مقرر ثقافة 3

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 129

‫اؼبقدمة ‪:‬‬

‫اغبمد هلل كحده ‪ ،‬كالصالة كالسالـ على رسوؿ اهلل كعلى آلو كصحبو ‪ ،‬أما بعد ‪:‬‬

‫فهذا الكتاب (اغبقوؽ يف اإلسالـ ) يتضمن عرضان لقضايا و‬


‫ثقافية مهمة ‪ ،‬حيتاج ؼبعرفتها طالب كطالبات‬
‫اعبامعات ‪ ،‬كموضوعاتو تتناكؿ اغبقوؽ يف اإلسالـ من خالؿ دراسة ‪ :‬اغبقوؽ الشرعية ‪ ،‬ك ىي الىت‬
‫أكجبها الشرع من خالؿ القرآف كالسنة ‪ ،‬ؽبذا فهي ليست آراء شخصية أك فلسفات عقلية ؾبردة ‪ ،‬بل‬
‫فرض من‬
‫مصدرىا الوحي اإلؽبي كسنة النيب ؿبمد صلى اهلل عليو كسلم ‪ ،‬كىذه اغبقوؽ باعتبار مصدرىا ه‬
‫صبيع جوانب اغبياة اإلنسانية ‪ ،‬كحبسب أنواعها فهي تنقسم إذل‬
‫اهلل عز كجل على عباده ‪ ،‬فقد مشلت ى‬
‫األنواع اآلتية ‪:‬‬

‫‪ – 1‬الحقوؽ العقائدية ‪ :‬حقوؽ أكجبها اهلل عز كجل لنفسو ‪ ،‬مثل حقو يف أف نعبده كال نشرؾ بو‬
‫تبع طاعة اهلل طاعة رسولو ؿبمد ‪ ‬فيما بلغو عن ربو من‬ ‫شيئنا ‪ ،‬كأف ييطاع سبحانو كال ييعصى ‪ ،‬كيى ي‬
‫أكامر كنواهو ‪ ،‬كاتباع سنتو القولية كالفعلية‪ ،‬كالدعوة إذل اإلسالـ باغبكمة كاؼبوعظة اغبسنة ‪ ،‬كاغبفاظ على‬
‫عقيدة أىل السنة كاعبماعة اؼبستمدة من القرآف كأحاديث الرسوؿ ‪ ، ‬كترؾ ما خيالفها من األفكار‬
‫كالبدع كاؼبذاىب اؼبنحرفة‪.‬‬

‫‪-2‬الحقوؽ االجتماعية الشرعية ‪ :‬كىى تشمل صبيع نسيج اجملتمع اإلسالمي كاإلنساين ‪ ،‬مثل حقوؽ‬
‫اؼبستخدمُت ‪،‬‬
‫ى‬ ‫صبيعا ‪ ،‬كحقوؽ العلماء كاؼبعلمُت ك العماؿ ك‬‫الصحابة ‪ ،‬كآؿ البيت رضواف اهلل عليهم ن‬
‫كحقوؽ الزكج على زكجتو ‪ ،‬كالزكجة على زكجها ‪ ،‬كالوالدين ‪ ،‬كاألبناء ‪ ،‬كاإلخوة ‪ ،‬كاعبَتاف ‪ ،‬كاألقارب‬
‫اؼبعاىدين كاؼبستأمنُت‬
‫‪ ،‬كذكل األرحاـ ‪ ،‬كاغبقوؽ العامة عبميع اؼبسلمُت ‪ ،‬ك حقوؽ غَت اؼبسلمُت من ى‬
‫يف اجملتمع اإلسالمي كخارجو ‪.‬‬

‫‪ -3‬الحقوؽ االقتصادية الشرعية ‪ :‬كىى تلك اليت ترتبط باؼباؿ يف اإلسالـ كما جيب فيو من إعمار‬
‫للكوف كالزكاة كالصدقة منو ‪ ،‬فقد جاءت الشريعة اإلسالمية دبنظومة للحقوؽ االقتصادية مشلت طريقة‬
‫كسب اؼباؿ ‪ ،‬كإنفاقو ‪ ،‬كتوريثو ‪ ،‬كجعلت اغبق فيو معلوـ للسائل كاحملركـ ‪.‬‬
‫‪-4‬الحقوؽ السياسية الشرعية ‪ :‬كه م اليت أكجبها اهلل كرسولو يف األمر بالشورل ‪ ،‬كاغبكم دبا أنزؿ اهلل‬
‫‪ ،‬ككجوب نصب كرل األمر كمبايعتو كطاعة رعيتو لو ‪ ،‬كما جيب على كرل األمر من اغبفاظ على عقائد‬
‫اإلسالـ كنشرىا ‪ ،‬ك الدفاع عن دياره ‪ ،‬كتعليم الناس كتيسَت سبل اؼبعاش ‪ ،‬كإقامة اغبدكد الشرعية ‪،‬‬
‫كفرض السلوكيات األخالقية اإلسالمية يف ربوع الدكلة اإلسالمية ‪.‬‬

‫‪ -5‬الحقوؽ البيئية الشرعية ‪ :‬كىى اغبقوؽ الواجبة على اإلنساف ذباه البيئة اليت يعيش فيها مثل‬
‫حقوؽ‪ :‬األرض ‪ ،‬كاؼباء ‪ ،‬كاؽبواء ‪ ،‬كالطريق ‪ ،‬كالنبات ‪ ،‬كاغبيواف ‪ .....،‬إخل‬

‫من خالؿ ىذه اؼبقدمة للحقوؽ الشرعية يف اإلسالـ تتضح عظمة الشريعة اإلسالمية كمشوؽبا ككماؽبا ‪،‬‬
‫كيف الصفحات القادمة من الكتاب دبشيئة اهلل كعونو كتوفيقو ‪ ،‬اؼبزيد من التفصيل للحقوؽ يف اإلسالـ ‪.‬‬
‫( )‬
‫تعريف (الحق)‬

‫ىذه إشارة سريعة لتعريف (اغبق) يف اللغة كاالصطالح‪ ،‬مع بياف معناه عند علماء الفقو كأصولو‪.‬‬

‫التعريف اللغوم‪:‬‬

‫كلمة (اغبق) يف اللغة ؽبا العديد من اؼبعاين‪ ،‬منها‪ :‬الشيء الثابت الذم ال يسوغ إنكاره‪ ،‬كخالؼ‬
‫أيضا اسم من أظباء‬ ‫ً‬
‫الباطل‪ .‬كما يطلق اغبق على‪ :‬اؼباؿ‪ ،‬كاؼبلك‪ ،‬كالنصيب‪ ،‬كالواجب‪ ،‬كاليقُت‪ .‬كاغبق ن‬
‫اهلل تعاذل‪ ،‬كقيل من صفاتو ( )‪.‬‬

‫التعريف االصطالحي‪:‬‬

‫اغبق يف االصطالح يأيت دبعنيُت‪ :‬األكؿ‪ :‬ىو اغبكم اؼبطابق للواقع‪ ،‬كيطلق على األقواؿ كالعقائد كاألدياف‬
‫كاؼبذاىب باعتبار اشتماؽبا على ذلك‪ ،‬كيقابلو الباطل‪.‬‬

‫كاآلخر‪ :‬أف يكوف دبعٌت الواجب الثابت‪ .‬كىو قسماف‪ :‬حق اهلل‪ ،‬كحق العباد‪.‬‬

‫فأما حق اهلل‪ ،‬فقد عرفو التفتازاين‪ :‬بأنو ما يتعلق بو النفع العاـ للعادل من غَت اختصاص بأحد‪ ،‬فينسب‬
‫إذل اهلل تعاذل لعظم خطره كمشوؿ نفعو‪ ،‬أك كما قاؿ ابن القيم‪ :‬حق اهلل ما ال مدخل للصلح فيو‪،‬‬
‫كاغبدكد كالزكوات كالكفارات كغَتىا‪.‬‬

‫كأما حق العبد فهو ما يتعلق بو مصلحة خاصة لو كحرمة مالو‪ ،‬أك كما قاؿ ابن القيم‪ :‬كأما حقوؽ‬
‫العباد‪ ،‬فهي اليت تقبل الصلح كاإلسقاط كاؼبعاكضة عليها( )‪.‬‬

‫كمن المعاني االصطالحية‪ :‬استعماؿ األصوليُت كالفقهاء لكلمة (حق)؛ كىذه إشارة موجزة‬
‫ؽبذا االستعماؿ‪.‬‬

‫( ) للمزيد عن تعريف (احل ؽ) كأنواعو كأقسامو كمصدره كأركانو يراجع مصطلح (حق) يف موسوعة الفقو الكويتية‬
‫‪ ،46-7/18‬ففيو فوائد كثَتة كربريرات نافعة‪.‬‬
‫) انظر مادة ( ىح ىق ىق) يف‪:‬لساف العرب البن منظور‪ ،‬كالتعريفات للجرجاين‪ ،‬كالتوقيؼ على مهمات التعاريف للمناكم‪.‬‬ ‫(‬

‫) راجع‪ :‬أعالـ اؼبوقعُت ‪ 108/1‬كشرح اؼبنار كحواشيو ص‪ ،886‬كتيسَت التحرير ‪.181-174/2‬‬ ‫(‬
‫‪ -1‬الحق عند علماء أصوؿ الفقو‪:‬‬

‫اذبو علماء األصوؿ الذين ذكركا اغبق اذباىُت‪:‬‬

‫االتجاه األكؿ‪ :‬أف اغبق ىو اغبكم‪ ،‬كىو خطاب اهلل تعاذل اؼبتعلق بأفعاؿ اؼبكلفُت باالقتضاء‬
‫أك التخيَت أك الوضع( )‪.‬‬

‫االتجاه الثاني‪:‬أف اغبق ىو الفعل الذم تعلق بو خطاب الشارع‪ .‬فال بد من ربققو ًّ‬
‫حسا‪ ،‬أم‬
‫من كجوده يف الواقع‪ ،‬حبيث يدرؾ باغبس أك بالعقل‪ ،‬إذ اػبطاب ال يتعلق دبا ال يكوف لو كجود‬
‫أصال( )‪.‬‬

‫‪ -2‬المراد بالحق عند الفقهاء‪:‬‬

‫‪ -‬اؼبراد باغبق غالبنا عند الفقهاء‪ :‬ما يستحقو الرجل( )‪.‬‬

‫كإطالقات الفقهاء للحق كانت ـبتلفة كمتعددة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪ -1‬إطالؽ اغبق على ما يشمل اغبقوؽ اؼبالية كغَت اؼبالية‪ ،‬مثل قوؽبم‪ :‬من باع بثمن حاؿ مث أجلو صح‪،‬‬
‫ألنو حقو‪ ،‬أال ترل أنو ديلك إسقاطو‪ ،‬فيملك تأجيلو‪.‬‬

‫‪ -2‬االلتزامات اليت تًتتب على العقد ‪ -‬غَت حكمو ‪ -‬كتتصل بتنفيذ أحكامو‪.‬‬

‫مثل‪ :‬تسليم الثمن اغباؿ أكال مث تسليم اؼببيع‪ ،‬كذلك يف قوؽبم‪ :‬كمن باع سلعة بثمن سلمو أكال‪ ،‬ربقي نقا‬
‫للمساكاة بُت اؼبتعاقدين‪ ،‬ألف اؼببيع يتعُت بالتعيُت‪ ،‬كالثمن ال يتعُت إال بالقبض‪ ،‬فلهذا اشًتط تسليمو‬
‫إال أف يكوف الثمن مؤجال‪ ،‬ألنو أسقط حقو بالتأجيل‪ ،‬فال يسقط حق اآلخر( )‪.‬‬

‫( ) انظر‪:‬كشف األسرار للبزدكم ‪ ،135 ،134/4‬كتيسَت التحرير لعالء الدين البخارم ‪ ،174/2‬كالفركؽ للقرايف‪/1‬‬
‫‪.142 –140‬‬
‫( ) راجع‪ :‬قواعد ابن رجب اغبنبلي‪ ،‬ص ‪،195-188‬كهتذيب الفركؽ كالقواعد السنية يف األسرار الفقهية ‪.157/1‬‬
‫كىو للشيخ ؿبمد بن علي بن حسُت مفىت اؼبالكية دبكة اؼبكرمة‪.‬‬
‫) البحر الرائق ‪.148/6‬‬ ‫(‬

‫( )‬
‫االختيار لتعليل اؼبختار البن مودكد اؼبوصلي اغبنفي ‪.14-12/2‬‬
‫‪ -3‬األرزاؽ اليت سبنح للقضاة كالفقهاء كغَتىم من بيت ماؿ اؼبسلمُت‪ ،‬مثل قوؿ ابن قبيم‪ :‬من لو حق‬
‫تبعا‪ ،‬كال يسقط دبوت‬
‫يف ديواف اػبراج كاؼبقاتلة كالعلماء كطلبتهم كاؼبفتُت كالفقهاء يفرض ألكالدىم ن‬
‫األصل ترغيبنا( )‪.‬‬

‫‪ -4‬مرافق العقار‪ ،‬مثل‪ :‬حق الطريق‪ ،‬كحق اؼبسيل‪ ،‬كحق الشرب‪.‬‬

‫‪ -5‬اغبقوؽ اجملردة‪ ،‬كىي اؼبباحات‪ ،‬مثل‪ :‬حق التملك‪ ،‬كحق اػبيار للبائع أك للمشًتم‪ ،‬كحق الطالؽ‬
‫للزكج ( )‪.‬‬

‫كبعد أف تبُت لنا معٌت اغبق يف اللغة كاالصطالح‪ ،‬كبعض االستعماالت اػباصة بو ديكننا الدخوؿ يف‬
‫اؼبقرر الدراسي يف الفصوؿ التالية ‪.‬‬

‫( )‬
‫األشباه كالنظائر البن قبيم؛ ص ‪.121‬‬
‫) انظر‪:‬موسوعة الفقو الكويتية ‪.11-9/18‬‬ ‫(‬
‫انفصم األول‪ :‬حك اهلل ذعاىل ورسىنه‬
‫وفُه يثحثاٌ‬

‫املثحث األول‪ :‬حك اهلل ذعاىل‪.‬‬

‫املثحث انثاٍَ‪ :‬حمىق انرسىل صهً اهلل‬


‫عهُه وسهى‪.‬‬
‫املثحث األول‪ :‬حك اهلل ذعاىل‬
‫إف أعظم حق جيب على اؼبؤمن أف يعمل على ربقيقو أثناء ارتقائو ؼبنازؿ العبودية كالوصكؿ إذل‬
‫ما عند اهلل من جزاء عظيم ىو ( حق اهلل تعاذل ) ‪ .‬فيجب أف يكوف حق اهلل دائما يف قلب اؼبؤمن ‪ ،‬كال‬
‫ييقدِّـ عليو شيئان من اغبقوؽ األخرل ‪.‬‬

‫يقوؿ اإلماـ ابن القيم ‪ (( :‬فمن أنفع ما للقلب‪ :‬النظر يف حق اهلل على العبد‪ ،‬فإف ذلك‬
‫العجب كرؤية العمل ‪ ،‬كيفتح لو باب اػبضوع كالذؿ‬ ‫يورثو مقت نفسو ‪ ،‬كاإلزراء عليها ‪ ،‬كخيلصو من ي‬
‫كاالنكسار بُت يدل ربو كاليأس من نفسو ‪ ،‬كأف النجاة ال ربصل إال بعفو اهلل كمغفرتو كرضبتو )) ‪.‬‬
‫كهلل تعاذل حقوؽ ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫أكالن ‪ :‬التوحيد (( توحيده سبحانو كتعالى كالبعد عن الشرؾ )) ‪.‬‬
‫كجل ‪.‬‬
‫عز َّ‬ ‫كىذا اغبق أصل تلك اغبقوؽ كقاعدهتا اليت ال تنبغًي إالَّ هلل َّ‬
‫التوحيد في اللغة‪ :‬مشتق من كحد الشيء إذا جعلو كاحدان‪ ،‬فهو مصدر كحد يوحد‪ ،‬أم‪:‬‬
‫جعل الشيء كاحدان كاعتقاد أف الشيء كاحد متفرد ‪.‬‬
‫كفي الشرع ‪ :‬إفراد اهلل ػ ػ ػ سبحانو ػ ػ ػ بالربوبيَّة كاأللوىيَّة كاألظباء كالصفات ‪.‬‬
‫سمى التوحيد العلمي االعتقادم اػبربم ػ ػ ػ ػ‬
‫توحيد الربوبيٌة ىو جزء من توحيد اؼبعرفة كاإلثبات ػ ػ ػ كيي َّ‬ ‫ؼ‬
‫كاعبزء اآلخر منو توحيد األظباء كالصفات ‪.‬‬
‫رب كل‬
‫كحده ٌ‬ ‫كمعنى توحيد الربوبيَّة ‪ :‬إفراد اهلل تعاذل بأفعالو ‪ ،‬أم أ ٌف اهلل سبحانو كتعاذل ىو ى‬
‫صرؼ يف ق ػذا الكػكف‬
‫اؼبت ِّ‬
‫النافع اؼبع ػطي ادلػانع ػ‬
‫شيء كمليكو ‪ ،‬ىو اخل ػالق الرازؽ احمليي اؼبميت الض ػار ػ‬
‫يئتق اؼبطلقة‪ ،‬ليس معو رب آخر يشركو ‪ .‬فتوحيد الربوبيٌة متعلِّق باألمور الكونيٌة ‪.‬‬
‫دبش ػ‬
‫ػ‬

‫) إغاثة اللهفاف البن القيم ‪. 143 /1‬‬


‫) فالتوحيد من جهة بياف أنواعو لو متعلِّقاف ‪:‬‬
‫من جهة ما يتعلَّق باهلل تعاذل ػ ػ أم ما جيب هلل تعاذل ػ ػ ػ ينقسم إذل أنواع ثالثة ‪ ،‬كىي ‪ :‬توحيد الربوبيَّة ‪ ،‬ك توحيد األلوىيَّة ‪ ،‬ك‬
‫توحيد األظباء كالصفات ‪.‬‬
‫اؼبوحد ػ ػ فينقسم إذل قسمُت ‪ ،‬األكؿ ‪ :‬توحيد اؼبعرفة كاإلثبات كىو التوحيد‬ ‫يتعلق بالعبد ػ ػ أم ما جيب على ِّ‬ ‫كمن جهة ما ِّ‬
‫العلمي اػبربم ؛ لتعلُّقو باألخبار كاؼبعرفة ‪ .‬كىو يشمل اإلدياف بوجود اهلل كاإلدياف بربوبيتو كاإلدياف بأظبائو كصفاتو ‪ .‬الثاين ‪:‬‬
‫توحيد القصد كالطلب ‪ ،‬كىو التوحيد الطليب اإلرادم ؛ لتعلُّقو بالقصد كاإلرادة ‪ ،‬كىو يشمل اإلدياف بألوىية اهلل تعاذل ‪ .‬انظر ‪:‬‬
‫الرسالة التدمرية ‪ ،‬ص ‪ 3‬ػ ‪ ، 5‬ربقيق د‪ .‬ؿبمد عودة السعوم‪ ،‬اجتماع اعبيوش اإلسالميَّة‪ ،‬ص ‪ 93‬ػ ػ‪ ،94‬البن القيم ‪ ،‬ربقيق‬
‫د‪ .‬عواد اؼبعتق ‪ ،‬عقيدة التوحيد يف القرآف الكرًن ‪ ،‬ص ‪ 108‬ػ ػ ‪ ،109‬د‪ .‬ؿبمد أضبد ملكاكم ‪.‬‬
‫كالشرؾ في الربوبية ‪ :‬ىو أف جيعل لغَت اهلل تعاذل معو تدبَتان ما ‪ ،‬كصورة متعددة ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫ُت ﴾ ‪ ،‬كعندما قاؿ ؽباماف يىا ىى ىاما يف اب ًن‬ ‫ب ً‬
‫العالىم ى‬‫اإلغباد كشرؾ فرعوف عندما قاؿ ‪ :‬ىكىما ىر ُّ ى‬
‫وسى ىكإً ِّين ألىظينُّوي ىك ًاذبنا ﴾ ‪ ،‬كيدخل‬ ‫ًرل صرحا لىعلِّي أىبلي يغ األىسباب ‪ ،‬أىسباب َّ ً ً ً ً ً‬
‫الس ىم ىوات فىأىطَّل ىع إ ىذل إلىو يم ى‬ ‫ى ى‬ ‫ى ى‬ ‫ى ن ى‬
‫ً‬
‫يف ىذا الشرؾ شرؾ اؼبالحدة الطبعيُت‪ ،‬كالدىريُت القائلُت ىما ى ىي إًالَّ ىحيىاتيػنىا الدُّنيىا ىَني ي‬
‫وت ىكىكبيىا ىكىما‬
‫ً ً‬
‫َّىر ﴾‪ ،‬كشرؾ الشيوعيٌُت اؼبالحدة يف ىذا الزماف ‪.‬‬ ‫ييهل يكنىا إالَّ الد ي‬
‫ك شػػرؾ القائلُت بوحدة الوجود‪ ،‬كشرؾ الثنويٌة من اجملوس الذين يقولوف بوجود أصلُت خالقُت‬
‫للعادل ‪ ،‬كالقدريٌة األكذل الذين زعموا أف العبد ىو الذم خيلق أفعاؿ نفسو‪ ،‬ك ٌأّنا ربدث بدكف مشيئة اهلل‬
‫كقدرتو ‪ ،‬كؽبذا كانوا أشباه اجملوس ‪.‬‬

‫القسم الثاني ‪ :‬توحيد األظباء كالصفات ‪ :‬ىو جزء من توحيد اؼبعرفة كاإلثبات‪ ،‬كييقاؿ لو ‪:‬‬
‫التوحيد العلمي االعتقادم اػبربم ‪ ،‬كاعبزء اآلخر منو توحيد الربوبيٌة ‪.‬‬
‫كمعناه ‪ :‬إثبات ما أثبتو اهلل لنفسو من األظباء اغبسٌت‪ ،‬كمن الصفات العليا الكاملة يف القرآف الكرًن‪،‬‬
‫اؼبطهرة‪ ،‬من غَت ربريف‪ ،‬كال تعطيل‪ ،‬كال سبثيل‪،‬‬ ‫كما أثبتو لو رسولو صلى اهلل عليو كسلَّم منها يف السنة ٌ‬
‫كال تكييف‪ ،‬كنفي ما نفاه اهلل عن نفسو‪ ،‬كما نفاه عنو رسولو صلى اهلل عليو كسلٌم من صفات‬
‫النقصاف ‪.‬‬

‫‪ ، 110‬د‪ .‬ؿبمد أضبد‬ ‫) ؾبموع الفتاكل ‪ ، 92 / 1‬شيخ اإلسالـ ابن تيميٌة ‪ ،‬عقيدة التوحيد يف القرآف الكرًن ‪ ،‬ص‬
‫ملكاكم ‪ ،‬حقيقة التوحيد بُت أىل السنة كاؼبتكلمُت ‪ ،‬ص ‪ ، 110‬د‪ .‬عبد الرحيم بن صمايل السلمي ‪.‬‬
‫) الشعراء اآلية ‪. 23‬‬
‫) غافر اآليتاف ‪. 37 ، 36‬‬
‫الشر ‪ ،‬كمها خيتلفاف يف اعبوىر كالطبع كالصفات كالفعل‬
‫) كمها ‪" :‬يزداف" إلو النور كخيلق اػبَت ‪" ،‬كأىرمن" ‪ :‬إلو الظلمة كخيلق ٌ‬
‫‪ ،‬فجوىر النور ‪ :‬الصفاء كالنقاء كاعبماؿ ‪ ،‬كفعلو ‪ :‬اػبَت كالصالح ‪ ،‬كجوىر الظلمة ‪ :‬القبح كاللؤـ ‪ ،‬كفعلو ‪ :‬الشر كالفساد‬
‫كالفوضى ‪ .‬فإلو اػبَت عندىم أحسن من إلو الشر ‪ ،‬انظر ‪ :‬اؼبلل كالنحل ‪ 290 / 1 ،‬ػ ػ ‪ ، 294‬للشهرستاين ‪ ،‬عقيدة التوحيد‬
‫يف القرآف الكرًن ص ‪ ، 113‬د‪ .‬ؿبمد ملكاكم ‪.‬‬
‫‪ ، 22 / 4‬رقم‬ ‫األمة )) أخرجو أبو داكد ‪ ،‬كتاب السنة ‪ ،‬باب يف القدر ‪،‬‬ ‫ًً‬
‫) كما يف اغبديث‪ (( :‬القدريٌة ىؾبوس ىذه ٌ‬
‫كحسنو األلباين يف ًظالؿ اعبنة زبريج أحاديث كتاب السنة البن أيب عاصم رقم ‪ ،338‬ص ‪ ، 150‬كرقم ‪ ، 342‬ص‬ ‫‪ٌ ، 4691‬‬
‫‪. 151‬‬
‫يقوؿ ابن ألثَت معلِّقان على اغبديث ‪ (( :‬كمعٌت ذلك أنٌو ؼبشاهبتهم اجملوس يف مذىبهم ‪ ،‬كقوؽبم باألصلُت ػ ػ ػ ػ كمها النور‬
‫كالظلمة ػ ػ ػ ػ فإف اجملوس يزعموف أف اػبَت من فعل النور ‪ ،‬كالشر من فعل الظلمة ‪ ،‬فصاركا بذلك ثنويٌة ‪ ،‬ككذلك القدريٌة ؼبا‬
‫قادريٍن خالًىق ٍُت لألفعاؿ كما أثبت اجملوس‪ ،‬فأشبهوىم)) جامع األصوؿ ‪128 /10‬‬ ‫الشر إذل العبيد‪ ،‬أثبتوا ى‬
‫أضافوا اػبَت إذل اهلل‪ ،‬ك ٌ‬
‫) العقيدة التدمريٌة ‪ ،‬ص ‪ ، 7‬لشيخ اإلسالـ ابن تيميٌة ‪ ،‬ربقيق د‪ .‬السعوم ‪.‬‬
‫لح يد فيو‪ ،‬ؽاؿ تعاذل ىكلًلٌ ًو األ ٍ‬
‫ىظبىاء‬ ‫كخيالفو كي ً‬
‫ي‬ ‫كالشرؾ في األسماء كالصفات‪ :‬ىو ما ييناقضو ي‬
‫ين يػيٍل ًح يدك ىف ًيف أ ٍىظبى ئًًو ىسيي ٍجىزٍك ىف ىما ىكانيواٍ يىػ ٍع ىمليو ىف ﴾ ‪ .‬كىو صور متعددة‪،‬‬ ‫َّ ً‬ ‫ً‬
‫اغبي ٍس ىٌت فى ٍاد يعوهي هبىا ىكذى يركاٍ الذ ى‬
‫ٍ‬
‫منها ‪:‬‬
‫ت عطيل البارم عن كمالو اؼبق ٌدس يف أظبائو كصفاتو كأفعالو‪ ،‬كاعبهميٌة الغالة‪ ،‬كالباطنية ‪،‬‬
‫كإثبات صفات اػبالق سبحانو للمخلوقُت‪ ،‬كذلك بالتمثيل يف أظبائو أك صفاتو‪ ،‬كمن أمثلتو زعم‬
‫مشاركة اهلل يف علمو للغيب‪ ،‬كزعم أىل التنجيم‪ ،‬كالعرافة‪ ،‬كالكهانة‪ ،‬كزعم مشاركة اهلل يف قدرتو الكاملة‪،‬‬
‫التصرؼ للغَت يف ملكوت اهلل ‪ ،‬كخوؼ الضرر كالتماس النفع من الغَت‪.‬‬ ‫كزعم ٌ‬
‫جل كعال‪ ،‬كاليهود اؼبغضوب عليهم الذين شبهوا اهللى بصفات‬ ‫ك إثبات صفات اؼبخلوؽ للخالق َّ‬
‫األبوة ‪.‬‬
‫بالبنوة ك ٌ‬ ‫اؼبخلوقُت‪ ،‬كىكذا النصارل يف قوؽبم ٌ‬
‫اؼبسمى توحيد العبادة‪ ،‬أك التوحيد العملي الطليب ‪.‬‬ ‫القسم الثالث‪ :‬توحيد األلوىيٌة‪ :‬كىو َّ‬
‫كمعناه ‪ :‬إفراد اهلل عز كجل بالعبادة ‪.‬‬
‫أفعاؿ العباد من أعماؿ كأقواؿ أحبَّها اهلل كأمر هبا سواء كانت من قبيل‬ ‫كالعبادة تشمل كل‬
‫الفرائض كاألركاف أك من قبيل السنن كاؼبستحبات أك من قبيل اآلداب أك التعامالت مع الغَت ‪ ،‬قاؿ‬
‫تعاذل مبيِّنان مشوليَّة العبادة لكل مناحي اغبياة من شعائر تعبديَّة كأخالؽ كسلوؾ كغَتىا قي ٍل إً َّف ى‬
‫ص ىالًيت‬
‫عرؼ‬ ‫ُت ﴾ ؛ لذا َّ‬ ‫ًً‬ ‫كنيس ًكي كىٍؿبيام كفبىى ًايت لًلَّ ًو رب اٍلعالى ًمُت ىال ىش ًريك لىو كبً ىذلً ً‬
‫ك أيم ٍرت ىكأىنىا أ َّىكؿ اٍل يم ٍسلم ى‬
‫يى ى‬ ‫ىٌ ى ى‬ ‫ى ي ى ى ىى‬
‫لكل ما يحيبُّو اهللي تعاذل كيرضاه من األقواؿ كاألعماؿ الظاىرة‬ ‫بأّنا (( اسم جامع ِّ‬ ‫العلماء العبادة ‪ٌ :‬‬
‫كالباطنة )) ‪.‬‬
‫كحدهي ال‬ ‫ً‬
‫فما من قوؿ أك فعل ظاىر أك باطن فبَّا يحيبو اهلل كيرضاه إال جيب أف مكوف هلل ى‬
‫شريك لو ‪.‬‬
‫ىو اؼبستحق كحده عبميع أنواع العبادة‪ ،‬كال ييصرؼ منها شيء لغَته ‪،‬‬ ‫فاهلل ػ ػ سبحانو كتعاذل ػ ػ ػ ػ‬
‫اؼبعربة عن ىذا اؼبعٌت أدؽ تعبَت ىي كلمة الشهادة ‪ ( :‬ال إلو إالٌ اهلل ) ‪ ،‬فمعناىا أف ال معبود‬ ‫كالكلمة ٌ‬
‫حبق إالٌ اهلل ‪.‬‬

‫) سورة األعراؼ ‪ ،‬آية ‪. 180‬‬


‫لكل ظاىر باطنان ‪ ،‬كلكل تنزيل تأكيالن ‪ ،‬كىي ؾبموعة من الفرؽ يندرجوف ربت كصف‬
‫) الباطنيَّة ‪ :‬ىم الذين جعلوا ِّ‬
‫الباطنية‪ ،‬قالوا صبيعان بالتأكيل الباطٍت للنصوص ‪ .‬العقيدة التدمرية ‪ ،‬ص ‪ ،16‬ربقيق د‪ .‬ؿبمد السعوم ‪ ،‬اؼبلل كالنحل ‪/ 1 ،‬‬
‫‪ ، 229‬للشهرستاين ‪.‬‬
‫) سورة األنعاـ ‪ ،‬اآلية ‪. 162‬‬
‫) كالصالة‪ ،‬كالصوـ‪ ،‬كالزكاة‪ ،‬كاغبج‪ ،‬كقراءة القرآف‪ ،‬كاالستغفار‪ ،‬كالتسبيح‪ ،‬كالذبح‪ ،‬كالنذر‪ ،‬كالدعاء‪ ،‬كصدؽ اغبديث‪،‬‬
‫كاإلحساف إذل اآلخرين خاصة احملتاجُت منهم كاليتيم كالفقَت ‪ ،‬كبر الوالدين ‪ ،‬كصلة الرحم ‪.‬‬
‫) كاحملبة‪ ،‬كالصرب‪ ،‬كالشكر‪ ،‬كاػبوؼ‪ ،‬كالتوكل‪ ،‬كالرجاء‪ ،‬كاالستغاثة‪ ،‬كاجتناب اغبسد كالكراىيٌة كالبغض ‪.‬‬
‫اإلنٍس إًالَّ لًيػعب يد ً‬ ‫كما خلى ٍقت ًٍ‬
‫كف﴾ ‪،‬‬ ‫اعب َّن ىك ًٍ ى ى ٍ ي‬ ‫ىى ى ي‬ ‫اػبلق قاؿ تعاذل‬ ‫كبسبب توحيد العبادة خلق اهللي ى‬
‫أجلًو ؛ قاؿ سبحانو‪ :‬ىكىما أ ٍىر ىس ٍلنىا ًم ٍن‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬
‫الر يسل إذل ىخ ٍلقو‪ ،‬لييبيِّنوا ؽبم ما يخلقوا م ٍن ٍ‬ ‫كجل ُّ‬
‫كقد أرسل اهلل عز ٌ‬
‫أيضا‪ :‬ىكلى ىق ٍد بىػ ىعثٍػنىا ًيف يك ِّل أ َّيم وة‬ ‫اعب يد ً‬ ‫ً ً‬ ‫و ً ً ًً‬ ‫قىػبلً ً‬
‫كف﴾ ‪ ،‬كقاؿ ن‬ ‫ك م ٍن ىر يسوؿ إالَّ نيوحي إلىٍيو أىنَّوي الى إلىوى إالَّ أىنىا فى ٍ ي‬ ‫ٍ ى‬
‫رس نوال أ ًىف ٍاعب يدكا اللَّو ك ً‬
‫وت﴾ ‪.‬‬ ‫اجتىنبيوا الطَّا يغ ى‬ ‫ىى ٍ‬ ‫ي‬ ‫ىي‬
‫َّيب‬ ‫ً‬
‫عن يم ىعاذ بٍ ًن ىجبى ول ػ ػ ػ رضي اهلل عنو ػ ػ ػ قى ى‬
‫اؿ الن ُّ‬ ‫اؿ ‪ :‬قى ى‬ ‫ك جاء بيا يف ىذا اغبق يف احلديث الصحيح ٍ‬
‫اؿ ‪ :‬اللَّوي ىكىر يسوليوي أ ٍىعلى يم‪،‬‬ ‫ػ ػ ػ صلَّى اهلل عليو كسلَّم ػ ػ ػ ‪ « :‬يىا يم ىعاذي أىتى ٍد ًرم ىما ىح ُّق اللَّ ًو ىعلىى العًبى ًاد؟»‪ ،‬قى ى‬
‫اؿ‪« :‬أى ٍف الى‬ ‫ُّه ٍم ىعلىٍي ًو؟» قى ى‬
‫اؿ‪ :‬اللَّوي ىكىر يسوليوي أ ٍىعلى يم‪ ،‬قى ى‬ ‫ً‬
‫اؿ‪«:‬أى ٍف يىػ ٍعبي يدكهي ىكالى يي ٍش ًريكوا بو ىشٍيئنا‪ ،‬أىتى ٍد ًرم ىما ىحق ي‬
‫قى ى‬
‫يػي ىع ِّذبىػ يه ٍم» ‪.‬‬
‫كالشرؾ في توحيد األلوىيٌة‪ :‬ىو صرؼ شيء من أنواع العبادة لغَت اهلل تعاذل ‪ .‬كيكوف يف‬
‫األعماؿ كاألقواؿ كالنيات ‪ .‬فهذا الشرؾ أدؽ أنواع الشرؾ ؛ كلذلك حارب القرآف ىذا النوع من الشرؾ‬
‫كىدـ كل كسائلو ‪ ،‬فهو يصدر ًفبَّن يعتقد أف ال إلو إالٌ اهلل‪ ،‬كلكن ال خييٍلًص لو يف العبادة ‪ ،‬فللو سبحانو‬
‫من عملو حظ كنصيب ‪ ،‬كما لغَت اهلل من عملو حظ كنصيب ‪ٌ ،‬إما لنفسو أك للشيطاف أك للخلق ‪.‬‬
‫كحده ‪ ،‬كأشرؾ فيها معو غَته ‪ ،‬ال يقبل اهللي منو ‪ ،‬قاؿ اهلل عز كجل‬ ‫كمعلوـ أ ٌف من دل يخيلص العبادة هلل ى‬
‫ًً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يف اغبديث القدسي ‪ (( :‬أنىا أى ٍغ ىٌت الشىُّركاء ىع ًن الش ٍِّرؾ ‪ ،‬ىم ٍن ىعم ىل ىع ىمالن أى ٍشىرىؾ فيو ىمعي ىغ ًٍَتم ‪ ،‬تىػىرٍكتيوي‬
‫ئ ‪ ،‬كىو لًلَّ ًذم أى ٍشىرىؾ )) ‪.‬‬ ‫ىك ًش ٍرىكوي )) ‪ ،‬كيف ركاية ‪ (( :‬فأىنا ًمٍنوي بىًر ه‬

‫) اعبواب الكايف ص ‪ 167‬لإلماـ ابن القيٌم ‪ ،‬شرح الطحاكيٌة ‪ 42 ، 24 / 1 ،‬ػ ػ ػ ‪ ، 43‬ربقيق الًتكي كاألرناؤكط ‪.‬‬
‫) سورة الذاريات ‪ ،‬آية ‪. 56‬‬
‫) األنبياء‪. 25:‬‬
‫) النحل‪. 36:‬‬
‫أخرجوي البخارم يف كتاب التوحيد ‪ ،‬باب ( ‪ )1‬ما جاء يف دعاء النيب أمتو إذل توحيد اهلل ‪ ،‬ح ( ‪، 378 /4 ، )7373‬‬
‫) ى‬
‫كمسلم يف كتاب اإلدياف‪ ،‬باب (‪ )10‬الدليل على أف من مات على التوحيد دخل اعبنة‪ ،‬ح‪. 58 /1 ، )30( 48‬‬
‫) تيسَت العزيز اغبميد ص ‪ ،587 ،44 ،42‬عقيدة التوحيد يف القرآف الكرًن‪ ،‬ص ‪ ،117‬للدكتور ؿبمد ملكاكم ‪.‬‬
‫مسلم يف الصحيح ‪ ،‬كتاب الزىد كالرقائق ‪ ،‬باب (‪ )5‬من أشرؾ يف ً‬
‫عمل ًو غَت اهلل ‪ ،‬ح ‪. 2985‬‬ ‫) أخرجو اإلماـ ً‬
‫ى‬
‫أخرجوي اإلماـ ابن ماجو ‪ ،‬كتاب الزىد ‪ ،‬باب (‪ )21‬باب الرياء كالسمعة ح ‪. 4202‬‬
‫) ى‬
‫ثانيان ‪ :‬العلم باهلل تعالى من خالؿ ما لو من صفات الكماؿ كنعوت الجالؿ ‪.‬‬
‫فاهلل سبحانو كتعاذل لو األظباء اغبسٌت اؼبتضمنة لصفاتو العليا ‪ ،‬ليس كمثلو شيء كىو السميع‬
‫البصَت‪.‬‬
‫فإف ىذه اؼبعرفة‬ ‫يتعرؼ العبد ما هلل من صفات الكماؿ كنعوت اعبالؿ ‪َّ ،‬‬ ‫كأصل العلم باهلل أف َّ‬
‫ب يف مصاحل العباد كالرأفة‬ ‫تكجب خشية اهلل كؿببتو كالقرب منو كاألنس بو كالشوؽ إليو ‪ ،‬ك َّأّنا ي‬
‫تص ٌ‬
‫كالرضبة هبم كاإلحساف إليهم ‪ .‬كمنها ‪:‬‬
‫أ ) ؿببة اهلل ػبلقو ‪:‬‬
‫خلق كل شيء من أجلو‪ ،‬حىت ال يكوف ؿبتاجان إال إذل اهلل‬ ‫كمن دالئل ؿببة اهلل لإلنساف أنَّو‬
‫كمهد لو األرض لكي ديشي عليها ‪ ،‬خلق لو الطعاـ الذم يأكلو‪ ،‬كاؼباء‬ ‫خلق لو السماء سق نفا‪َّ ،‬‬ ‫تعاذل ‪ ،‬ؼ‬
‫الذم يشربو‪ ،‬كاؽبواء الذم يستنشقو‪ ،‬كاغبيواف الذم يستخدمو أك يؤنسو ‪.‬‬
‫َّوابً ى‬
‫ُت‬ ‫ب التػ َّ‬‫‪ ،‬قولو تعاذل إً َّف اللَّوى يًحي ُّ‬ ‫ب اهلل للعبد منها‬ ‫كاألدلة الشرعيَّة كثَتة يف بياف يح ِّ‬
‫ب اهلل لعباده َّأّنم مهما كثيرت ذنوهبم يمث تابوا فاهلل تعاذل يقبل توبتهم ‪،‬‬ ‫ين﴾ ‪ .‬فى ًمن يح ِّ‬ ‫ب اٍل يمتىطى ِّه ًر ى‬‫ىكيًحي ُّ‬
‫ؼىع ٍن أًىيب‬ ‫ككذا إذا تكررت منهم اػبطيئة ‪ ،‬خيطئوف كيتوبوف يقبلهم اهلل ‪ ،‬يمث خيطئوف كيتوبوف يقبلهم اهلل ‪ ،‬ى‬
‫اؿ اللَّ يه َّم‬ ‫يما ىٍحي ًكي ىع ٍن ىربًِّو ىعَّز ىك ىج َّل قى ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ب ىعٍب هد ىذنٍػبنا فىػ ىق ى‬ ‫اؿ ‪ (( :‬أى ٍذنى ى‬ ‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍيو ىك ىسلَّ ىم ف ى‬ ‫َّيب ى‬‫يىىريٍػىرىة ىع ٍن النً ِّ‬
‫الذنٍب ىكيىأٍ يخ يذ بً َّ‬
‫الذنٍ ً‬ ‫ً َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ا ٍغ ًف ٍر ًرل ىذنًٍيب فىػ ىق ى‬
‫ب يمثَّ ىع ىاد‬ ‫ب ىعٍبدم ىذنٍػبنا فىػ ىعل ىم أ َّىف لىوي ىربًّا يىػ ٍغف ير ى‬ ‫اذل أى ٍذنى ى‬ ‫اؿ تىػبى ىارىؾ ىكتىػ ىع ى‬
‫ً َّ‬ ‫ً‬ ‫اؿ تىػبارىؾ كتىػع ى ً‬
‫ب ا ٍغف ٍر ًرل ىذنًٍيب فىػ ىق ى ى ى ى ى‬
‫اؿ أىم ر ِّ ً‬
‫ب‬‫ب ىذنٍػبنا فىػ ىعل ىم أ َّىف لىوي ىربًّا يىػ ٍغف ير الذنٍ ى‬ ‫اذل ىعٍبدم أى ٍذنى ى‬ ‫ب فىػ ىق ى ٍ ى‬ ‫فىأى ٍذنى ى‬
‫ب ىعٍب ًدم ىذنٍػبنا فىػ ىعلً ىم‬ ‫اذل أى ٍذنى ى‬ ‫ب ا ٍغ ًف ٍر ًرل ىذنًٍيب فىػ ىق ى‬
‫اؿ تىػبى ىارىؾ ىكتىػ ىع ى‬ ‫ىم ىر ِّ‬
‫اؿ أ ٍ‬ ‫ب فىػ ىق ى‬ ‫ً َّ ً‬
‫ىكيىأٍ يخ يذ بالذنٍب يمثَّ ىع ىاد فىأى ٍذنى ى‬
‫ً‬ ‫الذنٍ ً‬ ‫الذنٍب ىكيىأٍ يخ يذ بً َّ‬ ‫ً َّ‬
‫ك )) ‪.‬‬ ‫ت لى ى‬ ‫ت فىػ ىق ٍد ىغ ىف ٍر ي‬‫ب ٍاع ىم ٍل ىما شٍئ ى‬ ‫أ َّىف لىوي ىربًّا يىػ ٍغف ير ى‬
‫أنو لو تكرر الذنب مائةى مرة أك ألف مرة أك أكثر‪ ،‬كتاب يف كل‬ ‫قاؿ اإلماـ النوكم ‪... (( :‬‬
‫صحت توبتيو )) ‪.‬‬ ‫بعد صبيعًها َّ‬ ‫مرة‪ ،‬قيبلت توبتيو‪ ،‬كسقطت ذنوبو‪ ،‬كلو تاب عن اعبميع توبةن كاحدة ى‬

‫) منها ستة عشر آية يف القرآف الكرًن ‪ ،‬يف سورة البقرة آيتاف ‪ ،‬آية ‪ ، 195‬كآية ‪ ، 222‬كيف سورة آؿ عمراف طبس آيات ‪،‬‬
‫آية رقم ‪ ، 76‬كرقم ‪ ، 134‬كرقم ‪ ، 146‬كرقم ‪ ، 148‬كرقم ‪ ، 159‬كيف سورة اؼبائدة ثالث آيات ‪ ،‬آية رقم ‪ ، 13‬كآية رقم‬
‫‪ ، 42‬كآية رقم ‪ ، 93‬كيف سورة التوبة ثالث آيات ‪ ،‬آية رقم ‪ ، 4‬كآية رقم ‪ ، 7‬كآية رقم ‪ ، 108‬كيف سورة اغبجرات آية كاحدة‬
‫رقم ‪ ، 9‬كيف سورة اؼبمتحنة آية كاحدة رقم ‪ ، 8‬كيف سورة الصف آية كاحدة رقم ‪. 4‬‬
‫انظر ‪ :‬اؼبعجم اؼبفهرس أللفاظ القرآف الكرًن – ؿبمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بَتكت‪.‬‬
‫) سورة البقرة ‪ ،‬اآلية ‪. 222‬‬
‫‪/4 ،)2758‬‬ ‫أخرجو مسلًم يف كتاب التوبة ‪ ،‬باب ( ‪ )5‬قبوؿ التوبة من الذنوب كإف تكررت الذنوب كالتوبة‪ ،‬ح (‬ ‫) ى‬
‫‪.2112‬‬
‫) شرح النوكم لصحيح مسلم ‪ ، 63 / 17 ،‬اجمللد ‪. 9‬‬
‫بل ًمن ؿببَّتًو يسبحانو لعباده أنَّو ال يغفر ذنوب ىمن تاب منهم فقط بل ييبدِّؽبا ؽبم حسنات ‪ ،‬قاؿ‬
‫و‬ ‫ًً‬ ‫تعاذل إًَّال من تىاب كآمن كع ًمل عم نال ً ً‬
‫ِّؿ اللَّوي ىسيِّئىاهت ٍم ىح ىسنىات ىكىكا ىف اللَّوي ىغ يف ن‬
‫ورا‬ ‫ك يػيبىد ي‬‫صاغبنا فىأ ٍيكلىئ ى‬ ‫ى ٍ ى ى ى ى ى ى ى ىى ى‬
‫حسنات ؽبم يوـ القيامة )) ‪.‬‬ ‫و‬ ‫يما ﴾ ‪ .‬قاؿ سعيد بن اؼبسيب ‪ (( :‬تصَت سيئا يهتم‬ ‫ً‬
‫ىرح ن‬
‫كجا ًم ىن‬ ‫ؼ آخىر أ ٍىى ًل النَّا ًر يخ ير ن‬
‫وؿ اللَّ ًو صلَّى اللَّو علىي ًو كسلَّم ‪ (( :‬إً ِّين ىأل ٍىع ًر ي ً‬
‫ي ىٍ ىى ى‬ ‫ى‬ ‫اؿ ىر يس ي‬‫اؿ ‪ :‬قى ى‬ ‫ك ىع ٍن أًىيب ىذ ٍّر ‪ ،‬قى ى‬
‫اؿ ‪:‬‬ ‫وؿ ىكبُّوا كًبى ىار ذينيوبًًو ىك ىسليوهي ىع ٍن ًصغىا ًرىىا ‪ ،‬قى ى‬ ‫اعبىنَّةى ‪ ،‬يػي ٍؤتىى بًىر يج ول فىػيىػ يق ي‬‫اعبىن ًَّة يد يخ نوال ٍ‬
‫آخىر أ ٍىى ًل ٍ‬ ‫النَّا ًر ‪ ،‬ك ً‬
‫ى‬
‫ب ‪ ،‬لى ىق ٍد‬ ‫وؿ ‪ :‬يىا ىر ِّ‬ ‫اؿ ‪ :‬فىػيىػ يق ي‬‫ت ىك ىذا يىػ ٍوىـ ىك ىذا ىكىك ىذا ‪ ،‬قى ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ت ىك ىذا يىػ ٍوىـ ىك ىذا ىكىك ىذا ‪ ،‬ىك ىعم ٍل ى‬ ‫اؿ لىوي ‪ :‬ىعم ٍل ى‬ ‫فىػييػ ىق ي‬
‫اؿ ‪:‬‬ ‫ت نىػ ىو ًاج يذهي ‪ ،‬قى ى‬ ‫ً‬
‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍيو ىك ىسلَّ ىم ىح َّىت بى ىد ٍ‬
‫اؿ ‪ :‬فىض ًحك رس ي ً‬
‫وؿ اللَّو ى‬ ‫ى ى ىي‬ ‫ت أى ٍشيىاءى ىدلٍ أ ىىرىىا يىنىا ‪ ،‬قى ى‬ ‫ً‬
‫ىعم ٍل ي‬
‫ك ىم ىكا ىف يك ِّل ىسيِّئى وة ىح ىسنىةن )) ‪ ،‬كما أنَّو سبحانو كغببِّو لعباده التائبُت يرزقهم السعادة‬ ‫اؿ لىوي ‪ :‬فىًإ َّف لى ى‬‫فىػييػ ىق ي‬
‫كاألنس كالطمأنينة هبذه التوبة كالرجوع إليو ‪.‬‬
‫كجل ػ ػ ػ ال حيبس أنعامو كأفضالو عنىم ألجل ذنوهبم‪ ،‬كلكن يرزؽ‬ ‫كمن ؿببتو يسبحانو لعباده أنَّو ػ ػ ػ عز َّ‬ ‫ً‬
‫العاصي كما يرزؽ اؼبطيع‪ ،‬كيبقيو كىو منهمك يف معاصيو‪ ،‬كما يبقي الرب التقي‪ ،‬كقد يقيو اآلفات‬
‫كالباليا كىو غافل ال يذكره‪ ،‬فضالن عن أف يدعوه‪ ،‬كما يقيها الناسك الذم يسألو‪ ،‬كردبا شغلتو العبادة‬
‫عن اؼبسألة ‪.‬‬
‫ىكًمن ؿببتو يسبحانو لعباده َّأّنم إذا فعلوا معصية يكتب ؽبم سيئة كاحدة ‪ ،‬كإف فعلوا الطاعة ييضاعف‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫حسناهتا ؽبم أضعافان كثَتة ‪ ،‬ؼعن اب ًن عبَّ و ً‬
‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍيو ىك ىسلَّ ىم ‪ ،‬ف ى‬
‫يما‬ ‫اس ىرض ىي اللَّوي ىعٍنػ يه ىما ىع ٍن النً ِّ‬
‫َّيب ى‬ ‫ىٍ ٍ ى‬
‫ك فى ىم ٍن ىى َّم ًحبى ىسنى وة فىػلى ٍم‬ ‫ات يمثَّ بػ َّ ً‬ ‫السيِّئ ً‬ ‫اؿ ‪ ( :‬إً َّف اللَّو ىكتب ٍ ً‬ ‫يىػ ٍرًكم ىع ٍن ىربًِّو ىعَّز ىك ىج َّل قى ى‬
‫ُت ىذل ى‬ ‫ىى‬ ‫اغبى ىسنىات ىك َّ ى‬ ‫ى ىى‬
‫ات إً ىذل‬ ‫يػعم ٍلها ىكتبػها اللَّو لىو ًعٍن ىده حسنىةن ىك ًاملىةن فىًإ ٍف ىو ى َّم ًهبا فىػع ًملىها ىكتبػها اللَّو لىو ًعٍن ىده ع ٍشر حسنى و‬
‫ي ى ى ى ى ى ىى ى ي ي ي ى ى ى ى‬ ‫ى ٍ ى ى ىى ى ي ي ي ى ى‬
‫اؼ ىكثً ىَتةو ىكىم ٍن ىى َّم بً ىسيِّئى وة فىػلى ٍم يىػ ٍع ىم ٍل ىها ىكتىبىػ ىها اللَّوي لىوي ًعٍن ىدهي ىح ىسنىةن ىك ًاملىةن فىًإ ٍف يى ىو‬‫ىضع و‬ ‫ً ً ً و‬
‫ىسٍب ًع مائىة ض ٍعف إً ىذل أ ٍ ى‬
‫اح ىد نة ) ‪.‬‬ ‫ى َّم ًهبا فىػع ًملىها ىكتبػها اللَّو لىو سيِّئةن ك ً‬
‫ى ى ى ى ىى ى ي ي ى ى ى‬
‫فعلى العباد أف ييقابلوا ىذه احملبة العظيمة من اهلل ؽبم دبحبة عظيمة تكوف ركيزهتا على إخالص‬
‫التوحيد هلل تعاذل ‪ ،‬كىناؾ أسباب جالبة حملبة اهلل تعاذل ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪ ) 1‬قراءة القرآف بالتدبُّر كالتفهم ؼبعانية ‪.‬‬

‫) سورة الفرقاف ‪ ،‬اآلية ‪. 70‬‬


‫) تفسَت الطربم ( جامع البياف ) ‪. 519 / 17 ،‬‬
‫) أخرجو أضبد يف اؼبسند ‪ ،‬مسند العشرة اؼببشرين باعبنة ‪ ،‬مسند األنصار ‪ ،‬حديث أيب ذر ‪ ،‬ح ( ‪ ، ) 21492‬كانظر ‪:‬‬
‫صحيح مسلًم كتاب اإلدياف ‪ ،‬باب ( ‪ ) 83‬آخر أىل النار خركجان ‪ ،‬ح ‪. 173 / 1 ، 186‬‬
‫) انظر ‪ :‬اؼبنهاج يف شعب اإلدياف ‪ 200 / 1 ،‬ػ ػ ‪ 201‬أليب عبد اهلل اغبسُت اغبليمي ‪.‬‬
‫الرقاؽ ‪ ،‬باب ( ‪ )31‬ىمن ىم حبسنة أك سيئة ح (‪ ، )6491‬كمسلم يف كتاب اإلدياف ‪ ،‬باب‬
‫) أخرجو البخارم يف كتاب ِّ‬
‫ىم بسيئة دل تكتب‪ ،‬ح (‪. 117 / 1 ، )131‬‬
‫ىم العبد حبسنة كتبت كإذا ٌ‬
‫(‪ )59‬إذا ٌ‬
‫التقرب إذل اهلل بالنوافل بعد الفرائض ‪.‬‬
‫‪ُّ ) 2‬‬
‫‪ ) 3‬دكاـ ذكر اهلل تعاذل على كل حاؿ باللساف كالقلب ‪.‬‬
‫َّأمل يف نًىع ًم اهلل الظاىرة كالباطنة كمشاىدة بًِّره كإحسانو كإنعامو إذل عباده ‪.‬‬
‫‪ ) 4‬الت ُّ‬
‫َّأمل يف أظباء اهلل كصفاتو كما تدؿ عليا ًمن الكماؿ كاعبالؿ ‪ ،‬كما ؽبا ًمن اآلثار اغبميدة ‪.‬‬ ‫‪ ) 5‬الت ُّ‬

‫ب ) حلمو عن عباده كصبره عليهم ‪:‬‬


‫فسبحانو ذك أناة كصفح ال يعجل على عباده العصاة بعقوبتهم على ذنوهبم مهما تعاظمت ذنوهبم‬
‫فيؤخرىم اؼبرة تلو اؼبرة ‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫استمركا يف قبيح فعاؽبم ‪ ،‬مع قدرتو التَّامة عليهم ‪،‬‬ ‫أصركا على عصياّنم ك ٌ‬ ‫أك ٌ‬
‫فعندما يفعل العبد اؼبعصية ال ييعاقب عليو مباشرنة لعلَّو أف يتوب ‪ ،‬ففي ىذا اإلمهاؿ أمل للعصاة أف‬
‫َّاس بًظيٍل ًم ًهم َّما تىػىرىؾ ىعلىٍيػ ىها‬ ‫ً‬
‫يرجعوا عن معاصيهم إذل الطريق اؼبستقيم ‪ ،‬قاؿ سبحانو ىكلى ٍو يػي ىؤاخ يذ اللٌوي الن ى‬
‫اعةن ىكالى يى ٍستىػ ٍق ًد يمو ىف ﴾ ‪،‬‬ ‫ً‬
‫ىجلي يه ٍم الى يى ٍستىأٍخ يرك ىف ىس ى‬ ‫ً‬
‫ىج ول ُّم ىس ًّمى فىإ ىذا ىجاء أ ى‬
‫و ً‬ ‫ً‬
‫من ىدآبَّة ىكلىكن يػي ىؤ ِّخ يريى ٍم ىإذل أ ى‬
‫اب بىل َّؽبيم َّم ٍو ًع هد لَّن ىًجي يدكا ًمن‬ ‫ً ً‬ ‫كقاؿ كربُّك الٍغى يفور ذيك َّ ً‬
‫الر ٍضبىة لى ٍو يػي ىؤاخ يذ يىم دبىا ىك ىسبيوا لى ىع َّج ىل ىؽبي يم الٍ ىع ىذ ى‬ ‫ي‬ ‫ىى ى‬
‫يدكنًًو ىم ٍوئًالن ﴾ ‪ ،‬بل أنَّو سبحانو دي ٌدىم بالنِّعم كيرزقهم باألرزاؽ على الرغم ًمن ذنوهبم ‪ ،‬كحىت مع‬
‫اؼبشركُت الذين يرتكبوف أكرب جردية يف حق اهلل تعاذل ‪ ،‬كىي َّأّنم جعلوا مع اهلل شريكان يف توحيده كعبادة‬
‫جل ثناؤه ال دينع عنهم‬ ‫عجل ؽبم العقوبة ‪ ،‬بل ٌ‬ ‫كصرؼ شيء ًمن خصائصو إذل غَته ‪ ،‬فتجده تعاذل ال يي ِّ‬
‫تبجحهم كشركهم ‪ ،‬ففي الصحيحُت أف‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬
‫شيئان من نعم الدنيا من رزؽ كعافية كزكاج كمسكن كرفاىيَّة مع ٌ‬

‫) قاؿ اإلماـ اػبطايب ‪ (( :‬معٌت الصبور يف صفة اهلل سبحانو قريب من معٌت اغبليم ؛ إال أف الفرؽ بُت األمرين َّأّنم ال‬
‫يأمنوف العقوبة يف صفة الصبور كما يسلموف منها يف صفة اغبليم ‪ ،‬كاهلل أعلم بالصواب )) ‪ .‬انظر ‪ :‬شأف الدعاء ‪ ،‬ص ‪. 98‬‬
‫أف الصرب شبرة اغبلم كموجبو ‪ ،‬فعلى قدر حلم العبد يكوف صربه ‪،‬‬ ‫كيقوؿ اإلماـ ابن القيم ‪ (( :‬كالفرؽ بُت الصرب كاغبلم ‪َّ :‬‬
‫صربه سبحانو فمتعلِّق بكفر العباد‬ ‫ً‬
‫فاغبلم يف صفات الرب تعاذل أكسع من الصرب ‪ ...‬ككونو حليمان من لوازـ ذاتو سبحانو ‪ ،‬ك َّأما ي‬
‫كشركهم كمسبتهم لو سبحانو كأنواع معاصيهم كفجورىم فال يزعجو ذلك كلو إذل تعجيل العقوبة بل يصرب على عبده كديهلو‬
‫كيستصلحو كيرفق بو كحيلم عنو)) ‪ .‬انظر ‪ :‬عدة الصابرين كذخَتة الشاكرين ‪ ،‬ص ‪. 276‬‬
‫) فالصفح ال ييع ٌد حلمان حىت يكوف فبٌن يوصف بالقدرة ‪ ،‬فإف اؼبخلوؽ حيلم عن جهل كيعفو عن عجز كالرب تعاذل حيلم‬
‫مع كماؿ علمو كيعفو مع سباـ قدرتو ‪ ،‬فاهلل تعاذل على كل شيء قدير‪ .‬انظر‪ :‬شأف الدعاء‪ ،‬ص ‪ ،63‬كعدة الصابرين‪ ،‬ص ‪276‬‬
‫‪.‬‬
‫) النمل‪61 :‬‬
‫) الكهف‪58 :‬‬
‫ظبعوي من اهلل عز كجل ‪ ،‬يى ٍد يعوف لو‬ ‫رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم قاؿ‪ « :‬ما أح هد أصربي على أذی ى‬
‫كلدان كىو ييعافيهم كيى يرزقهم » ‪.‬‬
‫آثار اإلدياف حبلم اهلل تعاذل كصربه على عباده ‪:‬‬
‫أكالن ‪ :‬بياف مدل النعمة اليت أنعم اهلل هبا على عباده العصاة‪ ،‬حيث دل يعاجلهم بالعقوبة رغم‬
‫استحقاقهم ؽبا ‪ .‬يقوؿ اإلماـ ابن القيم ‪:‬‬
‫قوبة لًيتيوب من ًعص ً‬
‫ياف‬ ‫و‬ ‫كىو اغبليم فال ي ً‬
‫ٍ‬ ‫عبدهي يبع ى ى‬ ‫عاج يل ى‬ ‫ي ي‬
‫ثانيان ‪ :‬ظهور كماؿ اهلل سبحانو كتعاذل‪ ،‬ألف إمهالو لعباده مقرك هف بكماؿ قدرتو ككماؿ علمو ككماؿ‬
‫السماك ً‬ ‫وً‬ ‫ً ً ً‬
‫ات‬ ‫غناه عن خلقو‪ ،‬كدل يكن عن ضعف كعجز ‪ ،‬قاؿ تعاذل ىكىما ىكا ىف اللَّوي لييػ ٍعجىزهي م ٍن ىش ٍيء يف َّ ى ى‬
‫جهل بأعماؿ عباده‪ :‬ىكاللَّوي يىػ ٍعلى يم ىما ًيف قيػليوبً يك ٍم‬ ‫يما قى ًد نيرا ﴾ ‪ ،‬كدل يكن عن و‬ ‫ً‬
‫ض إنَّوي ىكا ىف ىعل ن‬
‫كىال ًيف ٍاأل ٍىر ً ً‬
‫ى‬
‫و‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يما ﴾ ‪ ،‬كليس عن حاجة لعباده مقتضية إلرجاء اؼبؤاخذة بالذنب‪ :‬ىكاللٌوي ىغ ً ٌّ‬
‫ٍت‬ ‫يما ىحل ن‬ ‫ىكىكا ىف اللَّوي ىعل ن‬
‫يم ﴾ ‪.‬‬ ‫ً‬
‫ىحل ه‬
‫ً‬
‫ثالثان ‪ :‬ظهور حلمو كصربه سبحانو كتعاذل على عباده‪ ،‬كيف اغبديث القدسي ىع ٍن أًىيب يىىريٍػىرىة ىرض ىي اللَّوي‬
‫ً‬ ‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم قى ى‬
‫ك ىك ىشتى ىم ًٍت ىكىدلٍ‬ ‫اؿ اللَّوي ‪ (( :‬ىك َّذبىًٍت ابٍ ين ى‬
‫آد ىـ ىكىدلٍ يى يك ٍن لىوي ىذل ى‬ ‫اؿ ‪ :‬قى ى‬ ‫َّيب ى‬ ‫ىعٍنوي ىع ٍن النً ِّ‬
‫اػبىٍل ًق بًأ ٍىى ىو ىف ىعلى َّي ًم ٍن إً ىع ىادتًًو ىكأ َّىما‬
‫س أ َّىك يؿ ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬
‫ام فىػ ىق ٍوليوي لى ٍن ييع ىيدين ىك ىما بى ىدأىين ىكلىٍي ى‬ ‫ك فىأ َّىما تىكٍذيبيوي إيَّ ى‬ ‫يى يك ٍن لىوي ىذل ى‬
‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫ىح هد ))‬‫الص ىم يد ىدلٍ أىل ٍد ىكىدلٍ أيكلى ٍد ىكىدلٍ يى يك ٍن ًرل يك ٍفئنا أ ى‬
‫ىح يد َّ‬ ‫ام فىػ ىق ٍوليوي ازبى ىذ اللَّوي ىكلى ندا ىكأىنىا ٍاأل ى‬‫ىشٍت يموي إيَّ ى‬
‫يقوؿ اإلماـ ابن القيٌم ‪ (( :‬كىو سبحانو مع ىذا الشتم لو كالتكذيب يرزؽ الشامت اؼبكذب كيعافيو‪،‬‬
‫كيدفع عنو كيدعوه إذل جنتو‪ ،‬كيقبل توبتو إذا تاب إليو‪ ،‬كيب ٌدلو بسيئاتو حسنات‪ ،‬كيلطف بو يف صبيع‬
‫كيؤىلو إلرساؿ رسلو كيأمرىم بأف يلينوا لو القوؿ كيرفقوا بو )) ‪.‬‬ ‫أحوالو‪ٌ ،‬‬
‫ؼسبحانو دل يعاملهم دبا استوجبوه بعصياّنم من تعجيل اعبزاء‪ ،‬لكنو يؤخره ؼبقتضى حلمو كحكمتو ‪،‬‬
‫اب بى ٍل ىؽبي ٍم ىم ٍو ًع هد لى ٍن ىًجي يدكا‬ ‫ً ً‬ ‫قاؿ تعاذل كربُّك الٍغى يفور ذيك َّ ً‬
‫الر ٍضبىة لى ٍو يػي ىؤاخ يذ يى ٍم دبىا ىك ىسبيوا لى ىع َّج ىل ىؽبي يم الٍ ىع ىذ ى‬ ‫ي‬ ‫ىى ى‬
‫ًم ٍن يدكنًًو ىم ٍوئًنال ﴾ ‪.‬‬

