Professional Documents
Culture Documents
OTTOMAN - ALG - النخبة المثقفة والسلطة في الجزائر في عهد الدايات - طوبال - لونيسي
OTTOMAN - ALG - النخبة المثقفة والسلطة في الجزائر في عهد الدايات - طوبال - لونيسي
OTTOMAN - ALG - النخبة المثقفة والسلطة في الجزائر في عهد الدايات - طوبال - لونيسي
تحت إشراف أ.د راب ـح لونيس ي طـ ــوبال فاطمة الزهراء تقديم الطالبة
أست ـ ـ ــاذ جامعـ ـ ـ ـ ــة وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــران1 رئيس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أ.د دادة محم ـ ـ ـ ـ ــد
أست ـ ـ ــاذ جامعـ ـ ـ ـ ــة وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــران1 مش ـ ــرفا و مقــررا أ.د لونيس ي رابح
أست ـ ـ ــاذ جامعـ ـ ـ ـ ــة وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــران1 من ــاقشـ ــا أ.د حمدادو بن عمر
أست ـ ـ ــاذ جامعـ ـ ـ ـ ــة معسكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر من ــاقشـ ــا أ.د جاكرلحسن
أست ـ ـ ــاذة جامعـ ـ ــة سيدي بلعباس من ــاقشـ ــة أ.د قنون حياة
شكرا هلل العلي القدير الذي جعلني أوفق بين أداء رسالتي العلمية و التعليمية
أشكر أمي الغالية و أبي العزيز على تشجيعهما لي ملواصلة البحث في الدكتوراه
وعلى صبرهما وتعاونهما معي طيلة فترة إنجازي العمل.
شكر مليء باإلحترام و التقدير ملؤطري األستاذ رابح لونيس ي الذي شرفني
بتأطيره العلمي
و العملي ولم يبخل علي بالنصائح و التوجيهات .
شكر موصول ألستاذنا الفاضل حمدادو بن عمر الذي فتح لنا مجال البحث في
مشروع السلطة،االقتصاد و المجتمع في الجزائر خالل العهد العثماني
( )5381/5151وكذا فريق التكوين املؤطر للمشروع .كما يسعني أن أتقدم
بعرفاني و امتناني لكل أساتذة قسم التاريخ بوهران و الذين أشرفوا على تكويننا
طيلة حياتنا الدراسية سواء الذين رحلوا وأخصهم ذكرا األستاذة بوخالفة
نورالهدى و األستاذ عبيد أحمد و األستاذ بلقاسمي بوعالم وغيرهم أو الذين
اليزالون على قيد الحياة وأخصهم األستاذ مهديد ابراهيم واألستاذ دادة محمد
كما أشكر الذين لجأت إلى خبراتهم فساعدوني من قريب أو من بعيد إلخراج هذا
البحث إلى النور وأخص بالذكر األستاذ عمار محند عامر بمركز الكراسك
واألستاذة لزغم فوزية بجامعة تيارت التي زودتني بوثائق هامة.
شكر موصول كذلك إلى مراكز البحث التي فتحت لي أبوابها وعلى رأسهم مركز
الكراسك ومركز التوثيق اإلجتماعي واإلقتصادي ناهيك عن املكتبة املركزية
بوهران و كذا املكتبة الوطنية الجزائرية التي وفرت لنا جل هائل من الوثائق و
املخطوطات وسهلت الحصول عليها وكذا املكتبة الوطنية الفرنسية التي ساهمت
بقاعدة بيانات توثيقة في تسهيل عملية البحث في املوضوعات التاريخية
العميقة....شكر موصول ملكتبة كلية العلوم اإلسالمية و العلوم اإلنسانية بوهران
وكذا مخابر البحث العلمي التابعة للكلية وأخصها مخبر البحث التاريخي ومخبر
الدراسات املغاربية وكذا بعض الباحثين بمركز البحوث والدراسات حول
العاملين العربي واإلسالمي وأخص بالذكر السيدة Isabelle Grangaudالتي
قدمت لي بعض التوجيهات و النصائح وكذا أرشيف اإلدارة اإلستعمارية بوهران
الذي وفر لنا مجال اإلطالع على ماهو محفوظ من وثائق تاريخية قيمة.
قائمة المختصرات
أ
مقدمة
ب
مقدمة
ت
مقدمة
ث
مقدمة
ومهما كان األمر فإنه يبدو لنا جليا بأن فئة النخبة
الثقافية آنذاك هي بمثابة املؤسس للعملية التاريخية
املتواصلة ،و التي شكلت لنا مفهوم السلطة حديثا فهي
نتاج مؤسساتي للدولة الحديثة.
ج
مقدمة
ح
مقدمة
ب-أهمية الدراسة
إن قضية " النخبة الثقافية " و " السلطة " في
الجزائر الحديثة هي قضية سياسية فكرية لها أهمية
تاريخية بالغة األثر على اهتمام الدارسين بها إذ إن هذه
الدراسة هي ضرب من التحدي العلمي ملختلف التوجهات
املنهجية التقليدية في الكتابة التاريخية فهي تضع كل
العلوم اإلنسانية في محك للتاريخ.
خ
مقدمة
د
مقدمة
ذ
مقدمة
ر
مقدمة
ز
مقدمة
س
مقدمة
ش
مقدمة
ص
مقدمة
ض
مقدمة
ط
مقدمة
ظ
مقدمة
ع
مقدمة
ف
مقدمة
خطة البحث
ق
مقدمة
ك
امل ـدخـ ـل
املدخـ ـ ـل
-1استخدم مصطلح النخبة كمفهوم في التراث اإلسالمي بتسميات مختلفة فقد كان يطلق على الفئات املميزة من
املجتمع بالسراة كما استعمل لقب الخاصة و األعيان ومنهم من يحصرهم في فئة العلماء ،أنظر ،فضيل حضري،
تشكل النخبة الدينية في الجزائر ،رسالة تخرج لنيل شهادة الدكتوراه في علم اإلجتماع ،إشراف مزوار بلخضر ،قسم
العلوم اإلجتماعية ،كلية العلوم اإلنسانية و العلوم اإلجتماعية،جامعة أبو بكر بلقايد ،تلمسان ،السنة الجامعية
-2158-2152ص.12
-2طوبال فاطمة الزهراء ،مقاربات نظرية في مفهوم النخب الثقافية و السلطة بإيالة الجزائر العثمانية في فترة
الدايات ،مجلة القرطاس ،العدد التاسع ،جويلية ،2153جامعة أبي بكر بلقايد ،تلمسان ،الجزائر ،ص.11
-3طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص.11
11
املدخـ ـ ـل
النخبة هي فئة انتخبها األفراد بصفة طبيعية رمزية لتمثيل رؤية قيمية في املجتمع،1
وقد ورد في لسان العرب البن منظور ،أن مصطلح النخبة "ما اختاره ،منه .ونخبة القوم
ونخبتهم :خيارهم" 2وقد ترددت في الكتابات األجنبية بكلمة Eliteإذ نفس املعنى الذي
ورد عند ابن منظور نجده يتكرر في دراسة Vilfredo Paretoوالذي يحصرها في
الفئة التي ارتقت إلى مستوى التفاضل اإلجتماعي ،ألن النخبة بالنسبة للدارس هي فئة
اجتماعية نقدية تتجاوز مجال تخصصها من أجل خدمة القضايا العامة 3والنخبة هي
الصفوة أو الطليعة التي تملك قوة التأثير في املجتمع ،وبناءا على ماسبق فإن هذه الصفة
التي تكررت في عدد كبير من املرجعيات العلمية تقود بالضرورة إلى تحديد تعريف لغوي
دقيق للنخبة الثقافية.4
عموما هذا املفهوم استخدم بصيغ مختلفة حيث "ظل يستعمل في عموم
الكتابات بصيغتي املفرد والجمع". 5
وألننا ملسنا استعمال مختلف لهذه الكلمة في عدد من املصادر القديمة وعليه
يمكن الحصر أن النخبة هي طبقة مميزة ضمن تراتبية إجتماعية واسعة.6
-1سعيد بشار ،في مفهوم النخبة ودور الوسيط أو املصادر الثقافي،مجلة فكر و نقد،العدد،21املغرب،
مارس ،2111،ص81-25
-2ابن منظور اإلفريقي املصري ،لسان العرب ،املجلد األول ،دار صادر ،بيروت ،5111 ،ص.112-115
3
- Vilfredo Pareto, The rise and fall of the elites,transaction publishers,New
York,1991,p.27-p.36.
-4طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص.11
-5فضيل حضري،مرجع سابق ،ص.55
-6طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص.11
12
املدخـ ـ ـل
بتعددية استخدام املصطلح 1ولهذا نجد أن مفهوم النخبة الثقافية قد أخذ شقا هاما
من املفاهيم املعاصرة في مجال التاريخ الحديث لعدة أسباب منها ،أنه يمثل توجه فكري
معين في مجتمع الجزائر العثمانية من حيث االستخدام ،ولذلك نجد مستخدميه
يعتمدون مرادفات تداولية تترجم صيغه اللفظية إلى كلمة ثابتة تؤدي معنى كل هذه
املرادفات التي تمت اإلشارة إليها في نصوص متعددة ،وبالتالي فإن اإلستخدام التطبيقي
األكثر تداوال والذي يجمع بين صيغ مختلفة في توظيف الكلمة يتركز في فئة "العلماء"
الذين أدوا أدوارا بارزة في الفترة التي نحن بصدد دراستها ،فقد اتضح ظاهريا ربطها
بمقاربة واحدة ولو بدت متعددة فقد اقترنت بتوجهات فكرية معينة والتي نشملها في
السلطة الروحية كمقاربة دينية ثابتة فهي تشير إلى التفضيل والحضور الكبير في الوسط
املجتمعي حيث تستمد شرعيتها من القيم اإلنسانية و املواقف األخالقية السامية.
وفي هذا السياق ،أشار Runcimanفي كتابه إلى أن هذا املفهوم يترجم عدة كلمات
تشكيلية وهي القوة و املجتمع والسياسة فهو يحلل وجهته وفق املقاربة التي جاء بها
Paretoالذي قدم رؤية وظيفية تحصر املصطلح في أولئك الذين لهم قدرة التغيير
اإلجتماعي خاصة سواء كان ذلك في مجال نشاطهم أو خارجه.2
ونجد أن من الكتابات التاريخية التي اهتمت بالتأريخ للفترة العثمانية من تذهب في
َ
تصنيفها لهذه الفئة إلى اإلتجاه الذي نظر له Paretoحيث ربطت قوة السلطة بهذه
الفئة ،فاعتبرت أن أولئك املوجودين في املناصب اإلدارية التي استحدثها الجهاز الحاكم
في فترة الدايات يستحقون مرتبة املسؤولية ألن لهم قدرة التأثير على املجتمع نظرا
ملؤهالتهم التي يمتلكونها و قدراتهم التي أبرزوا من خاللها مجموعة املواهب الفنية في
اإلشراف على شؤون الدولة سواء كانت داخلية أم خارجية وهذا ما نجده عند
1
- William Genieys, « De la théorie a la sociologie des élites en interaction.
Vers un Neo-Élitisme? », Curapp, Les méthodes au concret, Paris, PUF, 2000.
pp. 86-89.
2
- Runciman.W, Social science and political theory, Cambridge University,
press, 1963, p.271-307.
13
املدخـ ـ ـل
1
- Nahoum Weissmann, les janissaires, étude de l’organisation militaire des
ottomans, librairie orients, paris, 1964, p70.
2
-Thomas shaw,voyage dans plusieurs provinces de la barbarie et du levant,
Tome1,BNF, parais 1810,p.166-167.
3
- Dubois-thanville, mémoire sur alger 1809, ed G.Esquer,paris,1929,p.129
4
- Gaetano Mosca, the ruling class, translation by Hannah D.Kahn, ed.Mc
grow Hill Book Company, New York and London,PP.50.
14
املدخـ ـ ـل
بحد ذاتها وفي هذه املقاربة نجد Charles1 Féraudيرصد نشاطات الباي محمد
الكبير كقيمة رمزية لهذا املعيار.
ويطرح Robert Michelsفكرة الفئة التي تحكم األقلية كفئة مميزة في الهرم
الطبقي للمجتمع 2ونظرا ألن هذه النظرية ال تنطبق مائة باملائة مع واقع األحداث
التاريخية التي مرت بها الجزائر في فترة الدايات لكن يمكن الحصر أن مايسميه
Michelsباألوليغارشية قد تجسد في فترة محدودة إن لم أقل الفئة الشبه الحاكمة
التي نقاربها بما ورد في كتابات W.Esterhazyالتي تبرز بأن السلطة السياسية قد
ُحصرت بيد فئة صغيرة من املجتمع منح لها حق الحكم املحلي 3من طرف العثمانيين وقد
تجسدت في العائالت النافذة لكن تجدر اإلشارة إلى أن السلطة غالبا ماكانت تقوم
بإسقاط هذا الحكم على هذه الفئة في حال تمردها على دفع الضرائب لهذا كانت تدخل
معها في مواجهة شرسة حيث سنفصل في هذه النقطة في فصولنا الالحقة ،ونفس املقاربة
نلمسها في كتابات Venture De Paradisالتي تنطلق من فكرة أن النظرة املوضعية
التي حددها املجتمع لهذه الفئة تحدد مواصفات حكم القلة من األسر و العائالت
الشريفة في هرم املجتمع حيث يتمتعون بالشهرة العلمية و الدينية وامتالك الثروة املالية
وهم الذين يؤثرون بآرائهم في مناطق نفوذهم.
وفي هذا اإلطار يذكر محمد الصالح العنتري بأن الحاج أحمد باي بايلك قسنطينة
قد وضع معايير وظيفية ثابتة لتولية منصب الخليفة لرجال حضر املنطقة وأهم تلك
1
- Féraud, L.-Charles, Éphémérides d’un secrétaire officiel sous la
domination turque à Alger de 1775 à 1805, Revue africaine, Rubrique:
Articles N°106, 1874, p.313.
2
Michels, R., Political Parties a Sociological Study of the Oligarchical
Tendencies of Modern Democracy (1911- 1962), Collier Books. New York
1915, P.365.
3
- W.Esterhazy, la domination turque dans l’ancienne régence d’alger,
Grossein, paris,1840,p186-188
15
املدخـ ـ ـل
املعايير مصاهرة شيوخ العرب واإللتزام بتجسيد مبادئ القيم التقليدية للقبائل الشريفة
من طرف هؤالء الرجال وكل هذا للحصول على النفوذ املادي و املعنوي للسلطة1.
النخبة2 وقد تمكن Wright Millsأن يبرز البناء األساس ي الذي تتشكل على إثره
حيث ركز على املؤسسة كتنظيم فعال في خلق أو تكوين هذه الفئة لكنه اليقصد هنا
املؤسسة كبناء تكون وفق املؤثرات الرسمية لجهاز السلطة لكنه َ
قدرها وفق املؤسسة
املجتمعية التي وجدت كاتجاه نظامي تولد من القاعدة الشعبية ،ليشمل نزعة محددة
قادرة على اتخاذ القرار وتمثيل جماعة من األفراد في تنظيم معين وهذا مادعانا إلى وضع
مقاربة ضمن اإلتجاه الذي أقره Millsفي كتاباته ومن هذا املبدأ فإن ماقرره De
Grammont Henriحول ثورات الطرقيين تتبنى هذا التحليل الذي يكشف
كيفية تشكل الزعامات الدينية كنتيجة الستبداد السلطة الحاكمة آنذاك ألن ثورة رجال
الطريقة ضد السلطة هي ثورة تشرف عليها مؤسسة نظامية بقيادة فئة كانت نتاج التربية
املرابطين3. الطرقية أو الزوايا واملتمثلة في نخبة
وأثناء تعرجنا على عدد من الكلمات املرادفة ملفهوم النخبة الثقافية استنبطنا بأنها
ترمز بطريقة أو بأخرى إلى تراتبية إجتماعية مميزة تختلف عن بقية الطبقات االجتماعية
األخرى و التي اليمكن تجاوزها أثناء الحديث عن الدور الذي لعبته في الفترة التي نحن
بصدد دراستها ،إذ نركز في ضبط تلك التراتبية على الفضاء اإلجتماعي الذي عايشته كونه
محل ممارسة الفعل الرئيس ي لها ،ومن هنا نستجلي تصورنا املنهجي للمفهوم في مقاربتة مع
العوامل التي أدت إلى تحديده.4
-1محمد الصالح العنتري ،فريدة منسية في حال دخول الترك بلد قسنطينة واستيالئهم على اوطانهم او تاريخ
قسنطينة ،دار العربي ،الجزائر ،ص49
2
Wright Mills, The Power Elite, first edition, Oxford university press, united
states, 1956,P.269.
3
- De Grammont Henri, histoire d’Algérie sous la domination Turque (1515-
1830), E.Leroux, P.365-386
-4أنظر فاطمة الزهراء طوبال ،مرجع سابق ،ص.11
16
املدخـ ـ ـل
ونعني بذلك أن النخبة هي فئة ذات سمة خلقية عليا وانتقادية تعمل على كسر
اإلستبداد واملظالم و اإلستعباد وخلق تقارب استراتيجي بين املجتمع و السلطة السياسية
من خالل بث الوعي الفكري وفق مايتناسب والقيم املجتمعية.1
فتصوراتنا للمجتمع آنذاك أنه كان مبني على األحكام القيمية التقليدية من جذوره
وبالتالي فقد مثل هذا البناء مجموعة من املفكرين والعلماء الرواد الذين أضفوا طابع
املشروعية في عدد من الوقائع التاريخية.
فعندما نحصر مصطلح النخبة ضمن املعارف التاريخية ،فإن إحالة املفهوم إلى
املنظور التاريخي وتقييده داخل إطار زمني محدد ،وفق التراكم املعرفي الذي أنتجته بعض
الدراسات حول هذه الفترة يصبح معيار ثابت ظل مقتصرا على الفئة التقليدية أو الدينية
كمقياس إلثبات دور الطبقات املؤثرة في املجتمع ،دون أن يكون منفتحا على بقية الفئات
التي تحمل نفس املعيار ،وهذا يعود إلى اختالف املرجعيات التي ينطلق منها كل دارس في
فهمه ملصطلح املثقف ،إذ تفرض علينا اآلليات العلمية التي ينبني عليها تخصصنا،
التحديد املنهجي لهذا املفهوم وفق الحقل املعرفي الذي نحن بصدد دراسته وذلك برصد
استخدامات املفهوم من خالل الكتابات التاريخية.2
-4مقاربات تاريخية للمصطلح
من خالل تتبع واستقراء عدد من اإلنتاجات املستخدمة للمصطلح ،بدءا باملصادر
التاريخية يمكن اإلشارة إلى مجموعة من املرادفات التي استعملها املؤرخون والدارسون
الذين تخصصوا في التأريخ لفترة الحكم العثماني بالجزائر ومن تلك املصطلحات
املستعملة كلمة "أعيان" إذ استخدمها عبد الرحمن التوجيني في كتابه (عقد الجمان
النفيس في ذكر األعيان من أشراف غريس)1واستعملها محمد صالح العنتري بشكل كبير
في كتابه فريدة منيسة 2وباملقابل جسدها حمدان خوجة في مصطلحي األعيان و
األشراف 3ويمثلهم نقيب األشراف الذي يختار من أهل الورع و التقوى ومن األسر
الشريفة ليتولى الوظائف الدينية،أما أبوراس الناصري فرادفها بفئة العلماء في كتابه
"فتح اإلله" 4ويحصرهم أحمد البوني في فئة الصلحاء في كتابه الدرة املصونة ،5وفي نفس
اإلتجاه ملسنا هذا الحصر في رحلة الورتالني6الذي ينعتهم بالفضالء و الصلحاء كما أن
ّ الثغر ّّ
الجماني البتسام الثغر إنتاجات كل من أحمد بن سحنون الراشدي في كتابه
الوهراني 7ومراسالت ابن العنابي 8التي تناول فيها مسألة الوالية وعالقة الحاكم باملحكوم
توحي أنه في البداية بني على الفئات الدينية نظرا لتشجيع السلطة العثمانية لتيار
التصوف ومريديه بالجزائر و مساهمتهم في بناء املؤسسات الدينية و على رأسها الكتاتيب
-1التوجيني أبي زيد ،عبد الرحمن بن عبد هللا ،عقد الجمان النفيس في ذكر األعيان من أشراف غريس
ق51م،ط،5دار الخليل القاسمي،الجزائر .2111،أنظر :طوبال فاطمة الزهراء ،نفس املرجع ،ص12-15
-2صاحب الكتاب عاش بقسنطينة مرحلة نهاية الحكم العثماني وبداية االحتالل الفرنس ي ويرجح البعض وفاته عام
5311م ،شغل منصب كاتب في املكتب العربي بقسنطينة عام 5328م بعد أن اختاره رئيس املكتب الضابط بواسوني
) ،(Boissennetلتولي هذا املنصب .وبتكليف من الضابط لكاتبه ،أقدم محمد صالح العنتري على تأليف هذا الكتاب
الذي يؤرخ لبايات قسنطينة بأسلوب تميز بالبساطة أنظر:ابن العنتري،محمد صالح،فريدة منيسة في حالة دخول
الترك بلد قسنطينة واستيالئهم على أوطانها ،تحقيق يحي بوعزيز ،دار البصائر للنشر و التوزيع،الجزائر.2111،
ويذكر خالد بوهند شروحات عن الكلمة في كتابه النخب الجزائرية – ص .58أنظر :طوبال فاطمة الزهراء ،نفس
املرجع ،ص 12-15كما أشار إليها في مداخلته من خالل امللتقى الوطني حول اإلنتاج الفكري و األكاديمي في الحركة
الوطنية و النخب الجزائرية بجامعة وهران ،5مارس2151
-3خوجة ،حمدان بن عثمان ،املرآة ،تحقيق محمد العربي الزبيري ،منشورات ،ANEPالجزائر ،2111،ص.528
-4الناصري ،أبي راس ،فتح اإلله و منته في التحدث بفضل ربي ونعمته ،تحقيق محمد بن عبد الكريم ،املؤسسة
الوطنية للكتاب ،الجزائر .5133،أنظر :طوبال فاطمة الزهراء ،نفس املرجع ،ص12-15
-5البوني ،أحمد بن القاسم ،الدرة املصونة في صلحاء وعلماء بونة ،تحقيق سعد بوفالقة ،منشورات بونة للبحوث و
الدراسات ،الجزائر . 2111،أنظر :طوبال فاطمة الزهراء ،نفس املرجع ،ص12-15
-6الورثيالني ،سيدي حسين بن محمد ،الرحلة الورثيالنية ،املجلد الثاني،ط ،5مكتبة الثقافة الدينية ،القاهرة،
،2113ص .112أنظر ،طوبال فاطمة الزهراء ،نفس املرجع ،ص12-15
-7أحمد الراشدي ،بن سحنون ،الثغر الجماني في ابتسام الثغر الوهراني ،تحقيق املهدي البوعبدلي ،الجزائر.5118،
-8سعد هللا ،أبو القاسم ،رائد التجديد اإلسالمي محمد بن العنابي ،5311ط ،2دار الغرب اإلسالمي ،بيروت5111،
،ص .21أنظر ،طوبال فاطمة الزهراء ،نفس املرجع ،ص12-15
18
املدخـ ـ ـل
-1مسدور،فارس و صحراوي،كمال،األوقاف الجزائرية :نظرة في املاض ي و الحاضر ،مجلة أوقاف ،العدد ،51نوفمبر،
الكويت ،2113 ،ص 12أنظر :طوبال فاطمة الزهراء ،نفس املرجع ،ص12-15
-2املزاري ،اآلغا بن عودة ،طلوع سعد السعود في أخبار وهران و الجزائر وإسبانيا وفرنسا أواخر القرن التاسع عشر،
تحقيق يحي بوعزيز ،ط ،5دار الغرب اإلسالمي ،بيروت ،5111 ،ص .213-215أنظر ،طوبال فاطمة الزهراء ،نفس
املرجع ،ص12-15
-3ابن الفكون ،عبد الكريم ،محدد السنان في نحور إخوان الدخان ،مخطوط ،مكتبة وزارة الشؤون الدينية و
األوقاف ،الجزائر ،الرقم .111أنظر ،طوبال فاطمة الزهراء ،نفس املرجع ،ص12-15
19
املدخـ ـ ـل
من خالل تتبعنا ملختلف استعماالت املصطلح في هذا املسار التاريخي يوضح أن النخبة
هي فئة اجتماعية نقدية تتجاوز مجال تخصصها لتكون في خدمة القضايا العامة ،فبداية
كان استعمال املصطلح يتوافق مع الفئة التي يغلب على نشاطاتها الطابع الديني والذي
طاملا اعتبرته املصادر التاريخية املعيار األساس ي لتحديد قيم املجتمع الثقافية من أجل
تثبيت مسألة الهوية في إطار السلطة الروحية بصفة خاصة ،بيد أن الكتابات التاريخية
الحديثة استخدمت هذا املصطلح بمرادفات جديدة مثل أبوالقاسم سعد هللا الذي
وظفها من خالل كلمة "كتلة املحافظين" وجمع فيها بين املثقفين التقليديين وزعماء الدين
و العلماء 1وقسمهم وفق التقسيم الثالثي املتجسد في العلماء املتصوفة (املرابطون)
ضف إلى العلماء املوظفون (كتاب اإلنشاء) و الفقهاء املستقلون إذ يمكن اعتبار
مجهودات أبو القاسم سعد هللا في دراسته لهذه املرجعيات مجهودا متميزا نثري به
موضوعنا املدروس ،حيث أنه يقدم لنا أنماطا مختلفة من النخب التي ساهمت بشكل
ي أو بآخر في أداء وظائف طالئعية في النسق الثقافي في توجيه املجتمع2. رئيس
ويبدو جليا أن تمثل املفهوم في عدد من الكتابات األكاديمية الحديثة صار مألوفا،
فقد استخدم خالد بوهند كذلك في دراسته حول النخب الجزائرية كلمة " النخبة"،
وخاصة النخبة الثقافية في أواخر العهد العثماني على أن ذلك يمثل النخبة التقليدية التي
مثلها في رجال الدين و شيوخ القبائل و األشراف و قسمها إلى فئتين:
بورجوازية مدنية وتشمل قضاة ُ -م ْف ُتون -أئمة -أصحاب الكلمة املسموعة
والوجاهة.
-1أبو القاسم سعد هللا ،الحركة الوطنية الجزائرية،5181-5111ج ،2الشركة الوطنية للنشروالتوزيع ،الجزائر،
،5138ص 512-518-512أنظر ،طوبال فاطمة الزهراء ،نفس املرجع ،ص12-15
-2سعد هللا أبوالقاسم ،تاريخ الجزائر الثقافي،5381-5153ج،2ط،5دار الغرب اإلسالمي،بيروت،5113،ص.53
أنظر :طوبال فاطمة الزهراء ،نفس املرجع ،ص12-15
-3خالد بوهند ،النخب الجزائرية،5122-5312أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث و املعاصر ،الكلية:
اآلداب والعلوم االنسانية ،جامعة :جياللي ليابس -سيدي بلعباس ،املشرف :أ.د .محمد مجاود 2012،أنظر ،طوبال
فاطمة الزهراء ،نفس املرجع ،ص12-15
20
املدخـ ـ ـل
هذا املفهوم الذي تجسد في كتابات العديد من املؤرخين عملوا على تمثيله في فئات
اجتماعية معينة ،تتوفر فيها عدة عناصر أهمها الرؤية الثاقبة لألمور و قوة التأثير في
املجتمع ،في حين أن هناك فئات أخرى من النخب تقوم أهدافها على الوصول إلى السلطة
منافية توجهاتها الفكرية للنخب الثقافية وتتمثل هذه خاصة في النخبة السياسية في
الفترة املدروسة وما يتعلق بضبط املصطلح ،فإنه يمكن تحديد معنى الكلمة التي طاملا
واجهت اختالفات في وضع تعريف لها ،ألن الفكر الثقافي القائم في تلك الفترة حدد
مجموعة من مواصفات املثقف التي تخدم توجهاته.
ُ
فالنخبة باعتبارها فئة منتخبة و رمزية قيمت على أحكام وضعية و تفاعالت سلوكية
تعارف عليها املجتمع بصفة طبيعيةُ ،بنيت على معايير ثابتة تحددها و بالتالي تتحدد بها
هوية من يتصف بها ،فرصد املفهوم صار يعتبر من املباحث الكبرى التي اهتمت بها
الدراسات األكاديمية الجزائرية ولو بشكل غير مباشر ،خاصة أثناء التأريخ لفترة الحكم
العثماني بالجزائر ،فمن البداهة بمكان أن نربط هذا املفهوم بحقل األنثروبولوجيا
الثقافية و االجتماعية والتي تعتمد على دراسة بناء الثقافات الشعبية وأداءاتها الوظيفية،
وترتبط بدراسة الطبقات اإلجتماعية و السلوكيات الفردية كتاريخ العائلة واألنساب
واألشراف والعادات والتقاليد ونشاطات البشر ،حيث كتب يحي بوعزيز تأليفا سماه "
أعالم الفكر و الثقافة في الجزائر املحروسة" رصد من خالله نشاطات األعالم الثقافية
فحصر مفهوم النخبة في الطبقة املثقفة ونعتهم برجال الفكر 1وفي نفس اإلتجاه أنجز
القاسمي عبد املنعم تأليفا بعنوان "أعالم التصوف في الجزائر" استنبطنا من خالله أعالم
العهد العثماني إذ تطرق فيه إلى مفهوم النخبة بأسلوب غير مباشر فنعتها ب"الطبقة
-1بوعزيز ،يحي ،أعالم الفكر و الثقافة في الجزائر املحروسة ،ط ،5دار الغرب اإلسالمي ،بيروت ،5111 ،ص.21-25
أنظر،طوبال فاطمة الزهراء ،نفس املرجع ،ص12-15
21
املدخـ ـ ـل
املتعلمة التي وقفت مع مصلحة الشعب ضد الحكام" ،1وباملقابل فقد رصد ياسين
بودريعة مدى تأثر مجتمع مدينة الجزائر بالصلحاء فرادفها في دراسته بكلمة األولياء.2
وفي نفس املبحث أنجز صادق قادة دراسة حول شخصية مسلم بن عبد القادر
الوهراني مؤرخ بايات وهران القرن (02م) ،3ورادف مصطلح النخبة بمصطلح
الشخصيات الالمعة في رصده لنشاطات مسلم بن عبد القادر الوهراني الفكرية وأحص ى
في دراسته عدد املثقفين بمدينة وهران والذين عملوا على شرح أعماله األدبية وقد اعتمد
الدارس في رصده للمعطى التاريخي املدون في مقالته على وثائق محفوظات وهران.
إن هذه الدراسات جسدت مفهوم النخبة وفق الفعل الذي ميزها عن بقية الشرائح
اإلجتماعية األخرى ،فدرست نشاطاتها بآليات علمية و تحليلية تنتمي إلى املنهج النقدي
حيث نظرت إليها كأعلى قمة في الهرم اإلجتماعي ،وبالتالي فإن توظيف هذه املرادفات في
الدراسات التاريخية سمحت بظهور مواصفات قيمية وحديثة في ضبط مفهوم النخبة
الثقافية.
-1القاسمي عبد املنعم حسني ،أعالم التصوف في الجزائر ،ط ،5دار الخليل القاسمي للنشر و التوزيع ،الجزائر،
،2113ص .52أنظر :طوبال فاطمة الزهراء ،نفس املرجع ،ص12-15
-2ياسين بودريعة ،امل عتقدات في كرامات األولياء بمدينة الجزائر في العهد العثماني ،مجلة العلوم اإلنسانية ،العدد
،21كلية العلوم اإلنسانية و االجتماعية ،جامعة منتوري ،قسنطينة ،الجزائر ،2158،ص .838-831أنظر ،طوبال
فاطمة الزهراء ،نفس املرجع ،ص12-15
-3صادق قادة ،الذاكرة املكتوبة والتاريخ ،أضواء جديدة حول شخصية مسلم بن عبد القادر الوهراني أديب
ومؤرخ بايات وهران (القرن 58هـ51/م) ،مجلة إنسانيات ،العدد،18املركز الوطني للبحث في األنثروبولوجية
اإلجتماعية و الثقافية ،الجزائر ،ص.21-81
22
مخطط توضيحي لمفهوم النخبة وفق المنظورات الحديثة
النخبة
23
مخطط توضيحي لمقاربة مفهوم النخبة وفق ما ورد في بعض كتابات من عاصروا فترة الدايات1381/1761
النخبة
النبالء و الفضالء العلماء الموظفون الشعراء و األدباء العلماء المرابطون و الصلحاء أعيان و أشراف
24
املدخ ـ ـل
إن ضبط مفهوم السلطة وفق الفترة التي نحن بصدد دراستها يحيلنا مباشرة إلى
التساؤل عن مدى ضبط داللة املصطلح في إطاره الزمني الصحيح على ضوء املصادر
املحلية والغربية التي تصفحناها ،لكن ال بأس أن نسقط هذا املفهوم على بعض الظواهر
التاريخية التي مثلتها فترة الدايات وفق ما ورد في املنظورات الحديثة ،فهي عادة ما تختلف
في استخدام هذه الكلمة في معناها العلمي اللغوي و اإلصطالحي فمنها من تستعمل لفظ
authorityالذي يدل على السيطرة السياسية أو العسكرية مثل ماجاء في كتابات
Maximilian Weber1ومنها من تركز على لفظ Powerكما جاء عند Talcott
Parsonsوالذي يحصرها في كلمة القدرة على تسيير نظام اجتماعي محدد حيث ُيعرف
السلطة بأنها "القدرة على ممارسة بعض الوظائف لفائدة نظام اجتماعي مأخوذا
بكليته"2
وإذا أردنا إسقاط هذا التعريف على مفهوم السلطة العثمانية بالجزائر في فترة
الدايات فإن الحديث عنها سيحيلنا إلى القيام ببناء منهجية علمية وفق ماورد في عدد من
املنظورات الفكرية املشار إليها سابقا ،إذ ّإن التحليل التاريخي لهدا املفهوم على هذا النحو
يوجب علينا أن نعطي نظرة عامة حول طبيعة العالقة التي جمعت بين السلطة و الرعايا
بالجزائر آنذاك كأحد أبرز النماذج التي ستكون مساعدة لنا في تحديد مصطلح دقيق في
سياقه التاريخي العام
1
- Sur cette problématique historique, voir Tréanton Jean-René. Weber
M., Économie et société, Revue française de sociologie,volume 4, N°37 1996,
p. 674.
-2أنظر ،احسان عبدالهادي النائب ،مفهوم السلطة وشرعيتها ،:اشكالية املعنى و الداللة ،منشورات كلية القانون و
السياسية ،قسم العلوم السياسية ،جامعة السايمانية ،ماي ،2151 ،ص.11
25
املدخ ـ ـ ـ ـ ـل
فاملفهوم الذي نظر له Talcottللسلطة ينطبق على الفترة التي حكم فيها الداي علي
بن أحمد 0101-0101وبعض الدايات الذين سلكوا نهجه ،فالسلطة في نظر هذا
األخير تأخذ تقليد سياس ي مستنبط من مرجعية الحاجة االجتماعية إلى التوافق في
االستمرار في التبادل العالئقي الداخلي بينها و بين األفراد ،فمثال هناك بعض الفترات التي
مرت عليها الجزائر العثمانية في فترة الدايات تبين مدى تطابق هده املرجعية املفاهيمية
مع طبيعة العالقات بين الحكام و املجتمع ومن دلك الرسائل التي وجهها بعض الحكام إلى
السلطان العثماني والتي يثبتون من خاللها مدى تفانيهم في تحقيق مبدأ (أن السلطة هي
اليد العليا في خدمة الصالح العام) ووفق هذا املنظور فقد وجه الداي بن أحمد رسالة
الى السلطان العثماني يوضح له فيها أسباب عزله لعمر باشا من منصب الداي وتعيينه
مكانه نظرا لتماديه في العبث بأموال املسلمين مقرا مدى قدرته على ممارسة السلطة وفق
النظام اإلجتماعي العام إذ يقول ":منذ استالمي مقاليد الحكم ،وأنا ساهر على حماية
البلد...كان الواجب يحتم علينا رفع الطاعة و الوالء إليكم والدفاع عن البالد بجهادنا
وحماية الفقراء و الضعفاء وحل املشاكل املعلقة على الدولة" 1وبناءا على ماجاء في هذه
الرسالة يبدوا واضحا جدا بأن تنامي دور السلطة في تلك الفترة كان يشكل ظاهرة تاريخية
وفقا للمقتضيات التي أفرزها الواقع التاريخي 2،حيث ينطلق تحليلنا لها من خالل الحدث
الذي يعود مرجعه إلى املبدأ الذي ظهرت على إثره كمفهوم خاضع للمتغيرات التي أفرزتها
عالقاتها باملجتمع.
ولعل هذا ما انبثق عنه مفهوم شرعية السلطة في الجزائر و الذي صار يخضع ألحكام
الوالء والقبول من طرف الرعايا و نخبها نظرا لتماشيها مع القيم النافدة باملجتمع
الجزائري آنذاك ،فنجد في نفس السياق ابن العنابي يقول"ولوال ظهور الدولة العثمانية
أعلى هللا مقامها ورفع بالتأييد و النصر أعالمها فجدد القائمون بأعبائها معالم الدين
-1أنظر :عبد الجليل التميمي ،بحوث ووثائق في التاريخ املغربي ،الجزائر وتونس وليبيا ،5315-5353 :الطبعة الثانية
،منشورات مركز الدراسات والبحوث عن الواليات العربية في العهد العثماني ،زغوان ،تونس ، 1985ص211
-2طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص.18
26
املدخ ـ ـ ـ ـ ـل
وأحيوا ما اندرس من شريعة سيد املرسلين التسع الخرق وعم الفساد سائر الخلق".1
وبالتالي فإن ماورد لدى ابن العنابي من وصف للسلطة العثمانية على أنها اتسمت بالقيمة
الخلقية التي تمكنها من السيطرة في تسيير النظام اإلجتماعي العام وفق مايخدم املصالح
العليا لألفراد ينطبق تماما مع املنظور الفكري الدي ورد في كتابات Heywood
َ
Andrewالذي نظر ملفهوم السلطة على أنها القوة األخالقية العليا و القانونية والتي
يفرض على األشخاص الوالء لها وطاعتها.2
وفي اتجاه آخر يعرف Weber 3السلطة على أنها القوة السياسية القهرية التي
تملك جهاز إداري تمتد سلطته القانونية إلى حد الخضوع لها بشكل إجباري ونلمس في
عدد كبير من املصادر التاريخية هدا األداء السلوكي الذي وصفه Weberفي تحديده
ملفهوم السلطة .فلو نتمعن في بعض الظواهر التاريخية التي جسدت هدا السلوك
سنجده ينطبق على الكيفية التي كانت تتعامل بها السلطة مع الرعايا ومن ذلك التمييز
العنصري الدي كان محل نقد وجدل عند العديد من الدارسين وهدا ماورد عند
venture de paradisملا وصف الشروط التي كانت تضعها السلطة من أجل نيل
أعلى املراتب بالقرب من الداي فقال " يكفي أن تكون قد ولدت بتركيا لتحض ى باإلنضمام
إلى صفوف اإلنكشارية وكدا تكون مقربا من الداي" 4كما وصف النظام القانوني الذي
-1سعد هللا أبو القاسم ،المفتي الجزائري العنابي رائد التجديد اإلسالمي ،ط ،2دار الغرب اإلسالمي،
الجزائر ،5111،ص.12
2
- Heywood Andrew, Political Theory, An Introduction, 3th edition, Palgrave
Macmillan, Basingstoke,1999,p440.
3
- Maximilian Weber, Économie et société, Collection Pocket Agora, France,
2003, p.96 - 100.
4
- Voir par exemple Jean-Michel Venture De Paradis, Alger Au XvIIIe Siecle,
edite par E. Fagnan,Hachette Livre – Bnf, 1898, p .186
27
املدخ ـ ـ ـ ـ ـل
كانت تسير عليه السلطة آنداك بقانون الغاب ناعتا إياها بسلطة اللصوص 1ولعل هذا
ماقصده وليام شالر وهو يصف الطريقة التي كانت تجمع بها السلطة العثمانية الضرائب
املفروضة على السكان إذ يورد لنا أنها كانت تلجأ إلى القوة العسكرية و تستحوذ على
ممتلكات الرعايا الخاصة 2خاصة أواخر فترة الحكم العثماني 0191م.
إذ تتجاوز النظرة التي ضبطناها في هذا املفهوم الحدود الزمنية والروحية بمفهومهما
الضيق الذي ورد عند العديد من املصنفين ألنواع السلطات الحاكمة إلى الحدود الزمنية
العسكرية القهرية ،فاملعطيات التاريخية التي بين أيدينا تثبت املزيج املتعدد للصنف الذي
نود أن نضع فيه سلطة الدايات في هذه املرحلة التاريخية .ألن سلطة الدايات هنا عندما
تنطوي بين ماورد في مصادر من عايش األحداث وبين ماورد من مفاهيم في املنظورات
الفكرية الحديثة فإنها تشتمل على داللتين مختلفتين األولى تنطوي على السلطة الزمنية
الروحية والثانية تنطوي على السلطة العسكرية القهرية وسنبينها وفق الشكل التالي:
1
- Cette idée se base sur des recherches personnelles de Mohamed Meouak,
Langues, société et histoire d’Alger au XVIIIe siècle d’après les données de
Venture de Paradis (1739-1799), Trames de langues(Livre de Jocelyne
Dakhlia),Institut de recherche sur le Maghreb contemporain, Tunis, 2004, p.
303-329
-2شالر وليام ،مذكرات ،ترجمة اسماعيل العربي ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،الجزائر ، 1982ص.31
28
السلط ـ ـ ـ ـ ــة الزمنية
الروحية
زمنية
عسكرية قوة سياسية ذات
قوة أخالقية
قوة سياسية
تملك جهاز عليا إداري
معنويةجهاز
تملك
Maximilian
القانونية إلى تسيير
على القدرة
Heywood
Weber Andrew
القوة القهرية النظام اإلجتماعي
Jean-Marie
والسيطرة في العام Duncan
اإلجتماعي
العام
29
املدخ ـ ـ ـ ـ ـل
إن ضبط مفهوم سلطة الجزائر العثمانية الروحي في عهد الدايات و ربطه بالبعد
"الزمني" يبقى ظاهرة سياسية اجتماعية ،باعتبارها خطاب أخالقي سامي نافذ باملجتمع
الجزائري آنذاك .1ألن إشكالية العالقة بين املجتمع التقليدي و السلطة كانت أهم
خاصية تميز بها نظام الخالفة اإلسالمي على املدى البعيد ،2والذي غالبا ماكان يهتم بجمع
الحاكم و املحكوم برباط أخالقي مميز مع اعتبار العدل بينهما مسألة بالغة األهمية.
ذلك أن "الحق" الذي اتخذته الخالفة كسمة أخالقية عليا سابقا مثل نظامها السياس ي
بشكل من أشكال القوة في ممارسة السلطة .وهدا مايجرنا إلى الحديث عن شخصية
الحاكم املتمثلة في سلطة الداي والذي من شأنه أن يكون فطنا ألمور الدولة الداخلية
وشؤونها الخارجية الخارجية وفوق كل هذا متدينا،متقيا ،على مالمحه صفات اإلمامة كما
أن على مظهره قوة القائد الباطش بعدوه و في فكره قيوما متصال بما يفكر فيه رعاياه
نجده كيسا المجال ملن هم في حدود سلطته من إخضاعه أو العبث بقراراته و التي
بمقتضاها تتحقق الدولة و تتحقق السلطة و بالتالي يضمن الثبات للخالفة باعتبارها
غاية في حد ذاتها.3
ومن أجل الحفاظ على هذه املواصفات فقد أقرت السلطة العثمانية في أولى مراحل
حكم الدايات مبدأ اإلعتماد على السلطة الدينية في تسيير النظام اإلجتماعي حيث شكل
توجيه الفقهاء و العلماء الركن األساس ي لدى الحكام و الوالة باعتبارهم الركيزة األساسية
التي يعتمدها الحاكم قبل اللجوء إلى اتخاد أي قرار يمس الصالح العام لهدا كان الحكام
أشد حرصا على احترام عادات وتقاليد املجتمع ألن تواجدهم حسب تعبير حمدان خوجة
مرهون بحسن سيرهم وأخالقهم.1
فاملفهوم تجسد في ربط الحاكم باملحكوم عن طريق أهل الحل و العقد وأصحاب
الوجاهة و الكلمة املسموعة من شيوخ قبائل وعلماء ومرابطين والذين كانوا أكثر تأثيرا في
العالقة التي جمعت بين السلطة و املجتمع في بعض الفترات التاريخية من حكم الدايات
لفرض العدالة اإلجتماعية وفقا للمثالية املطلقة و بمقتض ى األخالق و القانون ،ولعل
هذا ما جسده Rinn Louisفي كتاباته ملا أورد أنه غالبا ماكان الحكام يشركون
السكان في الشؤون السياسية للبلد عن طريق أخذهم بآراء الشيوخ و األعيان فيراجعون
قراراتهم الداخلية التي كانوا يصدرونها في الشؤون العامة ويقومون بتعديلها حرصا على
إنماء العالقة بينهم و بين نخبة املجتمع.2
فالحكام هنا كانوا يحاولون وضع توازن تام بين نظام السلطة الروحية و الزمنية
وفق مفهوم القدرة على تسيير النظام اإلجتماعي عن طريق وسطاء تقليديون من املجتمع.
إال أن جل الكتابات املتخصصة في التاريخ الحديث تربط هذه القدرة بالقوة السياسية
التي تؤسس لنظرية السلطة الزمنية وخضوع األهالي للدولة وللقوانين السياسية بطريقة
غير مباشرة.
وبذلك فإن تكوين السلطة الزمنية 3الروحية كان بمثابة ظاهرة تاريخية استلزمها
األفراد في مجتمعهم بمقتض ى داللتين أساسيتين هما :
-1حمدان خوجة ،املرآة ،تحقيق ومراجعة محمد العربي الزبيري ،ط ،2الشركة الوطنية للنشروالتوزيع،
الجزائر ،5132،ص.215
- Rinn Louis, Le royaume d'Alger sous le dernier Dey, Bulletin de la Société
2
الداللة األولى
إن بداية تكوين السلطة العثمانية بالجزائر توقفت أساسا على فكرة " الخالفة
اإلسالمية " و التي كانت عامال أساسيا في التأثير على املجتمع الجزائري آنذاك 1إذ اعتمد
هذا البقاء بالجزائر ملدة طويلة على الغطاء الديني و ربطه بالسياسة فكان طريقا إلى
التغلب على الرعايا عن طريق الطرقيين و املرابطين . 2
فهذه الخاصية الدينية ظهرت كقوة محركة لتكوين ما أطلقوا عليه بالخالفة العثمانية
بالجزائر و التي بنيت على أساس القوة الدينية.
