Professional Documents
Culture Documents
معيار العلم بين كارل بوبر والوضعية المنطقية
معيار العلم بين كارل بوبر والوضعية المنطقية
رشيـدة عبـة/بقلم أ
Résumé :
Le présent article a pour objet, la démarcation entre la science véritable et les pseudo-
sciences, ou ce que nous appelons « Le problème de la démarcation ». Deux grands
courants épistémologiques proposent des solutions à ce problème, le premier est celui du
« Positivisme logique » avec son critère de vérifiabilité ; le second est celui de « Karl
Raimund Popper » avec son critère de Falsifiabilité. Nous tentons dans cet article,
d’apporter une réponse à la question suivante : Quelle est la relation entre les deux
critères ? Est-elle uneSymétrie ou Asymétrie ? .
ال صورة أخرى لمعيار المعنى ،حيث صرح أن بوبر اقترح التّكذيب ال
التّكذيب ما هو إ ّ
في كتابه )(William James Earle التّحقيق معيا ار للمعنى( .)1كما صرح أيضا وليام جيمس إيرل
قائال...'' :فإن كثي ار من محبي ( introduction to philosophy الموسوم :مدخل إلى الفلسفة (
مبدأ التحقق قد استبدلوا به مبدأ التّكذيب )إمكان التّكذيب .)2( ''( falsifiability
هو اآلخر الذي قام بنقد كارل بوبر معتقدا أنه اعتبر أن )(Jarrosson Bruno جرسون برونو
كل القضايا التي ال تحمل إمكانية لتكذيبها ستكون قضايا ال معنى لها ،في حين توجد قضايا
لها معنى ولكنها غير قابلة للتكذيب(.)3
وهنا نتساءل هل حقا معيار بوبر في التمييز بين العلم والالّعلم هو مجرد صياغة أخرى
لمعيار الوضعية المنطقية ،وبالتالي ،يكون إمتدادا له ،أم أن الالّتماثل هو ما يحكم العالقة
بين المعيارين ؟.
ُيعد التّساؤل حول المعيار الذي يحدد العبارات التي تنتمي إلى العلم التّجريبي والتي ال
من أهم اإلشكاليات ()Problème de la Démarcation تنتمي إليه هو ما يعرف بإشكالية التّمييز
االيبستيمولوجية المعاصرة ،حيث دخل الخطاب العلمي في القرن العشرين مرحلة جديدة
النفس مثال انفرد بنظريات التحليل النفسي وعلم الفيزياء
تميزت بالتغيير واالنفصال ،فعلم ّ
النسبية الخاصة و العامة والرياضيات بنظريات الالّأوقليدية ،وهو األمر الذي دفع
بنظريات ّ
التمييز بين النظريات العلمية والنظريات
ّ بعض فالسفة العلم إلى االهتمام بالبحث عن معيار
العلمية ،ولقد شاهدت جامعة فيينا في مطلع القرن العشرين ميالد حركة فلسفية أطلق عليهاال ّ
ألول مرة عام 1929اسم " حلقة فيينا " أو " نادي فيينا " ) (Cercle de Vienneوالتي ُعرفت
Empirismes تطورها بعدة أسماء منها :التّجريبية العلمية أو التّجريبية المنطقية (
خالل ّ
( .)Positivismes logiques الوضعية المنطقية ()Néo-Positivismes الوضعية الجديدة ،)logiques
كالرياضيات ،الفيزياء ،وعلم
وذلك إثـر انعقاد ندوة حضرها بعض العلماء في مختلف الفروع ّ
الذي تولى كرسي (- )1936 - 1882( )Moritz Schlick االجتماع برئاسة الفيزيائي موريتز شليك
الفلسفة في جامعة فيينا عام -1922لمناقشة بعض اإلشكاليات الفلسفية ،مثل :وحدة العلم
( ،)unité de la scienceالسببية ( ،)Causalitéاالستقراء واالحتمال ( ،)Induction et probabilitéمشكلـة
التّمييز بين العلـم والميتافيزيقـا ( .) problème de la démarcationو كانت هذه الحركة متأثرة
- 1848( Gottlob Freg حينذاك بالتيار التحليلي المعاصر الذي مثله كل من قوتلوب فريجه
( ،)1970-1872إضافة إلى التيارات التجريبية Bertrand Russell ،)1925و برتراند راسل
والوضعية .ولقد كانت الوضعية المنطقية من بين أهم التيارات الفكرية المعاصرة التي حاولت
أو ()vérifiabilité حل إشكالية التمييز بين العلم والميتافيزيقا ،فاتخذت من إمكان التّحقيـق
(propositions معيـا ار للتمييز بين القضايا التي لها مـعنى ()signification ou signifiant المعنى
و القضـايا التي ليس لها معـنى ) ،(propositions dénuées de sensفكانت القضية )douées de sens
العلمية تكافئ القضية ذات المعنى ،وهذه األخيرة ال تكون علمية إال إذا حققت مطلبا أساسيا
هو إمكانية تحقيقها تجريبيا ( استقرائيا).
