04-09-2022

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 7

‫وكذلك الفيضانات تضرب العامل‬

‫نشر في جريدة اخبار الخليج بتاريخ ‪ 4‬سبتمبر ‪2022‬‬

‫بقلم‪ :‬الدكتور زكريا الخنجي‬

‫بينما كان الجفاف يضرب نصف الكرة األرضية الشمالي‪ ،‬كانت‬


‫الفيضانات واألمطار قد أغرقت نصف الكرة األرضية الجنوبي‪ ،‬فالمراقب‬
‫أو حتى غير المراقب يشاهد كل هذا التفاوت وهذه التغيرات المناخية‬
‫التي تحدث في الكرة األرضية‪ ،‬فأصبح الجميع في حالة من الوجوم‬
‫والترقب‪ ،‬وخاصة بعد تصريحات (نواه ديفنباف)‪ ،‬وهو عالم المناخ‬
‫األمريكي واألستاذ بجامعة ستانفورد‪ ،‬الذي أشار إلى أن ما يشهده العالم‬
‫حاليًا من تقلبات شديدة للمناخ هو مطابق تمامًا لتنبؤات الدراسات التي‬
‫ما فتئت تنشر منذ سنوات عديدة حول عواقب تغير المناخ‪ ،‬وقال بصريح‬
‫العبارة‪" :‬وكل شيء يشير إلى أن هذه الظواهر ستستمر بالتفاقم في‬
‫السنوات القادمة"‪ ،‬مؤكدًا‪" :‬لكن األسوأ لم يأت بعد"‪.‬‬

‫فهل فعالً األسوأ لم يأت بعد ؟ وما األسوأ من هذا الذي يجري في الكرة‬
‫األرضية اليوم ؟ هل سنشهد فيضانا كالفيضان الذي حدث أيام سيدنا‬
‫نوح عليه السالم ؟‬

‫كشف تقرير عن أن كلفة أضرار الفيضانات آخذة في االرتفاع بنسبة ‪26%‬‬


‫في العقود الثالثة المقبلة بسبب التغير المناخي وحده‪ .‬جاء ذلك بحسب‬
‫تحليل خرائط مخاطر الفيضانات الجديدة‪ ،‬الذي شارك في إعداده ‪4‬‬

‫‪1‬‬
‫باحثين من عدّة جامعات‪ ،‬ونشرته شبكة (ذا كونفرسيشن) اإلعالمية‬
‫األسترالية في يوليو ‪.2022‬‬

‫وأفاد التحليل بأن التغير المناخي يزيد من مخاطر الفيضانات في األحياء‬


‫السكنية في جميع أنحاء الواليات المتحدة بوتيرة أسرع بكثير مما يدركه‬
‫كثير من الناس‪ ،‬كما أن المدن الساحلية مثل بورت آرثر بوالية تكساس‬
‫معرّضة لمخاطر الفيضانات المتزايد خالل هبوب العواصف‪ .‬وأوضح أن‬
‫السكان ال يزالون يبنون مساكنهم في مناطق شديدة الخطورة على الرغم‬
‫من الفيضانات المدمرة األخيرة‪ ،‬مشيرًا إلى أن الزيادة في خسائر‬
‫الفيضانات في الواليات المتحدة ستكون أعلى بأربعة أضعاف من تأثير‬
‫المناخ فقط‪ ،‬مع أخذ النمو السكاني في الحسبان‪.‬‬

‫وقد طوّر فريق الباحثين خرائط متطورة لمخاطر الفيضانات الناجمة عن‬
‫التغير المناخي‪ ،‬إذ تظهِر البيانات تقديرات المخاطر المحلية التي من‬
‫المحتمل أن تعرضها المواقع العقارية اإللكترونية‪ .‬وتعرض نتائج‬
‫التحليل التكاليف الباهظة للفيضانات‪ ،‬وتكشف عن عدم المساواة في‬
‫صفوف ضحايا مشكلة الفيضانات المدمرة في أمريكا‪ ،‬وأهمية تغيير‬
‫أنماط التنمية القائمة‪.‬‬

