Professional Documents
Culture Documents
عقيدة أهل الإيمان - عبد القادر الفاسي
عقيدة أهل الإيمان - عبد القادر الفاسي
عقيدة أهل الإيمان - عبد القادر الفاسي
الحمـد للـه هـادي المؤمنيـن لتوحيـده ،ومؤيدهـم بنـور توفيقـه وتسديـده ،وصلى
هللا على سيدنا محمـد ،صفوتـه من خلقـه ،الساعي في إرشاد عبـيده ،وعلى آله
وصحبه تعظيما لحقـه واستجالبا لوداده .
اعلم أن اللـه أوجب على كل مكلَّف- ،وهو العاقل البالغ ،الذي بلغتـه دعوة
النبوءة ،-أن يكون عارفا بما يجب لـه –سبحانه ،-وما يستحيل عليـه ،وما يجـوز
في حقـه .
كمال؛ فهو موجـود ال يجوز عليه العـدم سابقا وال الحقا. ٍ فالواجب له ك ُّل
قديـم ال أول له.
باق ال آخر له.
ال يشبهـه شيء من الحـوادث؛ فليس بجـرم وال عرض ،وال في جهـة ،وال في
مكان ،وال في زمان ،وال يتحيَّـز .
نـزه عن المماسـة واالستقرار والتَّمكـُّن واالنتقال والقرب والبعـد. ُم َّ
ال تَ ٌح ُّل ذاتـه في شيء.
وال يَ ُح ُّل شيء في ذاتـه.
وال يحمله شيء؛ العرش وما حـوى ،والمالئكـة الحاملـون له محمولـون بقدرتـه،
وتحت قهـره وفي قبضتـه ،فكل ما يخطـر بالبال ،أو يرتسم في الخيال ،من
ُنـزه عنه الكبيـر المتعال ،فـ ﴿ليس كمثله شيء وهو السّميع ال َكيْفيَّات واألمثال ي َّ
البصير﴾[الشورى ].11:
قائم بنفسـه :أي مستقل بذاتـه ،ال يحتاج إلى غيـره ،فهـو الغني على اإلطالق ،قائم
على كل نقس بـما كسبت ،فهو الحي القيوم.
واحـد في صفاتـه ال يـماثلـه أحد في وصف من أوصاف الكمال ،ونعوت الجـالل.
واحـد في أفعاله منفـرد بالخلق واإلبداع ،مستبد باإليجاد واالختراع مـن غير
معاونـة وال معالجـة وال ُمؤازرة ،فهو خالق الخلق ،وخالق أعمالهم ،وحركاتـهم
وسكناتـهم وجميع أحوالـهم ،وليس لغيـره تأثيـر في فعل من األفعال ،بوجه من
الوجوه وما يوجد مـن اآلثـار عنـد اقتران بعض األشياء ببعض كوجـود االحتِراق
عند ُم َماسَّـ ِة النار للحطب ،والشبع عند األكل ،فإن ال ُمشاهَـدَ اقتران النار بالحطب
فقط ،وكونـها هي أحرقت غير ُمشَاهَـدٍ ،وال دل عليـه دليل عقلي ،إنـما هو فعل
اللـه ،ومـن قال إنـما هو فعل النار ،فهي شهـادة زور.
واحـد في ملكـه ،منفـرد بتدبيـره ،فال مدبـر للعالم غيـره ،وال نافـذ إال مشيئتـه
وأمـره.
موصوف بصفات وجوديـة ،قديـمة أبديـة ،قائمـة بذاتـه ،فهو حي بحياة ،بغيـر
بنيـة وال ِمزاج.
قادر بقدرة يتيسَّـر بـها إيجاد مقدورات ال تتناهى وإعدامـها.
مريـد بإرادة يتخصص بـها الممكنات ببعض األحوال الجائزة عليها من الوجود
والعـدم والجهـة واألزمنة واألمكنـة وسائـر األعراض ،فال يقع في ملكـه إال ما
يريـد ،من كفـر أو إيـمان أو طاعـة أو عصيان ،فكل ذلك مخلوق لـه ،ومقدور
بتقديـره مخصوص بإرادتـه وتدبيـره.
