Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 16

‫معيار العلم بين كارل بوبر والوضعية المنطقية‬

‫ رشيـدة عبـة‬/‫بقلم أ‬

)2( ‫جـامعة الجزائـر‬

Résumé :

Le présent article a pour objet, la démarcation entre la science véritable et les pseudo-
sciences, ou ce que nous appelons « Le problème de la démarcation ». Deux grands
courants épistémologiques proposent des solutions à ce problème, le premier est celui du
« Positivisme logique » avec son critère de vérifiabilité ; le second est celui de « Karl
Raimund Popper » avec son critère de Falsifiabilité. Nous tentons dans cet article,
d’apporter une réponse à la question suivante : Quelle est la relation entre les deux
critères ? Est-elle uneSymétrie ou Asymétrie ? .

‫التمييز بين العلم والالّعلم في‬


ّ ‫إن اختيار الموضوع يعود إلى المكانة التي تحتلها مشكلة‬
ّ
‫ والى ابتعاد الكثير من المهتمين بفلسفة العلوم عن فهم‬،‫ من جهة‬،‫الفكر الفلسفي المعاصر‬
)‫) في التمييز بين العلم والالعلم (إمكان التكذيب‬1994-1902( )Karl, R,Popper( ‫معيار كارل بوبر‬
‫ فلقد وجدنـا في‬.‫ من جهة أخرى‬،)‫والخلط بينه وبين معيار الوضعية المنطقية (امكان التحقيق‬
‫ومعيـار‬ )critère de signification( ) ‫بعض المراجع من طابـق بين المعيارين ( معيار المعنى‬
‫ اعتقد بعض أتباع الوضعية‬،‫فعلى سبيل المثال‬ )critère de falsifiabilité( ‫إمكـان التّكـذيب‬
‫اّلذي رأى أن معيار إمكان‬ ‫‪)1949-1895‬‬ ‫(‬ ‫كوفمان)‪(Félix, Kaufmann‬‬ ‫المنطقية أمثال فليكس‬

‫ال صورة أخرى لمعيار المعنى‪ ،‬حيث صرح أن بوبر اقترح التّكذيب ال‬
‫التّكذيب ما هو إ ّ‬
‫في كتابه‬ ‫)‪(William James Earle‬‬ ‫التّحقيق معيا ار للمعنى(‪ .)1‬كما صرح أيضا وليام جيمس إيرل‬
‫قائال‪...'' :‬فإن كثي ار من محبي‬ ‫‪( introduction to philosophy‬‬ ‫الموسوم‪ :‬مدخل إلى الفلسفة (‬
‫مبدأ التحقق قد استبدلوا به مبدأ التّكذيب )إمكان التّكذيب ‪.)2( ''( falsifiability‬‬

‫هو اآلخر الذي قام بنقد كارل بوبر معتقدا أنه اعتبر أن‬ ‫)‪(Jarrosson Bruno‬‬ ‫جرسون برونو‬
‫كل القضايا التي ال تحمل إمكانية لتكذيبها ستكون قضايا ال معنى لها‪ ،‬في حين توجد قضايا‬
‫لها معنى ولكنها غير قابلة للتكذيب(‪.)3‬‬

‫وهنا نتساءل هل حقا معيار بوبر في التمييز بين العلم والالّعلم هو مجرد صياغة أخرى‬
‫لمعيار الوضعية المنطقية‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬يكون إمتدادا له‪ ،‬أم أن الالّتماثل هو ما يحكم العالقة‬
‫بين المعيارين ؟‪.‬‬

‫ُيعد التّساؤل حول المعيار الذي يحدد العبارات التي تنتمي إلى العلم التّجريبي والتي ال‬
‫من أهم اإلشكاليات‬ ‫(‪)Problème de la Démarcation‬‬ ‫تنتمي إليه هو ما يعرف بإشكالية التّمييز‬
‫االيبستيمولوجية المعاصرة‪ ،‬حيث دخل الخطاب العلمي في القرن العشرين مرحلة جديدة‬
‫النفس مثال انفرد بنظريات التحليل النفسي وعلم الفيزياء‬
‫تميزت بالتغيير واالنفصال‪ ،‬فعلم ّ‬
‫النسبية الخاصة و العامة والرياضيات بنظريات الالّأوقليدية‪ ،‬وهو األمر الذي دفع‬
‫بنظريات ّ‬
‫التمييز بين النظريات العلمية والنظريات‬
‫ّ‬ ‫بعض فالسفة العلم إلى االهتمام بالبحث عن معيار‬
‫العلمية‪ ،‬ولقد شاهدت جامعة فيينا في مطلع القرن العشرين ميالد حركة فلسفية أطلق عليها‬‫ال ّ‬
‫ألول مرة عام ‪ 1929‬اسم " حلقة فيينا " أو " نادي فيينا " )‪ (Cercle de Vienne‬والتي ُعرفت‬
‫‪Empirismes‬‬ ‫تطورها بعدة أسماء منها‪ :‬التّجريبية العلمية أو التّجريبية المنطقية (‬
‫خالل ّ‬
‫( ‪.)Positivismes logiques‬‬ ‫الوضعية المنطقية‬ ‫(‪)Néo-Positivismes‬‬ ‫الوضعية الجديدة‬ ‫‪،)logiques‬‬
‫كالرياضيات‪ ،‬الفيزياء‪ ،‬وعلم‬
‫وذلك إثـر انعقاد ندوة حضرها بعض العلماء في مختلف الفروع ّ‬
‫الذي تولى كرسي‬ ‫(‪- )1936 - 1882( )Moritz Schlick‬‬ ‫االجتماع برئاسة الفيزيائي موريتز شليك‬
‫الفلسفة في جامعة فيينا عام ‪ -1922‬لمناقشة بعض اإلشكاليات الفلسفية‪ ،‬مثل‪ :‬وحدة العلم‬
‫(‪ ،)unité de la science‬السببية (‪ ،)Causalité‬االستقراء واالحتمال (‪ ،)Induction et probabilité‬مشكلـة‬
‫التّمييز بين العلـم والميتافيزيقـا (‪ .) problème de la démarcation‬و كانت هذه الحركة متأثرة‬
‫‪- 1848( Gottlob Freg‬‬ ‫حينذاك بالتيار التحليلي المعاصر الذي مثله كل من قوتلوب فريجه‬
‫(‪ ،)1970-1872‬إضافة إلى التيارات التجريبية‬ ‫‪Bertrand Russell‬‬ ‫‪ ،)1925‬و برتراند راسل‬
‫والوضعية‪ .‬ولقد كانت الوضعية المنطقية من بين أهم التيارات الفكرية المعاصرة التي حاولت‬
‫أو‬ ‫(‪)vérifiabilité‬‬ ‫حل إشكالية التمييز بين العلم والميتافيزيقا‪ ،‬فاتخذت من إمكان التّحقيـق‬
‫‪(propositions‬‬ ‫معيـا ار للتمييز بين القضايا التي لها مـعنى‬ ‫(‪)signification ou signifiant‬‬ ‫المعنى‬
‫و القضـايا التي ليس لها معـنى )‪ ،(propositions dénuées de sens‬فكانت القضية‬ ‫)‪douées de sens‬‬

