╪د┘ - - ┘ - - ╪╡┘ - - ╪د┘ - - ╪▒╪د╪ذ╪╣

‫الفصل الرابع‪ :‬فرنسا وجهودها الدبلوماسية اليقاف حرب القرم ‪1856-1854‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫فرنسا والجهود الدبلوماسية إليقاف حرب القرم‬
‫‪1854-1856‬‬
‫المبحث األول‬
‫المباحثات الدبلوماسية‬
‫ما بين ربيعين‬
‫‪1854-1855‬‬
‫ب دأت فرنس ا وبريطاني ا بمقاتل ة روس يا بحج ة إن األخ يرة احتلت أم اراتي ال دانوب‬
‫العثم انيتين‪ ,‬األم ر ال ذي ش كل خط راً على اس طنبول وبالت الي على المص الح الفرنس ية‬
‫والبريطانية هن اك‪ ,‬ل ذلك ب ات ه دف الحليفين إخ راج روس يا من اإلم ارتين أوال‪ ,‬ومن ثم‬
‫تدمير القوات الروسية في البحر األسود للحد من القوة الروسية هناك ثانيا‪ ,‬وبذلك انقسمت‬
‫أوربا إلى ثالثة أقسام‪ ,‬فرنسا وبريطانيا في حلف ضد روسيا‪ ,‬والنمسا وبروسيا في الحياد‪,‬‬
‫لكن الحياد األقرب للحلفاء من ه لروس يا(‪ ,)1‬فعن دما ح ركت بريطاني ا وفرنس ا أس طوليهما‬
‫شيئا ً فشيئا ً من البحر المتوسط باتجاه سيفاستوبول لم تكن لديهما نية محاربة روس يا‬
‫خارجية‪ ,)2‬فقد كانا يتوقعا الحصول على المس اعدة من النمس ا ال تي‬
‫(‬
‫لوحدهما دون مساعدة‬
‫كانت تمثل ثقالً كبيرا‪ ,‬ودخولها الحرب سيرجح كفة من ستدخل إلى جانبها(‪.)3‬‬
‫بدأت مفاوضات الدول المتحاربة والمحايدة في التاس ع من نيس ان من ع ام ‪1854‬على‬
‫أمل اكتساب حليف جديد وكانت النتيجة هي الخروج ببرنامج يتك ون من أرب ع نق اط ال تي‬
‫أصبحت أساسا لمفاوضات السالم المقبلة‪ ,‬والتي تمثلت بان يطلب من روسيا إلغاء حمايتها‬
‫على واالكيا وملدافيا وصربيا‪ ,‬وان تكون المالحة في الدانوب حرة للس فن التجاري ة ولك ل‬
‫البلدان وذلك بإنهاء سيطرة روسيا على قناة سالونيا‪ ,‬ويتم مراجعة وتنقيح ميث اق المض ائق‬
‫‪1‬‬
‫‪))-Puryear, op.cit., p.340.‬‬
‫‪-)(2‬تايلر‪ ,‬أ‪.‬ج‪.‬ب‪ ,‬الصراع على السيادة في اوربا (‪ ,)1918-1848‬ت‪ .‬كاظم هاشم ويوئيل يوسف‬
‫عزيز‪ ,‬بغداد‪ ,1980 ,‬ص‪.93‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()-Puryear, op.cit., p.341.‬‬
‫‪140‬‬
‫لعام ‪1841‬من اجل تحديد قوة روسيا في البحر األسود‪ ,‬وإدانة وش جب المط الب الروس ية‬
‫بحماية ورعاية المس يحيين األرث وذكس ل دى الب اب الع الي‪ ,‬وان يل تزم نيك والس بالنق اط‬
‫المذكورة أعاله(‪.)1‬‬
‫كانت النقطتين األولى والثانية من الناحية االقتصادية والتجارية مالئم‪22‬ة للنمس‪22‬ا‪ ,‬إذ إن‬
‫ذلك سيمنع روسيا من النجاح في صربيا‪ ,‬وكذلك سيقدم المصالح النمس‪22‬اوية التجاري‪22‬ة في‬
‫الدانوب‪ 2,‬وبذلك فان النقطتين األولى والثانية تم إدخالهما بواس‪22‬طة الحلف‪22‬اء لض‪22‬مان ال‪22‬دعم‬
‫العسكري النمساوي ضد روسيا‪ ,‬إما النقطة الرابعة فقد كانت ذات أهمي‪22‬ة طارئ‪22‬ة وليس‪22‬ت‬
‫ذات قيمة ألي من القوى الكبرى وهي فقط لمنع ما قد يحص‪22‬ل مس‪22‬تقبالً ح‪22‬ول االدع‪22‬اءات‬
‫التي يختل‪22‬ف عليه‪22‬ا في الش‪22‬رق األوس‪22‬ط كحج‪22‬ة للتوس‪22‬ع السياس‪2‬ي‪ ,‬وب‪22‬ذلك لم تكن لفرنس‪22‬ا‬
‫وبريطانيا مصالح مباشرة بالنقاط سوى إن فرنسا ستقض‪22‬ي على س‪22‬لطة روس‪22‬يا في أورب‪22‬ا‬
‫وبالتالي على مؤتمر فينا الهدف الثاني من الحرب‪ ,‬وبات الخالف اآلن على النقطة الثالثة‬
‫فقط(‪.)2‬‬
‫بعد بضغط من فرنسا وبريطانيا توصلت النمسا وبروسيا الى معاهدة دفاعية مشتركة‬
‫ضد روسيا في العشرين من نيسان سنة ‪1854‬تعهد فيها الملك البروسي فردري ك وليم إلى‬
‫النمسا بالمحافظة على األراضي النمساوية في إيطاليا من أية محاولة اس تقاللية بش رط إن‬
‫ال تتحالف مع أية قوة غير بروسية‪ ,‬واشترطت النمس ا على بروس يا أن ت دخل إلى جانبه ا‬
‫في الحرب إذا ما رفضت روسيا االنسحاب من األم ارتين "والكي ا ومل دافيا"‪ ,‬وق د وافقت‬
‫بروسيا على ذلك(‪ ,)3‬لذلك وفي الثالثين من حزيران سنة ‪ 1854‬أرسلت النمسا إلى روس يا‬
‫م ذكرة احتجت فيه ا على دخ ول الجيش إلى قلب البلق ان وس يطرته على نه ر ال دانوب‪,‬‬
‫وطالبت بسحب الجيش فورا إلى مواقعه السابقة وإال ستضطر إلى أخراج ه ب القوة(‪ ,)4‬وق د‬
‫كانت تل ك خط وة حاس مة من ج انب النمس ا إذ تح ول النمس اويون من الحي اد إلى التهدي د‬
‫الصريح بدخول الحرب وسارعت في الثالث عش ر من آب إلى توقي ع معاه دة م ع فرنس ا‬
‫وبريطانيا والدولة العثمانية نصت على قيام النمسا باحتالل أمارتي الدانوب في ح ال جالء‬
‫القوات الروسية عنها‪ ,‬وان تتحالف م ع ه ذه ال دول ض د روس يا إذا م ا اجت ازت الجي وش‬
‫الروس ية البلق ان(‪ ,)5‬وب ذلك وج دت روس يا نفس ها بع د اق ل من س تة أش هر من احتالله ا‬
‫لالمارتين في الرابع من تشرين األول أمام احتمال مجابهة النمسا في البلقان‪ ,‬ولكن روس يا‬
‫لم يكن ل ديها الق درة على مجابه ة النمس ا آن ذاك‪ ,‬ب ل ك ان على ال روس أن ينس حبوا من‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-Cadogan, op.cit., p.82.‬‬
‫‪-)3(3‬تايلر‪ ,‬المصدر‪ 2‬السابق‪ ,‬ص‪.97-96‬‬
‫‪-(4(4‬القوزي‪ ,‬المصدر‪ 2‬السابق‪ ,‬ص‪.113‬‬
‫‪-))5‬بسام العسلي‪ ,‬المصدر السابق‪ ,‬ص‪.317‬‬
‫‪141‬‬
‫األمارتين حتى وان لم تتقدم النمسا بإنذارها ألنهم كانوا يواجهون العثمانيين والحلفاء بدون‬
‫ضمان حياد من النمسا‪ ,‬لذلك قام القيص ر بتق ديم اق تراح إلى الحكوم ة النمس اوية وه و أن‬
‫تنسحب روسيا من األمارتين بشرط أن ال تسمح النمسا للحلفاء من الدخول إليها‪ ,‬وق د ك ان‬
‫هذا الرد غير كافيا ً بالنسبة للحكومة النمساوية(‪ ,)1‬لذلك استغل وزير خارجية فرنسا دروين‬
‫دي لويس تلك الفرصة للتفاوض مع النمسا من وراء ظهر بريطاني ا في ب ادئ األم ر‪ ,‬وق د‬
‫كان التفاوض على أساس النقاط األربعة السابقة وقد تولى دي لويس وبول وزير خارجي ة‬
‫النمسا صياغتها في مطلع ش هر تم وز س نة ‪1854‬بش كل جدي د لكنه ا احتفظت ب الجوهر‪,‬‬
‫وقدمت بعد ذل ك إلى مجلس ال وزراء البريط اني في التاس ع عش ر من تم وز ال ذي رفض‬
‫االلتزام بها‪ ,‬لذلك عاد بول ودي لويس بإعادة صياغتها في حال باتت النمس ا متورط ة في‬
‫حرب حول اإلمارتين(‪ ,)2‬لتعاد مرةً أخرى إلى بريطانيا‪ ,‬وأثناء انتظارهم لجواب الحكوم ة‬
‫البريطانية ك ان القيص ر ق د ق رر تف ويت الفرص ة على الحلف اء وأص در أوام ره إلى قائ د‬
‫الجيش بالعودة إلى ما وراء نهر بروث‪ ,‬استعداداً لالنسحاب من األمارتين ألنهم لم يع ودوا‬
‫قادرين على تحمل الضغط العثماني على قواتهم هناك حتى أعلنوا انسحابهم منها واعلم وا‬
‫الحكومة النمساوية بذلك في التاسع والعشرين من تموز(‪.)3‬‬
‫وعلى اثر ذلك سارعت النمسا إلى استغالل الفرصة وعقدت تحالفا مع الدولة العثماني ة‬
‫تضمن دخول النمسا لالمارتين إلى أن تنتهي الحرب وال يعطل خالل ذلك عمليات الحلفاء‬
‫الحربية ضد روسيا‪ ,‬وبعد نهاية األسبوع األول من آب سنة ‪ 1854‬لم يبق هناك أي جن دي‬
‫روس ي في الغ رب من نه ر ب روث(‪ ,)4‬وباش رت النمس ا إرس ال قواته ا إلى اإلم ارات على إن‬
‫تمنع قوات الحلفاء من دخولها‪ ,‬وبذلك أعلنت بروسيا إنه ا لن ت دخل الح رب ض د روس يا‬
‫مادام األخيرة قد خرجت من اإلمارتين‪ ,‬ولن تعبر الدانوب‪ ,‬لذلك فان النمسا ال تس تطيع أن‬
‫تدخل لوحدها الحرب ض د روس يا‪ ,‬ولم يع د هن اك أي س بب ي دفع النمس ا للتح الف م ع‬
‫فرنسا وبريطانيا‪ ,‬وعبثا ً حاول دي لويس إقناع النمسا بإعالن "الموافقة" فق ط على النق اط‬
‫األربعة دون أن ترقى إلى مستوى المعاهدة‪ ,‬وبالفعل جرى تبادل الموافقة على النقاط األربعة‬
‫دون توقيع معاهدةرسمية (‪.)5‬‬
‫انتهى السبب المعلن الذي دفع الحلفاء إلعالن الحرب على روسيا‪ ,‬ولم يعد هناك حجة‬
‫للحلفاء لالستمرار بالحرب دون أن يحقق نابليون الثالث المجد الذي كان يصبو إلي ه ودون‬
‫أن تحقق بريطانيا أهدافها‪ ,‬ويبدو إن السرعة الفائقة ال تي تحق ق به ا انس حاب ال روس من‬
‫‪-)(1‬تايلر‪ ,‬المصدر السابق‪ ,‬ص‪.97-96‬‬

‫‪-((2‬المصدر النفسه‪ ,‬ص‪.119‬‬
‫‪-)(3‬القوزي‪ ,‬المصدر‪ 2‬السابق‪ ,‬ص‪.113‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()-Duggan, op.cit., p.112.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()-Marrut, op.cit., p.268.‬‬
‫‪142‬‬
‫اإلمارتين هو السر في ان ه لم يعت بر ذل ك نص راً عظيم ا وس ببا وجيه اعلى ال رغم من أن‬
‫الضغط الفرنسي والبريطاني ه و ال ذي دف ع روس يا لالنس حاب‪ ,‬فل و انس حبت روس يا من‬
‫األمارتين بسبب خسارتها لمعركة مع الحلفاء لكان األمر مختلف تماما(‪.)1‬‬
‫بات على الحلفاء أن يبحثوا عن سبب جديد لالستمرار في تصعيدهم ضد روسيا ال تي‬
‫لم تكس ر ش وكتها بع د وم ادام الع داء بينه ا وبين الحلف اء ق د أعلن‪ ,‬وهن ا تص بح األم ور‬
‫واضحة جدا فلم تعد المسالة مسالة أراضي مقدسة أو حماية حق وق الكاثولي ك ب ل المس الة‬
‫هي إض عاف روس يا في الش رق‪ ,‬لكن الس ؤال ال ذي يط رح م ا الب ديل لمس الة اس تعادة‬
‫األمارتين؟ وكان البديل أما بعث بولندا‪ ,‬وشن حرب قارية ضد روس يا على نط اق واس ع‪,‬‬
‫أو نقل المعركة إلى مكان آخ ر‪ ,‬لكن المق ترح األول رفض من قب ل بريطاني ا ال تي لم تكن‬
‫ترغب في التورط بحرب ثورية‪ ,‬ولم تكن لدى الحلفاء أصال الق درة والمص ادر العس كرية‬
‫على خوض حرب كهذه(‪ ,)2‬كما إنها لم تكن ترغب في إغضاب النمسا وبروسيا وبع د ذل ك‬
‫فدي لويس نفسه كان ي رى من الض روري المحافظ ة على رض ى فين ا وبروس يا(‪ ,)3‬ل ذلك‬
‫توصل الحلفاء في فارنا إلى قرار هام المتمثل بض رب الق وة الروس ية في القلب والمتمث ل‬
‫بسيفاستوبول‪ ,‬وذلك الن الحلفاء لم يقتنعوا باستعادة الوضع الس ابق فق ط ب ل عليهم ت امين‬
‫ضمانات على األقل لجعل روسيا تقبع في حدودها مدة معينة من الزمن(‪ ,)4‬كم ا إن النمس ا‬
‫هي األخ رى على ال رغم من ارتياحه ا ل دخول قواته ا إلى اإلم ارات إال أنه ا ك انت قلق ة من أن‬
‫استمرار العمليات العسكرية ق د ي دفع روس يا إلى إعالن الح رب ض د النمس ا األم ر ال ذي‬
‫سيسببلها الكثير من الضرر إذ أخذنا بالحس بان إن الح دود النمس اوية مكش وفة لروس يا‪,‬‬
‫النمساوية)‪,‬‬
‫(‪5‬‬
‫وان األخيرة تستطيع االعتماد على تعاطف السالف القانطين في اإلمبراطورية‬
‫لذلك بات على النمسا السعي إلى السالم فدعا بول إلى استئناف مؤتمر فين ا بمش اركة ك ل‬
‫من فرنسا وبريطاني ا ورفض ت بروس يا االنض مام إلي ه‪ ,‬وفي الث امن من آب ‪ 1854‬تب نى‬
‫ممثلي القوى الثالثة اقتراح من نابليون الثالث مذكرة عرفت بالضمانات األربعة ملخص ها‬
‫أن تلك الضمانات غير كافية إلعادة السالم إلى أورب ا‪ ,‬ب ل الب د من ض مانات جدي دةتكون‬
‫أكثر قبوال لكال الطرفين المتنازعين(‪.)6‬‬
‫لذلك سعت كل من روسيا وفرنسا وبريطانيا إلى ض م النمس ا ال تي لم يع د هن اك س بب‬
‫يدفعها لدخول الحرب‪ ,‬أو على األقل منعها من االنضمام إلى الجانب اآلخر‪ ,‬ولهذا لم يه دد‬
‫‪-))1‬تمبرلي‪ 2,‬المصدر السابق‪ ,‬ص‪.391-390‬‬

‫‪-)(2‬تايلر‪ ,‬المصدر‪ 2‬السابق‪ ,‬ص‪.99‬‬
‫‪-))3‬صفوت‪ ,‬المصدر السابق‪ ,‬ص‪.43‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-)(5‬التكريتي‪ 2,‬المسالة‪ ,....‬ص‪.195-194‬‬
‫‪6‬‬
‫‪143‬‬
‫القيصر نيك والس بص ورة جدي ة أب دا بالس يطرة على المن اطق المتاخم ة لجن وب الح دود‬
‫الروسية على حساب النمسا(‪ ,)1‬وقد قام الحلفاء في تلك األثن اء بمحاول ة يائس ة لكس ب‬
‫النمسا من جديد إلى جانبهم‪ ,‬لكن بول كان قد تحجج ب رفض ال ديات األلم اني من الس ماح‬
‫لبروسيا الدخول إلى جانب النمسا لذلك باءت تلك المحاولة كسابقتها بالفشل (‪.)2‬‬
‫توجه بعد ذلك نابليون الثالث بالبحث عن حليف جديد‪ ,‬وقد اتجهت أنظاره نح و الس ويد‬
‫التي كان سيمثل دخولها إرباكا ً للقوات الروس ية في فنلن دا‪ ,‬وق د اش ترط مل ك الس ويد على‬
‫فرنسا مقابل دخوله الحرب إلى جانب الحلفاء ان ترسل بريطانيا وفرنسا جيش ا يتك ون من‬
‫خمس ين أل ف مقات ل‪ ,‬وان يض منا للس ويد اس تيالئها على فنلن دا وض مها إليه ا‪ ,‬ولم ي ر‬
‫بالمرس تونرئيس وزراء بريطاني ا بأس ا من ض مان ه ذه المط اليب على أن ال تش ترك‬
‫بريطانيا في الجيش المطلوب إرساله إلى فنلندا‪ ,‬ولم يش أ ن ابليون الث الث ان يض طلع به ذه‬
‫المهمة لوحدة السيما أن ثقل حرب القرم كان الجيش الفرنسي قد تحمل ج ز ًء كب يرا منه ا‪,‬‬
‫لذلك لم تؤد محادثات مع ملك السويد إلى النتيجة التي توخاها الحلفاء‪ ,‬وانتهت المفاوضات‬
‫عند هذا الحد(‪.)3‬‬
‫بعد إن يأس الحلفاء من الحصول على حليف جديد داخل القارة األوربي ة رك ز ن ابليون‬
‫الثالث جهوده لتقوية عالقته م ع بريطاني ا حيث وج ه دع وة إلى األم ير أل برت(‪)Albert‬‬
‫زوج الملكة فكتوري ا لزي ارة المعس كر الفرنس ي في بول ون على ش واطئ الم انش‪ ,‬وك ان‬
‫هدف نابليون الثالث من تلك الدعوة هو تعزي ز العالق ات الشخص ية م ا بين ه وبين األم ير‬
‫نفسه‪ ,‬وكانت رسالته إلى األمير لطيفة للغاية‪ ,‬لكنها أث ارت اس تغراب األم ير ألنه ا لم تكن‬
‫متوقعة‪ ,‬األمر الذي دفعه إلى استشارة كل من اللوردين كالرندون واب ردين(‪Clarendon‬‬
‫‪ ,)Aberdeen‬والل ذان نص حاه أن يقب ل ال دعوة وان ين ادي اإلم براطور بلقب " األخ‬
‫العزيز" وبالفع ل أرس ل األم ير أل برت موافقت ه على قب ول ال دعوة موقع ة باس م " األخ‬
‫الصالح" كما استحسنت الملكة الزيارة واعتبرتها أمرا صحيحا وطبيعيا(‪.)4‬‬
‫وبالفعل وصل األمير ألبرت في الرابع من أيلول سنة ‪ 1854‬إلى معسكر بولون‪ ,‬وكان‬
‫باستقباله كل من اإلمبراطور نابليون الثالث ووزير خارجيته دروين دي لويس والمارشال‬
‫ف ايالن(‪ )Vaillant‬والج نرال مون تي بيل و (‪ )Montebello‬والكولوني ل فلي وري (‬
‫‪1‬‬
‫‪()-Latimery, Elizabeth Wormeley, Russia and Turkey in the nineteenth‬‬
‫‪century, Chicago, 1893, p.148.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-Parry, C., The Consolidated Treaty Series, Vol (114))1854-1855), New York,‬‬
‫‪1969, p.596.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()-Smoke, R., War Controlling Escalotion, London, 1977, p. 424.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()-Singer, Barnett and John, Langdon Cultured Force ( Makers and Fenders‬‬
‫‪of the French colonial empire), London, 1972, p.73.‬‬
‫‪144‬‬
‫‪ )Col.Fleure‬فض ال عن ض باط آخ رين‪ ,‬وانف رد اإلم براطور م ع األم ير ط وال س ت‬