عالـم بعلم واحـد ،كاشف لمعلومات ال نـهاية لـها ،كشفا ِإ َحاطيَّا؛ أحاط بكل شيء
علما ،وأحصى ك ّل شيء عددا ،ال يعزب عنه مثقال ذرة في األرض وال في
السماء ،يعلم حركـة الـهباء في الهـواء ،وهواجس الضمائر ،وتقلبات الخواطـر،
وخفيات السرائـر ،ويعلم ما كان وما يكـون ،وما لـم يكن أن لو كان كيف يكون.
اخ ِِ وأذن ،بل بسمع ال يعزب عنـه مسموع. ص َم ِ
سميـع ال ِب ِ
ي ،وال يحجبـه بُعد وال بصيـر ال بحدقـة وأجفان ،بل ببصـر ال يغيب عنـه مرئ ٌّ
قرب وال ظـالم من غيـر مقابلـة وال انبعاث أشعة ،وال يختص سمعـه باألصوات،
وال بصـره باألجرام واأللوان واالجتماع واالفتراق والحركة والسكـون ،بل يسمع
ويرى جميـع الموجودات مـن الذوات والصفات الواجبات والجائزات ،الظاهرات
والخفيات ،يسمع ويرى دبيب النملـة السوداء في الليلـة الظلماء على الصخرة
الصمـاء.
متكلم بكالم ليس بحرف وال صوت وال يعتريـه سكوت وال تقديم ،وال تأخير وال
ترتيب وال تبعيض وال انقطاع؛ إذ صفاتـه ال تشبـه صفات المخلوقين ،كما أن ذاتـه
ال تشبـه ذوات المخلوقين.
والمستحيل عليـه ما ينافي ما تقدم ،كاالبتداء واالنقضاء والمشابهة لخلقه ووجود
شريك له ،وما يمنع االدراك كالموت والعمى والصمم ،وما يـمنع األفعال كالجهل
والعجز ،وعـدم التخصيص للممكنات ،بأن ال يكون مريدا مختارا لفعلـه ،وما يمنع
الكالم كالخرس.
والجائـز في حقـه –تعالى ،-خلق المخلوقات وإعدامها ،فهـو متفضل بالخلق
واالختراع والتكليف واإلنعام واإلحسان واإلصالح بال لزوم وإيجاب ،فإنـه ال
ُم ِك ِرهَ له ،بل فاعل مختار ،إن شاء فعل ،وإن شاء لم يفعل .بيده الهدايـة واإلضالل
والتوفيق والخذالن ،فكل نعمة منـه فضل ،وكل نقمة منـه عـدل ،ال يوصف بالظلم
و ال بالجور ،إذ ال يصادف تصرفـه ملكا لغيـره حتى يكون ظلما ألن كل ما سواه
من العرش إلى الفرش من جميع المخلوقات ملك لـه ،فتصرفـه فيه ،تصرف
المالك في ملكـه﴿ :ال يسأل ع ّما يفعل ،وهم يسألـون﴾.
وتفضل ببعث الرسل من عباده أوحى إليهم شريعته وأحكامـه وأمرهـم بتبليغ
الخلق أوامـره ونواهيـه وتحذيرهم مـن غضبـه وعقابـه ،وتوجيههم إلى موالهم،
لتحصيل رضاه وثوابـه.
وأيّـدهم بالمعجزات الخـوارق للعادات الدالـة على صدقهم.
وعصمهم مـن الذنـوب كبارها وصغارها ،الظاهرة والباطنـة قبـل النبوة وبعدها،
على الصحيـح مـن األقوال ،ومـن الغفلـة والشغل بغيـر اللـه –تعالى ،-ومـن ميـل
القلوب لشيء مـن زخرف الدنيا ومـن كـل جهل جلي أو خفي ،ومن الكذب
والخيانـة واتباع الباطل ،والغش ،وكتمان شيء من الوحي المأمـور بتبليغـه.