‫أخىر ىجو البخارم يف التوحيد‪ ،‬باب ( ‪ )3‬قولو تعاذل (( َّ‬


‫إف اهلل ىو الرزاؽ ذك القوة اؼبتُت))‪ ،‬ح ( ‪،379 /4 ، )7378‬‬ ‫) ٍ‬
‫كمسلم يف كتاب صفات اؼبنافقُت كأحكامهم ‪ ،‬باب (‪ )9‬ال أحد أصرب على أذل من اهلل عز كجل‪ ،‬ح ( ‪2160/4 ،)2804‬‬
‫‪.‬‬
‫) القصيدة النونية البن القيِّم ‪. 81 / 2 ،‬‬
‫) سورة فاطر ‪ ،‬اآلية ‪. 44‬‬
‫) سورة األحزاب ‪ ،‬اآلية ‪. 51‬‬
‫) سورة البقرة ‪ ،‬اآلية ‪. 263‬‬
‫قل ىو اهلل أحد ﴾ ‪ ،‬ح ( ‪. 334 / 3 ، ) 4974‬‬ ‫) أخرجو البخارم يف التفسَت ‪ ،‬باب (‪ )112‬سورة‬
‫) شفاء العليل يف مسائل القضاء كالقدر ‪. 238 / 1 ،‬‬
‫ج ) رحمتو سبحانو بعباده ‪:‬‬
‫عم هبا اؼبؤمنُت كالكافرين كاحملسنُت كاؼبسيئُت‪ ،‬ككل موجود يف ىذه‬ ‫فهو سبحانو ذك الرضبة الشاملة ‪ٌ ،‬‬
‫ت يك َّل ىش ٍي وء ﴾ فاآلية عظيمة الشموؿ كالعموـ ‪ ،‬يقوؿ اإلماـ‬ ‫ً‬
‫اغبياة الدنيا ‪ ،‬قاؿ تعاذل ىكىر ٍضبىًيت ىكس ىع ٍ‬
‫ابن القيم رضبو اهلل تعاذل يف كصفو لشموؿ رضبة اهلل تعاذل‪(( :‬كأىنٍت لىو تىأ َّىم ٍلت الٍعا ىدل بًع ً ً ً‬
‫ُت الٍبىص ىَتة لىىرأىيٍػتىوي‬ ‫ى ى ى ىٍ‬ ‫ى ى ٍ‬
‫اعبىِّو ًهبىىوائًًو )) ‪ .‬كيقوؿ أيضان ‪ (( :‬ىكبًىر ٍضبىتً ًو أىطٍلى ىع‬ ‫اح ىدةً ىك ٍامتً ىال ًء الٍبى ٍح ًر ًدبىائًًو ىك ٍ‬ ‫الر ٍضب ًة الٍو ً‬ ‫ً ً ًً‬
‫فبيٍتىلئنا هبىذه َّ ى ى‬
‫ىحيى ًاء‬ ‫ً ً‬
‫اشا ىكقىػىر نارا ىكك ىفاتنا ل ٍأل ٍ‬
‫ً‬
‫ض‪ ،‬ىك ىج ىعلى ىها ًم ىه نادا ىكفىر ن‬ ‫َّه ىار‪ ،‬ىكبى ىس ىط ٍاأل ٍىر ى‬ ‫س ىكالٍ ىق ىمىر‪ ،‬ىك ىج ىع ىل اللٍَّي ىل ىكالنػ ى‬ ‫َّم ى‬
‫الش ٍ‬
‫ات ىكالٍ ىم ٍر ىعى‪ ،‬ىكًم ٍن ىر ٍضبىتً ًو ىس َّخىر لىنىا‬ ‫ً‬
‫اب ىكأ ٍىمطىىر الٍ ىمطىىر‪ ،‬ىكأىطٍلى ىع الٍ ىف ىواكوى ىك ٍاألىقٍػ ىو ى‬ ‫الس ىح ى‬ ‫ات‪ ،‬ىكبًىر ٍضبىتً ًو أىنٍ ىشأى َّ‬ ‫ك ٍاألىمو ً‬
‫ى ٍى‬
‫الر ٍضبةى بػُت ًعب ًادهً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اإلبًل ك ٍاألىنٍػعاـ كذىلَّلىها مٍنػ ىق ىادةن ل ُّلريك ً‬
‫ض ىع َّ ى ى ٍ ى ى‬ ‫َّر‪ ،‬ىكبًىر ٍضبىتو ىك ى‬ ‫اغبى ٍم ًل ىك ٍاألى ٍك ًل ىكالد ِّ‬
‫وب ىك ٍ‬ ‫اػبىٍي ىل ىك ًٍ ى ى ى ى ى ى ي‬ ‫ٍ‬
‫اغبىيىػ ىو ًاف أينٍػثىى ًم ٍن‬‫لذ ىك ًر ًم ىن ٍ‬ ‫اغبىيىػو ًاف … كًم ٍن ر ٍضبىتً ًو أى ٍف ىخلى ىق لً َّ‬ ‫ك بىػ ٍ ى ًً‬ ‫ً‬ ‫لًيتػر ى ً‬
‫ى ى‬ ‫ُت ىسائر أىنٍػ ىو ًاع ٍ ى‬ ‫اضبيوا هبىا‪ ،‬ىكىك ىذل ى‬ ‫ىى ى‬
‫الزٍك ىج ٍ ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًجٍنسو‪ ،‬ىكأىٍل ىقى بىػٍيػنىػ يه ىما اٍل ىم ىحبَّةى ىك َّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ُت‪،‬‬ ‫اس ًل‪ ،‬ىكانٍت ىفاعي َّ‬ ‫اص يل الَّذم بو ىد ىك ياـ التػَّنى ي‬ ‫َّو ي‬ ‫الر ٍضبىةى‪ ،‬ليىػ ىق ىع بىػٍيػنىػ يه ىما التػ ى‬
‫ض لًتتً َّم مص ً‬ ‫ًً‬ ‫اح ود ًمٍنػهما بً ً ً ً‬ ‫كدييىتَّع يك ُّل ك ً‬
‫اغبي يه ٍم‪ ،‬ىكلى ٍو أى ٍغ ىٌت‬ ‫ض يه ٍم إً ىذل بىػ ٍع و ى ى ى‬ ‫اػبىٍل ىق بىػ ٍع ى‬
‫ىح ىو ىج ٍ‬ ‫صاحبًو‪ ،‬ىكم ٍن ىر ٍضبىتو أ ٍ‬ ‫يى ى‬ ‫ى ي ى‬
‫ً‬ ‫ًً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫صاغبي يه ٍم ىك ٍاكبى َّل نظى يام ىها‪ ،‬ىكىكا ىف م ٍن سبىى ًاـ ىر ٍضبىتو هب ٍم أى ٍف ىج ىع ىل في ًه يم اٍلغىً َّ‬
‫ٍت‬ ‫ت ىم ى‬ ‫ض لىتىػ ىعطَّلى ٍ‬‫ض يه ٍم ىع ٍن بىػ ٍع و‬ ‫بىػ ٍع ى‬
‫يع بًىر ٍضبىتً ًو‬ ‫اعب ًميع إًلىي ًو‪ ،‬يمثَّ ع َّم ٍ ً‬ ‫ً‬ ‫اجز كاٍل ىق ًادر‪ ،‬ك َّ ً‬ ‫ً‬ ‫ً َّ ً‬ ‫ً‬
‫اعبىم ى‬ ‫ى‬ ‫الراع ىي ىكاٍل ىم ٍرع َّي‪ ،‬يمثَّ أىٍفػ ىقىر ٍى ى ٍ‬ ‫يل‪ ،‬ىكاٍل ىع ى ى ى ى‬ ‫ىكاٍل ىفق ىَت‪ ،‬ىكاٍل ىعز ىيز ىكالذل ى‬
‫الر ٍضبىةى ﴾ ‪.‬‬ ‫ب ىربُّ يك ٍم ىعلىى نىػ ٍف ًس ًو َّ‬ ‫)) ‪ ،‬قاؿ تعاذل ىكتى ى‬
‫كرضبة اهلل لعباده نوعاف ‪:‬‬
‫األكذل ‪ :‬رضبة عامة ‪ :‬تشمل جميع اؼبخلوقات ‪ ،‬حىت الكفار بإجيادىم ‪ ،‬كتربيتهم ‪ ،‬كرزقهم ‪،‬‬
‫كإمدادىم بالنعم كالعطايا ‪ ،‬كتصحيح أبداّنم ‪ ،‬كتسخَت اؼبخلوقات من نبات كحيواف كصباد يف طعامهم‬
‫كشراهبم ‪ ،‬كمساكنهم ‪ ،‬كلباسهم ‪ ،‬كنومهم ‪ ،‬كحركاهتم ‪ ،‬كسكناهتم ‪ ،‬كغَت ذلك من النعم اليت ال‬
‫ت يك َّل ىش ٍي وء ىر ٍضبىةن ىك ًع ٍل نما ﴾ ‪ .‬كقرف اهلل عز كجل ىذه الرضبة‬ ‫ً‬
‫ربصى كال تيعد ‪ ،‬قاؿ تعاذل ىربَّػنىا ىكس ٍع ى‬
‫أف علم اهلل بالغ لكل شيء فكذلك رضبتو بلغت ما بلغ علم اهلل ‪.‬‬ ‫بالعلم ‪ ،‬كدبا َّ‬
‫لكن رضبتو للكافر رضبة جسدية بدنية دنيوية ـبتصة بالدنيا ‪.‬‬

‫) سورة الكهف ‪ ،‬اآلية ‪. 58‬‬


‫) سورة األعراؼ ‪ ،‬اآلية ‪. 156‬‬
‫) ـبتصر الصواعق اؼبرسلة ‪ ، 371 / 1 ،‬لإلماـ ابن القيم ‪.‬‬
‫) اؼبرجع السابق ‪ 368 / 1 ،‬ػ ػ ‪ ، 369‬لإلماـ ابن القيم ‪.‬‬
‫) سورة األنعاـ ‪ ،‬اآلية ‪. 54‬‬
‫) سورة غافر ‪ ،‬اآلية ‪. 7‬‬
‫الثانية ‪ :‬رضبة خاصة ‪ :‬كىذه الرضبة ال تكوف إال للمؤمنُت فَتضبهم اهلل عز كجل يف الدنيا بتوفيقهم إذل‬
‫اؽبداية كالصراط اؼبستقيم ‪ ،‬كيثيبهم عليو ‪ ،‬كيدافع عنهم كينصرىم ‪ ،‬كيرزقهم اغبياة الطيبة ‪ ،‬كيبارؾ ؽبم‬
‫فيما أعطاىم ‪ ،‬كديدىم بالصرب كاليقُت عند اؼبصائب ‪ ،‬كيغفر ؽبم ذنوهبم كيكفرىا باؼبصائب ‪ ،‬كيرضبهم‬
‫يف اآلخرة بالعفو عن سيئاهتم كالرضا عنهم كاإلنعاـ عليهم بدخوؽبم اعبنة كقباهتم من عذابو عز كجل‬
‫يما ﴾ ‪.‬‬ ‫كنقمتو ‪ ،‬كىذه الرضبة ىي اليت جاء ذكرىا يف قولو تعاذل كىكا ىف بًاٍلم ٍؤًمنً ً‬
‫ُت ىرح ن‬ ‫ي ى‬ ‫ى‬
‫كمن األدلة ػ ػ ػ أيضان ػ ػ ػ الدالة على سعة رضبة اهلل تعاذل كمشوؽبا عبميع ـبلوقاتو ‪:‬‬ ‫ً‬
‫ما جاء عن أيب ىريرة ‪ ،‬عن النيب صلى اهلل عليو كسلم قاؿ ‪ " :‬إً َّف لًلَّ ًو ًمائىةى ىر ٍضبىوة ‪ ،‬أىنٍػىزىؿ ًمٍنػ ىها ىر ٍضبىةن‬
‫ً ً‬ ‫س ‪ ،‬كالٍبػهائً ًم ‪ ،‬كا ٍؽبو ِّاـ ‪ ،‬فىبًها يػتػعاطىيفو ىف ً‬ ‫اح ىد نة بػُت ًٍ‬ ‫ً‬
‫وش‬
‫ف الٍ يو يح ي‬ ‫اضبيو ىف ‪ ،‬كهبىا تىػ ٍعط ي‬ ‫كهبىا يىػتىػىر ى‬ ‫ى ىى ى‬ ‫ى ىى‬ ‫اعب ِّن ‪ ،‬ىكا ًإلنٍ ً ى ى ى‬ ‫ىك ى ٍ ى‬
‫ُت ىر ٍضبىةن يىػ ٍر ىح يم ًهبىا ًعبى ىادهي يىػ ٍوىـ الٍ ًقيى ىام ًة " ‪.‬‬ ‫ً ً‬ ‫الدىا ‪ ،‬كأ َّ ً‬
‫ىخىر ت ٍس ىعةن ىكت ٍسع ى‬
‫ً‬
‫ىعلىى أ ٍىك ى ى‬
‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم بً ىس ٍويب فىًإ ىذا ٍامىرأىةه ًم ٍن َّ‬ ‫ً ً‬ ‫اب أىنَّو قى ى ً‬
‫الس ًٍيب‬ ‫اؿ‪ :‬قىد ىـ ىعلىى ىر يسوؿ اللَّو ى‬ ‫اػبىطَّ ً ي‬ ‫كع ٍف يع ىمىر بٍ ًن ٍ‬ ‫ى‬
‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو‬ ‫اؿ لىنىا رس ي ً‬
‫وؿ اللَّو ى‬ ‫ض ىعٍتوي فىػ ىق ى ى ي‬
‫ً‬
‫ص ىقٍتوي بًبىطٍن ىها ىكأ ٍىر ى‬
‫ىخ ىذتٍوي فىأىلٍ ى‬ ‫صبًيًّا ًيف َّ‬
‫الس ًٍيب أ ى‬ ‫ت ى‬
‫ً‬
‫تىػٍبتىغي إً ىذا ىك ىج ىد ٍ‬
‫ً ً ً‬ ‫ًً‬
‫ىك ىسلَّ ىم ‪ (( :‬أىتىػىرٍك ىف ىىذه الٍ ىم ٍرأىىة طىا ًر ىحةن ىكلى ىد ىىا ًيف النَّا ًر؟ )) قيػ ٍلنىا‪ :‬ىال ىكاللَّو ىكى ىي تىػ ٍقد ير ىعلىى أى ٍف ىال تىطٍىر ىحوي‬
‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم ‪ (( :‬لىلَّوي أ ٍىر ىح يم بًعًبى ًادهً ًم ٍن ىى ًذهً بًىولى ًد ىىا )) ‪.‬‬ ‫اؿ رس ي ً‬
‫وؿ اللَّو ى‬ ‫فىػ ىق ى ى ي‬
‫كمن رضبة اهلل تعاذل خبلقو ػ ػ ػ كىو اؼبلك اعببار ‪ ،‬القاىر فوؽ عباده ‪ ،‬القادر على كل شيء ػ ػ ػ أف جعل‬
‫اؿ ‪ (( :‬لى َّما‬ ‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم قى ى‬ ‫ؼن أًىيب ىريػرىة ر ًضي اللَّو عٍنو أ َّىف رس ى ً‬
‫وؿ اللَّو ى‬ ‫رضبتو هبم تسبق غضبو ىع ٍ ي ىٍ ى ى ى ي ى ي ى ي‬
‫ًً‬ ‫اػب ٍلق ىكت ً‬
‫ضًيب )) ‪.‬‬ ‫ت ىغ ى‬ ‫ب عٍن ىدهي فىػ ٍو ىؽ ىع ٍرشو إً َّف ىر ٍضبىًيت ىسبىػ ىق ٍ‬ ‫ضى اللوي ٍى ى ى ى‬
‫قى ى َّ‬
‫يم * ىكأ َّىف ىع ىذ ًايب يى ىو الٍ ىع ىذ ي‬
‫اب‬ ‫ىين أىنىا الٍغى يفور َّ ً‬
‫الرح ي‬ ‫ي‬ ‫التأمل كالتفكر يف قولو تعاذل نىػ ِِّّب ٍء ًعبى ًادم أ ِّ‬ ‫كقليل من ٌ‬
‫ً‬
‫أف اهلل تبارؾ كتعاذل قدَّـ اؼبغفرة كالرضبة على العذاب األليم ‪ ،‬كىذه رضبة خبلقو عظيمة ‪،‬‬ ‫يم ﴾ ‪ ،‬قبد َّ‬ ‫ً‬
‫األىل ي‬
‫نفسو بالغفور الرحيم‪ ،‬كعندما ذكر ػ ػ سبحانو ػ ػ األدل كالشدَّة نسبو إذل عذابو فقاؿ ىكأ َّىف‬ ‫فقد كصف ى‬
‫ً‬
‫يم﴾ ‪.‬‬‫اب األىل ي‬‫ىع ىذ ًايب يى ىو الٍ ىع ىذ ي‬

‫) سورة األحزاب ‪ ،‬اآلية ‪. 43‬‬


‫انظر ‪ :‬شرح العقيدة الواسطيَّة ‪ ، 38 / 1 ،‬للشيخ ابن عثيمُت ‪ ،‬كإعانة اؼبستفيد بشرح كتاب التوحيد ‪ ،‬ص ‪ ، 18‬للشيخ صاحل‬
‫الفوزاف ‪ ،‬كمباحث العقيدة يف سورة الزمر ‪ ،‬ص ‪ ، 711 ، 125‬د‪ .‬ناصر على الشيخ ‪.‬‬
‫) أحرجو البخارم يف كتاب األدب ‪ ،‬باب ( ‪ )19‬جعل اهلل الرضبة يف مائة جزء ‪ ،‬ح ( ‪ ، 91 / 4 ، ) 6000‬كمسلم يف‬
‫كتاب التوبة ‪ ،‬باب (‪ )4‬يف سعة رضبة اهلل تعاذل كأّنا سبقت غضبو ‪ ،‬ح ( ‪ 2108 / 4 ، ) 2752‬كاللفظ لو ‪.‬‬
‫) أحرجو البخارم يف كتاب األدب ‪ ،‬باب ( ‪ )18‬رضبة الولد كتقبيلو كمعانقتو ‪ ،‬ح ( ‪ ، 91 / 4 ، ) 5999‬كمسلم يف‬
‫كتاب التوبة ‪ ،‬باب (‪ )4‬يف سعة رضبة اهلل تعاذل كأّنا سبقت غضبو ‪ ،‬ح ( ‪. 2109 / 4 ، ) 2754‬‬
‫أخىر ىجو البخارم يف كتاب التوحيد ‪ ،‬باب ( ‪ )22‬ككاف عرشو على اؼباء ح ( ‪ ، ، ) 7422‬كمسلم يف كتاب التوبة ‪ ،‬باب‬
‫) ٍ‬
‫(‪ )4‬يف سعة رضبة اهلل تعاذل كأّنا سبقت غضبو ‪ ،‬ح ( ‪. 2107 / 4 ، ) 2751‬‬
‫) سورة اغبجر ‪ ،‬اآليتاف ‪. 50 ، 49‬‬
‫كمن رضبة اهلل بعباده إرساؿ الرسل كإنزاؿ الكتب كالشرائع لتستقيم حياهتم على سنن الرشاد بعيدا عن‬
‫ً ً‬
‫ُت ﴾ ‪.‬‬ ‫الضنك كالعسر كالضيق ‪ ،‬قاؿ تعاذل ىكىما أ ٍىر ىس ٍلنىاؾ إًَّال ىر ٍضبىة ل ٍل ىعالىم ى‬
‫وؿ اللَّ ًو‬
‫اؿ ىر يس ي‬ ‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم قالت ‪ :‬قى ى‬ ‫َّيب ى‬
‫ً‬
‫فع ٍن ىعائ ىشةى ىزٍك ًج النً ِّ‬ ‫كبرضبة اهلل مدخل اؼبؤمنكف اعبنة ى‬
‫وؿ‬
‫ت يىا ىر يس ى‬ ‫ىح ندا ىع ىمليوي قىاليوا ىكىال أىنٍ ى‬ ‫ِّدكا ىكقىا ًربيوا ىكأىبٍ ًش يركا فىًإنَّوي لى ٍن يي ٍد ًخ ىل ٍ‬
‫اعبىنَّةى أ ى‬
‫ً‬
‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍيو ىك ىسلَّ ىم ‪ (( :‬ىسد ي‬ ‫ى‬
‫ً‬
‫ب اٍل ىع ىم ًل إً ىذل اللَّو أ ٍىد ىكيموي ىكإً ٍف قى َّل )) ‪.‬‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اؿ ىكىال أىنىا إَّال أى ٍف يىػتىػغى َّم ىدًينى اللَّوي مٍنوي بىر ٍضبىة ىك ٍاعلى يموا أ َّىف أ ى‬
‫ىح َّ‬ ‫اللَّو قى ى‬
‫فما أعظم رضبة اهلل يغمرنا هبا أحياء كأمواتا على األرض كربت األرض كيوـ العرض مذنبُت كنا أك‬
‫ىسىرفيوا ىعلىى‬ ‫تائبُت ‪ ،‬فيجد بنا أف نستغفره كنثوب إليو عن طواعية ‪ ،‬قاؿ تعاذل قيل يا ًعب ًاد َّ ً‬
‫ين أ ٍ‬ ‫م الذ ى‬ ‫ٍى ى ى‬
‫صبيعان إًنَّو ىو الٍغى يفور َّ ً‬ ‫الذنيوب ىً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يم ﴾ ‪.‬‬ ‫الرح ي‬ ‫ي‬ ‫ي يى‬ ‫أىنٍػ يفس ًه ٍم ىال تىػ ٍقنىطيوا م ٍن ىر ٍضبىة اللَّو إً َّف اللَّوى يىػ ٍغف ير ُّ ى‬
‫صلهى االههم َأعلَأ ْبي ِله َأو َأسله َأم َأيقُو ُا َأ َأا ه‬
‫َّللاُ‬ ‫ت َأرسُو َأا ه‬
‫َّللاِل َأ‬ ‫وعن َأ َأ ْبن َأ اِل ٍك َأ َأا ‪َ (( :‬أس ِل عْب ُ‬
‫ت اَأ َأ َأعلَأى َأ َأك َأن فِلي َأ َأو َأَل‬ ‫َأت َأ َأر َأ َأو َأت َأع اَأى َأي ا َأْبن آدَأ َأم إِل ه َأ َأ دَأ َأع ْبو َأت ِلي َأو َأر َأج ْبو َأت ِلي َأغ َأفرْب ُ‬
‫ت اَأ َأ َأو َأَل ُ َأ اِلي َأي‬ ‫ت ُذ ُو ُ َأ َأع َأ َأن اا هس َأ ِلء ُث هم اسْب َأت ْبغ َأفرْب َأت ِلي َأغ َأفرْب ُ‬ ‫ُ َأ اِلي َأي ا َأْبن آدَأ َأم اَأ ْبو َأ لَأ َأغ ْب‬
‫ض َأخ َأط َأي ُث هم اَأقِلي َأت ِلي َأَل ُت ْبش ِلر ُ ِلي َأش ْبي ًئ َأْلَأ َأت ْبي ُت َأ‬ ‫ب ْباْلَأرْب ِل‬‫ا َأْبن آدَأ َأم إِل ه َأ اَأ ْبو َأ َأت ْبي َأت ِلي ِلقُ َأرا ِل‬
‫ِلقُ َأرا ِل َأه َأ ْبغف َأِلرة )) ‪.‬‬

‫اؿ‪ (( :‬لى ٍو يىػ ٍعلى يم الٍ يم ٍؤًم ين ىما ًعٍن ىد اللَّ ًو ًم ىن الٍ يع يقوبىًة‬ ‫وؿ اللَّ ًو صلى اهلل عليو كسلم قى ى‬ ‫ك ىع ٍن أىً يىىريٍػىرىة أ َّىف ىر يس ى‬
‫الر ٍضبىًة ما قىنً ىط ًم ٍن ىجنَّتً ًو أح هد )) ‪.‬‬ ‫ىما طى ًم ىع جبنَّتً ًو أح هد ‪ ،‬كلو يىػ ٍعلى يم الكافًير ىما ًع ىند اهللً ًم ىن َّ‬
‫كمن ذلك ‪:‬‬ ‫فعلى اؼبسلم أف يتخلَّق هبذه الصفة العظيمة ‪ ،‬كيبذؿ السبب لتحصيل رضبة اهلل تعاذل ‪ً ،‬‬
‫ىكىال تىػ ٍقتيػليوا‬ ‫‪ ) 1‬أف يكوف رحيمان بنفسو بإلزامها بطاعة اهلل تعاذل ‪ ،‬كالبعد عن اؼبعاصي ‪ ،‬قاؿ تعاذل‬
‫ً ً‬ ‫ً‬
‫يما ﴾ ‪.‬‬ ‫أىنٍػ يف ىس يك ٍم إ َّف اللَّوى ىكا ىف ب يك ٍم ىرح ن‬
‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو‬ ‫ً‬ ‫ؼىع ٍن ىعٍب ًد اللَّ ًو بٍ ًن ىع ٍم ًرك بٍ ًن الٍ ىع ً‬
‫اص ‪ ،‬يىػٍبػلي يغ بًو النً َّ‬
‫َّيب ى‬ ‫‪ ) 2‬أف يكوف رحيمان خبلق اهلل تعاذل ‪ ،‬ى‬
‫الس ىم ًاء )) ‪.‬‬ ‫اؿ ‪ً (( :‬‬
‫ض يىػ ٍرضبىٍ يك ٍم ىم ٍن ًيف َّ‬‫الر ٍضبى ين‪ٍ ،‬ار ىضبيوا ىم ٍن ًيف ٍاأل ٍىر ً‬
‫الراضبيو ىف يىػ ٍر ىضبي يه يم َّ‬
‫َّ‬ ‫ىك ىسلَّ ىم قى ى‬

‫) سورة األنبياء ‪ ،‬اآلية ‪. 107‬‬


‫الرقاؽ ‪ ،‬باب ( ‪ )18‬القصد كاؼبداكمة يف العمل ح ( ‪ ، ) 6467‬كمسلم يف كتاب صفات اؼبنافقُت‬ ‫أخىر ىجو البخارم يف ِّ‬
‫) ٍ‬
‫كأحكامهم ‪ ،‬باب (‪ )17‬لن يدخل أحد اعبنة بعملو بل برضبة اهلل تعاذل ‪ ،‬ح ( ‪ ، ) 2818‬كاللفظ لو ‪.‬‬
‫) سورة الزمر ‪ ،‬اآلية ‪. 53‬‬
‫) أخرجو الًتمذم يف كتاب الدعوات ‪ ،‬باب ( ‪ )99‬يف فضل التوبة كاالستغفار ‪ ،‬ح (‪. 512 / 5 ، ) 3540‬‬
‫) مسلم يف كتاب التوبة‪ ،‬باب (‪ )4‬يف سعة رضبة اهلل تعاذل كأّنا سبقت غضبو ‪ ،‬ح ( ‪. 2109 / 4 ، ) 2755‬‬
‫) سورة النساء ‪ ،‬اآلية ‪. 29‬‬
‫) أخرجو الًتمذم يف كتاب الرب كالصلة ‪ ،‬باب ( ‪ )16‬ما جاء يف رضبة اؼبسلمُت‪ ،‬ح ( ‪ ، 285 / 4 ، )1924‬كأضبد يف‬
‫مسند عبد اهلل بن عمرك بن العاص ‪ ،‬ح( ‪. ) 6494‬‬
‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو‬ ‫الر ٍضب ًن بن عوؼ قاؿ ‪ :‬ىًظبعت رس ى ً‬ ‫ً‬
‫وؿ اللَّو ى‬ ‫ٍ ي ىي‬ ‫‪ ) 3‬أف يكوف مهتمان بصلة رضبو ‪ ،‬فعن ىعٍبد َّ ى‬
‫اظبي فى ىم ٍن‬ ‫الرًحم ك ىش ىق ٍقت ىؽبا ًمن ًٍ‬ ‫اذل ‪ " :‬أىنىا اللَّوي ىكأىنىا َّ‬ ‫اؿ اللَّوي تىػبى ىارىؾ ىكتىػ ىع ى‬ ‫ىك ىسلَّ ىم يىػ يق ي‬
‫ت َّ ى ى ي ى ٍ‬ ‫الر ٍضبى ين ىخلى ٍق ي‬ ‫وؿ ‪ :‬قى ى‬
‫ص ٍلتيوي ىكىم ٍن قىطى ىع ىها بىػتىتُّوي " ‪ ،‬كعن أيب ىريرة رضي اهلل عنو قاؿ‪ :‬ظبعت رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو‬ ‫صلى ىها ىك ى‬ ‫ىك ى‬
‫ك قىطى ٍعتيوي » ‪،‬‬ ‫ك كص ٍلتيو كمن قىطىع ً‬
‫صلى ى ى ي ى ى ٍ ى‬
‫اؿ اللَّو ‪ :‬من ك ً‬
‫الر ٍضبى ًن ‪،‬فىػ ىق ى ي ى ٍ ى ى‬ ‫الرًح ىم ىش ٍجنىةه ًم ىن َّ‬ ‫إف َّ‬‫كسلم يقوؿ‪َّ « :‬‬
‫ئ اٍل يقرآ يف فىاستى ًمعواٍ لىو كأ ً‬ ‫ً‬ ‫نصتان يم ٍستى ًمعان إذا قيرئ القرآف ‪ ،‬قاؿ تعاذل‬ ‫‪ ) 4‬أف يكوف م ً‬
‫ىنصتيواٍ‬ ‫ٍ ي يى‬ ‫ىكإ ىذا قي ًر ى ٍ‬ ‫ي‬
‫لى ىعلَّ يك ٍم تيػ ٍر ىضبيو ىف ﴾ ‪.‬‬
‫‪ ) 5‬أف يتكلم بكالـ يستفيد منو يف الدنيا كاآلخرة أك يسكت فيسلم ‪ ،‬قاؿ اغبسن البصرم ‪ :‬ذيكًىر لىنىا‬
‫ت فى ىسلً ىم " ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اؿ ‪ " :‬ىرح ىم اللَّوي ىعٍب ندا تى ىكلَّ ىم فىػغىن ىم ‪ ،‬أ ٍىك ىس ىك ى‬ ‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم ‪ ،‬قى ى‬ ‫أ َّىف نىً ً‬
‫يب اللَّو ى‬ ‫َّ‬
‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم‬ ‫اؿ رس ي ً‬
‫وؿ اللَّو ى‬ ‫اؿ ‪ :‬قى ى ى ي‬ ‫‪ 6‬ػ) أف ييصلِّي أربع ركعات قبل صالة العصر ‪ ،‬ىع ٍن ابٍ ًن يع ىمىر قى ى‬
‫ص ًر أ ٍىربىػ نعا " ‪.‬‬ ‫ً‬
‫صلَّى قىػٍب ىل اٍل ىع ٍ‬ ‫‪ " :‬ىرح ىم اللَّوي ٍامىرأن ى‬
‫وؿ‬‫اؿ ىر يس ي‬ ‫اؿ ‪ :‬قى ى‬ ‫ؼىع ٍن أًىيب يىىريٍػىرىة ىر ًض ىي اللَّوي ىعٍنوي ‪ ،‬قى ى‬ ‫تيسر لو من الليل ‪ ،‬كيوقظ زكجتو ‪ ،‬ى‬ ‫‪ 7‬ػ) أف ييصلِّي ما َّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ض ىح ًيف‬ ‫ت نى ى‬‫صلَّى ىكأىيٍػ ىق ىظ ٍامىرأىتىوي ‪ ،‬فىًإ ٍف أىبى ٍ‬
‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍيو ىك ىسلَّ ىم ‪ " :‬ىرح ىم اللَّوي ىر يجال قى ىاـ م ىن اللٍَّي ًل فى ى‬ ‫اللَّو ى‬
‫ت ًيف ىك ٍج ًه ًو‬ ‫ض ىح ٍ‬‫ت ىزٍك ىج ىها ‪ ،‬فىًإ ٍف أىى نى ى‬ ‫ت ىكأىيٍػ ىقظى ٍ‬‫صلَّ ٍ‬
‫كج ًهها الٍماء ‪ ،‬رًحم اللَّو امرأىنة قىام ً‬
‫ت م ىن اللٍَّي ًل ىك ى‬ ‫ى ٍ ى ى ى ى ى ي ٍى ى ٍ‬
‫الٍ ىماءى " ‪.‬‬

‫ثالثان ‪ً :‬من حق اهلل تعالى اإليماف بحفظ اهلل للقرآف ككجوب تعظيمو كالعمل بو ‪.‬‬

‫) الًتمذم ‪ ،‬كتاب الرب كالصلة ‪ ،‬باب ( ‪ )9‬ما جاء يف قطيعة الرحم ‪ ،‬ح ( ‪ ، 278 / 4 ، ) 1907‬كأضبد يف مسند عبد‬
‫اص ًة ًم ٍن الٍىب ِّ‬
‫ت ىكيى ىو الٍ ىقطٍ يع ‪.‬‬ ‫ارضبن بن عوؼ ‪ ،‬ح( ‪ . ) 686‬بىػىتتُّوي أم قىطى ٍعتو ًم ٍن ىر ٍضبىًيت ٍ‬
‫اػبى َّ‬
‫أخىر ىجو البخارم يف ‪ ،‬باب ( ) من كصل كصلو اهلل ‪ ،‬ح ( ‪ ، ) 5642‬كالًتمذم يف كتاب الرب كالصلة ‪ ،‬باب ( ‪ )16‬ما‬ ‫) ٍ‬
‫جاء يف رضبة اؼبسلمُت ‪ ،‬ح ( ‪ ، 285 / 4 ، )1924‬كأضبد يف مسند عبد اهلل بن عمرك بن العاص ‪ ،‬ح( ‪. ) 6494‬‬
‫الرًحم‬ ‫ىم يى ٍد يخل بىػ ٍعضو ًيف بىػ ٍعض ‪ .‬ىكالٍ ىم ٍع ىٌت أ َّ‬
‫ىف َّ‬ ‫كأىصل الشِّجنة عركؽ الشَّجر الٍم ٍشتبً ىكة ‪ ،‬كًمٍنو قىػوؽبم ‪ً ٍ " :‬‬
‫اغبىديث ذيك يش يجوف " أ ٍ‬ ‫ى ي ٍ ٍ‬ ‫ى ي ى‬ ‫ٍ ى يي‬ ‫ٍ‬
‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أثر من آثار الرضبة مشتبكة هبا ‪; ،‬فىالٍ ىقاطع ىؽبىا يمٍنػ ىقطع م ٍن ىر ٍضبىة اللو ‪ .‬انظر ‪ :‬ربفة األحوذم شرح جامع الًتمذم ‪. 44 / 6 ،‬‬
‫) سورة األعراؼ ‪ ،‬اآلية ‪. 204‬‬
‫) أخرجو البيهقي يف شعب اإلدياف ‪ ،‬ح ( ‪ ، ) 4585‬كىناد يف الزىد ح ( ‪. ) 1106‬‬
‫) أخرجو أبو داكد يف كتاب الصالة ‪ ،‬باب ( ‪ )297‬الصالة قبل العصر ح ( ‪ ، 53 / 2 ، )1271‬كالًتمذم يف كتاب‬
‫أبواب الصالة ‪ ،‬باب ( ‪ )318‬ما جاء يف األربع قبل العصر‪ ،‬ح ( ‪ ،296 /2 ،)430‬كأضبد يف مسند عبد اهلل بن عمر‪،‬‬
‫ح(‪. )5980‬‬
‫) أخرجو أضبد يف مسند أيب ىريرة‪ ،‬ح( ‪ ،)7410‬كأبوداكد يف كتاب الصالة ‪ ،‬باب ( ‪ )307‬قياـ الليل‪ ،‬ح ( ‪/2 ،)1308‬‬
‫‪73‬‬
‫القرآف الكرًن كالـ اهلل اٍل يمنىػَّزؿ علي النيب ؿبمد صلى اهلل عليو كسلم بواسطة أمينو جربيل عليو السالـ ‪،‬‬
‫باللساف العريب ‪ ،‬اٍل يم ٍع ًجز ‪ ،‬كاٍل يم ىتعبَّد بتالكتو ‪ ،‬اؼبنقوؿ إلينا بالتواتر ‪ ،‬اؼبكتوب يف اؼبصاحف من أكؿ‬
‫سورة الفاربة إرل آخر الناس ‪ ،‬من اهلل تعاذل بدأ كإليو يعود ‪.‬‬
‫(( بعض الوقفات مع التعريف )) ‪:‬‬
‫( كالـ اهلل ) إضافتو إذل اهلل خيرج كالـ اإلنس ك اعبن كاؼبالئكة ‪.‬‬
‫( اؼبنزؿ على النيب ؿبمد ) خيرج كالـ اهلل الذم أنزلو على غَته من األنبياء كاؼبرسلُت ‪ ،‬كخيرج ػ ػ ػ ػ أيضان ػ ػ ػ‬
‫ات ىرِّيب لىنى ًف ىد الٍبى ٍح ير‬ ‫الكالـ الذم استأثر بو سبحانو كتعاذل ‪ ،‬ؽاؿ تعاذل قيل لىو ىكا ىف الٍبحر ًم ىدادا لً ىكلًم ً‬
‫ى ٍي ن ى‬ ‫ٍ ٍ‬
‫ض من ىش ىجىرةو أىٍق ىال هـ‬ ‫ً‬ ‫ات ىرِّيب ىكلى ٍو ًجٍئػنىا دبًًثٍلً ًو ىم ىد ندا ﴾ ‪ ،‬كقاؿ تعاذل ىكلى ٍو أىََّنىا ًيف ٍاأل ٍىر ً‬ ‫ً‬
‫قىػٍب ىل أى ٍف تىػٍنػ ىف ىد ىكل ىم ي‬
‫ً‬ ‫ت ىكلًم ي ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً ًً‬
‫يم ﴾ ‪.‬‬ ‫ات اللَّو إ َّف اللَّوى ىع ًز هيز ىحك ه‬ ‫ىكالٍبى ٍح ير ديىيدُّهي من بىػ ٍعده ىسٍبػ ىعةي أ ٍىحبي ور َّما نىف ىد ٍ ى‬
‫( اؼبتعبد بتالكتو ) يخيرج األحاديث القدسية‪ ،‬كيقصد بالتعبد أمرين‪:‬‬
‫أ‪ -‬أنو اؼبقركء يف الصالة كال تصح الصالة إال بو فعن عبادة بن الصامت قاؿ ‪ :‬قاؿ عليو الصالة‬
‫اب )) ‪.‬‬ ‫كالسالـ يف اغبديث اؼبتفق عليو (( ال صال ىة لًمن ىدلٍ يػ ٍقرأٍ بًىف ًاربى ًة الٍ ًكتى ً‬
‫ى ىٍ ىى‬
‫ب‪ -‬إف الثواب على تالكتو ال يعادلو ثواب ‪ ،‬فعن ابن مسعود قاؿ ‪ :‬قاؿ عليو الصالة كالسالـ (( ىم ٍن‬
‫وؿ ادل حر ه ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اب اللَّ ًو فىػلىوي بًًو ىح ىسنىةه ىك ٍ‬
‫قىػرأى حرفنا ًمن كًتى ً‬
‫ؼ ىكىال هـ‬ ‫ف ىح ٍر ه‬ ‫ؼ ىكلىك ٍن أىل ه‬ ‫اغبى ىسنىةي ب ىع ٍش ًر أ ٍىمثىاؽبىا ىال أىقي ي ى ٍ‬ ‫ى ىٍ ٍ‬
‫ؼ )) ‪.‬‬ ‫يم ىح ٍر ه‬ ‫حر ه ً‬
‫ؼ ىكم ه‬ ‫ىٍ‬
‫( اؼبنقوؿ بالتواتر ) ‪ :‬التواتر يف اللغة ‪ :‬التتابع ‪.‬‬
‫كاصطالحان ‪ :‬إخبار قوـ دفعة أك متفرقا بأمر ال يتصور عادة تواطؤىم كتوافقهم عليو بالكذب ‪.‬‬
‫الذ ٍكىر ىكإًنَّا لىوي‬
‫كقد حصل ىذا التواتر يف نقل القراف الذم تكفل اهلل حبفظو قاؿ تعاذل إًنَّا ىٍكبن نىػَّزلٍنىا ِّ‬
‫ي‬
‫ىغبىافًظيو ىف ﴾ ‪.‬‬
‫أف اهلل تكلَّم بو على اغبقيقة حبرؼ كصوت ‪ ،‬كفيو رد على الٍمخالفُت كاؼبعتزلة‬ ‫( من اهلل بدأ ) ‪ :‬أم َّ‬
‫القائلُت بأنَّو ـبلوؽ يؿبدث ‪ ،‬كاألشاعرة القائلُت بالكالـ النفسي ‪.‬‬

‫) سورة الكهف ‪ ،‬اآلية ‪. 109‬‬


‫) سورة لقماف ‪ ،‬اآلية ‪. 27‬‬
‫) البخارم يف كتاب الصالة ‪ ،‬باب ( ‪ )95‬كجوب القراءة لإلماـ كاؼبأموـ ‪ ..‬ح ‪ ، 247 / 1 ، 756‬كمسلم يف كتاب‬
‫الصالة ‪ ،‬باب (‪ )11‬ح ‪. 295 / 1 ، 394‬‬
‫) أخرجو البخارل ىف التاريخ الكبَت (‪ ، )216/1‬كالًتمذل ‪ ،175/5‬رقم ‪ ، 2910‬كقاؿ ‪ :‬حسن صحيح غريب ‪ ،‬كالبيهقى‬
‫ىف شعب اإلدياف ‪ ، 342/2‬رقم ‪ ،1983‬كصححو األلباين يف زبريج الطحاكية ‪ ،‬رقم ‪ ،139‬ك اؼبشكاة ‪ ،‬رقم ‪. 2137‬‬
‫) سورة اغبجر ‪ ،‬اآلية ‪. 9‬‬
‫أف القرآف ييرفع من الصدكر كاؼبصاحف فال يبقى منو آية ال يف الصدكر كال يف‬ ‫( إليو يعود ) ‪ :‬أم َّ‬
‫اؼبصحف كذلك من أشراط الساعة كما جاء ذلك يف عدة آثار منها ما عند ابن ماجة كغَته عن حذيفة‬
‫اإل ٍس ىالـ ىكما ي ٍدرس ك ٍشي الثػَّو ً‬
‫ب‪ ،‬ىح َّىت ىال يي ٍد ىرل‬ ‫س ًٍ ي ى ى ي ي ى ي ٍ‬ ‫أف النيب صلى اهلل عليو كسلم قاؿ‪ (( :‬يى ٍد ير ي‬ ‫بن اليماف َّ‬
‫ض ًمٍنوي آيىةه ‪. ))...‬‬ ‫اب اللَّ ًو ًيف لىٍيػلى وة فى ىال يىػٍبػ ىقى ًيف ٍاأل ٍىر ً‬
‫ك‪ ،‬كيسَّرل ىعلىى كًتى ً‬
‫ص ىدقىةه ىكىال ني يس ه ى ي ى‬
‫اـ ىكىال ى‬
‫ً‬
‫ىما صيى ه‬
‫حفظ اهلل تعالى للقرآف ‪:‬‬
‫لقد أنزؿ اهلل تعاذل القرآف العظيم على نبيو سيدنا ؿبمد صلى اهلل عليو كسلم كجعلو خامت الكتب إذل‬
‫توذل حفظو فلن سبتد إليو األيدم بالتحريف كلن يناؿ منو اؼببطلوف ‪ ،‬فهذا القرآف‬ ‫أف تقوـ الساعة ؛ لذا َّ‬
‫الذ ٍكىر ىكإًنَّا لىوي ىغبىافًظيو ىف ﴾ ‪،‬‬
‫إًنَّا ىٍكبن نىػَّزلٍنىا ِّ‬
‫ي‬ ‫العظيم حجة اهلل على خلقو إذل يوـ الدين ‪ .‬قاؿ تعاذل‬
‫ضب و‬
‫ُت ي ىدي ًو كىال ًمن خ ٍل ًف ًو تىػٍن ًزيل ًمن ح ًكي وم ىً‬ ‫ًً ً ً‬ ‫ً‬
‫يد ﴾‬ ‫ه ٍ ى‬ ‫كقاؿ تعاذل ىكإًنَّوي لىكتى ه‬
‫اب ىع ًز هيز ىال يىأٍتيو الٍبىاط يل م ٍن بىػ ٍ ً ى ٍ ى ٍ ى‬
‫ففي ىاتُت اآليتُت من سورة فصلت أكصاؼ عظيمة للقرآف الكرًن ‪:‬‬
‫كفضل اهلل تعاذل على خلقو ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فإف فضلىوي على سائر الكالـ‬ ‫أكالن ) كونو عزيز ‪ ،‬أم رفيع القدر كاؼبنزلة َّ‬
‫بطل أك يملح هد بتغيَت أك تبديل ‪.‬‬ ‫يتطرؽ إليو يم ه‬ ‫الباطل ﴾ لكونو مصونان ؿبفوظان فلن َّ‬ ‫ي‬ ‫ثانيان ) ال يأتيو‬
‫منزهه عن ذلك ‪ ،‬فال يستطيعو أحد‬ ‫فالباطل يف اآلية ‪ :‬اللغو ‪ ،‬كاللهو ‪ ،‬كما ال فائدة فيو ‪ .‬فالقرآف الكرًن َّ‬
‫اعبن حبذؼ أك بإدخاؿ ما ليس منو ال بزيادة كال بنقص فهو ؿبفوظ يف ألفاظو‬ ‫من شياطُت اإلنس ك ِّ‬
‫كمعانيو ‪.‬‬
‫ظهر فيو طعنان أك‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ثالثان ) من بُت يديو ك ال من خلفو ﴾ أم من يك ِّل جهاتو ‪ ،‬ال يقدر يمبطل أف يي ى‬
‫جيد فيو عيبان أك مغمزان ‪ .‬كقد قيض اهلل عز كجل ًمن فحوؿ األئمة ىمن يرد أقو ىاؿ الطاعنُت كيي َّبُت‬ ‫ى‬
‫بطالّنا ‪.‬‬

‫عرب عن كالـ اهلل‬


‫أف جربيل أك ؿبمدان َّ‬‫سمى كالـ اهلل ؾبازا كليس حقيقة ك َّ‬
‫) فاألشاعرة ذىبت بقوؽبم بالكالـ النفسي إذل أنَّو يي َّ‬
‫ؿبل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫كمعٌت ذلك َّ‬
‫أف القرآف بدأ من جربيل أك ؿبمد ‪ .‬كاؼبعتزلة ذىبت إذل أنَّو كالـ اهلل حقيقة كلكنو يؿبدث ـبلوؽ ‪ ،‬خلقو اهلل يف ٌ‬
‫كمعٌت ذلك أف القرآف بدأ ًمن ذلك احملل ‪.‬‬
‫الكتاب من ً‬
‫اهلل العزي ًز اغبكي ًم ﴾ ‪ ،‬كقاؿ تعاذل يف‬ ‫ً‬ ‫يل‬
‫كىذه اعتقادات باطلة فقد قاؿ اهلل تعاذل يف سورة الزمر ‪ ،‬اآلية ‪ 1‬تنز ي‬
‫باغبق ﴾ ؛ لذلك قاؿ السلف يف تعريف القرآف (( كالـ اهلل بلفظو‬ ‫ك ِّ‬ ‫ركح ال يق يد ًس ًمن ىربِّ ى‬ ‫ً‬
‫سورة النحل اآلية ‪ 102‬قي ٍل نىػَّزلىوي ي‬
‫كمعناه )) ‪.‬‬
‫) ابن ماجة يف كتاب الفنت ‪ ،‬باب ( ‪ )14‬ذىاب القرآف كالعلم ح ‪ ، 1344 / 2 ، 4049‬كاغباكم يف اؼبستدرؾ كتاب‬
‫الفنت كاؼبالحم ح ‪ ، 550 / 4 ، 8542‬كقاؿ ‪ :‬ىذا حديث صحيح على شرط مسلم كدل خيرجاه ‪.‬‬
‫) سورة اغبجر ‪ ،‬آية ‪. 9‬‬
‫) سورة فصلت ‪ ،‬اآليتاف ‪ 41‬ك ‪. 42‬‬
‫) كهبذا يظهر بطالف زعم ٌمن ذىب إذل َّ‬
‫أف القرآف كقع فيو التحريف كالتغيَت ‪ ،‬كالذم بُت أيدينا ليس ىو سباـ ما نزؿ على‬
‫ؿبمد صلى اهلل عليو كسلم ‪.‬‬
‫كجوب العمل بالقرآف الكريم ‪:‬‬
‫جاءت نصوص كثَتة بوجوب العمل بالقرآف الكرًن باتباع أكامره كاجتناب نواىيو فهذا ىو اؽبدؼ‬
‫األظبى كالغاية العظمى من إنزالو على خامت التبيُت كاؼبرسلُت ؿبمد صلى اهلل عليو كسلم ‪ .‬كمن ىذه‬
‫ً‬ ‫يكحي إًلىي ً‬
‫ً‬
‫ُت ﴾ ‪ ،‬كقاؿ‬ ‫ض ىع ًن اٍل يم ٍش ًرك ى‬ ‫ك ال إًلىوى إًالَّ يى ىو ىكأ ٍىع ًر ٍ‬‫ك من َّربِّ ى‬‫النصوص ‪ :‬قاؿ تعاذل اتَّبً ٍع ىما أ ى ٍ ى‬
‫ُت ﴾ ‪ ،‬كقاؿ تعاذل اتَّبً يعواٍ ىما‬ ‫ك كاصًرب ح َّىت ىحي يكم اللٌو كىو خيػر ٍ ً ً‬ ‫تعاذل كاتَّبً ٍع ما ي ً‬
‫اغبىاكم ى‬ ‫وحى إلىٍي ى ى ٍ ٍ ى ى ٍ ى ي ى ي ى ى ٍ ي‬ ‫ى ى يى‬
‫وؿ‬
‫الر يس ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أين ًزىؿ إًلىٍي يكم ِّمن َّربِّ يك ٍم ىكالى تىػتَّبً يعواٍ من يدكنو أ ٍىكليىاء قىليالن َّما تى ىذ َّك يرك ىف ﴾ ‪ ،‬كقاؿ تعاذل ىكىما آتىا يك يم َّ‬
‫فى يخ يذكهي ىكىما نىػ ىها يك ٍم ىعٍنوي فىانتىػ يهوا ﴾‬
‫فهذه النصوص العظيمة تدؿ داللة كاضحة على كجوب اتباع القرآف كالعمل بو ‪ ،‬ففيها يأمر اهلل‬
‫تعاذل رسولىو صلى اهلل عليو كسلَّم كأمتىو أف يعملوا دبا أكحاه اهلل إليو من آياتو البيِّنات ػ ػ ػ القرآف العظيم ػ ػ ػ‬
‫فهو اغبق الذم ال مرية فيو ‪ ،‬يف حلوا حاللو‪ ،‬كيحرموا حرامو‪ ،‬كًنتثلوا أمره‪ ،‬كيجتنبوا ّنيو ‪ ،‬كأف جيتنبوا كل‬
‫من خالف ىذا القرآف العظيم ‪.‬‬
‫كللعمل بالقرآف الكرًن فضائل عديدة ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪ ) 1‬العمل بالقرآف الكرًن سبب للهداية يف الدنيا كاآلخرة ‪.‬‬
‫ً‬ ‫قاؿ تعاذل الَّ ًذين يست ًمعو ىف الٍ ىقوىؿ فىػيتَّبًعو ىف أىحسنو أيكلىئً َّ ً‬
‫ك يى ٍم أ ٍيكليوا‬ ‫ين ىى ىد ياى يم اللَّوي ىكأ ٍيكلىئ ى‬‫ك الذ ى‬ ‫ٍ ى ي ٍ ىى ي ٍ ى‬ ‫ى ى ٍى ي‬
‫اب ﴾ ‪.‬‬ ‫األىلٍب ً‬
‫ى‬
‫قاؿ ابن عباس ػ ػ ػ رضي اهلل عنهما ػ ػ ػ ػ ػ ‪ (( :‬ضمن اهلل تعاذل ؼبن قرأ القرآف كعمل دبا فيو أال يضل يف‬
‫الدنيا كال يشقى يف اآلخرةً )) ‪.‬‬
‫‪ ) 2‬العمل بالقرآف سبب للفالح يف الدنيا كاآلخرة ‪.‬‬
‫ك يى يم الٍ يم ٍفلً يحو ىف ﴾‬ ‫ً‬
‫م أين ًزىؿ ىم ىعوي أ ٍيكلىئ ى‬
‫قاؿ تعاذل فىالَّ ًذين آمنواٍ بًًو كعَّزركه كنىصركه كاتَّػبػعواٍ الن َّ ً‬
‫ُّور الذ ى‬ ‫ى ىي ى ى ي ي ى ى ي ي ى ى ي ى‬
‫م أين ًزىؿ ىم ىعوي ﴾ أم القرآف كالوحي الذم جاء بو مبلغان إذل الناس ‪ .‬قولو‬ ‫قولو كاتَّػبػعواٍ الن َّ ً‬
‫ُّور الذ ى‬ ‫ى ىي ى‬
‫ك يى يم الٍ يم ٍفلً يحو ىف ﴾ أم يف الدنيا كاآلخرة ‪.‬‬ ‫ً‬
‫أ ٍيكلىئ ى‬

‫) سورة األنعاـ ‪ ،‬اآلية ‪. 106‬‬


‫) سورة يونس ‪ ،‬اآلية ‪. 109‬‬
‫) سورة األعراؼ ‪ ،‬اآلية‬
‫) سورة اغبشر ‪ ،‬اآلية ‪. 7‬‬
‫) اعبامع ألحكاـ القرآف ( تفسَت القرطيب ) ‪. 258 / 11 ،‬‬
‫) سورة الزمر ‪ ،‬اآلية ‪. 18‬‬
‫) تفسَت اغبافظ ابن كثَت ‪. 53 / 4 ،‬‬
‫) سورة األعراؼ ‪ ،‬اآلية ‪. 157‬‬
‫) انظر ‪ :‬تفسَت اغبافظ ابن كثَت ‪. 235 / 2 ،‬‬
‫‪ ) 3‬العمل بالقرآف العظيم سبب للرضبة يف الدنيا كاآلخرة ‪.‬‬
‫ىنزٍلنىاهي يمبى ىارهؾ فىاتَّبً يعوهي ىكاتَّػ يقواٍ لى ىعلَّ يك ٍم تيػ ٍر ىضبيو ىف ﴾ ‪.‬‬ ‫ً‬
‫اب أ ى‬‫قاؿ اهلل تعاذل ىكىى ىذا كتى ه‬
‫ؿبمد صلى‬ ‫يأمر اهلل تعاذل يف ىذه اآلية عباده اؼبؤمنُت أف يتبعوا القرآف العظيم الذم أنزلو على نبيِّو و‬
‫ى‬
‫اهلل عليو كسلَّم ‪ ،‬كجيعلوه إمامان كيعملوف دبا فيو ‪ ،‬فالقرآف الكرًن بركة ؼبن اتبعو كعمل بو الدنيا كاآلخرة ‪،‬‬
‫كسبب لرضبة اهلل تعاذل كقباة من عذابو األليم ‪.‬‬
‫‪ ) 4‬العمل بالقرآف سبب للشفاعة يف اآلخرة ‪.‬‬
‫وؿ‪« :‬يػ ٍؤتىى بًالٍ يقر ً‬ ‫ً‬ ‫اس ب ًن ظبىٍعا ىف الٍ ًك ىالًيب‪ ،‬يػ يق ي ً‬
‫آف يىػ ٍوىـ‬ ‫ٍ‬ ‫صلَّى اهللي ىعلىٍيو ىك ىسلَّ ىم‪ ،‬يىػ يق ي ي‬ ‫َّيب ى‬ ‫ت النً َّ‬ ‫وؿ‪ :‬ىظب ٍع ي‬ ‫ٌ ى‬ ‫َّو ً ٍ ى‬ ‫عن النػ َّ‬
‫آؿ ًعمرا ىف»‪ ،‬كضرب ىؽبما رس ي ً‬ ‫ً‬ ‫ًً‬ ‫ً ً ً ً َّ ً‬
‫صلَّى اهللي‬ ‫وؿ اهلل ى‬ ‫ى ى ى ى يى ى ي‬ ‫ورةي الٍبىػ ىقىرة‪ ،‬ىك ي ٍ ى‬ ‫ين ىكانيوا يىػ ٍع ىمليو ىف بو تىػ ٍق يد يموي يس ى‬
‫الٍقيى ىامة ىكأ ٍىىلو الذ ى‬
‫اف ىس ٍوىد ىاك ًاف بىػٍيػنىػ يه ىما ىش ٍر هؽ‪ ،‬أ ٍىك‬‫اف‪ ،‬أىك ظيلَّتى ً‬
‫ً‬
‫َّه ىما ىغ ىم ىامتى ٍ‬ ‫اؿ‪ « :‬ىكأىنػ ي‬ ‫ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم ثىىالثىةى أ ٍىمثى واؿ ىما نى ًسيتيػ يه َّن بىػ ٍع يد‪ ،‬قى ى‬
‫احبً ًه ىما» ‪ .‬فهذه شفاعة من القرآف الكرًن يوـ القيامة‬ ‫اف عن ص ً‬ ‫اؼ‪ ،‬يربى َّ ً‬ ‫ىكأىنػ ً ً ً‬
‫اج ى ٍ ى‬ ‫ص ىو َّ‬‫َّه ىما ح ٍزقىاف م ٍن طىٍوَت ى‬ ‫ي‬
‫ألىلو العاملُت بو ‪.‬‬
‫‪ ) 5‬العمل بالقرآف سبب لتكفَت الذنوب كإصالح الباؿ ‪.‬‬
‫اغبى ُّق ًمن َّرِّهبً ٍم ىكفىَّر ىعٍنػ يه ٍم‬‫آمنيوا ًدبىا نػيِّزىؿ ىعلىى يؿبى َّم ود ىكيى ىو ٍ‬ ‫قاؿ تعاذل كالَّ ًذين آمنيوا كع ًمليوا َّ ً ً‬
‫الصاغبىات ىك ى‬ ‫ى ى ى ىى‬
‫ىصلى ىح بىا ىؽبي ٍم ﴾ ‪.‬‬ ‫ًً‬
‫ىسيِّئىاهت ٍم ىكأ ٍ‬
‫ؿبمد صلى اهلل عليو كسلم من‬ ‫كيف ىذه اآلية العظيمة رتَّب اهلل عز كجل لًمن آمن دبا أينزؿ على النيب و‬
‫ِّ‬ ‫ى‬
‫القرآف الكرًن أف ييكفِّر عنهم ذنوهبم كييصلح شأّنم كحاؽبم يف الدنيا إصالحان ال فساد معو ‪ ،‬كيف اآلخرة‬
‫يورثهم النعيم األبدم كاػبلود الدائم يف اعبنَّة ‪.‬‬
‫ككما كرد الًتغيب يف العمل بالقرآف الكرًن ‪ ،‬كرد كذلك الوعيد الشديد كالتهديد األكيد يف الدنيا‬
‫كاآلخرة ؼبن قراءة القرآف كمن ترؾ العمل بو ‪ ،‬فال حيل حاللو ‪ ،‬كال حيرـ حرامو ‪ ،‬كال يأسبر بأمره ‪ ،‬كال ينتو‬
‫ب إً َّف قىػوًمي َّازب يذكا ى ىذا الٍ يقرآ ىف مهجورا ﴾ ‪ ،‬كعن رسوؿ اهللً‬ ‫وؿ يىا ىر ِّ‬ ‫الر يس ي‬
‫اؿ َّ‬ ‫عن ّنيو ‪ ،‬قاؿ تعاذل ىكقى ى‬
‫ى ى ٍ ىٍ ي ن‬ ‫ٍ‬
‫ت اللٍَّيػلىةى ر يجلى ٍ ً‬
‫ُت أىتىػيى ًاين‬ ‫ً‬
‫ى‬ ‫صلى اهلل عليو كسلَّم يف اغبديث الطويل عن الرؤيا اليت رآىا قاؿ ‪ (( :‬لىك ٍِّت ىرأىيٍ ي‬

‫) سورة األنعاـ ‪ ،‬اآلية ‪. 155‬‬


‫) انظر ‪ :‬جامع البياف ( تفسَت الطربم ) ‪ ، 9238 / 12 ،‬باعتناء أضبد شاكر ‪ ،‬كتفسَت السعدم ‪ ،‬ص ‪280‬‬
‫أخرجوي مسلم يف كتاب صالة اؼبسافرين كقصرىا ‪ ،‬باب فضل قراءة القرآف كسورة البقرة ح (‪. 554 / 1 ،) 805‬‬
‫) ى‬
‫) سورة ؿبمد ‪ ،‬اآلية ‪. 2‬‬
‫) انظر ‪ :‬جامع البياف ( تفسَت الطربم ) ‪ ، 151 / 22 ،‬كأضواء البياف ( تفسَت الشبقيطي ) ‪، 242 / 7 ،‬‬
‫) سورة الفرقاف ‪ ،‬اآلية ‪. 30‬‬
‫ت‪ ،‬قىاالى‪ :‬نىػ ىع ٍم ‪ ...‬ىكالَّ ًذم ىرأىيٍػتىوي يي ٍش ىد يخ ىرأٍ يسوي‪،‬‬
‫ىخً ىرب ًاين ىع َّما ىرأىيٍ ي‬
‫ً‬
‫ىخ ىذا بًيىدم ‪ ...‬قيػ ٍل ي‬
‫ت‪ :‬طىَّوٍفػتي ىم ًاين اللٍَّيػلىةى‪ ،‬فىأ ٍ‬ ‫فىأ ى‬
‫القيى ىام ًة ‪. )) ...‬‬ ‫فىػرجل علَّمو اللَّو ال يقرآ ىف‪ ،‬فىػناـ عٍنو بًاللَّي ًل كىدل يػعمل فً ًيو بًالنػَّها ًر‪ ،‬يػ ٍفعل بًًو إً ىذل يػوًـ ً‬
‫ىٍ‬ ‫ى ي ىي‬ ‫ى ي ه ى ى ي ي ٍ ى ى ى ي ٍ ى ٍ ىٍ ى ٍ‬

‫املثحث انثاٍَ‪:‬‬

‫حمىق انرسىل صهً اهلل عهُه وسهى‪.‬‬

‫إعداداندكتور‪ :‬أبوبكر عبد املقصود حممدكامم‬

‫األستاذ املساعد بكهية انشريعةوأصول انديه‪ -‬جامعة جنران‬

‫) أخرجو البخارم ‪ ،‬كتاب اعبنائز ‪ ،‬باب ( ‪ ، ) 93‬ح ( ‪. 425 / 1 ، ) 1386‬‬


‫حقوؽ النبي ‪‬‬

‫إف اهلل تبارؾ كتعاذل جعل ؿبمدا ‪ ‬خامت النبيُت‪ ،‬كأرسلو للناس أصبعُت‪ ،‬كأكمل لو كألمتو الدين‪،‬‬
‫كبعثو على حُت فًتة من الرسل كظهور الكفر‪ ،‬فأحيا بو ما درس من معادل اإلدياف‪ ،‬كقمع بو أىل الشرؾ‬
‫كالكفر من عبدة األكثاف كالصلباف‪ ،‬كأذؿ بو كفار أىل الكتاب‪ ،‬كأىل الشرؾ كاالرتياب‪ ،‬كأقاـ بو منار‬
‫دينو الذم ارتضاه‪ ،‬كشاد بو ذكر من اجتباه من عباده كاصطفاه‪.‬‬

‫فهو اؼببعوث باؽبدل كدين اغبق بُت يدم الساعة بشَتا كنذيرا كداعيا إذل اهلل بإذنو كسراجا منَتا‪،‬‬
‫فكمل اهلل بو الرسالة كىدل بو من الضاللة كعلم بو من اعبهالة كفتح برسالتو أعينا عميا‪ ،‬كآذانا صما‪،‬‬
‫كقلوبا غلفا‪ ،‬فأشرقت برسالتو األرض بعد ظلماهتا‪ ،‬كتألفت بو القلوب بعد شتاهتا‪ ،‬فأقاـ هبا اؼبلة‬
‫العوجاء كأكضح هبا احملجة البيضاء‪ ،‬فبُت عن طريقو ‪ ‬الكفر من اإلدياف‪ ،‬كالربح من اػبسراف‪ ،‬كاؽبدل‬
‫من الضالؿ‪ ،‬كأىل اعبنة من أىل النار‪ ،‬كاؼبتقُت من الفجار‪ ،‬فهو اؼببعوث رضبة للعاؼبُت‪ ،‬كؿبجة‬
‫للسالكُت كحجة على اػبالئق أصبعُت‪ .‬كلقد نوه اهلل عز كجل يف كتابو الكرًن هبذه النعمة العظمى اليت‬
‫امنت هبا على ىذه األمة يف آيات كثَتة منها‪:‬‬

‫ث فًي ًه ٍم ىر يسوالن ًم ٍن أىنٍػ يف ًس ًه ٍم يىػ ٍتػليو ىعلىٍي ًه ٍم آيىاتًًو‬‫ين إً ٍذ بىػ ىع ى‬‫قولو تعاذل‪{ :‬لى ىق ٍد م َّن اللَّوي ىعلىى ال ً ً‬
‫ٍم ٍؤمن ى‬
‫ي‬ ‫ى‬
‫الؿ يمبًي ون} (آؿ عمراف ‪ ،)164‬كقاؿ‬ ‫ٍحكٍمةى كإً ٍف ى انيوا ًم ٍن قىػ ٍبل لى ًفي ى و‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ىكييػ ى ِّك ي ًه ٍم ىكييػ ىعلِّك يم يه يم الٍكتى ى‬
‫ي‬ ‫اب ىكال ى ى‬
‫كؼ‬
‫ين ىريؤ ه‬ ‫وؿ ًمن أىنٍػ يف ًس يكم ىع ًي ه ىعلىٍي ًو ما ىعنًتُّم ح ًريص ىعلىٍي يكم بًال ً ً‬
‫ٍم ٍؤمن ى‬ ‫ٍ ي‬ ‫ى ٍ ى ه‬ ‫ٍ‬ ‫اء ي ٍم ىر يس ه ٍ‬ ‫تعاذل‪{:‬لى ىق ٍد ىج ى‬
‫يم}(التوبة ‪.)128‬‬ ‫ً‬
‫ىرح ه‬

‫كؼبا كانت منزلة النيب ‪ ‬عند ربو هبذه اؼبرتبة ككانت حاجة الناس إليو هبذه الدرجة‪ ،‬فقد أكجب اهلل‬
‫لنبيو ‪ ‬على ىذه األمة صبلة من اغبقوؽ كالواجبات تنظم العالقة اليت تربطهم بو تنظيما دقيقا‪ ،‬كىذه‬
‫اغبقوؽ‪:‬‬

‫‪ -1‬تصديق النبي ‪ ‬كالتسليم لو فيما يبلغ عن ربو‪.‬‬

‫‪ -2‬طاعتو ‪‬كالتأسي بو‪ -3.‬التأدب معو ‪ ‬كتوقيره كتع يره‪.‬‬

‫‪ -4‬محبتو ‪ ،‬كالصالة كالسالـ عليو‪ -5 .‬الدفاع كالفداء عن سنتو ‪.‬‬


‫أكال‪ :‬كجوب تصديق النبي ‪ ‬كالتسليم لو فيما أخبر بو عن ربو‪.‬‬

‫من حقوؽ النبي ‪‬على أمتو‪ :‬تصديقو فيما جاء بو عن ربو‪ ،‬كاعتقاد أف ما جاء بو من عند اهلل‬
‫حق جيب اتباعو‪ ،‬كما جيب تصديق النيب ‪ ‬صبيع ما أخرب بو عن اهلل عز كجل‪ ،‬من أنباء ما قد سبق‬
‫كحرـ من حراـ‪ ،‬كاإلدياف بأف ذلك كلو من عند اهلل عز كجل‪،‬‬ ‫كأخبار ما سيأيت‪ ،‬كفيما أحل من حالؿ ٌ‬
‫ً‬
‫وحى}(النجم‪)4 ،3:‬‬ ‫قاؿ تعاذل‪ {:‬ىكىما يىػ ٍنط يق ىع ًن ال ىٍه ىول‪ ،‬إً ٍف يى ىو إًالَّ ىك ٍح هي يي ى‬

‫قاؿ شارح العقيدة الطحاكية‪" :‬جيب على كل أحد أف يؤمن دبا جاء بو الرسوؿ إديانا ؾبمال‪ ،‬كال‬
‫ريب أف معرفة ما جاء بو الرسوؿ ‪ ‬على التفصيل فرض على الكفاية"( )‪.‬‬

‫كاؼبراد بالعبارة السابقة‪ :‬أنو جيب على اؼبسلم تصديق النيب ‪ ‬فيما أخرب بو على العموـ‪ً ،‬كيف تىأٍ ًك ًيل‬
‫اى يدكا بًأ ٍىم ىوالً ًه ٍم ىكأىنٍػ يف ًس ًه ٍم فًي‬ ‫ًً‬ ‫ً‬ ‫اذل ‪{ :‬إنَّما ال ً َّ ً‬ ‫قىػ ٍولًًو تىػ ىع ى‬
‫آمنيوا بًاللَّو ىكىر يسولو ثي َّم لى ٍم يىػ ٍرتىابيوا ىك ىج ى‬
‫ين ى‬
‫ٍم ٍؤمنيو ىف الذ ى‬
‫ى ي‬
‫ادقيو ىف}(اغبجرات‪)15:‬يذكر ابن جرير الطربم‪:‬‬ ‫يل اللَّ ًو أيكلىئً ى يى يم َّ‬
‫الص ً‬ ‫ىسبً ً‬

‫آمنَّا ىكلى َّما يى ٍد يخ ًل ا ًإلديىا يف ًيف قيػليوهبًً ٍم ‪ :‬إًََّنىا اٍل يم ٍؤًمنيو ىف أىيُّػ ىها‬ ‫ً َّ ً‬ ‫وؿ تىػع ى ً ً‬
‫ين قىاليوا ى‬ ‫اذل ذ ٍك يرهي لأل ٍىعىراب الذ ى‬ ‫"يىػ يق ي ى‬
‫وؿ ‪ :‬يمثَّ ىدلٍ يى يش ُّكوا ًيف ىك ٍح ىدانًيَّ ًة اللَّ ًو‪ ،‬ىكالى نػيبيػ َّوةً نىبًيِّ ًو ‪،‬‬ ‫ص َّدقيوا اللَّوى ىكىر يسولىوي‪ ،‬يمثَّ ىدلٍ يىػ ٍرتىابيوا‪ ،‬يىػ يق ي‬
‫ين ى‬
‫َّ ً‬
‫اٍل ىق ٍويـ الذ ى‬
‫ك ًمٍنوي ًيف كج ً‬ ‫ض اللَّ ًو بًغى ًٍَت ىش ٍّ‬ ‫ب ىعلىٍي ًو ًم ٍن فىػىرائً ً‬ ‫ً‬ ‫ًً‬ ‫ً‬
‫وب‬ ‫ي‬ ‫اعةى ىر يسولو‪ ،‬ىكالٍ ىع ىم ىل دبىا ىك ىج ى‬ ‫اعةى اللَّو ىكطى ى‬ ‫ىكأىلٍىزىـ نىػ ٍف ىسوي طى ى‬
‫ك ىعلىٍي ًو"( )‪.‬‬ ‫ً‬
‫ىذل ى‬

‫كىذا األصل ينضوم ربتو ما يلي‪:‬‬


‫‪ -1‬تصديقو أنو خاتم األنبياء كالرسل‪:‬‬
‫ً‬ ‫كيشهد ؽبذا اؼبعٌت قولو تعاذل‪ { :‬ما ى ا ىف مح َّم هد أىبا أىح ود ًمن ًرجالً يكم كلى ًكن رس ى ً‬
‫وؿ اللَّو ىك ىخاتى ىم النَّبيِّك ى‬
‫ين‬ ‫ي ى ى ى ٍ ى ٍ ى ٍ ىي‬ ‫ى‬
‫و ً‬ ‫ً‬
‫يما}(األحزاب‪ .)40:‬قاؿ ابن كثَت‪:‬‬ ‫ىكى ا ىف اللَّوي ب يك ِّكل ىش ٍيء ىعل ن‬
‫"ىذه اآلية نص على أنو ال نيب بعده‪ ،‬كإذا كاف ال نيب بعده‪ ،‬فال رسوؿ بطريق األكذل كاألحرل؛ ألف‬
‫مقاـ الرسالة أخص من مقاـ النبوة‪ ،‬فإف كل رسوؿ نيب‪ ،‬كال ينعكس‪ ،‬كبذلك كردت األحاديث اؼبتواترة‬
‫عن رسوؿ اهلل ‪ ‬من حديث صباعة من الصحابة"‪ ،‬فلو ادعى مدع أنو نيب فهو كاذب‪.‬‬

‫) شرح العقيدة الطحاكية حملمد بن أيب العز الطحاكم ‪ 70/1‬ط‪/‬دار السالـ بالقاىرة ‪1426‬ق‪2005-‬ـ‪.‬‬ ‫(‬

‫) جامع البياف يف تفسَت القرآف البن جرير الطربم ‪ 314/22‬ط‪/‬مؤسسة الرسالة بالقاىرة ‪1420‬ق‪2000-‬ـ‪.‬‬ ‫(‬
‫‪ -2‬تصديقو أنو أرسل للناس افة‪،‬كيشهد ؽبذا آيات يف القرآف‪ ،‬كقولو تعاذل‪:‬‬
‫َّاس ىال يىػ ٍعلى يمو ىف} (سبأ‪.)28:‬‬ ‫اؾ إًَّال ى افَّةن لًلن ً‬
‫َّاس بى ًش نيرا ىكنى ًذ نيرا ىكلى ًك َّن أى ٍ ثىػ ىر الن ً‬ ‫‪ {-‬ىكىما أ ٍىر ىسلٍنى ى‬
‫ين نى ًذ نيرا}(الفرقاف‪.)1:‬‬ ‫ً ً‬ ‫ًً ً‬ ‫َّ ً‬
‫‪-‬كقولو‪{:‬تىػبى ىار ىؾ الذم نىػ َّ ىؿ الٍ يف ٍرقىا ىف ىعلىى ىع ٍبده ليى يكو ىف لل ىٍعالىم ى‬
‫فرسالة النيب ‪ ‬عامة عبميع البشر‪ ،‬بل كاعبن‪ ،‬كما ىو ثابت من أخبار اعبن يف القرآف يف سورة‬
‫أحدا من‬
‫اعبن‪ ،‬كآخر األحقاؼ‪ ،‬كليست خاصة‪ ،‬كىي ميزة تفرد هبا عن سائر األنبياء‪ ،‬كبذلك ال يسع ن‬
‫)‪.‬‬ ‫العاؼبُت أف خيرج عن شريعتو‪ ،‬أك يرفض دعوتو‪ ،‬أك يدعي أّنا ال تلزمو(‬

