات الواسعة بشأن ماهية‬
‫تلك الوظائف وكيفية تحقيقها‪ .‬ويشريون إىل أن الحكومة التمثيلية قد تكون أفضل‬
‫طريقة التخاذ وتنفيذ تلك القرارات‪.‬‬

‫لكنهم يعرفون أن العملية الدميقراطية أبعد ما تكون عن الكامل‪ .‬إنها ليست‬


‫عملية توفق بني املصالح املختلفة (كام تفعل األسواق)‪ ،‬بل عملية نختار فيها بني‬
‫املصالح املتضاربة ‪ -‬وهو خيار ذو فائز واحد فقط‪ .‬وتشوبها املصلحة الذاتية‬
‫للناخبني واملمثلني واملسؤولني؛ ميكن أن تؤدي إىل نتائج غري عقالنية للغاية؛‬
‫ريا ما يؤدي ذلك إىل استغالل األقليات وكبح حرياتهم‪ ،‬وكل ذلك باسم‬
‫وكث ً‬
‫«الدميقراطية»‪.‬‬

‫لهذه األسباب‪ ،‬يؤكد الليرباليون الكالسيكيون أن صنع القرار الدميقراطي‬


‫يجب أن يتقيد بقواعد معينة‪ ،‬ويجب أن يركز‪ ،‬بدقة‪ ،‬عىل تلك القضايا التي ال ميكن‬
‫البت فيها بأي طريقة أخرى‪ .‬من املؤكد أن الدميقراطية التمثيلية هي أفضل شكل‬
‫‪80‬‬
‫مبتكر من أشكال الحكومة حتى اآلن‪ ،‬والتي يجعل الكثري من الناس (وتقريبًا كل‬
‫أولئك الذين كانوا يف السلطة) يزعمون أنه يجب تحديد املزيد واملزيد من األشياء‬
‫عن طريق العملية الدميقراطية‪ .‬لكن يعني هذا البت فيها من خالل العملية‬
‫السياسية‪ .‬والسياسة ليست دامئا قوة حميدة‪ .‬فكلام زادت األمور املحددة سياسيًا‪،‬‬
‫أصبح من األسهل تقويض حقوق وحريات األفراد‪ ،‬واستغالل أولئك الذين ميارسون‬
‫القوة القرسية للدولة األقليات أو قمعها‪.‬‬

‫باملقابل‪ ،‬بالنسبة إىل ليربايل كالسييك‪ ،‬تعد الحقوق والحريات للجميع‪:‬‬


‫فهي ليست مسألة أعداد وأغلبية‪ .‬إن الدميقراطية التمثيلية األصلية ليست مثل‬
‫الديكتاتورية املنتخبة‪ ،‬وال ينبغي السامح لها بالتحول إليها‪ .‬فال يرخص نجاح‬
‫االنتخابات لألغلبية الفائزة معاملة اآلخرين وفق اختيارها‪.‬‬

‫باإلضافة إىل تقييد العملية الدميقراطية ‪-‬السياسية‪ -‬يف تحديد القضايا التي‬
‫يجب البت فيها وال ميكن ذلك إال جامع ًيا‪ ،‬يسعى الليرباليون الكالسيكيون أيضً ا إىل‬
‫حامية حقوق وحريات جميع األفراد عن طريق فرض قيود عىل كيفية سري العملية‬
‫وكيفية اتخاذ مثل هذه القرارات‪.‬‬

‫الدساتري والحرية‬
‫الدستور هو إحدى طرق تحديد تلك القيود‪ ،‬ومنحها قوة ال ميكن أن يتجاوزها‬
‫بسهولة أولئك الذين يصادف أنهم يف األغلبية ويف السلطة آنذاك‪ .‬ال ينجح هذا‬
‫‪81‬‬
‫دامئًا‪ :‬فحتى البلدان التي تبدو ذات دساتري ليربالية قوية ليست محصنة ضد‬
‫الزيادات الرسيعة يف حجم الحكومة ومن تقويض األغلبيات للحقوق والحريات‬
‫الفردية‪ .‬يصعب حامية الحريات الدستورية إذا فقد عامة الشعب فهمهم ألهميتها‬
‫وعزمها عىل حاميتهم‪ .‬يصعب حامية الحريات الدستورية إذا فقد عامة الشعب‬
‫فهمهم ألهميتها وعزمها عىل حاميتهم‪.‬‬

‫لكن يعتقد الليرباليني الكالسيكيني عمو ًما أن وضع قيود دستورية مينحنا أفضل‬
‫فرصة لحامية الحقوق والحريات الفردية‪.‬‬

‫ومن خالل قواعد مثل فصل السلطات والضوابط واملوازين ‪-‬مثل الحكومة‬
‫املتعددة الغرف‪ ،‬والنظام الفيدرايل‪ ،‬واملراجعة القضائية‪ -‬ميكننا أن نحاول منع‬
‫جامعات املصالح املكتسبة من السيطرة عىل عملية صنع القرار بأكملها‪.‬‬

‫ولن يضمن الدستور الليربايل الكالسييك أن سلطة الحكومة محدودة‬


‫ومنقسمة فحسب‪ .‬سيضمن أيضً ا تطبيق القوانني بالتساوي عىل الجميع‪ ،‬بحيث ال‬
‫ميكن معاملة مجموعات املصالح الخاصة ‪-‬مبن فيهم السياسيون واملسؤولون‬
‫الحكوميون أنفسهم‪ -‬معاملة خاصة‪.‬‬

‫قد يعني هذا الدستور أيضً ا حدود سلطة الدولة بتحديد الحقوق األساسية‬
‫لألفراد‪ ،‬والتي ال متلك الدولة أي سلطة عليها (ألنه ال ميكن أن ينقل مواطنيه‬
‫املؤسسني سلطة إىل الدولة لإلرضار بحقوق اآلخرين والتي ال ميلكونها هم‬
‫أنفسهم)‪ .‬ويف حني أن وثيقة الحقوق هذه قد تذكر الجميع بشكل مفيد بالحقوق‬

‫‪82‬‬
‫األساسية مثل الحياة‪ ،‬والحرية‪ ،‬وامللكية‪ ،‬وحرية التعاقد‪ ،‬والفكر والكالم‪ ،‬لكن ال‬
‫ميكنها تعديد كل حق وحرية‪ .‬وكام يقول هوبز‪ ،‬يجب أن نكون أحرا ًرا يف فعل أي‬
‫يشء ضمن «صمت القانون» ‪ -‬لكن سيكون النظام القانوين الذي يحاول رسد كل‬
‫طويال‪،‬‬
‫ً‬ ‫ما ميكننا القيام به‪ ،‬بدالً من األشياء القليلة التي ال ميكننا القيام بها‪،‬‬
‫ومعق ًدا‪ ،‬ومعي ًبا ومقيد عىل نحو مؤمل‪.‬‬

‫بل ينبغي أن يكون هناك افرتاض عام بأن الناس أحرار يف السعي لتحقيق‬
‫غاياتهم بأية وسيلة سلمية‪ ،‬مع مراعاة بعض االستثناءات املنصوص عليها يف‬
‫القانون‪ .‬وال حاجة إىل توضيح حرياتنا العديدة‪ ،‬الوارد ذكر معظمها ضمنًا يف‬
‫االفرتاض العام للحرية‪.‬‬

‫رشعية الحكومة‬

‫كام أشار الكاتب والسيايس السويرسي الفرنيس بنجامني كونستانت (‪-1767‬‬


‫‪ ،)1830‬ال توجد الدساتري لتقوية قادتنا‪ ،‬بل لتقييدهم‪ .‬ال يحق ألي منا أن يحكم‬
‫أي شخص آخر؛ يجب أن تكون مسألة ترايض‪ .‬وإذا فقدت الحكومة رضا العامة‪،‬‬
‫فإنها تفقد سلطتها بالكامل‪ ،‬وتصبح قوتها القرسية غري رشعية‪.‬‬

‫يجب أن يبقي ذلك الحكومة محدودة‪ ،‬وكام ذكّرنا فرانك نايت‪ :‬لن نتمكن أب ًدا‬
‫من االتفاق عىل أي مجموعة واسعة من السلطات‪ .‬لكن الحكومات مقيدة أيضً ا‬
‫بخطر التمرد ‪ -‬وهو محق متا ًما أيضً ا‪ ،‬بحسب رأي لوك وبني‪.‬‬
‫‪83‬‬
‫ظلام‬
‫ومع ذلك‪ ،‬نظ ًرا للقوة القرسية املتاحة لها‪ ،‬يظل بإمكان أكرث الحكومات ً‬
‫البقاء لفرتة طويلة ج ًدا‪ .‬تعد االنتخابات‪ ،‬بكل عيوبها‪ ،‬أكرث طريقة سلمية لعزل‬
‫الحكومات‪ .‬وهي‪ ،‬مثل الدساتري‪ ،‬ليست موجودة الختيار قادتنا‪ ،‬بل لتقييدهم‪ .‬إن‬
‫صامم األمان هذا مهم للغاية‪ :‬فكام يرص الليرباليون الكالسيكيون‪ ،‬ال ينبغي أن‬
‫يخضع األفراد للقرارات التعسفية التي يتخذها اآلخرون‪ ،‬حتى لو كانت حكومة ذات‬
‫شعبية كبرية‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫‪ .7‬املجتمع الليربايل الكالسييك‬

‫طاملا أن الليرباليني الكالسيكيني يشككون يف سلطة الحكومة‪ ،‬يصبح مرشو ًعا‬


‫سؤالهم عن رأيهم حول الطريقة األنسب لتنظيم املجتمع؛ يقدمون يف الواقع‬
‫ريا متينًا لكيفية تنظيم املجتمع نفسه‪ ،‬دون الحاجة إىل وجود سلطة مركزية‬
‫تفس ً‬
‫– وهذه فكرة النظام العفوي‪.‬‬

‫أنظمة عفوية‬

‫إن فكرة النظام العفوي قدمية العهد‪ ،‬ومن املؤكد أنها تعود إىل زمن الفيلسوف‬
‫الفرنيس مونتسكيو (‪ ،)1755–1689‬الذي رشح كيف يستطيع األفراد‬
‫الوصوليون الحريصون عىل مصلحتهم الذاتية‪ ،‬عن غري قصد‪ ،‬خلق نظام اجتامعي‬
‫مفيد عمو ًما‪ .‬وصف عامل التنوير اإلسكتلندي آدم فريغسون (‪)1816–1723‬‬
‫املؤسسات االجتامعية بأنها «نتيجة عمل برشي‪ ،‬وليست نتيجة تصميم برشي» –‬
‫وهي فكرة أسامها آدم سميث «اليد الخفية»‪.‬‬

‫يف اآلونة األخرية‪ ،‬عمل هايك عىل تحديث الفكرة‪ .‬ون ّوه مبيلنا إىل تقسيم العامل‬
‫إىل طبيعي واصطناعي – أي تص ّور األشياء الطبيعية عىل أنها برية‪ ،‬وغري‬
‫عقالنية‪ ،‬وتفتقر إىل الهيكلية والتنظيم‪ ،‬بينام تكون االصطناعية مخطط ًة‪،‬‬
‫وعقالني ًة‪ ،‬ومنظم ًة ومنهجي ًة – وعليه نفرتض ببساطة أنها األفضل‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫لكن هايك يرى فئة أخرى من األشياء املنظمة‪ ،‬لكنها ليست مخططة أو متعمدة‪.‬‬
‫ومن أمثلتها أرساب اإلوز املهاجرة عىل شكل حرف ‪ ،V‬أو املجتمعات املعقدة للنحل‬
‫أو النمل األبيض‪ .‬مل تُصمم هذه الهياكل االجتامعية نتيجة وعي املخلوقات املعنية‪،‬‬
‫لكنها نتيجة منظمة لسلوكها الفردي‪.‬‬

‫مثال مل‬
‫تظهر مثل هذه األنظمة العفوية يف املجتمع البرشي أيضً ا‪ .‬فلغتنا املعقدة ً‬
‫تُصمم وقواعدها عم ًدا من قبل أي شخص‪ ،‬بل منت ببساطة ألنها أظهرت فائدتها‪.‬‬
‫(من املثري لالهتامم أن لغة اإلسربانتو‪ ،‬املصممة عم ًدا لتكون لغ ًة أوروبي ًة شامل ًة‪ ،‬مل‬
‫تحصل عىل أي شعبية تُذكر‪ ،‬بينام ازدهار اللغات األخرى العفوية يف أوروبا ما‬
‫يزال مستم ًرا)‪.‬‬

‫وباملثل‪ ،‬مل يُخلق القانون العام عن قصد‪ ،‬مثلام نشأ قانون نابليون الترشيعي؛‬
‫علام أن األسواق‬
‫انبثق ببساطة من آالف األحكام الصادرة يف قضايا فردية‪ً .‬‬
‫واألسعار واملال تطورت أيضً ا بسبب فوائدها‪ ،‬ال ألن أح ًدا اخرتعها بوعي‪.‬‬

‫نستنتج أن األنظمة االجتامعية ال تحتاج إىل حكومة‪ ،‬أو تخطيط‪ ،‬لتكون وظيفية‬
‫أو فعالة أو حتى عقالنية‪ .‬إنها تظهر من طريق تفاعل األفراد الحر‪ ،‬إذ يسعى كل‬
‫منهم إىل تحقيق أهدافه الخاصة‪ ،‬مع احرتام حقوق اآلخرين وحرياتهم‪ .‬ومن‬
‫املرجح أن يؤدي تدخل الحكومة إىل تحويل هذا النظام إىل فوىض‪.‬‬

‫تطور األنظمة العفوية‬


‫‪86‬‬
‫تأخذ األنظمة العفوية مسا ًرا تطوريًا؛ تتغري اللغة والقانون العام واألخالق‬
‫والعادات واألسواق وتتكيف مع احتياجات العرص‪ .‬إن مثل هذه األوامر ذايت‬
‫التنظيم والرتتيب عمو ًما – تتطلب بعض القواعد العامة إلبقاء عملها مستم ًرا‪ ،‬دون‬
‫حاجتها إىل أي فرد لتصميمها وتخطيطها‪.‬‬

‫قد ال تتكيف األنظمة تكيفًا مثال ًيا طوال الوقت‪ ،‬لكن ما يتأقلم منها بصورة جيدة‬
‫يستمر وجوده ويزدهر متفوقًا عىل بقيتها‪ .‬وسيكون هذا التقدم التطوري القائم‬
‫عىل التجربة والخطأ أرسع بكثري عندما ميتلك األفراد حرية إنتاج أفكارهم الخاصة‬
‫بك ّم أكرب مام يكون عليه الحال يف ظل سيادة أفكار أصحاب السلطة فقط‪.‬‬

‫من األمثلة عىل ذلك يُذكر حشد من الناس يف محطة قطارات مزدحمة؛ يندفعون‬
‫نحو قطارات مختلفة وعرب مخارجها ومداخلها‪ .‬بطريقة ما‪ ،‬يصل الجميع إىل‬
‫وجهاتهم دون االصطدام ببعضهم‪ .‬وهذا ألن كل واحد منهم يعدل اتجاهه آخذًا يف‬
‫االعتبار أن اآلخرين يعرتضون طريقه‪ .‬قد يكون طريقهم النهايئ بني القطار‬
‫مستقيام‪ ،‬لكنهم يصلون إىل وجهتهم برسعة‬
‫ً‬ ‫واملدخل بعي ًدا ج ًدا عن كونه خطًا‬
‫عمو ًما ودون وقوع حوادث‪ .‬وإذا بحثنا عن البديل – توجيه هؤالء اآلالف عرب‬
‫كابوسا إداريًا‪.‬‬
‫ً‬ ‫السؤال عن وجهتهم ثم رسم أكرث الطرق كفاءة عرب املحطة – سنجد‬
‫لكن ومن حسن الحظ‪ ،‬تحل املشكلة نفسها بتلقائية مطلقة‪.‬‬

‫القواعد والنظام‬

‫‪87‬‬
‫تحل املشكالت آنفة الذكر نفسها ألننا نتكيف مع اآلخرين بطرائق ميكن التنبؤ بها‬
‫– يف حالة املحطة‪ ،‬نحاول تجنب االصطدامات من طريق اإلشارة إىل املكان الذي‬
‫نتجه إليه مبهارة والتكيف مع إشارات اآلخرين أيضً ا‪ .‬مثل هذه القواعد السلوكية‪،‬‬
‫أو «اآلداب العامة»‪ ،‬تعطي نتيج ًة تلقائي ًة ومفيدةً‪ .‬يف سيناريو معاكس متا ًما‪ ،‬إذا‬
‫ترصفنا جمي ًعا بصورة غري متوقعة‪ ،‬لن ينتج عن ترصفنا سوى االرتباك والرصاع‪.‬‬

‫بالنظر إىل واقع األنظمة العفوية‪ ،‬قد ال تُس َّجل هذه «اآلداب»‪ ،‬وقد تكون‬
‫معقد ًة للغاية‪ .‬فالنحل‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬ال ميلك مهارة الكتابة وال البنية اآلمرة‪،‬‬
‫ومع ذلك يحافظ عىل مستعمرات مزدهرة من ‪ 50,000‬نحلة أو أكرث‪ ،‬ببساطة عرب‬
‫العمل املنظم لكل فرد‪.‬‬

‫فيام يتعلق باألنظمة البرشية‪ ،‬يؤكد تالميذ املدارس أن قواعد النحو‪ ،‬التي‬
‫بُنيت عليها لغتنا‪ ،‬صعبة الوصف‪ ،‬رغم أننا نستخدمها دون تفكري كل يوم‪ .‬وينطبق‬
‫اليشء نفسه عىل قواعد العدالة‪ ،‬أو املعاملة العادلة‪ ،‬أو األخالقيات؛ ميكننا إدراك‬
‫حدوث خلل يف القواعد عند حدوثه‪ ،‬رغم أننا ال نستطيع دامئًا رشح ماهيتها‪.‬‬

‫بعدها تطورت هذه القواعد الداعمة للنظام ألنها مفيدة وتكيفية‪ ،‬ال ألننا‬
‫صممناها بوعي‪ .‬تضع قيو ًدا طوعية عىل أفعالنا‪ ،‬ما يجعلها متوقع ًة بصورة‬
‫أوضح‪ ،‬وعليه تسهل الحياة االجتامعية‪ .‬تشكل القواعد مثل حقوق امللكية والتقاليد‬
‫والعادات واألخالق والصدق واالحرتام والعادة موقد النار الحاوي عىل نار الحرية‬

‫‪88‬‬
‫الفردية‪ .‬مل يخرتعها أحد‪ ،‬ومع ذلك تشتمل عىل «حكمة» غري واعية حول كيفية‬
‫الترصف يف سبيل تعزيز التفاعل االجتامعي السلس‪.‬‬

‫العدل وسيادة القانون‬

‫مستحيال‬
‫ً‬ ‫إن النظام العفوي هكذا يكون معتم ًدا عىل السلوك الفردي املتوقع ويغدو‬
‫التخيل عنه‪ .‬وأساس نظامنا االجتامعي أو السيايس‪ ،‬كام يرى الليرباليون‬
‫الكالسيكيون‪ ،‬هو قواعد العدالة‪.‬‬

‫مثل النحو‪ ،‬ال تُصمم قواعد العدالة بوعي‪ ،‬بل تتطور ألنها نافعة؛ ونتبعها‬
‫عىل نطاق واسع‪ ،‬مع أننا غري قادرين دامئًا عىل رشح ماهيتها بدقة‪ .‬نحاول بكل‬
‫تأكيد تدوينها وتأطريها يف كتب القانون‪ .‬وهنا لسنا من يخلق قواعد العدالة‪ ،‬بل‬
‫من يحاول اكتشاف ماهيتها‪.‬‬