‫ساعات تباحثوا خاللها في األمور المحلية والخارجي ة وح رب الق رم‪ ,‬كم ا تن اولوا قض ية‬
‫الجيوش في القرم‪ ,‬وعبر اإلمبراطور عن تشاؤمه فيما يتعل ق بحص ار سيفاس توبول‪ ,‬على‬
‫العكس من باقي الضباط في المعسكر‪ ,‬كما تض من النق اش السياس ة األلماني ة‪ ,‬وال تي رأى‬
‫من جانبه األمير انه يشاطر الرجال الفرنسيين المخ اوف المرعب ة من أن ألماني ا ستص بح‬
‫متعب ة وص عبة إن اتح دت بق وة‪ ,‬في حين أوض ح اإلم براطور ان ه متلهف ا لوح دة اس بانيا‬
‫والبرتغ ال وخض وعهما لمل ك واح د‪ ,‬ولومباردي ا متح ررة من حكم النمس ا‪ ,‬ويتم اس تعادة‬
‫بولندا‪ ,‬وفي الوقت الذي عبر ضيف اإلمبراطور زوج الملكة عن رغب ة الملك ة في رؤيت ه‬
‫في بريطاني ا‪ ,‬وك ذلك التع رف ب اإلمبراطورة‪ ,‬رد اإلم براطور ان ه يأم ل أوال أن يحض‬
‫بفرص ة اس تقبال الملك ة في ب اريس في الس نة القادم ة عن دما يكتم ل الل وفر(‪Louvr()1‬‬
‫‪)e‬ويصبح جاهزا للعرض‪ ,‬وفيما غادر األمير بولون سلم نابليون الثالث رسالة للملكة ذكر‬
‫فيها إن حض ور الملك ة إلى ب اريس ه و في الحقيق ة غاي ة التم يز السياس ي‪ ,‬لكون ه اظه ر‬
‫االتحاد الخاص بين الدولتين‪ ,‬وانتهى الموضوع بهذا الشكل(‪.)2‬‬
‫بعد أس بوعين من زي ارة األم ير أل برت إلى بول ون وص لت أخب ار نج اح الحلف اء في‬
‫النزول في يوباتوريا‪ ,‬وانتصارهم في معركة الما‪ ,‬األمر ال ذي قوب ل بحم اس ش ديد داخ ل‬
‫فرنسا‪ ,‬وثبط من عزيمة الصالونات الذي كان يجتمع فيها المعارضون للنظام الفرنسي من‬
‫ال ذين لم يتوقف وا عن دعم روس يا معنوي ا‪ ,‬وح تى وان ك ان ض د بالدهم‪ ,‬على أم ل إي ذاء‬
‫اإلم براطور‪ ,‬فق د ذك ر المع ارض تي ير من أن على المعارض ة أن تمتن ع عن اس تخدام‬
‫العالقات الخارجية لفرنسا كساحة حرب‪ ,‬ففي تلك الحالة يعت بر الخط أ مهلك ا وق اتال‪ ,‬لكن‬
‫علين ا االتح اد ض د األجن بي‪ ,‬مؤك دا على أن أنص ار آل بورب ون ال يمكنهم تحم ل رؤي ة‬
‫بونابرت وقد تعززت قوت ه من خالل تحالف ه معملك ة بريطاني ا‪ ,‬فهم ال يس تطيعون تحم ل‬
‫فكرة إن هذا اإلجراء قد يعمل على تدعيم وتعزيز هيبة المجد العسكري‪ ,‬فهم يسعون لجعل‬
‫شعبية الحرب متردية(‪.)3‬‬
‫‪ -)(1‬اللوفر‪ 2:‬من اهم المتاحف الفنية في العالم‪ ,‬يق‪2‬ع في الض‪2‬فة الش‪2‬مالية لنه‪2‬ر الس‪2‬ين في ب‪2‬اريس‪ ,‬وه‪2‬و‬
‫عبارة عن قلعة بناها فيليب اوغست عام ‪ 1190‬لتكون وسيلة لحماية المدينة اثن‪22‬اء غياب‪22‬ه الطوي‪22‬ل في‬
‫الحمالت الصليبية‪ ,‬واخذت القلعة اسم المكان الذي شيدت فيه‪ ,‬ليتح‪22‬ول الحق‪22‬ا الى قص‪22‬ر ملكي ع‪22‬رف‬
‫باسم قصر‪ 2‬اللوفر‪ ,‬قطنه ملوك فرنسا‪ 2‬وكان آخر من اتخذه مقرا رسميا‪ 2‬هو الملك ل‪22‬ويس الراب‪22‬ع عش‪22‬ر‪,‬‬
‫ثم ح‪22‬ول الى متح‪22‬ف س‪22‬نة ‪ ,1793‬ليص‪22‬بح اك‪22‬بر ص‪22‬الة ع‪22‬رض للفن عالمي‪22‬ا‪ ,‬وب‪22‬ه العدي‪22‬د من اآلث‪22‬ار‬
‫المصرية التي سرقت اثناء الحملة الفرنسية على مصر‪ ,‬ويرتاده سنويا‪ 2‬ثمانية ماليين زائر‪.‬ينظر‪:‬‬
‫‪The New Encyclopaedia Britiannica , Vol.5 ,U.S.A. , 1985, CD.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-Senger and John, op.cit., p.75.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()-Fieldhous, David, Economic and Empire (1830-1914), Oxford, 1980, p.105.‬‬
‫‪145‬‬
‫دفعت النجاحات السياسية والعسكرية الفرنسية السابقة ن ابليون الث الث في نهاي ة تش رين‬
‫الثاني سنة ‪ 1854‬بإرسال رسالة شديدة اللهجة إلى اإلمبراطور النمساوي فرانس جوزيف‬
‫طالبا منه إما التحالف أو إنهاء العالقات مع القوى الغربية‪ ,‬وفي الحقيقة كان هدف ن ابليون‬
‫الثالث من ذلك هو تامين حليف فعال إلجبار الروس على القبول بالضمانات األربعة األمر‬
‫الذي ينهي الحرب بصورة مبكرة(‪ ,)1‬وبما إن النمسا كانت تخشى من هج وم روس ي عليه ا من‬
‫البلقان واف ق فرانس وا جوزي ف ام براطور النمس ا على عق د تح الف بش رط أن ال يض يف‬
‫الحلفاء شروط أخرى إلى البنود المذكورة سابقا (‪.)2‬‬
‫نتيجة لما سبق شهدت العاصمة النمساوية فينا نشاطا مكثفا لعق د م ؤتمر للس الم‪ ,‬وعق د‬
‫المؤتمر في نهاية عام ‪ ,1854‬وعبرت روسيا عن رغبتها بحضوره‪ ,‬وعلي ه وقعت النمس ا‬
‫تحالفا مع الدول الغربية في الث اني من ك انون األول(‪ ,)3‬نص ت إح دى م واده الس رية إذ لم‬
‫يتم إيقاف الحرب على أساس النقاط األربعة فان النمسا ت دخل الح رب وتك ون وجه ا لوج ه‬
‫مع ال روس وتب ع ذل ك إعالم الس فير الروس ي في فين ا بطلب ات ال دول المتحالف ة لتحقي ق‬
‫األربعة‪ ,)4‬وكما هو واضح إن المشكلة اآلن باتت ح ول‬
‫(‬
‫الصلح والتي تنص على الضمانات‬
‫النقطة الثالثة فقط‪ ,‬فالنقطة األولى والثانية ك انت ق د نف ذتا بمج رد االنس حاب الروس ي من‬
‫الواليتين‪ ,‬أما النقطة الرابعة لم تكن ذات أهمية‪.‬‬
‫بعد إن تم توقيع المعاهدة السابقة كان هناك حماس في فينا‪ ,‬وغض ب في بطرس بورغ‪,‬‬
‫فبعد ساعات من توقيع تلك المعاهدة دخ ل غورتش اكوف المبع وث الروس ي الى فين ا على‬
‫بول واخبره من أن النمسا قد خدعت من قبل الحلف اء‪ ,‬ومن ان ه ق د ج اء من اج ل الس الم‬
‫الذي أصبح اآلن من الصعب تحقيقه‪ ,‬وهدد بأنه سيأخذ جواز سفره‪ ,‬وقد اخ بره ب ول بع دم‬
‫فعل ذلك‪ ,‬الن ال دول تس مح ل ه بمناقش ه ش روط الس الم‪ ,‬وم ع ذل ك لم يكن غورتش اكوف‬
‫مقتنعا بذلك‪ ,‬وغادر المكتب وهو بحالة مزاجية سيئة(‪.)5‬‬
‫نتيجة للضغط النمساوي والبروسي‪ ,‬والهزائم العسكرية التي مني بها الروس في القرم‬
‫وافقت روسيا من حيث المب دأ على النق اط األربع ة‪ ,‬ل ذلك ش ارك غورتش اكوف المبع وث‬
‫الروسي الى فينا في المباحث ات ال تي ك انت تج ري في فين ا ابت داء من ك انون األول س نة‬
‫‪1‬‬
‫‪()-Roth, Edward, Life of Napoleon III Emperor of the French, Boston, 1880,‬‬
‫‪p.92.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-Roth, op.cit., p.94-95.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()-De Harcourd, M.le Comte Bernard , Diplomatie et Diplomatic les Quatre‬‬
‫‪Ministers, Paris, 1882, p. 76.‬‬
‫‪ -)(4‬العسلي‪ ,‬المصدر السابق‪ ,‬ص‪.302‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()-Harcourd, op.cit., p.78.‬‬
‫‪146‬‬
‫‪ ,1854‬والتي كان يشارك فيها كل من فرنسا وبريطانيا والدولة العثمانية فضال عن وزي ر‬
‫الخارجية النمساوي بول(‪.)1‬‬
‫في تلك األثناء قدمت فرنس ا مقترح ا جدي دا للس الم في العاش ر من ك انون األول‪ ,‬تمث ل‬
‫باإلبقاء على النقطة األولى والثانية والرابعة‪ ,‬أم ا النقط ة الثالث ة فق د اج ري عليه ا تع ديال‬
‫تمثل بان يجب أن يكون هدف مراجعة معاهدة الثالث عشر من تموز ‪ 1841‬ه و أن تلح ق‬
‫الدولة العثمانية بالركب األوربي للمحافظة على التوازن والهدوء في أوربا وإزال ة التف وق‬
‫الروسي البح ري في البح ر األس ود‪ ,‬وق د ق دم دي ل ويس المق ترح إلى كالرن دون وزي ر‬
‫الخارجية البريط اني للحص ول على موافق ة بريطاني ا قب ل تقديم ه بالي د إلى روس يا‪ ,‬وق د‬
‫احتجت بريطانيا على ذل ك ألن فرنس ا ت ركت األم ر غامض ا‪ ,‬فطلبت بريطاني ا أن تك ون‬
‫الشروط المذكورة فيما يتعلق بالبحر األسود واض حة تمام ا‪ ,‬لكن دروين أص ر على إبق اء‬
‫كلمات المسودة األصلية كما هي في مذكرته‪ ,‬وقال إن فرنسا ال ترغب بتوس يع مقترحاته ا‬
‫كما تم ترتيبها في الثامن من آب سنة ‪ 1854‬إلى أن يبرر التق دم في الح رب ه ذا التوس ع‪,‬‬
‫لذلك لم يعط الطلب البريطاني أدنى اهتمام(‪ ,)2‬وبما إن فرنس ا لم تكن ت رغب ب ان تع رض‬
‫التحالف االنكلو‪-‬فرنسي للخطر لجأت إلى االتفاق مع بريطاني ا ع بر مراس الت س رية في‬
‫السابع عشر والتاس ع عش ر من ك انون األول س نة ‪ 1854‬إلى تض ييق الخالف فيم ا بينهم‬
‫حول النقطة الثالثة والذي تمثل بان تدمر سيفاستوبول وان يسمح لروسيا باالحتفاظ بأربع ة‬
‫ب واخر حربي ة فق ط في البح ر األس ود(‪ ,)3‬ف اتفقت م ع بريطاني ا على تق ديم النقط ة الثالث ة‬
‫بكلمات مبهمة إلى النمسا وروسيا بشرط تغيير مسودة الم ذكرة الفرنس ية لتص بح مفهوم ة‬
‫لتفسير الحق فيما يؤكد أهداف بريطانيا من الحرب(‪.)4‬‬
‫لذلك طلبت بريطانيا من فرنسا الموافقة على إبدال بعض الكلمات كما سيض عها دروين‬
‫في النقط ة الثالث ة وبع د ذل ك ارج ع كالرن دون المس ودة الفرنس ية األص لية للم ذكرة م ع‬
‫التغييرات البريطانية المؤشر عليها بالحبر األحم ر‪ ,‬وب ذلك ب اتت المش كلة الك برى بوج ه‬
‫المفاوضات هي االستيالء على سيفاستوبول والبح ر األس ود الل تين تعت بران محالً خط راً‬
‫على الدول ة العثماني ة وربم ا خالل ثماني ة وأربعين س اعة تس تطيع روس يا الوص ول إلى‬
‫اسطنبول‪ ,‬واالس تيالء على قلب اإلمبراطوري ة العثماني ة‪ ,‬وس يكون الب اب الع الي ض عيفا‬
‫وحلفاؤه بعيدين جدا لتقديم المساعدة أليه‪ ,‬وسيكون البس فور وال دردنيل في ي د روس يا قب ل‬
‫وص ول الحلف اء‪ ,‬وس تكون روس يا في وض ع ق ادر على دح رهم‪ ,‬ثم عن دما تك ون الدول ة‬
‫العثماني ة في قبض تها سيص بح البح ر األس ود بح يرة روس ية وس تهيمن على كاريبي ا(‬
‫‪ )Karribia‬وجورجيا وبالد فارس وآسيا الصغرى‪ ,‬وستمتد قوتها إلى اليونان وتيس الي((‬
‫‪ Tisali‬والباني ا وإم ارات ال دانوب‪ ,‬ثم ستص بح روس يا ص احبة الكلم ة العلي ا في أورب ا‪,‬‬
‫‪-((1‬التكريتي‪ 2,‬المسالة‪ ,....‬ص‪.196‬‬
‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()-Anderson, op.cit., p. 136.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()-Devleti,Osmanli, OsmanliBelgelerindekirmsavasi (1853-1856), Ankara,‬‬
‫‪2006, p.157.‬‬
‫‪147‬‬
‫وس تحدث ه ذه األش ياء ف ورا ومباش رة ل و س محت فرنس ا وبريطاني ا لروس يا باالحتف اظ‬
‫بحصنها في سيفاستوبول وكذلك تفوقها العسكري في البحر األسود(‪.)1‬‬
‫بعد ذلك قام البريطانيون بتنقيح الم ذكرة الفرنس ية وإرس الها إلى النمس ا ال تي قبلت به ا‬
‫بدون تعديالت‪ ,‬وقامت النمسا بدورها بتسليم المذكرة الرسمية والتي تمثل التفس ير الكام ل‬
‫المبهم للنقط ة الثالث ة ال تي ته دف إلى إنه اء التف وق الروس ي في البح ر األس ود إلى‬
‫غورتشاكوف في الثامن والعشرين من ك انون األول ‪ 1854‬وج رت بعض النقاش ات عن د‬
‫تقديم هذه الوثيقة في روسيا‪ ,‬وقد جرت المناقشات صباحا ولم يتم التوصل إلى قرار‪ ,‬ل ذلك‬
‫استؤنفت ظهرا‪ ,‬ولم تكن هناك خطة مرسومة ب ل ت رك ك ل ش يء لالرتج ال(‪ ,)2‬وق د واف ق‬
‫غورتشاكوف على عبارة إلحاق اإلمبراطوري ة العثماني ة بص ورة كامل ة ب التوازن األوربي‬
‫لكنه رفض االلتزام بوضع نهاية للتفوق الروسي في البحر األسود‪ ,‬وق د اخ بر الن اطق‬
‫الرسمي النمساوي بوركويني (‪ )Burkwyne‬المبعوث الروسي بأنه ليس في نية البالطات‬
‫نيكوالس)‪ ,‬وبع د ذل ك طلبت روس يا‬
‫(‪3‬‬
‫الثالثة اقتراح إجراءات ستجرح كرامة وشرف القيصر‬
‫إعطائها مهلة زمنية لمناقشة هذه الشروط (‪.)4‬‬
‫أما نابليون الثالث فقد ع اد لالهتم ام بالش ؤون الحربي ة‪ ,‬ودع ا إلى اجتم اع ف وق الع ادة‬
‫للمجلس التشريعي في أواخر ك انون األول‪ ,‬من اج ل منح المزي د من اإلم دادات للح رب‪,‬‬
‫وكالعادة استهل خطابه بروح العهد الجدي د ال ذي اعت بر نفس ه زعيم ا ل ه‪ ,‬م ذكرا المجلس‬
‫باألعم ال العظيم ة ال تي ق ام به ا الجيش في الق رم‪ ,‬والعالق ات المتين ة ال تي وص لت له ا‬
‫بريطانيا وفرنسا‪ ,‬ذاكرا إن فرنسا كانت قد جددت شبابها اآلن بعد تراجع دام أربعين س نة‪,‬‬
‫مؤكدا على المعاهدة التي الدفاعية التي وقعتها النمسا مع فرنسا في الثاني من كانون األول‬
‫آمال على أن تص بح هجومي ة في المس تقبل الق ريب‪ ,‬وب ذلك تعم ل على توحي د غايت ه م ع‬
‫فرنسا وبريطانيا‪ ,‬وان حلفاءهم باتوا ي زدادون يوم ا بع د ي وم‪ ,‬وتص بح التحالف ات القديم ة‬
‫وثيقة أكثر‪ ,‬وان تحالف فرنسا وبريطانيا ليس نتاج قناعة عابرة أو سياس ة عرض ية وإنم ا‬
‫هو اتحاد بين قوتين اجتمعتا معا من اجل نصرة قضية‪ ,‬كما وج ه ش كره إلى البرلم ان لم ا‬
‫أظهره من مشاعر المودة الدافئة‪ ,‬وشكر أيضا الجيش البريطاني وقائدهم الج دير لتع اونهم‬
‫المثمر‪ ,‬وكذلك الجيش الفرنسي الشجاع وبحريته الباسلة‪ ,‬متذكرا القائد الشجاع سانت آرنو‬
‫ال ذي أمهل ه الم وت فرص ة قي ادة الجيش الفرنس ي لالنتص ار في معرك ة ألم ا‪ ,‬وق د طلب‬
‫ن ابليون قرض ا جدي دا بقيم ة ‪ 500000000‬فرن ك‪ ,‬واختتم اإلم براطور كالم ه ق ائال أن‬
‫النزاع الذي م ازال متواص ال حوف ظ علي ه في أط ار التزام ات ورواب ط متعلق ة بالتع ديل‬
‫‪1‬‬
‫‪()- Devleti, op.cit., p.157.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()-puryear, op.cit., p. 361,363.‬‬
‫‪-)(4‬العسلي‪ ,‬المصدر‪ 2‬السابق‪ ,‬ص‪.320‬‬
‫‪148‬‬
‫والعدالة‪ ,‬على الرغم من أنه ا تجع ل قل وب الرج ال تتس ارع في دقاته ا‪ ,‬إال إنه ا ال تجع ل‬
‫المن افع الجوهري ة مض طربة إال بعض الش يء‪ ,‬وان فرنس ا ستش هد اس تقبال منتج ات من‬
‫جميع أنحاء العالم ملمحا إلى المعرض الدولي(‪ )1‬الذي كان من المق رر أن يق ام في فرنس ا‪,‬‬
‫ذاكرا أن األجانب سيذهلون من التقدم الذي أحرزته البالد‪ ,‬باعتمادها على الحماي ة اإللهي ة‬
‫وفي ال وقت نفس ه تخ وض حرب ا تبع د عنه ا س تمائة فرس خ ف الحرب لم تمن ع البالد من‬
‫مواصلة تقدمها في الصناعة والزراعة‪ ,‬ولم تكن حائال أمام ازده ار اآلداب والفن ون‪ ,‬وان‬
‫عباقرة األمة يواصلون إظهار وإضافة كل ما هو في صالح مجد فرنسا(‪.)2‬‬
‫صوت النواب باإلجماع على كل ما طلبته الحكومة وحملوا ردهم إلى اإلمبراطور معي نين‬
‫الكونت دي مورني (‪ )Count de Morny‬ألول م رة على رأس هم ك رئيس لهم‪,‬وت برع‬
‫‪ 179300‬من رعايا نابليون الثالث بأكثر من ملي ارين من المبل غ المطل وب‪ ,‬وانتهت س نة‬
‫‪ 1854‬بتقديم اإلمبراطور الشكر للبرلمان الفرنسي والى القوات البريطاني ة المش تركة في‬
‫الحرب(‪.)3‬‬
‫وهكذا انتهى عام ‪ 1854‬مع بقاء األوضاع على ما هي عليه‪ ,‬النمسا تماطل في دخوله ا‬
‫الح رب إلى ج انب الحلف اء‪ ,‬وفرنس ا تماط ل من اج ل تحقي ق أه دافها‪ ,‬ح تى انتهى ع ام‬
‫‪1854‬ومضى وهو يحم ل أم ل بالص لح‪ ,‬لكن ق وات الحلف اء س محت ب دخول ق وة جدي دة‬
‫وغير متوقعة إلى الحرب أمالً أن تغير شيئا ً من سير األحداث‪ ,‬وهذا ما سنتناوله بالمبحث‬
‫الثاني‪.‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫‪-)(1‬كان صاحب فكرة المعرض ال‪2‬دولي ه‪2‬و األم‪2‬ير ال‪2‬برت ال‪2‬ذي ك‪2‬ان موف‪2‬ور ال‪2‬ذكاء وذا تعليم ممت‪2‬از‬
‫غير عادي‪ ,‬وقد صدم صدمة كبيرة عندما تزوج الملكة فكتوريا وعاش في بريطانيا‪ 2‬ووجد إن الش‪22‬عب‬
‫البريطاني يعاني من الركود الذهني‪ ,‬فأراد‪ 2‬زيادة الوعي لديهم‪ ,‬فش‪22‬جع على إقام‪22‬ة مع‪22‬رض دولي ليتم‬
‫الموازنة بين المنتجات الفنية والصناعية لدى الدول والصناعات البريطاني‪22‬ة‪ ,‬وق ‪2‬د‪ 2‬أقيم المع‪22‬رض س‪22‬نة‬
‫‪ 1851‬في ساحة الهايد بارك ( (‪Hyde Park‬في لندن داخل مبنى جديد من الحديد والزج‪22‬اج‪ ,‬األم‪22‬ر‬
‫الذي جعل البريطانيين يدركون أن الشعب البريطاني‪ 2‬ليس الشعب الصناعي الوحيد‪:‬‬
‫‪ -‬ه‪ .‬ج‪.‬ولز‪ ,‬معالم تاريخ اإلنسانية في التاريخ الحديث (‪ ,)1965-1600‬ت‪.‬عبد العزيز‪ 2‬توفيق‬
‫جاويد‪ ,‬م‪.‬الرابع‪ ,‬ب‪.‬م‪ ,‬ب‪.‬ت‪ ,‬ص‪.195‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-Singer and John, op.cit., p.80.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪149‬‬
‫دخول سردينيا الحرب‬
‫منذ ثورة ‪ 1848‬كانت مملكة س ردينيا الحكوم ة الوحي دة ال تي تجنبت إقح ام نفس ها في‬
‫معترك السياسة‪ ,‬وحاربت النف وذ النمس اوي في ايطالي ا‪ ,‬وأص بحت م أوى لك ل الوطن يين‬
‫الذين كانوا يأملون بالوحدة الوطنية(‪ ,)1‬وقد ازدهرت أيضا بق وة تحت دس تورها اللي برالي‪,‬‬
‫وضاعفت من ص ناعتها‪ ,‬وط ورت تجارتها(‪ ,)2‬وك انت بانتظ ار الفرص ة ال تي تثبت به ا‬
‫وجوده ا على الس احة الدولي ة‪ ,‬وال تي واتته ا فعال في ع ام ‪ 1854‬في ح رب الق رم‪ ,‬ففي‬
‫نهاية ذلك العام ك ان الحلف اء ب أمس الحاج ة ل دخول النمس ا إلى ج انبهم‪ ,‬وك انت النمس ا‬
‫ترفض ذلك(‪ ,)3‬ألنها كانت تخشى من أن تضعف في ايطاليا نتيج ة لنق ل ج زء من الق وات‬
‫النمس اوية إلى الجبه ة الروس ية‪ ,‬فض ال عن ان ه إذا نجحت النمس ا بإقن اع روس يا بالنق اط‬
‫األربعة فقد تجد نفسها مهددة من قبل فرنسا بدال من روسيا‪ ,‬ل ذا لم تكن النمس ا ق ادرة على‬
‫المساومة مع ال روس من دون المس اومة م ع الق وى الغربية(‪ ,)4‬من ه ذه النقط ة ك ان على‬
‫فرنسا التحرك لضمان الدعم النمساوي‪ ,‬أي إن تجعل النمسا مطمئنة من جهة ايطاليا‪ ,‬لذلك‬
‫بدأت فرنسا تفاوض سردينيا للدخول إلى الحرب(‪.)5‬‬
‫في الوقت نفسه كانت سردينيا تريد تحسين عالقاتها م ع فرنس ا‪ ,‬وك انت تأم ل في ي وم من‬
‫األيام أن تأتي الجيوش الفرنس ية لتط رد الجي وش النمس اوية عن أراض يها‪ ,‬ل ذلك أج برت‬
‫حرب القرم كافور(‪ )6‬رئيس وزراء س ردينيا إن يتخ ذ ق راره بس رعة‪ ,‬ولحس ن حظ ه ك ان‬
‫الحلفاء على استعداد للتعامل م ع أي ة جه ة ك انت لتق دم المس اعدة‪ ,‬وقب ل ك ل ش يء ك انوا‬
‫حريصين لكسب النمسا ال تي يع ني دخوله ا ش لال للتق دم الروس ي في البلق ان‪ ,‬لكن النمس ا‬
‫‪-))1‬للمزيد راجع‪ :‬كنج‪ ,‬بواتن‪ ,‬الوحدة االيطالية‪ ,‬ت‪.‬طه باشا الهاشمي‪ ,‬القاهرة‪.1952 ,‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-Duggan, op,cit, p.114.‬‬
‫‪-)(3‬راجع صفحة ص‪.‬‬
‫‪ -((4‬تايلر‪ ,‬المصدر السابق‪ ,‬ص‪.125‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()-Carrie, Rene Albrecht, Italy from Napoleon to Mussolini, New York, 1950,‬‬
‫‪p.34.‬‬
‫‪-)(6‬كاميلو‪ 2‬بنيس دي كافور "‪ :" Camillo Bensode De Cavoure‬ولد في العاشر من آب س‪2‬نة‬
‫‪ 1810‬في تورن‪ ,‬عندما كانت تحت السيطرة الفرنسية‪ ,‬وكان ينحدر من عائلة نبيلة‪ ,‬وت‪22‬ربى‪ 2‬في بيئ‪22‬ة‬
‫تقليدية وارس‪22‬تقراطية ومجتم‪22‬ع ص‪22‬غير مكن‪22‬ه من أن يص‪22‬بح مجس‪22‬دا لتقدمي‪22‬ة الق‪22‬رن التاس‪22‬ع عش‪22‬رة في‬
‫ايطالي‪22‬ا‪ ,‬دخ‪22‬ل األكاديمي‪22‬ة العس‪22‬كرية س‪22‬نة ‪ ,1820‬وأص‪22‬بح مهندس‪2‬اً‪ 2‬في الجيش س‪22‬نة ‪ ,1828‬وقض‪22‬ى‬
‫بعض الوقت عند جده في جنيف لوالدته ذو األفكار‪ 2‬الحرة األم‪2‬ر ال‪2‬ذي اث‪2‬ر إيجاب‪2‬ا على ك‪2‬افور‪,‬اص‪22‬بح‬
‫عضوا للبرلمان من ‪ 1849-1848‬وبعد ذلك وزيرا للزراعة والصناعة والتجارة‪ ,‬وفي س‪22‬نة ‪1850‬‬
‫وزيرا‪ 2‬للمالية‪ ,‬ثم اصبح رئيسا للوزراء سنة ‪ ,1852‬ت‪2‬وفي‪ 2‬س‪2‬نة ‪The New Universal .1859‬‬
‫‪.Encyclopedia, Vol.9, 2398‬‬
‫‪150‬‬
‫أعلنت إنها إذا وجهت جيوشها في البلقان ف ان س ردينيا تس تغل الفرص ة وتعلن اس تقاللها‪,‬‬
‫فضمن الحلفاء له ا ب دورهم المحافظ ة على الح دود االيطالي ة خالل الح رب‪ ,‬وان انس ب‬
‫شيء لذلك ه و إقن اع س ردينيا لل دخول إلى الح رب معهم‪ ,‬وإرس ال ج زء من جيش ها إلى‬
‫الشرق‪ ,‬وهذا ما دفعهم بالتودد إلى سردينيا(‪.)1‬‬
‫في الوقت نفسه خشي كافور من انه إذا تحالفت النمسا مع الحلفاء فان سردينيا س تعزل‬
‫عنهم‪ ,‬فاقترح هو اآلخ ر على الحلف اء إرس ال جيش إلى الق رم‪ ,‬وق دمت فرنس ا وبريطاني ا‬
‫طلبا رسميا للتحالف مع سردينيا‪ ,‬لكن األخيرة اشترطت من إن دخول س ردينيا سيص احبه‬
‫وعود بش يء في م ا يخص مس تقبل س ردينيا‪ ,‬ح تى وان ك ان ذل ك التعه د يوض ع في بن د‬
‫سري(‪ ,)2‬لكن الحلفاء رفضوا الفك رة‪ ,‬وأص رت فرنس ا على تق ديم المس اعدة الس ردينية‬
‫دون شروط‪ ,‬وهددوا بتأييد الشكاوى النمساوية ضد الصحافة السردينية التي كانت مناوئ ة‬
‫للسيطرة النمساوية داخل سرديينيا‪ ,‬والتي كانت النمسا قد عبرت عن اس تيائها منه ا في وقت‬
‫سابق(‪ ,)3‬ونتيجة لما سبق وضعت س ردينيا بين المطرق ة والس ندان‪ ,‬أم ا أن ت دخل الح رب‬
‫كحليف بدون أي تعهدات‪ ,‬أو العزلة‪ ,‬وبعد تجاذبات سياسية عدة في مدينة تورن (‪)Turin‬‬
‫والتي بلغت الذروة باستقالة وزير الخارجية السرديني دابوميدرا الذي كان معارضا لفك رة‬
‫دخول الحرب‪ ,‬اختار كافور ومن ورائه الملك فكتور عمانؤيل(‪ )4‬التحالف غ ير المش روط‪,‬‬
‫ووقعت االتفاقية مع الحلفاء في التاسع من كانون الثاني ‪ ,1855‬واعقبتها معاهدة عس كرية‬
‫مع نفس الجهة في السادس والعشرين من الشهرنفسه (‪.)5‬‬
‫لقد كانت االتفاقية الس ابقة خط وة جريئ ة من قب ل ك افور‪ ,‬فلم تكن س ردينيا مه ددة من‬
‫الجانب الروسي‪ ,‬كما كانت بروسيا محايدة‪ ,‬والنمسا غ ير نش طة‪ ,‬وه ذا يع ني أن س ردينيا‬
‫ستخسر الرجال واألموال ألنه فقط سيجبر الدول في النظر في المسالة االيطالية‪ ,‬وإعط اء‬
‫بيدمونت صوتا في مجالس أوربا‪ ,‬وبدا ذل ك يس تحق التض حية الثقيل ة‪ ,‬كم ا ان ك افور في‬
‫‪1‬‬
‫‪()-Bolton, Ring M.A, A history of Italian Unity Being Apolitical History of Italy‬‬
‫‪From 1814 to 1870, vol II, London, 1899, p.82.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-Cadogan, op.cit., p.82.‬‬
‫‪(-(3‬تايلر‪ ,‬ت‪ .‬جنكر‪ ,‬ص‪.128‬‬
‫‪-)(4‬فكتور عمانوئيل الثاني‪ :‬هو ابن شارل البرت ملك سردينيا ولد في ت ورين ع ام ‪ 1820‬ووالدت ه هي‬
‫ماريا ل تريزا دي ل ورنزو من توس كانيا‪ )Maria Teresa De Lorenzo de Tussy (،‬وفي ع ام‬
‫‪ 1842‬ت زوج من ماري ا ادياليدواس بوركو‪ ،‬وك ان ذاأفك ار مناهض ة للمي ول الليبرالي ة في ع ام ‪1848‬‬
‫أعلنرأي ه المن اهض للدس تور ال ذي اق ر ب ه وال ده وفي الس نة نفس ها ك ان م ع ابي ه في معرك تين‬
‫كستوزاونوڤارا على رأس الجيش‪ ،‬تولى العرش بعد تنازل أبيه وكان في الثامنة والعشرين من العم ر ‪،‬‬
‫وقد دفعه اعتقاده بان قضية عائلة ساڤوي مرتبطة بالقضية االيطالية إلى االحتفاظ بالدستور‪.‬ينظر‪:‬‬
‫‪.The New Universal Encyclopedia, Vol.9,op.cit, p.5341‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()-Paryear, op.cit., p.454.‬‬
‫‪151‬‬
‫الوقت الذي لم يحصل فيه على تعهد في تأيي د القض ية االيطالي ة من قب ل الحلف اء‪ ,‬فان ه لم‬
‫يتعهد بالتنازل عنها‪ ,‬وقد كان محقا ً عن دما حي ا ك افور جن وده ال ذين ك انوا مت وجهين إلى‬
‫القرم بقيادة الفونس المارمورا ق ائال(‪" )1‬إنكم تحمل ون مس تقبل البالد في حق ائب ظه وركم‬
‫"(‪.)2‬‬
‫ومن اجل أن تكون اتفاقية تورن مفيدة وقعت فرنسا اتفاقية سرية مع النمس ا في الث اني‬
‫والعشرين من كانون األول تضمنت الموافقة على أن تبقى األوضاع على ما هي علي ه في‬
‫ايطاليا‪ ,‬وعلى أن تتع اون قواتهم ا في ايطالي ا في ح ال حص ول على تع اون عس كري في‬
‫الشرق األدنى‪ ,‬وقد كان دروين دي لويس سعيدا جدا ب ذلك‪ ,‬فعن طري ق تح الف األول من‬
‫كانون األول أح دث ش رخا بين النمس ا وروس يا‪ ,‬ومن خالل الث اني والعش رين من الش هر‬
‫نفسه حول ايطاليا كان قد دق إسفينا بين نابليون الثالث والثورة(‪ ,)3‬لكن في الوقت نفسه ان ه‬
‫على الرغم من أن بريطانيا وفرنسا لم تتعهدا بتأييد مط اليب ايطالي ا فهم ا لم يتعه دا أيض ا‬
‫بخذالنها‪ ,‬ولم يحارب كافور إلى جانب النمسا ألنه كان متأكدا من إنها لن تدخل الحرب(‪,)4‬‬
‫وبذلك دخلت سردينيا الحرب بإرسال خمسة عشر ألف جنديا ً إلى ارض المعركة‪ ,‬لكن بعد‬
‫دخول سردينيا مباشرة للحرب جرت أحداثا ً غير متوقعة سارت بالحرب إلى نهايتها‪ ,‬وهذا‬
‫ما سنتناوله في المبحث الثالث‪.‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫المباحثات الدبلوماسية بعد موت نيكوالس‬