الداللة الثانية
تكوين السلطة الزمنية وربطها بالسلطة الروحية تحددها الضرورة التاريخية بمختلف
وقائعها امللموسة وتقتضيها ضرورة الحد من النزاعات العصبية والتي يجسدها األفراد
بالحسم فتكون لصالح الغالب الذي ترفعه القوة املناصرة له باعتبارها أساس امللك.3
إن مسألة ربط الداللتين الزمنية الروحية والتي اقتضاها الوجود العثماني بالجزائر
عرفت بعدا آخر غير الذي تقتضيه الصورة الحقيقية للخالفة و التي تنظر ملصالح الدولة
بمنظور شرعي ديني و بالتالي فإن مسألة الخالفة لدى الحكام العثمانيين كان لها بعدا
نظريا ال علميا و األدلة حول ذلك كثيرة وال يقتض ي منا البحث عن األسباب بذل جهد في
ذلك ،فقد اخترقت السلطة العثمانية حدود هذه الخالفة باإلتجاه نحو نوع آخر من
السلطة أال وهي سلطة الهيمنة و اإلستغالل أو مانسميه بالسلطة العسكرية. 4
يمكن اعتبار أن السياسة العثمانية ،قد تميزت بالجمع بين امللك الطبيعي و السياس ي
باعتبار األول ملكا جائرا يخضع األفراد لقوانين وضعت لتحقيق أغراض الحاكم الفطرية
أما الثاني فيتجسد في إلحاق الضرر بالرعايا جلبا ملصلحة الحاكم الدنيوية .إذ تبدو
املسألة واضحة بدقة و البراهين حول ذلك متوفرة ،وهدا ماورد في كتابات العديد من
املؤرخين و من بينهم العنتري الدي تحدث عن فترة حكم مصطفى باي الوزناجي -0121
0121حيث قال " ومن هذا الوقت صاروا الترك يأخدون الجور ،ونبدوا الحقوق
املشروطة وبدى منهم الفجور.....وبدى النقص في ملكهم"1حيث كانت قضية احتكار
السلطة العثمانية من طرف األتراك بالجزائر في املرحلة األخيرة من حكم الدايات في تسيير
الشؤون السياسية للبالد مرتبطة باستمرارية تغلب الجنس العثماني السلطوي على
الجنس الجزائري كما أنها أخدت شكل النفود و الهيبة و السيطرة فال إنكار من أنها
سلطة منحازة لسلطة امللك الطبيعي فهي و السلطة الدينية ضدان اليجتمعان.2
إذ أن العالقة التي كانت تتنامى بين املجتمع العثماني التقليدي و الدولة و تستمد
أساسا من السلطة الزمنية استنبطت قوتها من القوتين املالية و العسكرية فبوجود هذه
القوة املادية تحققت قوة السيطرة السياسية ألنها أصبحت مركبة من عنصر مادي
بعدما تجردت من العنصر املعنوي وفقا لألحكام التي اعتمدها السالطين العثمانيين في
تسيير النظام اإلجتماعي آنذاك أال وهي قوة القهر التي لم تسمح ألي جزائري باعتالء
مناصب عليا إال ملن كان عثماني وهنا برزت ظاهرة العصبية بالجنس.3
-1محمد الصالح بن العنتري ،فريدة منسية في حال دخول الترك بلد قسنطينة واستيالئهم على أوطانها ،مراجعة
وتحقيق وتقديم :الدكتور يحيى بوعزيز ،عالم املعرفة للنشر والتوزيع-الجزائر ،2111 ،ص.33
- -2طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص11-12
3
-Venture De Paradis, Alger Au XvIIIe Siecle, p .186
33
املدخ ـ ـ ـ ـ ـل
فبداية كانت السلطة العثمانية سلطة روحية مثالية جاءت لتنقذ املغرب من النفوذ
األجنبي وكمثال على ذلك ظهور الداي محمد بكداش 0101-0111م كبطل منقد للبلد
من الغزو الصليبي 1ثم استقرت تحت لواء اإلسالم فقال في شأنه الشعراء:
إال أنها بعد ذلك أسست لنظام أرستقراطي بمفهومه اإلقطاعي العام الذي استبد
بالرعية عن طريق الجيش فانحل ليصبح نظاما فوضويا ملا تحول عن مجراه األساس ي
خاصة ملا كان الرعايا يدفعون ضرائب جزافية أنهكت كاهلهم فالنظام العثماني كان نظاما
للترابط اإلقطاعي 3إن لم أقل أنه كان نظاما وحشيا متسلطا 4ولعل ماتورده لنا بعض
كتب الرحالت من السلوكيات التي كان يتصف بها الحكام أثناء جمع الضرائب كالقسوة
واستعمال القوة العسكرية القهرية أكبر دليل على دلك فقد كان " البايات في تحركاتهم مع
مجموعة الجند(املحلة) عبر مقاطعاتهم يبدون قسوة بالغة للتمكن من الحصول على
مقدار الضريبة املفروضة" 5و يبدوا واضحا من خالل املصادر التي اطلعنا عليها أنه كان
يميل إلى خدمة مصالح الفئات العليا من املجتمعات و املتجسدة في التجار واملالك الكبار
1
- A.Devoulux, Tachrifat, Recueil de notes Historiques sur
L’administration de L’ancienne Regence D’alger, conservateur de archives
arabes des domaines imprimerie Du gouvernement, Alger, 1852, pp.11-12
-2وردت القصيدة في أرجوزة الحلفاوي في فتح مدينة وهران األول سنة 5113م وقد شرحت من طرف الشيخ أبو زيد
عبد الرحمان الجامعي الفاس ي وهي نسخة املكتبة الوطنية تضمنت املخطوطة الكثير من األحداث التي وقعت قبل
وأثناء وبعد فتح مدينة وهران وطرد اإلسبانيين منها على يد الداي بكداش والباي بوشالغم في عهده .أنظر ،مسعود بن
ساري ومشري بن خليفة ،صورة السلطان العثماني في األدب الجزائري القديم ،مجلة األثر ،العدد ،22جامعة ورقلة،
الجزائر ،2151 ،ص.23-81
- -3طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص.13
- 4راجع الوصف الدقيق حول مسألة الضرائب وسلوكيات تعامل السلطة مع الرعايا عند:
M.Abed El Hadi Ben Mansour, Alger XVIeme- XVIIeme Siécle, journal de
Jean- Baptiste Gramaye «Eveque d’Afrique », ed Cerf, Paris,1998, p.768
-5نقال عن :ناصر الدين سعيدوني ،رحلة العالم األملاني:ج.أو .هابنسترايت إلى الجزائر وتونس وطرابلس 5521هـ /
5182م ،دار الغرب اإلسالمي – تونس ،2111 ،ص32
34
املدخ ـ ـ ـ ـ ـل
فكان املالك هم الطبقة املؤثرة على حياة املجتمع ولم يكن لسلطتها حدودا ولم يكن من
حق الفئة البسيطة التدخل في الشؤون السياسية أو اإلقتصادية للدولة و ال أحقية لها
في صنع القرار مادام القانون اليخدم إال الفئات القوية ذات ركيزة مادية قوية 1و بالتالي
أصبح على الطبقة الكادحة أن تخضع ملا يصاغ أمامها من قوانين ردعية مادام أن
تحصيل معاشها ال يتم إال عن طريق خدمة أمالك اإلقطاعيين.2
ومادمنا بصدد تحديد مفهوم السلطة ،ينبغي علينا مراعاة أهم الوقائع التي سعت
إلى انحراف السالطين عن تطبيق نظام الخالفة اإلسالمية إذ اليمكن مقاربة هذا األخير
بواقع اعتمد فيه أفراده على صراع دائم من أجل تحقيق منفعة ذاتية ال أخالقية روحية
و بالتالي فقد تحول مفهوم الخالفة عن شكله الحقيقي عبر وقائع تاريخية عرفها املجتمع
الجزائري العثماني فترة الدايات و التي كانت املنعرج الخطير لنمو فكرة التحرر وتصاعد
الفكر الداعي إلى التخلص من قيود الجور و الظالم 3واملتجسد في بروز ثورة الزعامة
الدينية والشعبية 4و التي سنتطرق إليها بش يء من التفصيل في فصولنا الالحقة والتي
نظرت لسحب شرعية نظام الخالفة اإلسالمية من تحت لواء الدولة العثمانية.
فالسلطة إذن هي حقيقة تاريخية ،تربطها عالقة ظروف بالواقع االجتماعي إذ إن
البحث في هذه العالقة مرتبط أساسا بهذا الواقع الذي يعطي لنا مفهوما علميا دقيقا
باعتباره عملية تاريخية منتجة لعدة أفكار و نظريات سياسية المناص من استبعادها.5
-1للتعرف على البنية اإلجتماعية التي كان يتميز بها املجتمع في تلك الفترة وملعلومات أكثر حول ماأشرنا إليه أنظر:
ناصر الدين سعيدوني ،الجزائر في التاريخ(العهد العثماني) ،املؤسسة الوطنية للكتاب ،الجزائر ،5132 ،ص.555-31
- -2طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص.13
-3ن.م ،ص.11-13
4
- De Grammont Henri, histoire d’Algérie sous la domination Turque (1515-
1830), E.Leroux,paris,1887 P.365
-5وليام شالر ،مرجع سابق ،ص.18
35
الفصل األول
تمثالت النخبة
83
المبث ما ألولم
ع مت
ام ثـــالتما إلجامت يةمل
التمثالت اإلجتماعية الفصل األول
مدخل الفصل
إن كل تمثل لفئة النخبة بإيالة الجزائر العثمانية في فترة الدايات يحيلنا مباشرة إلى
الحديث عن الطبقات اإلجتماعية البارزة التي كانت املحرك األساس ي للواقع الثقافي
باملجتمع آنذاك 1إنطالقا من إنتماءاتها العرقية و إسهاماتها العلمية و طالئعها الوظائفية
ناهيك عن أهم التفاعالت التي تولدت نتيجة طموحها في تحقيق نظام سياس ي واجتماعي
متوازن كما قررته الدراسات السابقة.2
حيث نهدف في هذا الفصل إلى التعرف على التركيبة اإلجتماعية و النسق الثقافي
لهذه الفئة وذلك عن طريق رصد مسار تطور تركيب النخب الثقافية بمجتمع الجزائر
العثمانية في عهد الدايات ،0121-0110خصوصا وأن هذا املفهوم جسد مجموعة
من التمثالت التي أثارت إشكاليات معقدة ،ومست القيم التقليدية التي كانت نافذة في
مجتمع الجزائرالعثمانية آنذاك.3وتفسير األسباب واملؤثرات اإليجابية التي جعلتها تبرز
كفاعل تاريخي مساهم في توليد األحداث.
ومن بين اإلشكاليات التي نثيرها في هذا الفصل خصائص البنية التركيبية للنخبة
الثقافية وعالقتها بالسلطة العثمانية خالل فترة (1830-1671م)؟ على اعتبار أن هذه
التركيبة قد شهدت تحوال وظيفيا من فئة إلى أخرى وذلك وفق ماتحكمه املتغيرات
-2من بين أهم تلك الدراسات ماجمعه سعد هلل ،أبوالقاسم ،تاريخ الجزائر الثقافي،5381-5153ج،2ط،5دار الغرب
اإلسالمي،بيروت،5113،ص53
3-voir par exemple, Frederico cresti,Alger àla période turque, Observations et
hypothèses sur sa population et sa structure sociale, Revue des mondes
musulmans et de la Méditerranée ,N°44 Année 1987, pp. 125-133
37
التمثالت اإلجتماعية الفصل األول
السياسيـ ـ ـة و االقتصادي ـ ـة 1للبـ ـ ـ ـالد ونتساءل من هذا املنطل ـ ـق عن تركيب ـ ـ ـ ـة ه ـ ـذه
النخـ ـ ــب و موقفها من السلطة الحاكمة في الفترة املدروسة؟ و سيسعنا في هذا املجـ ـ ـ ـ ـ ـال
طـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرح التساؤل التالي:
مم تشكلت فئة النخبة في مجتمع الجزائر العثمانية في عهد الدايات؟ وعلى أي أساس
تم تصنيف هذه التركيبة من قبل املؤرخين؟
-1راجع هذه املتغيرات عند :الخداري محمد ،بالد املغارب تحت الحكم العثماني :نموذج الجزائر في عهد الدايات
َّ
( ،)5381 – 5315دورية كان التاريخية (علمية ،عامليةُ ،محكمة) ،العدد الثاني والعشرون ،ديسمبر ،2158ص – 21
.83
38
التمثالت اإلجتماعية الفصل األول
-1السوابـق
إزاء بحثنا عن إحصائيات رسمية 1لعدد النخب الثقافية التي برزت بالجزائر
العثمانية في فترة الدايات ،ملسنا غياب وثائق ومصادر املعلومات التي من شأنها أن تسهل لنا
مهمة الوصول إلى نتائج ضبطها .وإثر ذلك حاولنا إعطاء تقديرات تقريبية بعد قيامنا
باإلطالع على أكبر عدد ممكن من املصادر ،وقمنا بجرد ذلك 2فقد ثبت أن ماخلفته املصادر
املحلية وتراجم أعالم الرجال وكتب الرحالت 3وبعض مذكرات األشراف وما أورده مؤرخو
الفترة العثمانية من كتابات من شأنها أن تعطينا معلومات كافية تبسط لنا طريقة وضع
إحصائيات كمية ألن أغلب هؤالء كانوا من متتبعي أخبار النخب متقصيين للحقائق عنهم
وهذه اإلحصائيات التمس إال بعض الفئات البارزة من مجتمع الجزائر العثمانية و التي كان
لها دور فعال في التأثير عليه ،فقمت بجمع ماغرفته من مصادر ووثائق من أسماء لنخب
ثقافية وحصرها في جداول خاصة به ألحقتها في امللحق بعد ضبطها ،ألن الجداول كنت قد
العثمانية4 وضعتها انطالقا من الدراسات التي كتبت عن األسر الوافدة في مجتمع الجزائر
وقد ركزت عليها ألنها النقطة األساسية التي تسمح لي بضبط العناصر املكونة للفئة
النخبوية بالجزائر خاصة وأن أفرادها كانوامن كبار شيوخ العلم و التربية في فترة الدايات.
و قد هيأت ألبنائها األسباب لينشأوا في بيئة علمية صالحة.ليـكونوا قوة مؤثرة بالجزائر
آنذاك.
-1نشير في هذه النقطة إلى املعطيات التي جمعتها عائشة غطاس من دفاتر املخلفات أي التركات الصادرة عن مؤسسة
بيت املال ،أنظر مقالها حول من أجل إعادة النظر في البنية الديموغرافية ملجتمع مدينة الجزائر .معطيات مستقاة
من الوثائق املحلية ،مجلة Insaniyatإنسانيات ،العدد ،19-20مركز البحث في األنثرويواوجيااإلجتماعية و
الثقافية ،وهران ،2118 ،ص.22-88
-2أنظر امللحق رقم 5
-3مثل كتابات ابن هطال التلمساني الذي كتب عن "رحلة الباي الكبير" وكتابات الرحالة األروبيون أمثال Shaw
Docteurفي Voyage dans la régence d’Algerضف إلى كتابات كل من Savary De Brevesو Arvieuxو Diego de
Heido
-4أنظر غطاس عائشة ،نفس املرجع.22-88 ،
39
التمثالت اإلجتماعية الفصل األول
محاولتنا تركزت على تقييدات ابن املفتي 1الذي أعطى قائمة لتاريخ بشوات الجزائر
وعلمائها ناهيك عن رحلة ابن زاكور 2التي تعد من أهم املصادر التي سردت أخبار علماء
الجزائر و مذكرات أحمد الشريف الزهار 3وكتابات التوجيني 4وابن سحنون 5و أب ـ ـ ـ ـي
راس الناصري 6ورحلة ابن حمادوش 7التي ذكر فيها أسماء الشيوخ من العلماء الذين
أجازوه خالل مساره العلمي ومانذكره هنا أن بعض الشروحات و األراجيز 8تميزت بالدقة
في نقل بعض أخبار العلماء ناهيك عن كتابات األروبيين مثل:
-1ابن املفتي حسين بن رجب شاوش ،تاريخ بشوات الجزائر و علمائها ،تحقيق فارس كعوان ،ط ،5بيت الحكمة،
الجزائر ،2111 ،ص.551
-2ابن زاكور الفاس ي ،نشر أزاهر البستان فيمن أجازني بالجزائر وتطوان من فضالء أكابر األعيان ،املعرفة الدولية
للنشر و التوزيع ،الجزائر ،2111،ص.588
3أنظر ،أحمد الشريف الزهار ،مذكرات الحاج أحمد الشريف الزهار ،الشركة الوطنية للنشر و التوزيع ،الجزائر،
.5112ص.513
- 4أنظر ،عبد الرحمن بن عبد هللا التوجيني ،عقد الجمان النفيس في ذكر األعيان من أشراف غريس
"ق55هـ/ق51م" ،ط ،5دار الخليل القاسمي ،الجزائر ،2111 ،ص.82
-5ابن سحنون الراشدي ،الثغر الجماني في ابتسام الثغر الوهراني ،تحقيق الشيخ املهدي البوعبدلي،ط ،5عالم
املعرفة للنشر و التوزيع ،الجزائر.2158،
-6أبي راس الناصري الجزائري ،عجائب األسفار و لطائف األخبار ،دراسة و تحقيق محمد بوركبة ،ج،5منشورات
وزارة الشؤون الدينية و األوقاف ،الجزائر ،2155،ص81
-7ملزيد من التفاصيل حول هذه الشخصية أنظر ،أبو القاسم سعد هللا ،مرجع سابق ،ص.221
-8مثل أرجوزة الحلفاوي لشرح مفصل حولها أنظر ،الجياللي سلطاني ،قراءة في أرجوزة الحلفاوي في فتح وهران من
خالل مخطوط شرح الجامعي لألرجوزة ،املجلة الجزائرية للمخطوطات ،املجلد رقم ،2العدد ،8جامعة وهران ،جوان
،2151ص.52-3
9 - De Joachim Gonzalez, Essai chronologique sur les Musulmans célébres de la ville d’Alger, e.Box
p.272
40
التمثالت اإلجتماعية الفصل األول
ركزنا في تحليلنا كذلك على بعض املصادر التي صدرت عن فئة املفتيين الكبار بعمالة
وهران و منها كتاب العالمة الشيخ الطيب بن املختار الغريس ي املختاري 1الذي عاش في
الفترة مابين 0121-0111وهو عالم وشاعر و أديب 2اشتهر بشخصيته و حرصه
الشديد على االستفادة القصوى من كل من القاه من العلماء و الفقهاء واهتمامه
بالتواصل معهم.
لقد شدت انتباهنا الديناميكية االجتماعية التي شهدتها مجتمعات اإليالة الجزائرية
الثقافية3 مع أواخر فترة الحكم العثماني و التي جسدتها مجموعة من حواضر املدن
كمدينة تلمسـان وقسـنطينة وبجاية ضف إلى مازونة و معسكروغيرها كما جسدت هذه
املش ـ ـرفي4 الديناميكي ـ ـ ـ ـة مجموع ـ ـ ـة م ـ ـ ـن األس ـ ـر العلميـ ـ ـ ـة مث ـ ـل أس ـ ـرة بيت الطاهـ ـ ـر
وغيرها 5لتنقلنا إلى دائرة من استنباط علمي ينفي املنظور التاريخي الذي ذهب إليه بعض
الباحثين والذي مفاده أن هذه الفترة التي شهدتها الجزائر هي فترة انحطاط وتخلف
1الطيب بن مختار الغريس ي املختاري ،كتاب القول األعم في بيان أنساب قبائل الحشم،مطبعة ابن خلدون ،تلمسان،
الجزائر ،5125 ،ص.882
-2أنظر ترجمته عند بسكر محمد ،أعالم الفكر الجزائري من خالل آثارهم املخطوطة واملطبوعة ،ج ،5دار كردادة
للنشر و التوزيع ،بوسعادة ،2158،ص.818
3
- Jean-Louis Marie Poiret, Voyage en Barbarie 1785-1786, volumes 2, édité
chez J.B.F. Née de la Rochelle, Paris, 1989, p. 317
-4تنحدر هذه العائلة من بيت سيدي مشرف بن عبد الرحمن بن مسعود القادم من بوصمغون جنوب الصحراء إلى
غريس أنظر مخطوط العربي املشرفي في نسب أسرة املشارف ،امللحق رقم .12
-5أنظر ،عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني ،فهرس الفهارس و األثبات ومعجم املعاجم و املشيخات و املسلسالت ،ج،5
ط ،2بيروت ،لبنان ،5132 ،ص 233إلى جانب أسرة بيت ابن الفكون أنظر ،أبو القاسم سعد هللا ،شيخ اإلسالم عبد
الكريم الفكون داعية السلفية ،الطبعة الثانية ،دار الغرب اإلسالمي ،بيروت1986 ،م وحسين بوخلوة ،عبد الكريم
الفكون القسنطيني ،بحث مقدم لنيل شهادة املاجستير في تاريخ الحضارة اإلسالمية،جامعة وهران،2111/2113 ،
ص.513
41
التمثالت اإلجتماعية الفصل األول
فهناك دراسات أجنبية قد بثت في صفحات كتبها بأنه لم يكن بالجزائر طبقة متوسطة
التي تقع في وسط الهرم االجتماعي مثل كتابات Gautierو .1De Grammont
ومن املسلم به أن بروز النخب الثقافية بمجتمع الجزائر العثمانية في فترة حكم
الدايات صار يشكل منظور عام وشامل لجدلية تاريخية واسعة 2تدعو إلى تقديم نماذج
واقعية وفرضيات نظرية لتصحيح النظر في مجموعة من املحطات التاريخية والتي
خضعت ألحكام تقليدية ونقلية في تمثالتهم ملجتمع إيالة الجزائر آنذاك ،إذ صار املوقف
يتطلب منا القيام بتعديل جريء في املنظور التقليدي للباحثين من خالل ضبط و تحديد
تصنيف نوعي لفئة النخب التي تجلت في هذه الفترة ،إذ حاولنا قدر اإلمكان أن نضع
اللبنة األولى للتركيبة اإلجتماعية لهذه الطبقة ،التي اكتسبت السمة املميزة لكل ماتعارف
عليه املجتمع في إيالة الجزائر بشكل أعمق عما أقدم عليه جمهرة املؤرخين الذين حاولوا
مقاربة األصناف النخبوية في نسق مغلق معتمدين في ذلك على أبعاد ضيقة
دينية،سياسية،اقتصادية ،وذلك بتركيزهم على نشاط محدد ،مستبعدين مجموعة من
العوامل التي ساعدت على تكوين هذه الفئة.
إن تتب ـ ـع مس ـ ـار تكوين وتجلي النخب الثقافية في فترة الدايات 0110م0121-م.
يستـ ـ ـوقفنا عن ـ ـد التقسي ـ ـم اله ـ ـ ـرمي ملجتم ـ ـ ـع الج ـ ـزائـ ـر العثماني ـ ـة وذل ـ ـك ليتسـ ـنى لن ـ ـا
ضب ـ ـط تصنيـ ـف الفئ ـ ـ ـة املـ ـدروس ـ ـة .إذ كـ ـ ـ ـان ك ـ ـل م ـ ـ ـن أب ـ ـ ـي راس الن ـ ـاصـ ـري3
1
- H-D. de Grammont, op.cit,p.226
-2إن منظور التركيبة النخبوية يقاس بتعريفات بعض املؤرخين الذين تم اإلشارة إليهم في املدخل وتقسم حسب
نشاطاتها العلمية كالعلماء والفقهاء و املرابطون وحسب نشاطاتها الوظيفية كالطبقة الرسمية و الطبقة امللحقة بها
– أنظر سعد هلل أبوالقاسم ،تاريخ الجزائر الثقافي،5381-5153ج،2ط،5دار الغرب اإلسالمي،بيروت،5113،ص.53
-3هو محمد أبوراس بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن أحمد بن الناصر بن عبد هللا بن عبد الجليل ،ولد بتاريخ
21ديسمبر 5115في منطقة وزغت جنوب مدينة معسكر و توفي عام 5382م ،عاصر فترة الدايات وتميز بكثرة رحالته
أنظرRevue africaine,volume 8,office des publication universitaires,Alger, :
janvier 1864, p.152
42
التمثالت اإلجتماعية الفصل األول
فاملعطيات العلمية التاريخية التي تم رصدها من طرفهم توضح بأن بروز طبقة
النخبة الثقافية آنذاك يعود بالدرجة األولى إلى تنوع التركيبة اإلجتماعية بإيالة الجزائر،
والتي خضعت للتقسيم التالي:
فئة العثمانيين
فئة الكراغلة
فهذا التقسيم الهرمي الذي ورد في أغلب الدراسات .3يجعلنا نحصر الفئة املدروسة
في آخر نقطتان مرجعيتان اللتان على أساسها تم تصنيف النخب و املتجسدتان خصوصا
في فئتي الكراغلة والحضر والبدو.
إذ تعتبر فئة الكراغلة من الطبقات التي أثارت إشكاليات معقدة 4في فترة
الدايات حيث يجمع Pierre Boyerعلى أن طموحاتها كانت تصب على األغلب في
اعتالء املناصب العليا في السلطة .5ورغم تقاسمها العيش بحواضر املدن إلى جانب
1
- Les renégats et la marine de la Régence d'Alger, Revue de l'Occident
musulman et de la Méditerranée,N°39,M.E.N, France, 1985, p.p. 94-99
2
- Alger au XVIIIe siècle, edE.Fagnan,france, 1898, p.186.
ّ
-3التركيبة اإلجتماعية للجزائر العثمانية بشكل شامل يتناولها :أبي راس الناصري الجزائري ،عجائب األسفار و
لطائف األخبار ،دراسة و تحقيق محمد بوركبة ،ج،5منشورات وزارة الشؤون الدينية و األوقاف ،الجزائر،2155،
ص81
4
- Pierre Boyer, le probleme kouloughli dans la régence d’Alger, Revue de
l'Occident musulman et de la Méditerranée,N°8 ,M.E.N. France, 1970, p.p.79-
94
5
- op,cit, p.p. 79-94
43
التمثالت اإلجتماعية الفصل األول
الفئة الحضرية إال أنها بقيت مستقلة بنشاطاتها الحيوية من تجارة وصناعة وبعض
املهام اإلدارية عن املجتمع.
وتجدر اإلشارة إلى أهم املواقع الجغرافية التي عاشت فيها هذه الفئة ومارست فيها
نشاطاتها حيث نذكر منها الللحصر بايلك الشرق )جيجل ،عنابة ،برج بوعريريج( دار
السلطان )الجزائر العاصمة( ،بايلك التيطري )املدية( ولإلشارة فقد برزت باملدية عائلة
بومزراق التي تنحدر من آخر البايات الذين حكموا بايلك التيطري في هذه الفترة
واستوطن الكراغلة كذلك بايلك الغرب بالضبط بمدينة )تلمسان ووهران) 1وقد وقعت
بين أيدينا وثيقة إدارية لحالة مدنية 2تاريخية تحمل ألقاب لعائالت عريقة عن هذه الفئة
والتي شكلت محورا هاما في الفعل التاريخي نهاية الحكم العثماني فأغلبهم كانوا إداريين
كما كانوا جنود وتبقى هذه الوثيقة عرضة للتحقيق واملراجعة بسبب غياب املصادر التي
تؤكد اإلطار الزماني الذي جعلها تبرز كفئة فاعلة في مجتمع الجزائر العثمانية فترة
الدايات3.
ونظرا للمضايقات التي كانت تعترضها من طرف السلطة و العالقات السيئة التي
ربطتها مع غيرها من فئة الحضر ،4صارت مستثنية ضمن تصنيف طبقة الحضر إذ لطاملا
بذلت السلطة العثمانية جهودا للتضييق على هذه الفئة أو عزلها ألنها كانت تشكل خطرا
على استمرارية نظام الحكم بسبب رغبتها في السلطة 5لكن بالرغم من ذلك تمكنت الفئة
الكرغلية من تأسيس تراكيبية إجتماعية خاصة بها فعلى الرغم من هذا التصنيف
واإلجماع ،إال أنه يبقى محدودا واليمكننا تعميمه على كل الفئات الكرغلية .حيث تجلت
1
- Mehmet Tütüncü, Cezayir'de Osmanlı İzleri (1516-1830 - 314 Yıllık
Osmanlı Hakimiyetinde Cezayir'den Kitabeler, Eserler, Meşhurlar), Çamlıca
BasımYayın,İstanbul 2013, p.447
من خالل هذه الطبقة بعض النماذج النخبوية التي فتحت مجال اإلندماج مع فئة
الحضر و لعبت دور الوسيط بين السلطة واملجتمع في تلك الفترة ،فهذه الفئة هي نتاج
مصاهرة بين الجزائريين و العثمانيين 1على اعتبارات شخصية ،جعل املصادر التاريخية
من الذين عايشوا األحداث يصنفونها في مرتبة النخب التي منحت قيمة تقليدية مميزة
وسط العناصر املحلية .2ولتأكيد هذا الطرح فلقد حاول Venture de Paradisفي
كتابه ،«Alger au XVIIIe siècle »3أن يبين الدور الذي أدته هذه الطبقة في
حرصها على كسب سمعة طيبة عند بعض األسر املحلية من الشرفاء 4وقام كل من أبو
القاسم سعد هللا 5وناصر الدين سعيدوني 6بجرد عدد هام من الوضعيات العائلية لهذه
الفئة و التي اكتسبت احتراما مميزا بحكم مصاهرتها لفئة العلماء حيث كان الكراغلة
يتوجهون للدراسة في زوايا قسنطينة التابعة لألسر العلمية كزاوية أوالد الفكون.
-1لتفصيل أكثر حول هده الفئة أنظر :أيت حبوش حميد ،الكراغلة و درورهم السياس ي في الجزائر خالل العهد
العثماني ،مجلة الحوار املتوسطي ،املجلد 2العدد ،5جامعة سيدي بلعباس ،مارس ،2158ص.51-1
-2أنظر ،دوبالي خديجة ،إسهامات الكراغلة في بناء الجزائر العثمانية ،مجلة الخلدونية للعلوم اإلنسانية و
اإلجتماعية ،املجلد 51العدد ،5جامعة تيارت 15 ،جوان ،2151ص.251-511
3
- Ibid, p.186.
4
- Shaw.T, Voyage dans la régence d’alger, trad., J.Maccarthy, 2éme édition,
Bouslama, Tunis,1980,p.185
-5أنظر سعد هللا أبوالقاسم ،تاريخ الجزائر الثقافي،5381-5153ج،2ط،5دار الغرب اإلسالمي ،بيروت5113 ،
-6أنظر سعيدوني ناصر الدين ،الجزائر في التاريخ ،املؤسسة الوطنية للكتاب،الجزائر5132،
-7أنظر أرزقي شويتام ،دور الكراغلة في الجزائر أثناء الفترة العثمانية ،5381-5151مجلة أفكار و آفاق ،املجلد 8
العدد ،2جامعة الجزائر 2،85ديسمبر ،2158ص.531-511
45
التمثالت اإلجتماعية الفصل األول
و نقل لنا بعض األسرى 1وعلى رأسهم Pfeiffer Simon2تجليات هذه الفئة في
التراكيبية اإلجتماعية الحضرية واإلسهامات الثقافية 3التي بادرت بها في أواخر فترة الحكم
العثماني بالجزائر ونفس الطرح ورد في تقييدات ابن املفتي.4
في نفس اإلتجاه و بشكل أعمق عما تطرقنا إليه في حديثنا عن تجلي الطبقة
الكرغلية كفئة نخبوية بمجتمع الجزائر العثمانية ،حاولنا أن نقارب الظاهرة نفسها
بتطور التراكيبية اإلجتماعية للفئة الحضرية في نفس الفترة .وذلك بتركيزنا على
مانقلته إلينا املصادر املحلية و األروبية مبتعدين بذلك عن األبعاد الضيقة التي
استخدمتها الدراسات في حصرها للنخب الثقافية بشكل شائع في رجال الدين أو في
السكان املحليين.
إذ يجدر بنا الذكر على أن الفئة الحضرية هي نتاج لنمط تراكيبية إجتماعية أخرى
منسجمة 5فيما بينها والتي حاول أبو القاسم سعد هللا .أن يبين بأن بنيتها انحصرت في
املثقفة6 عناصر متعددة وأبرزها فئة العلماء التي تعتبر من أبرز الطبقات اإلجتماعية
والتي أولت عناية فائقة في تقلد عدد كبير من املناصب اإلدارية و السياسية فحضيت
بمكانة مميزة لدى رجال السلطة خاصة وأن مهامهم الوظيفية ارتبطت بمعايير تصنيفهم
في تلك الفترة.فنجد سعد هللا يعطي تصنيف وظيفي يتأسس وفق التقسيم الثالثي
1
- Michel, Alfred, La prise d’Alger racontée par un captif, Revue
africaine,volume 114, Novembre 1875, p.473
2
- Anne Duprat et Emiliepicherot, Récits D’Orient dans les littérature
d’Europe XVIe -XVIIe siècles, éditépar PUPS. Née Universitéparis Sorbonne,
Paris, 2008, p. 192
3
- Bulletin de la littérature Etrangère, Nouvelle publication en Angleterre,
Octobre 1832
-4أنظر ،ابن املفتي حسين شاوش ،تقييدات ابن املفتي في تاريخ باشوات الجزائر وعلمائها ،تحقيق األستاذ فارس
كعوان ،الطبعة :األولى ،بيت الحكمة ،الجزائر2111 ،م ،ص11
-5كمثال على ذلك أنظر ،بن قويدر سامية ،ملحة عن ديار فحص مدينة الجزائر في العهد العثماني ،مجلة املفكر،
املجلد 5العدد ،5جامعة الجزائر 21 ،2ماي ،2151ص.31-25
فئــــــة الحــضــــــــر
+الموظفون
البالموظفون
أهل الذمة فئة البرانية و العبيد
وبالرغم من هذا التصنيف اليمكن أخذ النشاطات الوظيفية كمعيار أساس ي لهذا
التقسيم رغم أن الخطاب الديني القيمي بالجزائر العثمانية ،كان أول خطاب حدد مسألة
تصنيف النخب الثقافية ضمن بقية الفئات اإلجتماعية األخرى ،2فمفهوم النخبة فضاء
واسع من املواقف و األفكار وهذا ماال نجده في الدراسات التي تناولت املسائل الثقافية
والسياسية بإيالة الجزائر لهذا اليمكن أن نخضع هذا التصنيف إلى أبعاد محدودة ومائعة
دون أن تكون هناك معايير نبني عليها تمثالتنا في دراسة ثقافة ومواقف هذه الفئة من
السلطة.
-1أبو القاسم سعد هللا ،الحركة الوطنيةالجزائرية،5181-5111ج،2الشركةالوطنيةللنشرو التوزيع،الجزائر،5138،
ص512-518-512
-2كمثال على ذلك أنظر دوبالي خديجة ،العالقات اإلجتماعية بين الرعية و السلطة في بايلك التيطري أواخر العهد
العثماني من خالل الوثائق ،مجلة الحوار املتوسطي ،املجلد ،8العدد ،5جامعة سيدي بلعباس 51 ،مارس،2152
ص.55
47
التمثالت اإلجتماعية الفصل األول
وإلى جانب العناصر املحلية التي تحدث عنها أبو القاسم سعد هللا من فئة الحضر تجلت
الجالية األندلسية في نفس الطبقة حيث ينطلق laugier de Tassy1في كتابه
Histoire du royaume d’Algerمن فكرة مفادها أن الجالية األندلسية هي
نتاج لتجلي تاريخي ُمميز لطبقة حضرية جديدة في إيالة الجزائر ،حيث تعاظم دورها
وتولت وظائف سامية كإدارة األوقاف وسبل الخيرات ،على اعتبار أنها صارت ذات نفوذ و
صاحبة أمالك في املدن الحضرية ،ألنها تتكون من أسر ذات وجاهة عالية .ويحص ي هذه
التركيبة الجديدة التي دخلت املجتمع الجزائري في بداية القرن01مDiego de 2
Haëdoفلقد أدت إلى والدة بنية تقليدية نخبوية نافذة في اإليالة .وخلقت حركية مميزة
نظرا لتعدد نشاطاتها اإلجتماعية والثقافية وخاصة اإلقتصادية ،3فانسجمت مع السلطة
وبقية الطبقات اإلجتماعية بفعل عاملي التأثير و التأثر .4والظاهر من خالل سجالت
املحاكم الشرعية املدونة في الفترة العثمانية 5أن الجالية األندلسية من األسر الغنية قد
أوقفت عدد من االمتيازات لصالح فقراء اإليالة في فترة الدايات والفترة التي
1
-Laugier de Tassy, Histoire du royaume d'Alger, un diplomate français à
Alger en 1724, revue d’histoire d’Outre-Mers, Année 1994, N°302, pp. 111-
112.
2
-Diego de Haëdo,Topographie et histoire générale d'Alger, traduction
Monnereau et andrien berbruger, edition bouchene, année 1998, p. 244
-3ملزيد من التفاصيل حول هدا املوضوع عد إلى حنيفي هاليلي ،املوريسكيون األندلسيون في الجزائر خالل القرنين
53و51م ،منشورات مخبر البحوث والدراسات اإلستشراقية في حضارة املغرب اإلسالمي ،جامعـة الجياللي ليابس
سيدي بلعباس -الجـزائـر ،2152،ص.531-532
-4لتفصيل أكثر أنظر :بلقاسم صديقي ،هجرة األندلسيين إلى بالد املغارب أواخر القرن 51إلى بدايات القرن 51
الدوافع و املراحل ،املجلة املغاربية للمخطوطات ،املجلد 8العدد ،5جامعة الجزائر 51 ،2سبتمبر ،2151ص-35
.551
-5أنظر :حنيفي هاليلي ،الحضور األندلس ي بالجزائر في العهد العثماني على ضوء سجالت املحاكم الشرعية ،املجلة
التاريخية العربية للدراسات العثمانية ،العدد ،21مؤسسة التميمي للبحث العلمي ،تونس ،2112،ص.851
48
التمثالت اإلجتماعية الفصل األول
سبقتها 1مثل فاطمة ابنة ناظر أوقاف األندلس الحاج عبد القادر بن الحاج الغبريني ت-
0110م التي أوقفت ثلثا ثرواتها للفقراء من السكان املحليين و األندلسيين.2
وحاول ناصر الدين سعيدوني في نفس اتجاه ما أوردته لنا املصادر تعداد النماذج
النخبوية من الجالية األندلسية التي أشرفت على بعض املمتلكات باإليالة وقد كان منهم
وكالء ونظار ورجال العلم وعلى رأسهم يحي الخياط .ليخلص إلى أنه رغم أنها التنتمي إلى
العنصر املحلي .لكنها بذلت جهودا بمستويات عديدة في إنشاء جمعية ضمت ثلة من
النخب األندلسية و صارت من خاللها تساهم في بناء الزوايا و املساجد و املدارس القرآنية
مما زاد من تعاظم دورها في املجتمع ولدى السلطة.3
احتلت الفئة الحضرية مكانة مميزة في بنى مجتمع الجزائر العثمانية فمصادرنا تشير
إلى أن هذه العناصر بقيت تمثل نفس املكانة منذ أن صارت الجزائر إيالة عثمانية إلى غاية
نهاية العهد العثماني عام0121م .وتشير املعطيات العلمية التي رصدناها من الدراسات
الحديثة 5إلى أن الفئة الحضرية قد تضاعف عددها في الفترة مابين 0112-0122م
-1ملزيد من املعلومات حول وقف الحرمين في العاصمة العثمانية عد إلىMiriam Hoexter, ،
Endowments, Rulers and Community: Waqf Al-ò Haramayn in Ottoman
Algiers, Volume6, Brill Leiden.Boston.Koln, 1998, p.167.
-2وفي إطار ذلك عد إلى مؤسسة األرشيف الوطني الجزائري ،سجالت املحاكم الشرعية ،علبة رقم 53مكرر ،بئر
خادم ،الجزائر العاصمة
-3أنظر ناصر الدين سعيدوني ،دراسات وأبحاث في تاريخ الجزائر ،ج ،2املؤسسة الوطنية للكتاب ،الجزائر،5133 ،
ص.21
-4تعتمد هذه الطريقة على جم ع و تلخيص و تمثيل و إيجاد استنتاجات من مجموعة البيانات العددية املتوفرة وفق
عدد األفراد وتطبق في العلوم اإلجتماعية و اإلنسانية .و هي البيانات التي يمكن عدها ولو لم تأخذ قيما صحيحة.
-5ونقصد بها املعطيات التي جمعتها عائشة غطاس من دفاتر املخلفات أي التركات الصادرة عن مؤسسة بيت املال ،
أنظر مقالها حول من أجل إعادة النظر في البنية الديموغرافية ملجتمع مدينة الجزائر .معطيات مستقاة من الوثائق
املحلية ،مجلة Insaniyatإنسانيات ،العدد ،19-20مركز البحث في األنثرويواوجيااإلجتماعية و الثقافية ،وهران،
،2118ص.22-88
49
التمثالت اإلجتماعية الفصل األول
لتصل إلى نسبة %11بعدما كانت التشكل سوى %01من مجمل السكان الذين كان
عددهم يتراوح مابين 21ألف نسمة و 21ألف نسمة في الكلم 9الواحد 1في هذه الفترة.
فدار السلطان شكلت نموذجا واقعيا في هذا التقدير ،حيث وصل عدد من الذين احتلوا
مكانة شرفية بها في فترة الدايات 21فردا أحصينا منهم 01نخبة من السكان األصليين و
02نخبة من الجالية األندلسية بينما وصل عدد الكراغلة من النخب إلى 11أشخاص.
وتتباين أعداد هذه الفئة في بقية املناطق األخرى حيث أحصينا في هذه الفترة بروز 01
نخبة محلية ببايلك الشرق و 12نخب ببالد الزواوة و 01نخب ببالد الزيبان و 11نخبة
ببايلك الغرب ضف إلى بروز عائالت من أصول عثمانية كان لها وزن إجتماعي مرموق.3
وبالتالي يمكننا أن نقول أن هذه األقلية شكلت حوالي 01%من مجموع سكان املدن
الحضرية والذين قدر عددهم ب21ألف نسمة في الكلم 49الواحد بفئاتهم املختلفة في
نفس الفترة املذكورة .و احتل بايلك الغرب املرتبة األولى وفق البيانات الكمية التي
أحصيناها به من حيث القوة العددية.
الجدول-10-
140
120
100
20
0
1 2 3 4 5 6
51
التمثالت اإلجتماعية الفصل األول
ج -خالل املرحلة األولى من حكم الدايات كانت الجزائر تتوفر على أسر علمية بارزة
لعبت دورا رئيسيا في التاريخ الثقافي الحديث للجزائر 2أما املرحلة الثانية فهي
مرحلة لتوريث الوظائف بحكم اإلنتماء العائلي لتلك األسر.3
-1للتوسع في املعلومات أنظر ،بلبروات عتو ،املهاجرون و املهجرون إلى الجزائر العثمانية بين اإلنعزال و اإلندماج
اإلجتماعي ،مجلة املواقف ،املجلد 2العدد ،5جامعة معسكر 85 ،ديسمبر ،2111ص.11-11
-2بوشيبة دهيبة ،العلم و العلماء في الجزائر خالل العهد العثماني ،مجلة الحوار املتوسطي ،املجلد 8العدد ، 5
جامعة سيدي بلعباس 51 ،مارس ،2152ص.528-553
كان الوضع املعيش ي و الوظيفي للفئة النخبوية التي سلف ذكرها يتميز بظاهرة
توريث املهن الراقية بالجزائر العثمانية ،حيث تعود السكان منذ التواجد العثماني على
هذه الظاهرة ،فأغلب املناصب كان يتم توارثها من اآلباء إلى األبناء 2وفق ماتعارف عليه
املجتمع أو مايطلق عليه بنظام التوريث وهو سلوك اعتاده الناس حيث يحل أبناء
األسر العلمية محل آبائهم وأجدادهم في تداول تلك املناصب أو الوظائف.
والشك أن املراسالت التي نشرتها الدراسات واطلعنا على البعض منها واملتجسدة في
الظهائر 3التي تتضمن تعيينات ألشخاص من عائالت مختلفة وعلى رأسها عائلة
الكتروس ي تعد كنموذج لهذا التوريث كما أنها تدل على املكانة التي حظيت بها هذه
الطبقة في املجتمع فنجد من خاللها أن السلطة منحت مناصب جد هامة لهذه العائلة
بدافع إظهار اإلحترام لها.
وبهذا تنقل لنا هذه الظهائر 4صورة عن تولية أبناء هذه العائلة خالل ق01م
لوظيفة القضاء واإلفتاء واإلمامة و الخطابة 1حيث قام علي باي تونس ي بتعيين السيد
-1تستخدم هذه الطريقة في تصنيف الوظائف ويتم إسقاطها على عدد أفراد األسر في مجتمع ما وعادة ماتستخدم
لدراسة تطور ظاهرة ما عبر فترة زمنية كظاهرة توريث املناصب وماشابه ذلك.
-2كمثال على ذلك عد إلى الوثائق التي تخص عائلة الكتروس ي وهي مودعة بمكتبة جمعية الظهرة بمازونة ،أنظر
امللحق رقم12
-3للتعريف املفصل حول هذه الظهائر ،أنظر :لزغم فوزية ،التعريف بوثائق عائلة الكتروس ي املازونية ،املجلة
الجزائرية للمخطوطات ،العدد العاشر ،مخبر مخطوطات الحضارة اإلسالمية لشمال إفريقيا ،جامعة
وهران5،2158الجزائر ،ص.551
-4تعود ملكية هذه الظهائر لجمعية الظهرة الثقافية بمازونة حيث تحصلنا على نسخ منها عن طريق الباحثة لزغم
فوزية وسبق وأن نشرت البعض منها املجلة الجزائرية للمخطوطات ،ص ،511-512أنظر ملحق رقم 8كما قام
الباحث بوجالل قدور بتقييدها في أطروحته املوسومة بمظاهر التقارب والقطيعة بين العلماء والسلطة العثمانية في
بايلك الغرب فترة الدايات ،أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث ،إشراف دحو فغرور ،كلية
العلوم اإلنسانية والحضارة اإلسالمية ،جامعة وهران ،السنة الجامعية ،2151-2153ص.512
53
التمثالت اإلجتماعية الفصل األول
املهدي بن أحمد بن خدة الذي كان مترجما له إماما ملسجد سيدي علي بن حسن
بمازونة عام 0111م 2وعين مصطفى باي محمد املهدي إماما بمسجد سيدي عيس ى
بمازونة عام 0109م 3ومنح خليل آغا نوبة مازونة عام 0112م إمتيازات للمفتي
مهدي الكتروس ي وبعض أفراد عائلته 4كما عين الشيخ محمد بن املهدي وشقيقه علي
مفتيا وقاضيا على مازونة عام 0102م.
فالوضع آنذاك كان يسهل ألسر محددة عملية اإلرتقاء في الوظائف والتعايش مع
أنظمة وقوانين السلطة واستمرت هذه العملية في التداول في جميع أنحاء البالد إال أننا
ملسنا وجود فوارق عددية ونسبية بين بايلك الشرق والغرب ودار السلطان حول األسر
التي شاعت عليها هذه الظاهرة ففي الفترة مابين 0114م و0121م بلغ عدد أبناء
عائلة قدورة من الذين برزو من النخب وتورثوا الوظائف 11أفراد وعائلة املرتض ى
10فردا واحدا أما عائلة العنابي فقد بلغ عدد نخبها ب12أفراد وعائلة العلج
ب19فردين هذا في دار السلطان وهذا مابيناه في الجداول التي أرفقناها في هذه
الدراسة.5
أما في الفترة مابين 0120م إلى 0121م بلغ عدد أبناء عائلة العنابي من
النخب البارزة 19فردين وعائلةاملجاجي ب19فردين.6
-1أنظر لعباس ي محمد ،تعيينات آل الكتروس ي في املناصب الدينية بمازونة على العهد العثماني ،نفس املرجع ،ص-11
.511
-2أنظر ملحق رقم12
-3أنظر ملحق رقم12
-4أنظر ملحق رقم12
-5أنظر امللحق رقم12
-6أنظر امللحق رقم 15
54
التمثالت اإلجتماعية الفصل األول
أما في بايلك الشرق فقد بلغ عدد أفراد أسرة الفكون في الفترة مابين 0114م
و0121م 14أفراد من الذين تورثوا الوظائف و 19فردين من عائلة ابن باديس وكذا
فردا واحدا من عائل ـ ـة الغ ـ ـ ـرب ـ ـي1 الحال بالنسبة لعائلة القسنطيني و ابن جلول و 10
أما عائلة البوني فقد بلغ عدد نخبها 14أفراد أما في الفترة مابين 0120م إلى 0121
بلغ عدد أبناء عائلة الفكون فردا واحدا من النخب البارزة.2
وفي بايلك الغرب تجلت نخب مثقفة في الفترة مابين 0114و 0121وكذا فترة
مابين 0120إلى 0121لكن أغلب املناصب التي تم تداولها في هذه املنطقة كانت
دينية أكثر منها إدارية رسمية كاإلمامة والفقه و الخطابة وهذا مابيناه في الجداول التي
أرفقناها في هذه الدراسة.3
وفي الفترة مابين 0114و 0121تجلت نخبة أندلسية بالجزائر العثمانية حيث
بلغ عدد أبناء عائلة ابن عبد اللطيف 14أفراد كما بلغ عدد أبناء عائلة النيقرو 14
أفراد ويتساوى عدد أفراد كل من عائلة بن عبد الرحمن وابن عمار ومبارك حيث بلغ
10فردا واحدا في هذه الفترة.4
لكن كيف يمكن تفسير تزايد عدد أفراد األسر النخبوية في الفترة مابين 0114
و 0121و تراجعها في الفترة مابين 0120إلى 0121؟
لإلجابة على هذا السؤال وقع اختيارنا أثناء بناءنا لهذه اإلحصائيات العددية على عينات
من األسر النخبوية العتبارات ،منها:
أنها ساهمت بشكل أو بآخر في تكوين عدد البأس به من األفراد الذين أدوا أدوارا
مميزة في املجتمع نحو عقد من الزمن.
كما أنها ساهمت في تنشيط الحركة الثقافية بالجزائر العثمانية خاصة في عهد
الدايات .وهذا مانبينه في الجداول رقم19و12و.14
دارالسلطان -الجدول-22
قيدورة 11
العنابي 11
العلج 11
آبهلول 11
النيقرو 17
املانجالتي 11
56
التمثالت اإلجتماعية الفصل األول
الفكون 11
البوني 11
بايلك الغرب-الجدول-24
املشرفي 18
املقري 10
العقباني 18
التلمساني 18
الكتروس ي 13
املازوني 18
57
التمثالت اإلجتماعية الفصل األول
خوجة 18
كانت املناصب املتداولة بين الفترات املذكورة سلفا تتكون من منصب اإلفتاء املالكي
والقضاء امللكي ومنصب اإلفتاء الحنفي و الخطابة و اإلمامة و التدريس بالجامع األعظم،
وكذا سرد صحيح البخاري والحديث النبوي ضف إلى الكتابة والسفارة ومهنة العدل
ونقابة األشراف ضف إلى التفسير وناظر على أوقاف الحرمين الشريفين ناهيك عن ركب
اإلمارة وشيخ زاوية أوعالم طريقة من الطرق وكذا الطب.1
ومن أهم أبناء األسر الذين حضيوا باهتمام السلطة في تولية هده املناصب أبناء
عائلة قدورة وعائلة ابن العنابي الحنفي وابن علي وأبهلول املجاجي بدار السلطان وأبناء
عائلة الفكون وابن باديس وابن الغربي والكماد وابن ساس ي البوني ببايلك الشرق وأبناء
عائلة املشذالي والورتالني وابن مصباح وابن علي الشريف ببالد الزواوة وأبناء عائلة ابن
رمضان وابن عزوز بإقليم الزيبان وأبناء عائلة املشارف وأوالد عب ـد الق ـادر بن املخت ـارو
ابن أبي زرفة وأوالد سيدي عمر وابن سحنون وأبو راس الناصري و الكتروس ي و املقري
ببايلك الغرب.1
واستنادا إلى الجداول التي سبق إدراجها في هذه الدراسة خرجنا بعدة نتائج أهمها أنه
شهد منصب اإلفتاء املالكي والقضاء امللكي ومنصب اإلفتاء الحنفي اهتماما مبالغ فيه
لدى بعض األسر إذ استقر ملدة طويلة في دار السلطان فتولى منصب اإلفتاء املالكي بها
أبو عبد هللا محمد بن سعيد قدورة–ت.عام0121م -وورثه عنه أبو العباس أحمد بن
سعيد قدورة–ت.عام0111م -وتواله الحاج سعيد بن أحمد بن سعيد بن إبراهيم
قدورة–ت.عام - 0101كما تواله الحاج أحمد بن سعيد بن سعيد بن أحمد بن سعيد
بن إبراهيم قدورة–ت.عام0102م -وتواله من الجالية األندلسية أحمد زروق بن السيد
محي الدين بن عبد اللطيف–ت.عام 0122م -وورثه عنه محمود بن عبد اللطيف.2
وشهد منصب الخطابة و اإلمامة و الفقه وإمارة ركب الحج احتكارا المثيل له لدى
بعض العائالت النخبوية في بايلك الشرق فقد تداول عليها من عائلة الفكون في هذه الفترة
محمد بن عبد الكريم الفكون-ت .عام 0119م -وورثه عنه بدر الدين بن محمد
الفكون–ت.عام 0111م -كما تواله عبد الرحمن بن بدر الدين الفكون منذ 0110م
وتواله بعده محمد الفكون و حسين الفكون خالل ق02م3.
أما مهنة التدريس فقد عرفت تداوال لدى بعض النخب ببايلك الغرب فقد امتهنها عبد
القادر بن عبد هللا املشرفي –ت.عام -0111وتوالها من بعده كل من الطاهر بن عبد
-1ملزيد من التفصيل حول هذه األسر النافذة في مجتمع الجزائر العثمانية أنظر :لزغم فوزية ،البيوتات واألسر
العلمية بالجزائر خالل العهد العثماني ،أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ و الحضارة اإلسالمية،
إشراف محمد بن معمر ،كلية العلوم اإلنسانية والحضارة اإلسالمية ،جامعة وهران ،السنة الجامعية ،2152-2158
ص.185
-2أنظر امللحق رقم 15
-3أنظر امللحق رقم 15
59
التمثالت اإلجتماعية الفصل األول
القادر املشرفي و محمد بن عبد هللا سقط خالل ق02م ثم ورث هذه املهنة أبوحامد
1
محمد العربي بن عبد القادر املشرفي –ت.عام 0121م.-
كما تم التداول على هذه املهنة بإقليم الزيبان بين الصادق بن مصطفى البسكري–ت.