قضايا النوع األول هي كل الـقضايا التي يمكن تحديد صدقها أو كذبها ،فمعـنى أية قـضية
يكمن في عمليات التحقق منهـا( ،)4أي أن كل لفظ ليكون له معنى يجب أن يشير إلى شيئ
ما في الخارج أو ما يسمى بـ "الحادثة" ومن ثم ،فالقضية ال يكون لها داللة ومعنى إال إذا
كانت عناصرها لها ما يقابلها في الواقع ويمكن التحقق من ذلك بالتجربة .ولقد حصر
)،)Propositions Analytiques كـارنـاب "القـضايا التي لها مـعنى" في :القضايا التّحليلية
( ،)5األولى ال والمتناقضة )Propositions Contradictoires) ،و التّركيبية )) Propositions Synthétiques
تقرر أي شيئ عن الواقع الخارجي ،ويكون صدقها متوقفا على فهم عباراتها ،بمعنى أنه يعود
النوع من القضايا التحليلية التك اررية نجده في العلوم الصورية
إلى القضية ذاتها .وهذا ّ
كالمنطق والرياضيات ،ومثال على ذلك " :كل أعزب غير متزوج " ،"4=2+2" ،نستطيع
بالتحليل التأكد من أن كلمة "غير متزوج" ما هي إال تكرار لكلمة "أعزب" ،كما أن القضية
أما
" "4=2+2ليست إال تحليال و تك اررا ،فالعدد " " 4يتضمن العدد " " 2مرتين .و ّ
القضايا المتناقضة ،فهي في األصل نفي للقضايا التحليليةّ ،إنها قضايا يستحيل صدقها
تستمد كذبها من صورتها ذاتها ،القضية التالية " :كل أعزب متزوج وغير متزوج " ،تعد
قضية متناقضة .وأخي ار القضايا التركيبية أو كما تسمى بلغة المنطق القضايا العارضة
(يحتمل صدقها ويحتمل بطالنها) ،تشمل قضايا العلوم التجريبية ،مثال ذلك " كل المعادن
تتمدد بالح اررة " هذه القضية تنقل خب ار عن العالم الواقعي ،فهي إذن إخبارية وال ُيعرف
صدقها أو كذبها بالرجوع إلى ذاتها -كما هو الحال في القضايا التحليلية -واّنما إلى شيئ
خارج عنها ،وذلك يتم بين ما تقوله القضية وواقع العالم الخارجي ،وهذه هي عملية التحقق أو
التحقيق .إذن هذه القضايا التي ذكرناها( التحليلية ،المتناقضة ،والتركيبية) تشكل " قضايا
ذات معنى".