‫‪1‬‬
‫‪()-Paleologe, Maurice, Cavour, translated by LanF.d,Morrow and Muriel,‬‬
‫‪London, 1912, p.82.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-cited in from:Marrut, op,cit., p.272.‬‬
‫‪ -))3‬تايلر‪ ,‬المصدر السابق‪ ,‬ص‪.127-126‬‬
‫‪-)(4‬صفوت‪ ,‬المصدر السابق‪ ,‬ص‪.46‬‬
‫‪152‬‬
‫و‬
‫رغبة نابليون الثالث في الذهاب إلى القرم‬
‫كان شتاء عام ‪ 1855‬قاسيا‪ ,‬غير إن ت أثيره ك ان فض يعا على ق وات التح الف القابع ة‬
‫حول أسوار سيفاستوبول‪ ,‬األمر الذي اغضب الشعب الفرنسي الفاقد للصبر‪ ,‬وكانت هن اك‬
‫تمتمات ض د الح رب‪ ,‬تواص لت من قب ل أع داء اإلمبراطوري ة‪ ,‬كم ا إن اإلم براطور ه و‬
‫اآلخر لم يكن ص بورا‪ ,‬واتب ع ك ل حادث ة ورواي ة عن الحص ار باهتم ام ب الغ‪ ,‬وك ان على‬
‫اتص ال دائم م ع جنراالت ه لمس اعدته في اس تلهام األفك ار ووض ع الخطط(‪ ,)1‬لكن م ع ذل ك‬
‫انتظر الحلفاء الرد الروسي على المذكرة ال تي رفعت إليه ا في الث امن والعش رين من ك انون‬
‫االول‪ ,)2(1854‬وفي باريس كان الفرنسيون معتمدين على حسن نواي ا النمس ا‪ ,‬لكن النمس ا لم‬
‫تكن مطمئنة من األحداث‪ ,‬ففي رسالة أرسلها بوركوي ني المبع وث الفرنس ي الى فين ا إلى دي‬
‫لويس في الثاني من كانون الثاني ذاكرا فيها من أن النمساويين قلقون من المفاوض ات‪ ,‬غ ير إن‬
‫القيص ر ك ان ق د طم أن النمس ا عن حس ن نواي اه بس حب جيش ه الموج ود على الح دود‬
‫‪1855‬‬ ‫النمساوية ونقلها إلى شبه جزيرة الق رم‪ ,‬وعلى م دى الش هرين األول والث اني من ع ام‬
‫اتجهت جميع الجهود الفرنسية للتأثير على النمسا‪ ,‬وقد كانت فرنسا تحاول أن تعقد معه ا‬
‫تحالف لض مان دخوله ا الح رب‪ ,‬وفي الس ابع من ش باط س نة ‪1855‬ك ان هن اك العدي د من‬
‫االجتماعات بين بول وبوركويني‪ ,‬وقد أرس ل األخ ير برقي ة في الي وم نفس ه إلى ب اريس‬
‫ذاكرا فيها إن غورتشاكوف اخبر الحكومة النمساوية من أن حكومته درس ت النق اط األربع ة‬
‫بالتفصيل وإنها وافقت على جعلها أساسا للسالم‪ ,‬لكن المفاوضات ك انت ق د تع رقلت بس بب‬
‫هوس البعض وتردد اآلخرين‪ ,‬ثم توقفت مؤقتا عندما غادر أبردين الوزارة البريطانية فقد‬
‫‪ ,1855‬بسبب افتقاره ا إلى الكف اءة في الح رب‬ ‫سقطت حكومته في الثالثين من كانون الثاني‬
‫ليفسح المجال إلى بالمرستون (‪.)3‬‬
‫لكن على ما يبدو لم يكن القيصر الروسي واإلم براطور الفرنس ي راض يين عن مس ار‬
‫اإلحداث‪ ,‬إذ كان القيصر نيكوالس محبطا للغاية‪ ,‬فلم يكن يتوقع أن من هزم الفرنس يين في‬
‫واترلو يقفون إلى جانبهم أالن‪ ,‬كما إن النمسا التي ساعدتها روسيا في ‪ 1849‬وك ان يعتق د‬
‫إنه ا س تكون موالي ه ل ه دائم ا وقفت إلى ج انب ال دول الغربي ة‪ ,‬وأجبرت ه على الجالء من‬
‫الدانوب‪ ,‬وبروسيا التي اتخذت الحياد وكان حيادها اقرب إلى فرنسا من ه إلى روس يا‪ ,‬كم ا‬
‫انه توقع أن القوات العثمانية هزيلة ال تستطيع الصمود ك ان دفاعه ا نش طا في ك ل مك ان‪,‬‬
‫‪1‬‬
‫‪()-Forbes, op.cit., p.110.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()-Harcourt, op.cit., p.90,94.‬‬
‫‪153‬‬
‫وكان ذلك مفاجئة وخيبة أم ل م رة تل و األخ رى‪ ,‬وب ذلك أص بح القيص ر حزين ا ومص ابا‬
‫باليأس(‪ ,)1‬وكان عزاؤه الوحيد هو حلول فصل الشتاء ومعاناة الحلفاء من ذلك الفصل‪ ,‬وك ان‬
‫ذلك واضحا في مقولته المشهورة هو إن هن اك ج نراالن يمكن االعتم اد عليهم ا في إض عاف‬
‫العدو‪ ,‬والمقصود بهم شهري كانون الثاني وشباط وهما على وشك القتال معنا(‪.)2‬‬
‫أما نابليون الثالث هو اآلخر لم يكن مقتنعا بما يج ري في الق رم‪ ,‬فق د ش عر بالمل ل من‬
‫طول مدة الح رب ومن دون حس م‪ ,‬وك ان لدي ه م زاج جي د للقت ال ل ذلك أب دى عن رغبت ه‬
‫بالذهاب بنفسه إلى القرم‪ ,‬فقد كان لديه خبرة عسكرية في المدفعي ة والهندس ة من ذ ك ان في‬
‫سويس را‪ ,‬ل ذلك ق رر اإلبح ار إلى الق رم م ع إمبراطورت ه ي وجين ((‪ Eugene‬متج اهال‬
‫نصائح مستشاريه‪ ,‬فقد نظر الجميع إلى المخطط على انه مليء بالمخاطر‪ ,‬فهناك خط ورة‬
‫من جراء غيابه الطويل عن منصبه الحكومي‪ ,‬وصحته لم تكن جيدة بما فيه الكفاية(‪ ,)3‬ح تى‬
‫‪ )Benedictus‬وه و اح د رج ال األعم ال‬ ‫إن دروين دي ل ويس ك ان ق د كتب إلى بن ديتي(‬
‫الفرنسيين في اسطنبول في العشرين من شباط سنة ‪1855‬من انه ستصله ش ائعات مفاده ا‬
‫إن اإلمبراطور سيزور القرم (‪ ,)4‬وقد كان الجنرال كاستلباك من القالئل الذين ملكوا الج رأة‬
‫للقلق ورأوا ضرورة بقائ ه في ب اريس‬‫وقالوا لنابليون الثالث " إن رحيل جاللتكم يبعث "‬
‫على أمل من الحصول على حليف جديد‪ ,‬كما إن قوات الحلفاء في القرم تق در بمائ ة وخمس ين‬
‫ألف جندي بإمكانها هزيمة الروس‪ ,‬وقد جرت تلك المحادثة في التوليري‪ ,‬وبعد العشاء ج رت‬
‫محادثة أخرى بين المشير ونابليون الثالث ناصحا إياه فيما إذا ك ان مص را على ال ذهاب إلى‬
‫القرم أن ينتظر على األقل قدوم فصل الربيع‪ ,‬فأجابه ن ابليون الث الث من ان ه يجب التغلب‬
‫على الروس والخروج من القرم بشكل مشرف‪ ,‬كما إن الناس سيشعرون بالعدالة من ذهاب ه‬
‫هناك‪ ,)5‬ويبدو انه أراد بذهابه إلى القرم لكي يب دو ش بيها ج دا بن ابليون بون ابرت‬
‫(‬
‫إلى‬
‫وما حققه من انتص ارات عس كرية في وقت س ابق‪ ,‬وإال ف ان ذهاب ه ال يع ني أي ش يء جدي د‪,‬‬
‫فالقوات الفرنسية تقاتل ببسالة وتحقق انتص ارات متتالي ة هن اك‪ ,‬وس بب ط ول الحص ار ه و‬
‫التحصين الجيد لسيفاستوبول وليس بتقصير من الجيش الفرنسي‪.‬‬
‫اعلم ن ابليون الث الث الحكوم ة البريطاني ة في الس ادس والعش رين من ش باط بمش روع‬
‫الذهاب إلى القرم ليس لشيء سوى لكونها حليفة له(‪ )6‬فقد أرسل ن ابليون الث الث خطاب ا إلى‬
‫‪1‬‬
‫‪()-Amand, op.cit., p. 282.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-Hamly, op.cit., p.216.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()-De Vitoria, Francisco, Political writing, CambrdigeUnivesity, 1991, p.89.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()-Amand, op.cit., p.256.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()-Anderson, op.cit., p.156.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪()-Amand, Lmbert de Saint, Napoleon III at The Height of His Power,‬‬
‫‪Transiated by Elizabeth Gilbert Marting, New York, 1912, p.108.‬‬
‫‪154‬‬
‫بالمرستون معلنا فيه عن نيته الذهاب إلى القرم‪ ,‬حيث إن تواجده هناك حسب اعتقاده س وف‬
‫يؤدي إلى توحيد العمل وهو لوحده سينقذ الحملة العسكرية من خط ر الكارث ة‪ ,‬وق د تمس ك‬
‫اإلمبراطور لبعض الوقت بفكرته‪ ,‬وعمل على انجاز خططه بص بر‪ ,‬ك ذلك ع رض آراءه‬
‫وأفكاره إلى اللورد بالمرس تون بش كل مط ول‪ ,‬وب ترك ق وة كافي ة في سيفاس توبول ألج ل‬
‫إطب اق الحص ار‪ ,‬وتوق ع أن يك ون ق ادرا على اخ ذ م ا ع دده ‪ 62000‬جن دي فرنس ي‪ ,‬و‬
‫‪ 15000‬سردينياً‪ ,‬فبهذه القوات التي ستكون تحت تصرفه ستكون الحظوظ من جانب ه‪ ,‬أم ا‬
‫بالنسبة للروس فلديهم ‪ 10000‬جنديا ً فقط في سيفاستوبول‪ ,‬و‪ 45000‬جندي متواج دين م ا‬
‫بين سيفاستوبول و سيمفيروبول ((‪ ,Simferopol‬وعلى أكثر االحتماالت لن يتلقوا الكثير‬
‫من اإلم دادات قب ل األول من نيس ان‪ ,‬م ذكرا على ان ه من الض روري أن يض رب بق وة‬
‫وسرعة وبذلك ستصبح سيفاستوبول بمتناول الحلفاء في األول من آيار‪ ,‬كم ا ان ه ال يعتم د‬
‫على الج نراالت في ه ذه المهم ة ألنه ا تتطلب تب ادل لآلراء بين ك انروبرت ورغالن‬
‫واألخير وعمر باشا األمر الذي يعت بر مض يعة لل وقت‪ ,‬وب ذلك سيخس ر الحلف اء الفرص ة‬
‫المناسبة‪ ,‬وفي هذه الرسالة أسهب نابليون الثالث بشان قراره الوقوف إلى ج انب بريطاني ا‬
‫حتى النهاية‪ ,‬وقد امتدح الجيش البريطاني المرابط على أس وار سيفاس توبول ذاك را من أن‬
‫العشرين ألف رجل بريطاني يعادل خمسين ألف رجالً(‪.)1‬‬
‫أثار األمر السابق مخاوف بريطانيا كثيرا‪ ,‬إذ خشيت من أن نابليون الث الث ق د يتف اوض‬
‫مباشرة مع القيصر الروسي‪ ,‬فقد كان القيصر مولعا في مناقشات شخص ية من ه ذا الن وع‬
‫مع رؤساء الدول‪ ,‬فردت عليه الحكوم ة البريطاني ة ع بر بالمرس تون من إن ذل ك س يكون‬
‫مضيعة للوقت وذات تأثير معنوي فقط‪ ,‬واخبره إن هذا األمر لم يذهل الحكومة البريطاني ة‬
‫فحسب بل أفزعها أيضا‪ ,‬ل ذا ق ررت إرس ال الل ورد كالرن دون لمناقش ة ه ذه المس الة م ع‬
‫اإلمبراطور شخصيا‪ ,‬وق د ن اقش ن ابليون الث الث في مس الة ال ذهاب إلى الق رم‪ ,‬وق د ك ان‬
‫نابليون الثالث مصرا على ذلك لدرجة انه أوض ح إلى كالرن دون خطت ه المتعلق ة بالحمل ة‬
‫العسكرية‪ ,‬وتساءل فيما إذا كانت الحكومة البريطانية تستطيع إنعاش قوة النقل الضرورية‪,‬‬
‫أوض ح كالرن دون ل ه إن غاي ة م ا يمكن إتمام ه ه و نق ل عش رة آالف رجالً من الق وات‬
‫الفرنسية اإلضافية‪ ,‬فضال عن مفرزة سردينية في غضون ستة إلى ثمانية أس ابيع‪ ,‬اعتب ارا‬
‫من تاريخ إصدار األمر‪ ,‬فان قام اإلمبراطور بالتوجه إلى الق رم على الف ور‪ ,‬فان ه س يكون‬
‫محكوم عليه بالفشل في غضون شهر‪ ,‬وبكل األحوال نصحه بع دم ال ذهاب لحينم ا يص بح‬
‫كل شيء جاهزا(‪.)2‬‬
‫‪1‬‬
‫‪()-Jerrold, Blan Chard, Napoleon The Third: Derived From State Records‬‬
‫‪From Unpublished Family CorresPondence and From Personal Testimony,‬‬
‫‪London, 1877, p.63.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-Hamley, op.cit., p.120.‬‬
‫‪155‬‬
‫واصل كالرندون إقناعه لإلم براطور ذاك را ل ه من ان غياب ه س يكون على اق ل تق دير‬
‫أربعة أشهر‪ ,‬وان المعرض الدولي الذي كان من المقرر أن يقام في باريس هذا الع ام على‬
‫وشك البدء في حزيران سنة ‪ ,1855‬لكن نابليون الثالث كان قد اخبره ان ه لن يبتع د ط وال‬
‫هذه المدة‪ ,‬وعندما أدرك كالرندون أن حديثة ال يجد صدى عند اإلمبراطور اس تعرض ل ه‬
‫المخاطر والمجازفات التي سيتعرض له التحالف‪ ,‬فان قام اإلمبراطور بتسلم القيادة العلي ا‪,‬‬
‫ومنح كل المجد للفرنسيين‪ ,‬تاركا البريطانيين يعملون مثل العتالين‪ ,‬أو ي تركوا ليتعفن وا في‬
‫الخنادق‪ ,‬وبذلك فان التحالف لن يدوم بعد ذلك يوم واحد‪ ,‬وكانت وجهة النظر هذه ص دمت‬
‫اإلمبراطور كثيرا‪ ,‬وأجاب بانفعال إن األمر لن يكون كذلك‪ ,‬فان رايات ال دولتين ترفرف ان‬
‫معا أينما تكون ساحة المجد والنصر‪ ,‬وع بر عن رغبت ه بض م س فن ال دولتين في البلطي ق‬
‫لتعويض الخسارة ال تي حص لت في الع ام الس ابق‪ ,‬لكن اإلم براطور لم يتخ ل على الف ور‬
‫وبشكل رسمي عن فكرته بالذهاب إلى القرم لكنه تردد بعض الشيء(‪.)1‬‬
‫لقد كان االنطباع الذي خلقه كالرندون من خالل زيارت ه إلى بول ون ق د مه د طريق ا‬
‫إلطالق رصاص ة الرحم ة من قب ل الملك ة فكتوري ا في وندس ور ((‪ ,Windsor‬فبع د‬
‫أسبوعين من تلك الزيارة وجه كاولي ((‪ Caoly‬السفير البريطاني في باريس إلى ن ابليون‬
‫الثالث دعوة من الملكة إلى زيارة لندن‪ ,‬وعلى الرغم من أن م ذكرة الملك ة ك انت قص يرة‬
‫ج دا إال إنه ا تمنت الزي ارة بك ل م ودة‪ ,‬وفي النهاي ة تم ال ترتيب على أن يق دم ال زوجين‬
‫اإلمبراطوريين وينزالن في لندن كضيفين على الملكة في السادس عشر من نيسان‪ ,‬وهكذا‬
‫اجل ذهاب اإلمبراطور إلى القرم مؤقتا(‪ ,)2‬كم ا إن الجيش الفرنس ي على ال رغم من ان ه يحب‬
‫نابليون الثالث إال انه لم يكن راغبا في أن يدير جندي غ ير مح ترف مجري ات الح رب إذ ك ان‬
‫يعتبر نابليون بالنسبة للجيش مدنيا ً (‪.)3‬‬
‫في تلك األثناء الذي كانت فيه أوربا تترقب سفر نابليون الثالث إلى القرم أعلن عن وفاة‬
‫القيصر نيكوالس في الثاني من آذار نتيجة إلصابته بضربة ب رد ش ديدة(‪ ,)4‬ليتس لم الحكم‬
‫من بعده الكسندر الث اني‪ ,‬وال ذي ك ان معروف ا باألوس اط السياس ية األوربي ة بأن ه محب‬
‫لإلصالحات الداخلية أكثر من الحروب الخارجية ل ذلك اعتق د الجمي ع أن الطري ق إلى الس الم‬
‫بات مفتوحا(‪ ,)5‬غير أن دي لويس كان لديه رأي آخ ر فق د اخ بر في رس الة إلى بوركوي ني‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-Amand, Napoleon III and his court …., p.256.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪(-(Forbet, op.cit., p.181.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()-Hamley, op.cit., p.216.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()-Alfred, op.cit., p. 179.‬‬
‫‪156‬‬
‫ذاكرا له ان ه من الحماق ة أن يتم الحكم مس بقا على سياس ة الكس ندر الث اني‪ ,‬ح تى وان ك ان‬
‫المعادي إلى الح ل الوس ط نيك والس ق د رح ل‪ ,‬ويجب على الحلف اء أن ينتظ روا الكس ندر‬
‫الثاني ال ذي وان أعطى دليال على االعت دال وأع رب عن س روره لتولي ه الحكم‪ ,‬لكن ه من‬
‫الواضح ال جديد في السياسة الخارجية الروسية(‪.)1‬‬
‫اتضح فيما بعد إن دي لويس كان محقا في اعتقاده‪ ,‬فقد ذكر القيصر الجدي د في خطاب ه‬
‫أثناء تسلمه العرش‪ ,‬من ان ه سيس ير على سياس ة وال ده وعم ه تل ك السياس ة ال تي أنش أت‬
‫التحالف المقدس حتى وان لم يعد ذلك التحالف موجودا(‪ ,)2‬وعلى ما يب دو إن ذل ك اعتراف ا من‬
‫ج انب روس يا على زوال زمن التح الف المق دس وبالت الي نجاح ا ب اهرا لسياس ة فرنس ا‬
‫الخارجية محققتا الهدف الثاني من الحرب‪.‬‬
‫بعد ذلك وجه نيسلورد إلى بالطات أوربا في العاشر من آذار سنة ‪ 1855‬خطاب ا ً ع بر‬
‫فيها عن رغبة القيصر المخلصة إلنهاء الحرب(‪ ,)3‬غير إن رغبة القيص ر الحقيق ة لم تكن‬
‫كذلك‪ ,‬فعلى الرغم من إن الظ روف ال تي تس لم به ا الع رش ك انت ص عبة للغاي ة‪ ,‬وك انت‬
‫ميزانية الدولة تعاني من العجز‪ ,‬وروسيا في مواجهة مع كل أوربا‪ ,‬وكان الناس في قل ق من‬
‫اجل السالم‪ ,‬إال إن القيصر الجديد نص ح الس لك الدبلوماس ي الروس ي بع دم القب ول ب أي‬
‫شروط تخل بالشرف الوطني الروسي (‪.)4‬‬
‫سببت وفاة القيصر ورغب ة ن ابليون الث الث في ال ذهاب إلى الق رم‪ ,‬قلق ا كب يرا إلى دي‬
‫لويس وزير خارجية فرنسا‪ ,‬إذ كان يعتقد لو سافر نابليون الث الث إلى الق رم فان ه ق د يقت ل‬
‫هناك أو يجرح وعلى اثر ذلك تأتي حكومة أخرى قد تفقد منصبه وبذلك تذهب كل جه وده‬
‫الدبلوماسية منذ بداية الحرب سدى‪ ,‬لذلك اتبع خطة إليقافه تمثلت بجلب نهاي ة س ريعة إلى‬
‫الحرب وذلك بتخفيف المذكرات السرية في السابع عش ر والتاس ع عش ر من ك انون األول‬
‫للعام الماضي‪ ,‬وان يطلب من الروس ان يكتفوا بزيادة قوتهم البحرية الموجودة في البحر‬
‫األسود(‪ ,)5‬لذلك أصبح لدى دي لويس رغبه جدية لعقد مؤتمر الصلح في فينا‪ ,‬االمر الذي‬
‫كان يرغب ب ه البريط انيون أيض ا‪ ,‬فعن دما ق ام بالمرس تون بتش كيل الحكوم ة أص ر‬
‫سيفاستوبول‬
‫(‪.)6‬‬ ‫الشعب البريطاني على عقد مفاوضات مبكرة‪ ,‬وحتى على إسقاط مطلب تدمير‬
‫‪1‬‬
‫‪((-Harcourd, op.cit., p.108.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-Ibid, p.108.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()-Alfred, op.cit., p.179.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪((-Anderson, op.cit., p.137.‬‬
‫‪157‬‬
‫نتيجة لكل ما سبق تقرر أن تعقد المفاوضات في فين ا‪ ,‬وق د افتتح الم ؤتمر في الخ امس‬
‫عشر من آذار سنة ‪ ,1855‬حضره كل من بوركيني ووستمورالند سفيرا فرنسا وبريطاني ا‬
‫في فين ا‪ ,‬وغورتش اكوف المبع وث الروس ي‪ ,‬وب ول وزي ر خارجي ة النمس ا‪ ,‬وعق دت‬
‫اجتماع ات متع ددة في الخ امس عش ر والس ابع عش ر والتاس ع عش ر من آذار‪ ,‬وك ان‬
‫للفرنسيين هدفان من دخول المؤتمر فضال عن أه داف دي ل ويس الشخص ية تمث ل األولى‬
‫كسب عامل مساعد الستمرار الح رب م ع روس يا‪ ,‬والث اني وض ع أس اس إلقام ة تح الف‬
‫جديد‪ ,‬وتم تحديد تلك النقاط في التوليري(‪.)1‬‬
‫وتم االتفاق في المؤتمر على النقطتين األولى والثاني ة دون خالف‪ ,‬وال نزاع ك ان على‬
‫النقطة الثالثة فقط‪ ,‬وقد تم تأجيل المؤتمر عدة مرات بس ببها‪ ,‬وق دمت النمس ا مقترح ا ً أولي‬
‫لحل األزمة تمثل باستدعاء كل من رسل وبوركيني ووس تمورالند إلى اجتم اع خ اص في‬
‫الثاني والعشرين من آذار سنة ‪ ,1855‬وقرأ فيه ب ول رس الة تمثلت بحلين لالزم ة‪ ,‬األول‪:‬‬
‫هو اقامة اتفاق ثنائي بين روسيا والدولة العثمانية في البحر األسود‪ ,‬أم ا الث اني ه و إن من‬
‫ح ق الدول ة العثماني ة أن تس تدعي الس فن الفرنس ية والبريطاني ة في أي وقت تش عر في ه‬
‫ب الخطر‪ ,‬وه ذا يع ني إن المض ائق س تكون مفتوح ة أم ام البريط انيين والفرنس يين‪ ,‬لكن‬
‫المشروع رفض من قبل بريطانيا(‪.)2‬‬
‫تق رر أن يعق د اجتم اع ح ول النقط ة الثالث ة في الس ادس والعش رين من آذار‪ ,‬وك انت‬
‫بريطانيا مصرة على تحديد القوة الروسية في البحر األسود‪ ,‬حتى جاءت فرنس ا بمش روع‬
‫جديد قدمه وزير خارجيتها تض من تحيي د البح ر األس ود‪ ,‬وك ان دي ل ويس يعتق د إن تل ك‬
‫النقطة ستكون مقبولة أك ثر ل دى النمس ا من تحدي د ص ارم لألس طول الروس ي في البح ر‬
‫األسود الذي تمثل بأربع سفن فقط‪ ,‬وبذلك فان هذه الخطة ستتداخل بصورة اقل م ع ميث اق‬
‫المضائق لعام ‪ 1841‬الذي كانت هناك محاول ة لتنقيح ه‪ ,‬وواف ق ن ابليون ب دوره على ذل ك‬
‫المقترح‪ ,‬وقدم دي لويس تلك الموافق ة إلى لن دن في الث اني والعش رين من آذار‪ ,‬وأض افت‬
‫عليه بريطانيا إن الحيادية ستشمل بحر آزوف أيضا‪ ,‬وقبلت فرنسا بهذا التعديل(‪.)3‬‬
‫كان من المقرر أن يعقد االجتماع في ظهيرة السادس والعشرين من آذار س نة ‪,1855‬‬
‫لكن لم يتم تسليم التوجيه ات إلى بوركي ني من ب اريس إال في ص بيحة ذل ك الي وم‪ ,‬وك ذلك‬
‫بالنسبة إلى البرقية البريطانية لدعم المشروع الفرنسي‪ ,‬وفي ظهيرة ذلك اليوم وقبل نصف‬
‫ساعة من عقد االجتماع عقد مؤتمر مستعجل بين رسل وبوركي ني وب ول لمناقش ة مق ترح‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪((-I bid, p.101-102.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()-Devleti, op.cit., p.289.‬‬
‫‪158‬‬
‫التحييد‪ ,‬الذي لم يؤيده بول بحجة أن روسيا ستكون مستعدة للقيام ببعض التنازالت بع د أن‬
‫يعلمها غورتشاكوف بمقترحاته‪ ,‬وهكذا تم افتت اح الم ؤتمر بش روط غ ير مدروس ة بس بب‬
‫التعليماتاالنكلو فرنسية المتأخرة‪ ,‬والموقف الروسي المتردد(‪.)1‬‬
‫عند افتتاح المؤتمر(متى افتتح المؤتمر) طرحت النقطة الثالثة للنقاش‪ ,‬وقدم بول مقترحين‪,‬‬
‫نص األول على تعديل ميثاق المضائق الذي سيدخل الدولة العثمانية في الت وازن األوربي‪,‬‬
‫في حين تضمن الثاني المساواة بين القوى البحرية العثمانية والروس ية في البح ر األس ود‪,‬‬
‫وان على ممثلي روس يا والدول ة العثماني ة أن يش رحا رأيهم ا ح ول كيفي ة تحدي د الق وى‬
‫البحرية‪ ,‬واعتقد بوركيني انه من الس هل الوص ول إلى تف اهم ح ول النقط ة الثالث ة بم ا أن‬
‫روس يا ع برت عن التزامه ا أخالقي ا من حيث المب دأ(‪ ,)2‬لكن في ال وقت نفس ه لم يعل ق‬
‫غورتش اكوف على أي ش يء‪ ,‬وق د طلب من ه تق ديم مق ترح عن كيفي ة بل وغ النقط ة الثالث ة‬
‫فتحجج بأن عليه التشاور مع حكومته للحصول على تعليمات حول تلك النقطة‪ ,‬وب دوره‬
‫أعلن بوركويني بأن ه س يتحفظ على آراء حكومت ه إلى أن تجه ز القض ية للنق اش من كال‬
‫الجانبين‪ ,‬وبذلك ُعلق المؤتمر إلى الثاني من نيسان سنة‬
‫‪.)3(1855‬‬
‫بعد انفضاض المؤتمر جرت محادثة غ ير رس مية بين المبع وث الفرنس ي والروس ي‬
‫عرض فيها بوركويني مقترح دي لويس الذي ك ان في ذل ك ال وقت في ب اريس‪ ,‬والمتمث ل‬
‫بتحييد البحر األسود‪ ,‬وحاال رفض غورتشاكوف الفكرة ألنه ا س تجرد روس يا من الس الح‬
‫بوجود الدولة العثمانية المسلحة في الوقت الذي ليس لدى روسيا أي دفاع اتج اه األس اطيل‬
‫الفرنسية والبريطانية(‪.)4‬‬
‫في الوقت التي كانت تنتظر فيه فرنسا رد الحكوم ة الروس ية اعتق د دروين دي ل ويس‬
‫انه لو ذهب إلى فينا فانه يستطيع ضمان قبول خطته‪ ,‬وقرر زيارة لندن قبل ذلك للحص ول‬
‫على تفاهم نهائي مع بالمرستون وكالرندون حول الخطة ومن ثم الذهاب إلى فينا للتوصل‬
‫معهم إلى تفاهم نهائي حول الخطة‪ ,‬وفعالً وصل دي لويس إلى لن دن في الثالثين من آذار‪,‬‬
‫وق د عق د اجتماع ا م ع بالمرس تون وكالرن دون والل ورد النس دوان من الح زب اليمي ني‪,‬‬
‫وراسل‪ ,‬وعرض فيه مشروع التحييد بالكامل ملمحا إلى إن مبدأ التحييد سيعطي ض مانات‬
‫إلى أوربا التي تعاني من قلق دائم وعدم راحة نتيجة للوجود الروسي هناك‪ ,‬وفي االجتماع‬
‫شدد دي لويس على ضرورة إزاحة الخطر فلم يع د هن اك م ا ي دعو للقل ق الن ق وة الع دو‬
‫‪1‬‬
‫‪()-Puryear, op.cit., p.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪(-(Harcourd, op.cit., p.103.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-))4‬تايلر‪ ,‬المصدر‪ 2‬السابق‪ ,‬ص‪.133‬‬
‫‪159‬‬
‫بدأت تضعف‪ ,‬وان مبدأ التحييد سيعطي ضمانات إلى أوربا(‪ ,)1‬وقد تبنت بريطانيا مشروع‬
‫دي ل ويس بالكام ل‪ ,‬واق ترحت تق ديم اق تراحين أثن اء الم ؤتمر‪ ,‬األول ح ول تحدي د الق وة‬
‫الروسية في البحر األسود‪ ,‬والثاني التحييد وفتح المضائق لألساطيل البريطانية والفرنس ية‬
‫والتشاور مع النمسا في ذلك قبل عرض ها على روس يا في الم ؤتمر(‪ ,)2‬كم ا ق ررت ك ل من‬
‫الحكومتين التصميم على إجبار روسيا على قبول التحييد أو يتم حل المؤتمر(‪.)3‬‬
‫توجه دي لويس مباشرة بعد ذلك إلى فينا فوصلها في األول من نيس ان‪ ,‬وك انت أمام ه‬
‫مهمت ان‪ ,‬األولى ت أمين دعم النمس ا للخط ة الحيادي ة‪ ,‬والثاني ة ت أمين مش اركة النمس ا في‬
‫الحرب‪ ,‬وقد كان المقترح الثاني يتماشى م ع أفك ار ن ابليون الث الث‪ ,‬وفي أول مقابل ة ل دي‬
‫لويس مع اإلمبراطور النمساوي فرانسوا جوزي ف ناش ده دي ل ويس بق وة ألحي اء تح الف‬
‫الثاني من كانون األول لسنة ‪ ,1854‬وقد ك ان دي ل ويس يري د من تل ك المفاوض ات ج ر‬
‫النمسا لتكون حليفة لفرنسا في الحرب أكثر من رغبته في السالم‪ ,‬وش رح بع د ذل ك خط ة‬
‫التحييد وبدون أي تردد أعطى فرانسوا جوزي ف رأي ه ب ان المخط ط لن يك ون مقب وال من‬
‫روسيا‪ ,‬وعد بعض التحديد البحري في البحر األسود كافي اً‪ ,‬وبع د إن ألح دي ل ويس على‬
‫إجبار روسيا على القبول أغلق جوزيف المحادثة بطلب من دي ل ويس ب ان ينتظ ر نت ائج‬
‫المفاوضات(‪.)4‬‬
‫التحق بعد ذلك رسل(من هو رسل) بدي لويس في فينا لتجري فيم ا بين االث نين وب ول‬
‫مفاوضات غير رسمية وبشكل يومي ابتدا ًء من التاسع من نيسان وحتى الحادي والعشرين‬
‫منه‪ ,‬شرح دي لويس ودافع عن مشروع التحييد‪ ,‬بينما حاولت النمسا جع ل الق وى الغربي ة‬
‫تع دل ش روطها‪ ,‬واحتج ب ول على تحيي د البح ر األس ود بالتحدي د‪ ,‬وتم دع وة العثم انيين‬
‫بالمناقشات التالية‪ ,‬وابرق ن ابليون الث الث بأن ه ي دعم دي ل ويس في محادثات ه‪ ,‬إذ ك ان دي‬
‫لويس يرسل التفاصيل إلى ن ابليون الث الث أول ب أول(‪ ,)5‬في االجتم اع األول اتف ق ك ل من دي‬
‫لويس ورسل على أن يطلبوا من روسيا التحدي د أو التحيي د‪ ,‬وإنهم س يوقفون المفاوض ات إذا‬
‫تم رفض الخيارين (‪.)6‬‬
‫وقد ك ان رد نيس لورد على التهدي د الس ابق ه و إعط اء توجيه ات إلى غورتش اكوف بأن ه‬
‫يرفض طريقة الحل‪ ,‬ويقترح أن يق دم اقتراح ا مق ابال بفتح المض ائق للس فن الحربي ة لك ل‬
‫البلدان كبديل ألي شيء ق د يقترح ه الحلف اء‪ ,‬وق د ق دم غورتش اكوف تل ك المقترح ات في‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()-Harcuord, op.cit., p.112.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪(-(Ibid, p.112,114.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()-Harcord, op.cit., p.133.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪160‬‬
‫السابع عشر من نيسان وان ممثليها سيتجاوبون مع كل المقترحات التي ال تن ال من س يادة‬