‫فمثال‬
‫ً‬ ‫يستطيع املرشعون مترير «القوانني»‪ ،‬لكنها قد ال تكون مجرد قوانني‪.‬‬
‫قد تؤدي إىل أثر رجعي (معاقبة األشخاص عىل أفعال مل تكن إجرامية وقتها)‪ ،‬أو‬
‫رمبا يتعذر تنفيذها (االمتثال لها مستحيل)‪ ،‬أو تكون غري مفهومة (متناقضة أو‬
‫تعقيدها يفوق الفهم)‪ ،‬أو مطبقة تطبيقًا غري عادل – وكلها حاالت تيسء إىل فكرة‬
‫العدالة التي نشأنا عليها‪ ،‬أو كام يقول بعض الليرباليني الكالسيكيني‪ ،‬تيسء إىل‬
‫القانون الطبيعي‪ .‬وعليه فإن مثل هذه الترشيعات ال تستحق اسم «قانون»‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫سيادة القانون‬

‫يؤمن الليرباليون الكالسيكيون أن النظام االجتامعي العفوي والتعاوين واملتوقع‬


‫والسلمي واملستقر والعادل ال ينشأ إال عرب اتباع قواعد عامة (دون وجود كتلة‬
‫محرية من االستثناءات) وعاملية (تنطبق عىل الجميع) ومستقرة (ال تتغري كث ً‬
‫ريا‬
‫لتاليف ارتباك األفراد بشأن ماهيتها)‪.‬‬

‫نظ ًرا إىل عجز معظمنا عن رشح قواعد النحو‪ ،‬ناهيك عن قواعد الحياة‬
‫االجتامعية‪ ،‬يغدو منطق ًيا إبقاء األمور بسيطة‪ .‬إن وجود قواعد عامة ومستقرة‬
‫يعني أن الجميع يعرف املتوقع منها‪ ،‬ما يرفع بدوره قابلية توقع أفعالنا‪ ،‬ويعزز‬
‫ثقتنا عند وضع الخطط‪ .‬واألمر نفسه ينطبق عىل القواعد العاملية – مع امليزة‬
‫الجوهرية اإلضافية التي تجعل تفضيل أشخاص أو مجموعات معينة أو استغاللها‬
‫مستحيال‪.‬‬
‫ً‬ ‫أم ًرا‬

‫هذا حكم القانون‪ ،‬عىل عكس الحكم التعسفي ألصحاب السلطة‪ .‬يؤكد‬
‫الليرباليون الكالسيكيون عىل دوره يف منع السياسيني والرشطة واملحاكم‬
‫واملسؤولني اآلخرين من إساءة استخدام سلطتهم القرسية‪ .‬دون إغفال أنه يعفينا‬
‫من رشور شائعة عديدة‪ :‬االعتقال التعسفي‪ ،‬والسجن دون محاكمة‪ ،‬والخطر‬
‫املزدوج (املحاكمة مرات عدة عن الجرمية نفسها)‪ ،‬واملحاكامت الجائرة‪ ،‬وانحياز‬
‫القضاة‪ ،‬وتزوير االنتخابات‪ ،‬والترشيعات غري العادلة‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫حامية سيادة القانون‬

‫مع أن الليرباليني الكالسيكيني يؤمنون بالحكومة محدودة الصالحيات‪ ،‬إال أنهم‬


‫يرون يف الحفاظ عىل سيادة القانون مهم ًة غري هينة‪ .‬إذ يتطلب األمر آليات تضمن‬
‫علنية االنتخابات والتعيينات ونزاهتها‪ ،‬مع الحفاظ عىل استقالل القضاة‪ ،‬والتدقيق‬
‫يف عمومية القوانني وعامليتها‪ .‬وهذا يقتيض تخصيص موارد لنظام العدالة‪ :‬ال‬
‫مثال إذا استغرق األمر سنوات حتى تصل القضايا إىل املحكمة بسبب‬
‫تتحقق العدالة ً‬
‫البريوقراطية‪ ،‬أو إذا كانت رواتب رجال الرشطة والقضاة شحيحة ما يدفعهم إىل‬
‫االعتامد عىل تلقي الرشاوى بدالً من ذلك‪.‬‬

‫تستطيع الدساتري أن تساعد عىل حامية هذه العدالة الطبيعية‪ :‬ميكنها‬


‫ترسيخ األصول اإلجرائية السليمة للنظام القانوين‪ ،‬لضامن املعاملة العادلة؛‬
‫وتحديد املجال الشخيص الذي ال تتدخل به الترشيعات أو املسؤولون‪ .‬ميثل تقليد‬
‫القانون العام حص ًنا آخر للحرية‪ :‬تُبثّ القضايا الفردية ويُنظر فيها يف املحكمة‪،‬‬
‫وهكذا نعزز فهمنا ملاهية قواعد العدالة يف الواقع‪ .‬أما الدرع الثالث فهو حرية‬
‫التعبري‪ :‬إذا ُسمح لألفراد بانتقاد الترشيعات وإقامة العدل عالنية‪ ،‬ستخضع عملية‬
‫الترشيع لتدقيق أكرب‪ ،‬إذ ميتلك األفراد صوت االعرتاض الفعال عىل الترشيعات‬
‫واإلجراءات القانونية غري العادلة‪.‬‬

‫تهديدات لسيادة القانون‬

‫‪91‬‬
‫إن كل هذا بعيد ج ًدا عن وجهة نظر العديد من املرشعني اليوم‪ ،‬الذين يبتغون إذعان‬
‫املحاكم لألغلبية املنتخبة‪ ،‬التي‪ ،‬كام يقولون‪ ،‬عىل اتصال أوثق بالشواغل العامة‬
‫مقارن ًة بالقضاة‪ .‬إنهم يتجاهلون القيود الدستورية‪ ،‬بحجة فهمهم الظروف الحالية‬
‫فهام أفضل من واضعي الدستور منذ عقود أو قرون‪ .‬وال يرون وجود الحقوق أم ًرا‬
‫ً‬
‫ومقدسا‪ ،‬بل امتيازات متنحها لنا الهيئة الترشيعية‪ .‬وعليه يجب أن يعزز‬
‫ً‬ ‫طبيع ًيا‬
‫الترشيع «املصلحة العامة» باعتقادهم‪ ،‬حتى عىل حساب الحرية الفردية‪.‬‬

‫لكن أي ترشيع تقري ًبا‪ ،‬مهام كان جائ ًرا أو قرسيًا‪ ،‬ميكن تربئته بحجة‬
‫حتام‪ .‬وبعي ًدا عن كونهم غري‬
‫«املصلحة العامة» – التي يحددها املرشعون أنفسهم ً‬
‫واقعيني‪ ،‬فإن الليرباليني الكالسيكيني يرون أن املحاكم متثل الويص الرئييس عىل‬
‫الحق الفردي والحريات‪ ،‬مع الحرص عىل تحقيق أهداف املرشعني قصرية املدى‬
‫ومصالحهم الراسخة‪ ،‬وإلغاء الترشيعات الجائرة والتأكد من إطاعة الجميع‬
‫للقوانني فقط‪ ،‬حتى أصحاب السلطة‪.‬‬

‫ولهذا السبب دافع هايك بقوة عن فكرة أن القانون العام‪ ،‬الذي نتج عن‬
‫النزاعات التي عولجت يف املحاكم‪ ،‬يضمن إحقاق العدالة بصورة أفضل من القوانني‬
‫التي يقرها السياسيون – وهذا ما يؤيده معظم الليرباليني الكالسيكيني‪ .‬بالنسبة‬
‫إليهم‪ ،‬تتطلب سيادة القانون تطبيق القواعد القانونية تطبيقًا عادالً وموح ًدا عىل‬
‫الجميع‪ .‬يف حني أن القانون العام ينطبق عىل هذا الوصف عمو ًما‪ ،‬غال ًبا ما تظهر‬
‫القوانني التي وضعها السياسيون مصمم ًة لتفضيل (أو ازدراء) مجموعات معينة‬

‫‪92‬‬
‫– وهذا أحد األسباب التي تجعل الليرباليني الكالسيكيني يشككون يف مثل هذا‬
‫الترشيع‪.‬‬

‫عقالنية األنظمة الطبيعية‬

‫حتام بربريًا‬
‫رغم تصور الكثريين أن املجتمع املجرد من التوجيه املركزي سيكون ً‬
‫وغري عقالين‪ ،‬يؤمن الليرباليون الكالسيكيون أن األنظمة العفوية أكرث عقالنية‪ .‬إذ‬
‫تفوق قدرتها عىل معالجة املعلومات وتوظيفها قدرة املجتمعات املركزية بكثري‪ ،‬ما‬
‫يفيض إىل اتخاذ قرارات أفضل‪ ،‬وتالؤم أرسع مع الظروف املتغرية‪ ،‬وإحراز تقدم‬
‫أكرب‪( .‬للتوضيح‪ ،‬يُذكر التخلف االقتصادي للكتلة السوفيتية القدمية ذات التوجه‬
‫املركزي‪ ،‬مقارن ًة بجريانها الغربيني األقل مركزية)‪.‬‬

‫جل‬
‫يرى هايك أن السبب‪ ،‬الذي رسم تفاصيل هذا الخط الفكري‪ ،‬هو كون ّ‬
‫املعرفة التي يعتمد عليها التقدم االجتامعي معرف ًة مشتت ًة‪ .‬إذ إنها محلية وشخصية‬
‫ومجزأة وجزئية وال ميكن جعلها مركزية‪.‬‬

‫يتمتع األفراد العاديون بفهم أفضل لظروفهم الخاصة من السلطات املركزية‬


‫يف أي حال من األحوال‪ .‬دون إغفال امتالكهم مهارات تخصصية وفهم شخيص‬
‫أعمق لسوقهم الخاص واحتياجات عمالئهم وقيمهم‪ .‬وهكذا يصبح الكثري من‬
‫معلومات السوق املتغرية وامل ُعالجة قدمي ًة حتى قبل نقلها إىل بعض وكاالت‬
‫التخطيط املركزية‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫قد يجادل البعض بأن تطبيقات مثل أوبر‪ ،‬والحواسيب العمالقة الحديثة‪،‬‬
‫تتيح جمع بيانات السوق املتغرية برسعة ومعالجتها‪ ،‬مثل الطلب املتقلب عىل‬
‫سيارات األجرة وتوافرها يف أي زمان ومكان معينني‪ .‬صحيح أن املقياس الذي‬
‫نستند إليه لجمع املعلومات واستخدامها بكفاءة سوف يتغري مبرور الوقت‬
‫وباختالف االستخدام‪ ،‬لكن الحاجة إىل عملية تنافسية الكتشاف أفضل طريقة‬
‫لجمع املعلومات يف ضوء التكنولوجيا املتاحة وتفسريها واستخدامها تبقى قامئ ًة‪.‬‬
‫تُعالج هذه املعلومات وتُوظف بطرائق مختلفة عىل يد أشخاص مختلفني يف‬
‫سلسلة العمليات – أوبر أو رشكة سيارات األجرة‪ ،‬والسائقني‪ ،‬والعمالء‪ .‬ببساطة‪،‬‬
‫يعجز التخطيط املركزي عن محاكاة هذا‪.‬‬

‫عىل أي حال‪ ،‬فإن املشكلة ليست يف الحوسبة بل يف الفهم‪ .‬وبكل تأكيد لن‬
‫تقدم أي سلطة مركزية حكومية معالجة أفضل للبيانات‪ .‬ولن تنجح بالتنبؤ بطلب‬
‫العمالء سيارات األجرة (إذ يتغري الطلب باستمرار بسبب حاالت الطوارئ العائلية‬
‫أو الطقس أو تأخريات النقل العام أو غريها)‪ .‬ال ميكننا أيضً ا توقع امتالك‬
‫املخططني املركزيني املعرفة املفصلة نفسها التي ميتلكها سائقو سيارات األجرة‬
‫حول عوامل مثل الطقس املحيل‪ ،‬وإغالق الطرق املؤقت والطرق البديلة‪ ،‬واألحداث‬
‫املحلية التي تجذب حشو ًدا كبرية‪ ،‬وعوامل أخرى ال حرص لها تؤثر يف السوق‪.‬‬

‫حا بالتكيف‬
‫يف السياق ذاته‪ ،‬يُعنى املوردون املحليون بصورة أكرث إلحا ً‬
‫الرسيع مع الطلب املحيل‪ ،‬أكرث من املخططني املركزيني‪ .‬فدوافعهم هي التي تقود‬

‫‪94‬‬
‫التقدم‪ :‬مع وجود آالف املوردين الذين يتنافسون جمي ًعا عىل األعامل التجارية‪،‬‬
‫ستزداد وترية االبتكار بصورة أرسع مام سيكون عليه الحال إذا تُركت لهيئة مركزية‬
‫واحدة‪ .‬وحتى فشل االبتكارات عىل الصعيد الفردي يدعم أحقيتهم به‪ ،‬إذ ميكن‬
‫التخيل عنها بخسائر محلية متواضعة؛ يف حني أن االبتكار عىل الصعيد الوطني‬
‫تحت إرشاف وكالة التخطيط املركزية يخاطر بكارثة عىل مستوى اقتصاد البالد‪.‬‬

‫ال يعني ما سبق أن املجتمع العفوي قائم بال تخطيط‪ :‬بل عىل العكس‪ ،‬يعتمد‬
‫عىل خطط ماليني األفراد‪ ،‬واملعرفة التخصصية لكل منهم‪ ،‬بدالً من اعتامد هيئة‬
‫تخطيط واحدة‪ .‬مثل هذا املجتمع‪ ،‬املبني عىل كم هائل من املعرفة الفردية املشتتة‪،‬‬
‫معقد ج ًدا لدرجة يعجز فيها أي عقل مركزي عن فهمه‪ .‬وهذا ما يفرس جزئ ًيا شكوك‬
‫الليرباليني الكالسيكيني يف سلطة الحكومة‪ ،‬ال سيام محاوالت إعادة تصميم‬
‫فهام تا ًما‪ ،‬فمن غري‬
‫املجتمع ككل‪ .‬إذا مل نتمكن من فهم مؤسساتنا االجتامعية ً‬
‫املرجح نجاحنا يف إعادة تصميمها‪.‬‬

‫املجتمع املدين‬

‫ال يتخيل الليرباليون الكالسيكيون أعضاء املجتمع العفوي أفرا ًدا منعزلني ومتفرقني‬
‫(رغم وجود تلميحات عىل ذلك بني منظري العقد االجتامعي األوائل‪ ،‬ومؤخ ًرا يف‬
‫مفاهيم االقتصاديني عن التوقعات العقالنية واإلنسان االقتصادي العقالين‬
‫يل)‪ .‬إنهم يعون أنهم ليسوا آليني أو منسلخني عن العامل الحقيقي‪.‬‬
‫الوصو ّ‬

‫‪95‬‬
‫بدالً من ذلك‪ ،‬إما باالختيار أو منذ الوالدة‪ ،‬يكون األفراد أعضا ًء يف مجموعات‬
‫مختلفة ومتداخلة‪ ،‬ذات والءات عائلية وأخالقية ودينية وثقافية وأخرى‪ .‬تتأثر‬
‫قيمهم بهذه الوالءات‪ ،‬ويعولون عىل والء أقرانهم املتبادل‪ .‬يسعون إىل طموحاتهم‬
‫من طريق العملية السياسية بقدر أقل من سعيهم إليها عرب مؤسسات املجتمع‬
‫املدين هذه – الجمعيات الخريية والنقابات وجامعات املساعدة الذاتية والحمالت‬
‫واألديان والعديد من التجمعات األخرى‪.‬‬

‫ينتقد الشيوعيون والفاشيون املجتمع املدين بشدة ألنه برأيهم يرصف والء‬
‫األفراد بعي ًدا عن الدولة‪ .‬يعتز الليرباليون الكالسيكيون بفكرة املجتمع املدين للسبب‬
‫نفسه بالضبط‪ .‬بالنسبة إليهم‪ ،‬ميكّن املجتمع املدين األفراد من متابعة أهدافهم‬
‫الخاصة دون الخضوع لسلطة سياسية مركزية فعالة‪ .‬وبكل تأكيد‪ ،‬بوسع مختلف‬
‫األفراد السعي خلف تحقيق أهداف متناقضة عىل نحو متبادل‪ ،‬دون االضطرار إىل‬
‫التضحية بطموحاتهم لصالح رأي األغلبية‪ .‬عالو ًة عىل ذلك‪ ،‬تصبح حجة الحكومات‬
‫لتويل سلطات إضافية أضعف إذا كان املجتمع املدين قويًا‪ .‬فوجود قطاع خريي‬
‫مثال يعكس حاجة أقل إىل إنشاء نظام رعاية حكومية – أمر يريح الليرباليني‬
‫نشط ً‬
‫الكالسيكيني‪ ،‬ألنهم يخشون منو السلطة املركزية واحتامل إساءة استخدامها‪ .‬ومن‬
‫املنطقي تنفيذ املهام محل ًيا وبأساليب مختلفة‪ ،‬بدالً من محاولة تنفيذها بيد سلطة‬
‫مركزية بعيدة‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫يرحب بعض الليرباليني الكالسيكيني باملجتمع املدين ألنه يحمينا‪ ،‬ال من‬
‫فمثال انتقد‬
‫ً‬ ‫مخاطر املركزية املفرطة فحسب‪ ،‬بل أيضً ا من مخاطر الفردية املفرطة‪.‬‬
‫املفكر السيايس الفرنيس واملؤرخ ألكسيس دو توكفيل (‪ )1859–1805‬الفردانية‬
‫األمريكية ألنها تخنق الفضيلة املدنية وضبط النفس‪ ،‬ما يفتح الباب أمام استبداد‬
‫الجامهري‪ ،‬بدعم من سلطة الدولة‪.‬‬

‫النظام العفوي والحقوق الطبيعية‬

‫قد تجدر اإلشارة إىل الرصاع بني أفكار النظام العفوي والحقوق الطبيعية‪ .‬إذا‬
‫تطور املجتمع عفويًا‪ ،‬فال حاجة إىل عقد اجتامعي بني األفراد املنعزلني األحرار‬
‫جا للتفاوض العقالين‪ ،‬لكنه النتيجة التطورية غري‬
‫لتفسري ذلك‪ .‬وهذا ليس نتا ً‬
‫املقصودة بتاتًا لألفراد املتكيفني مع ترصفات بعضهم‪.‬‬

‫بالنسبة إىل العديد من الليرباليني الكالسيكيني‪ ،‬يقرتح هذا نه ًجا أقل راديكالي ًة‬
‫وأكرث تحفظًا للقضايا االجتامعية مقارن ًة بنهج الحقوق الطبيعية‪ .‬من االنتقادات‬
‫املوجهة ملنهج الحقوق الطبيعية يُذكر إنتاجها املحتمل شي ًئا شبي ًها باألناركية‪ ،‬نظ ًرا‬
‫إىل االتفاق الضئيل بني األفراد املتفردين‪ ،‬والحريصني عىل حامية حقوقهم‬
‫الطبيعية‪ُ ،‬ملغني بذلك تقري ًبا أي دور للحكومة‪ .‬عىل النقيض من ذلك‪ ،‬يقرتح نهج‬
‫النظام العفوي أن االتفاق املتني ممكن وحقيقي فعل ًيا – حتى لو كان اتفاقنا غري‬
‫وا ِع ومفهو ًما بصعوبة‪.‬‬

‫‪97‬‬
98
‫‪ .8‬االقتصاد الليربايل الكالسييك‬

‫النظام العفوي يف السوق‬

‫إىل جانب الحرية االجتامعية والسياسية‪ ،‬ينارص الليرباليون الكالسيكيون أيضً ا‬


‫الحرية االقتصادية‪ .‬يؤمن الليرباليون الكالسيكيون بحرية الناس يف االبتكار‬
‫واال ّدخار وتجميع املمتلكات وتبادل األشياء فيام بينهم طو ًعا‪.‬‬

‫ولكنهم يؤمنون أيضً ا أن الحرية االقتصادية هي أفضل طريقة إلنشاء‬


‫االزدهار العام‪ .‬ذلك أن الحرية االقتصادية تتيح لألفراد أن يتأقلموا من أنفسهم مع‬
‫حاجات غريهم‪ ،‬وأن يتعاونوا ألجل املنفعة املتبادلة‪ ،‬وينشئوا بهذه العملية ثرو ًة‬
‫وقيم ًة لهم‪.‬‬

