عقيدة أهل الإيمان - عبد القادر الفاسي

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 11

‫ع ِقي َدةُ أَ ْه ِل اإلي َم ِ‬

‫ان للشيخ اإلمام أبي محمد عبد القادر الفاسي‬ ‫َ‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫وصل هللا على سيدنا وموالنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما‬
‫قال الشيخ اإلمام العالم العالمة المشارك الفهامة ذو الفكر الصائب والذهن الثاقب‬
‫الشهير الذكر في المشارق والمغارب الصدر األوحد أبو محمد عبد القادر ابن‬
‫الفقيه البركة أبي الحسن علي بن الشيخ اإلمام محيي الدين أبي المحاسن يوسف‬
‫الفاسي رضي هللا عنهم ‪:‬‬

‫الحمـد للـه هـادي المؤمنيـن لتوحيـده‪ ،‬ومؤيدهـم بنـور توفيقـه وتسديـده‪ ،‬وصلى‬
‫هللا على سيدنا محمـد‪ ،‬صفوتـه من خلقـه‪ ،‬الساعي في إرشاد عبـيده‪ ،‬وعلى آله‬
‫وصحبه تعظيما لحقـه واستجالبا لوداده ‪.‬‬
‫اعلم أن اللـه أوجب على كل مكلَّف‪- ،‬وهو العاقل البالغ‪ ،‬الذي بلغتـه دعوة‬
‫النبوءة‪ ،-‬أن يكون عارفا بما يجب لـه –سبحانه‪ ،-‬وما يستحيل عليـه‪ ،‬وما يجـوز‬
‫في حقـه ‪.‬‬
‫كمال؛ فهو موجـود ال يجوز عليه العـدم سابقا وال الحقا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫فالواجب له ك ُّل‬
‫قديـم ال أول له‪.‬‬
‫باق ال آخر له‪.‬‬
‫ال يشبهـه شيء من الحـوادث؛ فليس بجـرم وال عرض‪ ،‬وال في جهـة‪ ،‬وال في‬
‫مكان‪ ،‬وال في زمان‪ ،‬وال يتحيَّـز ‪.‬‬
‫نـزه عن المماسـة واالستقرار والتَّمكـُّن واالنتقال والقرب والبعـد‪.‬‬ ‫ُم َّ‬
‫ال تَ ٌح ُّل ذاتـه في شيء‪.‬‬
‫وال يَ ُح ُّل شيء في ذاتـه‪.‬‬
‫وال يحمله شيء؛ العرش وما حـوى‪ ،‬والمالئكـة الحاملـون له محمولـون بقدرتـه‪،‬‬
‫وتحت قهـره وفي قبضتـه‪ ،‬فكل ما يخطـر بالبال‪ ،‬أو يرتسم في الخيال‪ ،‬من‬
‫ُنـزه عنه الكبيـر المتعال‪ ،‬فـ ﴿ليس كمثله شيء وهو السّميع‬ ‫ال َكيْفيَّات واألمثال ي َّ‬
‫البصير﴾[الشورى ‪].11:‬‬
‫قائم بنفسـه‪ :‬أي مستقل بذاتـه‪ ،‬ال يحتاج إلى غيـره‪ ،‬فهـو الغني على اإلطالق‪ ،‬قائم‬
‫على كل نقس بـما كسبت‪ ،‬فهو الحي القيوم‪.‬‬
‫واحـد في صفاتـه ال يـماثلـه أحد في وصف من أوصاف الكمال‪ ،‬ونعوت الجـالل‪.‬‬
‫واحـد في أفعاله منفـرد بالخلق واإلبداع‪ ،‬مستبد باإليجاد واالختراع مـن غير‬
‫معاونـة وال معالجـة وال ُمؤازرة‪ ،‬فهو خالق الخلق‪ ،‬وخالق أعمالهم‪ ،‬وحركاتـهم‬
‫وسكناتـهم وجميع أحوالـهم‪ ،‬وليس لغيـره تأثيـر في فعل من األفعال‪ ،‬بوجه من‬
‫الوجوه وما يوجد مـن اآلثـار عنـد اقتران بعض األشياء ببعض كوجـود االحتِراق‬
‫عند ُم َماسَّـ ِة النار للحطب‪ ،‬والشبع عند األكل‪ ،‬فإن ال ُمشاهَـدَ اقتران النار بالحطب‬
‫فقط‪ ،‬وكونـها هي أحرقت غير ُمشَاهَـدٍ‪ ،‬وال دل عليـه دليل عقلي‪ ،‬إنـما هو فعل‬
‫اللـه‪ ،‬ومـن قال إنـما هو فعل النار‪ ،‬فهي شهـادة زور‪.‬‬
‫واحـد في ملكـه‪ ،‬منفـرد بتدبيـره‪ ،‬فال مدبـر للعالم غيـره‪ ،‬وال نافـذ إال مشيئتـه‬
‫وأمـره‪.‬‬
‫موصوف بصفات وجوديـة‪ ،‬قديـمة أبديـة‪ ،‬قائمـة بذاتـه‪ ،‬فهو حي بحياة‪ ،‬بغيـر‬