‫العلمية تكافئ القضية ذات المعنى‪ ،‬وهذه األخيرة ال تكون علمية إال إذا حققت مطلبا أساسيا‬
‫هو إمكانية تحقيقها تجريبيا ( استقرائيا)‪.‬‬

‫قضايا النوع األول هي كل الـقضايا التي يمكن تحديد صدقها أو كذبها‪ ،‬فمعـنى أية قـضية‬
‫يكمن في عمليات التحقق منهـا(‪ ،)4‬أي أن كل لفظ ليكون له معنى يجب أن يشير إلى شيئ‬
‫ما في الخارج أو ما يسمى بـ "الحادثة" ومن ثم‪ ،‬فالقضية ال يكون لها داللة ومعنى إال إذا‬
‫كانت عناصرها لها ما يقابلها في الواقع ويمكن التحقق من ذلك بالتجربة‪ .‬ولقد حصر‬
‫)‪،)Propositions Analytiques‬‬ ‫كـارنـاب "القـضايا التي لها مـعنى" في ‪ :‬القضايا التّحليلية‬
‫(‪ ،)5‬األولى ال‬ ‫والمتناقضة‪ )Propositions Contradictoires) ،‬و التّركيبية )‪) Propositions Synthétiques‬‬
‫تقرر أي شيئ عن الواقع الخارجي‪ ،‬ويكون صدقها متوقفا على فهم عباراتها‪ ،‬بمعنى أنه يعود‬
‫النوع من القضايا التحليلية التك اررية نجده في العلوم الصورية‬
‫إلى القضية ذاتها‪ .‬وهذا ّ‬
‫كالمنطق والرياضيات‪ ،‬ومثال على ذلك‪ " :‬كل أعزب غير متزوج "‪ ،"4=2+2" ،‬نستطيع‬
‫بالتحليل التأكد من أن كلمة "غير متزوج" ما هي إال تكرار لكلمة "أعزب"‪ ،‬كما أن القضية‬
‫أما‬
‫"‪ "4=2+2‬ليست إال تحليال و تك اررا‪ ،‬فالعدد " ‪ " 4‬يتضمن العدد " ‪ " 2‬مرتين‪ .‬و ّ‬
‫القضايا المتناقضة‪ ،‬فهي في األصل نفي للقضايا التحليلية‪ّ ،‬إنها قضايا يستحيل صدقها‬
‫تستمد كذبها من صورتها ذاتها‪ ،‬القضية التالية‪ " :‬كل أعزب متزوج وغير متزوج "‪ ،‬تعد‬
‫قضية متناقضة‪ .‬وأخي ار القضايا التركيبية أو كما تسمى بلغة المنطق القضايا العارضة‬
‫(يحتمل صدقها ويحتمل بطالنها)‪ ،‬تشمل قضايا العلوم التجريبية‪ ،‬مثال ذلك " كل المعادن‬
‫تتمدد بالح اررة " هذه القضية تنقل خب ار عن العالم الواقعي‪ ،‬فهي إذن إخبارية وال ُيعرف‬
‫صدقها أو كذبها بالرجوع إلى ذاتها ‪ -‬كما هو الحال في القضايا التحليلية ‪ -‬واّنما إلى شيئ‬
‫خارج عنها‪ ،‬وذلك يتم بين ما تقوله القضية وواقع العالم الخارجي‪ ،‬وهذه هي عملية التحقق أو‬
‫التحقيق‪ .‬إذن هذه القضايا التي ذكرناها( التحليلية‪ ،‬المتناقضة‪ ،‬والتركيبية) تشكل " قضايا‬
‫ذات معنى"‪.‬‬