‫روسيا وحقوقها على أراضيها(‪ ,)1‬وفي الوقت نفسه عقد مجلسا حربيا في لن دن ض م ك ل من‬
‫اإلمبراطور واألمير زوج الملك ة والل وردين بالمرس تون وهاردن ك ب انمور( ‪Harding‬‬
‫‪ )Panmur‬وكاولي‪ ,‬وجارلس وود والمارشال فايالنت تباحثوا حول مجريات الحرب‪ ,‬وفي هذا‬
‫المجلس تمسك نابليون الثالث بفكرة الذهاب إلى القرم لقيادة القوات هناك‪ ,‬ومرة أخرى ك ان‬
‫إجماع الحضور ضد الفكرة (‪.)2‬‬
‫وبالعودة الى مفاوضات فينا عقد المؤتمر الرسمي في التاسع عشر من نيسان‪ ,‬واتخذ وزير‬
‫خارجية فرنسا المبادرة باقتراح حل للنقطة الثالثة‪ ,‬وكانت خطته تتطابق مع المخطط الذي‬
‫تم وضعه في لندن‪ ,‬حيث طلب من روسيا قب ول تحدي د أس طولها في البح ر األس ود ال ذي‬
‫سيتكون فيما بعد فق ط من أرب ع س فن حربي ة وأرب ع فرقاط ات وع دد متناس ب من الس فن‬
‫الخفيفة إلغراض الشرطة لدعم المشروع‪ ,‬وقال رسل إن مثل هكذا شرط لن يجرح كرامة‬
‫القيصر الن ذلك ضروريا الس تعادة الس الم‪ ,‬وق د أج اب غورتش اكوف على ذل ك من ان ه‬
‫سيقدم إجابته في االجتماع القادم‪ ,‬وتبع ذلك بعض النقاشات اقترح فيها دي لويس إبرام كل‬
‫اتفاقية في معاهدة منفصلة بين روس يا والدول ة العثماني ة يتم ض مها إلى معاه دة س الم‬
‫عامة(‪.)3‬‬
‫كانت روسيا طوال مدة المفاوضات تس تمد قوته ا من الموق ف النمس اوي المي ال نح و‬
‫عدم دخول الحرب‪ ,‬وبعد تلك الجلسات اقتنع رسل ودروين ب ان النمس ا لن ت دخل الح رب‬
‫ضد روسيا‪ ,‬وتم تسجيل رفض غورتشاكوف لتحديد روسيا ب أربع س فن حربي ة في البح ر‬
‫األسود في بروتوكول الح ادي والعش رين من نيس ان‪ ,‬وأعلن عن تحدي دات مهين ة لحق وق‬
‫السيادة‪ ,‬ومناقضة للتوازن في أوربا‪ ,‬وخطرة على استقالل اإلمبراطورية العثماني ة‪ ,‬وتب ع‬
‫غورتشاكوف ذلك بمشروع لحل النقطة الثالثة بفتح المضائق للسفن الحربي ة لك ل البل دان‪,‬‬
‫وأضاف غورتشاكوف إن الدولة العثمانية يمكنه ا أن تض ع قواته ا في أح واض متج اورة‬
‫بينما يجب تقسيم البحرية الروسية إلى أربع وح دات تفص ل بينه ا مس افات بعي دة‪ ,‬وف ورا‬
‫عارض العثمانيون ذلك المقترح‪ ,‬ورفض ممثلوا فرنسا وبريطانيا مناقشته(‪.)4‬‬
‫على اثر المناقش ة الس ابقة أص يب دي ل ويس ب الرعب خش ية من فق دان التح الف م ع‬
‫النمسا الذي كان يبني عليه خطته‪ ,‬وأصيب راسل ب الرعب خش ية من فق دان التح الف م ع‬
‫‪1‬‬
‫‪()-Alfred, op.cit., p. 203.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-Kelley, R. Donald , Introduction The Monarchy of France, New York, 1981,‬‬
‫‪p.123.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()-Devleti, op.ci.t, p82.‬‬
‫‪161‬‬
‫فرنسا‪ ,‬كالهما أصيب بالرعب خشية اإلخفاق في العودة بوصفهم صانعي س الم(‪ ,)1‬وبينم ا‬
‫استعد رسل للعودة إلى لندن بقي دي لويس في فينا على أمل الحصول على بعض الحل ول‬
‫الوس ط‪ ,‬وق د اجتم ع رس ل ودروين م ع اإلم براطور جوزي ف واخ برهم اإلم براطور إن‬
‫النمسا لن تذهب إلى الحرب من اجل ثم ان س فن‪ ,‬وبع د ج دل طوي ل توص ل المفاوض ون‬
‫الثالث ة وب دون علم حكوم اتهم إلى ت رتيب تس وية س لميه فيم ا بينهم ليتم عرض ها على‬
‫حكوماتهم فيما بعد ليبدوا أمام العالم كصانعي سالم‪ ,‬نصت االتفاقي ة على ض مان اس تقالل‬
‫ووح دة األراض ي العثماني ة‪ ,‬واإلبق اء على مب دأ إغالق المض ائق‪ ,‬وطلب األذن بمرابط ة‬
‫فرقاطتين من كل دول ة من الحلف اء في البح ر األس ود‪ ,‬وتك ون المض ائق مفتوح ة لحلف اء‬
‫السلطان في حالة الخطر على الدول ة العثماني ة‪ ,‬وجع ل ه ذه األم ور ناف ذة وفعال ة بتوقي ع‬
‫معاهدة ضمانات بين بريطانيا وفرنسا والنمسا‪ ,‬وقد اجرى دي لويس المفاوض ات الس ابقة‬
‫بمعزل عن حكومته(‪.)2‬‬
‫وضعت النمسا الشروط السابقة المخادعة من اجل التهرب من ارتباطها ال ذي ال تزمت‬
‫به في معاهدة الثاني من كانون األول س نة ‪ ,1854‬عن دما اَعلَم مبعوث وا فرنس ا وبريطاني ا‬
‫في فينا حكوماتهم بالتطورات األخيرة تنصلت الحكومتان من مندوبيها‪ ,‬واعت برت إن ذل ك‬
‫خنوع ا ً من ج انب أولئ ك ال وزراء ال ذي منحتهم حكوم اتهم ثق ة مطل ق الص الحية في‬
‫التصرف‪ ,‬فقد وجد نابليون بأنه عرضة للخطر بسبب مثل هذه النهاية المخزي ة للح رب(‪,)3‬‬
‫ورفض الخطة رفضا قاطعا ً بتحريض من لندن‪ ,‬وأراد استمرار الحرب بأي ثمن‪ ,‬الس يما‬
‫إن المعاهدة لم تكن كافيه هذا من جهة‪ ,‬ومن جهة أخرى اعتقد إن اخذ سيفاستوبول ضروري‬
‫لهيبة فرنسا وجيشها (‪ ,)4‬واخبر دي لويس بذلك برقيا‪ ,‬كم ا أعلنت النمس ا إنه ا لم تع د‬
‫ملزمة ببنود معاهدة الثاني من كانون األول‪ ,‬وانسحبت قواتها من الجبه ة الروس ية متحجج ة‬
‫حزيران‬
‫بتقليص المصاريف‪ ,‬واتخذت موقفا حياديا‪ ,‬كما أعلنت عن إغالق المؤتمر مبكرا في (‪.)5‬‬
‫وبمحاولة عقيمة وبعد عودته إلى باريس حاول دي لويس إقن اع ن ابليون الث الث بمزاي ا‬
‫الترتيبات التي تمخضت عن األفكار النمساوية‪ ,‬وقد اث ار ذل ك غض ب الحكوم ة الفرنس ية‬
‫لكون دي لويس كان قد اهان الحكومة الفرنس ية بمحاول ة اقناعه ا بتل ك التس وية‪ ,‬ولم يل ق‬
‫كالم دي لويس إذنا ً صاغية من نابليون الث الث‪ ,‬وبنص يحة من ك اولي إلى اإلم براطور تم‬
‫طرد دي لويس من منصبه‪ ,‬و ُعيِن وولوس كي الس فير الفرنس ي في لن دن خليف ة له(‪ ,)6‬وق د‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()-Amand, Napoleon III and his court…., p.289.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪(-(Duggan, op.cit., p.118.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪()-Harcourd, op.cit., p.‬‬
‫‪162‬‬
‫اُعتبرت إقالة دي لويس إن هناك تغييراً عميقا ً في السياسة الخارجية الفرنسية‪ ,‬فق د ك ان دي‬
‫لويس يعتقد أن تحالف فرنسا مع النمسا سيكبح جماح ن ابليون الث الث‪ ,‬كم ا إن إعط اء ه ذا‬
‫المنصب إلى ولوسكي قد غير الخطوط السياسية الكبرى لسياسة فرنسا(‪ ,)1‬لق د س بب موق ف‬
‫دي لويس أزمة حرجة في مسار الح رب ه ددت ثب ات اإلم براطور الق وي‪ ,‬ووالئ ه وإخالص ه‬
‫التام لتحالفه مع بريطانيا‪ ,‬وانتصر على كل أنواع المكائد التي رامت إلح داث ص دع في‬
‫العالقات بين بريطاني ا وفرنس ا‪ ,‬فلم يكن دي ل ويس محب ا للتح الف م ع بريطاني ا‪ ,‬وك ان‬
‫يشعر بالسعادة لو أتيحت له فرصة إضعاف ذل ك التح الف‪ ,‬عن طري ق وض ع بن ود هي‬
‫اق رب للنمس ا وبروس يا من ه إلى بريطاني ا‪ ,‬لكن األم ر انتهى بتل ك الطريق ة المأس اوية‬
‫بالنسبة لدي لويس (‪.)2‬‬
‫بعد إقالة دي لويس تم تبادل مذكرات سرية بين الدول المتفاوضة‪ ,‬تم عقد م ؤتمر أخ ير‬
‫في نهاية آيار على أمل إيجاد تسوية نهائية قبل غلق المؤتمر نهائيا‪ ,‬وكان في ه مب دأ إغالق‬
‫المضائق طاغيا‪ ,‬بشرط أن يكون هناك توازن بالقوى في البحر األسود‪ ,‬وسيمنح الس لطان‬
‫الحق في فتح المضائق لحلفائه عند التهديد‪ ,‬وس تحدد الق وات الح رب الروس ية والعثماني ة‬
‫عن طريق االتفاق المباش ر بين الكس ندر الث اني والس لطان عب د المجي د‪ ,‬وان يك ون ع دد‬
‫الس فن العائم ة في البح ر األس ود بس ت س فن فق ط‪ ,‬وق د رفض بوركوي ني التعلي ق على‬
‫الموض وع‪ ,‬وأعلن بع د ذل ك ب ول إنه اء المفاوض ات الرس مية‪ ,‬وب ذلك ع اد الجمي ع إلى‬
‫السالح(‪ ,)3‬فقد ودع نابليون الثالث فرقة من الجنود كانت متوجه للقتال في الق رم مخ برا‬
‫للبالد‪.)4‬‬
‫(‬
‫إياهم بفخر إن الجيش كان الشرف الحقيقي‬
‫المبحث الرابع‬
‫نهاية الحرب‬
‫بعد فشل المفاوضات وتالشي األم ل بالس الم‪ ,‬تم االس تعداد في ش به جزي رة الق رم إلى‬
‫مواجهات جديدة‪ ,‬في حين كانت ب اريس تعيش في تن اقض غ ريب‪,‬حيث ش هدت العاص مة‬
‫باريس زيارة الملكة فكتوريا بناء على دعوة وجهت لها من قبل ن ابليون الث الث‪ ,‬ووص لت‬
‫الملكة في الثامن عشر من حزيران‪ ,‬وكانت الزيارة عبارة عن مصالحة بين الشعبين الذين‬
‫ك انوا أع داء بالوراث ة‪ ,‬وزارت الملك ة أثن اء تواج دها في ب اريس ق بر ن ابليون بون ابرت‪,‬‬
‫‪1‬‬
‫‪()-Amand, Napoleon III at the height of his…., p.102.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-Kelley, op.cit., p.112.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()-Price, op.cit., p.180.‬‬
‫‪163‬‬
‫وأقيمت حفلة على ش رفها في قاع ة المرايا(‪ ,)1‬معلن ة عن انته اء مرحل ة مهم ة من ف ترات‬
‫الصراع البريطاني الفرنسي على السيادة في أوربا(‪.)2‬‬
‫وفي الوقت الذي كانت فيه باريس تحتفل بزيارة الملكة كانت عيون القلق ال تي ت ترقب‬
‫من خاللها الحكومة الفرنسية النزاع ال دائر ح ول أس وار سيفاس توبول‪ ,‬والتض حيات ال تي‬
‫قدمتها‪ ,‬وفي الثاني من تموز وجه نابليون الثالث خطابا ألعضاء مجلس الش يوخ والمجلس‬
‫التشريعي المجتمعين في التوليري موضحا فيه باختصار الفشل ال ذي أص اب م ؤتمر فين ا‬
‫والنهج الملتوي للنمسا على الرغم من التزاماته ا الرس مية‪ ,‬مطالب ا في ال وقت نفس ه بمنح‬
‫قرض أضافي ألجل نفقات الحرب واستمرار فعاليتها‪ ,‬واس تدعاء ‪ 140000‬رجالً للتجني د‬
‫لعام ‪ ,1856‬وفي الحادي والثالثين من الشهر نفسه منح مجلس الش يوخ باإلجم اع ك ل م ا‬
‫طلبته حكومة اإلمبراطورية‪ ,‬وك ان الص وت الوحي د المع ارض ه و للمس يو ديمونت اليم (‬
‫‪ )M.de Montalembert‬وهو احد أعضاء مجلس النواب الفرنسي‪ ,‬الذي كان آسفا على‬
‫فش ل م ؤتمر فين ا واس تمرار الح رب وتكاليفه ا‪ ,‬وق د طلبت الحكوم ة مبل غ مق داره‬
‫‪ 30,000000‬فرنكا ً ووصل حجم المبلغ المدفوع ‪ 1,460,00000‬فرنك(‪.)3‬‬
‫كما تم ايضا ً افتتاح المعرض الدولي وب دا وكأن ه تمجي د للس الم في وقت الح رب‪ ,‬فق د‬
‫أقيم المعرض في الشانزلزيه في الخ امس عش ر من تم وز س نة ‪ ,1855‬تم خالله ا ت زيين‬
‫الواجهة بأعالم الدول المش اركة بم ا فيه ا روس يا‪ ,‬لك ون المص انع الروس ية له ا حض ور‬
‫عالمي‪ ,‬ويبدو أن سبب دعوة روسيا لكون نابليون الثالث أراد أن يظه ر لل رأي الع ام بأن ه‬
‫غير ميال للحرب وليس لديه مشكلة مع روسيا‪ ,‬وما على روس يا س وى اح ترام تعه داتها‬
‫واحترام حقوق وسيادة اآلخرين‪ ,‬افتتح المعرض بخطاب لنابليون الثالث ابرز ما جاء في ه‬
‫هو عبارة " افتتح بكل سرور صرح السالم هذا الذي يدعو كل األمم لالجتماع السلمي(‪.)4‬‬
‫‪-((1‬قاعة المرايا‪:‬هي احدى القاعات الرئيسة في قصر فرس‪2‬اي‪ 2,‬ويطل‪2‬ق عليه‪2‬ا ايض‪2‬ا (غرانديغاري‪2‬دي)‬
‫امر بتشييدها الملك لويس الرابع عشر‪ ,‬وقام ببنائها المهندس الفرنسي ج‪22‬ول ه‪22‬ارد وانمان‪22‬ار‪ ,‬واس‪22‬تمر‬
‫البناء بها من ‪ ,1684-1678‬بطول ‪37‬م م‪2‬ع ‪ 753‬م‪2‬رآة‪ ,‬وق‪2‬د ام‪2‬ر ل‪2‬ويس الرس‪2‬ام الفرنس‪2‬ي ش‪2‬ارل‬
‫ل‪22‬وبران ان ي‪22‬زين س‪22‬قفها برس‪22‬وم لكاف‪22‬ة االنتص‪22‬ارات العس‪22‬كرية الفرنس‪22‬ية واالنج‪22‬ازات االداري‪22‬ة‬
‫واالقتصادية‪ ,‬فاستوحى شارل من مخيلته‪ ,‬وضاعف من الصور‪ 2‬المجازية والخيالي‪22‬ة‪ ,‬ووض‪22‬ع ص‪22‬ورة‬
‫الملك لويس الرابع عشر وسط تلك الرسوم‪ 2,‬وكانت تقام في هذه القاعة الكث‪22‬ير من الحفالت ومن بينه‪22‬ا‬
‫حفالت زواج االمراء‪ ,‬وقد اعاد نابليون الثالث احياء تلك الحفالت‪.‬‬
‫‪The new Encyclopaedia Britiannica , Vol.5, op.cit., CD.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪()-Williams, Roger L., gaslight and shadow the world of Napoleon iii 1851-‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()-Jerrold, op.cit., p.67.‬‬
‫‪164‬‬
‫في الثامن من أيلول سنة ‪ 1855‬جعل الجنود الفرنس يون بل دهم يحتف ل ثاني ة بنص رهم‬
‫في تحطيم أس وار سيفاس توبول‪ ,‬مت وجين نص رهم في تل ك الح رب في الث امن من أيل ول‪,‬‬
‫وبه ذا النص ر وبعض النجاح ات الص غرى ال ذي حض ت في ه الحلف اء في آزوف والبح ر‬
‫األس ود ك انت الح رب منتهي ة عملي ا ً في الق رم(‪ ,)1‬فق د وج د بالمرس تون إن في س قوط‬
‫سيفاستوبول مقدمة لح رب واس عة ض د روس يا ال تتوق ف إال باالس تيالء على أج زاء من‬
‫األراضي الروسية ومن ثم إذاللها وإضعاف نفوذها في السياسة الدولية‪ ,‬بينما كان ن ابليون‬
‫الث الث ي رى بع د س قوط سيفاس توبول ض رورة إنه اء الح رب وع دم التق دم داخ ل عم ق‬
‫األراضي الروسية‪ ,‬إذ كان يرى في إضعاف روسيا إخالال في التوازن األوربي(‪.)2‬‬
‫ونتيجة لذلك جرى بعض الكالم عن بعث بولندا‪ ,‬غير أن نابليون الثالث ك ان خائف ا من‬
‫أن تنضم بروسيا والنمسا إلى روس يا‪ ,‬وب ذلك يعي د الحل ف المق دس من جديد(‪ ,)3‬ويمكن أن‬
‫تعني بولندا المبعوثة من جديد سلسلة جديدة من الحروب الثورية التي يمكن أن تش مل ك ل‬
‫أورب ا‪ ,‬فتش جيع بريطاني ا الج زئي اض عف بش كل كب ير رغب ة ن ابليون الض عيفة أص ال‬
‫باستمرار القتال بع د إن حق ق المج د ال ذي ك ان يبحث عنه(‪ ,)4‬كم ا إن ن ابليون الث الث التفت‬
‫بطاق ة متج ددة لش ؤون بالده‪ ,‬وخصوص ا أن اإلس راع في الس الم س يمكنه من إص الح‬
‫المشكلة المالية التي حصلت جراء الحرب‪ ,‬وأثرت على اإلمبراطورية‪ ,‬وعندما اختتم المعرض‬
‫الدولي ذكر نابليون في كلمته أن النجاح الذي أحرزه المعرض ال دولي يع ود إلى القناع ة‬
‫العامة بان الحلفاء كانوا ميالين فقط إلى معاقبة عدوهم المشترك من اجل استقرار وسالمة‬
‫العالم المتحضر‪ ,‬ثم توجه إلى ممثلي األمم المختلف ة ال ذين ك انوا مص طفين تحت أعالم‬
‫دولهم وخصوصا إلى األلمان قائال من أن فرنسا ال تحمل مشاعر الكراهية تجاه أي شعب‬
‫وهي تتع اطف م ع ك ل من يتم نى االنتص ار للح ق والعدال ة‪ ,‬طالب ا منهم اإلعالن من أنهم أن‬
‫كانوا م ع الفرنس يين أو ض دهم‪ ,‬وذل ك ألن ه في خض م الص راع األوربي ع دم المب االة‬
‫تعتبر سياسة سيئة‪ ,‬والصمت يعتبر خطأ‪ ,‬ملمحا الى تخاذل بروسيا في حرب القرم‪ ,‬وقد‬
‫القت تلك الكلمات هتافات ترحيب من كل الجهات‪ ,‬ووجه الدرس خصوصا للنمسا‪ ,‬ثم استدار‬
‫اإلمبراطور نحو الحلفاء –البريطانيين والس ردينيين والعثم انيين‪ -‬ق ائال " بالنس بة إلين ا‬
‫تحالفت األمم من اجل االنتصار لقض ية عظيم ة‪ ,‬فلنص هر أس لحتنا من دون جع ل مص انعنا‬
‫متوانية‪ ,‬ومن دون إيقاف تلويحاتنا‪ ,‬دعونا نظهر أنفسنا عظماء في فنون السالم كما ه و‬
‫‪4‬‬
‫‪()-citedin from: Jerrold, op.cit., p.65.‬‬
‫‪-)(2‬آل ص‪2‬الح‪ ,‬عب‪2‬اس عب‪2‬د الوه‪2‬اب علي ف‪2‬ارس‪ ,‬سياس‪2‬ة بريطاني‪2‬ا‪ 2‬الخارجي‪2‬ة تج‪2‬اه الدول‪2‬ة العثماني‪2‬ة (‬
‫‪ ,)1856-1839‬اطروحة دكتوراة غير منشورة‪ /‬كلية اآلداب‪ ,‬جامعة الموصل‪ ,2007 ,‬ص‪.193‬‬
‫‪-)(3‬صفوت‪ ,‬المصدر السابق‪ ,‬ص‪.48‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()-Andorson, op.cit., p.139.‬‬
‫‪165‬‬
‫الح ال في فن ون الح رب‪ ,‬دعون ا نك ون أقوي اء في س المنا‪ ,‬ولنص نع أملن ا في الح رب‬
‫ليمنحنا النصر على المصاعب التي تواجهنا اليوم والمخاطر التي تهدد مستقبلنا"(‪.)1‬‬
‫وفي التاسع والعشرين من كانون األول استقبل نابليون الث الث وأه الي ب اريس الق وات‬
‫الفرنسية العائدة من القرم في عملية استبدال للفرق(‪ ,)2‬وعلى ما يبدو إن سبب استدعاء الف رق‬
‫هو تلميح من نابليون الثالث إلى بريطانيا من أن الحرب انتهت بالنس بة إلى الفرنس يين بع د‬
‫إن حصل على م ا يري د‪ ,‬فض ال عن إن معظم المحيطين ب ه وعلى رأس هم م ورني وه و اح د‬
‫المغامرين الفرنسيين‪ ,‬وأخ نابليون الثالث غير الشقيق‪ ,‬كان يريد التقارب م ع روس يا‪ ,‬فق د‬
‫كان يرى فيها منجما للذهب يجب استثماره من قبل فرنسا‪ ,‬وقد توقع إن من شان روسيا أن‬
‫تطلق يد فرنسا في أوربا‪ ,‬كما كانت له صالت س رية م ع غورتش اكوف وح اول كس به‬
‫لعقد صفقة‪ ,‬وكان يقول إن فرنسا وبريطانيا سرعان ما سيكتشفان ضآلة اهتمام كل منهما‬