‫بنيـة وال ِمزاج‪.‬‬
‫قادر بقدرة يتيسَّـر بـها إيجاد مقدورات ال تتناهى وإعدامـها‪.‬‬
‫مريـد بإرادة يتخصص بـها الممكنات ببعض األحوال الجائزة عليها من الوجود‬
‫والعـدم والجهـة واألزمنة واألمكنـة وسائـر األعراض‪ ،‬فال يقع في ملكـه إال ما‬
‫يريـد‪ ،‬من كفـر أو إيـمان أو طاعـة أو عصيان‪ ،‬فكل ذلك مخلوق لـه‪ ،‬ومقدور‬
‫بتقديـره مخصوص بإرادتـه وتدبيـره‪.‬‬
‫عالـم بعلم واحـد‪ ،‬كاشف لمعلومات ال نـهاية لـها‪ ،‬كشفا ِإ َحاطيَّا؛ أحاط بكل شيء‬
‫علما‪ ،‬وأحصى ك ّل شيء عددا‪ ،‬ال يعزب عنه مثقال ذرة في األرض وال في‬
‫السماء‪ ،‬يعلم حركـة الـهباء في الهـواء‪ ،‬وهواجس الضمائر‪ ،‬وتقلبات الخواطـر‪،‬‬
‫وخفيات السرائـر‪ ،‬ويعلم ما كان وما يكـون‪ ،‬وما لـم يكن أن لو كان كيف يكون‪.‬‬
‫اخ ِِ وأذن‪ ،‬بل بسمع ال يعزب عنـه مسموع‪.‬‬ ‫ص َم ِ‬
‫سميـع ال ِب ِ‬
‫ي‪ ،‬وال يحجبـه بُعد وال‬ ‫بصيـر ال بحدقـة وأجفان‪ ،‬بل ببصـر ال يغيب عنـه مرئ ٌّ‬
‫قرب وال ظـالم من غيـر مقابلـة وال انبعاث أشعة‪ ،‬وال يختص سمعـه باألصوات‪،‬‬
‫وال بصـره باألجرام واأللوان واالجتماع واالفتراق والحركة والسكـون‪ ،‬بل يسمع‬
‫ويرى جميـع الموجودات مـن الذوات والصفات الواجبات والجائزات‪ ،‬الظاهرات‬
‫والخفيات‪ ،‬يسمع ويرى دبيب النملـة السوداء في الليلـة الظلماء على الصخرة‬
‫الصمـاء‪.‬‬
‫متكلم بكالم ليس بحرف وال صوت وال يعتريـه سكوت وال تقديم‪ ،‬وال تأخير وال‬
‫ترتيب وال تبعيض وال انقطاع؛ إذ صفاتـه ال تشبـه صفات المخلوقين‪ ،‬كما أن ذاتـه‬
‫ال تشبـه ذوات المخلوقين‪.‬‬
‫والمستحيل عليـه ما ينافي ما تقدم‪ ،‬كاالبتداء واالنقضاء والمشابهة لخلقه ووجود‬
‫شريك له‪ ،‬وما يمنع االدراك كالموت والعمى والصمم‪ ،‬وما يـمنع األفعال كالجهل‬
‫والعجز‪ ،‬وعـدم التخصيص للممكنات‪ ،‬بأن ال يكون مريدا مختارا لفعلـه‪ ،‬وما يمنع‬
‫الكالم كالخرس‪.‬‬
‫والجائـز في حقـه –تعالى‪ ،-‬خلق المخلوقات وإعدامها‪ ،‬فهـو متفضل بالخلق‬
‫واالختراع والتكليف واإلنعام واإلحسان واإلصالح بال لزوم وإيجاب‪ ،‬فإنـه ال‬
‫ُم ِك ِرهَ له‪ ،‬بل فاعل مختار‪ ،‬إن شاء فعل‪ ،‬وإن شاء لم يفعل‪ .‬بيده الهدايـة واإلضالل‬
‫والتوفيق والخذالن‪ ،‬فكل نعمة منـه فضل‪ ،‬وكل نقمة منـه عـدل‪ ،‬ال يوصف بالظلم‬
‫و ال بالجور‪ ،‬إذ ال يصادف تصرفـه ملكا لغيـره حتى يكون ظلما ألن كل ما سواه‬
‫من العرش إلى الفرش من جميع المخلوقات ملك لـه‪ ،‬فتصرفـه فيه‪ ،‬تصرف‬
‫المالك في ملكـه‪﴿ :‬ال يسأل ع ّما يفعل‪ ،‬وهم يسألـون﴾‪.‬‬
‫وتفضل ببعث الرسل من عباده أوحى إليهم شريعته وأحكامـه وأمرهـم بتبليغ‬
‫الخلق أوامـره ونواهيـه وتحذيرهم مـن غضبـه وعقابـه‪ ،‬وتوجيههم إلى موالهم‪،‬‬
‫لتحصيل رضاه وثوابـه‪.‬‬
‫وأيّـدهم بالمعجزات الخـوارق للعادات الدالـة على صدقهم‪.‬‬
‫وعصمهم مـن الذنـوب كبارها وصغارها‪ ،‬الظاهرة والباطنـة قبـل النبوة وبعدها‪،‬‬
‫على الصحيـح مـن األقوال‪ ،‬ومـن الغفلـة والشغل بغيـر اللـه –تعالى‪ ،-‬ومـن ميـل‬
