Professional Documents
Culture Documents
علامات قبول الطاعة
علامات قبول الطاعة
علامات قبول الطاعة
htm
الحمد هلل وكفى وصالًة وسالمًا على عبده المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اقتفى..
وبعد.
بعد كل طاعة وعبادة سواًء كانت عمرة ،حج ،صيام – صالة – صدقة،أي عمل صالح كلنا يردد هتاف
علي رضي اهلل عنه يقول( :ليت شعري ،من المقبول فنهنيه ،ومن المحروم فنعزيه).
وبعد كل طاعة نردد أيضًا قول ابن مسعود رضي اهلل عنه ( :أيها المقبول هنيًئ ا لك ،أيها المردود جبر اهلل
مصيبتك).
ولقد قال علّي رضي اهلل عنه( :ال تهتّم وا لِق ّلة العمل ،واهتّم وا للَق بول) ،ألم تسمعوا اهلل عز وجل يقول ) :
ِإ َّن َم ا َي َت َق َّب ُل اُهّلل ِم َن اْلُم َّت ِق يَن (( المائدة.)27:
أخي الحبيب:
ال تكن مثل بعض المسلمين،الذين ليسوا حريصين على قبول طاعاتهم ،فإن التوفيق للعمل الصالح نعمة
كبرى ،ولكنها ال تتم إال بنعمة أخرى أعظم منها ،وهي نعمة القبول.
وإذا علم العبد أن كثيرًا من األعمال ترد على صاحبها ألسباب كثيرة كان أهم ما يهمه معرفة أسباب
القبول ،فإذا وجدها في نفسه فليحمد اهلل ،وليعمل على الثبات على االستمرار عليها ،وإن لم يجدها
فليكن أول اهتمامه من اآلن :العمل بها بجد وإخالص هلل تعالى.
فما هي أساب القبول أو ما هي عالمات المقبولين :
-1عدم الرجوع إلى الذنب بعد الطاعة:
فإن الرجوع إلى الذنب عالمة مقت وخسران ,قال يحي بن معاذ ":من استغفر بلسانه وقلبه على
المعصية معقود ,وعزمه أن يرجع إلى المعصية بعد الشهر ويعود ,فصومه عليه مردود ,وباب القبول في
وجهه مسدود ".
إن كثيرا من الناس يتوب وهو دائم القول :إنني أعلم بأني سأعود ..ال تقل مثله ..ولكن قل :إن شاء اهلل
لن أعود " تحقيقا ال تعليقا" ..واستعن باهلل واعزم على عدم العودة..
-2الوجل من عدم قبول العمل:
فاهلل غني عن طاعاتنا وعباداتنا ،قال عز وجل ـ:
(َو َم ن َي ْش ُكْر َف إَّن َم ا َي ْش ُكُر ِل َن ْف ِس ِه َو َم ن َكَف َر َف إَّن اَهَّلل َغ ِن ٌّي َح ِم يٌد ) [لقمان ،]12 :وقال تعالى ـ:
(إن َتْكُف ُر وا َف إَّن اَهَّلل َغ ِن ٌّي َع نُكْم َو ال َي ْر َض ى ِلِع َب اِد ِه اْلُكْف َر َو إن َت ْش ُكُر وا َي ْر َض ُه َلُكْم ) [الزمر، ]7 :والمؤمن مع
شدة إقباله على الطاعات ،والتقرب إلى اهلل بأنواع القربات؛ إال أنه مشفق على نفسه أشد اإلشفاق ،يخشى
أن ُي حرم من القبول ،فعن عائشة ـ رضي اهلل عنها ـ قالت :سألت رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -عن
هذه اآليةَ(
:و اَّلِذ يَن ُي ْؤ ُت وَن َم ا آَت ْو ا َّو ُق ُلوُب ُه ْم َو ِج َلٌة ) [المؤمنون]60 :
أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟! قال( :ال يا ابنة الصديق! ولكنهم الذين يصومون ويصّلون
ويتصدقون ،وهم يخافون أن ال يقبل منهم ،أولئك الذين يسارعون في الخيرات).
فعلى الرغم من حرصه على أداء هذه العبادات الجليالت فإنه ال يركن إلى جهده ،وال يدل بها على ربه ،بل
يزدري أعماله ،ويظهر االفتقار التام لعفو اهلل ورحمته ،ويمتلئ قلبه مهابة ووجًال ،يخشى أن ترد أعماله
عليه ،والعياذ باهلل ،ويرفع أكف الضراعة ملتجئ إلى اهلل يسأله أن يتقبل منه.
-3التوفيق إلى أعمال صالحة بعدها:
إن عالمة قبول الطاعة أن يوفق العبد لطاعة بعدها ،وإن من عالمات قبول الحسنة :فعل الحسنة بعدها،
فإن الحسنة تقول :أختي أختي .وهذا من رحمة اهلل تبارك وتعالى وفضله؛ أنه يكرم عبده إذا فعل حسنة،
وأخلص فيها هلل أنه يفتح له بابًا إلى حسنة أخرى؛ ليزيده منه قربًا.