وشـرط الرسالـة :الذكـورة ،وكمال العقل ،والذكاء ،والفطنـة ،وقـوة الرأي،
وشرف النسب ،والسالمـة مـ ّما ينفـر؛ كالفظاظـة ،ووصف اآلباء بالزنا والبرص
والجذام والجنون واإلغماء الطويل ،ومـما يخل بالمروءة كالحرف الدَّنِيـَّة،
صمم والبكم. كالحجامة ،أو يُخل بحكمة البعثـة ،كالعمى على الصحيح وال ّ
والواجب في حقهم -عليهم الصالة والسالم :-الصـدق ،واألمانـة ،والتبليـغ
والنصيحـة.
والجائـز عليهم ،األوصاف البشريـة التي ال نقص فيها وال تنفيـر؛ كاألمراض،
والنوم واألكـل ،والشرب والنكاح.
وما تلبسوا بـه من األمـور المباحـة ليسـوا فيها كغيرهم؛ إذ هي قربـة في حقهم.
ويجب اإليمان بجميع األنبياء والمرسلين والكتب المنزلـة من غير حصـر؛ إذ لم
يصح عـدد الكتب واألنبياء .وما ثبت من الكتب واألنبياء باإلجماع فجاحده كافر.
وأن سيدنا ونبينا وموالنا محمدا -صلى هللا عليه وسلم ،-خاتم النبيين والمرسلين،
وأنـه أفضل الخلق باإلجماع ،مرسـل إلى الجـن واإلنس ،وفي المالئكـة خالف،
وأن القرآن بالتعبين منـزل عليه.
ويجب تصديقهم فيما أخبـروا بـه مـن وجود الجـن وأنـهم مكلَّفون مثابون معاقبون،
ومـن وجود المالئكـة ،وهم عباد مكرمـون ،ال تجوز في حقهم المعصيـة؛
لعصمتهم ،ليسوا بذكـور وال إناث ،ومـن بعث الخلق بعد الموت بأجسادهم ،التي
كانوا بـها في الدنيا ،للحساب والثواب والعقاب ،وكالجنـة والنار وأنهما مخلوقتان
موجودتان اآلن دائمتان ،وكسـؤال الملكيـن في القبـر ،لكل مـن يجري عليـه أحكام
اإلسـالم ،ولو منافقا ،واختلف في مظهر الكفر ،والملكان :منكـر ونكيـر ،وقيل:
يسأل المؤمـن مبشـر وبشيـر .وكرؤيـة المؤمنيـن ربّـهم بال تكييف ،والحوض،
والصـراط ،ووزن األعمال بـميزان ،وأخـذ صحف األعمال ،وشفاعـة الرسـول -
صلى هللا عليه وسلم -وسائـر المؤمنيـن .ونفوذ الوعيـد في طائفـة مـن المؤمنيـن
بدخول النار ،وعـدم خلـود المؤمنيـن في النار.
والمـوت فعل اللـه ،وإن وقع عند سبب مـن الخلق.
وكل أحـد ميّت بأجلـه المقدور له.
ويقبض األرواح «عزرائيـل» بإذن اللـه .
وعلى كل مكلَّف حفظـة من المالئكـة يكتبون األعمال.
واألرواح بعـد الموت باقية ،وال فناء لـها على الصحيـح ،وقيـل :تفنى عند القيامـة،
ثم ترجع لألجساد ،وقبل القيامـة منعمـة أو معذبـة.
والكافر مخلَّـد في النار؛ ﴿إن اللـه ال يغفر أن يشرك بـه﴾[ النساء ].48:
والمؤمـن العاصي المرتكب للكبائـر في المشيئـة ،وال نقطع على معيـن بالنار.
وال تحبـــط السيئـة الحسنـة ،وال تسقـط الكبيـرة بالحسنـة ،بل بفضـل اللــه أو
بالتوبــة :وهي النـدم على المعصيـة من أجل أنـها مبعـدة عـن رضـوان اللـه
مقربـة مـن سخطـه ،وال تتحقـق إال باإلقالع عـن المعصيـة والعـزم على أن ال
يعود أبدا ،ومبـادرة قضاء ما ضيّعـه مـن حقوق اللـه وحقوق العباد.
