Professional Documents
Culture Documents
آليات إنتاج الولاية والصلاح - البناء السوسيوثقافي لظاهرة الأوليائية
آليات إنتاج الولاية والصلاح - البناء السوسيوثقافي لظاهرة الأوليائية
*املؤلف املرسل
767
آليات إنتاج الوالية والصالح :البناء السوسيوثقافي لظاهرة ألاوليائية
-1مقدمة
إن الانشغال باملقدس ألاوليائي له ما يبرره واقعيا ،فبالرغم من كل التحوالت التي عرفتها
املجتمعات العربية إلاسالمية ،فإن الاعتقاد في بركة ألاولياء ،مترسخ بقوة في املخيال ،وناتئ جدا
في املجال ،ومؤثر أيضا في بناء وتسويغ كثير من الاستراتيجيات الفردية والجماعية ،وعليه فإن ما
يلوح في مظان هذه املساهمة ،يأتي ممهورا بتوقيع املالحظ/املراقب ،ملا يعتمل في ديناميات هذا
الحقل ،دونما إعالن ممكن للتعاطف أو الرفض للممارسات والخطابات التي تلوح أحيانا "ميتا
واقعية".
ليست مهمتنا البحث عن"عقلنة" ممكنة لهذه املمارسات ،وال التأكد من وجاهتها أو
ومباركة .ذلك
ٍ وتيسير
ٍ عادة و إبر ٍاء
محدوديتها ،وأساسا في جوانب الكرامة وما يتصل بها من انخر ِاق ٍ
أن الانهمام بحقل إلانتاج والتدبير الرمزي لحياة املجتمع يندرج في إطار فهم يعتبر أن رهانات الصراع
والتدافع الاجتماعي ليست دائما ،وبالضرورة ،اقتصادية ،فهناك جانب مهم من الحياة الرمزية
يكون محور صراع وتنافس شديدين ،فعالقات القوة ال تشتغل بعيدا عن عالقات املعنى .وإن
السؤال عن الكيفيات التي ُيعاش بها املقدس ُويستثمر ُويستنزل ،يعد ضروريا إلدراك وتمثل
ُ
مفهومه ،فالتجربة التي تختبر فيها العالقة بين املقدس والدنيوي ،تصير مدخال لفهم ألابعاد
الاجتماعية لتدبير عالقات القوة و املعنى.
ومنه يصير كل اشتغال على املقدس ،حائزا لفائق ألاهمية في مجتمعات تتكثف فيها الرموز
والطقوس ،وتتواشج فيها عالقات املعنى بعالقات القوة ،إلى الدرجة التي يغدو فيها صعبا إدراك
الخيط الرفيع القائم بين الثنائيات وألاضداد ،فالرموز داخل مجتمعات الندرة وانبناءات املقدس،
حاسمة ومؤثرة في صناعة الوضعيات الاجتماعية" ،فالرموز تتوفر فيها حد التخمة" ،فكل فعل،
ُ
مهما بدا بسيطا أو مركبا ،في هذه املجتمعات إال ويكثف رمزية ما ،تصنع معنى ماُ ،يقرأ و تفك
شفراته ،ويقود بالتالي إلى إنتاج وقائع و تمثالت ما .فهل يمكن اعتبار ظاهرة الصالح كرد فعل ديني
يسائل ما هو سياس ي؟ وهل يمكن التعاطي معها كتموقفات من السائد محليا على مستوى التدبير
السلطوي؟ فهل الصالح جواب على الالصالح أو باألحرى "الال إنصالح"؟
أوال :املقدس الضرائحي
ثمة تعريفات عدة تنطرح كمرادفات للمقدس ،وهي تعريفات تستند في الغالب إلى ثقافة
ألازواج التقابلية ،بحيث يتم تعريف املقدس من خالل مقابله وليس مرادفه ،وفي هذا إلاطار نجد
أن املقدس يأتي في مقابل املدنس ،Profaneأو كمقابل للدنيوي .فيما تشير تعريفات أخرى إلى
اعتباره دالا على ما هو ديني وطقوس ي ،أو متعلقا بالرمزي في مقابل املادي ،واملتعالي في مقابل
السفلي ،وهو ما يؤكد أن التعريف في مختلف هذه الحاالت يطرح سؤال العالقة مع نسق ما أو
مقابل ما ،ويطرح أساسا سؤال املفارقية والتعالي املميزة لفكرة املقدس .ففي كل حين يحضر
768
عبد الرحيم العطري
769
آليات إنتاج الوالية والصالح :البناء السوسيوثقافي لظاهرة ألاوليائية
فاملقدس بالنسبة ملارسيا إلياد يحل ويتمظهر في أية لحظة ،إال أن أولى أشكال هذا التمظهر
تلوح في زمن البدء ألاسطوري ،الذي ينطرح "كزمن قدس ي ودائري ونموذجي بالنسبة لكل ألازمنة
القدسية سواء تلك الحاضرة في الطقوس أو ألاساطير") .) Mircea, 1963,p.16والتي تمثل عنده مجاال
رمزيا لتجلي املقدس ،فبفضلها يتم الحكي عن الكيفيات ألاولى التي أتت بها املوجودات إلى الوجود،
إنها حكاية عن عمليات الخلق ألاولى وألاصلية ،وذلك في صيغة دائرية تسترجع باستمرار البدء
القدس ي ألاول).) Mircea, 1963,p.17
مع مارسيا إلياد يغدو املقدس تجليا يحل في املكان والزمان ،يتأتى العبور منه وإليه عن
ً
طريق الطقس وآلية البدء ألاسطوري ،إال أنه مع روجي كايوا سيصير دالا على خاصية ثابتة أو عابرة
ترتبط باألزمنة وألامكنة ،لهذا يرى كايوا بأن "املقدس في صورته ألاولية البسيطة ،يشكل طاقة
خطرة ،خفية على الفهم ،عصية على الترويض ،شديدة الفعالية" ،إنه يدل على "مقولة شديدة
الحساسية ،تعتبر ركيزة و أساس إلاحساس الذي يغمر املؤمن ،إنها الفكرة ألام بالنسبة لكل ديانة،
فالديانة هي إدارة املقدس" ).(Caillois, 1950, p.40
إن املقدس برأي كايوا يحيل على خاصية ثابتة أو عابرة ،تتمظهر في "بعض ألاشياء ( أدوات
العبادة) أو الكائنات( امللك و الكاهن) أو ألامكنة( املعبد ،الكنيسة ،املزار) أو ألازمنة( أيام الجمعة
والسبت وألاحد ،تبعا الختالف الديانات،عيد الفصح ،عيد امليالد، (Caillois, 1950, p.37)")..
فاملقدس حسب كايوا ليس صفة تملكها ألاشياء في حد ذاتها ،بل هو "هبة سرية متى فاضت على
ألاشياء والكائنات ،أسبغت عليها تلك الصفة") .(Caillois, 1950, p.37يضيف كايوا قائال بأن
تعريف املقدس يستلزم استحضار املدنس ،فمن خالل املقابل واملفارق يتأتى التعريف ،فمن
الضروري ،برأيه" ،الجمع بين املقدس واملدنس ،ملعرفة كنه كل واحد منهما ،فعالمي املقدس
واملدنس ال يمكن تعريفهما بشكل دقيق إال في عالقة أحدهما باآلخر ،فهما يتنافيان ويستلزم
أحدهما آلاخر").(Caillois, 1950, p.24
يدل املقدس عند كايوا على طاقة أو قوة داخلية غامضة ال يمكن تعريفها بذاتها فقط،
بل في عالقتها بالدنيوي ،فالقداسة ال تختبر واقعيا إال في إطار املمارسات الطقوسية للدنيوي،
فاملقدس يشتكل من قوى وطاقات ،فيما الدنيوي مشكل من مواد وأدوات ،لكنهما ضروريان معا
الستمرار الحياة وتطورها ،فكل واحد يمنح معنى الحضور لآلخر ،عن طريق الطقس والرمز .فال
حدود للمقدس إذا ،وال إمكان لتأطيره بدقة متناهية في شرط زماني أو مكاني محدد ،إنه يحل في
ألاشياء ويمنحها معنى القداسة أو يسحبها عنها ،وهو بذلك يؤسس للتمييز بين ما هو مقدس ،وما
هو غير ذلك ،وتحديدا بين املقدس والدنيوي .ومن أجل ضبط العالقة بين العاملين فإن كايوا يرى
بأن الطقوس هي التي تتولى تنظيم العالقة بينهما ،عن طريق دينامية الدخول والخروج ،ذلك أن
770
عبد الرحيم العطري
هناك طقوسا للتقديس تعمل على إدخال الكائنات وألاشياء إلى عالم املقدس ،فضال عن طقوس
إبطال التقديس الذي تخرج الكائنات وألاشياء إلى العالم الدنيوي.
إن املقدس وفقا لهذا الطرح يتعلق ببنية وممارسات مقننة ،تنسحب على مجال معين،
في مقابل بنيات وممارسات تصنف داخل دائرة الدنيوي (غير املقدس ،املتغير والقابل للتصرف).
وال يعني ذلك أن الدنيوي هو مجال لـ "الال نظام" والانفصال ،وإنما يتعلق ألامر بمجالين يؤسس
أحدهما لآلخر باستمرار ،قد يؤدي إلى انتقال ما هو مقدس إلى ما هو دنيوي والعكس صحيح.