عام 0112م -و أحمد بن محمد الوانجي الهجرس ي اإلدريس ي الحسني خالل ق02م
ناهيك عن عبد الحفيظ بن محمد الخنقي مقدم الطريقة الرحمانية –ت0111.م -وكذا
محمد ابن أحمد بن عزوز البرجي الذي أسس زاوية على الطريقة الرحمانية –
ت0101.م2.-
وشهدت بالد الزواوة تداوال على التدريس والفقه والتصوف ففي ق01م تولى هذه
املهام بهذه املنطقة الحسين بن يحي بن أحمد الشريف وورثها عنه محمد بن الحسين بن
يحي الورتالني خالل ق01م كما ورثها محمد الصغير بن رقية – ت0111.م -و الحسين
بن محمد
السعيد الورثيالني -ت0112.م وتوالها كذل ـك الحسن بن أحم ـد زروق بن مصبـ ـاح و
حسين بن محمد صالح و محمد بن علي الشالطي ابن علي الشريف كما توالها السعيد بن
عبد الرحمن بن أبي داود –ت0141.م -و أبوالقاسم بن السعيد بن عبد الرحمن بن أبي
داود – ت 0121.وهم رجال دين على الطريقة الرحمانية.3
إن ظاهرة إحتكار املناصب وتداولها تعد اسـتـثـنـاء بين عدد من أفراد األسر النخبوية
الذين أشرنا إليهم في الجداول رقم 19و12و 14فقد هيأت الظروف لسيطرة الطبقية
على املحليين ويعود ذلك خصوصا إلى قرار السلطة التي كانت تحرص على حصر
احتكارهذه املناصب لدى أبناء الوجهاء والشرفاء من العائالت التي قمنا برصدها في
الجداول.1
وتسمح لنا املعطيات العلمية التي خرجنا بها باإلشارة إلى الظروف اإلقتصادية
العامة التي مرت بها اإليالة في السنوات التالية 0191 :و0191
و0191و 0124و 0122و 0149و0111و0119و 0114و 0111
و0119و 0111حيث شهدت فترات األزمة السياسية واإلقتصادية 2وكان يطلق عليها
بسنوات املجاعة و الوباء إذ تفش ى فيها الطاعون 3واشتد الغالء املعيش ي.و لن نجانب
الحقيقة إذا قلنا بأن هذه الظروف صرفت العامة عن العديد من الجوانب الثقافية
كتلقي املعرفة واإللتحاق باملدارس اإلسالمية التي كانت تسعى للبحث عن لقمة العيش
فاألوضاع املادية الصعبة و املتدنية التي كان يعيشها أغلبهم أدىت إلى تقلص عدد النخب
الثقافية آنذاك ،فالتدهور اإلقتصادي من شأنه أن يؤدي إلى ضعف اإليرادات الهامة التي
عادة ماكانت السلطة تعمل على جمعها وأهمها الضرائب مما من شأنه أن يؤدي إلى
تقليص الثراء لدى بعض الفئات اإلجتماعية التي غالبا ماكانت تربطها عالقة بالسلطة
خاصة الشرفاء من أبناء القبائل واألسر النخبوية .فمساهمة هؤالء في مساعدة السلطة
في مأل خزينة الدولة تجعل هذه األخيرة تعمل على إعطاء وزن إجتماعي هام لهؤالء ومنها
جعل املناصب الدينية واإلدارية الراقية حكرا عليهم.
ولإلشارة فإن فترة حكم الداي محمد بن عثمان باشا 4كانت فترة لتجلي عدد كبير من
النخب التي لعبت دورا أساسيا في إرتقاء املناصب الراقية في السلطة و تنشيط الحركة
61
التمثالت اإلجتماعية الفصل األول
العلمية وإثراء الكتابة التاريخية و األدبية وكذا نظم القصائد الشعرية وهذا كذالك راجع
لإلستقرار السياس ي التي عرفتها عهدته 1وكذا الرخاء اإلقتصادي الذي شهد دخول
إيرادات معتبرة إلى الخزينة املالية للدولة مما كان من شأنه اإلنصراف إلى الجانب الثقافي
وترسيخ حالة اإلزدهار املعرفي.
وبالتالي فإن العوامل التي أثرت في تجلي وتشكيل العناصر املكونة لفئة النخب الثقافية
آنذاك شهدت متغيرات غير ثابتة ألن أغلب الفئات كان تواجدها مؤقت تتحكم فيه
ظرفيات معينة كإغتيال بعض الفئات الهامة من طرف السلطة 2أو عزلها من مناصبها
حال تدخلها في األمور السياسية للدولة مثلما أشار إليه Laugier de Tassyمثلما
هو الحال بالنسبة ألحمد بن سعيد بن ابراهيم قدورة الذي ربط وظيفته بالسياسة بدار
السلطان وقد كان مفتي املالكية فحكم عليه الداي محمد بكداش باالعدام سنة
0111م .بعدما سجنه رفقة أشقائه أحمد وعالل.3
كما أن تولية منصب اإلفتاء كانت قد عرفت اضطرابا سياسيا وهذا ما أورده ابن املفتي في
تقييداته عن تولي عائلة ابن العنابي لهذا املنصب ولكن سرعان ما تتابعت عملية عزلهم
مرات عديدة حيث تواله حسين بن محمد العنابي وعزله الداي بكداش بعد أن مكث فيه
ثالث سنوات ثم تواله للمرة الثانية بعد تولية كل من محمد النيار وحسين خوجة الطوبال
لكنه عزل كذلك من طرف الداي دالي إبراهيم ليتواله للمرة الرابعة وطالت مدة توليته
للمنصب في مرته الرابعة ثالث سنوات إلى أن توفي عام 0121م .4وكان قد تواله قبل
املفتي حسين أيضا الجد األكبر البن العنابي مصطفى بن رمضان 5فارتفاع مؤشر اإلغتيال
1
- Voir Gorguos. A, op, cit, N05 et 06 du Volume I, 1856, pp.403-463.
2
- Laugier de Tassy, Histoire du royaume d'Alger, un diplomate français à
Alger en 1724, revue d’histoire Outre-Mers, Année 1994, N°302, p.p. 111-
112.
-3أنظر عادل نويهض ،معجم أعالم الجزائر ،مؤسسة نويهض الثقافية ،بيروت ،5131،ص.211
-4أنظر تقييدات ابن املفتي ،مصدر سابق ،ص -11ص.12
-5أبوالقاسم سعد هللا ،مرجع سابق ،ص.22
62
التمثالت اإلجتماعية الفصل األول
أو العزل من املناصب الدينية السامية كاإلفتاء و القضاء و غيرها هو أهم مؤشر الرتفاع
أو تناقص عدد النخب في فترة الدايات.
وبالتالي فإن املقاربة البنائية التي قمنا بها تستند بصفة خاصة إلى جرد عينة من أفراد
األسر النخبوية التي وقع عليها اختيارنا ،إذ حاولنا قدر املستطاع تمثيلها إحصائيا وفق
تصوراتنا املنهجية وهذه املمارسة اإلحصائية هي قليلة الشيوع عند الباحثين لكنها مفيدة
جدا إذا كان الباحث حنكا وحذرا ودقيقا في استقراء املصادر والنصوص وفي إطار ذلك
نشير أننا ألغينا عددا من األفراد النخبوية الذين رصدتهم املصادر بسبب عدم إخضاعها
أثناء تناولها لها للمقاربة الكرونولوجية لهذا لم نخاطر في ضمها إلى هذه العينة التي
تحدثنا عنها اآلن في انتظار أن تخضع للتحقيق.
63
املبث مالثاينم
ل
اممتثـــالتمالثقافيةمم
التمثالت الثقافية الفصل األول
من البديهي جدا ،أن كل تمثل ثقافي لفئة النخبة بإيالة الجزائر يحيلنا مباشرة إلى
الحديث عن إسهاماتها الثقافية و طالئعها الوظائفية ناهيك عن أهم الشخصيات البارزة
في هذا اإلسهام و التي طمحت من خالله إلى تحقيق نظام سياس ي واجتماعي متوازن كما
قرروه في إنتاجاتهم املعرفية.
-1فئة املؤرخين
يقتض ي منا الحديث عن هذه الفئة اإلشارة إلى أن الخلفيات الفكرية التي بنى عليها
املؤرخون تصوراتهم أثناء كتاباتهم في تلك الفترة انطلقت من أبعاد دينية ،ذلك أننا نجد
أن األعالم الذين تميزوا في هذا املجال أغلبهم متصوفة ورجال دين وكثيرا ما اتصل التاريخ
عندهم باألدب ذلك ملا ورد في تآليفهم من صيغ أدبية وسجع في سرد األخبار ورصد
الوقائع والسير ثم أن املرجعيات التاريخية التي تراكمت خالل فترات مختلفة بين القرنين
01و 01م والتي سنشير إليها الحقا تدفعنا إلى استقراء التوجهات الفكرية لثلة من
النخب التي كتبت ألحداث فترة الدايات أو غيرها من الفترات التي سبقتها وضبط الغاية
منها و التي أساسها أن التاريخ آنذاك " كان تاريخا لكبار السياسيين" 1إذ أن الذهنية
الجزائرية في ظل الحكم العثماني لم ترق إلى مستوى فهم األسس البنائية لهذا العلم ،ولو
أن رجال الفكر أو النخب قد خلفوا لنا رصيدا من املرجعيات لكنها صنفت بتسميات
مختلفة كأدب الرحالت والتراجم والسير وغيرها و يعتبر أبو راس الناصري أول من حاول
الخروج من الحدود الضيقة التي وضع أساسها علماء تلك الفترة وأعطى للتاريخ بعدا
-1وردت العبارة عند أبو القاسم سعد هللا ،مرجع سابق ،ص582
64
التمثالت الثقافية الفصل األول
واسعا في كتابه "الحلل السندسية في شأن وهران و الجزيرة األندلسية" 1ولو أنه عبارة
عن منظومة شعرية سينية تقع في حوالي 030بيت سعى من خاللها إلى التأريخ للمؤرخين
املسلمين لكنه على األقل استطاع أن يكسب الصفة العلمية لهذا التوجه ،ملا كتبها تخليدا
لفتح مدينة وهران سنة 0129م ،2وتجدر اإلشارة أنه تالها شرح لها بالفرنسية صنفها
3Général G. Faure-Biguetفالتمثل الثقافي ملؤرخي هذه الفترة لتاريـخ الجزائر
في الحديث كما قدمته بعض الصيغ التأليفية لديهم هو تمثل قائم على التحوالت
السياسية و األحداث الكبرى التي استندوا عليها كثيرا في عناوين كتاباتهم ،إذ كان حادث
فتح وهران من األحداث الكبرى 4التي حملت دالئل مقدسة في نفوس الذين سجلوه ،فإلى
جانب أبي راس جاءت قبل ذلك أرجوزة ابن أحمد الحلفاوي التي شرحها له تلميذه
الجامعي 5مدحا للفتح األول لوهران ،6حيث جاء في قسمها األول نظم شعري حول فترة
حكم محمد بن علي بكداش داي الجزائر يقول فيه:
ملا أراد هللا بالدين جال***عن أرض وهران بني الكفر جال
-1أبو راس محمد الناصري ،الحلل السندسية في شأن وهران و الجزيرة األندلسية ،مع الترجمة إلى الفرنسية للجنرال
فوربيقي ،مطبعة بيير فونتانا ،الجزائر ،5118،ص.81
-2مرت فترة الحكم العثماني لوهران على مرحلتين .تبدأ الفترة األولى من سنة 5113إلى سنة 5182أما الفترة الثانية
فمن سنة 5112إلى سنة 5381وهذه األخيرة بدأت بعد توقيع اإلسبان التفاقية التنازل عن املدينة وبذلك فتحها
محمد بن عثمان الكبير عام 5112ويطلق عليه من قبل املؤرخين بالفتح الثاني ،أنظر يحي بوعزيز ،مدينة وهران عبر
التاريخ،ط ،2دار الغرب للنشر و التوزيع ،الجزائر ،2112،ص.211
-3الشرح جاء تحت عنوان Les vêtements de soie fine au sujet d’Oran et de la
،péninsule espagnoleن.م ،ص29
4
- Géneral G. Faure-Biguet, Histoire de l’Afrique septentrionale sous la
domination Musulmane, ed Henri charles-la vauzelles,paris,p.411.
-5اسمه الكامل أبو زيد عبد الرحمن الجامعي الفاس ي رحالة مغربي زار الجزائر ،واهتم كثيرا لرجز شيخه الحلفاوي
مفتي تلمسان الذي نظمه في أحداث الفتح األول ملدينة وهران عام ( 5111ـ 5113م) حيث تشير الروايات التاريخية
أن الحلفاوي قد طلب من الجامعي أن يقوم بشرح أرجوزته نثرا فشرحها وأضاف إليها معطيات تاريخية عن السلطان
العثماني أحمد األول ( 5118ـ 5188م) الذي تم الفتح في عهده.
-6مخطوط شرح أرجوزة الحلفاوي في فتح مدينة وهران ،املكتبة الوطنية ،الجزائر ،رقم ،2125وهي في حوالي 12بيتا
موزعة على 11ورقة ،أنظر امللحق رقم11
65
التمثالت الثقافية الفصل األول
وجاء تأليف عبد القادر املشرفي 0029ه0111/م) الذي سماه "بهجة الناظر في
أخبار الداخلين تحت والية اإلسبانيين بوهران كبني عامر" 2و الذي عبر فيه عـن النزاعات
التي وقعت بين املؤيدين لإلحتالل والداعمين له وبين املعارضين من املقاومين ،والذي
نلمسه عند هذا املؤرخ أنه قسم هذا الكتاب إلى ثالثة أقسام ففي القسم األول يذكر
اإلسبان و أصلهم و موطنهم وفي الثاني يرصد قبائل بني عامر و أصلهم و نسبهم و موطنهم
ثم يوضح الحكم الشرعي بالنسبة ملن وقف من بني عامر بجانب اإلسبان و بقي متعاونا
معهم أو تاب توبة نصوحا حيث يرى املؤرخون املستحدثون أن هذا الكتاب هو من
الرسائل التي مهدت لفتح وهران الثاني.3
و تعتبر نشاطات باشوات الجزائر ووالتها وأعمال الدايات من أولى املواضيع التي
امتدت إليها تآليف املؤرخين أوكتابهم أو مرافقيهم فيها حيث برز ابن ميمون وهو من
النخب الذين ركزوا اهتمامهم في كتابه الذي سماه " التحفة املرضية في الدولة
البكداشية" 4على سيرة الداي بكداش فاتح مدينة وهران عنوة و قدم وصفا دقيقا
للمعارك التي دارت بين اإلسبانيين و الجزائريين 1جالبا عدة قصائد شعرية أنشدها
الشعراء خالل املعركة حيث عمل كذلك على جرد وتسجيل قصائد شعراء فترة الدايات،
و يبقى إسهامه ذا أهمية بالغة ألنه يتعلق بمرحلة زمنية حاسمة وبذلك أعطى للتاريخ ميزة
خاصة وربطه بالسياسة رغم تخوف معاصريه من الكتابة في هذا املجال وبالرغم من ذلك
نجده جريئا جدا بنعت بعض الدايات بصفات بذيئة كنعته للداي مصطفى بالظالم
واملستبد وكذا ثناءه على آخرين ملا اتسموا به من أخالق رفيعة كثناءه على الداي حسين
خوجة الشريف2
وبصورة مركزة حول هذه النقطة فإن رسالة ابن رقية التي حملت عنوان " الزهرة
النيرة فيماجرى في الجزائر حين أغارت عليها جنود الكفرة" 3جاءت لتؤرخ للغزو اإلسباني
على الجزائر ومدى قوة السلطة في رد هذا الغزو والقضاء عليه وال نبالغ إذا قـلنا أن هذه
الرسالة هي مرجعـية أساسية في رصد أوضاع الجزائر السياسية خالل هذه الفترة 4خاصة
وأن ابن رقية كتبها بأمر من الباي محمد بن عثمان الكبير ،كما دون ابن سحنون
الراشدي الذي كان الكاتب الخاص للباي أرجوزة في وصف فتح مدينة وهران 5وطرد
اإلسبان منها على يد الباي محمد الكبير في كتابه ثغر الجماني ورد فيها:
-1تولى منصب الداي بعدما تمت تنحية الداي حسين خوجة الشريف
-2ابن ميمون محمد ،التحفة املرضية في الدولة البكداشية ،تحقيق محمد بن عبد الكريم ،ط،2الشركة الوطنية
للنشرو التوزيع،الجزائر،5135،ص.58
3
- Alphonse Rousseau, chronique de la régence d’alger, traduite par
manuscrit arabe intituléEl Zohrat-El-Nayerat- imprimerie du gouvernement,
alger,1841,p.214.
-4كمثال على دلك أنظر ،علي بن العيفاوي ،البعد الروحي في فتح مدينة وهران سنة ،5112مجلة الناصرية ،املجلد3
العدد ،5جامعة معسكر ،2151-2152،ص.212-235
-5الراشدي أحمد ابن سحنون ،الثغر الجماني في ابتسام الثغر الوهراني ،تحقيق الشيخ املهدي البوعبدلي،ط،5
عالم املعرفة للنشر و التوزيع ،الجزائر2158،
67
التمثالت الثقافية الفصل األول
وانطالقا من هذا النوع من األعمال ظلت عالقة هذه الفئة بالتاريخ عالقة جزئية مترابطة
من حيث اإلخبار و شروحات األراجيز وكذا املنظومات الشعرية ،وفي هذا السياق تبرز
أسماء المعة كان لها أكبر األثر على شرح الفنون الشعبية التي كان يتداولها األفراد باإليالة
نظرا ملا تحمله من غرابة في األلفاظ والصيغ التي كتبت بها فمن املؤكد علميا أن عدد كبير
من النخب التي كتبت في هذا املجال قد شاعت في كتابة مايطلق عليها باألراجيز فأرجوزة
بن عبد هللا التوجيني التي سماها "عقد الجمان النفيس في ذكر األعيان من أشراف
غريس" 1هي مخطوط ألهم أنساب العلماء الذين تتلمذ على يدهم التوجيني ،وقد وضع
عليه أبو راس الناصري شرحين سماهما " شرح العقد النفيس في ذكر األعيان من أولياء
غريس" و " شرح الجمان للشيخ عبد الرحمن" وشرحها كذلك محمد الجوزي املزيلي
وسماها " فتح الرحمن بشرح عقد الجمان".2
ومن جهة أخرى برزت مجموعة أخرى كتبت عن النعرات القبلية التي حدثت مع
مطلع القرن 01م والصراع على األرض في شكل روايات شعبية و أساطير ذات خطاب
محلي مثل بن عمر العدواني الذي سماه " كتاب األخبار في القصص على نسب بعض
األوطان وعارة سوف وأجوبة على مسائل وفوائد شتى" 3والذي قدم له وحققه أبوالقاسم
سعد هللا وهو يضم أخبار هامة عن األوضاع السياسية التي وقعت في تلك الفترة ألنه
يؤرخ لحياة القبائل التي استوطنت الجنوب الشرقي من الجزائر وتصاعد الصراع بينها
حول الواحات واملراعي وكذا آبار املياه في مناطق منعزلة عن نظام السلطة وكينونتها
-1أنظر عبد الرحمن بن عبد هللا التوجيني ،عقد الجمان النفيس في ذكر األعيان من أشراف غريس
"ق55هـ/ق51م" ،ط ،5دار الخليل القاسمي ،الجزائر ،2111 ،ص.82
-2نفس املصدر ،ص.12
-3محمد بن محمد بن عمر العدواني ،كتاب األخبار في القصص على نسب بعض األوطان وعارة سوف وأجوبة على
مسائل وفوائد شتى ،تحقيق أبوالقاسم سعد هللا ،ط ،5دار الغرب اإلسالمي ،بيروت،5113،ص.813
68
التمثالت الثقافية الفصل األول
ونذكر من بين هذه املناطق واد سوف والزيبان والجريد ونواحي تبسة ،فاملجال الذي كان
موضوع الدراسة عند العدواني كان تكريسا لسلطة قبلية بدوية بعيدة عن األراض ي التي
امتدت إليها سلطة الحكم العثماني.
فمن حيث هذه املرجعيات املقدمة أمامنا ،نجد أنها كانت بمثابة القنوات التي
ساعدت على خلق نوع من التحول الثقافي في صنع األفكار بغرض التأثير على مختلف
الطبقات اإلجتماعية فهي قدمت لنا وصفا دقيقا للوقائع التي حدثت فترة الدايات من
حيث أنها دلت على النشاط الذي يصف مجموعة من األداءات السلوكية التي قام بها
الدايات وأعيانهم تخليدا النتصاراتهم ضد اإلسبان وصنع العظمة في أذهان سكان اإليالة،
ثم أن توفر هذا الكم الهائل من املرجعيات من أراجيز ومنظومات شعرية أو كتابات
موصوفة جاء وفقا للطلبات الواردة من السلطة خاصة الباي محمد الكبير 1الذي كان
يطالب كتابه دائما ومرافقوه بتخليد مآثره وسنشير إلى ذلك بنوع من التفصيل أثناء
تطرقنا ملوضوع أدب الرحالت ونجد أن هذه اإلنتاجات تتفاوت شكال ومضمونا فهي تظهر
تارة على شكل أدب وتارة أخرى خطاب ديني وغالبا تأتي على شكل منظومات شعرية كما
سبق وأسلفنا.
فهي لم تتجاوز اإلطار الوصفي و السردي وتعتمد على نخب مقربة من السلطة حتى
ترض ي أهواء من طالب بها ،ومن األمثلة على ذلك مدح الحلفاوي في أرجوزته للداي
بكداش ومدح ابن سحنون للباي محمد الكبير فهذه املرجعيات هي متوارثة بين نخب
عديدة فرضتها الظروف السياسية ،العسكرية و املحلية خاصة وأنها تنساق في استعراض
رابطة قوية بين جزائريين وعثمانيين واستعراض توتر العالقة بين دولتين متصارعتين
الجزائر وإسبانيا مبينين الدور الذي لعبته السلطة في الحد من هذا التوتر وإنهاء مشكلة
-1من أهم انجازات الباي محمد بن عثمان الكبير هي الفتح الثاني ملدينة وهران ضد االحتالل االسباني 5112أنظر
ترجمة وافية عنه عند أبي راس الناصري املعسكري ،عجائب األسفار ولطائف األخبار،ص21
69
التمثالت الثقافية الفصل األول
الغزو األجنبي على السواحل الجزائرية و خاصة وهران على مرحلتين ،1مما ساهم في تدفق
الكتابات دون توقف ،وفي واقع األمر ،إن هذه الفئة جعلت كتاباتها برأيي ،تحتل مكانة
أساسية في نظر السلطة ألنها تجلت في صناعة النخبة السياسية وصناعة العظمة بشكل
تلقائي.
يمكن التمييز بين أكثر من اتجاه في تمثالتنا لفئة األدباء والشعراء 2الذين ذاع
صيتهم في أواخر العهد العثماني ،وذلك ألن نوع اإلنتاج الفكري الذي ضبطناه في كتاباتهم
يختلف من شخص إلى آخر فمنهم من يكمن منتوجه في التطلع إلى إندماج األعراب من
القبائل في نظام السلطة العثمانية ،ومنهم من يكمن أصل إنتاجه في املناظرات العلمية
التي جرت بينه وبين بقية العلماء من مختلف األمصار ،ومنهم من اتخذ منتوجه عرضا
لسيرته الذاتية وترجمة ملشايخه الذين تتلمذ على يدهم ،ومن هنا سنورد هذه التوجهات
التي حددت طبيعة العالقة بين النخب الثقافية والسلطة العثمانية في فترات متفاوتة.
حسب ماتورده لنا الدراسات الحديثة فإن األدب كان منحصرا في كتب الرحالت
التي كانت بمثابة تقييد لحركية السلطة السياسية وحياة العامة في كل زمان ومكان،
وبحكم تقرب أدباء الرحلة من السلطة أضحى إنتاجهم مصدر لكل الوقائع والظواهر
والحقائق التاريخية ملجتمعات تلك الفترة.
1
- Gregorio Sánchez Doncel, Presencia de España en oran (1509-1792),
Seminario conciliar, 24 de enero 1991, Estudio Teologico de san Ildefonso,
Toledo,1991,p.p783-868.
-2لتفصيل أكثر أنظر مسعودي مباركة ،صورة العثماني في الشعر الجزائري القديم ،مجلة تاريخ العلوم ،املجلد 11
العدد ،2جامعة زيان عاشور الجلفة 51 ،جانفي ،2151ص .212-225
70
التمثالت الثقافية الفصل األول
وعلى الرغم من إعطاء تلك الدراسات لألدب صورة سلبية في هذا املجال ،إال أن كتب
الرحالت في رأينا كانت رصيد مهم هدف رواده إلى رصد التحوالت النوعية التي عرفتها إيالة
الجزائر في أواخر الحقبة العثمانية.
ونؤكد أن أدباء الرحلة اعتكفوا على الرحلتين الجهادية و الرسمية إذ تجسدت
هذه األخيرة في رحلة ابن هطال التلمساني 1التي رصد من خاللها الصراع الداخلي الذي
كان بين الباي محمد الكبير و قبائل الجنوب الصحراوي2
إن الباي محمد الكبير 3هو من النخب الثقافية والسياسية الذين تولوا سلطة
بايلك التيطري فقاوم في الجيش العثماني و حض ي بمكانة راقية التي عرفتها الجزائر في
سيرته الجهادية والعلمية ،إذ أنه من البايات الذين عكفوا على تشجيع كتابة وتدوين
عدد كبير من الكتب النفيسة في عصره 0121-0112م وبناء مدارس للطلبة. 4
-1هو مستشار ،وكاتب محمد الكبير باي الغرب الجزائري ،ودبلوماس ي ،ومحارب عاش فترة القرن الثامن عشر.
-2ابن هطال التلمساني ،رحلة محمد الكبير باي الغرب الجزائري إلى الجنوب الصحراوي الجزائري ،5131حررها
وقدم لها محمد بن عبد الكريم ،املؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت ،2004 ،ص.521
-3اسمه الكامل هو الباي محمد بن عثمان بن ابراهيم الكردي وشاع عنه اسم الباي محمد الكبير ،كان واليا على
بايلك الغرب بإيالة الجزائر من 21جمادى الثانية5518هـ/جوان 5111إلى 21جمادى األولى5252هـ /نوفمبر 5111م،
أنظر:
-4تحدث عن الباي محمد الكبير ابن هطال التلمساني و ابن زرفة وأبوراس الناصري كما تحدث عن إنجازاته بن
عودة املزاري ومحمد يوسف امللياني ناهيك عن محمد بن يوسف الزياني كما وردت سيرته في مخطوط ملؤلف مجهول.
أنظر :مؤلف مجهول ،مخطوط نبدة سيرة الباي محمد الكبير ،باي معسكر ،فاتح ثغر وهران ،املكتبة الوطنية
الفرنسية ،رقم 2331،52ورقة ،تم جرد عنوان املخطوط باللغة الفرنسية كاآلتي:
71
التمثالت الثقافية الفصل األول
وما تقدم أمامنا فإن شهادة ابن الهطال تبدو ذات قيمة تاريخية هامة ،إذ خص
صفحات كتابه يسرد فيها أهم الغارات التي وجهها ضد القبائل املعادية له ،وقد أعطى لها
بعدا سياسيا وتنظيميا استراتيجيا لدرء خطر هذه القبائل ملا نزح من معسكر مرورا بجبل
عمور و البيضاء وآفلوا و الطويلة إلى أن وصل األغواط ودخلها بقوة ،1حيث اتخذ ابن
الهطال في سرده لرحلة الباي محمد الكبير طابعا رسميا ألن األصل في الصراع داخل إيالة
الجزائر بين السلطة والقبائل املعارضة لها كان له أهداف سياسية ،2ففي الوقت الذي
كانت فيه بعض النخب مؤيدة لهذا الوجود شاع إظهار الشقاق له من طرف عدد كبير من
القبائل وعلى رأسهم قبائل جنوب الصحراء ،فقد كان " الخروج عن قوانين السلطة " هو
املحوراألساس ي الذي دفع الباي إلى أن يجهز جيوشه ويتنقل إلى جنوب الصحراء ليتم
إخضاعها لسلطته بعد غاراته عليها.
وبالتالي فإن رحلة ابن الهطال تؤسس ملرجعيىة تاريخية رمزية أساسها الوجود
العثماني أمام تمرد األعراب من القبائل.
وإلى جانب رحلة ابن الهطال برزت رحلة ابن زرفة 3وهي من الرحالت الجهادية
التي لها صلة بالرحلة الرسمية والتي سبقت اإلشارة إليها ،فنظرتنا لهذا الرصيد تستجلي
الدفين بين طيات صفحاته حيث قسمها إلى مقدمة و أربعة فصول 4وهي تقييد حول
سيرة الباي محمد الكبير بطريقة تطبعها الدقة والشمولية وهي بمثابة هدية قدمها
صاحب الرحلة للباي تخليدا ملآثره في السلطة.1
والصنف اآلخر من أدب الرحالت الذي شاع في العهد العثماني ما خطه أبي راس
الناصري في كتابه " فتح اإلله ومنته في التحدث بفضل ربي ونعمته" وقد قسمه إلى خمسة
أبواب نوردها كما يلي:
وهو بمثابة ترجمة وافية لشخصه إذ يورد من خالله فروع العلم واملعرفة التي
كانت سائدة في وقته ،وله أيضا كتاب "عجائب األسفار ولطائف األخبار" 2و يطلق عليها
بالرحلة العلمية يوضح فيها عالقته بمشايخ األمصار التي هاجر إليها وانتقد علماؤها،
حيث إن األسس الثقافية التي بنيت عليها رحلة أبي راس الناصري هي انفتاحه على علماء
األمصار التي هاجر إليها كمصر وسورية وفلسطين فتركيزه على مناظراته العلمية
والحديث عن حالة العلم والعلماء ،تجعلنا أمام نموذج تحليلي يربط بين العوامل
الخارجية بالعوامل الداخلية لتوضيح البنى الثقافية التي تميزت بها السلطة آنذاك
فأبوراس الناصري من املشاركين في فتح وهران إلى جانب الباي محمد الكبير تمكن من
-1أنظر ابن زرفة ،الرحلة القمرية ،تحقيق مختار حساني ،مخبر املخطوطات ،جامعة الجزائر،2118،ص.513
-أنظر امللحق رقم 11
-2مخطوط أبي راس الناصري ،عجائب األسفار ولطائف األخبار ،املكتبة الوطنية ،الجزائر ،رقم ،5388وهو يقع في
511ورقة ،أنظر امللحق رقم13
73
التمثالت الثقافية الفصل األول
الوصول إلى درجة علمية جد راقية "سمحت له أن يجاري علماء املشرق ويناظرهم ويتفوق
عليهم" 1بشكل عام.
فوفق ماقدمناه استطاع أدباء الرحالت أن ينقلوا للمجتمع عدة أحداث سياسية
وعلمية التي كانت بارزة في ذلك الوقت فقد انتعشت الحركة األدبية في هذا املجال وخلقت
طبقة من الهواة التي عملت على إظهار منافسة عالئقية شديدة بين علماء الجزائر
ونظرائهم باملشرق أو الدول املجاورة كما ورد في رحالت أبي راس الناصري وأصبحت
املناظرات العلمية منذ ذلك الوقت األسلوب املهيمن في عملية بروز نخب متفاعلة مع هذا
النوع من الحركية ،كذلك أدى هذا النوع من اإلنتاج إلى تمثيل ذهنية السلطة وكل من
أشرف على النظم الخاصة بها ،واتضح ذلك فيما بعد بدعوة الباي محمد الكبير على
تسجيل نشاطاته في إخضاعه لكل من خرج عن اإلطار الذي رسمته السلطة لألفراد وكأنها
رسالة غير مباشرة للحد من قيام التمردات القبلية ببعض املناطق الجزائرية وإخمادها
نهائيا ،فكان من نتائج هذا اإلسهام اكتشاف األمكنة التي امتدت لها يد السلطة إذ بذل
أدباء الرحلة جهودهم في نقل فكرة القوة والعظمة التي استقرت في بالط الحكم العثماني
فترة الدايات.
لخضر بن عبد هللا بن خلوف 1الذي تأثر إنتاجه بنزعته الصوفية وتنبأ بأحداث نهاية
مرحلة حكم الدايات في ملحمة طويلة تناقلتها الروايات الشعبية وسجلها مدير
املدرسة الكتانية بقسنطينة قسطنطين لويس سونك Sonneck2في ديوان شعري
سماه الديوان املغرب في أقوال عرب إفريقية و املغرب ،ومن بين تلك الروايات تولي
رجل بايلك الغرب السلطة يسمى محمد يقول فيها:3
صلوا على النبي وارضو على العشرا
ياتي رجل سلطان اسمه محمد***بي ساعة العافية توقع الهجرا
ويسوق لنصارى بالزمل والزاد***وهللا ينصر يستعان بالغدرا
والشخص املقصود هنا في هذه امللحمة هو محمد بن عثمان الكبير الذي تولى سلطة
بايلك الغرب أواخر القرن01م ،واشتهرت عهدته باإلستقرار السياس ي وتقربه من
علماء الصوفية ورجال الدين.
فهؤالء كانوا ينضمون تنبؤات لألوضاع السياسية والعسكرية التي ستؤول إليها
اإليالة ،إذ ورد في نفس امللحمة صورة عن سوء األوضاع أواخر حكم الدايات يقول
صاحبها:4
-1هو األخضر بن عبد هللا بن عيس ى بن شريف اإلدريس ي املغراوي ،من شعراء الجزائر في القرن السادس عشر و
يعتبر من أشهر شعراء الصوفية ،اشتهر بكتابة إلياذة التي وصف فيها األوضاع التي ستؤول إليها الجزائر أواخر العهد
العثماني وتم تداولها بين العامة ،أنظر :قسطنطين لويس سونك ،الديوان املطرب في أقوال عرب افريقية و املغرب،
،Maisonneuveباريس ،5112 ،ص.512
-2هو مستشرق فرنس ي حيث قام بدراسة الشعر الشعبي امللحون واللهجة العامية لسكان شمال إفريقيا إذ في القرن
التاسع عشر كان الشعر يروى شفاهة ولهذا الغرض كتب دراسته سنة5112م ،أنظر :نفس املرجع،ص.282
-3ن.م،ص.512
-4ن.م ،ص.512
75
التمثالت الثقافية الفصل األول
وقد خلصت بعض التآليف الصوفية في نضمها الشعري إلى رصد التشابك القوي
الذي وقع بين السلطة وبعض الطرق الصوفية 4وعلى رأسها الطريقة الدرقاوية حيث
ينقل لنا الشاعر الشعبي بوعالم بن الطيب السجراري 5العمق القيمي التقليدي و الديني
الذي أدى بالطريقة الدرقاوية بثورتها ضد السلطة فأثناء قراءة القصيدة التي كتبت هي
األخرى باللهجة املحلية العامية يتضح لنا أن الصراع على السلطة كان سببا وراء هذه
-1أنظر :محمد قاض ي ،الكنز املكنون في الشعر امللحون ،تقديم أحمد أمين دالي ،منشورات مركز البحث في
األنثروبولوجيا اإلجتماعية والثقافية ،مطبعة ،AGPوهران ،الجزائر ،2111،ص513-518
2
- Dr Gemy, Étude sur la prophylaxie de la variole, ed Adolphe jourdan,
alger,1879,p40.
-3لإلطالع على نماذج من املنظومات الشعرية في هذا الشأن ،أنظر :صالح العنتري ،ممجاعات قسنطينة ،تحقيق
رابح بونار،الشركة الوطنية للنشر و التوزيع ،الجزائر،5112،ص.22-28
-4أنظر :ابن سحنون ،مصدر سابق ،ص.81-83
-5منسوب إلى سجرارة وهي قبيلة قريبة من بريقو التابعة لعمالة وهران آنذاك.
76
التمثالت الثقافية الفصل األول
األحداث إذ ينقل لنا ابن سحنون أبعاد عديدة ترسبت في هذا الصراع من خالل ما أشاده
شاعر الطريقة الدرقاوية:1
هذا يعني ،أن أدباء الصوفية ارتبطت أفكارهم باملعتقدات الشعبية املتوارثة عبر
األجيال و صاغوا مالحمهم كأداة لهجاء السلطة واستبعادها عن األحكام القيمية
التقليدية املتداولة في التراث الشعبي الجزائري منذ مطلع القرن الثامن عشر.
في حين أنهم نالو تنويه السلطة غب تجليهم في اإليالة والتي غالبا ما رضيت بشرف
املنزلة التي ارتقوا إليها 2آنذاك فجعلتهم قاعدة للسلطة الروحية باإليالة انتشت تآليفهم
بعد ذلك عبارات التوبة و الزهد و الفقر إلى هللا تعالى والتي كانت متعارفة بها سابقا.
وبتعبير آخر يمكن القول ،إن البحث في ظروف هذا التحول تعود بالدرجة األولى إلى
تقرب السلطة من هؤالء املتصوفة ،و من ثم فإن هذا التحول يوحي إلى القول كذلك بأن
هذه الفئة بتآليفها تجردت من محتوى التصوف لتتفاعل مع املؤثرات السياسية،
فاحتدم الصراع بينها وبين السلطة حول النفوذ في الداخل ذلك ملا تتميز به من تأثير في
املجتمع ،خاصة في املناطق الريفية وسنشير إلى ذلك في فصلنا الالحق.
فأدباء الصوفية تعدوا مجال التدين الروحي إلى الوالء للطريقة التي ينتمون إليها ،هذه
األخيرة التي صارت تعبر عن الوعي الثوري ،فالثقافة املحلية التي شاعت بعد ذلك في بعض
الطرق الثائرة ضد السلطة ال تتطابق مع أدباء املجالس الصوفية 1والذين تكونوا في
املدارس الدينية ،فقد أعيد بناء معتقد محلي آخر حولها النها عرفت تحوالت في الفترات
األخيرة من الحكم العثماني للجزائر بشكل يجعل حركيتها األدبية محصورة في نطاق ضيق
تجسد في الشعر الصوفي العامي.
-1كان من فحول هؤالء األدباء املذكورين ،عبد الكريم الفكون و ابن عمار و إبراهيم الدسوقي و أحمد املانجالتي ،
وغيرهم ،إذ لعبوا دورا فاعال في في محاربة البدع و األباطيل عن طريق التحاور فيما بينهم و تبادل معارفهم العلمية
فشاعت بينهم فكرة التقشف في الد نيا لطلب التقرب من هللا تعالى ،إذ حض ي كل قطب من هؤالء بترجمة وافية تنوه
باملكانة العلمية الراقية التي سموا إليها من طرف العلماء و الدارسين.
-2مسعود بن ساري ومشري بن خليفة ،صورة السلطان العثماني في األدب الجزائري القديم ،مجلة األثر ،العدد،2
جامعة ورقلة ،جوان،2151ص.81
3
- Delphin.G. Journal asiatique ou recueil de mémoires, d'extraits et de
notices relatifs àl'histoire, àla philosophie, aux sciences, àla littérature et aux
langues des peuples orientaux / publié par la Société asiatique, série N°11,
Tome04, Earnest le roux, 1914, p.371.
78
التمثالت الثقافية الفصل األول
العباس أحمد بن قاسم بن محمد ساس ي التميمي البوني كانت له عالقة علمية بشيوخ قسنطينة مثل -1هو أبو ّ
بركات بن باديس ،و مراسالت مع الباشا محمد بكداش و الباشا حسن خوجا و غيرهما له ديوان شعري في التصوف،
و معظم كتبه في الفقه و الحديث و قد بلغت نحو مائة كتاب ،أنظر ابن ميمون ،مصدر سابق ،ص.11
-2هو أحمد بن عبد هللا الجزلئري كان من الشعراء البارزين و له قصائد في املدح النبوي وموشحات أشاد بها ،أنظر:
ابن عمار ،نحلة الحبيب بأخبار الرحلة إلى الحبيب ،مطبعة فونتانا ،الجزائر5112،م،
-3هو عبد الرزاق ابن حمادوش الجزائري تتلمذ على يد الكثير من الشيوخ في الجزائر منهم الشيخ محمد بن ميمون
كما عاصر املفتي الشاعر ابن على و عبد الرحمن الشارف احمد بن عمار صاحب نحلة اللبيب و احمد الزروق البوني.
أنظر :أبوالقاسم سعد هللا ،مرجع سابق ،ص.221
-4ولد ابن سحنون في النصف الثاني من القرن 53في معسكر (الراشدية سابقا) وتوفي في النصف األول من القرن
51إذ إن كتاب «الثغر الجماني في ابتسام الثغر الوهراني» كفيل بتعريفنا به حيث يتضمن أرجوزته التي تحمل
العنوان نفسه ،واألرجوزة في وصف فتح مدينة وهران وطرد اإلسبان منها على يد الباي محمد الكبير .نشر عام
5112م
-5ابن سحنون ،مصدر سابق ،ص.511
-6أنظر :شوقي ضيف ،تاريخ األدب العربي ،ط ،5دار املعارف،القاهرة ،5111 ،ص.581
-7سعيد بن عبد هللا ،التلمساني املنشأ ،املنداس ي األصل .أبو عثمان شاعر امللحون ،درس اللغة واألدب وكل العلوم
النقلية في الشريعة و أصولها بتلمسان التي غادرها في عهد عثمان باشا عام 5131ه ودلك عقب الجرائم التي قامت
بها السلطة في اإلعتداء على أعيان املنطقة فهجا السلطة ومن آثاره "العقيقة" قصيدة المية في مدح النبي العربي
الكريم -صلى هللا عليه وسلم -نشرها الجنرال Faure - Bipuetمتنا وترجمة فرنسية ،بمقدمة وافية ،عد إلى :كتاب
معجم أعالم الجزائر ،ص.33
79
التمثالت الثقافية الفصل األول
األعيان ،فهجا السلطة وكل من تحالف معهم كمفتي تلمسان ابن زاغو" ،1وما يلفت
اإلنتباه هو أن صورة األتراك في قصائد املنداس ي يطغى عليها البعد السياس ي،
و تجدر اإلشا رة إلى أن الشاعر قد عاصر أحداث فترة الدايات وقدم من خالل
كتاباته تقريرا وصفيا ينقد فيه األوضاع التي آل إليها األعيان في اإليالة،
ويوضح تصوره الفكري على أن التواجد التركي بالجزائر جاء لغرض اإلستبداد
باألهالي.
وتأتي قصائد أخرى على نقيض ماورد في ديوان املنداس ي ففي الوقت الذي كتب فيه
ابن آقوجيل قصيدة من سبعين بيتا يصف فيها أحوال اإليالة ونخبتها من العلماء ويحث
فيها السلطة على الجهاد ضد اإلسبان سنة 0111م كان هناك عدد آخر من الشعراء
الذين برعوا في كتابة الرجز الطويل يتنبؤون من خالله بفتح وهران على يد محمد بكداش
باشا عام 0111م وعلى رأسهم الحلفاوي ،وحتى املدة التي تلت هذا الفتح فإن نظام
األرجاز في الكتابة الشعرية 2و املنظومات القصائدية بقي معمما على شعراء هذه الفترة
ذلك أن غياب اإلبداع النص ي والخيال الذهني الذي يفترض أن يكون مالئما في التأليف
الشعري كان من النماذج السائدة في كل القصائد الشعرية.
و يمكن أن نجزم بأن بروز فئة الشعراء في هذه الفترة كان مرتبطا بأحداث تاريخية
استثنائية فقط والتي سبقت اإلشارة إليها ،كما أننا ال نستطيع أن نصنف أعمالها ضمن
نمط اإلنتاج األدبي الفني فحسب رغم وجود عدد كبير من اإلنتاجات الشعرية التي تشيد
-1أنظر :سعيد بن عبد هللا التلمساني ،ديوان سعيد املنداس ي ،تقديم وتحقيق رابح بونار ،الشركة الوطنية للنشر و
التوزيع ،الجزائر،ب.ط.
-2عد إلى مخطوط شرح أرجوزة الحلفاوي في فتح مدينة وهران ،رقم ،2125وهي في حوالي 12بيتا موزعة على 11
ورقة ،املكتبة الوطنية ،الجزائر
80
التمثالت الثقافية الفصل األول
بالسلطة أو ترثي شخصيات بارزة فيها كوفاة آغا الباي مصطفى بوشالغم الذي رثاه
يوسف بن بغداد الزياني ،بهذه األبيات: 1
ومدح الباي محمد الكبير بعد فتح وهران الثاني عام 0129م حيث كتب أبو راس
سينية في شأن ذلك يقول فيها: 2
ّ
ومرتد النصر وفي الحلم ذو طخس شهم شجاع بحزم امللك متزر
***
قد كان ّ
مد من واجر إلى تنس فملك آل منديل تحت سلطانه
***
ّ
رصد من كلف يصع ومن سجس محمد بن عثمان نجم سعدهم
***
-1أنظراآلغا بن عودة املزاري ،طلوع سعد السعود ،تحقيق يحي بوعزيز،ج ،5دارالغرب اإلسالمي ،الجزائر، 5111،
ص.213
-2أنظر ،اآلغا بن عودة املزاري ،مصدر سابق ،ص .233-231
81
التمثالت الثقافية الفصل األول
يشيب رأس نهار دايم الغلس يشيب من حربه رأس الغراب وال
***
كما تعاطى في هذه الفترة شعراء كثر الشعر امللحون في وصف األحداث التاريخية.
ويعد بن قنون الحبيب 1من هؤالء الذين نافسوا شعراء عصره في مدح الباي محمد بن
عثمان الكبير ،فضال عن شعره في فتح وهران الثاني ووصفه للمعارك التي دارت خالل
هذا الفتح ونورد بيتا مماقاله الشاعر في شأن ذلك.
فهذا النمط من الشعر واألرجاز كان نظما مباشرا للوقائع و األحداث التي تكشف لنا
طبيعة العالقات التي ربطت نخبة الشعراء بالسلطة ،وهي عالقات مبنية على الوالء ،ففي
هذه التمثالت ،يعد "العامل الجهادي" أو ما يشار إليه بـ "فتح وهران" عامل تعبئة تعبيرية
في القصائد الشعرية ،حيث أنه ما يمكننا أن نؤكده أن بروز شخصيات في السلطة هي
التي فتحت مجال الحركية الشعرية في الجهاد الذي صار عنصرا فعاال يتردد في املقاطع
البيتية في الكتابة الشعرية .باملقابل ،فإن تاريخ هذه املرحلة يجسد بروز مجموعتين
خلقت فعالية في هذا املجال وصنعت رموزا سياسية بغية منح مكانتهم وسام شرف
- -1يعد الحبيب بن قنون املولود سنة 5135بمعسكر شاعرا مميزا ولديه رصيد لم ينشر ولكن موجود بشكل واسع في
كراريس ومخطوطات الفنانين ومحبي الشعر امللحون ملزيد من التفاصيل عد إلى:
Tahar Ahmed, Bengennûn Poète populaire de la plaine de Ġrîss, présentée par
Ahmed Amine Delaii,edition Crasc,Oran, 2013, 264 pages
-أنظر امللحق رقم 11
82
التمثالت الثقافية الفصل األول
يحتذى به حيث أسهم كل من أحمد بن القاسم البوني ومحمد املستغانمي 1في تخصيص
قصائد للداي بكداش باشا وأطلق عليهم بشعراء بكداش ويبرز ذلك جليا في منظومة
محمد املستغانمي الذي كتب تأليفا في شأنه سماه "الكوكب النائر في مدح أمير الجزائر"2
و التي تجسد النموذج املثالي على العالقة املوجودة بين السلطة و الشعراء كما تجلت
املجموعة الثانية في شعراء الباي محمد الكبير والذين ورد ذكرهم عند ابن ميمون في
التحفة املرضية إذ ال بد من االعتراف بفضل هذا األخير في جرده وتسجيله لقصائد
وشعراء تلك الفترة حيث يبقى إسهامه ذا أهمية بالغة إلى جانب ابن سحنون وأبي راس
وبن عالل القرومي واملازري البليدي.3
وتغير التمثل الثقافي حول حركة التأليف الشعري ومع ذلك تكاد تغيب اإلنتاجات
الشعرية بعد فترة بروزها و توقف عمليات الفتح و القضاء النهائي على الوجود اإلسباني
باملنطقة ،حين ذاك اعتبر مستقال عن السياسة إذ يبقى لنا أن نشير أيضا إلى أن الثورات
الشعبية التي قامت ضد الحكم العثماني في مراحله األخيرة هي التي تمخضت عنها بشكل
أساس ي فنون التعبير االحتجاجي ضد السلطة العثمانية إذ أضاف دح السنوس ي 4في بداية
القرن التاسع عشر نماذج أخرى من الشعر يؤيد فيها ماذهب إليه املنداس ي في هجائه
للسلطة من خالل إظهار الصراعات التي كثيرا ماكانت تقع بين السلطة و الطرق الصوفية.
املالحظ بشكل عام تشكل فئة من الخطباء التي كانت تؤدي دور اإلمامة في مساجد
الحواضر العلمية ،5والتي كانت رديفا لفئة املفتيين الذين ملعت أسماءهم آنذاك وشهدت
الجزائر في هذه الفترة بروز نخب تنتمي إلى أسر علمية أدت هذه الوظيفة كأحمد بن
سعيد بن ابراهيم قدورة الذي ربط وظيفته بالسياسة بدار السلطان وقد كان مفتي
املالكية حيث حكم عليه الداي محمد بكداش باالعدام سنة 0617م ،بعدما سجنه
رفقة أشقائه أحمد وعالل.1
إذ تأتي وظيفتي الخطابة واإلمامة في مقدمة الوظائف الثقافية التي تحددها
السلطة باإليالة ،فالخطابة كانت موازية بشكل أو بآخر لوظيفة اإلفتاء لهذا تعاظم دور
الخطباء الذين كان يتم اختيارهم من قبل السكان .2فلقد توالها من الجالية األندلسية
بدار السلطان أحمد زروق بن السيد محي الدين بن عبد اللطيف عام 0122م كما توالها
ببايلك الشرق بدر الدين بن محمد الفكون عام 0111م وتوالها من بالد الزواوة الحسين
بن محمد السعيد الورثيالني قبل عام 0112م وهو العام الذي توفي فيه وتوالها ببايلك
الغرب محي الدين بن مصطفى بن املختار مع مطلع القرن 02م بوهران وبمعسكر توالها
محمد أبوراس الناصري قبل قبل عام 0192م وهي السنة التي توفي فيها وتوالها بتلمسان
سعيد بن محمد العقباني ق01م أما بمازونة فقد توالها املهدي بن أحمد بن خدة وتوالها
ي عام 0102م3 أبوعبد هللا محمد بن املهدي الكتروس
و يحدد أبو القاسم سعد هللا معايير هذا اإلختيار إذ يقول أن الخطباء كان يتم
اختيارهم على أساس " الفصاحة وجودة الصوت و الجرأة األدبية"4
فإذا إنطلقنا من التسليم بأن هذه الشروط بنيت في معظمها على رؤى الجمهور
سيتوضح لنا الفهم بأن هذه الفئة كانت تتمتع بتقدير واضح من املجتمع وبإثارة مخاوف
السلطة .فعلى ضوء ما تم رصده من طرف سعد هللا يمكن تحديد هذا التأثيرعلى التمثل
التالي:
-1أنظر عادل نويهض ،معجم أعالم الجزائر ،مؤسسة نويهض الثقافية ،بيروت ،5131،ص.211
-2أنظر :أبو القاسم سعد هللا ،مرجع سابق ،ص.831
-3أنظر امللحق رقم 5
-4نفس املرجع ،ص.833
84
التمثالت الثقافية الفصل األول
تنافس العلماء الذين كانوا شغوفين ألقص ى الدرجات على هذا املنصب
وتوارثه من قبل األسر العلمية البارزة كان حكرا عليهم فاليجوز تداوله من طرف
أشخاص آخرين.