‫باآلخر‪ ,‬والتقليص المقترح للقوة الروسية في البحر األسود ه و ش ديد اإلذالل لروس يا‬
‫ويمكن إهماله‪ ,‬فمثل هذه البنود ال تدوم طويال (‪ ,)3‬كما شجع مورني ن ابليون الث الث على‬
‫التص الح م ع روس يا(‪ ,)4‬وخصوصا بع د إن ازداد التن افس م ا بين تينوفي ل وس تراتفورد‬
‫ردكليف سفراء فرنسا وبريطانيا في اسطنبول‪ ,‬حيث كان التنافس االنكلو فرنسي ش ديد في‬
‫الشرق‪ ,‬ل ذلك انش أ ن ابليون اتص اال مباش را م ع الحكوم ة الروس ية عن طري ق س يباش (‬
‫‪ )Seebach‬الوزير السكسوني في باريس الذي كان صهر نيسلورد(‪.)5‬‬
‫غير أن السياسيين الجدد في روسيا على الرغم من أنهم كانوا مي الين للس الم غ ير أنهم‬
‫لم يكونوا مستعدين بعد للتقرب من نابليون الث الث ال ذي م ازال يمث ل بالنس بة لهم الث ورة‪,‬‬
‫صحيح أنهم تقبلوا فكرة إن الحلف المقدس انتهى ب رفض النمس ا الوق وف إلى ج انبهم لكن‬
‫فكرة التحالف م ع فرنس ا م ا زالت بالنس بة لهم مفرط ة الج رأة(‪ ,)6‬ومن ج انب آخ ر إن رغب ة‬
‫فرنسا للتقرب من روسيا ال يعني أنها تخلت عن تحالفه ا م ع بريطاني ا‪ ,‬ب ل على العكس‬
‫كانت ملتزمة جدا به‪ ,‬وكان نابليون الثالث يتجنب ك ل الدس ائس ال تي ك انت تحيكه ا النمس ا‬
‫وبروسيا من اجل إيقاع الخالف ما بين بريطانيا وفرنسا طوال مدة الحرب‪ ,‬كما ب دأ ن ابليون‬
‫يتطلع إلى الحلفاء المحتملين عند حدود النمسا وبروسيا‪ ,‬فقد أرسل نابليون الثالث إلى ملك‬
‫السويد وفدا مفاوضا بقيادة قائد قوات القرم كانروبرت الذي كان قد عاد الى ب اريس في‬
‫وقت سابق‪ ,‬وقد حمله نابليون الثالث الصليب األكبر لفرقة الشرف العسكرية الفرنسية كهدية‬
‫‪1‬‬
‫‪()-comfy from: Jerrold, op.cit., p.69.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-Lanoe, op.cit., p.109.‬‬
‫‪-))4‬صفوت‪ ,‬المصدر السابق‪ ,‬ص‪.48‬‬
‫‪-((5‬تايلر‪ ,‬المصدر‪ 2‬السابق‪ ,‬ص‪.136‬‬
‫‪6‬‬
‫‪()-Amand, Napoleon III at The height…, p.118.‬‬
‫‪166‬‬
‫تكهولم‪ ,)1‬ونجح‬
‫(‬
‫الى الملك‪ ,‬واستقبل الوفد الفرنسي بحماس شديد في كل من كوبنه اكن وس‬
‫الوفد من توقيع اتفاقية في الح ادي والعش رين من تش رين الث اني ‪ 1855‬على أن ال تتخلى‬
‫الس ويد لروس يا عن أي منطق ة أو تس مح للق وات الروس ية باحتالله ا‪ ,‬وان أي طلب به ذا‬
‫الشأن سوف تنقله السويد إلى الحكومتين البريطاني ة والفرنس ية الل تين س تقومان بمس اعدة‬
‫السويد على رفضه(‪.)2‬‬
‫اثر األمر السابق سلبا على المعنوي ات الروس يةالتي ك ان وض عها ص عبا للغاي ة‪ ,‬فك ان‬
‫عليها أن تحافظ على قوات كبيرة في بولندا وأقاليم البلطيق وك اكوس وال تي تق در بم ائتين‬
‫ألف رجالً‪ ,‬فضال عن الحاجة إلى حراسة الفالحين المتم ردين(‪ ,)3‬وفي تش رين الث اني س نة‬
‫‪ 1855‬زار الكسندر الثاني شبه جزيرة القرم ليوجه شكره للمدافعين عنه ا‪ ,‬وق د أش اد‬
‫بشجاعة العدو األمر الذي يعتبر بادرة حسن نية من جانب الكسندر الثاني وفسرت على إنها‬
‫بداية النهاية لحرب القرم (‪ ,)4‬وبذلك بدأت الحرب تنهي نفس ها ت دريجيا بإنه اك ال روس‬
‫باألمر‪.)5‬‬
‫(‬
‫وتعب الفرنسيين وتحقيق أهدافهم‪ ,‬عدا بريطانيا التي ما برحت مهتمة‬
‫بعد إن الحظت النمس ا التق ارب الفرنس ي الروس ي‪ ,‬أدركت إنه ا س تكون معزول ة عن‬
‫السياس ة األوربي ة‪ ,‬ل ذلك س ارعت إلى ال دخول في مفاوض ات م ع فرنس ا لقب ول النق اط‬
‫األربعة‪ ,‬وقد أفضت المفاوضات فيما بينهما إلى اتفاق جاء في ه ج واب قب ول روس يا حي اد‬
‫البحر األسود‪ ,‬وان تترك أسطولها وقالعه ا هن اك‪ ,‬ويجب أن تتخلى عن مقاطع ة مول دافيا‬
‫التي هي في مدخل الدانوب(جزء من باس ارابيا الجنوبي ة)(‪ ,)6‬ولم ا لم تع د سيفاس توبول‬
‫موضع جدل الستمرار الصراع لحماية مث ل ذل ك الش رط للس الم قب ل فرانس وا جوزي ف‬
‫النقاط األربعة بالشكل الجديد وهي تحييد البحر األسود (‪ ,)7‬هكذا تم االتفاق على م ا س بق‬
‫بمعزل عن بريطاني ا ح تى ج اء الخ امس من ك انون األول س نة‪ ,1855‬األم ر ال ذي انتق ده‬
‫الكث ير من السياس يين االورب يين‪ ,‬ونظ رت إلى تص رف فرنس ا بوض ع مقترح ات الس الم‬
‫باالش تراك م ع النمس ا وإرس الها إلى الك ونت وولوس كي ليق دمها إلى بريطاني ا لتض ع‬
‫موافقتها عليها بكل بساطة يعتبر أم راً خاطئ اً‪ ,‬ف اللورد بالمرس تون لم يكن وزي را‬
‫ليعامل بهذا االستخفاف من قبل الحكومة الفرنسية‪ ,‬ولم تكن بريطانيا دولة صغرى ليملى‬
‫عليها ما تقرره فرنسا‪ ,‬وان سبب هذا التصرف من جانب فرنس ا ه و تس رع اإلم براطور‬
‫‪1‬‬
‫‪()-Andorson, op.cit., p.139.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-Smoke, op.cit, p.453.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()-Amand, Napoleon III and His Court, p.362.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()-Williams, op.cit., p.82.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()-Kennan,George, The Fateful Alliance: France, Russia and the coming of‬‬
‫‪The First world war, Oxford, 1990, p.9.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪()-Wormeley, op.cit., p.140.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪167‬‬
‫في إتمام ترتيب مشرف م ع روس يا إلحالل الس الم‪ ,‬كم ا إن الح رب داخ ل فرنس ا لم تكن‬
‫مستساغة منذ البداية‪ ,‬ومتحفظا ً عليه ا ح تى أثن اء ف ترة مب اهج النص ر ال تي كلله ا‪ ,‬وال تي‬
‫توجت بعد ذلك بسقوط سيفاستوبول‪ ,‬حينها دعا ال رأي الع ام إلى إحالل الس الم بن برات لم‬
‫يكن باإلمك ان س ماعها بع دم اك تراث وال مب االة(‪ ,)1‬كم ا ان ه لم يكن مي اال للض غط على‬
‫روسيا كثيرا كما كان بالمرستون‪ ,‬وبذلك أن قوة الرأي العام فرضت عليه إحالل الس الم‪,‬‬
‫الن شعبه كان مصرا عليه (‪.)2‬‬
‫لكن في الوقت نفس ه لم يكن ن ابليون يري د أن يفق د تحالف ه م ع بريطاني ا‪ ,‬فص حح ذل ك‬
‫بإرسال رسالة إلى الملك ة فكتوري ا مؤرخ ة في الث اني والعش رين من تش رين الث اني س نة‬
‫‪ 1855‬مبررا فيها تصرفه السابق مبتدئها بعبارة "سيدتي وأختي العزيزة" ذك ر له ا فيه ا‬
‫أن الحكومة الفرنسية ملزمة بإقامة السالم حتى وان كانت الشروط غير جيدة‪ ,‬بالقدر نفس ه‬
‫الذي كانت فيه بريطانيا تواقة الستمرار الحرب‪ ,‬أما في حالة حصول الحلفاء على ش روط‬
‫جيدة ف ان كال البل دين البريط اني والفرنس ي س يكونناحراراً في تص رفاتهم‪ ,‬فل دى البل دين‬
‫المصالح نفسها‪ ,‬ويرميان إلى الشيء نفسه وهو السالم المش رف‪ ,‬ثم اس تأنف اإلم براطور‬
‫كالمه بس ؤال الملك ة عن الوض ع العس كري لكال الجيش ين بع د س قوط سيفاس توبول‪ ,‬م ع‬
‫وجود ‪ 50000‬رجالً بريطاني ا ً م ع ‪ 10000‬ج واد‪ ,‬و‪ 200000‬رجالًفرنس يا ً م ع ‪34000‬‬
‫جواد‪ ,‬ولدى بريطانيا أسطوالً ضخما ً في البحر األسود‪ ,‬وكذلك في البلطيق‪ ,‬مع وجود آخر‬
‫فرنسي فعال على الرغم مما يمتلكه من أهمية اق ل‪ ,‬م ع وج ود ك ل ه ذه الق درة العس كرية‬
‫القادرة على إلحاق األذى الشديد بروسيا‪ ,‬إال إنن ا ق ادرون على إخض اعها بوس يلة أخ رى‬
‫ومن غير مساعدة‪ ,‬طارحا ثالث أفكار لحل تلك المشكلة‪ ,‬تمثلت األولى‪ :‬أن يتح دد الحلف اء‬
‫في احتالل نقاط إستراتيجية بمحاصرة البلطيق والبح ر األس ود واالنتظ ار من دون إنف اق‬
‫مبالغ هائلة إلى حين جعل روسيا تقبل على السالم‪ ,‬وبعد ذلك يحدد الحلفاء أنفس هم بح رب‬
‫دفاعية‪ ,‬إلى أن تستنفذ روسيا قوتها‪ ,‬أما المقترح الثاني قد كان‪ :‬تقديم التماس لكل الوطنيين‬
‫واإلعالن وبكل جرأه على إعادة تأسيس بولندا‪ ,‬واس تقالل فنلن دا وهنغاري ا وايطالي ا‪ ,‬وق د‬
‫كان هذا المنهج حسب اعتقاد نابليون الثالث مش وبا ً بالمخ اطر‪ ,‬ويعت بر في ال وقت الح الي‬
‫غير عادل‪ ,‬أما النقطة الثالث فقد تمثلت بالحفاظ على الحلف مع النمسا وان أمكن فإنه ا ق د‬
‫تعمل على حمل كل ألمانيا على طول الخط معها‪ ,‬وبهذه الطريقة تك ون روس يا منق ادة من‬
‫خالل قوات الحلفاء من جهة‪ ,‬ومن خالل الرأي العام األوربي من جهة أخرى على اقتراح‬
‫شروط وبنود مماثلة إلحالل السالم‪ ,‬وقد كان نابليون الثالث مؤيدا للنهج الثالث‪ ,‬كم ا اخ بر‬
‫الملكة فكتوريا هو إنها لو أرادت بريطانيا إعادة خارطة أوربا‪ ,‬وان أورب ا لن تك ون ح رة‬
‫ح تى يتم تأس يس بولن دا‪ ,‬وتع اد الق رم إلى الدول ة العثماني ة‪ ,‬وفنلن دا للس ويد‪ ,‬ف ان فرنس ا‬
‫‪1‬‬
‫‪()-Kennan, op.cit., p.11.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-Greville, C. F, Queen Victoria, Vol. 2, London, 1967,p.87.‬‬
‫‪168‬‬
‫ستؤيدها في ذلك‪ ,‬وانه سوف يضع الخطط لتطبيق تل ك السياس ة‪ ,‬لكن ل رفض دعم النمس ا‬
‫من اجل منافع ص غيرة ج دا ق د يط الب به ا أي اح د وفي أي وقت‪ ,‬لم يس تطع ن ابليون أن‬
‫يعتبره منطقيا‪ ,‬وقد طلب من الملكة أن تضع ذلك بنظر االعتبار(‪.)1‬‬
‫أجابت الملكة مباشرة على رس الة اإلم براطور مبتدئ ة رس التها بش كره على الرس الة‬
‫والتي تعتبر من جانبها دليال آخر للصداقة ما بين ال دولتين‪ ,‬ورغبت ه في األوق ات الحرج ة‬
‫للتوصل إلى تفاهم واضح مع حليفته‪ ,‬مشيرة إلى التناقض في عملهم كحاكمين‪ ,‬فهي ك انت‬
‫تعمل في سياستها من خالل الوزراء المسؤولين تجاه البرلمان‪ ,‬وآلخر يعمل وفقا لما تمليه‬
‫عليه إرادته الشخصية‪ ,‬وان علينا أن نضع العاطفة الشخصية جانبا فيما يتعلق بالتعامل مع‬
‫النمسا‪ ,‬ومن بين السبل الثالثة التي اقترحها اإلمبراطور إنها تفضل النقط ة الثالث ة مش يرة‬
‫إلى إن النقطة الثانية ستكون مرفوضة دائما(‪.)2‬‬
‫نتيجة لما سبق عادت فرنسا للتفاوض مع بريطانيا من اجل التوصل إلى سالم‪ ,‬وبالفعل‬
‫توصلوا إلى اتفاقية انكلو‪-‬فرنسية تضمنت منع الدولة العثمانية وروس يا من امتالك ب واخر‬
‫حربية‪ ,‬ومصانع أسلحة في البح ر األس ود‪ ,‬وتض منت ش روطا عن وض ع المس يحيين في‬
‫اإلمبراطورية العثمانية بدون أن يستثار الباب العالي بأية طريقة‪ ,‬وقد قدمت تل ك الطلب ات‬
‫عن طريق النمسا إلى روسيا في الث امن والعش رين من ك انون األول س نة ‪ ,1855‬اجتم ع‬
‫المجلس اإلمبراطوري في قصر الشتاء في س انت بطرس برغ في األول من ك انون الث اني‬
‫لعام ‪ ,1856‬وكان أغلبية أعضائه مؤيدون للسالم بس بب العج ز الت ام لروس يا لالس تمرار‬
‫بالحرب بدون أي أمل بالنجاح‪ ,‬لذلك تم إخبار الحكومة النمس اوية في الخ امس من ك انون‬
‫الثاني إنها قبلت بالطلبات لكنها رفضت التنازل عن أي من مقاطعاتها‪ ,‬كما رفض ت فك رة‬
‫القيام بأية تنازالت لصالح أوربا(‪.)3‬‬
‫نتيج ة لل رفض الروس ي الج زئي للمق ترح الفرنس ي ق ررت النمس ا قط ع العالق ات‬
‫الدبلوماسية مع روسيا في الخ امس من ك انون الث اني‪ ,‬األم ر ال ذي دف ع ال روس إلى عق د‬
‫اجتماع إمبراطوري ثاني حاسم في الخامس عشر من كانون الثاني‪ ,‬وقد تدخل فيه وي رذر‬
‫(‪ )Werther‬الس فير البروس ي في س انت بطرس برغ‪ ,‬ال ذي أخبرت ه حكومت ه أن بروس يا‬
‫أيدت الطلبات النمساوية‪ ,‬وينبغي عليه أن ين اقش ال روس من اج ل قبوله ا‪ ,‬وهك ذا أص بح‬
‫موقف روسيا ضعيفاً‪ ,‬وكان أعضاء المجلس عارفين هذا جيدا‪ ,‬كما خشي الكس ندر الث اني‬
‫من أن تنشب ثورة داخلية ضده فضال عن الصعوبات المالي ة ال تي واجهت البالد‪ ,‬وخش ي‬
‫من أن سنة أو سنتين من الحرب قد تخفض روسيا إلى درجة ق د يطلب منه ا نص ف ق رن‬
‫‪1‬‬
‫‪()-Jerrold, op.cit., p.70.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-I bid.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()-Andorson., op.cit., p.140.‬‬
‫‪169‬‬
‫السترجاع قوتها‪ ,‬لذلك وفي السادس عشر من كانون الثاني قبلت الحكومة الروسية اإلنذار‬
‫النهائي النمساوي وبذلك كانت نهاية الحرب(‪.)1‬‬
‫وبذلك انهزمت روسيا‪ ,‬واجبر الكسندر الثاني على قبول الشروط التي ستخلف ظروف ا‬
‫جديدة‪ ,‬وفي الحقيقة هزمت روسيا بس بب ع دم مس اندة النمس ا ال ذي ك ان س ببا في تحطيم‬
‫التح الف المق دس‪ ,‬وش جاعة الجن دي الفرنس ي في المعرك ة‪ ,‬ليعلن عن م دة جدي دة لك ل‬
‫الشعوب الراغبة في التحرر‪.‬‬
‫المبحث الخامس‬
‫مؤتمر باريس‬
‫‪1856‬‬
‫بعد إن وافقت روسيا على النقاط األربعة تقرر أن يعقد مؤتمر في غض ون ثالث ة أس ابيع‪,‬‬
‫للتوصل إلى تسوية للحرب‪ ,‬وكبادرة حس ن ني ة اق ترح ن ابليون الث الث بروكس ل عاص مة‬
‫بلجيك ا مكان ا للم ؤتمر‪ ,‬في حين أراد القيص ر الروس ي فرانكف ورت‪ ,‬وأرادت بريطاني ا‬
‫باريس‪ ,‬احتجت روسيا على ذلك بحجة أن مسيرة المفاوضات سوف تكون تحت إش راف‬
‫الحاكمين المتحالفين‪ ,‬اللذين اتفقا على المضي قدما في كل شيء‪ ,‬ومع ذلك اختيرت باريس‬
‫مكانا للمؤتمر(‪.)2‬‬
‫قبل أن تصل الوفود إلى ب اريس أرس ل ن ابليون الث الث رس الة إلى الملك ة فكتوري ا في‬
‫الحادي والعشرين من كانون الثاني سنة ‪ 1856‬ذكر فيها إن على الحكومتين توحيد التوجه‬
‫والتصرف على طاولة المؤتمر المزمع عقده في باريس كما هو كذلك في ساحة المعرك ة‪,‬‬
‫‪1‬‬
‫‪()-Smoke, op.cit., p.444.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-Amand, Napoleon III and his Court…., p.380.‬‬
‫‪170‬‬
‫ورجا أن تكون اختالفات الرأي بين الحكومتين مسوْ اة قبل عقد المؤتمر‪ ,‬وتماش يا م ع ه ذا‬
‫الطلب توجه كالرندون إلى باريس قبل بضعة أيام من اجتماع صناع السالم‪ ,‬للمداول ة م ع‬
‫اإلمبراطور شخصيا‪ ,‬وكان حامال معه رسالة شخص ية من الملك ة ذك رت فيه ا إن رس الة‬
‫نابليون السابقة تعتبر دليالً آخر لعمق الصداقة بين البلدين‪ ,‬وترجو أن يسمح لكالرندون أن‬
‫يطرح وجهات نظرها لمعرفة رأيه بها‪ ,‬لقد أدركت الملكة أن األهمية الحيوية للتوافق التام‬
‫بين الحكومتين‪ ,‬من اجل الحصول على ش روط مرض ية لع زة وكرام ة فرنس ا وبريطاني ا‬
‫معا‪ ,‬مجددة مرة أخرى تأكي داتها على الثق ة والص داقة بين البل دين‪ ,‬وق د اختتمت الرس الة‬
‫بقولها‪ ,‬أنها ال تعتبر نابليون الثالث مجرد حليف بل هو صديق يمكن أن يعتم د علي ه تحت‬
‫أي ظرف من الظروف(‪.)1‬‬
‫كما عاد اهتمام بريطانيا وفرنسا بحرك ة اإلص الح ال داخلي للدول ة العثماني ة‪ ,‬فقب ل ان‬
‫يعقد مؤتمر السالم اتفق سفيرا فرنسا وبريطانيا على قط ع الطري ق أم ام الت دخل الروس ي‬
‫في شؤون الدولة العثمانية الداخلية بحجة حماية المصالح األرث وذكس الق انطين في الدول ة‬
‫العثماني ة‪ ,‬كم ا أع ربت حكومت ا بريطاني ا وفرنس ا عن رأيهم ا في ض رورة اإلس راع في‬
‫إصدار مرسوم إصالحي جديد يتضمن تطبيق مبدأ المساواة في المعاملة بين كاف ة الرعاي ا‬
‫العثمانيين في جميع الميادين والحقول‪ ,‬وقد اختير وقت إعالن المرسوم بالذات قب ل ابت داء‬
‫مؤتمر الصلح بالذات‪ ,‬لكي ال تكون لروسيا يد في اإلصالح العثماني‪ ,‬ولجعلها تضطر إلى‬
‫اإلذعان للقبول باألمر الواقع‪ ,‬فأعلن السلطان عبد المجيد األول المرسوم اإلصالحي "خط‬
‫شريف همايون")‪( 2‬في الثامن عشر من شباط(‪.)3‬‬
‫بعد ذلك ب دأت الوف ود تص ل الى ب اريس‪ ,‬وك ان في الطليع ة المبع وث البريط اني الل ورد‬
‫كالرندون‪ ,‬وفي المساء نفسه عقد نابليون وولوسكي وكالرندون اجتماع ات أولي ة‪ ,‬أج اب‬
‫فيها نابليون الثالث على رسالة الملكة ذاكرا أن وفق ا لحال ة التف اهم التام ة بين الحكوم تين‪,‬‬
‫والثقة المتبادل ة بينهم ا‪ ,‬ف ان التح الف لن يتع رض لاله تزاز أو ال تزعزع‪ ,‬معتم دين على‬
‫مرونة سير عمل المفاوضات والبنود التي يكون على أساس ها الس الم معق ودا‪ ,‬بع د انته اء‬
‫المجامالت الدبلوماسية بين الطرفين دخل المتفاوضون بالعم ل الحقيقي‪ ,‬وك ان كالرن دون‬
‫‪1‬‬
‫‪()Shaw, Stanford, History Of The Ottoman Empire and Modern Turkey, vol.‬‬
‫‪II., Cambridge, 1976, p.203.‬‬