يقودنا الحديث عن تقسيم كارناب للقضايا إلى تحليلية وتركيبية إلى ما سبق و أن قال
الحاصل إذن هو أن الوضعية المنطقية اعتبرت كل قضية يمكن اختبار صدقها أو
أم ا التي ال يمكن اختبارها فهي أقوال ال معنى لها .لكن نذكر
كذبها هي قضية لها معنىّ ،
في هذا المقام ّأننا وجدنا بعض المراجع العربية من جعل عبارة " ال معنى لها " ولفظة
"كــــاذبــة" تحمالن المعنى نفسه ،ومن األمثلة على ذلك ما كتبه الدكتور ماهر عبد القادر
أم ـا العب ـارات أو القضاي ـا التي ليس لها تحقيق ،فهي بدون معنى،
محمد علي الذي يقول " :و ّ
أو هي قضايا كاذبة"( ،)9تطابق المصطلحين (كـاذبة و ال مـعنى لهـا) في المعنى هو تطابق
ألنه يحمل في طياته تناقضا ناتجا عن عدم فهم المغزى الحقيقي لكلمة " ال معنى
فاسدّ ،
فإنه يجب علينا أن نقبل
أن القضية الكاذبة هي قضية ال معنى لهاّ ،
لها" ،وذلك إ ّذا افترضنا ّ
ألن القضية التي ال معنى لها هي قضية
أن العبارة الكاذبة هي قضية غير قابلة للتحقيقّ ،
غير قابلة للتحقيق ،لكن القضية الكاذبة هي قضية قابلة للتحقيق إذ يمكن عرضها على
محك التجربة فيتجلى كذبها ،وبالتالي فهي قضية ذات معنى وليست قضية ال معنى لها،
كما فهمها الدكتور ماهر عبد القادر محمد علي ،إضافة إلى هذا ،فمسألة الالّتماثل بين
المعنيين -كاذبة و ال معنى لها ،-أكد عليها كارناب في حديثه عن القضايا التي ليس لها
معنى ،حين قـال '' :ليست حتى أوهاما أو أساطير ،فال نزاع بين المنطق وأقوال قصة
الرغم من
خيالية ،فهي(األساطير أو القصة الخيالية) تقتصر على مناقضة التجربة ،وعلى ّ
كما أكد عليها أيضا فيتجنشتاين في قوله '':إن معظم فإنها تحتفظ على معناها''
()10
كذبهاّ ،
القضايا واألسئلة التي كتبت عن أمور فلسفية ،ليست كاذبة ،بل هي ال معنى لها .فلسنا
نستطيع إذن أن نجيب عن أسئلة من هذا القبيل وكل ما يسعنا هو أن نقرر عنها أنها ال
معنى لها ''( .)11إضافة إلى هذا ،وجدنا األستاذ الدكتور لخضر مذبوح هو اآلخر يطابق بين
العبارتين " خاطئة" و"ال معنى لها " حيث يقول '' :اعتقد منظرو حلقة فيينا ،هكذا ،أنهم
و"ال معنى النتيجة التي نخلص إليها هي أن كلمتا "كاذبة" أو "خاطئة" ()Fausse
ّ
ليستا مترادفتين فالفرق بينهما واضح من خالل نص كارناب )Dénouée de sens لها"(
سوغ لنا القول أن كال من ماهر عبد القادر و لخضر مذبوح ابتعدا
وفيتجنشتاين ،وهذا ما ّ
عن فهم القضايا (التي ال معنى لها) التي نادت بها الوضعية المنطقية.
إذن التمييز بين القضايا ذات المعنى والقضايا التي ال معنى لها هو الهدف الذي من
أجله ُوضع معيار إمكان التحقيق .لكن مبدأ التحقيق الذي طرحه الوضعيون المناطقة ال
للتمييز بين ما هو علمي
ّ يصلح في نظر االبستيمولوجي كارل بوبر أن يكون معيا ار مضمونا
أن معيار إمكان التحقيق مرتبط بالمنطق
وما هو غير علمي ألسباب منطقية ،حيث وجد ّ
االستقرائي ،فليس هناك فارق بين التحقيق واالستقراء ،وذلك على اعتبار ّ
أن األساس الذي
يتوقف عليه قبول نظرية ما أو قانون كلي هو االستدالل من الوقائع المالحظة على هذه
تكون المعرفة
النظرية أو القانون '' فما هو معطى هو وقائع المالحظة ،وهذه هي التي ّ
النظرية على أساسها''( .)13والمنطق االستقرائي كما أشار إلى ذلك
المقررة التي ينبغي تحقيق ّ
ّ
غير كاف للوصول إلى التصورات األساسية في ألبير آينشتاين )1955 -1879( Albert, Einstein
وعلى هذا األساس أيضا رفضه كارل بوبر قائال " :االستقراء ال دور له ال في ، الفيزياء
()14
االبستيمولوجيا وال في المنهج العلمي وال في تطور المعرفة "( .)15حيث قام بربط فشل محاولة
الوضعيين المناطقة في إيجاد معيار مالئم للتمييز بمشكلة االستقراء – التي بقيت في رأيه
من دون حل– حيث يقول..." :بسبب مشكلة االستقراء تفشل هذه المحاولة (محاولة
،ومن هنا يكون كارل بوبر قد وجه نقده لمبدأ ()16