‫في أواخر أغسطس ‪ 2022‬نشر تقرير عن الفيضانات التي عانت منها‬


‫منطقة باكستان‪ ،‬قال التقرير‪:‬‬

‫تسارع الحكومة الباكستانية الزمن إلنقاذ آالف العالقين في مناطق‬


‫معزولة جراء الفيضانات الهائلة التي لم تشهدها البالد منذ ثالثة عقود‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫وتضرر من هذه الفيضانات أكثر من ‪ 33‬مليون شخص‪ ،‬ووصفها رئيس‬
‫الحكومة شهباز شريف بأنها "أسوأ فيضانات في تاريخ باكستان"‪،‬‬
‫أغرقت ثلث مساحة البالد وأودت بحياة ‪ 1191‬شخصًا‪ .‬وأعلنت منظمة‬
‫الصحة العالمية يوم األربعاء (‪ 31‬أغسطس ‪ )2022‬أنها تضع باكستان‬
‫في أعلى مستويات التأهب لديها‪ ،‬مخصصة ‪ 10‬ماليين دوالر من‬
‫صندوق الطوارئ لمساعدتها‪ .‬وذكرت إسالم آباد أنها بحاجة إلى أكثر من‬
‫عشرة مليارات دوالر إلصالح وإعادة بناء البنى التحتية‪ ،‬وخصوصًا‬
‫االتصاالت والطرقات والزراعة‪.‬‬

‫وقال األمين العام لألمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عند إطالقه نداء؛‬
‫للحصول على تبرعات قيمتها ‪ 160‬مليون دوالر لتمويل مساعدات طارئة‪،‬‬
‫إن "باكستان غارقة في المعاناة‪ ،‬الشعب الباكستاني يواجه أمطارًا‬
‫موسمية هائلة"‪ .‬وأعلنت منظمة الصحة العالمية أنها تضع باكستان‬
‫في أعلى مستويات التأهب لديها‪ ،‬مخصصة ‪ 10‬ماليين دوالر من‬
‫صندوق الطوارئ لمساعدتها‪.‬‬

‫وفي أغسطس ‪ 2022‬أيضًا خلفت سيول تسببت بها أمطار غزيرة‬


‫واستثنائية في العاصمة اليمنية صنعاء ومحافظتي حجة ومأرب ‪14‬‬
‫قتيالً على األقل وأصيب عدد آخر وفق مصادر محلية وسكان المناطق‬
‫المتضررة‪ ،‬ليرتفع بذلك إجمالي عدد الضحايا منذ بدء السيول في اليمن‬
‫شهري يوليو وأغسطس إلى ‪ 59‬شخصًا‪ ،‬وهذه السيول الجارفة ناتجة عن‬
‫انخفاض جوي مصدره بحر العرب‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫كما ذكر تقرير صادر عن الوحدة التنفيذية إلدارة مخيمات النازحين أن‬
‫السيول واألمطار التي تهاطلت خالل تلك الفترة تسببت بوفاة ثالثة‬
‫نازحين في محافظة مأرب وإصابة خمسة آخرين‪ ،‬باإلضافة إلى ستة‬
‫نازحين في عداد المفقودين بمحافظة مأرب النفطية الخاضعة لسيطرة‬
‫الحكومة المعترف بها دوليا‪ ،‬بحسب التقرير الرسمي‪.‬‬

‫وتسببت األمطار الغزيرة بأضرار جسيمة لنحو ‪ 500‬منزل أثري في صنعاء‬


‫القديمة المدرجة ضمن قائمة منظمة األمم المتحدة للتربية والعلم‬
‫والثقافة (يونسكو) لمواقع التراث العالمي‪ .‬وتوقفت حركة السيارات‬
‫والمركبات العامة في عدد من الشوارع والتقاطعات الرئيسية واألنفاق‬
‫والجسور التي غمرتها مياه األمطار‪.‬‬