فاملقدس يحيل على ما هو ديني في كثير من جوانبه ،باعتباره قوة خفية تحقق "فيضها" القدس ي
على ألازمنة وألامكنة ،حيث يتجلى في كثير من الفضاءات ويمتد إلى عدد من ألافراد والتفاعالت
الاجتماعية ،فاملقدس يتجلى بواسطة البركة في العالم بصفته هبة إلهية وقوة يختص بها أناس
دون غيرهم ،وقد ينبثق من الانحدار النسبي من الرسول أيضا ( .)Geertz, p.24وبذلك يتجلى
املقدس في مجاالت طبيعية (أمكنة ،أنهار ،أشجار )..وما فوق طبيعية (كائنات سماوية ،آلهة )..كما
يتجلى في الزمان (أيام أعياد ،دورات فصول )..وفي ألاشخاص (أنبياء ،صلحاء ،أولياء ،شرفاء،)..
وكذا في اللغة وألاساطير والشعائر والطقوس ،وغير ذلك من أشكال تنظيم إلانسان لعالقته مع
العالم ،وفق اعتبارات املعنى والقوة .ومنه تغدو الضرائحية وألاوليائية تجسيدا واختبارا عملياتيا
لتصريفات ومعاني املقدس.
يعد الضريح مؤسسة "دينية" مركزية في املجتمع املغربي ،لم تلغها ضروب الزمن ،وال صيغ
الانتماء إلى سجل ثقافي مغاير ينتصر للتقنية والطرق السريعة لإلعالم واملعلومات .فعبارة "بلد
ألالف ولي" التي تحدث عنها بول باسكون (باسكون ،1986 ،صفحة ،)96ما زالت تصدق ،وإلى حد
بعيد على ما يعتمل في هذا الهنا ،من حضورية دائمة للضرائحية في تدبير كثير من فعاليات
وحساسيات املشترك الجمعي .فإذا كان الشرق بلد ألانبياء ،فإن املغرب يعد بلد ألاولياء ،هذا ما
يتردد أكثر في عدد من املصادر املناقبية التي اهتمت بترجمة الصلحاء والزهاد الذين ال تخلو منهم
مدينة أو بادية ما" ،فمن بين كل البلدان إلاسالمية يعتبر املغرب البلد الذي يبجل أكبر عدد من
ألاولياء ،فال وجود مطلقا لهضاب ال يتوجها مزار ،وقليلة هي القرى أو املقابر التي ال يوجد فيها
ضريح يمجد وليا أو أكثر" (باسكون ،1986 ،صفحة .)96لهذا نالحظ في بلد ألاولياء أن عبارات
من قبيل "طلب التسليم" و"مسلمين أ رجال البالد" و"شاياله" (بمعنى ش يء هلل)" ،أ مول قبة
خضراء" تدعونا في كل حين إلى الانتباه إلى مغبة الاستهانة بالقدرات الاستثنائية لهؤالء الصلحاء،
وتنصحنا في آلان ذاته بضرورة طلب "أمانهم" لالحتماء بهم (العطري ،2000 ،صفحة ،)89ما يبرز
السلطة الرمزية للمقدس الولوي .فالضريح كبناء محتضن ومؤسس لبركة الولي الصالح ،يعد
"الشاهد املعماري" على امتدادات املقدس في ألارض ،كما أنه الدعامة الوسيطية بين ألارض
771
آليات إنتاج الوالية والصالح :البناء السوسيوثقافي لظاهرة ألاوليائية
والسماء ،فالقبة املتجهة إلى ألاعلى ،تبرر هذه العالقة الوسيطية وتدعمها معماريا ،إن ألامر يتعلق
بخزانات أرضية للقداسة السماوية كما ذهب إلى ذلك درمنعن(Dermenghem,1954,p11) .
إن املقدس الولوي يقوي من قدسيته عن طريق املعمار ،فالعمارة ليست مجرد أبنية
خالية من السلطة ،إنها "سياج احتوائي" يتضمن رسائل ورموزا ،إنها تنطق بمكنون سلطاتها
الرمزية واملادية ،وتعبر عن انتماءاتها ألانطولوجية ،فقباب ألاضرحة املتجهة إلى السماء تعبر عن
داللة التوسط بين الدنيوي والقدس ي ،كما ترمز إلى الرفعة والتسامي ،إنها تترجم املقدس معماريا
وتعيد صياغته من داخل الدنيوي .كما تتم استعادة أشكال املقدس الديني املركزية (الكعبة
أساسا) في بناء وتطقيس الضريح ،سواء من حيث شكله املربع ،أو استحضار عملية الطواف
بالدربوز أو تغطيته بالكساء ألاخضر ،في محاوالت لتحيين املقدس وإسباغه على مختلف نواحي
املتن الضرائحي .فاملقدس بحسب درمنغن ال يمكن أن يوجد في هذا العالم دون شهادة أو عالمة أو
أيقونة دالة عليه ،فاألماكن وألاشياء ألارضية ال تستمد قداستها إال من كونها ذات عالقة معينة
مع السماء" ،ومنه تغدو ألاضرحة وبعض ألاحجار وألاشجار بمثابة "خزانات أرضية للقداسة
السماوية" ).(Dermenghem,1954,p34
أمال في تنزيل وتوصيف املقدس ،نعمد إلى اعتباره دالا على أزمنة وأمكنة وممارسات
وخطابات ،رمزية ومادية ،يتم تمثلها على نحو متعال ومفارق ،يأتي فوق املدنس والدنيوي ،يستند
إلى إلالهي والديني في تفسيره واكتساب قوته التأثيرية .فاملقدس يشير إلى الانتماءات الشريفية
وألامكنة الدينية كاملسجد واملسيد والضريح والزاوية ،وكذا املمارسات والطقوس واملعتقدات ذات
الصلة ،في مستوى ألاشكال الشعبية للممارسات الدينية ،وما يرتبط بها من اعتقادات في البركة
والشرف والكرامة ،وما ينجم عن هذه الاعتقادات من ممارسات وتمثالت تتوزع على تقديس
ألامكنة وزيارة ألاضرحة والاحتفال بمواسمها .فالبركة تعني النماء والزيادة والعلو واليمن ،وهي
تحيل على "عطاء" وقدرة استثنائية ذات مصر إلهي تتوفر لبعض ألاشخاص( هاذاك راه مبارك أو
مبروك ،هللا ينفعنا ببراكتو ،)..فروجيه باستيد يعتبر البركة كـ"سائل مقدس يفيض من املرابط
ويمتد إلى كل ما يمس هذا الولي من ثياب وماء ..وبعد املوت تظل جثته محتفظة بالبركة وتظل
عالقة بقبره"(باستيد ،1951 ،صفحة.)65 .
يقول جاك بيرك بأن هناك "تداخال بين الاقتصادي والقداس ي")،( Berque, 1989,p.19
ولهذا يتوجب الانتباه دوما إلى العملية التي تتحول فيها رمزية القداسة إلى مصدر لتبرير وتوسيع
حقل سيادة الشرف ومعه حقل امللكية الخاصة .فبناء املقدس وصيانته يندرج في إطار سلوك
قصدي وعفوي ،واع وغير واع في آلان ذاته ،يدبره الفاعل في ظل مجتمع مفتوح على الحراك
والتنافس ،ما يجعل ألامر متصال ببنية متحركة تنكشف حركيتها في جغرافية املقدس وتغيراته
املستمرة ،من حيث البناء والفعل والفاعل .إذ يمر املقدس دوما من واقعة الاستثمار الرمزي إلى
772
عبد الرحيم العطري
مستوى الاستثمار الاقتصادي والسياس ي ،مثلما يحدث مع الزوايا ،حيث يكون البدء دينيا وروحيا،
لكنه سرعان ما يتحول إلى نفوذ اقتصادي وسياس ي ينافس السلط ألاخرى في تدبير املجال وتقرير
مصائره.
إن جغرافية املقدس في املجال التداولي العربي إلاسالمي ،لم تكن يوما ما ثابتة ،ففي ظل
مجال عرف تاريخيا بالتوتر والندرة ،يصير املقدس آلية بناء وإعادة إنتاج ،بل إنه يغدو عامال محركا
للفعل والفاعلين ،فاملجتمع ،أي مجتمع ،برأي كورنيليوس كاستورياديس "ال يمكن اختزال صراعاته
وحركيته في الصراعات ذات ألاساس الاقتصادي فقط ،بل إن املجتمع بقدر ما تسوده عالقات
القوة املبنية على أنماط إدارة وتوجيه املصالح الاقتصادية ،تسوده وبنفس القوة ،عالقات املعنى،
مثلما أن رهانات الصراع الاجتماعي ال تستهدف املصالح الاقتصادية فقط ،بل أنماط
الشرعية"(كاستورياديس ،2003 ،صفحة ،)7 .ولهذا فإن الصراع حول "الرمزي" يظل أكثر تأثيرا في
صياغة الحال واملآل ،في ظل مجتمعات ينتصر فيها "الطقوس ي" و"الرمزي" بشكل واضح.
ثانيا :الوالية والكرامة
تدل الوالية لغة على إلامارة والسلطان ،كما تحيل على القرب والنصرة ،فالولي في قواميس
اللغة هو املحب والصديق والنصير والكفيل(الكيالي ،2010 ،صفحة ،)19.أما الولي اصطالحا فهو
العارف باهلل تعالى ،املواظب على الطاعة املجتنب للمعاص ي ،املعرض عن الانهماك في اللذات،
ويسمى وليا ألن هللا تعالى تولى أمره ،فال يكله إلى نفسه وال إلى غيره لحظة(الكيالي،2010 ،
صفحة .)18.تماما كما جاء في عدد من آلايات البينات من الذكر الحكيم ،مثل قوله تعالى "هللا ولي
الذين آمنوا" (سورة البقرة :آلاية ،)257وقوله تعالى "وهو يتولى الصالحين" (سورة ألاعراف :آلاية
،)196وقوله تعالى "إنما وليكم هللا ورسوله" (سورة املائدة :آلاية .)55فالولي الصالح تبعا ملا نحتته
الكتابات املناقبية هو "من توالت طاعاته من غير تحلل معصية ،وهو من تولى الحق حفظه ،فأولياء
ُ
هللا هم أحباء هللا وأعداء نفوسهم ،فهم خلص املؤمنين لقربهم من هللا سبحانه وتعالى"(الكيالي،
،2010صفحة.)19.