‫القلوب لشيء مـن زخرف الدنيا ومـن كـل جهل جلي أو خفي‪ ،‬ومن الكذب‬
‫والخيانـة واتباع الباطل‪ ،‬والغش‪ ،‬وكتمان شيء من الوحي المأمـور بتبليغـه‪.‬‬
‫وشـرط الرسالـة‪ :‬الذكـورة‪ ،‬وكمال العقل‪ ،‬والذكاء‪ ،‬والفطنـة‪ ،‬وقـوة الرأي‪،‬‬
‫وشرف النسب‪ ،‬والسالمـة مـ ّما ينفـر؛ كالفظاظـة‪ ،‬ووصف اآلباء بالزنا والبرص‬
‫والجذام والجنون واإلغماء الطويل‪ ،‬ومـما يخل بالمروءة كالحرف الدَّنِيـَّة‪،‬‬
‫صمم والبكم‪.‬‬ ‫كالحجامة‪ ،‬أو يُخل بحكمة البعثـة‪ ،‬كالعمى على الصحيح وال ّ‬
‫والواجب في حقهم ‪-‬عليهم الصالة والسالم‪ :-‬الصـدق‪ ،‬واألمانـة‪ ،‬والتبليـغ‬
‫والنصيحـة‪.‬‬
‫والجائـز عليهم‪ ،‬األوصاف البشريـة التي ال نقص فيها وال تنفيـر؛ كاألمراض‪،‬‬
‫والنوم واألكـل‪ ،‬والشرب والنكاح‪.‬‬
‫وما تلبسوا بـه من األمـور المباحـة ليسـوا فيها كغيرهم؛ إذ هي قربـة في حقهم‪.‬‬
‫ويجب اإليمان بجميع األنبياء والمرسلين والكتب المنزلـة من غير حصـر؛ إذ لم‬
‫يصح عـدد الكتب واألنبياء‪ .‬وما ثبت من الكتب واألنبياء باإلجماع فجاحده كافر‪.‬‬
‫وأن سيدنا ونبينا وموالنا محمدا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬خاتم النبيين والمرسلين‪،‬‬
‫وأنـه أفضل الخلق باإلجماع‪ ،‬مرسـل إلى الجـن واإلنس‪ ،‬وفي المالئكـة خالف‪،‬‬
‫وأن القرآن بالتعبين منـزل عليه‪.‬‬
‫ويجب تصديقهم فيما أخبـروا بـه مـن وجود الجـن وأنـهم مكلَّفون مثابون معاقبون‪،‬‬
‫ومـن وجود المالئكـة‪ ،‬وهم عباد مكرمـون‪ ،‬ال تجوز في حقهم المعصيـة؛‬
‫لعصمتهم‪ ،‬ليسوا بذكـور وال إناث‪ ،‬ومـن بعث الخلق بعد الموت بأجسادهم‪ ،‬التي‬
‫كانوا بـها في الدنيا‪ ،‬للحساب والثواب والعقاب‪ ،‬وكالجنـة والنار وأنهما مخلوقتان‬
‫موجودتان اآلن دائمتان‪ ،‬وكسـؤال الملكيـن في القبـر‪ ،‬لكل مـن يجري عليـه أحكام‬
‫اإلسـالم‪ ،‬ولو منافقا‪ ،‬واختلف في مظهر الكفر‪ ،‬والملكان‪ :‬منكـر ونكيـر‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫يسأل المؤمـن مبشـر وبشيـر‪ .‬وكرؤيـة المؤمنيـن ربّـهم بال تكييف‪ ،‬والحوض‪،‬‬
‫والصـراط‪ ،‬ووزن األعمال بـميزان‪ ،‬وأخـذ صحف األعمال‪ ،‬وشفاعـة الرسـول ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ -‬وسائـر المؤمنيـن‪ .‬ونفوذ الوعيـد في طائفـة مـن المؤمنيـن‬
‫بدخول النار‪ ،‬وعـدم خلـود المؤمنيـن في النار‪.‬‬
‫والمـوت فعل اللـه‪ ،‬وإن وقع عند سبب مـن الخلق‪.‬‬
‫وكل أحـد ميّت بأجلـه المقدور له‪.‬‬
‫ويقبض األرواح «عزرائيـل» بإذن اللـه ‪.‬‬
‫وعلى كل مكلَّف حفظـة من المالئكـة يكتبون األعمال‪.‬‬
‫واألرواح بعـد الموت باقية‪ ،‬وال فناء لـها على الصحيـح‪ ،‬وقيـل‪ :‬تفنى عند القيامـة‪،‬‬
‫ثم ترجع لألجساد‪ ،‬وقبل القيامـة منعمـة أو معذبـة‪.‬‬
‫والكافر مخلَّـد في النار؛ ﴿إن اللـه ال يغفر أن يشرك بـه﴾[ النساء ‪].48:‬‬
‫والمؤمـن العاصي المرتكب للكبائـر في المشيئـة‪ ،‬وال نقطع على معيـن بالنار‪.‬‬
‫وال تحبـــط السيئـة الحسنـة‪ ،‬وال تسقـط الكبيـرة بالحسنـة‪ ،‬بل بفضـل اللــه أو‬
