علامات قبول الطاعة

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 5

‫‪http://www.saaid.net/Doat/ameer/55.

htm‬‬

‫عالمات قبول الطاعة‬

‫أمير بن محمد المدري‬


‫إمام وخطيب مسجد اإليمان – اليمن‬

‫‪ ‬‬
‫الحمد هلل وكفى وصالًة وسالمًا على عبده المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اقتفى‪..‬‬
‫وبعد‪.‬‬
‫بعد كل طاعة وعبادة سواًء كانت عمرة ‪ ،‬حج ‪ ،‬صيام – صالة – صدقة‪،‬أي عمل صالح كلنا يردد هتاف‬
‫علي رضي اهلل عنه يقول‪( :‬ليت شعري‪ ،‬من المقبول فنهنيه‪ ،‬ومن المحروم فنعزيه)‪.‬‬
‫وبعد كل طاعة نردد أيضًا قول ابن مسعود رضي اهلل عنه ‪( :‬أيها المقبول هنيًئ ا لك‪ ،‬أيها المردود جبر اهلل‬
‫مصيبتك)‪.‬‬
‫ولقد قال علّي رضي اهلل عنه‪( :‬ال تهتّم وا لِق ّلة العمل‪ ،‬واهتّم وا للَق بول)‪ ،‬ألم تسمعوا اهلل عز وجل يقول ‪) :‬‬
‫ِإ َّن َم ا َي َت َق َّب ُل اُهّلل ِم َن اْلُم َّت ِق يَن (( المائدة‪.)27:‬‬
‫أخي الحبيب‪:‬‬
‫ال تكن مثل بعض المسلمين‪،‬الذين ليسوا حريصين على قبول طاعاتهم ‪ ،‬فإن التوفيق للعمل الصالح نعمة‬
‫كبرى‪ ،‬ولكنها ال تتم إال بنعمة أخرى أعظم منها‪ ،‬وهي نعمة القبول‪.‬‬
‫وإذا علم العبد أن كثيرًا من األعمال ترد على صاحبها ألسباب كثيرة كان أهم ما يهمه معرفة أسباب‬
‫القبول ‪ ،‬فإذا وجدها في نفسه فليحمد اهلل ‪ ،‬وليعمل على الثبات على االستمرار عليها ‪ ،‬وإن لم يجدها‬
‫فليكن أول اهتمامه من اآلن‪ :‬العمل بها بجد وإخالص هلل تعالى‪.‬‬


‫فما هي أساب القبول أو ما هي عالمات المقبولين ‪:‬‬


‫‪ -1‬عدم الرجوع إلى الذنب بعد الطاعة‪:‬‬
‫فإن الرجوع إلى الذنب عالمة مقت وخسران ‪ ,‬قال يحي بن معاذ ‪ ":‬من استغفر بلسانه وقلبه على‬
‫المعصية معقود ‪ ,‬وعزمه أن يرجع إلى المعصية بعد الشهر ويعود ‪ ,‬فصومه عليه مردود ‪ ,‬وباب القبول في‬
‫وجهه مسدود "‪.‬‬
‫إن كثيرا من الناس يتوب وهو دائم القول‪ :‬إنني أعلم بأني سأعود‪ ..‬ال تقل مثله‪ ..‬ولكن قل ‪ :‬إن شاء اهلل‬
‫لن أعود " تحقيقا ال تعليقا"‪ ..‬واستعن باهلل واعزم على عدم العودة‪..‬‬