‫يقودنا الحديث عن تقسيم كارناب للقضايا إلى تحليلية وتركيبية إلى ما سبق و أن قال‬

‫به هيوم في القرن الثامن عشر حين ّ‬


‫ميز بين القضايا التّحليلية وهي القضايا التي تختص‬
‫‪ )Relations‬منها العلوم الرياضية كالهندسة والجبر حيث تقتصر‬ ‫(‪d’idées‬‬ ‫بعالقات األفكار‬
‫إمكان ا لمعرفة عليها باعتبارها علوم برهانية‪ ،‬وقضايا تركيبية تختص بمسائل واقعية مالحظة‬
‫ألنها تعتمد على التجربة‪ ،‬ويسميها هيوم بعالقات الوقائع(‪ .)Relations des Faits‬إذن الوضعيون‬
‫المناطقة " كهيوم يقسمون القضايا المفيدة إلى فئتين‪ :‬قضايا صورية وهي عبارة عن‬
‫تحصيالت حاصل‪ ،‬وقضايا واقعية تتطلب أن تكون قابلة للتحقيق التجريبي"(‪.)6‬‬

‫النوع الثّاني أي "القـضايا التي ال مـعنى لها" أو كما يصطلح‬


‫أما فيما يخص قضايا ّ‬
‫ّ‬
‫عليها "أشباه القضايا"‪ ،‬فهي تشمل حسب كارناب كل األقوال التي ال تنتمي إلى واحدة من‬
‫السابقة‪ ،‬أي التي تخرج عن نطاق ما هو تحليلي وتركيبي‪ ،‬فال يمكن التحقق من‬ ‫القضايا ّ‬
‫صدقها أو كذبها كاألقوال الميتافيزيقية مثل‪ :‬مصطلح الروح‪ ،‬المطلق‪ ،‬الموجود في ذاته‪،‬‬
‫الجوهر‪ ،‬العدم‪...‬وهذه األلفاظ في نظره عاجزة عن بيان شروط صدقها ألنها ليست عبارات‬
‫قابلة للمالحظة‪ ،‬فالميتافيزيقا في نظر كارناب '' ال ترغب في تقرير قضايا تحليلية‪ ،‬وال‬
‫إما على استعمال‬
‫ترغب في االنتماء إلى مجال العلم التجريبي ومن ثم تجد نفسها مرغمة ّ‬
‫كلمات ال معنى لها ألنها تفتقد لمعيار التحقيق من معانيها أو على تجميع كلمات لها معنى‬
‫فإن القضايا‬
‫بطريقة ال تفضي إلى قضايا تحليلية وال إلى قضايا تجريبية‪ ،‬و في الحالتين ّ‬
‫(‪1989 -1910‬‬ ‫لقد أشار ألـفريد جـول آيـر( ‪) Alfred Jules Ayer‬‬ ‫الزائفة هي نتاج الميتافيزيقا''(‪ )7‬و‬
‫ّ‬
‫التمييز بين الفلسفة والميتـافيزيقا‪ ،‬على اعتبار أن الفلسفة إذا أخذناها بمعنى‬
‫ّ‬ ‫م)‪ .‬إلى ضرورة‬
‫أما الميتافيزيقا فهي معرفة غير مشروعة‬
‫التحليل فهي ضرورية لتوضيح القضايا العلمية‪ّ ،‬‬
‫ينبغي استبعادها وحذفها من الوجود ‪.‬‬
‫(‪)8‬‬

‫الحاصل إذن هو أن الوضعية المنطقية اعتبرت كل قضية يمكن اختبار صدقها أو‬
‫أم ا التي ال يمكن اختبارها فهي أقوال ال معنى لها‪ .‬لكن نذكر‬
‫كذبها هي قضية لها معنى‪ّ ،‬‬
‫في هذا المقام ّأننا وجدنا بعض المراجع العربية من جعل عبارة " ال معنى لها " ولفظة‬
‫"كــــاذبــة" تحمالن المعنى نفسه‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك ما كتبه الدكتور ماهر عبد القادر‬
‫أم ـا العب ـارات أو القضاي ـا التي ليس لها تحقيق‪ ،‬فهي بدون معنى‪،‬‬
‫محمد علي الذي يقول‪ " :‬و ّ‬
‫أو هي قضايا كاذبة"(‪ ،)9‬تطابق المصطلحين (كـاذبة و ال مـعنى لهـا) في المعنى هو تطابق‬
‫ألنه يحمل في طياته تناقضا ناتجا عن عدم فهم المغزى الحقيقي لكلمة " ال معنى‬
‫فاسد‪ّ ،‬‬
‫فإنه يجب علينا أن نقبل‬
‫أن القضية الكاذبة هي قضية ال معنى لها‪ّ ،‬‬
‫لها"‪ ،‬وذلك إ ّذا افترضنا ّ‬
‫ألن القضية التي ال معنى لها هي قضية‬
‫أن العبارة الكاذبة هي قضية غير قابلة للتحقيق‪ّ ،‬‬
‫غير قابلة للتحقيق‪ ،‬لكن القضية الكاذبة هي قضية قابلة للتحقيق إذ يمكن عرضها على‬
‫محك التجربة فيتجلى كذبها‪ ،‬وبالتالي فهي قضية ذات معنى وليست قضية ال معنى لها‪،‬‬
‫كما فهمها الدكتور ماهر عبد القادر محمد علي‪ ،‬إضافة إلى هذا‪ ،‬فمسألة الالّتماثل بين‬
‫المعنيين‪ -‬كاذبة و ال معنى لها‪ ،-‬أكد عليها كارناب في حديثه عن القضايا التي ليس لها‬
‫معنى‪ ،‬حين قـال‪ '' :‬ليست حتى أوهاما أو أساطير‪ ،‬فال نزاع بين المنطق وأقوال قصة‬
‫الرغم من‬
‫خيالية‪ ،‬فهي(األساطير أو القصة الخيالية) تقتصر على مناقضة التجربة‪ ،‬وعلى ّ‬
‫كما أكد عليها أيضا فيتجنشتاين في قوله‪ '':‬إن معظم‬ ‫فإنها تحتفظ على معناها''‬
‫(‪)10‬‬
‫كذبها‪ّ ،‬‬
‫القضايا واألسئلة التي كتبت عن أمور فلسفية‪ ،‬ليست كاذبة‪ ،‬بل هي ال معنى لها‪ .‬فلسنا‬
‫نستطيع إذن أن نجيب عن أسئلة من هذا القبيل وكل ما يسعنا هو أن نقرر عنها أنها ال‬
‫معنى لها ''(‪ .)11‬إضافة إلى هذا‪ ،‬وجدنا األستاذ الدكتور لخضر مذبوح هو اآلخر يطابق بين‬
‫العبارتين " خاطئة" و"ال معنى لها " حيث يقول‪ '' :‬اعتقد منظرو حلقة فيينا‪ ،‬هكذا‪ ،‬أنهم‬