يتوجب التأكيد على أن الوالية هي درجة عليا تتحصل لصاحبها وطالبها بعد كثير مجاهدة
ومكابدة ،فأول الطريق "إلارادة ومعها املجاهدات ،وأوسط الطريق املحبة ومعها الكرامات وآخر
الطريق املعرفة ومعها املشاهدات ،فإذا تمكن في هذه املراتب وال يجري عليه أحكام التلوين ،وصار
سباحا في بحار التوحيد وسر التفريد ،يكون وليا نائبا لألنبياء وصادقا من ألاصفياء"(القشيري،
،2001صفحة ،)55 .يسري عليه قول هللا تعالى "أال إن أولياء هللا ال خوف عليهم وال هم
يحزنون"(سورة يونس :آلاية .)62
إن الوالية درجات تبتدئ بالسالك وتنتهي بقطب ألاقطاب ،فقد بين محي الدين ابن عربي
في "أهل املراتب و ألاحوال" كيف أن أولياء هللا هم مراتب وأحوال ،فهم على "طبقات كثيرة وأحوال
773
آليات إنتاج الوالية والصالح :البناء السوسيوثقافي لظاهرة ألاوليائية
مختلفة ،فمنهم من يجتمع له الحاالت واملقامات كلها والطبقات ،ومنهم من يحصل من ذلك ما
شاء هللا ،وما من طبقة إال لها لقب خاص من أهل ألاحوال التي يظهر عليها ،وهم من يحصره عدد
في كل زمان ،ومنهم من ال عدد له الزم ،يقلون ويكثرون"(ابن عربي ،2009 ،صفحة .)20 .فهناك
السالك واملجذوب والبهلول والوتد والجرس والبدل والنقيب والنجيب والبهالي والصالح واملالمتي
والغوث والقطب ،وقطب ألاقطاب في قمة الوالية ،وهي درجة عليا ال تتحقق إال للجامعين ألاحوال
واملقامات ،فالقطب يسمى غوثا باعتبار التجاء امللهوف إليه ،وهي درجة ال تتحقق إال بعد طول
مجاهدة وعمق عرفان(ابن عربي ،2009 ،صفحة.)20 .
ال والية إال بكرامة ،فالكرامة هي ما يبرر الوالية ويمنحها شرعية الانوجاد ،فاألولياء
الصالحون ،كما قال التليدي ،هم أصناف من الناس ،يوجد منهم العلماء والفقهاء وألامراء
والضقاة والتجار والفالحون وأصحاب املهن والحرف وأهل الثروات ،وفيهم العباد والزهاد والعقالء
السالكون وأرباب ألاحوال واملجاذيب"(التليدي ،1987 ،صفحة ،)19ممن تتأكد واليتهم عن طريق
البركة و الكرامة و الخارق للعادة ،مما يتحقق على أيديهم ،و بفضل "بركتهم" املستمرة حتى بعد
رحيلهم.
يورد صاحب التشوف تأكيدا للكرامة من توقيع إمام املتكلمين القاض ي أبو بكر بن الطيب
البصري الباقالني ،الذي قال بأن "املعجزات يختص بها ألانبياء ،والكرامات تكون لألولياء"،
ويضيف في ذات السياق الشهرستاني قائال" :أما كرامات ألاولياء فجائزة عقال و واردة سمعا ،و من
أعظم كرامات هللا تيسير أسباب الخير وإجراؤه على أيديهم وتعسير أسباب الشر عليهم ،وحيث كان
التيسير أكثر كانت الكرامات أوفر" (ابن الزيات ،2010 ،ص.)54.
جاء في التشوف أن الكرامة تتحقق ملن تعمق في الزهد والعبادة ،عارضا عن ملذات الدنيا
وأهوائها (ابن الزيات ،2010 ،صفحة .)75 .فالكرامة تتخذ صيغا شتى ،تنبني على انخراق العادة
ومفارقتها للواقع و املعتاد ،تماما كما هو ألامر بالنسبة النفالق البحر وجفافه ،واملش ي على املاء،
وطي الطريق وانزواء ألارض ،وكالم الجمادات والحيوانات ،وإبراء العلل والصبر على الجوع ،ورؤية
املكان البعيد("..النبهاني ،2001 ،صفحة. )47 .فالولي الصالح هو ألاقدر على خرق العادي ،وفقا ملا
تؤسسه الكرامة ،وما يتقعد تاريخيا عن طريق التواتر ،فكل استعصاء لألمور يجد طريقه إلى الحل
والتيسير على عتبات الضريح ،بل إن كل ما يحدث يمكن أن يتم "التدخل" فيه عن طريق سلطة
الوالية وتأثيرات الكرامة ،فاألولياء "يقدرون على تغيير مجرى الحوادث وألاشياء ،يشفون ألامراض
املستعصية التي ال ينفع معها عالج طبي ،ويروضون الحيوانات املفترسة ويصاحبون الجن"
(شغموم ،1991 ،صفحة .)27
774
عبد الرحيم العطري
775
آليات إنتاج الوالية والصالح :البناء السوسيوثقافي لظاهرة ألاوليائية
وعليه ،فمجال الوالية هو "حمال أوجه" متعددة ،إنه "مجال ناطق" يعلن "مواقف"
وتمثالت للفعل ألاوليائي والتفاعل مع املحيط ،كما أنه ،وهذا هو املهم ،يؤسس ملراتب الوالية
وامتداداتها الطقوسية نحو املقدس واملتعالي عن املدنس والدنيوي .ليست الوالية مجرد "هجرة"
باتجاه السماء ،إنها موقف مما يعتمل في ألارض ،فبركة ألاولياء تنشأ من فخ التناقضات القائم
بين الكائن واملمكن دنيويا ،ففي اللحظة التي تتواتر فيها ألازمات َوي ِعز فيها الانصالح ،يبرز الصالح
كجواب تعبدي/صوفي ،على عسر الفهم والتكيف مع املحيط .ولهذا نالحظ أن رد الفعل تجاه
الطبيعة (كوارث ،جوائح ،)... ،أو تجاه السلطة (استغالل ،تسلط ،)... ،ال يخرج في كثير من ألاحيان،
عن مقترب الهجرة إلى السماء ،فاألفراد يبحثون عن مالجئ مادية أو معنوية ملواجهة الواقع املأزوم،
والديني بما يكتنزه من قيم التفاوض مع الواقع و إمكان تجاوزه ،يصير حال إيجابيا للكثيرين.
إن الولي ،في انقطاعه ومنفاه الاختياري/استبعاده الطوعي ،يعلن "رفضا" واضحا للدنيوي
والسياس ي ،كي يؤسس ويغذي بركته ويثمر كراماته ،فهو يتفرغ لبناء "شرعية" ألاوليائية ،و التي ال
تتأكد إال بعد طول اشتغال ،و َع ِد ِيد مقدمات ومبررات .فعليه أن "تفيض" بركته على من حوله،
وأن تلوح كراماته التي تبرر الاعتراف به وتشرعن لقب الوالية والصالح ،وإال فإنه لن يحظى إال
ُْ َ
بألقاب محدودة الفعالية واملكانة في سوق التبادالت الرمزية .فكلما فاضت البركة وأث ِبت ِت الكرامة،
كلما كان توصيف "سيدي" دالا عليه ،وإن تعالت أكثر استبدلت "سيدي" بـ ـ "موالي" ،خصوصا إذا
كان السند الشرفاوي حاضرا ،أو كان خرق العادة فوق املتوقع واملعاش .وباملقابل ،فإن محدودية
الفعل وألاثر ال توجب إال ألقابا من قبيل "الفقير"" ،العابد"" ،الفقيه" ،فالعالمات ال تمنح اعتباطيا
في حقل القداسة ،وإنما ينبغي أن تكون مبررة بعميق البركة والكرامة .فكيف يولد الولي ؟ كيف
تنتج بركة الوالية؟ وكيف تتوطد في سياق اجتماعي ثقافي معين؟ بأي سند تحافظ على استمراريتها
و"وجاهتها" الدينية« la notabilité religieuse » ،؟
إن البركة كفعل رمزي هو ما يغذي الوالية ويؤسس الاعتراف بها" ،هذاك بجوادو ،ببركتو"
،فحضور البركة وتواشجها بالكرامة وخرق العادة ،هو ما يعطي للولي "سلطته" و"مكانته" في
املجتمع املحلي ،وبالطبع فإن "فيض" البركة والكرامة بدرجة أعلى ،قد ينقل الولي من "نفوذ روحي"
محلي محدود ،إلى نفوذ جهوي أو إقليمي ،ومنه وجب التمييز بين أولياء لهم إشعاع محلي وآخرين
تتسع دوائر نفوذهم إلى مناطق بعيدة« Les saints patrons et les saints locaux » .
ُ
هناك عناصر متعددة تسهم ،بعد طول مخاض ومجاهدة مع النفس في إنتاج الوالية
وكسب الاعتراف بها .وهي في الغالب تحضر مجتمعة أو متفرقة في ِس َير عدد من ألاولياء ،فهناك
العلم والصالح والشرف والفعل ،علما بأن هذه املكونات ،ليست بالضرورة هي املسالك الوحيدة
واملمكنة إلنتاج وتخصيب الوالية ،إنها عناصر ضمن أخرى ،تنضمر وتنجلي ،تجتمع وتتفرق في
السير ألاوليائية.