‫إن القوانني التي تنشئ هذا النظام العفوي هي قوانني امللكية والتعاقد‬
‫والصدق والعدل‪ .‬بني هذه القوانني ينمو نظام اقتصادي ال يُحاط بحجمه أو‬
‫مام يستطيع فهمه العقالء‪ ،‬يشمل العامل أجمع‪.‬‬
‫تعقيده– نظام أكرب وأعقد ّ‬
‫«معجزة» األسعار العفوية‬

‫إ ّن ما يحافظ عىل سهولة التك ّيف بني األنشطة االقتصادية ملاليني األفراد هو ما‬
‫سامه هايك «معجزة» نظام األسعار‪ .‬مل نبتكر هذه املعجزة– بل نشأت عف ًوا‪ ،‬من‬
‫ّ‬

‫‪99‬‬
‫تلقاء نفسها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يقود هذا النظام إنشاء القيمة ونرش االزدهار يف املجتمع‬
‫اإلنساين‪.‬‬

‫ليست األسعار إالّ ِن َسبًا يقبل الناس أن يتبادلوا األشياء عىل أساسها‪َّ .‬‬
‫يعرب عن‬
‫األسعار عاد ًة بالنقد– ولكن ذلك ألن النقد نشأ يف السوق سلع ًة نافعة ميكن‬
‫الحالقني ال َج ْوعى أن‬
‫مبادلتها بأشياء أخرى‪ .‬بعبارة ميلتون فريدمان‪ ،‬من مصلحة ّ‬
‫يبحثوا عن خ ّبازين يحتاجون إىل حالقة– وهو ما يجعل التبادل أسهل وأيرس‪.‬‬

‫الحظ أن األسعار ال تقيس القيمة‪ .‬القيمة‪ ،‬مثل الجامل‪ ،‬يف عني الناظر‪،‬‬
‫والناس ينسبون لليشء الواحد ق َي ًام مختلفة‪ .‬ومن أجل ذلك يتتاجرون‪ .‬فلنئ كان‬
‫الحالق الجائع يرى يف الخبز قيمة أكرب من مقدار النقد الذي سيطلبه الخ ّباز‪ ،‬فإن‬
‫ّ‬
‫الخ ّباز يرى يف النقد قيمة أكرب من الخبز‪ .‬يتّفق الطرفان عىل سعر‪ ،‬ولكن كل واحد‬
‫منهام ينسب قي َ ًام مختلفة لألشياء‪ ،‬وكل واحد يرى أنه استفاد من هذه التجرة‪.‬‬

‫األسعار نظا ًما للتواصل‬

‫تعرب عن الندرة‪ .‬تدل األسعار املرتفعة عىل أن الطلب يفوق العرض‪،‬‬


‫ولكن األسعار ّ‬
‫وتدل من ثم عىل أن املستهلكني مستعدون أن يدفعوا أكرث‪ .‬يحثّ املستهلكون‬
‫املنتجني عىل تلبية الطلب وزيادة إنتاجهم بتقديم أسعار أعىل ميكن أن يكسبوها‬
‫عند فعل ذلك‪ .‬أما األسعار املنخفضة‪ ،‬فهي كذلك تدل عىل أن الطلب ضعيف وأن‬
‫عىل املنتجني أن ينقصوا من إنتاجهم‪ .‬هكذا‪ ،‬تحدد األسعار املجاالت التي ميكن أن‬

‫‪100‬‬
‫تنتج فيها املوارد قيم ًة‪ ،‬وتدفع هذه املوارد إىل تلك املجاالت‪ ،‬وتبعدها عن املجاالت‬
‫األقل قيمة‪.‬‬

‫مثال‪ ،‬ولنأخذ هنا‬


‫هذه التك ّيفات النافعة تنترش من سوق إىل سوق‪ .‬افرتض ً‬
‫مثال هايك‪ ،‬أن املصنّعني وجدوا استعامالً جدي ًدا للصفيح‪ .‬سيطلب املصنعون مزي ًدا‬
‫منه‪ ،‬وسيستعدون لدفع أسعار أعىل للحصول عليه‪ .‬هذه األسعار األعىل تدفع‬
‫رشكات التعدين إىل إنتاج مزيد من الصفيح‪ ،‬وتدفع باعة الجملة أن يوفّروا‬
‫الصفيح‪ .‬ولكن يف الوقت نفسه‪ ،‬سيبدأ مستعملو الصفيح الحاليون بحثهم عن‬
‫بدائل أرخص‪ .‬سريفع هذا األمر سعر هذه البدائل– وهو ما سيدفع مستعميل هذه‬
‫البدائل إىل البحث عن بدائل أخرى‪ .‬تنترش سلسلة كاملة من التكيفات‪ ،‬كام ينترش‬
‫سامه هايك «نظام التواصل الضخم» يف‬
‫النار يف الهشيم– كل هذا بفضل ما ّ‬
‫األسعار‪ ،‬الذي يظهر للناس دامئًا املكان الذي تثمر فيه جهودهم ومواردهم أكرب‬
‫قيمة‪.‬‬

‫أسواق بال أوامر‬

‫خالفًا ملا تراه يف مخططات «التوازن» يف كتب الجامعة‪ ،‬التي تعرب عن التوازن‬
‫املستمر يف األسواق‪ ،‬يرى الليرباليون الكالسيكيون أن األسواق عملية ديناميكية‪،‬‬
‫مثل السيل ال يستقر يف مكان واحد‪ .‬ال يرى الليرباليون الكالسيكيون «االقتصاد»‬
‫نظا ًما مج ّر ًدا ميكانيك ًّيا‪ ،‬بل هو عندهم ظاهرة هي نتيجة غري متوقعة وال مخطط‬
‫لها‪ ،‬للتكيفات املتبادلة املستمرة من ماليني األفراد‪ ،‬الذين لكل منهم أهدافه وقيمه‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫هذا النظام االقتصادي العفوي‪ ،‬كغريه‪ ،‬نتيجة لقوانني ترصف متوقعة بني‬
‫األفراد الذين يشكلونه‪ .‬إنه نظام تدفعه املصلحة الذاتية والربح‪ ،‬ولكن تنظمه عوامل‬
‫منها التنافس والتعاقد وحقوق التملّك والعدل– املبادئ التي يعتقد الليرباليون‬
‫الكالسيكيون أن عىل الدولة أن تفرضها لتحافظ عىل نفع نظام السوق‪.‬‬

‫القوانني وامللكية‬

‫حقوق امللكية أساسية يف عمل هذا النظام النافع‪ .‬يستطيع أصحاب األمالك اآلمنة‬
‫أن يتاجروا بأشياء من أمالكهم مع من يرى يف هذه األشياء قيمة أكرب– ليستفيد‬
‫بذلك الطرفان‪ .‬بل إن امللكية اآلمنة تعني أن للناس أن ينتجوا ما يجيدون إنتاجه‬
‫ويبيعوه للناس ليشرتوا به ما يجيد الناس إنتاجه‪ .‬هذا التخصص‪ ،‬أو تقسيم العمل‪،‬‬
‫يجعل الجميع أكرث إنتاج ّية‪ ،‬مقارنة بأن يحاول كل فرد أن ينتج كل يشء لنفسه‪.‬‬

‫تتيح امللكية اآلمنة للناس أيضً ا أن يبنوا رأس مال‪ ،‬ويستثمروا يف أدوات‬
‫ومعدات تتيح لهم أن ينتجوا أكرث‪ ،‬وأرسع‪ ،‬وأفضل‪ .‬وتتيح لهم أن يقاوموا استغالل‬
‫األغلبيات السياسية‪ ،‬إذ تعطيهم ما يحتاجون إليه ملقاومة الحكومات الطاغية‪.‬‬

‫قوانني امللكية‬

‫متكّن حقوق امللكية الناس من امتالك األشياء واستعاملها‪ ،‬ومن منع غريهم من‬
‫مثال)‪ ،‬ومن نقلها إىل غريهم بالبيع‬
‫استعاملها‪ ،‬ومن اكتساب دخل منها (بتأجريها ً‬
‫أو اإلهداء‪ .‬هذه الحقوق يفرضها نظام عدل‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫ولكن رشعية امللكية تعتمد عىل اكتسابها من غري إكراه‪ .‬ميكن اكتساب امللكية‬
‫بالتجارة أو الهديّة‪ .‬أو رمبا بأخذ يشء ال يريده أحد غري آخذه‪ ،‬كأخذ قطعة من‬
‫أرض قفرة– ال يرض هذا األمر أح ًدا‪ ،‬حتى إذا استطاع املالك الجديد أن يرتبّح منها‪.‬‬

‫ال تقترص امللكية عىل األرض واألبنية واألمالك املنقولة‪ .‬بل ميكن أن تشمل‬
‫أشياء مج ّردة كالحصص واألسهم‪ ،‬أو امللكية الفكرية كالتصاميم أو املوسيقا‬
‫املحمية بحقوق النسخ– وبال شك‪ ،‬األمالك التي منلكها نحن جمي ًعا يف حياتنا‪.‬‬
‫مثال)‬
‫ميكن أن يكون املالك فر ًدا أو منظمة أو حكومة‪ ،‬أو ال أحد (كمصايد األسامك ً‬
‫الخاصني أفضل من الحكومة‬
‫ّ‬ ‫املالك‬
‫– وإن كان الليرباليون الكالسيكيون يرون أن ّ‬
‫يف إدارة األمالك‪ ،‬وأن اليشء إذا مل يكن ملكه ألحد فهو مع َّرض لـ«مأساة املشاع»‪،‬‬
‫إذ يستغله الناس أكرث من طاقته ألنهم ليس لهم مصلحة يف الحفاظ عليه‪ ،‬خالفًا‬
‫للاملك لو كان له مالك‪.‬‬

‫قد تكون قوانني امللكية معقدة‪ ،‬ولكنها متكن أعدا ًدا كبرية من الناس من‬
‫التعاون السلمي بالتخصص واملتاجرة الطوعية‪ .‬لقد تطورت هذه القوانني‬
‫خصوصا إلتاحة هذا التعاون املفيد‪.‬‬
‫ً‬
‫عندما يكون بني الناس حقوق ملكية واضحة وثابتة‪ ،‬يزداد احتامل أن‬
‫يتملّكوا شيئًا ليستثمروه ويحافظوا عليه‪ ،‬ويصونوا استعامله اإلنتاجي‪ .‬هذا األمر‬
‫حتام‪ ،‬ولكنه يفيد الناس أيضً ا‪ .‬ألن مقتضاه أن مثار هذا االستثامر‬
‫ً‬ ‫يفيد املالك‬
‫ستكون متاحة للتجارة‪ .‬وهذه التجارة بدورها تزيد التخصص واإلنتاجية وانتشار‬

‫‪103‬‬
‫القيمة‪ .‬قارن هذا بالبلدان التي تعاين الحرب أو انعدام النظام‪ ،‬حيث ال يجد‬
‫املزارعون جدوى من زرع محاصيلهم أو رعايتها خوفًا من أن ترسقها أو تدمرها‬
‫والرساق‪.‬‬
‫ُّ ّ‬ ‫الجيوش الناهبة‬

‫حجج الحرية االقتصادية‬

‫خالفًا للمذاهب االقتصادية التقليدية‪ ،‬ال يبني الليرباليون الكالسيكيون أي منوذج‬


‫شامل لتفسري الظواهر االقتصادية‪ .‬فالظواهر االقتصادية عندهم‪ ،‬كاألسعار‪ ،‬هي‬
‫نتائج غري متوقعة للتكيفات املتبادلة ملاليني األفراد‪ .‬ولكن هذا ال يعني أنها ظواهر‬
‫ريا من‬
‫عشوائية أو غري عقالنية‪ .‬بل العكس‪ ،‬تحوي عمليات السوق مقدا ًرا كب ً‬
‫«الحكمة» التي ترتاكم مع تطاول فرتات التجريب والخطأ‪.‬‬

‫املعلومات الشخصية واملتناثرة‬

‫يف الحقيقة‪ ،‬إن يف هذا املسلك حكم ًة أكرب من مسلك االقتصاد املخطط واملصمم‬
‫واملدروس‪ ،‬ذلك أن النظام االقتصادي الحر ميلك معلومات أكرث –وأهم– ليعمل‬
‫عىل أساسها‪.‬‬

‫إن ماليني األفراد هؤالء عندهم من املعرفة ما ليس عند أي كيان يخطط‬
‫االقتصاد‪ ،‬فهم يعرفون ظروفهم املحلية وقيمهم وأولويات مستهلكيهم ومنتجيهم‪.‬‬

‫ال يستطيع املخططون جمع هذه املعلومات‪ .‬ال ألنها كبرية الحجم‪ ،‬وال ألنها‬
‫متناثرة وجزئية‪ ،‬بل وألنها شخصية‪ .‬املهارات‪ ،‬والخربات‪ ،‬وفهم السوق‪ ،‬والشعور‬
‫برغبات املستهلكني– كل هذه معارف أساسية تقود الحياة االقتصادية‪ ،‬ولكن‬
‫‪104‬‬
‫يستحيل نقلها إىل املخططني املركزيني‪ .‬هل يجب أن ننتج زيتًا أم نبيذًا؟ ليست‬
‫املسألة مسألة حساب‪ .‬السبب الوحيد الذي يدفعنا إىل إنتاج يشء ما هو أننا‬
‫سنستهلكه‪ ،‬وما يستهلكه الناس يعتمد عىل حاجاتهم وقيمهم– عىل مشاعرهم التي‬
‫ال ميكن جمعها وال طرحها‪ ،‬مشاعرهم الذاتية‪ ،‬التي تختلف من لحظة إىل لحظة‬
‫حسب عوامل كثرية ال نعلمها‪.‬‬

‫ولكن النظام االقتصادي العفوي ليس خال ًيا من الخطط‪ .‬بل العكس‪ ،‬هو‬
‫نتيجة تخطيط مستمر يقوم به ماليني األفراد‪ ،‬إذ يستعمل كل منهم معرفته املتناثرة‬
‫الجزئية الشخصية ليتوقع رغبات اآلخرين وحاجاتهم ويخطط لتوجيه موارده‬
‫لتلبية هذه الرغبات‪.‬‬

‫التنافس‬

‫تُجدي الحرية االقتصادي لسبب‪ ،‬هو أنه يف غياب اإلكراه‪ ،‬ما من طريقة لتحصيل‬
‫املصلحة الذاتية سوى تلبية حاجات ومصالح اآلخرين‪ .‬يرى الليرباليون‬
‫الكالسيكيون أن التنافس املفتوح عنرص أسايس يف هذا األمر‪ ،‬ألن إتاحة عدة‬
‫خيارات أمام املستهلكني تدفع املنتجني إىل تلبية حاجات املستهلكني بأفضل سعر‬
‫ممكن‪ .‬التنافس الحقيقي ليس ما يصفه كتاب الجامعة من تطابق املنتجني‬
‫املختلفني واملنتجات املختلفة واملستهلكني املختلفني‪ .‬إنه عملية ديناميكية وإنسانية‬
‫يسعى فيها املنتجون املتنوعون إىل متييز منتجاتهم إلغراء املستهلكني املتنوعني‬
‫مبظاهر مختلفة‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫هذه «العيوب» هي التي تعطي األسواق ديناميكيتها وتدفع االبتكار والفعالية‬
‫والتحسني‪ .‬إن العجز والرغبات غري املحققة –التي تظهر يف ارتفاع األرسار– تن ّبه‬
‫املنتجني إىل تلبيتها‪ .‬والفوائض هي التي تدل املستهلكني أن املوارد املنتجة تُه َدر‪.‬‬
‫إن تنوع السلع واختالفها يتيح تلبية أذواق املستهلكني املختلفة –واملتناقضة أحيانًا‪.‬‬

‫املرافق العامة‬

‫يوفّق االقتصاد الحر بني األفراد الذين تختلف قيمهم‪ .‬يستطيع الباعة واملشرتون‬
‫بتوسط النقد‪ ،‬نستطيع‬
‫ّ‬ ‫التعاون ألنهم يختلفون يف تقييم السلعة أو الخدمة املبيعة‪.‬‬
‫أن نتاجر مع أناس عىل الجهة األخرى من الكوكب‪ ،‬قد تختلف قيمهم عن قيمنا‪،‬‬
‫ودينهم عن ديننا‪ ،‬وأخالقهم ونظرتهم الكونية عن أخالقنا ونظرتنا الكونية‪ .‬وقد‬
‫يُقال إن اعتامد األمم بعضها عىل بعض اقتصاديًّا هو أكرب قوة سالم يف تاريخ‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫قد تكون املصلحة الذاتية هي التي تح ّرك األفراد‪ ،‬ولكن حقوق امللكية‬
‫والتخصص واألسواق والتجارة تس ّخر هذه املصلحة الذاتية للفائدة العامة‪ .‬تنتَج‬
‫األشياء بأسعار أفضل‪ ،‬يُخ َدم املستهلكون خدمة أفضل بسبب الدفع املستمر إىل‬
‫تحسني جودة الخدمة وتقليل السعر‪ ،‬تنتج ملكيات جديدة وتزداد قيمتها‪ ،‬تُل ّبى‬
‫وتوسع الخيارات‪ ،‬ويحتفَل بالتنوع اإلنساين والفردية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الرغبات‪،‬‬

‫‪106‬‬
‫وحتى إذا كان األفراد مدفوعني باإلحسان‪ ،‬فإن لهم مصلحة يف الحفاظ عىل‬
‫هذا النظام‪ ،‬ألنه يتيح لهم أن يزيدوا قيمة ما يستطيعون إنتاجه وتوزيعه عىل‬
‫غريهم‪.‬‬

‫آثار الحكومات املزعزعة لالستقرار‬

‫الحرية االقتصادية مهمة عندنا‪ ،‬ال ملجرد أن نشاطنا االقتصادي يشغل معظم‬
‫ساعات يقظتنا‪ .‬بل وألنها مؤسسة لحرياتنا االجتامعية واالقتصادية‪ .‬فعىل سبيل‬
‫ُخرتق حرية التعبري عندما يتحكم أصحاب السلطة بالصحف والقنوات‬ ‫املثال‪ ،‬ت َ َ‬
‫ُخرتق حرية االرتباط إذا امتلكت‬
‫التلفزيونية واإلذاعية ووسائل اإلعالم اإللكرتوين‪ .‬ت َ َ‬
‫السلطات العامة كل غرف االجتامع‪ .‬ما كنا لنستمتع بثامر أعاملنا لو أن الحكومة‬
‫تدير مكاتبنا ومصانعنا‪ .‬من أجل ذلك يرى الليرباليون الكالسيكيون أن الحرية‬
‫االقتصادية وامللكية الخاصة أمران أساس ّيان لص ّد قوى الدولة الزائدة عن ح ّدها‪.‬‬

‫عندما اغتنت دول مثل اململكة املتحدة أو الواليات املتحدة‪ ،‬مل تكن حكوماتها‬
‫كبرية كام هي اليوم‪ ،‬بل كانت أصغر بكثري‪ .‬اليوم‪ ،‬نجد يف كل الدول تقري ًبا‬
‫منظومات حكومية كبرية تتطلب رضائب عالية للحفاظ عليها‪ .‬يرى الليرباليون‬
‫الكالسيكيون أن هذه الرضائب اعتداء عىل حقوق امللكية‪ .‬قد تكون الرضائب‬
‫املتواضعة أم ًرا ال بد منه لتقديم الوظائف الحكومية األساسية كالدفاع والعدل‪.‬‬
‫ولكن الرضائب العالية تث ّبط العمل واال ّدخار‪ ،‬وتطفئ اآللية اإلبداعية لألسواق‪،‬‬

‫‪107‬‬
‫وتبعد املوارد عن استخداماتها القيّمة إىل استخداماتها التي تفضّ لها السلطات‬
‫تعرب عن الناس)‪.‬‬
‫ريا ما ال ّ‬
‫السياسية (التي كث ً‬
‫قد يكون تقنني األسواق كذلك رضوريًّا للحفاظ عىل حريتها– كالحفاظ عىل‬
‫التنافس املفتوح ومواجهة االستغالل‪ .‬ولكن تقييد االتفاقات التجارية يقلّص القيمة‬
‫ريا من القوانني إمنا ُس ّن‬
‫التي تنشئها التجارة الطوعية‪ .‬وعىل كل حال‪ ،‬فإن كث ً‬
‫لخدمة املصالح السياسية‪ ،‬ال لخدمة العامة‪.‬‬