‫يحوزون على معيار ّ‬


‫تمييز يسمح بالتّمييز بين ُجل القضايا الصحيحة والخاطئة بمعنى آخر‬
‫التّمييز ما بين القضايا ذات المعنى والقضايا التي ال معنى لها''(‪.)12‬‬

‫و"ال معنى‬ ‫النتيجة التي نخلص إليها هي أن كلمتا "كاذبة" أو "خاطئة" (‪)Fausse‬‬
‫ّ‬
‫ليستا مترادفتين فالفرق بينهما واضح من خالل نص كارناب‬ ‫‪)Dénouée‬‬ ‫‪de sens‬‬ ‫لها"(‬
‫سوغ لنا القول أن كال من ماهر عبد القادر و لخضر مذبوح ابتعدا‬
‫وفيتجنشتاين‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫عن فهم القضايا (التي ال معنى لها) التي نادت بها الوضعية المنطقية‪.‬‬

‫إذن التمييز بين القضايا ذات المعنى والقضايا التي ال معنى لها هو الهدف الذي من‬
‫أجله ُوضع معيار إمكان التحقيق‪ .‬لكن مبدأ التحقيق الذي طرحه الوضعيون المناطقة ال‬
‫للتمييز بين ما هو علمي‬
‫ّ‬ ‫يصلح في نظر االبستيمولوجي كارل بوبر أن يكون معيا ار مضمونا‬
‫أن معيار إمكان التحقيق مرتبط بالمنطق‬
‫وما هو غير علمي ألسباب منطقية‪ ،‬حيث وجد ّ‬
‫االستقرائي‪ ،‬فليس هناك فارق بين التحقيق واالستقراء‪ ،‬وذلك على اعتبار ّ‬
‫أن األساس الذي‬
‫يتوقف عليه قبول نظرية ما أو قانون كلي هو االستدالل من الوقائع المالحظة على هذه‬
‫تكون المعرفة‬
‫النظرية أو القانون '' فما هو معطى هو وقائع المالحظة‪ ،‬وهذه هي التي ّ‬
‫النظرية على أساسها''(‪ .)13‬والمنطق االستقرائي كما أشار إلى ذلك‬
‫المقررة التي ينبغي تحقيق ّ‬
‫ّ‬
‫غير كاف للوصول إلى التصورات األساسية في‬ ‫ألبير آينشتاين ‪)1955 -1879( Albert, Einstein‬‬
‫وعلى هذا األساس أيضا رفضه كارل بوبر قائال‪ " :‬االستقراء ال دور له ال في‬ ‫‪،‬‬ ‫الفيزياء‬
‫(‪)14‬‬

‫االبستيمولوجيا وال في المنهج العلمي وال في تطور المعرفة "(‪ .)15‬حيث قام بربط فشل محاولة‬
‫الوضعيين المناطقة في إيجاد معيار مالئم للتمييز بمشكلة االستقراء – التي بقيت في رأيه‬
‫من دون حل– حيث يقول‪..." :‬بسبب مشكلة االستقراء تفشل هذه المحاولة (محاولة‬
‫‪ ،‬ومن هنا يكون كارل بوبر قد وجه نقده لمبدأ‬ ‫(‪)16‬‬
‫الوضعيين المناطقة) لحل مشكلة التّمييز"‬
‫التّحقيق بوصفه إجراءا استقرائيا‪ ،‬واقترح معيا ار جديدا للتمييز بين "العلم الحقيقي" و"العلم‬
‫صرح ّأنه '' ليس إمكان التحقيق‪ ،‬وانما إمكان تكذيب النسق هو ما يمكن أن‬
‫ّ‬ ‫الزائف"‪ ،‬حيث‬
‫إن إمكان التكذيب معيا ار للتمييز وليس معيا ار للمعنى باعتباره‬
‫ثم ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫نأخذه كمعيار للتمييز''‬
‫(‪)17‬‬