‫‪ -((2‬تضمن الخط الهمايوني‪ 2‬على يعطى البطارقة والرهبان واالس‪22‬قافة رواتب من الحكوم‪22‬ة العثماني‪22‬ة‪,‬‬
‫يك‪22‬ون إنش‪22‬اء كن‪2‬ائس جدي‪22‬دة أو إنش‪22‬اء أوق‪22‬اف ب‪22‬إذن من الب‪22‬اب الع‪2‬الي‪ ,‬وت‪2‬امين الحري‪22‬ة الديني‪2‬ة لجمي‪22‬ع‬
‫المذاهب‪ ,‬إنشاء محاكم مختلفة للفصل في القضايا الجنائية والمدنية‪ ,‬وأما ال‪22‬دعاوى الخاص‪22‬ة ب‪22‬األحوال‬
‫الشخصية واإلرث فتحال إلى محاكم شرعية بالنسبة إلى المسلمين والى المحاكم الطائفية بالنسبة لغ‪22‬ير‬
‫المسلمين‪ ,‬المساواة بين جميع رعايا الدولة في الحقوق والواجبات‪ 2,‬وإعادة تنظيم الهياكل اإلدارية‪ ,‬كما‬
‫اص‪22‬بح جمي‪22‬ع رعاي‪22‬ا الدول‪22‬ة العثماني‪22‬ة متس‪22‬اويين فيم‪22‬ا يتعل‪22‬ق بالض‪22‬رائب والقض‪22‬اء‪ ,‬وتح‪22‬ريم اس‪22‬تخدام‬
‫تعبيرات تسيء الى الفرد غير المسلم‪.‬ينظر‪ :‬الهاشمي‪ ,‬المصدر السابق‪ ,‬ص‪.259‬‬
‫‪-)(3‬عبد الوهاب‪ ,‬المصدر السابق‪ ,‬ص‪.193‬‬
‫‪171‬‬
‫مصرا على توسيع التحييد ليشمل بحر آزوف‪ ,‬ومصرا أيضا على تس ليم روس يا لق ارص‪,‬‬
‫وان توافق على استقالل سرقاسيا(‪ , )Sergasaa‬وتسمح ب ان تك ون جبه ة باس ارابيا ض د‬
‫منطقة الكسندر‪ ,‬ويجب ن زع الس الح في نيكواليي ف وحص ون الش واطئ الش رقية للبح ر‬
‫األسود‪ ,‬ويجب عدم وضع حصون في جزيرة اآلند مس تقبال‪ ,‬وك ان ه ذا األخ ير إلرض اء‬
‫اوسكار األول (‪ )Oscar primus‬ملك السويد‪ ,‬الذي أصبح منذ عام ‪ 1855‬حليفا للق وى‬
‫الغربية‪ ,‬غير إن هذا البرن امج الطم وح من ج انب بريطاني ا س رعان م ا اص طدم ب رفض‬
‫ن ابليون الث الث ال ذي لم يكن راغب ا ب إذالل روس يا‪ ,‬ب ل ك ان يري د أن يص نع منه ا حليف ا‬
‫مس تقبليا(‪ ,)1‬وق د ق ال عن ه أع داؤه نتيج ة ل ذلك ان ه ك ان متلهف ا للتماش ي م ع المص لحة‬
‫الروسية الخاصة‪ ,‬وانه مال كثيرا للميول الروسية ألنه كان يأمل على أن يحصل على ما لم‬
‫الثاني‬
‫يتمكن من الحصول عليه في عهد نيكوالس‪ ,‬عن طريق التفاوض مع ابنه الكسندر (‪.)2‬‬
‫أعيدت المناقشة مرة ثانية بين نابليون الثالث وكالرندون في الثاني والعشرين من شباط‬
‫سنة ‪ ,1856‬وقد واجه كالرندون الرفض نفسه‪ ,‬وفي تلك األثن اء ب دأت الوف ود بالوص ول‬
‫إلى باريس‪ ,‬وقد قاب ل ن ابليون الث الث اورل وف المبع وث الروس ي إلى ب اريس في الث الث‬
‫والعش رين من ش باط س نة ‪ ,1856‬وق د اخ بر المبع وث الروس ي ن ابليون الث الث من أن‬
‫الكسندر الثاني سيعتمد على ك رم ن ابليون الث الث في ع دم ش مول نيكواليي ف في أوض اع‬
‫البحر األس ود‪ ,‬والحص ول على بعض التن ازالت في جبه ة باس ارابيا‪ ,‬وق د انعكس ت تل ك‬
‫المقابلة على لقاء نابليون الثالث مع كالرندون في الراب ع والعش رين من ش باط‪ ,‬حيث ب دء‬
‫ن ابليون الث الث يط رح ش روطا أك ثر مرون ة للس الم م ع روس يا‪ ,‬واق ترح أن تتم بعض‬
‫الترتيب ات بخص وص نيكواليي ف أو الس احل الش رقي من البح ر األس ود وهي ق د تك ون‬
‫ضرورية للحلفاء أكثر من جبهة باسارابيا‪ ,‬وهكذا فان نابليون الثالث كان مستعدا فقط لدعم‬
‫واح د من الش روط البريطاني ة الجدي دة‪ ,‬ل ذلك عل ق كالرن دون على تل ك المقابل ة من أن‬
‫نابليون الثالث وقع ضحية نفاق اورلوف(‪.)3‬‬
‫قبل أن تتم الموافقة الروسية على مفاوضات السالم‪ ,‬بدا واضحا لكافور ان الح رب ق د‬
‫انتهت عن د ه ذا الح د‪ ,‬وان م ؤتمراً للس الم س يعقب ذل ك‪ ,‬وك ان في ش ك من أن س ردينيا‬
‫ستوجه له ا ال دعوة لحض ور الم ؤتمر‪ ,‬ل ذلك ق ام بإرس ال ابن ة عم ه كوم تي كاس تيجون(‬
‫‪ )Comte Castitjon‬في وقت سابق إلى فرنسا‪ ,‬وكانت رائعة الجمال‪ ,‬فاس تخدم ك افور‬
‫إثارتها في الدبلوماسية‪ ,‬وبتح ريض من ك افور ذهبت مبك را إلى ب اريس من س نة ‪,1856‬‬
‫وك انت استض افتها ق د تمت في م نزل ولوس كي ليق دمها ب دوره إلى المجتم ع الباريس ي‪,‬‬
‫ولجمالها كان لها حضور في التول يري‪ ,‬ورقص ت م ع اإلم براطور نفس ه ال ذي ت أثر به ا‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-Greville, op.cit., p.93.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()-Peryear, op.cit., p.‬‬
‫‪172‬‬
‫سريعا‪ ,‬وبذلك كان جمالها ورقة كافور الرابحة(‪ ,)1‬وبسببها دخل نابليون الثالث في خالف‬
‫مع بول وزير خارجية النمسا الذي أص ر على من ع س ردينيا من دخ ول الم ؤتمر وح اوال‬
‫إقناع نابليون الثالث بذلك‪ ,‬لكن اإلمبراطور لم يأبه بهما ووج ه دع وة إلى ك افور لحض ور‬
‫المؤتمر(‪.)2‬‬
‫استمر وصول الوفود إلى فرنسا حتى الراب ع والعش رين من الشهرنفس ه‪ ,‬وق د حض ره‬
‫جمي ع األط راف المتحارب ة باإلض افة إلى النمسا(‪ ,)3‬ك ان المفاوض ون في الم ؤتمر هم‬
‫وولوسكي وزير خارجية فرنسا ومعه البارون بوركويني سفير فرنسا في النمس ا‪ ,‬ومن‬
‫باشا من‬
‫(‪)4‬‬
‫بريطاني ا كالرن دون‪ ,‬والك ونت ب ول من النمس ا‪ ,‬وعن روس يا اورل وف‪ ,‬وع الي‬
‫الدولة العثمانية‪ ,‬وأخيرا كافور من سردينيا(‪ ,)5‬وفيما بعد وافق نابليون الث الث على الس ماح‬
‫لبروسيا للدخول في المفاوضات‪ ,‬وذكر نابليون انه ال يأبه لبروسيا‪ ,‬وان لدى بريطاني ا‬
‫مصلحة اكبر في إرضاء ملك بروسيا عما هو عليه الحال بالنسبة إلى فرنس ا‪ ,‬وذل ك الن‬
‫ملكة بريطانيا متلهفة في أن تحافظ على بقائها في عالقة جيدة مع بروس يا لم ا ترب ط‬
‫ال دولتين من ص الت الق ربى‪ ,‬األم ر ال ذي أث ار حفيظ ة بريطاني ا‪ ,‬فأجابهكالرن دون من أن‬
‫اإلمبراطور مخطئ جدا في هذا األمر‪ ,‬الن الملكة ال تدخل مشاعرها الخاصة فيما يتعلق‬
‫بكرامة مصالحها (‪.)6‬‬
‫‪1‬‬
‫‪(-(Geer, op.cit, p.161.‬‬
‫‪-)(2‬العنكبي‪ ,‬المصدر‪ 2‬السابق‪ ,‬ص‪.178‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()-Roderic, Davison, Russian Skill and Turkish Imbecility: The Treaty of‬‬
‫‪Küçük Kaynarca” In Essays in Ottoman and Turkish History( 1774-1923),‬‬
‫‪Austin, 1990,p. 29.‬‬
‫‪-((4‬محمد أمين عالي باشا‪ :‬دبلوماسي‪ 2‬عثماني‪ ,‬كان هو ومحمد فؤاد‪ 2‬باشا تلميذين لدى مص‪22‬طفى رش‪22‬يد‬
‫باشا‪ ,‬الصدر األعظم في عه‪22‬د الس‪22‬لطان عب‪22‬د المجي‪22‬د‪ ,‬ول‪22‬د في اس‪22‬طنبول ع‪22‬ام ‪ ,1815‬وه‪22‬و ابن اح‪22‬د‬
‫التجار الصغار في العاصمة‪ ,‬أتقن اللغتين االنكليزية والفرنسية منذ صغره‪ ,‬دخل الب‪22‬اب الع‪22‬الي منذ=‬
‫=سن الس‪2‬ابعة عش‪2‬ر‪ ,‬وتقل‪22‬د ع‪22‬دة مناص‪22‬ب سياس‪22‬ية في س‪22‬فارات الدول‪22‬ة العثماني‪2‬ة في ع‪22‬دة دول‪ ,‬فعين‬
‫مستشاراً‪ 2‬في وزارة الخارجية ثم سفيرا في لندن‪ ,‬وتولى‪ 2‬منصب الصدارة ثالث م‪22‬رات‪ ,‬وس‪22‬ت م‪22‬رات‬
‫وزيرا‪ 2‬للخارجية‪ ,‬وكان اح‪2‬د األعض‪2‬اء الب‪2‬ارزين في " المجلس الع‪2‬الي للتنظيم‪2‬ات " في ع‪2‬ام ‪,1852‬‬
‫ومن المخططين " لخ‪22‬ط ش‪22‬ريف‪ 2‬هم‪22‬ايون" وك‪22‬انت سياس‪22‬ته الخارجي‪22‬ة تق‪22‬وم على أس‪22‬اس التق‪22‬رب من‬
‫بريطانيا وكسب ودها‪ ,‬غير انه تحول عنها بعد ان ظهرت أطماعها تجاه الدولة العثمانية ‪ ,‬ت‪22‬وفي س‪22‬نة‬
‫‪- .1871‬األموي‪ ,‬محمدعصفور‪ 2‬س‪22‬لمان‪ ,‬حرك‪22‬ة اإلص‪22‬الح في الدول‪22‬ة العثماني‪22‬ة وأثره‪22‬ا في المش‪22‬رق‬
‫العربي (‪ ,)1908-1839‬أطروحة دكتوراه غ‪2‬ير منش‪2‬ورة‪ ,‬كلي‪2‬ة اآلداب‪ ,‬جامع‪2‬ة بغ‪2‬داد‪ ,2005 ,‬ص‬
‫‪.30‬‬
‫‪5‬‬
‫‪(-(Amand, Napoleon III and his…, p.380.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪()-Roderic,op.cit., p.30.‬‬
‫‪173‬‬
‫كان موقع االجتماع في مكتب الشؤون الخارجي ة‪ ,‬حيث زينت القاع ة وك انت الطاول ة‬
‫مغطاة بقماش اخضر ورتبت مع اثني عش ر مقع داً(‪ ,)1‬وقب ل افتت اح الم ؤتمر عق د اجتم اع‬
‫غير رسميين كاولي وكالرندون واورلوف وبرناو وولوسكي‪ ,‬وفي االجتماع أكد اورلوف‬
‫عن نية الكسندر الثاني على االلتزام بالتعهدات وهي تن اقض تحيي د البح ر األس ود‪ ,‬وبقيت‬
‫بريطانيا لوحدها ال تؤيدها فرنسا(‪.)2‬‬
‫وأخيرا عقد االجتماع الرسمي في الخامس والعشرين من ش باط ‪ ,1856‬وعن د افتت اح‬
‫المؤتمر ألقى نابليون الثالث خطابا على المجتمعين عبر فيه عن روح االعتدال التي تس ود‬
‫المؤتمر‪ ,‬وعن أمل ه في التوص ل إلى نتيج ة ايجابي ة‪ ,‬لكن ه ح ذر من اس تعداده للع ودة إلى‬
‫السالح إذا تطلب األمر‪ ,‬واختار الجمي ع وولوس كي ليك ون رئيس ا لالجتم اع‪ ,‬وال ذي ك ان‬
‫يتمتع بهيبة مستمدة من النجاح العسكري الفرنسي في القرم (‪.)3‬‬
‫أثن اء الجلس ة األولى أص رت بريطاني ا على إض عاف روس يا عس كريا في البح ر‬
‫األسود(‪ ,)4‬وبعد انتهائه ا استض اف ن ابليون الث الث اورل وف ثاني ة‪ ,‬واخ بر الث اني األول من أن‬
‫الكسندر الثاني يعتمد على المساعدة الفرنسية في أية صعوبة تنشا من المفاوضات‪ ,‬وذكر‬
‫اورلوف أن جبهة باسارابيا لم يتم قبولها كما رسمتها النمس ا‪ ,‬م ذكرا بوع د قدم ه دي‬
‫ساكس بعدم طلب أي تنازل فيم ا يتعل ق به ذه القلع ة والمؤسس ة البحري ة‪ ,‬وفي الي وم‬
‫نفسه دعا نابليون الثالث كالرندون إلى القصر وتم إبالغه بالتفصيل عن ما دار بين ه وبين‬
‫اورلوف‪ ,‬وذكر له انه اخبر اورلوف أن ليس من حقه التحدث عن حلف اء فرنس ا‪ ,‬لكن ن ابليون‬
‫الثالث اخبر كالرندون بأنه ال يتفق مع ه ح ول نيكواليي ف‪ ,‬وبع د ذل ك أم ر ن ابليون الث الث‬
‫وولوسكي بوضع وثيقة تذكر الشروط التي يجب أن تقبل بها روسيا من اجل الس الم‪ ,‬ومن‬
‫بين األمور األخرى ليس من المطلوب تدمير قلع ة سيفاس توبول‪ ,‬ويتم إرج اع ق ارص إلى‬
‫الدولة العثمانية‪ ,‬ولم يكن هناك تلميح في ه ذه الوثيق ة الى البل دان الواقع ة ش رق البح ر‬
‫األسود أو إلى القالع في سرقاسيا‪ ,‬وكان نابليون الثالث مصرا على تق ديم قائم ة المط الب‬
‫مباشرة إلى بالمرستون والحكومة البريطانية لو لم يقبل كالرن دون وك اولي بالش روط‪,‬‬
‫وعندما قدم وولوسكي الشروط إلى كالرندون احتج األخير على الخطة الفرنسية بان يك ون‬
‫نتيجة‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫السالم حسب هذه الشروط وانتهى النقاش عند هذا الحد دون التوصل إلى‬
‫في الجلسة الثانية جاءت بعض التعليقات على مسالة تحييد البحر األسود‪ ,‬ونوقشت مس الة‬
‫إغالق المض ائق على الس فن الحربي ة فق ط‪ ,‬واتخ ذ كالرن دون على عاتق ه ان يجع ل ك ل‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-Gourdon, Edouard, Treaty of Paris 1856, Paris, 1857, p.10.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()-Amand, Napoleon III and His Court, p.380.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪(-(Edouard, op.cit., p.15,20.‬‬
‫‪174‬‬
‫المتفاوضين يفهمون بالكامل ان الميثاق الذي سيتفق عليه بينهم وبين ممثل الدولة العثمانية‬
‫فيما يتعلق بعدد السفن التي ستبقى الغ راض بوليس ية يجب ان تتلقى الموافق ة المس بقة من‬
‫الممثلين اآلخرين(‪.)1‬‬
‫في الجلس ة الثالث ة وال تي عق دت في الح ادي والثالثين من آذار ب دأ ولوس كي مناقش ة‬
‫رسمية للحصون الواقعة في الساحل الشرقي للبحر األس ود‪ ,‬وأم ر كالرن دون بع دم إع ادة‬
‫بنائها‪ ,‬وقد اعترض اورلوف على ذلك‪ ,‬لذلك تم وضع هذه المسالة جانبا(‪ ,)2‬وقد طالب عالي‬
‫باشا المبعوث العثماني بإلغاء االمتيازات األجنبية لبالده‪ ,‬وقد وافقت ال دول على ه ذا الطلب‪,‬‬
‫لكن ربطته بإجراء إصالحات داخلية في الدولة العثمانية (‪.)3‬‬
‫بعد عدة مناقش ات وم داوالت س اد فيه ا االعت دال الفرنس ي‪ ,‬تم التوص ل إلى اتف اق في‬
‫الحادي والثالثين من آذار ‪ 1856‬ووقع اتفاق معاهدة باريس والذي نص على اآلتي(‪:)4‬‬
‫بسم هللا القادر على كل شيء‬
‫إن جاللة اإلمبراطور الفرنسي‪ ,‬وجاللة ملكة بريطانيا العظمى وايرلن دا‪ ,‬وجالل ة قيص ر‬
‫روسيا‪ ,‬وجاللة ملك سردينيا‪ ,‬وسلطان البالد العثمانية‪ ,‬ل رغبتهم في إنه اء ألح رب وتالفي‬
‫ما نشأ منها من خسائر قرروا أن يتفقوا م ع إم براطور النمس ا بمقتض ى القواع د المق ررة‬
‫للحفاظ على السالم وتوطيده‪ ,‬وتعه دوا جميع ا باس تقالل الدول ة العثماني ة‪ ,‬وله ذا الغ رض‬
‫نص ب المش ار إليهم أعاله نواب ا ً عنهم مطلقي التص رف‪ ,‬فك ان من ط رف اإلم براطور‬
‫الفرنسي مسيو الكسندر كونت كولوناولوسكي‪ ,‬ومسيو فرانسوا أدولف ب ارون دبورغي ني‪,‬‬
‫ومن طرف إمبراطور النمسا مسيو شارلز فرديناند كونت دب وا شونس تان‪( )Monsieur‬‬
‫‪ ,Charles Ferdinand formaturDboaHunstan‬ومسيو جوزيف الكسندر ب ارون‬
‫دهينز‪ ,‬ومن طرف ملكة بريطانيا العظمى جورج وليم فردريك كونت كالرندون‪ ,‬وبارون‬
‫هيدهن درون وه نري ريتش ارد ش ارلس ب ارون ك اولي‪ ,‬ومن ط رف القيص ر الروس ي‬
‫مسيوالكسيس كونت ارلوف‪ ,‬ومسيو فيليب بارون برونو‪ ,‬ومن طرف ملك س ردينيا مس يو‬
‫كاملي ينسور كونت كافور ومسيو سلفادور مركيز فيال مارينا‪ ,‬ومن طرف سلطان الدول ة‬
‫العثمانية محمد أمين ع الي باش ا الص در األعظم في الدول ة العثماني ة‪ ,‬وق د اجتم ع ه ؤالء‬
‫النواب المفوض أليهم أبرام الصلح تفويضا تاما في مؤتمر ب اريس‪ ,‬وبع د إن وق ع االتف اق‬
‫من قبلهم على ذلك رأى اإلمبراطور الفرنسي وإمبراطور النمسا وملك ة بريطاني ا العظمى‬
‫‪ -)(1‬عبد ذكر‪ ,‬محمد‪ ,‬موقف‪ 2‬فرنسا من حرب القرم (‪ ,)1856-1853‬رسالة ماجستير غير منشورة‪,‬‬
‫كلية اآلداب‪ ,‬جامعة ذي قار‪ ,2010 ,‬ص‪.199-198‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-Gourdon, op.cit., p.23.‬‬
‫‪ -((3‬البحراني‪ ,‬المصدر‪ 2‬السابق‪ ,‬ص‪.73‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()-Les documents de ministere des affaires etrangeerfrancais, paris, 1856.‬‬
‫‪175‬‬
‫وايرلندا وقيصر روسيا وملك سردينيا‪ ,‬وسلطان الدولة العثمانية انه لمص لحة أورب ا ينبغي‬
‫أن يدعوا ملك بروسيا الذي وق ع على معاه دة ‪ 1841‬إلى االش تراك معهم في ه ذا التنظيم‬
‫الجديد‪ ,‬ولعلمهم بما يحصل من ذلك من زيادة الفائدة لتقوية ه ذا الس عي الخ يري طلب من‬
‫بروسيا أن ترسل نوابا يفوض إليهم مطلق التصرف من قبل حكومتهم‪ ,‬ومن ثم حض ر من‬
‫بروسيا مسيواوتون ثيودور ب ارون مانتفي ل‪ ,‬ومسيومكس مليان فردري ك ش ارلس فرانس وا‬
‫كونت هتر فلدت ولدنبغ شونستان ‪.)Woldenberg Hunstan )Calefacientis‬‬
‫وقد اتفق الجميع على المواد التالية(‪:)1‬‬
‫من ت اريخ إمض اء المعاه دة يعلن الص لح م ابين الدول ة العثماني ة وروس يا وفرنس ا‬ ‫‪-1‬‬
‫وبريطانيا ومملكة سردينيا وكذا مابين ورثتهم‪.‬‬
‫‪ -2‬تعاد البالد التي فتحت في وقت الحرب إلى مالكيها األصليين قبل الحرب‪.‬‬
‫‪ -3‬ترد روسيا إلى الدولة العثمانية مدينة ق ارص‪ ,‬وجمي ع األراض ي ال تي اس تولت عليه ا‬
‫روسيا في الحرب‪.‬‬
‫‪ -4‬يعيد الحلفاء جميع األراضي الروسية التي استولوا عليها في وقت الحرب إلى روسيا‪.‬‬
‫‪ -5‬إصدار عفو من قبل بريطانيا وفرنسا وسردينيا والدولة العثمانية لجميع رعاياهم ال ذين‬
‫وقفوا إلى جانب روسيا في الحرب‪.‬‬
‫‪ -6‬إرجاع األسرى لكال الطرفين‪.‬‬
‫‪ -7‬صدور تصريح من جانب المتعاهدين على احترام وحدة األراضي العثمانية‪.‬‬
‫‪ -8‬إذا حدث خالف ما بين الدولة العثمانية أو أي طرف مشترك في التوقيع على المعاه دة‬
‫فان باقي األطراف تكون وسطاء بينهم‪.‬‬
‫‪ -9‬أن يساوي السلطان بين رعاياه في المعاملة بغض النظر عن اختالف الجنس والدين‪.‬‬
‫‪-10‬‬
‫‪ -11‬حياد البحر األسود‪ ,‬ويكون مفتوحا أمام الس فن التجاري ة لجمي ع ال دول‪ ,‬ومغلق ا أم ام‬
‫السفن الحربية‪.‬‬
‫‪ -12‬تنظيم شؤون الكمارك والشرطة في البحر األسود‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪(-(Gourdon, op.cit., p.28-35.‬‬
‫‪176‬‬
‫‪ -13‬عدم إقامة أي ترسانات حربية على البحر األسود‪.‬‬