‫بالتوبــة‪ :‬وهي النـدم على المعصيـة من أجل أنـها مبعـدة عـن رضـوان اللـه‬
‫مقربـة مـن سخطـه‪ ،‬وال تتحقـق إال باإلقالع عـن المعصيـة والعـزم على أن ال‬
‫يعود أبدا‪ ،‬ومبـادرة قضاء ما ضيّعـه مـن حقوق اللـه وحقوق العباد‪.‬‬
‫وأعظـم شيء يعيـن عليها‪ :‬مجانبـة خالط السّـوء‪ ،‬وال سيما الذيـن اشترك معهم في‬
‫المعصيـة‪ ،‬ومواالة أبناء اآلخرة مـمن تذكره باهلل رؤيتـه‪ ،‬وتنهض باهلل حالته‬
‫ومخالطته‪ ،‬وهم أولياء اللـه‪ ،‬الذين يخشَعون ويخ ّ‬
‫شِعون‪.‬‬
‫وال يُكفّـر أحـد مـن المؤمنيـن بارتكاب ذنب‪ ،‬إال إذا جحـد ما علم مجيء الرسـول ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ -‬بـه ضـرورة‪ ،‬فاإليمان‪ :‬تصديـق الرسـول فيما أخبـر بـه‬
‫وتكذيبـه كفـر‪.‬‬
‫وال نعيـن أحـدا للجنـة إال األنبياء ومـن شهـد لهم النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪،-‬‬
‫ومـن ذلك األولياء المشاهيـر وأئمـة الملـة الذيـن اجتمعت األمـة على قبولهم‬
‫وتقليدهم‪ ،‬فإجماع األمـة معصـوم‪ ،‬قال ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪( :-‬من أثنيتم عليه‬
‫بخيـر وجبت له الجنـة)[‪].2‬‬
‫والذنوب كبائـر وصغائـر‪ ،‬والصغائـر تُـمحى باجتناب الكبائر وبالحسنات‪.‬‬
‫وال نقول بلزوم الموازنـة بين الحسنات والسيئات‪ ،‬بل العبـد إذا أتى بحسنات أمثال‬
‫الجبال‪ ،‬ولـه مخالفـة واحـدة فهو مرهـون بـها‪ ،‬إما أن يعفـو اللـه عنـه أو يؤاخـذه‬
‫بـها ثم يخرج من النار‪.‬‬
‫وللساعة عالمات أخبـر بـها النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬؛ كخـروج الدجال األعور‬
‫الكذاب‪ ،‬وطلـوع الشمس من مغربـها‪ ،‬وخـروج الدابـة‪ ،‬وظهـور المهـدي‬
‫الفاطمي‪ ،‬من ولـد فاطمـة ‪-‬رضي اللـه عنها‪ ،-‬يـمأل األرض عـدال‪ ،‬ونزول عيسى‬
‫بن مـريم ‪-‬عليه السالم‪ -‬بالشام مجددا لهذه الملة غيـر ناسخ لها‪ ،‬حاكما بكتاب اللـه‬
‫كالخليفة للنبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬مع قيام وصف النبـوءة بـه‪ ،‬فيكسـر الصليب‬
‫ويقتل الخنزيـر‪ ،‬ويبطل الجزيـة فال يقبل إال اإليمان‪.‬‬
‫والصحابي‪ :‬المؤمـن الذي اجتمع مـع النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬وكلهـم عـدول‪،‬‬
‫وهـم أفضـل مـن سائـر البشر بعد النبيئيـن‪ ،‬وأفضلهم‪ :‬أبو بكـر‪ ،‬ثم عمـر‪ ،‬ثم‬
‫عثمان‪ ،‬ثم علي‪ ،‬ثم باقي العشـرة‪ ،‬ثم بعـد ذلك بينهم تفضيل‪.‬‬
‫وأفضـل القـرون قـرن الصحابة‪ ،‬ثم الذيـن بعدهم‪ ،‬ثم الذيـن بعدهم‪ ،‬وهـذه األمـة‬
‫أفضل األمم‪.‬‬
‫فهـذا سـرد عقيـدة أهل اإليـمان‪ ،‬موضوعة لمن أراد تعليمها للنساء والصبيان‪،‬‬
‫شبـه أهل الزيغ والخـذالن‪ ،‬خاليـة عن تقريـر الدليل والبرهان‪ ،‬قابلها‬‫مصونة عن ُ‬
‫هللا بالقبول والرضـوان‪ ،‬وأتحف عبـده البائس المنكسـر بالعفـو والغفـران‪ ،‬والحمـد‬
‫للـه على توالي الفضـل واالمتنان‪ ،‬وصلى هللا على سيدنا وموالنا محمـد وعلى آلـه‬
‫وأصحابـه والتابعيـن لهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬والحمـد للـه رب العالميـن ‪.‬‬
‫–———————‬