الخطباء و األئمة من منظور هذا التأثير أودى بالسلطة إلى اعتماد
جواسيس عليهم للحد من حرية ربط مواضيع خطبهم بالسياسة وباألخص
أن قوة تأثيرهم باملجتمع كانت تثير مخاوف السلطة كما أسلفنا وغالبا مايتم
عزل بعضهم ملا يثبت تعلقهم بالسياسة.
ويبدوا من هذا التمثل أن انبهار أهل الحي بخطيب ما هي التي كانت تقود السلطة لبث
النظر عن هذه الفئة فالوعي الذي ميز هذا الصنف من النخب وجه الكثيرين إلى التلذذ
بجرأتهم في نقد املواقف من السلطة و املجتمع فجعل هذا األخير يضفي عليها صفة
القدسية لتغلب النزعة الدينية على عواطفهم.
-4نقباء األشراف
يأتي نقباء األشراف في مقدمة الفئات النخبوية التي تمثل تأثيرا بارزا في نفوس العامة،
ُ ُ
وعلى مستوى السلطة فاألشراف في اللغة هو من الشريف ،والشرفة ،والشراف 1إذ في
خضم الوجود العثماني وبالتحديد مع القرن السابع عشر ظهرت هذه الفئة في اإليالة
واتسع نطاق نشاطها في الحواضر العلمية وصارت باألخص تتصدر الحسم في املواقف
الكبرى وعادة ماكان يطلق عليهم باملرابطون ملا اتصفوا به من تقوى وورع ،وورد عند
حمدان خوجة أن " نقيب األشراف واجبه أن يجتمع في بيته شيخ البلدة وسائر األمناء
التابعين له للبحث عن التدابير كلما حدث أمر هام" 2ومن نقباء األشراف الدين تولوا
هدا املنصب أحمد بن الحاج علي الزهار الدي تولى نقابة األشراف بدار السلطان ثم
الكتابة لدى أحمد باي قبل عام 0191وهي سنة وفاته .كما أورد التوجيني في كتابه عقد
-1أنظر :معجم املعاني الجامع ،عربي عربي .متاح على املوقع https://www.almaany.comحيث تم دخوله بتاريخ
2153/51/81على الساعة 52.12
-2أنظر :حمدان خوجة ،املرآة ،ص.31
85
التمثالت الثقافية الفصل األول
ولسنا بصدد التوسع في الحديث عن هذا املوضوع إال أنه البد من اإلشارة إلى أن
تصنيفها على مستوى النشاطات الوظيفية يأتي مباشرة بعد القضاة 2وكانت مقدمة على
فئة الوزراء ،األمر الذي أدى بالسلطة إلى إيالئها أهمية في اإليالة.
إن هذه األهمية التي أولتها السلطة لهذه الفئة ساهمت بفعالية في توسيع الفجوة بين
الشرفاء من املرابطين و بين العلماء من الشرفاء وأعني بذلك بأن نظام السلطة العثمانية
جعل من فئة العلماء ورجال الدين من الفئات التي لها األولوية في تولي مناصب النظم
اإلسالمية 3وتتقدم فئة العلماء في هذا النظام على بقية الفئات األخرى وبالتالي فإن نقباء
األشراف كانوا يختارون من بين العلماء ومن الشرفاء بالدرجة األولى كما يتم اختيارهم من
املرابطين بالدرجة الثانية وفي هذه الحالة يتم إلغاء سلطة نقيب األشراف على الزوايا و
الرباطات ألن نظام السلطة العثمانية هو نظام قائم على الفصل بين الدين و الدولة
ولهذا نفسر فتح وظيفة نقابة األشراف وغيرها من الوظائف التي تؤطر القضايا التي لها
عالقة بالدين ،وهذا مانبينه في الشكل املوالي:
السلطة
النظم الحاكمة
الداي
الوزير
الجيش
الوالة
نظم إسالمية
الدين
الدولة العلماء
رجال الدين
اإلسالم
إن مالمح اإلنشطار بين الدين والسلطة أدى في غالب األحيان إلى حدوث تصدع بين
النخب من نقباء األشراف و بين الحكام و تتفاقم األزمة في حال يتم ربط وظائفهم
بالسياسة فإما مصيرهم العزل أو اإلعدام ملن وقف موقفا معارضا من السلطة.
وتجدر اإلشارة إلى النخب من الذين تولوا هذه املهام ،حيث يورد ابن املفتي في تقييداته
إلى تولية عبد الرحمن املرتض ى الذي كان خطيبا بالجامع الكبير بدار السلطان في فترة
الدايات لخطة نقيب األشراف وكان والده قد توالها قبله ،كما توالها سيدي محمد من
ذرية الولي سيدي محمد الشريف 1وتوالها أبو عبد هللا الشريف بدار السلطان عام
0119م كما توالها أحمد الشريف الزهار 20121-0114وقد توالها قبل ذلك والده
علي الشريف بدار السلطان وتوالها أباحامد املشرفي ببايلك الغرب حيث يذكر على إثر
ذلك شرفاء تلمسان وشرفاء الشهرة بغريس الراشدية ومن أسره الشرفاء كبيت الشيخ
عبد القادر املشرفي وبيت أوالد األحمر وأوالد سيدي بوجالل وسيدي ابن عبد الحاج
وغيرهم.1
فإلى جانب ماأورده املشرفي والشريف الزهار في مذكرته فلقد رصد ابن املفتي في
تقييداته أهم النخب التي ارتبطت في أداءها هذه املهنة بالسياسة عبر فترات تاريخية
طويلة ذلك أنه قدم إطارا عاما لفهم الواقع الوظيفي في اإليالة ،فمع بروز طبقة الشرفاء
أخذ هذا املجال الوظيفي نصيبا له من بين السياسات التي خططتها السلطة العثمانية
حال دخولها الجزائر.
مع تأسيس إيالة الجزائر برزت تصورات جديدة لثقافة املجتمع والدولة ،والزم
ذلك حدوث تغيرات جذرية في بنى الفئات الثقافية املؤهلة لتولي مناصب وظيفية رسمية،
فبعد أن كان الخوض في بعض املسائل العلمية كاإلفتاء والفقه والقضاء مفتوحا لجمهرة
العلماء صار مقيدا بعد ذلك من قبل السلطة ومحصورا لدى فئات أسرية معينة 2إذ مع
ظهور املناصب القيادية الكبرى للسلطة العثمانية واحتكارها من قبل األتراك ،تم على
-1أنظر أباحامد املشرفي ،ياقوتة النسب الوهاجة وفي ضمنها التعريف بسيدي محمد بن علي مولى مجاجة ،مخطوط
باملكتبة الوطنية الجزائرية ،رقم ،8823ص.23-22
-2مثل أسرة محمد أبوراس الناصري ببايلك الغرب وملزيد من املعلومات أنظر ،بوكعبر تقي الدين الفقه و القضاء
املالكي في الجزائر خالل العهد العثماني قراءة في مخطوطة للشيخ أبي راس الناصر املعسكري ،مجلة املعارف للبحوث
و الدراسات التاريخية ،املجلد 2العدد ،2جامعة الوادي 21 ،ماي ،2153ص232-228
88
التمثالت الثقافية الفصل األول
صعيد آخر خلق وظائف دينية بعيدة الصلة عن املمارسات السياسية ،وصارت تستند
مشروعيتها ك" وظيفة رسمية " من خالل تولي فئة العلماء 1تسييرها والبث في مسائلها.
فمع ولوج عصر الدايات ،استحدث اإلفتاء كمنصب جديد في نظام الوظائف الرسمية
باإليالة إد قبل ذلك كان يمارس بشكل آلي كعلم قائم بحد ذاته ،ثم بدأ يتم تعيين
مجموعة من املوظفين التابعين لهيئة محددة في الدولة ،من ثم بدأ االنفصال بين وظيفة
اإلفتاء والفقه و القضاء ،تمهيدا إلقامة نظام وظائفي يتفق مع متغيرات النظام السياس ي
في السلطة وقد شاع في هذا املجال مجموعة من األسر العلمية 2توارثته كوظيفة تتداول
عليها العائلة ونذكر من بينها ال للحصر بيت قدورة ،بيت ابن علي ،بيت ابن العنابي ،بيت
الكتروس ي.
وبالرغم من ذلك أعاد بعض أبناء األسر العلمية الواردة الذكر النظر في هذه
املسألة لصالح السكان املحليين ،فكانوا يستشارون من قبل العامة ويخوضون في القضايا
الفقهية ،فتعاظم دورهم وتحولوا من موظفين بتعيين من السلطة إلى فقهاء ومفتيين
ونخب فاعلين مؤثرين في الحياة العامة.
وال بأس أن نذكر عينة من األفراد الذين تولوا هدا املنصب في هذه الفترة إذ تواله
بدار السلطان الحاج سعيد بن أحمد بن سعيد بن إبراهيم قدورة عام 0101و عبد
الرحمن بن أحمد املرتض ى في نفس السنة و أحمد زروق بن السيد محي الدين بن عبد
اللطيف عام 0122كما تواله علي بن محمد املانجالتي عام 0192وتواله ببايلك الغرب
أبوعبد هللا محمد بن سعد التلمساني ناهيك عن أبوعبد هللا محمد بن املهدي الكتروس ي
بمازونة عام.30102
إن التحوالت التي طرأت على تولية منصب اإلفتاء أواخر العهد العثماني أسفرت
عن إنتاج مؤلفات ذات قيمة تاريخية شاع عليها اسم كتب النوازل الفقهية إذا جاز
تطبيق هذا املفهوم على تلك الفترة ،ومن الكتب الرائدة في هذا املجـ ـال ن ـ ـوازل امل ـازوني
و الرماص ي وفتاوى الونشريس ي وأبوراس الناصر الراشدي املعسكري كما شاع على
اآلخرين التجديد في هذا املجال وعلى رأسهم ابن العنابي.1
هذا األخير الذي نلمح في كتاباته التي يتعاطى فيها األدب الدعوة إلى الصحوة اإلسالمية
منذ0191م 2والتجديد في النظم اإلسالمية ،إذ كثيرا ماكان يبين سخطه من األوضاع
اإلجتماعية محاوال بطريقة أوبأخرى تحرير قومه من األوهام على حد تعبير أبوالقاسم
سعد هللا 3التي كانت سائدة في تلك الفترة في كتابه " السعي املحمود في نظام الجنود"4
غير أن املوضوعات التي وردت في املخطوط بقيت محصورة فقط على جوانب
تنظيمية خاصة بالجنود وسنتحدث بشكل مفصل حول ذلك في صفحاتنا الالحقة.
حيث أن كتابات ابن العنابي في اإلفتاء تجسد عمـ ـال فك ـ ـريا في عص ـر املناظـ ـرات و
تضاربات اآلراء بين العلماء خالل ق 01م إذ يحيلنا إلى تعميق البحث أكثر في الحركية
الثقافية التي كانت سائدة آنذاك.
-6فئة القضاة
شاع نبذ عدد من النخب الثقافية لتولي منصب القضاء مثل عبد القادر املشرفي
و ابنه الطاهر املشرفي الذي تولى قضاء وهران مرغما من السلطة وقد كان هذا املنصب
مفتوحا على جميع األسر مقارنة بالوظائف الدينية األخرى التي كانت حكرا على فئة
محددة من العائالت العلمية والتي سبق اإلشارة إليها.
-1أنظر :أبوالقاسم سعد هللا ،ابن العنابي رائد التجديد اإلسالمي ،ط ،2دار الغرب اإلسالمي ،5111 ،ص.521
-2أبوالقاسم سعد هللا ،نفس املرجع ،ص.521
-3ن.م ،ص أ.
-4هو عبارة عن مخطوط خصصه املؤلف لنظام تنظيمي خاص بالجنود في تلك الفترة.
90
التمثالت الثقافية الفصل األول
ولم يعد من حق أبناء األسر االعتذار عن تولية هذا املنصب ،خاصة بعد ما أصبح
يتوفر فيهم الشروط الضرورية التي وضعها الفقهاء لتوليته ،وأهمها اإلملام بعلوم
الشريعة 1إذ صار من الضروري جدا أن يكون الفصل في القضايا الخاصة لعامة الناس
باإليالة يتم من طرف العلماء الذين قامت السلطة بتعيينهم ،2وأدى هذا اإلجبار إلى تأكيد
شمولية توريث هذا املنصب وتداوله بين أفراد األسر العلمية باعتبار أنهم كانوا الفاعلون
الرئيسيون في حياة العامة ،وبالتالي أصبح واجبا عليهم الخضوع لهذا التعيين.
وهناك عوامل خاصة كانت وراء هذا النبذ وأهمها املسؤولية الكبرى التي تقف على
عاتق القاض ي في إصدار األحكام إذ ال شك أن النخب الرافضة لتولية هذا املنصب قد
كانت تمهد لسحب شرعية توريثه ألبنائها بالرغم من املجهودات الجبارة التي قامت بها في
تنشئتها تنشئة سليمة.
ومع توطد القضاء كوظيفة دينية في املجتمع ،3أصبح مفهومه تعبيرا عن الوجاهة
العلمية التي تضفي الشرعية في توليته من قبل النخب املؤهلة له.
وبدأ هذا التمثل الحديث للقضاء كمنصب ديني مرتبطا بثالثة مناصب فرعية
نتجت عنه فاقترن به القضاة الفرعيون و العدول و املوثقون.
فتولية هذه املناصب الجديدة كانت تفرض أن تتم بتعيين من الداي وكانت
استمرارا للمناصب الدينية السابقة كالفقه و اإلفتاء بحكم أن العدول 4يتم تعيينهم من
-1أنظر بن حبيبة إيمان ،ملحة عن النظام القضائي في الجزائر أثناء الفترة العثمانية ،مجلة القانون الدولي و التنمية،
املجلد 3العدد ،5جامعة ابن باديس ،مستغانم ،ص531-511
-2عائشة غطاس ،الحرف و الحرفيون بمدينة الجزائر من ،5381-5111أطروحة لنيل شهادة دكتوراه دولة في
التاريخ الحديث ،ج ،5إشراف موالي بلحميس ي ،قسم التاريخ ،كلية العلوم اإلنسانية ،الجزائر ،السنة الجامعية
،2115-2111ص553
-3ملعلومات وتفاصيل أكثر عد إلى بوغدادة أمير ،املؤسسات في الجزائر أواخر العهد العثماني( القضاء نموذجا)،
مدكرة مقدمة لنيل شهادة املاجستير في تاريخ الجزائر خالل العهد العثماني ،إشراف احميدة عميراوي ،كلية اآلداب و
العلوم اإلنسانية،جامعة األمير عبد القادر للعلوم اإلسالمية ،قسنطينة ،2113-2111 ،ص.532
4
- venture de paradis, op.cit, p.25
91
التمثالت الثقافية الفصل األول
األئمة و الفقهاء وبالتالي فان هذه التولية تستند إلى نفس الشروط الوضعية ،التي كانت
تبنى عليها تولية املفتيون وأهمها اإلستقامة وإكتساب مكانة إجتماعية متميزة في حياة
األفراد.1
ناهيك عن منصب املوثقون الذي لم يكن مألوفا في بنية املجتمع آنذاك وبالرغم
من استحداثه من قبل السلطة إال أنه لقي إنتقادا بين جمهرة الفقهاء الذين طالبوا بإلغائه
من ضمن الوظائف الدينية بعد أن ثبت وقوع أخطاء من بعض املوثقين من غير النخب
املثقفة والذين لم يلتزموا بضوابط التوثيق بصفته مرتبة علمية شريفة فاشترط بأن تتم
توليته من طرف رجال العلم ،فلقد كان النخب من الفقهاء دائما يدعون إلى اإللتزام
بانتساب الوظائف الدينية 2الخاصة بالفروع القضائية إلى رجال العلم وبما أن الفكون
يعد من أبرز الدعاة الذين انتقدوا خطة التوثيق ،فقد بنى دعوته على أنها شرط من
حقوق عامة الناس التي ال يجوز التصرف فيها من قبل السلطة بشكل عشوائي ،و التي
يجب أن تقوم على تأمينها مما دفع بالسلطة إلى إلغاء منصب املوثقون ويفهم من ذلك أن
السلطة كانت تستمد سيادتها من سلطة األسر العلمية النافذة في املجتمع.
-6فئة املدرسين
لم تكن السلطة تهتم بفئة املدرسين ولم تعمل على تحسين أدائهم التربوي داخل
املنشآت التعليمية ال ماديا و المعنويا لكن هؤالء كانوا يحصلون على ترقية شرفية
معنوية من طرف املجتمع من خالل اتصافهم بالقدوة و السلوك الحسن بين
املتمدرسين ،3فمشاركتهم في وضع البرامج املوجهة للتالميذ وتفاعلهم مع مختلف
عمليات التكوين بكفاءة عالية ونوعية التعليم الذي كانوا يقدموه لألجيال جعلهم
-1أنظر مصطفى عبيد ،القضاء بالجزائر خالل العهد العثماني ،الدراسة متاحة على املوقع اإللكتروني:
https://www.academia.eduحيث تم دخول املوقع بتاريخ 2153/11/12على الساعة 53.81سا
-2أبو القاسم سعد هللا ،نفس املرجع ،ص833
-3عبدالقادر حلوش ،السياسة التعليمية الفرنسية في الجزائر ،5152-5315شركة دار األمة للطباعة و النشر و
التوزيع ،الجزائر،5111،ص51
92
التمثالت الثقافية الفصل األول
يكتسبون سمعة حسنة في بيئتهم مما جعل ترقيتهم تتم بشكل آخر من خالل
التزكية املعنوية ،وكانت هذه السمعة التي يتصفون بها تستجيب لشروط املجتمع
القيمية التقليدية في تنشئة أبنائهم على معارف املعلمين نتيجة حسن السيرة التي
كانوا يتصفون بها وسط األهالي ،1وال بأس أن نشير إلى بعض املدرسين الذين
اتصفوا بهذه الخاصية ال للحصر ،فقد اشتهر في دار السلطان كل من أبو عبد هللا
محمد بن سعيد قدورة ت 0121م و مصطفى بن رمضان العنابي ت 0101م و
رمضان بن يوسف العلج املشهور بابن علي ت 0111م و محي الدين بن عبد
اللطيف الذي تولى التدريس عام 0122م 2وفي نفس السنة برز بن موس ى النيقرو
كمدرس ونال شهرة و استحسانا وسط املجتمع و اشتهر في نفس البايلك أبوحفص
عمر املانجالتي ت0122م أما في بايلك الشرق فقد برز أبو راشد عمار الغربي
ت0121م بجامع سيدي علي بن مخلوف و أبوعبد هللا محمد بن أحمد القسنطيني
ت 0114م ناهيك عن شعبان بن جلول الذي تولى هذه الوظيفة عام 0111م وبرز
في نفس البايك أحمد بن قاسم البوني ت 0191م أما في بالد الزواوة فقد تجلى من
املدرسين في فترة الدايات كل من الحسين بن يحي بن أحمد الشريف و الحسن بن
أحمد زروق بن مصباح و حسين بن محمد صالح و محمد بن علي الشالطي ابن علي
الشريف وتجلت هذه الفئة بإقليم الزيبان كذلك فببسكرة برز الصادق بن
مصطفى البسكري ت0112م و محمد ابن أحمد بن عزوز البرجي ت0101م الذي
أسس زاوية على الطريقة الرحمانية و عبد الحفيظ بن محمد الخنقي ت0111م
والذي كان مقدما للطريقة الرحمانية أما ببايلك الغرب فقد تولى مهام التدريس في
هذه الفترة بوهران كل من الطاهر بن عبد القادر املشرفي و محمد بن عبد هللا
سقط و أبوحامد محمد العربي بن عبد القادر املشرفي ت0121م أما بمعسكر
-1أبو القاسم سعد هللا :تاريخ الجزائر الثقافي،5112-5381الجزء الثالث،الطبعة األولى ،دار الغرب اإلسالمي ،بيروت،
،5113ص.28
فقد برز أحمد بن التهامي ثم ابنه مصطفى بن أحمد بن التهامي ت 0111م كما تولى
هذه املهام محمد بن علي بن سحنون و محمد أبوراس الناصري ت 0191م في
نفس املنطقة.
وقد اشتهر من املدرسين بتلمسان محمد بن محمد شقرون املقري ت0111م الذي
كان إماما عاملا كما برز ضمن هذه الفئة الرحالة محمد بن عبد الرحمن اليبدري
التلمساني و أبوعبد هللا محمد بن سعد التلمساني 0141م أما في مازونة فقد تولى
مهام التدريس املهدي بن أحمد بن خدة و علي بن محمد0111م و تواله عبد
الرحمن بن علي بن الشارف املازوني و أبي عبد هللا املغيلي ،أما بمستغانم فقد برز
الطاهر بن حواء ت0120م والذي كان أستاذا باملدرسة املحمدية 1ولإلشارة فقد
صارت بعض املدارس تستقطب بسببهم عددا كبيرا من التالميذ الوافدين من كل
األقطاب الجزائرية حيث سنترجم لهؤالء في صفحاتنا الالحقة.
-1في رصد األعالم عد إلى :نويهض عادل ،معجم أعالم الجزائر ،مؤسسة نويهض الثقافية ،بيروت5131،
94
التمثالت الثقافية الفصل األول
أبو عبد هللا محمد بن سعيد قدورة ت 0771م من أكابر علماء مدينة الجزائر ،انتهت
اليه خطابتها وفتياها .قال في "تعريف الخلف" :شيخ الفقه والحديث ووارث الشرف
القديم والحديث ،عليه يعتمد في رواية اآلثار وتصحيح أسانيد األخبار1" ..
مصطفى بن رمضان العنابي ت 0903م مكنى بأبو الخير باحث ،فرض ي ،2من كبار
فقهاء الحنفية 3شاعر تلقى العلم على يد ابن شقرون التلمساني بمدينة الجزائر ومن
مؤلفاته:
أرجوزة في الفرائض
الروض البهيج بالنظرفي أمور العزوبة و التزويج
رمضان بن يوسف العلج املشهور بابن علي ت 0911م فقيه حنفي ينحدر من أسرة
كرغلية تولى منصب اإلفتاء الحنفي بالجزائر وكان يقرض الشعر4
أحمد الزروق محي الدين بن عبد اللطيف ت0987م هو مفتي مالكي 5تولى التدريس
بدار السلطان.
بن موس ى النيقروت0987م تولى التدريس بدار السلطان ونال شهرة و استحسانا وسط
املجتمع 1أبوحفص عمر املانجالتي ت0778م ينتسب إلى قبيلة مانجالت البربرية ببالد
الزواوة2
أبو راشد عمار الغربي ت 1305فقيه ،أديب وشاعر من أهل قسنطينة ولي إفتاء
املالكية وتولى التدريس بجامع سيدي علي بن مخلوف.
من مؤلفاته:
حاشية على شرح إبراهيم الشبرخيتي على املختصر في فروع الفقه املالكي3
أبوعبد هللا محمد بن أحمد القسنطيني ت 1024من أهل قسنطينة ولي إفتاء
املالكية وتولى التدريس بها أخذ عن أبي عبد هللا محمد املقري وأخذ عن الشيخ
محمد بن عبد املؤمن بدار السلطان كما أخذ عن الشيخ محمد بن سعيد قدورة4
شعبان بن جلول تولى منصب القضاء الحنفي و تولى وظيفة التدريس عام 0671
بعد أن عينه صالح باي في تأطير التعليم باملدينة.
وحول النخب القسنطينية املؤطرة للتعليم نظم الشعراء أبياتهم في مدح الشهرة
العلمية التي تميز بها مدرسوها إذ قال الحسين الورتالني في منظومته:5
أحمد بن قاسم البوني 1ت 1026شاعر تولى التدريس ببايلك الشرق شاع عنه أنه
كان مقربا من السلطة خاصة مع الباشا محمد بكداش إذ برع في العلوم النقلية وخاصة
الحديث النبوي الشريف الذي أخذه عن العالمة علي يحي الشاوي وكان رحالة حيث أجازه
العالم عبد الباقي بن يوسف وأجازه حسن بن سالمة الطيبي بمصرمن تالمذته عبد القادر
الراشدي القسنطيني
ومن مؤلفاته
-1أنظر ترجمته بإيجاز عند :محمد بن محمد مخلوف ،نفس املصدر ،ص881
ّ
الذخر األسنى بذكر أسماء هللا تعالى ُ
الحسنى ،تحقيق محمد شايب شريف ،دار ابن حزم، -2أنظر البوني،
بيروت،2158،ص88
97
التمثالت الثقافية الفصل األول
الحسين بن يحي بن أحمد الشريف ترجم له الورتالني حيث عاش في القرن06م وتولى
تدريس الفقه ببالد الزواوة ولم تذكر املصادر تاريخ وفاته إذ تتلمذ على يده سيدي يحي بن
الواثق. 1
الحسن بن أحمد زروق بن مصباح فقيه ومدرس شاع في علم الحديث وتدريسه وفق
كتب السنة كصحيح البخاري ومسلم عاش في القرن03م حيث تولى التدريس بمعهد بني
يعلى العجيس ي ببالد الزواوة 2لم تذكر املصادر تاريخ وفاته وتحدث عنه الورتالني في
رحلته.
حسين بن محمد صالح وفق ماورد في الرحلة الورتالنية فقد عاش في القرن06م كان
من أعالم التصوف حيث تولى التدريس ببالد الزواوة في هذه الفترة تتلمذ على يده أحمد
بن حسين الذي نال مكانة شرفية في مجتمع املنطقة حيث كان يعتقد الناس في كراماته
وماشاع عنه أنه كان يلعب دور الوساطة بين السلطة والقبائل املتمردة عليها خاصة فترة
حكم فرحات باي. 3
-1الورتيالني ،مصدر سابق ،ص 512ينظر لزغم فوزية ،مرجع سابق ،ص811
-2أنظر الحسني القاسمي عبد املنعم ،أعالم التصوف ،ط ،5دار الخليلي القاسمي للنشر و التوزيع،الجزائر،ص12
-3الورتالني ،مصدر سابق ،ص 31-33ينظر لزغم فوزية ،مرجع سابق ،ص822
98
التمثالت الثقافية الفصل األول
محمد بن علي الشالطي ابن علي الشريف كان شاعرا تولى التدريس في هذه املنطقة التي
انتشرت فيها الزوايا بشكل كبير 1واشتهر بالتأليف في مجال الفلك الديني ونقصد هنا
ضبط مواقيت الصالة واملناسبات الدينية مثل حلول األشهر الهجرية كمحرم ومن
مؤلفاته معالم اإلستبصار وكتب في مدح الرسول صلى هللا عليه وسلم ناهيك عن
تقييدات فلكية ترصد مالحظاته حول زلزال بالد القبائل عام0612م
مؤلفاته
-1أنظر بن اسماعيلي محمد ،مشايخ خالدون و علماء عاملون ،دار الهدى ،مركز البحوث االجتماعية
بجامعة ميشيغان بالواليات المتحدة األمريكية،2115،ص.528
قام بنسخ كتاب شرح املنظومة الرحمانية للشيخ مصطفى باش تارزي في
27رجب0211هـ.
ونسخ كتاب وسيلة املتوسلين في فضل الصالة على سيد املرسلين للشيخ
بركات بن أحمد العروس ي جمادى األول 0268هـ.
ألف كتاب تبصرة الذاكرين في طريق السالكين في 26رمضان 0268هـ.
ألف كتاب تحفة السلوك ملقام امللوك في شعبان 0261هـ.
ألف كتاب رسالة دائرة األولياء في ذي القعدة 0231هـ.
100
التمثالت الثقافية الفصل األول
محمد الصديق الخنقي أما شيوخه فقد أخذ العلوم الشرعية على يد الشيخ
الصديق الونجني والشيخ محمد بن عزوز البرجي وتولى التدريس بزاوية بن عزوز
البرجي.
مؤلفاته
كتاب الحكم عام0381
الجواهر املكنونة في العلوم املصونة
غاية البداية في سر حكم النهاية
هو دح املشرفي الوهراني املعسكري ،قاض ،باحث ،أستاذ باملدرسة املحمدية بخنق
النطاح ومن فقهاء املالكية 1أخذ العلوم الشرعية عن أبو محمد عبد القادر بن عبد هللا
بن محمد بن أحمد بوجالل بوهران وأخذها كذلك عن محمد املرزوق والسيد محمد بن
عبد هللا املنور بتلمسان كما أخذها عن شيخه محمدالربيع الڨرومي بإقليم الراشدية.
مؤلفاته
إبراز املعاني من غوامض ألفاظ التفتازاني
شرح خطبة الشيخ السعد التفتازاني من كتاب ابراز املعاني من غوامض األلفاظ
شرح كتاب النصيحة الزروقية
ومن تالميذه السيد السنوس ي بن عبد القادر بن دح 1الذي رثاه بقصيدة قال فيها :
أال إن املنـايــا عـدت عـلي ــك *** فارزقنا ما آنا نصطفي ــه
وهل يصفوا الزمان لنا وينخوا *** فمثلك خير شيخ تقتفي ــه
وهل يرض ي غريسا من سواك *** لعمري ما سواك بمرتض
هو عالم أخذ العلم النقلي عن والده محمد بن علي بن سحنون الذي كان قاض ي من
قضاة معسكر في عهد الباي محمد الكبير إذ ترعرع بمنطقة غريس "كان ابن سحنون من
العلماء املالزمين لبالط الباي محمد الكبير .وقد أشرف على املدرسة التي بناها هذا األخير
في مدينة معسكر -عاصمة البايلك -كما أشرف على تعليم الباي عثمان -ابن محمد
الكبير"3
مؤلفاته
-1أنظر ترجمته املفصلة عند عبد الحي الكتاني،فهرس الفهارس واالثبات ومعجم املعاجم واملشيخات واملسلسالت،
ص.113
-2ملزيد من املعلومات حول هذه الشخصية أنظر لونيس ي ابراهيم ،مصطفى ابن التهامي 5333-5133العالم ورجل
دولة ،مجلة عصور ،املجلد ،2العدد ،5جامعة وهران 81 ،جوان ،2112ص11-15
-3أنظر غالم محمد ،ظاهرة الزلزال في األسطوغرافيا الجزائرية التقليدية -بين الذاكرة والتاريخ ،مجلة إنسانيات،
العدد ،18مركز الكراسك ،وهران ،ص.31-21
102
التمثالت الثقافية الفصل األول
ديوان"عقود املحاسن"
" الثغر الجماني في ابتسام الثغر الوهراني ".
طب القاموس ،وضعه بتكليف من الباي.
برزت حركة تأسيسية في هذه الفترة لجملة من املدارس العربية اإلسالمية ،2نذكر منها
العلى سبيل الحصر تشييد مدرسة سيدي محمد بن عبد الرحمن بجرجرة ومدرسة
قرومة شرق العاصمة و مدرسة صالح باي بقسنطينة وحسب ما ورد في تقارير
الفرنسيين وعلى رأسهم تقرير دوماس 3فلقد كانت هذه الحركة التأسيسية تتخذ شكلين
متباينين:
فالشكل األول تجسد في إقامة نظام تربوي يعتمد على صقل شخصية األفراد من أ-
خالل تدريس املنطق وامليثافيزيقا و الحقوق لتحقق لهم إمكانية التأقلم مع بيئاتهم
اإلجتماعية.
أما الشكل الثاني فتمثل في إكساب املتعلمين املهارات األساسية من خالل تعلم ب-
الهندسة و علم الفلك و علم الجداول ومن تلك املهارات القدرة على تحديد أوقات
الصلوات الخمس في أوانها.
ونظرا لذلك قررت إدارة األوقاف الخيرية إقامة زوايا مجاورة لتلك املدارس بهدف
إيواء الطلبة وضمان تعليمهم وهذه الظاهرة تم توارثها منذ الفتح اإلسالمي لبالد املغارب إذ
كانت البرامج التدريسية بهذه املؤسسات تهدف إلى التأسيس لقواعد الدين اإلسالمي
وترسيخه ،ولإلشارة فإن البرامج التعليمية آنذاك كانت جد مكثفة بهذه املؤسسات إذ كان
يتم في املرحلة اإلبتدائية تدريب املتمدرس على حفظ القرآن الكريم و املبادئ األساسية
-1في رصد األعالم عد إلى :نويهض عادل ،معجم أعالم الجزائر ،مؤسسة نويهض الثقافية ،بيروت5131،
2
Archives de la wilaya d’Oran , Écoles coraniques, Dossier n°4064.
-3عبد الحميد زوزو -نصوص ووثائق في تاريخ الجزائر املعاصر ،موفم للنشر ،الجزائر ،2151 ،ص.213-211
104
التمثالت الثقافية الفصل األول
للحساب أما في مرحلة التعليم الثانوي فاتصفت املقررات التدريسية بشقين متباينين
تجسد الشق األول في التركيز على املعارف النقلية املتمثلة في علم الحديث و تفسير القرآن
الكريم وكذا أصول الفقه أما الشق الثاني من البرامج فارتكزت مقرراته على املعارف
العقلية كتدريس الفلسفة و علم الفلك و الحساب .1وأكدت تقارير الفرنسيين 2و التي
خصصت لوصف الحالة الثقافية للجزائر العثمانية بداية القرن 02م ،أن هذه البرامج
كانت موحدة في جميع أنحاء الجزائر وأن هذا النوع من التعليم كان منتشرا بكثرة في املدن و
القرى وكانت املدارس املشرفة عليه تحتفظ باملخطوطات التي تجسد الحركة اإلنتاجية
العلمية لها.3
وكانت املقررات الدراسية توضع من قبل فئة املدرسين الذين عملوا على نشر
سياستهم التعليمية بين األهالي ألنهم كانوا يرون أن تعليم الجزائريين يشكل محفزا على
مستقبل مكانتهم اإلجتماعية بين شرائح كبيرة من املجتمع خاصة وأنهم كانت لهم سمعة
تخلق دافعية جذب عدد كبير من املتمدرسين إليهم ،لهذا أنشأوا مدارس خاصة بكل
املستويات اإلقليمية والتي كانت تستقطب حتى أبناء األرياف و الفالحين مثل مدارس
قسنطينة التي تراوح عدد متمدرسوها بين 111و 111ألف تلميذ 4ومدارس تلمسان.5
و أول خطوة تعليمية أقرها املشرفون على تلك املدارس هي إرساء مبدأ مجانية التعليم
و سموه التعليم الحر 6إنطالقا من املستوى الثانوي إلى التعليم العالي وفتحوا على أنقاضه
مدارس ملحقة باملساجد ،فانتشرت املؤسسات التعليمية بكثرة آنذاك وتفاوتت بين
-1أنظر عبد القادر حلوش ،سياسة فرنسا التعليمية في الجزائر،الطبعة األولى،شركة دار األمة ،الجزائر،5111،
ص88-82
-2أنظر هذه التقارير وعلى رأسها تقارير الجنرال دوماس عند عبد الحميد زوزو ،نصوص ووثائق في تاريخ الجزائر
املعاصر ،موفم للنشر ،الجزائر ،2151 ،ص.213-211
-3أنظر سعد هللا أبوالقاسم ،تاريخ الجزائر الثقافي،5381-5153ج،2ط،5دار الغرب اإلسالمي،بيروت5113،
4لإلشارة قد نعتته كتابات املؤرخين بالتعليم األصلي .ملزيد من التفاصيل أنظر :أبو القاسم سعد هللا :تاريخ الجزائر
الثقافي،5112-5381الجزء الثالث،الطبعة األولى ،دار الغرب اإلسالمي ،بيروت ،5113 ،ص.23
5
- Turin Yvonne, Affrontement culturels dans l’Algérie Coloniale (Écoles,
médecines, religion)1830-1880, ENAL, Alger,1983,p 127-128.
6أنظر الشرح املفصل عند عبد القادر حلوش ،سياسة فرنسا التعليمية في الجزائر ،ص.81
105
التمثالت الثقافية الفصل األول
املدارس اإلبتدائية القرآنية و معاهد التعليم العالي و عمل وكالء الشؤون الدينية على
إعطاء التعليم العربي اإلسالمي للجزائريين و يدخل هذا في إطار اهتمامات مؤسسات
األوقاف الخيرية التي كانت تعمل دائما على تشجيع شرائح اجتماعية جزائرية كبيرة على
اإللتحاق باملنشآت التعليمية غير أنها كانت تأخذ توجهات دينية وكان يطلق عليها باملدارس
العربية اإلسالمية ،و كان الهدف منها العمل على تعليم الجزائريين تعليما أصليا و حصر
مهمة املدرسة في تكوين نخب يتسنى لها التكيف مع شتى التغيرات التي قد تطرأ على املجتمع
على املدى البعيد.
-1من بين ذلك تقارير كاميل ألفونس تريزيل بودو ( 1يناير ،5131باريس 55 -أبريل ،5331باريس) كان املدير العام
الفرنس ي ،وزير الحرب خالل النظام امللكي بفرنسا .وكان مساعد رئيس األركان العامة في حملة موريا ،وعمل في 5381
على الغزو الفرنس ي للجزائر ،حيث عانى من هزيمة كارثية في معركة املقطع ،أنظر Camille Alphonse
Trézel", in Adolphe Robert and Gaston Cougny, Dictionnaire des
parlementaires français (1789-1891), Bourloton, Paris, 1889
106
التمثالت الثقافية الفصل األول
فقد قدم لنا معاصر األحداث الجنرال تريزال بودو 1شهادة تهدف إلى تحديد
خصائص التعليم العربي اإلسالمي في أواخر العهد العثماني بمنطقة قسنطينة و
املدارس امللحقة بهذا النوع من التعليم حيث تناول في فكرته األولى من شهادته التي
وردت تحت عنوان "تقرير عن التعليم األهلي بالجزائر" 2اإلطار التاريخي للتعليم
بمنطقة قسنطينة ،وقد حصره في فترة أواخر التواجد العثماني 0121م إلى غاية
سنة 0121م باعتبارها سنة اإلستيالء على املنطقة من طرف الفرنسيين و التي عثر
فيها على ثالثون مسجدا و سبع مدارس للتعليم الثانوي و 21مدرسة إبتدائية ،وفي
الفكرة الثانية قدم إحصائيات للتالميذ امللتحقين بهذه املدارس والتي كانت تتسع
ل 111تلميذ في مؤسسات التعليم الثانوي أما املدارس اإلبتدائية فتستقطب 0211
تلميذا ،3كما تحدث عن نظام تأسيس هذه املدارس في املنطقة وفق نظام مؤسسة
األوقاف ،و استعرض مسار التنظيم الداخلي و التقليدي لها فأشار إلى نفقات صيانتها
التي أرجعها إلى عائدات األحباس ،وبين لنا بوضوح تام تعيينات أساتذة التعليم الثانوي
الذين كان يتم تعيينهم من طرف الداي بعد اقتراحات الناظر املتصرف في األوقاف و
املنتخب من قبل هيئة العلماء كما تطرق إلى أعباء التعليم التي كان يتلقاها األساتذة
والتي كان مصدرها عادة من عطاءات أولياء التالميذ من خالل املنح املادية من هدايا
وأموال تقدر قيمتها ب 21فرنكا من العائدات السنوية.
وما تقدم أمامنا فإن شهادة الجنرال تريزال بودو تبدو ذات قيمة تاريخية هامة،
فقد استفادت منها الدراسات الحديثة مثل دراسات حلوش عبد القادر الذي كان
مهتما بتاريخ التعليم بالجزائر في العهد الحديث.
1
- Archives d’outre-mer d’Aix en-Provence (A.O.M) série H229
-2التقرير مترجم إلى العربية عند :عبد الحميد زوزو -نصوص ووثائق في تاريخ الجزائر املعاصر ،موفم للنشر،
الجزائر ،2151 ،ص225-251
-3نفس املرجع ،ص.251
107
التمثالت الثقافية الفصل األول
و خص الجنرال تريزال بودو صفحات تقريره يسرد فيه أهم برامج الدراسات العليا
بمدارس قسنطينة هذا البرنامج الذي شمل عدة معارف منها الفلسفة كالتي تدرس
بفرنسا.
وقد أعطى بودو للبرامج التعليمية بعدا قانونيا تنظيميا لبعض املعارف الدينية
كالفقه الذي اختصره في مصطلح الحقوق معتبرا أن السياسة التعليمية بقسنطينة
العثمانية تميزت باتجاهاتها التنظيمية إذ تستند إلى فكر تربوي الختراق مجاالت الحياة
الخاصة و الشؤون العامة و من الوسائل التي اتخذتها إدارة األوقاف لتحقيق ذلك هي
تفعيل نشاطات الزوايا التعليمية و تقديم التسهيالت الالزمة لألساتذة من أجل تقديم
تعليم مميز لتالميذ املنطقة وماجاورها من عشائر.1
ف ـالجنرال تريزال بودو اهتم بسرد بعض التفاصيل عن السلوكيات التعليمية لسكان
منطقة قسنطينة ،فأشار إلى أحداث أخرى سبقت مرحلة اإلحتالل الفرنس ي للجزائر،
خاصة تلك الوقائع التي جرت في عهد الدايات ،ففي سياق حديثه عن النظام الداخلي
للمؤسسات التعليمية في أواخر العهد العثماني يدلي تصريحا واضحا على أنه خرج عن
روح عصره في عدم اإليمان بأن فرنسا جاءت لتنقل رسالة حضارية إلى الجزائريين فهو
يقول وهو يصف إستيالء الفرنسيين على قسنطينة 2مثال..." :و هكذا تردى وضع
األساتذة نحو التذمر و الفقر ،وتبعه انخفاض في مستوى التعليم مدة و انتظاما ".3
ومهما يكن فإن املنهج الذي سار عليه الجنرال تريزال بودو في تأليفه هو منهج
كالسيكي ،كان املقررون الفرنسيون قد تعودوا عليه فهو يعترف في بداية تقريره 4عن
مكانة قسنطينة التعليمية مقارنة بمدارس الغرب و الوسط الجزائري ،ثم ينتقل ليؤكد
- Archives d’outre-mer d’Aix en-Provence (A.O.M) série H229
1
108
التمثالت الثقافية الفصل األول
و في سياق متصل ترجم لنا الجنرال تريزال بودو من خالل إحصائيات و معطيات
علمية عدد املدارس التي بقيت بعد سقوط نظام العثمانيين في هذه الفترة وعدد
التالميذ الوافدين إلى املدرسة في التعليم االبتدائي و الثانوي وصرح في تقريره عن
توافد أبناء سكان العشائر املجاورة لقسنطينة إلى املدرسة بمالحظته انخفاض عدد
تالميذها على نقيض املعطيات التي مثلتها فترة الدايات 0121-0110م .
و الظاهر أن اهتمام بودو بطرح هذا املوضوع انطالقا من معطيات إحصائية وردت في
األرشيف الفرنس ي جاء لينفي مقولة 1 Oberléأن فرنسا جاءت لتجسد املدنية لدى
الشعوب املتخلفة و بالتالي نجد أن تقارير الجنرال تريزال بودو حملت بعدا ثقافيا
واسعا من خالل مقارنة املعطى التاريخي بسنة 0121بمعطيات فترة التواجد
العثماني بالجزائر.
و أعطى دليال آخر في تقريره ملوضوع اإلزدهار التعليمي للمنطقة ،حيث أشار إلى أنه
إذا كان أساتذة بعض املناطق املجاورة ملنطقة قسنطينة قد تجاوبوا للتدريس
باملدرسة العربية اإلسالمية فلقد تدخل في هذا التجاوب عامل أساس ي و هو اإلمتيازات
التي كانوا يتمتعون بها في هذه املدارس ذلك أن معدل املنح املخصصة لهم كانت تصل
إلى 911منحة سنويا 2ناهيك عن السكن املجاني و املؤونة الغذائية الضرورية و التي
تلبي حاجيات أسرهم و بالتالي أعطى لتقريره بعدا سياسيا ثقافيا و يبرز ذلك من خالل
109
التمثالت الثقافية الفصل األول
املعطى التاريخي الذي وضح من خالله فشل سياسة فرنسا التعليمية في الجزائر بعد
استيالئها على املناطق ذات الصرح التعليمي الرفيع.
من خالل ماتقدم أمامنا من تقارير فإن تقرير الجنرال تريزال بودو يحمل ميزة خاصة
ألنه تناول املوضوع من وجهته الخاصة و اتخذ بعدا مميزا في طرحه للفكرة فكان أوسع
من حيث تعاطيه للدراسة التاريخية مقارنة بدراسات الفرنسين التي تصف هذه الفترة
بالتخلف و اإلنحطاط حيث أظهر عدة فوارق وأهمها الفارق املكاني إذ تناول موضوع
التعليم في منطقة ذات سمعة علمية راقية .ناهيك عن الفارق الكرونولوجي الذي يبرز
في حصر بودو دراسته من فترة سلطة الدايات إلى غاية اإلستيالء على قسنطينة من
طرف الفرنسيين سنة 0121م.
إذ على إثر ذلك نجد أن طرح الجنرال تريزال بودو حمل مفارقة كرونولوجية عجيبة،
جعلتني أخلص إلى التقييم التالي:
أن التعليم العربي اإلسالمي كان مزدهرا فترة التواجد العثماني بالجزائر لكنه
تراجع عند اإلستيالء على الجزائر من قبل الفرنسيين ألنه أصبح يشكل عائقا كبيرا
أمام سيطرة سلطات اإلحتالل الفرنس ي على املنطقة فالدراسات و األبحاث التي قام بها
الجنراالت الفرنسيين تبين أن املنطقة كانت تتكون من عناصر نخبوية محافظة ذات
كيان وطني منسجم بفضل الدين اإلسالمي األمر الذي أدى إلى فشل فرض سياستهم
التعليمية بها.
أن التعليم بقسنطينة العثمانية هدف إلى اللحاق بمضمار السمعة التي وصلتها
مدارس تونس و القاهرة باملشرق.
ويبرز الفارق املنهجي في تناول بودو املوضوع بإعطائه بعدا تاريخيا أوسع و أشمل من
بقية الدراسات التي سبق أن تناولت املوضوع في شذرات متفرقة في كتبها مثل Vaz
الذي أعطاه بعد عنصري و Colonnaالتي أعطته بعد اقتصادي و ديمغرافي ،بيد
أن الرابط األساس ي الذي استقى منه بودو تقريره تمثل في معايشته لألحداث مستعينا
110
التمثالت الثقافية الفصل األول
باملقارنة بين فترتين وكانت هذه املقارنة التي استعملها تصب في وضع مقاربة علمية
تاريخية ،وكذا في قضية توظيفه للمصطلحات التاريخية مثل "اإلطار املدرس" إذ أن
تقريره يعتبر بمثابة األرضية األولى النطالق الدراسات املقبلة على تعاطي موضوعات
تلغي ماذهبت إليه إجماعات بعض الدارسين على الركود التعليمي في أواخر العهد
العثماني.
-0فئة الطلبة
لعبت فئة الطلبة دورا حاسما في صناعة الفعل التاريخي فترة الدايات ،فماميزها آنذاك
هو وعيها للوضع الخطير الذي كانت ستؤول إليه البالد جراء الغزو األجنبي عليها فكان لها
مسارا تاريخيا هاما هذه الفترة .ورغم أن هذه الفئة كان مهامها حمل العلم الشريف لكنها
حسمت املض ي إلى أبعد من ذلك إلى املرابطة والجهاد في سبيل هللا.
111
التمثالت الثقافية الفصل األول
فلقد ورد في الوثائق التاريخية القديمة التتويج البطولي الذي اختصت به زمن فتح
وهران فبلغ وزنها الذروة القصوى في حياة املجتمع الجزائري آنذاك ومن ذلك ماتغنى به
الحلفاوي في أرجوزته 1التي تحدث فيها عن دورها 2خالل الفتح األول لوهران على يد
محمد بكداش حيث قال:
وبالتالي فقد اتصفت هذه الفئة بمجموعة من املبادئ السلوكية التي جعلتها تبرز كطبقة
فاعلة في السياق التاريخي من خالل املشاركة في عملية الجهاد ضد اإلحتالل اإلسباني
لوهران ،وتشير املرجعيات إلى أن الباي كان يود بتجنيده للطالب في هذا الفتح التبرك
ب"حملة العلم الشريف" كما ورد في نفس األرجوزة.
وحسب مااستنبطناه من هذه الوثائق فإن مشاركتها في صنع الفعل التاريخي واستجابتها
لفتح وهران لم يكن بفعل اإلكراه من طرف السلطة .وإن كان في أحيان كثيرة من واجبها
اإلستجابة لنداء الباي بل ألن الضرورة الحتمية التي آلت إليها أوضاع البالد جعل هذه
الفئة تتجند من جميع أنحاء البالد قاطبة وأشار إلى هذا ابن زرفة قائال "وجاؤوه من كل
فج عميق"3
ومعنى هذا أن هناك مصلحة عامة تعلو أي قوة أو أي سلطة أو إرادة تلزمهم البروز كنخبة
مثقفة في إنقاذ البالد من كل مكروه.