‫‪ -14‬اتفاق الس لطان العثم اني وروس يا على ع دد الس فن الخفيف ة العثماني ة والروس ية في‬
‫البحر األسود لحماية السواحل‪.‬‬
‫‪ -15‬وضع أصول وقواعد للسفر عبر األنهار المشتركة بين الممالك واإلمارات‪.‬‬
‫‪ -16‬من اجل إنجاح المادة (‪ )15‬تعيين لجن ة من ال دول المتعاه دة يق ع على عاتقه ا تنظيم‬
‫المالحة والسفر عبر األنهار‪.‬‬
‫‪ -17‬بعد ان تنهي اللجنة تستلم العمل لجنة مش تركة من الدول ة العثماني ة والنمس ا واالكي ا‬
‫وملدافيا تراقب تنفيذ عمل اللجنة ‪.‬‬
‫‪ -18‬بعد أن صار واضحا أن اللجنة األوربية تنهي عملها‪ ,‬واللجن ة اإلقليمي ة ت راقب تنفي ذ‬
‫العمل‪ ,‬تطلع الدول المتعاه دة على س ير العم ل وتنهي عم ل اللجن ة األولى‪ ,‬وتبقي الثاني ة‬
‫للمراقبة‪.‬‬
‫‪ -19‬من حق الدول المتعاهدة ان تبقي سفينتين خفيفتين في نهر الدانوب‪.‬‬
‫‪ -20‬ان تتخلى روسيا عن جزء من أراضيها‪.‬‬
‫‪ -21‬تلحق األراضي في النقطة أعاله بوالية مول دافيا‪ ,‬وتك ون تحت س يادة الب اب الع الي‪,‬‬
‫وس كان تل ك األرض يتمتع ون بكاف ة حق وق الوالي ة‪ ,‬ويح ق لهم بع د ثالث س نوات أن‬
‫يتصرفوا بأمالكهم بال مانع‪.‬‬
‫‪-22‬واليتان والكيا وملدافيا تبقيان متمتعتين بالحكم الذاتي تحت سيادة الباب العالي وكفال ة‬
‫الدول المتعاهدة‪,‬‬
‫‪ -23‬يتعهد الباب العالي ان يحفظ لهاتين الواليتين اإلدارة المحلية المس تقلة‪ ,‬وحري ة ال دين‬
‫واألحك ام الش رعية‪ ,‬وله ذه الغاي ة تعين لجن ة عن طري ق ال دول المتعاه دة وتجتم ع في‬
‫بخارست مع لجنة من الباب العالي لتنظيم أحوال األمارتين‪.‬‬
‫‪ -24‬وعد سلطان الدولة العثمانية ب ان يعق د في ك ل من الوالي تين ديوان ا خاص ا‪ ,‬ويك ون‬
‫غرضه إيصال الخير والمنفعة لجميع الناس على اختالف درجاتهم‪.‬‬
‫‪ -25‬يعطي الديوانان السابقان تقريرا إلى مجلس متابعة ليقوم بتنفيذ العمل من دون إهمال‪,‬‬
‫وتقرير األهداف مع الدول المتحالفة وبم وجب ذل ك يج ري تنظيم أم ور ه اتين الوالي تين‪,‬‬
‫وتوضع من اآلن فصاعدا تحت كفالة جميع الدول الموقعة على المعاهده‪.‬‬
‫‪177‬‬
‫معسكر عثماني في الواليتين هدفه حمايتها من األخطار الخارجية‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫‪ -26‬إقامة‬
‫‪ -27‬إذا حدث خل ل في امن الوالي تين ف ان الب اب الع الي يتخ ذ ق رارا مش تركا م ع ال دول‬
‫المتعاهدة لحل ذلك اإلشكال‪.‬‬
‫‪ -28‬تبقى صربيا على صلة بالباب العالي وفق الخط الهم ايوني‪ ,‬وتك ون ص ربيا من اآلن‬
‫فص اعدا تحت كفال ة ال دول المتعاه دة ويح ق لإلقليم الم ذكور أن يحاف ظ على اس تقالل‬
‫حكومتها وحرية شعبها‪.‬‬
‫‪ -29‬ال تتدخل الدولة العثمانية عسكريا في صربيا دون رضا الدول المتعاهدة‪.‬‬
‫‪ -30‬توضع لجنة من فرنسا وروسيا وبريطانيا والدولة العثمانية لتحديد الحدود‪.‬‬
‫‪ -31‬مغادرة القوى المتحالفة األراضي العثمانية والروسية‪.‬‬
‫‪ -32‬التجارة فيما بين الدول تبقى كما كانت قبل الحرب‪.‬‬
‫‪ -33‬تدخل جزر اآلند ضمن المعاهدة‪.‬‬
‫‪ -34‬تقرر تثبيت هذه المعاهدة في باريس في مدة أربعة أسابيع‪ ,‬أو قبل ذلك إذ أمكن‪.‬‬
‫الحق بالمعاهدة محاضر ثالث اجتماعات في التاريخ نفسه‪ ,‬اح دها بين انكل ترا وفرنس ا‬
‫وروسيا حول ج زر اآلن د‪ ,‬والث اني وق ع بين الق وى الس ت من جه ة‪ ,‬والس لطان من جه ة‬
‫أخرى‪ ,‬أكد فيه على القانون القديم للدولة العثمانية والذي بمقتضاه تغل ق مض ائق البس فور‬
‫والدردنيل أمام السفن الحربية األجنبية طالما كانت حكومة الدولة العثماني ة في حال ة س لم‪,‬‬
‫أما الثالث وقع بين القيصر والسلطان وح دد في ه ع دد وق وة الس فن الحربي ة الخفيف ة ال تي‬
‫يسمح لهم ا اس تخدامها في البح ر األس ود بغض النظ ر عن تحيي د مياه ه وموانئ ه لخدم ة‬
‫شواطئهما(‪.)1‬‬
‫وفي معاه دة مس تقلة وقعت في الخ امس عش ر من نيس ان س نة ‪ ,1856‬وافقت فيه ا‬
‫بريطانيا العظمى وفرنسا أن تض من مجتمع ه أو منف ردة اس تقالل ووح دة اإلمبراطوري ة‬
‫العثماني ة‪ ,‬وتعه دوا بالتوص ل إلى تف اهم م ع الس لطان وم ع بعض هم البعض فيم ا يخص‬
‫اإلجراءات الضرورية لجعل هذه الضمانات فعالة‪ ,‬وقرر المؤتمر رف ع الحص ار البح ري‬
‫عن موانئ روسيا‪ ,‬وان تسحب فرنسا وبريطانيا وسردينيا عساكرها من بالد القرم في مدة‬
‫قدرها ستة أشهر‪ ,‬وان يعطي للنمسا هذه المدة نفسها إلخالء والكيا وملدافيا‪ ,‬وثالث ة أش هر‬
‫لتس ليم ق ارص وقلعته ا إلى الدول ة العثماني ة‪ ,‬ونتيج ة لك ل ذل ك تم تط بيق ق انون إغالق‬
‫المضائق‪ ,‬أدى ذلك إلى إمكانية أن تساعد القوى الغربية بتحييد البحر األس ود على روس يا‬
‫‪).Alfred, op.cit., P.88-)11‬‬
‫‪178‬‬
‫والدولة العثماني ة‪ ,‬لكن ه ك ان بال ذات ض د روس يا وح دها أو البس فور أو ال دردنيل وبح ر‬
‫مرمرة سيكون موضعا للقوة البحرية الغربية(‪ ,)1‬وعن دما أراد الفرنس يون مناقش ة المس الة‬
‫االيطالية‪ ,‬رفضت النمسا ذلك بحج ة أن الم ؤتمر انعق د فق ط لتس وية الس الم بين بريطاني ا‬
‫وفرنسا وروسيا‪ ,‬لذا لم يعد المؤتمر االيطاليين بشيء(‪ ,)2‬كما لم يرد ذكر للقض ية البولندي ة‬
‫في المؤتمر إطالقاً‪ ,‬سوى أن الوفد الروسي ك ان ق د وع د بص ورة غ ير رس مية ب إعالن‬
‫العفو عن المعتقلين البولن ديين ل دى روس يا‪ ,‬واالع تراف باللغ ة البولندي ة لغ ة رس مية في‬
‫اإلدارة داخل المملكة‪ ,‬وفتح جامعة وارشو(‪.)3‬‬
‫وبع د ك ل ذل ك تم التوقي ع على المعاه دة بالش مع األحم ر من قب ل ك ل من ولوس كي‪,‬‬
‫يورغي ني‪ ,‬ب ول شونس تانهبز‪ ,‬كالرن دون‪ ,‬كاوليمنتوفي ل‪ ,‬هترفل د‪ ,‬اورل وف‪ ,‬ك افور‪ ,‬في ل‬
‫(‪. )4‬‬
‫الماريتا‪ ,‬عالي باشا‪ ,‬محمد جميل‬
‫بعد توقيع معاه دة الس الم وج ه اإلم براطور تهاني ه لكاف ة أعض اء المجلس المجتمعين‬
‫واخبرهم أن توقيع السالم في ذلك اليوم حقق ما أعلن عنه اللورد كالريندون باسم حكومته‬
‫في مجلس اللوردات‪ ,‬وتحول إلى اللوردين كالرندون وكاولي مضيفا أن السالم ع اد ربم ا‬
‫عن طريق روح التسامح والمصالحة التي أظهروها‪ ,‬وبدت بعد ذلك مظاهر الزينة والفرح‬
‫في باريس‪ ,‬وعاد ‪ 50000‬جنديا ً من ارض المعركة‪ ,‬وأغلق المش هد مح ررا اإلم براطور‬
‫من عبء تلك المسؤولية الثقيلة‪ ,‬متجها ً في الوقت نفسه باالهتمام باإلصالحات االجتماعية‪,‬‬
‫واالزدهار الصناعي‪ ,‬وكتبت الملكة مهنئة إياه على الس الم ال ذي تم في الث الث من نيس ان‬
‫سنة ‪1856‬والذي كان برعايته‪ ,‬ورد عليها نابليون بدوره في الثاني عشر من نيسان ذاك را‬
‫انه مبتهج بحلول السالم‪ ,‬لكنه مسرور أكثر بخروج التح الف س الماً‪ ,‬وش هدت أورب ا ذل ك‬
‫كله كما كان في يوم عقده أول مرة‪ ,‬وأفاد اللورد بالمرستون بك ل ف رح واع تزاز وابته اج‬
‫إن أهداف وغايات الحرب قد تم الحصول عليه ا حيث ردت وأخض عت الوقاح ة والج رأة‬
‫العسكرية الروسية‪ ,‬ولقنت درس ا قاس يا‪ ,‬حيث تم تحري ر ال دانوب‪ ,‬ودم رت سيفاس توبول‪,‬‬
‫وقرر حتى وضع تحديد لقوة كل من روس يا والدول ة العثماني ة في البح ر األس ود‪ ,‬األم ر‬
‫الذي يجعل من معاهدة باريس بروفة لنزع السالح في منطق ة ال راين في معاه دة فرس اي‬
‫وكذلك حطمت كل الحقوق التي أدرجت في اتفاقي ة أو معاه دة تقض ي بالت دخل في الش أن‬
‫العثماني‪ ,‬وكذلك الغي الدور الروس ي بحماي ة المس يحيين‪ ,‬كم ا أض عفت الح رب روس يا‪,‬‬
‫‪()-Gourdon,op.cit., p.30.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪-((2‬حاطوم‪ 2,‬نور الدين‪ ,‬تاريخ الحركات القومية ويقظة القوميات القومية‪ ,‬ج‪ ,3‬بيروت‪.1969,82 ,‬‬
‫‪-((3‬دوبراتشينسكي‪ ,‬المصدر‪ 2‬السابق‪ ,‬ص‪.145‬‬
‫‪4‬‬
‫‪(5)- Les documents de ministere des affaires etrangeerfrancais, paris, 1856.‬‬
‫‪179‬‬
‫وقللت من هيبتها العسكرية‪ ,‬وسببت توترا في مواردها االقتص ادية‪ ,‬األم ر ال ذي اس تغرق‬
‫جيال كامال للتعافي‪ ,‬ومنح أوربا جيال للتجديد دون التدخل الروسي(‪.)1‬‬
‫على الرغم من كل تلك اآلراء إال أن المحادثات الطويلة التي ج رت في م ؤتمر ب اريس‬
‫كانت قضية تحييد البحر األسود نظرية أك ثر من كونه ا عملي ة‪ ,‬فق د بقيت الس فن الحربي ة‬
‫مرابطة في دلتا الدانوب‪ ,‬ولم تتخذ ترتيب ات لتقس يم الغن ائم العثماني ة في حال ة تفككه ا من‬
‫الداخل‪ ,‬وان المشكلة القديمة في السيطرة على اسطنبول والمض ائق بقيت كم ا ك انت قب ل‬
‫الحرب‪ ,‬كم ا إن قض ية بولن دا همش ت‪ ,‬وس معت همس ات مفاده ا إن البولن ديين تعرض وا‬
‫للخيانة(‪.)2‬‬
‫لقد كان من اب رز نت ائج الحقيقي ة لح رب الق رم بالنس بة لفرنس ا ه و إنه ا اس تفادت من‬
‫خسارة النمسا للصداقة الروسية ليجعل منها حليفا مستقبليا لتحقي ق أهداف ه في ايطالي ا‪ ,‬فق د‬
‫حاول مورني الذي أصبح سفيرا لفرنس ا في بطرس بورغ أن يق ارب الحكوم تين الروس ية‬
‫والفرنسية‪ ,‬إال أن برسني(‪ )Brsena‬السفير الفرنسي في لندن كان يعمل على تقوية دعائم‬
‫الحلف الفرنسي البريطاني محذرا نابليون الث الث من إتب اع سياس ة كسياس ة ل ويس فيليب‪,‬‬
‫وفعال نجحت مجهودات السفير الفرنسي في لندن في منع ن ابليون الث الث من عق د معاه دة‬
‫سرية مع روسيا ضد بريطانيا(‪.)3‬‬
‫من المفارقات الواضحة في حرب القرم أن الحلف اء ك انوا ق د نس وا أو تناس وا قض ية‬
‫األماكن المقدسة(‪ ,)4‬حتى إن دروين دي لويس كان قد ذكر إن قضية األماكن المقدسة وك ل‬
‫ما يتعلق بها ليست لها أهمية حقيقية بالنسبة لفرنسا‪ ,‬إن كل هذه القض ية ال تي أث ارت مث ل‬
‫هذه الضجة الكبيرة بالنسبة إلى حكومة اإلمبراطورية مجرد وسيلة لتفكيك الحل ف الق اري‬
‫الذي ظل يشل فرنسا طيلة نصف قرن تقريبا‪ ,‬وحينما سنحت الفرصة أخيراً لزرع الش قاق‬
‫في ذلك التجمع القوي تشبث بها نابليون الثالث بكلتا يديه(‪ ,)5‬وبعد الحرب بات حكام أوربا‬
‫وشعوبها غرب نهر الفستوال أحرارا في صياغة روسيا حسب إرادتهم‪ ,‬وإذا ك انت روس يا‬
‫هي طاغية أوربا فان حرب القرم كانت حربا تحريرية‪ ,‬وحرب التحري ر ه ذه س رعان م ا‬
‫وضعت أوربا بين يدي نابليون الثالث ويدي بسمارك من بعده(‪.)6‬‬
‫‪1‬‬
‫‪()-Keiger, John, France and The Origins of The First world war, London, 1985,‬‬
‫‪p.12.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()-ibid, p.32.‬‬
‫‪(-(3‬مصطفى‪ ,‬المصدر‪ 2‬السابق‪ ,‬ص‪.55‬‬
‫‪-)(4‬القوزي‪ ,‬المصدر‪ 2‬السابق‪ ,‬ص‪.119‬‬
‫‪-)(5‬التكريتي‪ 2,‬دبلوماسية حرب‪ ,.....‬ص‪.109‬‬
‫‪180‬‬
‫لم تكن حرب القرم هزيمة لإلمبراطورية القيصرية وقيام أزمة داخلية فيه ا فحس ب‪ ,‬ب ل‬
‫عجلت التوسع األوربي شطر الش رق‪ ,‬وان دالع الح روب القومي ة في أورب ا نفس ها في آن‬
‫واحد‪ ,‬فمن جهة شعر مهزومو اسيفاستوبول الذين ابعدوا مرة أخ رى عن البح ر المتوس ط‬
‫بحاجة إلى االندفاع نحو سيبيريا‪ ,‬زاد من حدتها نشاط عمل فرنسا وبريطاني ا على الط رق‬
‫البحرية المؤدية الى آسيا الجنوبية‪ ,‬ومن جهة ثاني ة ب رزت حرك ات الش عوب بس رعة في‬
‫ايطالي ا والماني ا وال دول الدانوبي ة بس بب انع زال النمس ا وع داء اإلمبراطوري ة الثاني ة‬
‫لمقررات مؤتمر فينا اإلقليمية‪ ,‬فادى ذلك بدون انقطاع تقريبا الى الحرب االيطالية في سنة‬
‫‪ ,1859‬وحرب دوقيتي شلزفيغ والهولشتاين في س نة ‪ ,1866‬فب دلت خريط ة اورب ا تب دال‬
‫كليا‪ ,‬ولم تنج ملكية آل هبسبرغ إال بثنائية نمساوية – هنغارية(‪.)1‬‬
‫على أية حال خلفت حرب القرم ثمانين ألف قتيل فرنسي‪ ,‬واث نين وعش رين أل ف قتي ل‬
‫بريطاني‪ ,‬وثالثين ألف عثم اني‪ ,‬وأل ف س رديني‪ ,‬وخس رت روس يا الس يطرة على البح ر‬
‫األسود وحماية المسيحيين الشرقيين‪ ,‬واضطروا لتدمير الترس انات ال تي ناض ل من اجله ا‬
‫بطرس األول وكاترين الثاني ة والكس ندر األول‪ ,‬فض ال عن ح رق حص ون سيفاس توبول‪,‬‬
‫وأصبحت معاهدة كوجك كينارجة وادريا نوبل بدون جدوى‪ ,‬وكان كل ذلك بسبب السياسة‬
‫الطائشة لنيكوالس الثاني التي أدت إلى إلغاء قرنين من التقدم البحري الناجح لروسيا‪ ,‬كم ا‬
‫ظلت ذكرى سيفاستوبول تعيش في ذاكرة األجيال لقرون(‪ ,)2‬لكن النتيجة الواضحة لح رب‬
‫القرم هو نجاح نابليون الثالث في تحقيق ما عجز عنه أس الفه‪ ,‬حيث حص ل على التق ارب‬
‫الفرنسي البريطاني أوال‪ ,‬وأزال تأثيرات مؤتمر فينا ثانيا‪ ,‬وأعاد فرنسا ليس كدول ة ك برى‬
‫فقط بل كدولة مسيرة لسياسة أوربا كما كانت في عهد نابليون بونابرت لكن بطريقة هادئ ة‬
‫أكثر‪.‬‬
‫‪-)(1‬تاريخ الحضارات العام‪ ,‬القرن التاسع عشر‪ ,‬ج‪ ,6‬بيروت‪ ,‬ص‪.125‬‬