‫خلَص الليرباليون الكالسيكيون إىل أن التدخالت الحكومية يف الحياة‬


‫االقتصادية كارث ّية عادةً‪ .‬ومل ّا كانت الرضائب مكروهة‪ ،‬تلجأ الحكومات إىل االستدانة‬
‫– فتأخذ املال من الجيل التايل من دون إذنه ورضاه‪ .‬تخفض الحكومات قيمة‬
‫عملتها‪ ،‬لتستطيع رد ديونها بالنقد املنقوص قيم ًة‪ ،‬ولكن هذا التضخم يزعزع نظام‬
‫األسعار‪ ،‬ويُغرق إشارة التغري الحقيقي يف األسعار النسبية يف ضجيج صعود‬
‫جهوا جهودهم ومواردهم‪.‬‬
‫األسعار‪ ،‬فيصعب عىل الناس أن يعرفوا أين ينبغي أن يو ّ‬
‫ريا ما يُغري الحكومات التالعب بالنقد ومعدالت الفائدة عىل أمل إنشاء فرتة‬
‫وكث ً‬
‫ازدهار اقتصادي – يف تح ٍّد لحقائق السوق ينتهي دو ًما بالخمول والركود‬
‫والبطالة‪ .‬يفضّ ل الليرباليون الكالسيكيون منع هذه التدخالت املؤذية‪.‬‬

‫الصحة والتعليم والرعاية من دون الدولة‬

‫‪108‬‬
‫ال يثق الليرباليون الكالسيكيون يف تدخل الحكومات يف خدمات كالصحة والتعليم‬
‫والرفاهية‪ ،‬إذ يرون أن هذا التدخل يستهلك معظم ميزانية الحكومات يف الدول‬
‫املتطورة‪.‬‬

‫مثال إىل إنهاء الفقر‪ ،‬ولكن ميكن القول إنها تفعل‬


‫تهدف الرعاية االجتامعية ً‬
‫نقيض ذلك متا ًما‪ ،‬إذ تفسد التوازن بني البطالة (املدعومة) والعاملة (املفروضة‬
‫أقيل‬
‫عليها الرضائب)‪ .‬يدعو معظم قادة الفكر الليربايل الكالسييك إىل إرشاف ّ‬
‫للدولة عىل الرعاية االجتامعية‪ ،‬ولكنهم يرون أن هذه الرعاية ينبغي أن تكون من‬
‫خالل آليات السوق‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬يفضّ ل الليرباليون الكالسيكيون أن يؤمن‬
‫الناس عىل أنفسهم من البطالة واملرض والعجز‪ ،‬مع الجمعيات الخريية –التي تعود‬
‫إليها الطاقة مع تراجع الدولة– لتساعدهم يف ال ُعرسة‪ ،‬أو أن تدفع الدولة الفائض‬
‫الذي ال يستطيع دفعه املواطن لهذه الخدمات‪ .‬يرى الليرباليون الكالسيكيون أن هذا‬
‫أقل هد ًرا‪ .‬وأنه يخلق دوافع إيجابية أكرث‪ ،‬ودوافع فاسدة أقل‪ ،‬باملقارنة مع أنظمة‬
‫ريا ما تر ّوج للتبعية للدولة (يف صفوف‬
‫الدعم الحكومي املوجودة اليوم‪ ،‬التي كث ً‬
‫املستفيدين ويف صفوف البريوقراطيني الذين يعملون عىل هذه األنظمة)‪.‬‬

‫الصحة كذلك‪ ،‬مجال تقدمه الحكومة عادة أو تفرض عليه قوانني كثرية‪،‬‬
‫فترتك الناس بال خيار بني موفري هذه الخدمة أو مؤمنيها‪ .‬ويتساءل الليرباليون‬
‫الكالسيكيون‪ ،‬إذا كان التنافس يبيل حس ًنا يف األسواق األخرى‪ ،‬فل َم ال ينفع بني‬
‫ريا‬
‫املستشفيات؟ يرفع التنافس الجودة ويخفض السعر – ويفيد الفقري‪ ،‬الذي كث ً‬

‫‪109‬‬
‫ما يعجز عن رشاء هذه الخدمات اليوم‪ ،‬أكرب إفادة‪ .‬هذا وإن التنافس الحقيقي بني‬
‫رشكات التأمني يجعل الناس واعني بالتكلفة املحتملة للمعايش غري الصحية‪ ،‬من‬
‫دون الحاجة إىل حمالت التوعية الحكومية‪.‬‬

‫يكرث أن تحتكر الدولة التعليم كذلك‪ ،‬وتتخلص من بدائلها يف سوقه – وممن‬


‫يقدمون أفكا ًرا بديلة كذلك‪ ،‬وهو أمر ليس وراءه إال الرضر يف مجتمعات يفرتض‬
‫أنها حرة‪ .‬لذا ينارص الليرباليون الكالسيكيون التنافس يف التعليم‪ ،‬وهو ما يفيد‬
‫الفقري‪ ،‬العالق يف املدارس السيئة‪ ،‬أكرب إفادة كذلك‪ .‬يعتقد بعض الليرباليني‬
‫الكالسيكيني‪ ،‬مثل ِم ّل‪ ،‬أن التعليم األسايس ال بد أن يكون إجباريًّا‪ ،‬وإن كان غريه‬
‫يرى أنه ال حاجة إىل اإلجبار‪ ،‬ألن التعليم من أوىل أولويات اآلباء يف أوالدهم‪ ،‬وألن‬
‫الجمعيات الخريية ستحل مشكالت اإلعسار‪.‬‬

‫التجارة والحامئية‬

‫يرى الليرباليون الكالسيكيون أن التجارة الدولية يجب أن تكون ح ّرة كام أن التجارة‬
‫الداخلية حرة‪ .‬يتيح هذا للدول أن تتخصص فيام تجيد فعله‪ ،‬ويتيح للمستهلكني أن‬
‫يتن ّعموا بسلع من شتى أنحاء العامل‪ .‬تاريخ ًّيا‪ ،‬يُالحظ أن الدول التي كانت أشد‬
‫حا عىل التجارة‪ ،‬كانت أرسع من ًّوا‪ ،‬مثل هونغ كونغ‪ ،‬هذا وإن االنفتاح الحديث‬
‫انفتا ً‬
‫لدول كالصني والهند أخرج مليارات الناس من الفقر املدقع‪.‬‬

‫يرى الليرباليون الكالسيكيون أن التجارة الدولية تنرش التعاون الدويل‬


‫والتسامح‪ ،‬وأنها تنرش األفكار أيضً ا‪ .‬ومع هذا‪ ،‬بدافع سيايس‪ ،‬تحاول دول كثرية‬

‫‪110‬‬
‫ج ًّدا حامية منتجيها بفرض حدود عىل االسترياد وفرض تعرفات جمركية‪ .‬مينع هذا‬
‫األمر املستوردين املحتملني من االستفادة من مثار أعاملهم‪ ،‬ويؤدي إىل تقلص‬
‫الخيار أمام املستهلكني‪ ،‬وتقلص التخصص‪ ،‬وانخفاض فعالية استعامل املوارد‪،‬‬
‫وخرسان كثري من القيمة‪ .‬يؤدي هذا األمر أيضً ا إىل القصاص واملعاملة باملثل‪،‬‬
‫وحروب التجارة والتوتر العاملي‪ .‬ولكن هذا ال يحدث إال ألن الحكومات ال ترتدد يف‬
‫االعتداء عىل األنشطة االقتصادية الحرة‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫‪ .9‬الليربالية الكالسيكية اليوم‬

‫الكسوف واإلحياء‬

‫انحدار الليربالية الكالسيكية‬


‫ازدهرت الليربالية الكالسيكية يف القرنني السابع عرش والثامن عرش؛ وندين لها‬
‫مبعظم حقبة التجارة الحرة والنمو االقتصادي العظيمة يف القرن التاسع عرش‪.‬‬
‫ولكن بحلول أواخر القرن التاسع عرش‪ ،‬بدأت أفكار أخرى ترتسخ‪ .‬فقد جلب‬
‫التصنيع‪ ،‬أحد نواتج الحرية االقتصادية‪ ،‬مشاكل اجتامعية – اضطرابات أرسية‪،‬‬
‫وانتقال رسيع إىل املدن‪ ،‬وتصور أعظم لعدم املساواة اآلن بعد أن أصبح الناس‬
‫يعيشون بالقرب من بعضهم‪.‬‬

‫بحلول القرن العرشين‪ ،‬أصبح املجتمع الصناعي أرض تجنيد لالشرتاكية‬


‫والشيوعية ثم االشرتاكية الوطنية‪ ،‬تكمله النزعة العسكرية التي تتامىش مع‬
‫إيديولوجيات التمركز‪ .‬ولكن بدالً من رفض املركزية بعد الرصاعات الحتمية‪ ،‬خلص‬
‫منترصو فرتة ما بعد الحرب إىل أن هياكل القيادة املركزية الخاصة بهم قد‬
‫تساعدهم عىل «الفوز بالسالم» متا ًما كام «فازت بالحرب»‪.‬‬

‫يف ذلك الوقت‪ ،‬كانت هناك أيضً ا ثقة أكرب يف فهمنا االقتصادي‪ .‬اعتقد‬
‫االقتصاديون أنهم ميلكون املعرفة واألدوات للتحكم يف التوظيف واإلنتاج‪ ،‬وأن‬
‫التخطيط املركزي سيثبت تفوقه عىل «الالعقالنية» املفرتضة للسوق دون عناء‪.‬‬
‫‪112‬‬
‫اإلجامع املتفكك‬
‫رغم أن وجهة النظر هذه بدت عتيقة حينها‪ ،‬لكنها رسعان ما شوهت نفسها‪ .‬فقد‬
‫أظهر تحسني السفر واالتصاالت أوجه القصور االقتصادية واالجتامعية والسياسية‬
‫للكتلة الشيوعية‪ .‬ازدهرت أملانيا الغربية بعد «شعلة الضوابط» التي أشعلها لودفيغ‬
‫إرهارت يف صباح يوم أحد يف عام ‪ – 1948‬بينام أصبحت أملانيا الرشقية‪ ،‬عىل‬
‫الجانب اآلخر من جدار برلني الشائن‪ ،‬أكرث قتامة باطراد‪ .‬وحدث اليشء نفسه يف‬
‫الكوريتني مبجرد تقسيم شبه الجزيرة إىل جزئني حر وشيوعي‪ .‬فأصبح سكان‬
‫تعليام واستنارة ال ينظرون إىل العسكرة كحامية لهم بل كتهديد‬
‫ً‬ ‫العامل األكرث‬
‫لرتابطهم االقتصادي املتزايد‪.‬‬

‫كانت السياسة االقتصادية ملرحلة ما بعد الحرب تتداعى أيضً ا‪ .‬وقد أدت‬
‫السياسات التوسعية لالقتصادي الربيطاين جون مينارد كينز (‪،)1946–1883‬‬
‫املصممة لفرتة الكساد‪ ،‬إىل تحويل عائد السالم إىل توسع مزدهر للحكومة وتضخم‬
‫عارم – مصحوبني لسبب غري مفهوم‪ ،‬بالنسبة للكينزيني‪ ،‬بالبطالة والركود‪.‬‬

‫إحياء الليربالية الكالسيكية‬

‫‪113‬‬
‫بالنسبة لليرباليني الكالسيكيني‪ ،‬كان كل هذا بعي ًدا عن الغموض‪ .‬وكام أوضح‬
‫هايك‪ ،‬لقد كشف عن «الوهم القاتل» لتخيل أنه ميكننا التالعب بالنظام التلقايئ‬
‫للحياة االجتامعية واالقتصادية عىل نحو يرضينا‪.‬‬

‫ورغم تخصصهم بالربية الفكرية‪ ،‬أعاد الليرباليون الكالسيكيون تجميع‬


‫صفوفهم لتقييم أفكارهم والتفكري فيها وجعلها مرتبطة بالعرص الحديث‪ .‬بدأت‬
‫املعركة يف أبريل ‪ ،1947‬عندما جمع هايك مجموعة صغرية من املفكرين‬
‫الليرباليني الكالسيكيني األوروبيني واألمريكيني يف الجبال فوق بحرية جنيف‪ ،‬يف‬
‫االجتامع األول ملا سيصبح جمعية مونت بيلريين‪ .‬وقد استمر أعضاؤها يف تأسيس‬
‫مراكز فكرية ليربالية كالسيكية مثل معهد الشؤون االقتصادية‪ ،‬الذي انبثقت منه‬
‫عدة مؤسسات أخرى‪.‬‬

‫فاز العديد من األعضاء‪ ،‬مبن فيهم هايك نفسه‪ ،‬بجوائز نوبل ملساهمتهم يف‬
‫النهضة االقتصادية الليربالية الكالسيكية‪ :‬وأصبح الفائزون جورج ستيغلر‬
‫(‪ ،)1991–1911‬وميلتون فريدمان (‪ )2006–1912‬وجاري بيكر (‪–1930‬‬
‫مثال‪ ،‬شخصيات رائدة يف مدرسة شيكاغو لالقتصاد‪ ،‬التي تركز عىل املال‬
‫‪ً ،)2014‬‬
‫السليم والحكومة املقيدة وحرية السوق؛ بينام قاد زميلهم الحائز عىل جائزة نوبل‬
‫جيمس م‪ .‬بوكانان (‪ )2013–1919‬هجوم مدرسة االختيار العام عىل العقالنية‬
‫املفرتضة التخاذ القرار الحكومي‪ .‬وبنهاية القرن العرشين‪ ،‬كانت أفكارهم تحفز‬
‫الحكومات الرائدة يف العامل‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫معنى الليربالية الكالسيكية‬

‫عىل أية حال‪ ،‬كان اليشء الوحيد الذي فشل فيه الليرباليون الكالسيكيون‬
‫املعارصون هو العثور عىل اسم جيد ألنفسهم‪ .‬يعود النعت «كالسييك» إىل عرص‬
‫لوك وسميث‪ :‬ورغم الحكمة بالغة يف أفكارهام‪ ،‬فقد تغري العامل‪ ،‬وطور الليرباليون‬
‫الكالسيكيون املعارصون تفكريهم بطرق جديدة للتعامل مع املواقف والحجج‬
‫الحالية‪.‬‬

‫ولكن مع ذلك‪ ،‬ومن سوء حظهم‪ ،‬جرى االستيالء عىل مصطلح «ليربايل»‬
‫الواضح (عىل األقل يف أمريكا‪ ،‬رغم انتشار االلتباس من هناك)‪ ،‬من قبل أولئك‬
‫املدافعون عن الحقوق املدنية والحرية السياسية‪ ،‬لكن املشككون يف الحرية‬
‫االقتصادية وامللكية الخاصة‪ ،‬والذين يعتقدون أن للدولة دور كبري يف تصحيح‬
‫أخطاء املايض وتعزيز املساواة‪ .‬وقد أرفق املصطلحان «الليربالية الجديدة»‬
‫و«الليربالية الحديثة» أيضً ا‪.‬‬

‫رمبا كانت كلمة «الليربالية الجديدة» لتصلح‪ ،‬لوال أنها أصبحت مجرد‬
‫مصطلح ميسء يستخدمه نقاد الليربالية الكالسيكية املعارصة‪ .‬نشأت الكلمة بني‬
‫املروجني «األوردو–ليرباليني» لـ«اقتصاد السوق االجتامعي» يف أملانيا الغربية بعد‬
‫الحرب‪ .‬ولكن استخدمت مؤخ ًرا إلنشاء صورة كاريكاتورية‪ ،‬يُنظر فيها إىل‬
‫الليرباليني الكالسيكيني عىل أنهم متعصبون اقتصاديون عنيدون‪ ،‬دون ضمري أو‬

‫‪115‬‬
‫فكر اجتامعي للمحتاجني‪ ،‬مدافعون عن كل إجراءات األعامل التجارية‪ ،‬ومطالبون‬
‫بعدم التدخل ودولة حارسة – إن وجدت‪ .‬من السهل ج ًدا مهاجمة رجل القش هذا‪،‬‬
‫فعال‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬كام رأينا‪ ،‬كل هذا بعيد ج ًدا عام يعتقده الليرباليون الكالسيكيون ً‬

‫الطيف الليربايل الكالسييك‬


‫ومع ذلك‪ ،‬ال تعد الليربالية الكالسيكية أيديولوجية محددة؛ بل إنها‪ ،‬كام رأينا‪ ،‬طيف‬
‫من املقاربات ملسائل الحرية االجتامعية واالقتصادية والسياسية‪ .‬يوجد وراء أحد‬
‫األطراف األناركيني (وبعض الليرباليني)‪ ،‬الذين ال يرون رضورة ملؤسسات الدولة‬
‫إطالقًا‪ .‬ووراء الطرف اآلخر هناك املحافظون‪ ،‬الذين يعتقدون أن للدولة دور قوي‪،‬‬
‫ليس فقط يف الدفاع عن الحقوق األساسية‪ ،‬بل يف الحفاظ عىل بعض القيم‬
‫األخالقية أو السياسية‪.‬‬

‫يركز الليرباليون الكالسيكيون عىل الثقافة والحكومة التمثيلية والقواعد التي‬


‫يقوم عليها النظام االقتصادي واالجتامعي التلقايئ أكرث من الليرباليني؛ ولكنهم‬
‫أقل استعدا ًدا من املحافظني للتضحية بالحرية من أجل املنفعة االجتامعية‪ ،‬رغم‬
‫تشديد العديد منهم عىل أهمية املنفعة االجتامعية‪.‬‬

‫ولكن مجد ًدا‪ ،‬يُدفع العديد من الليرباليني الكالسيكيني مببادئ جوهرية‬


‫مختلفة‪ .‬فبالنسبة للبعض‪ ،‬مثل فريدمان‪ ،‬تعد الحرية مهمة‪ ،‬لكن عواقب الحرية‬
‫هي األهم حقًا؛ وهم يفضلون رفع القيود والخصخصة وخفض الرضائب ليس ألنها‬
‫‪116‬‬
‫تعزز الحرية فحسب‪ ،‬بل من أجل نتائجها االجتامعية املفيدة‪ .‬يرى آخرون‪ ،‬مثل‬
‫هايك‪ ،‬أن العمل الحر‪ ،‬مقي ًدا بقواعد أخالقية وقانونية معينة‪ ،‬كركيزة أساسية‬
‫للنظام التلقايئ‪ .‬ولكن‪ ،‬يرص آخرون‪ ،‬مثل نوزيك‪ ،‬عىل أن جميع البرش لديهم‬
‫حقوق طبيعية ثابتة ال ترتك أي دور رشعي للدولة سوى تصحيح الظلم‪.‬‬

‫لكن رغم تنوع وجهات نظرهم‪ ،‬يتفق الليرباليون الكالسيكيون عىل املبادئ‬
‫األساسية‪ .‬يعتقدون أن الهدف الرئييس للدولة هو حامية حقوقنا يف الحياة‪،‬‬
‫والحرية‪ ،‬وامللكية والسعي إىل السعادة‪ .‬ونظ ًرا ألهمية هذه وظيفة‪ ،‬فقد يتعذر‬
‫تصغري الدولة ج ًدا‪ ،‬ولكن إن أردنا حامية حرياتنا من إساءة استخدام سلطة الدولة‪،‬‬
‫فيجب أن تكون مقيدة يف النطاق‪ .‬يؤمن الليرباليون الكالسيكيون بأن التبادل‬
‫الطوعي هو أفضل طريقة إلضافة القيمة ونرشها‪ ،‬وإطالق العنان لروحنا اإلبداعية‬
‫واالحتفاء بتنوعنا وتعبرينا عن الذات‪ .‬لديهم كراهية لالستبداد يف الحياة السياسية‬
‫أو االقتصادية أو االجتامعية‪ ،‬ولكن يؤكدون أننا نحتاج إىل بعض القواعد األخالقية‬
‫والقانونية للحفاظ عىل األداء السلس لألنظمة االجتامعية واالقتصادية التلقائية‪.‬‬
‫إنهم يعتقدون أنه يجب عىل األفراد تحمل املسؤولية عن أفعالهم‪ :‬فرغم أننا أحرار‬
‫يف مساعدة اآلخرين‪ ،‬وهذا ما نفعله غال ًبا‪ ،‬فال ميلك أحد أي حق يف طلب الدعم من‬
‫أي شخص آخر‪ .‬ومينحون جميع األفراد مكانة أخالقية متساوية‪ ،‬ومعاملة متساوية‬
‫مبوجب القانون‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫األممية الليربالية الكالسيكية‬