فالعمل الصالح شجرة طيبة ،تحتاج إلى سقاية ورعاية ،حتى تنمو وتثبت ،وتؤتي ثمارها،وإن أهم قضية
نحتاجها أن نتعاهد أعمالنا الصالحة التي كنا نعملها ،فنحافظ عليها ،ونزيد عليها شيئًا فشيئًا .وهذه هي
االستقامة التي تقدم الحديث عنها.
-4استصغار العمل وعدم العجب والغرور به :
إن العبد المؤمن مهما عمل وقَّد م من إعماٍل صالحة ,فإن عمله كله ال يؤدي شكر نعمة من النعم التي في
جسده من سمع أو بصر أو نطق أو غيرها ،وال يقوم بشيء من حق اهلل تبارك وتعالى ،فإن حقه فوق
الوصف ،ولذلك كان من صفات المخلصين أنهم يستصغرون أعمالهم ،وال يرونها شيئًا ،حتى ال يعجبوا بها،
وال يصيبهم الغرور فيحبط أجرهم ،ويكسلوا عن األعمال الصالحة .ومما يعين على استصغار العمل:معرفة
اهلل تعالى ،ورؤية نعمه ،وتذكر الذنوب والتقصير.
ولنتأمل كيف أن اهلل تعالى يوصي نبيه بذلك بعد أن أمره بأمور عظام فقال تعالى:
( يا أيها المدثر .قم فأنذر .وربك فكبر .وثيابك فطهر .والرجز فاهجر .والتمنن تستكثر) .فمن معاني اآلية
ما قاله الحسن البصري :التمنن بعملك على ربك تستكثره.
قال اإلمام ابن القيم« :كلما شهدت حقيقة الربوبية وحقيقة العبودية ،وعرفت اهلل ،وعرفت النفس ،وتبَّي ن
لك أَّن ما معك من البضاعة ال يصلح للملك الحق ،ولو جئت بعمل الثقلين؛ خشيت عاقبته ،وإنما يقبله
بكرمه وجوده وتفضله ،ويثيبك عليه أيضًا بكرمه وجوده وتفضله" مدارج السالكين.)439/2( ،
-5حب الطاعة وكره المعصية:
من عالمات القبول ،أن يحبب اهلل في قلبك الطاعة ,فتحبها وتأنس بها وتطمئن إليها قال تعالى:
(اَّلِذ يَن آَم ُنوْا َو َت ْط َم ِئُّن ُق ُلوُب ُه م ِب ِذ ْكِر اِهّلل َأ َال ِب ِذ ْكِر اِهّلل َت ْط َم ِئُّن اْلُق ُلوُب )الرعد28
ومن عالمات القبول أن تكره المعصية والقرب منها وتدعو اهلل أن ُي بعدك عنها قائًال:
اللهم حبب إلَّي اإليمان وزينه في قلبي وكَّر ه إلَّي الكفر والفسوق والعصيان واجعلني من الراشدين.
-6الرجاء وكثرة الدعاء:
إن الخوف من اهلل ال يكفي ،إذ البد من نظيره وهو الرجاء ،ألن الخوف بال رجاء يسبب القنوط واليأس،
والرجاء بال خوف يسبب األمن من مكر اهلل ،وكلها أمور مذمومة تقدح في عقيدة اإلنسان وعبادته.
ورجاء قبول العمل -مع الخوف من رده يورث اإلنسان تواضعًا وخشوعًا هلل تعالى ،فيزيد إيمانه .وعندما
يتحقق الرجاء فإن اإلنسان يرفع يديه سائًال اهلل قبول عمله؛ فإنه وحده القادر على ذلك ،وهذا ما فعله
أبونا إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل عليهما الصالة والسالم ،كما حكى اهلل عنهم في بنائهم الكعبة
فقال:
( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم)( البقرة.)127:
-7التيسير للطاعة واإلبعاد عن المعصية :
سبحان اهلل إذا قبل اهلل منك الطاعة يَّس ر لك أخرى لم تكن في الحسبان ,بل وأبعدك عن معاصيه ولو
اقتربت منها .