‫‪ -3‬تصديقو أف من لم يتبعو كلم يؤمن بو فهو من أىل النار‪ ،‬سواء اف يهويا أك نصرانيا أك غير‬
‫اإل ٍس ىالًـ ًديننا فىػلى ٍن ييػ ٍقبى ىل ًم ٍنوي ىك يى ىو فًي‬
‫ذل ‪ :‬كيشهد ؽبذا أدلة كثَتة‪ ،‬كقولو تعاذل‪ {:‬ىكىم ٍن يىػ ٍبتى ًغ غىٍيػ ىر ًٍ‬
‫ً‬ ‫ً ًً‬
‫ين}(آؿ عمراف‪)85:‬‬ ‫ٍااخ ىرة م ىن الٍ ى اس ًر ى‬

‫م‬ ‫‪ -‬كقاؿ عليو الصالة كالسالـ‪" :‬كالَّ ًذم نىػ ٍفس يؿب َّم ود بًي ًدهً ىال يسمع ًيب أىح هد ًمن ى ًذهً ٍاأل َّيم ًة يػه ً‬
‫ود ٌّ‬ ‫ىي‬ ‫ىٍىي ى ٍ ى‬ ‫ي ى ى‬ ‫ى‬
‫ىصح ً‬
‫اب النَّا ًر"( )‬ ‫ً‬ ‫وت كىدلٍ يػ ٍؤًم ٍن بًالَّ ًذم أ ٍيرًس ٍل ي ًً ً‬
‫ت بو إَّال ىكا ىف م ٍن أ ٍ ى‬ ‫صىرًاينٌّ يمثَّ ديىي ي ى ي‬
‫ىكىال نى ٍ‬
‫‪ -4‬تصديقو في أف شريعتو التي أتى بها ىي أحسن الشرائع‪ ،‬كأف دين اإلسالـ ىو أحسن األدياف‬
‫كأعالىا‪ ،‬كأف اليهودية كالنصرانية ال تساكيها حباؿ‪.‬‬
‫ين}(آؿ عمراف‪)139:‬‬‫ًً‬ ‫كيشهد ؽبذا أدلة كثَتة منها‪ {:‬ىكىال تى ًهنيوا ىكىال تى ٍح ىنيوا ىكأىنٍػتي يم ٍاألى ٍعلى ٍو ىف إً ٍف ي ٍنتي ٍم‬
‫يم ٍؤمن ى‬

‫‪ -5‬تصديقو في أف دينو شامل لكل أكجو الحياة كنشاطاتها‪ ،‬صغيرىا ك بيرىا‪ ،‬فال ي رج‬
‫ين ىال ىش ًري ى‬ ‫ً‬ ‫ام ىكىم ىماتًي لًلَّ ًو ىر ِّك‬
‫ب ال ىٍعالىم ى‬
‫عنو‪ ،‬كيشهد ؽبذا قولو تعاذل‪{ :‬قيل إً َّف ص ىالتًي كني ً‬
‫سكي ىكىم ٍحيى ى‬
‫ى ي‬ ‫ى‬ ‫ٍ‬
‫ين} (األنعاـ‪)163-162:‬‬ ‫ت كأىنىا أ َّىك يؿ ال ً ً‬ ‫ًً ً‬
‫ٍم ٍسلم ى‬ ‫ي‬ ‫لىوي ىكب ىذل ى أيم ٍر ي ى‬
‫فهذه القضايا من األصوؿ اليت جيب تصديقها‪ ،‬كاإلدياف هبا‪ ،‬كاغباجة إذل التذكَت هبا يف الوقت‬
‫ماسة‪ ،‬لكثرة من يدخل يف نفوس الناس الريب فيها‪ ،‬كمن يريد تعطليها كؿبوىا‪ ،‬كليعلم أف ؿبوىا ؿبو‬
‫لإلسالـ من أصلو‪ ،‬فال إسالـ إال بعلو يف األرض‪ ،‬فهو دين اهلل تعاذل الذم ارتضاه لعباده‪ ،‬قاؿ تعاذل‪:‬‬
‫اإل ٍس ىال ىـ ًديننا} (اؼبائدة‪)3:‬‬ ‫ٍت لى يك ٍم ًدينى يك ٍم ىكأىتٍ ىم ٍم ي‬
‫ت ىعلىٍي يك ٍم نً ٍع ىمتًي ىكىر ً ي‬
‫يت لى يك يم ًٍ‬ ‫{الٍيىػ ٍوىـ أى ٍ ىمل ي‬
‫‪ -6‬تصديقو‪‬أنو قد بلغ الرسالة كأ ملها‪.‬‬

‫) تفسَت القرآف العظيم أليب الفداء إظباعيل بن عمر بن كثَت الدمشقي ‪ 427/6‬ط‪/‬دار طيبة للنشر كالتوزيع ‪1999‬ـ‪.‬‬ ‫(‬

‫) صحيح مسلم ‪ 365/1‬باب كجوب اإلدياف دبحمد صلى اهلل عليو كسلم‪ ،‬حديث ‪.218‬‬ ‫(‬
‫إف من سباـ نعمة اهلل سبحانو كتعاذل على ىذه األمة أف أكمل ؽبم دينهم فال ينقصو أبدا‪ ،‬كال‬
‫حيتاج إذل زيادة أبدا‪ ،‬كاقًتف ىذا اإلكماؿ برضاه سبحانو بأف يكوف ىذا الدين الكامل دينا نتعبده بو‪،‬‬
‫الـ ًدينان}‪(.‬اؼبائدة‪)3:‬‬ ‫ٍت لى يك ٍم ًدينى يك ٍم ىكأىتٍ ىم ٍم ي‬
‫ت ىعلىٍي يك ٍم نً ٍع ىمتًي ىكىر ً ي‬
‫يت لى يك يم ا ًإل ٍس ى‬ ‫قاؿ تعاذل‪{ :‬الٍيىػ ٍوىـ أى ٍ ىمل ي‬

‫‪ ،‬كعن جابر بن عبد اهلل‬ ‫كىذه اآلية دليل على كماؿ الدين كحيا من اهلل‪ ،‬كتبليغنا من رسولو‬
‫رضي اهلل عنو قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ اهلل ‪" :‬تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إف اعتصمتم بو‪ ،‬كتاب اهلل‪،‬‬
‫كأنتم تسألوف عٍت فما أنتم قائلوف؟‪ ،‬قالوا‪ :‬نشهد أنك قد بلغت كأديت كنصحت‪ .‬فقاؿ بأصبعو السبابة‬
‫)‪ ،‬فشهد‬ ‫يرفعها إذل السماء كينكتها إذل الناس‪" :‬اللهم اشهد اللهم اشهد ثالث مرات‪ "..‬اغبديث (‬
‫لو خَت قركف ىذه األمة كىم صحابتو رضواف اهلل عليهم ككانوا يف ذلك اؼبوقف كبوا من أربعُت‬
‫ألفا( )‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬كجوب طاعة الرسوؿ ‪‬كالتأسي بو كل كـ سنتو كالمحافظة عليها‪.‬‬

‫ىذا ىو اغبق الثاين من حقوقو‪ ‬كلقد فرض اهلل عز كجل على صبيع اػبلق اإلدياف بنبيو ‪ ‬كطاعتو‬
‫كاتباعو كإجياب ما أكجبو كربرًن ما حرمو كشرع ما شرعو‪ .‬كبو فرؽ اهلل بُت اؽبدل‪ ،‬كالضالؿ‪ ،‬كالرشاد‬
‫كالغي‪ ،‬كاغبق كالباطل‪ ،‬كاؼبعركؼ‪ ،‬كاؼبنكر‪ ،‬كىو الذم شهد اهلل لو بأنو يدعو إليو بإذنو‪ ،‬كيهدم إذل‬
‫اؾ ىش ً‬
‫اىدان ىكيمبى ِّكشران ىكنى ًذيران‪،‬‬ ‫صراط مستقيم كأنو على صراط مستقيم‪ .‬قاؿ تعاذل‪{ :‬يىا أىيُّػ ىها النَّبً ُّي إًنَّا أ ٍىر ىسلٍنى ى‬
‫صر و‬ ‫ً ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً َّ ً ًً ًً ً‬
‫اط‬ ‫ىك ىداعيان إلىى اللو ب ٍذنو ىكس ىراجان يمنيران} (األحزاب‪ ،)45،46:‬كقاؿ تعاذل‪ { :‬ىكإنَّ ى لىتىػ ٍهدم إلىى ى‬
‫يم}(الشورل‪)52:‬‬‫يم ٍستى ًق و‬

‫اع اللَّوى}(النساء‪.)80:‬‬
‫وؿ فىػ ىق ٍد أىطى ى‬ ‫كقد جعل اهلل طاعتو طاعة لو يف مثل قولو تعاذل‪ { :‬ىم ٍن يي ًط ًع َّ‬
‫الر يس ى‬

‫يما ىش ىج ىر بىػ ٍيػنىػ يه ٍم ثي َّم ال يى ًج يدكا فًي أىنٍػ يف ًس ًه ٍم‬ ‫كقاؿ تعاذل‪{ :‬فىال كربِّك ى ال يػ ٍؤًمنيو ىف حتَّى يح ِّككم ى ً‬
‫وؾ ف ى‬ ‫ى يى ي‬ ‫ي‬ ‫ىى‬
‫سلًيمان}(النساء‪.)65:‬‬ ‫ىح ىرجان ًم َّما قى ى ٍي ى‬
‫ت ىكيي ىسلِّك يموا تى ٍ‬

‫كقد بعث الرسل صبيعا بأصوؿ ثالثة ىي‪:‬‬

‫) أخرجو مسلم باب حجة النيب ‪ )41 /4( ‬حديث‪.3009:‬‬ ‫(‬


‫) تفسَت ابن كثَت (‪.)77 /2‬‬ ‫(‬
‫يقوؿ ابن القيم( ) يف ىذه"أمر تعاذل بطاعتو كطاعة رسولو كأعاد الفعل إعالما بأف طاعة الرسوؿ‬
‫الرسوؿ ذبب استقالال من غَت عرض ما أمر بو على الكتاب‪ ،‬بل إذا أمر كجبت طاعتو مطلقا سواء‬
‫)‪ .‬كدل يأمر بطاعة أكرل األمر‬ ‫كاف ما أمر بو يف الكتاب أك دل يكن فيو‪ ،‬فإنو أكيت الكتاب كمثلو معو(‬
‫استقالال بل حذؼ الفعل كجعل طاعتهم يف ضمن طاعة الرسوؿ‪ ،‬إيذانا بأّنم إَنا يطاعوف تبعا لطاعة‬
‫الرسوؿ فمن أمر منهم بطاعة الرسوؿ كجبت طاعتو‪ ،‬كمن أمر منهم خبالؼ ما جاء بو الرسوؿ فال ظبع‬
‫) كقاؿ‪:‬‬ ‫لو كال طاعة‪ ،‬كما صح عنو ‪ ‬أنو قاؿ‪" :‬ال طاعة يف معصية اهلل إَنا الطاعة يف اؼبعركؼ"(‬
‫)‪ ،‬كقاؿ‪" :‬على اؼبرء اؼبسلم السمع كالطاعة فيما أحب ككره إال أف يؤمر‬ ‫"إَنا الطاعة يف اؼبعركؼ"(‬
‫)‪.‬‬ ‫دبعصية فإف أمر دبعصية فال ظبع كال طاعة"(‬

‫كاإلدياف بأف ىديو أكمل اؽبدم‬ ‫‪ -‬كمن طاعتو ‪‬كجوب التحا م إليو‪ ،‬كالر ي بحكمو‪:‬‬
‫كشريعتو أكمل الشرائع كأف ال يقدـ عليها تشريعان أك نظاما مهما كاف مصدره‪.‬‬
‫وؿ ىكأيكلًي ٍاأل ٍىم ًر ًم ٍن يك ٍم فىً ف تىػنى ىاز ٍعتي ٍم‬
‫الر يس ى‬
‫يعوا َّ‬ ‫ً‬
‫يعوا اللَّوى ىكأىط ي‬
‫ً‬
‫آمنيوا أىط ي‬ ‫ين ى‬
‫َّ ً‬
‫قاؿ اهلل تعاذل‪{ :‬يىا أىيُّػ ىها الذ ى‬
‫ً ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فًي ىش ٍي وء فىػ يردُّكهي إًلىى اللَّ ًو ىك َّ‬
‫وؿ إًف ي نتي ٍم تيػ ٍؤمنيو ىف بًاللَّو ىكالٍيىػ ٍوـ ااخ ًر ىذل ى ىخ ٍيػ هر ىكأ ٍ‬
‫ىح ىس ين‬ ‫الر يس ً‬
‫تىأٍ ًكيالن}(سورة النساء‪ ،)59:‬كيكوف التحاكم إذل سنتو كشريعتو بعده ‪.‬‬

‫ٍم ًو فىػ ىق ى‬
‫الص ٍد ًر غبك ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫اذل بًالت ً‬
‫اؿ ‪{:‬فىالى ىكىربِّك ى الى‬ ‫َّسلي ًم غبي ٍك ًم ىر يسوؿ اهلل ‪ ‬ىكانٍشىر ًاح َّ ي‬ ‫ىكقى ٍد أ ىىمىر اهللي تىػ ىع ى ٍ‬
‫يما ىش ىج ىر بىػ ٍيػنىػ يه ٍم ثي َّم الى يى ًج يدكا فًي أىنٍػ يف ًس ًه ٍم ىح ىر نجا ًم َّما قى ى ٍي ى‬
‫ت ىكيي ىسلِّك يموا‬ ‫يػ ٍؤًمنيو ىف حتَّى يح ِّككم ى ً‬
‫وؾ ف ى‬ ‫ى يى ي‬ ‫ي‬
‫يما}(النساء‪)65 :‬‬ ‫ً‬
‫تى ٍسل ن‬

‫‪ -‬كمن طاعتو ‪‬اتباع سنتو كالعمل بها‪.‬‬

‫لقد أكجب اهلل على العباد طاعة رسولو ‪ ‬كاتباعو‪ ،‬كلقد عمل السلف دبا أكجبو اهلل تعاذل فأخذكا‬
‫بسنة نبيهم ‪ ‬كعملوا هبا أمرا كّنيا كخربا‪ ،‬فكانت أقوالو كأفعالو كتقريراتو ىي اؼبصدر الثاين بعد كتاب اهلل‬

‫) إعالـ اؼبوقعُت البن قيم اعبوزية ‪ 48/1‬ط‪/‬دار اعبيل بَتكت ‪1973‬ـ‪.‬‬ ‫(‬
‫) كما جاء يف قولو ‪" :‬أال إين أكتيت الكتاب كمثلو معو‪ "..‬اغبديث‪ ،‬كأخرجو أبو داكد يف سننو(‪ )10 /5‬ح ‪4604‬‬ ‫(‬
‫) أخرجو مسلم كتاب اإلمارة‪ ،‬باب كجوب طاعة األمراء يف غَت معصية كربرديها يف اؼبعصية (‪)15 /6‬‬ ‫(‬
‫) أخرجو البخارم ح ‪ ،7257‬كفتح البارم (‪ ،)233 /13‬كمسلم (‪.)15 /6‬‬ ‫(‬
‫) أخرجو مسلم (‪ .)12 /6‬كأخرجو البخارم ح ‪ ،7144‬كفتح البارم (‪.)122 ،121 /13‬‬ ‫(‬
‫عز كجل الذم تستقي منو األمة أحكامها كتشريعاهتا يف شىت شؤكف حياهتا‪ .‬كيعتقد السلف أف للسنة‬
‫استقالليتها يف تشريع األحكاـ كىي كالقرآف يف ربليل اغبالؿ كربرًن اغبراـ‪ ،‬كاألحكاـ اليت سكت القرآف‬
‫عن بياف حكمها ككرد يف السنة بياّنا‪.‬‬

‫النيب ‪" ‬بىػلِّغيوا ىع ٍِّت ىكلى ٍو‬ ‫َّبي ‪‬فيما يتعلق بطاعتو‪ :‬نى ٍش ير ىد ٍع ىوتًًو‪:‬قى ى‬ ‫ً‬
‫)‬ ‫آيةن"(‬ ‫اؿ ُّ‬ ‫‪ -‬ىكم ٍن حقوؽ الن ِّك‬

‫كمن طاعتو كجوب التحاكم إليو‪ ،‬كالرضي حبكمو ‪ ‬كاإلدياف بأف ىديو أكمل اؽبدم كشريعتو‬
‫أكمل الشرائع كأف ال يقدـ عليها تشريعان أك نظاما مهما كاف مصدره‪.‬‬

‫التحذير من معصية الرسوؿ ‪ ،‬كحكم من خالفو‪.‬‬

‫كرد التحذير من معصية الرسوؿ ‪ ‬يف مواطن عدة من القرآف الكرًن‪ ،‬كقد جاء التحذير مصحوبا‬
‫ين يي ى الً يفو ىف ىع ٍن‬ ‫َّ ً‬
‫بالوعيد الشديد لذلك اؼبخالف العاصي كمن تلك اؼبواطن‪ :‬قولو تعاذل‪{ :‬فىػلٍيى ٍح ىذ ًر الذ ى‬
‫صيبػهم ع ىذ ً‬ ‫ً‬ ‫أ ٍىم ًرهً أى ٍف تي ً‬
‫ص اللَّوى ىكىر يسولىوي‬ ‫يم} (النور‪ ،)63:‬كقولو تعاذل‪ { :‬ىكىم ٍن يىػ ٍع ً‬ ‫صيبىػ يه ٍم ف ٍتػنىةه أ ٍىك يي ً ى ي ٍ ى ه‬
‫اب أىل ه‬
‫ص اللَّوى ىكىر يسولىوي فىػ ىق ٍد‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬
‫اب يم ًه ه‬
‫ين} ‪ ،‬كقولو تعاذل‪ { :‬ىكىم ٍن يىػ ٍع ً‬ ‫يها ىكلىوي ىع ىذ ه‬ ‫ىكيىػتىػ ىع َّد يح يد ى‬
‫كدهي يي ٍدخلٍوي نىاران ىخالدان ف ى‬
‫ل ى الالن يمبًينان}(األحزاب‪.)36:‬‬ ‫ى َّ‬
‫ص اللَّو كرسولىو فىً َّف لىو نىار جهنَّم ىخالً ًد ً‬
‫يها أىبىدان}(اعبن‪.)23:‬‬
‫ين ف ى‬
‫ى‬ ‫ي ى ىى ى‬ ‫كقولو تعاذل‪ { :‬ىكىم ٍن يىػ ٍع ً ى ى ى ي ي‬

‫ص اللَّوى ىكىر يسولىوي‬


‫{ ىكىم ٍن يىػ ٍع ً‬
‫أما على صعيد العقوبة األخركية فاقرأ اآلية األخرل كىي قولو تعاذل‪:‬‬
‫ً ً‬ ‫ً‬
‫ين} ‪ ،‬كعلى ىذا فإف اؼبخالف العاصي متوعد‬ ‫اب يم ًه ه‬
‫يها ىكلىوي ىع ىذ ه‬ ‫ىكيىػتىػ ىع َّد يح يد ى‬
‫كدهي يي ٍدخلٍوي نىاران ىخالدان ف ى‬
‫ص اللَّوى‬
‫بالعقوبتُت الدنيوية كاألخركية‪ ،‬إضافة إذل كصفو بالضالؿ البُت الواضح بقولو تعاذل‪ { :‬ىكىم ٍن يىػ ٍع ً‬
‫ىكىر يسولىوي فىػ ىق ٍد ى َّل ى الالن يمبًينان}‪ ،‬كيف ىذا الوصف كاعبزاء للمخالف حكم خبركجو عن دائرة اإلدياف‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬التأدب معو كتع يره كتوقيره كتعظيمو‪.‬‬

‫أكجب اهلل تعاذل األدب مع النيب ‪ ‬كىذا من حقوقو على اؼبسلمُت قاؿ تعاذل‪{ :‬يىا أىيُّػ ىها‬
‫يم } (البقرة‪)104:‬‬‫اعنا كقيوليوا انٍظيرنىا كاسمعوا كلً ٍل ىكافً ًرين ع ىذ ً‬
‫ً‬ ‫َّ ً‬
‫اب أىل ه‬
‫ى ى ه‬ ‫ٍ ى ٍ ىي ى‬ ‫آمنيوا ىال تىػ يقوليوا ىر ى ى‬
‫ين ى‬
‫الذ ى‬

‫البخارم كتاب بدء الوحي (‪ )207/4‬حديث‪.3461 :‬‬


‫ُّ‬ ‫) ركاه‬ ‫)‬
‫األدب يف ـباطبة نبيٌهم ‪ ‬ذبنبان‬
‫ٍ‬ ‫كيف ذلك يقوؿ الشيخ اعبزائرم‪ ":‬أمر اهلل تعاذل اؼبؤمنُت أف ييراعوا‬
‫للكؿـ ا ت اؼبشبوىة ككلمة راعنا –ككاف اليهود يقولوّنا لو استهزاءا‪ ،-‬إذ قد تكوف من الرعونة‪ ،‬كدل تدؿ‬
‫ك‪ ،‬كىذا ال يليق أف خياطب بو الرسوؿ ‪.‬‬ ‫ً‬
‫عليو صيغة اؼبفاعلة إذ كأّنم يقولوف راعنا نػيىراع ى‬

‫كأرشدىم تعاذل إذل كلمة سليمة من كل شبهة تنايف األدب كىي انظرنا‪ ،‬كأمرىم أف يسمعوا لنبيٌهم‬
‫االستً ٍهىزاءي بالرسوؿ ‪ ‬كاػبسرة منو كـباطبتو دبا يفهم‬
‫إذا خاطبهم حىت ال يضطركا إذل مراجعتو؛ إذ ٍ‬
‫كعلو شأنو كعظيم منزلتو كفر بواح‪.‬‬
‫االستخفاؼ حبقو ٌ‬
‫كأخرب تعاذل عباده اؼبؤمنُت بأف الكافرين من أىل الكتاب كمن غَتىم من اؼبشركُت الوثنيُت ال‬
‫حيبوف أف يينزؿ عليكم من خَت من ربكم كساء كاف قرآنيان حيمل أظبى اآلداب كأعظم الشرائع كأىدل‬
‫سبل السعادة كالكماؿ‪ ،‬أك كاف غَت ذلك من سائر أنواع اػبَتات‪ ،‬كذلك حسدان منهم للمؤمنُت كما‬
‫أخربىم أنو تعاذل خيتص برضبتو من يشاء من عباده فحسد الكافرين لكم ال دينع فضل اهلل عليكم كرضبتو‬
‫بكم مىت أرادكم بذلك‪ ،‬كيستفاد من اآليات‪:‬كجوب التأدب مع رسوؿ اهلل ‪ ‬يف ـباطبتو بعدـ‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬ ‫استعماؿ أم لفظة قد تفهم غَت ا ًإلجالؿ كا ًإلكبار لو ‪‬‬

‫كمن التأدب مع رسوؿ اهلل ‪ ‬عدـ رفع الصوت فوؽ صوتو كال عند حديثو قاؿ تعاذل‪:‬‬

‫ىصواتى يكم فىػو ىؽ صو ً‬


‫ت النَّبً ِّكي ىكىال تى ٍج ىه يركا لىوي بًالٍ ىق ٍوًؿ ى ىج ٍه ًر‬ ‫{ أىي َّ ً‬
‫آمنيوا ىال تىػ ٍرفىػ يعوا أ ٍ ى ٍ ٍ ى ٍ‬ ‫ين ى‬ ‫مُّػ ىها الذ ى‬
‫ى‬
‫ىصواتىػ يهم ًع ٍن ىد ر يس ً‬
‫وؿ اللَّ ًو‬ ‫َّ ً‬ ‫ً ً‬
‫ى‬ ‫ين يىػغي ُّو ىف أ ٍ ى ٍ‬ ‫بىػ ٍع يك ٍم لبىػ ٍع و أى ٍف تى ٍحبى ى أى ٍع ىمالي يك ٍم ىكأىنٍػتي ٍم ىال تى ٍش يع يرك ىف‪ .‬إً َّف الذ ى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً َّ ً‬
‫يم} (اغبجرات‪)3 ،2:‬‬ ‫ىج هر ىعظ ه‬ ‫ين ٍامتى ىح ىن اللَّوي قيػليوبىػ يه ٍم للتَّػ ٍق ىول لى يه ٍم ىمغٍف ىرةه ىكأ ٍ‬
‫أيكلىئ ى الذ ى‬
‫تطالب اآلية ادلؤمنُت بالتأدب مع رسوؿ اهلل ‪‬كتنىاىم رضي اهلل عنهم عن رفع أصواهتم فوؽ صوت‬
‫رسوؿ اهلل ‪ ‬إذا ىم ربدثوا معو كأكجب عليهم إجالؿ النيب كتعظيمو كتوقَته حبيث يكوف صوت أحدىم‬
‫إذا تكلم مع رسوؿ اهلل أخفض من صوت الرسوؿ ‪ ‬كلقد كاف أبو بكر الصديق رضي اهلل عنو إذا كلٌم‬
‫رسوؿ اهلل يساره الكالـ مسارة‪ ،‬كما ّناىم إذا ىم ناجوا رسوؿ اهلل ‪ ‬أف ال جيهركا لو بالقوؿ كجهر‬
‫بعضهم لبعض بل جيب عليهم توقَته كتعظيمو‪ .‬كأعلمهم أنو خيشى عليهم إذا ىم دل يوقركا رسوؿ اهلل كدل‬
‫جيلوه أف رببط أعماؽبم كما رببط بالشرؾ كالكفر كىم ال يشعركف‪ .‬إً ٍذ ىرفٍ يع الصوت للرسوؿ كنداؤه بأعلى‬

‫) أيسر التفسَت أليب اعبزائرم ‪ 45/1‬ط‪ /‬مكتبة العلوـ كاغبكم ‪2001‬ـ‪.‬‬ ‫(‬
‫الصوت يا ؿبمد كبأعلى األصوات إذا صاحبو استخفاؼ أك إىانة كعدـ مباالة صار كفران ؿببطان للعمل‬
‫قطعا‪ ،‬كيثٍت اهلل تعاذل على أقواـ يغضوف أصواهتم أم خيفضوّنا عند رسوؿ اهلل أم يف حضرتو كبُت يديو‬
‫كأيب بكر كعمر رضي اهلل عنهما ىؤالء خيرب تعاذل أنو امتحن قلوهبم للتقول أم كسعها كشرحها لتحمل‬
‫تقول اهلل كالرسوؿ ‪ ‬يقوؿ التقول ىا ىنا كيشَت إذل صدره ثالثا‪.‬‬

‫كمبا أف اهلل تعاذل قد قبض إليو نبيٌو كدل يبق بيننا رسوؿ اهلل نتكلم معو أك نناجيو فنخفض أصواتنا‬
‫عند ذلك فًإف علينا إذا ذكر رسوؿ اهلل ‪‬بيننا أك ذكر حديثو أف نتأدب عند ذلكفال نضحك كال نرفع‬
‫الصوت‪ ،‬كال نظهر أم استخفاؼ أك عدـ مباالة كإال خيشى علينا أف رببط أعمالنا ككبن ال نشعر‪،‬كعلى‬
‫الذم يغشوف مسجد رسوؿ اهلل ‪ ‬أف ال يرفعوا أصواهتم فيو إال لضركرة درس أكخطبة أك أذاف أك‬
‫)‪.‬‬ ‫إقامة"(‬

‫كمن مظاىر األدب مع الرسوؿ ‪ ‬كىي‪:‬‬

‫‪-1‬إجالؿ اسمو كتوقيره عند ذ ره‪ ،‬كالصالة كالسالـ عليو‪ ،‬كاستعظامو كتقدير شمائلو كف ائلو‪.‬‬

‫الصوت عند قبره‪ ،‬كفي مسجده لمن أ رمو اهلل ب يارتو‪ ،‬كشرفو بالوقوؼ على قبره‪.‬‬ ‫‪-2‬خف‬

‫ادل بًاس ًم ًو ‪ ‬بل بًوص ًف ًو‪ ،‬ىك ىقوًؿ‪ :‬يا رس ى ً‬ ‫ً‬


‫وؿ اهلل‪ ،‬يىا نىً َّ‬
‫يب‬ ‫ٍ ى ىي‬ ‫ىٍ ى ٍ‬ ‫َّبي ‪ ‬أالَّ ييػنى ى ٍ‬ ‫‪ -3‬ىكم ٍن مظاىر التأدب مع الن ِّك‬
‫وؿ بىػ ٍيػنى يك ٍم ى يد ىع ًاء بىػ ٍع ً يك ٍم بىػ ٍع ن ا}(النور‪.)63:‬‬
‫الر يس ً‬
‫اء َّ‬
‫اذل‪ {:‬ىال تى ٍج ىعليوا يد ىع ى‬ ‫اهللً؛ قى ى‬
‫اؿ تىػ ىع ى‬

‫َّبي ‪ ‬رعاية حرمة مسجده كقبره كمدينتو ‪‬‬ ‫ً‬


‫‪ -4‬ىكم ٍن التأدب مع الن ِّك‬

‫رابعان‪ :‬محبتو كتع يره كتوقيره كتعظيمو ‪‬‬

‫اؼبقصود باحملبة‪ :‬ؿببة اهلل سبحانو كتعاذل كؿببة رسولو ‪ ‬ككل ما يدخل يف فلكها كيدكر مع ؿبورىا‪،‬‬
‫كىذه احملبة من أعظم كاجبات اإلدياف كأكرب أصولو‪ ،‬بل كمن أكجب العبادات اؼبناطة بقلب اؼبؤمن‪،‬كىي‬
‫حق من حقوؽ النيب ‪ ‬ذلك ألنو البد يف إدياف القلب من حب اهلل كرسولو‪ ،‬كأف يكوف اهلل كرسولو ‪ ‬إليو‬

‫) تفسَت القرطيب ‪ 308/16‬ط‪/‬دار الكتب اؼبصرية ‪ ،1964‬أيسر التفسَت أليب اعبزائرم ‪118/4‬‬ ‫(‬
‫َّاس من يػتَّ ً يذ ًمن يد ً‬
‫كف اللَّ ًو أىنٍ ىدادان ي ًحبُّونىػهم ى ح ِّك ً َّ ً‬ ‫ً‬
‫آمنيوا‬ ‫ب اللَّو ىكالذ ى‬
‫ين ى‬ ‫ي يٍ ي‬ ‫ٍ‬ ‫فبا سوامها‪ ،‬قاؿ تعاذل‪ {:‬ىكم ىن الن ً ى ٍ ى‬
‫أى ىش ُّد يحبٌان لًلَّ ًو}(اؿبقرة‪)165:‬‬

‫فبُت سبحانو أف اؼبشركُت برهبم الذين يتخذكف من دكف اهلل أندادا‪ ،‬كإف كانوا حيبوّنم كما حيبوف‬
‫اهلل‪ ،‬فالذين آمنوا أشد حبا هلل منهم هلل كألكثاّنم ألف اؼبؤمنُت أعلم باهلل‪ ،‬كاغبب يتبع العلم‪ ،‬كألف‬
‫اؼبؤمنُت جعلوا صبيع حبهم هلل كحده‪ ،‬كأكلئك جعلوا بعض حبهم لغَته كأشركوا بينو كبُت األنداد يف‬
‫سو ىف ىكىر يجالن ىسلىمان‬‫ً‬ ‫ًً‬ ‫اغبب‪ ،‬كمعلوـ أف ذلك أكمل قاؿ تعاذل‪ { :‬ى ر ى َّ‬
‫ب اللوي ىمثىالن ىر يجالن فيو يش ىرى اءي يمتى ىشا ي‬ ‫ى‬
‫ف}(اؿزمر‪.)29:‬‬ ‫ٍح ٍم يد لًلَّ ًو بى ٍل أى ٍ ثىػ يريى ٍم ال يىػ ٍعلى يمو ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ل ىر يج ول ىى ٍل يى ٍستى ًويىاف ىمثىالن ال ى‬

‫ككثَت من الناس يدعي ؿببة اهلل تعاذل من غَت ربقيق ؼبوجباهتا قاؿ بعض السلف‪ :‬ادعى قوـ على‬
‫ً‬
‫عهد رسوؿ اهلل ‪ ‬أّنم حيبوف اهلل فأنزؿ اهلل ىذه اآلية {قي ٍل إً ٍف ي ٍنتي ٍم تيحبُّو ىف اللَّوى فىاتَّبً يعونًي يي ٍحبًٍب يك يم اللَّوي‬
‫ىكيىػغٍ ًف ٍر لى يك ٍم ذينيوبى يك ٍم} (آؿ عمراف‪ )31:‬كىذا ألف الرسوؿ ىو الذم يدعو إذل ما حيبو اهلل‪ ،‬كليس شيء حيبو‬
‫اهلل إال كالرسوؿ يدعو إليو‪ ،‬كليس شيء يدعو إليو الرسوؿ إال كاهلل حيبو‪ ،‬فصار ؿببوب الرب كمدعو‬
‫الرسوؿ متالزمُت بل ىذا ىو ىذا يف ذاتو‪ ،‬كإف تنوعت الصفات ‪ ،‬فكل من ادعى أنو حيب اهلل كدل يتبع‬
‫الرسوؿ فقد كذب‬

‫فمحبة اهلل كرسولو كعباده اؼبتقُت تقتضي فعل ؿببوباتو كترؾ مكركىاتو كالناس يتفاضلوف يف ىذا‬
‫‪ ،‬كمعلوـ أنو ال يتم اإلدياف‬ ‫تفاضال عظيما‪ ،‬فمن كاف أعظم نصيبا من ذلك كاف أعظم درجة عند اهلل‬
‫)‪.‬‬ ‫أمر(‬ ‫كاحملبة هلل إال بتصديق الرسوؿ فيما أخرب كطاعتو فيما‬

‫كثبات احملبة إَنا يكوف دبتابعة الرسوؿ ‪ ‬يف أعمالو كأقوالو كأخالقو‪ ،‬فبحسب ىذا االتباع يكوف‬
‫منشأ ىذه احملبة كثباهتا كقوهتا‪ ،‬كحبسب نقصانو يكوف نقصاّنا‪.‬‬

‫‪-‬عالمات محبتو ‪ ‬كالثواب المترتب عليها‪.‬‬


‫سن الشارع الكرًن عالمات كدالئل حملبة النيب ‪ ، ‬شرعت ليتسٌت من خالؽبا معرفة من يصدؽ يف‬
‫َّ‬
‫دعول ؿببتو للمصطفى ‪ ، ‬كمن أىم تلك العالمات ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬اإل ثار من ذ ره ‪.‬‬ ‫‪ -‬اتباعو كاألخذ بسنتو ‪.‬‬

‫) ؾبموع الفتاكل البن تيمية (‪ )366 /8‬ط‪ /‬دار الوفاء ‪ 2005‬طبعة ثالثة‪.‬‬ ‫(‬
‫النبي ‪.‬‬ ‫‪ -‬تمني رؤيتو كالشوؽ إلى لقائو‪ - .‬محبة من أحبهم‬

‫اهلل كرسولو‪.‬‬ ‫من أبغ‬ ‫‪ -‬النصيحة هلل كلكتابو كلرسولو كألئمة المسلمين كعامتهم‪ -.‬بغ‬

‫‪ -‬ثواب محبتو ‪ :‬احملبة من أفضل أعماؿ العباد كأحبها إذل اهلل عز كجل‪ ،‬فبها يذكؽ العبد حالكة‬
‫اإلدياف كما يف اغبديث ‪" :‬ثالث من كن فيو كجد حالكة اإلدياف‪ :‬أف يكوف اهلل كرسولو أحب إليو فبا‬
‫سوامها‪ ،‬كأف حيب اؼبرء ال حيبو إال هلل‪ ،‬كأف يكره أف يعود يف الكفر بعد أف أنقذه اهلل منو كما يكره أف‬
‫)‪.‬‬ ‫النار"(‬ ‫يقذؼ يف‬

‫‪ ‬عن‬ ‫كىي من أفضل اإلدياف كما يف حديث معاذ بن جبل رضي اهلل عنو أنو سئل رسوؿ اهلل‬
‫)‪.‬‬ ‫اهلل"(‬ ‫أفضل اإلدياف؟ قاؿ‪:‬أفضل اإلدياف أف ربب هلل كتبغض هلل يف اهلل كتعمل لسانك يف ذكر‬

‫‪ ،‬فقاؿ‪ :‬يا رسوؿ اهلل مىت‬ ‫كعن أنس بن مالك رضي اهلل عنو قاؿ‪ :‬جاء رجل إذل رسوؿ اهلل‬
‫الساعة؟ قاؿ‪" :‬كما أعددت للساعة؟ " قاؿ‪ :‬حب اهلل كرسولو‪ .‬قاؿ‪" :‬فإنك مع من أحببت"‪.‬‬

‫قاؿ أنس‪ :‬فما فرحنا بعد اإلسالـ فرحا أشد من قوؿ النيب ‪" ‬فإنك مع من أحببت " قاؿ أنس‪:‬‬
‫)‪.‬‬ ‫بأعماؽبم(‬ ‫فأنا أحب اهلل كرسولو كأبا بكر كعمر فأرجو أف أكوف معهم كإف دل أعمل‬

‫‪-‬كجوب تع يره كتوقيره كتعظيمو ‪ ‬على أمتو في حياتو كبعد مماتو‪:‬‬


‫إف تعظيم النيب ‪ ،‬كإجالؿق كتوقَته‪ ،‬شعبة عظيمة من شعب اإلدياف‪ ،‬كىذه الشعبة غَت شعبة‬
‫احملبةبل إف منزلتها كرتبتها فوؽ منزلة كرتبة احملبة ‪ ،‬ذلك ألنو ليس كل ؿبب معظما‪ ،‬فعلمنا بذلك أف‬
‫)‪.‬‬ ‫احملبة(‬ ‫التعظيم رتبتو فوؽ رتبة‬

‫فمن حق النيب ‪ ‬على أمتو أف يهاب كيعظم كيوقر كجيل أكثر من كل كلد لوالده كمن كل عبد‬
‫) كىو ما أمر اهلل بو يف كتابو‬ ‫لسيده‪ ،‬فهذا حق من حقوقو الواجبة لو فبا يزيد على لوازـ الرسالة(‬
‫سولً ًو ىكتيػ ىع ِّك يركهي ىكتيػ ىوقِّكػ يركهي}(الفتح‪)9:‬‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬
‫العزيز قاؿ تعاذل‪{ :‬لتيػ ٍؤمنيوا بًاللَّو ىكىر ي‬

‫) أخرجو البخارم كتاب بدء الوحي (‪ .)10/1‬حديث‪.16:‬‬ ‫(‬


‫) أخرجو اإلماـ أضبد حديث معاذ رضي اهلل عنو (‪ .)247 /5‬حديث‪.22183 :‬‬ ‫(‬
‫) خرجو مسلم باب‪ :‬اؼبرء مع من أحب ‪ 42/8‬حديث‪.6881:‬‬ ‫(‬
‫) اؼبنهاج يف شعب اإلدياف للحليمي (‪ )124 /2‬ط‪/‬دار الفكر ‪1979‬ـ‪.‬‬ ‫(‬
‫‪ -‬تعظيم األمة للنبي ‪ ‬بعد مماتو ‪ :‬إذا كاف تعظيم النيب ‪ ‬من األمور التعبدية اليت تعبد اهلل هبا‬
‫عباده‪ ،‬فالعبادات مبناىا على الشرع كاالتباع‪ ،‬ال على اؽبول كاالبتداع‪.‬‬

‫كتعظيم اعبوارح لو ‪ :‬فهو العمل بشريعتو‪ ،‬كالتأسي بسنتو‪ ،‬كاألخذ بأكامره ظاىرا كباطنا‪،‬‬
‫كالتمسك هبا كاغبرص عليها‪ ،‬كربكيم ما جاء بو يف األمور كلها‪ ،‬كالرضا حبكمو كالتسليم لو‪ ،‬كالسعي يف‬
‫إظهار دينو‪ ،‬كنصر ما جاء بو‪ ،‬كتبليغ رسالتو للناس كدعوهتم لإلدياف بو كالذب عن سنتو كالدفاع عنها‬
‫كتعلمها كتعليمها كخدمتها‪ ،‬كاؼبواالة كاؼبعاداة كاغبب كالبغض ألجلو‪ ،‬كجهاد من خالفو‪ ،‬كاالجتناب عما‬
‫ّني عنو كزجر‪ ،‬كالبعد عن معصيتو كـبالفتو كاغبذر من ذلك‪ ،‬كالتوبة كاالستغفار عما كقع فيو الزلل‬
‫كالتقصَت‪.‬‬

‫قاؿ شيخ اإلسالـ ابن تيمية رضبو اهلل‪" :‬كإَنا تعظيم الرسل بتصديقهم فيما أخربكا بو عن اهلل‬
‫) فاالتباع ىو احملك الذم دييز من خاللو‬ ‫كطاعتهم فيما أمركا بو كمتابعتهم كؿببتهم كمواالهتم"(‬
‫مدل صدؽ مدعي التعظيم يف دعواه تلك‪ .‬إذ كيف يعقل أك يتخيل أف يدعي شخص تعظيم النيب‬
‫كتوقَته كىو ال يلتزـ دبا جاء بو من أمر أك ّني‪ ،‬كال يقيم كزنا كال اعتبارا ؼبا جاء بو‪.‬‬

‫ككذلك من توقَت النيب ‪‬توقَته يف آلو كأزكاجو أمهات اؼبؤمنُت ‪ ،‬كتوقَته ‪ ‬يف أصحابو رضواف اهلل‬
‫عليهم‪ ،‬كحفظ حرمة اؼبدينة النبوية‪.‬‬

‫كمن ؿببتو ‪‬كثرة الصالة كالسالـ عليو‪ ،‬ؼلقد أمرنا اهلل تبارؾ كتعاذل أف نصلي كنسلم على نبينا‬
‫ؿبمد ‪ ، ‬كذلك تشريف منو عز كجل لنبيو كرسولو ‪ ‬كإظهار لالحًتاـ كالتعظيم الذم شرعو يف حقو‬
‫صلُّوا ىعلىٍي ًو ىك ىسلِّك يموا‬
‫آمنيوا ى‬
‫َّ ً‬ ‫ً‬
‫صلُّو ىف ىعلىى النَّب ِّكي يىا أىيُّػ ىها الذ ى‬
‫ين ى‬
‫ً‬
‫فقد قاؿ تعاذل‪ { :‬إً َّف اللَّوى ىكىمالئ ىكتىوي يي ى‬
‫تى ٍسلًيمان}(األحزاب ‪ )56‬فهذه اآلية فيها من تعظيم النيب ‪ ‬كالتنويو بو ما ليس يف غَتىا‪ ،‬كذلك بسبب‬
‫ما فيها من سبييز للنيب ‪ ‬عند ذكره كال شك أف ذلك فيو رفع لقدره كإعالء ؼبكانتو يف حياتو كبعد‬
‫موتو‪.‬‬

‫) اؼبقصود ىنا‪ :‬أنو جيوز أف يبعث اهلل رسوال كال يوجب لو ىذا اغبق خبالؼ اإلدياف كاالتباع فإّنما من لوازـ الرسالة‪.‬‬ ‫(‬
‫) كتاب الرد على األخنائي البن تيمية (ص ‪ )25 ،24‬ط‪ /‬اؼبطبعة السلفية بالقاىرة‪.‬‬ ‫(‬
‫يفية الصالة على النبي ‪ :‬عن كعب بن عجرة رضي اهلل عنو قاؿ‪" :‬إف النيب ‪ ‬خرج علينا‬
‫فقلنا‪ :‬يا رسوؿ اهلل‪ ،‬قد علمنا كيف نسلم عليك‪ ،‬فكيف نصلي عليك؟ قاؿ‪" :‬قولوا اللهم صل على‬
‫ؿبمد كعلى آؿ ؿبمد كما صليت على آؿ إبراىيم إنك ضبيد ؾبيد‪ ،‬اللهم بارؾ على ؿبمد كعلى آؿ‬
‫)‪.‬‬ ‫عليو(‬ ‫ؿبمد كما باركت على آؿ إبراىيم إنك ضبيد ؾبيد" متفق‬

‫‪ -‬مواطن الصالة عليو ‪‬كتستحب الصالة على النيب ‪ ‬يف آخر التشهد ‪ -‬آخر القنوت ‪ -‬يف صالة‬
‫اعبنازة بعد التكبَتة الثانية‪ -‬خطبة اعبمعة كالعيدين‪ ،‬كاالستسقاء‪ ،‬كغَتىا‪ -‬بعد إجابة اؼبؤذف كعند اإلقامة ‪-‬‬
‫عند الدعاء ‪ -‬عند دخوؿ اؼبسجد كعند اػبركج منو ‪ -‬عند اجتماع القوـ قبل تفرقهم ‪ -‬عند ذكره ‪ -‬يوـ‬
‫اعبمعة‪.‬‬

‫‪ -‬ف ل الصالة على النبي ‪ .‬عن عبد الرضبن بن عوؼ قاؿ‪ :‬أتيت النيب ‪ ‬كىو ساجد فأطاؿ‬
‫السجود قاؿ‪" :‬أتاين جربيل قاؿ‪ :‬من صلى عليك صليت عليو‪ ،‬كمن سلم عليك سلمت عليو‪،‬‬
‫)‪.‬‬ ‫شكرا"(‬ ‫فسجدت هلل‬

‫كاؼبتأمل يف ىذه األحاديث يعرؼ عظم فضل الصالة على النيب ‪ .‬كقد ذكر ابن القيم رضبو اهلل‬
‫يف الباب الرابع من كتابو القيم جالء األفهاـ عددا من الفوائد كالثمرات اغباصلة بالصالة عليو ‪‬منها‬
‫ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬موافقة مالئكتو فيها‪.‬‬ ‫‪ -‬امتثاؿ أمر اهلل تعاذل‪.‬‬

‫‪ -‬موافقتو سبحانو يف الصالة عليو ‪ ، ‬كإف اختلفت الصالتاف‪ ،‬فصالتنا عليو دعاء كسؤاؿ‪،‬‬
‫كصالة اهلل تعاذل عليو ثناء كتشريف‪ - .‬حصوؿ عشر صلوات من اهلل على اؼبصلي مرة‪.‬‬

‫‪ -‬أنو يرفع عشر درجات‪ - .‬أنو يكتب لو عشر حسنات‪.‬‬

‫‪ -‬أنو ديحي عنو عشر سيئات‪ -.‬أّنا سبب لشفاعتو ‪ ‬إذا قرّنا بسؤاؿ الوسيلة لو‪.‬‬

‫) أخرجو البخارم كتاب بدء الوحي (‪ )159/2‬حديث‪.3669:‬‬ ‫(‬


‫أخرجو إظباعيل القاضي يف فضل الصالة على النيب ‪( ‬صػ‪ ،5‬كاإلماـ أضبد‪ ،)191/1‬كاؽبيثمي يف ؾبمع الزكائد‬
‫(‪)287/2‬كاغباكم يف اؼبستدرؾ (‪.)222 /1‬‬
‫‪ -‬أنو يرجى إجابة دعائو إذا قدمها أمامو‪ ،‬فهي تصاعد الدعاء إذل عند رب العاؼبُت‪.‬‬

‫‪ -‬أّنا سبب لغفراف الذنوب‪ -.‬أّنا سبب لكفاية اهلل العبد ما أمهو‪.‬‬

‫‪ -‬أّنا سبب لقرب العبد منو ‪ ‬يوـ القيامة‪.‬‬

‫‪ -‬أّنا سبب لدكاـ ؿببتو للرسوؿ ‪ ‬كزيادهتا كتضاعفها‪ ،‬كذلك عقد من عقود اإلدياف الذم ال يتم‬
‫إال بو‪ ،‬ألف العبد كلما أكثر من ذكر احملبوب‪ ،‬كاستحضاره يف قلبو‪ ،‬كاستحضار ؿباسنو كمعانيو اعبالبة غببو‪،‬‬
‫تضاعف حبو لو كتزايد شوقو إليو‪ ،‬كاستوذل على صبيع قلبو‪،‬فقلب اؼبؤمن توحيد اهلل كذكر رسولو مكتوباف‬
‫فيو ال يتطرؽ إليهما ؿبو كال إزالة كدكاـ الذكر سبب لدكاـ احملبة‪ ،‬فالذكر للقلب كاؼباء للزرع‪ ،‬بل كاؼباء‬
‫للسمك‪ ،‬ال حياة لو إال بو‪.‬‬

‫‪ -‬أف الصالة عليو ‪ ‬سبب حملبتو للعبد‪ ،‬فإّنا إذا كانت سببا لزيادة ؿببة اؼبصلي عليو لو‪ ،‬فكذلك‬
‫ىي سبب حملبتو ىو للمصلى عليو ‪.‬‬

‫‪ -‬أّنا سبب ؽبداية العبد كحياة قلبو‪ ،‬فإنو كلما أكثر الصالة عليو كذكره‪ ،‬استولت ؿببتو على قلبو‪،‬‬
‫حىت أللقى يف قلبو معارضة لشيء من أكامره كالشك يف شيء مم اجاء بو‪ ،‬بل يصَت ما جاء بو مكتوبا‬
‫مسطورا يف قلبو ال يزاؿ يقرؤه على تعاقب أحوالو‪ ،‬كيقتبس اؽبدل كالفالح كأنواع العلوـ منو‪ ،‬ككلما ازداد‬
‫يف ذلك بصَتة كقوة كمعرفة ازدادت صالتو عليو ‪.‬‬

‫‪ -‬أّنا سبب لعرض اسم اؼبصلي عليو ‪ ‬كذكره عنده‪ ،‬كما تقدـ قولو ‪" ‬إف صالتكم معركضة‬
‫علي" ككفى بالعبد نبال أف يذكر اظبو بُت يدم رسوؿ اهلل ‪.‬‬

‫‪ -‬أف الصالة عليو ال أداء ألقل القليل من حقو‪ ،‬كشكر لو على نعمتو اليت أنعم اهلل ال علينا‪ ،‬مع‬
‫أف الذم يستحقو من ذلك ال حيصى علما كال قدرة كال إرادة‪ ،‬كلكن اهلل سبحانو لكرمو رضي من عباده‬
‫باليسَت من شكره كأداء حقو‪ ،‬كأّنا متضمنة لذكر اهلل كشكره‪ ،‬كمعرفة إنعامو على عبده بإرسالو‪.‬‬

‫فعن أيب ىريرة رضي اهلل عنو قاؿ‪ :‬قاؿ‪ :‬رسوؿ اهلل ‪" :‬رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل‬
‫علي‪ ،‬كرغم أنف رجل دخل عليو رمضاف مث انسلخ قبل أف يغفر لو‪ ،‬كرغم أنف رجل أدرؾ عنده أبواه‬
‫) كعن اغبسُت بن علي بن أيب طالب رضي اهلل عنهما قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ اهلل‬ ‫اعبنة" (‬ ‫الكرب فلم يدخاله‬
‫)‪.‬‬ ‫علي"(‬ ‫‪" ‬البخيل من ذكرت عنده فلم يصل‬

‫خامسان‪ :‬الدفاع كالفداء عن سنتو ‪.‬كالنهي عن الغلو في حقو ‪‬‬

‫لقد بذؿ الصحابة رضي اهلل عنهم أنفسهم كأىليهم كأمواؽبم فداء ؽبذا الدين كدفاعا عنو كعن رسوؿ اهلل‬
‫‪ ،‬كترددت ىذه العبارة‪ :‬فداؾ أبي كأمي يا رسوؿ اهلل بصيغة اإلفراد كاعبمع من الرجاؿ كالنساء‬
‫كالصبياف؛ ألّنم علموا قدره ‪ ، ‬كأدركوا ما كانوا فيو من جاىلية جهالء فأكرمهم اهلل هبذا الدين كهبذا‬
‫النيب‪ ،‬كىذا حقو ‪‬عليهم حياًّ‪ ،‬كحق علينا كعلى كل افراد أمتو أف ندافع عنو كعن سنتو بعد فباتو‪،‬‬
‫ً‬ ‫فإف كاف اهلل سبحانو كتعاذل قد قاؿ‪ {:‬إًنَّا ى ىفٍيػنى ى‬
‫ين }(اغبجر‪ )95:‬كعصمو فبن أرادكا قتلو‪،‬‬ ‫اؾ ال يٍم ٍستىػ ٍه ًئ ى‬
‫كانتقم لو فبن نالوا منو‪ ،‬فإف الصحابة قد قدموا ما يستطيعوف للدفاع عنو‪.‬‬
‫كمظٍ ًههر لً ًدينً ًو‬
‫كسبَّو‪ ،‬ي‬
‫منتقم لرسولو فبن طعن عليو ى‬ ‫إف اهلل ه‬ ‫يقوؿ شيخ اإلسالـ ابن تيمية رضبو اهلل ‪َّ " :‬‬
‫ب الكاذب إذا دل ديكن الناس أف يقيموا عليو اغبد‪ ،‬كنظَت ىذا ما ىح َّدثػىنىاه ه‬
‫أعداد من اؼبسلمُت‬ ‫كلً ىك ًذ ً‬
‫ص ًر اغبصوف كاؼبدائن اليت بالسواحل الشامية‪،‬‬ ‫و‬ ‫و‬
‫عما جربوه مرات متعددة يف ىح ٍ‬ ‫الع يدكؿ‪ ،‬أىل الفقو كاػبربة‪َّ ،‬‬
‫ي‬
‫ص ىن أك اؼبدينة الشهر أك أكثر‬ ‫ً‬
‫ص ير اغب ٍ‬‫ؼبا حصر اؼبسلموف فيها بٍت األصفر يف زماننا‪ ،‬قالوا‪ :‬كنا كبن ىٍكب ي‬
‫عرضو‬‫الوقيعة يف ً‬ ‫رسوؿ اهلل ك ً‬
‫ب ً‬ ‫فبتنع علينا حىت نكاد نيأس منو‪ ،‬حىت إذا تعرض أىليوي لً ىس ِّ‬ ‫من الشهر كىو ه‬
‫تىػ ىع َّجلنا فتحو كتيى َّسر‪ ،‬كدل يكد يتأخر إال يومان أك يومُت أك كبو ذلك‪،‬مث يفتح اؼبكاف عنوة‪ ،‬كيكوف فيهم‬
‫)‪ ،‬كقد مدح حساف بن ثابت رسوؿ اهلل‪‬قائال‪:‬‬ ‫ملحمة"(‬

‫وؿ اللَّ ًو ًم ٍن يك ٍم‪،‬كيمدحوي‪ ،‬كينصرهي سواءي‪.‬‬


‫فى ىم ٍن يىػ ٍه يجو ىر يس ى‬

‫)‬ ‫منكم كقاءي(‬ ‫و‬ ‫ً‬


‫يلعرر محمد ٍ‬ ‫فى ٌف أبي ىكىكالً ىدهي ىك ًع ٍر‬

‫شك يف َّ‬
‫أف قضية الدفاع عن الرسوؿ‪ ‬ىي الشغل الشاغل لألمة يف ىذه األياـ بعد اؽبجمة‬ ‫كال َّ‬
‫الشرسة من الصحافة كاإلعالـ الغريب عليو ‪ ،‬كإف على كل مؤمن حيب اهلل تعاذل كرسولو ‪ ‬كيغار‬

‫) سنن الًتمذم باب قوؿ الرسوؿ صلى اهلل عليو كسلم رغم أنف ‪ 550/5‬حديث ‪.3545‬‬ ‫(‬
‫) مسند أضبد بن حنبل باب‪ :‬حديث اغبسُت بن علي رضي اهلل عنو ‪ 201/1‬حديث‪.1726:‬‬ ‫(‬
‫) الصارـ اؼبسلوؿ على شامت الرسوؿ البن تيمية ‪ 115/1‬ط‪ /‬اغبرس الوطٍت السعودم ‪1421‬ق‪.‬‬ ‫(‬
‫) ديواف حساف بن ثابت باب‪ :‬عفت ذات األصابع فاعبواء ‪ 1/1‬ط‪/‬دار الكتب العلمية ‪1994‬ـ‪.‬‬ ‫(‬
‫لدينو أف يسعى لنصرة نبيو ك حبيبو ؿبمد ‪ ‬كل من موقعو كحسب قدرتو كاستطاعتو‪ ،‬كنصرة النيب ‪‬‬
‫تكوف دبا يلي‪:‬‬
‫وؿ فى ي يذكهي ىكىما‬
‫الر يس ي‬
‫‪ -1‬اتباع سنتو ك تطبيقها كاالىتداء هبديو كطاعتو قاؿ تعاذل‪{:‬ىكىما آتىا ي يم َّ‬
‫اب }‪.‬كقاؿ تعاذل ‪{:‬كاف تطيعوه تهتدكا}‬ ‫نىػ ىها ي ٍم ىعٍنوي فىانٍػتىػ يهوا ىكاتَّػ يقوا اللَّوى إً َّف اللَّوى ىش ًدي يد ال ًٍع ىق ً‬

‫‪-2‬تنشئة األطفاؿ كاألجياؿ منذ الصغر على ؿببة الرسوؿ ‪ ‬كالدفاع عنو ك التأسي بسَتتو كاالقتداء بو‪.‬‬
‫‪ -3‬قياـ العلماء كالدعاة كاػبطباء كاؼبربُت بدكرىم يف ذلك‪.‬‬
‫‪ -4‬إعداد برامج للتعريف بالنيب ‪ ، ‬سواء عرب كسائل اإلعالـ اؼبرئية كاؼبسموعة كاؼبقركءة‪.‬‬
‫‪ -5‬كضع اؼبؤلفات اليت تبُت سَتة النيب ‪ ‬كسنتو كىديو كمشائلو كرضبتو‪ ،‬كجبميع اللغات‪.‬‬
‫‪ -6‬إنشاء مواقع على الشبكة العنكبوتية لنصرة النيب ‪.‬‬
‫‪ -7‬استنكار ما حدث كلو بالقلب فقد قاؿ النيب ‪: ‬من رأل منكم منكرا فليغَته بيده فمن دل يستطع‬
‫فبلسانو فمن دل يستطع فبقلبو ك ذلك أضعف االدياف‪ ،‬فالتغيَت باليد ك اللساف يكوف بػ‪:‬‬
‫‪ -‬إرساؿ رسائل االستنكار ك التنديد‪ ،‬كرفع الصوت باإلنكار ليسمع القاصي كالداين‪.‬‬
‫‪ -‬االستمرار دبقاطعة بضائع كل دكلة تينشر فيها ىذه الرسوـ اؼبسيئة‪.‬‬
‫‪ -‬مقاضاة الصحف ‪-‬اليت تسيء إذل النيب ‪ ‬أك إذل اإلسالـ‪ -‬كالقائمُت عليها كالناشرين كاؼبؤلفُت ؽبذه‬
‫اإلساءات ليكونوا عربة ؼبن تسوؿ لو نفسو التطاكؿ على مقدساتنا اإلسالمية‪.‬‬

‫رسوؿ اهلل‪‬ىو عبد هلل كرسولو‪ ،‬كىو أفضل األنبياء كاؼبرسلُت‪ ،‬كىو سيد األكلُت كاآلخرين‪ ،‬كىو‬
‫ؼ‬
‫صاحب اؼبقاـ احملمود‪ ،‬كاغبوض اؼبوركد‪ ،‬كلكنو مع ذلك بشر ال ديلك لنفسو كال لغَته ضران كال نفعان إال‬
‫اء اللَّوي ىكلى ٍو ي ي‬ ‫ً ً ً‬
‫نت أى ٍعلى يم‬ ‫ما شاء اهلل كما قاؿ تعاذل‪{ :‬قيل الَّ أ ٍىمل ي لنىػ ٍفسي نىػ ٍف نعا ىكالى ى ِّرا إًالَّ ىما ىش ى‬
‫السوءي إً ٍف أىنىاٍ إًالَّ نى ًذ هير ىكبى ًش هير لِّك ىق ٍووـ ييػ ٍؤًمنيو ىف} (األعراؼ‪،)188:‬‬
‫ت ًم ىن الٍ ى ٍي ًر ىكىما ىم َّسنً ىي ُّ‬
‫ب الى ٍستى ٍكثىػ ٍر ي‬
‫الٍغىٍي ى‬
‫كقاؿ ‪ ":‬ال تطركين كما أطرت النصارل عيسى بن مرًن"( )‪.‬‬

‫كالغلو يف الشرع‪:‬ىو ؾباكزة حدكد ما شرع اهلل سواء كاف ذلك التجاكزيف جانب االعتقاد أك القوؿ أك‬
‫العمل‪.‬‬

‫) صحيح البخارم كتاب بدء الوحي ‪ 204/4‬حديث‪.3445:‬‬ ‫(‬


‫)‪.‬‬ ‫ثالثنا(‬ ‫عن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنو قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ اهلل ‪" :‬ىلك اؼبتنطعوف"‪ :‬قاؽبا‬

‫)‪.‬‬ ‫قاؿ النوكم‪" :‬ىلك اؼبتنطعوف"‪ :‬أم اؼبتعمقوف الغالوف اجملاكزكف اغبدكد يف أقواؽبم كأفعاؽبم(‬

‫)‪ ،‬فهذا اغبديث موافق ؼبا‬ ‫كقاؿ أيضا‪" :‬اؼبتنطعوف‪ :‬اؼبتعمقوف اؼبشددكف يف غَت موضع التشديد" (‬
‫‪‬‬ ‫جاء يف اغبديث السابق من اإلخبار هبالؾ أصحاب الغلو‪ .‬كىناؾ أحاديث كثَتة ّني فيها النيب‬
‫أصحابو رضواف اهلل عليهم عن الغلو يف جوانب معينة من الدين نذكر اثنُت منها على سبيل اؼبثاؿ ال‬
‫على سبيل اغبصر‪.‬‬

‫‪ ‬يسألوف عن‬ ‫فعن أنس بن مالك رضي اهلل عنو قاؿ‪ " :‬جاء ثالثة رىط إذل بيوت أزكاج النيب‬
‫عبادة النيب ‪ ‬فلما أخربكا كأّنم تقالوىا‪ .‬فقالوا‪ :‬كأين كبن من النيب ‪ ‬كقد غفر لو ما تقدـ من ذنبو‬
‫كما تأخر؟ قاؿ أحدىم‪ :‬أما أنا فأنا أصلي الليل أبدا‪ .‬كقاؿ آخر‪ :‬أنا أصوـ الدىر كال أفطر‪ .‬كقاؿ آخر‪:‬‬
‫أنا أعتزؿ النساء فال أتزكج أبدا‪ .‬فجاء رسوؿ اهلل اؿ فقاؿ‪ " :‬أنتم الذين قلتم كذا ككذا؟ أما كاهلل إين‬
‫ألخشاكم هلل كأتقاكم لو‪ ،‬لكٍت أصوـ كأفطر‪ ،‬كأصلي كأرقد‪ ،‬كأتزكج النساء فمن رغب عن سنيت فليس‬
‫)‪.‬‬ ‫مٍت "(‬

‫كّني النيب أف يصلى إذل القرب أك يتخذ مسجدا أك عيدا أك يوقد عليو سراج‪ ،‬بل مدار دينو على‬
‫ىذا األصل‪-‬أم ذبريد التوحيد‪ -‬الذم ىو قطب رحا النجاة‪ ،‬كدل يقرر أحد ما قرره ‪ ‬بقولو كفعلو كسد‬
‫)‪.‬‬ ‫الذرائع اؼبنافية لو‪ ،‬فتعظيمو ‪ ‬دبوافقتو على ذلك ال مناقضتو فيو(‬

‫‪ -‬توس السلف في حق النبي ‪:‬‬

‫السلف من الصحابة كالتابعُت كتابعيهم بإحساف إذل يوـ الدين ساركا يف ىذا الشأف كفق نصوص‬
‫القرآف كالسنة الصحيحة شأّنم يف ذلك االتباع كترؾ االبتداع‪.‬‬

‫) أخرجو مسلم باب ىلك اؼبتنطعوف (‪ )58/8‬حديث ‪.4‬‬ ‫(‬


‫) شرح النوكم على صحيح مسلم (‪ )220/16‬ط‪ /‬دار إحياء الًتاث العريب – بَتكت‪.‬‬ ‫(‬
‫) رياض الصاغبُت للنوكم باب االقتصاد يف الطاعة (ص ‪ )88‬ط‪/‬دار الكتب العلمية بَتكت ‪2001‬ـ‪.‬‬ ‫(‬
‫) أخرجو البخارم (‪.)2/7‬‬ ‫(‬
‫) تيسَت العزيز اغبميد يف شرح كتاب التوحيد لسليماف بن عبد اهلل بن ؿبمد بن عبد الوىاب صػ‪ 274‬ط‪/‬مكتبة الرياض‬ ‫(‬
‫اغبديثة‪.‬‬
‫‪ -1‬التأ يد على بشرية الرسوؿ ‪‬كعبوديتو هلل تعالى‪ :‬قاؿ تعاذل {قي ٍل إًنَّ ىما أىنىا بى ىش هر ًمثٍػلي يك ٍم‬
‫وحى إًلى َّي}(الكهف‪.)91:‬‬
‫يي ى‬

‫‪ -2‬التأ يد على أف الرسل ال يملكوف شيئا من خصائص األؿ كىية كالربوبية ‪ :‬قاؿ تعاذل‪{:‬قي ٍل‬
‫ً ً‬ ‫ً ً‬
‫وؿ لى يك ٍم إًنِّكي ىملى ه إً ٍف أىتَّبً يع إًالَّ ىما يي ى‬
‫وحى‬ ‫وؿ لى يك ٍم ع ٍندم ىخ ىائ ين اللَّو ىكال أى ٍعلى يم الٍغىٍي ى‬
‫ب ىكال أىقي ي‬ ‫ال أىقي ي‬
‫إًلى َّي}(األنعاـ‪)50:‬‬

‫‪ -3‬التنبيو على ما اف من حاؿ النصارل مع عيسى عليو السالـ كبياف فرىم في ذل ‪:‬‬

‫يح ابٍ ين ىم ٍريى ىم قي ٍل فى ىم ٍن يى ٍملً ي ًم ىن اللَّ ًو ىش ٍيئان إً ٍف‬ ‫ً‬


‫ين قىاليوا إً َّف اللَّوى يى ىو ال ىٍمس ي‬
‫َّ ً‬
‫قاؿ تعاذل {لى ىق ٍد ى ىف ىر الذ ى‬
‫ر ىج ًميعان} (اؼبائدة‪.)17:‬‬ ‫يح ابٍ ىن ىم ٍريى ىم ىكأ َّيموي ىكىم ٍن فًي األ ٍىر ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اد أى ٍف ييػ ٍهل ى ال ىٍمس ى‬
‫أ ىىر ى‬

‫‪ -4‬بياف فر من رفعهم إلى درجة الربوبية ‪ ،‬قاؿ تعاذل { ىكال يىأ يٍم ىري ٍم أى ٍف تىػتَّ ً يذكا ال ىٍمالئً ىكةى‬
‫ين أ ٍىربىابان أىيىأ يٍم يري ٍم بًالٍ يك ٍف ًر بىػ ٍع ىد إً ٍذ أىنٍػتي ٍم يم ٍسلً يمو ىف}(آؿ عمراف‪.)80:‬‬ ‫ً‬
‫ىكالنَّبيِّك ى‬

‫ق‪:‬‬
‫‪-‬كمن الدفاع عن النبي ‪ ‬بياف حكم التوسل كاالستغاثة كاالستشفاع ب‬

‫آمنيوا اتَّػ يقوا اللَّوى ىكابٍػتىػغيوا إًلىٍي ًو‬


‫ين ى‬
‫َّ ً‬
‫{يىا أىيُّػ ىها الذ ى‬ ‫كرد لفظ الوسيلة يف القرآف يف قولو تعاذل‬
‫الٍو ً‬
‫سيلىةى}(اؼبائدة‪)35:‬‬ ‫ى‬

‫كالوسيلة اليت أمر اهلل أف تبتغى إليو كأخرب عن مالئكتو كأنبيائو أّنم يبتغوّنا إليو ىي ما يتقرب بو‬
‫إليو من الواجبات كاؼبستحبات‪ ،‬كصباع الوسيلة اليت أمر اهلل اػبلق بابتغائها ىو التوسل إليو باتباع ما جاء‬
‫بو الرسوؿ‪.‬‬

‫ؿبمدا‬
‫كقولو ‪":‬من قاؿ حُت يسمع النداء اللهم رب ىذه الدعوة التامة كالصالة القائمة آت ن‬
‫ؿبمودا الذم كعدتو‪ ،‬حلت لو شفاعيت يوـ القيامة"( )‪.‬‬
‫مقاما ن‬
‫الوسيلة كالفضيلة‪ ،‬كبعثو ن‬

‫) أخرجو البخارم‪ ،‬كتاب األذاف‪ ،‬باب الدعاء عند األذاف حديث‪ ،614‬كفتح البارم (‪.)94/2‬‬ ‫(‬
‫كأما التوسل بالنيب ‪ ‬كالتوجو بو يف كالـ الصحابة فَتيدكف بو التوسل بدعائو كشفاعتو‪ ،‬كىذا كاف‬
‫يف حياتو كيكوف يوـ القيامة يتوسلوف بشفاعتو ‪ ،‬كالتوسل الشرعي ىو التقرب إذل اهلل بطاعتو كىذا النوع‬
‫يدخل فيو كل ما أمرنا اهلل بو كرسولو‪ ،‬كىذه الوسيلة ال طريق لنا إليها إال باتباع النيب ‪ ‬كطاعتو‪.‬‬

‫كاألعماؿ التي يتوسل كيتقرب بها إلى اهلل أنواع منها‪:‬‬

‫‪ -1‬التوسل إلى اهلل تعالى باإليماف بو كبرسولو ‪ ‬كبكل ما أمر بو‪.‬‬

‫‪ -2‬التوسل إلى اهلل بعبادتو كطاعتو‪ -3.‬التوسل بدعاء األحياء الصالحين للغير‪.‬‬

‫كىكذا يتضح لنا جليا أف التوسل اؼبشركع الذم دلت عليو نصوص الكتاب كالسنة‪ ،‬كجرل عليو‬
‫عمل السلف الصاحل كأصبع عليو اؼبسلموف ىو‪:‬‬