وبناءا على املعطيات العلمية التي وقعت بين أيدينا حول هذه الفئة فإن بروزها
كفعل مؤثر في األوضاع آنذاك نمى فكرة املرابطة و الرباط لدى السلطة التي جعلت تهتم
بالرباط وسخرت له مايلزم ملواجهة األجانب خاصة مع الفتح الثاني لوهران وال بأس أن
نشير إلى أهم املناطق التي وفد منها الطلبة لتحرير وهران الللحصر معسكر ،مازونة،
غريس ،ترارة وندرومة.1
فلقد كان الطلبة قوى محركة إلرادة الباي محمد الكبير و الذي جعلهم يالزمون الثغور
لحراسة أقاليم بايلك الغرب من أي غارات أجنبية ،ففي مازونة أمر الباي محمد الكبير
بتجهيزهم بالبارود والسالح الالزم وكان يشرف على رباطهم شيخهم الفقيه محمد بن أبي
طالب املازوني 2رفقة الشيخين محمد بن املوفق بوجالل 3والطاهر بن حوى قاض ي
معسكر" ،إذ كان يشجع الجنود والعامة على االقتداء بهم واالرتماء في أحضان املعركة بكل
حماس وجدية وكان مطاعا عند الطلبة مهابا بينهم ما أمر بش يء إال امتثلوه وال عن غيره إال
اجتنبوه" .4وفي املحمدية أشرف على رباطهم أبو املعالي السيد محمد بن عبد هللا
الجياللي 5وفي ندرومة وترارة أشرف عليهم السيد محمد بن أبي سيف وفي شلف ومزغران
أشرف عليهم أمحمد بن يحي بن عبد العزيز صاحب زاوية مجاجة هذا األخير الذي كان
يساهم في إطعام املجاهدين الذين يخرجون لقتال األجانب بثغر تنس6
فمرابطة الطلبة لتلك الثغور كان لها أهمية أساسية لو قسنا الوعي الذي تميزوا
به والذي قام على فكرة التحرر واالستقاللية ناهيك عن التجلي اإلجتماعي خاصة ملا نلمس
من الوثائق الطريقة التي كان الناس ينظرون بها إليهم على أنهم قوى تحمل شروط النصر
ضد العدو فكانوا يتبركون بوجودهم في صفوف الجهاد الحربي.
والذي نريد أن نشير إليه هنا هو أن مشاركة الطلبة في هذا الفعل التاريخي ،كان له
تجاوب عميق من طرف عامة الناس الذين كانوا يخرجون للقاء موكبهم السائر نحو وهران
لتحريرها والذين غالبا ماكانوا يقيمون في بعض املناطق قبل وصولهم إليها إذ كان العامة
يضيفونهم ويطعمونهم بأطيب املأكوالت.1
على ضوء هذا نجد أن مااكتسبه الطلبة من قيمة وسط العامة يعكس التمثل
العام لذهنية املجتمع في خضم األحداث الكبرى التي شهدتها الجزائر في هذه الفترة وأهمها
الفتح األول و الثاني لوهران فمشاركة الطلبة في صنع الحدث يحوي غايات كانت هذه
الفئة تسعى لتحقيقها فهي تقبل التحدي والتعرض لألخطار بغية الحد من وجود سلطة
مسيحية قد تحكم الجزائر وهو املبدأ السامي الذي باشرت هذه الفئة على الدفاع عنه.
وهنا نؤكد إن الوعي الذي يعكس توجه هذه الفئة آنذاك كان نتاج ظروف تاريخية
حماسية كونت قوة السلطة الحاكمة نتيجة التقارب بين الطلبة والحكام إذ ألزمتهم
الحاجة آنذاك إلى هذه الفئة كطبقة ثقافية ذات خصوصيات محركة لظروف اإلنتصار
على اإلحتالل اإلسباني لوهران.
وتكلم عنه الحفناوي في كتابه فقال عنه " العالمة املتفنن املحقق والجهبذ النقاد املدقق،
من أذعنت له في وقته األقران ولم يختلف في فضله و سعة علمه إثنان وتزاحم على بنات
فكره وعرائس سره الداني من أهل العلم و القاص ي ،الشيخ اإلمام القدوة مصطفى بن
عبد هللا بن مومن الرماص ي" 1وقد درس الرماص ي بزاوية مازونة على يد مشايخ كبار منهم
محمد بن علي ابن الشارف املازوني و الشيخ أبو راس املازوني وملا اشتد أزره تولى التدريس
بمعسكر حيث درس على يده علماء كثر نشير منهم إلى الشيخ محمد بن عبد هللا بن أيوب
والشيخ محمد بن علي الشريف الجعدي .
من مؤلفاته:2
حاشيته على شرح التتائي ملختصر خليل.
كفاية املريد في شرح عقيدة التوحيد
رسالة في العتاب بخصوص مسائل فقهية
أجوبة فقهية تقع في 20ورقة أجاب فيها عن أسئلة عالم تطوان الشيخ سيدي
علي بركة ،عن مسائل في مختصر الشيخ خليل.
قصيدة رثائية قالها في شيخه عمرو التراري بن أحمد املشرفي تحتوي 011بيتا.
تأليف في املنطق
-1الحفناوي سيدي أبي القاسم محمد ،تعريف الخلف برجال السلف ،ج ،2مطبعة فيير فونتانة ،الجزائر،5113،
ص.133
-2أنظر نموذج منها عند حيدرة محمد ،التعريف بأجوبة الشيخ مصطفى الرماص ي ،املجلة الجزائرية للمخطوطات،
املجلد ،1العدد ،51جامعة وهران 81 ،جوان ،2158ص.15
-3كتاب معجم أعالم الجزائر ،ص813
115
التمثالت الثقافية الفصل األول
له " لب افياخي في عدة اشياخي" و "تخريج أحاديث دالئل الخيرات " و"شرح
املقامات الحريرية" و"السيف املنتض ى فيما رويته بأسانيد الشيخ مرتضاى و
"مروج الذهب في نبذة النسب ومن الى الشرف انتمى وذهب" و"ذيل القرطاس في
ملوك بني وطاس" و"در السحابة فيمن دخل املغرب االقص ى" 2تتلمذ على يده
محمد بن علي السنوس ي و األمير عبد القادر الجزائري.
هو من نخبة الطلبة الذين نالوا اإلجازة العلمية 1في هذه الفترة حيث أخذ العلوم
النقلية عن الشيخ أحمد بن الخوجة بوهران وأخذ الفلسفة و الجغرافيا عن
الشيخ أحمد بن الطاهر البطيوي قاض ي آرزيو في الفترة مابين0328-0320م.
محمد بن علي السنوس ي
من نخبة الطلبة الذين حصلوا على املشيخة الكبرى حيث أخذ العلم الشرعي من
طرف علماء مستغانم وتولى التدريس على الطريقة التيجانية 2بعين ماض ي وكان
ذلك عام0321م
مسلم بن عبد القادرت1302
من النخب املقربة من السلطة حيث اشتغل منصب كاتب لدى الباي حسن
بوهران وتوالها قبل ذلك لدى اآلغا املزاري على مخزن وهران ومن آثاره أنه خلف
العديد من القصائد الشعرية ذات أصناف متنوعة نذكر منها ماقاله الوهراني في
العلم3
-1رابح بونار ،األمير عبد القادر حياته وأدبه ،مجلة آمال ،عدد خاص عن األمير عبد القادر ،الجزائر، 5111،ص22
-2ملزيد من املعلومات أنظر بن عبد القادر عبد املالك ،الفوائد الجلية في تاريخ العائلة السنوسية ،بدون دار نشر،
ليبيا55،جوان2153
-3القصيدة متاحة على املوقع اإللكتروني تم دخول املوقع بتاريخ 2153/51/21على الساعة
www.poetsgate.com58:53
117
التمثالت الثقافية الفصل األول
َ
ونور اَلل ال ينكره عاقل
والضوء كالظالم عند من ال يطلع
واملاء بنكره املريض طبيعة
والشمس يقصر عنها من كان مرتدع
ولكن لكم حقا إذا من جانب
فاألشياء لها أضداد ال ترتفع
َ
ونحن بحمد اَلل الذي علمنا
ونشكره على ذلك املصطنع
ونرجوه سبحانه أن ال يزيغنا
وإن يبدل جهلنا بعلمه الساطع
وإن يشفع فيها من لواله ما
ّ
متشرغ خلقت دنيا وال كان فيها
َ
فضل اَلل ما له من مانع
سد الذريعة يا من قلت ال يستطيع
118
التمثالت الثقافية الفصل األول
119
املقاربة السياسية
الفصلمالثاينم
مقاربةمالعالقةمبنيمالسلطةموالنخبةمالثقافيةم
(1381-1761م)ابجلزائرمالعامثنيةميفمعهدمادلاايتم
المقاربة السياسية
-0تمهيد
يرتبط إشكال مقاربة عالقة السلطة بالنخب الثقافية سياسيا ارتباطا وثيقا بالتحول
في نظام الدايات الذي شهده تاريخ البالد مع نهاية الحكم العثماني ،1وتعلق األمر بتعدد
الصدامات والصراع حول السلطة حيث خلقت التغيرات السياسية لدى الدايات
مسارات حرجة في تطور العالقة بين الطرفين ،2غير أن مسألة ضبط طبيعة تلك العالقة
تتطلب الحيطة و الحذر في إصدار أي أحكام في ضوء املعرفة التاريخية .ألن موقف
السلطة تجاه بعض الفئات النخبوية في هذه الفترة غامض نوعا ما ،باإلضافة الى تراكم
العديد من الطروحات التي تجعلها على صلة وثيقة بهذه الفئة تارة و تارة أخرى تحاول أن
تبرز الجانب العدائي بينهما فيبقى الطرح ملتبس ويحتاج إلى الدقة في مقاربة هذه العالقة.
ومن زاوية أخرى سبق وأن أشرنا إلى تكامل هذه العالقة و تداخلها وفق ظروف محددة
والتي تجسدت في التالحم و التحالف بينهما للقضاء على الغزو األجنبي آنذاك ،3بيد أن ما
توفره لنا املصادر التي وقعت بين أيدينا والتقارير وما توصلت إليه الدراسات الحديثة
تتفق جميعها على حدوث تحول في طبيعة هذه العالقة 4خاصة في هذه الفترة التي نحن
بصدد دراستها.
-1أنظر :مبارك بن محمد امليلي ،تاريخ الجزائر في القديم و الحديث ،ج ،8مكتبة النهضة الجزائرية ،الجزائر ،ص.533
-2في هذا اإلطار يمكن تقسيم هذه املسارات إلى مرحلتين أساسيتين من تاريخ الدولة حيث تمتد املرحلة األولى من
5315إلى 5311ففي بدايتها تولى الداي محمد باشا السلطة ملدة إحدى عشر سنة5332-5315 2م حيث كانت فيها
مداخيل الجهاد البحري تصب في خزينة الدولة بشكل قوي وقد عزف فيها الجيش اإلنكشاري عن ممارسة العمل
السياس ي أما املراحل التي تلتها فكانت مراحل صراع على السلطة أنظر :مصطفى بن عمار ،الصراع على السلطة في
الجزائر في عهد الدايات ،مذكرة مقدمة لنيل شهادة املاجستير في التاريخ الحديث ،إشراف فلة القشاعي موساوي،
كلية العلوم اإلنسانية و اإلجتماعية ،قسم التاريخ ،جامعة الجزائر ،2السنة الجامعية ،2151-2111ص.32
-3أنظر في شأن هذه الظروف ،أحمد توفيق املدني ،كتاب الجزائر ،املطبعة العربية ،الجزائر ،5185 ،ص.83-82
-4تعرضت العالقات بين النخب الثقافية والسلطة إلى عدة متغيرات إذ بدأت تسوء بعد القضاء على اإلحتالل
اإلسباني للجزائر خاصة بسبب تراجع مداخيل الخزينة الجزائرية عن طريق القرصنة وفرض الضرائب على السكان
ملزيد من التفاصيل أنظر ،ناصر الدين سعيدوني ،النظام املالي للجزائر في أواخر العهد العثماني ،5381-5112ط،2
املؤسسة الوطنية للكتاب ،5131 ،ص.31
119
المقاربة السياسية
-9املقاربة السياسية
اختلفت رؤى املؤرخين في توضيح الدور السياس ي للنخب الثقافية في فترة الدايات ،1ومن
هنا يمكننا أن نؤكد أن الطابع الجهادي الذي ميز السلطة في بداية األمر ضد الغزو
اإلسباني للسواحل الجزائرية وعلى رأسها وهران واستمر إلى غاية 0612م ،هو العامل
األساس ي الذي قامت عليه العالقة بين النخبة الثقافية و السلطة وأن الصراع بين
العثمانيين والصليبيين كان دافعا قويا لظهور فئة مميزة في صورة مركزية للسيطرة على
الغزو ،فبناءا على أن فئة النخبة لها قدرة تعبئة العاطفة الدينية ،فطبقة رجال الدين من
مرابطين وشيوخ زوايا وفقهاء وأشراف أصبحوا حينئذ الشريحة الرئيسية في بسط نفوذ
السلطة داخل البالد ،حيث يمثلون توجهها تمثيال دينيا ،وبذلك يكون تطبيق قوانينها في
مناطق نفوذها يشكل الشرعية والتوافق بين السلطة واملجتمع.
النخب والتعبئة العاطفية2 -1
شكلت التعبئة العاطفية الجهادية آنذاك نموذجا مؤثرا في حياة العامة بكل جوانبها
الثقافية والسياسية ،وأبرز مثال على ذلك قصائد الشاعر محمد بن محمد بن علي
ابن أقوجيل 3و التي كانت سببا في استثارة العواطف النفسية 4إذ استحث السلطة
على الجهاد قائال:
جه ــز جي ـ ــوشا كاألس ــود وس ــرحن ...تلك الج ــواري في عب ــاب بح ــور
أض ــرم عل ــى الكف ــار ن ــار الحــرب ال ...تقل ـ ــع وال تمـهــله ـ ــم بفت ـ ــور
-1طوبال فاطمة الزهراء ،التمثالت السياسية للنخب الثقافية و السلطة بالجزائر في عهد الدايات ،5381-5315
مجلة املواقف ،املجلد ،52العدد ،2جامعة معسكر ،جوان ،2151ص21
وبق ــربن ــا وهـ ـران ض ــرس مـ ــؤلـم ...سه ــل اقتـ ــالع ف ــي اعتنـاء يسيـر
ك ــم قد أذت من مسلمي ــن وكــم سب ــت ...منـه ــم بـقه ـ ــر أسيـ ــرة وأسيـ ــر
وقد جاء على إثرهذه القصيدة التي نظمها ابن أقوجيل 1على عهد حسين خوجة الشريف
باشا 2مباشرة التحرير األول لوهران عام 0613م 3وذلك في عهد الداي بكداش ،4بعدما
أمر هذا األخير الباي مصطفى بوشالغم 5بتحرير وهران ولإلشارة فلقد استعان هذا
األخير برجال الدين وكذا تالميذ املدارس القرآنية لطرد اإلسبان من املنطقة.6
فهذه املرجعية األساسية تعرف كتعبئة جهادية حماسية مهدت لحركية التوافق بين
السلطة والنخب الداعمة لها وبين النخبة كوسيط سياس ي واملجتمع الذي انبثقت منه
حركات جهادية انسجامية ثم حركة متفاعلة مع القوانين التي تمثل نفوذ السلطة وتوغلها
بالجزائر.
ي7 وملا استعاد الداي بكداش وهران ،تمتع الشعراء بحضور فاعل في املشهد السياس
واتخذته السلطة كوسيلة لتعصم بها نفوذها إنتاجا وهوية ومن ذلك ماأورده أبوراس
الناصري 8في سينيته:9
سنة بنا قد ّ
سنها في جرس ّ عاقبة الغدر للبوار قد قررت
ر
كانت لها طيبات األنس في دنس أضحت مراتع أمن لألنام وقد
وأورد أبوعبد هللا سيدي محمد التغريري 1نظما شعريا في شأن ذلك يقول فيه:1
يا سائال ّ
عما بوهران
من أخذها وفتحها كما انتشر
ظهر
فمائتان مع خمسة
عدة مكثها بأيدي املشركين
سنين
-1محمد بن أحمد الحلفاوي التلمساني عالم ،فقيه ،ناظم ،ولي اإلفتاء بتلمسان و من آثاره " أرجوزة في فتح مدينة
وهران" أنظر التجيني بن عيس ى ،معجم أعالم تلمسان ،ص.811
-2ن.م ،ص .281طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص21
124
المقاربة السياسية
ّ
مقدما ما كان عندهم ورى ّثمت نادى بالجهاد في الورى
بزمان تا يخه ّ
يهد شق وقصدوا حصونها بكل شق
ر
ّ
للرمي كل أسد مدافع ونصبت من حولها مدافع
125
المقاربة السياسية
ّ
بالسحب واغتال األسود
ّثمت حصنها الذي تقنعا
ونعا
126
المقاربة السياسية
وهناك تعبئة أخرى أساسية من دعائم السلطة التي تمثلت في التعبئة العاطفية الدينية
واستقرت في مجموعة من العلماء ،ذلك ألن املوقف آنذاك كان يستدعي إشراك هذه
الفئة في عملية التحرير العسكري للمنطقة ومن جملتهم فئة املفتيين الذين وجهت لهم
أوامر قانونية إلصدار فتاوى تتطابق مع املؤثرات الداخلية لإليالة 1وتلك التي صار من
الصعب جدا السيطرة عليها من طرف السلطة دون تدخل هذه الفئة لتحفيز السكان
املحليين على الجهاد ،ومن العلماء الرواد الذين أقدموا على هذه الخطوة الشيخ عبد
القادر املشرفي 2الذي أصدر فتوى عام 0678م ضمها كتابه املعنون ب"بهجة الناظر في
أخبار الداخلين تحت والية اإلسبانيين بوهران من األعراب كبني عامر"3
في هذا الكتاب ينتقد املشرفي أهم القبائل التي كانت متعاونة مع اإلحتالل اإلسباني
موضحا أهم أسباب هذا التعاون والتي حصرها في اإلعتقاد الذي كان سائدا عند السكان
املحليين الذين كانوا يعتبرون أن هذا النوع من اإلحتالل يجلب لهم النفع ومن تلك
القبائل يشير املشرفي إلى قبيلة كريشتل 4الذين كانوا يتجسسون كثيرا لصالح اإلسبان
وتم تلقيبهم باملغاطيس ناهيك عن قبيلة شافع وهم من بني عامر إضافة إلى بنو يعقوب،
ومنهم من كانت ذات جيش قوي تدعم به اإلسبان كقبيلة بنوعامر التي يحصيها املشرفي
بعشرة آالف فارس ،5وإذا كنا نتعرض اآلن لهذا النوع من الوقائع فإنه من املهم جدا أن
نشير إلى أبرز النخب التي ساهمت في الحد من هذه األحداث فقبل أن يصدر املشرفي
-1عبد القادر بن عبد هللا بن محمد املشرفي الغريس ي ،بهجة الناظر في أخبار الداخلين تحت والية االسبان بوهران
من األعراب كبني عامر ،تحقيق الدكتور محمد بن عبد الكريم ،منشورات دار مكتبة الحياة ،بيروت ،لبنان ،بدون
سنة طبع،ص .83طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص81
-2من فقهاء املالكية ،أنظر :عادل نويهض ،معجم أعالم الجزائر ،ط ،2مؤسسة نويهض الثقافية ،بيروت ،لبنان،
ص .818طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص81
-3عبد القادر بن عبد هللا بن محمد املشرفي الغريس ي ،نفس املصدر ،ص .52طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق،
ص81
-4مصدر سابق ،ص-52ص .52طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص81
-5م،س ،ص-52ص .81طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص81
127
المقاربة السياسية
فتواه عمل أحمد بن القاض ي بن عبد هللا بن أبي محلي السجلماس ي املساوري 1على كتابة
نظم شعري يطالب فيه بني عامر التوقف عن تعاونها مع اإلسبان.
وليس من هدفنا إحصاء كل مانظمه الشعراء وأفتى به الفقهاء في هذا الشأن فقد
تكفلت بذلك املصادر املحلية و املؤلفات التاريخية غير أننا نود أن نبرز بأن إنتاجات
النخب الثقافية من شعراء وفقهاء ورجال دين هي التي كان لها القدرة على تعبئة القبائل
وكل السكان املحليين من حضر وريفيين وهذا ش يء بديهي ،خصوصا إذا ملسنا خصائص
الخطابات التي كانت توجه لهم منذ النصف الثاني من القرن السابع عشر إلى غاية نهاية
القرن الثامن عشر وهكذا فالسلطة العثمانية لم تكن لها القدرة التعبوية إال عن طريق
النخب املثقفة الذين كانوا بمثابة وسطاء سياسيون لدرجة أن السلطة صارت تمنح
للبعض منهم سماة تقديسية وهذا ماسنتطرق إليه بالتفصيل الحقا ،ومعلوم لدينا أن
الهدف من هذا التقديس هو الحصول على الشرعية واملكانة الشرفية في قلوب القبائل
املحلية.
إن هذا التعاون القبلي مع اإلحتالل أودى بتراجع السكان املحليين عن فكرة الجهاد
األمر الذي أدى بالفقهاء و املفتيين إصدار فتوى تحثهم على القتال في سبيل هللا حتى
اليتسنى إلسبانيا أن تبسط نفوذها في الجزائر ،2ألنه صار من الواضح جدا أن القوة
القبلية املتكافئة كسرت إرادة املحليين وبالتالي خلقت الفتوى التي أصدرها املشرفي
استجابة عدد كبير من السكان املحليين للتكتل في شكل جيوش مقاومة ،فمنذ إصدار
املشرفي لفتواه تضاعفت الثقة بالعلماء ورجال الدين على إدراك ضرورة تحرير وهران
وتوقيف الهدنة بينهم وبين اإلسبان ،وصار لرجال الدين من املقاومين شرعية عسكرية
-1هو من بطن عرف بأوالد القاض ي لتولي سلفه خطة القضاء قديما بسجلماسة واشتهرت قبيلته بأوالد أبي املحلي
وقد كان عاملا فقيها متصوفا أنظر :حفناوي بعلي ،الرحالت الحجازية املغاربية ،دار اليازوري العلمية للنشر
والتوزيع،الجزائر ،2153،ص .523طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص81
-2طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص81
128
المقاربة السياسية
جسد مشروعها الباي محمد بن عثمان الكبير 1ملا أخضع العلماء واملرابطون لسلطته في
فتحه الثاني ملدينة وهران ضد االحتالل االسباني عام 0612م ،إذ عين الشيخ محمد
الخروبي الجيالني القلعي 2رئيسا لرباط إيفري بوهران وهو أديب وقاض حيث توارثت
أسرته القضاء في هذه املرحلة 3كما عين مصطفى بن عبد الرحمن الدحاوي 4مساعدا له
والذي واكب الباي محمد الكبير وشارك في فتح وهران وكان له في ذلك مؤلفه الرحلة
القمرية 5ناهيك عن مساعدين آخرين من بينهم محمد بن محمد بن حواء 6الذي كان قد
تولى قضاء معسكر ثم أوكل له الباي مهمة الرباط على جبل املائدة وكان قد استشهد
هناك قبل إتمام عملية فتح وهران عام 0611م 7وساعده ابن سحنون الراشدي الذي
كان الكاتب الخاص للباي محمد الكبير والذي سجل أحداث الفتح وشرحها نظما ونثرا.8
وهكذا عبرت السلطة ،في هذه الظروف عن حاجتها ألولئك الذين يمتلكون القدرة
التعبوية في استثارة عواطف املجتمع لتجاوز مشكل الغزو ،إذ أن السلطة آنذاك أثناء
محاوالتها بسط النفوذ و السيطرة كان البد لها من التقرب إلى الطبقة املسيطرة في البنى
التحتية للمجتمع ،والذي نعنيه هنا أن العامة التستجيب عاطفيا ألي اتجاه بقدرما
تحركها النوازع الدينية والجهادية في التفاعل مع أي حدث.
-1الباي محمد بن عثمان الكردي من بايات الجزائر الذين تولوا الحكم على بايلك الغرب أواخر القرن 53م ملزيد من
التفاصيل أنظر بلبروات بن عتو ،الباي محمد الكبير باي وهران ،5111-5111مجلة عصور ،املجلد ،2العدد،5
جامعة وهران 5،81جوان ،2118ص .513-515
-2عاش فترة حكم الباي عثمان بن محمد الكبير .أنظر مفالح محمد ،أعالم من منطقة غليزان ،ص.23
-3أنظر :رابح خدوس ي ،مرجع سابق ،ص .12طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص85
-4هو الشيخ مصطفى بن عبد هللا بن محمد بن عبد الرحمان املدعو دح بن زرفة نسبة إلى أمه زرفة تولى منصب
القضاء و أسند له الباي عثمان بن محمد الكبير منصب كاتب إمارة الباي كما كلفه بمهمة مساعد رباط وهران في
حصار اإلسبان أنظر ترجمته الوافية عند بن حمدان الغوثي ،إرشاد الحائر إلى آثار أدباء الجزائر ،ص.231
-5أنظر :رابح خدوس ي ،مرجع سابق ،ص .528طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص85
-6أديب ،مؤرخ ،كاتب وشاعر أنظر ترجمته الوافية عند بسكر محمد ،أعالم الفكر الجزائري ،ج ،2ص.223
-7م،س ،ص-511ص .551طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص85
-8م،س ،ص .523طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص85
129
المقاربة السياسية
َ ُ
ي)1 -2املوظفون املساعدون (فئـ ــة الكتـ ــاب األربع ــة أوالخوجاباش
لقد كان العامل الذي أشرنا إليه سالفا ممهدا لظهور فئة نخبوية مثقفة لعبت
دور الدعامة الرئيسية للسلطة واملالحظ على إثر ذلك أن العالقة بين هذه النخب
والسلطة أصبحت عالقة تعاقدية ذات بعد سياس ي ،ذلك أنها صارت تتسم بالثنائية
اإلدارية حسب ماورد في كتابات ناصر الدين سعيدوني إذ يصفهم باملوظفون املساعدون2
والذين تأتي مرتبتهم بعد املوظفون السامون وهم كتاب الدولة و املترجمين والذين عادة
ماكان يتم اختيارهم من جماعة األشراف ناهيك عن الفئات التي كان لها تمثيل سياس ي
للسلطة في األرياف وهنا نخص بالذكر املرابطون وشيوخ الزوايا وزعماء القبائل وهي التي
ينعتها أبو القاسم سعد هللا بالسلطة الروحية 3إذ سيتم التطرق إليها فيما بعد.
ولعل التمثل الذي يوضح لنا ذلك هو خلق السلطة ملناصب حساسة في جهاز
البايلك اليرتقي إليها إال األعيان من الحضر في املدن أما في األرياف فيتوالها الشيوخ
والزعماء املحليين وغيرهم ممن أولتهم السلطة عنايتها.
وإذا انتقلنا إلى تصنيف تمثلنا هذا حسب درجة حساسية كل منصب ،فقد نجد بأن
سلطة البايلك قد أولت اهتماما جد كبير بالكتاب األربعة الكبار أو الخوجاباش ي 4والذين
عادة ماكانت مهامهم التي تحمل صبغة إدارية لها ارتباط بالسياسة ذلك أن الدايات كانوا
يثقون في هذه الفئة أكثر من ثقتهم باملوظفون السامون.
هذه الفئة من أبرز ما يتم التأكيد عليه في املصادر التاريخية التي تتحدث عن عالقتها
بالسلطة العثمانية ،5فإنها تصمد أمام الحقائق التاريخية والتي استخلصناها كما يلي:
أنه كان خلق أول منصب للكتاب الكبار في الجزائر مع بداية القرن 03م حيث تم
تعيين مجموعة من املثقفين الذين تتوفر فيهم شروط اإلملام بالفقه والتشريع
اإلسالمي و الحسابات لخدمة السلطة ويطلق عليهم بالخوجاباش ي وهو لقب يعتبر
درجة أدبية معنوية ،سببها نشاطات العالم والفقيه الواسعة في السلطة ،وفي
األغلب هذه الشروط التتوفر إال في شيخ اإلسالم.
ويتقدمهم املقطعجي الذي يشترط فيه أن يكون عاملا فقيها ويطلق عليه كذلك
باملكتباجي ولكن جرى العرف على أن ينادونه باألفندي ،والحقيقة أن هذا النوع من
املناصب الحساسة كان اليتوالها إال وجهاء املدينة وحسب ماتورده الدراسات فإن
خوجة2 املثقفون من فئة الكراغلة كان لهم نصيبا في ارتقائه وعلى رأسهم والد حمدان
حيث يقول في كتابه املرآة " :لقد كان والدي مشرعا وأستاذا بالقانون ،كما أنه اشتغل
مقطجي أوكاتبا أول ،وهو الذي علمني نظام الحكم التركي" 3ومن التفسير الواضح لنظام
السلطة الذي يرد عند املؤرخين نجد بأن إستحداث مناصب كهذه كانت أسلوبا عثمانيا
ذكيا ينبثق من أن تعظيم أولئك الذين لهم وزنا إجتماعيا متعارف عليه يجب أن يتماش ى
مع مقتضيات وحاجيات السلطة في الداخل إلخضاع السكان املحليين لسلطتهم ،وهذا ما
Les 4 نجده عند Nahoum Weissmannفي كتابه الذي سماه
131
المقاربة السياسية
ومن املمكن اإلشارة عبر كتابات Dubois Thainvilleأنه مع أواخر القرن الثامن
عشر ازدادت أهميتهمم وصارت السلطة التتصرف في أمورها الداخلية دون األخذ
برأيهم ،3و يتبادر لدينا من خالل ذلك أن السلطة لم تخلق هذا املنصب إال في هذه
املرحلة التي رأت ضرورة تأسيسه فوجود هذه الفئة وحيازتها على مكانة خاصة لدى
الدايات ،وهو أمر ال شك في مبالغته إذا أمحصنا النظر وقارناه بمكانة املوظفون
السامون الذين سحبت السلطة ثقتها فيهم ،فشهادة Dubois Thainvilleتعطينا
فكرة عن الطريقة التي عومل بها هؤالء خاصة بدمجهم كمستشارون لدى الدايات ،على
الرغم من كون املوظفون السامون أعلى مرتبة منهم.
إن نظرة السلطة السائدة لهذه الفئة إبان هذه الفترة لم تكن سوى تمثل أساس ي
لسيطرتهم على مناطق نفوذهم بالجزائر بطرق غير مباشرة ،فمجموعة الوظائف التي
منحت لهم منذ بداية القرن الثامن عشر "واكتسبوا على إثرها نفوذا شرفيا وكلمة
مسموعة وارتقوا إلى مرتبة املوظفين ذوي املكانة املرموقة في ديوان البايليك ،بعد أن زادت
حاجة الدولة إليهم" 4كانت استغالال من السلطة لفرض سيطرتها على السكان املحليين،
1
- venture de paradis, op.cit.p.151. Toubal fatima zohra, op.cit, p.34
-2طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص.82
3
- Dubois-thanville, mémoire sur alger 1809, ed G.Esquer,paris,1929,p.129.
Toubal fatima zohra, op.cit, p.34
-4نقال عن ناصر الدين سعيدوني ،نفس املرجع ،ص .513طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص36.
132
المقاربة السياسية
وبناء على ذلك استطاعت بأن تبسط حكمها وقوانينها على اإليالة ألن مصدر تأييدها
تجسد في النخب السالف ذكرها.
القبائل و األسر الشريفة1 -0
اتفقت املصادر املحلية حول املكانة السياسية التي حضيت بها بعض النخب من قبائل
األشراف واألسر الشريفة في فترة الدايات وغيرها من الفترات التي سبقتها ،إذ ركز
الدايات في هذه الفترة على تحفيزهم ماديا وذلك بمنحهم مناصب ذات وزن قياس ي في
السلطة ومن أهم أبناء األسر 2الذين حضيوا باهتمام السلطة أبناء عائلة قدورة وعائلة
ابن العنابي الحنفي وابن علي وأبهلول املجاجي بدار السلطان وأبناء عائلة الفكون وابن
باديس وابن الغربي والكماد وابن ساس ي البوني ببايلك الشرق وأبناء عائلة املشذالي
والورتالني وابن مصباح وابن علي الشريف ببالد الزواوة وأبناء عائلة ابن رمضان وابن
عزوز بإقليم الزيبان وأبناء عائلة املشارف وأوالد عبد القادر بن املختار و ابن أبي زرفة
وأوالد سيدي عمر وابن سحنون وأبو راس الناصري و الكتروس ي و املقري ببايلك
الغرب.3
حيـث يذكـر الطيب بن مختار الغريس ي املختاري في كتابه القول األعم في بيان أنساب
قبائل الحشم استنادا إلى روضة األزهار والقالئد املشهورة 4أن من بين قبائل األشراف
التي شكلت أهمية في أواخر فترة الحكم العثماني قبيلة دحو أبي زرفة حيث يقول:
" ...ولجدهم احترام عند ملوك األتراك حتى أن بكل محكمة من محكماتهم مسجدا
مضافا إليه ومن دخله من أهل املطالب والجنايات ال يتعرض له ...وكانت الرياسة فيهم
زمن والية األتراك وأيام األمير موالنا عبد القادر في بيت السيد الحاج محمد وفي بيت
"1 السيد الحاج املكي ابن عبد هللا وفي بيت سيدي عبد الرحمان بن حسن وغيرهم
فهذه العائلة 2التي تشكل البناء الرئيس ي للمجتمع كما هو واضح من أقواله كانت محل
ثقة و تقدير تام لدى السلطة نظرا للمكانة التي كانت تحتلها في البنى اإلجتماعية من
حيث أنه "كان فيهم أئمة مشاهير كالسيد الحاج عبد القادر بن السنوس ى وولده العالمة
السيد السنوس ى والدراكة األرض ي اإلمام املرتض ى السيد املصطفى بن عبد هللا" 3لكن
عبد الرحمن التوجيني اكتفى باإلشارة إلى أن هذه القبيلة ربطتها مودة عظيمة بينها وبين
علي أبو الحسن الشريف وهو من األعيان الذين أولتهم السلطة عنايتها 4وبتقديرها
كعنصر فعال من خالل ترجمته لعدد من أنساب األشراف بمنطقة غريس 5إال أن
الطيب بن مختار الغريس ي املختاري استطرد في تفصيل هذه الفئات التي كان لها دور
فعال آنذاك فإلى جانب عائلة سيدي دحو يوضح ذات املؤرخ أن أوالد سيدي اعمر ابن
دوبة كان لها شهرة في العلم و الرياسة وخاصة تولية الفصل بين الخصوم ويعتبرهم من
الشرفاء السباعين ،6ويتبين من املعلومات التي استقيناها من هذا املصدر أن هؤالء
الشرفاء من القبائل واألسر تجسد استبصار استثنائي في البنية األساسية للسلطة إذ
ظلوا نموذجا في توريث الوظائف واعتالء مناصب ذات وزن قياس ي في السلطة ،حيث إن
األخبار التي يوردها ذات املصدر تؤكد بأن هؤالء كانوا من رجال الحل و العقد ومن
مشاهير علمائهم الذين قربتهم السلطة إليها سيدي أحمد بومعزة وولده سيدي عبد
-1أنظر :الطيب بن مختار الغريس ي املختاري ،كتاب القول األعم في بيان أنساب قبائل الحشم ،مطبعة ابن خلدون،
تلمسان ،الجزائر ،5125 ،ص .882طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص81
-2اصل سلفهم من األندلس وهم من بني حمود الذين كانوا ملوكا بها كما افاده صاحب الفتح وهم لهذا العهد ما
خرجوا عن طريقة اهل االندلس من تعاطي الشعر والتأنق في الكالم وارتكاب ابواب الفصاحة والتطاول في املحافل
والتوغل في رفاهة امللبس واملركب واملأكل واملشرب .طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص83
-3نفس املصدر ،ص .882طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص83
-4عبد الرحمن التوجيني ،مصدر سابق ،ص-53ص .51طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص83
-5نفس املصدر ،ص .81طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص83
-6هم الشرفاء األدارسة املنحدر ون من ساللة أبي السباع الهاشمي الحسني املغربي الفاس ي وهناك ظهائر ملكية
توص ي خيرا بالشرفاء السباعين أنظر امللحق رقم3
134
المقاربة السياسية
الرحمن ابن أحمد وولد سيدي الطيب بن عبد الرحمن وقد ولى عبد الرحمن القضاء في
والية الباي حسن آخر أمراء بني عثمان بالجزائر.1
والشك أن املراسالت التي نشرتها الدراسات واطلعنا على البعض منها واملتجسدة في
الظهائر 2التي تتضمن تعيينات ألشخاص من عائالت مختلفة وعلى رأسها عائلة
الكتروس ي تدل على املكانة التي حظيت بها هذه الطبقة في املجتمع فنجد من خاللها أن
السلطة منحت مناصب جد هامة لهذه العائلة بدافع إظهار اإلحترام لها.
وبهذا تنقل لنا هذه الظهائر 3صورة عن تولية أبناء هذه العائلة خالل ق06م لوظيفة
القضاء واإلفتاء واإلمامة و الخطابة 4حيث قام علي باي تونس ي بتعيين السيد املهدي بن
أحمد بن خدة الذي كان مترجما له إماما ملسجد سيدي علي بن حسن بمازونة عام
0733م 5وعين مصطفى باي محمد املهدي إماما بمسجد سيدي عيس ى بمازونة عام
0602م 6ومنح خليل آغا نوبة مازونة عام 0611م إمتيازات للمفتي مهدي الكتروس ي
وبعض أفراد عائلته 7كما عين الشيخ محمد بن املهدي وشقيقه علي مفتيا وقاضيا على
مازونة عام 0308م.
وحين شرعت السلطة في توطيد عالقاتها بمختلف شرائح النخب الثقافية ،كان أبناء
هذه األسر والقبائل غالبا من العلماء الذين حظيوا بالتقدير واإلحترام والذين لم يكن
يربطهم بالسلطة سوى الوازع الديني الروحي 1وقد كان دافعهم األساس ي وراء هذه العالقة
هو طلب الحماية ضد القوات األجنبية الصليبية ولم يكن إعتالء املناصب العليا ونيل
املكانة الشرفية من طرف السلطة شغلهم الشاغل بل إن الحركية السياسية التي شهدتها
الجزائر في فترة الدايات والذين اهتموا بتقريب هذه الفئة منهم لم تكن سوى لحظات
لخلق طبقة من الوسطاء السياسيين لديها فمنهم من استجاب لهذا التوجه ومنهم من بقي
محافظا على قيمه التقليدية التي تربى وترعرع عليها ويعود ذلك بدون شك إما تخوفا من
قوة الحكام واستبدادهم وإما إلى انجرافهم نحو كسب تدعيم مادي ومعنوي من قبل
السلطة لنيل املناصب الراقية في الدولة كما أسلفنا سابقا ،2كما يعود عدم انجراف
بعض الفئات نحو هذا التوجه إلى نشوء أفكار تجديدية حاولت قدر املستطاع الخروج
من البؤرة السياسية إلبقاء ذاتها محصورة في املجال الثقافي.
فلقد أشرنا إلى أن بعض من أبناء القبائل واألسر الشريفة تصدرت مناصب مميزة
آنذاك وشاعت أسماؤها في مجتمع الجزائر العثمانية بقوة ،3وإذا كانت هذه امليزة قد
اكتسبتها نتيجة نفوذها الواسع واملرموق وسط السكان ،فإنه من امللفت لإلنتباه توطد
أركان صنف آخر من بعض أبناء األسر التي اشتهرت بأفكارها التجديدية كما أسلفنا في
املجتمع ،فمن الذين بلغ نفوذهم في هذه الحركة التجديدية آنذاك شخصية محمد ابن
العنابي الذي" عاش عمرا حافال باإلنتاج العلمي واإلضطراب السياس ي" 4فأسرته عريقة
في تاريخ عنابة والجزائر وفي تولية املناصب الدينية الرفيعة 5وكان مؤسس املشروع
التجديدي إذ اتسم جهده الفكري بالحداثة في جميع مجاالت الحياة األمر الذي أهله
لتولية وظائف متعددة في السلطة حيث تولى منصب اإلفتاء على املذهب الحنفي وتولى
منصب القضاء و الكتابة والسفارة في مهمات سياسية إلى املغرب األقص ى وإلى
إسطانبول 1وقد تجلى كمثقف مميز إبان فترة الدايات منذ صدور كتابه املهم "السعي
املحمود في نظام الجنود" 2عام 0327الذي دعا فيه إلى التجديد والنهضة فأسست
كتاباته ملشروع ثقافي جديد بالجزائر ،وذلك ماورد في مقدمة كتابه التي يقول فيها" :إنه ملا
حدث فى هذه اإلعصار اآلخرة تطاول طغاة األمم الكافرة بترتيب أجنادهم على طريقة
محكمة ابتدعوها وتدريبهم على فنون حيل اخترعوها" وجاءت خاتمة الكتاب كمايلي"
فينبغى ملن له مظلمة أو حق قبل جندى خرج غازيا أن يسامحه ويعفو عنه حتى ال يعود
ضرر مظلمته على اإلسالم والحمد هلل".3
ويعد عدم اإلستقرار في تولية منصب اإلفتاء مؤشر لإلضطراب السياس ي الذي شهدته
هذه الفترة حيث أورد ابن املفتي في تقييداته تولي آخرون متصلون بابن العنابي لهذا
املنصب من عائلته ولكن سرعان ما تتابعت عملية عزلهم مرات عديدة حيث تواله حسين
بن محمد العنابي وعزله الداي بكداش بعد أن مكث فيه ثالث سنوات ثم تواله للمرة
الثانية بعد تولية كل من محمد النيار وحسين خوجة الطوبال لكنه عزل كذلك من طرف
الداي دالي إبراهيم ليتواله للمرة الرابعة وطالت مدة توليته للمنصب في مرته الرابعة ثالث
سنوات إلى أن توفي عام 0686م ،4وكان قد تواله قبل املفتي حسين أيضا الجد األكبر
البن العنابي مصطفى بن رمضان 5فارتفاع مؤشر العزل من املناصب الدينية السامية
كاإلفتاء و القضاء و غيرها هو من أهم الدالئل على ارتفاع نسبة اإلضطراب السياس ي في
فترة الدايات.
-1أبو القاسم سعد هللا ،نفس املرجع ،ص .51طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص81
-2املخطوط متاح على موقع مخطوطات األزهر الشريف مصر http://www.alazharonline.org
-3أنظر :محمد بن محمود بن محمد بن حسين الجزائري ،السعى املحمود فى ترتيب العساكر والجنود ،رقم
النسخة ، 333481عدد األوراق 17ورقة .وهو متاح على موقع مخطوطات األزهر الشريف مصر
http://www.alazharonline.org
-4أنظر تقييدات ابن املفتي ،مصدر سابق ،ص -11ص .12طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص.81
-5أبوالقاسم سعد هللا ،مرجع سابق ،ص .22طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص81
137
المقاربة السياسية
وفي تقديري أن تتابع سياسة العزل مع هذه العائلة خاصة وأن ابن العنابي كانت مهمته في
منصبه كمثقف تختلف مع شاكلته من املفتيين والقضاة وكذا الحال بالنسبة لعائلته
والتي كانت بعيدة عن إطار حسابات السلطة عبر رؤيته النقدية للسلوكيات التي تجسدها
قوانين املؤسسات في الدولة هذا التوجه هو الذي يفسر سياسة السلطة تجاه عائلة ابن
العنابي.
ولو كانت دراستنا هذه سياسية لرصدنا فيها جميع القبائل واألسرالشريفة التي كان لها
نفوذ سياس ي في املجتمع لكننا اكتفينا بإعطاء بعض النماذج منها لتقريب الصورة من
األذهان والحق أن الدراسات أتت بما يكفي من سرد موقف القبائل و األسر النافذة في
املجتمع من السلطة العثمانية ووصفت لنا الوقائع السياسية التي حدثت خالل هذه
الفترة بقوة.
لقد اتفقت املصادر التاريخية من الذين عايشوا األحداث في الذهاب إلى أن نظام
السلطة كان يعتمد اعتمادا كليا على قوة املبالغة في استثارة املرابطين ورجال الدين ،ولعل
ُ
تقديس السلطة الضرحة العلماء تجسد إلى حد بعيد تلك املعتقدات التي تبنتها العامة
قبل ذلك بهدف كسب والئهم ،إذ يورد لنا محمد الشريف الزهار كيف أن السلطة اعتبرت
األضرحة كمؤسسة طقوسية وأبدعت في الوفاء لذكرى العلماء وعلى رأسهم حسن باشا
0610م الذي كانت األضرحة ثقافته الروحية والجهادية قبل التوجه إلى أي غزوة فيتبرك
بضريح سيدي عبد الرحمن الثعالبي وسيدي علي العباس ي ،2وكتب أبي القاسم زياني في
رحلته وصفا دقيقا يرصد فيه أهم األبنية من مساجد وقباب التي أقدم حسن باشا على
بناءها عام0617م إذ يقول"...وجعل لهذه القبة سراجيب بأنواع البلور الذي لم يرى في
هذا ،وقد نشأت عالقة تحالفية بين السلطة وبعض عائالت املرابطين مثل عائلة الشيخ
العالمة عبد الرحمن األخضري 5حيث قام الحاج أحمد باي قسنطينة عام 0381م
بالختم على وثائق 6تنص على ضرورة احترام وتوقيرالعامة لعائلته بعد وفاته وتحتوي هذه
الوثائق على منظومات شعرية تحمل عنوان السلم في املنطق 7الذي ترجمه املستشرق
الفرنس ي لوسيان سنة 0120وقد عده من أعظم الكتب العاملية ملا قارنه بكتاب "
حديقة الزهور اإلغريقية" ملؤلفه كلود النسلوا ويأتي مطلعه :
-1أبو القاسم بن أحمد الزياني ،الترجمانة الكبرى في أخبار املعمور برا وبحرا ،تحقيق عبد الكريم الفياللي،
الرباط ،5115،ص .525،522طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص81
2- op,cit,p.101.
-3أنظر :ابن سحنون ،مصدر سابق ،ص .525طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص83
-4أنظر :حمدان خوجة ،مصدر سابق ،ص .12،18طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص83
-5ولد الشيخ عبد الرحمن األخضري سنة ( 121هـ 5152 /م) ببلدة بنطيوس التي تبعد عن بسكرة بحوالي ( 81كم)
من عائلة شريفة عرفت بالعلم والتقوى .والده العالم املدرس محمد الصغير وأخو ه األكبر أحمد األخضري كان عاملا
ومدرسا أيضا أخذ عن كليهما الفقه وعلوم اللغة وعلم املواريث بعد أن حفظ القرآن وأتقن رسمه وتالوته ثم واصل
تعلمه بقسنطينة ثم جامع الزيتونة .طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص83
-6أنظر امللحق رقم8
-7أنظر :أحمد بن داوود ،العقد الجوهري في التعريف بالقطب الشيخ سيدي عبد الرحمن األخضري ،تحقيق لحسن
بن علجية ،ط ،5دار الكتب العلمية ،الجزائر ،2151،ص .512طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص81
139
المقاربة السياسية
َ
َن َتـائ َج الف ْـكر أل ْرَبـاب الح َ َ ْ ُ َّ َّ َ َ ْ
ـجا1
ِ ِ ِ ِ ِ ِ َلل ال ِذي ق ْـد أخ َـر َجا
الحمـد ِ ِ
هذا ،وقد تحالفت السلطة كذلك مع عائلة امللياني إذ تذكر املصادر التاريخية أحداث
عن أتباع أحمد بن يوسف امللياني 3الذي يعتبر من رواد الطريقة الشاذلية ،4حيث كان
هذا األخير حليفا للعثمانيين وقد اشتهر بمواقفه السياسية ضد الوجود اإلسباني
بالجزائر وقد تعهدت السلطة بعدم التعرض له ولنسله من بعده طيلة حكمها بالجزائر.5
إذن مبالغة السلطة في تقديس أضرحة العلماء واستثارة عائالت املرابطين جعلها
تشكل حضور قوي في نفوس املحليين ،ألن هذه الظاهرة هي من العادات التي كانت تتفرع
دائما من املعتقدات الشعبية التي يسير على نمطها املجتمع ،باعتبار أن املعتقد الذي كان
سائدا آنذاك هو قدرة األولياء من األشراف و العلماء على صنع املعجزات كقضاء
الحاجات املستعصية 6إذ كان الواقع آنذاك يبدي تمثالت غريبة في املمارسات اليومية و
الطقوس املوروثة التي كانوا يؤدونها و التي تفض ي بالتواصل بين السلطة والرعية و
تخيالتهم اتجاه األولياء وعائالتهم ،فاالعتقاد في اإلنتصار في املعارك أثناء التردد على
-1أنظر :أحمد بن داوود ،نفس املصدر ،ص .512طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص81
-2ن،م ،ص .512طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص81
-3أنظر ترجمته عند أبوالقاسم الحفناوي ،مرجع سابق ،ص .518طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص81
-4الشاذلية ،طريقة صوفية تنسب إلى أبي الحسن الشادلي املغربي الزاهد املتصوف يؤمن أصحابها بجملة األفكار
واملعتقدات الصوفية ملزيد من املعلومات حول الطريقة فهي متاحة على املوقع:
https://www.britannica.com/biography/al-Shadhiliتم دخول املوقع بتاريخ 2151/11/81على الساعة 5311
-5أنظر :أبوالقاسم سعد هللا ،مرجع سابق ،ج ،5ص .233طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص21
-6أنظر :طوبال فاطمة الزهراء ،جوانب من اإلنتاج اإلسطوغرافي الجزائري حول بالد املغارب في العهد العثماني،
مجلة عصور ،املجلد ،51العدد ،5جامعة وهران 25 ،5سبتمبر ،2153ص.281-211
140
المقاربة السياسية
األضرحة و ممارسة طقوس رمزية كانت متداولة بكثرة بينهم ،1وبصفة عامة فان هذا النوع
من املمارسات هو بمثابة خطاب الذي غالبا ماتستعمله السلطة للسيطرة على الطبقة
الشعبية.