وأعظـم شيء يعيـن عليها :مجانبـة خالط السّـوء ،وال سيما الذيـن اشترك معهم في
المعصيـة ،ومواالة أبناء اآلخرة مـمن تذكره باهلل رؤيتـه ،وتنهض باهلل حالته
ومخالطته ،وهم أولياء اللـه ،الذين يخشَعون ويخ ّ
شِعون.
وال يُكفّـر أحـد مـن المؤمنيـن بارتكاب ذنب ،إال إذا جحـد ما علم مجيء الرسـول -
صلى هللا عليه وسلم -بـه ضـرورة ،فاإليمان :تصديـق الرسـول فيما أخبـر بـه
وتكذيبـه كفـر.
وال نعيـن أحـدا للجنـة إال األنبياء ومـن شهـد لهم النبي -صلى هللا عليه وسلم،-
ومـن ذلك األولياء المشاهيـر وأئمـة الملـة الذيـن اجتمعت األمـة على قبولهم
وتقليدهم ،فإجماع األمـة معصـوم ،قال -صلى هللا عليه وسلم( :-من أثنيتم عليه
بخيـر وجبت له الجنـة)[].2
والذنوب كبائـر وصغائـر ،والصغائـر تُـمحى باجتناب الكبائر وبالحسنات.
وال نقول بلزوم الموازنـة بين الحسنات والسيئات ،بل العبـد إذا أتى بحسنات أمثال
الجبال ،ولـه مخالفـة واحـدة فهو مرهـون بـها ،إما أن يعفـو اللـه عنـه أو يؤاخـذه
بـها ثم يخرج من النار.
وللساعة عالمات أخبـر بـها النبي -صلى هللا عليه وسلم-؛ كخـروج الدجال األعور
الكذاب ،وطلـوع الشمس من مغربـها ،وخـروج الدابـة ،وظهـور المهـدي
الفاطمي ،من ولـد فاطمـة -رضي اللـه عنها ،-يـمأل األرض عـدال ،ونزول عيسى
بن مـريم -عليه السالم -بالشام مجددا لهذه الملة غيـر ناسخ لها ،حاكما بكتاب اللـه
كالخليفة للنبي -صلى هللا عليه وسلم -مع قيام وصف النبـوءة بـه ،فيكسـر الصليب
ويقتل الخنزيـر ،ويبطل الجزيـة فال يقبل إال اإليمان.
والصحابي :المؤمـن الذي اجتمع مـع النبي -صلى هللا عليه وسلم ،-وكلهـم عـدول،
وهـم أفضـل مـن سائـر البشر بعد النبيئيـن ،وأفضلهم :أبو بكـر ،ثم عمـر ،ثم
عثمان ،ثم علي ،ثم باقي العشـرة ،ثم بعـد ذلك بينهم تفضيل.
وأفضـل القـرون قـرن الصحابة ،ثم الذيـن بعدهم ،ثم الذيـن بعدهم ،وهـذه األمـة
أفضل األمم.
فهـذا سـرد عقيـدة أهل اإليـمان ،موضوعة لمن أراد تعليمها للنساء والصبيان،
شبـه أهل الزيغ والخـذالن ،خاليـة عن تقريـر الدليل والبرهان ،قابلهامصونة عن ُ
هللا بالقبول والرضـوان ،وأتحف عبـده البائس المنكسـر بالعفـو والغفـران ،والحمـد
للـه على توالي الفضـل واالمتنان ،وصلى هللا على سيدنا وموالنا محمـد وعلى آلـه
وأصحابـه والتابعيـن لهم بإحسان إلى يوم الدين ،والحمـد للـه رب العالميـن .
–———————
الهوامش:
1-مقتطف من كتاب :الرسائل اإليمانية والذخائر االعتقادية ألئمة أهل السنة
والجماعة السنية ،جمعـها واعتنى بها نزار حمادي ،ص.33 :
2-أخرجه مسلم في صحيحه ،كتاب الجنائز ،باب فيمن يثنى عليه خير أو شر
من الموتى.