‫الليرباليون الكالسيكيون أمميون يف معتقداتهم‪ ،‬ويعتربون أن البرشية جمعاء‬


‫تتشارك يف الحقوق والحريات األساسية‪ .‬لكنهم ال يرعوا أي فكرة طوباوية عن‬
‫الحكومة العاملية‪ ،‬أو حتى املجتمع املدين العاملي‪ .‬وواقعيًا‪ ،‬يقبلون أن املواطنني‬
‫مرتبطون بشدة بدولهم القومية؛ ويسعون إىل تثقيفهم ونزع فتيل الرصاعات بني‬
‫تلك الدول فحسب‪ .‬ميكن أن يساعد السفر الدويل واالعتامد االقتصادي املتبادل يف‬
‫ريا – نرش األفكار‪ ،‬والفرص‪ ،‬واالختيارات والحرية يف نفس الوقت‪.‬‬
‫ذلك كث ً‬
‫يعتقد الليرباليون الكالسيكيون أن مبادئ الحرية املطبقة يف أي دولة يجب‬
‫أن تكون متطابقة دول ًيا‪ ،‬يف مبادئ مثل حرية التجارة‪ ،‬ورأس املال‪ ،‬والهجرة عرب‬
‫الحدود وعدم التمييز ضد األجانب أو سلعهم وخدماتهم وممتلكاتهم‪ .‬ولكن‪ ،‬كام‬
‫قال األملاين األوردو–الليربايل فيلهلم روبكه (‪ ،)1966–1899‬تبدأ األممية من‬
‫الداخل‪ .‬فإذا حافظنا عىل قوانني عادلة وحريات وسيادة القانون داخل دولنا األم‪،‬‬
‫يحتمل عىل األقل أن ترشد املبادئ نفسها تعامالتنا ومؤسساتنا الدولية‪ .‬ال ميلك‬
‫الليرباليني الكالسيكيني طموحات إمربيالية ألفكارهم‪ :‬اإلمرباطوريات ليست وسيلة‬
‫لكسب عقول الناس‪ ،‬رغم أنهم غال ًبا ما يقمعون أفكارهم‪ .‬يرحب الليرباليون‬
‫الكالسيكيون بالتنوع بني الثقافات والبلدان وكذلك بني املجتمعات واألرس واألفراد‪.‬‬

‫التعامل مع الجامعات غري الليربالية‬

‫‪118‬‬
‫عىل أي حال‪ ،‬هناك مشكلة تثري اهتامم الليرباليني الكالسيكيني تتمثل يف كيفية‬
‫التعامل مع الجامعات والدول غري الليربالية إىل حد كبري‪ .‬وقد أصبحت املشكلة‬
‫حا‪ .‬لطاملا كان هناك أصوليون دينيون وسياسيون يرفضون أي فكرة عن‬
‫أكرث إلحا ً‬
‫الحرية السياسية واالجتامعية واالقتصادية ويسعدون بإخامد حرياتنا إن كان‬
‫لديهم القدرة لفعل ذلك‪ .‬ولكن اآلن‪ ،‬مع سهولة السفر البالغة وتوفر التقنيات‬
‫املدمرة بكرثة‪ ،‬أصبح التهديد املحتمل أكرث خطورة‪.‬‬

‫فضل الليرباليون الكالسيكيون عمو ًما التسامح عىل التدخل‪ ،‬الذي يرونه‬
‫متعارضً ا مع حقوق الشعب يف تقرير املصري‪ .‬لكن إذا حددت مجموعات أو دول‬
‫أخرى هدفها عىل أنه تدمري الحرية والتسامح نفسه‪ ،‬فالسؤال هو إىل أي مدى‬
‫ميكن لليرباليني الكالسيكيني تحمل التعصب‪ .‬زعم ميل‪ ،‬يف القرن التاسع عرش‪،‬‬
‫أننا منلك كل الحق يف التدخل يف الدول «الرببرية»‪ ،‬ولكن ليس يف الدول‬
‫«املتحرضة»‪ ،‬ألن الدول «املتحرضة» فقط متساوية معنا أخالق ًيا؛ وعىل أي حال‪،‬‬
‫محتمال أن يؤدي التدخل يف شؤون الدول «املتحرضة» إىل تغيريها‪ .‬يف اآلونة‬
‫ً‬ ‫ليس‬
‫األخرية‪ ،‬استخدم جون رولز حجة مامثلة‪ ،‬مفادها أنه ميكننا التسامح مع الدول‬
‫«الالئقة» ولكن ليس «الخارجة عن القانون»‪.‬‬

‫يتمسك الليرباليون الكالسيكيون‪ ،‬بطريقة منوذجية‪ ،‬مبجموعة من اآلراء‬


‫حول مثل هذه القضايا‪ ،‬إذ يشدد البعض عىل تقرير املصري‪ ،‬وقوة املجتمعات الحرة‬
‫ضد االعتداءات غري الليربالية‪ ،‬والتكلفة غري املجدية ملحاولة تغيري املعتقدات الدينية‬

‫‪119‬‬
‫للناس؛ ويزعم آخرون أنه يجب علينا التدخل للدفاع عن أنفسنا‪ .‬تثري اإلسرتاتيجية‬
‫األخرية سؤاالً آخر‪ ،‬حول كيفية تحديد متى تكون جامعة أو أمة غري ليربالية حقًا‬
‫مثال‪ ،‬عدمية الحرية السياسية وقليلة الحرية االجتامعية‪،‬‬
‫ومدى تهديدها‪ .‬فالصني‪ً ،‬‬
‫ولكنها متلك تدابري عادلة للحرية االقتصادية؛ رغم أن قوتها االقتصادية والعسكرية‬
‫تثري أعصاب الكثريين‪ .‬هل يجعلها هذا تهدي ًدا للدول الليربالية الكالسيكية؟‬

‫الال ليربالية يف الداخل‬

‫تظهر قضايا مامثلة حول مسألة كيفية التعامل مع الجامعات غري الليربالية يف‬
‫الداخل‪ .‬يخىش الليرباليون الكالسيكيون أن التدخل (مثل حظر مجموعات دينية‬
‫أو سياسية معينة) يتعارض مع مبادئهم األساسية‪ ،‬ويقوض االستقالل الذايت‬
‫والتعبري عن الذات لآلخرين‪ .‬ومييلون غال ًبا إىل التسامح مع الجامعات الدينية‬
‫والسياسية‪ ،‬رغم أنهم قد يرغبون يف بعض الحاالت (صعود االشرتاكية القومية‬
‫مثال) يف أال يفعلوا ذلك‪.‬‬
‫يف أملانيا‪ً ،‬‬

‫من ناحية أخرى‪ ،‬يعتقد العديد من الليرباليني الكالسيكيني أنه من الصواب‬


‫مثال‪ ،‬أو ملنع تشويه األعضاء التناسلية‬
‫التدخل ملنع حرمان الفتيات من التعليم‪ً ،‬‬
‫األنثوية والزواج القرسي‪ .‬إذ تعترب هذه انتهاكات للحقوق والحريات التي يتمتع‬
‫بها جميع البرش‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫ليس لدى الليرباليني الكالسيكيني إجابة شافية لهذه األسئلة‪ .‬لكنهم يتبنون‬
‫عمو ًما وجهة النظر القائلة بأن عمل الدولة يجب أن يظل يف حده األدىن‪ .‬ويتبنى‬
‫البعض وجهة النظر القائلة أننا نعيش يف عرص تعددي‪ ،‬وأننا ناضجون كفاي ًة‬
‫لتحمل السلوكيات والعادات املختلفة‪ ،‬لذا يعد التدخل عمو ًما غري مربر ما مل تكن‬
‫هناك حالة «عامة» دامغة لفعله‪ .‬يؤكد آخرون أن اإلقناع والنقاش أكرث فاعلية يف‬
‫مثال‪،‬‬
‫تغيري العقول عىل األمد الطويل‪ .‬فقد يكون وضع قانون ضد ختان اإلناث‪ً ،‬‬
‫أقل فعالية يف إنهاء هذه املامرسة من حرية النساء الاليت خضعن له يف اتخاذ‬
‫قرار بعدم إلحاقه بأطفالهن‪ .‬هذه هي الحرية التي يجب أن يدافع عنها القانون‪.‬‬

‫ومر ًة أخرى‪ ،‬ماذا سيفعل الليرباليون الكالسيكيون إن وجدت الجامعات غري‬


‫الليربالية نفسها يف الصدارة واستخدمت قوتها السياسية لتجريد الناس من‬
‫حقوقهم وحرياتهم؟ بالنسبة للبعض‪ ،‬مثل باين‪ ،‬سيكون هذا مرب ًرا كاف ًيا إلنتفاض‬
‫واإلطاحة مبثل هذه الحكومة‪ .‬لكن واقع ًيا‪ ،‬يعرف الليرباليون الكالسيكيون أن‬
‫األمور ستصبح سيئة للغاية قبل حدوث يشء كهذا‪.‬‬

‫الرؤية الليربالية الكالسيكية‬

‫ليس لدى الليرباليني الكالسيكيني أوهام حول العامل‪ .‬فالبرش ليسوا كاملني؛ ال‬
‫ميكن تفسري عاملهم مببادئ رصفة‪ ،‬وال ميكن إدارته بواسطة معادالت بسيطة‪.‬‬
‫وعاد ًة ما تكون األحداث نتائج غري املتوقعة ألفعال‪ ،‬ولكن ليس النوايا دامئًا‪ ،‬البرش‬

‫‪121‬‬
‫الذين غالبًا ما يكونون أقل عقالنية وأبعد عن النفع‪ .‬وأفضل سياسة لدينا هي‬
‫االعرتاف بكل هذا‪ ،‬وتسخري الضعف البرشي بطرق تعزز املنفعة البرشية‪ ،‬مثل‬
‫األسواق الحرة‪.‬‬

‫إن الليربالية الكالسيكية‪ ،‬كام رأينا يف البداية‪ ،‬فكرة إنسانية‪ .‬تقبل الناس‬
‫عىل أنهم برش متنوعون‪ .‬وتسعى إىل تعظيم املجال والفرص املتاحة لهم ملتابعة‬
‫أهدافهم املختلفة‪ .‬وتبحث عن طرق ميكن من خاللها ملواطني هذا العامل املتنوع‬
‫التعاون م ًعا سلم ًيا‪.‬‬

‫يريد الليرباليون الكالسيكيون عامل ًا يسوده السالم‪ ،‬مع حد أدىن من اإلكراه‬


‫(وهذا بحد ذاته ال متارسه سوى الحكومات الرشعية والتمثيلية)‪ .‬يريدون أن يتمتع‬
‫العامل باالزدهار الناتج عن التبادل الطوعي يف إطار نظام اقتصادي حر‪ ،‬ويريدون‬
‫أنظمة قانونية تحمي حقوق جميع البرش ومتكنهم من التكيف بطريقة تعاونية مع‬
‫طموحات بعضهم البعض‪.‬‬

‫يريدون فرض قيود عىل السلطة‪ ،‬إذ يرون يف قوة الحكومات سب ًبا للرصاع‬
‫الدويل والقمع الداخيل‪ .‬ويطالبون بسيادة القانون التي تحد من السلطة التعسفية‬
‫وتجعل حكامنا يخضعون لنفس القوانني التي يخضع لها الجميع‪ .‬يدعمون حرية‬
‫الجميع يف التفكري‪ ،‬والتحدث‪ ،‬والعمل ومتابعة أهدافهم الخاصة‪ ،‬رشيطة أال يؤذوا‬
‫اآلخرين يف هذه العملية‪ ،‬ويؤكدون عىل أهمية وجود نظام قضايئ مستقل للحفاظ‬
‫عىل هذا النظام‪ .‬ويدعمون حرية الناس يف السعي وراء غاياتهم الخاصة بطرقهم‬

‫‪122‬‬
‫الخاصة‪ ،‬حتى لو كانت مدمرة للذات‪ ،‬وال يريدون أن يطلب أي شخص اإلذن من‬
‫بعض السلطات قبل القيام بيشء ما‪ .‬واألهم أنهم يريدون تحديد مجال شخيص ال‬
‫يحق للسلطات السياسية التدخل فيه عىل اإلطالق‪.‬‬

‫يثق الليرباليون الكالسيكيون يف النظام االقتصادي الحر‪ .‬ويؤكدون أن‬


‫تعليام أفضل‪ ،‬وارتفا ًعا يف‬
‫ً‬ ‫توسعه التدريجي يف جميع أنحاء العامل قد جلب‬
‫وخصوصا‬
‫ً‬ ‫وفرصا أكرث‪،‬‬
‫ً‬ ‫متوسط العمر املتوقع‪ ،‬وعم ًرا أطول‪ ،‬وخل ًوا من األمراض‪،‬‬
‫للفئات األكرث فق ًرا‪ .‬بدأ هذا يحدث قبل وقت طويل من انتشار االشرتاكية والتدخل‪،‬‬
‫وميكن رؤيته ينترش اآلن إىل بلدان املناطق األكرث فقراً التي انفتحت أخ ً‬
‫ريا عىل‬
‫أفكار السوق والتجارة الدولية – ما سمح للناس يف كل مكان ببيع مثار عملهم يف‬
‫أسواق بعيدة‪ ،‬وزيادة تخصص وكفاءة املنتجني يف مختلف البلدان وخلق القيمة‬
‫ونرشها‪ .‬يعتقد الليرباليون الكالسيكيون أنه ال توجد حدود منطقية للنمو‬
‫االقتصادي واالزدهار البرشي‪ ،‬عند وجود نظام أسعار يدفع الناس مللء الرغبات‬
‫واالحتياجات غري امللباة‪ .‬وسيظل االبتكار والتحسني والجهود التي يبذلها كل‬
‫شخص لتحسني حالتهم موحدة وثابتة وغري منقطعة حسبام يسمح املرشعون‬
‫واملنظمون‪.‬‬

‫عامل ليربايل كالسييك؟‬

‫‪123‬‬
‫هل نعيش بالفعل يف هذا العامل؟ بالكاد‪ :‬ففي عرص التعقيد‪ ،‬واالرتياب‪ ،‬والتقلب‬
‫والتنوع‪ ،‬ما يزال الكثري من الناس ينتظرون من الحكومات الحامية واألمن‬
‫االقتصادي‪ .‬ومع منو الحكومات‪ ،‬تزداد مشكلة االختيار العام‪ .‬وكلام زادت املوارد‬
‫التي تتحكم فيها الحكومات‪ ،‬يصبح طلب خدمات مجديًا لجامعات املصالح‪ ،‬وتزداد‬
‫أهمية اسرتضاء السياسيني لها‪.‬‬

‫ريا إخفاقات امللكية العامة وخصخصة صناعاتها‬


‫قد تكون الدول أدركت أخ ً‬
‫الحكومية؛ لكن استُبدلت األنظمة املزدهرة بامللكية الكاملة‪ .‬قد ال يكون السياسيون‬
‫أرستقراطيني بعد اآلن‪ ،‬لكنهم ليسوا أقل تعال ًيا‪ ،‬وميررون قوانني منط الحياة التي‬
‫يفرتض أن تنقذنا من أنفسنا‪.‬‬

‫مل ينجح الليرباليون الكالسيكيون حتى اآلن يف جعل املسؤولون يفهمون‬


‫حدود سلطتهم الرشعية؛ وملَ قد يريد األقوياء تقييد أنفسهم بأي حال؟ لكن ال شك‬
‫يف أن دعم الحرية االقتصادية والسياسية واالجتامعية ينترش يف جميع أنحاء‬
‫العامل‪ ،‬ويرجع الفضل يف ذلك إىل حد كبري إىل تحسني السفر والتعليم‬
‫واالتصاالت‪ .‬رمبا ما تزال الليربالية الكالسيكية تستند إىل تراث لوك‪ ،‬ولكن أحد‬
‫مباهجها أنها ال تحاول حرش اإلنسانية يف بعض النامذج البائدة؛ بل تهدف‪ ،‬بدالً‬
‫من ذلك‪ ،‬إىل إطالق العنان للتفاؤل الالمحدود والقدرة عىل التكيف يف العامل‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫‪ .10‬أهم مفكري الليربالية الكالسيكية‬

‫جون لوك (‪ ،)1704–1632‬فيلسوف إنجليزي‬

‫يرى كثريون أن لوك هو األب املؤسس لليربالية الكالسيكية‪ .‬بعد أن نُفي إىل فرنسا‬
‫واحتج‬
‫ّ‬ ‫بسبب عدائه ململكة ستوارت‪ ،‬كتب رسالتيه يف الحكومة املدنية (‪،)1690‬‬
‫فيه لخلع جيمس الثاين‪ ،‬رافضً ا «الحق اإللهي» للملوك ومؤك ًدا عىل أن الحكومة‬
‫الرشعية إمنا تقوم عىل عقد مع الشعب‪ ،‬ال عىل «القوة والعنف»‪ .‬يرى جون أنه يف‬
‫الحالة الطبيعية‪ ،‬للناس حق يف الحفاظ عىل حياتهم وصحتهم وأمالكهم – التي‬
‫يتملكونها بـ‹مزج عملهم› باملوارد الطبيعية‪ ،‬من اعتداء اآلخرين‪ .‬مل ّا أراد الناس أن‬
‫يحموا هذه الحقوق الطبيعية بسالم‪ ،‬تعاقدوا عىل تأسيس حكومة يدعمونها‬
‫لتحميها‪ .‬تستمد الحكومة رشعيتها إذن من رضا املحكومني‪ ،‬فإذا أخفقت يف حامية‬
‫ريا قويًّا يف‬
‫حقوقهم‪ ،‬فلهم الحق يف خلعها والخروج عليها‪ .‬أثرت هذه األفكار تأث ً‬
‫الثورتني األمريكية والفرنسية‪ ،‬ويف املفكرين الدستوريني ومنهم توماس جفرسون‬
‫(‪.)1826–1743‬‬

‫فولتري ]فرانسوا‪-‬ماري أروي[ (‪ ،)1778–1694‬كاتب فرنيس‬

‫بعد أن نفَته من فرنسا القوانني األرستقراطية‪ ،‬ذهب فولتري إىل إنكلرتا وأعجبته‬
‫الحريات املدنية فيها‪ ،‬وأعجبته حكومتها الدستورية وفكرها الليربايل الكالسييك‪.‬‬
‫‪125‬‬
‫قرر بعد ذلك أن يك ّرس حياته لنرش هذه الحريات األساسية‪ ،‬والتسامح وحرية‬
‫التعبري والتجارة‪ .‬نقد فولتري يف كتابه رسائل فلسفية عن اإلنجليز (‪ )1734‬انعدام‬
‫الليربالية يف فرنسا‪ ،‬ودعا إىل الخروج عىل السلطات األرستقراطية وانتقد قلّة‬
‫التسامح يف الكنيسة‪ .‬ومع أنه ُسجن يف الباستيل‪ ،‬فقد استمرت حركته ضد القمع‬
‫رشا آنذاك يف أوروبا القارية‪.‬‬
‫الذي كان منت ً‬