‫فإنه يقول ‪ '' :‬إنها‬


‫أما عن مشكلة التمييز ّ‬
‫‪ّ ،‬‬
‫(‪)18‬‬
‫يفصل بين نوعين من قـضايا ذات مـعنى‬
‫تتمثل في العثور على معيار يمكننا من التمييز بين قضايا العلوم التجريبية‪ ،‬من ناحية‪،‬‬
‫والرياضيات والمنطق‪ ،‬باإلضافة إلى األنساق الميتافيزيقية‪ ،‬من ناحية أخرى''(‪ )19‬على خـالف‬
‫( ‪le problème de la‬‬ ‫الوضعيـة المنطقيـة التي اصطلح ـت عـلى مـشكـلـة الـتميـيـز بمشكل ـة المـعنـى‬
‫التي تتمثل في العثور على معيار للتمييز بين الـقضايا التي لها مـعنى والـقضايا‬ ‫‪)signification‬‬

‫بالرغم من أنها ال تنتمي إلى العلم التجريبي‪،‬‬


‫التي ال مـعنى لـها‪ ،‬فمثال الميتافيزيقا عند بوبر ّ‬
‫إالّ ّأنه ال يمكن اعتبارها عديمة المعنى‪ ،‬ألنها ذات صلة به‪ ،‬وعناصرها تتداخل بقوة في‬
‫السياق يقول ‪ ...":‬إن األفكار الميتافيزيقية‪ ،‬ومن ثم األفكار‬
‫‪ ،‬وفي هذا ّ‬
‫(‪)20‬‬
‫نسيجه (العلم)‬
‫الفلسفية‪ ،‬لها أهمية كبيرة للكوسمولوجيا‪ ،‬من طاليس إلى آينشتاين ومن الذرية القديمة إلى‬
‫تأمالت ديكارت عن المادة‪ ،‬ومن تأمالت جيلبرت ونيوتن واليبنيتز وبوسكوفسكي إلى تأمالت‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)21‬‬
‫فراداي و آينشتاين في مجاالت القوى‪ ،‬فتحت األفكار الميتافيزيقية معالم الطريق"‬
‫النظريات العلمية نشأت عن بعض األفكار ما قبل‬
‫تاريخ العلم يؤكد أن الكثير من ّ‬
‫السياق ذاته يقول جون ديوي‪...'' :‬تاريخ العلم يدلنا على أن‬
‫العلمية كفرض الذرة مثال‪ ،‬وفي ّ‬
‫فروضا كثيرة قد لعبت دو ار هاما في تقدم العلم‪ ،‬مع أنها فروض كانت عند نشأتها األولى‬
‫تأملية خالصة''(‪.)22‬‬

‫التمييز بين القضايا التي لها معنى والقضايا التي ال معنى لها هو األساس‬
‫ّ‬ ‫إذا كان‬
‫التمييز بين العبـارات الكليـة‬
‫ّ‬ ‫فإن كـارل بـوبـر اتخـذ من‬
‫الذي يحدد معيار الوضعية المنطقية‪ّ ،‬‬

‫للتمييز بين العلم والالّعلم‬


‫ّ‬ ‫معيا ار‬ ‫) ‪ )Universal Statements‬والعبارات األساس (‪)Basic statement‬‬
‫التمييز (إمكان التكذيب) ومعيار الوضعية المنطقية‬
‫ّ‬ ‫ومبر ار منطقيا للفصل بين معياره في‬
‫أن الالّتماثل المنطقي الناتج عن العالقة التي تربط بين‬
‫(إمكان التحقيق)‪ ،‬على اعتبار ّ‬
‫العبارات الكلية والعبارات األساس هو ما يحكم العالقة بين المعياريين‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫''الالتماثل بين التحقيق والتكذيب ناتج عن العالقة المنطقية التي تربط بين النظريات‬
‫‪.‬‬
‫(‪)23‬‬
‫األساس''‬ ‫والعبارات‬

‫عرف بوبر العبارات الكلية على أنها عبارات تركيبية ال تحليلية ترد فيها أسماء أو‬
‫لقد ّ‬
‫(ال تشير إلى مجال زماني مكاني)‪ ،‬إنها تقرير كلي عن‬ ‫(‪)24‬‬
‫(‪)strict‬‬ ‫تصورات كلية صارمة‬
‫أما العبارات األساس فهي عبارات‬
‫عدد غير محدود من األفراد ولذا فهي غير قابلة للتحقيق‪ّ ،‬‬
‫تصف وتثبت وجود حاالت واقعية مالحظة في زمان‬ ‫شخصية وصفية (‪،)Descriptives‬‬
‫األول من العبارات( العبارات الكلية) ‪ -‬حسب كارل بوبر‪ -‬يمكن مقابلته‬
‫ومكان ‪ .‬فالنوع ّ‬
‫(‪)25‬‬

‫ألنه غير مستمدة منه(‪ .)26‬ويمكننا التمييز هنا‬


‫بالتناقض مع النوع الثاني( العبارات األساس) ّ‬
‫بين القـضايا الشخصية الوجودية التي تسميها الوضـعية المـنطقية بقـضايا البـروتوكول‬
‫وهي قضايا تشير إلى وقائع يمكن مالحظتها‪ ،‬ولهذا يسميها‬ ‫(‪)propositions Protocolaires‬‬