إعداد:
حفصة البقالي
تـقـديم:
تناول الشيخ عبد القادر عقيدته الموسومة بـ “أهل اإليمان” على طريقة األشاعرة،
فقد جاءت مختصرة للمبتدئين ،مقسمة كعادة أهل الكالم في تقسيم موضوعات
العقيدة؛ بدءا باإللهيات ،ثم النبوات ،ثم السمعيات ،ثم اإلمامة التي أشار إليها ضمن
حديثه عن أفضلية الصحابة .
وصل هللا على سيدنا وموالنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
قال الشيخ اإلمام العالم العالمة المشارك الفهامة ذو الفكر الصائب والذهن الثاقب
الشهير الذكر في المشارق والمغارب الصدر األوحد أبو محمد عبد القادر ابن
الفقيه البركة أبي الحسن علي بن الشيخ اإلمام محيي الدين أبي المحاسن يوسف
الفاسي رضي هللا عنهم:
الحمـد للـه هـادي المؤمنيـن لتوحيـده ،ومؤيدهـم بنـور توفيقـه وتسديـده ،وصلى
هللا على سيدنا محمـد ،صفوتـه من خلقـه ،الساعي في إرشاد عبـيده ،وعلى آله
وصحبه تعظيما لحقـه واستجالبا لوداده .
اعلم أن اللـه أوجب على كل مكلَّف- ،وهو العاقل البالغ ،الذي بلغتـه دعوة
النبوءة ،-أن يكون عارفا بما يجب لـه –سبحانه ،-وما يستحيل عليـه ،وما يجـوز
في حقـه .
ال يشبهـه شيء من الحـوادث؛ فليس بجـرم وال عرض ،وال في جهـة ،وال في
مكان ،وال في زمان ،وال يتحيَّـز .
وال يحمله شيء؛ العرش وما حـوى ،والمالئكـة الحاملـون له محمولـون بقدرتـه،
وتحت قهـره وفي قبضتـه ،فكل ما يخطـر بالبال ،أو يرتسم في الخيال ،من
ال َكيْفيَّات واألمثال ي َّ
ُنـزه عنه الكبيـر المتعال ،فـ ﴿ليس كمثله شيء وهو السّميع
البصير﴾[الشورى ].11:
قائم بنفسـه :أي مستقل بذاتـه ،ال يحتاج إلى غيـره ،فهـو الغني على اإلطالق ،قائم
على كل نقس بـما كسبت ،فهو الحي القيوم.
واحـد في أفعاله منفـرد بالخلق واإلبداع ،مستبد باإليجاد واالختراع مـن غير
معاونـة وال معالجـة وال ُمؤازرة ،فهو خالق الخلق ،وخالق أعمالهم ،وحركاتـهم
وسكناتـهم وجميع أحوالـهم ،وليس لغيـره تأثيـر في فعل من األفعال ،بوجه من
الوجوه وما يوجد مـن اآلثـار عنـد اقتران بعض األشياء ببعض كوجـود االحتِراق
عند ُم َماسَّـ ِة النار للحطب ،والشبع عند األكل ،فإن ال ُمشاهَـدَ اقتران النار بالحطب
فقط ،وكونـها هي أحرقت غير ُمشَاهَـدٍ ،وال دل عليـه دليل عقلي ،إنـما هو فعل
اللـه ،ومـن قال إنـما هو فعل النار ،فهي شهـادة زور.
واحـد في ملكـه ،منفـرد بتدبيـره ،فال مدبـر للعالم غيـره ،وال نافـذ إال مشيئتـه
وأمـره.
موصوف بصفات وجوديـة ،قديـمة أبديـة ،قائمـة بذاتـه ،فهو حي بحياة ،بغيـر
بنيـة وال ِمزاج.
مريـد بإرادة يتخصص بـها الممكنات ببعض األحوال الجائزة عليها من الوجود
والعـدم والجهـة واألزمنة واألمكنـة وسائـر األعراض ،فال يقع في ملكـه إال ما
يريـد ،من كفـر أو إيـمان أو طاعـة أو عصيان ،فكل ذلك مخلوق لـه ،ومقدور
بتقديـره مخصوص بإرادتـه وتدبيـره.