‫وفي أغسطس ‪ 2022‬أيضًا ارتفع عدد الوفيات بسبب الفيضانات التي‬


‫دمرت شرق والية كنتاكي األمريكية إلى ‪ 28‬شخصًا‪ ،‬وأعلن حاكم الوالية‬
‫زيادة نسق عمليات البحث عن ضحايا الفيضانات‪ ،‬وكانت حصيلة‬
‫سابقة – كما أشار التقرير – إلى وجود ‪ 26‬قتيالً‪.‬‬

‫وقال حاكم الوالية آندي بيشير لشبكة (إن بي سي) إن "هذه الفيضانات‬
‫هي من بين األكثر تسببًا للدمار والقتلى التي نشهدها في تاريخنا‪،‬‬
‫واألمطار تهطل في وقت نحاول مواصلة عمليات البحث"‪ ،‬وأضاف‪:‬‬
‫"سنعمل على التوجه من منزل إلى آخر للبحث عن أكبر عدد من األشخاص‪.‬‬
‫وسنعمل حتى تحت المطر ‪.‬لكن الطقس يعقد الوضع"‪ ،‬وقال كذلك‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫"سنعثر على جثث على مدى أسابيع‪ ،‬جرف كثير منها مسافة أمتار‪ ،‬ربما‬
‫على مسافة أكثر من ربع ميل من المكان الذي فقد فيه أصحابها"‪.‬‬

‫وقال بيشير إن الفيضانات "جرفت مناطق لم يكن سكانها في األساس‬


‫يملكون الكثير"‪.‬‬

‫وارتفع منسوب المياه في الفرع الشمالي من نهر كنتاكي في وايتسبرغ‬


‫إلى ‪ 20‬قدمًا في غضون ساعات‪ ،‬وهو أعلى بكثير من المستوى القياسي‬
‫السابق البالغ ‪ 14.7‬قدمًا‪.‬‬

‫وفي يوليو ‪ 2022‬أعلنت إيران ارتفاع حصيلة ضحايا االنهيارات والسيول‬


‫الناجمة عن األمطار الغزيرة إلى ‪ 53‬قتيالً على األقل‪ ،‬وقالت إن نحو ‪16‬‬
‫شخصًا هم في عداد المفقودين‪ .‬وقال مسؤولون إيرانيون إن عمال‬
‫اإلنقاذ واصلوا أعمال البحث عن المفقودين بعد أن تسببت انهيارات‬
‫أرضية وسيول نجمت عن أمطار غزيرة في مقتل ‪ 53‬على األقل‪ .‬وفي‬
‫نفس السياق‪ ،‬صرح مهدي وليبور رئيس عمليات الطوارئ في جمعية‬
‫الهالل األحمر اإليراني للتلفزيون الحكومي بأن هناك حوالي ‪ 16‬شخصًا‬
‫في عداد المفقودين بعد فيضانات على مدى يومين اجتاحت ‪ 100‬بلدة‬
‫و‪ 300‬قرية في ‪ 18‬من أصل ‪ 31‬إقليمًا في البالد‪ ،‬وتم إغالق معظم الطرق‬
‫السريعة‪.‬‬

‫وفي مارس ‪ 2022‬أدت األحوال الجوية السيئة إلى هطول أمطار غزيرة‬
‫على مدار أسبوع في جنوب والية كوينزالند وشمال والية نيو ساوث‬
‫ويلز في سيدني أكثر مدن أستراليا سكانًا‪ ،‬وتسببت في دمار واسع‬

‫‪5‬‬
‫النطاق‪ ،‬ما أدى إلى نزوح اآلالف في الواليتين‪ ،‬وإتالف ممتلكات وطرق‬
‫ونفوق ماشية‪ .‬وقالت الشرطة إن ‪ 17‬شخصًا لقوا حتفهم منذ بدء‬
‫الفيضانات‪ ،‬بينهم امرأة من كوينزالند‪.‬‬