‫وتعتبر األساس الذي يتم بموجبه‬ ‫(‪)Propositions Expérimentales‬‬ ‫كـارناب بالقـضايا التجريبية‬
‫التحقيق من قضايا العلوم التجريبية‪ّ ،‬إنها تقرر مدى صدق أو كذب القضايا التركيبية أو‬
‫العلمية ‪ ،‬صدقها يؤدي إلى صدق القضايا الكلية (القضايا العلمية)‪ ،‬وكذبها يؤدي على كذب‬
‫القضايا الكلية‪ ،‬مثال‪ :‬إذا قلنا " توجد قطعة حديد في مكان( أ) و زمان (ب) تتمدد بالح اررة"‬
‫فهذا كاف لتأييد القضية الكلية " كل حديد يتمدد بالح اررة" واذا قلنا‪" :‬ال توجد قطعة حديد في‬
‫مكان( أ) و زمان (ب) تتمدد بالح اررة " فهذا كاف لكذب القضية الكلية " كل حديد يتمدد‬
‫النوع من القضايا البروتوكولية‪ -‬في نظر الوضعية المنطقية‪ -‬ال يتناقض‬
‫بالح اررة " ‪ .‬وهذا ّ‬
‫مع القضايا الكلية ألنه مستمدة منها‪.‬‬

‫أما ال عبارات األساس فإنها ال تكافئ القضايا البروتوكولية التي تحدثت عنها الوضعية‬
‫ّ‬
‫ألنه يمكن مقابلتها بالتناقض مع العبارات الكلية‪ ،‬صدقها( العبارات األساس) يؤدي‬
‫المنطقية‪ّ ،‬‬
‫إلى كذب العبارات الكلية؛ وهذا القول ال يكافئ حديثنا السابق عن القضايا البروتوكولية‬
‫أن العبارات‬
‫(كذب القضايا الشخصية الوجودية يؤدي إلى كذب القضايا الكلية)‪ ،‬على اعتبار ّ‬
‫األساس التي جعلها بوبر أساس عملية التكذيب تختلف من حيث بنيتها (صورتها) المنطقية‬
‫عن القضايا الشخصية الوجودية التي تحدثت عنها الوضعية المنطقية ‪ .‬فلقد قسم كارل بوبر‬
‫( ‪the permitted basic‬‬ ‫العبارات األساس إلى فئتين‪ :‬فئة العبارات المعززة أو المسموح بها‬
‫الشخصية الوجودية التي تتسق مع العبارات الكلية وال تناقضها‪،‬‬
‫‪ )statements‬وهي فئة العبارات ّ‬
‫حيث أن قبولها يسمح بقبول العبارات الكلية دون القول إنها‬ ‫أي التي تسمح بها )‪،( permits‬‬
‫صادقة(‪ ،)27‬إذا قلنا مثال‪" :‬توجد قطعة حديد في مكان( أ) و زمان (ب) تتمدد بالح اررة" صدق‬
‫هذه القضية الشخصية الوجودية ‪ -‬حسب بوبر‪ -‬ال يؤدي إلى صدق القضية الكلية " كل‬
‫أما الفئة الثانية‬
‫ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫(*)‬
‫حديد يتمدد بالحرارة " بل تسمح بها على سبيل التعزيز )‪(corroboration‬‬

‫من العبارات األساس فهي التي تتناقض مع العبارات الكلية‪ ،‬حيث إ ّن قبولها يستلزم رفض‬
‫‪the class of the Potential‬‬ ‫العبارات الكلية‪ ،‬ويطلق عليها بوبر اسم(فئة المكذبات الممكنة) (‬
‫" يمكننا أن نسمي األقوال التجريبية أو األقوال المالحظة التي تتناقض مع نظرية ما‬ ‫‪)falsifiers‬‬

‫‪.‬‬ ‫"إمكانية تكذيب النظرية موضع الحديث"أو" المكذب الممكن للنظرية"‬


‫(‪)28‬‬

‫العبارة األساس التي تكذب العبارات الكلية (النظريات العلمية) صورتها المنطقية هي‬
‫"يوجد " بمعنى قضية وجودية فعلى سبيل المثال القضية القائلة‪ " :‬يوجد على األقل غراب‬
‫واحد ليس أسود الّلون في مكان (س) و زمان (ع)"‪ ،‬تعبر عن وقائع موجودة في الزمان‬
‫أما القضايا الشخصية‬‫والمكان‪ ،‬ولهذا فصدقها يؤدي إلى كذب القضية "كل غربان سود"‪ّ .‬‬
‫الوجودية التي تكذب العبارات الكلية عند الوضعية المنطقية فصورتها المنطقية "ال يوجد"‪،‬‬
‫ال تعبر عن وقائع‬ ‫الالوجودية(‪)Proposition non Existentielle Singulière‬‬ ‫والقضية الشخصية‬
‫مالحظة في الزمان والمكان (الالوجود ال ينتج عنه الوجود)‪.‬‬

‫وبهذا يكون بوبر في عملية التكذيب‪ -‬تكذيب العبارات الكلية‪ -‬قد بحث عن الصدق‬
‫( صدق العبارات الوجودية " يوجد" التي تتناقض مع القضايا الكلية) صدق العبارات‬
‫إن القضايا الشخصية‬
‫الشخصية الوجودية يؤدي إلى كذب العبارات الكلية‪ ،‬ومن هنا نقول ّ‬
‫أما الوضعية‬
‫الوجودية التي صورتها المنطقية [ يوجد] هي أساس عملية التكذيب عند بوبر‪ّ ،‬‬
‫المنطقية في عملية التكذيب‪ -‬تكذيب العبارات الكلية‪ -‬فقد بحثت عن الكذب ( القضايا‬
‫الشخصية الوجودية "يوجد" التي ال تتناقض مع القضايا الكلية) كذب القضايا الشخصية‬
‫الوجودية يؤدي إلى كذب القضايا الكلية ‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فالقضايا الشخصية الالوجودية التي‬
‫صورتها المنطقية "ال يوجد " هي أساس عملية التحقيق السلبي ( الكذب) عند الوضعية‬
‫المنطقية ‪ .‬وهذا – في نظرنا‪ -‬الخط الفاصل بين معيار إمكان التكذيب ومعيار إمكان‬
‫التحقيق‪ .‬إضافة إلى هذا‪ ،‬فإن معيار إمكان التكذيب البوبري يقوم على أساس قاعدة منطقية‬
‫في المنطق الكالسيكي حالة الرفع بالرفع( رفع التالي‬ ‫التالي(‪)Modus tollens‬‬ ‫وهي قاعدة رفع‬
‫يؤدي إلى رفع المقدم)‪ ،‬وصورتها المنطقية تصاغ كالتالي‪:‬‬
‫) ‪Si (P) donc (q‬‬ ‫إذا كان (أ) فإن( ب)‬