الوضعيين المناطقة) لحل مشكلة التّمييز"
التّحقيق بوصفه إجراءا استقرائيا ،واقترح معيا ار جديدا للتمييز بين "العلم الحقيقي" و"العلم
صرح ّأنه '' ليس إمكان التحقيق ،وانما إمكان تكذيب النسق هو ما يمكن أن
ّ الزائف" ،حيث
إن إمكان التكذيب معيا ار للتمييز وليس معيا ار للمعنى باعتباره
ثم ّ . نأخذه كمعيار للتمييز''
()17
التمييز بين القضايا التي لها معنى والقضايا التي ال معنى لها هو األساس
ّ إذا كان
التمييز بين العبـارات الكليـة
ّ فإن كـارل بـوبـر اتخـذ من
الذي يحدد معيار الوضعية المنطقيةّ ،
عرف بوبر العبارات الكلية على أنها عبارات تركيبية ال تحليلية ترد فيها أسماء أو
لقد ّ
(ال تشير إلى مجال زماني مكاني) ،إنها تقرير كلي عن ()24
()strict تصورات كلية صارمة
أما العبارات األساس فهي عبارات
عدد غير محدود من األفراد ولذا فهي غير قابلة للتحقيقّ ،
تصف وتثبت وجود حاالت واقعية مالحظة في زمان شخصية وصفية (،)Descriptives
األول من العبارات( العبارات الكلية) -حسب كارل بوبر -يمكن مقابلته
ومكان .فالنوع ّ
()25
وتعتبر األساس الذي يتم بموجبه ()Propositions Expérimentales كـارناب بالقـضايا التجريبية
التحقيق من قضايا العلوم التجريبيةّ ،إنها تقرر مدى صدق أو كذب القضايا التركيبية أو
العلمية ،صدقها يؤدي إلى صدق القضايا الكلية (القضايا العلمية) ،وكذبها يؤدي على كذب
القضايا الكلية ،مثال :إذا قلنا " توجد قطعة حديد في مكان( أ) و زمان (ب) تتمدد بالح اررة"
فهذا كاف لتأييد القضية الكلية " كل حديد يتمدد بالح اررة" واذا قلنا" :ال توجد قطعة حديد في
مكان( أ) و زمان (ب) تتمدد بالح اررة " فهذا كاف لكذب القضية الكلية " كل حديد يتمدد
النوع من القضايا البروتوكولية -في نظر الوضعية المنطقية -ال يتناقض
بالح اررة " .وهذا ّ
مع القضايا الكلية ألنه مستمدة منها.
أما ال عبارات األساس فإنها ال تكافئ القضايا البروتوكولية التي تحدثت عنها الوضعية
ّ
ألنه يمكن مقابلتها بالتناقض مع العبارات الكلية ،صدقها( العبارات األساس) يؤدي
المنطقيةّ ،
إلى كذب العبارات الكلية؛ وهذا القول ال يكافئ حديثنا السابق عن القضايا البروتوكولية
أن العبارات
(كذب القضايا الشخصية الوجودية يؤدي إلى كذب القضايا الكلية) ،على اعتبار ّ
األساس التي جعلها بوبر أساس عملية التكذيب تختلف من حيث بنيتها (صورتها) المنطقية
عن القضايا الشخصية الوجودية التي تحدثت عنها الوضعية المنطقية .فلقد قسم كارل بوبر
( the permitted basic العبارات األساس إلى فئتين :فئة العبارات المعززة أو المسموح بها
الشخصية الوجودية التي تتسق مع العبارات الكلية وال تناقضها،
)statementsوهي فئة العبارات ّ
حيث أن قبولها يسمح بقبول العبارات الكلية دون القول إنها أي التي تسمح بها )،( permits
صادقة( ،)27إذا قلنا مثال" :توجد قطعة حديد في مكان( أ) و زمان (ب) تتمدد بالح اررة" صدق
هذه القضية الشخصية الوجودية -حسب بوبر -ال يؤدي إلى صدق القضية الكلية " كل
أما الفئة الثانية
ّ . (*)
حديد يتمدد بالحرارة " بل تسمح بها على سبيل التعزيز )(corroboration
من العبارات األساس فهي التي تتناقض مع العبارات الكلية ،حيث إ ّن قبولها يستلزم رفض
the class of the Potential العبارات الكلية ،ويطلق عليها بوبر اسم(فئة المكذبات الممكنة) (
" يمكننا أن نسمي األقوال التجريبية أو األقوال المالحظة التي تتناقض مع نظرية ما )falsifiers
العبارة األساس التي تكذب العبارات الكلية (النظريات العلمية) صورتها المنطقية هي
"يوجد " بمعنى قضية وجودية فعلى سبيل المثال القضية القائلة " :يوجد على األقل غراب
واحد ليس أسود الّلون في مكان (س) و زمان (ع)" ،تعبر عن وقائع موجودة في الزمان
أما القضايا الشخصيةوالمكان ،ولهذا فصدقها يؤدي إلى كذب القضية "كل غربان سود"ّ .