‫الهوامش‪:‬‬
‫‪1-‬مقتطف من كتاب‪ :‬الرسائل اإليمانية والذخائر االعتقادية ألئمة أهل السنة‬
‫والجماعة السنية‪ ،‬جمعـها واعتنى بها نزار حمادي ‪ ،‬ص‪.33 :‬‬
‫‪2-‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب فيمن يثنى عليه خير أو شر‬
‫من الموتى‪.‬‬
‫إعداد‪:‬‬
‫حفصة البقالي‬
‫تـقـديم‪:‬‬

‫تناول الشيخ عبد القادر عقيدته الموسومة بـ “أهل اإليمان” على طريقة األشاعرة‪،‬‬
‫فقد جاءت مختصرة للمبتدئين‪ ،‬مقسمة كعادة أهل الكالم في تقسيم موضوعات‬
‫العقيدة؛ بدءا باإللهيات‪ ،‬ثم النبوات‪ ،‬ثم السمعيات‪ ،‬ثم اإلمامة التي أشار إليها ضمن‬
‫حديثه عن أفضلية الصحابة ‪.‬‬

‫نص العقيدة‪]1[ :‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫وصل هللا على سيدنا وموالنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما‬

‫قال الشيخ اإلمام العالم العالمة المشارك الفهامة ذو الفكر الصائب والذهن الثاقب‬
‫الشهير الذكر في المشارق والمغارب الصدر األوحد أبو محمد عبد القادر ابن‬
‫الفقيه البركة أبي الحسن علي بن الشيخ اإلمام محيي الدين أبي المحاسن يوسف‬
‫الفاسي رضي هللا عنهم‪:‬‬

‫الحمـد للـه هـادي المؤمنيـن لتوحيـده‪ ،‬ومؤيدهـم بنـور توفيقـه وتسديـده‪ ،‬وصلى‬
‫هللا على سيدنا محمـد‪ ،‬صفوتـه من خلقـه‪ ،‬الساعي في إرشاد عبـيده‪ ،‬وعلى آله‬
‫وصحبه تعظيما لحقـه واستجالبا لوداده ‪.‬‬
‫اعلم أن اللـه أوجب على كل مكلَّف‪- ،‬وهو العاقل البالغ‪ ،‬الذي بلغتـه دعوة‬
‫النبوءة‪ ،-‬أن يكون عارفا بما يجب لـه –سبحانه‪ ،-‬وما يستحيل عليـه‪ ،‬وما يجـوز‬
‫في حقـه ‪.‬‬

‫كمال؛ فهو موجـود ال يجوز عليه العـدم سابقا وال الحقا‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫فالواجب له ك ُّل‬

‫قديـم ال أول له‪.‬‬

‫باق ال آخر له‪.‬‬

‫ال يشبهـه شيء من الحـوادث؛ فليس بجـرم وال عرض‪ ،‬وال في جهـة‪ ،‬وال في‬
‫مكان‪ ،‬وال في زمان‪ ،‬وال يتحيَّـز ‪.‬‬

‫نـزه عن المماسـة واالستقرار والتَّمكـُّن واالنتقال والقرب والبعـد‪.‬‬


‫ُم َّ‬

‫ال تَ ٌح ُّل ذاتـه في شيء‪.‬‬

‫وال َي ُح ُّل شيء في ذاتـه‪.‬‬

‫وال يحمله شيء؛ العرش وما حـوى‪ ،‬والمالئكـة الحاملـون له محمولـون بقدرتـه‪،‬‬
‫وتحت قهـره وفي قبضتـه‪ ،‬فكل ما يخطـر بالبال‪ ،‬أو يرتسم في الخيال‪ ،‬من‬
‫ال َكيْفيَّات واألمثال ي َّ‬
‫ُنـزه عنه الكبيـر المتعال‪ ،‬فـ ﴿ليس كمثله شيء وهو السّميع‬
‫البصير﴾[الشورى ‪].11:‬‬

‫قائم بنفسـه‪ :‬أي مستقل بذاتـه‪ ،‬ال يحتاج إلى غيـره‪ ،‬فهـو الغني على اإلطالق‪ ،‬قائم‬
‫على كل نقس بـما كسبت‪ ،‬فهو الحي القيوم‪.‬‬

‫واحـد في صفاتـه ال يـماثلـه أحد في وصف من أوصاف الكمال‪ ،‬ونعوت الجـالل‪.‬‬

‫واحـد في أفعاله منفـرد بالخلق واإلبداع‪ ،‬مستبد باإليجاد واالختراع مـن غير‬
‫معاونـة وال معالجـة وال ُمؤازرة‪ ،‬فهو خالق الخلق‪ ،‬وخالق أعمالهم‪ ،‬وحركاتـهم‬
‫وسكناتـهم وجميع أحوالـهم‪ ،‬وليس لغيـره تأثيـر في فعل من األفعال‪ ،‬بوجه من‬
‫الوجوه وما يوجد مـن اآلثـار عنـد اقتران بعض األشياء ببعض كوجـود االحتِراق‬
‫عند ُم َماسَّـ ِة النار للحطب‪ ،‬والشبع عند األكل‪ ،‬فإن ال ُمشاهَـدَ اقتران النار بالحطب‬
‫فقط‪ ،‬وكونـها هي أحرقت غير ُمشَاهَـدٍ‪ ،‬وال دل عليـه دليل عقلي‪ ،‬إنـما هو فعل‬
‫اللـه‪ ،‬ومـن قال إنـما هو فعل النار‪ ،‬فهي شهـادة زور‪.‬‬
‫واحـد في ملكـه‪ ،‬منفـرد بتدبيـره‪ ،‬فال مدبـر للعالم غيـره‪ ،‬وال نافـذ إال مشيئتـه‬
‫وأمـره‪.‬‬