776
عبد الرحيم العطري
العلم :وإن كان حاضرا بقوة في تفسير نماذج في مراتب وسير الوالية ،فإنه قد ال يحضر في
َح َيوات وتجارب أخرى ،ذلك أن بعض ألاولياء لم تتحدث املصادر عن ُعلو شأنهم في العلم ،ومع
ذلك فإنهم ارتقوا عاليا في مسالك الكرامة والبركة .وعموما فالعلم والهجرة إليه تظل حاسمة في
صناعة الولي ،وتمهيد طريقه إلى مراتب القرب والاتصال بالقدس ي .فموالي عبد السالم بن مشيش
"الذي كانت والدته سنة (559هـ1198 /م) أو تزيد بنحو أربع سنوات على خالف املؤرخين ،تعلم في
الكتاب ،فحفظ القرآن الكريم وسنه ال يتجاوز الثانية عشرة ،ثم أخذ في طلب العلم ،فنال منه
حظا وافرا ،وفتح هللا عليه باألخذ عن شيوخ املعرفة وأقطاب الحقيقة"(العشاب ،2012 ،صفحة.
،)13فالعلم والنهل منه بحظ وافرُ ،يعبد الطريق نحو القرب والاتصال ،وهو ما يصدق أيضا على
سيدي بنعاشر الذي ُعرف بالتبحر في الطب والشعر واملنطق.
إال أنه ينبغي التأكيد على أن شرط العلم لم يكن حاسما في صناعة الوالية لدى أولياء
آخرين ،عرفوا بأميتهم "أحيانا" تماما كما هو ألامر بالنسبة ملوالي بوعزة (أبو يعزى يلنور) ،فبالرغم
من طول سياحته و اتصاله و خدمته لنحو ألاربعين وليا (من أمثال أبي شعيب أيوب السارية ،ابن
عبد هللا أمغار ،أبي موس ى عيس ى ايغور ،أبو النور عبد الجليل )...فإنه لم يتعلم العربية ،بحيث
ظل أميا ال يعرف الكتابة والقراءة"(الصومعي ،صفحة.)122 .
إن الوالية تبنى وتستمر ،وإن كانت تتأسس في اشتغالها على نقص وجودي manque
d’êtreوليس نقص امتالك ،manque d’avoirفالراغب في تسلق مراتب الوالية عندما َيختار أو
ُيختار له السفر(ابن عربي ،1997 ،صفحة ،)457 .فهو ال يرجو من وراء زهده كماال دنيويا يتأسس
على امتالك الغائب واملادي ،وإنما يهفو ،باملقصد والوسيلة ،إلى تحقيق الوجود من خالل السفر
في وجود املقدس ،وهو ما يتحقق أكثر ،وليس حصرا ،عن طريق العلم.
َْ
املجاهدة :الطريق إلى الوالية تن َس ِل ُك عبر مجاهدة النفس وقهرها ،إنه تمرين صعب
ينخرط فيه الراغب في الوصل ،لتطهير النفس من نوازعها اللذوية الدنيوية ،فالطعام وامللبس
واملأكل واملرقد ،وكل ما يحيل على الغرائزي ،يصير ثانويا وغير ذي أهمية بالنسبة للسالك واملمتشق
ََ
والجلد والقناعة لدروب الوالية والصالح.و لهذا فقد كانت الكتابة املناقبية تعج بأخبار التقشف
والعزلة التي امتازت بها حياة ألاولياء ،فقد عرف عن موالي بوعزة بأنه كان ال يقتات من نبات
ألارض سوى الدفلى والخبيز والبلوط ،وكان دائم الصوم ،وال يلبس سوى حصيرا "تليسا" وبرنوسا
مرقعا وشاشية من عزف"(الصومعي ،صفحة.)122 .
ُ
وإذا كنا قد أوضحنا قبال أن الانعزالية تتضمن أبعادا متعددة ،فإنها تعد أيضا من
مؤسسات الوالية" ،فبقدر ما تبعد عن شواغلك بين أهلك ومعاريفك تبتعد عما يحول بينك وبين ِ
ما يقرب من ربك ،والذكر يالئم الصمت ،فكالهما يطرد عدو املجاهدة ،أال وهو الحس .ألن كثرة
الحس تمنع كثرة املعنى ،مهما تقوى الحس ،يضعف املعنى"(السوس ي ،صفحة. )32 .فالبعد انقطاع
777
آليات إنتاج الوالية والصالح :البناء السوسيوثقافي لظاهرة ألاوليائية
عن الحس ي ،عن الدنيوي ،عن املدنس ،والعزلة مجاهدة للنفس وانتصار عليها ،باعتبارها مائلة
وراغبة أبدا في التعلق بالحس ي واملتعوي .والسالك إلى مراتب الوالية يتوجب عليه إحداث القطيعة
والانتصار على اللذوي ،أمال في اكتناز املعنى ،وفي ذلك كله مجاهدة للنفس وقهر لها .بل إن هذا
ألاس َّرة الوثيرة ،ولبس املرقع والخشن من ََ
القهر يظهر في ِسير أخرى باختيار حفرة القبر مرقدا بدل ِ
اللباس ،إمعانا في تمريغ الجسد في تراب الوضاعة والاحتقارية ،تمرينا له على مجابهة اللذة
وتجاوزها.
الصحبة :الوالية ال تصدق وال تنكتب إال باملثال والنموذج ،فاألخذ عن السلف والابتداء
باملريدية ،هو ما ينتج الاعتراف بعدا" ،فمن ال شيخ له فالشيطان شيخه ،ومن لم يمت تحت بيعة
شيخ ،مات في الترهات والظالل ،وكل سالك للطريق ،يحتاج فيه إلى دليل مرشد عارف
ناصح"(الشاذلي ،1989 ،صفحة .)121إن الصحبة واملريدية ،هي فترة امتحان وتعلم ،في انتظار
بلوغ الكرامة ،وإثبات الصالح ،فاملريد ،وكما يدل على ذلك توصيفه ،هو من يريد بلوغ املنتهى،
فاملريدية إرادة وانقياد في آلان ذاته ،إنها إرادة لجني البركة وبلوغ الوصل وإدراك الخالفة واملشيخة،
كما أنها انقياد وإعالن للخضوع في سبيل التعلم والبناء .ولهذا نالحظ في سير كثير من ألاولياء،
كيف كانت الصحبة واملريدية هي مرحلة خضوع وخدمة لفائدة شيخ ما ،بل تصل أحيانا إلى حد
اختبار الوالء ،ولو كان هذا الاختبار مفتوحا على التضحية بالنفس ،والتخلي عن املتع وضرورات
الحياة ،فالطريق إلى التصوف تستلزم ثالث عتبات وهي التخلي والتحلي والتجلي .وفي هذا السياق
فقد كان موالي بوعزة مالزما وخديما ملوالي بوشعيب ،كما كان عبد هللا الغزواني مالزما لسيدي
عبد العزيز التباع ،هذا ألاخير الذي كان بدوره مالزما و تابعا لسيدي محمد السهلي.
إن الصحبة و املريدية مرحلة تعلم واختبار على إمكان الانفصال والاتصال ،وإنها ال تنتهي
َ
بتقدير ِوبإش َار ٍة من الشيخ ،فال يجوز للمريد أن يترك شيخه قبل أن يبدي الشيخ
ٍ بإرادة املريد ،بل
رأيه في استقالله عنه أو عدم استقالله ،وإال صار كالطفل الذي يفطم قبل ألاوان(الشاذلي،1989 ،
صفحة ،)121وإال بات بال بركة ال تثمر كرامة بعدا .فالصحبة مدرسة واملريدية امتحان وجواز
مرور إلى املشيخة ،وبذلك فهما معا تفترضان سلوكا بل وتقعيدا للممارسة والعالئقية مع الصاحب
واملرشد ،فهناك نحو العشرين نوعا من آلاداب و"ديونتولوجيا" املريدية ،يستجمعها محمد املهدي
الفاس ي في آلاتي":خمسة في حالة الجلوس ،وخمسة في حالة الغيبة ،وخمسة في حال ذكره ،وخمسة
في حال صحبته ،فأما الخمسة في حال الجلوس ،فهي السكينة والوقار والهيبة والحياء والخوف،
والخمسة التي في حال الغيبة عنه ،فهي املراقبة نحوه ،والافتقار إليه والتواضع والاستمساك
بعنايته ،واملداومة على ذكر فضائله في قلبه بالتعظيم .والخمسة التي في حال ذكره ،فهي النظر
إليه والرجاء فيه والاستنصار ببركته والنظر فيما بينهما من العقيدة .والخمسة التي في حال
778
عبد الرحيم العطري
الصحبة ،فهي مداومة الحب ،ومداومة الشوق والحمق نحوه ،والهيج والانذهال من الاشتياق
إليه"(الفاس ي ،2005 ،صفحة .)55
السفر :ألامر يتعلق بسفر وهجرة فضلى إلى السماء ،كما يشير إلى ذلك كثير من آل املراتب
وألاحوال ،ففي رسائل ابن عربي وابن سبعين والقشيري وابن القيم وغيرهم ،نالحظ باستمرار
حضورية السفر والهجرة في الاشتغال على طقس املرور إلى املشيخة والوالية ،فالبد من الفصل كي
يتحقق الوصل ،والفصل هنا يكون باالنتقال رمزيا وماديا ،من الدنيوي إلى القدس ي .وبما أن لكل
سفر زاد ،فالزاد هنا خطاب وممارسة ،إنه فعل وأداء تعبدي وسلوكي ،يكون ممكنا عبر تجاوز وعثاء
السفر وعقباته ،فالسفر إلى القدس ي ،يستلزم املجاهدة والاجتهاد ،فما يروى عن الشيخ علي بن
ً
إبراهيم البوزيدي ،أنه بلغ من عبادته وتوصله للصيام وتركه الطعام إلى أن تركه ُجملة ،ويقال أن
ورده كان كل ليلة أربعمائة ركعة"(جالب ،2011 ،صفحة ،)45.فالسفر إلى أزمنة القدس ي يفترض
الانقطاع عن غيره من شواغل النفس والدنيوي .من هنا يلوح الفناء كهدف مركزي للهجرة إلى
القدس ي ،على اعتبار أن "الفناء بقاء" كما يقول ابن عجيبة" ،فمن صح فناؤه صح بقاؤه ،واعلم
أن الفناء يوجب الغيبة عما سوى هللا"(ابن عجيبة ،صفحة ،)34.وهو ما يقود إلى منازل القربة
التي تعلن ميالد الكرامة وجني البركة و توزيع ثمارها على آلاخر .إن السفر ألاوليائي يخلص بسالكه
إلى "كماالت" مطلوبة ،تكمل صفاء الروح ورسوخ أقدامها في معرفة الحق ،وهو ما يجمله ابن
عجيبة في إحدى عشرة خصلة حميدة تغني عن إحدى عشرة صفة دونها ،فالسفر ارتقاء و شموخ
عرفاني يثمر :الحرية ،الفوز ،الجمع ألاتم ،الصحو ،التحقيق ،البسط ،التلبيس ،البقاء ،السر،
الاتصال و الحكمة"(الكيالي ،2010 ،صفحة .)110.