‫‪ -2‬الوجل من عدم قبول العمل‪:‬‬
‫فاهلل غني عن طاعاتنا وعباداتنا‪ ،‬قال عز وجل ـ‪:‬‬
‫(َو َم ن َي ْش ُكْر َف إَّن َم ا َي ْش ُكُر ِل َن ْف ِس ِه َو َم ن َكَف َر َف إَّن اَهَّلل َغ ِن ٌّي َح ِم يٌد ) [لقمان‪ ،]12 :‬وقال تعالى ـ‪:‬‬
‫(إن َتْكُف ُر وا َف إَّن اَهَّلل َغ ِن ٌّي َع نُكْم َو ال َي ْر َض ى ِلِع َب اِد ِه اْلُكْف َر َو إن َت ْش ُكُر وا َي ْر َض ُه َلُكْم ) [الزمر‪، ]7 :‬والمؤمن مع‬
‫شدة إقباله على الطاعات‪ ،‬والتقرب إلى اهلل بأنواع القربات؛ إال أنه مشفق على نفسه أشد اإلشفاق‪ ،‬يخشى‬
‫أن ُي حرم من القبول‪ ،‬فعن عائشة ـ رضي اهلل عنها ـ قالت‪ :‬سألت رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬عن‬
‫هذه اآلية‪َ(
:‬و اَّلِذ يَن ُي ْؤ ُت وَن َم ا آَت ْو ا َّو ُق ُلوُب ُه ْم َو ِج َلٌة ) [المؤمنون‪]60 :‬‬
‫أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟! قال‪( :‬ال يا ابنة الصديق! ولكنهم الذين يصومون ويصّلون‬
‫ويتصدقون‪ ،‬وهم يخافون أن ال يقبل منهم‪ ،‬أولئك الذين يسارعون في الخيرات)‪.‬‬
‫فعلى الرغم من حرصه على أداء هذه العبادات الجليالت فإنه ال يركن إلى جهده‪ ،‬وال يدل بها على ربه‪ ،‬بل‬
‫يزدري أعماله‪ ،‬ويظهر االفتقار التام لعفو اهلل ورحمته‪ ،‬ويمتلئ قلبه مهابة ووجًال‪ ،‬يخشى أن ترد أعماله‬
‫عليه‪ ،‬والعياذ باهلل‪ ،‬ويرفع أكف الضراعة ملتجئ إلى اهلل يسأله أن يتقبل منه‪.‬‬


‫‪ -3‬التوفيق إلى أعمال صالحة بعدها‪:‬‬
‫إن عالمة قبول الطاعة أن يوفق العبد لطاعة بعدها‪ ،‬وإن من عالمات قبول الحسنة‪ :‬فعل الحسنة بعدها‪،‬‬
‫فإن الحسنة تقول‪ :‬أختي أختي‪ .‬وهذا من رحمة اهلل تبارك وتعالى وفضله؛ أنه يكرم عبده إذا فعل حسنة‪،‬‬
‫وأخلص فيها هلل أنه يفتح له بابًا إلى حسنة أخرى؛ ليزيده منه قربًا‪.‬‬
‫فالعمل الصالح شجرة طيبة‪ ،‬تحتاج إلى سقاية ورعاية‪ ،‬حتى تنمو وتثبت‪ ،‬وتؤتي ثمارها‪،‬وإن أهم قضية‬
‫نحتاجها أن نتعاهد أعمالنا الصالحة التي كنا نعملها‪ ،‬فنحافظ عليها‪ ،‬ونزيد عليها شيئًا فشيئًا‪ .‬وهذه هي‬
‫االستقامة التي تقدم الحديث عنها‪.‬‬


‫‪ -4‬استصغار العمل وعدم العجب والغرور به ‪:‬‬
‫إن العبد المؤمن مهما عمل وقَّد م من إعماٍل صالحة ‪,‬فإن عمله كله ال يؤدي شكر نعمة من النعم التي في‬
‫جسده من سمع أو بصر أو نطق أو غيرها‪ ،‬وال يقوم بشيء من حق اهلل تبارك وتعالى‪ ،‬فإن حقه فوق‬
‫الوصف‪ ،‬ولذلك كان من صفات المخلصين أنهم يستصغرون أعمالهم‪ ،‬وال يرونها شيئًا‪ ،‬حتى ال يعجبوا بها‪،‬‬
‫وال يصيبهم الغرور فيحبط أجرهم‪ ،‬ويكسلوا عن األعمال الصالحة‪ .‬ومما يعين على استصغار العمل‪:‬معرفة‬
‫اهلل تعالى‪ ،‬ورؤية نعمه‪ ،‬وتذكر الذنوب والتقصير‪.‬‬
‫ولنتأمل كيف أن اهلل تعالى يوصي نبيه بذلك بعد أن أمره بأمور عظام فقال تعالى‪:‬‬
‫( يا أيها المدثر‪ .‬قم فأنذر‪ .‬وربك فكبر‪ .‬وثيابك فطهر‪ .‬والرجز فاهجر‪ .‬والتمنن تستكثر)‪ .‬فمن معاني اآلية‬
‫ما قاله الحسن البصري‪ :‬التمنن بعملك على ربك تستكثره‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن القيم‪« :‬كلما شهدت حقيقة الربوبية وحقيقة العبودية‪ ،‬وعرفت اهلل‪ ،‬وعرفت النفس‪ ،‬وتبَّي ن‬
‫لك أَّن ما معك من البضاعة ال يصلح للملك الحق‪ ،‬ولو جئت بعمل الثقلين؛ خشيت عاقبته‪ ،‬وإنما يقبله‬
‫بكرمه وجوده وتفضله‪ ،‬ويثيبك عليه أيضًا بكرمه وجوده وتفضله" مدارج السالكين‪.)439/2( ،‬‬