‫)‪or non(q‬‬ ‫لكن ال (ب)‬

‫) ‪donc non( p‬‬ ‫إذن ال (أ)‬

‫و إذا أردنا صياغة البنية المنطقية لمعيار امكان التكذيب البوبري فسيكون كاآلتي‪:‬‬

‫إذا كانت القضية الشخصية الوجودية صادقة فإن القضية الكلية تكون كاذبة‬

‫لكن القضية الشخصية الوجودية صادقة‬

‫إذن القضية الكلية كاذبة‬

‫(على أساس التناقض الذي يحكم العالقة بين القضية الكلية والقضية الشخصية الوجودية)‪.‬‬

‫أما الصورة المنطقية لمعيار إمكان التحقيق فستكون على الشكل اآلتي‪:‬‬
‫ّ‬

‫إذا كانت القضية الشخصية الوجودية صادقة فإن القضية الكلية تكون صادقة‬

‫لكن القضية الشخصية الوجودية صادقة‬

‫إذن القضية الكلية صادقة‬

‫( صدق الجزئيات يؤدي إلى صدق الكليات‪ ،‬وهذا ما يعبر عن االستدالل االستقرائي )‪.‬‬
‫أن البنية المنطقية التي يقوم عليها معيار بوبر تختلف عن تلك التي‬
‫الحاصل إذن هو ّ‬
‫يقوم عليها معيار إمكان التحقيق وهذا هو الخط الفاصل بينهما‪.‬‬

‫لكن يمكننا أن نشير إلى وجود خط آخر يفصل بين المعيارين يتعلق هذه المرة بطبيعة كل‬
‫منهما‪ ،‬فالوضعية المنطقية ترى أن معيار التمييز هو معيار منطقي خالص يحلل بنية‬
‫المعرفة العلمية دون اللجوء إلى عملية البحث عن كيفية تطورها‪ ،‬فالتحليل المنطقي للقضايا‬
‫وحده كاف لتمييز العلم عن الميتافيزيقا‪ .‬لكن بوبر يرى أن معيار التمييز معيار منهجي‬
‫بالدرجة األولى فهو يحلل بنية المعرفة العلمية ثم ينتقل إلى تحليل كيفية تطورها‪ ،‬فالتحليل‬
‫المنطقي وحده غير كاف لتمييز العلم عن الالعلم‪ ،‬ألن االعتماد عليه يجعل معيار التمييز‬
‫صوري‪ ،‬ألنه ال يستند إلى معايير موضوعية تبرره‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬ال قيمة له‪.‬‬

‫في المقابل الوضعية المنطقية اكتفت بتحليل بنية المعرفة العلمية دون اللجوء إلى دراسة‬
‫كيفية تطورها‪ ،‬وبهذا فمشكلة التمييز عندها ال عالقة لها بمشكلة تقدم المعرفة العلمية‪ .‬فهي‬
‫أما بوبر فقد ربط بين المنهج‬
‫قدمت معيار منطقي خالص ال عالقة له بالجانب المنهجي ‪ّ .‬‬
‫العلمي( منهج التكذيب والتنفيد‪ ،‬منهج البحث النقدي) ومعيار التمييز ومشكلة تطور المعرفة‬
‫فإنه هو‬
‫العلمية أشد ارتباط‪ ،‬فإذا كان المنهج العلمي هو الذي يبرر معيار إمكان التكذيب‪ّ ،‬‬
‫اآلخر بحاجة إلى من يبرره‪ ،‬وهنا انتقل بوبر من تحليل بنية المعرفة العلمية إلى البحث عن‬
‫كيفية تطورها؛ فوجد أن العلم التجريبي ال يتقدم من خالل محاولة البحث عن نظريات علمية‬
‫صادقة بواسطة المنهج االستقـرائي‪ ،‬واّنما يتقدم عن طريق التكـذيب‪ ،‬فالتقدم العلمي يحصل‬
‫عندما تترك النظرية العلمية مكانها لنظرية علمية أخرى‪ ،‬ولكن لكي يتم هذا ال بد على‬
‫النظريـات العلمية أن تتوفر فيها خاصية إمكانية للتكذيب فعن طريق تكذيبها يتقـدم العلـم‪.‬‬
‫وبهذا يكون بوبر قد ّبرر منهج التكذيب بتقدم المعرفة العلمية‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فتقدم المعرفة‬
‫العلمية باستعمال منهج التكذيب هو الذي سيضمن صالحية ومشروعية معيار إمكان‬
‫التكذيب الذي قدم كحل لمشكلة التمييز بين العلم والالعلم‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يكون بوبر‪ -‬في نظرنا‪-‬‬
‫قد بنى معياره للتمييز على أسس موضوعية عكس الوضعية المنطقية‪.‬‬