ولقد شاع عن بعض البايات أنهم كانوا يتمردون على رجال الدين وخصوصا املرابطين
وسرعان مايتراجعون عن تمردهم حفاظا على أمنهم واستقرارهم ،فالتمثل الذي أوردناه
سلفا لم يمتد عند البعض اآلخر وفي هـذا اإلطار نريـد أن نرصد هنا نموذجا عن ماذكرناه
إذ كان باي قسنطينة حسن باي بن حسين املدعو بوحنك0618-0687 2م اليعترف
بفئة املرابطين والذي عرف عنه أنه كان متمردا جدا عليهم ويشير أحمد مبارك بشأن ذلك
في كتابه قائال ":3كان رجال ذاهيبة ،صعبا اليقول بولي واليرى جاها ألحد بشدة نفسه"
ويحدثنـا ذات املؤرخ في كتابه في جمل قصيرة وعبارات مقتضبـة عن تراجع الباي بوحنك
عن تمرده ملا التقى بالشيخ سليمان الشليحي وهو مرابط املنطقة فوقعت له معه كرامة
ربانية فماكان عليه إال أن أسلم لهذا النوع من الفئات إذ يصف احمد مبارك السبب في
هذا التراجع فيقول ":فلما تكلم معه أراد أن يغلظ على الشيخ ،ثم نظر فإذا اهوال
عظيمة أحاطت به ،وشاهد ماالطاقة له على رؤيته" 4فاستعظمـه الباي ومنح له بعض
اإلمتيازات حيث أنشأ له زاوية في مكان يسمى أوالد عبد النور وأعفاه من الضرائب عليها
وبنى له بيتا في مكان يسمى األربعين شريف ،5لكن ما يجب ذكره هنا هو أن السلطة
وظفت الدين في خدمتها إذ شكلت هذه املؤسسات الطقوسية قوة في خدمة الطبقة
الحاكمة ومصالحها ففي نظرها يؤدي تقديس العلماء وتقريبهم الى ترسيخ دورها في
-1ياسين بودريعة :املعتقدات في كرامات األولياء بمدينة الجزائر في العهد العثماني ،العدد ،21كلية العلوم اإلنسانية
و االجتماعية ،جامعة منتوري ،قسنطينة ،الجزائر .2158،طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص21
-2حسن باي بن حسين املدعو بوحنك هو حاكم بايلك الشرق امتدت فترة حكمه بين سنتي 5183و 5112ليخلفه
فيما بعد حسين بن زرق عينو الترجمة متاحة على املوقع fam=301/http://www.hukam.net/family.php
-3أنظر :الشيخ الحاج أحمد بن املبارك بن العطار ،تاريخ بلد قسنطينة ،تحقيق عبد هللا حمادي ،دار الفائز
للطباعة والنشر و التوزيع ،قسنطينة ،2155 ،ص .521طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص21
-4أحمد بن مبارك ،نفس املصدر ،ص .521طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص21
-5ن،م ،ص .521طوبال فاطمة الزهراء ،مرجع سابق ،ص21
141
المقاربة السياسية
التحكم والسيطرة على مختلف الطبقات االجتماعية مما زاد من تعاظم هيمنة الطرقيين
وشيوخ القبائل املحلية على املجتمع ألنهم كانوا األداة الفعالة في تكريس شرعية السلطة
العثمانية باإليالة فحسب ماسلف ذكره قد ضمنت هذه األخيرة بسط نفوذها على
املحليين إذ الشك أن هذه الرؤى توضح أن النخبة التي حضيت باهتمام الدايات تعكس
توجه السلطة التي استحدثتها وسيطرت عليها ،إذ إذا خضع السكان املحليون للقوانين
املنوطة لهم اتباعها على إثرها ،فإنهم بذلك يدخلون تحت نفوذ السلطة تماشيا مع
طموحاتها ورغباتها.1
143
المقاربة التاريخية
وعين الدفلى و املدية و غليزان و تيسمسيلت وبالتالي كانت تشكل خطرا على
السلطة فهي تؤثر على مجال جغرافي واسع في البالد وفق مانبينه في الخريطة.1
كما اصطدمت مع قبائل أوالد سيدي الشيخ حيث لم يتمكن الداي من إخضاعها
بالجزائر2 ألنها كانت قوية جدا كما أنها أقامت إمارات مستقلة عن سلطة األتراك
فتربعت على مساحة كبيرة من والية البيض كما تتداخل اراضيها من ناحية الشمال
ضف إلى اصطدامه بقوات خارجية بسبب كثرة اإلستفزازات التي كانا يتعرض لها
الطرفان في عرض البحر جعلته يفشل في تسيير سلطته داخليا أو خارجيا فأودت
به مقتوال من طرف ابراهيم خوجة 2فشهدت هذه الفترة تدبدب العالقات بين
السلطة و النخبة التي سرعان ماأخذت في التحول التدريجي إذ في دراسة مستفيضة
تحمل عنوان "العالقات الجزائرية العثمانية خالل عهد الدايات في الجزائر" 3يبين
الباحث أن الدولة العثمانية كانت الفاعل األساس في هذه العالقة من خالل سعيها
لزيادة مكاسبها وقوتها النسبية ،حيث يقول " لقد واجهت السلطة العثمانية
-2أنظر بن عمار مصطفى ،الصراع على السلطة في الجزائر في عهد الدايات ، ،ص32
-3صغيري سفيان :العالقات الجزائرية العثمانية خالل عهد الدايات في الجزائر ،رسالة مقدمة لنيل شهادة
املاجستير في التاريخ الحديث و املعاصر ،تحت إشراف حسينة حماميد ،قسم التاريخ ،كلية العلوم اإلنسانية
واالجتماعية والعلوم اإلسالمية ،جامعة باتنة2152/2155 ،
145
المقاربة التاريخية
بشكل منهجي صحيح .لهذا لم يتوجه هذا الداي إلى اإلهتمام بالثقافة والش يء من هذا
القبيل إلى أن واجه تمردات اإلنكشارية والتي دفعته إلى الفرار من الجزائر و التخلي عن
-1ملزيد من التفاصيل حول هذا الصدام عد إلى حصام صورية :العالقات بين إيالتي الجزائر وتونس خالل القرن
الثامن عشر ،رسالة مقدمة لنيل شهادة املاجستير في التاريخ الحديث و املعاصر ،تحت إشراف عبد املجيد بن
نعمية ،قسم التاريخ ،كلية العلوم اإلنسانية و الحضارة اإلسالمية ،جامعة وهران2158/2152 ،
-2حصام صورية :العالقات بين إيالتي الجزائر وتونس خالل القرن الثامن عشر ،رسالة مقدمة لنيل شهادة
املاجستير في التاريخ الحديث و املعاصر ،تحت إشراف عبد املجيد بن نعمية ،قسم التاريخ ،كلية العلوم اإلنسانية و
الحضارة اإلسالمية ،جامعة وهران2158/2152 ،
-3تجدر اإلشارة إلى أنه تم إبرام اتفاقية مؤاخاة وصلح دائم بين اإليالتين وتمت تصفية الخالفات بصفة نهائية يوم
21مارس5325حصام صورية ،مرجع سابق ،ص532
147
المقاربة التاريخية
منصب الداي 1فخلفه الداي شعبان 0711-0733الذي واصل نهجه بيد أن ماميز
فترة حكم هذا الداي أنه خلق صراعا طبقيا بين السلطة و املجتمع إذ البد أن نشير إلى أن
التقسيم الهرمي للمجتمع في تلك الفترة ساهم بشكل كبير بخلق النفور بين السلطة
والنخبة فالعثمانيون احتكروا املمارسة السياسية بالبالد ثم أنهم عاملوا السكان معاملة
احتقار واستعالء وخلقوا طبقية سلطوية خوفا من أن تنفلت األمور من بين أيديهم فصار
الحكم دائرا بين فئة محددة وفق مانبينه في الشكل التالي:
البايات
فهذه الفئة هي التي تسببت في خلق النفور بين السلطة و املجتمع بنخبته املثقفة
غالبا ماكانت ترقى إلى هذه املناصب عن طريق الرشوة 1وكانوا يمنعون فئة املولدين
العثمانيين من أمهات جزائريات اإلرتقاء إليها واعتبروهم أبناء عبيد حتى اليتسنى
لهم الظفر بمقاليد السلطة .2إذ لم يكن الداي في هذه الفترة من حكمه يبالي
بالوضع الداخلي للسكان والحتى لوضعية النخب الثقافية .فقد انصرف نشاطه
فقط في محاولته إخضاع اإلياالت املغاربية 3املجاورة للجزائر ويمكننا كذلك ان
نقف عند تأثير التوتر والصدام العسكري 4الذي شهد له تاريخ اإليالة مع املغرب
فالعالقات السياسية التي تداخلت فيها العالقات الجزائرية املغربية أثناء الحكم
العثماني بالجزائر عرفت ماتسميه األبحاث باالعتداء املغربي على الجزائر فبداية
تميزت العالقات بينهما بالسلم لتنتهي إلى نشوب حروب نتيجة تحالف املغاربة مع
الفرنسيين ضد الجزائر مما كان له تأثير قوي على تدبدب األوضاع و إنصراف
السلطة إلى حل املشاكل الخارجية على حساب املشاكل الداخلية.
لكن ماحال دون بقاء هذا الداي في السلطة هو امتداد الخالفات في فترة حكمه داخل
الجيوش اإلنكشارية أنفسهم كالخالف بين الداي شعبان وأحمد باشا الذي حرض ضده
الجنود و خلفه في ظروف جد متدهورة بعد أن تم قتله من قبل جنود اإلنكشارية
،0711ومن ثم توالت سلسلة اإلغتياالت للدايات في هذه الفترة بكثرة فقد أعدم الحاج
مصطفى باشا خنقا 0611وخنق محمد بكداش باشا من طرف الجيش كذلك عام
0601وقتل دالي ابراهيم باشا في نفس السنة وقتل محمد بن حسن باشا عام 0628
وسمم ابراهيم كوتشوك 0683وقتل حاج علي باشا و محمد باشا في نفس السنة
0301وعمر باشا 03061فهذا الجو من الصراع الدامي على تداول الحكم جعلت
السلطة تصب اهتمامها و انشغالها الدائم على محاولة التخلص من املؤامرات و البحث
عن طرق لتفادي مخاطر اإلغتيال مماجعلها تهمل الشؤون العامة للرعايا خاصة ملا تولى
في هذه الفترة حكام ضعاف ليس لهم خبرة سياسية 2والطرق دبلوماسية في تعاملهم مع
نخبة املجتمع مما ترتب عنه وقوع اختالل في العالقة والالأمن وفقدان الثقة بين الطرفين.
ولهذا نخلص إلى القول بأن هذه املرحلة قد عرفت فوض ى سياسية مست جوانب
متعددة من العالقة التي كانت قائمة بين السلطة و النخب الثقافية فاملحاوالت التي قامت
بها السلطة في عزل هذه الفئة عن ممارسة العمل السياس ي وسلسلة اإلغتياالت و النفي
التي قامت بها والتي أشرنا إليها آنفا بغرض اإلنفراد بالحكم كانت عامال إنطالقيا نحو
انتشار الفساد ،ويعود هذا بالدرجة األولى إلى الطريقة التي سيطرت من خاللها فئة معينة
على الحكم بالجزائر في فترة الدايات فالطريقة التي كان يتعين بها الحكام وعالقاتهم
بالرعايا وكذا أهم الطبائع و التصرفات الالأخالقية التي كانوا يقومون بها وأهمها تهميش
واغتيال كل من اليخدم مصالحهم الشخصية أدلت بقمة اإلستبداد املطلق الذي كان
سائدا بكثرة آنذاك ،إذ يفسر املؤرخون أسباب هذا الفساد بشكل واضح من خالل
األحداث التي يسردونها في كتاباتهم وعلى الرغم من النظرة الضيقة التي يبدونها في طرحهم
ألسباب تدهور العالقة بين " النخب " و" السلطة " وتفاعلها مع حيثيات الوقائع التاريخية
الهامة من زاوية واحدة ،إال أن السلطة في رأينا كانت تهدف من خالل مشروعها السياس ي
إلى البحث عن تصنيف خاص لنسقها السياس ي من خالل الصراع الذي خلقته الفئات
َ
املتمثلة في طائفتي رياس البحر واإلنكشارية فبعد إنهاء الصراع مع القوى العسكرية
األجنبية الخارجية برزت السلطة بوجه آخر وهو وجهها الحقيقي املتمثل في سلطة
مستبدة .فقد خلقت صراعا طبقيا شديدا و كانت تحتكر املناصب السامية وتستحوذ
1
- Laugier De Tassy. Histoire du royaume D’Alger (1724).Editions loysel,
Paris, 1992, p.130-135.
2
- Laugier De Tassy. Op cit, p.130
150
المقاربة التاريخية
على الحكم و تشرف على جباية الضرائب حسب أهواء البايات ونزعاتهم التسلطية،
فبالرغم من اإلمتيازات التي كانت تمنحها لبعض الفئات التي كانت تمثل البنية التقليدية
للمجتمع والتي تتيح لهم حق املشاركة في بعض الوظائف اإلدارية بقصد تنشيط الحياة
الجماعية إال أنها لم تكن تسمح لهم املشاركة في الحياة السياسية فهي بذلك كانت تسعى
لتحقيق أهدافها عن طريق التالعب بعواطف الرعايا من خالل استغالل رجال الدين في
تسيير قضاياها الداخلية ،فتدهور الوضع السياس ي و دبت الفوض ى ،وأثر هذا الوضع
تأثيرا مبالغ فيه على العالقة بين الرعايا والسلطة وخاصة نخبة املجتمع ومثقفيها.
وسنحاول من خالل هذه ال قائمة إبراز أهم الدايات الذين حكموا الجزائر في هذه
الفترة .
0611-0683م
محمد بن بكير
لقد عمدت سلطة الدايات لفرض وجودها بالبالد على استخدام خطة
استراتيجية سياسية محكمة البناء لتتمكن من إدارة املجتمعات الداخلية بصفة غير
مباشرة ،إذ كانت تستند على التحالف القائم بينها وبين رجال الدين بالرغم من استياء
بعض األعيان من أصحاب النفوذ السياس ي بالبالد من هذا الحكم ،1وتمكنت من
السيطرة السياسية و اإلقتصادية على البايلكات ،فغالبا ماكانت تعمل على إنهـاك السـكان
بضـرائب إضـافية ،مما أدى إلى تراجـع النشاطات الزراعية والحرفية والتجارية .وكانت
أموال الجباية توجـه إلى الداي وحاشيته ،في كل مناسبة رسمية ملا يتقدم البايات بضرائب
أقاليمهم1
وفي الوقت نفسه منحت امتيازات لرجال الطرق الصوفية ليزداد نفوذها أكثر
واعترفت بالحكم املحلي لهم مقابل ضريبة يدفعونها للسلطة املركزية 2وقد مثلت القبائل
املخزنية الجهاز السياس ي للبايلك فلعبوا دورا هاما في مساعدته في جمع الضرائب وتذكر
املصادر التاريخية أصناف القبائل املمثلة للسلطة أهمها الدواير و الزمالة حيث اقتطعت
لها السلطة أجود أنواع األراض ي الزراعية ببايلك الغرب 3وفي حال التمرد على السلطة
واملجاهرة بالعداء لها كانت تمارس سياسة الترهيب إلى حد كبير في إخضاع القبائل
املمتنعة عن دفع الضرائب بالقوة إذ يمكننا أن نذكر هنا بعض النماذج من هذه
املمارسات ،حيث أخضع الباي محمد الكبير الذي شاع بتقديسه للعلماء قبائل جنوب
الصحراء لسلطة الداي 4و أخضع الباي خليل الذي كان على رأس معسكر كل العلماء
املعادين للسلطة 5و أخضع محمد مقلش باي وهران القبائل التي ساندت ثورة درقاوة.6
وملا عين صالح باي على رأس البايلك الشرقي أخضع قبائله "فحارب الزواوة عام
0662وحارب أوالد نايل عام 0668وضرب الدواودة الذين أحدثوا اضطرابات
-1اقتباسا عن صباح نوري هادي العبيدي ،يالة الجزائر العثمانية :بين موارد البحر والضرائب ،مجلة امللوية
للدراسات األثرية والتاريخية ،املجلد ، 2العدد ،51السنة الرابعة ،جامعة سامراء،2151 ،ص.581
-2أبوالقاسم سعد هللا ،مرجع سابق ،ص.251
-3أنظر جغلول عبد القادر ،تاريخ الجزائر الحديث ،ط ،8دار الحداثة للطباعة و النشر و التوزيع ،بيروت،5138 ،
ص25
-4أنظر ابن الهطال ،مصدر سابق ،ص.81
5
- W.Esterhazy, la domination turque dans l’ancienne régence d’alger,
Grossein, paris,1840,p186-188
-6االقبائل التي تم إخضاعها من طرف باي وهران تجسدت في قبائل بن عامر و البرجية و املهاجر أما اإلطار الزمني
حسب ماتذكره املصادر التاريخية 5313-5311وملزيد من املعلومات ،عد إلى:
W.Esterhazy, op,cit,pp.202-213
153
المقاربة التاريخية
ببسكرة وشارك بقوة في مواجهة حملة أوريلي عام 1"0661وألزم زاوية أوالد سيدي
عبيد بدفع ضريبة اللزمة. 2
ووفق تلك الرؤية أسفرت هذه السياسة عن حدوث تفكك في البنى التحتية للعالقات
بين الطرفين ولم يعد هناك ارتباط وثيق بالسلطة ،ونتيجة لذلك ،أسهم هذا اإلخضاع في
حدوث ثورة اجتماعية .
وسنكتفي هنا باإلشارة إلى ما كتبه مسلم بن عبد القادر الحميدي 3حيث ألف
منظومة وصف فيها مساوئ الحكام في تعاملهم مع الرعايا ،قال فيها:
وأشار في كتاباته أيضا أن حكم العثمانيين لم يكن عادال 5فهو يرصد السمات الخاصة
للواقع السياس ي و االجتماعي الذي أنتجه نظام الدايات ،كما أن املصادر األروبية التي
خلفها الذين عايشوا هذه التوترات قد أبدت استياءا من املعاملة السيئة التي كانت
السلطة توجهها ضد السكان فهي التتخطى ما أبدته الكتابات املحلية في هذه املسألة وقد
-3هو س ي مسلم بن عبد القادر الوهراني دارا ،الحميري الزايري أصال ،أديب ومؤرخ بايات وهران ،أنظر،
صادق بن قادة ،الذاكرة املكتوبة والتاريخ :أضواء جديدة حول شخصية مسلم بن عبد القادر الوهراني أديب ومؤرخ
بايات وهران (القرن 58هـ51/م) ،مجلة إنسانيات ،العدد ،8الجزائر ،ص.21-81
-4أنظر ابن سحنون ،مصدر سابق ،ص.11
-5أنظر ،مسلم بن عبد القادر الوهراني ،تاريخ بايات وهران املتأخر أو أنيس الغريب واملسافر،ط،5تحقيق رابح
بونار،الشركة الوطنية للنشر و التوزيع ،5112،الجزائر،ص.11
154
المقاربة التاريخية
وفي الواقع ،تتقارب هذه التصورات في اإلطار العام ،بين املصادر الغربية و املحلية حول
وقائع ومظاهر القطيعة
السلطة ،إذ ليس من هدفنا مقاربة كل املصادر وما سردته من ِ
بين السلطة والنخب الثقافية فاملجال هنا ال يتسع للخوض فيه ،لكننا نحاول أن نعطي
نماذج ونبني تصور منهجي يبرز الحقائق ويقيم العوامل والدوافع التي ساهمت في إحداث
التحول والتوتر بين الطرفين موضوع الدراسة.
و في ذات السياق كان ابن زرفة من أبرز املثقفين الذين نقلوا لنا صورة عن حدود
هذه العالقة وعن التجاوزات التي كانت تحصل من طرف السلطة في خرق "العدالة"
و"القانون" فيرى أنها كانت تطبق على الفئات االجتماعية املناوئة لها قواعد الحرب
اإلسالمية 2فهو يقصد بذلك أن الهدف الذي كانت تنشده السلطة العثمانية من وجودها
بالجزائر هو توفير الحماية ألفرادها مهما كان انتماءهم ،لكن عندما يتمرد سكانها
1
- lauguer de tassy, Histoire du royaume d’alger, Amsterdam,1724, pp.124-
127
-2ابن زرفة محمد املصطفى بن عبد هللا بن عبد الرحمن ،اإلكتفاء في جوائز األمراء و الخلفاء ،مخطوط مسجل
تحت رقم ،223381لغة املخطوط العربية 32 ،ورقة ،معهد أحمد بابا للتعليم العالي والبحوث اإلسالمية ،تومبوكتو،
مالي نص املخطوط مقتبس عن أبو القاسم سعد هللا ،مرجع سابق ،ص.251
155
المقاربة التاريخية
ويخرجون عن طاعتها ووالئهم لحكامها ،عندها تشرع في اعتقالهم وعادة ما يصل بها األمر
إلى اغتيالهم.
لهذا السبب كان هذا النوع من املمارسات قد فتح باب الصراع الذي انطلق
مباشرة بعد إخراج اإلسبان من املنطقة وتحرير وهران فساءت العالقات ،وكان في مطاف
السلطة األخير إنهيار نظام الدايات وخاصة بعد التنكيل بعدد كبير من النخب الثقافية
وإقصائهم من املشاركة في العمل السياس ي.
وال بد من إسقاط مانقله لنا ابن زرفة على ما أثبتته الوقائع التاريخية ،في أن
السلطة كانت تعفي العلماء واملرابطون الذين يتعاملون معها بوالء وخضوع من الضرائب
وسميوا ب"املخزن" وحتى تتضح الرؤية لجأ عثمان باي األعور إلى إعفاء الزبوش ي مرابط
ميلة من الضريبة ألنه كان يحرض الناس ضد األتراك 1أما الذين كانوا مناوئين لهم فقد
أجبروا على تخليص الضريبة وعوملوا معاملة قاسية و لقبتهم "بالرعايا" 2فهي بهذا اللقب
كانت تجرد السكان املحليين من املشاركة في تسيير شؤون بالدهم الداخلية كما جردتهم
من اعتالء الوظائف السياسية واملناصب اإلدارية السامية.
-1أنظر صالح عباد ،الجزائر خالل الحكم التركي ،دار املنهل للنشر،الجزائر،2152،ص.811
-2أنظر أبو القاسم سعد هللا ،تاريخ الجزائر الثقافي،ج،5ص.255
3
- pierre Boyer, Contribution à l'étude de la politique religieuse des Turcs
dans la Régence d'Alger (XVIe-XIXe siècles),revue des mondes musulmans
et de la méditerranée, Année 1966 1 pp. 11-49
4
- - FEDERMAN, HENRI/AUCAPITAINE, Henri, "Notice sur l’histoire et
L´administration du beylik de Tetteri" in R.A, N°12, 1867,p. 210,211.
-5املهدي بوعبدلي ،وناصر الدين سعيدوني ،الجزائر في التاريخ ،املؤسسة الوطنية للكتاب،الجزائر ، ،5132،ص.85
156
المقاربة التاريخية
ضرائب ،1وظل تكوين هذه العالقة قائما بحد ذاته بدون محاسبة السلطة على
الضغوطات التي كانت توجهها لهم ،ولعل هذا ما يبرر أن السلطة قد سعت إلى خلق عالقة
جدلية جمعت فيها بين القوة و القانون في ضرب الرعايا وتطويعهم لضمان إستمراريتها
بالرغم من اإلمتيازات والعطايا التي كانوا يتلقونها مقابل الرضوخ لهذه السياسة 2وهذا ما
يدفعنا إلى الحكم بأن السلطة قد تجاهلت الصالح العام و يتمثل هذا التجاهل في منع كل
حرية قد تطابق اتجاه "املصلحة العامة" ،فالسلطة هنا تولت الحكم بالغلبة وحازت على
السلطة الدينية وتمكنت من إغفال رجاالت الدين وتلبست ذرع الحماية لإليالة مقابل
ضرائب نفعية يدفعونها.3
وبشكل ملفت لإلنتباه فقد احتلت ثورات الطرقيين موقعا بارزا في هذه
الفترة4كرد فعل لهذه السياسة املجحفة ،كما أنها عمقت من أزمة تراجع نظام الدايات
باإليالة لكن سرعان ماكان يتم إخضاع القبائل املوالية لها بمساعدة القبائل املخزنية.5
إن الخوض في تفاصيل هذا التوتر يوضح مدى الرغبة الجماعية في اإلنفصال عن
سلطة أجنبية أبدت حميتها الدينية في محاربة الغزو اإلسباني ،وتجاوبت البنية التقليدية
التحتية لهذه الحمية وفي غضون بضع فترات زمنية تنقلب املوازين إلى سلطة قهرية
مستبدة وتنقلب املواقف مطالبة إياها بتطبيق التزاماتها الشرعية التي دخلت عن طريقها
الجزائر.
1
-Marcel Emerit, Les Aventures de Thédenat, esclave et ministre d'un bey
d'Afrique, XVIIIe siècle ,sociétéhistorique algérienne,1948, France,p182.
فاملحلل ألسلوب تعامل السلطة مع القبائل الثائرة و أهم التمردات التي قامت
بكل فعالية كرد فعل معارض للسياسة الضريبية واإلستبدادية التي كانت تفرضها على
املجتمع ،يجد أنه اليختلف تماما عن تجربة املستعمرات ذات القوة العسكرية العظمى
ألراض ي ماوراء البحار.
لقد أدى الوقف عدة وظائف إيجابية بمجتمع الجزائر العثمانية فقد شكل دورا
أساسيا في حياة الجزائريين في تلك الفترة إذ سعت السلطة إلى فتح مجال تولي اإلنفاق
عليه بشكل كبير ،وكان هذا اإلنفاق يقوم بتقييده القضاة بصيغة قانونية ملزمة حيث
تسهر السلطة القضائية على ضبط كيفية صرفه و استغالله من طرف املؤسسة
الوقفية 1كتلك التي كانت تشرف عليها مؤسسة سبل الخيرات التي اعتنت كثيرا بمنشآت
الحنفية كجامع شعبان خوجة 0718م وجامع كتشاوة 2وغيرها خاصة ملا كانت تستغل
للعناية بالعلماء وطلبة العلم وعابري السبيل ،فكانت تحقق لهم النفع املادي و املعنوي
كما تجسدت مؤسسة األوقاف في أوقاف الحرمين الشريفين التي كانت تعمل على تقديم
اإلعانات ألهالي الحرمين الشريفين املقيمين بالجزائر و كذا أوقاف املسجد األعظم
وأوقاف مؤسسة بيت املال والتي كانت تشرف على إقامة املرافق العامة من طرق وجسور
وتشييد أماكن العبادة من مساجد وزوايا وكانت تتكفل بتغطية نفقات بعض العلماء
التابعين لبيت املال.3
وبما أن هذه املؤسسات كانت تتمتع بنفوذ كبير في املجتمع كان أي استغالل غير شرعي لها
يعتبر من الجرائم التي تثير حفيظة املجتمع ،وفي املقابل أكدت املصادر التاريخية أن
-1محمد بوشنافي ،دور السلطة القضائية في تنظيم و استغالل األوقاف بمدينة الجزائر أثناء العهد العثماني من
خالل وثائق املحاكم الشرعية ،مجلة املواقف ،املجلد ،52العدد ،5جامعة معسكر81 ،جوان ،2151ص213-211
إهمال السلطة العثمانية لألوقاف ونهب أموالها كان املحرك األول للتوتر بين طبقة رجال
الدين وبينها خالل هذه الفترة التاريخية مما خلق صراعا داخليا ،فالوكالء عادة ماكانوا
يخرقون ماورد من إلزام قانوني في الوثائق الشرعية 1في كيفية صرف األوقاف إذ كانت
السلطة تحول عائداته وفوائده إليها 2ويمكننا أن نشير إلى نماذج من ما تم وقفه في هذه
الفترة ال للحصر ،األسالك العقاريـة ،األراضـي الزراعيـة ،الدكاكين ،الفنادق ،أفران
الخبز ،العيون والسواقي ،الحنايا والصهاريج ،أفران معالجة الجير ،الضـيعات ،املـزارع،
البساتين ،الحدائق.3
وإذا كانت هذه املؤسسة التي نهبت تشكل أهم مظهر من مظاهر الحضارة اإلسالمية
فهي تزكي شرعية السلطة ووجودها ألنها تعبر عن تفعيل إرادة الخير في املجتمع ،فقد
كانت املواقف السلبية التي صدرت منها تجاه هذه املؤسسة محور الصراع الذي استاءت
له النخبة وعلى رأسهم رجال الدين 4الذين أبدوا تذمرا من طريقة تسيير هذه املؤسسات
الدينية حيث تثير املجادالت بين عدة تقارير وكتابات عثرنا عليها هذا اإلشكال بش يء من
الذهول ملا تثير األسباب التي بعثت على خلق فجوة وصراع دائم بين النخب من رجال
ُ
الدين و السلطة في عدم احترام املواثيق التي نص عليها املوقف وتحويل مصارفها ألغراض
ُ غير شرعية ،إذ َ
تصرف الوكالء كما أشرنا سابقا على غير ما وقعته املواثيق بين املوقف
والقائمين على إدارة الوقف فقاموا بتغيير مصاريفها والعبث بمواردها واألغلب أنه كان
يتم كتم الوقف للتصرف فيه بالبيع وفي أحيان كثيرة كان يتم االستيالء عليه ليصبح ملكا
تابعا للسلطة ،إذ أبرز الورتيالني في رحلته عدة مواقف في إطار هذه الفكرة وأهمها
الطريقة التي استولت بها السلطة على األوقاف ملا تصرفوا فيها " كاألمالك الحقيقية
وجعلوا الخطط الشرعية 1لهم ظلما".2
وتتهم املصادر التاريخية السلطة باحتكارها فوائد الوقف وتحويله إليها بناءا على الشكاوى
التي كان يتقدم بها الرعايا ضد الوكالء املتصرفون فيورد لنا البوني في أرجوزته 3التي
عم ببونة (عنابة) حقائق عن هذه أهداها للداي محمد بكداش شاكيا له الظلم الذي َ
اإلشكالية ،حيث يقول:
-1تختص الخطط الشرعية في نظام الدولة التي تساير األنظمة اإلسالمية بالفتوى و القضاء و الحسبة ووالية
املظالم أنظر :محمد نعمان جالل ،االستراتيجية والدبلوماسية والبروتوكول بين اإلسالم واملجتمع الحديث ،ط،5
املؤسسة العربية للدراسات و النشر ،بيروت ،2112 ،ص .211
-2أنظر :الورتيالني ،مصدر سابق ،ص 333عن أبو القاسم سعد هللا ،مرجع سابق ،ص223
-3أنظر ابن ميمون ،مصدر سابق ،الورقة 28لإلشارة الفكرة تطرق إليها أبو القاسم سعد هللا كذلك في كتابه تاريخ
الجزائر الثقافي ،ج ،5ص223
160
المقاربة التاريخية
إال أن التقرير الذي كتبه 1Aumeratفي ذات السياق يثبت أن بعض عائدات
األوقاف التي كانت موجهة إلى الحرمين الشريفين مثال كانت تصرف على فقراء اإليالة
من طرف الوكالء ولم تكن تلك العائدات حبسا عليهم فكانوا يتقدمون بشكاوي كثيرة
ضد حرمانهم منها اعتقادا منهم أن مال الوقف عائدا إليهم بالدرجة األولى ،وبالتالي
نجد بأن Aumeratيرصد لنا رؤية حيادية وقد تبدو معقولة تاريخيا ،ألن
الوقفيات التي عثر عليها أبوالقاسم سعد هللا تبرز "أن الحكام كانوا يشعرون ببعض
الواجب الديني تجاه املجتمع الذي كانوا يحكمونه ،فاليكاد يوجد باشا ظل في الحكم
مدة طويلة إال وقد بنى جامعا أو كتابا أو زاوية" 2فهو على هذا يصف األمر الواقع،
على أن السلطة قد تدخلت في مواقف عديدة للحد من التجاوزات التي استاءت لها
نخبة املجتمع فالسلطة كانت تعمل على تغيير الوكالء الذين يشيع عنهم الفساد في
التصرف بأموال الوقف مثلما فعل الباي محمد الكبير ملا أقر نظام محاسبة الوكالء
واستعادة أمالك األوقاف التي تم تحويلها بالغصب إلى أمالك شخصية كما هو الحال
بالنسبة لألراض ي التابعة ملدارس تلمسان والتي أعادها إلى حالتها الطبيعية 3ونفس
الفكرة التي دافع Aumeratعنها من خالل مسألة أن إيرادات النفقات املالية التي
كان من املفروض أن توجهها السلطة لفقراء مكة و املدينة تحت إشراف مؤسسة
الحرمين الشريفين صارت توجهها لفقراء العاصمة مقابل تحقيق منفعة عامة لألفراد
بهدف إشباع حاجات الرعايا العامة وملا تتوقف السلطة عن مواصلة توجيه هذه
النفقات املذكورة آنفا لهم هنا يقع الصدام الذي سبقت اإلشارة إليه من خالل
املصادر التي رصدناها.
1
Aumerat, La propriété urbaine à Alger,Bulletin de la société
Historique Algériénne, Revue Africaine,Articles N°227, 1897,p326.
فالعالم – كما قرروه– في نظر بعض البايات الذين تداولوا على السلطة في نهاية
الحكم العثماني بالجزائر هو مجرد بهيمة المكانة له في البناء اإلجتماعي باإليالة ،إذ
يستشهد Boyerبواقعة مرابط تسالة الذي وضعه الباي محمد الكبير على ظهر حمار
وطاف به في أرجاء املنطقة بهدف التقليل من شأنه أمام الرعايا ،2بل أن هذا النوع من
التجاوزات في حق رجال الدين تعدت تمثالته حدود املعقول حينما ترصد لنا بقية
املصادر التاريخية صورة عن واقع العالقات التي ربطت السلطة بالنخب فلقد كان بعض
البايات ينفرون من العلماء 3وفي كثير من األحيان كان يصل بهم األمر إلى القيام بالتنكيل
بهم ظلما وعدوانا كعائلة قيدورة التي قام الداي محمد بكداش أثناء توليه السلطة
باغتيال بعض من نخبها منهما األخوين عالل قدورة و أحمد قدورة عام 0003ه 4والذي
تولى منصب اإلفتاء على املذهب املالكي بينما في نفس الفترة تقوم السلطة بتعيين ابن
-1من بين تلك الطروحات لزغم فوزية التي ذهبت في هذا اإلتجاه في أطروحتها املعنونة البيوتات و األسر العلمية،
ص112
2
-piérre Boyer, Contribution a l’étude de la Politique religieuse des Turc
dans la régence d’Alger XVI-XIX Siécle, R.O.M.M,N°01,1966.PP.37-38.
-3املزاري ،طلوع سعد السعود ،ج ،5ص.231
-رابح خدوس ي،موسوعة العلماء و األدباء الجزائريين .الجزء الثاني ،ص4 255
162
المقاربة التاريخية
اخته عبد الرحمن املرتض ى حسب ماورد في تقييدات ابن املفتي 1ونكل حسن باي وهران
بالشرفاء والعلماء حيث قتل محمد بن أحمد الصدمي وهو من الفقهاء ونكل بابن عبد
هللا بن حواء التيجيني الدرقاوي وهو من أسر الشرفاء عام 0281ه 2كما أنه أحدث
محاكم التفتيش 3ملحاربة العلماء بهدف الحد من تدخلهم في الشؤون السياسية وفقا
لنظام الدولة وغالبا ماكانت تسمح بتنفيذ عقوبة اغتيالهم إذا ثبت توجههم السياس ي
أثناء أدائهم ملهامهم ونفس التوجه سلكه الباي خليل في معاملته للعلماء 4وكذا الباي
أحمد القلي 0660-0617الذي غالبا ماعمل على مصادرة أمالك العلماء من
املرابطين.5
ويورد العنتري أسماء لبايات شاعوا بالفساد و الفجور و الظلم أهمهم شاكر باي و صالح
باي ،فقد ضغط شاكر باي على أسرة آل املقراني إذ أن هذه األخيرة تمكنت من كسب
النفوذ املحلي بمنطقة القبائل "وفرضت حكمها على خمسة و ثالثين قبيلة وسبعة و
عشرين زاوية حتى أصبحت تشكل إمارة" 6مستقلة عن سلطة العثمانيين هذا ماجعلها ال
تسلم من تنكيل السلطة ضدها عام0308م 7حيث اتهمت السلطة آل املقراني
بتحريض القبائل ضدها خاصة قبائل الحضنة فبعد أن تولى شاكر الباي الحكم
بقسنطينة بدأ ينفذ عملية اغتيال كل من له صلة بهذه العائلة فقتل أوالد عبد النور
وقتل شخصين من سعيد ابن سالمة وقام بخداع آل املقراني حيث دعا أشخاص منهم
ملقابلته من أجل مشاورتهم في أمور إدارية تخص املنطقة لكنه ارتكب مجزرة رهيبة جدا
في حق بعضهم كما قام بالتنكيل بأوالد ابن عاشور وخادع الشيخ مصطفى ابن الدراجي
عام .03081وبهذا أصبحت هذه الفترة تعد من أبرز الفترات التي وضعت حدا لحياة أي
نزعة فكرية بارزة تحاول أن تبرز الوجه الحقيقي للسلطة الحاكمة.
ويورد اآلغا بن عودة املزاري في كتابه قتل حسن باي وهران للعالمة سيدي الحاج
محمد البوشيخي وهو أحد شرفاء وعلماء املنطقة وسجنه للحاج محي الدين بن سيدي
مصطفى بن املختار والد األمير عبد القادر إذ أورد فيه السنوس ي ابن السيد الحاج عبد
ي الدحاوي قصيدة يندد فيها هذه املعاملة فقال2: القادر بن السنوس
رأوا ولكن أشقى القوم شيطان لم يشتوك أمحي الدين عن زلة
من أجله قد عاد عليك سلطان صبرا فال غرو أن ّ
تنحل عقدة من
الغم أن ّ
صدوا وأن خانوا ويكشف ّ ويكظم الغيظ من خصم ومن حكم
سيهزم الجمع أو يشتت ديوان بل ال عليك وإن ساءت ظنونهم
ّ
للمتقين وصدق القول قرآن إن العواقب في القرآن ثابتة
يهدي إلى الحق لم يملك طغيان وأنت وهللا لم تزل على سنن
وتحمل الكل ال ّ
غش وال ران تقرى الضيوف وتسعى في حوائجهم
قلب وتصبح مثل البدر تزدان ّ
املفصل عن تبيت بين الدجا تتلوا
ّ ّ
تلقن الذكر والفؤاد يقظان تد ّرس العلم مرة وثانية
وما حواليك ّ
حراس وأعوان فاهلل أسأل أن أراك منطلقا
ومن ثم يمكن القول بأن رصد املصادر والدراسات لهذه التمثالت حول اإلهانة و اإلغتيال
التي تعرضت لها النخب الثقافية في عهد الدايات تعد من املؤشرات البارزة التي أدت إلى
ظهور ماسمي بعد ذلك بثورات الطرقيين ورغم أن بعض النخب من األسر العلمية قد
شهدت تولي لوظائف مرموقة وكرمت من طرف السلطة فإنه في فترة أخرى قد عاشت
حياة توتر وقلق دائم من السلطة وعلى رأسها أسرة ابن باديس التي ال تقل مكانتها أهمية
نظرا لألدوار التي أدتها في مجاالت متعددة وظل علماء آخرون يكرمون تارة و تارة أخرى
يهانون وفي نفس السياق نجد بأن بكداش في فترة حكمه كان يتقرب من العلماء ويجزي
لهم العطايا ومن بينهم عاملها أحمد بن ساس ي البوني .لكن النعتقد في طرحنا أنه كانت فيه
مواالة للسلطة من طرف املنتخبون الذين تم تعيينهم في مناصب ممتازة آنذاك خاصة وأن
انحدار هذه الفئة من عائالت عريقة كان لها مواقف ثابتة ذات قيمة اجتماعية بارزة
آنذاك ،فالبوني كان ينتمي إلى أسرة عريقة في التصوف و الزهد وكانت له مكانة خاصة
بعنابة وعالقات طيبة بشيوخ قسنطينة مثل بركات بن باديس حيث شاع عنه كثرة
التواصل و املراسالت مع محمد بكداش وحسن خوجة إال أن كل ماهناك أن هؤالء
األشخاص ذوو األسر العريقة لم يكونوا يتدخلوا في املسائل السياسية ولم يعلنوا تمردهم
ضد السلطة خاصة في الحواضر العلمية الكبرى .لهذا نجدها تسمح تارة لنفس العائلة
بتولي مناصب ذات وزن في الهرم اإلجتماعي وتارة أخرى تمنع كل من يحاول أن ينشر الوعي
ضد املمارسات السياسية التي كان الدايات يسايرونها خالل فترة توليهم الحكم بالبالد ولو
كان ينتمي إلى نفس العائلة وبالتالي كانت العالقة مبنية على أساس مصلحة تخدم السلطة
عبر الوساطة املجتمعية.
إذن نشهد تضارب املواقف وتداخلها أحيانا وأغلب مظاهر النفور كانت بادية من
مغلقا1 الريف ضد نظام الحكم ألن النظام السياس ي العام كان نظاما جمهوريا عسكريا
فهم اليسمحون ألنفسهم باإلختالط مع أي كان من الجزائريين وإال سيحرمون من مقاليد
القيادة و الحكم في حالة خالفوا تقاليدهم النظامية .وبالرغم من ذلك كان بعض أبناء
املدن يتمتعون بمكانة مرموقة لدى السلطة كما سبق وأن أشرنا مقارنة بسكان الريف
فاملناصب الدينية التي كان يرقى إليها هؤالء جعلتهم يربطون عالقات ودية مع السلطة فما
شاع عن بعض الباشوات في تقربهم من النخب املثقفة مثل يوسف باشا الذي عاش في
القرن06م والذي ربطته عالقات جد طيبة مع عائلة البوني بعنابة هو إسقاط لنفس
العالقة التي ربطت هذا األخير ببكداش وغيره لكن بالرغم من أن الدراسات ترى بأن هذه
العالقة كان يمألها اإلحترام و الود إال أن هذا التقرب كان مبني على مصلحة كما أسلفنا
والدليل في ذلك أن تقرب يوسف باشا من هذه العائلة كان يهدف إلى خلق وساطة
اجتماعية بينه و بين الرعايا من أجل الوصول إلى حل سلمي للخالفات التي عادة ما كانت
تقع ضده خاصة وأن هدف يوسف باشا كان يصب في القضاء على بعض الثورات املحلية
وعلى رأسها ثورة ابن الصخري .1في نفس السياق نجد أن هذا التمثل العالئقي يتجسد
لدى العديد من الحكام فمثال رغم العالقة التي ربطت الباي حسن آخر بايات وهران
ببعض العائالت الشريفة و على رأسها عائلة املشارف التي اشتهرت بالتصوف والزهد
وإظهاره الود ملشايخها و على رأسهم الطاهر بن عبد القادر املشرفي 2إال أنه شاع عنه
تنكيله بالعلماء وهذا راجع إلى تدخلهم ببعض املسائل السياسية وهذا مايفسر تنامي
عالقة النفور بسبب إخضاع السلطة والتآمر على كل من حاول أن يمس بقضاياها
الداخلية .3و يسمح لنا تحليلنا للوضع آنذاك أن نورد أمثلة في شأن هذا التدبدب فمن
أولئك الذين لم تكن عالقتهم مستقرة مع السلطة املفتي محمد بن بوضياف و املفتي عبد
القادر الراشدي 4الذي تولى قضاء قسنطينة على املذهب املالكي و فتواها فنجد أن
تحليلنا ملتغيرات واقع العالقات بين السلطة و النخب يتطلب اإلتصال بعدة تجارب
جمعت بين الطرفين للوصول إلى حقائق ثابتة ،ألن هذا اإلنقسام لم يكن له وجود منذ أن
حكم العثمانيون الجزائر إلى أن انطلقت ثورات رجال الدين ،التي صورتها الكتابات
التاريخية في عدة مصادر والتي أشارت إلى أن الصدام الذي آثرته فئة النخبة ضد السلطة
يحتمل أن يكون مصدره األساس ي ثورة درقاوة والتي سنشير إليها بش يء من التفصيل
الحقا.
فالسلطة بذلت مجهودات الحصر لها في إبعاد وقتل كل عالم ومثقف يحاول أن
يتدخل بطريقة أو بأخرى في شؤونها السياسية الداخلية ،فضال عن نفيهم إلى دول أجنبية
وترهيبهم .فقد حكم الديوان على املفتي الحنفي محمد بن مصطفى باإلغتيال عام
0083ه دون تهمة واضحة موجهة إليه1.
ومما ال شك فيه أن ظاهرة اغتيال العلماء وعزلهم و إهانتهم كانت لها تأثير عميق في
تحديد األطر العامة للعالقة بين الطرفين فنتج جراء ذلك التمرد و الثورة كرد فعل
طبيعي ضد نظام الدايات ،فمنتصف القرن 01م تميز بكثرة اإلغتياالت وسط
املرابطين و العلماء والتي أشار إليها Mercierكثيرا في كتاباته وبموجب ﻫذه
الفكرة فإن السلطة وصل بها األمر إلى خلق نوع من االنفصال في العالقة بينها و بين
املجتمع و الذي صار يعرقل السير الحسن للحياة املدنية داخل اإليالة.
لم يمنع احتكار العثمانيين للسياسة من تدخل النخب الثقافية كوسطاء بين السلطة
و الرعايا نظرا ملا كانوا يتمتعون به من قدر عالي من الجاه و النفوذ إال أن األوضاع
اإلقتصادية املتدهورة التي آلت إليها البالد أحدثت منعرجا في مسار هذه العالقة وال داعي
إلعادة تكرار ماكنا قد رصدناه سابقا من تمثالت حول أسباب التقارب بين النخب
الثقافية و السلطة فقد انتهج العثمانيون سياسة مميزة مع هذه الفئة بهدف السيطرة
على الوضع اإلجتماعي ،خاصة أثناء التالحم ضد القوات الصليبية لكن سرعان ماتم
بسط نفوذ السلطة بالجزائر و القضاء على الغزو اإلسباني فأخذت األوضاع تتدهور شيئا
فشيئا مع مرور الزمن فأول ما أقدمت السلطة عليه ،أنها قامت بحرمان العلماء ورجال
الدين من اإلمتيازات التي غالبا ماكانوا يتمتعون بها ومن تلك اإلمتيازات اقتطاع عدد من
األراض ي الزراعية لصالحهم إذ ألغت ماقامت به في شأن ذلك وصادرت منهم تلك
167
المقاربة التاريخية
األراض ي 1مما أثار حفيظة هذه الفئة فثارت منددة بهذا السلوك التعسفي خاصة
الرباطات و الطرق الصوفية و الزوايا و التي كان لها دور فعال في التالحم مع السلطة ضد
الصليبيين ويسوقنا الحديث هنا عن املكانة التي حضيها شيوخ الزوايا كما سبقت اإلشارة
إليهم في صفحاتنا السابقة إذ ساهموا بخلق تكتل في البنية اإلجتماعية التقليدية
للجزائريين فنجحوا في إبعاد نفوذ البايلك عن الريف ملا جمعوا بين العناصر البربرية و
العربية 2هنا بدأت العالقة تزداد سوءا ألن فئة الطرقيين كانوا قد اكتسبوا نفوذا
اجتماعيا شرفيا خاصة أثناء األزمات اإلقتصادية التي مرت عليها اإليالة حيث لعبوا دور
األرستقراطية3 الحماة اإلجتماعيون وكونوا من أنفسهم ماتسميه الدراسات بالطبقة
فتوسع النفوذ الطرقي وسط السكان ضد سلطة البايلك أثار اشمئزاز هذه األخيرة والذي
جعل السلطة تمارس تعسفها عليهم وتحرمهم من اإلمتيازات و تضغط عليهم بشكل كبير.
لم تخضع السلطة العثمانية أثناء تواجدها بالجزائر التعليم إلى نظام يسير وفق
نصوص وقوانين تحدد العالقات بين القائمين على شؤون التدريس كي يعكس السياسة
العامة و التوجه الفكري و اإليديولوجي للسلطة الحاكمة آنذاك .رغم توفر عدد كبير من
املدارس التعليمية وذات مستويات متفاوتة خاصة في مراحلها األخيرة 4وتشير أغلب
الدراسات أن املدرسين الجزائريين كانوا اليخضعون إلى أي ترقية في السلم اإلداري
التنظيم5 باملدارس وهذا أمر طبيعي ألنه كما أشرنا سابقا السلطة كانت غائبة في مجال
ويرجح بعض الدارسين هذا اإلنصراف إلى انشغال النظام الحاكم بجمع الضرائب وكذا
168
المقاربة التاريخية
التفرغ ملجابهة الحركات الثورية الشعبية التي اتخذت طابعا دينيا قبليا والتي كانت
تناهض سياسة الضرائب التي كانت تفرضها السلطة على األهالي ،1ورغم أن تأطير النظام
التعليمي كان يتم من طرف إدارة األوقاف ،2و كان أبناء الجزائر يستجيبون له ويدرسون
في الكتاتيب القرآنية 3امللحقة بمؤسسات الوقف الخيرية ،والتي كانت تشرف على قدر
كبير في إدارة شؤون التمدرس وأهم النشاطات التدريسية و التحصيل العلمي و املواقيت
في املؤسسات التعليمية ،إال أن بعض الدراسات أعابت على هذا النظام وعلى القائمون
على شؤونه معتبرة أن أهم اإلهتمامات في التحصيل املعرفي كانت تعتمد على التحصيل
التقليدي 4وبرزت أفكار تنادي بالقضاء على هذا النوع من التعليم ساخرة من ظاهرة
التقليد التي انتشرت بكثرة أوساط املدرسين و الذين كانوا يشرفون على التأطير وعلى
وضع البرامج التي قام على أساسها التعليم بالجزائر العثمانية.
ومن أدوات التدريس التي لقيت نقدا في هذا اإلطار ،اإلنكباب على بعض البرامج التي
أخذت حيزا كبيرا من املواقيت التعليمية واملتجسدة في أنشطة التحصيل العلمي ذات
املحتويات املعرفية املنحصرة خصوصا في العلوم النقلية و التي ترتكز على الدراسات
األدبية و الدينية املتكررة باستمرار دون تجديد و على رأس الناقدين لهذه املعارف ابن
العنابي.5
-1أنظر في تفاصيل مرحلة نهاية الحكم العثماني وبداية االحتالل الفرنس ي ،ابن العنتري،محمد صالح،فريدة منيسة
في حالة دخول الترك بلد قسنطينة واستيالئهم على أوطانها ،تحقيق يحي بوعزيز ،دار البصائر للنشر و
التوزيع،الجزائر2111،
-2مسدور،فارس و صحراوي،كمال،األوقاف الجزائرية :نظرة في املاض ي و الحاضر ،مجلة أوقاف ،العدد ،51نوفمبر،
الكويت ،2113 ،ص12
3تركي رابح :الشيخ عبد الحميد ابن باديس (رائد اإلصالح و التربية في الجزائر) ،ص .581
-4أبو القاسم سعد هللا :تاريخ الجزائر الثقافي،5381-5111الجزء األول،الطبعة األولى ،دار الغرب اإلسالمي ،بيروت،5113 ،
ص.51.