‫‪ -1‬التوسل إلى اهلل باألعماؿ الصالحة كعلى رأسها‪:‬‬

‫أ‪ -‬التوسل باإلدياف باهلل كبرسولو كبكل ما أمر بو‪.‬ب‪ -‬التوسل إذل اهلل بعبادتو كطاعتو‪.‬‬

‫ج‪ -‬التوسل إذل اهلل باالستغفار كالتسبيح كالدعاء‪.‬‬

‫‪ -2‬التوسل بدعاء األحياء الصالحين للغير‪.‬‬

‫كأما ما عدا تلك األنواع السابقة فهي توسالت غَت جائزة كغَت مشركعة ‪ ،‬كذلك كالتوسل بذكات‬
‫اؼبخلوقُت‪ ،‬أك جاىهم فيما ال يقدر عليو إال اهلل‪،‬سواء كانوا أحياء أـ أمواتنا‪ ،‬كسواء كانوا أنبياء أـ صاغبُت أـ‬
‫من عامة اؼبؤمنُت‪.‬‬

‫الشفاعة‪:‬لقد كاف الصحابة يستشفعوف بالنيب ‪ ‬يف االستسقاء كيطلبوف منو الدعاء‪ ،‬بل ككذلك‬
‫بعده استسقى عمر كاؼبسلموف بالعباس عمو‪ ،‬كىذا من الشفاعة يف الدنيا ‪ ،‬كيف يوـ القيامة يطلب الناس‬
‫الشفاعة من األنبياء كؿبمد ‪ ‬كىو سيد الشفعاء‪ ،‬كلو شفاعات خيتص هبا‪.‬‬

‫كلكن البد يف ىذه الشفاعة من الشرطُت السابقُت أم إذف اهلل للشافع كرضاه عن اؼبشفوع لو‪.‬‬
‫فالداعي الشافع ليس لو أف يدعو كيشفع إال بإذف اهلل يف ذلك‪ ،‬فال يشفع شفاعة ّني عنها‪:‬‬
‫آمنيوا أى ٍف يى ٍستىػ ٍغ ًف يركا‬ ‫ً ً َّ ً‬
‫ين ى‬‫كالشفاعة للمشركُت كالدعاء ؽبم باؼبغفرة قاؿ تعاذل { ىما ى ا ىف للنَّب ِّكي ىكالذ ى‬
‫ٍج ًح ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫لًل ً‬
‫يم}(التوبة‪،)113:‬‬ ‫اب ال ى‬‫ىص ىح ي‬ ‫ٍم ٍش ًر ى‬
‫ين ىكلى ٍو ى انيوا أيكلي قيػ ٍربىى م ٍن بىػ ٍعد ىما تىػبىػيَّ ىن لى يه ٍم أىنَّػ يه ٍم أ ٍ‬ ‫ي‬

‫كشرط الرضي غَت متحقق يف اؼبشفوع لو مع أف الشافع ىنا ىو خَت اػبلق كأعظمهم قدرا عند اهلل‬
‫تعاذل‪.‬‬

‫ككل داع شافع‪ ،‬دعا اهلل سبحانو كشفع‪ :‬فال يكوف دعاؤه كشفاعتو إال بقضاء اهلل كقدره كمشيئتو‪،‬‬
‫فهو الذم جييب الدعاء من صبلة األسباب اليت قدرىا اهلل سبحانو كتعاذل‪.‬‬

‫فالدعاء للغَت‪ ،‬ينتفع بو الداعي‪ ،‬كاؼبدعو لو‪ ،‬كإف كاف الداعي دكف اؼبدعو يف الدرجة كاؼبنزلة‪.‬‬

‫فمن قاؿ لغَته أدع رل كقصد انتفاعهما صبيعا بذلك كاف ىو كأخوه متعاكنُت على الرب كالتقول ‪،‬‬
‫كقد ثبت عنو ‪ ‬أنو قاؿ‪" :‬دعوة اؼبرء اؼبسلم ألخيو بظهر الغيب مستجابة‪ ،‬عند رأسو ملك موكل كلما‬
‫دعا ألخيو قاؿ اؼبلك اؼبوكل بو آمُت كلك دبثل" ( )‪ ،‬كعند النظر يف نصوص الشرع الواردة يف شفاعة‬
‫النيب ‪ ‬قبد أف ىناؾ شفاعة أخركية لو يف يوـ القيامة‪ ،‬كشفاعة دنيوية يف حياتو‪.‬‬

‫‪ ‬يشفع للخلق يوـ القيامة بعد أف‬ ‫أما الشفاعة األخركية‪ :‬فقد أصبع اؼبسلموف على أف النيب‬
‫يسألو الناس ذلك‪ ،‬كبعد أف يأذف اهلل لو يف الشفاعة ‪ ،‬كأىل السنة كاعبماعة متفقوف على ما اتفق عليو‬
‫‪ ‬يشفع ألىل الكبائر من أمتو‬ ‫الصحابة رضواف اهلل عليهم أصبعُت‪ ،‬كاستفاضت بو السنن من أنو‬
‫كيشفع لعموـ اػبلق‪.‬‬

‫فلو ‪ ‬شفاعات خيتص هبا ال يشركو فيها أحد‪ ،‬كشفاعات فيها كغَته من األنبياء كالصاغبُت‬
‫سواء‪ ،‬فإنو ‪ ‬أفضل اػبلق كأكرمهم على ربو عز كجل‪ ،‬كلو من الفضائل اليت ميزه اهلل هبا على سائر‬
‫النبيُت كمن ذلك اؼبقاـ احملمود الذم يغبطو بو األكلوف كاآلخركف‪ ،‬كأحاديث الشفاعة كثَتة متواترة منها‬
‫يف الصحيح أحاديث متعددة‪.‬‬

‫) أخرجو مسلم‪ ،‬كتاب الذكر كالدعاء كالتوبة كاالستغفار‪ ،‬باب فضل الدعاء للمسلمُت بظهر الغيب (‪.)86 /8‬‬ ‫(‬
‫أما الشفاعة الدنيوية (اليت كانت يف حياتو)‪ ،‬فقد أصبع أىل العلم على أنالصحابة كانوا يستشفعوف‬
‫بو كيتوسلوف بو يف حياتو حبضرتو‪ .‬كما ثبت يف أحاديث االستسقاء‪ ،‬كىذا االستشفاع ىو طلب للدعاء‬
‫منو‪ ،‬فإنو كاف يدعو للمستشفع كالناس يدعوف معو‪ ،‬كما جاء يف اغبديث الثابت يف االستسقاء أف‬
‫اؼبسلمُت ؼبا أجدبوا على عهد النيب ‪ ‬دخل عليو أعرايب فقاؿ‪ :‬يا رسوؿ اهلل ىلكت األمواؿ‪ ،‬كانقطعت‬
‫السبل‪ ،‬فادع اهلل يغيثنافرفع النيب ‪ ‬يديو كقاؿ‪" :‬اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا"( )‪.‬‬

‫فهذا يبُت أف معٌت االستشفاع بالنيب ‪ ‬ىو استشفاع بدعائو كشفاعتو‪ .‬كىذا ما فهمو الصحابة‬
‫كعملوا بو بعد كفاة النيب ‪ ‬فعمر بن اػبطاب استسقى بالعباس بن عبد اؼبطلب كقاؿ " ىكا ىف إً ىذا قى ىحطيوا‬
‫ً‬ ‫اس بٍ ًن ىعٍب ًد الٍمطَّلً ً‬
‫ك‬‫ك بًنىبًيِّػنىا فىػتى ٍسقينىا ىكإًنَّا نىػتىػ ىو َّس يل إًلىٍي ى‬
‫اؿ ‪ :‬اللَّ يه َّم إًنَّا يكنَّا نىػتىػ ىو َّس يل إًلىٍي ى‬
‫ب‪ ،‬فىػ ىق ى‬ ‫ي‬ ‫استى ٍس ىقى بًالٍ ىعبَّ ً‬ ‫ٍ‬
‫)‪ .‬ككذلك معاكية بن أيب سفياف ‪-‬ؼبا أجدب الناس بالشاـ‪-‬‬ ‫اس ًقنىا قى ى‬
‫اؿ فىػيي ٍس ىق ٍو ىف"(‬ ‫بً ىع ِّم نىبًيِّػنىا فى ٍ‬
‫استسقى بيزيد بن األسود اعبرشي فقاؿ‪" :‬اللهم إنا نستشفع كنتوسل خبيارنا‪ ،‬يا يزيد ارفع يديك "فرفع‬
‫)‪.‬‬ ‫يديو كدعا‪ ،‬كدعا الناس حىت سقوا"(‬

‫فهم دل يستسقوا كدل يتوسلوا كدل يستشفعوا يف ىذه اغباؿ بالنيب ‪ ‬ال عند قربه كال غَت قربه‪ ،‬بل‬
‫عدلوا إذل البدؿ كالعباس ككيزيد رضي اهلل عنهما ‪ ،‬فجعلوا ىذا بدال عن ذلك ؼبا تعذر أف يتوسلوا بو‬
‫على الوجو اؼبشركع‪.‬‬

‫كقد كاف من اؼبمكن أف يأتوا إذل قربه فيتوسلوا كيستشفعوا بو كيقولوا يف دعائهم يف الصحراء باعباه‬
‫ككبو ذلك من األلفاظ اليت تتضمن القسم باؼبخلوؽ على اهلل عز كجل أك السؤاؿ بو‪ ،‬فيقولوف نسألك‬
‫أك نقسم عليك أك نستشفع عليك أك نستشفع بنبيك أك جاه نبيك‪ ،‬ككبو ذلك فبا يفعلو بعض الناس ‪،‬‬
‫كىذا يؤكد كيربىن على أف التوسل بالذات يف حضور الشخص أك مغيبة أك بعد موتو أمر دل يشرعو ؽبم‬
‫الشارع كدل يكن معركفا عندىم‪.‬‬

‫أما عن االستغاثة بو ‪ ‬كاعتقاد أنو يعلم الغيب أك ينفع كيضر كيعطي كدينع يف ال يقدر على فعلو‬
‫قد ذكر شيخ اإلسالـ يف كتاب تلخيص‬ ‫إال اهلل تعاذل فهي ؿبرمة يف حياتو كبعد فباتو‪ ،‬ك‬

‫) أخرجو البخارم‪ :‬كتاب بدء الوحي(‪ )34/2‬حديث‪.1014:‬‬ ‫(‬


‫)أخرجو البخارم‪ :‬كتاب بدء الوحي(‪ )34/2‬حديث‪.1010:‬‬ ‫(‬
‫( أكرده ابن حجر يف اإلصابة (‪ ،)634 /3‬كالذىيب يف سَت أعالـ النبالء (‪.)137/4‬‬ ‫(‬
‫جوز االستغاثة بالرسوؿ ‪‬يف كل ما يستغاث فيو باهلل‪ ،‬كصنف‬
‫االستغاثة( )عن بعض أىل زمانو فبن ٌ‬
‫فيو مصنفا ‪ ،‬كرد على من يقوؿ أف النيب ‪‬يعلم مفاتيح الغيب اليت ال يعلمها إال اهلل ‪،‬أكيقدر على ما‬
‫يقدر اهلل عليو‪.‬‬

‫كمن ىؤالء من يقوؿ يف قوؿ اهلل تعاذل {كسبِّكحوهي بكٍرةن كأ ً‬


‫ىصيالن} (األحزاب‪ )42:‬إف الرسوؿ ‪ ‬ىو‬ ‫ىى ي ي ى ى‬
‫ندا كيقوؿ‬ ‫الذم يسبح بكرة كأصيال ‪ ،‬كمنهم من يقوؿ‪ :‬كبن نعبد اهلل كرسولو فيجعلوف الرسوؿ معبو‬
‫قائلهم‪:‬‬

‫كمن علومك علم اللوح كالقلم‬ ‫فإف من جودؾ الدنيا كضرهتا‬

‫فجعل الدنيا كاآلخرة من جوده‪ ،‬كجزـ بأنو يعلم ما يف اللوح احملفوظ( )‪.‬‬

‫كصلى اهلل على سيدنا ؿبمد كآلو كصحبو كسلم‪.‬‬

‫( ) الرد على البكرم البن تيمية (ص ‪ )218‬ط‪/‬مكتبة الغرباء األثرية باؼبدينة اؼبنورة ‪1417‬ق‪.‬‬
‫( ) تيسَت العزيز اغبميد (‪.)273‬‬
‫انفصم انثاٍَ‪ :‬حمىق أهم انثُد‬
‫وانصحاتح انكراو رضٍ اهلل ذعاىل‬
‫عُهى‪.‬‬
‫وفُه يثحثاٌ‬

‫املثحث األول‪ :‬حمىق أهم انثُد رضىاٌ اهلل‬


‫ذأنُف د‪ /‬عثذ انرمحٍ انعُزرٌ‬ ‫ذعاىل عهُهى‪.‬‬

‫املثحث انثاٍَ‪ :‬حمىق انصحاتح رضىاٌ اهلل‬

‫ذأنُف د‪ /‬صفىاٌ أمحذ يرشذ انثارلٍ ‪.‬‬ ‫ذعاىل عهُهى‪.‬‬


‫املثحث األول‪ :‬حمىق أهم انثُد رضىاٌ اهلل ذعاىل عهُهى‪.‬‬

‫إف من "أصوؿ عقيدة أىل السنٌة كاعبماعة أّنم يحيبوف أىل ً‬


‫بيت رسوؿ اهلل صلى الو عليو كسلم‬ ‫ى‬ ‫ٌ‬ ‫ي‬
‫كيتولوّنم ‪،‬كحيفظوف فيهم كصيةى رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كسلم "( )كيعرفوف ح ىقهم ‪،‬كمنزلتهم الرفيعة‬
‫كل ذلك كفق اؼبنهج‬‫‪ ،‬كمناقبهم اعبليلة‪ ،‬كجيعلوف ذلك عباد نة كقربةن يتقربوف هبا إذل اهلل جل كعال ‪،‬ك ي‬
‫يط أك غلو أك جفاء‬ ‫الشرعي الصحيح دكف إفراط أك تفر و‬
‫" بل بالعدؿ كاإلنصاؼ ال باؽبول كالتعسف ‪،‬كيعرفوف الفضل ؼبن صبع اهلل لو بُت شرؼ اإلدياف كالنسب "‬

‫كسنذكر يف ىذا اؼببحث حقوؽ أىل البيت ػرضي اهلل عنهم ػعلى األمة مقتصرين يف ذلك على ذكر‬
‫اغبقوؽ مع الدليل ككجو الداللة ‪،‬كقبل ذكر اغبقوؽ يستحسن أف نقف على تعريف أىل البيت ػرضي‬
‫اهلل عنهم ػلكي يكوف الطالب على در و‬
‫اية صحيحة دبن يستحق تلك اغبقوؽ ‪.‬‬

‫كسيت من المبحث على مطلبين‪:‬‬

‫الم لب األكؿ ‪:‬التعريف بأىل بيت النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم الذين ذبب ؽبم اغبقوؽ اؼبقررة شرعا‬

‫المطلب الثاني‪ :‬بياف اغبقوؽ الشرعية ألىل بيت النبوة كذكر النصوص الدالة على ذلك‬

‫المطلب األكؿ‪ :‬تعريف أىل البيت‬

‫أكالن‪ :‬التعريف الُّلغوم‬

‫أىل البيت أك آؿ البيت لغةن‪ :‬دبعٌت كاحد إذ اآلؿ أصلها أىل فقلبت اؽباء مهزة‪،‬كآؿ الرجل أك أىلو ىم‬
‫أخص الناس بو ‪،‬كأىل البيت س ٌكانو ‪،‬كأىل اإلسالـ ىمن يدين بو ‪،‬كأىل األمر كالتو"‬
‫ٌ‬

‫"العقيدة الواسطية" لشيخ اإلسالـ ابن تيمية ص (‪)212‬اؼبطبوع مع توضيح العقيدة الواسطية‬
‫"للرباؾ‬
‫"فضل أىل البيت كعلو مكانتهم عند أىل السنة" للشيخ عبد احملسن العباد ص(‪)2‬ط‪ :‬دار ابن‬
‫االثَت‬
‫كآؿ الرجل أىل بيتو ألنو إليو م ؽبم كإليهم م لو"‬

‫ثانيا التعريف االصطالحي‬

‫أىل بيت رسوؿ اهلل صلى الو عليو كسلم زاد الشرع يف تعريفهم على اؼبعٌت اللغوم فهم (قرابة رسوؿ اهلل‬
‫صلى اهلل عليو كآلو كسلم فبن حرمت عليهم الصدقة من بٍت ىاشم كبٍت اؼبطلب كذريتهما كأزكاج النيب‬
‫صلى اهلل عليو كآلو كسلم)‬

‫المطلب الثاني‪ :‬حقوؽ أىل البيت ػ ر ي اهلل عنهم ػ على األمة‬

‫ألىل البيت النبوم ػرضي اهلل عنهم ػحقوؽ على األمة اإلسالمية أكجبها اإلسالـ ‪،‬كجعلها مكملة‬
‫لإلدياف ‪،‬كىذه اغبقوؽ ثابتةه شرعا ؿبكمة دل تنسخ لكل من ثبت أنو من أىل البيت ػرضي اهلل عنهم ػ‬
‫نسبا ككاف مع ذلك مسلما مؤمنا متبعا ؽبدم النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪ ،‬كىذه اغبقوؽ قبملها يف‬
‫اآليت ‪:‬‬

‫‪1‬ػ موالتهم كمحبتيهم‬

‫جل كعال يف ؿبكم كتابو الكرًن فقاؿ سبحانو‪..(:‬قل ال أسألكم عليو أجرا إال‬
‫كىذا اغبق قد ذكره ربنا ٌ‬
‫المودة في القربى‪)..‬‬

‫قاؿ سعيد ابن يجبَت رضبو اهلل تعاذل‪ :‬معٌت ذلك أف تودكين يف قرابيت أم ربسنوا إليهم كتربكىم‪.‬‬

‫بل جعل النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم من عالمة اإلدياف حب بعض أفراد أىل البيت فعن علي رضي اهلل عنو‬
‫إرل ‪:‬أنو ال حيبٍُّت إال مؤمن كال يبغضٍت إال منافق "‬
‫النسمةى إنو لعهد النيب األمي ٌ‬
‫فلق اغببٌة كبرأ ى‬
‫قاؿ كالذم ى‬

‫انظر "الصحاح للجوىرم (‪)417/4‬ط‪ :‬دار الكتب العلمية ك"معجم مقاييس اللغة" البن فارس‬
‫(‪ )161/1‬ربقيق عبد السالـ ىاركف‬
‫"لساف العرب " البن منظور مادة (أىل) (‪)31/11‬‬
‫انظر "جالء االفهاـ يف الصالة كالسالـ على خَت األناـ" لإلماـ ابن القيم ص (‪) 238،261‬ط‪:‬‬
‫اجملمع‪ ،‬فقد ذكر خالؼ أىل العلم يف من ىم اآلؿ؟ كصبع بُت األقواؿ على خالصة ماذكرنا كاهلل أعلم‬
‫سورة الشورل آية رقم ‪)23(:‬‬
‫أخرجو البخارم يف "صحيحو" رقم (‪ )4818‬ضمن حديث ابن عباس‬
‫قاؿ اغبافظ ابن كثَت رضبو اهلل تعاذل‪ :‬كال ننكر الوصا ىة بأىل البيت ‪،‬كاألمر باإلحساف إليهم ‪،‬كاحًتامهم‬
‫فإّنم من ذرية طيبة طاىرة‪ ،‬من أشرؼ و‬
‫بيت يكجد على كجو األرض فخران كحسبان كنسبا ‪،‬كالسيٌما إذا‬
‫كانوا متبعُت للسنة النبوية الصحيحة الواضحة اعبلية ‪،‬كما كاف عليو سلفهم كالعباس كبنيو ‪،‬كعلي كأىل‬
‫بيتو كذريتو رضي اهلل عنهم أصبعُت "‬

‫ككتب أىل السنة مملوءة بفضائل أىل بيت النبوة فبا يدؿ على حبهم ألىل البيت األطهار‪.‬‬

‫‪ -2‬الصالة عليهم في التشهد األخير من الصالة‬

‫من حقوؽ أىل البيت ػرضي اهلل عنهم ػ أف ييصلٌى عليهم يف التشهد األخَت من كل صالة ‪ ،‬كأما يف غَت‬
‫التشهد فاألمر كاسع مع أف األكذل الصالة عليهم تبعا للصالة على النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم ‪.‬‬

‫فعن أيب مسعود األنصارم ػ رضي اهلل عنو ػ قاؿ أتانا رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم ككبن يف ؾبلس‬
‫سعد بن عبادة ‪ ،‬فقاؿ لو بشَت بن سعد ‪ :‬أمرنا اهلل أف نصلي عليك يا رسوؿ اهلل فكيف نصلي عليك ؟‬
‫فسكت رسوؿ صلى اهلل عليو كآلو كسلم حىت سبنينا أنو دل يسألو ‪ ،‬مث قاؿ رسوؿ صلى اهلل عليو كآلو‬
‫صل على ؿبمد كعلى آؿ ؿبمد كما صليت على آؿ إبراىيم ‪،‬كبارؾ على ؿبمد‬
‫اللهم ِّ‬
‫كسلم‪ :‬قولوا ‪ٌ :‬‬
‫كعلى آؿ ؿبمد كما باركت على آؿ إبراىيم يف العاؼبُت إنك ضبيد ؾبيد ‪،‬كالسالـ كما قد علمتم‪.‬‬

‫فهذه منقبة خصهم اهلل تبارؾ كتعاذل هبا فبا تدؿ على شرفهم كفضلهم ػ رضي اهلل عنهم ػ‬

‫كجو التكرًن‪:‬‬

‫‪-1‬الصالة عليهم ‪.‬‬

‫‪-2‬اقتراف ذل برسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم‬

‫‪ -3‬إ رامهم كاحترامهم كتجنب ظلمهم لقربهم من النبي صلى اهلل عليو كآلو كسلم‬

‫أخرجو مسلم يف " صحيحو " رقم (‪)78‬‬


‫"تفسَت القرآف العظيم " البن كثَت (‪ )220/7‬ط‪ :‬الرسالة ربقيق شعيب األرنأككط كؿبمد أنس اػبن‬
‫أخرجو مسلم يف "صحيحو" رقم (‪)405‬‬
‫من حقوؽ أىل البيت ػرضي اهلل عنهمػ إكرامهم كاحًتامهم إجالالن لقرهبم من رسوؿ اهلل صلى‬
‫اهلل عليو كآلو كسلم ‪،‬كؼبا ؽبم من شريف اؼبنزلة‬

‫فعن زيد بن أرقم رضي اهلل عنو ػ ضمن حديث طويل أف النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم قاؿ ‪:‬‬
‫أذيٌكركم اهلل يف أىل بييت أذ ٌكركم اهلل يف أىل بييت أذكركم اهلل يف أىل بييت"‬

‫معناه ‪ :‬أف ال نظلمهم بل كبًتمهم كقبلٌهم ‪،‬كلقد امتثل أصحاب رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم‬
‫ؽبذه الوصية فهذا أبو بكر الصديق ػ ػرضي اهلل عنو ػ يقوؿ‪ :‬كالذم نفسي بيده لقرابة رسوؿ اهلل صلى اهلل‬
‫أحب إرل من أف أصل قرابيت"‬
‫عليو كآلو كسلم ُّ‬

‫ؿبمدا صلى اهلل عليو كسلم يف أىل بيتو"‬


‫كقاؿ أيضا ‪ :‬ارقبوا ن‬

‫امر للناس يعٍت‪ :‬احفظوا ؿبمدا يف أىل بيتو فال تؤذكىم كال تسبوىم"‬
‫قاؿ اإلماـ العيٍت ‪ :‬ه‬
‫كمن ذلك أيضا عمل الفاركؽ عمر بن اػبطاب يف إيثاره ألىل بيت رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو‬
‫كآلو كسلم يف الديواف كيف العطاء من بيت اؼباؿ فكاف يبدأ هبم قبل كل الناس‬

‫‪ -4‬إعطائهم يخمس ال ي مس من الغنيمة كالفيء‬

‫من حقوؽ أىل البيت ػرضي اهلل عنهم ػ أف ييعطوا من الغنيمة كالفيء يطبس اػبمس كالفيء‬
‫ىو‪ :‬ما يؤخذ من ماؿ الكفار بدكف قتاؿ بل يؤخذ صلحا‬

‫كالغنيمة ىي‪ :‬ما يؤخذ من أمواؿ الكفار يف اؼبعركة بقتاؿ‪.‬‬

‫أخرجو مسلم يف " صحيحو" رقم (‪)722‬‬


‫أخرجو البخارم يف "صحيحو" رقم (‪)3712‬‬
‫أخرجو البخارم يف " صحيحو" رقم (‪)3713‬‬
‫"عمدة القارم" (‪ )307/16‬ط‪ :‬دار الكتب العلمية‬
‫انظر "ؿبض الصواب يف مناقب أمَت اؼبؤمنُت عمر بن اػبطاب " ليوسف بن عبد اؽبادم (‪)497/2‬‬
‫ط‪ :‬أضواء السلف‬
‫فيعطوف منهما تعويضا ؽبم عن الزكاة لقولو تعاذل ‪ (:‬كاعلموا أنٌما غنمتم من و‬
‫شيء فأ ٌف هلل‬ ‫ن‬
‫خمسو كللرسوؿ كلذم القربى كاليتامى كالمسا ين كابن السبيل إف نتم آمنتم باهلل كما أن لنا على‬
‫ى‬
‫عبدنا يوـ الفرقاف يوـ التقى الجمعاف كاهلل على ل شيء قدير"‬

‫ففي ىذه اآلية أف لألىل البيت ػرضي اهلل عنهم ػمن اغبقوؽ ما جيب رعايتها فقد جعل اهلل ؽبم‬
‫حقا يف طبس اػبمس من الغنيمة‬

‫فسهم ذكم القر يصرؼ إذل قرابة رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم كىم أىل بيتو من بٍت‬
‫ىاشم كبٍت اؼبطلب كمنهم بناتو كأزكاجو ػرضي اهلل عنهم أصبعُت‬

‫كقاؿ تعاذل ‪( :‬ما أفاء اهلل على رسولو من أىل القرل فللو كللرسوؿ كلذم القربى‬
‫كاليتامىوالمسا ين كابن السبيل ي ال يكوف يدكلةن بين األغنياء منكم كماآتا م الرسوؿ ف ذكه كما‬
‫نها م عنو فانتهوا كاتقوا لله ٌف اهللى شدي يد العقاب )‬

‫طبس اػبمس ألف أربعة أطباس الفيء تكوف للمجاىدين‬


‫ىذه اآلية نصت على أف ؽبم من الفيء ى‬
‫كاػبمس الباقي يكوف توزيع اؼباؿ على ما ىذه يف اآلية‬

‫‪ -5‬نشر ف ائلهم كمناقبهم الصحيحة‬

‫ألىل البيت ػرضي اهلل عنهم ػ فضائل كثَتةكمناقب صبة كيف صحيحها ما يغٍت عن التحدث‬
‫خاص‪،‬‬
‫عاـ كمنها ما ىو ه‬
‫بالفضائل الضعيفة اليت دل يثبت صحتها كفضائل أىل البيت منها ما ىو ه‬
‫كسنقتصر على بعضها إذ سيطوؿ بنا الكالـ يف ىذا اؼبطلب‬

‫تبرج الجاىلية‬
‫تبرجن ٌ‬
‫يوتكن كال ٌ‬
‫كقرف في بي ٌ‬
‫فمن الفضائل العامة قولو سبحانو كتعاذل ‪ٍ ..( :‬‬
‫أىل‬
‫الرجس ى‬
‫ى‬ ‫كأقمن الصالة كآتين ال اةكأطعن اهلل كرسولىو إنما يريد اهلل ليذىب عنكم‬
‫ى‬ ‫األكلى‬
‫كيطهر م تطهيرا)‬
‫ى‬ ‫البيت‬

‫سورة األنفاؿ آية رقم (‪)41‬‬


‫سورة اغبشر آية رقم (‪)7‬‬
‫انظر اعبامع ألحكاـ القرآف " للقرطيب (‪ )15/18‬ط‪ :‬دار الكتب‬
‫كاآلية كاضحة يف فضلهم كىي يف سياؽ أزكاج النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪،‬كالعربة بعموـ‬
‫اللفظ ال خبصوص السبب‪.‬‬

‫كجاء عن عائشة رضي اهلل عنها أف رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم أدخل عليا كفاطمة كحسنا‬
‫رحل فقرأ ىذه اآلية‬
‫كحسينا يف مرط يم ٌ‬

‫" كزبصيص النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم ؽبؤالء األربعة رضي اهلل عنهم ػ يف ىذا اغبديث ال يدؿ على‬
‫قصر أىل البيت عليهم دكف القرابات األخرل ‪،‬كإَنا يدؿ على أّنم من أخص أقاربو "‬

‫كأزكاجو أمهاتيهم‪)..‬‬
‫كمن األدلة العامة قولو تعاذل ‪ ..( :‬ي‬

‫ففي ىذه اآلية ثناء كمنقبة ألزكاج النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم أف كصفهن بأمهات اؼبؤمنُت فيا لو من‬
‫شرؼ !كأزكاجو من أىل بيتو رضي اهلل عنهن ‪.‬‬ ‫شرؼ ال يدانيو أم و‬

‫أما الفضائل اػباصة بكل فرد من أفرادىم فكثَتة نقتصر على ذكر بعض فضائل أعالمهم كساداهتم‬

‫فمنهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ر ي اهلل عنو‬

‫فعلي‬ ‫فعن زيد بن أرق وم يف حديث طويل أف رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم قاؿ ( ىمن ي‬
‫كنت ماله ٌّ‬
‫مواله ) كاؼبوذل معناه ‪ :‬اؼبناصر كاحملب‬

‫كمنهم السيدة الطاىرة فاطمة بنت رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم ‪ ،‬فعن ٍ‬
‫اؼبسور بن‬
‫بضعة مٍت يريبها مايريبٍت كيؤذيها‬
‫ـبرمة أف رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم قاؿ‪ :‬فاطمة ى‬
‫مايؤذيٍت"‬

‫سورة األحزاب آية رقم (‪)33‬‬


‫أخرجو مسلم رقم (‪)6414‬‬
‫" "فضل أىل البيت كعلو مكانتهم عند أىل السنة" للشيخ عبد احملسن العباد ص(‪)3‬ط‪ :‬دار ابن‬
‫األثَت‬
‫سورة األحزاب آية رقم (‪)4‬‬
‫صحيح ركاه النسائي يف الكربل هبذا اللفظ رقم (‪)8148‬‬
‫كمنهم خديجة ر ي اهلل عنها‪:‬‬

‫قصب‬ ‫و‬
‫فعن عائشة رضي اهلل عنها أف رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم بشرىا ببيت يف اعبنٌة من ى‬
‫النصب فيو كالكصب"‬

‫كمنهم عائشة أـ المؤمنين‪:‬‬

‫فقد صح من حديث أيب موسى األشعرم قاؿ رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كسلم ىك يمل من الرجاؿ كثَت‪ ،‬كدل‬
‫يكمل من النساء إال مرًن بنت عمراف‪ ،‬كآسية امرأة فرعوف‪ ،‬كفضل عائشة على النساء كفضل الثريد‬
‫‪.‬‬ ‫على سائر الطعاـ)) متفق عليو‬

‫كمنهم الحسن كالحسين ابنا علي رضي اهلل عنها فعن أيب سعيد اػبدرم رضي اهلل عنو أف‬
‫رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم قاؿ‪ :‬اغبسن كاغبسُت سيدا شباب أىل اعبنة "‬

‫رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم يقوؿ ‪:‬‬


‫ظبعت ى‬
‫كعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قاؿ ‪ :‬ي‬
‫اغبسن كاغبسُت مها رحيانيت من الدنيا"‬

‫كمنهم جعفر بن أبي طالب رضي اهلل عنو فعن الرباء بن عازب رضي اهلل عنو قاؿ رسوؿ اهلل‬
‫كخليقي"‬
‫صلى اهلل عليو كآلو كسلم عبعفر ‪ :‬أشبهت ىخ ٍلقي ي‬

‫كمنهم العباس بن عبد المطلب فقد ركل أبو ىريرة رضي اهلل عنو أف رسوؿ اهلل صلى اهلل‬
‫يعٍت‪ :‬مثل أبيو‪.‬‬ ‫عليو كآلو كسلم قاؿ‪ :‬العباس عم رسوؿ اهلل كإف عم الرجل صنو أبيو"‬

‫أخرجو البخارم رقم (‪ )5230‬كمسلم رقم (‪)2449‬‬


‫أخرجو البخارم رقم (‪ )2818‬كمسلم رقم (‪ )2434‬كالقصب‪:‬أنابيب من جوىر‬
‫البخارم يف "صحيحو" رقم (‪ ) 3230‬كمسلم يف "صحيحو‪ "،‬رقم (‪)4459‬‬

‫صحيح ركاه أضبد يف اؼبسند رقم (‪)10999‬‬


‫أخرجو البخارم رقم (‪) 3753‬‬

‫اخرجو البخارم رقم ‪ )02699‬كالًتمذم رقم (‪)4098‬‬


‫أخرجو مسلم رقم (‪)983‬‬
‫كمنهم عبد اهلل بن العباسرضي اهلل عنو قاؿ ضمٍت رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كسلم قاؿ ‪:‬‬
‫اللهم علمو اغبكمة " كالفضائل فيهم كثَتة رضي اهلل عنهم نكتفي دبا ذيكر‪.‬‬

‫‪-6‬تحريم أ ل الصدقة عليهم لشرفهم‬

‫فمن اغبقوؽ اليت ىي ألىل البيت يف صورة الواجب عليهم ربرًن الزكاة الواجبة عليهم كذلك‬
‫لشرؼ نسبهم‪،‬كنبالة أصلهم‪.‬‬

‫فعن أنس رضي اهلل عنو أف النيب اهلل صلى اهلل عليو كسلم مر بتمرة بالطريق فقاؿ ‪ :‬لوال أف‬
‫تكوف من الصدقة ألكلتها"‬

‫فهذا اغبديث يدؿ على ربرًن الزكاة كالصدقة على النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم ككذلك أىل‬
‫بيتو ىم تبع لو يف ىذا اغبكم ‪.‬‬

‫فعن أيب ىريرة رضي اهلل عنو أف اغبسن بن علي أخذ سبرة من سبر الصدقة فجعلها يف فيو فقاؿ‬
‫رسوؿ اهلل ‪ :‬كخكخ ارـ هبا أما علمت أنا ال نأكل الصدقة "‬

‫كيعلل النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم سبب التحرًن دبا ركاه اؼبطلب بن ربيعة أف النيب صلى اهلل‬
‫عليو كآلو كسلم قاؿ ‪ :‬إف الصدقة ال تنبغي آلؿ و‬
‫ؿبمد إَنا ىي أكساخ الناس "‬

‫‪ 7‬ػ االعتراؼ كالتصديق بأف نسب رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم كذريتو أشرؼ النسب‬
‫قاطبةن‬

‫أشرؼ األنساب نسب نبينا ؿبمد صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪،‬كأشرؼ انتساب ماكاف إليهصلى‬
‫اهلل عليو كآلو كسلم‪.‬‬

‫اخرجو البخارم رقم ‪)751‬‬


‫أخرجو مسلم رقم (‪)1071‬‬
‫أخرجو البخارم رقم ‪ )1491‬كمسلم رقم (‪)1069‬‬
‫أخرجو مسلم رقم (‪)1072‬‬
‫فعن كاثلة بن األسقع رضي اهلل عنو قاؿ قاؿ رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪ :‬إف اهلل‬
‫اصطفى بٍت إظباعيل كاصطفى من بٍت إظباعيل كنانة كاصطفى من كنانة قريشا كاصطفاين من قريش‬
‫"‬

‫"فمن كاف من أىل ىذاالبيت كىو مؤمن فقد صبع اهلل لو بُت شرؼ اإلدياف كشرؼ النسب‪،‬‬
‫كمن ادعى ىذا النسب الشريف كىوليس من أىلو فقد ارتكب أمرا ؿبرما كىو يمتشبع دبا دل يع ىط"‬

‫بل قد جاء الوعيد كالتغليظ يف ٌإدعاء النسب إذل غَت أب الرجل أك قومو فعن أيب ذر رضي اهلل‬
‫ظبعت رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪:‬يقوؿ ‪:‬ليس من رجل ادعى لغَت أبيو كىو يعلمو إال‬
‫عنو قاؿ ي‬
‫فليتبؤ مقعده من النار"‬
‫كفر باهلل ‪،‬كمن ادعى قوما ليس لو فيهم نسب ٌ‬

‫فهذه صبلة من اغبقوؽ اليت اختص هبا أىل البيت رضي اهلل عنهم ‪،‬كىم كثَته يف األمة ال يصح‬
‫أف يحيصركا يف مذىب أك جنس أك مصر أك طريقة أك مذىب فقهي أك عقدم‪،‬كىذه اغبقوؽ ىي من‬
‫كاجبات األمة كبوىم ‪،‬مع بقية حقوقهم اإلسالمية من حق اؼبسلم على أخيو اؼبسلم كمن حقوؽ األخوة‬
‫اإلديانية كاهلل أعلم ‪.‬‬

‫كصلى اهلل كسلم كبارؾ على نبينا محمد كعلى آلو كأصحابو أجمعين‪.‬‬

‫أخرجو مسلم رقم (‪)2276‬‬


‫"فضل أىل البيت كعلو مكانتهم عند أىل السنة" للشيخ عبد احملسن العباد ص (‪)42‬‬
‫أخرجو البخارم رقم (‪ )3508‬كمسلم رقم (‪)112‬‬
‫املثحث انثاٍَ‪ :‬حمىق انصحاتح رضىاٌ اهلل ذعاىل عهُهى‪.‬‬

‫وفُه مخسح يطانة ‪:‬‬


‫ً‬
‫املطهة األول يف ذعرَف انصحاتح نغح واصطالحا‬

‫املطهة انثاٍَ ‪:‬و ا َعرف ته انصحاتٍ يٍ انضىاتط واألوصاف‬

‫املطهة انثانث‪ :‬فضائم انصحاتح رضٍ اهلل ذعاىل عُهى ‪.‬‬

‫رضٍ اهلل ذعاىل عُهى ‪.‬‬ ‫املطهة انراتع ‪:‬احللىق انشرعُح لنصحاتح‬

‫املطهة اخلايس‪ :‬اهلانكىٌ تسثة تغض انصحاتح وانطعٍ فُهى‬


‫املطهة األول‬
‫ً‬
‫يف ذعرَف انصحاتح نغح واصطالحا‬

‫تعريف الصحابة لغة‪:‬‬

‫أص ىحٍبتيوي الشيء‪ :‬جعلتو لو‬ ‫قاؿ الجوىرم‪" :‬ك ى‬


‫الصحابة بالفتح‪ :‬األصحاب‪ ،‬كىي يف األصل مصدر‪ ،‬ك ٍ‬
‫)‪.‬‬ ‫"(‬
‫صاحبان‪ ،‬كاستصحبتو الكتاب كغَته‪ ،‬ككل شيء الءـ شيئان فقد استصحبو‬

‫فالصاحب لغة ‪ :‬يقع على من صحب أقل ما يطلق عليو اسم صحبة ‪ ،‬فضالن عمن طالت صحبتو ‪،‬‬
‫ككثرت ؾبالستو( )‪.‬‬

‫كقاؿ أبو بكر بن الطيب‪" :‬ال خالؼ بُت أىل اللغة يف أف القوؿ (صحايب) مشتق من الصحبة‪ ،‬كأنو‬
‫ليس دبشتق من قدر منها ـبصوص‪ ،‬بل ىو جار على كل من صحب غَته قليالن كاف أك كثَتان‪ ،‬كما أف القوؿ‬
‫(مكلِّم كـباطب كضارب) مشتق من اؼبكاؼبة كاؼبخاطبة كالضرب كجار على كل من كقع منو ذلك قليالن كاف أك‬
‫كثَتان… يقاؿ‪ :‬صحبت فالنان حوالن كدىران كسنة كشهران كيومان كساعة‪ ،‬فيوقع اسم اؼبصاحبة بقليل ما يقع منها‬
‫ككثَته‪ ،‬كذلك يوجب يف حكم اللغة إجراء ىذا على من صحب النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم كلو ساعة من‬
‫ّنار"( )‪.‬‬

‫كيستفاد مما سبق فائدتاف‪:‬‬


‫ال يشًتط يف إطالؽ اسم الصحبة لغة‪ ،‬طوؿ أمد كزمن؛ ألّنا اسم مشتق من فعل‪ ،‬كاألظباء‬ ‫األًىل ‪:‬‬
‫اؼبشتقة من األفعاؿ يصح أف تطلق دبجرد صدكر الفعل‪ ،‬كال عالقة ؽبا دبقدار ربقق ذلك الفعل مرة كاحدة أك‬
‫مرات متعددة‪ ،‬فًتة زمنية طويلة أك قصَتة‪.‬‬
‫قولك‪ :‬ضارب كىو اسم مشتق من الفعل (ضرب) كيصح أف يطلق على ؾبرد صدكر الضرب دكف النظر إذل‬ ‫ؼ‬
‫مقدارق‪ ،‬كال يستقيم لغة أف يقاؿ‪ :‬من صدر منو الضرب ؼبرة كاحدة ال يسمى ضاربان؛ كإَنا الضارب من تكرر‬
‫منو فعل الضرب‪.‬‬
‫اٌفبئذح اٌثبْٔخ‪:‬يصح لغة أف يطلق اسم الصحايب أك الصاحب على كل من صحب غَته مهما كاف‬
‫مقدار الصحبة‪ ،‬كال يشًتط لذلك مدة كال زمن‪.‬‬

‫) الصحاح (‪ )161/1‬باختصار‪ ،‬كانظر لساف العرب البن منظور (‪ )286/7‬كاؼبعجم الوسيط (‪ ،)507/1‬كانظر أيضان التعريفات‬
‫للجرجاين (‪.)173‬‬

‫) انظر فتح اؼبغيث شرح ألفية اغبديث صػ‪.78‬‬


‫) انظر‪ :‬الكفاية يف علم الركاية للخطيب البغدادم ( ‪.)70-69‬‬
‫تعريف الصحابي في االصطالح‪:‬‬

‫من اؼبهم معرفة من يصح إطالؽ الصحبة عليو يف عرؼ الشرع اغبكيم؛ ؼبا يًتتب على ذلك من حقوؽ‬
‫شرعية‪ ،‬كمقاصد مرعية‪ ،‬كقد كرد يف بياف من ىو الصحايب شرعان أقواؿ مدارىا على طوؿ كقصر مدة الصحبة لو‬
‫صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪.‬‬

‫الرأم األكؿ‪ :‬كالذم يرل القائلوف بو أف طوؿ اؼبدة كقصرىا ال عالقة لو بإطالؽ اسم الصاحب‪ ،‬كفعل‬
‫الصحبة‪ ،‬بل ىو يف اإلطالؽ الشرعي كما ىو يف اإلطالؽ اللغوم فيقولوف‪ " :‬الصحايب كل من صحبو سنة أك‬
‫شهران أك يومان أك ساعة ‪ ،‬أك رآه فهو من أصحابو‪ ،‬لو من الصحبة على قدر ما صحبو ككانت سابقتو معو كظبع‬
‫)‬
‫منو كنظر إليو"‬
‫(‬

‫قاؿ اإلماـ الب ارم رحمو اهلل‪ " :‬من صحب النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم أك رآه من اؼبسلمُت فهو من‬
‫أصحابو"( )‪.‬‬

‫كقاؿ علي بن المديني‪ " :‬من صحب النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم أك رآه كلو ساعة من ّنار فهو من‬
‫أصحاب النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم"( )‪.‬‬

‫الرأم الثاني‪ :‬كيرل القائلوف بو أف طوؿ اؼبدة كالصحبة ىو اؼبؤثر على إطالؽ اسم الصاحب‪ ،‬ككصف‬
‫الصحبة‪ ،‬فالصحايب عندىم من طالت صحبتو أك شهد مع النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم مشهدان عظيمان‬
‫كعزكة أك كبوىا‪.‬‬

‫قاؿ سعيد بن المسيب‪" :‬الصحابة ال نعدىم إال من أقاـ مع رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم سنة أك‬
‫سنتُت كغزا معو غزكة أك غزكتُت"( )‪.‬‬

‫كتعقبو الحافظ ابن حجر بقولو‪" :‬كالعمل على خالؼ ىذا القوؿ؛ ألّنم اتفقوا على عد صبع جم‬
‫من الصحابة دل جيتمعوا بالنيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم إال يف حجة الوداع"( )‪.‬‬

‫) انظر‪ :‬الكفاية (‪ ، )69‬كفتح اؼبغيث بشرح ألفية اغبديث (‪ ، )77‬كمقدمة ابن الصالح (‪ )146‬ك اؼبنهل الركم يف ـبتصر علوـ‬
‫اغبديث النبوم ( ‪ )111‬اؼبؤلف‪ :‬ؿبمد بن إبراىيم بن صباعة بدر الدين ‪.‬‬

‫) صحيح البخارم مع إرشاد السارم للقسطالين (‪. )79 /6‬‬


‫) انظر‪ :‬فتح البارم (‪.)5/7‬‬
‫) انظر‪ :‬الكفاية (‪ )69-68‬ك أسد الغابة (‪.)18/1‬‬

‫) فتح البارم (‪.)4/7‬‬


‫كالتعريف الصحيح المختار ىو ما قرره الحافظ ابن حجر بقولو‪" :‬كأصح ما كقفت عليو من ذلك‬
‫أف الصحايب من لقي النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم مؤمنان بو كمات على اإلسالـ" كعليو اعبمهور من أىل‬
‫العلم ( )‪.‬‬
‫كيؤخذ من التعريف الم تار ثبوت الصحبة بمعناىا االصطالحي الشرعي لمن جمع ثالثة أمور‪:‬‬

‫‪ - 1‬لقيا النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم سواء يف ذلك من طالت ؾبالستو لو أك قصرت‪ ،‬كمن ركل عنو‬
‫أك دل يرك‪ ،‬كمن غزا معو أك دل يغز‪ ،‬كمن رآه رؤية كلو دل جيالسو‪ ،‬كمن دل يره لعارض كالعمى( )‪.‬‬
‫من لقيو كافران مث أسلم بعد ذلك كدل جيتمع بو مرة أخرل فليس بصحايب‪.‬‬
‫‪ - 2‬اإلدياف بو حاؿ اللقاء‪ ،‬ؼ‬
‫كآمن بو بعد البعثة دكف لقاء‬ ‫كمن لقيو مؤمنان بغَته كمن لقيو من مؤمٍت أىل الكتاب قبل البعثة‪،‬‬
‫فليس بصحايب‪.‬‬
‫كيدخل يف قولنا‪( :‬مؤمنان بو) كل مكلف من اعبن كاإلفس‪.‬‬
‫‪- 3‬اؼبوت على اإلسالـ ؼمن لقي النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم مؤمنان بو مث ارتد كمات على ردتو كالعياذ‬
‫باهلل فليس بصحايب قطعان‪ ،‬كمن لقي النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم مث ارتد أك نافق مث تاب كعاد إذل‬
‫اإلسالـ قبل أف ديوت فهو صحايب‪ ،‬سواء اجتمع بو صلى اهلل عليو كآلو كسلم مرة أخرل أـ ال كىذا‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫ىو الصحيح اؼبعتمد‬

‫) انظر فتح البارم (‪ )3/7‬كقد اختاره النوكم كما يف شرحو على صحيح مسلم (‪. )85 /16‬‬
‫) اإلصابة (‪.)9-7/1‬‬
‫) انظر اإلصابة (‪.)9-7/1‬‬
‫املطهة انثاٍَ‬

‫وا َعرف ته انصحاتٍ يٍ انضىاتط واألوصاف‬

‫لعظم شرؼ الصحبة لرسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪ ،‬كما يترتب عليها من‬
‫متعد على ىذا المقاـ ك ي عمو لنفسو كىو ليس من أىلو‪ ،‬كحتى ال‬‫حقوؽ‪ ،‬كحتى ال يتعدل و‬

‫يناؿ قادح ممن استحق ىذا الوصف كثبت لو شرعان؛ ألجل ذل ك ع العلماء لمعرفة‬
‫) بيانها فيما يلي‪:‬‬ ‫(‬
‫الصحابة واب‬

‫االستفاضة كالشهرة العامة بُت سائر اؼبسلمُت أف فالنان من الصحابة كينقل ذلك نقالن متواتران‬ ‫‪- 1‬‬
‫مقطوعان بو كاػبلفاء الراشدين األربعة أيب بكر كعمر كعثماف كعلي ‪.‬‬
‫االستفاضة كالشهرة اػباصة بُت العلماء كطلبة العلم‪ ،‬من أىل االختصاص بالشرع كمعرفة‬ ‫‪- 2‬‬
‫العشرة اؼببشرين باعبنة – عدا األربعة اػبلفاء – كمعرفة مشاىَت ككبار الصحابة من اؼبهاجرين‬
‫كاألنصار‪ ،‬رضي اهلل تعاذل عنهم أصبعُت‪ .‬كاليت قد ال يدركها كثَت من اؼبسلمُت‪.‬‬
‫ركاية عدد من الصحابة أك أحدىم أك كبار التابعُت أف فالنانكانت لو صحبة‪.‬‬ ‫‪- 3‬‬
‫عن نفسو‬ ‫إخبار الصحايب الذم ثبتت عدالتو كمعاصرتو للنيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪،‬‬ ‫‪- 4‬‬
‫)‬
‫بقولو‪:‬صحبت النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪ ،‬أك كبو ذلك القوؿ اؼبشعر بالصحبة (‪.‬‬

‫) انظر‪ :‬الكفاية للخطيب البغدادم (‪ )70‬كمقدمة ابن الصالح (‪ )146‬كالتقييد كاإليضاح (‪.)285‬‬

‫) كقد ذكر اغبافظ ابن حجر ضابطان يستفاد منو معرفة صبع كثَت يكتفى فيهم بوصف يدؿ على أّنم صحابة كىذا الضابط‬
‫مأخوذ من أمور ثالثة‪:‬‬

‫يؤمركف يف اؼبغازم إال الصحابة‪ ،‬فمن تتبع األخبار الواردة يف حركب الردة كالفتوح كجد من ذلك الشيء الكثَت‪.‬‬
‫أحدىا‪ :‬أّنم كانوا ال ٌ‬

‫الثاين‪ :‬قاؿ عبد الرضبن بن عوؼ رضي اهلل عنو‪ :‬كاف ال يولد ألحد مولود إال أتى بو النيب صلى اهلل عليو كسلم فدعا لو‪ .‬كىذا أيضان‬
‫يؤخذ منو شيء كثَت‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬دل يبق دبكة كالطائف أحد يف سنة عشر إال أسلم كشهد حجة الوداع‪ ،‬فمن كاف يف ذلك الوقت موجودان اندرج فيهم‬
‫غبصوؿ رؤيتو بالنيب صلى اهلل عليو كسلم كإف دل يرىم ىو صلى اهلل عليو كسلم ‪ .‬اإلصابة (‪.)10/1‬‬
‫ىل ىناؾ اتفاؽ على عدد الصحابة؟‬

‫قاؿ أبو زرعة الرازم‪ " :‬قبض رسوؿ اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليو كآلو كسلم ‪ -‬عن مائة ألف كأربعة‬
‫عشر ألفان من الصحابة فبن ركل عنو كظبع منو‪ ،‬فقيل أين‪ :‬كانوا ؟ كأين صبعوا ‪ ،‬قاؿ ‪ :‬أىل مكة‬
‫كاؼبدينة كمن بينهما األعراب كمن شهد معو حجة الوداع"( )‪.‬‬
‫كىذا الذم قالو الرازم قالو عن اجتهاد منو يبُت بو كثرة عددىم رضواف اهلل تعاذل عليهم‪ ،‬كاغبصر‬
‫بالعدد فبا ال يعرؼ يقينان بل بالظن الغالب‬

‫قاؿ العراقي‪ " :‬كيف ديكن االطالع على ربرير ذلك مع تفرؽ الصحابة يف البلداف كالبوادم‬
‫كالقرل"( )‪.‬‬
‫كاؼبعٌت أنو لكثرة عددىم يتعذر حدىم أك حصرىم‪ ،‬كلو كانوا قلة ألمكن ذلك‪.‬‬

‫كيف قوؿ اإلمامُت اتفاؽ على الكثرة كإف دل حيصل االتفاؽ على العدد كاغبصر‪ ،‬كفيو رد على ما زعم أىل‬
‫الضالؿ كالباطل أّنم رضي اهلل عنهم قد ارتدكا‪ ،‬كدل يبق منهم على اإلسالـ إالٌ عدد يسَت؛ فهذه قالة سوء‬
‫كضالؿ فيها جرأة على خَت األمة بعد الرسل كاألنبياء صلوات اهلل كسالمو عليهم أصبعُت‪ ،‬كفيها من الدعول‬
‫ماال يقوـ عليو دليل شرعي كال عقلي‪.‬‬

‫كعليو فمن تحققت فيو ال واب السابق ذ رىا فهو صحابي لو من الف ل كالحقوؽ ما لهم‪.‬‬
‫هم كاٌ انصحاتح عهً لذر واحذ يٍ انفضم وانعهى وانذَاَح؟‬

‫يستوم الصحابة يف أصل الصحبة كما يستوم اؼبؤمنوف يف أصل اإلدياف‪ ،‬كلكنهم فيما زاد عن ذلك األصل‬
‫يتفاكتوف يف مراتب الفضل كالعلم كالديانة‪ ،‬ككذلك يتفاكتوف يف درجة القرب كالصحبة لو صلى اهلل عليو كآلو‬
‫كسلم‪ ،‬كإثبات التفاضل بينهم ال يضَت اؼبفضوؿ منهم ماداـ يف دائرة الفضل موضعو ؿبفوظ كمكانتو متقررة‪،‬‬
‫قاؿ تعاذل‪ٌَ(:‬ب َّغْزٌَُِ ِِنىُُ َِّْٓ ؤَٔفَكَ ِِٓ لَجًِْ اٌْفَزْحِ ًَلَبرًََ ۚ ؤًٌََُٰئِهَ ؤَػْظَُُ دَسَجَخً َِِّٓ اٌَّزَِّٓ ؤَٔفَمٌُا ِِٓ ثَؼْذُ ًَلَبرٌٍَُا ۚ ًَوًٍُّب ًَػَذَ‬

‫اٌٍَّوُ اٌْحُغْنَََٰ ۚ ًَاٌٍَّوُ ثَِّب رَؼٌٍََُّْْ خَجِريٌ)( )‪.‬‬

‫بينت ااية أموران ‪:‬‬

‫عدـ االستواء يف الفضل كاؼبنزلة بُت السابق كالالحق منهم رضي اهلل عنهم أصبعُت‪.‬‬ ‫‪- 1‬‬

‫) انظر‪ :‬مقدمة ابن الصالح (‪ ،)298/1‬إرشاد السارم للقسطالين (‪ ،)102/9‬السنة قبل التدكين (‪.)406/1‬‬
‫) انظر‪ :‬دليل أرباب الفالح لتحقيق فن االصطالح ‪ -‬حكمي (ص‪.)100 :‬‬
‫) سورة اغبديد من اآلية رقم ‪.10:‬‬
‫جعلت اآلية مرتبتُت للفضل األكذل ؼبن آمن كأنفق كجاىد من قبل الفتح‪ ،‬كالثانية ؼبن آمن كأنفق‬ ‫‪- 2‬‬
‫كجاىد بعد الفتح‪.‬‬
‫أىل اؼبرتبتُت موعودكف باغبسٌت فضالن من اهلل ككرمان‪ ،‬كرفعان ؼبنزلتهم كإعالءن ؼبكانتهم‪ ،‬كذلك كعده‬ ‫‪- 3‬‬
‫)‪ ،‬فمن رفعو اهلل ال يقدر‬ ‫(‬
‫تعاذل يف قولو‪َّ( :‬شْفَغِ اٌٍَّوُ اٌَّزَِّٓ آَِنٌُا ِِنىُُْ ًَاٌَّزَِّٓ ؤًُرٌُا اٌْؼٍَُِْ دَسَجَبدٍ (‬

‫حاقد على كضعو أك اغبط من منزلتو‪.‬‬

‫كالفارؽ بُت قليل الصحبة ككثَت الصحبة أنو كلما طالت الصحبة تأكد الفضل كازداد اغبق؛ ألف الصحبة‬
‫كصف‪ ،‬فكل ما قوم ىذا الوصف قويت اغبقوؽ اؼبرتبة على ىذا الوصف‪ ،‬فمن صحب النيب صلى اهلل عليو‬
‫كآلو كسلم عمره يف دعوتو كػ أيب بكر رضي اهلل عنو ‪ ،‬كعمر بن اػبطاب‪ ،‬كعثماف بن عفاف‪ ،‬كعلي بن أيب‬
‫طالب‪ ،‬كالسابقُت من اؼبهاجرين كاألنصار‪ ،‬ؼحقو ـ أكرب من حق ذاؾ الصحايب الذم دل يشهده إال مرة‬
‫كاحدة‪ ،‬مع أف اعبميع يشًتؾكف يف الصحبة‪ ،‬كلكن خيتلفكف فيما يثبت ؽبم من اغبقوؽ بسبب ىذه الصحبة‪،‬‬
‫فمن كاف نصيبو من الصحبة أكرب كاف نصيبو كحظو من حقوقها أكفر‪.‬‬

‫كسالمة القلب كسالمة اللساف ؼبن طالت صحبتو لرسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم كؼبن قصرت‬
‫ككف الشر عنهم كاحد‪ ،‬كإف تفاكت إثبات الفضل كاحملبة كالثناء كالفضيلة بتفاكت صحبتهم ك اختلف‬
‫اعبميع يشًتؾ يف حقكؽ الصحبة كأقلىا كاغبد‬
‫باختالؼ منزلتهم من رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪ ،‬ؼ‬
‫األدىن منها الذم يشًتؾ فيو طويل الصحبة ك قصَتىا؛ ىو سالمة القلوب كاأللسنة ؽبم‪.‬‬

‫) سورة اجملادلة من اآلية رقم ‪.11 :‬‬


‫املطهة انثانث‬

‫فضائم انصحاتح رضٍ اهلل عُهى‬

‫الصحبة مرتبة علية‪ ،‬كرفعة جلية‪ ،‬تبينها اآليات كاألحاديث اليت كردت يف فضائلهم‪ ،‬كاعتقاد ذلك‬
‫ؽبم ‪ -‬رضي اهلل‬ ‫دين جيب على اؼبسلم اؼبصدؽ بكتاب اهلل كسنة رسولو صلى اهلل عليو كآلو كسلم أف يثبت‬
‫عنهم ‪ -‬من الفضل ما خصهم بو الرضبن الرحيم‪ ،‬كنطق بو القرآف الكرًن‪ ،‬كسنة النيب األمُت‪ ،‬سواء كاف ىذا‬
‫الفضل على كجو العموـ أك على كجو اػبصوص‪.‬‬

‫كسأكتفي ىنا بذكر الفضائل العامة دكف اػباصة( )‪ ،‬لكثرة النصوص الواردة فيها كتواترىا كضيق‬
‫اؼبقاـ عن سردىا‪ ،‬كنأخذ من كل نص داللتو على علو الفضل كرفعة اؼبنزلة‪.‬‬
‫ثٍاء اهلل عز وجم عمي انصحاتح مبجًىعهى يف آَاخ كثريج يُها ‪:‬‬

‫‪ -1‬ؽكلو تعاذل‪ًَ{ :‬وَزٌَِٰهَ جَؼٍَْنَـَٰىُُْ ؤَُِّخً ًَعَطًب ٌّزَىٌٌُُٔاْ شُيَذَاء ػٍَََ ٱٌنَّبطِ ًَّىٌَُْ ٱٌشَّعٌُيُ‬

‫ػٍََْْىُُْ شَيِْذًا}( )‪.‬‬


‫فقد جعل اهلل سبحانو كتعاذل أمة نبيو صلى اهلل عليو كآلو كسلم خَت األمم يقيم هبا دينو يف الدنيا‬
‫كحجتو يوـ القيامة على سائر اػبالئق؛ كجيعلهم شهداء على الناس يشهدكف لكل نيب على قومو ‪ ،‬كال شك أف‬
‫اػبطاب متوجو ؼبن نزلت عليهم اآليات ابتداءن من الصحابة الكراـ؛ كلألمة اؼبتبعة السائرة على ىديهم كاؼبقتفية‬
‫أثرىم‪.‬‬
‫(جعلناكم أمة كسطان) أم ‪ ":‬جعلناكم دكف األنبياء كفوؽ األمم "( )‪.‬‬
‫كركل الًتمذم عن أيب سعيد اػبدرم رضي اهلل عنو عن النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم يف قولو تعاذل‪:‬‬
‫{ًَوَزٌَِٰهَ جَؼٍَْنَـَٰىُُْ ؤَُِّخً ًَعَطًب} قاؿ‪ :‬عدالن‪ .‬قاؿ ىذا حديث حسن صحيح ( )‬
‫كاؼبقصود بالوسط بُت األمم‪ :‬أعدؽبا كأخَتىا كأفضلها‪ ،‬كتقوؿ العرب أخذ كسط اؼباؿ يعٍت خَته‬
‫كأفضلو‪.‬‬

‫) كفضائل السابقُت األكلُت‪ ،‬كآؿ بيتو الطاىرين‪ ،‬كأزكاجو أمهات اؼبؤمنُت‪ ،‬كالعشرة اؼببشرين‪ ،‬كأىل بدر اؼبرضيُت‪ ،‬كمن بايعوا ربت‬
‫الشجرة على اؼبوت يف سبيل الدين‪ ،‬كسادة اؼبهاجرين‪ ،‬كاألنصار اؼبؤثرين‪ ،‬كمن كردت حبقهم نصوص زبصهم باعبنة كتبشرىم بالنعيم اؼبقيم‪.‬‬
‫) سورة البقرة اآلية‪.143:‬‬
‫) انظر تفسَت القرطيب (‪.)154-153/2‬‬
‫) أخرجو الًتمذم يف كتاب تفسَت القرآف برقم (‪ )2961‬ك صححو األلباين يف صحيح سنن الًتمذم برقم (‪.)2362‬‬
‫‪ -2‬كقولو تعاذل‪ { :‬وُنزُُْ خَْْشَ ؤَُِّخٍ ؤُخْشِجَذْ ٌٍِنَّبطِ رَإُِْشًَُْ ثِٱٌَّْؼْشًُفِ ًَرَنْيٌََْْ ػَِٓ ٱٌُّْنْىَشِ ًَرُؤِِْنٌَُْ‬

‫ثِٱٌٍَّوِ}( )‪.‬‬

‫قاؿ ابن الجوزم‪" :‬كفيمن أريد هبذه اآلية أربعة أقواؿ‪:‬‬


‫أحدىا‪ :‬أّنم أىل بدر‪.‬‬
‫كالثاين‪ :‬أّنم اؼبهاجركف‪.‬‬
‫كالثالث‪ :‬صبيع الصحابة‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬صبيع أمة ؿبمد صلى اهلل عليو كآلو كسلم نيًقلت ىذه األقواؿ كلها عن ابن عباس"‬
‫(‬

‫كقاؿ ال جاج‪" :‬كأصل اػبطاب ألصحاب النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم كىو يعم سائر أمتو"( )‪.‬‬
‫كقاؿ السفاريني‪{" :‬وُنزُُْ خَْْشَ ؤَُِّخٍ ؤُخْشِجَذْ ٌٍِنَّبطِ} قيل‪ :‬اتفق اؼبفسركف أف ذلك يف‬
‫)‪.‬‬ ‫الصحابة‪ ،‬لكن اػبالؼ يف التفاسَت مشهور كرجح كثَت عمومها يف أمة ؿبمد صلى اهلل عليو كآلو كسلم ("‬
‫فال يرية ثابتة للصحابة كلمن سار على ىديهم كاقتفى أثرىم بنص ىذه ااية‪.‬‬
‫‪ -3‬كؽكؿق تعاذل‪ًَ{:‬ٱٌغَّـَٰجِمٌَُْ ٱألًٌٌََُّْ َِِٓ ٱٌُّْيَـَٰجِشَِّٓ ًَٱألْٔصَـَٰشِ ًَٱٌَّزَِّٓ ٱرَّجَؼٌُىُُ ثِئِحْغَبٍْ سَّضََِ ٱٌٍَّوُ ػَنْيُُْ‬

‫ًَسَضٌُاْ ػَنْوُ ًَؤَػَذَّ ٌَيُُْ جَنَّـَٰذٍ رَجْشُِ رَحْزَيَب ٱألْٔيَـَٰشُ خَـٍَِٰذَِّٓ فِْيَب ؤَثَذاً رٌَِٰهَ ٱٌْفٌَْصُ ٱٌْؼَظُُِْ}( )‪.‬‬
‫ىذه اآلية نص على أف الصحابة من اؼبهاجرين كاألنصار‪ ،‬كمن تبع ّنجهم كسار على ىديهم‪ ،‬كأحيا‬
‫سنتهم كطريقتهم‪ ،‬قد فازكا برضواف اهلل تعاذل عليهم‪ ،‬كفوزىم برضوانو يقتضي تزكيتهم كعدؽبم كفضلهم؛ ألنو‬
‫سبحانو ال يرضى عن من يستحق السخط؛ بل رضوانو مكتوب ألكليائو الصاغبُت كعباده اؼبخلصُت‪.‬‬
‫كما دلت على عظيم تكرديو ؽبم يف اآلخرة دبا أعد ؽبم من النعيم األبدم اؼبقيم يف جنات النعيم‪،‬‬
‫كختمت اآلية بأف ىذا ىو الفوز العظيم‪ ،‬كأم فوز أعظم من الفوز برضى اهلل سبحانو كتعاذل كجنتو‪.‬‬
‫كبعد ىذا الفضل كالعطاء أكسبهم اهلل تعاذل الرضا عنو سبحانو دبا أعد ؽبم كأكرمهم‪ ،‬فيا كيل من‬
‫أبغضهم أك سبهم أك أبغض أك سب بعضهم كال سيما س ادهتم من أىل السابقة كاعبهاد كاؽبجرة كالنصرة‬

‫) سورة آؿ عمراف اآلية ‪.110:‬‬


‫) زاد اؼبسَت البن اعبوزم (‪.)16/2‬‬
‫) معاين القرآف كإعرابو (‪.)456/1‬‬
‫) لوامع األنوار البهية للسفاريٍت (‪.)377/2‬‬
‫) سورة التوبة آية ‪.100:‬‬
‫كاالتباع‪ ،‬فإف بعض الطكائف اؼبخذكلة ( ) يعادكف أفضل الصحابة كيبغضوّنم كيسبوّنم عياذان باهلل من ذلك‪،‬‬
‫كىذا جيعلهم على خطر عظيم من التكذيب بالقرآف الكرًن كمعاداة من رضي اهلل عنهم كرضوا عنو كأكرثهم‬
‫بفضلو دار كرامتو‪ ،‬فأم اكبراؼ أبلغ من ىذا االكبراؼ‪.‬‬

‫‪ -4‬كقولو تعاذل‪ٌَ {:‬مَذْ رَبةَ اهلل ػٍََََٰ ٱٌنَّجَِّ ًَٱٌُّْيَـَٰجِشَِّٓ ًَٱألٔصَـَٰشِ ٱٌَّزَِّٓ ٱرَّجَؼٌُهُ فَِ عَبػَخِ ٱٌْؼُغْشَحِ ِِٓ ثَؼْذِ َِب‬

‫وَبدَ َّضِّغُ لٌٍُُةُ فَشِّكٍ ِّنْيُُْ ثَُُّ رَبةَ ػٍََْْيُِْ إَِّٔوُ ثِيُِْ سَءًفٌ سَّحٌُِْ}( )‪.‬‬

‫قاؿ أبو بكر الجصاص‪" :‬كقولو تعاذل‪ٌَ{:‬مَذْ رَبةَ اهلل ػٍََََٰ ٱٌنَّجَِّ ًَٱٌُّْيَـَٰجِشَِّٓ ًَٱألٔصَـَٰشِ ٱٌَّزَِّٓ ٱرَّجَؼٌُهُ فَِ عَبػَخِ‬

‫ٱٌْؼُغْشَحِ} فيو مدح ألصحاب النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم الذين غزكا معو من اؼبهاجرين كاألنصار‪ ،‬كإخبار‬
‫بصحة بواطن ضمائرىم كطهارهتم؛ ألف اهلل تعاذل ال خيرب بأنو قد تاب عليهم إال كقد رضػي عنهم كرضي‬
‫أفعاؽبم‪ ،‬كىذا نص يف رد قوؿ الطاعنُت عليهم كالناسبُت ؽبم إذل غَت ما نسبهم اهلل إليو من الطهارة ككصفهم بو‬
‫من صحة الضمائر كصالح السرائر رضي اهلل عنهم"( )‪.‬‬
‫كال يستطيع طاعن أف يطعن هبم ألّنم أذنبوا أك أخطئوا مث تابوا كتاب اهلل عليهم‪ ،‬ألف اػبطاب الذم‬
‫ذكرىم ذكر سيد كلد آدـ معهم صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪ ،‬فالطعن فيهم – كىم غَت معصومُت ‪-‬طعن فيو –‬
‫كىو اؼبعصوـ ‪ -‬كىذا كفر بال خالؼ‪ ،‬كما صدر من الصحابة أك شجر بينهم عن اجتهاد بشرم منهم ككقعوا‬
‫يف قصور فيو‪ ،‬أك أخطئوا الصواب فهو عفو مغفور ؽبم كؼبن جاء بعدىم ماداـ الباعث طلب الصواب كالوقوؼ‬
‫عليو؛ كال عمد كال قصد كال إصرار؛ ؽبذه اآلية كلقولو تعاذل‪{ :‬سَثَّنَب الَ رُؤَاخِزَْٔب إِْ َّٔغِْنَب ؤًَْ ؤَخْطَإَْٔب سَثَّنَب ًَالَ‬

‫رَحًِّْْ ػٍََْْنَب إِصْشاً وََّب حٍََّْزَوُ ػٍَََ اٌَّزَِّٓ ِِٓ لَجٍِْنَب سَثَّنَب ًَالَ رُحٍَِّّْنَب َِب الَ طَبلَخَ ٌَنَب ثِوِ ًَاػْفُ ػَنَّب ًَاغْفِشْ ٌَنَب‬

‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫ًَاسْحَّْنَب ؤَٔذَ ٌَِْالََٔب فَبٔصُشَْٔب ػٍَََ اٌْمٌََِْ اٌْىَبفِشَِّٓ }‬

‫‪ -5‬كقولو تعاذل‪{:‬لًُِ ٱٌْحَّْذُ ٌٍَِّوِ ًَعٍََـٌَُٰ ػٍََََٰ ػِجَبدِهِ ٱٌَّزَِّٓ ٱصْطَفََ}( )‪.‬‬
‫قاؿ ابن جرير الطبرم‪" :‬الذين اصطفاىم‪ ،‬يقوؿ‪ :‬الذين اجتباىم لنبيو ؿبمد صلى اهلل عليو كآلو‬
‫كسلم فجعلهم أصحابو ككزراءه على الدين الذم بعثو بالدعاء إليو دكف اؼبشركُت بو اعباحدين بنبوة نبيٌو"‪ ،‬مث‬

‫) كاػبوارج الذين كفركا عليان كمن خالفو كخرجوا على الصحابة بالسيف يقتلوّنم كيستبيحوف حرماهتم‪،‬‬
‫كالنواصب الذين ناصبوا آؿ بيت النيب صلى اهلل عليو كسلم العداكة الظاىرة كالباطنة‪ ،‬كالرافضة الذين يطعنوف يف‬
‫سائر صحابة رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كسلم عدا آؿ البيت عليهم رضواف اهلل تعاذل‪.‬‬
‫) سورة التوبة‪.117:‬‬
‫) أحكاـ القرآف للجصاص (‪.)371/4‬‬
‫) سورة البقرة من اآلية رقم (‪.)286‬‬
‫) سورة النمل‪.59:‬‬
‫ذكر بإسناده إذل ابن عباس يف قولو‪ًَ{ :‬عٍََـٌَُٰ ػٍََََٰ ػِجَبدِهِ ٱٌَّزَِّٓ ٱصْطَفََ} قاؿ‪ :‬أصحاب ؿبمد اصطفاىم‬
‫لنبيو"( )‪.‬‬
‫" قاؿ طائفة من السلف‪ :‬ىم أصحاب ؿبمد صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪ ،‬كال ريب أّنم أفضل‬
‫اؼبصطفُت من ىذه األمة اليت قاؿ اهلل فيها‪{ :‬ثَُُّ ؤًَْسَثْنَب ٱٌْىِزَـَٰتَ ٱٌَّزَِّٓ ٱصْطَفَْْنَب ِِْٓ ػِجَبدَِٔب فَِّنْيُُْ ظَـٌٍَُِٰ‬

‫ٌّنَفْغِوِ ًَِِنْيُُْ ُِّمْزَصِذٌ ًَِِنْيُُْ عَبثِكٌ ثِٱٌْخَْْشَٰدِ ثِئِرُِْ ٱٌٍَّوِ رٌَِهَ ىٌَُ ٱٌْفَضًُْ ٱٌْىَجِريُ جَنَّـَٰذُ ػَذٍْْ َّذْخٌٍَُُٔيَب ُّحٌٍَََّْْ فِْيَب‬

‫ِِْٓ ؤَعَبًِسَ ِِٓ رَىَتٍ ًٌَُؤٌُْؤاً ًٌَِجَبعُيُُْ فِْيَب حَشِّشٌ ًَلَبٌٌُاْ ٱٌْحَّْذُ ٌٍَّوِ ٱٌَّزٍِ ؤَرْىَتَ ػَنَّب ٱٌْحَضََْ إَِّْ سَثَّنَب ٌَغَفٌُسٌ شَىٌُسٌ‬

‫ٱٌَّزٍِ ؤَحٍََّنَب دَاسَ ٱٌُّْمَبَِخِ ِِٓ فَضٍِْوِ الَ ََّّغُّنَب فِْيَب َٔصَتٌ ًَالَ ََّّغُّنَب فِْيَب ٌُغٌُةٌ}( )‬
‫فأمة ؿبمد صلى اهلل عليو كآلو كسلم الذين أكرثوا الكتاب بعد األمتُت قبلهم اليهود كالنصارل كقد‬
‫أخرب اهلل تعاذل أّنم الذين اصطفى كتواتر عن النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم أنو قاؿ‪( :‬خَت القركف القرف الذم‬
‫بعثت فيهم مث الذين يلوّنم مث الذين يلوّنم)( )‪.‬كؿبمد صلى اهلل عليو كآلو كسلم كأصحابو ىم اؼبصط ىفوف‬
‫من اؼبصط ىفُت من عباد اهلل"( )‪.‬‬

‫‪ -6‬كؽكلو تعاذل‪ُِّ {:‬حََّّذٌ سَّعٌُيُ ٱٌٍَّوِ ًَٱٌَّزَِّٓ َِؼَوُ ؤَشِذَّاء ػٍَََ ٱٌْىُفَّبسِ سُحََّبء ثَْْنَيُُْ رَشَاىُُْ سُوَّؼبً عُجَّذاً َّجْزَغٌَُْ‬

‫فَضْالً َِّٓ ٱٌٍَّوِ ًَسِضٌَْأبً عَِّْـَٰيُُْ فَِ ًُجٌُىِيُِْ ِّْٓ ؤَثَشِ ٱٌغُّجٌُدِ رٌَِهَ َِثٍَُيُُْ فَِ ٱٌزٌَّْسَاحِ ًََِثٍَُيُُْ فَِ ٱإلجنًِِْ وَضَسْعٍ ؤَخْشَجَ‬

‫شَطْإَهُ فَأصَسَهُ فَٱعْزَغٍَْظَ فَٱعْزٌٍَََٰ ػٍََََٰ عٌُلِوِ ُّؼْجِتُ ٱٌضُّسَّاعَ ٌَِْغِْظَ ثِيُُِ ٱٌْىُفَّبسَ ًَػَذَ ٱٌٍَّوُ ٱٌَّزَِّٓ ءاَِنٌُاْ ًَػٌٍَُِّاْ ٱٌصَّـٍَِٰحَـَٰذِ ِِنْيُُ‬

‫} )‬
‫َِّ غْفِشَحً ًَؤَجْشاً ػَظِّْبً (‬

‫قاؿ ابن ثير‪" :‬فالصحابة رضي اهلل عنهم خلصت نياهتم كحسنت أعماؽبم فكل من نظر إليهم‬
‫أعجبوه يف ظبتهم كىديهم‪ ،‬كقاؿ مالك رضي اهلل عنو‪ :‬بلغٍت أف النصارل كانوا إذا رأكا الصحابة رضي اهلل‬
‫عنهم الذين فتحوا الشاـ يقولوف‪ :‬كاهلل ؽبؤالء خَت من اغبواريُت فيما بلغنا‪ .‬كصدقوا يف ذلك فإف ىذه األمة‬
‫معظمة يف الكتب اؼبتقدمة كأعظمها أصحاب رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم"( )‪.‬‬

‫) جامع البياف (‪.)2/20‬‬


‫) سورة فاطر اآليات ‪.35 -32:‬‬
‫) أخرجو البخارم يف كتاب الشهادات باب‪ :‬ال يشهد على شهادة جور إذا أشهد (‪ ،)2652‬كمسلم يف اؼبناقب باب فضائل‬
‫أصحاب النيب صلى اهلل عليو كسلم (‪.)3651‬‬
‫) منهاج السنة (‪.)156/1‬‬
‫) سورة الفتح اآلية‪.29:‬‬
‫) تفسَت القرآف العظيم (‪.)365/6‬‬
‫كمن العجب أف يكوف صلحاء النصارل يف قوؽبم أعدؿ من بعض اؼبسلمُت الذين طعنوا يف الصحابة‬
‫كنالوا من الديانة اليت ارتضاىا اهلل منهم كرضيها ؽبم كضبٌلهم أمانة نقلها كمكن ؽبم هبا يف ىذه األرض كأنزؿ‬
‫قولو‪ًَ ﴿:‬ػَذَ اٌٍَّوُ اٌَّزَِّٓ آَِنٌُا ِِنْىُُْ ًَػٌٍَُِّا اٌصَّبٌِحَبدِ ٌََْغْزَخٍِْفَنَّيُُْ فِِ اٌْإَسْضِ وََّب اعْزَخٍَْفَ اٌَّزَِّٓ ِِْٓ لَجٍِْيُِْ ًٌََُّْىِّنََّٓ ٌَيُُْ دِّنَيُُُ‬

‫اٌَّزُِ اسْرَضَََٰ ٌَيُُْ ًٌَُْجَذٌَِّنَّيُُْ ِِْٓ ثَؼْذِ خٌَْفِيُِْ ؤَِْ ۚنًب َّؼْجُذًَُٔنِِ ٌَب ُّشْشِوٌَُْ ثِِ شَْْئ ًۚب ﴾ ( )‪.‬‬
‫﴾ًب( )‪.‬‬
‫كقولو‪ ﴿ :‬اٌٌَََْْْ ؤَوٍَّْْذُ ٌَىُُْ دِّنَىُُْ ًَؤَرَّّْْذُ ػٍََْْىُُْ ِٔؼَّْزِِ ًَسَضِْذُ ٌَىُُُ اٌْئِعٍَْبََ دِّن‬

‫إف لم يكن الصحابة ىم من خوطبوا بهذه اايات فمن الذم خوطب بها؟‬

‫كإف دل يكن من مات صلى اهلل عليو كآلو كسلم كىم على ؿببة ككئاـ كاتفاؽ‪ ،‬فلمن يكوف اػبطاب بعد إذ؟!‬

‫فقد خرج النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم كأصحابو من اؼبهاجرين فارين بدينهم من مكة إذل اؼبدينة‪،‬‬
‫كآكاىم األنصار فتكالب عليهم أىل الكفر يف اعبزيرة العربية قاطبة ك رـكىم بقوس الشرؾ كالوثنية‪ :‬فكانوا ال‬
‫يبيتوف إال يف السالح‪ ،‬كال يصبحوف إال فيو‪ ،‬من شدة اػبوؼ‪ ،‬فثبتوا كصدقوا حىت أظهر اهلل تعاذل دينو كأعز‬
‫جنده كنصر نبيو صلى اهلل عليو كآلو كسلم فبسط سلطة اإلسالـ على جزيرة العرب‪ ،‬بعد أف عادكه كطردكه‬
‫كم ٌن‬
‫كىجركا من آمن معو‪ ،‬كحاصركه يف مهاجره‪ ،‬كقاتلوه كألبوا عليو األحزاب‪ ،‬فرد اهلل الذين كفركا بغيظهم‪ ،‬ى‬
‫ٌ‬
‫بالنصر اؼببُت على نبيو كصحابتو الكراـ فذلت العرب بكفرىا ككضعت سالحىا كآمنت باهلل الواحد الدياف رىبة‬
‫ك رغبة كصدقان‪ ،‬مث قبض اهلل تعاذل نبيو‪ ،‬فكاف الصحابة من بعده على ىديو كّنجو سائرين كعلى طريقتو‬
‫سالكُت‪ ،‬كلدينو ناصرين كناشرين‪ ،‬كباغبق على أعدائهم ظاىرين كقاىرين‪ ،‬كال زالوا مؤمنُت آمنُت فبكنُت يف‬
‫خالفة للنبوة راشدة‪ ،‬يف عهد أيب بكر‪ ،‬كعمر‪ ،‬كعثماف ‪ ،‬كعلي‪ ،‬كشيئان من خالفة اغبسن بن علي رضي اهلل‬
‫تعاذل عنهم أصبعُت‪ ،‬مث استمر األمر كاستقر زمن معاكية رضي اهلل تعاذل عنو بعد تنازؿ اغبسن بن علي باػبالفة‬
‫لو؛ كما كاف ذلك التنازؿ إالٌ ؼبصلحة بينة كاضحة‪ ،‬كمقاصد شرعية راجحة راعاىا اغبسن بن علي رضي اهلل‬
‫تعاذل عنو‪ ،‬من صبع الكلمة كتوحيد الصف كدل الشمل كحفظ كحقن الدماء‪ ،‬كرد لكيد الكائدين ككبت لألعداء‬
‫اؼبًتبصُت اغباقدين‪ ،‬فهل أصاب يف فعلو أك أخطأ؟‬

‫ال يتجرأ مسلم عاقل على زبطئتو فيما فعل خاصة كقد توسعت الدكلة اإلسالمية كانتشر الدين كظهر‬
‫يف عهد معاكية رضي اهلل تعاذل عنو‪ ،‬كعمن تنازؿ لو‪ ،‬كالطاعن يف فعل اغبسن بن علي يك ٍرىان ؼبعاكية إَنا يطعن‬
‫يف عدالة كديانة كتقول ككرع اغبسن بن علي رضي اهلل تعاذل عنو؛ إذ يلزـ من ذلك أنو بتنازلو ؼبعاكية ‪ -‬رضي‬

‫) سورة النور من اآلية‪. 55 :‬‬


‫) سورة اؼبائدة‪.3 :‬‬
‫اهلل تعاذل عنهم صبيعان ‪ -‬قد خاف األمة كدل ينصح ؽبا‪ ،‬فكيف يي ٍسلً يم زماـ أمرىا ؼبن ليس لو أىل‪ ،‬كاغبق الذم ال‬
‫مرية فيو كال شك أف اغبسن رضي اهلل تعاذل عنو سيد شباب أىل اعبنة سبط النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪،‬‬
‫كساللة علي بن أيب طالب كفاطمة الزىراء‪ ،‬معدف األصالة‪ ،‬كؾبمع الديانة‪ ،‬كؿبل التقول كالورع‪ ،‬قد نصح لألمة‬
‫كأكذل أمرىا ؼبن زكاه كرآه أىالن ؼبا كاله‪ ،‬من حكم اؼبسلمُت‪ ،‬فانتقل اغبكم من بر تقي إذل بر تقي مصداقان‬
‫ُت ًم ىن‬ ‫ُت فًئىتىػ ٍ ً‬
‫ُت ىع ًظيمتىػ ٍ ً‬ ‫لنبوءتو صلى اهلل عليو كآلو كسلم القائل‪ ( :‬إً َّف اب ًٍت ى ىذا سيِّ هد كلىع َّل اللَّو أى ٍف ي ً ً‬
‫صل ىح بًو بىػ ٍى‬
‫ٍ ى ى ىى ى يٍ‬
‫ى‬
‫اؼب ٍسلً ًمُت )( )‪.‬‬
‫ي‬
‫لماذا نعتقد ف ل الصحابة كنرعى حقوقهم؟‬

‫‪- 1‬ألّنم أصحاب الفضائل اليت سبق بياّنا كإيراد األدلة عليها‪ ،‬كمن جحد فضلهم فقد جحد تلك‬
‫النصوص اليت زكتهم كبيٌنت مكانتهم‪.‬‬
‫‪- 2‬ألف خَت الناس بعد األنبياء ىم اغبواريوف من أصحاهبم‪ ،‬كأنصارىم‪ ،‬كأشياعهم‪ ،‬ضبلوا رسالتهم‪،‬‬
‫كدافعوا عن ديانتهم‪ ،‬كبذلوا يف سبيل ذلك أركاحهم رخيصة‪.‬‬

‫﴿‬ ‫كقد أثٌت اهلل تعاذل يف القرآف على اؼبؤمنُت اؼبخلصُت من أصحاب موسى كعيسى عليهما السالـ‪ ،‬فقاؿ‪:‬‬

‫ًَِِْٓ لٌََِْ ٌُِعََ ؤَُِّخٌ َّيْذًَُْ ثِبٌْحَكِّ ًَثِوِ َّؼْذٌٌَُِْ ﴾ ( ) كقاؿ ـباطبان اؼبسيح ﴿ َّب ػِْغََ إِِِّٔ ُِزٌََفِّْهَ ًَسَافِؼُهَ إٌََِِّ‬

‫ًَُِطَيِّشُنَ َِِٓ اٌَّزَِّٓ وَفَشًُاْ ًَجَبػًُِ اٌَّزَِّٓ ارَّجَؼٌُنَ فٌَْقَ اٌَّزَِّٓ وَفَشًُاْ إٌََِ ٌََِّْ اٌْمَِْبَِخِ ﴾( )‪ ،‬كقاؿ ﴿ إَِّْ اٌَّزَِّٓ آَِنٌُا‬

‫ًَاٌَّزَِّٓ ىَبدًُا ًَاٌنَّصَبسٍََٰ ًَاٌصَّبثِئِنيَ َِْٓ آََِٓ ثِبٌٍَّوِ ًَاٌٌََِْْْ اٌْأخِشِ ًَػًََِّ صَبٌِحًب فٍََيُُْ ؤَجْشُىُُْ ػِنذَ سَثِّيُِْ ًٌََب خٌَْفٌ ػٍََْْيُِْ‬

‫كسجل مواقفهم اؼبرضيٌة فقاؿ تعاذل‪ ﴿:‬فٍَََّّب ؤَحَظَّ ػِْغََ ِِنْيُُُ اٌْىُفْشَ لَبيَ َِْٓ ؤَٔصَبسُِ إٌََِ اٌٍّوِ‬
‫)‪ٌ ،‬‬ ‫ًٌََب ىُُْ َّحْضٌََُْٔ﴾(‬

‫لَبيَ اٌْحٌََاسٌَُِّّْ َٔحُْٓ ؤَٔصَبسُ اٌٍّوِ آَِنَّب ثِبٌٍّوِ ًَاشْيَذْ ثِإََّٔب ُِغٌٍَُِّْْ‪ )(52‬سَثَّنَب آَِنَّب ثَِّب ؤَٔضٌَْذَ ًَارَّجَؼْنَب اٌشَّعٌُيَ فَبوْزُجْنَب َِغَ اٌشَّبىِذِّ﴾َٓ( )‪.‬‬

‫فإذا كاف ىذا الثناء ك الفضل ؼبن سبقونا من خاصة أتباع موسى كعيسى عليهما السالـ‪ ،‬فكيف‬
‫خباصة كصفوة اهلل اؼبختارة لصحبة كنصرة صفوة أنبيائو عليهم الصالة كالسالـ‪.‬‬

‫) صحيح البخارم ‪.2704‬‬


‫) سورة األعراؼ اآلية ‪.159‬‬
‫) سورة آؿ عمراف من اآلية ‪.55‬‬
‫) سورة اؼبائدة اآلية ‪.69‬‬
‫) سورة آؿ عمراف اآلية ‪.53 ،52‬‬
‫كقوؿ النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم يف اغبديث الصحيح ‪( :‬خَت الناس قرين‪ ،‬مث الذين يلوّنم‪ ،‬مث‬
‫الذين يلوّنم)( ) داؿ على ىذه اػبَتية‪.‬‬

‫(خَت الناس)‪ ،‬أم‪ :‬خَت صبيع الناس من األكلُت كاآلخرين؛ القرف‬ ‫كقولو صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪:‬‬
‫الذم بعث فيهم النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪ ،‬يعٍت‪ :‬من اؼبؤمنُت‪ ،‬كىذه تزكية منو صلى اهلل عليو كآلو كسلم‬
‫ؼبن قد خالطهم كعاشرىم كعلم من ظاىر حاؽبم كباطنو ما جيعلهم يف ىذه اؼبنزلة الرفيعة كاؼبقاـ العارل‪.‬‬

‫‪- 3‬إف ؿبمدان صلى اهلل عليو كآلو كسلم ىو خامت األنبياء كإمامهم كمنتهى الفضل إليو‪ ،‬كمن ىذه األفضلية‬
‫اكتسب أصحابو أفضلية على سائر الناس بعد األنبياء‪ ،‬كدل يزؿ اؼبسلموف يقتدكف هبدم الصحابة‬
‫كيعرفوف ؽبم فضائلهم ألف اهلل تعاذل ىو الذم زكاىم كطهرىم‪ ،‬كاختارىم لصحبة نبيو صلى اهلل عليو‬
‫كآلو كسلم‪ ،‬فهم خَتة األمة كصفوهتا‪ ،‬كىذه األمة خَت األمم كأزكاىا عند اهلل تعاذل‪ ،‬لقولو تعاذل‪:‬‬
‫{ وُنزُُْ خَْْشَ ؤَُِّخٍ ؤُخْشِجَذْ ٌٍِنَّبطِ رَإُِْشًَُْ ثِٱٌَّْؼْشًُفِ ًَرَنْيٌََْْ ػَِٓ ٱٌُّْنْىَشِ ًَرُؤِِْنٌَُْ ثِٱٌٍَّوِ}( )‪.‬‬

‫اب ًم ٍن‬ ‫ً‬


‫أيكتيوا الٍكتى ى‬ ‫السابً يقو ىف يىػ ٍوىـ الٍ ًقيى ىام ًة بىػٍي ىد أىنػ يَّه ٍم‬
‫كلقولو صلى اهلل عليو كآلو كسلم ‪ ( :‬ىٍكب ين ٍاآل ًخ يرك ىف َّ‬
‫قىػٍبلًنىا‪ ) ()...‬كاؼبعٌت اآلخركف كجودان‪ ،‬كالسابقوف يوـ القيامة مكانة كمقامان اصطفاىم اهلل كاختارىم لو‪.‬‬

‫‪- 4‬نعتقد ميزة ىؤالء الصحابة‪ ،‬كفضلهم؛ ألّنم ضبلة الشريعة كضباة العقيدة‪ ،‬كحفظة القرآف كالسنة‪،‬‬
‫اؼببلِّغوف ؼبن بعدىم اؼبخاطبوف بقوؿ النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪( :‬أال ليبلغ الشاىد منكم الغائب)‬
‫( )‪ ،‬كبقولو صلى اهلل عليو كآلو كسلم ‪( :‬بلغوا عٍت كلو آية)( )‪ .‬حفظ اهلل هبم اؼبلة‪ ،‬كارتضى ما‬
‫اٌٌَََْْْ ؤَوٍَّْْذُ ٌَىُُْ دِّنَىُُْ ًَؤَرَّّْْذُ‬ ‫ىم عليو من الديانة‪ ،‬فم ٌكن ؽبم كأمت نعمتو عليهم‪ ،‬قاؿ تعاذل‪﴿ :‬‬
‫ًَػَذَ اٌٍَّوُ اٌَّزَِّٓ آَِنٌُا ِِنْىُُْ ًَػٌٍَُِّا‬ ‫)‪.‬كقاؿ تعالى‪﴿ :‬‬ ‫﴾(‬ ‫ػٍََْْىُُْ ِٔؼَّْزِِ ًَسَضِْذُ ٌَىُُُ اٌْئِعٍَْبََ دِّنًب‬

‫) صحيح البخارم ربقيق البغا (‪.)938 /2‬‬


‫) سورة آؿ عمراف اآلية ‪.110:‬‬
‫) انظر‪ :‬صحيح مسلم (‪.)585/2‬‬
‫) صحيح البخارم ربقيق البغا (‪. )52 /1‬‬
‫) صحيح البخارم تػحقيق البغا (‪.)1275 /3‬‬
‫) سورة اؼبائدة‪.3 :‬‬
‫اٌصَّبٌِحَبدِ ٌََْغْزَخٍِْفَنَّيُُْ فِِ اٌْإَسْضِ وََّب اعْزَخٍَْفَ اٌَّزَِّٓ ِِْٓ لَجٍِْيُِْ ًٌََُّْىِّنََّٓ ٌَيُُْ دِّنَيُُُ اٌَّزُِ اسْرَضَََٰ ٌَيُُْ ًٌَُْجَذٌَِّنَّيُُْ ِِْٓ‬

‫َّؼْجُذًَُٔنِِ ٌَب ُّشْشِوٌَُْ ثِِ شَْْئ ًۚب ﴾ ( )‪.‬‬ ‫ثَؼْذِ خٌَْفِيُِْ ؤَِْنًب ۚ‬

‫كدين الصحابة الذم مكن اهلل لو يف األرض ىو الذم تلقوه من رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪،‬‬
‫كارتضاه اهلل تعاذل ؽبم بنص القرآف الكرًن‪.‬‬

‫) سورة النور من اآلية ‪. 55 :‬‬


‫رضٍ اهلل ذعاىل عُهى‬ ‫املطهة انراتع‪ :‬احللىق انشرعُح لنصحاتح‬

‫الصحابة ر واف اهلل تعالى عنهم أجمعين‪ ،‬لهم حقوؽ اإلسالـ العامة كحقوؽ اإليماف ال اصة‪،‬‬
‫يشتر وف فيها مع سائر المسلمين‪ ،‬ك افة المؤمنين‪ ،‬كلهم ذل حقوؽ ي تصوف بها دكف سواىم كال‬
‫يشار هم فيها غيرىم‪ ،‬كىي حقوؽ الصحبة لرسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم ‪.‬‬

‫كقد استنب العلماء الحقوؽ التي للصحابة الكراـ ر ي اهلل تعالى عنهم‪ ،‬من الف ائل العامة ك‬
‫ال اصة التي ثبتت لهم بنصوص القرآف الكريم كالسنة النبوية‪ ،‬كالحديث عن حقوقهم ر ي اهلل تعالى‬
‫عنهم؛ مقصود منو بياف ما اختصوا بو من حقوؽ زائدة على حقوؽ اإليماف كاإلسالـ العامة لألمة كالتي‬
‫يدخل فيها الصحابة دخوالن أكليان كاألمة تبع لهم في ال طاب بتل النصوص؛ ك اف الحديث ىنا عما‬
‫انفردكا بو من الف ائل كالحقوؽ بصورة موج ة تتل ص في التالي‪:‬‬

‫‪ .1‬إثبات ما أثبت اهلل كرسولو ؽبم من الفضل العظيم كادلنزلة الرفيعة‪ ،‬كاإلدياف بو كالتصديق قاؿ تعاذل ‪:‬‬
‫ًَاٌَّزَِّٓ آَِنٌُا ًَىَبجَشًُا ًَجَبىَذًُا فِِ عَجًِِْ اٌٍَّوِ ًَاٌَّزَِّٓ آًًَا ًََّٔصَشًُا ؤًٌََُٰئِهَ ىُُُ اٌُّْؤِِْنٌَُْ ۚحٌََّميًّبُُ‬ ‫﴿‬

‫َِّغْفِشَحٌ ًَسِصْقٌ وَشٌُِّ﴾ ( )‪.‬‬

‫‪ .2‬الثناء عليهم دبا يستحقونو من الفضل كاؼبنزلة كما أثٌت اهلل كرسولو صلى اهلل عليو كآلو كسلم عليهم‪ ،‬قاؿ‬
‫تعاذل يف اؼبهاجرين من الصحابة‪ٌٍِْ ﴿ :‬فُمَشَاءِ اٌُّْيَبجِشَِّٓ اٌَّزَِّٓ ؤُخْشِجٌُا ِِْٓ دَِّبسِىُِْ ًَؤٌََِْاٌِيُِْ َّجْزَغٌَُْ فَضْال َِِٓ اٌٍَّوِ‬

‫ًَسِضٌَْأًب ًَّنْصُشًَُْ اٌٍَّوَ ًَسَعٌٌَُوُ ؤًٌَُئِهَ ىُُُ اٌصَّبدِلٌَُْ﴾ ( )‪.‬‬

‫األنصار رضي اهلل تعاذل عنهم ‪ًَ ﴿ :‬اٌَّزَِّٓ رَجٌََّءًُا اٌذَّاسَ ًَاٌْئِميَبَْ ِِْٓ لَجٍِْيُِْ ُّحِجٌَُّْ َِْٓ ىَبجَشَ‬
‫ى‬ ‫كقاؿ في‬

‫إٌَِْْيُِْ ًٌََب َّجِذًَُْ فِِ صُذًُسِىُِْ حَبجَخً َِِّّب ؤًُرٌُا ًَُّؤْثِشًَُْ ػٍَََ ؤَْٔفُغِيُِْ ًٌٌَْ وَبَْ ثِيُِْ خَصَبصَخٌ ًََِْٓ ٌُّقَ شُحَّ‬

‫َٔفْغِوِ فَإًٌَُئِهَ ىُُُ اٌُّْفٍِْحٌَُْ﴾( )‪.‬‬

‫) سورة األنفاؿ اآلية ‪.74‬‬


‫) سورة اغبشر اآلية ‪.8‬‬
‫) سورة اغبشر اآلية ‪.9‬‬
‫‪ .3‬الًتضي عنهم حاؿ ذكرىم كالوقوؼ على سَتهتم ألف اهلل تعاذل قد رضي عنهم كأرضاىم قاؿ‬
‫تعاذل‪ٌَ﴿ :‬مَذْ سَضَِِ اٌٍَّوُ ػَِٓ اٌُّْؤِِْنِنيَ إِرْ ُّجَبِّؼٌَُٔهَ رَحْذَ اٌشَّجَشَحِ ﴾( )‪ ،‬كإذا كاف اهلل قد رضي اهلل عنهم بنص‬
‫القرآف الكرًن‪ ،‬كثبت ؽبم رضوانو كفضلو العميم‪ ،‬ربتم دخوؽبم اعبنة كثمرة من شبرات رضواف اهلل تعاذل عنهم‬

‫يقوؿ اهلل‪ًَ ﴿ :‬اٌغَّبثِمٌَُْ اٌْإًٌٌَََُّْ َِِٓ اٌُّْيَبجِشَِّٓ ًَاٌْإَٔصَبسِ ًَاٌَّزَِّٓ ارَّجَؼٌُىُُ ثِئِحْغَبٍْ سَّضَِِ اٌٍَّوُ ػَنْيُُْ‬

‫ًَسَضٌُا ػَنْوُ ًَؤَػَذَّ ٌَيُُْ جَنَّبدٍ رَجْشُِ رَحْزَيَب اٌْإَْٔيَبسُ خَبٌِذَِّٓ فِْيَب ؤَثَذًا ۚ رٌََِٰهَ اٌْفٌَْصُ اٌْؼَظُُِْ﴾ ( )‪.‬‬

‫شرار الناس على خيار كصفوة ىذه األمة إذا ر ي رب الناس كخالقهم ؟!‬ ‫فما قيمة س‬

‫‪ .4‬موا الهتم كالرباءة فبن يعاديهم ‪ ،‬كاؼبواالة تقتضي كتستلزـ الدفاع عنهم كاحملبة ك النصرة ؽبم لقولو‬
‫كتابو العزي ًز ‪ ﴿ :‬إََِّّٔب ًٌَُِّْىُُْ اٌٍَّوُ ًَسَعٌٌُُوُ ًَاٌَّزَِّٓ آَِنٌُا اٌَّزَِّٓ ُّمٌَُِّْْ اٌصَّالَحَ ًَُّؤْرٌَُْ اٌضَّوَبحَ ًَىُُْ‬
‫تعاذل يف ً‬

‫سَاوِؼٌَُْ﴾ ( )‪.‬‬

‫كبعد أف علم اؼبسلم منا مكانة الصحابة ك قدرىم‪ ،‬كعرؼ دكرىم كبذؽبم كعطا ءىم ؽبذا الدين‪،‬‬
‫ككقف على تضحياهتم كجهادىم‪ ،‬كجب أف يشكر الفضل ألىلو ك يتقرب إذل اهلل تعاذل بتعظيمهم كتوقَتىم‬
‫كحبَّهم‪ ،‬كما ذلك لشخوص دل يرىا اؼبسلم كدل يعاصرىا ‪ ،‬كإَنا لألثر الذم تركوه كاألعماؿ اعبليلة اليت قاموا هبا‬
‫كضبلهم لرسالة اإلسالـ كأدائهم ألمانة البالغ اؼببُت للدين اغبق الذم ارتضاه اهلل ؽبم ‪ ،‬كىداىم إليو كاختارىم‬
‫فحق ؼبن كانوا مع الدين كذلك أف نضعهم‬ ‫كشرفهم خبدمة دينو كنصرتو كتبليغو اآلفاؽ البعيدة يف ىذه اؼبعمورة‪ ،‬ي‬
‫يف مقل عيوننا كنفديهم دبهج قلوبنا كننزؽبم اؼبنزلة اليت تليق هبم رضواف اهلل تعاذل عليهم‪.‬‬

‫‪ .5‬الدُّعاء ؽبم بًظى ٍه ًر ً‬


‫الغيب ؛ ألّنم أكصلوا لنا ىذا الدين ككانوا سببان ؽبدايتنا ؽبذا اػبَت العظيم‪ ،‬فحق‬ ‫ي‬
‫على الصاغبُت من اؼبؤمنُت أف يتصفوا دبا كصفهم اهلل سبحانو كتعاذل بو يف ؽكلو‪ًَ ﴿ :‬اٌَّزَِّٓ جَبءًُا ِِْٓ ثَؼْذِىُِْ‬

‫َّمٌٌٌَُُْ سَثَّنَب اغْفِشْ ٌَنَب ًٌَِئِخٌَْأِنَب اٌَّزَِّٓ عَجَمٌَُٔب ثِبٌْئِميَبِْ ًٌََب رَجْؼًَْ فِِ لٌٍُُثِنَب غًٍِّب ٌٍَِّزَِّٓ آَِنٌُا سَثَّنَب إَِّٔهَ سَءًُفٌ سَحٌُِْ‬
‫﴾( )‪.‬‬

‫) سورة الفتح من اآلية ‪.18‬‬


‫) سورة التوبة اآلية ‪.100‬‬
‫) سورة اؼبائدة اآلية‪.55:‬‬
‫) سورة اغبشر اآلية ‪.10‬‬
‫جيب عليهم من حق ذباه الصحابة الكراـ رضواف‬ ‫ً‬
‫خيرب اؼبوذل عز كجل يف اآلية عن حاؿ اؼبؤمنُت كما ي‬ ‫ي‬
‫يؤدبنا ربُّنا دبكارـ األخالؽ كصبيل اػبصاؿ ذباه أكليائو كأصفياء رسولو صلى اهلل عليو‬
‫اهلل تعاذل عنهم أصبعُت‪ ،‬ك ِّ‬
‫كآلو كسلم من الدعاء ؽبم‪.‬‬

‫نف الث ً‬
‫َّالث مع بغضو ؼبن أحبهم اهلل كأكرمهم بالصحبة كاؽبجرة‬ ‫ديكن أ ٍف يكو ىف اإلنسا يف ًم ىن ِّ‬
‫الص ً‬
‫ؼ ي‬ ‫ال‬
‫كالنصرة لنبيو كلدينو‪.‬‬

‫قاؿ البغوم رضبو اهلل تعاذل‪" :‬فكل من كاف يف قلبو غل على أحد من الصحابة كدل يًتحم على‬
‫صبيعهم فإنو ليس فبن عناه اهلل هبذه اآلية‪ ،‬ألف اهلل تعاذل ػ رتب اؼبؤمنُت على ثالثة منازؿ‪ :‬اؼبهاجرين كاألنصار‬
‫كالتابعُت اؼبوصوفُت دبا ذكر‪ ،‬فمن دل يكن من التابعُت هبذه الصفة كاف خارجان من أقساـ اؼبؤمنُت‪.‬‬
‫قاؿ ابن أبي ليلى ‪ :‬الناس على ثالثة منازؿ‪ :‬الفقراء اؼبهاجرين‪ ،‬كالذين تبوءكا الدار كاإلدياف‪ ،‬كالذين‬
‫جاءكا من بعدىم فاجتهد أف ال تكوف خارجان من ىذه اؼبنازؿ"( )‪.‬‬
‫أخبارىم‬
‫‪ .6‬التخلق بأخالقهم كالتأدب ب داهبم اليت كانت ؿبل ثناء اهلل كرسولو عليهم ‪ ،‬كدراسة ى‬
‫كسيىػىرىم رضي اهلل عنهم كأرضاىم ‪ ،‬كتعليم ذلك لألبناء كربطىهم هبذا ً‬
‫اعبيل الرباين الفريد ليكونوا قدكة ؽبم بعد‬ ‫ً‬
‫ى‬
‫رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم كعلى ىديو كسنتو كخطاه‪ ،‬فيتشبَّهوا هبم يف حياهتم لَتتقوا أخالقيان كإديانيان‪.‬‬

‫الح‬ ‫ًً‬ ‫فتشبَّهوا إ ٍف دل تكونوا مثلىهم *** َّ‬


‫إف التَّشبُّ ىو بالكىراـ فى ي‬

‫قاؿ اهلل تعاذل آمران نبيو‬


‫كالقدكة مهمة يف ميداف هتذيب النفس البشرية كتربيتها كاالرتقاء هبا؛ كلذلك ى‬
‫ذكر لو األنبياءى ‪ ﴿ :‬ؤًٌَُْئِهَ اٌَّزَِّٓ ىَذٍَ اٌٍّوُ فَجِيُذَاىُُُ الْزَذِهْ ﴾ ( )‪.‬‬
‫ؿبمدان صلى اهلل عليو كآلو كسلم بعد أ ٍف ى‬

‫رشده اهلل إذل االىتداء باالقتداء بالرسل قبلو‬


‫َّيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم كىو من ىو‪ ،‬يي ي‬
‫كإذا كا ىف الن ُّ‬
‫كبتاج كبن إذل ىذا التوجيو كاإلرشاد ؟!! بلى كبن أحوج إليو‪ ،‬كقد أرشدنا‬
‫كاألنبياء عليهم الصالة كالسالـ‪ ،‬أفال ي‬
‫اهلل كأمرنا يف كتابو قائالن ‪ٌَ ﴿ :‬مَذْ وَبَْ ٌَىُُْ فِِ سَعٌُيِ اٌٍَّوِ ؤُعٌَْحٌ حَغَنَخٌ ٌَِّْٓ وَبَْ َّشْجٌُ اٌٍَّوَ ًَاٌٌَََْْْ اٌْأخِشَ‬

‫ًَرَوَشَ اٌٍَّوَ وَثِريًا﴾ ( )‪.‬‬

‫كقد حثنا على ذلك النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪ ،‬بل جعلو اؼبخرج لألمة من ضياع ؿبقق يلحقها‪،‬‬
‫وؿ اللًَّو‬
‫صلَّى بًنىا ىر يس ي‬
‫اض بن سارية قاؿ‪ :‬ى‬
‫ً‬
‫كشتات يدركها‪ ،‬كفرقة تناؿ من عصمتها كصبع كلمتها‪ ،‬ؼقد ركل الٍع ٍربى ي‬

‫) تفسَت البغوم على حاشية تفسَت اػبازف ‪.54/7‬‬


‫) سورة األنعاـ اآلية ‪.91‬‬
‫) سورة األحزاب األية ‪.21‬‬
‫ت ًمٍنػ ىها‬ ‫ً‬ ‫صلى اهلل عليو كآلو كسلم ىذات يػووـ‪ ،‬يمثَّ أىقٍػبل علىيػنىا فىػوعظىنىا مو ًعظى نة بلًيغى نة ىذرفى ً‬
‫ت مٍنػ ىها الٍ يعييو يف ىكىكجلى ٍ‬ ‫ى ٍ‬ ‫ى ى ى ٍ ى ى ىٍ ى‬ ‫ى ىٍ‬
‫ىف ى ًذ ًه مو ًعظىةي مو ِّد وع‪ ،‬فىماذىا تىػعه يد إًلىيػنىا؟ فىػ ىق ىاؿ‪" :‬أ ً‬
‫يكصي يك ٍم بًتىػ ٍق ىول اللًَّو‬ ‫الٍ يقليوب‪ ،‬فىػ ىق ىاؿ قىائًل‪ :‬يا رس ى ً‬
‫ى ٍى ٍ‬ ‫يى‬ ‫وؿ اللَّو ىكأ َّ ى ى ٍ‬ ‫ه ى ىي‬ ‫ي‬
‫السم ًع كالطَّاع ًة‪ ،‬كإً ٍف عب ندا حب ًشيًّا‪ ،‬فىًإنَّو من يعًش ًمٍن يكم بػع ًدم فىسيػرل اختً ىالفنا ىكثًَتا‪ ،‬فىػعلىي يكم بًسن ًَّيت كسنَّةً‬
‫ن ىٍ ٍ ي ىي‬ ‫ىىى ٍ‬ ‫ٍ ىٍ‬ ‫ي ىٍ ى ٍ‬ ‫ىك َّ ٍ ى ى ى ى ٍ ى ى‬
‫ضوا علىيػها بًالنػَّو ًاج ًذ‪ ،‬كإًيَّا يكم كيٍؿب ىدثى ً‬
‫ات ٍاأل ييموًر‪ ،‬فىًإ َّف يك َّل يٍؿب ىدثىوة بً ٍد ىعةه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اػبلى ىف ًاء الٍمه ًديُِّت َّ ً ً‬
‫ى ٍى‬ ‫ين‪ ،‬سبىى َّس يكوا هبىا ىك ىع ُّ ى ٍ ى ى‬
‫الراشد ى‬ ‫ىٍ ى‬ ‫ٍي‬
‫و‬
‫ض ىاللىةه)( )‪.‬‬‫ىكيك َّل بً ٍد ىعة ى‬

‫كبُت العاصم األكيد‪ ،‬كالركن الشديد‪،‬‬


‫فاغبديث رسم معادل اؼبخرج من فتنة الفرقة كالنزاع كاالختالؼ‪ٌ ،‬ى‬
‫كىو حسن االتباع ك التأسي باؽبداة اؼبهديُت كاػبلفاء الراشدين‪ ،‬مؤكدان بذلك على ضركرة القدكة دبستواىا‬
‫األعلى كىو النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم ‪ ،‬فإف دل يكن فال أقل من التأسي بصحابتو الكراـ رضواف اهلل‬
‫عليهم‪ ،‬فهل نصح صلى اهلل عليو كآلو كسلم هبذا التوجيو ألمتو أك غشهم ؟!‬

‫ال شك كال ريب أنو نصح لألمة كتركها على ؿبجة بيضاء نقية ال يتعامى عنها إالٌ جاىل ضاؿ أك‬
‫عادل غلبو ىواه فأغواه كيف البدعة أرداه‪.‬‬

‫نقوؿ إّنم بأفرادىم‬ ‫بشر ييصيبوف كخيطئوف‪ ،‬كال ي‬ ‫عما ىش ىجىر بينهم‪ ،‬فهم ه‬ ‫كف اللِّسا ىف َّ‬ ‫‪ .7‬صوف أعراضهم ك ُّ‬
‫يقع اػبطأ منهم‪ ،‬إما عن عمد كقصد أك‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ص ىم ىة ألنبيائو كمالئكتو فحسب‪ ،‬كغَتىم ي‬ ‫معصوموف‪ ،‬فقد جعل اهلل الع ٍ‬
‫عن غَت عمد ك قصد‪ ،‬دبحض اػبطأ أك االجتهاد كيف صبيع تلك األحواؿ ليس للواحد منا اليوـ ؿباسبتهم كال‬
‫ؿباكمتهم دكف أف يعلم منطلقهم يف فعلهم كباعثهم عليو‪ ،‬كنكل ذلك كلو هلل تعاذل فهو العادل بسرائرىم‬
‫كمكنوف صدكرىم‪ ،‬كؾبازيهم دبا فعلوا‪ ،‬خاصة كقد كردت النصوص الشرعية القاضية بالنهي عن اإلساءة إليهم‬
‫يد اػبي ٍد ًر ِّ ً‬‫أك النيل منهم‪ ،‬فعن أًىيب سعً و‬
‫م ىرض ىي اللَّوي ىعٍنوي‪ ،‬قى ىاؿ‪ :‬قى ىاؿ النً ُّ‬
‫َّيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم ‪" :‬الى تى يسبُّوا‬ ‫ى‬ ‫ىٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ىحدى ٍم‪ ،‬ىكالى نىصي ىفوي"( )‪.‬‬ ‫ً‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ىص ىح ًايب‪ ،‬فىػلى ٍو أ َّ‬
‫يحد ىذ ىىبنا ىما بىػلى ىغ يم َّد أ ى‬‫ىح ىد يك ٍم أىنٍػ ىف ىق مثٍ ىل أ ي‬
‫ىف أ ى‬ ‫أٍ‬

‫قولو‪" :‬ال تسبوا" ىذا ّني عن السب‪ ،‬كالسب يصدؽ يف أم قوؿ مذموـ يف حقهم‪ ،‬كيف أم قوؿ فيو‬
‫ذـ ؽبم‪ ،‬فعيبهم أك تنقصهم أك احتقارىم سب ؽبم‪ ،‬كلعن الصحابة من سبهم بل ىو من أعظم السب ؽبم‬
‫رضي اهلل عنهم‪.‬‬

‫كسبب ىذا اغبديث خالؼ كقع بُت عبد الرضبن بن عوؼ رضي اهلل عنو كبُت خالد بن الوليد رضي‬
‫اهلل عنو ‪ ،‬فناؿ خالد رضي اهلل عنو من عبد الرضبن بن عوؼ‪ ،‬فبلغ ذلك النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪ ،‬فقاؿ‬

‫) سنن أيب داكد (‪ )201 /4‬حديث ‪.4607‬‬

‫) صحيح البخارم (‪ )8 /5‬ربقيق البغا‪.‬‬


‫صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪( :‬ال تسبوا أصحايب) اغبديث‪ ،‬فاغبديث لو سبب كىو نيل خالد بن الوليد ‪-‬كىو فبن‬
‫تأخر إسالمو‪ -‬من عبد الرضبن بن عوؼ ‪-‬كىو فبن تقدـ إسالمو‪ .-‬فنهي صلى اهلل عليو كسلم اؼبتأخر إسالمان‬
‫أف يناؿ من اؼبتقدـ إسالمان من الصحابة الكراـ كإف صبعتهم منزلة الصحبة‪ ،‬فكيف دبن دكّنم يف القدر كالفضل‬
‫كالديانة ؟!‪.‬‬

‫كالناقد ؽبم فبن جاء بعدىم اػبائض يف مواقفهم كىو عنها غائب‪ ،‬يشهد دبا دل يعلم‪ ،‬كيقوؿ ما ال‬
‫يدرؾ‪ ،‬ككأنو يستدرؾ على اهلل تعاذل كرسولو صلى اهلل عليو كآلو كسلم حكمهما ؽبؤالء النخبة باعبنة كالنجاة‬
‫كاإلبعاد من النار يف عدد من اآليات كاألحاديث منها قولو تعاذل‪﴿ :‬ال َّغْزٌَُِ ِِنْىُُْ َِْٓ ؤَْٔفَكَ ِِْٓ لَجًِْ اٌْفَزْحِ‬

‫ًَلَبرًََ ؤًٌَُْئِهَ ؤَػْظَُُ دَسَجَخً َِِٓ اٌَّزَِّٓ ؤَْٔفَمٌُا ِِْٓ ثَؼْذُ ًَلَبرٌٍَُا ًَوُال ًَػَذَ اٌٍَّوُ اٌْحُغْنََ﴾ ( )‪.‬‬

‫كقولو تعاذل‪﴿ :‬إَِّْ اٌَّزَِّٓ عَجَمَذْ ٌَيُُْ ِِنَّب اٌْحُغْنََ ؤًٌَُئِهَ ػَنْيَب ُِجْؼَذًَُْ﴾( )‪ ،‬أم‪ :‬يمٍبػ ىع يدك ىف عن النَّار‪.‬‬

‫كقولو تعاذل‪﴿ :‬ال َّغْزٌَُِ اٌْمَبػِذًَُْ َِِٓ اٌُّْؤِِْنِنيَ غَْْشُ ؤًٌُِِ اٌضَّشَسِ ًَاٌُّْجَبىِذًَُْ فِِ عَجًِِْ اٌٍَّوِ ثِإٌََِْاٌِيُِْ ًَؤَْٔفُغِيُِْ‬

‫فَضًََّ اٌٍَّوُ اٌُّْجَبىِذَِّٓ ثِإٌََِْاٌِيُِْ ًَؤَْٔفُغِيُِْ ػٍَََ اٌْمَبػِذَِّٓ دَسَجَخً ًَوًٍُّب ًَػَذَ اٌٍَّوُ اٌْحُغْنََ ًَفَضًََّ اٌٍَّوُ اٌُّْجَبىِذَِّٓ‬

‫ػٍَََ اٌْمَبػِذَِّٓ ؤَجْشًا ػَظًِّْب﴾ ( )‪.‬‬

‫كقوؿ النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪( :‬خَت الناس قرين مث الذين يلوّنم مث الذين يلوّنم قاؿ عمراف‪:‬‬
‫فال أدرم أذكر بعد قرنو قرنُت أك ثالثة) اغبديث( )‪.‬‬

‫كقولو عليو الصالة كالسالـ‪( :‬ال يدخل النار أحد بايع ربت الشجرة)( )‪.‬‬

‫فأماـ ىذه النصوص القطعية ال عربة بركايات التاريخ اؼبشوبة باألىواء كالنزكات‪ ،‬كاؼبليئة بالتناقضات‬
‫كاالختالفات‪ ،‬كلنا يف ذلك قوؿ ـبتصر ؾبمل نتأسى فيو باإلماـ علي رضي اهلل تعاذل عنو كبأفعالو مع اؼبخالفُت‬
‫لو‪ ،‬كال نعدكا ذلك فقد جعلو اهلل تعاذل سببان لنجاة األمة كعصمتها من االكبراؼ كالزيغ دبا سن ؽبا من فقو‬
‫التعامل مع اؼبخالف لو بتأكيل كاجتهاد كحفظو غبقوؽ األخوة اإلديانية‪ ،‬كفقو التعامل مع الباغي عليو‪ ،‬كاػبارج‬

‫) سورة اغبديد من اآلية ‪.10‬‬


‫) سورة األنبياء اآلية ‪.101‬‬
‫) سورة النساء اآلية ‪.95‬‬
‫) ركاه البخارم (‪ )2362 /5‬حديث رقم ‪ .2509‬كمسلم (‪ )1963 /4‬حديث رقم ‪.2533‬‬
‫) السنن الكربل للنسائي (‪ )464 /6‬حديث رقم‪ 11508 :‬طبعة دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫عن طاعتو؛ من اػبوارج اؼبارقُت عن السنة كاؽبدل إذل البدعة كالضالؿ‪ ،‬فقد كاف موقفو موقف العادل الفقيو‪،‬‬
‫كالتقي الورع‪ ،‬كاحملارب النبيل‪ ،‬فلم يي ىكفِّر من كفره‪ ،‬كدل يستحل دماء كأمواؿ كأعراض من استحل دمو كمالو‬
‫كعرضو كمن معو من اؼبسلمُت‪ ،‬بل جادؽبم باغبسٌت‪ ،‬كمنع تكفَتىم‪ ،‬كناظرىم بالعلم‪ ،‬كحفظ ؽبم حقوؽ‬
‫اإلسالـ العامة‪ ،‬كدل يقاتلهم حىت بدءيكا القتاؿ كسفكوا الدماء كقطعوا الطريق كأخافوا اؼبسلمُت؛ فكاف الفقو‬
‫مأخوذان من أقوالو كأفعالو كأحكامو‪ ،‬كما ترتب على نزاعو كخالفو مع غَته‪ ،‬كإقرار من بقي من الصحابة‬
‫كموافقتهم لو يف ذلك كلو نزلٌو العلماء منزلة اإلصباع الظٍت‪.‬‬
‫املطهة اخلايس‬

‫اهلانكىٌ تسثة تغض انصحاتح وانطعٍ فُهى‬

‫لم يتجرأ على الطعن في صحابة رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم إالٌ من تعامي عن نصوص‬
‫الكتاب كالسنة‪ ،‬كملء الحقد صدره‪ ،‬كالغل قلبو‪ ،‬فاجترأ عليهم بالسب أك التنقص أك التكفير‪ ،‬كىو من‬
‫أعجب العجب؛ فإذا كاف الصحابة كفاران مرتدين ‪ -‬كما يقوؿ ىؤالء الزائغوف عن اؽبدل اؼبنغمسوف يف‬
‫الضالؿ ‪ -‬فكيف رضي اهلل عنهم كرضوا عنو؟‬

‫ككيف زكاىم كقبل يف األمم شهادهتم؟‬

‫ككيف رضي دينهم ك قبل خربىم؟‬

‫ككيف يصح قياـ اغبجة بفتحهم لألمصار ك تبليغهم لإلسالـ كالشرع كاألحكاـ؟‬

‫فمعٌت كالـ ىؤالء الطاعنُت يف أصحاب رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم ‪ -‬كالزـ قوؽبم ‪ -‬أف‬
‫مبدؿ‪ ،‬كأف شريعتو غَت ؿبفوظة‪ ،‬كأف اهلل سبحانو ما صدؽ يف قولو تعاذل‪:‬‬
‫مغَت‪ ،‬كأف كالمو ٌ‬
‫دين اهلل تعاذل ٌ‬
‫{إَِّٔب َٔحُْٓ َٔضٌَّْنَب اٌزِّوْشَ ًَإَِّٔب ٌَوُ ٌَحَبفِظٌَُْ}( ) فلم حيفظ دينو ككتابو‪ ،‬بل ككلو إذل كفرة فجرة ‪ -‬يف زعم‬

‫كحرفوا‪ ،‬كقالوا فيو ما يشتهوف‪ ،‬ككلوا من يريدكف‪ ،‬كعزلوا من‬


‫غَتكا فيو كبدلوا‪ ،‬كزادكا كنقصوا ٌ‬
‫أكلئك الضالُت ‪ٌ -‬‬
‫يبغضوف‪ ،‬ىذا مقتضى كالزـ قوؿ ىؤالء الطاعنُت اعباحدين‪.‬‬

‫كىذا النيل من الصحابة رضي اهلل عنهم ليس قدحان يف ذكاهتم خاصة؛ بل ىو نيل من الشريعة‪ ،‬كطعن‬
‫يف اإلسالـ ك القرآف ك السنة‪،‬ألف الطعن يف الناقل كالنيل من ديانتو كعدالتو طعن يف اؼبنقوؿ كنيل كتنقص منو‪.‬‬

‫أىل الضالؿ يف الصحابة الكراـ طعنان يف اهلل العظيم األجل‪ ،‬كنبيو اجملتِّب اؼبرسل‪،‬‬ ‫بل قد يكوف طعن‬
‫كدينو اؼبرتضى ككتابو اؼبنزؿ‪.‬‬

‫شريعتو من الضياع {لًُْ فٍٍََِّوِ اٌْحُجَّخُ‬ ‫كذلك ألنو ال قياـ للحجة على خلق اهلل تعاذل مادل ربفظ‬

‫اٌْجَبٌِغَخُ}( ) فإف كالمو دل يتغَت منذ نزؿ كإذل أف تقوـ الساعة‪ ،‬فى يح ًف ىظ ببالغ الرسوؿ األمُت‪ ،‬كنقل الصحابة‬

‫) [اغبجر‪.]9:‬‬
‫) سورة األنعاـ‪.149:‬‬
‫اؼبنتجبُت‪ ،‬لئال يتنصل متنصل أك يتمحل متمحل بقولو‪ {:‬سَثَّنَب ٌٌَْال ؤَسْعٍَْذَ إٌَِْْنَب سَعًٌٌُب فَنَزَّجِغَ آَّبرِهَ ًَٔىٌَُْ‬

‫َِِٓ اٌُّْؤِِْنِنيَ}( )‪.‬‬

‫فينكر اهلل عليهم ذلك‪{:‬ؤَْْ رَمٌٌٌُُا َِب جَبءََٔب ِِْٓ ثَشِريٍ ًَال َٔزِّشٍ فَمَذْ جَبءَوُُْ ثَشِريٌ ًَٔزِّشٌ ًَاٌٍَّوُ ػٍَََ‬

‫وًُِّ شَِْءٍ لَذِّشٌ}( )‪.‬‬

‫فقد قامت عليهم اغبجة ببالغ مبُت من رسوؿ أمُت كصحابة راشدين مهديُت‪ ،‬شرفهم اهلل بالسبق‬
‫يف اإلدياف كاؽبجرة إذل الرضبن‪ ،‬كالنصرة بالنفس كاؼباؿ كالولداف‪ ،‬أصبعت األمة على فضلهم ك تقدديهم على‬
‫تفاكت بينهم يف الفضل‪ ،‬فأفضلهم اػبلفاء األربعة‪ ،‬مث بقية العشرة اؼببشرين باعبنة‪ ،‬كىكذا بقية الصحابة‪.‬‬

‫فهل يزكي اهلل كرسولو ؾبركحي العدالة‪ ،‬ساقطي االعتبار‪ ،‬رقيقي الديانة‪ ،‬ىم ٍن ال عهد ؽبم كال ميثاؽ‪،‬‬
‫كال ذمة كال أمانة‪ ،‬لو اعتقد أحد ذلك ىلك‪ ،‬ألنو طعن يف اهلل كتكذيب صريح آلياتو‪ ،‬كتكذيب لرسولو الذم‬
‫خاطبهم بالبالغ ألىليتهم لو‪.‬‬

‫فمن ارتضى اهلل ديانتو‪ ،‬كقبل شهادتو‪ ،‬ككفقو لصحبة نبيو‪ ،‬صار ؿبالن إلناطة حكم البالغ بو‪ ،‬فهو من‬
‫الفضل كالعدالة كالسيادة كالقدكة اغبسنة دبكاف ال يدانيو إالٌ من شاركو منزلة الصحبة‪.‬‬

‫كالطاعن فيهم يل مو من الموبقات المهلكات أمور لو الت مها لكاف خارجان عن ملة اإلسالـ كىي‪:‬‬

‫‪- 1‬الطعن يف اهلل تعاذل الذم اختارىم صحبة لنبيو كضبلة لدينو كنقلة لشريعتو‪.‬‬
‫كعدؽبم كشهد بالفضل ؽبم‪.‬‬
‫‪- 2‬الطعن يف القرآف الكرًن الذم زكاىم ٌ‬
‫‪- 3‬الطعن يف رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم من كجهين‪:‬‬

‫األكؿ‪:‬أنو رباىم كعلٌمهم كزٌكاىم فهم تربيتو كصياغتو‪ ،‬كالنيل منهم نيل فبن رباىم كأدهبم‪ ،‬الزمو أنو دل ينجح‬
‫يف تربيتو ؽبم كحاشاه صلى اهلل عليو كآلو كسلم ‪.‬‬

‫الوجو الثاني‪ :‬أنو صلى اهلل عليو كآلو كسلم شهد ؽبم باعبنة كالرضواف كزكاىم كع ٌدؽبم‪ ،‬كق ٌدمهم ألمتو سادة راشدين‪،‬‬
‫ػربىم كأطلعو اهلل على سرائرىم‪ ،‬فقاؿ صلى اهلل عليو كآلو كسلم كما يف حديث‬ ‫ً‬
‫كقادة مهديُت ىادين‪ ،‬بعد أف ىخ ى‬
‫العرباض بن سارية رضي اهلل عنو قاؿ‪ :‬كعظنا رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم موعظة كجلت منها القلوب‪ ،‬كذرفت‬

‫) سورة القصص اآلية ‪.47‬‬


‫) سورة اؼبائدة اآلية ‪.19‬‬
‫تأمر‬
‫منها العيوف‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رسوؿ اهلل‪ ،‬كأّنا موعظة مودع فأكصنا‪ ،‬قاؿ‪ ( :‬أكصيكم بتقول اهلل‪ ،‬كالسمع كالطاعة‪ ،‬كإف ٌ‬
‫عضوا عليها‬
‫عليكم عبد؛ فإنو من يعش منكم فسَتل اختالفان كثَتان‪ ،‬فعليكم بسنيت كسنة اػبلفاء الراشدين اؼبهديُت‪ٌ ،‬‬
‫بالنواجذ‪ ،‬كإياكم كؿبدثات األمور‪ ،‬فإف كل بدعة ضاللة ) ( )‪.‬‬
‫فهل يصدر الطعن يف الصحابة من مسلم‪ ،‬إالٌ أف يكوف قد أعمى اهلل بصره كطمس على بصَتتو‬
‫كأضلو جبهالتو كبدعتو‪ ،‬كمنهم من ذىب بو ىواه مذىبان بعيدان يف اػبذالف‪ ،‬فأنزؿ اآليات كاألحاديث اليت‬
‫كردت يف اؼبنافقُت على الصحابة الكراـ‪ ،‬كذلك تزييف للحقائق اليت أصبعت األمة عليها ك ربريف للكلم‬
‫عن مواضعو‪.‬‬

‫‪- 4‬عدـ قياـ اغبجة على اػبالئق الذين بلٌغهم الصحابة دين اهلل تعاذل‪ ،‬ألنو كصلهم خرب الدِّيانة فبن ال‬
‫يصح نقلو كركايتو كال تقوـ اغبجة دبثلو – على زعم ىؤالء الطاعنُت ‪. -‬‬

‫) ركاه الًتمذم كقاؿ‪ :‬حديث حسن صحيح ‪.2891‬‬


‫انفصم انثانث‪ :‬حمىق والج األير‬
‫وانرعُح وحمىق انىانذٍَ‬

‫وفُه ثالثح يثاحث‬

‫د‪ .‬عثذ اهلل اجلىدج‬ ‫املثحث األول‪ :‬حمىق والج األير‪.‬‬


‫د‪ .‬عهٍ عًراٌ‬ ‫املثحث انثاٍَ‪ :‬حمىق انرعُح ‪.‬‬
‫د‪ .‬حمًذ عثذ انثالٍ‬ ‫املثحث انثانث‪ :‬حمىق انىانذٍَ‬
‫املثحث األول‪ :‬حمىق والج األير‪.‬‬
‫تمهٌد‬

‫كالة األمر ىم أصحاب السلطة اغباكمة‪ ،‬حيث أنو ال يقوـ عماد أم ؾبتمع كال ينتظم أمر أم‬
‫دكلة إال بسلطة حاكمة تقوـ على رعاية شؤكنو كحفظ مصاغبو كتنظيم أموره ‪ ،‬كلذا كاف للوالية مكانتها‬
‫يف التشريع اإلسالمي فوالة األمور اؼبسلمُت يقوموف دبهمة عظيمة كعلى عواتقهم كاجبات جسيمة‪،‬‬
‫أساسها حراسة الدين كإقامة أركانو ككاجباتو كسياسة الدنيا يف ضوء مقاصد الشريعة كتعاليمها ‪ ،‬كما يتبع‬
‫ذلك من إقامة العدؿ كحفظ األمن كالضرب على يد اجملرمُت كإقامة اغبدكد كضباية الدكلة من األعداء‬
‫كاؼبًتبصُت كالكائدين ‪ ،‬كرعاية مصاحل اؼبواطنُت ‪ ،‬كتنظيم أمورىم ‪ ،‬كىم مسئولوف أماـ اهلل عز كجل عن‬
‫القياـ هبذه الواجبات‪.‬‬
‫قاؿ العالمة ابن تيمية ‪ -‬رحمو اهلل‪" :-‬فاؼبقصود الواجب بالواليات إصالح دين اػبلق الذم‬
‫مىت فاهتم خسركا خسرانا مبيننا كدل ينفعهم ما نعموا بو يف الدنيا‪ ،‬كإصالح ما ال يقوـ الدين إال بو من‬
‫( )‬
‫أمر دنياىم"‬
‫كقاؿ النوكم ‪-‬رحمو اهلل‪" :-‬البد لألمة من إماـ يقيم الدين كينصر السنة كينتصف‬
‫( )‬
‫للمظلومُت كيستويف اغبقوؽ كيضعها مواضعها"‬
‫كباؼبقابل ككما أّنم يتحملوف ىذه اؼبهاـ كالواجبات فإف الشريعة اإلسالمية قد أكجبت ؽبم‬
‫حقوقان على الرعية ‪،‬هبا تكتمل صورة اغبكم الرشيد الذم تنشده الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬كتتمثل أىم تلك‬
‫اغبقوؽ يف اؼبطالب التالية ‪:‬‬
‫املطهة األول‪ :‬حك انسًع وانطاعح‬
‫يكرل ٍاأل ٍىم ًر ًمٍن يك ٍم فىًإ ٍف تىػنى ىاز ٍعتي ٍم ًيف ىش ٍي وء‬
‫وؿ ىكأ ً‬
‫الر يس ى‬ ‫ىطيعوا اللَّو كأ ً‬
‫ىط ييعوا َّ‬ ‫آمنيوا أ ي ى ى‬
‫ً‬
‫ين ى‬
‫َّ ً‬
‫قاؿ اهلل تعاذل‪{:‬يىا أىيُّػ ىها الذ ى‬
‫ً ً ً ً‬ ‫ً‬ ‫الرس ً‬ ‫ً ً‬
‫ىح ىس ين تىأٍ ًك نيال}‬ ‫وؿ إً ٍف يكٍنتي ٍم تيػ ٍؤمنيو ىف بًاللَّو ىكالٍيىػ ٍوـ ٍاآلخ ًر ىذل ى‬
‫ك ىخٍيػهر ىكأ ٍ‬ ‫فىػ يرُّدكهي إ ىذل اللَّو ىك َّ ي‬
‫[النساء‪.]59:‬‬

‫كقد تعددت األقواؿ يف معٌت {أكرل األمر} اؼبذكورين يف اآلية‪ ،‬كأشهرىا القوالف التالياف‪:‬‬
‫‪ 1‬ػ ىم الفقهاء كالعلماء الذين يعلموف الناس دينهم‪ ،‬قالو ابن عباس كؾباىد كعطاء‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫‪ 2‬ػ ىم األمراء كالوالة‪ ،‬قالو أبو ىريرة رضي اهلل عنو‬

‫( )ؾبموع الفتاكل‪.262 /28:‬‬


‫( )ركضة الطالبُت‪.43 /10:‬‬
‫( ) انظر‪ :‬تفسَت الطربم ‪ 497/8‬ػ‪ 504‬كابن كثَت‪ 344/2‬كالقرطيب‪224/5‬ػ ‪.225‬‬
‫ك الراجح أّنا عامة يف كل أكرل األمر من األمراء كالعلماء‪ ،‬كىو اختيار ابن القيم رضبو اهلل‬
‫حيث يقوؿ‪ :‬كالتحقيق أف اآلية تتناكؿ الطائفتُت [العلماء كاألمراء] كطاعتهم من طاعة الرسوؿ ‪....‬‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫فكاف العلماء مبلغُت ألمر الرسوؿ كاألمراء منفذين لو فحينئذ ذبب طاعتهم تبعا لطاعة اهلل كرسولو‬
‫) كابن سعدم يف تفسَته كقاؿ‪ :‬كأمر بطاعة أكرل‬ ‫(‬
‫) كالشوكاين‬ ‫(‬
‫ككذا اختاره ابن كثَت يف تفسَته‬
‫األمر كىم‪ :‬الوالة على الناس‪ ،‬من األمراء كاغبكاـ كاؼبفتُت‪ ،‬فإنو ال يستقيم للناس أمر دينهم كدنياىم إال‬
‫)‬ ‫(‬
‫بطاعتهم كاالنقياد ؽبم‪ ،‬طاعة هلل كرغبة فيما عنده‪.‬‬
‫كيدؿ على ذلك أحاديث صحيحة‬ ‫ؼطاعة كالة األمر من اؼبسلمُت من طاعة اهلل كرسولو‪،‬‬
‫أيضا‪ ،‬منها ما أخرجاه يف الصحيحُت عن أيب ىريرة ‪ -‬رضي اهلل عنو – قاؿ ‪ :‬رسوؿ اهلل ‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليو كعلى آلو كسلم ‪" :-‬من أطاعٍت فقد أطاع اهلل‪ ،‬كمن عصاين فقد عصى اهلل‪ ،‬كمن أطاع أمَتم فقد‬
‫)‬ ‫(‬
‫أطاعٍت‪ ،‬كمن عصى أمَتم فقد عصاين"‪.‬‬
‫كيف لفظ مسلم‪ ... " :‬كمن يطع األمَت فقد أطاعٍت‪ ،‬كمن يعص األمَت فقد عصاين" كقد بوب‬
‫البخارم ‪ -‬رضبو اهلل ‪ -‬على ىذا اغبديث يف كتاب األحكاـ من "صحيحو" فقاؿ‪ :‬باب قوؿ اهلل تعاذل‪:‬‬
‫وؿ ىكأ ٍيكًرل األ ٍىم ًر ًمن يك ٍم}( )‪.‬‬
‫الر يس ى‬ ‫ىطيعواٍ اللٌو كأ ً‬
‫ىط ييعواٍ َّ‬ ‫{أ ي ى ى‬
‫ً‬

‫قاؿ الحافظ بن حجر ‪ -‬رحمقاهلل ‪" :-‬كيف اغبديث‪ :‬كجوب طاعة كالة األمور‪ ،‬كىي مقيدة‬
‫بغَت األمر باؼبعصية كاغبكمة يف األمر بطاعتهم‪ :‬احملافظة على اتفاؽ الكلمة‪ ،‬ؼبا يف االفًتاؽ من‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫الفساد‬
‫كعن العرباض بن سارية رضي اهلل عنو قاؿ كعظنا رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو ك سلم موعظة‬
‫كجلت منها القلوب كذرفت منها العيوف فقلنا‪ :‬يا رسوؿ اهلل كأّنا موعظة مودع فأكصنا‪ ،‬قاؿ‪" :‬أكصيكم‬
‫بتقول اهلل عز ك جل كالسمع كالطاعة كإف تأمر عليكم عبد فإنو من يعش منكم فسَتل اختالفا كثَتا‬