عالـم بعلم واحـد ،كاشف لمعلومات ال نـهاية لـها ،كشفا إِ َحاطيَّا؛ أحاط بكل شيء
علما ،وأحصى ك ّل شيء عددا ،ال يعزب عنه مثقال ذرة في األرض وال في
السماء ،يعلم حركـة الـهباء في الهـواء ،وهواجس الضمائر ،وتقلبات الخواطـر،
وخفيات السرائـر ،ويعلم ما كان وما يكـون ،وما لـم يكن أن لو كان كيف يكون.
متكلم بكالم ليس بحرف وال صوت وال يعتريـه سكوت وال تقديم ،وال تأخير وال
ترتيب وال تبعيض وال انقطاع؛ إذ صفاتـه ال تشبـه صفات المخلوقين ،كما أن ذاتـه
ال تشبـه ذوات المخلوقين.
وتفضل ببعث الرسل من عباده أوحى إليهم شريعته وأحكامـه وأمرهـم بتبليغ
الخلق أوامـره ونواهيـه وتحذيرهم مـن غضبـه وعقابـه ،وتوجيههم إلى موالهم،
لتحصيل رضاه وثوابـه.
وعصمهم مـن الذنـوب كبارها وصغارها ،الظاهرة والباطنـة قبـل النبوة وبعدها،
على الصحيـح مـن األقوال ،ومـن الغفلـة والشغل بغيـر اللـه –تعالى ،-ومـن ميـل
القلوب لشيء مـن زخرف الدنيا ومـن كـل جهل جلي أو خفي ،ومن الكذب
والخيانـة واتباع الباطل ،والغش ،وكتمان شيء من الوحي المأمـور بتبليغـه.
والجائـز عليهم ،األوصاف البشريـة التي ال نقص فيها وال تنفيـر؛ كاألمراض،
والنوم واألكـل ،والشرب والنكاح.
وما تلبسوا بـه من األمـور المباحـة ليسـوا فيها كغيرهم؛ إذ هي قربـة في حقهم.
ويجب اإليمان بجميع األنبياء والمرسلين والكتب المنزلـة من غير حصـر؛ إذ لم
يصح عـدد الكتب واألنبياء .وما ثبت من الكتب واألنبياء باإلجماع فجاحده كافر.
وأن سيدنا ونبينا وموالنا محمدا -صلى هللا عليه وسلم ،-خاتم النبيين والمرسلين،
وأنـه أفضل الخلق باإلجماع ،مرسـل إلى الجـن واإلنس ،وفي المالئكـة خالف،
وأن القرآن بالتعبين منـزل عليه.
ويجب تصديقهم فيما أخبـروا بـه مـن وجود الجـن وأنـهم مكلَّفون مثابون معاقبون،
ومـن وجود المالئكـة ،وهم عباد مكرمـون ،ال تجوز في حقهم المعصيـة؛
لعصمتهم ،ليسوا بذكـور وال إناث ،ومـن بعث الخلق بعد الموت بأجسادهم ،التي
كانوا بـها في الدنيا ،للحساب والثواب والعقاب ،وكالجنـة والنار وأنهما مخلوقتان
موجودتان اآلن دائمتان ،وكسـؤال الملكيـن في القبـر ،لكل مـن يجري عليـه أحكام
اإلسـالم ،ولو منافقا ،واختلف في مظهر الكفر ،والملكان :منكـر ونكيـر ،وقيل:
يسأل المؤمـن مبشـر وبشيـر .وكرؤيـة المؤمنيـن ربّـهم بال تكييف ،والحوض،
والصـراط ،ووزن األعمال بـميزان ،وأخـذ صحف األعمال ،وشفاعـة الرسـول -
صلى هللا عليه وسلم -وسائـر المؤمنيـن .ونفوذ الوعيـد في طائفـة مـن المؤمنيـن
بدخول النار ،وعـدم خلـود المؤمنيـن في النار.
واألرواح بعـد الموت باقية ،وال فناء لـها على الصحيـح ،وقيـل :تفنى عند القيامـة،
ثم ترجع لألجساد ،وقبل القيامـة منعمـة أو معذبـة.
والكافر مخلَّـد في النار؛ ﴿إن اللـه ال يغفر أن يشرك بـه﴾[ النساء ].48:
والمؤمـن العاصي المرتكب للكبائـر في المشيئـة ،وال نقطع على معيـن بالنار.