‫موصوف بصفات وجوديـة‪ ،‬قديـمة أبديـة‪ ،‬قائمـة بذاتـه‪ ،‬فهو حي بحياة‪ ،‬بغيـر‬
‫بنيـة وال ِمزاج‪.‬‬

‫قادر بقدرة يتيسَّـر بـها إيجاد مقدورات ال تتناهى وإعدامـها‪.‬‬

‫مريـد بإرادة يتخصص بـها الممكنات ببعض األحوال الجائزة عليها من الوجود‬
‫والعـدم والجهـة واألزمنة واألمكنـة وسائـر األعراض‪ ،‬فال يقع في ملكـه إال ما‬
‫يريـد‪ ،‬من كفـر أو إيـمان أو طاعـة أو عصيان‪ ،‬فكل ذلك مخلوق لـه‪ ،‬ومقدور‬
‫بتقديـره مخصوص بإرادتـه وتدبيـره‪.‬‬

‫عالـم بعلم واحـد‪ ،‬كاشف لمعلومات ال نـهاية لـها‪ ،‬كشفا إِ َحاطيَّا؛ أحاط بكل شيء‬
‫علما‪ ،‬وأحصى ك ّل شيء عددا‪ ،‬ال يعزب عنه مثقال ذرة في األرض وال في‬
‫السماء‪ ،‬يعلم حركـة الـهباء في الهـواء‪ ،‬وهواجس الضمائر‪ ،‬وتقلبات الخواطـر‪،‬‬
‫وخفيات السرائـر‪ ،‬ويعلم ما كان وما يكـون‪ ،‬وما لـم يكن أن لو كان كيف يكون‪.‬‬

‫اخ ِِ وأذن‪ ،‬بل بسمع ال يعزب عنـه مسموع‪.‬‬


‫ص َم ِ‬
‫سميـع ال ِب ِ‬

‫ي‪ ،‬وال يحجبـه بُعد وال‬


‫بصيـر ال بحدقـة وأجفان‪ ،‬بل ببصـر ال يغيب عنـه مرئ ٌّ‬
‫قرب وال ظـالم من غيـر مقابلـة وال انبعاث أشعة‪ ،‬وال يختص سمعـه باألصوات‪،‬‬
‫وال بصـره باألجرام واأللوان واالجتماع واالفتراق والحركة والسكـون‪ ،‬بل يسمع‬
‫ويرى جميـع الموجودات مـن الذوات والصفات الواجبات والجائزات‪ ،‬الظاهرات‬
‫والخفيات‪ ،‬يسمع ويرى دبيب النملـة السوداء في الليلـة الظلماء على الصخرة‬
‫الصمـاء‪.‬‬

‫متكلم بكالم ليس بحرف وال صوت وال يعتريـه سكوت وال تقديم‪ ،‬وال تأخير وال‬
‫ترتيب وال تبعيض وال انقطاع؛ إذ صفاتـه ال تشبـه صفات المخلوقين‪ ،‬كما أن ذاتـه‬
‫ال تشبـه ذوات المخلوقين‪.‬‬

‫والمستحيل عليـه ما ينافي ما تقدم‪ ،‬كاالبتداء واالنقضاء والمشابهة لخلقه ووجود‬


‫شريك له‪ ،‬وما يمنع االدراك كالموت والعمى والصمم‪ ،‬وما يـمنع األفعال كالجهل‬
‫والعجز‪ ،‬وعـدم التخصيص للممكنات‪ ،‬بأن ال يكون مريدا مختارا لفعلـه‪ ،‬وما يمنع‬
‫الكالم كالخرس‪.‬‬
‫والجائـز في حقـه –تعالى‪ ،-‬خلق المخلوقات وإعدامها‪ ،‬فهـو متفضل بالخلق‬
‫واالختراع والتكليف واإلنعام واإلحسان واإلصالح بال لزوم وإيجاب‪ ،‬فإنـه ال‬
‫ُم ِك ِرهَ له‪ ،‬بل فاعل مختار‪ ،‬إن شاء فعل‪ ،‬وإن شاء لم يفعل‪ .‬بيده الهدايـة واإلضالل‬
‫والتوفيق والخذالن‪ ،‬فكل نعمة منـه فضل‪ ،‬وكل نقمة منـه عـدل‪ ،‬ال يوصف بالظلم‬
‫و ال بالجور‪ ،‬إذ ال يصادف تصرفـه ملكا لغيـره حتى يكون ظلما ألن كل ما سواه‬
‫من العرش إلى الفرش من جميع المخلوقات ملك لـه‪ ،‬فتصرفـه فيه‪ ،‬تصرف‬
‫المالك في ملكـه‪﴿ :‬ال يسأل ع ّما يفعل‪ ،‬وهم يسألـون﴾‪.‬‬

‫وتفضل ببعث الرسل من عباده أوحى إليهم شريعته وأحكامـه وأمرهـم بتبليغ‬
‫الخلق أوامـره ونواهيـه وتحذيرهم مـن غضبـه وعقابـه‪ ،‬وتوجيههم إلى موالهم‪،‬‬
‫لتحصيل رضاه وثوابـه‪.‬‬