‫النتيجة التي نخلص إليها هي أن معالجة بوبر لمشكلة التمييز تختلف تماما عن‬
‫ألن قاعدة‬
‫المعالجة التي قامت بها الوضعية المنطقية في التمييز بين العلم والميتافيزيقا‪ّ ،‬‬
‫الرفع‪ ،‬التحليل المنهجي لقضايا العلم‪ ،‬منهج التكذيب والتفنيد‪ ،‬معيار امكان التكذيب‪،‬‬
‫أن الالّتماثل‬
‫العبارات األساس‪ ،‬تعد عناصر جديدة في فلسفة كارل بوبر‪ .‬وبهذا نصل إلى ّ‬
‫هو ما يحكم العالقة بين معيار امكان التحقيق ومعيار امكان التكذيب‪.‬‬

‫اهلوامش‪:‬‬

‫‪(1)- Félix Kaufmann, Quelques problèmes Fondamentaux du positivisme logique‬‬ ‫‪l’activité‬‬


‫‪philosophique contemporaine en France et aux état - unis, Etudes‬‬
‫‪publiées sous la direction de‬‬ ‫‪Marvin Farber T1, La philosophie‬‬
‫‪Américaine , P.U.F , Paris, 1950, p : 249.‬‬

‫وليم جيمس إيرل‪ :‬مدخل إلى الفلسفة‪ ،‬ترجمة‪ :‬عادل مصطفى‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬ط ‪،1‬‬ ‫(‪-)2‬‬

‫المشروع القومي للترجمة‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬العدد ‪ ،2005، 962‬ص‪.247 :‬‬

‫‪(3)- Bruno, Jarrosson : Invitations à la philosophie des sciences, éditions du Seuil.Paris 1992, p :167.‬‬
(4)- Carnap Rudolf : La science et la métaphysique devant l’analyse logique du langage.op-
cit, p :36.

(5)- Ibid, p : 3.

،1 ‫ ط‬،‫ وتقديم نجيب الحصادي‬:‫ ترجمة‬،‫ كيف يرى الوضعيون الفلسفة‬:‫ أي جي مور‬-)6(

‫ دار اآلفاق الجديدة دار‬،‫الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع واالعالن‬

.30 :‫ ص‬، 1994 ،‫البيضاء‬

(7)- Carnap Rudolf : La science et la métaphysique devant l’analyse logique du langage


p :37.

(8)- Ayer, Alfred,Jules :Langage, vérité et logique, trad, Joseph Ohana, éditeurs,
Flammarion, Paris, 1956 p : 52.

‫ دار‬،1‫ (ط‬،‫ ماهر عبد القادر محمد علي‬:‫ ترجمة‬،‫ منطق الكشف العلمي‬:‫ كارل بوبر‬-)9(

.20:‫ ص‬،)1986 ،‫ لبنان‬،‫النهضة العربية للطباعة والنشر‬

(10)-Carnap Rudolf : La science et la métaphysique devant l’analyse logique du langage,


op – cit, p :29.

(11)- L, Wittgenstein: Tractatus-Logico-Philosophicus, op - cit, (4. 003).

،‫ منشورات االختالف‬،‫ الجزائر‬، 1‫ ط‬،‫ فكرة التفتح في فلسفة كارل بوبر‬:‫لخضر مذبوح‬-)12(

.151 :‫ ص‬،2009

‫المؤسسة‬:‫بيروت‬ 2‫ فؤاد زكريا ( ط‬:‫ ترجمة‬،‫ نشأة الفلسفة العلمية‬:‫هانز ريشنباخ‬-)13(

.203 ‫) ص‬1979،‫العربية للطباعات والنشر‬

(14)- Albert, Einstein: Conceptions scientifiques, trad, de l’anglais par : M, Solovine, éditions,
Flammarion, Paris. 1990,p : 48.
(15)- K , R, Popper : La connaissance objective, trad de l’anglais par Jean-jacques
Rosat, éditions, Flammarion, Paris, 1998,p : 152.

(16)- k,R, Popper : the logic of scientific discovery, first impression, Hutchinson of London,
1959, p:36.

(17)- Ibid,p :40.

(18)- Ibid, p :40.

(19)-Karl, R, Popper : Realism and aim of science, édited by w.w. Bartley, Routledge,
London and New York, 1992, p :19.

(20)-Ibid, p: 179.

(21)- Karl, R, Popper: the logic of scientific discovery ,op - cit, p: 19.

‫ دار‬:‫ مصر‬،‫زكي نجيب محمود‬: ‫ ترجمة‬،‫ نظرية البحث‬،‫ المنطق‬:‫ جون ديوي‬-)22(

.786 :‫ ص‬،1960،‫المعارف‬

(23)- Karl, R, Popper : the logic of scientific discovery, op – cit, p : 265.

(24)- Ibid, p :70.

(25)- K , R Popper : La connaissance objective, op-cit, p :47.

(26)-K , R, Popper : THE LOGIC OF SCIENTIFIC DISCOVERY ,op – cit, p : 41.

(27)-Ibid, p: 86.

.‫النظرية صامدة دون تكذيب أثناء اختبارها‬


ّ ‫) يشير إلى بقاء‬corroboration(‫ التّعزيز‬-)*(

(28)- K , R, Popper : All life is problem solving , translated by Patrick Camiller, First
published, Routledge, London and New York, p :20

You might also like