البناء :خالل مسار الوالية يتأكد أن ألامر يتعلق بهدم وبناء متواصل ،هدم للمدنس وبناء
للمقدس ،ففي أول خطوات التشييد ،توضع اللبنات على امتداد الصحبة واملريدية ،وخالل السفر
والقربة يتواصل تقديم الدليل تلو الدليل ،على إمكان بلوغ مراتب الوالية والاتصال .فاألداء
والسلوك يتوجب فيه أن يكون دالا على ممكنات التفوق الرمزي على القائم من أوضاع في الدنيوي،
والتفوق هنا يكون غالبا بإتيان خوارق العادات ،وتدشين الكرامات" ،فاألمر الخارق للعادة ،والذي
يظهره هللا عز وجل على يد عبد مؤمن صالح غير مقرون بالسوء"(التليدي ،1987 ،صفحة،)15.
ذلكم هو ما يدعم البناء ويعمل على تنضيده وإخراجه من مرتبة املريدية إلى املشيخة وألاوليائية،
إنه أمارة الوصل والقربة ،فالكرامة تحتمل بدورها انقالبا على السائد واحتجاجا عليه.
إن مقاومة الجوع تنتسب إلى سجل زمني ُعرف بتعاقب الجائحة واملسغبة ،كما أن
الوقوف في وجه جور الحكام ،تأكيد على انفساد ألاحوال وسوء العالقة بين السلطة واملجتمع،
وعليه نجد أن الكتابات املناقبية قد أغرقت في توصيف انخراق العادة وإثبات الكرامة ،وفي ذلك
َ َ
كله تعرية للواقع وإدانة له ،بل وطرح لبديل مختلف لتجاوز ألازمة ،فط ُّي الطريق يغدو بديال لطول
779
آليات إنتاج الوالية والصالح :البناء السوسيوثقافي لظاهرة ألاوليائية
املسافات بين املمكن واملستحيل ،وكرامة القناعة والكفاف تغدو رسالة مشفرة ضدا على البذخ
والثراء الفاحش ،كما أن كرامة الشجاعة وإلايثار والقيم إلانسانية النبيلة تصير "انتقادا" مباشرا
للبؤس القيمي والالتصالح مع أزمنة القدس ي ،ففي الكتابة املناقبية نجد تصورا إصالحيا ،مضمرا
ومعلنا ،على اعتبار أن كتابها لم يكونوا منفصلين عن أزمات عصورهم .إال أن ما يهم آلان هو
التأكيد على أن الكرامة كإعالن عن بلوغ املقصد ،تعد من أهم آليات إنتاج بركة ألاولياء ،ومن
أهم مبررات شهرتها وتحقيق الاعتراف بها ،وبالطبع فكلما كانت الكرامة أكثر خرقا للعادة ،كلما
اتسعت دائرة النفوذ الروحي للوالية.
يمكن القول بأن عملية بناء الوالية مغربيا في ظل سياق اجتماعي وسياس ي ينبصم بثالث
معطيات على ألاقل ،أولها يتصل بالصراع على أنماط التدين والصراع على الكالم باسم هللا ،وهو
ما يستمر إلى آلان وبصيغ متفاوتة ،فدائما هناك صراع وتنافس حول النظام الرمزي للمجتمع،
بحيث يصير املقدس وتدبيره من أهم مراكز الاهتمام التي يتنافس حولها وفيها الفاعلون في املجتمع.
وفي مستوى املعطى الثاني ،فإن الوالية تنبني في ظل عالقات متوترة بين السلطة واملجتمع ،بحيث
تستحيل رفضا للتدبير السلطوي وخروجا عليه و مواجهة له ،بطريقة أو بأخرى ،بدءا من اختيار
املنفى املجالي إلى إنتاج الخطاب املضاد واملمارسة املناقضة للسائد محليا .أما املعطى الثالث
فيتصل بالجوائح وألاوبئة واملجاعات والقحوط التي كانت تحصد ألارواح ،وتدخل البالد في حروب
وصراعات مستمرة حول املاء والكأل وألارض وصنوف املعاش .لهذا كله تقدم الوالية متنها واشتغالها
كخالص دنيوي/سماوي ،عبر قيمها و ممارساتها القائمة على السفر و الهجرة إلى منازل القربة
والوصل.
إن الوالية بهذا املعنى ،تقدم نفسها كرد فعل ديني ،يسائل ما هو سياس ي ،وتقدم
"طروحاتها" كبديل/خالص ،لواقع موغل في الرداءة ،وبذلك فالبناء يتوطد بتقديم النموذج املغاير،
الداعي ،خفية وعلنا إلى تغيير الواقع و تجاوزه .فالولي ،وفي سياق مأزوم تحديدا ،يتحول إلى "مالذ"
يتم اللجوء إليه ،تماما كما حدث مع سيدي موس ى الدكالي عند انحباس املطر ،أو مع سيدي بن
عاشر عند املرض ،وما يتواصل أيضا من استحرام باألولياء خالل مطاردة املخزن ،فحتى في حال
رحيل الولي إلى دار البقاء ،فإن ضريحه يغدو "ملجأ" لكل من انظلم أو دارت به الدوائر ،وهو اللجوء
الذي تتم شرعنته بمنطق "الحرم" ،الذي يمنح الحماية القصوى ،فإليه يكون اللجوء السياس ي
والاجتماعي والصحي والنفس ي ،...فالولي يقدم مشروعه/كرامته/بركته ،كبديل تعبدي/سلوكي ملا
تعذر حله وتدبيره إيجابيا في سجل العسر وألازمة والانحباس.
إن البناء ألاوليائي يتواصل عبر الكرامة ويشيد من مداخل أخرى تتوزع على السلوك
اليومي الذي يحمل إلابهار والاختالف ،فخرق العادة يكون أيضا في املأكل (الاكتفاء بتمرة في اليوم)،
واملشرب ( الصبر على العطش أليام) ،واملرقد ( النوم في قبر مثال) ،والعبادة (قيام الليل ،الصوم،
780
عبد الرحيم العطري
السجود الطويل ،)...ومختلف مناحي التدبير اليومي ،وذلك على مستوى العالقة مع الذات وآلاخر
و الكون .في كل هذه التواصالت تبنى الوالية وتستثمر وتستزيد حضورا وامتدادا ،وتتأكد الحاجة
إليها ويتم الاعتراف بها.
رابعا :آليات البناء السوسيوثقافي
نؤكد في البدء على أن هذه آلاليات املار ذكرها ،ليست بوصفة خطية/نمطية إلنتاج
الوالية ،فقد تجتمع في بعض السير ،وقد تتفرق و تختفي في أخريات ،بل وقد تنضاف إليها
ُمخصبات متنوعة من قبيل الانتماء الشرفاوي الذي يعضد الوالية ،وينتقل بها من لقب "سيدي"
إلى "موالي" ،مثلما هو ألامر بالنسبة ملوالي عبد السالم بن مشيش ،الذي يحوز الصالح والعلم
والنسب النبوي الشريف .ومع ذلك فكل العناصر املؤسسة للوالية تحتاج إلى شرط الاعتراف
بالوجاهة الدينية والفاعلية الصالحية ،فالولي ،ولكي تتأكد قوته الرمزية ،عليه أن يقدم ما يبرر،
ما يدعو إليه أو ما يمارسه .فانعزاله ورفضه للواقع ،ينبغي أن ُيثمر شواهد وخوارق ،وإال صار
مجذوبا ال وليا صالحا ،فاملجتمع يمنح العالمات والاعترافات بناء على ألادلة والشواهد ،وهو ما
يتواصل حتى بعد رحيل الولي ،حيث يتم استدعاء قاعدة قياس الشاهد على الغائب.