‫وذكر مكتب األرصاد الجوية في نيو ساوث ويلز أن الطقس السيئ قد‬
‫يؤدي إلى جولة أخرى من األمطار الغزيرة ما يزيد من مخاطر حدوث‬
‫فيضانات‪ .‬وأشارت التقارير إلى أنه قد فر عشرات اآلالف من األستراليين‬
‫من منازلهم‪ ،‬وأخلت السلطات أحد المستشفيات‪ ،‬مع تعرض الساحل‬
‫الشرقي للبالد لمزيد من األمطار الغزيرة‪.‬‬

‫ولم تكن دول الخليج العربي بعيدة عن هذه الفيضانات واألمطار الغزيرة‪،‬‬
‫فقد صدر تقرير في يوليو ‪ 2022‬بعنوان (أمطار غزيرة وفيضانات تضرب‬
‫منطقة الخليج في ذروة الصيف)‪ ،‬ذكر فيه أن‪:‬‬

‫في اإلمارات‪ ،‬ضربت سيول شديدة الشارقة والفجيرة ورأس الخيمة شرق‬
‫البالد‪ ،‬وذلك عقب هطول شديدة للمطر‪ ،‬ما تسبب في غرق بعض الطرق‬
‫وانقطاعها‪ .‬وعلى أثر ذلك أعلنت الحكومة اإلماراتية تشكيل لجنة عاجلة‬
‫لحصر األضرار التي تسببت بها السيول في الواليات المذكورة‪ ،‬ووجهت‬
‫بنقل كل األسر المتضررة من األمطار والسيول في المناطق الشرقية‬
‫لإلمارات إلى مواقع إيواء مؤقتة‪.‬‬

‫وشهدت عدة محافظات عمانية هطول أمطار غزيرة خالل أيام‪ ،‬ما أدى‬
‫إلى تشكل سيول جارفة قطعت بعض الطرق في السلطنة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫وفي قطر هطلت أمطار غزيرة على العاصمة الدوحة ومناطق متفرقة من‬
‫البالد‪ ،‬فيما حذرت إدارة األرصاد الجوية في وقت سابق من أمطار رعدية‬
‫متوقعة مصحوبة برياح قوية وأمواج عالية على بعض المناطق في‬
‫عرض البحر‪.‬‬

‫وهذا غيض من فيض‪ ،‬ويستمر المسلسل‪ ،‬وتستمر التغيرات المناخية‬


‫في االقتراب‪.‬‬

‫وعلى الرغم من ذلك فإننا نعلم أن خطورة الفيضانات ال تنحصر في‬


‫تحطيم البنية التحتية للبالد فقط‪ ،‬وإنما باإلضافة إلى ذلك فإنه من‬
‫الطبيعي أن تنتشر بعض األمراض المرتبطة بتراكم المياه‪ ،‬مثل‪ :‬مسببات‬
‫اإلسهال‪ ،‬واألمراض الجلدية‪ ،‬والتهابات الجهاز التنفّسي‪ ،‬والمالريا‪،‬‬
‫وحمى الضنك ‪ ..‬إلخ‪ ،‬وخاصة في البلدان التي تواجه أضرارًا تلحق بالبنية‬
‫التحتية الصحية‪ ،‬ونقص الكوادر الصحية والمعدّات الصحية المحدودة‪.‬‬

‫ومن جانب آخر فإن هذه الكوارث الطبيعية أيضًا تؤثر على البيئة‬
‫الزراعية‪ ،‬فتحطم األراضي الزراعية والمحاصيل واألغذية‪ ،‬وكذلك تقضي‬
‫على المواشي‪ ،‬هذا يعني أن األمن الغذائي سينهار ليس فقط في الدولة‬
‫المنتجة فحسب وإنما في كل الدول التي تعتمد في غذائها على‬
‫االستيراد من تلك الدول‪.‬‬

‫واآلن وبعد كل تلك الكوارث الطبيعية التي حدثت في هذه السنة فقط‪،‬‬
‫هل سنعيد التفكير نحن في دول الخليج العربي في أساسيات الحياة‬
‫وخاصة فيما يخص األمن الغذائي والماء الصالح للشرب ؟‬

‫‪7‬‬

You might also like