‫( ) إعالـ اؼبوقعُت ‪.541/3‬‬


‫( ) تفسَت ابن كثَت‪.345/2‬‬
‫( ) فتح القدير ‪.308/1‬‬
‫( ) تفسَت السعدم ‪.306 /1‬‬
‫( ) صحيح البخارم ؾ‪ /‬األحكاـ ب‪/‬قوؿ اهلل تعاذل { أطيعوا اهلل كأطيعوا الرسوؿ كأكرل األمر منكم } (‪)2611/6‬؛‬
‫كصحيح مسلم يف اإلمارة باب كجوب طاعة األمراء يف غَت معصية (‪.)1466/3‬‬
‫( ) سورة النساء‪ :‬اآلية ‪.59‬‬
‫( ) فتح البارم‪.112 /13‬‬
‫فعليكم بسنيت كسنة اػبلفاء الراشدين من بعدم عضوا عليها بالنواجذ كإياكم كؿبدثات األمور فإف كل‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫بدعة ضاللة" ركاه أبو داكد كالًتمذم كقاؿ حديث صحيح‬
‫قاؿ الحافظ ابن رجب‪ :‬كقولو صلى اهلل عليو كسلم‪ :‬أكصيكم بتقول اهلل كالسمع كالطاعة‬
‫فهاتاف الكلمتاف جيمعاف سعادة الدنيا كاآلخرة أما التقول فهي كافلة سعادة الدنيا كاآلخرة ؼبن سبسك‬
‫هبا كىي كصية اهلل لألكلُت كاآلخرين كما قاؿ تعاذل‪{:‬كلقد كصينا الذين أكتوا الكتاب من قبلكم كإياكم‬
‫أف اتقوا اهلل} ‪ ...‬كأما السمع كالطاعة لوالة أمور اؼبسلمُت ففيها سعادة الدنيا كهبا تنتظم مصاحل العباد‬
‫)‬ ‫(‬
‫يف معاشهم كهبا يستعينوف على إظهار دينهم كطاعة رهبم‪.‬‬
‫ك أخرج البخارم يف "صحيحو" عن أنس بن مالك ‪ -‬رضي اهلل عنو ‪ ،-‬قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ اهلل ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليو ك على آلو ك سلم ‪" :-‬أظبعوا كأطيعوا‪ ،‬كأف استعمل عليكم عبد حبشي كأف رأسو‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫زبيبة"‬
‫ك أخرج اإلماـ مسلم يف "صحيحو" عن أيب ىريرة رضم اهلل عنو‪ ،‬قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ اهلل صلى اهلل‬
‫ة‬ ‫عليو ك على آلو ك سلم‪" :‬عليك السمع كالطاعة‪ ،‬يف عسرؾ كيسرؾ‪ ،‬كمنشطك كمكرىك‪ ،‬كأثر‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫عليك"‬
‫كاؼبقصود باؼبنشط كاؼبكره أم يف حالة النشاط للقياـ باألمر أك يف حالة كونو مكركىا لإلنساف‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫فبا يثقل عليو‪ ،‬فتجب الطاعة ماداـ أف األمر ال خيالف الشرع‬
‫قاؿ النوكم رحمو اهلل‪ :‬قاؿ العلماء‪:‬معناه‪ :‬ربب طاعة كالة األمور فيما يشق كتكرىو النفوس‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫كغَته فبا ليس دبعصية‪ ،‬فإف كانت معصية فال ظبع كال طاعة‬
‫فهذه الطاعة مقيدة باؼبعركؼ‪ ،‬فال ظبع كال طاعة ألحد كائنا من كاف يف معصية اهلل تعاذل أك‬
‫معصية رسولو صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪ ،‬كقد دلت على ذلك األدلة الشرعية كأصبع على ذلك علماء‬
‫اؼبسلمُت‪.‬‬

‫( ) سنن أيب داكد ؾ‪ /‬السنة ب‪ /‬ىف لزكـ السنة (‪ ،)329 / 4‬سنن الًتمذم ؾ‪/‬العلم ب‪/‬باب ما جاء يف األخذ بالسنة‬
‫كاجتناب البدع (‪.)44 / 5‬‬
‫( ) جامع العلوـ كاغبكم ص ‪.262‬‬
‫( ) صحيح البخارم ؾ‪ /‬األحكاـ ب‪ /‬السمع كالطاعة لإلماـ ما دل تكن معصية (‪.)2612 / 6‬‬
‫( ) صحيح مسلم ؾ‪ /‬اإلمارة ب‪ /‬كجوب طاعة األمراء يف غَت معصية (‪.)1467 / 3‬‬
‫( ) أنظر‪ :‬التمهيد ‪.)278 / 23( -‬‬
‫( )شرح النوكم على مسلم ‪.)224 / 12( -‬‬
‫فقد أخرج البخارم يف "صحيحو " كمسلم يف "صحيحو " عن عبد اهلل بن عمر‪ ،‬عن النيب ‪-‬‬

‫أحب كك ًرىه ما دل يي ى‬
‫ؤمر‬ ‫السمع كالطاعةي على اؼبرء اؼبسلم فيما َّ‬
‫صلى اهلل عليو كعلى آلو كسلم ‪ -‬أنو قاؿ‪ " :‬ي‬
‫ظبع كال طاعة"( )‪.‬‬ ‫و‬ ‫و‬
‫دبعصية‪ ،‬فإذا أيمر دبعصية فال ى‬
‫كجاء يف السنة الصحيحة ‪":‬ال طاعة يف معصية اهلل‪ ،‬إَنا الطاعة يف اؼبعركؼ" أخرجو البخارم‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫كمسلم‬
‫كليست طاعة كرل األمر مقصورة على العادؿ منهم فحسب‪ ،‬بل حىت لو كاف فيو شيء من‬
‫اعبور كالظلم كخبس شيء من اغبقوؽ فتجب طاعتو أيضا يف غَت معصية اهلل تعاذل؛ ؼبا يف ذلك من‬
‫اؼبصلحة للمسلمُت؛ ففجوره كظلمو على نفسو كسيحاسبو اهلل تعاذل عليو‪ ،‬كاألمة مسئولة عن الطاعة يف‬
‫اؼبعركؼ فيجب بذؽبا كذبب مناصحة اغباكم باليت ىي أحسن فيما خالف فيو اغبق‪.‬‬
‫مسعود عن النيب صلى اهلل عليو ك سلم قاؿ‪" :‬ستكوف أثرة كأمور تنكركّنا" قالوا‪ :‬يا‬ ‫عن ابن‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫رسوؿ اهلل فما تأمرنا؟ قاؿ‪":‬تؤدكف اغبق الذم عليكم كتسألوف اهلل الذم لكم"‬
‫قاؿ الحافظ ابن حجر‪ :‬قولو‪ :‬أدكا إليهم‪ :‬أم‪ :‬إذل األمراء‪ ،‬حقهم‪ :‬أم الذم كجب ؽبم‬
‫اؼبطالبة بو كقبضو سواء كاف خيتص هبم أك يعم ‪.‬‬
‫كقولو‪ :‬كسلوا اهلل حقكم ‪:‬يف ركاية الثورم " كتسألوف اهلل الذم لكم " أم بأف يلهمهم‬
‫)‬ ‫(‬
‫إنصافكم أك يبدلكم خَتا منهم‪.‬‬
‫كعن علقمة بن كائل اغبضرمي عن أبيو قاؿ سأؿ سلمة بن يزيد اعبعفي رسوؿ اهلل ‪-‬صلى اهلل‬
‫عليو كسلم‪ -‬فقاؿ يا نيب اهلل أرأيت إف قامت علينا أمراء يسألونا حقهم كدينعونا حقنا فما تأمرنا فأعرض‬
‫عنو مث سألو فأعرض عنو مث سألو يف الثانية أك يف الثالثة فجذبو األشعث بن قيس‪ :‬كقاؿ رسوؿ اهلل صلى‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫اهلل عليو كسلم‪" :‬اظبعوا كأطيعوا فإَنا عليهم ما ضبلوا كعليكم ما ضبلتم"‬

‫(‪ )2612 / 6‬ك صحيح مسلم ؾ‪/‬‬ ‫( ) صحيح البخارم ؾ‪ /‬األحكاـ ب‪ /‬السمع كالطاعة لإلماـ ما دل تكن معصية‬
‫اإلمارة ب‪ /‬كجوب طاعة األمراء يف غَت معصية (‪.)1469 / 3‬‬
‫( ) اؼبرجع السابق فاألحاديث يف نفس األبواب‪.‬‬
‫( ) صحيح البخارم ؾ‪ /‬اؼبناقب ب‪ /‬عالمات النبوة يف اإلسالـ ‪.1318 / 3‬‬
‫( ) فتح البارم البن حجر ‪.)6 / 13( -‬‬
‫( ) صحيح مسلم ؾ‪ /‬اإلمارة ب‪ /‬يف طاعة األمراء كإف منعوا اغبقوؽ (‪.)1474 / 3‬‬
‫فهذه األحاديث كما يف معناىا تدؿ على كجوب الطاعة باؼبعركؼ لإلماـ كإف منع بعض اغبقوؽ‪،‬‬
‫كاستأثر ببعض األمواؿ‪ ،‬فعلى اؼبؤمن القياـ دبا أكجبو اهلل عليو من الطاعة‪ ،‬كأف حيتسب حقو عند اهلل عز‬
‫كجل‪.‬‬
‫كال دينع ذلك من اؼبناصحة باليت ىي أحسن‪ ،‬كىذه كلو سدا لباب الفنت عن األمة‪.‬‬

‫املطهة انثاٍَ ‪:‬حك املُاصحح‬


‫كمن حقوؽ كالة األمر اؼبسلمُت على الرعية إسداء النصح ؽبم ‪ ،‬كليكن ذلك سران كبرفق كلُت‬
‫ليكوف أدعى للقبوؿ كأبعد عن التشويش كإثارة النفوس‪ً ،‬‬
‫كمن أدلَّة كجوب النصح ؽبم قوليو صلى اهلل عليو‬
‫كعامتًهم» ركاه‬ ‫ِّين النَّصيحةي‪ ،‬قلنا‪ :‬لً ىمن؟ قاؿ‪ :‬هلل كلكتابو كلرسولو َّ‬
‫كألئمة اؼبسلمُت َّ‬ ‫كآلو كسلم‪« :‬الد ي‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫مسلم‬
‫كركل اإلماـ مالك عن أيب ىريرة رضي اهلل عنو أف رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم قاؿ‪:‬‬
‫«إ َّف اهللى يرضى لكم ثالثان‪ ،‬كيسخ ي‬
‫ط لكم ثالثان‪ ،‬يرضى لكم أف تعبدكه كال تيشركوا بو شيئان‪ ،‬كأف تعتصموا‬
‫كإضاعة اؼباؿ‪ ،‬ككثرىة‬ ‫كقاؿ‪،‬‬
‫قيل ى‬ ‫َّ‬
‫ط لكم ى‬
‫أمركم‪ ،‬كيسخ ي‬
‫حببل اهلل صبيعان‪ ،‬كأف تناصحوا ىمن كاله اهللي ى‬
‫)‪.‬‬
‫صحيح‬
‫ه‬
‫(‬
‫حديث‬
‫ه‬ ‫السؤاؿ»‪ ،‬كركاه أيضان اإلماـ أضبد يف مسنده‪ ،‬كىو‬
‫صحيح أيضا قولو صلى اهلل عليو كآلو كسلم‪:‬ثالث خصاؿ ال‬
‫و‬ ‫كيف مسند اإلماـ أضبد بإسناد‬
‫يغل عليهن قلب مسلم أبدا إخالص العمل هلل‪ ،‬كمناصحة كالة األمر‪ ،‬كلزكـ اعبماعة فإف دعوهتم ربيط‬
‫)‬ ‫(‬
‫من كرائهم"‬
‫قاؿ ابن القيم رحمو اهلل‪ :‬كقولو صلى اهلل عليو كآلو كسلم ثالث ال يغل عليهن قلب مسلم إذل‬
‫آخره أم ال حيمل الغل كال يبقى فيو مع ىذه الثالثة فإّنا تنفى الغل كالغش كىو فساد القلب‬
‫كسخاديو‪.....‬إذل أف قاؿ‪ :‬كقولو‪ :‬كمناصحة أئمة اؼبسلمُت ىذا أيضا مناؼ للغل كالغش فإف النصيحة ال‬
‫ذبتمع مع الغل إذ ىي ضده فمن نصح األئمة كاألمة فقد برئ من الغل‪ ،‬كقولو‪ :‬كلزكـ صباعتهم ىذا‬

‫) صحيح مسلم ؾ‪ /‬اإلدياف ب‪ /‬بياف أف الدين النصيحة (‪.)74 / 1‬‬ ‫(‬


‫( )اؼبوطأ (‪ ،)990/2‬كمسند اإلماـ أضبد بن حنبل (‪.)367 / 2‬‬
‫( ) مسند اإلماـ أضبد بن حنبل ‪.183 / 5‬‬
‫أيضا فبا يطهر القلب من الغل كالغش فإف صاحبو للزكمو صباعة اؼبسلمُت حيب ؽبم ما حيب لنفسو‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫كيكره ؽبم ما يكره ؽبا كيسوؤه ما يسوؤىم كيسره ما يسرىم‬
‫اغبق كطاعتيهم فيو‪،‬‬ ‫كقاؿ النوكم رحمو اهلل ‪ :‬ك َّأما النَّصيحةي َّ‬
‫ألئمة اؼبسلمُت فمعاكنىػتيهم على ِّ‬
‫كإعالمهم دبا غفلوا عنو كدل يبل ٍغهم ًمن حقوؽ اؼبسلمُت‪،‬‬
‫ي‬
‫فق ك و‬
‫لطف‪،‬‬ ‫كتنبيههم كتذكَتىم ب ًر و‬
‫ي‬ ‫كأ ٍىم يرىم بو‪ ،‬ي‬
‫)‪.‬‬ ‫كترؾ اػبركج عليهم‪ ،‬كتألُّ ي‬
‫(‬
‫ف النَّاس لطاعتهم‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫الصدقات‬
‫اعبهاد معهم‪ ،‬كأداءي ٌ‬ ‫قاؿ ال طٌابي رحمو اهلل‪ :‬كمن النَّصيحة ؽبم الصالةي خل ىفهم‪ ،‬ك ي‬
‫حيف أك سوءي ًعشرةو‪ ،‬كأف ال يي ُّ‬
‫غركا بالثٌناء الكاذب‬ ‫بالسيف عليهم إذا ظهر منهم ه‬ ‫كترؾ اػبركج ٌ‬ ‫إليهم‪ ،‬ي‬
‫بالصالح( )‪.‬‬
‫عليهم‪ ،‬كأف ييدعى ؽبم ٌ‬
‫كتنبيههم عند‬
‫القياـ بو‪ ،‬ي‬ ‫كقاؿ ابن حجر ‪ :‬كالنَّصيحةي َّ‬
‫ألئمة اؼبسلمُت إعانىػتيهم على ما ضبِّلوا ى‬
‫كرد القلوب النَّافرة إليهم‪ً ،‬‬
‫كمن أعظم نصيحتهم‬ ‫كسد خلَّتهم عند اؽبفوة‪ ،‬ي‬
‫كصبع الكلمة عليهم‪ُّ ،‬‬ ‫الغفلة‪ُّ ،‬‬
‫ث‬
‫أئمةي االجتهاد‪ ،‬كتقع النَّصيحةي ؽبم ببى ِّ‬‫أئمة اؼبسلمُت َّ‬ ‫دفعهم عن الظلم باليت ىي أحسن‪ً ،‬‬
‫كمن صبلة َّ‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫علومهم‪ ،‬كنش ًر مناقبًهم‪ ،‬كربس ً‬
‫ُت الظٌ ِّن هبم( )‪.‬‬
‫َّيب صلى اهلل عليو كآلو‬ ‫كبرفق كل و‬
‫ُت‪ ،‬فقد قاؿ الن ِّ‬ ‫سرا و‬
‫إف النَّصيحةى يلوالة األمور كغ ًَتىم تكوف ًّ‬
‫مثَّ َّ‬
‫شيء إالَّ زانىو‪ ،‬كال يػٍنػزع من و‬
‫شيء إالَّ شانىو " ركاه مسلم( )‪.‬‬ ‫الرفق ال يكوف يف و‬ ‫كسلم‪َّ ":‬‬
‫يى‬ ‫إف ِّ ى‬
‫ظ ؼبسلم‪ ،‬عن أيب كائل شقيق بن سلمة قاؿ ‪ :‬قيل ألسامة ‪ (( :‬أال‬
‫كيف صحيح البخارم كمسلم ‪ ،‬كاللف ي‬
‫يظبعكم؟ كاهلل! لقد كلَّ ٍمتيو فيما بيٍت كبينو‪،‬‬
‫ىين ال أيكلِّ يمو إالَّ أ ي‬
‫تدخل على عثماف فتكلِّ ىمو؟ فقاؿ ‪ :‬أتيػىرٍكف أ ِّ‬
‫فتحو ))‪ ...‬اغبديث( )‪.‬‬ ‫يحب أف أكوف َّأكىؿ ىمن ى‬ ‫أفتح أمران ال أ ُّ‬
‫ما دكف أف ى‬
‫السر‬ ‫أم كلَّ ٍمتيو فيما ٍ‬
‫أشرمت إليو‪ ،‬لكن على سبيل اؼبصلحة كاألدب يف ِّ‬ ‫قاؿ الحافظ ابن حجر‪ٍ :‬‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫كبوىا‬
‫بغَت أف يكوف يف كالمي ما يثَت فتنةن أك ى‬

‫( ) مفتاح دار السعادة ‪.72/1‬‬


‫( ) شرح صحيح مسلم (‪.)38/2‬‬
‫( ) اؼبرجع السابق‪.‬‬
‫( ) الفتح (‪.)138/1‬‬
‫( )صحيح مسلم ؾ‪/‬الرب كالصلة كاآلداب ب‪/‬فضل الرفق (‪.)2004 / 4‬‬
‫( )صحيح البخارم ؾ‪/‬بدء اػبلق ب‪ /‬صفة النار كأّنا ـبلوقة (‪،)1191 / 3‬ك صحيح مسلم ؾ‪/‬الزىد كالرقائق باب عقوبة‬
‫من يأمر باؼبعركؼ كال يفعلو (‪. )2290 / 4‬‬
‫( ) الفتح (‪.)51/13‬‬
‫كعن عياض بن غنم عن رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم قاؿ‪ " :‬ىمن أراد أف ينصح لسلطاف‬
‫يأخذ ً‬
‫بيده فيخلو بو‪ ،‬فإف قىبًل منو فذاؾ‪ ،‬كإالَّ كاف قد َّأدل الذم عليو‬ ‫بد لو عالنيةن‪ ،‬كلكن لً ٍ‬
‫بأم ور فال ي ً‬
‫ي‬
‫لو" ( ) ‪.‬‬

‫املطهة انثانث ‪ :‬حك املعاوَح‬

‫فتشرع إعافة كالة األمر على ما ربملكا من أعباء مصاحل األمة‪ ،‬كمساعدتوـ على ذلك بقدر اإلمكاف‪.‬‬
‫اإل ًٍمث ىكالٍ يع ٍد ىك ًاف} [اؼبائدة ‪.]2 :‬‬
‫قاؿ تعاذل‪ {:‬ىكتىػ ىع ىاكنيوا ىعلىى الًٍ ِّرب ىكالتَّػ ٍقول ىكىال تىػ ىع ىاكنيوا ىعلىى ًٍ‬
‫ى‬
‫كقد ذكر اؼباكردم رضبو اهلل أف اإلماـ إذا قاـ حبق األمة فقد أدل حق اهلل تعاذل فيما ؽبم عليو‪ ،‬ككجب لو‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫عليهم حقاف الطاعة كالنصرة‪ ،‬ما دل يتغَت حالو‬
‫كيرل ابن تيمية رضبو اهلل أف من كاجب اؼبسلمُت أف ينصركا السلطاف إذا تصدل للمحاربُت كقطاع‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫الطريق حىت يقدر عليهم‬
‫املطهة انراتع ‪ :‬حك انذعاء هلى‬

‫أف رل دعونة مستجابةن ما جعلتيها إالَّ‬‫فالدعاء ؽبم من النصح ؽبم‪،‬يقوؿ الفضيل بن عياض رضبو اهلل ‪ :‬لو َّ‬
‫فس ٍر لنا ىذا‪ ،‬قاؿ ‪ :‬إذا جعلتيها يف نفسي دل ٍتع يدًين‪ ،‬كإذا جعلتيها يف‬
‫علي ! ِّ‬
‫يف السلطاف‪ ،‬قيل لو ‪ :‬يا أبا ٌ‬
‫بالصالح‪ ،‬كدل نؤمر أف ندعو عليهم‪،‬‬ ‫ندعو ؽبم َّ‬‫العباد كالبالد‪ ،‬فأيمرنا أف ى‬
‫السلطاف صلح‪ ،‬فصلح بصالحو ي‬
‫كصالحهم ألنفسهم كللمسلمُت( )‪.‬‬ ‫ى‬ ‫كجورىم على أنفسهم‪،‬‬
‫ظلمهم ى‬ ‫كإف ظلموا كإف جاركا؛ َّ‬
‫ألف ى‬

‫املطهة اخلايس‪ :‬حك عذو اخلروج عهُهى‬

‫صحيح دبجموع‬
‫ه‬ ‫اغبديث‬
‫( ) ركاه أضبد (‪ )15333‬كاغباكم (‪ )290/3‬كابن أيب عاصم يف السنَّة (‪ 1096‬ػ ‪ ،)1098‬ك ي‬
‫طرقو‪.‬‬
‫( )األحكاـ السلطانية ‪.27‬‬
‫( )السياسة الشرعية ‪.113‬‬
‫( )شرح السنة للربهبارم ‪.51‬‬
‫اػبركج عليهم بل يناصحوف كيصرب عليهم؛‬ ‫ور فال جيوز‬ ‫ً‬
‫ي‬ ‫فسق أك ىج ه‬
‫فإذا حصل من يكالة األمر ه‬
‫كذلك ألنَّو يًتتَّب على اػبركج عليهم ًم ىن الفوضى كالفساد كإراقة الدماء أضعاؼ ما حيصل ًمن اعبور‬

‫اػبركج عليهم إالَّ إذا حصل منهم ه‬


‫كفر‬ ‫ي‬ ‫كما عرؼ ذلك من كقائع عديدة عرب التاريخ ‪ ،‬كلذلك ال جيوز‬
‫كعمل السلف الصاحل‪.‬‬ ‫رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كآلو كسلم‬ ‫دؿ على ذلك سنَّةي ً‬ ‫بُت‪ ،‬كقد َّ‬‫اضح ِّ ه‬
‫ي‬ ‫ك ه‬
‫بايعنا رسوؿ اهلل صلى اهلل‬ ‫ً‬
‫ذلك ما ركاه البخارم كمسلم عن عبادة بن الصامت قاؿ ‪ :‬ى‬ ‫كمن‬
‫األمر‬ ‫كعس ًرنا كييس ًرنا‪ ،‬ك و‬ ‫السمع كالطَّاعة يف منش ًطنا كم ً‬
‫أثرة علينا‪ ،‬كأف ال نينازع ى‬
‫ى‬ ‫كرىنا ي‬
‫ى ى ى ى‬ ‫عليو كآلو كسلم على َّ‬
‫أىلىو‪ ،‬إالَّ أف ىتركا كفران بىواحان عندكم ًمن اهلل فيو بػيٍرىا هف( )‪.‬‬
‫قاؿ الحافظ ابن حجر رحمو اهلل‪ :‬قاؿ اػبطايب ‪ :‬معٌت قولو بواحا يريد ظاىرا باديا‪ ....‬قولو ‪:‬‬
‫"عندكم من اهلل فيو برىاف" أم نص آية أك خرب صحيح ال حيتمل التأكيل‪ ،‬كمقتضاه أنو ال جيوز اػبركج‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫عليهم ما داـ فعلهم حيتمل التأكيل‬
‫رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو‬
‫كركل مسلم يف صحيحو عن عوؼ بن مالك األشجعي قاؿ‪ :‬ظبعت ى‬
‫أئمتكم الذين رببُّوّنم كحيبونكم‪ ،‬كتيصلُّوف عليهم كيصلُّوف عليكم‪ً ،‬‬
‫كشر يار‬ ‫خيار َّ‬
‫ي‬ ‫ٌ‬ ‫كآلو كسلم يقوؿ ‪ :‬ي‬
‫أئمتكم الذين تيبغضوّنم كييبغضونكم‪ ،‬كتلعنوّنم كيلعنونكم‪ ،‬قالوا‪ :‬قلنا‪ :‬يا رسوؿ اهلل! أفال نناب يذىم عند‬ ‫َّ‬
‫ذلك؟ قاؿ‪ :‬ال ما أقاموا فيكم الصال ىة‪ ،‬ال ما أقاموا فيكم الصال ىة‪ ،‬أال ىمن كرل عليو ك واؿ‪ ،‬فرآه ً‬
‫يأيت شيئان‬ ‫ى‬
‫ينزعن يدان ًمن و‬
‫طاعة( )‪.‬‬ ‫يأيت ًمن معصية اهلل‪ ،‬كال َّ‬ ‫و‬
‫معصية‪ ،‬فليكره ما ً‬ ‫ًمن‬
‫كركل مسلم عن ٌأـ سلمة رضي اهلل عنها عن النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم أنَّو قاؿ ‪ :‬إنَّو‬
‫كمن أنكر فقد سلًم‪ ،‬كلكن ىمن رضي‬ ‫برئ‪ ،‬ى‬
‫ييستعمل عليكم أيمراءي‪ ،‬فتعرفوف كتنكركف‪ ،‬فمن كره فقد ى‬
‫كتابع‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسوؿ اهلل! أال نقاتليهم؟ قاؿ‪ :‬ال ما صلٌوا( )‪.‬‬

‫) صحيح البخارم ؾ‪ /‬الفنت باب‪ /‬قوؿ النيب صلى اهلل عليو ك سلم ( سًتكف بعدم أمورا تنكركّنا ) (‪)2587 / 6‬‬ ‫(‬
‫كمسلم ؾ‪ /‬اإلمارة باب‪ /‬كجوب طاعة األمراء يف غَت معصية (‪.)1469 / 3‬‬
‫( ) فتح البارم (‪.)8 / 13‬‬
‫( )صحيح مسلم ؾ‪/‬اإلمارة ب‪ /‬خيار األئمة كشرارىم (‪.)1481 / 3‬‬
‫)صحيح مسلم ؾ‪/‬اإلمارة ب‪ /‬كجوب اإلنكار على األمراء فيما خيالف الشرع كترؾ قتاؽبم ما صلوا ككبو ذلك (‪/ 3‬‬ ‫(‬
‫‪.)1480‬‬
‫كركل البخارم كمسلم عن ابن عباس رضي اهلل عنهما عن النيب صلى اهلل عليو كآلو كسلم قاؿ‪:‬‬
‫شربا فمات إالَّ مات ًميتةن‬
‫يكرىو فليصرب عليو؛ فإنَّو ىمن فارؽ اعبماعةى ن‬
‫ً‬
‫" ىمن رأل من أمَته شيئان ي‬
‫( )‬
‫جاىليٌة"‬
‫حل عقد البيعة اليت‬
‫السعي يف ٌ‬
‫ي‬ ‫قاؿ الحافظ في شرحو ‪ :‬قاؿ ابن أيب صبرة ‪ :‬اؼبر ياد باؼبفارقة‬
‫فكٌت عنها دبقدار الشِّرب؛ َّ‬
‫ألف األخ ىذ يف ذلك يؤكؿ إذل سفك‬ ‫حصلت لذلك األمَت كلو بأدىن شيء‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫حق‪ ،‬كاؼبراد باؼبيتة اعباىلية كىي بكسر اؼبيم‪ :‬حالة اؼبوت كموت أىل اعباىلية على ضالؿ‬
‫الدماء بغَت ٍّ‬
‫كليس لو إماـ مطاع‪ ،‬ألّنم كانوا ال يعرفوف ذلك‪ ،‬كليس اؼبراد أنو ديوت كافرا بل ديوت عاصيا( )‪.‬‬
‫قتاؿ السلطاف كال اػبركج عليو و‬
‫ألحد ًمن‬ ‫حيل ي‬ ‫كقاؿ اإلماـ أضبد يف اعتقاده كما يف السنَّة لاللكائي‪ :‬كال ُّ‬
‫ي‬
‫النَّاس‪ ،‬فمن فعل ذلك فهو مبتدعه على غَت السنَّة كالطريق( )‪.‬‬

‫قاؿ ابن تيمية رحمو اهلل‪ :‬كؽبذا كاف اؼبشهور من مذىب أىل السنة أّنم ال يركف اػبركج على‬
‫األئمة كقتاؽبم بالسيف كإف كاف فيهم ظلم كما دلت على ذلك األحاديث الصحيحة اؼبستفيضة عن‬
‫النيب صلى اهلل عليو ك سلم ألف الفساد يف القتاؿ كالفتنة أعظم من الفساد اغباصل بظلمهم بدكف قتاؿ‬
‫كال فتنة فال يدفع أعظم الفسادين بالتزاـ أدنامها كلعلو ال يكاد يعرؼ طائفة خرجت على ذم سلطاف‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫إال ككاف يف خركجها من الفساد ما ىو أعظم من الفساد الذم أزالتو‬

‫كقاؿ ابن القيم رحمو اهلل‪ :‬إف النيب صلى اهلل عليو كسلم شرع ألمتو إجياب إنكار اؼبنكر‬
‫ليحصل بإنكاره من اؼبعركؼ ما حيبو اهلل كرسولو فإذا كاف إنكار اؼبنكر يستلزـ ما ىو أنكر منو كأبغض‬
‫إذل اهلل كرسولو فإنو ال يسوغ إنكاره‪ ،‬كاف كاف اهلل يبغضو كديقت أىلو‪.‬‬
‫كاإلنكار على اؼبلوؾ كالوالة باػبركج عليهم فإنو أساس كل شر كفتنة إذل آخر الدىر كقد‬ ‫كىذا‬
‫استأذف الصحابة رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كسلم يف قتاؿ األمراء الذين يؤخركف الصالة عن كقتها كقالوا‬
‫أفال نقاتلهم فقاؿ‪" :‬ال ما أقاموا الصالة" كقاؿ‪" :‬من رأل من أمَته ما يكرىو فليصرب كال ينزعن يدا من‬

‫( )البخارم ؾ‪ /‬األحكاـ ب‪ /‬السمع كالطاعة لإلماـ ما دل تكن معصية (‪ ،)2612 / 6‬كمسلم ؾ‪ /‬اإلمارة ب‪ /‬كجوب‬
‫مالزمة صباعة اؼبسلمُت عند ظهور الفنت كيف كل حاؿ كربرًن اػبركج على الطاعة كمفارقة اعبماعة (‪.)1477 / 3‬‬
‫( ) فتح البارم (‪.)7/13‬‬
‫( )السنَّة لاللكائي (‪.)161/1‬‬
‫( )منهاج السنة النبوية ‪.391 / 3 -‬‬
‫طاعتو" كمن تأمل ما جرل على اإلسالـ يف الفنت الكبار كالصغار رآىا من إضاعة ىذا األصل كعدـ‬
‫الصرب على منكر فطلب إزالتو فتولد منو ما ىو اكرب منو‪ ،‬فقد كاف رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كسلم يرل‬
‫دبكة أكرب اؼبنكرات كال يستطيع تغيَتىا بل ؼبا فتح اهلل مكة كصارت دار إسالـ عزـ على تغيَت البيت‬
‫كرده على قواعد إبراىيم كمنعو من ذلك مع قدرتو عليو خشية كقوع ما ىو أعظم منو من عدـ احتماؿ‬
‫قريش لذلك لقرب عهدىم باإلسالـ ككوّنم حديثي عهد بكفر كؽبذا دل يأذف يف اإلنكار على األمراء‬
‫)‪ .‬كاهلل أعلم‬ ‫(‬
‫باليد ؼبا يًتتب عليو من كقوع ما ىو أعظم منو كما كجد سواء‬

‫( ) إعالـ اؼبوقعُت عن رب العاؼبُت ‪.3/3‬‬


‫املثحث انثاٍَ‪ :‬حمىق انرعُح ‪.‬‬

‫كيشتمل على تمهيد كمطلبين‬

‫المطلب األكؿ ‪ :‬حقوؽ الرعية على الراعي‪.‬‬


‫المطلب الثاني ‪ :‬حقوؽ الرعية بع هم على بع ‪.‬‬
‫التمهيد‪:‬‬
‫لقد علمنا رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كسلم كل شيء يهمنا يف دنيانا كآخرتنا فما من خَت إال‬
‫كدلنا عليو كما من شر إال كحذرنا منو ‪ ،‬كما من باب من أبواب اغبياة اليت حيتاج الناس إذل معرفة‬
‫اضحا صرحينا‪ ،‬قاؿ تعالى‪:‬‬
‫حكمها إال كقد فصلت الشريعة أحكامو‪ ،‬كبينت حكم اهلل فيو‪ ،‬بيانا ك ن‬
‫اب تًٍبػيىانا لِّك يك ِّكل ىش ٍي وء} [سورة النحل‪ :‬ااية ‪ ]89‬كقاؿ ‪-‬سبحانو ‪{ :-‬اليىػ ٍوىـ‬ ‫ً‬
‫{ ىكنىػ َّلٍنىا ىعلىٍي ى الكتى ى‬
‫الـ ًديننا} [سورة المائدة‪ :‬ااية ‪.]3‬‬ ‫ٍت لى يك ٍم ًدينى يك ٍم ىكأىتٍ ىم ٍم ي‬
‫ت ىعلىٍي يك ٍم نً ٍع ىمتًي ىكىر ً ي‬
‫يت لى يك يم ا ًإل ٍس ى‬ ‫أى ٍ ىمل ي‬
‫كبينت حقوؽ‬ ‫ىذه الشريعة بينت أحكاـ الوالية‪ ،‬ما ىي حقوؽ الوارل اليت لو كاليت عليو ‪،‬‬
‫الرعية بأحكاـ كاضحة صرحية ليس فيها لبس كال غموض ‪.‬‬
‫كما نظمت أحكاـ معامالت الناس فيما بينهم‪ ،‬يف بيعهم كشراءىم‪ ،‬يف معامالهتم كأخالقهم‪.‬‬
‫كإذا تأملت أحواؿ العرب قبل اإلسالـ علمت أّنم كانوا يف حالة سيئة‪ ،‬يقاتل بعضهم بعضا‪،‬‬
‫ال يرضى أحدىم بوالية بعضهم اآلخر‪ ،‬ال حيًتـ بعضهم حقوؽ بعضهم ‪ ،‬فكاف ذلك سببا يف جعلهم‬
‫متفرقُت‪ ،‬يف جعلهم أمة ضعيفة ال تأبو ؽبا بقية األمم‪.‬‬
‫ؿبمدا ‪ -‬صلى اهلل عليو كسلم ‪ -‬هبذا الدين‪ ،‬الذم نظم حياة الناس كبُت‬
‫فلما بعث اهلل نبيو ن‬
‫حقوؽ كل فرد ككاجباتو ‪ ،‬كدل يًتؾ شيئا من تفاصيل حياهتم ‪ ،‬إال كبينو ‪ ،‬كمن تلك األمور اليت كاف ؽبا‬
‫دكر يف صالح أحواؽبم كاستقامة أمور حياهتم ىي حقوؽ الرعية على الراعي كحقوؽ بعضهم على بعض‬
‫‪.‬كىذا ما سنتناكلو يف اؼبباحث التالية إف شاء اهلل تعاذل ‪.‬‬

‫املثحث األول ‪ :‬حمىق انرعُح عهً انراعٍ ‪:‬‬


‫كما أف اإلسالـ جعل للراعي حقوقا على رعيتو ؛ فإنو أيضا جعل للرعية حقوقا على الراعي من أىم‬
‫تل الحقوؽ ما يلي ‪:‬‬
‫أكال ‪ :‬حفظ الدين على أصولو المقررة كقواعده المحررة‪ ،‬كذل بقيامو بعدة أمور ‪:‬‬
‫السعي لاللتزاـ بأركاف اإلدياف كاإلسالـ ‪ .‬كفركض الصلوات كاعبمع كاعبماعات كاألذاف كاإلقامة‪،‬‬
‫ين إًف‬ ‫َّ ً‬
‫كاػبطابة‪ ،‬كمنو النظر يف أمر الصياـ كالفطر كأىلتو‪ ،‬كحج البيت اغبراـ كعمرتو‪.‬قاؿ تعالى ‪ { :‬الذ ى‬
‫ٍمن ىك ًر ۗ ىكلًلَّ ًو ىعاقًبىةي‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الص ىالةى ىكآتىػ يوا ال َّ ى اةى ىكأ ىىم يركا بال ىٍم ٍع يركؼ ىكنىػ ىه ٍوا ىع ًن ال ي‬ ‫َّاى ٍم فًي ٍاأل ٍىر ً‬
‫ر أىقى ياموا َّ‬ ‫َّم َّكن ي‬
‫ٍاأل ييموًر الحج) ‪)41‬‬
‫رد البدع كاؼببتدعُت‪ ،‬كإيضاح حجج الدين‪.‬‬
‫نشر العلوـ الشرعية‪ ،‬كتعظيم العلم كأىلو‪ ،‬كرفع مناره كؿبلو ‪.‬‬
‫تقريب العلماء األعالـ‪ ،‬النصحاء لدين اإلسالـ كمشاكرهتم يف موارد األحكاـ‪ ،‬كمصادر النقض‬
‫كاإلبراـ‪.‬‬

‫ثانيان ‪ :‬الحكم بشرع اهلل ‪ -‬تعالى‪ -:‬فالتحاكم إليو ه‬


‫فرض قطعي بالكتاب كالسنة كاإلصباع‬
‫اح يك ٍم بىػ ٍيػنىػ يه ٍم‬‫ىف ٍ‬ ‫كاآليات الواردة يف ذلك كثَتة نذكر على سبيل اؼبثاؿ ال اغبصر ؛ قولو ‪-‬تعاذل ‪﴿-:‬كأ ً‬
‫ى‬
‫اح ىذ ٍريى ٍم أى ٍف يىػ ٍفتًني ى‬
‫وؾ ىع ٍن بىػ ٍع ً ىما أىنٍػ ى ىؿ اللَّوي إًلىٍي ى فىً ٍف تىػ ىولَّ ٍوا فىا ٍعلى ٍم‬ ‫بً ىما أىنٍػ ى ىؿ اللَّوي ىكىال تىػتَّبً ٍع أى ٍى ىو ىاء يى ٍم ىك ٍ‬
‫اىلًيَّ ًة يىػ ٍبػغيو ىف‬
‫اس يقو ىف *أىفىحكٍم الٍج ً‬
‫ي ى ى‬ ‫صيبىػ يه ٍم بًبىػ ٍع ً ذينيوبً ًه ٍم ىكإً َّف ى ثً نيرا ًم ىن الن ً‬
‫َّاس لىىف ً‬ ‫أىنَّما ي ًري يد اللَّوي أى ٍف ي ً‬
‫ي‬ ‫ى ي‬
‫ٍما لً ىق ٍووـ ييوقًنيو ىف ﴾ [المائدة‪].50 ،49 :‬‬ ‫ً ً‬
‫ىح ىس ين م ىن اللَّو يحك ن‬ ‫ىكىم ٍن أ ٍ‬
‫كيقوؿ اهلل ‪-‬تعاذل‪ -‬يف كتابو العزيز‪:‬‬

‫يى يم الٍ ىكافً يرك ىف ﴾ [المائدة‪].44 :‬‬ ‫﴿ ىكىم ٍن لى ٍم يى ٍح يك ٍم بً ىما أىنٍػ ى ىؿ اللَّوي فىأيكلىئً ى‬
‫يى يم الظَّالً يمو ىف ﴾ [المائدة‪].45 :‬ك ذا آية ‪ ﴿:‬فىأيكلىئً ى يى يم‬ ‫﴿ ىكىم ٍن لى ٍم يى ٍح يك ٍم بً ىما أىنٍػ ى ىؿ اللَّوي فىأيكلىئً ى‬
‫اس يقو ىف ﴾ [المائدة‪].47 :‬‬ ‫الٍ ىف ً‬

‫ثالثان ‪ -‬إقامة الحدكد الشرعية على الشركط المرعية‪ ،‬صيانة حملارـ اهلل عن التجرؤ عليها‪،‬‬
‫كغبقوؽ العباد عن التخطي إليها ك يسول يف اغبدكد بُت القوم كالضعيف كالوضيع كالشريف ‪.‬‬
‫ب عنها‪ ،‬كبذؿ كل السبل ة‬
‫غبمام الرعية كالدفاع عنهم ‪،‬من‬ ‫رابعان ‪ :‬حماية بي ة اإلسالـ َّ‬
‫كالذ ُّ‬
‫ذلك إعداد العدة كذبهيز اعبيوش كربصُت الثغور ‪..‬فإف الدفاع عن الرعية كأمواؽبم كأعراضهم من‬
‫كاجبات اإلماـ؛ لقولو ‪-‬صلى اهلل عليو كسلم‪ (( :-‬لكم ر واع‪ ،‬ك لكم مسؤكؿ عن رعيتو))‪.‬‬

‫انظر ‪ :‬ربرير األحكاـ يف تدبَت أىل اإلسالـ أليب عبد اهلل ؿبمد بن إبراىيم بن صباعة الكتاين الشافعي ت‪723 :‬ىػ( ‪/1‬‬
‫‪)66‬‬
‫ربرير االحكاـ |(‪.) 65/1‬‬
‫ربرير االحكاـ |(‪.) 67/1‬‬
‫خامسان ‪ :‬إقامة العدؿ بين الرعية ‪:‬‬
‫إف اهلل سبحانو كتعاذل أرسل رسلو ‪ ،‬كأنزؿ كتبو ليقوـ الناس بالقسط ‪ ،‬كىو العدؿ الذم قامت بو‬
‫األرض كالسماكات ‪ ،‬فيجب على الراعي العدؿ يف سلطانو كسلوؾ موارده يف صبيع شأنو‪ ،‬كقد أمر اهلل‬
‫ات إًلىى أى ٍىلً ىها ىكإً ىذا ىح ىك ٍمتي ٍم بىػ ٍي ىن‬
‫بالعدؿ يف اغبكم؛ فقاؿ ‪-‬تعالى ‪ ﴿-:‬إً َّف اللَّوى يأٍمري م أى ٍف تيػ ىؤدُّكا ٍاألىمانى ً‬
‫ى‬ ‫ى يي ٍ‬ ‫ي‬
‫َّاس أى ٍف تى ٍح يك يموا بًال ىٍع ٍد ًؿ ﴾ [النساء‪].58 :‬‬
‫الن ً‬
‫كفي حديث السبعة الذين يظلهم اهلل في ظلو يوـ ال ظل إال ظلو‪ ،‬ذ ر النبي ‪-‬صلى اهلل عليو‬
‫كسلم‪ -‬في بدايتهم )) اإلماـ العادؿ‪((.‬‬
‫كمن العدؿ أخذ حق الضعيف من القوم‪:‬‬
‫يف خطبة أيب بكر الصديق رضي اهلل عنو ‪ ،‬قاؿ‪.." :‬كالضعيف فيكم قوم عندم حىت أريح‬
‫ؼ‬
‫عليو حقو إف شاء اهلل‪ ،‬كالقوم فيكم ضعيف عندم حىت آخذ اغبق منو إف شاء اهلل‪)...‬‬
‫سادسان ‪ :‬عمارة البالد ‪ ،‬كتسهيل سبل العيش ‪ ،‬كنشر الرخاء كجباية األمواؿ على ما أكجبو‬
‫الشرع من غَت عنف ‪ ،‬كصرفها يف الوجوه اؼبشركعة كعلى اؼبستحقُت ‪ ،‬من غَت سرؼ كال تقتَت ‪.‬‬
‫سابعان‪ :‬الحلم كالرفق بالرعية‪ :‬فعلى من كرل شيئا من أمور اؼبسلمُت أف يرفق برعيتو كال يشق‬
‫ٍب ىالنٍػ ىف ُّوا ًم ٍن‬ ‫ت فىظِّا غىلًي ى‬
‫ظ الٍ ىقل ً‬ ‫ت لى يه ٍم ىكلى ٍو ي ٍن ى‬ ‫عليهم قاؿ ‪-‬تعالى ‪ ﴿-:‬فىبً ىما ىر ٍح ىم وة ًم ىن اللَّ ًو لًٍن ى‬
‫ت فىػتىػ ىوَّ ٍل ىعلىى اللَّ ًو إً َّف اللَّوى يي ًح ُّ‬
‫ب‬ ‫استىػ ٍغ ًف ٍر لى يه ٍم ىك ىشا ًكٍريى ٍم فًي ٍاأل ٍىم ًر فىً ىذا ىع ى ٍم ى‬ ‫ىح ٍولً ى فىا ٍع ي‬
‫ف ىع ٍنػ يه ٍم ىك ٍ‬
‫ال ً‬
‫ين ﴾ [آؿ عمراف‪.159 :‬‬ ‫ٍمتىػ ىوِّك ل ى‬
‫ي‬
‫فإذا كاف رسوؿ اهلل يوجهو ربو إذل الرفق كاللُت فإف من سواه أكذل بذلك التوجيو الرباين ‪ ،‬ال شك أّنم‬
‫اؼبثل األعلى يف الرفق؛ ككصفو‬ ‫أحوج إذل الرفق مع رعيتهم ‪ ،‬كقد ضرب النيب ‪-‬عليو الصالة كالسالـ‪ -‬ى‬
‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ربو بذلك فقاؿ ‪-‬تعالى ‪ ﴿-:‬لى ىق ٍد جاء ي م رس ه ً‬
‫ُّم ىح ًر ه‬
‫يص ىعلىٍي يك ٍم‬ ‫وؿ م ٍن أىنٍػ يفس يك ٍم ىع ًي ه ىعلىٍيو ىما ىعنت ٍ‬ ‫ى ى ٍ ىي‬
‫يم ﴾ [التوبة‪]:،128 :‬‬ ‫بًالٍم ٍؤًمنًين ريؤ ه ً‬
‫كؼ ىرح ه‬ ‫ي ىى‬
‫كيف التحذير من اؼبشاقة ؽبم كالًتغيب يف الرفق هبم دعا النيب ‪-‬صلى اهلل عليو كسلم‪(( :-‬اللهم من‬
‫فرفىق بهم‪ ،‬فارفق‬ ‫ً‬ ‫ىكلًي من أمر أمتي شيئنا َّ‬
‫فشق عليهم‪ ،‬فاش يقق عليو‪ ،‬كمن ىكلي من أمر أمتي شيئنا ى‬
‫بو)‬

‫ركاه مسلم‪.1458/3‬‬
‫ثامنان‪:‬مشاكرة أىل الرأم من الرعية ‪:‬‬
‫ٍب ىالنٍػ ىف ُّوا ًم ٍن ىح ٍولً ى‬ ‫ظ الٍ ىقل ً‬‫ت فىظِّا غىلًي ى‬ ‫ت لى يه ٍم ىكلى ٍو ي ٍن ى‬ ‫قاؿ ‪-‬تعالى ‪ ﴿-:‬فىبً ىما ىر ٍح ىم وة ًم ىن اللَّ ًو لًٍن ى‬
‫ت فىػتىػ ىوَّ ٍل ىعلىى اللَّ ًو إً َّف اللَّوى يي ًح ُّ‬
‫ب‬ ‫استىػغٍ ًف ٍر لى يه ٍم ىك ىشا ًكٍريى ٍم فًي ٍاأل ٍىم ًر فىً ذىا ىع ى ٍم ى‬
‫ف ىع ٍنػ يه ٍم ىك ٍ‬
‫فىا ٍع ي‬
‫ال ً‬
‫ين ﴾ [آؿ عمراف‪].159 :‬‬ ‫ٍمتىػ ىوِّك ل ى‬
‫ي‬
‫كإذا كاف رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كسلم كىو أكمل الناس عقال كأسدىم رأيا كمؤيد بالوحي‬
‫مامور دبشاكرة أتباعو فغَته من باب أكذل ىذا كقد جعل اهلل تعاذل الشورل صفة الزمة للمؤمنُت كالصالة‬
‫اى ٍم‬ ‫ً‬ ‫استى ىجابيوا لً ىربِّك ًه ٍم ىكأىقى ياموا َّ‬ ‫َّ ً‬
‫ورل بىػ ٍيػنىػ يه ٍم ىكم َّما ىرىزقػٍنى ي‬
‫الص ىالةى ىكأ ٍىم يريى ٍم يش ى‬ ‫ين ٍ‬
‫كالزكاة قاؿ ‪-‬تعالى ‪ ﴿-:‬ىكالذ ى‬
‫ييػ ٍن ًف يقو ىف ﴾ [الشورل‪].38 :‬‬
‫تاسعان ‪ :‬تفقد أحوالهم كعدـ االحتجاب عنهم ‪:‬‬
‫عن عمرك بن مرة ‪-‬رضي اهلل عنو‪ -‬قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ اهلل ‪-‬صلى اهلل عليو كسلم‪(( :-‬ما من إماـ أك و‬
‫كاؿ‬
‫يغلق بابو دكف ذكم الحاجة كال لة كالمسكنة‪ ،‬إال أغلق اهلل أبواب السماء دكف خلتو كحاجتو‬
‫كمسكنتو))‬
‫عاشران ‪:‬النصح لهم ‪ :‬يف اخت‬
‫مار األشخاص األ ٍكفاء للعمل معو‪ ،‬كأف يكافئ احملسن‪ ،‬كيعاقب‬
‫اؼبسيء أف يكوف قدكة يف اػبَت للرعية ‪ ،‬كىذا عاـ يف كل من كرل شيئا من أمور اؼبسلمُت مهما قاؿ‬
‫رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كسلم ‪( :‬ما من راع يلي أمر المسلمين ثم ال يجهد لهم كينصح إال لم‬
‫يدخل معهم الجنة )‬

‫املطهة انثاٍَ ‪ :‬حمىق انرعُح تعضهى عهً تعض‬


‫إف الشريعة كما جاءت بإجياب حقوؽ للراعي على الرعية‪ ،‬كللرعية على الراعي‪ ،‬جاءت أيضا بإجياب‬
‫حقوؽ متعددة للرعية بعضهم على بعض‪ ،‬فمن حقوؽ الرعية بعضهم على بعضما يلي‪:‬‬
‫أكال ‪ :‬آداب أرشد إليها حديث أبي ىريرة ر ي اهلل عنو عن رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو‬
‫كسلم قاؿ ‪ ((:‬حق المسلم على المسلم ست ‪ ،‬قيل ما ىن يا رسوؿ اهلل قاؿ ‪ :‬إذا لقيتو فسلم‬

‫أخرجو أضبدج‪565 /29‬‬


‫اخرجو مسلم ‪126/1‬‬
‫عليو ‪ ،‬كإذا دعاؾ فأجبو كإذا استنصح فانصح لو كإذا عطس فحمد اهلل فشمتو كإذا مرر‬
‫‪.‬فأفاد ىذا الحديث عدة أمور ‪:‬‬ ‫فعده كإذا مات فاتبعو ))‬
‫السالـ عليو إذا لقيتو ‪.‬‬
‫إجابة دعوتو إذا دعاؾ ‪.‬‬
‫النصيحة لو إذا استشارؾ كطلب نصحك ‪.‬‬
‫تشميتو إذا عطس ‪.‬‬
‫عيادتو إذا مرض ‪.‬‬
‫اتباع جنازتو إذا مات ‪.‬‬
‫كلكل ىذه اغبقوؽ ‪ ،‬آداب ‪ ،‬كأحكاـ ‪ ،‬تبحث يف مظاّنا من أبوب الفقو ؛ كاؼبقصود ىنا ىو بياّنا‬
‫كالتذكَت هبا ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬من الحقوؽ التي تجب على المسلم تجاه إخوانو المسلمين النصح لهم كقد دؿ‬
‫على ذلك اغبديث اؼبتقدـ كأيضا قولو صلى اهلل عليو كسلم ((الدين النصيحة قلنا‪ :‬لمن يا رسوؿ اهلل‬
‫‪ ،‬كيدخل في النصح‬ ‫؟ قاؿ ‪ :‬هلل ‪ ،‬كلكتابو‪ ،‬كلرسولو كالئمة المسلمين ‪ ،‬كعامتهم ‪)).‬‬
‫للمسلمين أمور منها ‪:‬‬
‫ين‬ ‫َّ ً‬
‫‪ -1‬ف األذل فإف أذية اؼبسلم من كبائر الذنوب كاؼبعاصي ‪ ،‬كيقوؿ اهلل ‪ -‬جل كعال ‪ { :-‬ىكالذ ى‬
‫احتى ىمليوا بيػ ٍهتىانا ىكإًثٍ نما ُّمبًيننا} [سورة األح اب‪:‬‬ ‫ً‬ ‫يػ ٍؤذيك ىف الم ٍؤًمنًين كالٍم ٍؤًمنى ً‬
‫ات بًغىٍي ًر ىما ا ٍ تى ىسبيوا فىػ ىقد ٍ‬ ‫ي ىى ي‬ ‫ي‬
‫ااية ‪،]58‬‬
‫ٍم ٍسلً ًم‬ ‫ىخاه ال ً‬
‫ٍم ٍسل ىم‪ ،‬ي ُّل ال ي‬
‫ً‬ ‫ب ٍام ًر وئ ًم ىن َّ‬
‫الش ِّكر أى ٍف يى ٍحق ىر أ ى ي ي‬ ‫كقاؿ النيب ‪ -‬صلى اهلل عليو كسلم ‪« -‬بً ىح ٍس ً‬
‫ٍم ٍسلً ًم ىح ىر هاـ‪ ،‬ىد يموي‪ ،‬ىكىماليوي‪ ،‬ىك ًع ٍر يوي»‬
‫ىعلىى ال ي‬
‫س فًينىا‬ ‫كجاء يف اغبديث أف النيب ‪ -‬صلى اهلل عليو كسلم ‪ -‬قاؿ‪« :‬أىتى ٍدرك ىف ما الٍم ٍفلًس؟» قىاليوا‪ :‬ال ً‬
‫ٍم ٍفل ي‬‫ي‬ ‫ي ى ي ي‬
‫صيى واـ‪ ،‬ىكىزى اةو‪،‬‬
‫اؿ‪« :‬إً َّف الٍم ٍفلًس ًمن أ َّيمتًي يأٍتًي يػوـ ال ًٍقيام ًة بًص ىالةو‪ ،‬ك ً‬
‫ى ىٍ ى ى ى ى ى‬ ‫ي ى ٍ‬ ‫ىم ٍن ىال ًد ٍرىى ىم لىوي ىكىال ىمتى ى‬
‫اع‪ ،‬فىػ ىق ى‬
‫ب ىى ىذا‪ ،‬فىػييػ ٍعطىى ىى ىذا ًم ٍن‬
‫اؿ ىى ىذا‪ ،‬ىك ىس ىف ى ىد ىـ ىى ىذا‪ ،‬ىك ى ىر ى‬
‫ؼ ىى ىذا‪ ،‬ىكأى ى ىل ىم ى‬ ‫ىكيىأٍتًي قى ٍد ىشتى ىم ىى ىذا‪ ،‬ىكقى ىذ ى‬

‫ركاه البخارم ‪ 71/2‬كاللفظ ؼبسلم‪. 1705/4‬‬


‫ركاه مسلم ‪74/1‬‬
‫أخرجو أضبد (‪ ،277/2‬رقم ‪ ،)7713‬كمسلم (‪ ،1986/4‬رقم ‪.)2564‬‬
‫اى ٍم فىطي ًر ىح ٍ‬
‫ت‬ ‫ً ً ً‬ ‫ىح ىسنىاتًًو‪ ،‬ىك ىى ىذا ًم ٍن ىح ىسنىاتًًو‪ ،‬فىً ٍف فىنًيى ٍ‬
‫ت ىح ىسنىاتيوي قىػ ٍب ىل أى ٍف ييػ ٍق ىى ىما ىعلىٍيو أيخ ىذ م ٍن ىخطىايى ي‬
‫ًح فًي النَّارً ((‬ ‫ً‬
‫ىعلىٍيو‪ ،‬ثي َّم طير ى‬
‫‪ -2‬التعاكف فيما بينهم في أمور البر قاؿ تعالى { كتعاكنوا على البر كالتقول كال تعاكنوا على‬
‫االثم كالعدكاف ) {سورة المائدة‪.} 2 :‬‬
‫‪ -3‬ستر عوراتهم ما داـ الستر ممكنا ‪:‬‬
‫ؼاإلنساف من طبيعتو التقصَت كالنقص كالعيب ؛ فالواجب على اؼبسلم كبو أخيو أف يسًت عورتو كال‬
‫يشيعها إال من ضركرة ‪.‬‬
‫يم فًي‬ ‫اح ىشةي فًي الَّ ًذين آمنوا لىهم ع ىذ ً‬
‫قاؿ اهلل تبارؾ كتعاذل ‪{ :‬إً َّف الَّ ًذين ي ًحبُّو ىف أى ٍف تى ًشيع الٍ ىف ً‬
‫اب أىل ه‬
‫ى ىي ي ٍ ى ه‬ ‫ى‬ ‫ىي‬
‫الدنٍػيىا ىك ٍاا ًخ ىرةً } [النور‪ :‬من ااية ‪. ]19‬‬ ‫ُّ‬
‫كعن أيب ىريرة رضي اهلل عنو عن النيب صلى اهلل عليو كسلم قاؿ ‪(( :‬ال يستر عبد عبدان في الدنيا إال‬
‫ستره اهلل يوـ القيامة ))‬
‫‪-4‬تعليم جاىلهم‪:‬‬
‫كمن حقوؽ الرعية بعضهم على بعض‪ :‬تعليم جاىلهم‪ ،‬فمىت كجدنا أحد الرعية جيهل شيئا من‬
‫األحكاـ‪ ،‬ىعلَّ ٍمنىاهي كبىػيَّنا لو اغبكم الشرعي‪ ،‬كىذا دأب الصحابة كالتابعُت من بعدىم‪.‬‬
‫ٍو واـ ال ييػ ىعلِّك يمو ىف ًج ىيرانىػ يه ٍم ‪ ،‬ىكال ييػ يف ِّكق يهونىػ يه ٍم ‪ ،‬ىكال يىػ يفطِّكنيونىػ يه ٍم ‪ ،‬ىكال‬ ‫اؿ أىقػ ى‬ ‫اؿ" ‪ :‬صلى اهلل عليو كسلم (( ىما بى ي‬ ‫قى ى‬
‫يىأ يٍم يركنىػ يه ٍم ‪ ،‬ىكال يىػتىػ ىفطَّنيو ىف ‪ ،‬ىكالَّ ًذم نىػ ٍف ًسي بًيى ًدهً ‪ ،‬لىييػ ىعلِّك ًم َّن قىػ ٍوهـ ًج ىيرانىػ يه ٍم ‪ ،‬ىكلىيىأ يٍم ىرنَّػ يه ٍم ‪ ،‬ىكلىيىػ ٍنػ ىه ٍونىػ يه ٍم ‪،‬‬
‫َّه ٍم بًال يٍع يقوبىًة فًي ىدا ًر ُّ‬ ‫يع ً‬ ‫ً‬
‫‪.‬‬ ‫الدنٍػيىا "‬ ‫اجلىنػ ي‬ ‫ىكلىيىتىػ ىعلَّ ىم َّن قىػ ٍوهـ م ٍن ًج ىيرانً ًه ٍم ‪ ،‬ىكلىيىتىػ ىف َّق يه َّن ‪ ،‬ىكلىيىتىػ ىفطَّني َّن أ ٍىك أل ى‬
‫‪-5‬جلب المنافع لهم كدفع الم ار عنهم‪:‬‬
‫اؼبؤمن الصادؽ ىو الذم يتمٌت إلخوانو اؼبسلمُت من اػبَت ما يتمناه لنفسو كيدفع عنهم من الشر ما‬
‫يدفعو عن نفسو ‪ ،‬كىذا حق للمسلمُت ال يناؿ عبد كماؿ اإلدياف إال بو ‪ ،‬فعن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي‬
‫اهلل عنو قاؿ ‪ :‬قاؿ رسوؿ اهلل ((ال يؤمن أحد م حتى يحب ألخيو ما يحبو لنفسو ))‬

‫اخرجو مسلم ‪1997 /4‬‬


‫ركاه مسلم ‪ 2002/4‬رقم ‪2590‬‬
‫ركاه الطرباين يف الكبَت كأصلو يف البخارم‪.‬‬
‫ركاه البخارم ‪ 12/1‬كمسلم‪68/1‬‬
‫‪-6‬توقير الكبير كرحمة الصغير ‪ :‬إف فبا يشيع األلفة كاحملبة كالوئاـ بُت أبناء اجملتمع اؼبسلم ‪ ،‬توقَت ذم‬
‫الشيبة اؼبسلم كإكرامو ككذلك الرضبة بالصغَت كالعطف عليو‬
‫اح ًم ًه ٍم‪ ،‬ىكتىػ ىعاطيًف ًه ٍم ىمثى يل‬ ‫ً‬ ‫يقوؿ النيب ‪ -‬صلى اهلل عليو كسلم ‪« :-‬مثىل الٍم ٍؤًمنً ً‬
‫ين في تىػ ىوادِّكى ٍم‪ ،‬ىكتىػ ىر ي‬ ‫ى ي ي ى‬
‫ٍج ىس ًد»‬
‫ال ى‬
‫ص ًغ ىيرنىا ىكييػ ىوقِّكػ ٍر ى بً ىيرنىا((‬ ‫كيقوؿ ‪ -‬صلى اهلل عليو كسلم ‪« :-‬لىي ً‬
‫س منَّا ىم ٍن لى ٍم يىػ ٍر ىح ٍم ى‬
‫ٍ ى‬
‫‪-7‬توقير العلماء‪ :‬فبا جاءت بو الشريعة فيما يتعلق حبقوؽ الرعية بعضهم على بعض‪ :‬أف الشريعة‬
‫أمرت بتقدير العلماء‪ ،‬كمعرفة منزلتهم‪ ،‬كإعالء درجتهم ‪ ،‬كالقياـ حبقهم‪ ،‬ألّنم ىم الذين يرشدكف الناس‬
‫َّ ً‬ ‫َّ ً‬
‫ين ىال يىػ ٍعلى يمو ىف} [سورة ال مر‪ :‬ااية ‪]9‬‬ ‫ين يىػ ٍعلى يمو ىف ىكالذ ى‬‫إذل اػبَت‪ ،‬قاؿ اهلل تعاذل‪ { :‬ىى ٍل يى ٍستى ًوم الذ ى‬
‫اعوا بً ًو ىكلى ٍو ىردُّكهي إًلىى َّ‬
‫الر يس ً‬ ‫ً‬
‫وؿ‬ ‫كقاؿ ‪ -‬جل كعال ‪ { :-‬ىكإًذىا ىج ى‬
‫اء يى ٍم أ ٍىم هر ِّكم ىن األ ٍىم ًن أى ًك ال ى ٍوؼ أىذى ي‬
‫ين يى ٍستىنبًطيونىوي ًم ٍنػ يه ٍم ىكلى ٍوال فى ٍ يل اللَّ ًو ىعلىٍي يك ٍم ىكىر ٍح ىمتيوي التَّػبىػ ٍعتي يم‬ ‫ً َّ ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ىكإًلىى أ ٍيكلي األ ٍىم ًر م ٍنػ يه ٍم لى ىعل ىموي الذ ى‬
‫الش ٍيطىا ىف إًالَّ قىلً نيال} [سورة النساء‪ :‬ااية ‪]83‬‬ ‫َّ‬
‫‪ -8‬البشاشة كاللين كحسن المعاملة كالتوا ع ‪:‬‬
‫كفبا ينبغي أف يشيع يف اجملتمع اؼبسلم أف تسود احملبة كاألخالؽ اغبسنة بُت أبنائو كأف يلُت بعضهم‬
‫ٍم ٍؤًم ىن لىيي ٍد ًر يؾ بً يح ٍس ًن‬
‫لبعض كيتواضع بعضهم لبعض ‪ ،‬يقوؿ النيب ‪ -‬صلى اهلل عليو كسلم ‪« :-‬إً َّف ال ي‬
‫يخلي ًق ًو ىد ىر ىجةى َّ‬
‫الصائً ًم الٍ ىقائً ًم»‬
‫كيف حسن األخالؽ كطالقة الوجو كبشاشتو يف كجو أخيك يوجهنا نبينا ‪ -‬صلى اهلل عليو كسلم أف ال‬
‫نعد ذلك من األمور الصغَت ة أك اغبقَتة فيقوؿ ‪« :-‬ىال تىح ًقر َّف ًمن الٍمعر ً‬
‫كؼ ىش ٍيئنا‪ ،‬ىكلى ٍو أى ٍف تىػ ٍل ىقى‬‫ٍ ى ى ىٍي‬
‫اؾ بًىو ٍج وو طىل وٍق )‬
‫ىخ ى‬
‫أى‬
‫كما أنو صلى اهلل عليو كسلم حيثنا على التواضع كاللُت بقولو ‪ -‬صلى اهلل عليو كسلم ‪« :-‬إً َّف اهللى أ ٍىك ىحى‬
‫ىح ود» ( ‪.‬‬ ‫ىح هد ىعلىى أ ى‬
‫ً‬ ‫إًلى َّي أى ٍف تىػوا ى عوا‪ ،‬حتَّى الى يػ ٍف ى ر أىح هد ىعلىى أ و‬
‫ىحد‪ ،‬ىكالى يىػ ٍبغي أ ى‬
‫ى‬ ‫ى ى ى‬ ‫ى ي ى‬

‫أخرجو أضبد (‪ ،270/4‬رقم ‪ ،)18404‬كمسلم (‪ ،1999/4‬رقم ‪.)2586‬‬


‫أخرجو أبو داكد (‪ ،286/4‬رقم ‪ ،)4943‬كالًتمذم (‪ ،322/4‬رقم ‪.)1920‬‬
‫) أخرجو أضبد (‪ ،90/6‬رقم ‪ ،)24639‬كأبو داكد (‪ ،252/4‬رقم ‪.)4798‬‬
‫أخرجو أضبد (‪ ،173/5‬رقم ‪ ،)21559‬كمسلم (‪ ،2026/4‬رقم ‪.)2626‬‬
‫أخرجو مسلم (‪ ،158/8‬رقم ‪.)8 .)7309‬‬
‫ىذه صبلة من اغبقوؽ اليت ذبب للرعية؛ ليكوف ؾبتمعا سعيدا مًتابطا قويا‪ ،‬ينعم باألمن كاالستقرار‬
‫كالطمأنينة‪ ،‬يأمن الناس فيو على أنفسهم كأمواؽبم كأعراضهم فتستقيم بذلك أحواؽبم‪ ،‬كيكونوف أمة قوية‬
‫مرىوبة اعبانب ‪.‬‬

‫املثحث انثانث‪ :‬حمىق انىانذٍَ‬

‫املقدمة‬
‫الحمد هلل رب العالمٌن‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شرٌك له ولً المتقٌن‪.‬وأشهد أن سٌدنا ونبٌنا محمدًا خاتم‬
‫األنبٌاء وسٌد المرسلٌن‪ ،‬اللهم صلِّ وسلم وبارك علٌه وعلى آله وصحبه والتابعٌن بإحسان إلى ٌوم الدٌن‪ ،‬صالة‬
‫وسالمًا بعدد خلقك‪ ،‬وسعة ملكك‪ ،‬وزنة عرشك‪ ،‬ورضا نفسك‪ ،‬ومداد كلماتك ٌا كرٌم‪.‬وبعد‪ :‬فهذا بحث موجز عن (‬
‫حقوق الوالدٌن ) قسمته إلى قسمٌن ‪:‬قسم عن حقوق الوالدٌن فى حٌاتهما‪.‬وقسم عن حقوق الوالدٌن بعد وفاتهما‪ .‬وهللا‬
‫الموفق والمستعان‪.‬‬

‫أوال‪:‬حقوق الوالدين في الحياة‬


‫من أهم حقوق الوالدٌن فً حٌاتهما خمسة ‪ :‬اإلحسان إلًهما‪ ،‬و اإلنفاق علًهما‪ ،‬و طاعتهما‪ ،‬و الدعاء لهما ‪،‬‬
‫وتقدٌم بر األم على األب‪.‬وهذا بٌان موجز لهذه الحقوق( )‪:‬‬

‫‪-1‬اإلحسان إلى الوالدٌن‪:‬‬


‫لقد أمر هللا تعالى فً آٌات كثٌرة ببر الوالدٌن واإلحسان إلٌهما وشكرهما بالقول والفعل‪ ،‬وبٌن كٌفٌة ذلك فً‬
‫آٌتٌن جامعتٌن بلٌغتٌن‪ ،‬فقال‪ -‬عز من قائل‪َ {:‬و َقضَ ى رَ ُّب َك أَالَّ َتعْ ُبدُو ْا إِالَّ إٌَِّاهُ َو ِبا ْل َوالِدَ ٌ ِ‬
‫ْن إِحْ سَ ا ًنا إِمَّا ٌَ ْبلُ َغنَّ عِندَ َك ا ْل ِكبَرَ‬
‫اخفِضْ َل ُهمَا جَ َناحَ ال ُّذلِّ مِنَ الرَّ حْ َم ِة َوقُل رَّ بِّ‬ ‫أَحَ ُد ُهمَا أَ ْو ِكالَ ُهمَا َفالَ َتقُل َّل ُهمَا أُفٍّ َوالَ َت ْنهَرْ ُهمَا َوقُل َّل ُهمَا َق ْوالً َك ِرٌمًا * َو ْ‬
‫ارْ حَ مْ ُهمَا َكمَا رَ َّبٌَانًِ صَ غٌِرً ا} [سورة اإلسراء‪ ،‬اآلٌتان ‪.]24-23‬‬

‫فؤمر هللا تبارك وتعالى باإلحسان إلى الوالدٌن بكل أنواع اإلحسان من األقوال واألفعال‪ ،‬والبدن والمال‪ .‬ثم أكد‬
‫على أهمٌة ذلك فً حال كبرهما‪ ،‬ألنهما حٌنذاك أحوج إلى البر واإلحسان‪ ،‬واللطف والرفق‪ ،‬واالحترام والتوقٌر‪ .‬ثم نهى‬
‫عن إساءة األدب معهما‪ ،‬وإظهار التبرم والتؤفف لهما‪ ،‬فضالً عن رفع الصوت علٌهما‪ ،‬أو سبهما وشتمهما‪ ،‬أو‬
‫احتقارهما والتعالً علٌهما‪ ،‬فقال سبحانه‪َ { :‬فالَ َتقُل َّل ُهمَا أُفٍّ } أي‪ :‬ال تإذهما أدنى أذٌة‪ ،‬وال ٌصدر منك أدنى شًء ٌدل‬
‫على التضجر منهما أو االستثقال لهما‪ ،‬ووطن نفسك على احتمال ما قد ٌصدر عنهما من جهل أو خطؤ‪ .‬ثم قال‪َ { :‬والَ‬
‫َت ْنهَرْ ُهمَا} أي‪ :‬ال ترفع صوتك علٌهما‪ ،‬وال تكلمهما ض ِجرً ا صائحً ا فً وجهٌهما‪ ،‬وال تنظر إلٌهما شزرً ا و ُتحدّ الطرف‬
‫إلٌهما‪ ،‬وال تنفض ٌدك علٌهما زاجرً ا لهما ومعترضًا علٌهما‪.‬‬