‫وأيّـدهم بالمعجزات الخـوارق للعادات الدالـة على صدقهم‪.‬‬

‫وعصمهم مـن الذنـوب كبارها وصغارها‪ ،‬الظاهرة والباطنـة قبـل النبوة وبعدها‪،‬‬
‫على الصحيـح مـن األقوال‪ ،‬ومـن الغفلـة والشغل بغيـر اللـه –تعالى‪ ،-‬ومـن ميـل‬
‫القلوب لشيء مـن زخرف الدنيا ومـن كـل جهل جلي أو خفي‪ ،‬ومن الكذب‬
‫والخيانـة واتباع الباطل‪ ،‬والغش‪ ،‬وكتمان شيء من الوحي المأمـور بتبليغـه‪.‬‬

‫وشـرط الرسالـة‪ :‬الذكـورة‪ ،‬وكمال العقل‪ ،‬والذكاء‪ ،‬والفطنـة‪ ،‬وقـوة الرأي‪،‬‬


‫وشرف النسب‪ ،‬والسالمـة مـ ّما ينفـر؛ كالفظاظـة‪ ،‬ووصف اآلباء بالزنا والبرص‬
‫والجذام والجنون واإلغماء الطويل‪ ،‬ومـما يخل بالمروءة كالحرف الدَّنِيـَّة‪،‬‬
‫صمم والبكم‪.‬‬ ‫كالحجامة‪ ،‬أو يُخل بحكمة البعثـة‪ ،‬كالعمى على الصحيح وال ّ‬

‫والواجب في حقهم ‪-‬عليهم الصالة والسالم‪ :-‬الصـدق‪ ،‬واألمانـة‪ ،‬والتبليـغ‬


‫والنصيحـة‪.‬‬

‫والجائـز عليهم‪ ،‬األوصاف البشريـة التي ال نقص فيها وال تنفيـر؛ كاألمراض‪،‬‬
‫والنوم واألكـل‪ ،‬والشرب والنكاح‪.‬‬

‫وما تلبسوا بـه من األمـور المباحـة ليسـوا فيها كغيرهم؛ إذ هي قربـة في حقهم‪.‬‬

‫ويجب اإليمان بجميع األنبياء والمرسلين والكتب المنزلـة من غير حصـر؛ إذ لم‬
‫يصح عـدد الكتب واألنبياء‪ .‬وما ثبت من الكتب واألنبياء باإلجماع فجاحده كافر‪.‬‬
‫وأن سيدنا ونبينا وموالنا محمدا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬خاتم النبيين والمرسلين‪،‬‬
‫وأنـه أفضل الخلق باإلجماع‪ ،‬مرسـل إلى الجـن واإلنس‪ ،‬وفي المالئكـة خالف‪،‬‬
‫وأن القرآن بالتعبين منـزل عليه‪.‬‬

‫ويجب تصديقهم فيما أخبـروا بـه مـن وجود الجـن وأنـهم مكلَّفون مثابون معاقبون‪،‬‬
‫ومـن وجود المالئكـة‪ ،‬وهم عباد مكرمـون‪ ،‬ال تجوز في حقهم المعصيـة؛‬
‫لعصمتهم‪ ،‬ليسوا بذكـور وال إناث‪ ،‬ومـن بعث الخلق بعد الموت بأجسادهم‪ ،‬التي‬
‫كانوا بـها في الدنيا‪ ،‬للحساب والثواب والعقاب‪ ،‬وكالجنـة والنار وأنهما مخلوقتان‬
‫موجودتان اآلن دائمتان‪ ،‬وكسـؤال الملكيـن في القبـر‪ ،‬لكل مـن يجري عليـه أحكام‬
‫اإلسـالم‪ ،‬ولو منافقا‪ ،‬واختلف في مظهر الكفر‪ ،‬والملكان‪ :‬منكـر ونكيـر‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫يسأل المؤمـن مبشـر وبشيـر‪ .‬وكرؤيـة المؤمنيـن ربّـهم بال تكييف‪ ،‬والحوض‪،‬‬
‫والصـراط‪ ،‬ووزن األعمال بـميزان‪ ،‬وأخـذ صحف األعمال‪ ،‬وشفاعـة الرسـول ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ -‬وسائـر المؤمنيـن‪ .‬ونفوذ الوعيـد في طائفـة مـن المؤمنيـن‬
‫بدخول النار‪ ،‬وعـدم خلـود المؤمنيـن في النار‪.‬‬

‫والمـوت فعل اللـه‪ ،‬وإن وقع عند سبب مـن الخلق‪.‬‬

‫وكل أحـد ميّت بأجلـه المقدور له‪.‬‬

‫ويقبض األرواح «عزرائيـل» بإذن اللـه ‪.‬‬

‫وعلى كل مكلَّف حفظـة من المالئكـة يكتبون األعمال‪.‬‬

‫واألرواح بعـد الموت باقية‪ ،‬وال فناء لـها على الصحيـح‪ ،‬وقيـل‪ :‬تفنى عند القيامـة‪،‬‬
‫ثم ترجع لألجساد‪ ،‬وقبل القيامـة منعمـة أو معذبـة‪.‬‬