‫آدم فريغَسن (‪ ،)1816–1723‬منظّر اجتامعي أسكتلندي‬

‫انترص فريغسن للمذهب القائل إن سعي البرش لسعادتهم ينتج عامل ًا من التنوع‬
‫الخالق‪ ،‬ومن الفعالية التي تتجىل يف تقسيم العمل‪ ،‬ومن االبتكار الذي يقود‬
‫ّ‬
‫التقدم‪ .‬رشح فريغسن الطبيعة العفوية للمؤسسات االجتامعية‪ ،‬وكتب‪« :‬تقوم األمم‬
‫عىل املؤسسات‪ ،‬التي هي نتيجة للسلوك اإلنساين بال شك‪ ،‬ولكنها ليست نتيجة أي‬
‫تصميم إنساين»‪ .‬أثرت هذه األفكار يف معارصه آدم سميث (‪.)90–1723‬‬

‫آدم سميث (‪ ،)1790–1723‬فيلسوف وعامل اقتصاد أسكتلندي‬

‫ذكر آدم سميث عبارة «اليد الخفية» مرة واحدة فقط يف كتابه ثروة األمم (‪،)1776‬‬
‫ولكن الكتاب كله مصبوغ بهذه الفكرة القوية‪ .‬شارك سميث معارصه فريغسن يف‬
‫مالحظة من ّو املؤسسات اإلنسانية من دون نية من أحد‪ .‬مل ير سميث أن الناس‬
‫ريا‪،‬‬
‫بطبيعتهم أنانيون أو ناكرون للجميل‪ ،‬إذ إنهم يحبون أن يرى الناس فيهم خ ً‬
‫ولكنهم يسعون إىل مصلحة ذاتهم‪ ،‬وعندهم اتجاه قوي (ورشعي) إىل مصلحة‬
‫‪126‬‬
‫ذاتهم‪ .‬يف غياب اإلكراه‪ ،‬يدرك األفراد أن مصلحة النفس ال تتحقق إال بخدمة‬
‫بني‬
‫اآلخرين‪ ،‬فبمساعدة أنفسهم‪ ،‬يساعدون غريهم أيضً ا‪ .‬هذا التبادل الطوعي‪ ،‬كام ّ‬
‫سميث‪ ،‬ينشئ قيمة للطرفني م ًعا‪ ،‬ولو مل يكن كذلك ملا كان التبادل ً‬
‫أصال‪ .‬أكد سميث‬
‫أن التخصص وتقسيم العمل‪ ،‬الذي تتيحه عملية التبادل‪ ،‬دافع كبري من دوافع‬
‫الفعالية واالزدهار‪ ،‬يف الدولة الواحدة وبني الدول املختلفة كذلك‪ .‬ساعدت أفكار‬
‫سميث املؤثرة يف إنشاء عرص التجارة الحرة العظيم يف القرن التاسع عرش‪ .‬كانت‬
‫تريبه رأساملية املحاسيب كام تريبه الحكومة الكبرية‪ .‬وكان يف رأيه أن «رجل‬
‫النظام» (أي املخطط االجتامعي) ال يستطيع أن يتحكم بدوافع اإلنسانية املختلفة‪،‬‬
‫يل البسيط» أساس أمنت للمجتمع‪.‬‬
‫وأن «نظام الحرية الطبيعية الج ّ‬

‫توماس جفرسون (‪ ،)1826–1743‬قائد ثوري أمرييك‬

‫اعتقد جفرسون أن الله وهب لنا جمي ًعا حقوقًا طبيع ّية ال سبيل إىل نزعها م ّنا‪ ،‬منها‬
‫«الحياة والحرية وطلب السعادة»‪ .‬اعتقد جفرسون أن الناس بطبيعتهم أحرار يف‬
‫ترصفاتهم‪ ،‬ما مل يعتدوا عىل حرية غريهم‪ .‬تأثر جفرسون بأفكار جون لوك‬
‫(‪ ،)1704–1632‬وكان يرى أن رشعية الحكومة تقوم عىل تعاقدها مع الناس‬
‫وممثليهم املختارين‪ .‬مل يثق جفرسون مبركزيات السلطة الكبرية‪ ،‬سواء يف‬
‫الحكومة أو يف القطاع الخاص‪ .‬عارض جفرسون كذلك التعصب الديني‪ ،‬والحكم‬
‫املطلق يف السياسة‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫فردريك باستيا (‪ ،)50–1801‬منظّر سيايس فرنيس‬

‫فيام كان نابليون يق ّيد التجارة يف «نظامه القا ّري»‪ ،‬كان باستيا يدعو إىل الحرية‬
‫الفردية واألسواق الحرة‪ .‬رأى باستيا أن الحكومة ال فعالة وال يعتمد عليها‪ ،‬وأن‬
‫مصالح املنتجني تسودها بسهولة‪ ،‬وهو ما يجعلها «الخيال الكبري الذي يريد فيه‬
‫الجميع أن يعيش عىل حساب الجميع»‪ .‬اشتهر استهزاؤه بالحامئية بتشبيهها‬
‫بعريضة كتبها صنّاع الشموع‪ ،‬يطالبون فيها الحكومة أن تواجه التنافس الذي‬
‫تنافسهم إياه الشمس‪ .‬يرى باستيا أن الحكومات ُوجدت لتدافع عن الحرية وامللكية‬
‫– وهام حقّان سابقان عليها‪ .‬سبق باستيا املدرسة النمساوية يف االقتصاد‪ ،‬ومن‬
‫مفكريها فردريك هايك (‪ ،)1992–1899‬إذ قال إن األسواق املدفوعة باملصالح‬
‫الذاتية تنظّم النشاط االقتصادي وتدفع املوارد نحو أفضل استخداماتها‪.‬‬

‫ريتشارد كوبدن (‪ ،)1865–1804‬سيايس وصناعي إنجليزي‬

‫إىل جانب جون برايت (‪ ،)89–1811‬كان كوبدن قائد مدرسة مانشسرت التي‬
‫تابعت آدم سميث (‪ )90–1723‬يف القول بأن التجارة الحرة تتيح السلع األساسية‬
‫للجميع وتنشئ مجتم ًعا أقرب إىل العدل‪ .‬يف عام ‪ ،1838‬أنشأ القائدان العصبة‬
‫املناوئة لقانون الذرة‪ ،‬التي دعت (ونجحت) إىل إلغاء التعارف الجمركية املفروضة‬
‫عىل القمح املستورد‪ ،‬التي كانت ترفع أسعار الخبز وتسبب العجز مرة بعد أخرى‪.‬‬
‫‪128‬‬
‫أنشأ الرجالن كذلك حملة للسعي إىل فهم أفضل وسالم أعمق بني األمم‪ ،‬إذ كانا‬
‫يعتقدان أن من شأن التجارة الحرة أن تحقق هذا‪ .‬عندما عمل ريتشارد سياس ًّيا‪،‬‬
‫ساعد يف فتح التجارة بني بريطانيا وفرنسا‪.‬‬

‫جون ستوارت ِم ّل (‪ ،)73–1806‬مصلح وفيلسوف إنجليزي‬

‫يعترب كتاب ِم ّل عن الحرية (‪ ،)1859‬كتابًا من الكتب الكالسيكية يف الفلسفة‬


‫اللربتارية‪ ،‬ولو أن دفاعه عن الحرية كان ألجل نتائجها النافعة‪ ،‬ال اتبا ًعا لنظرية‬
‫مجردة عن الحقوق الطبيعية‪ .‬ومع أن ِم ّل كان ناق ًدا للحكومة الكبرية‪ ،‬فإنه نارص‬
‫تدخل الدولة يف مجاالت كثرية‪ ،‬سوى حامية الحرية‪ .‬اتبع ِم ّل معلّمه املنفعي‬
‫ِجرِماي بنثام (‪ ،)1823–1748‬يف القول بأن الخري هو ما أنتج أكرب سعادة ألكرب‬
‫جمهور‪ ،‬ولو أنه كان يعتقد أن املتع العليا أرفَع وأهم من املتع الدنيا‪ .‬ينبغي أن يكون‬
‫األفراد أحرا ًرا يف السعي ملا يرغبون‪ ،‬ما داموا ال يرضون أح ًدا بذلك‪ .‬إن االستعامل‬
‫ِ‬
‫التهديد به‪ .‬هذا وإن‬ ‫الرشعي الوحيد لسلطة الحكومة هو منع األذى الجسمي أو‬
‫إنكارنا ألفعال اآلخرين‪ ،‬أو «خريهم‪ ،‬املادي أو األخالقي‪ ،‬ليس ح ّجة كافية»‬
‫لتقييدهم‪ .‬نارص ِم ّل حرية التعبري منارصة قوية‪ ،‬وقال إن اآلراء املكبوتة قد تكون‬
‫صحيحة‪ ،‬وأنها حتى إذا أخطأت‪ ،‬فقد تكون تح ّديًا ناف ًعا لآلراء السائدة‪.‬‬

‫هربرت سبنرس (‪ ،)1903–1820‬أنرثوبولوجي وفيلسوف إنجليزي‬


‫‪129‬‬
‫سعى سبنرس إىل تطبيق نظرية التطور عىل الشؤون االجتامعية والسياسية‪.‬‬
‫واعتقد أن املجتمعات اإلنسانية‪ ،‬التي بدأ أمرها بسيط ًة ومحارِبة‪ ،‬تطورت إىل‬
‫مجتمعات صناعية متطورة‪ ،‬انترشت بفضل استقرارها وازدهارها‪ .‬عىل الرغم من‬
‫وصف بالدارويني االجتامعي‪ ،‬فإن سبنرس يرى أن اإلنسان يتطور إىل كائن‬
‫أنه يُ َ‬
‫أقرب إىل اللطف‪ .‬دعا سبنرس إىل «حرية كل فرد‪ ،‬محدود ًة بحرية الك ُّل»‪ ،‬ودعا إىل‬
‫الحكومة الصغرية‪ ،‬وسياسة عدم التدخل‪ ،‬وحرية التعاقد‪ ،‬وعارض تقنني التجارة‪.‬‬

‫رأى سبنرس أن الحرية تزيد التنوع واالبتكار‪ ،‬وهو ما يتيح للمجتمعات أن تتطور‬
‫أرسع إىل هيئات أنفع‪.‬‬

‫فردريك هايك (‪ ،)1992–1899‬عامل سيايس إنجليزي منساوي‬

‫أظهرت أعامل هايك يف ثالثينيات القرن العرشين‪ ،‬التي عمل فيها مع معلمه لودفيغ‬
‫فون ميسس‪ ،‬كيف أن دورات االزدهار والركود ناتجة عن التالعب الحكومي‬
‫السخيف باالئتامن‪ .‬كان هايك أهم منتقدي الجمعية والتخطيط املركزي والتدخل‬
‫حاج بأن هذه‬
‫التوسعي الذي دعا إليه جون مينارد كينز (‪ ،)1946–1883‬وقد ّ‬
‫األمور تقود إىل التضخم والفساد االقتصادي‪ .‬جذبت الحرب العاملية الثانية اهتاممه‬
‫إىل العلوم السياسية‪ ،‬وتتبع يف كتابه الطريق إىل العبودية (‪ )1944‬جذور‬
‫قائال إن التخطيط املركزي يأيت بنتائج عكسية‪ ،‬ومن أجل ذلك ال بد من‬
‫الشمولية‪ً ،‬‬
‫إكراه متزايد للحفاظ عليه‪ .‬يف كتابه دستور الحرية (‪ ،)1960‬كتب هايك أفكا ًرا عن‬

‫‪130‬‬
‫النظام االجتامعي واالقتصادي الحر‪ .‬ح ّدث هايك الفكرة الليربالية الكالسيكية‬
‫القائلة بالنظام االجتامعي العفوي املنظم لنفسه‪ ،‬وقال إن هذا النظام ينشأ من‬
‫الترصفات العادية (أو «القوانني») التي يتبعها األفراد‪ .‬قال هايك إن هذه األنظمة‬
‫ضخام من املعلومات –التي‬
‫ً‬ ‫وإن كانت غري مخطَّط لها‪ ،‬تستطيع أن تعالج مقدا ًرا‬
‫ميلكها األفراد ولكنها متناثرة وجزئية وشخصية وقصرية املدى عاد ًة– مقدا ًرا أكرب‬
‫مام تستطيع معالجته أي وكالة تخطيط‪ ،‬حتى إذا استطاعت الوصول إليه‪ .‬يف‬
‫كتابه الغرور القاتل (‪ ،)1988‬قال هايك إنه من الوهم أن نتخيل أن يف استطاعتنا‬
‫أن نشكّل أنظمة معقدة باستعامل أدوات العلوم املادية‪ ،‬وأن املحاوالت الواعية‬
‫لتغيري هذه األنظمة تؤدي إىل زعزعة استقرارها وإىل كوارث اجتامعية واقتصادية‪.‬‬
‫أسس هايك كذلك جمعية مونت بيلريين‪ ،‬التي أصبحت منت ًدى عامليا للفكر الليربايل‬
‫الكالسييك‪.‬‬

‫آين راند (‪ ،)82–1905‬باحثة يف األخالق وروائية روسية أمريكية‬

‫انترصت راند يف رواياتها للفردانية األصولية‪ ،‬التي تقع عىل الطرف اللربتاري من‬
‫الطيف الليربايل الكالسييك‪ .‬رأت راند أن الحياة وتحقيق الذات هام مقياس‬
‫األخالق‪ ،‬وأن العقل‪ ،‬الذي يقوم عليه هذان األمران‪ ،‬يجب أن يسود كل أفعالنا‪ ،‬وأن‬
‫عىل الناس أن يركزوا عىل مصالحهم الذاتية طويلة املدى‪ .‬رأت راند أن األفراد‬
‫يستحقون مثار أفعالهم‪ ،‬وأنه ال يجوز أن يؤخذ يشء منهم بالعنف‪ ،‬الذي ميقته‬

‫‪131‬‬
‫العقل العقالين‪ .‬ال ميكن أن ينشأ أي نزاع بني األفراد املهتمني مبصالح ذاتهم‬
‫اهتام ًما عقالن ًّيا‪ ،‬وال حاجة إىل التضحية بالنفس‪ ،‬ألن الناس سريون قيمة أنفسهم‬
‫يف احرتام حقوق اآلخرين‪ .‬وإذا كان للحكومة دور‪ ،‬أو للقوانني املنظمة للنشاط‬
‫االقتصادي‪ ،‬فهو حامية هذه الحقوق‪.‬‬

‫أشعيا برلني (‪ ،)97–1909‬فيلسوف التفي بريطاين‬

‫كان برلني أهم املدافعني الفلسفيني يف القرن العرشين عن التعددية والتسامح‪.‬‬


‫ورأى أنه ال ميكن جمع تنوع األفكار والقيم والتواريخ اإلنسانية وديناميكيتها يف‬
‫منوذج واحد‪ .‬رأى برلني أنه ما من مبدأ أخالقي موحد صحيح‪ ،‬وال معيار ميكن‬
‫الحكم عىل األشياء به‪ :‬الحياة تسوية مستمرة بني ق َيم متناحرة‪ ،‬منها الحرية‬
‫مثال‪ .‬ف ّرق أشعيا بني نوعني من الحرية‪ :‬الحرية السلبية‪ ،‬التي تظهر يف‬
‫واملساواة ً‬
‫أعامل جون ستوارت ِم ّل (‪ ،)73–1806‬التي تقول بحق الناس يف الت ّ‬
‫رصف كيف‬
‫شاؤوا دون قيد‪ .‬والحرية اإليجابية‪ ،‬التي تقول إن اإلنسان ال ميكن أن يكون ح ًّرا‬
‫حتى يشكّل مصريه ويحقق ذاته‪ .‬ولنئ كان لهذان املفهومان أهمية‪ ،‬فإن برلني‬
‫خيش أن يُستعمل مفهوم الحرية اإليجابية عىل يد املؤدلجني لتقويض الحرية‬
‫السلبية بدالً من تكميلها‪ ،‬فالحرية السلبية تبقى حجر أساس الليربالية الكالسيكية‪.‬‬

‫ِملتون فريدمان (‪ ،)2006–1912‬اقتصادي أمرييك‬


‫‪132‬‬
‫يف دراساته يف نظرية الكمية يف النقد (‪ ،)1956‬أحيا فريدمان الفكرة القائلة‬
‫بواجب الحكومة يف الحفاظ عىل عملة مستقرة‪ .‬قال فريدمان إن الحكومات التي‬
‫حاولت أن تنشئ وظائف برفع التضخم مل تنشئ إال التضخم والبطالة‪ .‬التضخم‬
‫مثل املخ ِّدرات‪ ،‬قد يؤدي إىل ازدهار قصري املدى ولكنه يف النهاية يأيت مبشكالت‬
‫عىل املدى الطويل‪ .‬أقام فريدمان حملة للدعوة إىل «قانون نقدي» ملنع التضخم‪،‬‬
‫وملنع اإلنفاق بالعجز‪ .‬كتب مع زوجته روز فريدمان (‪ )2009–1910‬كتابه‬
‫الرأساملية والحرية (‪ ،)1962‬الذي دعا فيه إىل األفكار التي كانت تع ّد يف ذلك‬
‫الوقت متطرفة‪ ،‬ومنها األسواق الحرة وتعويم العملة والرضيبة السلبية عىل الدخل‪،‬‬
‫وقسائم التعليم وخصخصة رواتب التقاعد الحكومية‪ .‬اعتقد فريدمان أن‬
‫املستفيدين الوحيدين من تقنني مهنة ما هم أصحاب هذه املهنة‪ ،‬ال زبائنهم‪ .‬عارض‬
‫فريدمان تجريم املخدرات‪ ،‬وقال إن تقنني منط املعيشة يقوض الحرية الفردية‪.‬‬
‫أوصل كتابه وسلسلته التلفزيونية حرية االختيار (‪ )1980‬إىل جمهور أوسع‪ .‬كتب‬
‫يف هذا الكتاب‪« :‬إن االعتامد عىل حرية الناس يف التحكم بحياتهم حسب قيمهم‬
‫أسلَم طريق لتحقيق أفضل مجتمع عظيم ميكن تحقيقه»‪.‬‬

‫جيمس بيوكانان (‪ ،)2013–1919‬اقتصادي أمرييك‬

‫كان جيمس بيوكانان وغوردون تولوك (‪ )2014–1922‬الشخصيتني القياديتني‬


‫يف مدرسة الخيار العام‪ ،‬إذ تشاركا يف كتاب رياضيات الرتايض (‪ .)1962‬شكك‬

‫‪133‬‬
‫املؤلفان يف عقالنية القرارات الدميقراطية‪ ،‬وأشارا إىل أن مصالح بعض الناخبني‪،‬‬
‫وبعض مجموعات الضغط والسياسيني واملسؤولني تفسد هذه العملية‪ .‬ولنئ كان‬
‫اقتصاديو «الرعاية االجتامعية» أشاروا إىل إخفاق السوق‪ ،‬فإن الحقيقة هي أن‬
‫للحكومة إخفاقًا أيضً ا‪ .‬اهتم املؤلفان بقدرة األغلبيات –أو حتى التحالفات الصغرية‬
‫بني مجموعات الضغط– عىل استعامل قوة الدولة الستغالل األقليات‪ ،‬برفع‬
‫مثال عىل مجموعات معينة من الناس‪ .‬اعتقد بيوكانان أن أفضل طريقة‬
‫الرضائب ً‬
‫ملواجهة هذا هو التسوية الدستورية التي وضعت القوانني التي يجب أن تلتزم بها‬
‫القرارات السياسية الالحقة‪ .‬األمثل أن تكون هذه القوانني الدستورية مقررة‬
‫باإلجامع إلغالق كل األبواب أمام استبداد األغلبية‪.‬‬