الوجودية التي تكذب العبارات الكلية عند الوضعية المنطقية فصورتها المنطقية "ال يوجد"،
ال تعبر عن وقائع الالوجودية()Proposition non Existentielle Singulière والقضية الشخصية
مالحظة في الزمان والمكان (الالوجود ال ينتج عنه الوجود).
وبهذا يكون بوبر في عملية التكذيب -تكذيب العبارات الكلية -قد بحث عن الصدق
( صدق العبارات الوجودية " يوجد" التي تتناقض مع القضايا الكلية) صدق العبارات
إن القضايا الشخصية
الشخصية الوجودية يؤدي إلى كذب العبارات الكلية ،ومن هنا نقول ّ
أما الوضعية
الوجودية التي صورتها المنطقية [ يوجد] هي أساس عملية التكذيب عند بوبرّ ،
المنطقية في عملية التكذيب -تكذيب العبارات الكلية -فقد بحثت عن الكذب ( القضايا
الشخصية الوجودية "يوجد" التي ال تتناقض مع القضايا الكلية) كذب القضايا الشخصية
الوجودية يؤدي إلى كذب القضايا الكلية .وبالتالي ،فالقضايا الشخصية الالوجودية التي
صورتها المنطقية "ال يوجد " هي أساس عملية التحقيق السلبي ( الكذب) عند الوضعية
المنطقية .وهذا – في نظرنا -الخط الفاصل بين معيار إمكان التكذيب ومعيار إمكان
التحقيق .إضافة إلى هذا ،فإن معيار إمكان التكذيب البوبري يقوم على أساس قاعدة منطقية
في المنطق الكالسيكي حالة الرفع بالرفع( رفع التالي التالي()Modus tollens وهي قاعدة رفع
يؤدي إلى رفع المقدم) ،وصورتها المنطقية تصاغ كالتالي:
) Si (P) donc (q إذا كان (أ) فإن( ب)
و إذا أردنا صياغة البنية المنطقية لمعيار امكان التكذيب البوبري فسيكون كاآلتي:
إذا كانت القضية الشخصية الوجودية صادقة فإن القضية الكلية تكون كاذبة
(على أساس التناقض الذي يحكم العالقة بين القضية الكلية والقضية الشخصية الوجودية).
أما الصورة المنطقية لمعيار إمكان التحقيق فستكون على الشكل اآلتي:
ّ
إذا كانت القضية الشخصية الوجودية صادقة فإن القضية الكلية تكون صادقة
( صدق الجزئيات يؤدي إلى صدق الكليات ،وهذا ما يعبر عن االستدالل االستقرائي ).
أن البنية المنطقية التي يقوم عليها معيار بوبر تختلف عن تلك التي
الحاصل إذن هو ّ
يقوم عليها معيار إمكان التحقيق وهذا هو الخط الفاصل بينهما.
لكن يمكننا أن نشير إلى وجود خط آخر يفصل بين المعيارين يتعلق هذه المرة بطبيعة كل
منهما ،فالوضعية المنطقية ترى أن معيار التمييز هو معيار منطقي خالص يحلل بنية
المعرفة العلمية دون اللجوء إلى عملية البحث عن كيفية تطورها ،فالتحليل المنطقي للقضايا
وحده كاف لتمييز العلم عن الميتافيزيقا .لكن بوبر يرى أن معيار التمييز معيار منهجي
بالدرجة األولى فهو يحلل بنية المعرفة العلمية ثم ينتقل إلى تحليل كيفية تطورها ،فالتحليل
المنطقي وحده غير كاف لتمييز العلم عن الالعلم ،ألن االعتماد عليه يجعل معيار التمييز
صوري ،ألنه ال يستند إلى معايير موضوعية تبرره ،وبالتالي ،ال قيمة له.
في المقابل الوضعية المنطقية اكتفت بتحليل بنية المعرفة العلمية دون اللجوء إلى دراسة
كيفية تطورها ،وبهذا فمشكلة التمييز عندها ال عالقة لها بمشكلة تقدم المعرفة العلمية .فهي
أما بوبر فقد ربط بين المنهج
قدمت معيار منطقي خالص ال عالقة له بالجانب المنهجي ّ .