‫) للم يد تراجع الكتب التي ستذ ر في ىوامش البحث‪ .‬ما يراجع‪ :‬بر الوالدين ‪ .‬د‪ /‬سعيد بن على القحطاني‪-‬‬ ‫(‬

‫حق الوالدين على األبناء ‪ .‬للشيخ‪/‬األمين الحاج محمد أحمد‪ -‬حق الوالدين على األبناء ‪ .‬للشيخ ‪ /‬يحيى بن موسى‬
‫ال ىراني‪ -‬حقوؽ الوالدين في الشريعة اإلسالمية ‪.‬أد‪/‬عبدالع ي بن فوزاف الفوزاف‪ -‬عقوؽ الوالدين‪ .‬لألستاذ ‪ /‬محمد بن‬
‫إبراىيم بن أحمد الحمد ‪.‬‬
‫ولما نهى عن القول القبٌح والفعل القبٌح أمر بمعاملتهما بالحسنى قوالً وفعالً‪ ،‬فقال‪َ { :‬وقُل َّل ُهمَا َق ْوالً َك ِرٌمًا} أي‪ :‬لٌ ًنا‬
‫طٌبًا لطٌ ًفا‪ ،‬بتؤدب واحترام وإكرام‪ ،‬وذلك ٌختلف باختالف األحوال والعوائد واألزمان‪.‬‬
‫ً‬
‫رحمة بهما‪ ،‬وتذلالً لهما‪ ،‬وعرفا ًنا بفضلهما‪،‬‬ ‫اخفِضْ َل ُهمَا جَ َناحَ ال ُّذلِّ مِنَ الرَّ حْ َم ِة} أي‪ :‬تواضع لهما بفعلك‪،‬‬
‫ثم قال‪َ { :‬و ْ‬
‫وعاملهما معاملة الخادم الذي ذل أمام سٌده‪ ،‬فتطٌعهما فً المعروف‪ ،‬وتجٌب دعوتهما‪ ،‬وتخدمهما وتقضً حاجاتهما‪،‬‬
‫وٌسخطهما )‪.‬‬
‫(‬
‫وتغض الطرف عن أخطائهما‪ ،‬وتحرص على كل ما ٌسعدهما وٌرٌحهما‪ ،‬وتبتعد عن كل ما ٌإذٌهما‬

‫رأى أبوهرٌرة ‪ ‬رجالً ٌمشً خلف رجل‪ ،‬فقال‪" :‬من هذا؟ قال‪ :‬أبً‪ ،‬قال‪ :‬ال تدعُه باسمه‪ ،‬وال تجلس قبله‪ ،‬وال تمش‬
‫أمامه"( )‪.‬‬

‫‪ -2‬اإلنفاق على الوالدٌن‪:‬‬


‫)‪ .‬وقد دل على‬ ‫(‬
‫من حق الوالدٌن على ولدهما‪ :‬أن ٌنفق علٌهما إذا احتاجا إلى النفقة وهو قادر غنً‬
‫وجوب النفقة على الولد إذا كان غن ًٌّا لوالده إذا كان فقٌرً ا‪ :‬الكتاب والسنة واإلجماع والمعقول‪.‬‬

‫أما الكتاب‪ ،‬فاآلٌات التً تؤمر ببر الوالدٌن وشكرهما واإلحسان إلٌهما‪ .‬ومن أعظم برهما‪ ،‬وأفضل شكرهما‪،‬‬
‫وأحسن اإلحسان إلٌهما‪ :‬اإلنفاق علٌهما عند حاجتهما‪.‬‬

‫وأما السنة فقول النبً ‪ " : ‬إن أطٌب ما أكل الرجل من كسبه‪ ،‬وإن ولده من كسبه " وزاد فً رواٌة أبً‬
‫داود والحاكم‪" :‬فكلوا من أموالهم" وفً رواٌة للنسائً‪ " :‬إن أوالدكم من أطٌب كسبكم‪ ،‬فكلوا من كسب أوالدكم (" )‪.‬‬

‫قال الكاسانً‪ " :‬والحدٌث حجة بؤوله وآخره‪ ،‬أما بآخره فظاهر‪ ،‬ألنه صلى هللا علٌه وسلم أطلق لألب األكل‬
‫من كسب ولده إذا احتاج إلٌه مطل ًقا عن شرط اإلذن والعوض‪ ،‬فوجب القول به‪ .‬وأما بؤوله‪ ،‬فألن معنى قوله‪ " :‬وإن‬
‫ولده من كسبه " أي‪ :‬كسب ولده من كسبه‪ ،‬ألنه جعل كسب الرجل أطٌب المؤكول‪ ،‬والمؤكول كسبه ال نفسه‪ ،‬وإذا كان‬
‫)‬ ‫(‬
‫كسب ولده كسبَه‪ ،‬كانت نفقته فٌه "‬

‫وأما اإلجماع‪ ،‬فقد قال ابن قدامة‪" :‬حكى ابن المنذر‪ ،‬قال‪ :‬أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدٌن الفقٌرٌن اللذٌن ال‬
‫كسب لهما وال مال‪ ،‬واجبة فً مال الولد"( )‪.‬‬

‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫أصله‬ ‫وأما المعقول‪ ،‬فألن اإلنسان بعض والده‪ ،‬فكما ٌجب علٌه أن ٌنفق على نفسه وأهله‪ ،‬فكذلك على‬

‫) انظر‪ :‬تفسير القرطبي‪ ،243 /10 :‬كتفسير ابن ثير‪ ،35/3 :‬كتفسير الشو اني‪ ،303 /3 :‬كتفسير السعدم ص‪:‬‬ ‫(‬

‫‪.407‬‬
‫‪ ،762 /2‬كالسيوطي في الدر‬ ‫) ركاه الب ارم في األدب المفرد‪ .44 :‬كذ ره ابن عبد البر في بهجة المجالس‬ ‫(‬

‫المنثور ‪.263 /5‬‬


‫) انظر‪ :‬بدائع الصنائع ‪ ،35-34/4‬كالتفريع ‪ ،113 /2‬كالمهذب ‪ ،158 /3‬كالمغني ‪.258 /9‬‬ ‫(‬

‫) سنن أبي داكد‪ ،3529 :‬كسنن الترمذم‪ ،1358 :‬كسنن النسائي‪ ،4452 ،4450 :‬كسنن ابن ماجو‪،2137 :‬‬ ‫(‬

‫‪ ،2290‬كمستدرؾ الحا م‪ ،2294 :‬كقاؿ‪ :‬ىذا حديث صحيح على شرط الشي ين‪ ،‬كلم ي رجاه‪ .‬ككافقو الذىبي‪.‬‬
‫‪ :16/4‬صححو أبو حاتم كأبو‬ ‫كقاؿ الترمذم‪ :‬ىذا حديث حسن صحيح‪ .‬كقاؿ ابن حجر في " التل يص الحبير"‬
‫زرعة‪.‬‬
‫)‬ ‫(‬
‫بدائع الصنائع ‪ .30/4‬كانظر نحوه في‪ :‬معالم السنن لل طابي ‪.165 /3‬‬
‫)‬ ‫(‬
‫المغني ‪ .257 /9‬كانظر‪ :‬بدائع الصنائع ‪.30/4‬‬
‫)‬ ‫(‬
‫انظر‪ :‬المغني ‪.257 /9‬‬
‫‪ -3‬طاعة الوالدٌن‪:‬‬
‫فقد قال هللا تعالى‪َ { :‬فالَ َتقُل َّل ُهمَا أُفٍّ َوالَ َت ْنهَرْ ُهمَا َوقُل َّل ُهمَا َق ْوالً َك ِرٌمًا فال تقل لهما أف وال تنهرهما وقل‬
‫لهما قوالً كرٌمًا}[سورة اإلسراء‪ ]23 :‬فنهى عن مجرد التؤفف معهما‪ ،‬فما بالك بمعاندتهما وعصٌان أمرهما؟‪.‬‬

‫ش ُكرْ لًِ َول َِوالِدَ ٌْ َك إِ َلًَّ ا ْلمَصِ ٌ ُر }[سورة لقمان‪ ]14 :‬وقال عز وجل‪َ {:‬واعْ ُبدُوا َّ َ‬
‫هللا‬ ‫وقال سبحانه تعالى‪ { :‬أَ ِن ا ْ‬
‫ْن إِحْ سَ ا ًنا}[ سورة النساء‪ ،]36 :‬ولٌس من شكرهما واإلحسان إلٌهما‪ :‬معصٌتهما‪،‬‬ ‫ش ٌْ ًئا َو ِبا ْل َوالِدَ ٌ ِ‬
‫ش ِر ُكوا ِب ِه َ‬
‫َوال ُت ْ‬
‫ومخالفة رغبتهما‪.‬‬

‫وقال عز وجل‪َ { :‬وإِنْ جَ اهَدَ ا َك عَ لى أَنْ ُت ْ‬


‫ش ِر َك ِبً مَا َلٌْسَ َل َك ِب ِه عِ ْل ٌم َفال ُتطِ عْ ُهمَا َوصَ ا ِح ْب ُهمَا فًِ ال ُّد ْنٌَا مَعْ رُو ًفا} [سورة‬
‫لقمان‪.]15 :‬‬

‫وهذه اآلٌة الكرٌمة تدل على وجوب طاعة الوالدٌن بالمعروف من وجهٌن‪:‬‬

‫األول‪ :‬أنه نهى عن طاعتهما فٌما ٌؤمران به ولدهما من معصٌة هللا تعالى واإلشراك به‪ .‬فدل ذلك على أنهما‬
‫إذا أمراه بشًء ال معصٌة فٌه من مباح أو مشروع‪ ،‬وجب علٌه طاعتهما‪.‬‬

‫الثانً‪ :‬أنه أمر الولد بمصاحبة والدٌه بالمعروف ولو كانا ٌجاهدانه على الشرك‪ ،‬ولٌس من المصاحبة‬
‫بالمعروف عصٌان أمرهما‪ ،‬والخروج عن طاعتهما‪.‬‬

‫‪ -4‬الدعاء للوالدٌن‪:‬‬
‫اخفِضْ َل ُهمَا جَ َناحَ‬
‫إن من شكر الوالدٌن أن ٌكثر من الدعاء لهما فً حٌاتهما وبعد موتهما كما قال تعالى‪َ { :‬و ْ‬
‫ال ُّذلِّ مِنَ الرَّ حْ َم ِة َوقُل رَّ بِّ ارْ حَ مْ ُهمَا َكمَا رَ َّبٌَانًِ صَ غٌِراً} [ سورة اإلسراء ‪ .]24‬قال ابن جرٌر‪ " :‬ادع هللا لوالدٌك‬
‫بالرحمة‪ ،‬وقل‪ :‬رب ارحمهما وتعطف علٌهما بمغفرتك ورحمتك كما تعطفا علً فً صغري‪ ،‬فرحمانً وربٌانً صغٌرً ا‪،‬‬
‫حتى استقللت بنفسً واستغنٌت عنهما "( )‪.‬‬

‫وكما دعا سٌدنا نوح ‪ -‬علٌه الصالة والسالم‪ -‬لوالدٌه فقال‪ { :‬ربِّ ْ‬
‫اغفِرْ لًِ َول َِوالِدَ يَّ َولِمَن دَ َخلَ َب ٌْتًَِ م ُْإ ِم ًنا‬
‫اغفِرْ‬ ‫ت}[سورة نوح‪ .]28 :‬وحكى هللا تعالى عن سٌدنا إبراهٌم ‪ -‬علٌه الصالة والسالم‪ -‬قوله‪{:‬ر َّب َنا ْ‬ ‫َولِ ْلم ُْإ ِمنٌِنَ َوا ْلم ُْإ ِم َنا ِ‬
‫ُ‬
‫لًِ َول َِوالِدَ يَّ َولِ ْلم ُْإ ِمنٌِنَ ٌ َْو َم ٌَقو ُم الحِسَ ابُ }[سورة إبراهٌم‪ .]41 :‬فدعا لوالدٌه بالمغفرة بعد دعائه لنفسه مباشرة‪ ،‬وكان‬
‫ْ‬
‫هذا قبل أن ٌتبرأ من أبٌه‪ ،‬لما تبٌن له أنه عدو هلل عز وجل( )‪.‬‬

‫‪ -5‬تقدٌم بر األم على األب‪:‬‬

‫فعن أبً هرٌرة ‪ ‬قال‪ :‬جاء رجل إلى رسول هللا ‪ ‬فقال ‪ٌ :‬ا رسول هللا‪ ،‬من أحق الناس بحسن صحابتً؟‬
‫قال‪":‬أمك" قال‪ :‬ثم من؟ قال‪" :‬أمك" قال‪ :‬ثم من؟ قال‪" :‬أمك"قال‪ :‬ثم من؟ قال‪" :‬أبوك"‪ .‬وفً رواٌة لمسلم‪ٌ :‬ا رسول‬
‫هللا من أحق الناس بحسن الصحبة؟ قال‪ " :‬أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ثم أدناك أدناك "( )‪ ،‬فحق األم مضاعف على‬
‫حق األب بثالثة أضعاف ‪.‬‬

‫وتوصل األم وتبر وتطاع وإن كانت غٌر مسلمة لحدٌث أسماء بنت أبً بكر الصدٌق ‪-‬رضً هللا عنهما ‪ -‬قالت‬
‫‪ :‬قدمتْ علًَّ أمً وهً مشركة فً عهد رسول هللا ‪ ، ‬فاستفتٌت رسول هللا ‪ ‬قلت ‪ :‬قدمت علًَّ أمً وهً راغبة (‬
‫طامعة عندي تسؤلنً شٌ ًئا) أفؤصل أمً؟ قال ‪ ":‬نعم صلً أمك"( )‪.‬‬

‫) تفسير الطبرم ‪.420 /17‬‬ ‫(‬

‫) انظر‪ :‬تفسير ابن ثير ‪.442 /4‬‬ ‫(‬

‫) متفق عليو‪ :‬صحيح الب ارم ( ‪ ،)5971‬كصحيح مسلم ( ‪.)2548‬‬ ‫(‬

‫) متفق عليو‪ :‬صحيح الب ارم ( ‪ ،)5979،2620‬كصحيح مسلم ( ‪.)1003‬‬ ‫(‬


‫ومما ٌدل على عظم حق األم ما ورد عن معاوٌة بن جاهمة ‪-‬رضً هللا عنهما ‪ -‬أن جاهمة جاء إلى النبً ‪‬‬
‫فقال‪ٌ :‬ا رسول هللا أردت أن أغزو وقد جئت أستشٌرك‪ ،‬فقال النبً ‪ ": ‬هل لك من أم"؟ قال‪ :‬نعم ‪ ،‬قال‪":‬فالزمها فإن‬
‫الجنة عند رجلها" وفً رواٌة ‪" :‬الزمها فإن الجنة تحت أقدامها"( )‪.‬‬

‫ثانيا‪:‬حقوق الوالدين بعد الوفاة‬


‫من عظمة الدٌن اإلسالمً الحنٌف أن هللا تعالى أعطى الفرصة لمن قصَّ ر فً حق والدٌه أن ٌحسن إلٌهما بعد‬
‫وفاتهما‪ ،‬وأنواع البر التً ٌوصل بها الوالدان بعد موتهما كثٌرة متنوعة‪ ،‬ولكن منها على سبٌل المثال ما ٌؤتً‪:‬‬

‫لقول هللا تعالى ذاكرً ا دعاء إبراهٌم‪{ :‬رَ بِّ اجْ عَ ْلنًِ ُمقٌِ َم الصَّ َال ِة َومِنْ‬ ‫‪ – 1‬االستغفار والدعاء لهما‪:‬‬
‫اغفِرْ لًِ َول َِوالِدَ يَّ َولِ ْلم ُْإ ِمنٌِنَ ٌ َْو َم ٌَ ُقو ُم ا ْلحِسَ ابُ } [سورة إبراهٌم‪.]40،41 :‬‬
‫ُذرِّ ٌَّتًِ رَ َّب َنا َو َت َق َّب ْل دُعَ اءِ ‪ .‬ر َّب َنا ْ‬

‫اغفِرْ لًِ َول َِوالِدَ يَّ َولِمَن دَ َخلَ َب ٌْتًَِ م ُْإ ِم ًنا َولِ ْلم ُْإ ِمنٌِنَ َوا ْلم ُْإ ِم َنا ِ‬
‫ت}[سورة نوح‪.]28 :‬‬ ‫وقال تعالى ذاكرً ا دعاء نوح ‪{:‬ربِّ ْ‬

‫ولحدٌث أبً هرٌرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪": ‬إن هللا لٌرفع الدرجة للعبد الصالح فً الجنة‪ ،‬فٌقول‪ٌ :‬ا رب‬
‫أنى لً هذه؟ فٌقول‪ :‬باستغفار ولدك لك"( )‪ .‬وفً الحدٌث عن أبً هرٌرة ‪ ‬أٌضًا أن رسول هللا ‪ ‬قال‪" :‬إذا مات‬
‫اإلنسان انقطع عمله إال من ثالثة‪ :‬إال من صدقة جارٌة‪ ،‬أو علم ٌنتفع به‪ ،‬أو ولد صالح ٌدعو له"( )‪.‬‬

‫لحدٌث أبً هرٌرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪": ‬نفس المإمن معلقة بدٌنه حتى‬ ‫‪ -2‬قضاء الدٌن عنهما‪:‬‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫ٌقضى عنه"‬

‫ومن ذلك‪ :‬النذور كنذر الصٌام‪ ،‬والحج أو‬ ‫عنهما‪:‬‬ ‫‪ - 3‬قضاء الدٌون الواجبة هلل تعالى‬
‫العمرة‪ ،‬أو غٌر ذلك مما تدخله النٌابة‪ .‬وكذلك الكفارات عنهما‪ :‬ككفارة الٌمٌن‪ ،‬وكفارة قتل الخطؤ‪ ،‬وغٌر ذلك؛ لدخول‬
‫هذه الواجبات فً حدٌث ابن عباس ‪-‬رضً هللا عنهما‪ :‬أن امرأة نذرت أن تصوم شهرً ا‪ ،‬فلم تصم حتى ماتت‪ ،‬فجاءت‬
‫قرابة لها إما أختها أو ابنتها إلى النبً ‪ ‬فذكرت ذلك له‪ ،‬فقال‪ " :‬أرأٌتك لو كان علٌها دٌن كنت تقضٌنه؟" قالت‪ :‬نعم‪،‬‬
‫قال‪" :‬فدٌن هللا أحق أن ٌقضى" ( )‪.‬‬

‫ومن ذلك أٌضًا قضاء صٌام الفرض من رمضان عنهما؛ لقول النبً ‪ ‬فً حدٌث عائشة ‪-‬رضً هللا عنها‪:‬‬
‫"من مات وعلٌه صٌام صام عنه ولٌه"( )‪.‬‬

‫إن كان لهما وصٌة‪ ،‬الثلث فؤقل؛ وإنفاذ الوصٌة واجب‪ ،‬واإلسراع بالتنفٌذ‪ :‬إما واجب‬ ‫‪ - 4‬تنفٌذ وصٌتهما ‪:‬‬
‫أو مستحب‪ ،‬فإن كانت فً واجب فلإلسراع فً إبراء الذمة‪ ،‬وإن كانت فً تطوع؛ فلإلسراع فً األجر لهما‪ ،‬وٌنبغً أن‬
‫تنفذ قبل الدفن‪.‬‬

‫) سنن النسائي ( ‪ ،)3104‬كمسند أحمد ( ‪ )15538‬كقاؿ الشيخ شعيب‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬ ‫(‬

‫)مسند أحمد ( ‪ ،)10610‬كسنن ابن ماجو( ‪ .)3660‬قاؿ اإلماـ ابن ثير رحمو اهلل تعالى في تفسيره ( ‪:)403 /7‬‬ ‫(‬

‫إسناده صحيح‪.‬‬
‫) صحيح مسلم ( ‪ ،)1631‬كسنن الترمذم ( ‪ ،)1376‬كسنن النسائي ( ‪.)3651‬‬ ‫(‬

‫)مسند أحمد ( ‪ ،)10599‬كسنن الترمذم ( ‪ ،)1079 ،1078‬كسنن ابن ماجو ( ‪ ،)2413‬كصححو األلباني في‬ ‫(‬

‫صحيح الترمذم (‪.)547 /1‬‬


‫) متفق عليو‪ :‬صحيح الب ارم( ‪ ،)1953‬كصحيح مسلم( ‪.)1148‬‬ ‫(‬

‫) متفق عليو‪ :‬صحيح الب ارم( ‪ ،)1952‬كصحيح مسلم( ‪.)1147‬‬ ‫(‬


‫ففً الحدٌث عن أنس بن مالك ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪ " : ‬صل من قطعك‪ ،‬واعف عمن ظلمك "‪ ،‬فقال‬
‫رجل‪ٌ :‬ا رسول هللا‪ ،‬هل بقً من بر والدي شًء بعد موتهما؟ قال‪ " :‬خِالل ٌ ‪ :‬االستغفار لهما‪ ،‬وإنفاذ وصٌتهما‪ ،‬وإكرام‬
‫صدٌقهما‪ ،‬وصلة الرحم التً ال رحم إال بهما"( )‪.‬‬

‫ففً حدٌث أبً أسٌد مالك بن ربٌعة ‪ ‬قال‪ :‬بٌنما نحن‬ ‫‪ -5‬صلة الرحم التً ال توصل إال بهما ‪:‬‬
‫عند النبً ‪ ‬إذ جاءه رجل من بنً سلمة فقال‪ٌ :‬ا رسول هللا‪ ،‬أبقً من بر أبوي شًء أبرهما به من بعد موتهما؟ قال‪:‬‬
‫« نعم‪ ،‬الصالة علٌهما‪ ،‬واالستغفار لهما‪ ،‬وإٌفاء بعهودهما من بعد موتهما‪ ،‬وإكرام صدٌقهما‪ ،‬وصلة الرحم التً ال‬
‫توصل إال بهما»( )‪.‬‬

‫للحدٌث السابق‪ ،‬ولحدٌث أبً بردة ‪ ‬قال‪ :‬قدمت المدٌنة فؤتانً‬ ‫‪ -6‬إكرام صدٌقهما من بعدهما ‪:‬‬
‫عبد هللا بن عمر‪ ،‬فقال‪ :‬أتدري لم أتٌتك؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول هللا ‪ٌ ‬قول‪ " :‬من أحب أن ٌصل أباه فً‬
‫قبره فلٌصل إخوان أبٌه بعده" وإنه كان بٌن أبً عمر وبٌن أبٌك إخاء وود‪ ،‬فؤحببت أن أصل ذاك ( )‪.‬‬

‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫وعن ابن عمر ‪-‬رضً هللا عنهما‪ -‬عن النبً ‪ ‬أنه قال‪" :‬إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبٌه"‬

‫لحدٌث سعد بن عبادة ‪ ‬أن أمه توفٌت‪ ،‬فقال‪ٌ :‬ا رسول هللا! إن أمً توفٌت وأنا غائب‬ ‫‪ -7‬الصدقة عنهما ‪:‬‬
‫)‬ ‫(‬ ‫)‬ ‫(‬
‫‪.‬‬ ‫صدقة علٌها‬ ‫عنها أٌنفعها شًء إن تصدقت به عنها؟ قال‪":‬نعم"‪ .‬قال‪ :‬فإنً أشهدك أن حائطً المخراف‬

‫فعن أبً هرٌرة ‪ ‬قال‪ :‬زار النبً ‪ ‬قبر أمه‪ ،‬فبكى وأبكى من حوله وقال صلى هللا‬ ‫‪ -8‬زٌارة قبرهما‪:‬‬
‫)‬ ‫(‬
‫‪.‬‬ ‫علٌه وسلم‪ ( :‬استؤذنت ربً عز وجل أن أزور قبرها فؤذن لً‪ ،‬واستؤذنته أن أستغفر لها فلم ٌؤذن لً)‬

‫كثٌرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وروى الحافظ ابن الجوزي بسنده عن الفضل بن موفق‪ ،‬قال‪ " :‬كنت آتً قبر أبً‬
‫فؤرٌته فً المنام‪ ،‬فقال‪ٌ :‬ا بنً لِ َم َل ْم تؤتنً‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ٌ :‬ا أبه‪ ،‬وإنك لتعلم بً؟ قال‪ :‬إي‬

‫) شعب اإليماف للبيهقي ‪.)7585 (335 /10‬‬ ‫(‬

‫)‬ ‫(‬
‫سن كال عيف المقبوؿ إف شاء اهلل‬
‫الح ى‬
‫سنن أبي داكد ( ‪ ،)5142‬كسنن ابن ماجو ( ‪ .)3664‬كالحديث يدكر بين ى‬
‫‪ ،1244 /3‬كىامش جامع األصوؿ في أحاديث الرسوؿ‬ ‫تعالى‪( .‬كانظر‪ :‬ت ريج أحاديث تاب إحياء علوـ الدين‬
‫‪.407 /1‬‬
‫) ابن حباف في صحيحو ( ‪ ،)432‬كأبو يعلى في مسنده ( ‪ ،)5669‬كقاؿ شعيب األرنؤكط في تحقيقو لصحيح ابن‬ ‫(‬

‫حباف ( ‪ :)175 /2‬إسناده صحيح على شرط الب ارم ‪ .‬كقاؿ األلباني في صحيح الترغيب كالترىيب ( ‪:)332 /2‬‬
‫حسن‪.‬‬
‫)صحيح مسلم( ‪.)2552‬‬ ‫(‬

‫) الحائ ‪ :‬الجدار؛ ألنو يحوط ما فيو‪ ،‬كالم راؼ‪ :‬ىو الحائ من الن ل أك البستاف المثمر‪ ،‬كالم راؼ‪ :‬المثمرة‪،‬‬ ‫(‬

‫سماىا م رافنا؛ لما ي ترؼ منها‪ .‬انظر‪ :‬النهاية في غريب الحديث البن األثير (‪.)24 /2‬‬
‫) صحيح الب ارم( ‪.)2756‬‬ ‫(‬

‫) سنن أبي داكد( ‪.)3234‬كسنن النسائي( ‪.)2034‬كسنن ابن ماجو ( ‪ ،)1572‬كصححو األلباني‪.‬‬ ‫(‬
‫وهللا‪ ،‬إنك لتؤتٌنً فما أزال أنظر إلٌك من حٌن تطلع من القنطرة‪ ،‬حتى تقعد إلً وتقوم‬
‫من عندي‪ ،‬فال أزال أنظر إلٌك مول ًٌا حتى تجوز القنطرة "( )‪.‬‬
‫ثم روى الحافظ ابن الجوزي بسنده عن عثمان بن سودة الطفاوي‪ ،‬وكانت أمه من العابدات‪ٌ ،‬قال لها راهبة‪،‬‬
‫قال‪ ":‬لما احتضرت رفعت رأسها إلى السماء‪ ،‬فقالت‪ٌ :‬ا ذخري وذخٌرتً‪ ،‬وٌا من علٌه اعتمادي فً حٌاتً وبعد موتً‪،‬‬
‫ال تخذلنً عند الموت‪ ،‬وال توحشنً فً قبري‪ ،‬قال‪ :‬فماتت‪ ،‬فكنت آتٌها فً كل جمعة‪ ،‬فؤدعو لها‪ ،‬وأستغفر لها وألهل‬
‫القبور‪ ،‬قال‪ :‬فرأٌتها ذات لٌلة فً منامً‪ ،‬فقلت‪ٌ :‬ا أماه‪ ،‬كٌف أنت؟ قالت‪ :‬أي بنً‪ ،‬إن للموت لكربة شدٌدة‪ ،‬وأنا بحمد‬
‫هللا لفً برزخ محمود‪ ،‬نفترش فٌه الرٌحان‪ ،‬ونتوسد فٌه السندس واإلستبرق إلى ٌوم النشور‪ ،‬فقلت‪ :‬ألك حاجة؟ قالت‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬ال تدع ما أنت علٌه من زٌارتنا والدعاء لنا‪ ،‬فإنً ألبشر بمجٌئك ٌوم الجمعة إذا أقبلت من عند أهلك‪ٌ ،‬قال لً‪ٌ :‬ا‬
‫راهبة‪ ،‬هذا ابنك قد أقبل من أهله زائرً ا لك‪ ،‬فؤُسرُّ بذلك‪ ،‬وٌسر بذلك من حولً من األموات (" )‪.‬‬

‫فبر الوالدٌن ٌكون فً حٌاتهما وبعد موتهما‪ ،‬فمن فاته اإلحسان إلى والدٌه فً حٌاتهما فقد جعل هللا له ذلك‬
‫بعد موتهما‪ ،‬سواء كان ذلك بالصدقة علٌهما‪ ،‬أو االستغفار‪ ،‬والدعاء‪ ،‬وقضاء الدٌون‪ ،‬والنذور‪ ،‬والكفارات‪ ،‬أو إنفاذ‬
‫عهدهما من بعدهما‪ ،‬أو صلة الرحم التً ال توصل إال بهما‪ ،‬أو صلة أهل ودهما‪ ،‬أو غٌر ذلك من أنواع البر واإلحسان‬
‫إلٌهما‪.‬‬

‫وبعد‪:‬‬

‫فمن هذه الوقفة السرٌعة مع حقوق الوالدٌن ٌتجلى لنا مدى تعظٌم اإلسالم لحقهما‪ ،‬واحترامه لهما‪ ،‬ونسؤل‬
‫هللا تعالى بحق أسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن ٌعٌننا على بر والدٌنا أحٌا ًء وأموا ًتا‪ ،‬وأن ٌجعل ذلك فٌنا وفً أوالدنا‬
‫إلى ٌوم القٌامة‪ ،‬وصلى هللا وسلم وبارك على نبٌنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعٌن‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب‬
‫العالمٌن‪.‬‬

‫) البر كالصلة البن الجوزم (ص‪.)140 :‬‬ ‫(‬

‫)‬ ‫(‬
‫المرجع السابق‪.‬‬
‫املثحث انراتع‪ :‬حك املعاهذٍَ‬
‫واملسرأيُني وانعًال واملسرخذيني‬
‫وفُه يطهثاٌ‬

‫املطهة األول ‪ :‬حك املعاهذٍَ واملسرأيُني‬


‫د‪ .‬عثذ اجلثار املراٍَ‬

‫املطهة انثاٍَ‪ :‬حك انعًال واملسرخذيني‬


‫د‪ .‬عثذ انرىاب حسٍ حمًذ‬
‫املطهة األول ‪ :‬حك املعاهذٍَ واملسرأيُني‬

‫عت ًملىلي يهم ًككبىلي يهم‪ ،‬كال بد ؽبم أف‬


‫كتنو ٍ‬
‫أفكارىم ‪َّ ،‬‬
‫اختلفت ديانا يهتم ك ي‬
‫ٍ‬ ‫البشر على ىذا الكوكب قد‬
‫يعيش ي‬
‫ِّين الذم يعامل أىل اؼبلل األخرل بالعدؿ كبالقسط ال بد أف يكوف دينان عظيمان يقبلو‬‫يتعايى يشوا ‪ ،‬كإف الد ى‬
‫العالىموف إذا جاءىم ً‬
‫فاربىان ‪..‬‬

‫كاإلسالـ أصدؽ دي ون ديكن أف ينطبق عليو ىذا الوصف ‪..‬‬

‫تفاصيل ىذه اغبياةً الدنيا ‪ ،‬كمن ذلك اىتماـ‬


‫ى‬ ‫غراء تيػنىظِّ يم‬
‫كإف من عظمة ىذا الدين أنو دين ذك شريعة َّ‬
‫ىذه الشريعة بالعالقات اإلنسانية كرعايتها ؽبا ‪..‬‬

‫كمن ىذه العالقات اإلنسانية ‪ :‬عالقات اؼبسلمُت بالكفار ‪..‬‬

‫كال شك أف ىؤالء الكفار ليسوا يف سلَّ وة كاحدةو ‪ ،‬كال يىم نوعه كاح هد ‪ ،‬كقد قاؿ اهلل تعاذل يف الكفار من‬
‫أىل الكتاب ‪ ":‬لىٍي يسوا ىس ىواءن ‪[ " ..‬آؿ عمراف ‪.. "]113 :‬‬

‫بل ىم أنواع كمراتب ‪..‬‬

‫منهم القريب ‪ ،‬كمنهم البعيد ‪..‬‬

‫كمنهم العدك اللدكد ‪ ،‬كمنهم اؼبخالف الودكد ‪..‬‬

‫كنظر ‪..‬‬
‫ٍم ه‬ ‫لكل يحك ه‬
‫ك ٍّ‬

‫كالماؿ‪:‬‬
‫الكفار المعصوموا الدَّـ ى‬
‫كما يهمنا ىنا أنواعي الكفار الذين ىم معصوموا الدـ كاؼباؿ يف نظر اإلسالـ ‪..‬‬

‫كىم ثالثة أنواع ‪:‬‬

‫األكؿ ‪ :‬أىل الذمة‪..‬‬


‫الثاين ‪ً :‬‬
‫اؼبعاىدكف ‪..‬‬

‫اؼبسلم الذم دخل دار اغبرب بأماف)‪..‬‬ ‫يشًتؾ يف اسم اؼبستأمن‬ ‫ً‬
‫اؼبستأمنوف ( ي‬ ‫الثالث ‪:‬‬
‫ي‬
‫؛ لتعذر العمل باألحكاـ اػباصة هبم يف زماننا ىذا بسبب‬ ‫كلن نتكلم يف مبحثنا ىذا عن أىل الذمة‬
‫ضعف اؼبسلمُت كسيطرة األفكار الدكلية على معظم الدكؿ اإلسالمية كالعربية ‪ ،‬مع أف فيها ماليُت من‬
‫أىل الذمة !! كنصارل مصر كالشاـ (كىم باؼباليُت)‪ ،‬كاليهود الذين بىػ يقوا يف أرضهم كدل ينزحوا إذل بيت‬
‫اؼبقدس ‪ ،‬كيهود اليمن القاطنُت فيها اليوـ ‪..‬‬

‫الذمة ‪ ،‬كاؼبعاهًَدكف ‪ ،‬ك ً‬


‫اؼبستأـ ىَنوف ‪ ،‬يكلُّهم أيعطوا عهدان باألماف من اؼبسلمُت‪ ..‬كخيتلف كل‬ ‫كأىل ِّ‬
‫ى‬ ‫ي‬
‫قسم عن اآلخر يف عدد من اعبوانب كالتفاصيل اغبيكٍمية الشرعية ‪..‬‬

‫‪ -‬كألننا لن نتحدث عن أىل الذمة يف مبحثنا ىذا ‪ ،‬فال بد من التعريف هبم ىنا ؛ ليتبُت للقارئ الكرًن ي‬
‫الفرؽ بينهم‬
‫نوعي اؼبستأمنُت كاؼبعاىدين ‪..‬‬
‫كبُت ى‬

‫ألماف ىعلىى أمو ًاؽبم‬


‫االص ًطالى ًح ‪" :‬ىم الٍ يكفَّار من اليهود كالنصارل كاجملوس الذين أيعطوا عهدان من اؼبسلمُت باً ً‬‫ً‬
‫فأىل الذمة ًيف ٍ‬
‫اعبًٍزيىًة "‪..‬‬ ‫كدمائًهم ً‬
‫كدينًهم بً ٍ‬ ‫ً‬

‫فعقدىم مع اؼبسلمُت مؤب هد ‪ ،‬كىم مستوطنوف يف بالد اؼبسلمُت ‪ ،‬كيدفع القادركف منهم على القتاؿ اعبزية يف مقابل إعفائهم من‬
‫فحسب ‪..‬‬
‫ي‬ ‫القتاؿ مع اؼبسلمُت ‪ ..‬كال يكوف أىل اعبزية إال من الثالث الطوائف ‪ :‬اليهود كالنصارل كاجملوس‬

‫انظر يف تعريفهم ‪ :‬اؼبوسوعة الفقهية الكويتية ‪ 167/37‬مصطلح "مستأمن " – األلفاظ ذات الصلة – بتصرؼ يسَت ‪..‬‬
‫‪ -‬ىم باقوف يف بلدة " ريدة " مشاؿ صنعاء ‪ ..‬كعددىم ال يتجاكز الػ‪ 500‬نفس ‪..‬‬
‫الم ٍستىأ ىٍمنيو ىف‬
‫أكالن ‪ :‬ي‬
‫ً‬
‫مستأمن بكسر اؼبيم الثانية كبفتحها ‪..‬‬ ‫ً‬
‫اؼبستأمنوف صبع‬

‫ً‬
‫اؼبستأمن بكسر اؼبيم ىو طالب األماف ‪..‬‬

‫اؼبستأمن بفتح اؼبيم ىو اؼبؤ ىامن دبعٌت أنو أعطي األماف ‪..‬‬
‫ك ى‬
‫فإف‬ ‫كيف االصطالح ‪ :‬ىوالكافر اغبريب الذم يدخل دار اؼبسلمُت بأماف من غَت استيطاف ‪..‬‬
‫ذميان عليو أف يدفع اعبزية كتسرم عليو أحكاـ أىل الذمة ‪..‬‬
‫استوطن صار ِّ‬

‫كلكن قد يطلق مصطلح اؼبستأمن على اؼبسلم الذم ذىب إذل بالد الكفار بأماف ‪ ،‬كؽبذا جاء تعريف‬
‫اؼبستأمن يف اؼبوسوعة الفقهية الكويتية شامالن للمستأمن الكافر اغبريب ‪ ،‬كللمستأمن اؼبسلم ‪ ،‬كقد ركد يف‬
‫اف سواءه كاف يم ٍسلً نما أ ٍىـ كافران ىح ٍربًيًّا ‪.‬‬
‫تعريف اؼبوسوعة ‪ " :‬الٍمستىأٍ ًمن ‪ :‬من ي ٍدخل إً ٍقلًيم ىغ ًَتهً بًأىم و‬
‫ى ٍ ى‬ ‫ي ٍ ي ىٍ ى ي‬
‫ً‬
‫المستأمن ‪:‬‬ ‫ماذا يترتب على إعطاء األماف للكافر‬

‫يب ذريتً ًو كال نسائو ‪ ،‬كال غنيمة مالو ‪..‬‬


‫إذا أيعطي اؼبستأمن األماف فال جيوز قتلو كال ىسٍبيوي كال ىس ٍ ي‬
‫ىخ ىفىر‬ ‫ً‬ ‫كقد قاؿ رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كسلم ‪ " :‬كًذ َّمةي اٍلمسلً ًم ً‬
‫اى ٍم ‪ ،‬فى ىم ٍن أ ٍ‬
‫ُت ىكاح ىدةه يى ٍس ىعى هبىا أ ٍىدنى ي‬
‫يٍ ى‬ ‫ى‬
‫ؼ ىكىال ىع ٍد هؿ "‬
‫ص ٍر ه‬ ‫ً‬
‫ُت ىال يػي ٍقبى يل مٍنوي ى‬
‫ىصبىع ى‬ ‫يم ٍسلً نما فىػ ىعلىٍي ًو لى ٍعنىةي اللَّ ًو ىكالٍ ىم ىالئً ىك ًة ىكالن ً‬
‫َّاس أ ٍ ً‬

‫الغدر باؼبستأمنُت كنقض األماف الذم أعطي ؽبم إال أف ينبذ إليهم اإلماـ أك صاحب العهد‬ ‫كال جيوز ي‬
‫بأف خيربىم بأف األماف قد انتهى فيتنبهوا لذلك ‪ ..‬كما قاؿ اهلل تعاذل ‪ ":‬ىكإً َّما ىزبىافى َّن ًم ٍن قىػ ٍووـ ًخيىانىةن فىانٍبً ٍذ‬
‫اػبىائًنًُت" [األنفاؿ ‪]58 :‬‬
‫ب ٍ‬ ‫إًلىٍي ًه ٍم ىعلىى ىس ىو واء إً َّف اللَّوى ىال يًحي ُّ‬

‫تفسَت ؼبعناهي ‪ ،‬إال ما كاف من اسم الفاعل كاسم اؼبفعوؿ حبسب‬ ‫ً‬
‫‪ -‬ىذا اؼبصطلح مصطلح فقهي ‪ ،‬كدل يرد يف كتب اللغة ه‬
‫قواعد النحو كالصرؼ ‪..‬‬
‫‪ -‬أحكاـ أىل الذمة البن القيم ‪.. 874/2‬‬
‫‪ -‬اؼبوسوعة الكويتية ‪ 168/37‬مصطلح "مستأمن " بتصرؼ يسَت ‪..‬‬
‫‪ -‬بدائع الصنائع ‪ ، 107 / 7‬كالشرح الصغَت ‪ ، 288 / 2‬كركضة الطالبُت ‪ ، 281 / 10‬ككشاؼ القناع ‪. 104 / 3‬‬
‫‪ -‬صحيح البخارم رقم ‪ 6755‬دار طوؽ النجاة ‪ ،‬كمسلم رقم ‪ 470‬ترقيم ؿبمد فؤاد عبدالباقي ‪.‬‬
‫من ي ً‬
‫عطي األماف ‪:‬‬‫ىٍ ي‬

‫اإلماـ أفرادان أك‬


‫فيؤم ين ي‬
‫أصبع الفقهاء على أف صاحب اغبق يف إعطاء األماف ىو اإلماـ اؼبسلم أك نائبو ِّ‬
‫و‬
‫حكومات دكؿ أخرل لتأمُت رعاياىا ‪ ،‬أك يعقد عهد األماف لقليل من الكفار احملاربُت أك‬ ‫يعقده مع‬
‫لكثَت منهم ‪،‬إذا كاف يف ذلك مصلحة للمسلمُت‪..‬‬

‫كيرل صبهور الفقهاء كذلك أف األمَت ديكن دينح األماف ألىل بلدة موازية للبلدة اليت حيكمها ‪..‬‬

‫كيرل صبهور الفقهاء أف اؼبسلم الواحد يصح أف يعطي األماف لعدد ؿبصور كأىل قرية أك حصُت‬
‫صغَت ‪ ،‬أما تأمُت العدد الكبَت فهو من حق اإلماـ ‪ ..‬ألف تأمُت اؼبسلم الواحد للعدد الكبَت من‬
‫اؼبستأمنُت فيو ذباكز على حق اإلماـ ‪..‬‬

‫الحكمة من األماف ‪:‬‬

‫استى ىج ىارىؾ فىأ ًىج ٍرهي ىح َّىت‬ ‫ً‬ ‫بُت اهلل تعاذل اغبكمة من إعطاء األماف فقاؿ سبحانو‪" :‬كإً ٍف أ ً‬
‫ىح هد م ىن الٍ يم ٍش ًرك ى‬
‫ُت ٍ‬ ‫ى ى‬
‫يسمع ىك ىالـ اللَّ ًو يمثَّ أىبٍلً ٍغوي مأٍمنىوي ىذلً ى ً‬
‫ك بأىنػ ي‬
‫َّه ٍم قىػ ٍوهـ ىال يىػ ٍعلى يمو ىف " [التوبة ‪]6 :‬‬ ‫ىى‬ ‫ىٍىى ى‬

‫اؼبؤمنُت إذل اهلل كإظباعو آيات اؽبدل ‪..‬‬


‫كاؽبدؼ كما ىو كاضح من اآلية تقريب ىؤالء َّ‬

‫يجب على المسلمين جميعان االلت اـ بأماف اإلماـ أك نائبو ‪:‬‬

‫كإذا كقع األما يف من اإلماـ أك نائبو أك من غَته بشركطو كجب على اؼبسلمُت صبيعان الوفاء بو ‪ ،‬فال جيوز‬
‫قتل اؼبستأمنُت ‪ ،‬كال سبيهم ‪ ،‬كال أخذ شيء من أمواؽبم ‪ ،‬كال التعرض لعصمتهم ‪ ،‬كال أذيتهم بغَت كجو‬
‫شرعي ‪..‬‬

‫‪ ،‬كيسرم ىذا األماف إذل أىل اؼبستأمن كما معو من ماؿ إذا كانا معو يف بالد اإلسالـ ‪ ..‬إال أف يشًتط‬
‫‪..‬‬ ‫صاحب األماف‬

‫‪ -‬اؼبغٍت ‪ ، 398 / 8‬كانظر اؼبوسوعة الفقهية الكويتية ‪..)169 / 37( -‬‬

‫‪ -‬الشرح الصغَت ‪ ، 286 ، 285 / 2‬كركضة الطالبُت ‪ ، 278 / 10‬ككشاؼ القناع ‪ ، 105 / 3‬كفتح القدير ‪298 / 4‬‬
‫‪ ، 300 ، 299 ،‬كانظر اؼبوسوعة الفقهية الكويتية ‪)169 / 37( -‬‬
‫ٍم ٍرأىة المسلمة أف تمنح األماف ‪:‬‬
‫ىل يصح لل ى‬

‫يرل صبهور الفقهاء إذل أنو يصح للمرأة اؼبسلمة أف سبنح األماف لكاف ور مستدلُت بقولو صلى اهلل عليو‬
‫كسلم ‪ " :‬قد أىجرنىا من أىجر ً‬
‫ت يىا أ َّيـ ىىانئ " متفق عليو‬ ‫ىٍ‬ ‫ى‬

‫نائب ًَق ‪ ،‬فلها أف سبنح األماف ؼبن شاءى ٍ‬


‫ت‬ ‫كبعض الفقهاء جعل أماف اؼبرأة موقوفان على إجازةً ً‬
‫اإلماـ أك ً‬
‫اإلماـ لو أف يجي ىيزهي أكال جييزه‪..‬‬
‫ابتداءن ‪ ،‬كلكن ى‬

‫مدة األماف ‪:‬‬

‫كثَته من الفقهاء يقولوف إف األماف ال ينبغي أف يكوف أكثر من سنة ‪ ،‬ىكحدَّهي بعضهم بشهرين ‪،‬‬
‫كبعضهم قاؿ ‪ :‬يشًتط أف ال يزيد على أربعة أشهر ‪،‬كقاؿ اغبنابلة ال بأس أف يصل إذل عشر سنُت‬
‫‪..‬‬

‫كاليوـ صار يف العر ً‬


‫ؼ الدَّكرل ‪ :‬أف ىسرياف العالقات الدبلوماسية كالتجارية بُت البلداف دبثابة عقد األماف‬ ‫يٍ‬
‫اؼبتجدد الذم ال يحيدَّد و‬
‫بوقت فال جيوز اإلخالؿ بو‪..‬‬ ‫ى ي‬

‫فإف أخل بو اؼبستأمنوف أنفسهم ؛ فإف اغبق لإلماـ كحده أك لنائبو أف يينهي ىذا األماف ‪ ،‬كأف ينبذ إليهم‬
‫بإخبارىم برغبتو بأف ال يتواجدكا يف أرضو كأف خيرجوا منها ‪..‬‬

‫‪..‬‬ ‫كيف القاعدة الفقهية أف " اؼبعركؼ يعرفان كاؼبشركط شرطان "‬

‫‪ -‬كشاؼ القناع ‪ ، 107 / 3‬كمغٍت احملتاج ‪. 238 / 4‬‬

‫‪ -‬صحيح البخارم رقم ‪ ، 357‬كمسلم رقم ‪.. 336‬‬


‫‪ -‬اؼبغٍت البن قدامة ‪ ، 397 / 8‬بدائع الصنائع للكاساين ‪.. 107 ، 106 / 7‬‬

‫‪ -‬كشاؼ القناع (‪ ، )43/3‬كاؼبوسوعة الفقهية الكويتية (‪.. )176-175/7‬‬


‫‪ -‬شرح القواعد الفقهية للزرقا – القاعدة الثانية كاألربعوف – اؼبادة ‪ : 43‬اؼبعركؼ عرفا كاؼبشركط شرطان ‪..‬‬
‫متى يصير األما يف الغيان ‪:‬‬

‫ينتقض األما يف بأمور منها ‪:‬‬

‫‪ -1‬إذا رأل إماـ اؼبسلمُت أنو ال مصلحة يف ىذا العقد ‪ ،‬فعليو أف خيرب ىمن أعطاىم األماف ‪ ،‬بأف ىذا‬
‫يد إّناءه ‪ ،‬كال جيوز التعرض للمستأمنُت قبل إخبارىم بوضوح ‪ ،‬كال يصح يف ديننا‬ ‫العقد ال يلزمو كأنو ير ي‬
‫اػبىائًنًُت" [األنفاؿ ‪:‬‬
‫ب ٍ‬ ‫الغدر كال اػبيانة ؛ لقولو سبحانو كتعاذل ‪ ":‬فىانٍبً ٍذ إًلىٍي ًه ٍم ىعلىى ىس ىو واء إً َّف اللَّوى ىال يًحي ُّ‬
‫ي‬
‫‪.. ]58‬‬

‫‪ -2‬رغبةي الٍ يم ٍستىأٍ ًم ًن يف إلغاء عقد األماف ‪:‬‬

‫أصبع علماءي اإلسالـ على أف اؼبستأمن إذا رغب يف نبذ عهد األماف كإلغائو ‪ ،‬كأخرب عن رغبتو بوضوح‬
‫كجب على اؼبسلمُت تبليغو اؼبأمن ‪ ،‬كال يتعرض ؼبا معو بشيء‬

‫‪..‬‬ ‫‪ -3‬انقضاء مدة األماف إذا كاف ؿبدكدان و‬


‫بوقت معلوـ لدل اعبميع‬

‫ٍم ٍستىأ ًٍم ين ًم ىن الٍ ىك ٍن ً ىكال ىٍم ٍع ًد ًف( كالنف من المعدف ) ‪:‬‬ ‫ً‬
‫ىما يى ٍستىح ُّقوي ال ي‬

‫إذا عمل اؼبستأمن يف استخراج اؼبعادف (كمنها النفط ) فإنو يستحق ما حصل االتفاؽ عليو مع اإلماـ ‪،‬‬
‫كيف اؼببسوط للسرخسي من اغبنفية ‪ ":‬يؤخذ منو اػبي يمس ‪ ،‬كما بقي فهو لو (أم أربعة أطباس )؛ ألف‬
‫‪..‬‬ ‫اإلماـ شرط لو ذلك ؼبصلحة "‬

‫ً‬
‫للمستأمن فإنو جائز من باب أكذل ‪..‬‬ ‫فإذا اتفقوا على أقل من ذلك‬

‫‪ -‬ركضة الطالبُت ‪ ، 290 - 281 / 10‬كمغٍت احملتاج ‪. 238 / 4‬‬


‫‪ -‬بدائع الصنائع للكاساين ‪ ،107 / 7‬كالقوانُت الفقهية ‪ ، 160‬كركضة الطالبُت ‪ ، 290 ، 281 / 10‬ككشاؼ القناع ‪3‬‬
‫‪. 111 ، 106 /‬‬
‫‪ -‬اؼببسوط للسرخسي ‪215/2‬ػ‪ ، 216‬كانظر اؼبوسوعة الفقهية الكويتية ‪188/37‬‬
‫المس ً‬
‫ػتأم ين المسلم ‪:‬‬

‫حيرـ عليو خيانتهم فال يتعرض لشيء من أمواؽبم كدمائهم‬ ‫و‬


‫اؼبسلم دار الكفار بأماف فإنو ي‬ ‫ي‬ ‫إذا دخل‬
‫ُت " [األنفاؿ ‪ ، ]58 :‬كلقوؿ النيب صلى اهلل‬‫ب ٍ ًً‬ ‫كفركجهم ؛ ألف اهلل عز كجل قاؿ ‪ ":‬إً َّف اللَّوى ىال يًحي ُّ‬
‫اػبىائن ى‬
‫عليو كسلم ‪ ":‬اؼبسلموف على شركطهم " ‪..‬‬

‫نوع من أنواع اؼبعامالت اليوـ اليت ذبريها الدكؿ كاغبكومات اليوـ إلدخاؿ غَت مواطنيها يعترب‬
‫كأم و‬
‫عقد و‬
‫أماف يلزـ دبوجبو أف يكوف الداخل إذل ديارىم مستأمنان ال جيوز لو اإلخالؿ بعقد األماف الذم‬
‫أدخلوه بو ‪..‬‬

‫كال يصلح يف دين اؼبسلمُت الغدر ‪..‬‬

‫فإف خاف اؼبسلم أكلئك الكفار يف و‬


‫ماؿ كجب عليو ُّرده إذل أصحابو ‪..‬‬ ‫ي‬
‫اى يدك ىف‬
‫الم ىع ى‬
‫ثانيان ‪ :‬ي‬

‫اؼبعاىد نسبة إذل العهد‪..‬‬


‫معاىد‪ ،‬ك ى‬
‫اؼبعاىدكف‪ :‬صبع ى‬
‫ى‬

‫كمن معانيو يف اللغة‪ :‬اليمُت ‪ ،‬كاألماف كاؼبوثق‪ ،‬كالوصية ؛ ألنو فبا ينبغي االحتفاظ بو كاغبفاظ عليو‪.‬‬

‫كيف االصطالح ‪ :‬الصلح(اؽبدنة) على ترؾ القتاؿ ؼبدة معينة سواءه كاف ذلك بعوض أـ بغَت عوض‪.‬‬

‫ماذا يترتب على الهدنة ‪:‬‬

‫"يًتتب على اؼبوادعة أك اؽبدنة إّناء اغبرب بُت اؼبتحاربُت‪ ،‬كيأمن األعداء ػ كما يف عقد األماف ػ على‬
‫أنفسهم كأمواؽبم كنسائهم كأكالدىم؛ ألف اؼبوادعة عقد أماف أيضان‪ ،‬كبناء عليو جيب كف أذانا أك أذل‬
‫‪.‬‬ ‫الذميُت عنهم حىت يتأتى ناقض للعهد منهم "‬

‫‪ -‬سنن أيب داكد رقم ‪ – 3569‬ط دار إحياء الًتاث العريب – مع تعليقات األلباين ‪ ،‬كقاؿ صحيح ‪..‬‬
‫‪ -‬مادة (عهد) يف‪ :‬لساف العرب ‪3‬البن منظور ‪ ،312/‬كمعجم مقاييس اللغة البن فارس ‪.. 137/4‬‬

‫‪ -‬اؼبغٍت ‪ 238/9‬البن قدامة ‪ ،‬كبدائع الصنائع للكاساين ‪..108/7‬‬


‫ي‬
‫كجيب ؽبم الوفاء بشركط اؽبدنة الصحيحة شرعان‪ .‬كال يوىف ؽبم بالشركط الباطلة كاشًتاط إعادة النساء‬
‫اؼبسلمات إليهم ‪.‬‬

‫الفرؽ بين الهدنة للمعاىدين كاألماف العاـ للمستأمنين‪:‬‬

‫‪ -1‬أف اؽبدنة معاىدة بُت دكلتُت على إّناء القتاؿ كتوفَت السالـ يف صبيع أكباء الدكلة‪..‬‬

‫أما األماف العاـ فهو اتفاؽ الدكلة مع صباعة غَت ؿبصورة على اؼبساؼبة كمنح األماف يف بلد أك إقليم‬
‫معُت‪.‬‬

‫‪ -2‬أف اؽبدنة طريق إلّناء اغبرب بُت اؼبسلمُت كغَتىم‪ ،‬كأما األماف العاـ فهو لتأمُت صباعة كلو يف أثناء‬
‫اغبرب‪.‬‬

‫ً‬ ‫‪ -3‬أف اإلجابة لطلب األماف كاجبة‪ ،‬لقولو تعاذل‪ :‬فقاؿ سبحانو‪" :‬كإً ٍف أ ً‬
‫استى ىج ىارىؾ‬ ‫ىح هد م ىن الٍ يم ٍش ًرك ى‬
‫ُت ٍ‬ ‫ى ى‬
‫فىأ ًىجرهي ح َّىت يسمع ىك ىالـ اللَّ ًو يمثَّ أىبٍلً ٍغوي مأٍمنىوي ىذلً ى ً‬
‫ك بأىنػ ي‬
‫َّه ٍم قىػ ٍوهـ ىال يىػ ٍعلى يمو ىف " [التوبة ‪]6 :‬‬ ‫ىى‬ ‫ٍ ى ىٍىى ى‬

‫أما اإلجابة لطلب اؽبدنة فمباحة جائزة غَت كاجبة بشرط مراعاة اؼبصلحة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ -4‬إذا بطل أماف رجاؿ دل يبطل أماف نسائهم كالصبياف‪ ،‬كإذا انتقضت اؽبدنة انتقض أماف صبيع‬
‫اؼبهادنُت‪.‬‬

‫مسوغات عقد الهدنة كإبراـ العهد مع الدكلة الكافرة ‪:‬‬

‫يتفق الفقهاء أف شرط مشركعيتها أف يكوف اؼبسلموف يف حاؿ ضعف‪ ،‬كالكفار أقوياء ‪..‬‬

‫‪ -‬آثار اغبرب لألستاذ أيب األعلى اؼبودكدم ص‪ ، 686 -682‬نقلو الزحيلي يف كتابو الفقو اإلسالمي كأدلتو ‪ - 29/8‬دار‬
‫الفكر ‪ -‬سوريَّة – دمشق – ط‪.. 4‬‬

‫‪ -‬الزحيلي يف كتابو الفقو اإلسالمي كأدلتو ‪ - 29/8‬دار الفكر ‪ -‬سوريَّة – دمشق – ط‪.. 4‬‬

‫‪ -‬الفقو اإلسالمي كأدلتو ‪.. 30-28/8‬‬


‫تسوغي إبراـ العهد مع الدكلة احملاربة ‪ ،‬كىو صورة من‬
‫كاغبقيقة أف ىذا الشرط حالةه من اغباالت اليت ِّ‬
‫صور اؼبصلحة من عقد اؽبدنة ‪..‬‬

‫كاؼبصلحة من عقد اؽبدنة كما تتحقق حاؿ ضعفنا‪ ،‬فإّنا تتحقق بأغراض أخرل ‪:‬‬

‫‪-‬كرجاء إسالـ الكفار‪..‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪ -‬أك عقد الذمة فيأتوف إلينا كيدخلوف ربت طاعتنا ‪..‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪-‬أك التعاكف معهم لدفع عدكاف غَتىم‪..‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪-‬أك إلقرار السالـ‪..‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪-‬أك لتبادؿ اؼبنافع االقتصادية ككبوىا‬ ‫‪5‬‬
‫المقابل المالي في المعاىدة إذا اف في ذل مصلحة للمسلمين ‪:‬‬

‫كال بأس بأف يتم الصلح على عوض مارل يدفعو اؼبسلموف إذل الكفار عند االضطرار‪،‬أك يدفعو األعداء‬
‫للمسلمُت إذا كاف يف الدفع مصلحة للمسلمُت؛ ألف اهلل تعاذل أباح لنا الصلح مطلقان يف قولو ‪ :‬ىكإً ٍف‬
‫الس ًم ً‬ ‫ًً‬ ‫ىجنى يحوا لً َّ‬
‫يم (‪[ )61‬األنفاؿ ‪]61 :‬‬ ‫اجنى ٍح ىؽبىا ىكتىػ ىوَّك ٍل ىعلىى اللَّو إنَّوي يى ىو َّ ي‬
‫يع الٍ ىعل ي‬ ‫لس ٍل ًم فى ٍ‬

‫فيجوز دبقابل مارل أك بغَت مقابل ؛ كألف اؼبقصود من الصلح ىو دفع الشر كاػبطر‪ ،‬فيجوز بأية كسيلة‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫كىذا باتفاؽ الفقهاء‬

‫على اإلماـ حماية المعاىدين ك ماف أموالهم إذا اعتدل رعاياه عليها‪:‬‬

‫قاؿ ابن قدامة رضبو اهلل‪" :‬كإذا عقد اؽبدنة فعليو (أم على اإلماـ أك نائبو) ضبايتهم من اؼبسلمُت كأىل‬
‫الذمة ؛ ألنو آمنهم فبن ىو يف قبضتو كربت يده ‪ ،‬كما أمن من يف قبضتو منهم ‪ ،‬كمن أتلف من‬
‫اؼبسلمُت أك من أىل الذمة عليهم شيئا فعليو ضمانو"‬

‫‪ -‬بدائع الصنائع للكاساين ‪ ، 108/7‬كالفقو اإلسالمي كأدلتو للزحيلي ‪.. 28/8‬‬


‫‪-‬الفقو اإلسالمي كأدلتو للزحيلي ‪ .. 28/8‬كانظر بدائع الصنائع للكاساين ‪.. 109/7‬‬
‫‪ -‬المغني البن قدامة ‪.. 318 /8‬‬
‫الهدنة ‪:‬‬ ‫بماذا تنتق‬

‫اختلف الفقهاء يف نواقض اؽبدنة ‪ ،‬كلكن أىم النواقض اليت كردت يف كالمهم ‪:‬‬

‫‪- 1‬اػبيانة ‪ ،‬كىي كل ما ناقض العهد كاألماف ‪ ،‬أك أخل بشرط من شركطو‪.‬‬
‫‪- 2‬تنتقض دبقاتلة اؼبعاىدين للمسلمُت أك دبناصرهتم لعدك آخر على اؼبسلمُت ‪ ،‬أك قتل اؼبسلمُت‬
‫‪ ،‬أك أخذ أمواؽبم بغَت حق ‪..‬‬
‫كال يصلح آلحاد اؼبسلمُت نقض اؽبدنة من تلقاء نفسو باجتهاده ‪..‬بل ذلك راجع إذل اإلماـ ‪ ،‬كللدكلة‬
‫كحدىا تقدير التصرؼ اؼبالئم ؼبصلحة اؼبسلمُت ‪..‬‬

‫الهدنة ‪:‬‬
‫مدة ي‬

‫أكثر الفقهاء على أف عقد الصلح مع العدك ال بد من أف يكوف مقدران دبدة معينة‪ ،‬فال تصح اؼبهادنة إذل‬
‫األبد من غَت تقدير دبدة‪ ،‬كإَنا ىي عقد مؤقت‪..‬‬

‫كلكن إذا انتهت مدة اؽبدنة كاغباجة باقية فإف ذبديد عقد اؽبدنة جائز ‪..‬‬

‫أما الراجح – كاهلل أعلم ‪ -‬فإنو ليس للهدنة مدة معينة‪ ،‬إَنا تقدير اؼبدة راجع إذل اجتهاد اإلماـ قدر‬
‫‪.‬‬ ‫اغباجة؛ ألف اؼبهادنة عقد جاز ؼبدة عشر سنُت‪،‬فتجوز الزيادة عليها كعقد اإلجارة‬

‫الترىيب الشديد من ظلم المعاىدين ك المستأمنين كأىل الذمة ‪:‬‬

‫‪ ‬أىل الذمة ‪ ،‬كىم مواطنوف يف الدكلة اإلسالمية كربت ضبايتها بعقد مؤبد ‪ ،‬كيدفعوف اعبزية ‪،‬‬
‫قد أعطوا عهدان باألماف ‪..‬‬
‫‪ ‬كاؼبستأمنوف ‪ :‬كىم حربيوف أعطوا عهدان باألماف ؼبدة مؤقتة ‪ ،‬أك عهدان شبو دائم كلكن من غَت‬
‫قصد االستيطاف ‪ ،‬كالبعثات الدبلوماسية ‪ ،‬كالعاملُت يف الشركات ‪ ،‬كالزائرين لبالدنا ‪ ،‬كغَتىم‬
‫‪ ،‬قد أعطوا عهدان باألماف ‪..‬‬
‫سلطات الدكلة اإلسالمية مع دكلتهم ىدنةن كصلحان عامان‬
‫ي‬ ‫‪ ‬كاؼبعاىدكف ‪ :‬كىم حربيوف عقدت‬
‫لكف اغبرب ‪ ،‬قد أعطوا عهدان باألماف ‪..‬‬

‫‪ -‬الفقو اإلسالمي كأدلتو ‪.. 31/8‬‬


‫‪ -‬كىو رأم اغبنفية كاؼبالكية ‪ ،‬انظر الفقو اإلسالمي كأدلتو ‪..33/8‬‬
‫ىؤالء كلهم أىل عهد ‪ ،‬كىم كلهم أىل أماف ‪ ،‬تشملهم أحاديث رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو كسلم يف‬
‫عدـ جواز نقض العهد الذم أبرـ من أجلهم أك اإلخالؿ بو ‪..‬‬

‫كىي أحاديث شديدة الوعيد ‪ ،‬رىيبة العاقبة ‪..‬‬

‫كمن ىذه األحاديث ‪:‬‬

‫‪- 1‬عن عبد اهلل بن عمرك رضي اهلل عنهما‪ ،‬عن النيب صلى اهلل عليو كسلم قاؿ‪(( :‬من قتل معاىدا‬
‫"‬
‫دل يرح رائحة اعبنة‪ ،‬كإف رحيها توجد من مسَتة أربعُت عاما‬
‫كاؼبقصود بػ" اؼبعاىد يف ىذا اغبديث الكافر الذم أعطاه اؼبسلموف أك إمامهم عهدان باألماف ‪،‬‬
‫كيشمل ‪ :‬أىل الذمة ‪ ،‬كاؼبستأمنُت ‪ ،‬كأىل الصلح كاؽبدنة ‪..‬‬

‫‪ ،‬كمرةن‬ ‫كؽبذا َّنوع البخارم تبويبو ؽبذا اغبديث ‪ ،‬فمرةن َّبوب لو ب" باب إمث من قتل معاىدان ‪"...‬‬
‫" باب إمث من قتل ذميان بغَت حق " ‪..‬‬

‫وؿ اللَّ ًو ‪-‬صلى اهلل عليو كسلم‪ -‬ىع ٍن‬ ‫اب رس ً‬ ‫ىخبػرهي ًع َّدةه ًمن أىبٍػنى ًاء أ ٍ ً‬ ‫و‬
‫ىص ىح ى ي‬ ‫ٍ‬ ‫ص ٍف ىوا ىف بٍ ىن يسلىٍيم أنو أ ٍ ى ى‬
‫‪ -2‬عن ى‬
‫صوي ‪ ،‬أ ٍىك ىكلَّ ىفوي فىػ ٍو ىؽ‬ ‫ً‬ ‫وؿ اللَّ ًو ‪-‬صلى اهلل عليو كسلم‪ -‬قى ى‬ ‫آبائً ًهم ىعن رس ً‬
‫اؿ " أىالى ىم ٍن ظىلى ىم يم ىعاى ندا ‪ ،‬أى ًك انٍػتىػ ىق ى‬ ‫ى ٍ ٍ ىي‬
‫يجوي يىػ ٍوىـ الٍ ًقيى ىام ًة "‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يب نػى ٍف و‬
‫س ‪ ،‬فىأىنىا ىحج ي‬ ‫ىخ ىذ ًمٍنوي ىشٍيئنا بًغى ًٍَت ًط ً‬ ‫ًً‬
‫طىاقىتو ‪ ،‬أ ٍىك أ ى‬

‫‪-‬البخارم – رقم‪.. 3166‬‬


‫‪-‬السابق نفسو‪..‬‬
‫‪-‬البخارم – رقم اغبديث ‪.. 6914‬‬
‫‪ -‬أخرجو أبو داككد رقم ‪ – 3054‬دار العريب – بَتكت ‪ ،‬كنشرتو كزارة األكقاؼ اؼبصرية ‪ ،‬كأخرجو النسائي يف الكربل رقم‬
‫‪ ، 18511‬ف ‪ :‬مكتبة دار الباز – مكة اؼبكرمة ‪1414‬ىػ ‪ ،‬ربقيق ؿبمد عبدالقادر عطا ‪ ..‬كقاؿ األلباين ‪ :‬صحيح ‪.‬‬
‫املطهة انثاٍَ‪ :‬حك انعًال واملسرخذيني‬

‫اإلسالـ دين العدؿ كاغبق‪ ،‬كفل لكل إنساف يف الوجود حقو‪ ،‬كألزمو من الواجبات‪ ،‬كمن طوائف اجملتمع‬
‫الذين اىتم دبا ؽبم من حقوؽ كما عليهم من كاجبات طائفة العماؿ كاؼبستخدمُت‪ ،‬كسوؼ نبُت يف ىذه‬
‫الصفحات حقوؽ ىؤالء العماؿ كاؼبستخدمُت حىت يقوـ كل فرد من أفراد اجملتمع هبذه اغبقوؽ‪ ،‬كحىت‬
‫نرل عظمة ديننا يف اىتمامو بكل طوائف اجملتمع‪.‬‬
‫أكال ػ ػ اىتماـ اإلسالـ بالعمل كالعماؿ‪:‬‬
‫كرمهم أحسن تكرًن‪ ،‬كمن مظاىر ىذا االىتماـ‬
‫اىتم اإلسالـ بالعمل كالعماؿ اىتمامان بالغان‪ ،‬ك ٌ‬
‫ما يأيت‪:‬‬
‫‪1‬ػ ػ ػ أنو خفف عن الرسوؿ ‪ ‬كأصحابو يف قياـ الليل حىت ال يعوقهم ىذا القياـ عن العمل‪ ،‬فقد كاف‬
‫ً‬
‫ص ىفوي ىكثيػليثىوي‬ ‫وـ أى ٍدنىى م ٍن ثيػليثى ًي اللٍَّي ًل ىكنً ٍ‬ ‫القياـ كاجبا على الرسوؿ ‪ ‬قاؿ تعاذل‪‬إً َّف ىربَّ ى يىػ ٍعلى يم أىنَّ ى تىػ يق ي‬
‫ً‬ ‫ً ً َّ ً‬
‫ٍرءيكا ىما تىػيى َّس ىر‬ ‫اب ىعلىٍي يك ٍم فىاقػ ى‬ ‫صوهي فىػتى ى‬ ‫َّه ىار ىعل ىم أى ٍف لى ٍن تي ٍح ي‬ ‫ِّكر اللٍَّي ىل ىكالنػ ى‬
‫ين ىم ىع ى ىكاللَّوي ييػ ىقد ي‬
‫ىكطىائ ىفةه م ىن الذ ى‬
‫ر يىػ ٍبتىػغيو ىف ًم ٍن فى ٍ ًل اللَّ ًو‬ ‫آخ يرك ىف يى ٍ ًربيو ىف فًي ٍاأل ٍىر ً‬ ‫آف ىعلً ىم أى ٍف ىسيى يكو يف ًم ٍن يك ٍم ىم ٍر ىى ىك ى‬ ‫ًمن الٍ يقر ً‬
‫ى ٍ‬
‫الص ىالةى ىكآتيوا ال َّ ى اةى ‪،) ( ...‬فنجد‬ ‫يموا َّ‬ ‫ً ً‬ ‫آخرك ىف يػ ىقاتًليو ىف فًي سبً ً َّ ً‬
‫ٍرءيكا ىما تىػيى َّس ىر م ٍنوي ىكأىق ي‬ ‫يل اللو فىاقػ ى‬ ‫ى‬ ‫ىك ى ي ي‬
‫أف اهلل خفف عنهم يف قياـ الليل ألف منهم من يسعى يف النهار على عملو كردبا أعاقو قياـ الليل عن‬
‫القياـ بعملو فأمره اهلل أف يصلي بقدر ما تيسر لو‪.‬‬
‫‪ 2‬ػ ػ كمن اىتماـ اإلسالـ بالعمل كحثو عليو أنو أمرنا باؼبشي يف األرض كالعمل فيها لتحصيل الرزؽ‪ ،‬قاؿ‬
‫ور‪) (‬‬ ‫شي‬ ‫شوا فًي ىمنىا ًبً ىها ىكي ليوا ًم ٍن ًرٍزقً ًو ىكإًلىٍي ًو النُّ ي‬ ‫وال فى ٍام ي‬ ‫ر ذىلي ن‬ ‫ً‬
‫تعاذل‪ ‬يى ىو الَّذم ىج ىع ىل لى يك يم ٍاأل ٍىر ى‬
‫سخر لكم األرض كذلٌلها لكم‪ ،‬كجعلها سهلة لينة قابلة لالستقرار عليها‪ ،‬ال سبيد‬ ‫أم إف اهلل ىو الذم ٌ‬
‫كشق الطرؽ‪ ،‬كىيٌأ اؼبنافع‪ ،‬كأنبت فيها‬ ‫كفجر فيها الينابيع‪ٌ ،‬‬ ‫كال تضطرب‪ ،‬دبا جعل فيها من اعبباؿ‪ٌ ،‬‬
‫الزركع كأخرج الثمار‪ ،‬فسَتكا يف جوانبها كأقطارىا كأرجائها حيث شئتم حبثا عن اؼبكاسب كالتجارات‬
‫كاألرزاؽ‪ ،‬كال يغٍت السعي شيئا عن تيسَت اهلل‪ ،‬لذا قاؿ تعاذل‪ ‬ىكي ليوا ًم ٍن ًرٍزقً ًو‪ ‬أم فبا رزقكم كخلقو‬
‫لكم يف األرض‪ ،‬كم ٌكنكم من االنتفاع هبا‪ ،‬كأعطاكم القدرات على ربصيل خَتاهتا‪ ،‬مث اعلموا أنكم يف‬
‫النهاية صائركف إليو‪ ،‬فإليو النشور‪ ،‬أم البعث من قبوركم‪ ،‬ال إذل غَته‪ ،‬كإليو اؼبرجع يوـ القيامة‪ ،‬فاحذركا‬
‫الكفر كاؼبعاصي يف السر كالعلن‪.‬‬