‫روبرت نوزيك (‪ ،)2002–1938‬فيلسوف أمرييك‬

‫يف كتابه األناركية والدولة واليوتوبيا (‪ ،)1974‬دافع نوزيك دفا ًعا أخالق ًّيا عن‬
‫الحرية‪ .‬بدأ دفاعه مبفهوم األمر املطلق عند إمانويل كانط (‪ ،)1804–1724‬أنه ال‬
‫بد أن نعامل الناس عىل أنهم غايات يف أنفسهم‪ ،‬ال عىل أنهم أدوات تساعدنا عىل‬
‫بلوغ غاياتنا‪ ،‬ومن ثم يجب أن نترصف عىل نحو متسق مع مبدأ عام‪ .‬أكد نوزيك‬
‫أن اإلنسان ميلك جسمه ومواهبه وكدحه‪ ،‬وأنه ليس ألحد الحق يف أخذ هذه األشياء‬
‫حق إذن يف رضائب توزيع الرثوة‪ .‬فالرثوة مل توجد ليك توزَّع «بعدل»‪،‬‬
‫بالقوة‪ .‬ال ّ‬
‫إمنا وجدت بفضل مواهب األفراد وريادتهم وجهودهم‪ .‬إذا اكتُسبت الرثوة ونُقلت‬

‫‪134‬‬
‫بالعدل‪ ،‬من دون إكراه‪ ،‬فالتوزيع الناتج توزيع عادل‪ ،‬وإن مل يكن متساويًا‪ .‬تنحرص‬
‫وظيفة الدولة يف حامية األفراد من العنف والرسقة واالحتيال وخرق العقود‪ .‬يف‬
‫هذه الحالة‪ ،‬يكون الناس أحرا ًرا يف اتباع أهدافهم وآمالهم الخاصة‪ .‬دولة الحرس‬
‫هذه لن تؤدي إىل الفوىض –كام حذّر كثريون بعد الثورة الفرنسية– ألن الناس‬
‫مثال‪.‬‬
‫سيتجمعون م ًعا لحامية حقوقهم‪ ،‬بإنشاء وكاالت خاصة لحل النزاعات ً‬

‫‪135‬‬
‫‪ .11‬اقتباسات ليربالية كالسيكية‬

‫الوثيقة العظمى‬

‫وقد منحنا أيضً ا لكل الرجال األحرار يف مملكتنا‪ ،‬نحن وورثتنا من بعدنا إىل األبد‪،‬‬
‫كل الحقوق املكتوبة باألسفل‪ ،‬وسيحظون بها ويحتفظون بها هم وورثتهم‪ ،‬منا‬
‫ومن ورثتنا إىل األبد‪ ...‬لن تُفرض أي رضائب أو مساعدات عىل مملكتنا إال‬
‫باالستشارة العامة ململكتنا‪ ...‬ولن يُقبض عىل رجل حر‪ ،‬أو يُسجن‪ ،‬أو يُجرد من‬
‫ممتلكاته أو حقوقه‪ ،‬أو يُنفى من موطنه‪ ،‬أو يُحرم من منزلته بأي شكل من األشكال‪،‬‬
‫ولن نتخذ إجراءات ضده أو نحاكمه إال من خالل حكم أقرانه أو بقانون األرض‪...‬‬
‫ولن نبيع ألي أحد حقًا أو عدالً ‪ ،‬ولن نحرم أحد منهام أو نؤخرهام عن أحد‪ ...‬يحق‬
‫لكل التجار الخروج اآلمن واملضمون من إنجلرتا‪ ،‬والدخول إليها‪ ،‬ويحق لهم البقاء‬
‫هناك وأن يتحركوا أينام يشاؤون عرب الرب والبحر للرشاء والبيع مبوجب التقاليد‬
‫القدمية املرشوعة‪ ،‬يف مأمن من كل أعامل االبتزاز الرشيرة‪...‬‬

‫– جون ملك إنجلرتا (‪( )1216–1166‬تحت وطأة اإلكراه)‬

‫‪136‬‬
‫الحقوق الطبيعية‬

‫إن الحق الطبيعي‪ ...‬هو حرية كل إنسان يف أن يستخدم ق ّوته كام يشاء للحفاظ‬
‫عىل طبيعته‪ ،‬أو بعبارة أخرى‪ ،‬الحفاظ عىل حياته‪.‬‬

‫– توماس هوبز (‪ ،)1679–1588‬اللفياثان‬


‫لطور الطبيعة قانون طبيعة يحكمه يلتزم به كل فرد‪ ،‬والعقل –وهو ذلك القانون–‬
‫يعلّم البرش جمي ًعا‪ ،‬إن استشاروه‪ ،‬أنهم جمي ًعا متساوون ومستقلون‪ ،‬فال ينبغي‬
‫عىل أحد أن يوقع رض ًرا بحياة آخر‪ ،‬أو صحته‪ ،‬أو حريته‪ ،‬أو ممتلكاته‪...‬‬

‫– جون لوك (‪ ،)1704–1632‬رسالتان يف الحكم املدين‬


‫خلقوا سواسية‪ ،‬وأن خالقهم‬
‫نحن نؤمن بأن الحقائق التالية بديهية‪ :‬أن كل البرش ُ‬
‫وهبهم حقوقًا محددة ال ميكن الترصف فيها‪ ،‬ومن بينها الحياة‪ ،‬والحرية‪ ،‬والسعي‬
‫لتحقيق السعادة‪.‬‬

‫– توماس جيفرسون (‪ ،)1826–1743‬إعالن االستقالل األمرييك‬


‫إن الحياة‪ ،‬والحرية‪ ،‬وحق امللكية ال تدين بوجودها إلصدار البرش القوانني‪ .‬بل إنها‬
‫وجدت قبل ذلك‪ ،‬وهذا هو ما جعل البرش يصدرون القوانني يف املقام األول‪.‬‬

‫– فريدريك باستيا (‪ ،)50–1801‬القانون‬

‫‪137‬‬
‫لألفراد حقوق‪ ،‬ومثة أمور ال ميكن لفرد أو جامعة أن يفعلوها لهم (دون أن ينتهكوا‬
‫حقوقهم)‪ .‬وتلك الحقوق قوية وبعيدة املدى للغاية لدرجة أنها تجعلنا نشكك فيام‬
‫ميكن للدولة ومسؤوليها أن يفعلوه‪ ،‬إن كان هناك يشء ميكن لهم فعله من األساس‪.‬‬

‫– روبرت نوزيك (‪ ،)2002–1938‬األناركية‪ ،‬والدولة‪ ،‬واليوتوبيا‬

‫الحكومة املحدودة‬

‫إن من أقىص درجات الوقاحة والعجرفة‪ ...‬أن يتظاهر امللوك والوزراء بحراسة‬
‫اقتصاد األفراد‪ ،‬وأن يقيدوا إنفاقهم‪ ...‬ذلك أنهم أنفسهم‪ ،‬دون أي استثناء‪ ،‬أكرب‬
‫مرسفني يف املجتمع بأكمله‪ .‬دعهم يعتنون بإنفاقهم جي ًدا‪ ،‬ولهم أن يستأمنوا األفراد‬
‫بإنفاقهم بأمان‪ .‬فإذا مل يدمر بذخهم الدولة‪ ،‬فلن يفعل ذلك رعاياهم أب ًدا‪.‬‬

‫– أدم سميث (‪ ،)90–1723‬ثروة األمم‬


‫إن صالحيات الحكومة ُوضعت يف قبضة بعض األيادي بدافع الرضورة‪ .‬وأولئك‬
‫الذين استؤمنوا عليها يتعرضون إلغراءات ال حرص لها باستغاللها‪ ،‬ولن يتوقفوا‬
‫مينعوا عن ذلك‪.‬‬
‫عن استغاللها إذا مل ُ‬
‫– جيمس ميل (‪ ،)1836–1773‬من مقالة «وضع األمة» يف جريدة لندن‬
‫ريفيو‬
‫متيل السلطة إىل اإلفساد‪ ،‬والسلطة املطلقة ت ِ‬
‫ُفسد بشكل مطلق‪.‬‬
‫‪138‬‬
‫– اللورد أكتون (‪ ،)1902–1834‬رسالة إىل األسقف كريتون‬
‫كيف مننع الحكومة التي صنعناها من أن تتحول إىل وحش فرانكشتاين يدمر‬
‫الحرية ذاتها التي أسسناها لحاميتها؟ الحرية نبتة نادرة ورقيقة‪ ...‬الحكومة‬
‫رضورية للحفاظ عىل حريتنا‪ ،‬فهي أداة ميكن من خاللها أن منارس حريتنا‪.‬‬
‫ولكنها‪ ،‬برتكيز السلطة يف األيادي السياسية‪ ،‬تتحول أيضً ا إىل تهديد للحرية‪.‬‬
‫ورغم أن البرش الذين ميتلكون تلك السلطة لهم نوايا حسنة يف البداية‪ ...‬فستجذب‬
‫أشخاصا ذوي طباع مختلفة‪.‬‬
‫ً‬ ‫السلطة وتشكل‬

‫– ميلتون فريدمان (‪ )2006–1912‬مع روز د‪ .‬فريدمان (‪،)2009–1910‬‬


‫الرأساملية والحرية‬
‫بالنسبة إىل الشخص الحر‪ ،‬البلد مجموعة من األفراد الذين يؤلفوه‪ ،‬ال أم ًرا يسمو‬
‫فوقهم‪ .‬وهو فخور بالرتاث املشرتك ويكن وال ًء للتقاليد املشرتكة‪ .‬ولكنه يعترب‬
‫الحكومة وسيلة‪ ،‬أو أداة‪ ،‬ال مان ًحا لألفضال والهبات‪ ،‬وال سي ًدا أو إل ًها يجب عبادته‬
‫وخدمته عىل نحو أعمى‪.‬‬

‫– ميلتون فريدمان (‪ )2006–1912‬مع روز د‪ .‬فريدمان (‪،)2009–1910‬‬


‫الرأساملية والحرية‬

‫‪139‬‬
‫النظام التلقايئ‪...‬‬

‫كل خطوة وكل حركة للجموع‪ ،‬حتى يف العصور التي تُسمى العصور املتنورة‪،‬‬
‫تحدثان دون علم باملستقبل‪ .‬واألمم تتعرث يف املؤسسات التي هي نتيجة عمل‬
‫اإلنسان‪ ،‬وليست تنفيذًا ألي تصميم إنساين‪.‬‬

‫– أدم فريغسون (‪ ،)1816–1723‬مقالة يف تاريخ املجتمع املدين‬


‫يستهلك (األغنياء) قد ًرا أكرب بقليل من الفقراء‪ ،‬وعىل الرغم من أنانيتهم وجشعهم‬
‫تحسنهم مع الفقراء‪ .‬وتقودهم يد خفية تسعى‬
‫ّ‬ ‫الطبيعيني‪ ...‬فهم يقسمون نتائج‬
‫لجعل كل رضوريات الحياة موزعة بشكل متسا ٍو تقري ًبا‪ ،‬وهو ما كان ميكن‬
‫تحقيقه إذا كانت األرض ُمقسمة إىل أجزاء متساوية بني كل سكانها‪ .‬ولذا‪ ،‬بدون‬
‫قصد وبدون علم‪ ،‬تنهض مصالح املجتمع‪ ،‬وتُتاح وسائل تكاثر النوع‪.‬‬

‫– أدم سميث (‪ ،)90–1723‬نظرية املشاعر األخالقية‬

‫‪140‬‬
‫‪...‬اإلرشاد الحميد‪...‬‬

‫ومن هنا قال الحكيم «لن أقوم بأي فعل (عن عمد)‪ ،‬وسينصلح الناس‪ .‬سألتزم‬
‫أبدي‬
‫السكينة‪ ،‬وسيستقيم الناس‪ .‬لن أقلق بشأن أمرهم‪ ،‬وسيغدو الناس أغنياء‪ .‬لن ّ‬
‫أي رغبة‪ ،‬وسيعود الناس إىل حياة البساطة البدائية»‪.‬‬

‫– الو تسو (نحو ‪ 600‬ق‪.‬م‪).‬‬

‫الليربالية‪ ...‬تقيد التحكم املتعمد لنظام املجتمع الشامل بحيث ينحرص يف بعض‬
‫القواعد العامة الرضورية لتكوين النظام التلقايئ الذي ال نقدر عىل التنبؤ‬
‫بتفاصيله‪.‬‬

‫– فريدريش هايك (‪ ،)1992–1899‬القواعد والنظام‬

‫‪...‬مقابل التخطيط والضوابط‬

‫ريا ما يكون‬
‫إن رجل النظام‪ ...‬بارع ج ًدا يف الظهور مبظهر الحكيم بغرور بالغ‪ .‬وكث ً‬
‫متيام بالجامل االفرتايض الذي تتسم به خطته املثالية للحكومة‪ ،‬لدرجة أنه ال‬
‫ً‬
‫ريا عنها‪ ...‬ويبدو أنه يتخيل أن بوسعه تنسيق‬
‫يتحمل أي انحراف ولو كان صغ ً‬
‫أعضاء مختلفني ملجتمع عظيم بنفس سهولة ترتيب قطع الشطرنج عىل الطاولة‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫وهو ال يفكر يف أن‪ ،‬يف طاولة شطرنج املجتمع اإلنساين العظيمة‪ ،‬كل قطعة لها‬
‫مبدأ حركة خاص بها‪ ،‬وهو مختلف متا ًما عام قد يختار الجهاز الترشيعي أن‬
‫يفرضه عليها‪.‬‬

‫– أدم سميث (‪ ،)90–1723‬نظرية املشاعر األخالقية‬


‫(يف عدم وجود القيود التجارية) يؤسس نظام الحرية الطبيعية البديهي البسيط‬
‫نفسه من تلقاء نفسه‪ .‬يُرتك كل رجل‪ ...‬ح ًرا ليسعى إىل تحقيق مصلحته بطريقته‬
‫الخاصة‪ ...‬السيادة معفية متا ًما من واجب ال يكفي ألدائه أي قدر من الحكمة أو‬
‫املعرفة اإلنسانية‪ .‬وهذا الواجب هو اإلرشاف عىل صناعات األفراد الخاصة‪،‬‬
‫وتوجيهها نحو أنسب توظيفات ملصلحة املجتمع‪.‬‬

‫– أدم سميث (‪ ،)90–1723‬ثروة األمم‬


‫ذلك ليس نزا ًعا حول ما إذا كان التخطيط مناس ًبا أم ال‪ .‬بل هو نزاع حول ما إذا‬
‫ينبغي أن يجري التخطيط مركزيًا‪ ،‬من خالل سلطة واحدة للنظام االقتصادي‬
‫بأكمله‪ ،‬أم أن يكون موز ًعا بني أفراد متعددين‪.‬‬

‫– فريدريش هايك (‪« ،)1992–1899‬استخدام املعرفة يف املجتمع»‬

‫قبل أن نحاول إعادة تشكيل املجتمع بذكاء‪ ،‬علينا أوالً أن نفهم سري عمله‪ .‬علينا أن‬
‫ندرك أننا‪ ،‬حتى إن اعتقدنا أننا نفهمه‪ ،‬قد نكون مخطئني‪ .‬وما علينا تعلمه للفهم‬
‫هو أن حضارة اإلنسان لها حياة خاصة بها‪ ،‬وأن كل الجهود التي نبذلها لتحسني‬

‫‪142‬‬
‫األمور ال بد من أن تعمل داخل نظام عامل ال ميكننا أن نتحكم به بالكامل‪ ،‬وجل ما‬
‫ميكن أن نأمله هو تسهيل ومساعدة تشغيل قواه حتى نتمكن من فهمها‪.‬‬

‫– فريدريش هايك (‪ ،)1992–1899‬دستور الحرية‬

‫العدالة وحكم القانون‬

‫ما ليس عدالً ‪ ،‬ليس قانونًا‪ .‬وما ليس قانونًا ال تنبغي طاعته‪.‬‬

‫– ألغرنون سيدين (ؘ‪ ،)83–1623‬خطابات بخصوص الحكومة‬


‫يبدأ الطغيان من حيث تنتهي سلطة القانون‪ ،‬أي كلام ُهتكت حرمة القانون إللحاق‬
‫الرضر بالغري‪ .‬وكل من يتجاوز تلك السلطة التي منحها إياه القانون‪ ،‬ويستغل‬
‫حاكام بعد ذلك‪ .‬وإن ترصفه‬
‫ً‬ ‫القوة التي تقع تحت سيطرته‪ ...‬ال يصلح أن يكون‬
‫دون تفويض رشعي يبيح مقاومته‪ ،‬كام يقاوم أي فرد آخر من يسطو عىل حق‬
‫اآلخرين بالقوة‪.‬‬

‫– جون لوك (‪ ،)1704–1623‬رسالتان يف الحكم املدين‬


‫تقوم حرية املواطن السياسية عىل راحة النفس التي تنشأ من رأي كل شخص حول‬
‫سالمته‪ ...‬وال ميكن أن تقوم قامئة للحرية إذا ما اجتمعت السلطة الترشيعية‬
‫والسلطة التنفيذية يف شخص واحد أو يف هيئة حاكمة واحدة‪ .‬وذلك ألنه قد‬

‫‪143‬‬
‫يخىش من أن يضع امللك ذاته أو مجلس الشيوخ ذاته قوانني جائرة لينفذها تنفيذًا‬
‫جائ ًرا‪.‬‬

‫– مونتيسيكو (‪ ،)1755–1689‬روح الرشائع‬


‫من أكرث ما يهم الجمهور هو الحفاظ عىل تلك الحرية الشخصية‪ .‬وذلك ألنه‪ ،‬إذا‬
‫تُرك األمر ولو ملرة واحدة يف يد أي حاكم كبري أن يسجن أي شخص جزافًا عىل‬
‫النحو الذي يراه الحاكم ذاته أو أي من مرؤوسيه مناس ًبا‪( ،‬كام يفعل امللك يف فرنسا‬
‫بصورة يومية)‪ ،‬فستنتهي كل الحقوق األخرى والحصانات عام قريب‪.‬‬

‫– السري ويليام بالكستون (‪ ،)80–1723‬تعليقات عىل قوانني إنجلرتا‬


‫إذا أُزيلت العدالة‪ ،‬فسيتفتت نسيج املجتمع البرشي العظيم الهائل‪ ،‬هذا النسيج الذي‬
‫متسام بحنان الطبيعة الغريب‬
‫ً‬ ‫ينبغي تعزيزه ودعمه الذي يبدو‪ ،‬إذا جاز يل القول‪،‬‬
‫والعزيز‪ ،‬يف لحظة واحدة إىل ذرات‪.‬‬

‫– أدم سميث (‪ ،)90–1723‬نظرية املشاعر األخالقية‬


‫خلية فسيحة مليئة بالنحل‪،‬‬

‫عاشت يف رخاء ويرس‪...‬‬

‫مل يكن هناك عبيد للطغيان‪،‬‬

‫حكام بالدميقراطية الجامحة‪.‬‬


‫ً‬ ‫وال‬

‫ولكن امللوك مل تكن تخطئ‪ ،‬ألن‬


‫‪144‬‬
‫سلطتهم كانت مقيدة بالقوانني‪.‬‬

‫– برنارد ماندفيل (‪ ،)1733–1670‬حكاية النحل‬

‫الحرية االقتصادية‬

‫لطاملا كانت الحكومة تعني اإلكراه واإللزام‪ ،‬وهي بحكم الرضورة النقيض التام‬
‫للحرية‪ .‬الحكومة كفيل للحرية‪ ،‬وهي متوافقة مع الحرية فقط إذا كان نطاقها‬
‫مقصو ًرا بالقدر الكايف عىل الحفاظ عىل ما يُدعى الحرية االقتصادية‪ .‬وحيث ال‬
‫تقوم القتصاد السوق قامئة‪ ،‬فستظل أفضل أحكام الدساتري والقوانني من حيث‬
‫النية مجرد حرب عىل ورق‪.‬‬

‫– لودفيج فون ميزس (‪ ،)1973–1881‬العمل اإلنساين‬


‫إن التحكم يف مساعينا االقتصادية يعني‪ ...‬التحكم يف كل يشء‪.‬‬

‫– فريدريش هايك (‪ ،)1992–1899‬الطريق إىل العبودية‬


‫ريا من الحرية الفردية‪ ،‬وبعض تدابري التقدم يف الراحات املادية‬
‫رصا كب ً‬
‫أينام نجد عن ً‬
‫وأمال واس ًعا يف تحقيق املزيد من التقدم يف‬
‫ً‬ ‫تحت ترصف املواطنني العاديني‪،‬‬
‫املستقبل‪ ،‬نجد هناك أيضً ا أن النشاط االقتصادي ُمنظم بصورة رئيسية من خالل‬
‫السوق الحر‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫– ميلتون فريدمان (‪ )2006–1912‬وروز د‪ .‬فريدمان (‪،)2009–1910‬‬
‫حرية االختيار‬
‫لن تجد تدابري أفضل مبقدورنا أن نتخذها لتعزيز قضية الحرية يف الوطن ويف‬
‫الخارج أفضل من التجارة الحرة الكاملة إال القليل‪.‬‬