العلمي( منهج التكذيب والتنفيد ،منهج البحث النقدي) ومعيار التمييز ومشكلة تطور المعرفة
فإنه هو
العلمية أشد ارتباط ،فإذا كان المنهج العلمي هو الذي يبرر معيار إمكان التكذيبّ ،
اآلخر بحاجة إلى من يبرره ،وهنا انتقل بوبر من تحليل بنية المعرفة العلمية إلى البحث عن
كيفية تطورها؛ فوجد أن العلم التجريبي ال يتقدم من خالل محاولة البحث عن نظريات علمية
صادقة بواسطة المنهج االستقـرائي ،واّنما يتقدم عن طريق التكـذيب ،فالتقدم العلمي يحصل
عندما تترك النظرية العلمية مكانها لنظرية علمية أخرى ،ولكن لكي يتم هذا ال بد على
النظريـات العلمية أن تتوفر فيها خاصية إمكانية للتكذيب فعن طريق تكذيبها يتقـدم العلـم.
وبهذا يكون بوبر قد ّبرر منهج التكذيب بتقدم المعرفة العلمية ،وبالتالي ،فتقدم المعرفة
العلمية باستعمال منهج التكذيب هو الذي سيضمن صالحية ومشروعية معيار إمكان
التكذيب الذي قدم كحل لمشكلة التمييز بين العلم والالعلم .وبالتالي ،يكون بوبر -في نظرنا-
قد بنى معياره للتمييز على أسس موضوعية عكس الوضعية المنطقية.
النتيجة التي نخلص إليها هي أن معالجة بوبر لمشكلة التمييز تختلف تماما عن
ألن قاعدة
المعالجة التي قامت بها الوضعية المنطقية في التمييز بين العلم والميتافيزيقاّ ،
الرفع ،التحليل المنهجي لقضايا العلم ،منهج التكذيب والتفنيد ،معيار امكان التكذيب،
أن الالّتماثل
العبارات األساس ،تعد عناصر جديدة في فلسفة كارل بوبر .وبهذا نصل إلى ّ
هو ما يحكم العالقة بين معيار امكان التحقيق ومعيار امكان التكذيب.
اهلوامش:
وليم جيمس إيرل :مدخل إلى الفلسفة ،ترجمة :عادل مصطفى ،المجلد األول ،ط ،1 (-)2
المشروع القومي للترجمة ،المجلس األعلى للثقافة ،القاهرة ،العدد ،2005، 962ص.247 :
(3)- Bruno, Jarrosson : Invitations à la philosophie des sciences, éditions du Seuil.Paris 1992, p :167.
(4)- Carnap Rudolf : La science et la métaphysique devant l’analyse logique du langage.op-
cit, p :36.
(5)- Ibid, p : 3.
،1 ط، وتقديم نجيب الحصادي: ترجمة، كيف يرى الوضعيون الفلسفة: أي جي مور-)6(
(8)- Ayer, Alfred,Jules :Langage, vérité et logique, trad, Joseph Ohana, éditeurs,
Flammarion, Paris, 1956 p : 52.
دار،1 (ط، ماهر عبد القادر محمد علي: ترجمة، منطق الكشف العلمي: كارل بوبر-)9(
، منشورات االختالف، الجزائر، 1 ط، فكرة التفتح في فلسفة كارل بوبر:لخضر مذبوح-)12(
.151 : ص،2009
(14)- Albert, Einstein: Conceptions scientifiques, trad, de l’anglais par : M, Solovine, éditions,
Flammarion, Paris. 1990,p : 48.
(15)- K , R, Popper : La connaissance objective, trad de l’anglais par Jean-jacques
Rosat, éditions, Flammarion, Paris, 1998,p : 152.
(16)- k,R, Popper : the logic of scientific discovery, first impression, Hutchinson of London,
1959, p:36.
(19)-Karl, R, Popper : Realism and aim of science, édited by w.w. Bartley, Routledge,
London and New York, 1992, p :19.
(20)-Ibid, p: 179.
(21)- Karl, R, Popper: the logic of scientific discovery ,op - cit, p: 19.
دار: مصر،زكي نجيب محمود: ترجمة، نظرية البحث، المنطق: جون ديوي-)22(
.786 : ص،1960،المعارف
(27)-Ibid, p: 86.
(28)- K , R, Popper : All life is problem solving , translated by Patrick Camiller, First
published, Routledge, London and New York, p :20