‫( ) سورة اؼبزمل من اآلية (‪.)20‬‬


‫( ) سورة اؼبلك اآلية (‪.)15‬‬
‫كاآلية دليل على قدرة اهلل كمزيد إنعامو على خلقو‪ ،‬كعلى أف السعي كازباذ األسباب ال ينايف‬
‫التوكل على اهلل‪ ،‬كعلى أف االذبار كالتكسب مندكب إليو‪.‬‬
‫أخرج اإلماـ أضبد كالًتمذم كالنسائي كابن ماجو عن عمر بن اػبطاب ‪ ‬أنو ظبع رسوؿ اهلل ‪ ‬يقوؿ‪:‬‬
‫" لو أنكم تتوكلوف على اهلل حق توكلو‪ ،‬لرزقكم كما يرزؽ الطَت‪ ،‬تغدك طباصا‪ ،‬كتركح بطانا "( )‬
‫اؼبسَت اؼبسبٌب‪.‬‬ ‫اؼبسخر ٌ‬ ‫غدكان كركاحان‪ ،‬لطلب الرزؽ‪ ،‬مع توكلها على اهلل عز كجل‪ ،‬كىو ٌ‬ ‫فأثبت ؽبا ٌ‬
‫مر عمر بن اػبطاب ‪ ‬بقوـ‪ ،‬فقاؿ‪ :‬من أنتم؟ فقالوا‪:‬‬ ‫كأخرج اغبكيم الًتمذم عن معاكية بن ٌقرة قاؿ‪ٌ :‬‬
‫اؼبتوكلوف‪ ،‬قاؿ‪ :‬بل أنتم اؼبتأكلوف‪ ،‬إَنا اؼبتوكل رجل ألقى حبٌو يف بطن األرض‪ ،‬كتوكل على اهلل عز‬
‫كجل‪) (.‬‬
‫‪ 3‬ػ ػ ػ كمن اىتماـ اإلسالـ بالعمل أنو حث على االنتشار يف األرض بعد الفراغ من الصالة قاؿ تعاذل‪‬‬
‫ر ىكابٍػتىػغيوا ًم ٍن فى ٍ ًل اللَّ ًو ىكاذٍ ي يركا اللَّوى ى ثً نيرا لى ىعلَّ يك ٍم‬
‫الص ىالةي فىانٍػتى ًش يركا فًي ٍاأل ٍىر ً‬
‫ت َّ‬ ‫فىً ىذا قي ً ي ً‬
‫ى‬
‫ر‪‬للتجارة ك ٌ‬
‫التصرؼ‬ ‫تيػ ٍفلً يحو ىف‪) (‬أم‪ :‬إذا فعلتم الصالة ك ٌأديتموىا كفرغتم منها‪‬فىانٍػتىش يركا في ٍاأل ٍىر ً‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فيما ربتاجوف إليو من أمر معاشكم‪ ‬ىكابٍػتىػغيوا ًم ٍن فى ٍ ًل اللَّ ًو‪ ‬أم‪ :‬من رزقو الذم يتفضل بو على عباده‬
‫دبا حيصل ؽبم من األرباح يف اؼبعامالت كاؼبكاسب‪ ،‬كقيل‪ :‬اؼبراد بو ابتغاء ما عند اهلل من األجر بعمل‬
‫حيل‪ ‬ىكاذٍ ي يركا اللَّوى ى ثً نيرا‪‬أم ذكران كثَتان بالشكر لو على ما ىداكم إليو من‬ ‫الطاعات‪ ،‬كاجتناب ما ال ٌ‬
‫يقربكم إليو من األذكار‪ ،‬كاغبمد‪ ،‬كالتسبيح‪ ،‬كالتكبَت‪،‬‬ ‫الدنيوم‪ ،‬ككذا اذكركه دبا ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫اػبَت األخركم ك‬
‫كاالستغفار‪ ،‬ككبو ذلك‪ ‬لى ىعلَّ يك ٍم تيػ ٍفلً يحو ىف‪ ‬أم‪:‬كي تفوزكا خبَت الدارين كتظفركا بو ( )‪.‬‬
‫فنجد أف اهلل تعاذل حرـ البيع عند النداء لصالة اعبمعة‪ ،‬كأمر بالسعي إذل الصالة لكنو أمرنا إذا انتهينا‬
‫من صالتنا أف ننتشر‪ ،‬كنتفرؽ يف أجزاء األرض سعيا على أرزاقنا كأقواتنا كربصيل معايشنا‪.‬‬
‫كىذا عمر بن اػبطاب ‪ ‬يرل رجال جالسان يف اؼبسجد فيقوؿ لو‪ :‬من يعولك فيقوؿ أخي‪ ،‬فيقوؿ لو‪:‬‬
‫أخوؾ أعبد هلل منك‪.‬‬
‫‪ 4‬ػ ػ ػ بياف أف العمل خير من سؤاؿ الناس‪:‬‬
‫إف اإلسالـ يعرؼ للعمل كالعماؿ ىذه القيمة‪ ،‬كيكرمهم ىذا التكرًن؛ ألف العمل خَت من‬
‫وؿ اللَّ ًو ‪ ‬قى ى‬
‫اؿ‪:‬‬ ‫سؤاؿ الناس‪ ،‬ففي اغبديث الصحيح الذم أخرجو البخارم ىع ٍن أًىيب يىىريٍػىرىة ‪ ‬أ َّىف ىر يس ى‬

‫( ) أخرجو أضبد يف مسند (‪ ،)332/1‬كأخرجو الًتمذم يف سننو (‪ )573/4‬ح ‪ 2344‬كقاؿ ‪ :‬حديث حسن صحيح ‪.‬‬
‫( ) التفسَت اؼبنَت للدكتور كىبة الزحيلي(‪ )23 ،22/29‬نشر دار الفكر اؼبعاصر ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬ط الثانية ‪ 1418 ،‬ىػ‪.‬‬
‫( ) سورة اعبمعة اآلية (‪.)10‬‬
‫( ) فتح القدير للشوكاين (‪ )1492‬ط دار اؼبعرفة ‪ ،‬بَتكت‪ ،‬لبناف ط رابعة ‪1428‬ق ػ ػ ‪2007‬ـ ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً ًً‬ ‫ً‬
‫ب ىعلىى ظى ٍه ًرهً ىخٍيػهر لىوي م ٍن أى ٍف يىأًٍيتى ىر يج نال فىػيى ٍسأىلىوي‬ ‫ىكالَّذم نىػ ٍفسي بيىده ىألى ٍف يىأٍ يخ ىذ أ ى‬
‫ىح يد يك ٍم ىحٍبػلىوي فىػيى ٍحتىط ى‬
‫أ ٍىعطىاهي أ ٍىك ىمنىػ ىعوي‪) (".‬‬
‫م ‪ ‬أ َّىف نىاسا ًمن ٍاألىنٍصا ًر سأىليوا رس ى ً‬ ‫اػبي ٍد ًر ِّ‬ ‫كعن أًىيب سعً و‬
‫اى ٍم‪،‬‬‫اى ٍم ‪ ،‬يمثَّ ىسأىليوهي فىأ ٍىعطى ي‬ ‫وؿ اللَّو ‪ ‬فىأ ٍىعطى ي‬ ‫ن ٍ ى ى ىي‬ ‫يد ٍ‬ ‫ىٍ ى‬
‫ف ييعًفَّوي اللَّوي‪ ،‬ىكىم ٍن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ىح َّىت نىًف ىد ىما ًعٍن ىدهي فىػ ىق ى‬
‫اؿ ىما يى يكو يف ًعٍندم ًم ٍن ىخ ٍوَت فىػلى ٍن أ َّىد ًخىرهي ىعٍن يك ٍم‪ ،‬ىكىم ٍن يى ٍستىػ ٍعف ٍ‬
‫الص ًٍرب‪) (.‬‬ ‫ىح هد ىعطىاءن ىخٍيػنرا ىكأ ٍىك ىس ىع ًم ٍن َّ‬ ‫ً‬
‫صبِّػ ٍرهي اللَّوي‪ ،‬ىكىما أ ٍيعط ىي أ ى‬
‫ًً‬
‫يى ٍستىػ ٍغ ًن يػي ٍغنو اللَّوي‪ ،‬ىكىم ٍن يىػتى ى‬
‫صبَّػ ٍر يي ى‬
‫فالنيب ‪ ‬يعلمهم أف االستعفاؼ عن اؼبسألة‪ ،‬كاالعتماد على النفس خَت من سؤاؿ الناس؛ ألف السؤاؿ‬
‫ذؿ لإلنساف كإىدار لكرامتو ‪ ،‬كلن يكوف لألمة كرامة بُت األمم كرفعة إال إذا اعتمدت على صنع أيديها‬
‫كاكتفاءىا الذايت‪ ،‬كلن يكوف ؽبا ذلك إال باىتمامها بالعمل كرفع مكانة العماؿ حىت يكوف قرارىا ذاتيا‪،‬‬
‫كما أصبل ىذه العبارة لفضيلة الشيخ ؿبمد متورل الشعراكم" ال يكوف كالمنا من رأسنا إال إذا كاف‬
‫طعامنا من فأسنا" لن يديلي علينا من الغرب أك من الشرؽ أم رأم إذا اعتمدنا على أنفسنا‪.‬‬
‫‪ 5‬ػ ػ ع ٌد اإلسالـ العمل نوعا من أنواع الجهاد في سبيل اهلل‪:‬‬
‫إف اإلسالـ ع ٌد العمل نوعان من أنواع اعبهاد‪ ،‬بل كصل األمر بالرسوؿ ‪ ‬أف يزجر أصحابو‬
‫غبيك وم أصدركه على رجل قوم اعبسم يسعى إذل عملو‪ ،‬فعندما رأل الصحابة ػ ػ ػ ػ رضي اهلل عنهم ػ ػ ػ ػ شابان‬
‫قويان يسرع إذل عملو‪ ،‬قالوا‪ :‬لو كاف ىذا يف سبيل اهلل ‪ ،‬فقاؿ النيب ‪ ": ‬ال تقولوا‪ ،‬ىذا فإنو إف كاف‬
‫خرج يسعى على كلده صغاران فهو يف سبيل اهلل‪ ،‬كإف كاف خرج يسعى على أبوين شيخُت كبَتين فهو يف‬
‫سبيل اهلل‪ ،‬كإف كاف خرج يسعى على نفسو ييع ٌفها فهو يف سبيل اهلل‪ ،‬كإف كاف خرج يسعى رياء كمفاخرة‬
‫فهو يف سبيل الشيطاف"( )‪.‬‬
‫ف ًه ىم الصحابةي أف اعبهاد قاصر على القتاؿ يف ميداف اؼبعركة‪ ،‬كأف السعي لتحصيل الرزؽ ليس‬
‫كبُت ؽبم أف سعيو على طلب الرزؽ نوع من اعبهاد يف‬ ‫فصوب النيب ‪ ‬ؽبم ىذا الفهم‪ٌ ،‬ى‬
‫ٌ‬ ‫داخال فيو‪،‬‬
‫سبيل اهلل؛ ألنو يصبح هبذا العمل عنصرا فاعال يف اجملتمع كليس عالة على غَته‪.‬‬
‫‪ 6‬ػ ػ معرفة األنبياء لقيمة العمل كقيامهم بو‪:‬‬
‫كاف األنبياء كىم أشرؼ اػبلق على كجو األرض يعملوف؛ ألّنم يعلموف أف شرفهم كعزىم يف‬
‫العمل‪ ،‬فهذا نيب اهلل داككد‪ ‬كاف يعمل حدادان يصنع الدركع كالسيوؼ‪ ،‬تلك اؼبهنة اليت ردبا يعدىا‬
‫صنى يكم ًمن بأ ً‬
‫ً ً‬
‫ٍس يك ٍم‬ ‫وس لى يك ٍم لتي ٍح ٍ ٍ ى‬ ‫البعض اليوـ عيبان‪ ،‬كيستحي أف يعملها قاؿ تعاذل‪ ‬ىك ىعلَّ ٍمنىاهي ى‬
‫ص ٍنػ ىعةى لىبي و‬
‫فىػ ىه ٍل أىنٍػتي ٍم ىشا ً يرك ىف‪) (‬حىت إف اهلل امنت عليو بإالنة اغبديد لو كما دؿ على ذلك قولو تعاذل‪ ‬ىكلى ىق ٍد‬

‫( ) أخرجو البخارم ؾ ‪:‬الزكاة‪ ،‬باب‪ :‬االستعفاؼ عن اؼبسألة (صحيح البخارم‪.)123 /2‬‬


‫( ) أخرجو البخارم ؾ ‪ :‬الزكاة ‪ ،‬باب‪ :‬االستعفاؼ عن اؼبسألة ح ‪( 1469‬صحيح البخارم‪.)122/2‬‬
‫( ) أخرجو الطرباين يف اؼبعجم الكبَت من حديث كعب بن عجرة ح ‪ (15619‬اؼبعجم الكبَت للطرباين ‪.)491/13‬‬
‫( ) سورة األنبياء اآلية (‪.)80‬‬
‫ِّكر فًي‬ ‫و‬
‫ٍحدي ىد‪ .‬أىف ا ٍع ىم ٍل ىسابًغىات ىكقىد ٍ‬
‫اؿ أ ِّكىكبًي معوي كالطٍَّيػر كأىلىنَّا لىوي ال ً ً‬
‫ى‬ ‫ىى ى ى ى‬ ‫كد ًمنَّا فى ٍ نال يىا ًجبى ي‬
‫آتىػ ٍيػنىا ىد ياك ى‬
‫ص هير‪ ،) (‬كلذلك رأينا نبينا ‪ ‬يذكره يف مقاـ اؼبدح على‬ ‫السرًد كا ٍعمليوا صالًحا إًنِّكي بًما تىػ ٍعمليو ىف ب ً‬
‫ى ى ى‬ ‫َّ ٍ ى ى ى ن‬
‫ىح هد طى ىع ناما قى ُّ ىخ ٍيػ نرا ًم ٍن أى ٍف يىأٍ ي ىل ًم ٍن ىع ىم ًل يى ًدهً ىكإً َّف نىبً َّي اللَّ ًو ىد ياك ىد ىعلىٍي ًو‬
‫العمل فيقوؿ‪ " :‬ىما أى ى ىل أ ى‬
‫الس ىالـ ى ا ىف يىأٍ ي يل ًم ٍن ىع ىم ًل يى ًدهً"( )‪.‬‬ ‫َّ‬
‫قاؿ العالمة بدر الدين العيني في شرح الحديث‪ :‬فإف قلت‪ :‬ما اػبَتية فيو؟ قلت‪ :‬ألف فيو‬
‫إيصاؿ النفع إذل الكاسب كإذل غَته‪ ،‬كالسالمة عن البطالة اؼبؤدية إذل الفضوؿ‪ ،‬ككسر النفس‪ ،‬كالتعفف‬
‫عن ذؿ السؤاؿ( )‪.‬‬
‫كقد بوب البخارم يف صحيحو بابا بعنواف‪ :‬ما قيل يف اللحاـ كاعبزار‪ ،‬كساؽ فيو حديثا قاؿ‪:‬‬
‫حدثنا عمر بن حفص حدثنا أيب حدثنا األعمش‪ ،‬قاؿ حدثٍت شقيق عن أيب مسعود قاؿ‪ :‬جاء رجل‬
‫من األنصار يكٌت أبا شعيب فقاؿ لغالـ لو قصاب اجعل رل طعاما يكفي طبسة‪ ،‬فإين أريد أف أدعو‬
‫النيب ‪ ‬خامس طبسة فإين قد عرفت يف كجهو اعبوع ‪،‬فدعاىم فجاء معهم رجل‪ ،‬فقاؿ النيب ‪ : ‬إف‬
‫ىذا قد تبعنا فإف شئت أف تأذف لو فأذف لو‪ ،‬كإف شئت أف يرجع رجع‪ ،‬فقاؿ ال بل قد أذنت لو "( )‬
‫كقولو(قصاب) أم‪ :‬جزار اسم فاعل من قصبت الشاة قصبا‪ ،‬قطعتها عضوا عضوان ‪ ،‬كاسم الصنعة من‬
‫ذلك القصابة‪ ،‬ليبُت أف ىذه اؼبهن مهن ؿبًتمة كينبغي أف حيًتـ أصحاهبا فال عيب يف شغل أم مهنة ما‬
‫دامت ؿبًتمة ليس فيها ما خيالف الشرع‪.‬‬
‫كقد ركل أبو ىريرة ‪ ‬أف رسوؿ اهلل ‪ ‬قاؿ‪ ":‬كاف زكرياء قباران " ( )‬
‫يتكرب عن كسب يده ؛ ألف نيب اهلل زكريا‬ ‫كيف اغبديث إشارة إذل أف كل أحد ال ينبغي أف ٌ‬
‫‪ ‬مع علو درجتو اختار ىذه اغبرفة‪ ،‬فلو كاف الرزؽ يتأتى بدكف عمل عبلس ىؤالء األنبياء عليهم‬
‫السالـ‪ ،‬كأتاىم رزقهم كىم يف بيوهتم‪.‬‬
‫فهؤالء األنبياء دل ينظركا لنوع العمل أك أجرتو‪ ،‬كإَنا عرفوا أف قيمة اإلنساف يف ذاتو‪ ،‬بغض النظر‬
‫عن اغبرفة اليت يقوموف هبا ما دامت ؿبًتمة شرعا‪.‬‬
‫ككاف النيب ‪ ‬يعمل يف صغره برعي األغناـ‪ ،‬كيعمل بالتجارة يف كربه‪ ،‬ككاف يتاجر للسيدة‬
‫خدجية رضي اهلل عنها ‪.‬‬

‫( ) سورة سبأ اآليتاف (‪.)11 ،10‬‬


‫( ) أخرجو البخارم ؾ ‪ :‬اعبمعة ‪ ،‬باب ‪ :‬من انتظر حىت تدفن ح‪( 2072‬صحيح البخارم ‪.)57/3‬‬
‫( ) عمدة القارم شرح صحيح البخارم لبدر الدين العيٍت (‪.)292/17‬‬
‫( ) أخرجو البخارم ؾ ‪ :‬البيوع ‪ ،‬باب ‪ :‬ما قيل يف اللحاـ كاعبزار ح ‪( 1975‬صحيح البخارم‪)732/2‬‬
‫( ) اغبديث أخرجو مسلم ؾ ‪ :‬الفضائل ‪ ،‬باب‪ :‬يف فضائؿ زكرياء ‪ ‬ح ‪(2379‬صحيح مسلم ‪ )1847/4‬ط دار إحياء‬
‫الًتاث العريب ‪ ،‬بَتكت ‪ ،‬ربقيق ؿبمد فؤاد عبد الباقي‪.‬‬
‫‪ 7‬ػ ػ اىتماـ اؿصحابة بالعمل دليل على أىميتو‪:‬‬
‫كاف الصحابة الكراـ يعملوف بأيديهم؛ ألّنم يعرفوف للعمل قيمتو‪ ،‬فهذا أبو بكر الصديق ‪‬‬
‫بعد أف يتوذل خالفة اؼبسلمُت ييرل كقد أصبح غاديا إذل السوؽ للتجارة‪ ،‬ذكر أبو الفرج ابن اعبوزم عن‬
‫عطاء بن السائب قاؿ‪ :‬ؼبا استخلف أبو بكر أصبح غاديان إذل السوؽ‪ ،‬كعلى رقبتو أثواب يتجر هبا‪،‬‬
‫فلقيو عمر كأبو عبيدة ابن اعبراح رضي اهلل تعاذل عنهما فقاال‪ :‬أىن تريد يا خليفة رسوؿ اهلل؟ قاؿ‪:‬‬
‫السوؽ‪ ،‬قاال‪ :‬أتصنع ماذا كقد كليت أمر اؼبسلمُت؟ قاؿ‪ :‬فمن أين أطعم عيارل؟ قاال‪ :‬انطلق حىت نفرض‬
‫لك شيئان‪ ،‬فانطلق معهما‪ ،‬ففرضا لو كل يوـ شطر شاةو كما كسوه يف الرأس كالبطن‪.‬‬
‫كذكر عن ضبيد بن ىالؿ قاؿ‪ :‬ؼبا كرل أبو بكر قاؿ أصحاب رسوؿ اهلل ‪ : ‬افرضوا ػبليفة‬
‫رسوؿ اهلل ‪ ‬ما يغنيو‪ ،‬قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬برداف إذا أخلقهما كضعهما كأخذ مثلهما‪ ،‬كظهره إذا سافر‪ ،‬كنفقتو‬
‫على أىلو كما كاف قبل أف يستخلف‪ ،‬قاؿ أبو بكر‪ :‬رضيت‪) (.‬‬
‫كىذا عبد الرضبن بن عوؼ ‪ ‬ال يرضى أف يقاسم سعد بن الربيع مالو ؼبا ىاجر إذل اؼبدينة‪،‬‬
‫كإَنا طلب منو أف يدؿق على السوؽ ليتاجر ؼبا عرؼ من قيمة العمل‪ ،‬أخرج البخارم يف صحيحو بسنده‬
‫عن عبد الرضبن بن عوؼ ‪ ‬قاؿ‪ :‬ؼبا قدمنا إذل اؼبدينة آخى رسوؿ اهلل ‪ ‬بيٍت كبُت سعد بن الربيع‪،‬‬
‫يت نزلت‬ ‫أم زكجيت ى ًو ى‬
‫فقاؿ سعد بن الربيع إين أكثر األنصار ماال ‪ ،‬فأقسم لك نصف مارل ‪ ،‬كانظر َّ‬
‫لك عنها‪ ،‬فإذا حلت تزكجتها قاؿ‪ :‬فقاؿ عبد الرضبن‪ :‬ال حاجة رل يف ذلك‪ ،‬ىل من سوؽ فيو ذبارة ؟‬
‫قاؿ سوؽ قينقاع ‪ ،‬قاؿ فغدا إليو عبد الرضبن فأتى بأقط كظبن‪ ،‬قاؿ مث تابع الغدك‪ ،‬فما لبث أف جاء‬
‫عبد الرضبن عليو أثر صفرة‪ ،‬فقاؿ رسوؿ اهلل ‪ : ‬تزكجت؟ قاؿ نعم‪ ،‬قاؿ ‪ :‬كمن ؟ قاؿ‪ :‬امرأة من‬
‫األنصار‪ ،‬قاؿ‪:‬كم سقت؟ قاؿ ‪ :‬زنة نواة من ذىب أك نواة من ذىب فقاؿ لو النيب ‪ :‬أكدلٍ كلو بشاة "‬
‫( )‬
‫ىذه بعض مظاىر اىتماـ اإلسالـ بالعمل كالعماؿ نضعها بُت يدم أبنائنا ليعرفوا كيف اىتم‬
‫ديننا بالعماؿ‪ ،‬كال ينزعوا إذل الًتؼ كالدعة كالكسل‪ ،‬كإَنا يشمركا عن سواعد اعبد حىت يكونوا فخران‬
‫لدينهم كجملتمعهم‪.‬‬
‫ثانيا ػ ػ ػ كاجبات العماؿ في اإلسالـ‪:‬‬
‫إذا كانت ىذه قيمة العمل يف اإلسالـ كحثو عليو كاىتمامو بو‪ ،‬فإف ىناؾ كاجبات على ىؤالء العماؿ‪،‬‬
‫كمن ىذه الواجبات ما يلي‪:‬‬

‫( ) صفة الصفوة البن اعبوزم(‪ )257/1‬نشر دار اؼبعرفة ‪ ،‬بَتكت ‪ ،‬ط الثانية ‪1399 ،‬ى ػ ػ ػ ‪1979‬ـ ربقيق ‪ :‬ؿبمود فاخورم‪.‬‬
‫ر ىكابٍػىتػغيوا ًم ٍن‬ ‫الص ىالةي فىانٍػىت ًش يركا فًي ٍاأل ٍىر ً‬
‫ت َّ‬ ‫( ) أخرجو البخارم ؾ ‪ :‬البيوع ‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء يف قوؿ اهلل تعاذل ‪ ‬فىً ىذا قي ً ي ً‬
‫ى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وؾ قىائً نما قي ٍل ىما عٍن ىد اللَّ ًو ىخٍيػ هر م ىن‬‫فى ٍ ًل اللَّ ًو ىكاذٍ ي يركا اللَّ ىو ى ًث نيرا ل ىىعلَّ يك ٍم تيػ ٍفلً يحو ىف‪ .‬ىكإً ىذا ىرأ ٍىكا تً ىج ىارنة أ ٍىك ل ٍىه نوا انٍػ ىف ُّوا إًلىٍيػ ىها ىكتىػ ىري ى‬
‫الرا ًزقًين ‪ ‬ح‪ ( 1943‬صحيح البخارم‪.)722/2‬‬ ‫ِّكج ىارًة ىكاللَّوي ىخٍيػ ير َّ‬ ‫ً‬
‫اللَّ ٍه ًو ىكم ىن الت ى‬
‫‪ 1‬ػ ػ إتقاف العمل‪:‬‬
‫من اؼبعركؼ أف كل حق يقابلو كاجب ‪ ،‬فاإلنساف قبل أف يطالب حبقوقو البد أف يقوـ بواجباتو‬
‫‪ ،‬كمن أكؿ الواجبات على العامل أف يتقن العمل الذم كلف بو‪ ،‬كأف يقوـ بو على الوجو اؼبطلوب‪ ،‬فقد‬
‫حيب إذا عمل‬ ‫أخرب الرسوؿ ‪ ‬أف إتقاف العمل ينتج عنو ؿببة اهلل تعاذل للعبد‪ ،‬حيث قاؿ ‪ ": ‬إف اهلل ُّ‬
‫أحدكم عمالن أف يتقنو"( )‬
‫كقد حث القرآف على إتقاف العمل‪ ،‬قاؿ تعاذل‪ ‬ىكأ ٍىكفيوا الٍ ىك ٍي ىل إًذىا ًلٍتي ٍم ىكًزنيوا بًال ًٍق ٍسطى ً‬
‫اس‬
‫يموا ال ىٍوٍز ىف بًال ًٍق ٍس ً ىكىال‬ ‫ً ً ً ً‬
‫ىح ىس ين تىأٍ ًكيال‪ ،) (‬كقاؿ‪‬أَّىال تىطٍغى ٍوا في الٍمي ىاف‪ .‬ىكأىق ي‬
‫الٍمست ًق ً ً‬
‫يم ذىل ى ىخ ٍيػ هر ىكأ ٍ‬ ‫ي ٍى‬
‫تي ٍ ًس يركا ال ًٍمي ىا ىف‪ ،) (‬فاآليات تشتمل على األمر بإيفاء الكيل‪ ،‬كالقسط يف الوزف كىذا من إتقاف‬
‫العمل‪.‬‬
‫كما اىتمت األحاديث النبوية الشريفة بالتأكيد على ىذا اؼببدأ‪ ،‬فعن عبد اهلل بن عمر‪ ‬أف‬
‫رسوؿ اهلل ‪ ‬قاؿ ‪ " :‬أال كلكم ر واع ككلكم مسئوؿ عن رعيتو‪ ،‬فاإلماـ الذم على الناس ر واع كىو‬
‫مسئوؿ عن رعيتو‪ ،‬كالرجل ر واع على أىل بيتو‪ ،‬كىو مسئوؿ عن رعيتو‪ ،‬كاؼبرأة راعية على أىل زكجها‪،‬‬
‫كىي مسئولة عنهم‪ ،‬كعبد الرجل ر واع على ماؿ سيده‪ ،‬كىو مسئوؿ عنو‪ ،‬أال فكلكم راع ككلكم مسئوؿ‬
‫عن رعيتو"( )‬
‫‪ 2‬ػ ػ ػ عدـ استغالؿ عملو ككظيفتو في تحصيل المنافع ‪:‬‬
‫العمل من أككد األمانات‪ ،‬كمن أعظم الواجبات على العماؿ عدـ استغالؿ نفوذه ـ يف إعطاء‬
‫أحد ما ليس حقو ‪،‬أك منع أحد حقو ؛ فقد قاؿ ‪ ": ‬من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا‪ ،‬فما أخذ‬
‫بعد ذلك فهو غلوؿ "( )‪ ،‬كلذلك شدد اإلسالـ على ضركرة التعفف من استغالؿ النفوذ ‪ ،‬كشدد‬
‫على رفض اؼبكاسب اؼبشبوىة من الرشاكل كاستغالؿ اؼبنصب يف العمل كاعتبار ذلك من اؽبدايا اعبائزة‪،‬‬
‫كما كرد يف قصة ابن اللتبية‪ ،‬أخرج أبو داككد بسنده عن أيب ضبيد الساعدم‪ :‬أف النيب ‪ ‬استعمل رجال‬
‫من األزد يقاؿ لو ابن اللتبية ػ ػ قاؿ ابن السرح ابن األتبية ػ ػ على الصدقة‪ ،‬فجاء فقاؿ ىذا لكم كىذا‬

‫( ) ذكره اؽبيثمي يف ؾبمع الزكائد كمنبع الفوائد كقاؿ ركاه أبو يعلى كفيو مصعب بن ثابت كثقو ابن حباف كضعفو صباعة‪ .‬باب‬
‫‪ :‬نصح األجَت كإتقاف العمل (ؾبمع الزكائد‪ )115/4‬كأخرجو أبو يعلى يف مسنده (‪ )349/7‬من مسند عائشة قاؿ كيف إسناده‬
‫لُت‪.‬‬
‫( ) سورة اإلسراء اآلية (‪.)35‬‬
‫( ) سورة الرضبن اآليتاف (‪)9 ،8‬‬
‫( ) أخرجو البخارم يف صحيحو ؾ‪:‬اعبمعة ‪ ،‬باب ‪ :‬اعبمعة يف القرل كاؼبدف ح ‪(893‬صحيح البخارم‪ )5/2‬من حديث ابن‬
‫عمر‪.‬‬
‫( ) أخرجو أبو داككد يف سننو ؾ‪ :‬اػبراج كالفيء كاإلمارة‪،‬باب‪ :‬يف أرزاؽ العماؿ ح‪(2943‬سنن أيب داككد ‪ )149/2‬كقاؿ‬
‫الشيخ األلباين ‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫أىدم رل ‪ ،‬فقاـ النيب ‪ ‬على اؼبنرب فحمد اهلل كأثٌت عليو كقاؿ‪ " :‬ما باؿ العامل نبعثو فيجيء فيقوؿ‬
‫ىذا لكم كىذا أىدم رل أال جلس يف بيت أمو أك أبيو فينظر أيهدل لو أـ ال ؟ ال يأيت أحد منكم‬
‫بشيء من ذلك إال جاء بو يوـ القيامة إف كاف بعَتا فلو رغاء‪ ،‬أك بقرة فلها خوار‪ ،‬أك شاة تبعر "‪ ،‬مث‬
‫رفع يديو حىت رأينا عفرة إبطيو‪ ،‬مث قاؿ " اللهم ىل بلغت‪ ،‬اللهم ىل بلغت "( )‪ .‬كىكذا نرل النيب‬
‫‪ ‬يف ىذا األمر الذم يفتح بابا عظيما من الفساد يف اجملتمع اؼبسلم من استغالؿ النفوذ كاؼبنصب يف‬
‫ربصيل اؼبنافع الشخصية‪ ،‬كاعتبار ذلك من قبيل اؽبدية‪ ،‬كأف اإلسالـ ال حيرـ قبوؿ اؽبدية ‪ ،‬مع معرفة‬
‫العامل أف ىذه اؽبدية ما جاءتو إال بسبب عملو ‪ ،‬فيشدد النيب ‪ ‬على ىذا األمر‪ ،‬كيعترب ذلك من‬
‫الغلوؿ الذم حياسب عليو صاحبو يوـ القيامة ‪.‬‬
‫‪ 3‬ػ ػ التحلي باألمانة‪:‬‬
‫من الواجبات الالزمة على العامل كاػبادـ أف يكوف أمينا‪ ،‬كقد دؿ القرآف الكرًن على ىذا‬
‫اىما يا أىب ً‬
‫ت‬ ‫ت إً ٍح ىد ي ى ى ى‬
‫الواجب‪ ،‬ففي حديثو عن سيدنا موسى ‪ ‬مع الرجل الصاحل قاؿ تعاذل‪‬قىالى ٍ‬
‫ت الٍ ىق ًو ُّ ً‬ ‫استىأ ً‬
‫ين‪ ) (‬فقد اعتمدت يف طلب استئجاره على أمانتو‪،‬‬ ‫م ٍاألىم ي‬ ‫ٍج ٍر ى‬ ‫ٍج ٍرهي إً َّف ىخ ٍيػ ىر ىم ًن ٍ‬
‫استىأ ى‬ ‫ٍ‬
‫كقد قيل يف أمانتو أنو دل يطلع على عورة ؽبا‪ ،‬فأكصاىا أف سبشي خلفو كتعرفو الطريق حبصاة ‪ ،‬ال أف‬
‫ديشي معها أك خلفها فينظر إذل عوراهتا ‪ ،‬كىكذا ينبغي أف يكوف العماؿ كاػبدـ مع أصحاب األعماؿ‬
‫كاؼبخدكمُت‪ ،‬فال يطلعوف على عورات البيوت اليت ال يصح االطالع عليها ‪ ،‬كمن أمانة العامل كاػبادـ‬
‫أال يأخذ شيئا من ماؿ اؼبخدكـ أك صاحب العمل إال بطيب نفس منو كبعد معرفتو‪ ،‬ككذلك عدـ إفشاء‬
‫أسرار العمل‪ ،‬فقد يًتتب على إفشاء أسرار العمل‪ ،‬أك بيوت اؼبخدكمُت ضرر يلحق برب العمل أك‬
‫صاحب البيت‪.‬‬
‫ىذه بعض الواجبات اليت جيب على العماؿ أف يلتزموا هبا أكجبها عليهم اإلسالـ‪،‬كما كفل ؽبم‬
‫حقوقهم‪.‬‬
‫ثالثا ػ ػ ػ حقوؽ العماؿ كالمست دمين‪:‬‬
‫لقد كفل اإلسالـ للعماؿ حقوقهم كحث أصحاب األعماؿ على أدائها كمن ىذه اغبقوؽ ما‬
‫يأيت ‪:‬‬

‫( ) أخرجو أبو داككد ؾ ‪:‬اػبراج كالفيء كاإلمارة ‪ ،‬باب‪ :‬يف ىدايا العماؿ ح ‪(2946‬سنن أيب داككد ‪ )149/2‬كصححو‬
‫الشيخ األلباين‪.‬‬
‫( ) سورة القصص اآلية (‪.)26‬‬
‫‪ 1‬ػ ػ إعطاء العامل أجره بمجرد الفراغ من عملو‪:‬‬
‫من أكؿ حقوؽ العامل إعطاؤه أجره بعد الفراغ من عملو‪ ،‬كقد دؿ على ىذا اغبق القرآف‬
‫وريى َّن‪ ،) ( ...‬كقاؿ أيضا ‪ ‬ىكإً ٍف‬ ‫يج ى‬ ‫كالسنة‪ ،‬قاؿ تعاذل يف شأف الرضاع ‪‬فىً ٍف أ ٍىر ى ٍع ىن لى يك ٍم فى تي ي‬
‫وى َّن أ ي‬
‫أىر ٍدتيم أى ٍف تىستػر ً عوا أىكىال ىد ي م فى ىال جناح علىي يكم إًذىا سلَّمتم ما آتىػيتم بًالٍمعر ً‬
‫كؼ ىكاتَّػ يقوا اللَّوى ىكا ٍعلى يموا‬‫ي ى ى ى ٍ ٍ ى ٍ ي ٍ ى ٍي ٍ ى ٍ ي‬ ‫ٍىٍ ي ٍ ٍ‬ ‫ى ٍ‬
‫صير ‪ ،) )‬فهاتاف اآليتاف يف شأف الرضاع دلت األكذل منهما على كجوب‬ ‫ىف اللَّوى بًما تىػ ٍعمليو ىف ب ً‬
‫أ َّ‬
‫ى ى ى‬
‫إعطاء األـ أجر الرضاعة بعد الطالؽ‪ ،‬حيث كرد بصيغة األمر (ف توىن) ‪،‬كدلت اآلية الثانية على أنو ال‬
‫حرج على الوالدين أف يسًتضعوا ألكالدىم غَت أمهاهتم إذا كاف ذلك عن تراض منهما كتشاكر بشرط أف‬
‫يسلموا ؼبن سًتضعو أجرىا باؼبعركؼ‪ ،‬كما دلت السنة على كجوب إعطاء العامل أجره قاؿ النيب ‪: ‬‬
‫فليسم لو أجرتو"( )‪.‬‬ ‫" أعطوا األجَت أجره قبل أف جيف عرقو "( ) ‪ ،‬كقاؿ أيضا‪":‬من استأجر أجَتان ٌ‬
‫كىذا اغبق من أعظم اغبقوؽ كأككدىا ‪ ،‬كالذم يًتتب على اإلخالؿ بو كثَت من اؼبشكالت بُت العامل‬
‫كاػبادـ مع رب العمل كاؼبخدكمُت‪ ،‬كينبغي أف يكوف ىذا األجر عادالن ليس فيو ظلم لألجَت‪ ،‬كال‬
‫استغالؿ غباجتو إذل العمل‪ ،‬كأف يؤدمق صاحب العمل إذل العامل بعد انتهائو من العمل بدكف فباطلة كال‬
‫تسويف؛ ألف من استخدـ عامالن بغَت أجرة فكأنو استعبده ‪ ،‬كيف اغبديث عن أيب ىريرة ‪ ‬قاؿ‪ :‬قاؿ‬
‫رسوؿ اهلل ‪ " :‬قاؿ اهلل عز كجل‪ :‬ثالثة أنا خصمهم يوـ القيامة كمن كنت خصمو خصمتو‪ :‬رجل‬
‫أعطى يب مث غدر‪ ،‬كرجل باع حران كأكل شبنو‪ ،‬كرجل استأجر أجَتان فاستوىف منو كدل يوفو أجره‪) (".‬‬
‫كاهلل تعاذل خياصم الظاؼبُت صبيعا يوـ القيامة ‪ ،‬كلكنو خص ىؤالء الثالثة إشارة إذل قبح فعلهم‬
‫كللتغليظ عليهم‪ ،‬كمن ىؤالء الثالثة " رجل استأجر أجَتا فاستوىف منو كدل يوفو أجره" أم اتفق مع عامل‬
‫على عمل ما ‪ ،‬فقاـ العامل دبا اتفقا عليو ‪ ،‬كاستوجب أجرتو ‪ ،‬كلكن صاحب العمل دل يوؼ باالتفاؽ ‪،‬‬
‫فمنعو أجرتو أك أنقصها ‪ ،‬فهذا يكوف خصيمان هلل تعاذل يوـ القيامة ‪ ،‬كقصة الثالثة الذم دخلوا الغار‬
‫فانطبق عليهم صخرة فلم يستطيعوا اػبركج ‪ ،‬حىت توسلوا إذل اهلل بصاحل أعماؽبم ‪ ،‬فكاف منهم رجال‬
‫استثمر للعامل أجرتو حىت جاء يطلبها فأعطاىا لو دبنافعها‪ ،‬كما كرد يف اغبديث ‪ ":‬كقاؿ الثالث ‪ :‬اللهم‬
‫استأجرت أجراء كأعطيتهم أجرىم غَت رجل كاحد ترؾ الذم لو كذىب ‪ ،‬فثمرت أجره حىت كثرت منو‬
‫إرل أجرم‪ ،‬فقلت‪ :‬كل ما ترل من أجرؾ من اإلبل‬ ‫ً‬
‫األمواؿ‪ ،‬فجاءين بعد حُت فقاؿ‪ :‬يا عبد اهلل أد ٌ‬
‫( ) سورة الطالؽ من اآلية (‪.)6‬‬
‫) سورة اا قرة ن اآلية (‪.)233‬‬ ‫(‬
‫( ) أخرجو ابن ماجة يف سننو ؾ ‪ :‬الرىوف‪ ،‬باب‪ :‬أجر األجراءح‪(2537‬سنن ابن ماجة ‪ )398/7‬من حديث عبد اهلل بن‬
‫عمر‪ .‬كقاؿ اؽبيثمي يف ؾبمع الزكائد ‪ :‬ركاه الطرباين يف األكسط كفيو شرقي بن قطامي كىو ضعيف‪(.‬ؾبمع الزكائد ‪.)114/4‬‬
‫( ) قاؿ الزيلعي يف نصب الراية ألحاديث اؽبداية يف كتاب اإلجارات‪ :‬ركاه عبد الرزاؽ يف " مصنفو يف البيوع ‪(.‬نصب الراية‬
‫‪.)175/4‬‬
‫( ) أخرجو البخارم ؾ ‪ :‬اعبمعة‪ ،‬باب‪ :‬إمث من منع أجر األجَت ح‪(2270‬صحيح البخارم‪.)90/3‬‬
‫كالبقر كالغنم كالرقيق‪ ،‬فقاؿ‪ :‬يا عبد اهلل ال تستهزئ يب‪ ،‬فقلت‪ :‬ال أستهزئ بك‪ ،‬فأخذه كلو فاستاقو فلم‬
‫يًتؾ منو شيئا ‪ ،‬اللهم إف كنت فعلت ذلك ابتغاء كجهك ‪ ،‬فافرج عنا ما كبن فيو ‪ ،‬فانفرجت الصخرة‬
‫فخرجوا ديشوف"( )‪.‬‬
‫فعلى رب العمل أف حيدد للعامل أجر عملو مسبقا‪ ،‬كأف ال يبخسو حقو‪ ،‬كأف يكوف األجر‬
‫على قدر العمل‪ ،‬كما أف العامل جيب عليو أف يقتصر على أخذ حقو فحسب‪ ،‬فال ينبغي لو أف يطالب‬
‫صاحب العمل بأكثر فبا يستحق‪.‬‬
‫‪2‬ػ ػ أف ال يكلفو من العمل فوؽ طاقتو‪:‬‬
‫على رب العمل أف ال يكلف العامل أك اػبادـ فوؽ طاقتو‪ ،‬فهو من البشر‪ ،‬كينبغي أف ينظر إذل‬
‫ىذه الطاقة فال يشق عليو‪ ،‬كقد دؿ على ذلك القرآف الكرًن ‪ ،‬قاؿ تعاذل حكاية عن الرجل الصاحل مع‬
‫اء اللَّوي ًم ىن‬ ‫ً ً‬
‫نيب اهلل موسي ‪ ‬يف قصة إجارتو ‪ ‬ىكىما أي ًري يد أى ٍف أى يش َّق ىعلىٍي ى ىستىج يدني إً ٍف ىش ى‬
‫ين‪ ،) (‬كما دلت السنة اؼبطهرة على ذلك فعن اؼبعمور ابن سويد قاؿ ‪" :‬رأيت أبا ذر‬ ‫َّ ً ً‬
‫الصالح ى‬
‫الغفارم كعليو حلٌة كعلى غالمو حلٌة ‪ ،‬فسألناه عن ذلك فقاؿ‪ :‬ساببت رجالن فشكاين إذل رسوؿ اللٌو ‪‬‬
‫‪ ،‬فقاؿ رل النيب ‪ "‬أعَتتو بأمو ؟! مث قاؿ ‪ :‬إخوانكم خولكم جعلهم اللٌو ربت أيديكم ‪ ،‬فمن كاف‬
‫أخوه ربت يده فليطعمو فبا يأكل‪ ،‬كليلبسو فبا يلبس‪ ،‬كال تكلفوىم ما يغلبهم‪،‬فإف كلفتموىم ما يغلبهم‬
‫فأعينوىم"( )‬
‫كيف اغبديث تقدًن كتأخَت يف قولو " إخوانكم خولكم" إذ أصلها خولكم إخوانكم‪ ،‬كاػبوؿ‬
‫دؿ اغبديث على كجوب معاملة العامل كاػبادـ‬ ‫اػبدـ‪ ،‬كذلك لالىتماـ بإثبات األخوة ؽبم ‪ ،‬كما ٌ‬
‫معاملة حسنة تليق ب دميتو بإطعامو من نفس طعامك‪ ،‬ال كما نرل يف بعض اجملتمعات بأف يأكل بقايا‬
‫الطعاـ بعد أكل صاحب العمل‪ ،‬ككذلك يلبسو فبا يلبس‪ ،‬كال يكلفو من العمل ما يزيد على طاقتو‪.‬‬
‫كم ترل من اغبب بُت العامل أك اػبادـ كبُت صاحب العمل لو أننا اتبعنا ىذا اؼبنهج‪،‬‬
‫كنرل اإلخالص يف العمل كالتفاين من أجل مصلحة العمل ‪ ،‬كحب اػبَت لصاحب العمل‪،‬حُت يرل‬
‫العامل أك اػبادـ رب العمل أك اؼبخدكـ يقوـ معو ببعض األعماؿ البسيطة مساعدة لو‪ ،‬حينها ال‬
‫يدخر العامل جهدا يف إسباـ العمل على أكمل كجو‪.‬‬

‫( ) أخرجو مسلم ؾ‪ :‬الرقاؽ‪ ،‬باب‪ :‬قصة أصحاب الغار الثالثة كالتوسل بصاحل األعماؿ ح‪(7125‬صحيح مسلم ‪.)89/8‬‬
‫( ) سورة القصص من اآلية (‪.)27‬‬
‫ًً‬ ‫ً ً‬ ‫اىلًيَّ ًة كىال ي ىكفَّر ً‬
‫اصي ًمن أىم ًر ٍ ً‬ ‫( ) أخرجو البخارم ؾ ‪ :‬اإلدياف ‪ ،‬باب ‪ :‬الٍمع ً‬
‫صاحبيػ ىها بً ٍارت ىكاهبىا إًَّال بًالشٍِّرؾ ل ىق ٍوًؿ النً ِّ‬
‫َّيب ‪‬‬ ‫اعبى ى ي ي ى‬ ‫ٍ ٍ‬ ‫ىى‬
‫ك لً ىم ٍن يى ىشاءي ‪‬ح‪(30‬صحيح البخارم‬ ‫ى‬
‫اذل ‪‬إً َّف اللَّو ىال يػ ٍغ ًفر أى ٍف ي ٍشرىؾ بًًو كيػ ٍغ ًفر ما دك ىف ىذلً‬
‫ى ى ي ي ى ىى ي ى ي‬ ‫اىًليَّةه ىكقىػ ٍوًؿ اللَّ ًو تىػ ىع ى‬
‫إًنَّك امرهؤ ًفيك ج ً‬
‫ى ٍي ى ى‬
‫‪.)15/1‬‬
‫‪3‬ػ ػ معاملة ال ادـ كالعامل معاملة حسنة‪:‬‬
‫على رب العمل أف تكوف معاملتو للعامل باإلحساف كالرفق كاللُت‪ ،‬كأف ييراعى اهلل فيهم ‪ ،‬فال‬
‫فرؽ مطل نقا بُت خادـ كـبدكـ أماـ اهلل تعاذل‪ ،‬كلنا يف رسوؿ اهلل ‪ ‬القدكة اغبسنة ‪ ،‬فعن أنس ‪ ‬قاؿ‬
‫علي شيئنا‬ ‫ُّ‬
‫أعلمو قاؿ رل قىط ‪ :‬دل فعلت كذا أك كذا ‪ ،‬كال عاب ٌ‬ ‫خدمت رسوؿ اهلل‪ ‬تسع سنُت فما ي‬ ‫ي‬ ‫‪":‬‬
‫قط "( )‪ ،‬كحيكي أنس موق نفا لو مع رسوؿ اهلل ‪ ‬يقوؿ ‪ :‬كاف النيب ‪ ‬من أحسن الناس خل نقا ‪،‬‬
‫خرجت حىت‬ ‫ي‬ ‫يوما غباجة ‪ ،‬فقلت‪ " :‬كاهلل ال أذىب‪ ،‬كيف نفسي أف أذىب لًما أمرين بو نيب اهلل "‬ ‫فأرسلٍت ن‬
‫فنظرت إليو كىو‬
‫ي‬ ‫أمر على صبياف كىم يلعبوف يف السوؽ‪ ،‬فإذا الرسوؿ ‪ ‬قد قبض ب ىق ىفام من كرائي‪،‬‬ ‫َّ‬
‫أذىبت حيث أمرتيك ؟ " قاؿ أنس‪ :‬قلت‪ :‬نعم أنا أذىب يا رسوؿ اهلل‬ ‫ى‬ ‫أنيس‪،‬‬
‫يضحك ‪ ،‬كقاؿ‪ " :‬يا ٍ‬
‫"( )‪.‬‬
‫أعظم من ىذا اللُت كالرفق الذم يعلمو رسوؿ اهلل ‪ ‬ألمتو تعليما عمليا‪ ،‬كلتنظر‬ ‫و و‬
‫أم رفق كلُت ي‬ ‫ي‬
‫إذل اؼبداعبة للغالـ كىو يقوؿ لو‪ :‬يا أنيس كىو تصغَت أنس فال يعنفو كال يزجره ‪ ،‬كإَنا يعاملو معاملة‬
‫جم كبوه‪.‬‬‫كحب انٌ‬
‫حسنة‪ ،‬كىذه اؼبعاملة اغبسنة تًتؾ أثران عظيما يف قلب ىذا اػبادـ ذباه ـبدكمو‪ ،‬ان‬
‫فسمعت خلفي صوتان‪ :‬اعلم أبا‬ ‫ي‬ ‫كعن أيب مسعود األنصارم ‪ ‬قاؿ‪ ":‬كنت أضرب غالمان رل‪،‬‬
‫فالتفت ‪ ،‬فإذا رسوؿ اهلل ‪ ، ‬فقلت‪ :‬يا‬ ‫ي‬ ‫مسعود‪ ،‬اعلم أبا مسعود أ ٌف اهلل أقدر عليك منك عليو "‬
‫حر لوجو اهلل‪ ،‬فقاؿ‪ " :‬أما لو دل تفعل‪ ،‬للفحتك النار‪ ،‬أك ؼبستك النار"( )‪.‬‬ ‫رسوؿ اهلل ىو ه‬
‫ففي اغبديث كعيد شديد على سوء معاملة ىؤالء اػبدـ يف قولو " للفحتك النار"‪ ،‬فعلى‬
‫صاحب العمل حسن اؼبعاملة للخدـ كالرفق هبم‪ ،‬كال عيب كال نقص يف أف يعُت اؼبخدكـ خادمو يف‬
‫بعض األمور؛ ألف ذلك يلُت القلب‪ ،‬كيرقق النفس كيزرع اؼبودة ‪.‬‬
‫‪4‬ػ ػ الشفقة بالعماؿ كالمست دمين‪:‬‬
‫ينبغي لرب العمل أف يشفق على العماؿ كيساعدىم إذا احتاجوا إذل مساعدة ‪ ،‬كىذا منهج‬
‫نبوم فليكن أكؿ صدقتو بعد من تلزمهم نفقتو ىو خادمو فعن أيب ىريرة ‪ ‬قاؿ‪ :‬أمر النيب ‪ ‬بصدقة‬

‫( ) أخرجو مسلم يف صحيحو ؾ ‪ :‬الفضائل ‪ ،‬باب‪ :‬كاف رسوؿ اهلل ‪ ‬أحسن الناس خلقا ح‪(6156‬صحيح مسلم‬
‫‪.)75/7‬‬
‫( ) أخرجو مسلم يف صحيحو ؾ ‪ :‬الفضائل ‪ ،‬باب‪ :‬كاف رسوؿ اهلل ‪ ‬أحسن الناس خلقا ح ‪ (6155‬صحيح مسلم‬
‫‪.)74/7‬‬
‫( ) أخرجو مسلم يف صحيحو ؾ‪ :‬األدياف ‪ ،‬باب‪ :‬صحبة اؼبماليك ككفارة من لطم عبده‪.‬ح ‪(4396‬صحيح مسلم ‪.)91/5‬‬
‫فقاؿ رجل ‪ :‬عندم دينار‪ ،‬قاؿ‪ :‬أنفقو على نفسك‪ ،‬قاؿ‪ :‬عندم آخر‪ ،‬قاؿ أنفقو على زكجتك ‪ ،‬قاؿ‪:‬‬
‫عندم آخر‪ ،‬قاؿ‪ :‬أنفقو على خادمك ‪ ،‬قاؿ‪ :‬عندم آخر؟ قاؿ أنت أبصر الفضل يف ذلك ( )‪.‬‬
‫كعن اؼبقداـ بن معدم كرب أنو ظبع رسوؿ اهلل ‪ ‬يقوؿ‪ :‬ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة‪ ،‬كما‬
‫أطعمت كلدؾ فهو لك صدقة‪ ،‬كما أطعمت زكجتك فهو لك صدقة‪ ،‬كما أطعمت خادمك فهو لك‬
‫صدقة ( )‪.‬‬
‫فنجد يف ىذين اغبديثُت أف النيب ‪ ‬جعل اػبادـ فبن ييتصدؽ عليهم‪ ،‬كقدمو يف الصدقة بعد‬
‫النفس كاألىل‪ ،‬كىذا يدؿ داللة كاضحة على عناية اإلسالـ هبؤالء اػبدـ‪.‬‬
‫‪5‬ػ ػ العفو عن العماؿ كالمست دمين‪:‬‬
‫من الطبيعي أف العامل أك اػبادـ قد خيطئ ‪ ،‬كقد ربدث منهم ـبالفات تستحق العقوبة ‪ ،‬لكن‬
‫اإلسالـ رغب يف العفو عنهم إذا أخطأكا ‪ ،‬كذلك حبكمة كليس على اإلطالؽ فكما يقولوف‪ :‬من أمن‬
‫العقوبة أساء األدب‪ ،‬فال يعاقب دبجرد صدكر اػبطأ منو من أكؿ مرة ‪ ،‬ككل إنساف أدرل بعمالو‬
‫كخدمو‪ ،‬كلقد كاف النيب ‪ ‬هبديو كفعلو يعلمنا ذلك ؼعن عبد اهلل بن عمر ػ ػ ػ رضي اهلل عنهما ػ ػ ػ قاؿ‪:‬‬
‫رسوؿ اهلل ‪،‬‬ ‫ص ىمت عنو ي‬ ‫جاء رجل إذل ً‬
‫رسوؿ اهلل ‪ ،‬كم ٍأعفو عن اػبادـ؟ فى ى‬
‫رسوؿ اهلل ‪ ، ‬فقاؿ‪ :‬يا ى‬
‫كل يوـ سبعُت مرة "( )‬ ‫رسوؿ اهلل ‪ ،‬كم ٍأعفو عن اػبادـ ؟ فقاؿ‪ٍ :‬اعف عنو َّ‬
‫مث قاؿ‪ :‬يا ى‬
‫فيجب على صاحب العمل الصرب كاغبلم عليهم‪ ،‬كالعفو عنهم عند اػبطأ كالزلل‪ ،‬كما يحيرـ‬
‫و‬
‫بصفات ليست هبم‪ ،‬كعلينا مناداهتم بأحب األظباء إليهم‪.‬‬ ‫علينا شتمهم كقذفهم‬
‫‪6‬ػ ػ التوا ع مع العامل كال ادـ‪:‬‬
‫التواضع من الصفات اػبيلقية اليت ينبغي للمسلم أف يتحلى هبا يف معاملتو مع صبيع الناس ‪ ،‬كمن‬
‫اح ى لً ىم ًن‬ ‫ً‬
‫باب أكذل مع عمالو كخدمو ‪ ،‬كقد حث اهلل عليو قاؿ تعاذل ـباطبا نبيو ‪  ‬ىكا ٍخف ٍ ىجنى ى‬
‫ؼ يىأٍتًي‬‫آمنيوا ىم ٍن يىػ ٍرتى َّد ًم ٍن يك ٍم ىع ٍن ًدينً ًو فى ىس ٍو ى‬
‫ين ى‬
‫َّ ً‬
‫ين‪ ،) (‬كقاؿ أيضا‪ ‬يىا أىيُّػ ىها الذ ى‬
‫اتَّػبػع ى ًمن ال ً ً‬
‫ٍم ٍؤمن ى‬
‫ىى ى ي‬
‫يل اللَّ ًو ىكىال‬
‫اى يدك ىف فًي ىسبً ً‬ ‫ىع َّةو علىى الٍ ىكافً ًرين يج ً‬ ‫اللَّو بًىقووـ ي ًحبُّػهم كي ًحبُّونىو أ ًىذلَّ وة علىى الٍم ٍؤًمنً ً‬
‫ى يى‬ ‫ين أ ى‬ ‫ى ي ى‬ ‫ي ٍ ي ي ٍ ىي ي‬
‫ً ً‬ ‫ً ًً‬ ‫ً ً‬
‫يم ‪ ،) (‬كما حث النيب ‪‬‬ ‫يى ى افيو ىف لى ٍوىمةى ىالئ وم ذىل ى فى ٍ يل اللَّو ييػ ٍؤتيو ىم ٍن يى ىشاءي ىكاللَّوي ىكاس هع ىعل ه‬

‫( )أخرجو ابن حباف يف صحيحو ؾ‪ :‬الزكاة ‪ ،‬باب‪ :‬صدقة التطوع ح ‪ (3337‬صحيح ابن حباف‪ )126/8‬قاؿ شعيب‬
‫األرناؤكط‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬
‫( ) أخرجو النسائي يف سننو (‪.)376/5‬‬
‫( ) أخرجو الًتمذم ؾ ‪ :‬الرب كالصلة ‪ ،‬باب‪ :‬العفو عن اػبادـ ح‪ (1949‬سنن الًتمذم‪ )336/4‬قاؿ أبو عيسى ىذا حديث‬
‫غريب كقاؿ الشيخ األلباين ‪ :‬صحيح ‪.‬‬
‫( ) سورة الشعراء اآلية (‪.)215‬‬
‫( ) سورة اؼبائدة اآلية (‪.)54‬‬
‫على التواضع كرغب فيو ككاف سيد اؼبتواضعُت ‪ ،‬فعن عياض ابن ضبا ور ‪ ‬قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ اهلل ‪" : ‬‬
‫أحد" ( )‪.‬‬ ‫أحد‪ ،‬كال يبغي أح هد على و‬ ‫إف اهلل أكحى إرل أف تواضعوا حىت ال يفخر أح هد على و‬
‫ٌ‬
‫ماؿ‪ ،‬كما زاد اهلل عبدان بعف وو‬ ‫كعن أيب ىريرة ‪ ‬أف رسوؿ اهلل ‪ ‬قاؿ‪ ":‬ما نقصت صدقةه من و‬
‫إال عزان‪ ،‬كما تواضع أح هد هلل إال رفعو اهلل‪ ،) (".‬كغَت ذلك من األحاديث‪.‬‬
‫ر‬ ‫ش فًي ٍاأل ٍىر ً‬
‫ر ىم ىر نحا إًنَّ ى لى ٍن تى ٍ ًر ىؽ ٍاأل ٍىر ى‬ ‫كما ّنى اهلل عن الكرب كذـ اؼبتكربين ‪ ،‬قاؿ تعاذل ‪ ‬ىكىال تى ٍم ً‬
‫ش فًي ٍاأل ٍىر ً‬
‫ر ىم ىر نحا إً َّف اللَّوى ىال‬ ‫َّؾ لًلن ً‬
‫َّاس ىكىال تى ٍم ً‬ ‫ص ِّكع ٍر ىخد ى‬
‫وال ‪،) (‬كقاؿ‪ ‬ىكىال تي ى‬ ‫اؿ طي ن‬ ‫كلىن تىػ ٍبػلي ىغ ال ً‬
‫ٍجبى ى‬ ‫ى ٍ‬
‫اؿ فى ي وور ‪ ،) (‬كمعٌت تصعر خدؾ للناس أم‪ :‬سبيلو كتعرض بو عن الناس تكربان‬ ‫ب ي َّل يم ٍ تى و‬ ‫يي ًح ُّ‬
‫عليهم‪ .‬كاؼبرح‪ :‬التبخًت‪.‬‬
‫مسعود ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قاؿ‪:‬‬ ‫و‬ ‫كما دلت األحاديث على ذـ الكرب كاؼبتكربين فعن عبد اهلل بن‬
‫رجل‪ :‬إف الرجل حيب أف يكوف ثوبو حسنان‪،‬‬ ‫و‬ ‫و‬
‫"ال يدخل اعبنة من كاف يف قلبو مثقاؿ ذرة من كرب‪ ،‬فقاؿ ه‬
‫صبيل حيب اعبماؿ؛ الكرب بطر اغبق كغمط الناس"( )‪ .‬كمعٌت بطر اغبق‪:‬‬ ‫كنعلو حسنةن ؟ قاؿ‪ :‬إف اهلل ه‬
‫دفعو كرده على قائلو‪ ،‬كغمط الناس‪ :‬احتقارىم‪.‬‬
‫كل‬
‫كعن سلمة بن األكوع رضي اهلل عنو أف رجالن أكل عند رسوؿ اهلل ‪ ‬بشمالو‪ ،‬فقاؿ‪ٍ :‬‬
‫بيمينك‪ ،‬قاؿ‪ :‬ال أستطيع‪ ،‬قاؿ‪ :‬ال استطعت ما منعو إال الكرب‪ ،‬قاؿ‪ :‬فما رفعها إذل فيو ( )‪.‬‬
‫كىب ‪ ‬قاؿ‪ :‬ظبعت رسوؿ اهلل ‪ ‬يقوؿ‪ :‬أال أخربكم بأىل النار ؟‪ :‬كل‬ ‫كعن حارثة بن و‬
‫اظ مستك ورب"( )‬ ‫عتل جو و‬ ‫و‬
‫يف اعبباركف‬ ‫و‬
‫كعن أيب سعيد اػبدرم ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قاؿ‪ :‬احتجت اعبنة كالنار‪ ،‬فقالت النار‪ٌ :‬‬
‫يف ضعفاء الناس كمساكينهم‪ .‬فقضى اهلل بينهما‪ :‬إنك اعبنة رضبيت‪ ،‬أرحم بك‬ ‫كاؼبتكربكف‪ ،‬كقالت اعبنة‪ٌ :‬‬
‫علي ملؤىا" ( )‪.‬‬ ‫من أشاء‪ ،‬كإنك النار عذايب‪ ،‬أعذب بك من أشاء‪ ،‬كلكليكما ٌ‬

‫( ) أخرجو مسلم يف صحيحو ؾ‪ :‬اعبنة كصفة نعيمها ‪ ،‬باب‪ :‬الصفات اليت يعرؼ هبا يف الدنيا أىل اعبنة كأىل‬
‫النار‪.‬ح‪ (7389‬صحيح مسلم ‪)160/8‬‬
‫( ) أخرجو مسلم يف صحيحو ؾ ‪ :‬الرب كالصلة كاألدب ‪ ،‬باب‪ :‬استحباب العفو كالتواضع ح‪ (6757‬صحيح مسلم‬
‫‪.)21/8‬‬
‫( ) سورة اإلسراء اآلية (‪.)37‬‬
‫( ) سورة لقماف اآلية (‪.)18‬‬
‫( ) أخرجو مسلم يف صحيحو ؾ ‪ :‬اإلدياف‪ ،‬باب‪ :‬ربرًن الكرب كبيانو ح‪(275‬صحيح مسلم ‪.)65/1‬‬
‫( ) أخرجو مسلم يف صحيحو ؾ‪ :‬األشربة ‪ ،‬باب‪ :‬آداب الطعاـ كالشراب كأحكامهما ح‪(5387‬صحيح مسلم ‪.)109/6‬‬
‫( ) أخرجو البخارم يف صحيحو ؾ‪ :‬التفسَت ‪ ،‬تفسَت سورة القلم ح‪ (4634‬صحيح البخارم‪ )1870/4‬كمعٌت جواظ‪:‬‬
‫شديد الصوت يف الشر متكرب ـبتاؿ يف مشيتو‪.‬‬
‫كؼبا كاف للتواضع ىذه اؼبكانة اغبسنة ‪ ،‬كلنقيضو كىو الكرب ىذه الدرجة من الذـ ‪ ،‬حرص اإلسالـ على‬
‫التحلي بالتواضع يف معاملة الناس‪ ،‬كأكذل الناس هبذا اغبق العامل كاػبادـ ‪ ،‬كاؼبؤمن حريص على ما يقربو‬
‫كرب ككأنو قد اشًتاه دبالو‪،‬‬
‫من ربو‪ ،‬فال ييشعر ىذا اػبادـ أك العامل أنو عبد عنده كفبلوؾ لو كيتكلم معو ب‬
‫كإَنا يتواضع يف تعاملو معو بأف يأكل معو ‪ ،‬أك يشرب معو ‪ ،‬فهذا فبا يرفع الركح اؼبعنوية عند العامل ‪،‬‬
‫يضن دبجهوده يف العمل كالقياـ بو على أمت كجو‪ ،‬كلذلك رغب فيو النيب‪ ‬فعن أيب ىريرة ‪‬‬ ‫كجيعلو ال ي‬
‫قاؿ ‪ :‬قاؿ رسوؿ اهلل ‪ " ‬ما استكرب من أكل معو خادمو "( )‪.‬‬
‫‪7‬ػ ػ تعليمهم أمور دينهم‪:‬‬
‫علي صاحب العمل أف يعلم العامل كاػبادـ أمور دينو كالصالة كالصياـ‪ ،‬كيعلمو ؿباسن‬
‫األخالؽ‪ ،‬كذلك ينهاه عن البدع كاؼبنكرات‪ ،‬كقد يكوف العامل أك اػبادـ غَت مسلم فيدعوه صاحب‬
‫العمل إذل اإلسالـ‪ ،‬كيعاملو معاملة إسالمية تكوف سببان يف إسالمو‪.‬‬
‫كمن األمور الدينية اليت ينبغي لرب العمل أف يعلمها العامل أك اػبادـ ‪ ،‬عدـ اػبلوة باػبادمة من‬
‫اؼبخدكـ أك النظر إليها ؛ فإّنا أجنبية عنو أجَتة عنده ‪ ،‬كىي أمانة يف عنقو ‪ ،‬فهي داخلة يف عموـ األمر‬
‫بغض البصر‪ ،‬كالنهي عن اػبلوة باؼبرأة األجنبية ‪ ،‬كذلك ال زبلو اؼبرأة خبادمها كال تتكشف لو‪ ،‬فهذه من‬
‫األمور الدينية اؼبهمة اليت جيب على صاحب العمل أف يعلمها للعامل أك اػبادـ ‪ ،‬كترؾ تعليمها كعدـ‬
‫االىتماـ هبا يكوف لو أثر عظيم يف فساد كثَت من البيوت ‪ ،‬كظهور فنت كثَتة نسأؿ اهلل أف حيفظ بيوت‬
‫اؼبسلمُت منها‪.‬‬
‫ىذه بعض حقوؽ العماؿ كاؼبستخدمُت يف اإلسالـ‪ ،‬كعلى اؼبسلم أف يراقب اهلل يف ىؤالء‬
‫العماؿ كاؼبستخدمُت كأف حيرص جاىدا على إعطائهم حقوقهم بقدر ما يستطيع‪.‬‬
‫أصل اإلسالـ للعماؿ كاػبدـ من اغبقوؽ‪ ،‬كشرع ؽبم من اآلداب ما يتناسب‬ ‫كىكذا نرل كيف َّ‬
‫مع إنسانيتهم كالرضبة هبم‪.‬‬

‫( ) أخرجو مسلم يف صحيحو ؾ‪ :‬اعبنة كصفة نعيمها كأىلها ‪ ،‬باب‪ :‬النار يدخلها اعبباركف كاعبنة يدخلها الضعفاء‬
‫ح‪(7355‬صحيح مسلم ‪.)151/8‬‬
‫( ) أخرجو البخارم يف األدب اؼبفرد باب‪ :‬الكرب ح‪ ( 550‬األدب اؼبفرد ‪ )194/1‬كقاؿ الشيخ األلباين‪ :‬حسن‪.‬‬

You might also like