هنا يصير إلابراء من ألامراض وشق الصدر وتعلم القرآن وحفظه ،واملش ي فوق املاء وطي
الطريق وتظليلها ،والطيران في الجو ،وتحويل الرمل ذهبا ،وما إلى ذلك من الخوارق التي عجت بها
كتب املناقب ،يصير هذا الكل الكراماتي ،موجبا لالعتراف بالفعالية الرمزية للوالية ،مع ما يستتبع
هذا الاعتراف من اعترافات أخرى بالنفوذ الروحي الذي يؤسس سلطا وعالقات وأتباع .فكل سلطة،
ومهما كانت مصادرها ،إال وتفترض ميالد عالقات تراتبية بين من يملك السلطة ومن تقع عليه
مفاعيلها إلاخضاعية.
سلطان البركة :سبق وأن أشرنا إلى أن البركة ،تعني فيما تعنيه ،النماء واليمن و الوفرة
والزيادة ،وبذلك فإن "سلطانها" ومفعولها الرمزي يقود إلى الاعتراف بوالية صاحبها ،فعندما تفيض
البركة ضدا على الندرة وتخرج املجتمع من أزماته ،فإن الاعتراف يصبح مسلما به .نذكر في هذا
الصدد أن الشيخ سيدي أحمد الركيبي املعروف بالليث ،على اعتبار أنه كان يتحول إلى أسد في
بعض ألاحيان ،أنقذ قومه من بطش السلطان ألاكحل الذي كان يطارد عرب معقل في الصحراء،
باقتراح العفو عنهم مقابل فدية يدفعها عنهم ،وكذلك كان ،فقد أمر سيدي أحمد الركيبي خدام
السلطان بملء جراب الخيل بالرمال ،والتي تحولت إلى ذهب خالص بلغ مقدار ستون
قنطارا"(الناقوري ،2007 ،صفحة .)35
نورد أيضا إحدى كرامات الولي الصالح أبي املحاسن الذي كان في زيارة أحد ألاولياء برفقة
بعض من أصحابه ،فوصلوا إلى دكالة فخرج عليهم جماعة من اللصوص ،فلما دنوا منهمَ ،ع َموا
781
آليات إنتاج الوالية والصالح :البناء السوسيوثقافي لظاهرة ألاوليائية
عنهم ،فلم يبق إال فرس الشيخ ،وكانت أنثى ،فانقلبت صخرة ،فجعل اللصوص يتساءلون ،فيقول
بعضهم ،ها هنا كانوا عند هذه الصخرة ،ثم ذهبوا"(التليدي ،1987 ،صفحة.)35.
وكلما كانت النتائج أوفر حظا وأقرب من املأمول ،كلما تقوى "سلطان البركة" وتجذر
الاعتراف بالنفوذ الروحي للوالية ،إال أنها في حال املحدودية ،فإنها تقلل من دوائر النفوذ أو تسحبه
ً
نهاية ،فالبركة تفيض وتتراكم ،لكنها قد تتعرض للتآكل ،مع ألاحفاد وألاتباع ،لينشأ منطق
التشكيك في قدرة هذا الولي أو ذاك ،على قضاء بعض ألاغراض ،ومن ثمة نفهم كيف يتم تحجيم
الفاعلية ألادائية لبعض ألاولياء ،وكيف يقر املجتمع بالقدرة العجائبية لقضاء كل الحوائج ألولياء
آخرين .فالنجاح في الفعل وإلانماء الحقيقي ،هو الفيصل الحاسم في إنتاج الاعتراف الكلي أو
الجزئي.
فاعلية الغرابة :نتذكر دوما أن الغريب يستجمع حدي الانتماء والالانتماء ،كما نتذكر
أيضا أن الاعتراف بسلطان الوالية يتوقف على القدرة على العطاء ،والذهاب بعيدا في شأن
الانخراق والتمايز ،فال سلطان للمألوف والاعتيادي .فعندما يصير الاختيار املجالي محيال على
الغرابة ،فاالنقطاع عن الناس واللذوي ،واختيار املغارة أو قمة الجبل أو نهاية اليابسة في مواجهة
البحر ،يصير ،فعال غريبا وغرائبيا ،طبعا يريد من خالله الولي تحقيق الوصل ،خصوصا وأن
الاتصال يكون في آخر نقطة انفصال ،فالغرابة هنا تفيد في استخراج "وثيقة اعتراف" رمزية من
لدن املجتمع.
غرابة الاشتغال على الجسد بتعذيبه وترويضه ،تفيد في تجذير النفوذ واملكانة الرمزية،
بل إن إلامعان في تعذيب الجسد ،والصبر على التنكيل به ،يعد كرامة تحسب للولي ،وتزيد من
حظوته وحضوره في سجل التنافسات الكراموية .وبذلك فابن الزيات في عمله املناقبي لم ينس
التطرق إلى أوصاف ألاجساد املهترئة ،فأبو محمد عبد هللا "صار جسده كالسفود املحترق من كثرة
التقشف" ،وأبو يعقوب "صلى حتى تفطرت قدماه" ،وآخر "كان من كثرة العبادة نحيال كالخيال،
حتى لصق جلده بعظمه" ،وآخر "كان يواصل خمسة عشرة يوما حتى أنحلته العبادة" ،وولي آخر
"محلوق الرأس ،نحيل البدن ،قد لصق جلده بعظمه"(بوبريك ،2010 ،صفحة.)56.
ض إلى الاعتراف بالكرامة ُْ
إن الجسد املعذب والصبر على التنكيل به ،موجب للغرابة ،ومف ٍ
والبركة ،باعتباره مدشنا لالختالف وخالقا للتميز عن آلاخر ،ولهذا يالحظ أن ألاتباع وأتباع ألاتباع
الذين يفتقرون إلى كثير من الرساميل الرمزية ،التي قد تضعهم في منزلة الوالية ألاولى ،ال يجدون
بدا من تعذيب الجسد ،أمال في "كسب" الاعتراف و"تحيين" الاعتراف أساسا ببركة الولي،
واستمراريتهما في الزمان واملكان .يصدق هذا تحديدا على حفدة سيدي الهادي بنعيس ى أو بويا
رحال الذين يقدمون ويشهرون بركتهم عبر أجساد خارقة تستطيع تحمل لدغات الثعابين وألافاعي،
وتقدر على شرب املاء الساخن وتحمل الانجراحات بواسطة الزجاج و السكاكين.
782
عبد الرحيم العطري
يصير الجسد املعذب واملنكل به في هذه الحالة مدخال لكسب الاعتراف وتأكيد الكرامة
والبركة ،فهذا الوسيط املادي الذي يجسر عالقة الفهم والقبول بين الرمزي واملادي ،إنه العالمة
الدالة التي تتوسط وتزيل الالتباس القائم بين عاملين :ألاول واقعي يمكن إدراكه وتلمسه ،والثاني
رمزي تتكثف فيه املعاني وال تكاد تبين إال بمفتاح الكشف والبرهان.
قوة ألاثر :البقاء لألثر ،والفناء بقاء ،وما يؤسس البقاء فعال هو ألاثر الدال على صاحبه،
وعليه فالوالية بال آثار ،هي والية منقوصة ،أو على ألاقل لن يكون مقدورها الصمود طويال ،ولن
تستطيع الامتداد طوال وعرضا في النسيج املجتمعي ،وأساسا في املخيال الاجتماعي .ذلك أنه يفترض
في ألاثر ألاوليائي أن يكون حائزا على درجة عليا من إلاقناعية ،فاألثر هو ما ينتج الاعتراف ويوسع
أمداء الوالية وينقلها من املحلي إلى الوطني ،بل أحيانا إلى العالمي .كما يفترض فيه أن يكون متجاوبا
مع املطامح والغايات وقادرا على منافسة "العروض ألاوليائية" املطروحة في سوق التبادالت
الرمزية ،فالتنافس على أشده -على ألاقل بين ألاتباع ومسوقي فاعلية البركة -بين مكونات النسق
الديني ،والنتيجة تحسب في الغالب ،ليس ملن يقدم العرض ألاجود ،ولكن ملن يقدم العرض ألاكثر
تلبية لالنتظارات.
فمن يساعد على الاستمطار في سنوات الجفاف هو ألاجدر باالعتراف ،والذي يتغير إسمه
وينادى عليه بأبي الشتاء ،كما في حالة موالي بوشتى الخمار ،مثلما يكون القادر على إلابراء أو توفير
ألاقوات خالل أزمنة ألاوبئة والقحوط ،هو صاحب ألاثر الفعال ،الذي يثمر اعترافا نكتشفه في
توصيفات "طلبو التسليم ،التسليم أ رجال البالد" أو "هاذا باراكتو تا تهرس الحجر" أو "دعوتهم"
الدالة على أتباعه وأحفاده "تا تجبر وال تا تهرس" ،أو "دعوتهم واصلة" .وفي هذا الصدد يورد ابن
الزيات إحدى كرامات سيدي بوزكري (أبو زكرياء يحيى بن محمد الجراوي ،دفين القصبة الزيدانية
بتادلة) قائال بأنه" :اجتمع الناس لالستسقاء ،فدعوا وتضرعوا و السماء صاحية ال غيم فيها،
فقالوا يا أبا زكرياء استسق لنا ،فقام أبو زكرياء ورمى بقلنسوته عن رأسه إلى ألارض ،وكان أقرعا،
وقال :يا رب ،هذا ألاقرع يسألك الغيث ،فوهللا ما نزل الناس عن ذلك ،حتى مطروا مطرا غزيرا"(ابن
الزيات ،2010 ،صفحة.)138 .