‫‪2‬‬
‫‪()-Alfred, op.cit., p.‬‬
‫‪181‬‬

╪د┘ - - ┘ - - ╪╡┘ - - ╪د┘ - - ╪▒╪د╪ذ╪╣

Uploaded by

Document Information

Original Title

Copyright

Available Formats

Share this document

Share or Embed Document

Sharing Options

Did you find this document useful?

Is this content inappropriate?

Copyright:

Available Formats

╪د┘ - - ┘ - - ╪╡┘ - - ╪د┘ - - ╪▒╪د╪ذ╪╣

Uploaded by

Copyright:

Available Formats

‫الفصل الرابع‪ :‬فرنسا وجهودها الدبلوماسية اليقاف حرب القرم ‪1856-1854‬‬

‫فرنسا والجهود الدبلوماسية إليقاف حرب القرم‬

‫ما بين ربيعين‬

‫‪-)(1‬تايلر‪ ,‬المصدر السابق‪ ,‬ص‪.97-96‬‬

‫‪-))1‬تمبرلي‪ 2,‬المصدر السابق‪ ,‬ص‪.391-390‬‬

‫‪ )Col.Fleure‬فض ال عن ض باط آخ رين‪ ,‬وانف رد اإلم براطور م ع األم ير ط وال س ت‬

‫دخول سردينيا الحرب‬

‫المباحثات الدبلوماسية بعد موت نيكوالس‬

‫رغبة نابليون الثالث في الذهاب إلى القرم‬

‫‪-)(6‬تايلر‪ ,‬المصدر‪ 2‬السابق‪ ,‬ص‪.133‬‬

‫السابع عشر من نيسان وان ممثليها سيتجاوبون مع كل المقترحات التي ال تن ال من س يادة‬

‫‪-)(1‬تايلر‪ ,‬المصدر‪ 2‬السابق‪ ,‬ص‪.133‬‬

‫‪The new Encyclopaedia Britiannica , Vol.5, op.cit., CD.‬‬

‫‪ -13‬عدم إقامة أي ترسانات حربية على البحر األسود‪.‬‬

‫معسكر عثماني في الواليتين هدفه حمايتها من األخطار الخارجية‪.‬‬

‫‪-)(1‬تاريخ الحضارات العام‪ ,‬القرن التاسع عشر‪ ,‬ج‪ ,6‬بيروت‪ ,‬ص‪.125‬‬

You might also like