قال تعالىَ(
:ف َأ َّم ا َم ن َأ ْع َط ى َو اَّتَق ى{َ }5و َص َّد َق ِب اْلُح ْس َنى{َ }6ف َس ُن َي ِّس ُر ُه ِل ْلُي ْس َر ى{َ }7و َأ َّم ا َم ن َبِخ َل
َو اْس َت ْغ َنى{َ }8و َكَّذ َب ِب اْلُح ْس َنى{َ }9ف َس ُن َي ِّس ُر ُه ِل ْلُع ْس َر ى{ 10-4)}10الليل
-8حب الصالحين وبغض أهل المعاصي :
من عالمات قبول الطاعة أن ُي حبب اهلل إلى قلبك الصالحين أهل الطاعة ويبغض إلى قلبك الفاسدين أهل
المعاصي ،و لقد روى اإلمام أحمد عن البراء بن عازب رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
قال(( :إن أوثق عرى اإليمان أن تحب في اهلل وتبغض في اهلل))
.
أخي الحبيب:
قل لي من تحب من تجالس من تود أقل لك من أنت ,وهلل در عطاء اهلل السكندري حين قال (:إذا أردت
أن تعرف مقامك عند اهلل فانظر أين أقامك) .
والواجب أن يكون حبنا وبغضنا ،وعطاؤنا ومنعنا ،وفعلنا وتركنا هلل -سبحانه وتعالى -ال شريك له،
ممتثلين قوله ،صلى اهلل عليه وسلم " من أحب هلل ،وأبغض هلل ،وأعطى هلل ،ومنع اهلل ،فقد استكمل
اإليمان " رواه أحمد عن معاذ بن أنس وغيره..
-9كثرة االستغفار:
المتأمل في كثير من العبادات والطاعات مطلوٌب أن يختمها العبد باالستغفار،فإنه مهما حرص اإلنسان
على تكميل عمله فإنه البد من النقص والتقصير ، ،فبعد أن يؤدي العبد مناسك الحج قال تعالى:
(ُث َّم َأ ِف يُض وْا ِم ْن َح ْي ُث َأَف اَض الَّناُس َو اْس َت ْغ ِف ُر وْا اَهّلل ِإ َّن اَهّلل َغ ُف وٌر َّر ِح يٌم ) ( البقرة.)199:
وبعد الصالة عَّلمنا النبي صلى اهلل عليه وسلم أن نستغفر اهلل ثالثًا ،وأهل القيام بعد قيامهم وابتهالهم
يختمون ذلك باالستغفار في األسحار،قال تعالى:
(َو ِب اَأْلْس َح اِر ُه ْم َي ْس َت ْغ ِف ُر وَن )الذاريات ، 18وأوصى اهلل نبيه صلى اهلل عليه وسلم بقول (َف اْع َلْم َأ َّن ُه اَل ِإ َلَه
ِإ اَّل اُهَّلل َو اْس َت ْغ ِف ْر ِل َذ نِب َك َو ِل ْلُم ْؤ ِم ِن يَن َو اْلُم ْؤ ِم َناِت ) محمد19
وأمره أيضًا أن يختم حياته العامرة بعبادة اهلل والجهاد في سبيله باالستغفار فقال:
(ِإ َذ ا َج اء َن ْص ُر اِهَّلل َو اْلَف ْت ُح {َ }1و َر َأ ْي َت الَّناَس َي ْد ُخ ُلوَن ِف ي ِد يِن اِهَّلل َأْف َو اجًا{َ }2ف َس ِّب ْح ِب َح ْم ِد َر ِّب َك َو اْس َت ْغ ِف ْر ُه
ِإ َّن ُه َكاَن َت َّو ابًا{)}3النصر
فكان يقول صلى اهلل عليه وسلم في ركوعه وسجوده ( :سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ،اللهم اغفر لي) رواه
البخاري.
-10المداومة على األعمال الصالحة:
كان هدي النبي صلى اهلل عليه وسلم المداومة على األعمال الصالحة ،فعن عائشة -رضي اهلل عنها -
قالت( :كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إذا عمل عمًال أثبته) رواه مسلم.
و أحب األعمال إلى اهلل وإلى رسوله أدومها وإن قَّلت قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ( :أحب
األعمال إلى اهلل أدومها وإن قل) .متفق عليه.
وبشرى لمن داوم على عمل صالح ،ثم انقطع عنه بسبب مرض أو سفر أو نوم كتب له أجر ذلك العمل.
قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ( :إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا
صحيحًا) رواه البخاري ،و هذا في حق من كان يعمل طاعة فحصل له ما يمنعه منها ،وكانت نيته أن
يداوم عليها .وقال صلى اهلل عليه وسلم (:ما من امرئ تكون له صالة بليل فغلبه عليها نوم إال كتب اهلل
له أجر صالته ،وكان نومه صدقة عليه) .أخرجه النسائي.
أسأل اهلل جل وتعالى أن يجعلني وإياكم وجميع إخواننا المسلمين من المقبولين ،ممن تقبل اهلل صيامهم
وقيامهم وحجهم وجميع طاعاتهم وكانوا من عتقائه من النار.
أمير المدري
كتب وبحوث
مقاالت ورسائل
خطب من القرآن
الخطب المنبرية
الصفحة
الرئيسية