إن البناء السوسيوثقافي يثمر في النهاية "ميالدا للولي" ،إال أن هذه الوالدة ،تأتي أحيانا
مفارقة في املشهد ألاوليائي ،فقد تكون بعض املمات والانقبار ،ليعلن امليالد مجددا في شكل
ضرائحي ينشد الاستدامة والجني املستمر للبركة والكرامة ،فاألضرحة وألاحواش والقبور ،في حال
تفخيمها والاعتناء بها ،يراد منها تأبيد البركة وتوكيد الخلود ،إنها نوع من الشهود املادي الذي
يستبدل املوت بحياة جديدة يحافظ على امتدادها ألاحفاد وألاتباع واملريدين ،على اعتبار أن البركة
ُ
ال تموت ،قد تتضاءل ،قد تستنزف ،ولكنها تتواصل بصيغ متعددة ،ما دامت هناك حاجة إلى
الصالح ضدا على انفساد ألاحوال وسوئها.
783
آليات إنتاج الوالية والصالح :البناء السوسيوثقافي لظاهرة ألاوليائية
يمكن القول بأن الوالية في رحلتها ما بين الحياة واملوت تعيش ثالث واليات على ألاقل،
ألاولى جنينية/مخاضية تعلن عن احتمال الوالية وظهور ألامارة املؤكدة للصالح والنبوغ ،وهو ما
نالحظه في كثير من ألاعمال املناقبية ،التي كانت تلح في الغالب ،على أن بركة الولي الفالني ،الحت
منذ نعومة أظافره ،أو في مراحل متقدمة من عمره .أما الوالدة الثانية فتكون عند الاستقالل عن
سلطة الشيخ وبداية تشكل النفوذ الذاتي الذي قد ينافس الشيخ /املعلم ،وقد يتجاوزه أحيانا،
فيما الوالدة ألاخيرة هي التي تسمى انبعاثا وتحدث بعد إلاقبار ،والتي يمارسها "املؤمنون" بالبركة
والراغبون في إلافادة من ثمراتها.
يستحيل املكان والش يء مقدسا بسبب مرور الولي منه أو اندفانه فيه ،تنتقل القداسة
من الجسد الفاني إلى ألاحجار وألاشجار وألاتربة واملياه ،وتفيض البركة على الدائرين في فلك
القداسة .لكن لنعترف أن ألامكنة وألاشياء ،هي ثابتة ومتشابهة ،فما الذي يجعلنا نميزها بالقداسة
وفيض البركة والكرامة ،أو ال نلقي لها باال ،هل هو تاريخها؟ أم هي تمثالتنا التي يجري تنضيدها
وفق رواسب ثقافية تاريخية أيضا؟
أي نعم لكل مكان ذاكرته ،و لكل ش يء "رائحته" وداللته ،واملجتمع هو الذي يمنح العالمات
أو يلغيها ،بل إنه يقود الاحتماالت إلى أقصاها مبررا إمكان تحول املدنس إلى مقدس ،ذلك أن إطالق
صفة القداسة على الضريح والسبحة والعكاز وسائر ألاماكن وألاشياء ،بل وحتى ألاشخاص الذين
فاضت عليهم بركة الولي ،يندرج ضمن مطلب الخلود والاستدامة ،إنه رفض سيكولوجي مبطن
ومعلن ،لكل تشكيك في ديمومة الوالية (طلب التسليم ،البالد راه بجوادها) .هناك إبداعية
واجتهادية متواصلة من طرف ألاتباع للحفاظ على هذه القداسة العابرة لألزمنة ،ال ينبغي أن يفسر
ألامر دوما بإطالة إلافادة من الخيرات املادية ،وإن كان هذا ألامر صحيحا ،ولكن ينبغي النظر أيضا
إلى حاجة املجتمع إلى "مالذاته الروحية". les refuges spirituels
وإذا كانت والدتا الولي ألاولى والثانية (أمارة البدء والاستقالل عن الشيخ) تكون ممهورتين
فكل ر ٌ
اغب بتوقيعه هو ،فإن الوالدة التالية بعد املوت ،تكون في الغالب موضوع تنافس شديدٌ ،
في اكتناز "الخبزة"ٌ ،
وكل ر ٍاء لنفسه ألاجدر بضمان إدامة البركة ،ولو في شكل بناء قبة أو توفير غطاء.
ففي حالة سيدي موس ى ينكشف جزء من هذا التنافس حول بركة الولي ،حيث يقول صاحب
إلاتحاف الوجيز أنه" :ملا مات تنافس الناس في دفنه ،فكل يريد دفنه بروضته"(الدكالي ،ص ،)85و
يضيف صاحب التشوف موضحا" :فطائفة تحمله إلى هذه الجهة ،وأخرى تحمله إلى جهة أخرى،
وطال ذلك بينهم ،من أول وقت الظهر إلى وقت العشاء آلاخرة ،وكان الوالي بسال شديد البؤس،
فقيل له في ذلك ،فقال :ما عندي في هذا عمل ،ولوال أن هللا تعالى يحب هذا إلانسان ما جعل ،في
قلوب الناس "حبه""(ابن الزيات ،2010 ،صفحة .)29 .إال أن هذا التنافس حول "امتالك" أو
بدفن أول وكفى ،فالدكالي في إتحافه يشير إلى أن سيدي موس ى "دفن أوال توريث البركة لم ينته ٍ
784
عبد الرحيم العطري
بروضة بني القاسم بن عشرة ،ثم نقل منها بعد سبعة أيام إلى قبره الذي هو به اليوم ،نقلته ماللة
بنت زيادة هللا ،وبنت عليه قبة ،صرفت عليها خمسمائة دينار ،وليست هي القبة التي عليه آلان،
فإنها مجددة في زمان السلطان موالنا إسماعيل العلوي"(الدكالي ،صفحة .)85ويستمر هذا التنافس
آنا من مداخل أخرى كالترميم والتجديد وتغيير كسوة الضريح ،وإلانفاق و إلاطعام ،أمال في
الاحتفاظ بلقب "خديم السيد" ،وتأمين الانتفاع ببركته.
وبما أن القداسة تتجلى في املكان كما أسلفنا قبال ،فإن الدخول إلى الضريح يتيح املرور
إلى السماء ،فاملالحظ أن القباب والكوات املفتوحة باتجاه السماء ،يحرص واضعوها تدخل ضوءا
محدودا يحيل على ألانوار املنهرقة من أعلى في شكل رسائل ورؤى يحتاجها الزائر لتجاوز غمته ،وهي
بذلك تتضمن وتضمن فعل التوسط بين ألارض والسماء ،فكل مكونات الضريح تؤدي وظيفة
إلابهار العلني ،ووظيفة التوسط الخفية ،فالقبة دليل على تعالي وسمو صاحب البركة ،لكنها توسط
ومعراج إلى السماء ،والكساء توقير واحترام له ،لكنه أمل في التغطية والحماية ،والشموع والقناديل
والثريات أدوات إضاءة ،وهي في آلان ذاته بحث عن ضوء في زمن إلاظالم والظلم (هللا يشعل ضوك).
حيث تفيض البركة على كل ألامكنة و ألاشياء ،وبذلك يصير ماء الضريح مطهرا وشافيا وترابه
معالجا ورادا لكل سوء ،واملطلوب في كل حين هو الوصول إلى "معنى املعنى" حتى يظفر الزائر
بـ"الخبزة" ،و"تكتمل الزيارة وينال املقصود" ،تبعا ملا تنحته الثقافة الشعبية من مسكوكات
ُ
لفظية/دعائية بصدد الزيارة امليمونة والناجحة.
على سبيل الختام:
لنخلص أخيرا إلى القول بأن إنتاج وإعادة إنتاج بركة ألاولياء ،مسار فائق الصعوبة ال
يتأتى إال ملن توفرت له ألاسباب وتحققت له ألامارات ،وعانق التجربة بكل امتالء ،فليس سهال أن
يكون املرء وليا .هناك مسار وأداء طويل يستلزم الكثير من املجاهدة والصحبة والتعلم واملراس،
إنه تمرين تعبدي ال تعرف بدايته وال نهايته .وبالرغم من محاولة التذكير بأهم مالمح مشروع
ألاوليائية فإنه ال يمكن القول بإمكان اتباع هذه القواعد و املحتذيات ،وصوال إلى النهايات/البدايات.
فكل ولي يصنع واليته ،كما أن املجتمع في سياقات معينة يحتاج كرامات مخصوصة ،ما
يجعله يعلي من شأن البعض وال يهتم إال قليال بأولياء آخرين ،وهنا يكون الاعتراف بالفاعلية
والفعالية ويتسع بذلك النفوذ الروحي وتتواتر الخيرات الرمزية واملادية لوارثي البركة ،أو على العكس
من ذلك ،تنحد ممكنات الشيوع و يتوقف املشروع ألاوليائي عند حدود ضيقة ،وما يصنع هذا
املآل أو ذاك هو املفارقية وإلابهارية التي تلوح في الكرامة/ألامارة ،وتتواصل في البركة التي تجذر
الاعتراف وتحدد احتماالت الامتداد بعد الانقبار.
إن البقاء يستوجب الفناء ،والوصل يتطلب الفصل ،وذلك ما يجيده الولي ،وهو يؤسس
بركته ويقوي من حضوره في سياقات اجتماعية وسياسية فائقة الصعوبة والعسر ،إنه يفنى
785
آليات إنتاج الوالية والصالح :البناء السوسيوثقافي لظاهرة ألاوليائية
ويهاجر ويتعذب من أجل البقاء في املخيال الاجتماعي ،كما أنه ينقطع ويتعالي ويسمو كي يحقق
الاتصال بالقدس ي ويحوز البركة و القداسة التي تنسحب على أمكنته وأشيائه توكيدا لالستمرارية
التي يستقل بها املقدس.