وال تحبـــط السيئـة الحسنـة ،وال تسقـط الكبيـرة بالحسنـة ،بل بفضـل اللــه أو
بالتوبــة :وهي النـدم على المعصيـة من أجل أنـها مبعـدة عـن رضـوان اللـه
مقربـة مـن سخطـه ،وال تتحقـق إال باإلقالع عـن المعصيـة والعـزم على أن ال
يعود أبدا ،ومبـادرة قضاء ما ضيّعـه مـن حقوق اللـه وحقوق العباد.
وأعظـم شيء يعيـن عليها :مجانبـة خالط السّـوء ،وال سيما الذيـن اشترك معهم في
المعصيـة ،ومواالة أبناء اآلخرة مـمن تذكره باهلل رؤيتـه ،وتنهض باهلل حالته
ومخالطته ،وهم أولياء اللـه ،الذين يخشَعون ويخ ّ
شِعون.
وال يُكفّـر أحـد مـن المؤمنيـن بارتكاب ذنب ،إال إذا جحـد ما علم مجيء الرسـول -
صلى هللا عليه وسلم -بـه ضـرورة ،فاإليمان :تصديـق الرسـول فيما أخبـر بـه
وتكذيبـه كفـر.
وال نعيـن أحـدا للجنـة إال األنبياء ومـن شهـد لهم النبي -صلى هللا عليه وسلم،-
ومـن ذلك األولياء المشاهيـر وأئمـة الملـة الذيـن اجتمعت األمـة على قبولهم
وتقليدهم ،فإجماع األمـة معصـوم ،قال -صلى هللا عليه وسلم( :-من أثنيتم عليه
بخيـر وجبت له الجنـة)[].2
وال نقول بلزوم الموازنـة بين الحسنات والسيئات ،بل العبـد إذا أتى بحسنات أمثال
الجبال ،ولـه مخالفـة واحـدة فهو مرهـون بـها ،إما أن يعفـو اللـه عنـه أو يؤاخـذه
بـها ثم يخرج من النار.
وللساعة عالمات أخبـر بـها النبي -صلى هللا عليه وسلم-؛ كخـروج الدجال األعور
الكذاب ،وطلـوع الشمس من مغربـها ،وخـروج الدابـة ،وظهـور المهـدي
الفاطمي ،من ولـد فاطمـة -رضي اللـه عنها ،-يـمأل األرض عـدال ،ونزول عيسى
بن مـريم -عليه السالم -بالشام مجددا لهذه الملة غيـر ناسخ لها ،حاكما بكتاب اللـه
كالخليفة للنبي -صلى هللا عليه وسلم -مع قيام وصف النبـوءة بـه ،فيكسـر الصليب
ويقتل الخنزيـر ،ويبطل الجزيـة فال يقبل إال اإليمان.
والصحابي :المؤمـن الذي اجتمع مـع النبي -صلى هللا عليه وسلم ،-وكلهـم عـدول،
وهـم أفضـل مـن سائـر البشر بعد النبيئيـن ،وأفضلهم :أبو بكـر ،ثم عمـر ،ثم
عثمان ،ثم علي ،ثم باقي العشـرة ،ثم بعـد ذلك بينهم تفضيل.
وأفضـل القـرون قـرن الصحابة ،ثم الذيـن بعدهم ،ثم الذيـن بعدهم ،وهـذه األمـة
أفضل األمم.
فهـذا سـرد عقيـدة أهل اإليـمان ،موضوعة لمن أراد تعليمها للنساء والصبيان،
مصونة عن ُ
شبـه أهل الزيغ والخـذالن ،خاليـة عن تقريـر الدليل والبرهان ،قابلها
هللا بالقبول والرضـوان ،وأتحف عبـده البائس المنكسـر بالعفـو والغفـران ،والحمـد
للـه على توالي الفضـل واالمتنان ،وصلى هللا على سيدنا وموالنا محمـد وعلى آلـه
وأصحابـه والتابعيـن لهم بإحسان إلى يوم الدين ،والحمـد للـه رب العالميـن .