‫‪ -5‬حب الطاعة وكره المعصية‪:‬‬
‫من عالمات القبول ‪ ،‬أن يحبب اهلل في قلبك الطاعة ‪,‬فتحبها وتأنس بها وتطمئن إليها قال تعالى‪:‬‬
‫(اَّلِذ يَن آَم ُنوْا َو َت ْط َم ِئُّن ُق ُلوُب ُه م ِب ِذ ْكِر اِهّلل َأ َال ِب ِذ ْكِر اِهّلل َت ْط َم ِئُّن اْلُق ُلوُب )الرعد‪28‬‬
‫ومن عالمات القبول أن تكره المعصية والقرب منها وتدعو اهلل أن ُي بعدك عنها قائًال‪:‬‬
‫اللهم حبب إلَّي اإليمان وزينه في قلبي وكَّر ه إلَّي الكفر والفسوق والعصيان واجعلني من الراشدين‪.‬‬


‫‪ -6‬الرجاء وكثرة الدعاء‪:‬‬
‫إن الخوف من اهلل ال يكفي‪ ،‬إذ البد من نظيره وهو الرجاء‪ ،‬ألن الخوف بال رجاء يسبب القنوط واليأس‪،‬‬
‫والرجاء بال خوف يسبب األمن من مكر اهلل‪ ،‬وكلها أمور مذمومة تقدح في عقيدة اإلنسان وعبادته‪.‬‬
‫ورجاء قبول العمل‪ -‬مع الخوف من رده يورث اإلنسان تواضعًا وخشوعًا هلل تعالى‪ ،‬فيزيد إيمانه ‪ .‬وعندما‬
‫يتحقق الرجاء فإن اإلنسان يرفع يديه سائًال اهلل قبول عمله؛ فإنه وحده القادر على ذلك‪ ،‬وهذا ما فعله‬
‫أبونا إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل عليهما الصالة والسالم‪ ،‬كما حكى اهلل عنهم في بنائهم الكعبة‬
‫فقال‪:‬‬
‫( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم)( البقرة‪.)127:‬‬


‫‪ -7‬التيسير للطاعة واإلبعاد عن المعصية ‪:‬‬
‫سبحان اهلل إذا قبل اهلل منك الطاعة يَّس ر لك أخرى لم تكن في الحسبان ‪,‬بل وأبعدك عن معاصيه ولو‬
‫اقتربت منها ‪.‬‬
‫قال تعالى‪َ(
:‬ف َأ َّم ا َم ن َأ ْع َط ى َو اَّتَق ى{‪َ }5‬و َص َّد َق ِب اْلُح ْس َنى{‪َ }6‬ف َس ُن َي ِّس ُر ُه ِل ْلُي ْس َر ى{‪َ }7‬و َأ َّم ا َم ن َبِخ َل‬

‫َو اْس َت ْغ َنى{‪َ }8‬و َكَّذ َب ِب اْلُح ْس َنى{‪َ }9‬ف َس ُن َي ِّس ُر ُه ِل ْلُع ْس َر ى{‪ 10-4)}10‬الليل‬


‫‪ -8‬حب الصالحين وبغض أهل المعاصي ‪:‬‬
‫من عالمات قبول الطاعة أن ُي حبب اهلل إلى قلبك الصالحين أهل الطاعة ويبغض إلى قلبك الفاسدين أهل‬
‫المعاصي ‪،‬و لقد روى اإلمام أحمد عن البراء بن عازب رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫قال‪(( :‬إن أوثق عرى اإليمان أن تحب في اهلل وتبغض في اهلل))‪
.‬‬
‫أخي الحبيب‪:‬‬
‫قل لي من تحب من تجالس من تود أقل لك من أنت ‪,‬وهلل در عطاء اهلل السكندري حين قال ‪(:‬إذا أردت‬
‫أن تعرف مقامك عند اهلل فانظر أين أقامك) ‪.‬‬
‫والواجب أن يكون حبنا وبغضنا‪ ،‬وعطاؤنا ومنعنا‪ ،‬وفعلنا وتركنا هلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬ال شريك له‪،‬‬
‫ممتثلين قوله‪ ،‬صلى اهلل عليه وسلم " من أحب هلل‪ ،‬وأبغض هلل‪ ،‬وأعطى هلل‪ ،‬ومنع اهلل‪ ،‬فقد استكمل‬
‫اإليمان " رواه أحمد عن معاذ بن أنس وغيره‪..‬‬