-5أبو القاسم سعد هللا ،ابن العنابي رائد التجديد اإلسالمي ،ط ،2دار الغرب اإلسالمي ،بيروت.5113 ،
169
المقاربة التاريخية
وبالرغم من ذلك فإن هذا الينفي بروز فئة من األطباء في فترة الدايات التي أدت دور مهم
جدا في حياة عامة املجتمع فاألطباء األروبيين في هذه الفترة بإيالة الجزائر العثمانية كانوا
األروبيين1 مسخرين فقط لخدمة السلطة ألن الدايات كانوا يفضلون التداوي عند
الذين كانوا يمارسون مهامهم على مستوى املؤسسات اإلستشفائية حيث من بين األطباء
األروبيين الذين كانوا مقربين جدا من السلطة وهم من أصول فرنسية وأخرى إسبانية
حضوا بمكانة بارزة في إيالة الجزائر نذكر منهم الللحصر الجراح مونييه فرانسوا
0621-0606و كريت شارل الذي كان موظفا باملستشفى اإلسباني-0618
0611م وموران فرانسوا 0306-0301م ناهيك عن أليخاندرو سانميالن
0671-0616م ومانويل أنطونيو سواريز0671م وفليكس أنظونيو موراليس
0663-0667و سبريانو كانادا 0663م 2وكلهم من أصول إسبانية.
-1أنظر :بوحجرة عثمان ،الطب و املجتمع في الجزائر خالل العهد العثماني ،رسالة مقدمة لنيل شهادة املاجستير
في التاريخ الحديث ،إشراف دادة محمد ،كلية العلوم اإلنسانية و العلوم اإلسالمية ،جامعة وهران ،5السنة
الجامعية ،2151-2152ص.81-23
لكن هذا الوضع جعل نخبة محلية من األطباء الشعبيين والذين اهتموا كثيرا بالبحث
في عالج األمراض املستعصية والذين كان لهم ميول بالتطبع للبحث و التأليف في العلوم
الطبية ،1ألن تلك األمراض كانت جد فتاكة ناتجة عن املجاعات وسوء التغذية ،2ففي
هذه الفترة حددت هذه الفئة البارزة من النخب املعايير الطبيعية لحل املشاكل
الصحية فعالجت بحوثها قضايا صحية شائكة كالسل والجذري والتيتانوس ،إذ نهل
أطباء اإليالة املحليون الثقافة الصحية عن الثقافة العربية اإلسالمية فاستندوا على
ماخلفه ابن سينا و الرازي من كتب في أخذ املعارف الطبية والطرق العالجية للتداوي
من األمراض التي كانت منتشرة بكثرة آنذاك .حيث إن الدارس لتاريخ املعارف الطبية في
إيالة الجزائر العثمانية يصعب عليه أن يفصل بين مصادر التطبيب بالنباتات الطبيعية
فيما يتعلق باألدوية و املصادر التي تنظر للطب كوظيفة حيوية شدت اهتمام ثقافة
املجتمع في تلك الفترة ،وتجدر اإلشارة إلى أنه في تلك الفترة تعددت العناصر النخبوية
املمارسة لهذه الوظيفة و تميزت بتنوع طرقها العالجية وأهمها الطب التركي و املسيحي
وكذا الشعبي وبالرغم من ذلك فلقد علق في أذهان الجزائريين العالج من مشاكلهم
الصحية بالتردد لدى األطباء الشعبيين ،3فهؤالء كانت لهم مكانة مميزة لدى العديد من
الفئات الشعبية ،بل أن هناك أسماء لنخبة محلية معينة كان يتم التردد عليها بسبب
شساعة معارفها في الطب النبوي و التداوي باألعشاب ،لهذا ألفوا عدة نظم وأراجيز
تعود إلى تلك الفترة ،خصوصا وأن البعض منهم كان عاملا فقيها وله تأثير قوي على
املجتمع الذي كان يضع ثقته التامة بالعلماء ويعتقد في قدرتهم الشفائية.
-1نفطي وافية ،مسألة علوم الطب عند علماء الجزائر خالل العهد العثماني ،مجلة آفاق فكرية ،املجلد 1العدد،5
جامعة سيدي بلعباس 23 ،ماي ،2151ص.18-21
-2ملزيد من املعلومات عد إلى موساوي القشاعي فلة ،الصحة والسكان في الجزائر أثناء العهد العثماني وأوائل
اإلحتالل الفرنس ي ،أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث ،إشراف ناصر الدين سعيدوني ،كلية
العلوم اإلجتماعية -قسم التاريخ ،جامعة الجزائر ،السنة الجامعية 2152-2158
-3أنظر نفطي وافية ،نفس املرجع ،ص.18-21
171
المقاربة التاريخية
و كثرت سفريات االطباء املحليون إلى خارج اإليالة ليزكون ثقافتهم بشكل أعمق عن طريق
احتكاكهم بأطباء أجانب وأطلقت عليها الدراسات بالرحالت الحجازية ،تلك اإلحتكاكات
تحولت إلى ثقافة يومية ممارسة ،ولإلشارة فإن مكانة األطباء املحليون في اإليالة كانت
تختلف تماما عن األطباء األروبيون ذلك أن الجالية املسيحية ممن امتهنت الطب حلت
بإيالة الجزائر إما كأسرى أو كأجراء لدى املؤسسات األروبية ومارسوا وظيفتهم بها إذ
كانوا أكثر تقربا من السلطة وهذا ما يشير إليه العالم األملاني Hebenstreitألنهم
أضافوا معارف جديدة إلى الطب وأصبح يتم نعتهم بالعلماء و ال 3 barbiroفي مرحلة
تاريخية الحقة من تاريخ قدومهم إلى الجزائر0682م.
-1ألف عبد الرزاق بن حمادوش الجزائري كتابه كشف الرموز في بيان االعشاب ومعه شرح باللغة الفرنسية
للمستشرق لكلر حيث طبع بمطبعة ديلورد بوهيم ،باريس ،5312 ،و يقع في 811صفحة وملزيد من التفاصيل حول
هذه الشخصية أنظر :أبو القاسم سعد هللا ،مرجع سابق ،ص.221
إن تمثلنا للطب ورجاله في فترة الدايات يحملنا للقول أن براعة هذه الفئة في مختلف
أنواع العلوم التقليدية خدمة لسكان اإليالة جعلها تتجلى كنخبة ذات مكانة مميزة في
املجتمع رغم غياب السلطة في هذا املجال.
أثارت بعض الظواهر الالأخالقية حفيظة العلماء بشكل خاص واملجتمع بصفة عامة،
حيث انعدم األمن و اإلستقرار كما أشرنا في نقطتنا السابقة في عدد من مناطق البالد
وتفشت ظاهرة اللصوصية2وبرز قطاع الطرق الذين صاروا يتعدون على السكان أثناء
تنقالتهم إلى أماكن محددة ومن ذلك مايورده املصعبي حول رحلة بعض سكان بنو مزاب
إلى البقاع املقدسة فقد حدث للركب في ذات املنطقة أن تقدم إليهم جماعة يطلبون منهم
مبلغا قيمته ثمانون ألف ريال مقابل حمايتهم من قطاع الطرق فامتنعوا عن تخليصهم
هذه القيمة النقدية 3مواصلين املسار دون حماية .وصارت السلطة تغض النظر عن حل
هذا النوع من املشاكل اإلجتماعية اإلجرامية األمر الذي أدى ببعض الوسطاء
االجتماعيين إلى انتهاز فرصة ضعف العامة والتدخل لحل هذه املشاكل لكن مقابل
الحصول على مبلغ من املال كما أشرنا سابقا .فتفشت ظاهرة الرشوة وشاعت كذلك بين
بعض املفتيين و القضاة وإثر ذلك يشير الورتيالني في رحلته إلى تعميم هذه اآلفة فيقول"
إن القاض ي و املفتي اليتولى فيها إال بارتشاء لديهم".1
هذا ،وقد رسمت كتب الرحالت واقع الفساد الذي عم البالد في هذه الفترة وطالب
الرحالة من علماء وفقهاء بالتغيير اإلجتماعي فكانوا هم املتحدثون باسم عامة الناس
ومنددون بمساوىء الحكم وعدم التحلي باملسؤولية في حل املشاكل اإلجتماعية وفي ذلك
قال الورتالني" "فهذا أمر ال يليق بالعلماء بل يجب عليهم زجرهم والتنكر عليهم ما
استطاعوا".2وباملقابل هناك ظواهر إجتماعية أخرى أثارت استياء أهل العلم كذلك
تجسدت في إدخال العثمانيين ملادة التبغ التي كان لها انعكاس خطير على الحياة
اإلجتماعية بالجزائر ،فصار شرب الدخان من املشاكل التي أثارت جدال عميقا بين
العلماء ولإلشارة فإن ماعثرنا عليه من بعض النوازل الفقهية 3تثبت أن استهالك هذه
املادة قد بدأ قبل عهد الدايات لكنه شاع بكثرة في هذه الفترة .فالسلطة شجعت على
إدخال النرجيلة وشاع استعمال السبس ي للدخان و نحوه .4ومن الظواهر التي استاء لها
العلماء كذلك وناشدوا السلطة للتدخل في الحد منها اإلنحالل األخالقي في اختالط النساء
بالرجال بصفة ترفضها األحكام القيمية التقليدية املجتمعية إذ نبه الورتالني في رحلته
لهذا األمر حيث أورد يقول فيها" يجب على من واله هللا أمور املسلمين أن يرفع ذلك
بالسيف عن أوطاننا ،السيما وطن بني عامر وبني دراج ووطننا أي بني ورتيالن وكذا
مايصير في بجاية آخر رمضان بمسجد البلوط في بني يعلى ،وكذا محل األولياء في كل مكان
كقبر سيدي علي بن شداد وسيدي يحي العبدلي وسيدي عبد الرحمن الثعالبي في الجزائر
وسيدي سعيد السفري في قسنطينة وجبل املثقوب في بني ورتيالن وغيرهم...كذا" 1فبهذا
كان يهاجم السلطة عبر مايورده من انحالل غضت أنظارها عنه فكان الورتالني يلخص
مظاهر الضعف والتخلف التي تفاقمت في ظلها أحوال البالد فهو يخاطب العلماء وكل
النخب املثقفة الستنهاض الهمم في إنهاء هذا الفساد و اإلنحالل الخلقي وينادي بالتغيير
من طرف السلطة فيقول "وأما السلطة فيجب عليها التغيير باليد" 2فما ورد في هذه
الرحلة هي وسيلته في درأ الفتن التي تجلت باملجتمع و التي شوهت صورة اإلسالم الحقيقي
الذي سمحت ألجله عامة الناس لهذه الدولة بارساء نظام حكمها باإليالة.
وهناك من الشعراء من صوروا لنا أجواء أوطانهم بمشاعر الحزن و الغضب على هذا
النظام الذي تسبب في سوء األحوال املعيشية وتفش ي الفقر واملجاعة واألمية.
إذ أورد الشاعر الشيخ الحداد الرحموني 3في قصيدته الشعبية وصف لألحوال املعيشية
التي شهدتها مدينته بقسنطينة:
فبهذه الكلمات يلخص لنا الشاعر عهد الدايات بأبشع الصفات فهو بكلماته صنع
ملحمة للتمهيد لثورة إجتماعية شعبية جسدت التنديد بفساد النظام الحاكم وقد سبق
وأن أشرنا في فصلنا السابق إلى إهمال السلطة للعلم واملؤسسات التعليمية وكذا
املؤسسات الصحية.
و يرى الشاعر املنداس ي 1في هجائه للعثمانيين أنهم استغلوا الدين بهدف السطو على
امللك العام فيقول في قصيدته :
فهو كان يدعو للثورة ضد األتراك بسبب استبدادهم بالحكم حيث سنشير إلى هذه
النقطة والقصيدة بش يء من التفصيل الحقا خاصة وأن التعايش معهم صار أمرا
مستحيال في كتابات عدد كبير من املثقفين فتحول الفكر وتحولت العالقة بين الطرفين
من عالقة انسجام إلى املطالبة باإلستقالل والتحرر من النظام العثماني الفاسد.
بداية كانت دواعي الهجرة علمية محضة حيث كان العلماء يهتمون بالعلوم الشرعية الذي
طاملا احتوته املؤسسات العلمية خارج الجزائر للبحث في أصول الدين والفقه والحديث
النبوي الشريف ولتوظيف هذه املعارف في وظائفهم وتلقينهم للطالب بالجوامع التي كانوا
يدرسون بها 2أو حتى األحكام القضائية التي كانوا يحكمون من خاللها فنشطت هذه
الحركة وأطلقت عليها املرجعيات بالرحلة العلمية 1بيد أنه مع أواخر فترة الحكم العثماني
بدأ العلماء يستنكرون األوضاع املعيشية التي عايشوها يوميا بالبالد فمنها فئة التي
واصلت نضالها بالقلم تدعو السلطة إلى الكف عن أذى الناس وكنا قد أشرنا إلى نصوص
وقصائد شعرية تهجو حركية النظام املستمرة ومنهم من فضل جهاد القلم إلى حيز جغرافي
آخر ،فانكبوا مهاجرين لإلبتعاد عن الوضع السياس ي ونظام الحكم املستبد وسوء
املعاملة التي عايشوها في واقعهم .
مايمكن ذكره في هذه النقطة هو أن عدد كبير من النخب الثقافية كانت تعمل على
محاربة التجاوزات التي كانت تصدر من السلطة لكن ما تبينه الوقائع أن هذه الفئة لم
تستطع مقاومة املؤثرات السياسية التي انتهجتها السلطة حيالها في ظل النظام القائم
فأغلبهم كان يتعرض للتهميش وسوء املعاملة من قبل السلطة حيث يشير ابن سحنون إلى
هجرة الشيخ الشارف ابن تكوك إلى املغرب فارا من بطش الباي حسن الذي فتك بشيخه
بلقندوز التوجيني فنظم ابن تكوك في شأن ذلك منظومة شعرية يصف فيها تجاوزات
السلطة في قتل العلماء ومنها نورد مايلي:2
-1بكاري عبد القادر اإلسهامات الثقافية والكتابات التاريخية لعلماء الجزائر العثمانية ،مجلة الخلدونية ،العدد
السادس ،جامعة ابن خلدون ،كلية العلوم االجتماعية و اإلنسانية ،تيارت ،2158 ،ص551
-2أنظر ابن سحنون ،مصدر سابق ،ص15-11
177
المقاربة التاريخية
ومن صور بطش السلطة بالنخب الثقافية ودفعهم إلى الهجرة مافعله " القائد
حفيظ ،حاكم تلمسان ،الذي أساء معاملة الشيخ ابن للو التلمساني وهو الذي اشتهر
بالعلم ،وخصوصا تفسير القرآن الكريم ،وقد روى أبو حامد املشرفي أن ابن للو قد ختم
التفسير في الجامع األعظم بتلمسان" 1ولإلشارة فإن ابن للو هو من العلماء الذين اتبعوا في
تفسيرهم للقرآن شرح املعاني الظاهرية وتتلمذ على يده ثلة من العلماء منهم الشيخ محمد
الزجاي 1حيث يرد في الدراسات أن سوء معاملة السلطة له دفعته للهجرة إذ تجمع
املرجعيات التاريخية أن علماء الجزائر في هذه الفترة كانت تربطهم عالقة منسجمة مع
غيرهم من علماء املشرق واإلياالت املغاربية ولعل هذا اإلحتكاك أحدث بنية جديدة في
تطور الفكر لدى هؤالء آنذاك حيث تجاوزوا النقل في معارفهم إلى املمارسة العملية البحتة
في حياتهم اليومية هذا التطور جعلهم ينظرون إلى وضعية املجتمع ببصيرة ثاقبة
مماجعلهم يستاؤون لطرق تعامل السلطة مع الرعايا.
ومن العلماء الذين هاجروا كذلك نتيجة سوء الوضع الذي شهدته البالد هذه
الفترة في شتى مجاالت الحياة الشيخ سيدي محمد املنور التلمساني حيث هاجر إلى املشرق
ثم إلى بالد الروم و القاهرة لكن حسب مايرد في كتب التراجم أنه شارك مع العثمانيين في
حروبهم ضد الجيش الروس ي هذا األخير الذي أسره إلى أن مات شهيدا عام5115م إذن إن
هجرة هذا العالم على مايبدو 2كانت بغرض الجهاد في سبيل هللا أو طلب العلم وهذا ماينفي
ماتذكره الدراسات أن هجرته كانت سخطا عن الوضع ضد السلطة 3ولست أجادل هنا
هذا اإلفتراض العلمي لكني أطرح إشكال مشاركة هذا العالم املهاجر العثمانيين الذين
استاء لنظامهم داخل وطنه؟
ومن العلماء املهاجرين كذلك نذكر منهم قاض ي املالكية الشيخ محمد بن عبد
الرحمن اليبدري التلمساني الذي عزل من منصبه فهاجر إلى الحرمين الشريفين.4
إن انكباب الهجرات إلى خارج البالد لم تخرج عن كونها مواقف تشهد على الظلم
الذي عايشته نخبة املجتمع ومثقفيها في كثير من اللحظات التاريخية ،فكثيرا ما كان
العلماء يعارضون سلوكيات السلطة التي لم تكن إال لتخدم أغراضها النفعية على
حساب السكان وكانت تدعو إلى اإلهتمام بالحياة اليومية وتوفير الخدمات الضرورية
لهم ،ففي نقطتنا السابقة كنا قد تحدثنا عن إهمال الخدمات الصحية وتحدثنا في
فصلنا السابق عن إهمال العلم ورجاله وتفش ي الجهل وكثير من الظواهر الطقوسية
الالعقالنية.1
فتوصيفنا لهذه املظاهر السلوكية يبدي تحوال واضح املعالم لذهنية هذه الفئة محل
الدراسة أو مانصطلح عليه بتحليل الوعي الجماعي 2والذي سنتطرق إليه بش يء من
التفصيل في نقطتنا الالحقة.
إذ كان الدافع األول من هذه الهجرات هو الوعي التاريخي 3الذي نتج عن تراكمات
املواقف حيال السلطة لكن ماوقفنا عنده فإن الدراسات قد ركزت على هجرة
العلماء من باب الرحلة في طلب العلم ولم تفصل في الدواعي إال من خالل
مااستنبطناه في بعض املوضوعات التي تطرقنا إليها سالفا.
فإهمال السلطة للعلم ارتبط بالقنوات الرسمية املشرفة على تسيير املؤسسات
البحري4 التعليمية والتي سعت في مسارها إلى حصر اهتماماتها على حركة النشاط
ولم يكن تقربهم من العلماء إال في حدود جد مائعة العالقة لها بالعلم والبتنشيط
حركيته.
في مقاربتنا لتضارب املواقف بين النخب حول املمارسة السياسية للسلطة
باملجتمع والتي أشرنا إليها في دراستنا هذه يبدو جليا أن هذه املمارسة صارت من األساليب
-1نفيسة دويدة ،ا ملعتقدات والطقوس الخاصة باألضرحة في الجزائر خالل الفترة العثمانية ،مجلة إنسانيات،
العدد ،33من ص ،82-55الجزائر2151 ،
-2يشير املصطلح إلى املعتقدات واملواقف األخالقية املشتركة والتي تعمل كقوة للتوحيد داخل املجتمع الواحد.
-3مفهوم الوعي التاريخي متاح على الرابط التالي بصحيفة عكاظ / /http://okaz.com.sa/article/500186
-4ملزيد من التفصيل أنظر بوشنافي محمد ،هجرة العلماء الجزائريين إلى املغرب األقص ى وبلدان املشرق العربي خالل
العهد العثماني ،مجلة املواقف ،املجلد ،2العدد ،5جامعة معسكر ،ص.513-11
180
المقاربة التاريخية
التقليدية القديمة والتي تجاوزتها عدة دول خاصة مع بروز العصور التنويرية في البلدان
األروبية ،فاملواقف الرافضة للحكم العثماني والتي تصاعدت من طرف بعض النخب
ُ ُتثبت مدى ارتفاع نسبة الوعي التاريخي ضد املكون السلطوي الذي َ
صار تمثله مطابق
للدولة القبلية املستبدة و التي لم تعد تخدم املصلحة اإلجتماعية العامة ال في الحياة
اليومية وال في إدارة اقتصاد الدولة أو حسن التعامل مع مثقفيها فمن املؤكد جدا أن
السلطة – بوجه عام – صارت التستعمل إال التعسف مع هذه الطبقة أيا كان توجهها.
ففي ضوء املعطيات التاريخية التي أشرنا إليها في نقاطنا السابقة نجد أن الجزائري في
كنف هذا النظام فقد حق املواطنة وصار يستهدف جراء تنازعه تجاه عدة مواقف أبداها
الحكام آنذاك ،طرح قضايا مصير املجتمع في ظل الفوض ى التي عايشها في عهد الدايات.
والبد من التأكيد أن اإلضطرابات التي عاشها الجزائريون في كنف هذا النظام قد
نجمت عن ضعف شخصية الحكام الذين توافدوا على السلطة والذين عزفوا عن
اإلهتمام بالعلم و رجاله وهكذا يمكن القول أن توطد هذا النظام لعدد من القرون سببه
أنه استمد مشروعيته من خالل انسجامه مع الفئة املثقفة ثم سرعان ما انهار ملا ألغى
هذا اإلنسجام.
من هنا يمكننا أن نبدي بعض الطروحات فنتساءل عن املؤثرات التي رفعت هذا
الوعي التاريخي في تكوين نخبة مثقفة مضادة لجهاز السلطة البيروقراطي مع تحديد وزنها
اإلجتماعي في البالد.
وال بد أن توضيح املالمح العامة لهذا الطرح تستوجب النظر إلى ثنائية املجتمع بين
مؤيد و معارض وبين من سادت أفكاره تلك القيمة التقليدية في الحفاظ على مراكزه
ومناصبه العلمية و الدينية و التي ورثها عن أجداده من خالل السكوت عن خبايا السلطة
أو كواليسها إذا سمح لنا املقام قول ذلك وبين من صار وليد الحداثة ملا نادى بالتغيير
والثورة.
181
المقاربة التاريخية
ولعل هذا مايبديه الشاعر املنداس ي التلمساني 1الذي كتب قصيدة طويلة يهجي فيها
السلطة على عهد عثمان باشا عقب مذبحة عنيفة شهدها بتلمسان قامت خاللها
السلطة بقتل بعض النخب املثقفة والتعدي على ممتلكاتهم فهجا هم وهجى حليفهم ابن
زاغو مفتي تلمسان ومما يلي نورد هذه القصيدة التي قال فيها :2
َ َ َ
َوأكبر ش يء أفسدته أكفهم
تلمسان عين الغرب علما وإيمانا ْ
َ َ َ
َوكانت لهم ملا أرادوا فسادا
َ َ
أراذل منها كالبطارق أعوانا
َ
فمنهم قرين السوء مفتي بالدهم
تود العباد الترك كانوا َوال كانا
َ َ
فقل البن زاغو للضالل أيمة
َ
تدبر لحاك اَلل ما قال َموالنا
َوال تركنوا َوالركن منك َّ
سجية
َ َ َ
كأ َّنك لم تسمع من اَلل قرآنا
َ َ
فإن أمير الوقت باألمر قا ِئم
نت َجليس السوء في زي هامانا َو َأ َ
َّ َ
أتهدم دار العلم في حانك الذي
َ
تبيت َوتضحى فيه َويحك سكرانا
لئن فعلت بالحان مثلك سوقة
َ َ
ف َقد هد منك الظلم للناس أركانا
َ َ
ل َقد كنت جبرا باملدينة صالحا
َ َ
فصرت بها أخا القرامط َحمدانا
َ َ
صبرا َولم تزل قتلت فحول العلم
َ
َعلى عهدك املعلوم في الزيغ هيمانا
َ فأيمت َ
بالفتوى نساء كريمة
َ
وأيمت بالقول اململك ولدانا
َوشيدت لإلسالم ركنا من األذى
َ
فال ثمر الرحمن من ذاك بنيانا
َ َ
فما اَلل َعن سفك الدماء بغافل
َوال يترك الرحمان حاشاه لعبانا
َ َ أى َشبيبة َ
التوحيد كيف تخضبت ر
بأسمر كالبلسام ظلما َوعدوانا
َ
َورأسا بأيدي الجند كم بات ساجدا
َوكم ظل في الكبرى يركب برهانا
َ
العزيز في القيود كأ َّنه
َوعبد َ
إلى النحر يرفع الطرف حيرانا
ومن معه في ربقة األسر لم يروا
َحميدا سوى رمضان ثم َوشعبانا
َ َفما َ
قام شعبان شعبان ليلة
َوال َ
صام في اإلسالم َرمضان َرمضانا
ظاهروا َعلى نهب َأموال َ
اليتامى َت َ
َ َ َ َ
َوكانت لهم أعلى املدينة أذانا
فجرد مفتي الجور ثم حسامه
َوصحح من نذل الضاللة بطالنا
َوقال اقتلوا فالقتل يردع غيرهم
ذاك َ
القلب منه َوال النا َوال رق َ
183
المقاربة التاريخية
إذا َ
كان مفتي السوء َيقض ي برأيه ِ
َ
هناك َيكون الزرع في األرض خسرانا
ضليال في زي ناسك َتعالوا تروا َ
َ
َيطول من ثوب البطالة أردانا
َوقد قد ذاك الثوب من كل موضع
َ
ومر بأبصار الخالئق عريانا
ِإذا شيم منه الخير فالبرق كاذب
وإن صال منه الرعد يهلك بلدانا
َ َ َ
أيا آل دين اَلل ما لي أراكم
نياما وكان الطرف من قبل يقظانا
َ َفداركم َ
الزهراء بالنار أحرقت
َوبان َجميل الصبر للزيغ إذ بانا
َّ َ َ
أما تذكرون األهل َوالزمن الذي
صار هجرانا ذاك الوصل َقد َعهدتم َف َ
َ
َوهال سألتم َعن َيتامى تفرقت
َ
أيادي سبا أنثى َوذكرانا
َ
فهب أ َّنهم للجور ضلت عقولهم
َ
فال يترك الجيران في العسر جيرانا
َ
فقل البن زاغو رأس كل خطيئة
َ َ
فال تحسب الفتك باألهل سلوانا
َولكنك الدجال للناس فتنة
َ َ
تأهب لروح اَلل فالحين قد حانا
َ
فإن أضحكتك الجند بالناس ساعة
َ َ َ
فال تغترر فاَلل َيكفيك أزمانا
184
المقاربة التاريخية
ونظرا لإلنسداد السياس ي الذي ظل مالزما السلطة في البالد لم تجد العامة من بد سوى
التفاعل مع بعض الفئات التي حملت الفكر التحرري و التي تجسدت في الطرق الصوفية
في مسارها التاريخي ويظهر هذا التفاعل جليا في انضمامها تحت لواء املواجهة التي سنتكلم
عنها بش يء من التفصيل في صفحاتنا الالحقة مما جسد لنا قدرة النخبة على الحشد
الشعبوي انطالقا من عدة مبادئ شرعية أقرتها الطرقية بالجزائر وفي مقدمتها قطع
الخطبة باسم السلطان ذلك أن السلطة في السابق كانت تعي جيدا أنها التستطيع حكم
البالد إال عن طريق أعيان البالد فكانت تعترف لهم بالحكم املحلي مقابل دفع ضريبة
للحكومة املركزية ومع مرور الزمن وتحول مسار العالقة بين النخبة و السلطة تجلى الوعي
التاريخي في امتناع النخب عن دفع الضرائب فكان هذا اإلمتناع من أهم املؤشرات التي
أعلنت عن بداية التمرد ضد السلطة.
هي مرحلة إذن تسمو إلى خلق أنماط من التغيير اإلجتماعي والسياس ي فالنخب
املثقفة آنذاك صارت تدعو إلى أن تكون جزءا من السلطة وتتمتع بالحقوق وتدعو إلى
القضاء على بيروقراطية النظام الفاسد.
لكن أهم سؤال بدى يتبادر في ذهنية املجتمع آنذاك هو مدى نجاح تجسيد كيان
مستقل عن السلطة؟ كما جسدته بعض الطرق الصوفية كالطريقة التيجانية ولو أنها
فشلت في ثورتها ضد السلطة لكن يمكننا أن نقول أن هذا نوع من التحديث هو مبدئي في
خضم التغيرات العميقة املناهضة لكيان قام بنشر العنصرية واستهان بالبنية التقليدية
للمجتمع الجزائري فخلق الثورة ضد العثمانيين.
185
المقاربة التاريخية
قبل أن نتكلم عن ثورة الزعامة الدينية ،البد أن نعطي تعريف وجيز لهذا املصطلح؟
باختصار شديد فإن الزعامة الدينية تجسدت في شيوخ الطرق الصوفية الذين
قامت ثورتهم على آليات دينية والتي أخذت العمل املسلح كشكل من أشكال التعبير عن
الرفض والتمرد على السلطة حيث انساق السكان خلف هذا اإلتجاه ملا وجدوا فيه من
مبادىء العدل و املساواة ونبذ التمييز الطبقي بين األغنياء والفقراء.
فهي بطبيعة الحال ردة فعل على السياسة التي طبقتها السلطة في البالد فتجلت ثورات
عديدة في ربوع الجزائر احتجاجا على سوء الوضع الذي كان سائدا آنذاك فلقد جرد
العثمانيون السكان األصليون من حقوقهم الوطنية وأولى تلك الحقوق الحق في املشاركة
في السلطة فهذه األخيرة ظلت محصورة بين األتراك أنفسهم ألن قيام الحكم كما أشرنا
سابقا بالجزائر كان على أساس الجهاد والدين .إذ أن العثمانيون كانوا قد أسبغوا على
نظامهم الصبغة الروحية إال أن تحول زمام أمور السلطة اإلدارية إلى سلطة قهرية
مستبدة كان سببا مباشرا في تمرد عدد كبير من النخب على نظام الحكم.
وفي سياق متصل فقد سبق و أن أشرنا في صفحاتنا السابقة إلى موضوع الصراع على
السلطة بين الحكام أنفسهم والعزوف عن حل مشاكل السكان و التي كانت من بين
أسباب تزعزع النظام وغالبا ماكان يتم التخوف من العنصر الكرغلي على اعتالء الحكم
بالبالد و رغم تولي عدد من الكراغلة ملنصب الباي 1إال أن هذه التولية كانت ذات طابع
صوري فقط.
-1البأس أن نذكر بعض من أسماء هؤالء الللحصر فقد تواله ببايلك الغرب مصطفى العمر عام 5183وتواله ببايلك
الشرق الحاج أحمد عام 5323وتواله ببايلك التيطري محمد الذباح عام .5133فعلى األغلب تميزت هذه الفترة بسوء
األوضاع حيث ليس من هدفنا رصد كل الوقائع و األحداث السياسية التي جرفت البالد إلى حافة اإلحتالل لكننا
186
المقاربة التاريخية
و في سياق آخر تذكر الدراسات أن من بين أهم التقاليد التي كانت راسخة في بالط
السلطة هي تقريب بعض العناصر األجنبية من الرتب العالية في هرم السلطة ومن بينها
اليهود 1الذين حظوا بامتيازات عديدة خاصة في ممارسة مختلف األنشطة االقتصادية
بحرية ،وترتب على هذا األمر أن تولد نوع من الغضب تجاه السلطة وتجاه هذه الطبقة
التي احتكرت الحركية النشطة في صيرورة اقتصاد البالد .ففسح السلطة املجال لدخول
عناصر أجنبية إلى زمام أمور الحكم ساهم بشدة في إضعاف اإلدارة العثمانية املركزية
بالجزائر.
فهذه األطر السياسية التي رسختها سلطة الدايات في البالد قد قضت على العالقة التي
كانت قائمة بينها وبين مجموعة من النخب املثقفة وعلى رأسهم رجال الدين طيلة التواجد
العثماني بالجزائر ،من أجل تعزيز مصالحها ونفوذها الداخلي خاصة ملا مارست حكمها
كسلطة مستبدة والطرق اإلستفزازية التي عاملت به نخبة املجتمع األمر الذي أدى كما
الصوفية3 أسلفنا إلى تشكل الزعامات الدينية الثائرة 2من طرف رجال الزوايا و الطرق
بهدف القضاء على النظام السائد آنذاك.
من بين الطرق التي نود التكلم عنها الطريقة الدرقاوية حيث تعود جذور هذه الطريقة إلى
مؤسسها موالي العربي الدرقاوي وهو أبو املعالي موالي ّ
محمد العربي بن احمد محمد ابن
عبد هللا الدرقاوي الزروالي من مواليد 0681م حيث يعود نسبه إلى األشراف األدارسة
سنركز فقط على النتائج التي تجلت جراء الدواعي التي مهدت للغضب اإلجتماعي خالل عهد الدايات .أنظرpierre :
boyer, op.cit, p.80-83
-1أنظر طوبال نجوى ،طائفة اليهود بمجتمع مدينة الجزائر ،5381-5111من خالل سجالت املحاكم الشرعية ،دار
الشروق للطباعة و النشر ،الجزائر ،2113 ،ص.212-211
2
- De Grammont Henri, histoire d’Algérie sous la domination Turque (1515-
1830), E.Leroux, P.365-386
-3عد إلى مكحلي محمد ،ثورات رجال الزوايا والطرقية في الجزائر خالل العهد العثماني ،5323-5111دار اآلفاق
للنشر و التوزيع ،الجزائر،2158،ص.585
187
المقاربة التاريخية
أما حديثنا عن الطريقة ونشاطها بوجه عام فإنها عبارة عن طريقة شاذلية سنية
تقوم مبادئها على تزكية النفس لإلرتقاء بها إلى مستوى الكمال الروحي ورضا هللا تعالى،
ويورد الكتاني بعض مميزات هذه الطريقة في تهذيب املريدين وأتباعها من التالميذ إذ يقول
"وطريقته رض ي هللا عنه :مبنية على ِاتباع السنة في األقوال واألفعال والعبادات والعادات،
ومجانبة البدع كلها في جميع الحاالت ،مع كسر النفس وإسقاط التدبير واالختيار،
والتبري من الدعوى واالقتدار ،واإلكثار من الذكر آناء الليل وأطراف النهار ،واالشتغال
باملذاكرة وما َيعني ،وترك كل ما ُيعني .وبالجملة :فطريقته رض ي هللا عنه جاللية الظاهر
جمالية الباطن"4
-1ملزيد من التفاصيل و املعلومات أنظر التمسماني محمد ،اإلمام موالي العربي الدرقاوي ،ط،5دار الكتب العلمية،
بيروت.2111،
-2اي الشريعة و أوامر هللا و نواهيه
ُ َّ
اللدني أو العلم الباطن بمعنى العلم الخاص الذي ُي َّدعى َّأنه ُي َّ
تلقى من عند هللا تعالى ُ
ستعمل العلم ُ -3ي
-4أنظر الكتاني سيدي محمد بن جعفر ،سلوة األنفاس ومحادثة األكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس
تحقيق عبد هللا الكامل الكتاني وآخرين الكتاني ،ط ،5دار الثقافة ،الدار البيضاء.2111.
188
المقاربة التاريخية
رغم أن منبت هذه الطريقة كان خارج اإليالة لكنها أسهمت بشكل كبير جدا في نشر
تعاليمها خاصة فترة أواخر العهد العثماني بالجزائر فقد أشرفت على عدة زوايا تقدرها
األبحاث ب 01زوايا والتي بلغ فيها عدد املنخرطين إلى هذه الطريقة ب 1176شخص
خالل سنة . 10617
من بين هؤالء األشخاص برزت شخصية ابن األحرش ابن الشيخ الشريف ببايلك الشرق
هذا الذي أخذ العلم بالزاوية املختارية 2التي تعتبر من أبرز املؤسسات الدينية املنشطة
للحركة العلمية بمنطقة أوالد جالل بوالية بسكرة وهي تابعة للطريقة الرحمانية والتي
أسسها الشيخ املختار بن عبد الرحمان الجياللي وهو من أعالم التصوف بالجزائر عام
0301م .أخذ العلم الشرعي عن الشيخ محمد بن السعيد بن بركات ،و الشيخ محمد
الزين بن بركات .إذ في سياق هذه النشأة التي نتكلم عنها حول شخصية ابن األحرش فإن
هناك نقطتان أساسيتان بالنسبة لتوجهه التحرري يجب أن نقف عندهما:
النقطة األولى :أن الثورة التي قادها ابن األحرش بقسنطينة عام 0318م تدعو إلى أن
قوة السلطة اليجب أن ترتبط بأي مؤثر آخر غير إرادة الزعامات الدينية و القاعدة
الشعبية.
النقطة الثانية اليمكن أن تنطلق ثورة شخص مريد دون أن يكون هناك مؤثر خارجي
عليها وهذا املؤثر يتجسد على األغلب في تحريض اإلنجليز له 3ضد السلطة لوضع عراقيل
أمام الضمانات و التسهيالت التي كان يقدمها العثمانيون للفرنسيين كقوة أجنبية.
189
المقاربة التاريخية
وإذا نظرنا إلى ذلك من هذه املنطلقات سنجد أن الخبرة العسكرية التي اكتسبها ابن
األحرش خارج الجزائر خلقت لديه روح التمرد ضد السلطة العثمانية ،ولكي نفهم هذه
الثورة البد لنا أن ندرك جميع املؤثرات التي أسهمت في وقوعها .فدراسة املواقف واألفكار
التي تسيرها مثل هذه الحركات توضح لنا النسيج املتشابك الذي يجعلنا نربط املؤثر
الخارجي بالداخلي لهذه الطرق أو الزعامات أو الحركات كما يشاء البعض تسميتها وعلى
األغلب يكون استرا-سياس ي تبلور عبر فترات لها امتداد زمني واسع.
ونجد بروز شخصية أخرى ببايلك الغرب لديها نفس امليل إلى االتفاق مع مبادىء الطريقة
التي ناهض ألجلها ابن األحرش وتتجسد في شخصية ابن الشريف الدرقاوي إذ هو عبد
القادر ابن الشريف الفليتي الدرقاوي الذي يعود أصله إلى قبيلة كسانة البربرية درس
الدرقاوي1 بزاوية القيطنة ثم انتقل إلى فاس وأخذ الطريقة على يد الشيخ موالي العربي
وصار مقدما للطريقة الدرقاوية ببايلك الغرب الجزائري بعد أن جعله الشيخ على رأسها إذ
إثر عودته إلى مسقط رأسه أسس زاوية فشرع في تلقين مبادىء الطريقة إلى السكان
واكتسب شعبية كبيرة وصار له وزن اجتماعي عظيم وتوافدت إليه القبائل من كل
األقطاب خاصة الصحراوية وصار الناس يشتكون إليه استبداد السلطة وظلم الحكام
هذا ماأثار دافعه لقيادة ثورة شعبية لزعزعة كيان النظام العثماني بالجزائر.2
-1أنظر بونقاب مختار ،انتفاضة درقاوة في بايلك الغرب ،5353-5312مجلة املواقف ،املجلد ،8العدد ،5جامعة
معسكر ،2113/52/85 ،ص522-581
-2أنظر غالي الغربي ،ثورة ابن الشريف ،مجلة الدراسات التاريخية ،العدد،51الجزائر ،5111،ص.11-13
190
المقاربة التاريخية
السلطة كانت تمارس الحكم باسم الرابطة الدينية الروحية دون أن تجسد هذا املبدأ على
الواقع املعاش.
إذ صار أهم هدف رئيس ي الذي تواجه ألجله الطريقة الدرقاوية السلطة هو
تجسيد مبدأ إلزام الحاكم بطاعة الزعامات الدينية و تستند هذه املواجهة بصفة عامة
إلى ثالث نقاط رئيسية نبديها فيمايلي:
( )0إنهاء كيان سلطة مستبدة تقمصت أدوار عديدة باسم الدين.
ألن السلطة بنظر هؤالء كانت تتحكم وتسيطر وفق نزعاتها النفعية ومصالحها
الشخصية فصارت سلطة انتهازية في مواقفها وطرق تعاملها مع الرعايا وهذه املمارسة
املمتدة كما أسلفنا لم يكن لها حدود .
وفي قراءاتنا لفكر هذه الزعامات وتحليلنا له نلمس أن بقاء نظام السلطة العثمانية
بالجزائر بالنسبة لهم قد صار يشكل خطورة على ثقافتها ومستقبلها فخطورة وجود
السلطة وكيانها القائم آنذاك هو أهم نقطة حاربت ضده الطرق الصوفية درقاوية كانت
أو غيرها وسنأتي هنا لذكر طرق أخرى أبدت استياءها من هذا النظام.
ومن بين هذه الطرق الطريقة التيجانية التي تعود إلى مؤسسها أحمد بن محمد بن املختار
بن سالم التيجاني )(1737-1815م هذا الذي كان كثير التنقل و الترحال في اإلياالت
املغاربية ناهيك عن مكة املكرمة و املدينة املنورة 1ومايهمنا هنا مكوثه وتأسيسه للطريقة
بإيالة الجزائر خاصة جنوب الصحراء حيث انطلقت من بلدة بوسمغون بالبيض
1
- Jean-Louis Triaud, Islam et sociétés en Afrique subsaharienne à
l'épreuve de l'histoire: un parcours en compagnie ,
Karthala.2012,p. 188
191
المقاربة التاريخية
وانتشرت زواياها في قرارة وتوات وواد القمار 1وناهضت السلطة كغيرها من الطرق التي
أسلفنا ذكرها.
وتظهر أهمية هذه الطريقة في نفس النقطة التي أثرناها إذ أن مبالغة السلطة في
استعباد السكان قد جعل من زعامات هذه الطرق منظمة مناهضة للنظام مرافعة
للمظالم التي قدمت من طرف عامة الناس إلى زوايا هذه الطرق ومن هنا أود أن أوضح أن
تركيزي للدور الذي لعبه هذا التوجه الطرقي صادر من اقتناعي بأن البنية املجتمعية في
إيالة الجزائر كانت تخضع إراداتها دائما ملا يبديه رجال الدين وزعماء الطرق من مواقف
وتميل كل امليل إلى خطاباتهم ومن هنا نجد بأن تكريس هذا التوجه والزوايا كجهاز يعمل
على تنفيذ رغبة الطبقة العامة نابع من الصراع الطبقي بين السلطة والنخب والذي خلق
فجوة طبقية عالئقية أودت بنشوب ثورات شعبية إذ سنتطرق إلى حيثياتها في عجالة في
صفحاتنا الالحقة.
و إذا ضربنا مثال تلك األزمات فإن سماح السلطة للرعايا األجانب من
تجار أروبيين وغيرهم بالتدخل في شؤون الحكم الداخلية كان تجسيدا ملبدأ
التمييز العنصري على أساس العرق فغالبا ماكان يتم إقصاء الفئة الجزائرية
املثقفة من املمارسة السياسية هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن تحول الدور
الحقيقي للعثمانيين بعد القضاء على عنصر اإلحتالل اإلسباني من دولة ذات
1
-louis Rinn,op.cit.p.424-426
192
المقاربة التاريخية
سلطة روحية منتجة للثقافة إلى سلطة ذات إيديولوجية عنصرية تعمل على
إقصاء و تهميش العلماء أدى إلى تولد توجهات معارضة لها أطلق عليها بثورة
الزعامة الدينية.
هذا ،ولم تكن الفئات الجزائرية املثقفة يوما تميل الستعمال العنف حتى
في بعض الخطابات التي كنا نلمسها من خالل قراءاتنا ملنتوجاتهم الفكرية .ولم
تكن أبدا تشجع على الخروج عن الحاكم بقدر ماكانت تدعو إلى التضامن معهم
لكن كل الدوافع التي أشرنا إليها واألسباب أسست لقطيعة مع الخطاب السابق
فحدث مانسميه بمنعرج في وقائع التواجد العثماني بالجزائر .ففي هذه الفترة
أصبح عامة الناس يطمحون إلى التحرر من التعسف السلطوي وقد تجلت
حركات مناهضة للنظام السائد آنذاك وعملت على تحريض السكان ضد السلطة
بل كانت تدعو إلى ثورة شعبية نظمتها الزعامة الدينية.
-1خاصة منهم شيوخ الزوايا الذين كانوا في بداية األمر وراء تعبئة الناس للجهاد ضد الخطر المسيحي ،أنظر شدري
رشيدة ،العلماء و السلطة ،ص.511
193
المقاربة التاريخية
وهكذا كانت ثورة الطريقة الدرقاوية 1أول ثورة انطلقت في الجزائر حيث شرع في
تنفيذ مشروعها بالشرق عام 0318بقيادة ابن األحرش 2الذي قاد ثورة وفق مبادىء
الطريقة الدرقاوية التي تعود جذورها إلى شيخ الطريقة محمد العربي الدرقاوي املراكش ي
وهي امتداد للطريقة الشاذلية وقد انتشرت بشكل كبير في الغرب الجزائري وقد احتلت
موقعا مركزيا نظرا للمبادىء السامية والعليا التي كانت تنادي بها وأهمها نبذ التعسف
السياس ي ألي سلطة في البالد وقد تبوأت الثورة الصدارة في وقائع األحداث آنذاك ملا انتهج
صاحبها آليات الدعوة إلى القضاء على تراكم الفساد من طرف السلطة.
وببايلك الغرب قامت عام 0311بقيادة ابن الشريف ،3حيث يصف زعماءها
املزاري في كتابه إذ يقول "وينتسبون إلى رجل مغربي من بني زروال بوادي أبي بريح
من فرقة يقال لها درقاوة ،يقال له الشيخ موالي محمد العربي بن أحمد
وينسبون له ّ
السر والنقاوة .أخذ عنه جملة من أشياخهم وأصولهم وأفراخهم منهم
السيد عبد القادر بن الشريف القائم بالغوغاء والعامة على أهل امللك
والتصريف".4
وتمكنت هذه الثورة من تفجير غضب الصدام الذي كان مستمرا على أوجه بين
النخب الثقافية ،والسلطة السياسية ،وقد لعبت هذه املواجهة دورا بارزا في
التاريخ الجزائري الحديث.
-1أنظر الزياني بن يوسف ،دليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران ،تحقيق املهدي البوعبدلي ،الجزائر،
،1947ص213-211
-2هو الشيخ الحاج محمد بن عبد هللا بن األحرش املعروف بالبودالي نسبة إلى مدينة أبدال ،من رجال العلم والدين
في الطريقة الصوفية الدرقاوية التي نشطت شرق الجزائر .عد إلى الزياني محمد يوسف ،دليل الحيران و أنيس
السهران في أخبار مدينة وهران ،تقديم املهدي البوعبدلي ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،الجزائر5111 ،م ،ص
.211
-3عد إلى الغالي الغربي ،ثورة ابن الشريف الدرقاوي ضد األتراك في القرن التاسع عشر ،مجلة دراسات تاريخية ،
العدد ، 22-28السنة ،1جامعة دمشق5133-5131 ،م
في سياق متصل ،توسع امتداد زاوية الطريقة الدرقاوية إلى مؤسسة ذات نفوذ
كبير باإليالة خاصة باملناطق الريفية فاحتضنت فكرة اإلستقالل عن الحكم
املركزي األمر الذي سهل انتشارها بشكل كبير وكنتيجة لذلك تمكن ابن األحرش
وابن الشريف الدرقاوي الذان تبنيا تعاليم موالي العربي الدرقاوي املؤسس األول
لهذه الطريقة من اكتساب شعبية كبيرة وسط السكان ،مماجعلهم يسارعون إلى
تنصيبهما كقائدين لثورتهما ضد العثمانيين.
في املقابل ،حينما كان بايات املناطق املشار إليهما منشغلين بجباية الضرائب
و إخماد تمردات القبائل كان الزعيمين قد شرعا في تنفيذ مشروعهما الثوري ضد
سلطة العثمانيين فبالشرق انتهز ابن األحرش فرصة انشغال الباي عصمان بجمع
الضرائب بسطيف ليشرع في توجيه حمالته العسكرية نحو قسنطينة 1أما ببايلك
الغرب فقد استغل ابن الشريف توجه الباي مصطفى العجمي إلخماد تمردات
قبائل األنجاد في الفترة مابين ،0311-0311ففي هذه الفترة كان ابن الشريف
قد شرع في إعالن أول تمرد له ضد السلطة في معركة فرطاسة بمعسكر 2وهذا ما
سيثير صداما عنيفا بين الباي و ابن الشريف حيث يورد املزاري نتائج هذه
املواجهة في كتاباته قائال "فأمس ى الباي بمخزنة في نكد ،وأصبح الدرقاوي بأتباعه
في رغد" 3كما يورد مانتج من قصائد الشعراء حول هذه املواجهة حيث كتب ما
جاء على لسان السيد حسن خوجة في در األعيان هذه األبيات4:
ما بين قتلى وأسرى غير ناجينا فرطاسة يومها ترى الجنود به
به يريد لقاء العدو باغينا فالباي جاء بجيش ال نفاذ له
1
- Feraud ," Les cherifs kabyles de 1804 -1809 dans la province de
Constantine" in RA .n°13 1869, p217.
- -2إبن سحنون ،املصدر السابق ،ص21
-3املزاري ،مصدر سابق ،ص.812
-4املزاري،ن،م ،ص.811
195
المقاربة التاريخية
-1محمد بن يوسف الزياني ،دليل الحيران و أنيس السهران في أخبار مدينة وهران ،تحقيق الشيخ املهدي البوعبدلي،
ط ،5املعرفة للنشر والتوزيع ،الجزائر ،2158 ،ص .281
2
- Esterhazy, Op.cit, p201-212
196
المقاربة التاريخية
عالقة تنافرية بين الزعامات الدينية والسلطة امتدت سنوات عديدة والتي سيأتي
ذكر نماذج أخرى منها فيما بعد.
لقد كانت مواجهة الزعامات الدينية للسلطة على الشراكة مع فئات إجتماعية
متعددة لكن جملة اإلنتصارات التي حققتها ثورة الدرقاويين لم تدم طويال إذ
سرعان ما تم القضاء عليها ابتداءا من تكليف الباي عبد هللا بن اسماعيل بالشرق
وبتدعيم من طرف الداي مصطفى باشا ضد ابن األحرش ووصول الباي املقلش
ببايلك الغرب إلى وهران بعد أن حاصرها ابن الشريف1.
في تحقيبنا لهذه الوقائع التي أعطينا نماذج منها ،نجد بأن آليات مواجهة الزعامة
الدينية الدرقاوية للسلطة قد انحصرت في عدد من النقاط الرئيسية والبأس أن
نشير إليها الللحصر :كان مشروع القضاء على نظام العثمانيين بالعمل الثوري
ساريا وفق مبادىء الطريقة التي حاول مؤسسوها على قدم وساق أن يرسخوا
وجودها في كل القطر الجزائري بيد أن إلتفاف عامة الناس بالشرق للطريقة
الرحمانية آل دون نجاح استمرارية هذه الثورة خاصة ملا لقيت إعراضا من بعض
القبائل املتحالفة مع السلطة التي كانت محاوالتها جد نشطة في قمع أتباع وزعماء
هذه الطريقة.
ثم لم يلبث ابن األحرش إال وأن دخل في تكتل مع ابن الشريف ببايلك الغرب
ليكونا على خط واحد فجرى أن انقلبت املوازين ضده ملا صار منافسا على تمثيل
هذه الطريقة باملنطقة فانهارت الثقة بينهما األمر الذي دفعه إلى اغتياله كما
أشارت املصادر التاريخية إلى ذلك لتدخل الزعامة الدينية في أزمة الفشل املتكرر
أثناء مواجهة السلطة.