إن املجموعة البشرية ،هي في حاجة دائما للمقدس ألاوليائي ،ليس من أجل تدبير حياتها
الدينية ،بل ،وهذا هو ألاهم ،من أجل إثراء عالقاتها وتقوية حظوظ مواجهتها للسلطة املتوزعة
طوال وعرضا في املجتمع (مخزن ،أعيان ،قبائل ،)...فالزاوية أو الضريح يتوفران ،في غالب ألاحيان
على رأسمال رمزي تعددي يتكون من الشرف والعلم والصالح والكرامة ،ويتوفران أيضا على رأسمال
مادي يتمظهر في امللكية العقارية وألاموال وإلاعفاءات من الكلف املخزنية ،بمعنى أن ألامر يؤسس
ماه مع املخزن في امتالكاته وسلطاته ،فاألسس الرمزية للزاوية تبدو منافسة لتلك التي يستند َ
ِلت ٍ
عليها املخزن.
ولهذا يظل الاعتماد عليها روحيا واقتصاديا وحتى سياسيا ،من الشروط الضرورية لتأمين
الاستمرارية في ظل نسق مفتوح على التوتر والاحتقان .ففي هذه الحركية املتعددة ألابعاد
والانتماءات ،ثمة ارتكان إلى املقدس في التدبير والتفاعل ،فإعادة إلانتاج تظل محكومة في كثير من
ألاحيان بالقدرة على استثمار املقدس وتوظيفه ،ولهذا ال يبدو غريبا أن يكون الاعتماد على املقدس
الولوي فعال أثيرا لدى املنتمين إلى النسق ،وإن اختلفت انتماءاتهم املراتبية لذات النسق ،فالكل،
يفيد ،أو يستثمر ويستزيد من الخيرات الرمزية لحقل املقدس.
قائمة املراجع:
أوال :املراجع باللغة العربية
-ابن الزيات (أبو يعقوب يوسـ ــف بن يحيى التادلي) ،التشـ ــوف إلى رجال التصـ ــوف و أخبار أبي العباس
الس ـ ـ ــبتي ،تحقيق :أحمد التوفيق ،منش ـ ـ ــورات كلية آلاداب و العلوم إلانس ـ ـ ــانية بالرباط ،س ـ ـ ــلس ـ ـ ــلة
نصوص و وثائق رقم ،4الطبعة الثالثة ،الرباط.2010،
-ابن زيــدان (عبــد الرحمن) ،إتحــاف أعالم النــاس بجمــال حــاض ـ ـ ـ ــرة مكنــاس ،الجزء الرابع ،الربــاط،
الخزانة امللكية ،الطبعة الثانية.1990 ،
-ابن عجيبة ،إيقاظ الهمم في شرح متن الحكم ،دار ابن الوراق ،بيروت،
-ابن عربي (محي الدين) ،أهل املراتب و ألاحوال ،تحقيق محمد عبد الرحمن الش ـ ـ ـ ــاغول ،دار جوامع
الكلم ،القاهرة ،الطبعة ألاولى.2009.
-ابن عربي(محي الدين) ،رسـ ـ ـ ــائل ابن عربي :كتاب إلاسـ ـ ـ ــفار عن نتائج ألاسـ ـ ـ ــفار ،دار صـ ـ ـ ــادر ،بيروت،
الطبعة ألاولى.1997 ،
-التليدي (عبد هللا) ،املطرب في مشـ ــاهير أولياء املغرب ،مؤس ـ ـسـ ــة الشـ ــمال للطباعة ،طنجة ،الطبعة
الثانية.1987.
786
عبد الرحيم العطري
-الدكالي(محمد بن علي) ،إلاتحاف الوجيز :تاريخ العدوتين ،تحقيق :مصـ ـ ــطفى بوشـ ـ ــعراء ،منشـ ـ ــورات
الخزانة الصبيحية ،سال.1986 ،
-السـ ـ ـ ــوس ـ ـ ـ ـ ي (املختار) ،الترياق املداوي في أخبار الشـ ـ ـ ــيخ سـ ـ ـ ــيدي الحاج علي السـ ـ ـ ــوس ـ ـ ـ ـ ي الدرقاوي،
منشورات املعهد امللكي للثقافة ألامازيغية ،الرباط.2014 ،
-الشاذلي (عبد اللطيف) ،التصوف و املجتمع :نماذج من القرن العاشر الهجري ،سال.1989 ،
-العش ـ ـ ــاب (عبد الص ـ ـ ــمد) ،موالي عبد الس ـ ـ ــالم بن مش ـ ـ ــيش ،منش ـ ـ ــورات الرابطة املحمدية للعلماء،
الرباط ،الطبعة ألاولى.2012 ،
-العطري(عبد الرحيم) ،دفاعا عن الس ـ ـ ـ ــوس ـ ـ ـ ــيولوجيا ،دار بابل للطباعة و النش ـ ـ ـ ــر ،الرباط ،الطبعة
ألاولى.2000 ،
-العمراني (محمد) ،كتب املناقب وترس ـ ـ ـ ــيخ الاعتقاد في الكرامات الص ـ ـ ـ ــوفية ،مجلة أمل ،العدد ،35
السنة السادسة عشرة.2009 ،
-الفــاس ـ ـ ـ ـ ي (محمــد املهــدي) ،ممتع ألاس ـ ـ ـ ـمــاع في أخبــار الجزولي و التبــاع ،دار الكتــب العلميــة ،بيروت،
الطبعة ألاولى.2005 ،
-القش ــيري (عبد الكريم بن هوزان) ،الرس ــالة القش ــيرية ،تحقيق :مص ــطفى زريق ،املكتبة العص ــرية،
بيروت ،الطبعة الثانية.2001 ،
-الص ـ ــومعي (أحمد التادلي) ،املعزى في مناقب الش ـ ــيخ أبي يعزى ،املعزى في مناقب الش ـ ــيخ أبي يعزى،
تحقيق محمد الجاوي ،منشورات كلية آلاداب و العلوم إلانسانية أكادير.1996 ،
-الكيالي (عاص ــم إبراهيم) ،الوالية و الولي عند الس ــادة الص ــوفية في الش ــريعة و الطريقة و الحقيقة،
دار كتب ناشرون ،بيروت ،الطبعة ألاولى.2010 .
-الناقوري (إدريس) ،أيت لحسن :القبيلة ،التاريخ و املواقف ،دار الثقافة ،البيضاء.2007 ،
-الناص ــري (أحمد بن خالد)،كتاب الاس ــتقص ــا ألخبار دول املغرب ألاقأـ ـ ى ،تحقيق :أحمد الناص ــري،
أشـ ـ ــرف عليه :محمد حهي ،إبراهيم بوطالب ،أحمد التوفيق ،منشـ ـ ــورات وزارة الثقافة والاتصـ ـ ــال،
الرباط ،الطبعة ألاولى.2001،
-النبه ــاني (يوس ـ ـ ـ ــف بن إس ـ ـ ـ ـم ــاعي ــل) ،ج ــامع كرام ــات ألاولي ــاء ،املكتب ــة العص ـ ـ ـ ــري ــة ،بيروت ،الطبع ــة
ألاولى.2001.
-إلياد (مرسيا) ،املقدس و العادي ،ترجمة عادل العوا ،دار التنوير ،بيروت ،الطبعة ألاولى.2009.
-باس ــتيد (روجيه) ،مبادئ علم الاجتماع الديني ،ترجمة :محمود قاس ــم ،املكتبة ألانجلوس ــاكس ــونية ،الطبعة
ألاولى.ص.1951.
-باسـ ـ ــكون (بول) ،ألاسـ ـ ــاطير و املعتقدات باملغرب ،ترجمة :مصـ ـ ــطفى املسـ ـ ــناوي ،مجلة بيت الحكمة،
العدد ،3السنة ألاولى .الرباط.1986.
787
البناء السوسيوثقافي لظاهرة ألاوليائية:آليات إنتاج الوالية والصالح
الطبعة، الدار البيضـ ـ ــاء، دار أفريقيا الشـ ـ ــرق، الدين بصـ ـ ــيغة املؤنث: بركة النسـ ـ ــاء،) بوبريك (رحال-
.2010.ألاولى
، الطبعة الثالثة، مراكش، منتدى ابن تاشـ ـ ـ ــفين للمجتمع و املجال، سـ ـ ـ ــبعة رجال،) جالب (حسـ ـ ـ ــن-
.2011
، مطبعة فض ـ ـ ــالة، الحكاية و البركة: املتخيل و القدس في التص ـ ـ ــوف إلاس ـ ـ ــالمي،) ش ـ ـ ــغموم (امليلودي-
.1991. الطبعة ألاولى،املحمدية
، منشورات دار املدى، ماهر الشريف: ترجمة، تأسيس املجتمع تخيليا، ) كاستورياديس (كورنيليوس-
.2003. الطبعة ألاولى،دمشق
املراجع باللغة العربية:ثانيا
- Berque )Jacques(, Ulémas, fondateurs, insurges du Maghreb, Editions Sindibad,
Paris.1982.
- Caillois (Roger), L'homme et le sacré, Editions Gallimard, Paris.1950.
- Dermenghem )Emile(, Le culte des saints dans l'islam Maghrébin, Editions
Gallimard, Paris.1954.
- Durkheim (Émile), Les formes élémentaires de la vie religieuse. Editions PUF,
Paris, 1968.
- Eliade (Mircea), Aspects du mythe, Editions Gallimard, Paris.1963.
- Eliade (Mircea), Le sacré el le profane, Editions Gallimard, Paris.1965.
- Geertz (Gliford), Observer l’Islam : changement religieux au Maroc et en
Indonésie, La Découverte, Paris.1992.
788