‫‪ -9‬كثرة االستغفار‪:‬‬
‫المتأمل في كثير من العبادات والطاعات مطلوٌب أن يختمها العبد باالستغفار‪،‬فإنه مهما حرص اإلنسان‬
‫على تكميل عمله فإنه البد من النقص والتقصير‪ ، ،‬فبعد أن يؤدي العبد مناسك الحج قال تعالى‪:‬‬
‫(ُث َّم َأ ِف يُض وْا ِم ْن َح ْي ُث َأَف اَض الَّناُس َو اْس َت ْغ ِف ُر وْا اَهّلل ِإ َّن اَهّلل َغ ُف وٌر َّر ِح يٌم ) ( البقرة‪.)199:‬‬
‫وبعد الصالة عَّلمنا النبي صلى اهلل عليه وسلم أن نستغفر اهلل ثالثًا ‪ ،‬وأهل القيام بعد قيامهم وابتهالهم‬
‫يختمون ذلك باالستغفار في األسحار‪،‬قال تعالى‪:‬‬
‫(َو ِب اَأْلْس َح اِر ُه ْم َي ْس َت ْغ ِف ُر وَن )الذاريات‪ ، 18‬وأوصى اهلل نبيه صلى اهلل عليه وسلم بقول (َف اْع َلْم َأ َّن ُه اَل ِإ َلَه‬
‫ِإ اَّل اُهَّلل َو اْس َت ْغ ِف ْر ِل َذ نِب َك َو ِل ْلُم ْؤ ِم ِن يَن َو اْلُم ْؤ ِم َناِت ) محمد‪19‬‬
‫وأمره أيضًا أن يختم حياته العامرة بعبادة اهلل والجهاد في سبيله باالستغفار فقال‪:‬‬
‫(ِإ َذ ا َج اء َن ْص ُر اِهَّلل َو اْلَف ْت ُح {‪َ }1‬و َر َأ ْي َت الَّناَس َي ْد ُخ ُلوَن ِف ي ِد يِن اِهَّلل َأْف َو اجًا{‪َ }2‬ف َس ِّب ْح ِب َح ْم ِد َر ِّب َك َو اْس َت ْغ ِف ْر ُه‬
‫ِإ َّن ُه َكاَن َت َّو ابًا{‪)}3‬النصر‬
‫فكان يقول صلى اهلل عليه وسلم في ركوعه وسجوده‪ ( :‬سبحانك اللهم ربنا وبحمدك‪ ،‬اللهم اغفر لي) رواه‬
‫البخاري‪.‬‬


‫‪ -10‬المداومة على األعمال الصالحة‪:‬‬
‫كان هدي النبي صلى اهلل عليه وسلم المداومة على األعمال الصالحة‪ ،‬فعن عائشة‪ -‬رضي اهلل عنها ‪-‬‬
‫قالت‪( :‬كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إذا عمل عمًال أثبته) رواه مسلم‪.‬‬
‫و أحب األعمال إلى اهلل وإلى رسوله أدومها وإن قَّلت قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬أحب‬
‫األعمال إلى اهلل أدومها وإن قل)‪ .‬متفق عليه‪.‬‬
‫وبشرى لمن داوم على عمل صالح‪ ،‬ثم انقطع عنه بسبب مرض أو سفر أو نوم كتب له أجر ذلك العمل‪.‬‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا‬

‫صحيحًا) رواه البخاري ‪ ،‬و هذا في حق من كان يعمل طاعة فحصل له ما يمنعه منها‪ ،‬وكانت نيته أن‬
‫يداوم عليها‪ .‬وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪ (:‬ما من امرئ تكون له صالة بليل فغلبه عليها نوم إال كتب اهلل‬
‫له أجر صالته‪ ،‬وكان نومه صدقة عليه)‪ .‬أخرجه النسائي‪.‬‬


‫أسأل اهلل جل وتعالى أن يجعلني وإياكم وجميع إخواننا المسلمين من المقبولين‪ ،‬ممن تقبل اهلل صيامهم‬
‫وقيامهم وحجهم وجميع طاعاتهم وكانوا من عتقائه من النار‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫أمير المدري‬
‫كتب وبحوث‬
‫مقاالت ورسائل‬
‫خطب من القرآن‬
‫الخطب المنبرية‬
‫الصفحة‬
‫الرئيسية‬

You might also like