وفي تلك األجواء من الصراع لم تتمكن هذه الثورات من إسقاط نظام سلطة
العثمانيين
1
-Delpech, Adrien, "Le soulèvement de Derkaoua de la province d’Oran de
1800-1813" in R.A, N°18, 1874,p.40 –p.44
197
المقاربة التاريخية
لكن كل ما تمكنت القيام به هو إنهاك الحكام وإضعافهم ويبدو ذلك جليا من
خالل االفتراضات العلمية التي انطلق منها كل من Berburgger1و
Vayssette2و De Grammond,3وأهمها أن الدولة العثمانية كانت
الفاعل األساس في هذا الصراع من خالل سعيها لزيادة قوتها النسبية خاصة أثناء
إعادة تأسيسها لسياسة املواجهة ضد معارك ابن األحرش والتي كانت إيذانا بإنهاء
أواصرها بشكل سريع ألنه باملقابل قامت السلطة بإغراء بعض القبائل و بعض
الفئات للتحالف معها بهدف القضاء على خطورة هذه الثورة إذ نفس الطروحات
نلمسها في الدراسات الحديثة التي تشير إلى أن " السلطة العثمانية الحاكمة في
الجزائر قد واجهت العديد من التمردات والثورات املناهضة لحكم العثمانيين
بسبب سياسة التهميش والقمع ،وفرض الضرائب التي طبقتها على األهالي
الجزائريين بإبعادهم عن مراكز السيادة والحكم" 4وما يستخلص من هذه
العبارة هو أن العالقات التي ربطت الجزائريين بالسلطة العثمانية كانت تحمل
سمة تشاؤمية بالنسبة للعديد من املؤرخين ،ذلك أن القيم االجتماعية أو
الدينية التي ربطت بين الدولتين أدت دورا ثانويا في تحديد سلوك الدولة العثمانية
اتجاه الجزائر ،إذ بدأت بالتالحم في5مواجهة الغزو اإلسباني بدافع الجهاد
البحري ،وانتهت باالنفصام بسبب تعرض معظم الدايات للقتل والتصفية وهو
ما أثر بشكل سلبي على طبيعة العالقات بين السلطة العثمانية و الجزائريين.
ففي تحديدنا لألسباب الحقيقية و اإلستراتيجية لهذا االنفصام التي نلخصها في
الفوض ى والالأمان و التي سادت الدولة ،وكذا تكالب الدول األوروبية كنتيجة
لعدم االستقرار يبدو من الواضح جدا أن هذه املفاهيم وعلى رأسها عدم األمن
واإلختالل الوارد في توازن القوى تشكل التوجهات الحديثة في نظرتنا الواقعية التي
تعكس صورة عن األزمات الداخلية و تصدع العالقات الجزائرية العثمانية" 1فقد
أدت أجهزة الحكم خاصة داخل فئة االوجاق والدايات وكذلك رياس البحر،
دورا كبيرا في تحديد مسار هذه العالقة إذ استحوذت مسألة املؤامرات و
الدسائس وكثرة االغتياالت على حيز كبير من توجهاتها ،فبناءا على هذا وجدنا أن
اللبنة األساسية التي انطلقت منها العالقات اعتمدت بشكل كبير على ما قام من
وقائع وأحداث في الواقع ،باعتبار أن السياسة الداخلية للسلطة قامت على
أساس الحفاظ على النفوذ واملال في إطار املصلحة العثمانية.
وهكذا فإن عمق التأثر بسياسة الحكام فتح الباب أمام ثورات أخرى نتيجة
تمتع رجال الدين بشعبية كبيرة وسط املجتمع حينئذ امتدت املواجهة ضد
السلطة إلى عين ماض ي بالصحراء فقامت ثورة الطريقة التيجانية إذ يمتد غضبها
نتيجة توجيه البايات لحمالت متكررة ضد سكان املنطقة من أجل دفع ضريبة
اللزمة حيث هاجمها باي التيطري عام 0322وهاجمها الباي حسن عام0321
فاستغل التيجاني كل الوسائل املتاحة بما فيها مراسلة القبائل املعادية للسلطة
بهدف التحالف معه ،قصد الحد من الضغوطات التي كانت تمارسها السلطة على
النشاطات الدينية الخاصة بأتباع هذه الطريقة 2ذلك أنها تخوفت من تصاعدها
إلى حركة ثورية ضد الوجود العثماني باملنطقة مع اإلشارة إلى أن عين ماض ي كانت
تتمتع باستقاللها عن السلطة املركزية إلى أن فتح البايات باب توجيه الحمالت
إليها بغرض جمع الضرائب ،األمر الذي أذعن بخلق عالقة تنافرية ولدت موجة
من الصراع الدائم بين زعامة هذه الطريقة و السلطة التي انتهجت نهج قمع عدد
من شيوخ قبيلة الحشم التي ساندت هذه الثورة وكان ثوارها نهاية املطاف عرضة
425.
199
المقاربة التاريخية
ملذبحة وحشية ،جعلت السلطة تنهي خطورة هذه الحركة املعارضة لوجودها بعد
أن طبقت بعض الخطط اإلستراتيجية في اإلطاحة بزعيمها وأهمها إغراء القبائل
املساندة التي بادرت بالعزوف عن الثورة لصالح هذه الطريقة .وفي مقابل ذلك ،لم
تتمكن الثورة التيجانية من إنهاء نظام السلطة العثمانية أو القضاء عليه.
بناءا على ماتقدم نستطيع أن نقول أن السلطة نجحت في إخضاع هذه الثورات
ألنها تمكنت إلى حد بعيد من تحقيق مصلحة بعض الطبقات النافذة في املجتمع مماخلق
تغير في موازين القوى بين الجبهات املتصارعة بين زعماء الطرق الدينية والسلطة ولإلشارة
فإن التغير امللموس من خالل الحيثيات التي طرحناها للنقاش لم يتم بالسهولة التي
توقعتها بعض الدراسات ألن هذا التمكن نتج عن حركية تاريخية جعلت السلطة تتكيف
مع الوضع وتعمل على استراتيجية محكمة من أجل خلق اتجاه جديد وهو ضرب الزعماء
بالقبائل الرافضة لإلنضمام تحت لواء هذه الثورات إن صح التعبير كقبائل البرجية و
الزمالة و الدواير 1الرافضة لإلنضمام إلى ثورة الطريقة التيجانية.
أوال :الزعامة الدينية كانت هيئة تنظيمية وضعت قواعد بنائية خاصة بطريقة
محددة لها مؤثرات خارجية التنطبق على بالد يعيش أفرادها في مساحة شاسعة وأود أن
أقول هنا أن الثورات الشعبية كانت ذات طابع مذهبي ،ولو أن مبادئها في مناهضة السلطة
مقبولة منطقيا لكن من حيث الظروف التي عاشها األفراد كانت تحتاج في تقديرنا أن تكون
وطنية داخلية فقط فهي كانت تميل إلى نشر طريقة دينية تطمح في الوصول إلى السلطة
فبقدر ماكانت تتبنى مناهج إيجابية في حركتها الفعلية التاريخية بقدر ماكان لها عيوب
تتجسد في انقسام توجهات املجتمع وإن كنت الأستطيع التدخل أكثر في سرد فلسفة هذا
التوجه حتى أتجنب الخروج عن املوضوع أو إصدار أحكام غير موضوعية لكن أجدني
ملزمة في اإلشارة إلى هذه النقطة كأهم سبب أدى إلى تراجع املجتمع وعدم التفافه حولها
وعدم نجاحها في استمرارية ثوراتها ألن توجهها لم يكن متناسقا مع جميع أفراد املجتمع.
ثانيا أشرنا إلى مصطلح الزعامة ألن هؤالء كانوا رجال دين ثم توجهوا للعمل
الثوري وغالبا ماصار يتم نعتهم بهذا اللقب بحكم خبراتهم التي مارسوها داخل البالد وهذا
يؤكد أن هؤالء خلقوا مؤسسات المركزية إن صح التعبير متفرقة بعيدا عن أوامر السلطة
القانونية وبالتالي البعد الجغرافي والزمني لهذه اإلنطالقة كانا من أسباب فشلها.
إذن وبالرغم من كل ذلك الزعامة الدينية كان لها فكر ثوري تحرري اليستهان به
فمنها من أقامت ممارستها في نشر تعاليم طرقها بعيدا عن الرقابة املركزية ثم أنه كان لها
مشروع طموح في السيطرة على وضع البالد التي آلت أوضاعها إلى أزمات متكررة وإن أي
تحليل لهذه األزمات ،يكشف ضرورة وجود مثل هكذا مواقف يكون عليها املطالبة
بتأسيس إطار حكم شرعي يخضع إلرادة املجتمع فهذه الثورات بأجهزتها الصغيرة كان لها
فكر واسع في تصميم وتأطير حضارة املجتمع ومستقبل البالد.
201
الخاتمة
الخاتمة
لقد كان من الصعب جدا أن أنهي في ظرف وجيز استعراض ي ألغلب الفئات
الثقافية التي كان لها فاعلية ودور أساس ي في التأثير على مجتمع الجزائر العثمانية في
عهد الدايات .ألن ذلك يتطلب مجلدات وإمكانيات جد معتبرة وبالرغم من ذلك حاولت
بجهدي املتواضع أن أوجز قدر املستطاع لتغطية الدراسة تغطية شاملة .إال أنني
سجلت بعض املالحظات التي استنبطتها في هذا املجال ،إذ أن املقاربة التاريخية بين
الطرفين محل الدراسة تجعلنا نواجه صعوبة في جعل املوضوع ذا شمولية مطلقة ألن
العالقة بين النخب الثقافية و السلطة مرت بمتغيرات أولية.
فهناك من الحكام من أبدوا انسجاما مع الفئة املثقفة ومنهم من ذهب ليغتال
ويعرقل مسارهم الفكري خالل فترات عديدة فاملنطلقات واألحداث انصهرت حسب
حاجيات كل طرف من جهة وحاجيات املجتمع لهم من جهة أخرى.
وال بد أن نسجل أن هؤالء لم يتوصلوا إلى تشجيع العلم و ال العلماء في جميع
مجاالت الحياة إال إذا تعلق األمر بالحاجة إلى تزكية معنوية يحتاجونها للسيطرة
على وضع ما أو قبيلة أو فرقة ما كي تخدم مصالح بالدهم داخل الجزائر ،فيقربون
بعض النخب منهم للتأثير على املجتمع بطرق غير مباشرة ،فالسلطة سعت قدر
اإلمكان إلى إبعاد هذه الفئة عن ممارسة العمل السياس ي وكانت تحمل وراء هذا
خلفيات ومبررات داخلية و خارجية لهذا جعلت عالقاتها معها مرتبطة بالتأثير على
املجتمع كلما دعت الضرورة إلى ذلك .لكن بالرغم من ذلك كانت هذه الطبقة جد
مميزة لدرجة أنها خلفت العديد من األبناء الذين حملوا املشعل وواصلوا بعث
الحركة العلمية و الثقافية بالجزائر العثمانية في فتراتها املختلفة وخاصة فترة
الدايات ،وهذا مايفند طروحات الضفة األخرى التي تنكر وجود الطبقة الوسطى
بالجزائر وتدلي بحقائق تخدم إيديولوجية سياسية عسكرية أجنبية.
202
الخاتمة
ماتجدر اإلشارة إليه كذلك أن السلطة لم تعرف كيف تستغل هذه الطبقة
خاصة تلك التي ظهرت في حواضر املدن العلمية الكبرى كالجزائر باعتبارها املمثل
الشرعي للسلطة املركزية ناهيك عن مدن بعض البايلكات كقسنطينة ببايلك
الشرق و وهران و تلمسان ببايلك الغرب وغيرها من الحواضر األخرى ،فإهمال
السلطة للعلم و رجاله و مؤسساته في هذه الفترة بالذات فتح مجال تفش ي الجهل
بشتى أصنافه وبروز عدد من األمراض اإلجتماعية التي أدت إلى حدوث تفكك في
البنى التحتية للمجتمع وبالرغم من املجهودات التي بذلتها النخبة الثقافية إليجاد
حل للمشاكل اإلجتماعية إال أن غياب السلطة كان له تأثير عميق جدا في تالش ي
السمعة الدولية والداخلية للجزائر.
ما استنتجناه كذلك أن هناك من النخب من برزت في مجاالت متعددة سواء
كانت نقلية أو عقلية أوحتى في املراكز و املناصب اإلدارية السامية وكان لها وزن
َ
إجتماعي وورثت هذه املهن والعلوم ألبنائها وربما هناك من الدراسات من استاءت
لهذا السلوك لكن هذا النوع من السلوكيات هو ردة فعل ملا أنتجه املحيط من
تفاعالت املجتمع مع هذه الفئة ،وبالتالي فإننا نفند هذه األحكام املسبقة في شأن
هذه الفئة ألننا نراه سلوك إيجابي ولد ديناميكية حيوية في التميز وإثراء الجانب
الثقافي في تاريخ الجزائر الحديث.
وبالتالي ومن خالل املقاربة املنهجية التي طرحناها في موضوعنا هذا فإن خالصة
ونتيجة دراستنا تقوم على أنقاض املعطيات التي استنبطناها من ماسبق طرحه من
مواضيع في مصادر ومراجع ودراسات مختلفة التي تم اإلشارة إليها في القائمة
البيبليوغرافية.
203
الخاتمة
فمن خالل ماتفحصناه من دراسات رائجة في املعرفة التاريخية في هذه الفترة ،سجلنا
النتائج املتوصل إليها كاآلتي:
)5112-5111( في املرحلة الثانية بنيت على انتهاز فرصة النفوذ الروحي في القاعدة
الشعبية بهدف تحقيق مكسب مادي وهو جمع الضرائب عن طريق بعض الفئات
النخبوية
)5381-5112( في املرحلة الثالثة تحولت العالقة بين النخبة الثقافية و السلطة
حيث تبنت أفكار سياسية ثورية معادية لنظام الحكم .
ومن الحصيف أن نشير على سبيل تسجيل بعض املعطيات العلمية إلى ضبط
نقاط رئيسية البد من التركيز عليها والتي ستفتح مجال متابعة هذا املوضوع و
التوسع فيه مستقبال:
أن عالقة السلطة باملثقفين كانت تحمل بعدا سياسيا محضا أكثر منه روحي ديني
أو علمي.
يحتاج املوضوع إلى مقاربة منهجية جديدة وآفاق تضع كل من تناوله محل
وسط واعتدال ويتطلب منا ذلك إمكانيات كبيرة من وسائل وطرائق ،األمر
الذي يجعلنا تركه مفتوحا للتدقيق فيه أكثر مستقبال .
هذه املتغيرات يمكنها أن تفتح مجال الدراسة مستقبال باعتبارها كعنصر متحرك
من جهة وبين املؤرخين كمحركين لألحداث من جهة أخرى.
204
الخاتمة
فمن خالل ماقدمناه البأس أن نسجل بأن النتائج املتوصل إليها و خالصة
االستنتاجات التي ذكرناها تمهد إلعادة النظر إلى هذه العالقة بأبعاد علمية
بحثية واسعة وفق فحص علمي دقيق يخضع للحركية االجتماعية والتغيرات التي
صادفته في تلك الفترة.
الجديد في البحث
• حاولت الترويج للعمل على حقول بحثية خارج دائرة التاريخ تخضع للحركية
البحثية الراهنة وهي اللقاء بين علم اإلجتماع و التاريخ وهذا ماجسدناه في بعض
املباحث ألن الضرورة صارت تدعو إلى تجاوز التاريخ السياس ي واالعتماد في
اإلسهام التأريخي على نشاطات البشر ،و العمل على التقارب بين األنثروبولوجيا
والتاريخ في خدمة الحقيقة العلمية .
205
قائمة املصادرواملراجع
ثبت المصادر و المراجع
املصادر
العربية
206
ثبت المصادر و المراجع
املصادر املطبوعة
.3أباحامد املشرفي ،ياقوتة النسب الوهاجة وفي ضمنها التعريف بسيدي
محمد بن علي مولى مجاجة ،مخطوط باملكتبة الوطنية الجزائرية،
رقم8827
.1ابن الفكون ،عبد الكريم ،محدد السنان في نحور إخوان الدخان ،مخطوط،
مكتبة وزارة الشؤون الدينية و األوقاف ،الجزائر ،الرقم.616
.01ابن املفتي حسين شاوش ،تقييدات ابن املفتي في تاريخ باشوات الجزائر
وعلمائها ،تحقيق األستاذ فارس كعوان ،الطبعة :األولى ،بيت الحكمة،
الجزائر2111 ،م
.00ابن عمار أبي العباس سيدي احمد ،نحلة الحبيب بأخبار الرحلة إلى
الحبيب ،مطبعة فونتانا ،الجزائر0112،م
.02ابن ميمون محمد ،التحفة املرضية في الدولة البكداشية ،تحقيق محمد
بن عبد الكريم ،ط،2الشركة الوطنية للنشرو التوزيع،الجزائر0130،
.08ابن هطال التلمساني ،رحلة محمد الكبير باي الغرب الجزائري إلى الجنوب
الصحراوي الجزائري ،0631حررها وقدم لها محمد بن عبد الكريم،
املؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت2004 ،
.08ابن زاكور الفاس ي ،نشر أزاهر البستان فيمن أجازني بالجزائر وتطوان من
فضالء أكابر األعيان ،املعرفة الدولية للنشر و التوزيع ،الجزائر2111،
.01ابن زرفة ،الرحلة القمرية ،تحقيق مختار حساني ،مخبر املخطوطات،
جامعة الجزائر2118،
.07البوني ،أحمد بن القاسم ،الدرة املصونة في صلحاء وعلماء بونة ،تحقيق
سعد بوفالقة ،منشورات بونة للبحوث و الدراسات ،الجزائر. 2116،
207
ثبت المصادر و المراجع
208
ثبت المصادر و المراجع
.27املصعبي ،ابراهيم بن بحمان بن ابي محمد بن عبد هللا ابن عبد العزيز
الثميني اليسجني ،رحلة املصعبي ،تحقيق يحي بن بهون الحاج ،دار اآلفاق
العربية ،ط،0القاهرة2106،
.26املزاري ،اآلغا بن عودة ،طلوع سعد السعود في أخبار وهران و الجزائر
وإسبانيا وفرنسا أواخر القرن التاسع عشر ،تحقيق يحي بوعزيز ،ط ،0دار
الغرب اإلسالمي ،بيروت0111 ،
.23الناصري ،أبي راس ،فتح اإلله و منته في التحدث بفضل ربي ونعمته،
تحقيق محمد بن عبد الكريم ،املؤسسة الوطنية للكتاب ،الجزائر.0137،
.21الناصري ،أبي راس الجزائري ،عجائب األسفار و لطائف األخبار ،دراسة و
تحقيق محمد بوركبة ،ج،0منشورات وزارة الشؤون الدينية و األوقاف،
الجزائر2100،
.81الناصري ،أبي راس ،الحلل السندسية في شأن وهران و الجزيرة
األندلسية ،مع الترجمة إلى الفرنسية للجنرال فوربيقي ،مطبعة بيير فونتانا،
الجزائر0118،
.80الورثيالني ،سيدي حسين بن محمد ،نزهة األنظار في فضل علم التاريخ
واألخبار ،الرحلة الورثيالنية ،املجلد الثاني،ط ،0مكتبة الثقافة الدينية،
القاهرة2117 ،
.82الراشدي أحمد ابن سحنون ،الثغر الجماني في ابتسام الثغر الوهراني،
تحقيق الشيخ املهدي البوعبدلي،ط ،0عالم املعرفة للنشر و التوزيع،
الجزائر.2108،
209
ثبت المصادر و المراجع
210
ثبت المصادر و المراجع
.88محمد قاض ي ،الكنز املكنون في الشعر امللحون ،تقديم أحمد أمين دالي،
منشورات
مركز البحث في األنثروبولوجيا اإلجتماعية والثقافية ،مطبعة ،AGPوهران،
الجزائر.2116،
.88محمد بن محمود بن محمد بن حسين الجزائري ،السعى املحمود فى
ترتيب العساكر والجنود ،رقم النسخة ، 333481عدد األوراق 17
ورقة .وهو متاح على موقع مخطوطات األزهر الشريف مصر
http://www.alazharonline.org
.81مسلم بن عبد القادر الوهراني ،أنيس الغريب واملسافر ،مقدمة وتعليق
رابح بونار ،الجزائر ،الشركة الوطنية للنشر و التوزيع0168 ،
.87مؤلف مجهول ،مخطوط نبدة سيرة الباي محمد الكبير ،باي معسكر،
فاتح ثغر وهران ،املكتبة الوطنية الفرنسية ،رقم 2376602ورقة ،تم
جرد عنوان املخطوط باللغة الفرنسية كاآلتي:
Abrégé de l''histoire du bey Mohammad al-Akhal
et de la conquête d'Oran sur les Espagnolsوقد
تضمن أعمال الباي محمد الكبير في جميع املجاالت الثقافية و السياسية
والعسكرية
الكتب
211
ثبت المصادر و المراجع
212
ثبت المصادر و المراجع
213
ثبت المصادر و المراجع
214
ثبت المصادر و المراجع
املجالت
.66أرزقي شويتام ،دور الكراغلة في الجزائر أثناء الفترة العثمانية-0101
،0381مجلة أفكار و آفاق ،املجلد 8العدد ،8جامعة الجزائر2680
ديسمبر2108
.63أيت حبوش حميد ،الكراغلة و درورهم السياس ي في الجزائر خالل العهد
العثماني ،مجلة الحوار املتوسطي ،املجلد 8العدد ،0جامعة سيدي
بلعباس ،مارس 2108
.61آيت حبوش حميد ،واقع التعليم في الجزائر أواخر العهد العثماني ،مجلة
حوليات التاريخ و الجغرافيا ،مجلد 8رقم 80 ،6ديسمبر ،2108الجزاىر
العاصمة،
.31الجياللي سلطاني ،قراءة في أرجوزة الحلفاوي في فتح وهران من خالل
مخطوط شرح الجامعي لألرجوزة ،املجلة الجزائرية للمخطوطات ،املجلد 2
العدد ،8جامعة وهران ،جوان.2101
.30الخداري محمد ،بالد املغارب تحت الحكم العثماني :نموذج الجزائر في
عهد الدايات ( ،)0381 – 0760دورية كان التاريخية (علمية ،عاملية،
َّ
ُمحكمة) -العدد الثاني والعشرون ،ديسمبر .2108
.32العبيدي صباح نوري هادي ،يالة الجزائر العثمانية :بين موارد البحر
والضرائب ،مجلة امللوية للدراسات األثرية والتاريخية ،املجلد ، 8العدد
،01السنة الرابعة،جامعة سامراء.2106،
.38الغالي غربي ،ثورة ابن الشريف الدرقاوي ضد األتراك في القرن التاسع
عشر ،مجلة دراسات تاريخية ،العدد ، 28-28السنة ،6جامعة دمشق،
0137-0131م
215
ثبت المصادر و المراجع
.38بن قايد عمر ،أضواء على عالقات الجزائر مع املغرب األقص ى خالل القرن
06م ،مجلة الواحات و الدراسات ،العدد ،06جامعة غرداية،
الجزائر2102،
.31بلبروات عتو ،املهاجرون و املهجرون إلى الجزائر العثمانية بين اإلنعزال و
اإلندماج اإلجتماعي ،مجلة املواقف ،املجلد 8العدد ،0جامعة معسكر،
80ديسمبر.2111
.37بلقاسم صديقي ،هجرة األندلسيين إلى بالد املغارب أواخر القرن 01إلى
بدايات القرن 06الدوافع و املراحل ،املجلة املغاربية للمخطوطات ،املجلد
8العدد ،0جامعة الجزائر 01 ،2سبتمبر 2101
216
ثبت المصادر و المراجع
.11حمداني هجيرة ،نظرة حول تاريخ األوقاف في الجزائر ،مجلة كلية التربية
األساسية للعلوم التربوية و اإلنسانية ،العدد ،82جامعة بابل2106،
.17حنيفي هاليلي ،الحضور األندلس ي بالجزائر في العهد العثماني على ضوء
سجالت املحاكم الشرعية ،املجلة التاريخية العربية للدراسات العثمانية،
العدد ،21مؤسسة التميمي للبحث العلمي ،تونس2112،
.16حنيفي هاليلي ،الثورات الشعبية في الجزائر أواخر العهد العثماني كرد
فعل على سياسة التهميش ،مجلة جامعة األمير عبد القادرللعلوم اإلسالمية،
العدد ،21أفريل ،الجزائر2117 ،
.13خلوت حليمة ،مفهوم السلطة السياسية في املجتمعات القديمة و
الحديثة ،مجلة الناصرية ،املجلد ،3العدد ،0جامعة معسكر2106 ،
.11خنفار الحبيب ،دور العامل االجتماعي في الحركة العلمية لعلماء الجزائر
خالل العهد العثماني ،مجلة الخلدونية،العدد السابع ،كلية العلوم
217
ثبت المصادر و المراجع
218
ثبت المصادر و المراجع
طـ ــوبال فاطمة الزهراء ،ظاهرة التدخين في الكتابة التاريخية في .017
العهد العثماني ،مجلة الراصد العلمي ،العدد الخامس ،جامعة وهران،0
ماي2103
طوبال فاطمة الزهراء ،مقاربات نظرية في مفهوم النخب الثقافية .016
و السلطة بإيالة الجزائر العثمانية في فترة الدايات ،مجلة القرطاس ،العدد
التاسع ،جويلية ،2103جامعة أبي بكر بلقايد ،تلمسان ،الجزائر
طوبال فاطمة الزهراء ،التمثالت السياسية للنخب الثقافية و .013
السلطة بالجزائر في عهد الدايات ،0381-0760مجلة املواقف،
املجلد ،08العدد ،2جامعة معسكر ،جوان 2101
219
ثبت المصادر و المراجع
220
ثبت المصادر و المراجع
221
ثبت المصادر و المراجع
222
ثبت المصادر و المراجع
الحديث و املعاصر ،تحت إشراف علي أجقو ،قسم التاريخ ،كلية العلوم
اإلنسانية واالجتماعية والعلوم اإلسالمية ،جامعة باتنة2116/2117 ،
لزغم فوزية ،البيوتات واألسر العلمية بالجزائر خالل العهد .081
العثماني ،أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ و الحضارة
اإلسالمية ،إشراف محمد بن معمر ،كلية العلوم اإلنسانية والحضارة
اإلسالمية ،جامعة وهران ،السنة الجامعية 2108-2108
موساوي القشاعي فلة ،الصحة والسكان في الجزائر أثناء العهد .080
العثماني وأوائل اإلحتالل الفرنس ي ،أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه
في التاريخ الحديث ،إشراف ناصر الدين سعيدوني ،كلية العلوم اإلجتماعية
-قسم التاريخ ،جامعة الجزائر ،السنة الجامعية 2108-2108
املوسوعات
ابن منظور اإلفريقي املصري ،لسان العرب ،املجلد األول ،دار .082
صادر ،بيروت0111 ،
بلغيث محمد األمين و خدوس ي رابح وآخرين ،موسوعة العلماء .088
واألدباء الجزائريين ،الجزء األول ،منشورات الحضارة،الجزائر2108 ،
بن نور عائشة ،فضيلة بن سهادة وآخرون ،موسوعة العلماء و .088
األدباء الجزائريين ،إشراف رابح خدوس ي ،منشورات الحضارة2108،
نويهض عادل ،معجم أعالم الجزائر ،مؤسسة نويهض الثقافية، .081
بيروت0131،
امللتقيات و املحاضرات و املداخالت املنشورة
احسان عبدالهادي النائب ،مفهوم السلطة وشرعيتها : .087
The First International اشكالية املعنى والداللة،
223
ثبت المصادر و المراجع
224
ثبت المصادر و المراجع
Recueils
135- Bulletin de la société Historique Algériénne,
Revue Africaine,Articles N° 227, 1897 par
Aumerat, La propriété urbaine à Alger.
136- Nouvelles annales des voyages, de la
géographie et de l’histoire : ou recueil des
relations original, Tome second, Ed librairie de
Gide fils, paris, 1830.
137- Bulletin de la littérature Etrangère, Nouvelle
publication en Angleterre, Octobre 1832
138- Delphin.G, Journal asiatique : ou recueil de
mémoires, d'extraits et de notices relatifs à
l'histoire, à la philosophie, aux sciences, à la
littérature et aux langues des peuples orientaux,
publié par la Société asiatique, Earnest le roux,
série N°11,Tome04,1914.
139- Devoulx Albert, les édifices religieux de l’ancien
Alger, extrait de la revue Africaine, N°10,
Typographie pastide, Alger,1870.
225
ثبت المصادر و المراجع
Ouvrages
143- Alphonse Rousseau, chronique de la
régence d’alger, traduite par manuscrit arabe
intitulé El Zohrat-El-Nayerat- imprimerie du
gouvernement, alger,1841.
144- De Gonzalez Joachim, Essai chronologique
sur les Musulmans célébres de la ville d’Alger,
France, e.Box Edition, 1886.
145- De Grammont Henri, histoire d’Algérie sous
la domination Turque (1515-1830), E.Leroux,
Paris,1887.
146- Dubois-thanville, mémoire sur Alger 1809,
ed G.Esquer, paris, 1929.
147- Dr Gemy, É tude sur la prophylaxie de la
variole, ed Adolphe Jourdan, Alger,1879.
226
ثبت المصادر و المراجع
227
ثبت المصادر و المراجع
228
ثبت المصادر و المراجع
231
ثبت المصادر و المراجع
Périodiques
190- Frederico cresti,Alger à la période turque.
Observations et hypothèses sur sa population et
sa structure sociale, Revue des mondes
musulmans et de la Méditerranée ,N°44 Année
1987.
232
ثبت المصادر و المراجع
Journaux
192- Thierry Oberlé , Le Figaro.France,13
novembre 1997, p. 4.
233
ثبت المصادر و المراجع
املالحق
المالحق
جدول أهم النخب الثقافية التي تجلت بالجزائر العثمانية فترة الدايات موزعة
حسب البايلكات و املهام و املناصب التي تولتها ضف إلى تاريخ الوفاة
.1دارالسلطان
234
المالحق
والتأليف في الفقه
0011ه0686/م تولى منصب اإلفتاء الحنفي حسين بن محمد العنابي
محمد بن حسين بن محمد 0218ه0633/م تولى منصب القضاء الحنفي
العنابي
محمود بن محمد بن حسين 0287ه0321/م تولى منصب اإلفتاء الحنفي
بن محمد العنابي
محمد بن محمود بن محمد 0276ه0311/م تولى منصب القضاء و اإلفتاء الحنفي والكتابة و
السفارة والتأليف في الفقه بن حسين بن محمد بن
عيس ى اإلزملتي املشهور بابن
العنابي
محمد بن محمد بن املهدي 0118ه0607/م شاعر
بن رمضان بن يوسف العلج
أبو عبد هللا محمد بن علي 0071ه0611/م أديب
تولى منصب اإلفتاء الحنفي والخطابة و التدريس بن محمد املهدي بن رمضان
بن يوسف العلج املشهور
بابن علي
فقيه هني ابن السايح البهلولي 08ه /ق01م
املجاجي
فقيه تولى منصب القضاء امللكي محمد ابن هني ابن السايح 08ه /ق01م
البهلولي املجاجي
الجالية األندلسية
235
المالحق
تولى منصب اإلفتاء املالكي عام أحمد زروق بن السيد محي الدين بن 02ه06/م
0012ه0681/م والتدريس عبد اللطيف
والخطابة
سارد لصحيح البخاري عبد الرحمن بن السيد محي الدين بن 02ه06/م
عبد اللطيف
عالم خطيب 02ه03 /م محمد بن عبد اللطيف
تولى منصب القضاء املالكي 02ه03/م محمود بن عبد اللطيف
فقيه تولى منصب اإلمامة عام ابراهيم بن نيكرو
0737م
أديب وفقيه ومفتي ومدرس محمد بن إبراهيم بن أحمد بن موس ى 0012ه/
وخطيب تولى منصب اإلفتاء 0681م النيقرو
املالكي
سارد الحديث النبوي أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أحمد ق03م
بن موس ى النيقرو
فقيه ومدرس بجامع ميزومورطو محمد بن محمد بن إبراهيم بن أحمد ق03م
بباب عزون بن موس ى النيقرو
مدرس 0012ه/ محمد بن إبراهيم بن علي النيكرو
0681م
تولى الكتابة 0307م ق01م علي بن النيكرو
تولى منصب اإلفتاء املالكي 0088ه/ عمار بن عبد الرحمن
والخطابة بالجامع األعظم 0680م
أديب تولى منصب اإلفتاء املالكي 0211ه/ أحمد ابن عمار
236
المالحق
.2بايلك الشرق
237
المالحق
238
المالحق
البوني
0081ه0627/م فقيه ،مدرس ومتصوف أبو العباس أحمد بن قاسم البوني
0063ه0671/م مدرس ،مؤرخ وشاعر محمد بن أحمد بن قاسم البوني
0013ه0681/م مدرس وعدل أحمد الزروق بن أحمد البوني
.0بالد زواوة
239
المالحق
240
المالحق
عالم الطريقة الرحمانية 0811ه0310/ محمد بن محمد ابن أحمد بن عزوز البرجي
م
عالم الطريقة الرحمانية مصطفى بن محمد ابن أحمد بن عزوز البرجي 0232ه0371/
م
.5بايلك الغرب
وهران
241
المالحق
رجل علم مقاوم ومؤسس دولة 0811ه0338/م عبد القادر بن محي الدين
فقيه ،شاعر ،رجل علم ق08ه/ق01م املختار بن الطاهر بن البشير
مؤلف ومؤرخ ،أديب وشاعر 0813ه0311/م الطيب بن املختار بن الطاهر
.7معسكر
242
المالحق
.0تلمسان
243
المالحق
-11مستغانم
244
المالحق
245
المالحق
امللحق رقم22
مخطوط العربي املشرفي في نسب أسرة املشارف زاوية الكرط غرب حاضرة معسكر
245
المالحق
وثيقة تتضمن ألقاب لبعض الكراغلة ذات نفوذ ووزن اجتماعي مرموق من الذين تجلوا في هذه الفترة وتولوا
مهام إدارية عثمانية مرتبة أبجديا من الشمال إلى اليمين وقد استوطنوا بايلك التيطري متاحة على املوقع ا
حيث تم دخوله بتاريخ https://tribusalgeriennes.wordpress.comإلكتروني
2103/01/81على الساعة 11:81سا
246
المالحق
247
المالحق
248
المالحق
249
المالحق
250
المالحق
251
المالحق
252
المالحق
امللحق رقم26
ديباجة مخطوط ملؤلف مجهول ،مخطوط نبدة سيرة الباي محمد الكبير ،باي معسكر،
فاتح ثغر وهران ،املكتبة الوطنية الفرنسية ،رقم 2376602ورقة ،تم جرد عنوان
املخطوط باللغة الفرنسية كاآلتي:
253
المالحق
امللحق رقم16
254
المالحق
255
المالحق
256
المالحق
تقييد لشعر بن قنون حبيب شاعر حاضرة معسكر ،أرشيف ماوراء البحار AOM
اكتشف من طرف أحمد أمين دالي املتخصص في امللحون واألدب الشعبي املغاربي
والباحث بمركز البحث في األنثربولوجيا اإلجتماعية والثقافية عام 2111ونشره طاهر
أحمد بمركز الكراسك أنظر املعلومات الكافية في القائمة البيبليوغرافية.
257
المالحق
258
المالحق
امللحق 12
مصدر تاريخي مهم جدا لم يتم استغالله من طرف املؤرخين يوضح بعض فروع األشراف
بالجزائرللعالمة مفتي حاضرة معسكرسيدي بلهاشمي بن بكار.
259
المالحق
260
المالحق
261
الفهارس
فهرس المؤرخين و األعالم
األجانب العرب
Albert Devoulx11-10 أ
Aumerat191 الزهار أحمد الشريف33-37،
Dubois Thionville002-092 العنتري محمد الصالح 018
De Grammont Henri024-002 التوجيني عبد الرحمن 002-011
De Joachim Gonzalez19 الناصري أبوراس 002
Diego de Haëdo19 البوني أحمد 010-18
Féraud Charles11-19 الراشدي أحمد بن سحنون 010-18
Heywood Andrew 00-01 الورتالني محمد بن الحسين بن 011-18
G. Faure-Biguet012 املزاري032-062
Gautier012 الوهراني مسلم بن عبد القادر-062-
Gaetano Mosca00-01 مصطفى الرماص ي002
johnB.Wolf00-01 ابن املفتي33-37،
laugier de Tassy50,68 ابن زاكور33-37
Maximilian Weber90,24 ابن العنابي33-37،
Nahoum Weissmann7,126 ابن حمادوش11
Pierre Boyer44,45 ابن منظور 08
Pareto Vilfredo2 ,6 التوجيني011-18
Robert Doriol Hyrossome164 الكتروس ي مهدي16،
Ronni lumar164
Rinn Louis91 املختاري الطيب بن املختار الغريس ي 37
Robert Michels 7 املشرفي الطاهر011-18
Simon.Pfeiffer47 الغبريني الحاج عبد القادر بن الحاج -18
011
Sonneck19 املهدي بن أحمد بن خدة16
فهرس المؤرخين و األعالم
باشا عمر22
بن املهدي محمد13
بن عبد هللا محمد سقط71
بن يحي الحسين بن أحمد الشريف71
بن مصباح الحسن بن أحمد زروق 71
بن أبي داود أبوالقاسم بن السعيد بن عبد الرحمن 77
الباي الحاج خليل31
بن األحرش الحاج محمد بن عبد هللا 062
بن الشريف عبد القادر 062
ابن دوبة سيدي اعمر 023
ح
حمدان خوجة006600،
ق
قدورة أبو عبد هللا محمد بن سعيد 78
قدورة أبو العباس أحمد بن سعيد 78
فهرس الحكام
الصفحة الحكام
16006600360016021602060226028 الباي محمد بن عثمان بن
إبراهيم أو الباي محمد
الكبير
081 باي رجب
763681616 باي أحمد الحاج
081 الداي علي بن أحمد
081 مصطفى باي الوزناجي
160066003600160216020602260816028 محمد بكداش
081 الداي الحاج محمد تريكي
081 الداي بابا حسن
083-081 الداي حسين ميزمورتو
083-081 الداي شعبان
083-081 الحاج مصطفى باشا
083-081 دالي ابراهيم باشا
083-081 محمد بن حسن باشا
083-081 ابراهيم كوتشوك
083-081 حاج علي باشا
083-081 محمد باشا
083-081 عمر باشا
فهرس القبائل و األسر الشريفة
الصفحة الوظيفة
ت17، مقدم الطريقة
الدرقاوية
ت17، مقدم الطريقة
الرحمانية
ص رهبان وقساوسة
مسيحيين
88، 8601622681688 العلماء
00622628617 ،6 املرابطون و شيوخ
الزوايا
8861760286028602160276026 ،01 كتاب اإلنشاء
01617616 الفقهاء
00610617611611 قضاة
81610617616618618611 ،00 ُم ْف ُتون
00617 أئمة
016226886688687 أعيان و أشراف
17 السفارة
17 مهنة العدل
17611610612618 نقابة األشراف
17 ناظر على أوقاف
الحرمين
الشريفين
17 ركب اإلمارة
17 الطب
61660662668668 املؤرخون
فهرس األماكن و البلدان
816866106186186116166011 دارالسلطان
10618618611 بايلك الشرق
02622 عنابة
01360816012611616 مازونة
01667161 بسكرة
81681667631630618 معسكر
6860126013 تلمسان
10 مستغانم
106003 وهران
00680616612 ،763611678 قسنطينة
263
فهرس المالحق
.0جدول أهم النخب الثقافية التي تجلت بالجزائر العثمانية فترة الدايات
موزعة حسب البايلكات و املهام و املناصب التي تولتها ضف إلى تاريخ
الوفاة
267
فهرس المالحق
268
فهرس املوضوعات
266
إهداء
شكر وعرفان
املقدمة...........................................................................................................أ
املدخل11.........................................................................................................
مخطط توضيحي ملقاربة مفهوم النخبة وفق ماورد في بعض كتابات من عاصروا فترة
الدايات........................................................................................0381/0760ص28
مدخل الفصل...................................................................................................ص87
التمثالت اإلجتماعية
السوابق......................................................................................................ص83
النخب الثقافية بين البروز اإلجتماعي و تمثل السلطة.......................................ص81
تركيب النخب الثقافية وبروزها في مجتمع الجزائر العثمانية..............................ص80
بيانات إحصائية منفصلة وفق الكمية العددية ألفراد النخب الثقافية في فترة
الدايات..................................................................................................................ص83
بيانات إحصائية منفصلة وفق الوصفية الترتيبية ألفراد النخب الثقافية في فترة
الدايات..................................................................................................................ص12
املناصب املتداولة بين النخب الثقافية..................................................................ص16
التمثالت الثقافية
فئة املؤرخين.......................................................................................................ص72
أدباء الرحلة........................................................................................................ص73
أدباء الصوفية....................................................................................................ص62
فئة الشعراء........................................................................................................ص67
فئة القضاة.............................................................................................................ص33
فئة املدرسين..........................................................................................................ص11
فئة الطلبة.............................................................................................................ص011
الفصل الثاني :مقاربة العالقة بين السلطة والنخبة الثقافية بالجزائر العثمانية في
عهد الدايات (1302-1601م)
مدخل الفصل.........................................................................................................ص006
املقاربة السياسية
النخب والتعبئة العاطفية......................................................................................ص001
َ ُ
املوظفون املساعدون (فئـ ــة الكتـ ــاب األربع ــة أوالخوجاباش ي).................................ص027
الخاتمة....................................................................................................................ص211
قائمة املصادر واملراجع............................................................................................ص211
املالحق .................................................................................................ص202
الفهارس
فهرس املوضوعات
فهرس املؤرخين و األعالم
فهرس الحكام
فهرس القبائل و األسرالشريفة
فهرس الوظائف و املناصب املتداولة بين النخب الثقافية
امللخص
النخبة الثقافية و السلطة في الجزائر في عهد الدايات 5381-5315هو من املواضيع البالغة
األثر و الذي تصنفه املدرسة التاريخية الوطنية ضمن املواضيع الثقافية بيد أن ضبط
مصطلح النخبة كان محل خالف بين املؤرخين وكان ذلك في تصفحنا لعدد كبير من املرجعيات
فلم يكن هناك استخدام له في الدراسات حيث صدر اإلستخدام العلمي للمصطلح في املدرسة
التاريخية الوطنية في مرحلتها األولى من 5132إلى 5115وفق التراث اإلسالمي بتسميات مختلفة
فقد كان يطلق على الفئات املميزة من املجتمع بالخاصة و األعيان .لكن مع صدور القانون
التوجيهي للتعليم العالي 5115والذي نص على توظيف التاريخ ضد األبحاث األوربية وقع تعديل
في استخدام املصطلح فتم حصرهم في فئة العلماء وهم من رجال الدين ومع
قرار28جانفي 2111وإصالحات النظام الجديد تم وضع حد لهذا النوع من التوجهات في
الدراسة التاريخية لتحدث نقلة نوعية تساهم في التنظير والتفتح على القواعد البحثية التي
بنيت عليها املدارس األجنبية وبالتالي ورد استخدام مصطلح النخبة لكن تم استخدامه في
البحوث املتخصصة في التاريخ املعاصر فقط.....ملاذا؟ ألنه عرف عدة تضاربات في تحديده وألنه
من املفاهيم املعاصرة التي ترادفت عليها كلمات أخرى ،وهذا راجع إلى ارتباطه بمصطلحات
مجاورة مثل "األنتلجنسيا"" ،النخبة الحاكمة"" ،النخبة السياسية""،النخبة الثقافية".
• من خالل موقعي كباحثة في التاريخ وجدت طرح سؤال حول آلية استخدام مصطلح
النخبة في تاريخ الجزائر الحديث وطبيعة عالقة النخبة الثقافية(بعد تحديد
املصطلح و ضبطه) بالسلطة في ظل تنظيم مستلهم من نموذج السلطة العثمانية
فترة الدايات على اعتبار أن ذاك التنظيم شهد تحوال وظيفيا وذلك تماشيا مع
التحوالت االجتماعية و االقتصادية و السياسية للبالد ونتساءل من هذا املنطلق
عن:
من هذا املنطلق تركزت دراستي على فصلين رئيسيين يسبقها مدخل نظري ملفهوم مصطلح
النخب وذلك باإلطالع على التعاريف التي أوردتها الدراسات املتخصصة في ضبط املفاهيم
اإلصطالحية كما وضحت التطور التاريخي الستعماالت مصطلح النخبة فهو مرتبط بعدد
من املنظورات الفكرية التي تعد كحجر أساس لحل مشكلتنا في ضبط املفهوم.
في الفصل األول :تمث ــالت النخب ــة خصصته لتحليل البنيان األساس ي في التركيبة
النخبوية من الناحيتين اإلجتماعية و الثقافية
أما الفصل الثاني فقد تم تخصيصه عن صمام األمان ألي دراسة تاريخية حيث تم
مقاربة العالقة بين السلطة والنخبة الثقافية بالجزائرالعثمانية في عهد الدايات
(1331-1761م) في مرحلتين مختلفتين ونقصد هنا مرحلة التعايش ومرحلة التوتر
واإلضطراب والقطيعة بين الطرفين .
وفي نهاية الدراسة قمت بإبرازعدد من التوصيات تمثلت أهمها باقتراح فكرة ضرورة
الترويج إلعادة النظر إلى هذه العالقة بأبعاد علمية بحثية واسعة وفق فحص علمي
دقيق يخضع للمنظورات الفكرية الحديثة.
اﻟﻧﺧﺑﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ و اﻟﺳﻠطﺔ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ﻓﻲ ﻋﮭد اﻟداﯾﺎت 1830-1671 :ھو ﻣن اﻟﻣواﺿﯾﻊ اﻟﺑﺎﻟﻐﺔ اﻷﺛر و
اﻟذي ﺗﺻﻧﻔﮫ اﻟﻣدرﺳﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﺿﻣن اﻟﻣواﺿﯾﻊ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﺑﯾد أن ﺿﺑط ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﺧﺑﺔ ﻛﺎن ﻣﺣل
ﺧﺎﻟف ﺑﯾن اﻟﻣؤرﺧﯾن وﻛﺎن ذﻟك ﻓﻲ ﺗﺻﻔﺣﻧﺎ ﻟﻌدد ﻛﺑﯾر ﻣن اﻟﻣرﺟﻌﯾﺎت ﻓﻠم ﯾﻛن ھﻧﺎك اﺳﺗﺧدام ﻟﮫ ﻓﻲ
اﻟدراﺳﺎت ﺣﯾث ﺻدر اﻹﺳﺗﺧدام اﻟﻌﻠﻣﻲ ﻟﻠﻣﺻطﻠﺢ ﻓﻲ اﻟﻣدرﺳﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺗﮭﺎ اﻷوﻟﻰ ﻣن
1962إﻟﻰ 1971وﻓق اﻟﺗراث اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﺗﺳﻣﯾﺎت ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻓﻘد ﻛﺎن ﯾطﻠق ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺋﺎت اﻟﻣﻣﯾزة ﻣن اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ
ﺑﺎﻟﺧﺎﺻﺔ و اﻷﻋﯾﺎن .ﻟﻛن ﻣﻊ ﺻدور اﻟﻘﺎﻧون اﻟﺗوﺟﯾﮭﻲ ﻟﻠﺗﻌﻠﯾم اﻟﻌﺎﻟﻲ 1971واﻟذي ﻧص ﻋﻠﻰ ﺗوظﯾف
اﻟﺗﺎرﯾﺦ ﺿد اﻷﺑﺣﺎث اﻷورﺑﯾﺔ وﻗﻊ ﺗﻌدﯾل ﻓﻲ اﺳﺗﺧدام اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻓﺗم ﺣﺻرھم ﻓﻲ ﻓﺋﺔ اﻟﻌﻠﻣﺎء وھم ﻣن
رﺟﺎل اﻟدﯾن وﻣﻊ ﻗرار23ﺟﺎﻧﻔﻲ 2005وإﺻﻼﺣﺎت اﻟﻧظﺎم اﻟﺟدﯾد ﺗم وﺿﻊ ﺣد ﻟﮭذا اﻟﻧوع ﻣن اﻟﺗوﺟﮭﺎت
ﻓﻲ اﻟدراﺳﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﻟﺗﺣدث ﻧﻘﻠﺔ ﻧوﻋﯾﺔ ﺗﺳﺎھم ﻓﻲ اﻟﺗﻧظﯾر واﻟﺗﻔﺗﺢ ﻋﻠﻰ اﻟﻘواﻋد اﻟﺑﺣﺛﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺑﻧﯾت ﻋﻠﯾﮭﺎ
اﻟﻣدارس اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ورد اﺳﺗﺧدام ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﺧﺑﺔ ﻟﻛن ﺗم اﺳﺗﺧداﻣﮫ ﻓﻲ اﻟﺑﺣوث اﻟﻣﺗﺧﺻﺻﺔ ﻓﻲ
اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻘط.....ﻟﻣﺎذا؟ ﻷﻧﮫ ﻋرف ﻋدة ﺗﺿﺎرﺑﺎت ﻓﻲ ﺗﺣدﯾده و ﻷﻧﮫ ﻣن اﻟﻣﻔﺎھﯾم اﻟﻣﻌﺎﺻرة اﻟﺗﻲ
ﺗرادﻓت ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻛﻠﻣﺎت أﺧرى ،وھذا راﺟﻊ إﻟﻰ ارﺗﺑﺎطﮫ ﺑﻣﺻطﻠﺣﺎت ﻣﺟﺎورة ﻣﺛل "اﻷﻧﺗﻠﺟﻧﺳﯾﺎ"" ،اﻟﻧﺧﺑﺔ
اﻟﺣﺎﻛﻣﺔ"" ،اﻟﻧﺧﺑﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ""،اﻟﻧﺧﺑﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ".
اﻟﻛﻠﻣﺎت اﻟﻣﻔﺗﺎﺣﯾﺔ:
اﻟﻧﺧﺑﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ؛ اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ؛ اﻷﻋﯾﺎن؛ اﻟداﯾﺎت؛ اﻟﻧﺧﺑﺔ اﻟﺣﺎﻛﻣﺔ؛ اﻟﻧﺧﺑﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ؛ اﻷﺳر اﻟﺷرﯾﻔﺔ؛
اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟﻧﺧب و اﻟﺳﻠطﺔ؛ اﻟﺳﻠطﺔ اﻟزﻣﻧﯾﺔ؛ اﻟﺳﻠطﺔ اﻟروﺣﯾﺔ.