‫والكافر مخلَّـد في النار؛ ﴿إن اللـه ال يغفر أن يشرك بـه﴾[ النساء ‪].48:‬‬

‫والمؤمـن العاصي المرتكب للكبائـر في المشيئـة‪ ،‬وال نقطع على معيـن بالنار‪.‬‬

‫وال تحبـــط السيئـة الحسنـة‪ ،‬وال تسقـط الكبيـرة بالحسنـة‪ ،‬بل بفضـل اللــه أو‬
‫بالتوبــة‪ :‬وهي النـدم على المعصيـة من أجل أنـها مبعـدة عـن رضـوان اللـه‬
‫مقربـة مـن سخطـه‪ ،‬وال تتحقـق إال باإلقالع عـن المعصيـة والعـزم على أن ال‬
‫يعود أبدا‪ ،‬ومبـادرة قضاء ما ضيّعـه مـن حقوق اللـه وحقوق العباد‪.‬‬
‫وأعظـم شيء يعيـن عليها‪ :‬مجانبـة خالط السّـوء‪ ،‬وال سيما الذيـن اشترك معهم في‬
‫المعصيـة‪ ،‬ومواالة أبناء اآلخرة مـمن تذكره باهلل رؤيتـه‪ ،‬وتنهض باهلل حالته‬
‫ومخالطته‪ ،‬وهم أولياء اللـه‪ ،‬الذين يخشَعون ويخ ّ‬
‫شِعون‪.‬‬

‫وال يُكفّـر أحـد مـن المؤمنيـن بارتكاب ذنب‪ ،‬إال إذا جحـد ما علم مجيء الرسـول ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ -‬بـه ضـرورة‪ ،‬فاإليمان‪ :‬تصديـق الرسـول فيما أخبـر بـه‬
‫وتكذيبـه كفـر‪.‬‬

‫وال نعيـن أحـدا للجنـة إال األنبياء ومـن شهـد لهم النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪،-‬‬
‫ومـن ذلك األولياء المشاهيـر وأئمـة الملـة الذيـن اجتمعت األمـة على قبولهم‬
‫وتقليدهم‪ ،‬فإجماع األمـة معصـوم‪ ،‬قال ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪( :-‬من أثنيتم عليه‬
‫بخيـر وجبت له الجنـة)[‪].2‬‬

‫والذنوب كبائـر وصغائـر‪ ،‬والصغائـر تُـمحى باجتناب الكبائر وبالحسنات‪.‬‬

‫وال نقول بلزوم الموازنـة بين الحسنات والسيئات‪ ،‬بل العبـد إذا أتى بحسنات أمثال‬
‫الجبال‪ ،‬ولـه مخالفـة واحـدة فهو مرهـون بـها‪ ،‬إما أن يعفـو اللـه عنـه أو يؤاخـذه‬
‫بـها ثم يخرج من النار‪.‬‬

‫وللساعة عالمات أخبـر بـها النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬؛ كخـروج الدجال األعور‬
‫الكذاب‪ ،‬وطلـوع الشمس من مغربـها‪ ،‬وخـروج الدابـة‪ ،‬وظهـور المهـدي‬
‫الفاطمي‪ ،‬من ولـد فاطمـة ‪-‬رضي اللـه عنها‪ ،-‬يـمأل األرض عـدال‪ ،‬ونزول عيسى‬
‫بن مـريم ‪-‬عليه السالم‪ -‬بالشام مجددا لهذه الملة غيـر ناسخ لها‪ ،‬حاكما بكتاب اللـه‬
‫كالخليفة للنبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬مع قيام وصف النبـوءة بـه‪ ،‬فيكسـر الصليب‬
‫ويقتل الخنزيـر‪ ،‬ويبطل الجزيـة فال يقبل إال اإليمان‪.‬‬

‫والصحابي‪ :‬المؤمـن الذي اجتمع مـع النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬وكلهـم عـدول‪،‬‬
‫وهـم أفضـل مـن سائـر البشر بعد النبيئيـن‪ ،‬وأفضلهم‪ :‬أبو بكـر‪ ،‬ثم عمـر‪ ،‬ثم‬
‫عثمان‪ ،‬ثم علي‪ ،‬ثم باقي العشـرة‪ ،‬ثم بعـد ذلك بينهم تفضيل‪.‬‬

‫وأفضـل القـرون قـرن الصحابة‪ ،‬ثم الذيـن بعدهم‪ ،‬ثم الذيـن بعدهم‪ ،‬وهـذه األمـة‬
‫أفضل األمم‪.‬‬

‫فهـذا سـرد عقيـدة أهل اإليـمان‪ ،‬موضوعة لمن أراد تعليمها للنساء والصبيان‪،‬‬
‫مصونة عن ُ‬
‫شبـه أهل الزيغ والخـذالن‪ ،‬خاليـة عن تقريـر الدليل والبرهان‪ ،‬قابلها‬
‫هللا بالقبول والرضـوان‪ ،‬وأتحف عبـده البائس المنكسـر بالعفـو والغفـران‪ ،‬والحمـد‬
‫للـه على توالي الفضـل واالمتنان‪ ،‬وصلى هللا على سيدنا وموالنا محمـد وعلى آلـه‬
‫وأصحابـه والتابعيـن لهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬والحمـد للـه رب العالميـن ‪.‬‬

You might also like