‫– ميلتون فريدمان (‪ )2006–1912‬وروز د‪ .‬فريدمان (‪،)2009–1910‬‬


‫حرية االختيار‬

‫الحرية الشخصية‬

‫ال أحد ميتلك الحق يف إجباري عىل أن أكون سعي ًدا بطريقته الخاصة التي يفكر‬
‫بها يف منفعة اآلخرين‪ .‬ولكن يحق لكل فرد أن يسعى إىل تحقيق سعادته بأفضل‬
‫طريقة يراها مناسبة‪ ،‬إذا مل تنطو عىل انتهاك حرية اآلخرين يف السعي إىل هدف‬
‫مشابه ألجل أنفسهم حني تكون حريتهم متامشية مع حق الحرية يف جميع‬
‫الحاالت األخرى وفقًا لقوانني عاملية ممكنة‪.‬‬

‫– إمانويل كانت (‪ ،)1804–1724‬مبادئ السياسة‬


‫من يضحون بالحرية األساسية مقابل الحصول عىل قليل من األمان املؤقت ال‬
‫يستحقون الحرية وال األمان‪.‬‬

‫– بنجامني فرانكلني (‪ ،)90–1706‬ر ًدا عىل حاكم بنسلفانيا‬


‫‪146‬‬
‫إن الحرية الوحيدة التي تستحق هذا االسم هي حرية السعي إىل تحقيق مصالحنا‬
‫الخاصة‪ ،‬بطريقتنا الخاصة‪ ،‬ما دمنا ال نحاول حرمان الغري من مصالحهم‪ ،‬أو عرقلة‬
‫جهودهم للحصول عليها‪.‬‬

‫– جون ستوارت ميل (‪ ،)73–1806‬عن الحرية‬


‫رغام‬
‫الغاية الوحيدة التي تس ّوغ مامرسة السلطة عىل أي فرد يف مجتمع متمدن‪ً ،‬‬
‫عن إرادته‪ ،‬هو منعه من إلحاق الرضر باآلخرين‪ .‬أما إذا كانت الغاية املنشودة من‬
‫إرغام الفرد هي مصلحته الذاتية‪ ،‬سواء كانت أخالقية أو مادية‪ ،‬فذلك ال يُعد مسوغًا‬
‫كاف ًيا‪.‬‬

‫– جون ستوارت ميل (‪ ،)73–1806‬عن الحرية‬


‫تكمن الحرية يف قلوب الرجال والنساء‪ .‬وحني متوت‪ ،‬فلن ينقذها أي دستور‪ ،‬أو‬
‫قانون‪ ،‬أو محكمة‪...‬‬

‫– القايض لريند هاند (‪« ،)1961–1872‬روح الحرية»‪ ،‬خطاب يف‬


‫نيويورك عام ‪1944‬‬

‫ال يتكئ إمياننا بالحرية عىل النتائج التي ميكن توقعها يف ظروف معينة‪ ،‬بل عىل‬
‫االعتقاد بأنها‪ ،‬مع أخذ كل األمور يف االعتبار‪ ،‬ستطلق العنان لقوى تخدم الخري‬
‫أكرث مام تخدم الرش‪.‬‬

‫– فريدريش هايك (‪ ،)1992–1899‬دستور الحرية‬

‫‪147‬‬
‫املجتمع الذي يجعل املساواة أهم من الحرية لن يحصل عىل أي منهام‪ .‬واملجتمع‬
‫الذي يجعل الحرية أهم من املساواة سيحصل عىل قدر كبري من كليهام‪.‬‬

‫– ميلتون فريدمان (‪ ،)2006–1912‬حرية االختيار (حلقة تلفزيونية)‬

‫أنا أؤيد تقنني املخدرات‪ .‬فطبقًا لنظام القيم الخاص يب‪ ،‬إذا أراد الناس أن يقتلوا‬
‫أنفسهم‪ ،‬فلهم كل الحق يف فعل ذلك‪ .‬إن سبب معظم األذى الذي ينشأ من املخدرات‬
‫هو أنها غري قانونية‪.‬‬

‫– ميلتون فريدمان (‪ُ ،)2006–1912‬مقتبس يف كتاب جون ميتشنسون‬


‫إذا كان الجهل نعمة‪ ،‬فلامذا ال نجد الكثري من السعداء؟‬
‫أمتنى الحظ السعيد لألناركيني‪ ،‬مبا أنها الطريقة التي ينبغي أن نسري عليها اآلن‪.‬‬
‫ولكنني أعتقد أننا يف حاجة إىل الحكومة لفرض قواعد اللعبة‪ ...‬نحن يف حاجة‬
‫إىل الحكومة للحفاظ عىل نظام محاكم يدعم العقود ويبت يف أمر التعويض عن‬
‫األذى‪ .‬نحن يف حاجة إىل حكومة لضامن أمان املواطنني – لتوفري حامية الرشطة‪.‬‬
‫ولكن الحكومة تفشل يف كثريٍ من تلك األمور التي ينبغي أن تقوم بها ألنها‬
‫منخرطة يف كثريٍ من األمور التي ال ينبغي أن تقوم بها‪.‬‬

‫– ميلتون فريدمان (‪ ،)2006–1912‬مقابلة مع مجلة بالي بوي‬

‫‪148‬‬
‫الحرية السياسية‬

‫لقد أقر املؤلفون السياسيون أن من املسلامت أن‪ ،‬عند نسج أي نظام حكومة‬
‫وإصالح الفحوصات والضوابط العديدة يف الدستور‪ ،‬ال بد من افرتاض أن كل رجل‬
‫مخادع‪ ،‬وأن ال هدف له‪ ،‬يف ترصفاته‪ ،‬سوى تحقيق مصالحه الخاصة‪.‬‬

‫– ديفيد هيوم (‪ ،)76–1711‬مقاالت‪ ،‬أخالقية‪ ،‬سياسية‪ ،‬أدبية‬


‫ال يوجد قاسم مشرتك بني الدميقراطية واالشرتاكية سوى كلمة واحدة‪ ،‬املساواة‪.‬‬
‫ولكن الحظ الفرق‪ :‬فالدميقراطية تسعى إىل املساواة يف الحرية‪ ،‬بينام تسعى‬
‫االشرتاكية إىل املساواة يف التقييد والعبودية‪.‬‬

‫– ألكسيس دو توكفيل (‪ ،)59–1805‬خطاب للمجلس‪1848 ،‬‬

‫الدولة هي الخيال العظيم الذي يسعى الجميع من خالله أن يعيش عىل حساب كل‬
‫شخص آخر‪.‬‬

‫– فريدريك باستيا (‪ ،)50–1801‬الدولة‬


‫الدميقراطية يف جوهرها وسيلة‪ ،‬أداة نفعية لحامية السالم الداخيل والحرية‬
‫الفردية‪ .‬وعىل هذا النحو فهي ليست معصومة من الخطأ أو يقينية بأي حال من‬
‫األحوال‪.‬‬

‫– فريدريش هايك (‪ ،)1992–1899‬الطريق إىل العبودية‬


‫‪149‬‬
‫‪ .12‬تاريخ أحداث الليربالية الكالسيكية‬

‫تأسيس أول برملان يف العامل‪ ،‬ألثينغي‪ ،‬يف آيسلندا‪.‬‬ ‫‪930‬‬


‫يحلف امللك األنغلوسكسوين إدغار أول قسم تتويج‪ ،‬ويقسم فيه‬ ‫‪973‬‬
‫أن يدافع عن األرض ويقيم القانون ويحكم بالعدل‪.‬‬
‫‪ 1014‬يقبل امللك األنغلوسكسوين إثلرد أن يقيم القوانني القدمية وأن‬
‫يشاور مجلس ويتان‪.‬‬
‫‪ 1066‬ينتهي عرص الحرية الفردية والحكومة املحدودة يف إنكلرتا مع‬
‫الغزو النورماين لها وتأسيس نظام اإلقطاع‪.‬‬
‫‪ 1215‬تحت الضغط‪ ،‬يوافق امللك جون عىل توقيع املاغنا كارتا‪ ،‬الوثيقة‬
‫التي تؤكد حقوق امللكية وتحد اململكة بقوانني األرض‪.‬‬
‫‪ 1225‬يصدر امللك هرني الثالث ملك إنكلرتا نسخة جديدة من املاغنا‬
‫كارتا‪ ،‬لتصبح الوثيقة املؤسسة للدستور الربيطاين‪.‬‬
‫‪ 1265‬يشكل سيمون دو مونتفورت الربملان الكبري‪ ،‬ليجعل قرارات امللك‬
‫خاضعة ملوافقة املجلس‪ ،‬مبشاورة الربملان‪.‬‬
‫‪ 1381‬تدعو ثورة الفالحني يف إنكلرتا إىل استعادة القوانني القدمية‪.‬‬
‫‪ 1517‬يبدأ مارتن لوثر اإلصالح الربوتستانتي‪ ،‬ليعزز الفردانية‪ ،‬بال قصد‬
‫منه‪.‬‬
‫‪ 1651‬يدعو توماس هوبز يف كتابه اللفياثان إىل الحكومة القوية‪ ،‬ولكنه‬
‫يدعو إىل أن تقوم الحكومة عىل عقد اجتامعي‪ ،‬وإىل الحقوق‬
‫‪150‬‬
‫الطبيعية للناس‪ ،‬وإىل حقهم يف الدفاع عن أنفسهم حتى من‬
‫الدولة‪.‬‬
‫‪ 1687‬ينرش ويليام بن أول طبعة أمريكية من املاغنا كارتا‪.‬‬
‫‪ 1688‬يف الثورة املجيدة‪ ،‬يُخلَع امللك جيمس الثاين ويضع الربملان‬
‫رشوطًا للملك الجديد ويليام وزوجته ماري‪ ،‬ليحد سلطة امللك‪.‬‬
‫‪ 1689‬يؤكد قانون الحقوق يف بريطانيا الكربى عىل الطبيعة التعاقدية‬
‫للحكومة‪ ،‬ويثبت حدو ًدا لسلطات امللك‪ ،‬ويضمن حرية التعبري يف‬
‫الربملان‪ ،‬وينص عىل إقامة انتخابات دورية ويؤكد عىل حق‬
‫االعرتاض عىل السلطات من دون خوف االنتقام‪.‬‬
‫‪ 1690‬ينرش جون لوك رسالتيه عن الحكومة املدنية‪ ،‬ويقدم فيهام ً‬
‫أسسا‬
‫فلسفية لفكرة الحكومة التعاقدية ويؤيد خلع امللك جيمس الثاين‪.‬‬
‫‪ 1705‬ينرش برنارد منديفيل خلية التذمر‪ ،‬وهي قصيدة يف الفوائد‬
‫االجتامعية للمصلحة الذاتية‪.‬‬
‫‪ 1720‬يبدأ جون ترنشارد وتوماس غوردون نرش رسائل كاتو‪ ،‬وهي‬
‫مقاالت صحفية تدعو إىل حرية التعبري والضمري‪.‬‬
‫‪ 1734‬يثور فولتري عىل الثقافة الخالية من الليربالية يف فرنسا يف كتابه‬
‫رسائل فلسفية عن اإلنكليز‪.‬‬
‫‪ 1748‬ينرش تشارلز دو مونتيسكيو روح القوانني‪ ،‬ويدعو فيه إىل تقسيم‬
‫السلطة إىل فروع‪ :‬ترشيعية وتنفيذية وقضائية‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫‪ 1767‬يصف كتاب آدم فريغسن تاريخ املجتمع املدين املؤسسات بأنها‬
‫«نتيجة الفعل اإلنساين‪ ،‬ال نتيجة تنفيذ أي تصميم إنساين»‪.‬‬
‫‪ 1776‬ينرش آدم سميث كتابه ثروة األمم‪ ،‬ويظهر فيه أن التقدم‬
‫االقتصادي تقوده املصلحة الذاتية والتبادل الطوعي والتجارة‬
‫الحرة وتقسيم العمل‪.‬‬
‫‪ 1776‬تعلن أمريكا استقاللها عن الحكومة الربيطانية ألنها اعتدت عىل‬
‫«الحقوق الراسخة» ملواطنيها‪.‬‬
‫فصل‬ ‫‪ 1780‬يت ّوج دستور ماستشوستس الذي كتبه جون آدمز‬
‫السلطات‪« ،‬يجب أن تكون حكومة قوانني‪ ،‬ال حكومة أناس»‪.‬‬
‫‪ 1785‬يف كتابه أسس غيبيات األخالق‪ ،‬يقدم إمانويل كانط مفهومه عن‬
‫«األمر املطلق»‪ ،‬وهو وجوب معاملة اآلخرين عىل أنهم غايات يف‬
‫أنفسهم‪ ،‬ال عىل أنهم وسائل‪.‬‬
‫‪ 1789‬يدخل دستور الواليات املتحدة حيز التنفيذ‪ ،‬وينص عىل فصل‬
‫السلطات والحكومة املحدودة‪.‬‬
‫‪ 1789‬تنرش حكومة فرنسا الثورية إعالن حقوق اإلنسان واملواطن‪،‬‬
‫وتؤكد فيه عىل مبدأ الالعنف‪ ،‬والقضاء العادل‪ ،‬وحقوق امللكية‬
‫وحرية الضمري‪ ،‬ولكن هذه املبادئ ال تلبث أن تُلغى‪.‬‬
‫‪ 1791‬إقرار قانون الحقوق يف الواليات املتحدة‪ ،‬الذي يعدد الحقوق‬
‫األساسية كحرية الدين والتعبري واالجتامع والصحافة وحمل‬
‫األسلحة والحرية من االعتقال الجائر والتملك الجائر‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫‪ 1833‬تؤدي ضغوط الليرباليني الكالسيكيني إىل إلغاء العبودية يف‬
‫معظم اإلمرباطورية الربيطانية‪.‬‬
‫‪ 1838‬يشكل ريتشارد كوبدن وجون برايت العصبة املناوئة لقانون‬
‫الذرة‪ ،‬التي تسعى إىل إلغاء التعارف الجمركية الحامئية الضارة‬
‫املفروضة عىل القمح‪.‬‬
‫‪ 1843‬تربز صحيفة ذا إكونومست‪ ،‬التي أسسها جيمس ولسون‪،‬‬
‫لنرصتها للتجارة الحرة وعدم تدخل الحكومة‪.‬‬
‫‪ 1843‬تلغى العبودية يف جميع أنحاء اإلمرباطورية الربيطانية‪.‬‬
‫‪ 1846‬تلغى قوانني الذرة‪.‬‬
‫‪ 1849‬ينرش فردريك باستيا كتابه القانون‪ ،‬الذي يؤكد فيه عىل حقوق‬
‫األفراد اإللهية يف الدفاع عن أنفسهم وعن حريتهم وأمالكهم‪،‬‬
‫ويقول فيه إن الحكومة والقانون كالهام فاقد للرشعية إذا اعتدى‬
‫عىل هذه الحقوق‪.‬‬
‫‪ 1851‬يف إحصائياته االجتامعية‪ ،‬يقدم هربرت سبنرس ُ‬
‫ح ّجة تطورية‬
‫إلقامة دولة محدودة بالدفاع عن أشخاص مواطنيها وأمالكهم‪.‬‬
‫‪ 1859‬ينرش جون ستوارت مل دفاعه الكالسييك عن الحرية‪ ،‬عن الحرية‪.‬‬
‫‪ 1927‬يؤكد لودفيغ فون ميسس مرة أخرى عىل املبادئ الليربالية‬
‫الكالسيكية يف كتابه‪ ،‬ليرباليات‪ ،‬وإن كان مل يرتجم إىل اإلنكليزية‬
‫حتى عام ‪.1962‬‬

‫‪153‬‬
‫‪ 1943‬تنرش آين راند روايتها الفلسفية املنبع‪ ،‬وفيها دفاع قوي عن‬
‫تحقيق الذات‪.‬‬
‫‪ 1944‬ينرش فردريك هايك الطريق إىل العبودية‪ ،‬كتابه الذي أظهر فيه‬
‫أن جذور الشمولية كامنة يف التخطيط املركزي واإلكراه الالزم‬
‫لتنفيذه‪.‬‬
‫‪ 1945‬يقيم كارل بوبر يف كتابه‪ ،‬املجتمع املفتوح وأعداؤه‪ ،‬حجة ضد‬
‫الهندسة االجتامعية اليوتوبية ويقدم فكرة «املجتمع املفتوح»‪،‬‬
‫وآرا ًء متعددة أخرى‪ ،‬ويدعو إىل التغيري التدريجي‪.‬‬
‫‪ 1947‬يجتمع العلامء الليرباليون الكالسيكيون من أنحاء أوروبا وأمريكا‬
‫يف سويرسا ألول مرة يف أول اجتامع لجمعية مونت بيلريين‪.‬‬
‫‪ 1957‬تنرش آين راند روايتها الشهرية واملؤثرة عندما هز أطلس كتفيه‪،‬‬
‫وتؤكد فيها عىل األهمية الشديدة للجهود الفردية يف إنشاء‬
‫االزدهار‪.‬‬
‫‪ 1958‬يف كتابه مفهومان للحرية‪ ،‬يف ّرق أشعيا برلني بني الحرية السلبية‬
‫واإليجابية‪ ،‬ويقول إن الحرية اإليجابية معرضة لسوء االستخدام‬
‫من جهة املؤدلجني‪.‬‬
‫‪ 1960‬ينرش فردريك هايك دستور الحرية‪ ،‬الذي يبني فيه جذور املجتمع‬
‫الليربايل الكالسييك ومبادئه ومؤسساته‪.‬‬
‫‪ 1962‬يف كتابهام رياضيات الرتايض‪ ،‬يشري جيمس بيوكانان وغوردون‬
‫تولوك إىل مشكالت املصلحة الذاتية يف اتخاذ القرار السيايس‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫‪ 1962‬ينرش ملتون فريدمان الرأساملية والحرية‪ ،‬ويدعو فيه إىل األسواق‬
‫الحرة والعمالت العامئة والرضيبة السلبية عىل الدخل‪ ،‬وقسائم‬
‫التعليم وغريها من األفكار الراديكالية يف زمانه‪.‬‬
‫‪ 1973‬ينرش موري روثبارد كتابه نحو حرية جديدة‪ ،‬وفيه تطبيق متني‬
‫للرتاث الليربايل الكالسييك عىل املشكالت االجتامعية والسياسية‬
‫الحديثة‪.‬‬
‫‪ 1974‬يعارض روبرت نوزيك يف كتابه األناركية‪ ،‬والدولة‪ ،‬واليوتوبيا‪،‬‬
‫الرضائب التوزيعية ويعدها اعتداء عىل امللكية الشخصية‪ ،‬ويدافع‬
‫دفا ًعا متينا عن الحرية‪.‬‬
‫‪ 1980‬تقدم سلسلة حرية االختيار التلفزيونية التي أداها ملتون فريدمان‬
‫الحجج الليربالية الكالسيكية إىل جمهور جديد أوسع‪.‬‬
‫‪ 1988‬ينرش فردريك هايك كتابه الغرور القاتل‪ ،‬الذي يبني فيه أن النظام‬
‫العفوي للمجتمع اإلنساين معقد إىل درجة ال يستطيع معها أي‬
‫مخطط أن يفهمه أو يوجهه‪.‬‬
‫‪ 1989‬يظهر سقوط جدار برلني التخلف االقتصادي واملشكالت‬
‫االجتامعية يف الكتلة السوفييتية املخططة مركزيًّا‪.‬‬

‫‪155‬‬
A translation of “Classical Liberalism: A Primer” © [2015] Eamonn Butler.

You might also like