Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 24

‫خــا‬

‫ص‬

‫تاريخ الطاعون‬ ‫إلزم دارك‪..‬‬


‫واملخرن املغربي‬ ‫سالح الفقراء‬
‫‪)21-20‬‬
‫(ص‪21-20‬‬
‫(ص‬ ‫(ص‪)3‬‬
‫جريدة أسبوعية شاملة‬

‫العدد ‪ - 327 :‬الثمن ‪ 5.00 :‬دراهم‬ ‫‪-‬‬ ‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ‬ ‫‪-‬‬ ‫رئيس التحرير ‪ :‬يزيد البركة‬ ‫‪-‬‬ ‫المدير المسؤول ‪ :‬عبد الواحد المهتاني‬

‫املغاربة يواجهون كورونا‬

‫كورونا تعري هشاشة عولمة رأس المال‬


‫‪)9-8-7‬‬
‫(ص‪9-8-7‬‬
‫(ص‬
‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ ‪ -‬العدد ‪327 :‬‬
‫‪2‬‬
‫مسلسل الرعب وخطاب األمل‬ ‫االفتتاحية ‪:‬‬
‫وتضافــر جميــع الجهــود‪ ،‬دولــة ومؤسســات‬ ‫الليرباليــة بالتخــي عــن القطاعــات االجتامعيــة‪،‬‬ ‫ضاربــة عــرض الحائــط بالعقــود املربمــة وبالروابــط‬ ‫دخلــت بالدنــا كغريهــا مــن بلــدان العــامل يف حــرب‬
‫ومقــاوالت عموميــة وخاصــة‪ ،‬وأحــزاب ونقابــات‬ ‫والتــي طاملــا طالبــت القــوى التقدميــة بدعمهــا‬ ‫والعالقــات التــي تجمــع بــن شــعوبها منــذ عقــود‪،‬‬ ‫حقيقيــة مــع عــدو اإلنســانية املشــرك‪ ،‬فــروس‬
‫ومنظــات املجتمــع املــدين‪ ،‬أوال ملحــارصة الوبــاء‬ ‫واالعتنــاء بهــا وتقويــة بنياتهــا التحتيــة ومواردهــا‪،‬‬ ‫ووجــدت بلــدان مثــل إيطاليــا و إســبانيا نفســها‬ ‫كورونــا املســتجد الــذي باغــث العــامل يف مرحلــة‬
‫بالتقيــد الصــارم باإلجـراءات الوقائيــة واالحرتازيــة‪،‬‬ ‫بــدون اســتجابة‪.‬‬ ‫معزولــة ومحرومــة مــن أي دعــم مــن حلفائهــا يف‬ ‫أزمــة‪ ،‬وأجــر الــدول عــى إغــاق الحــدود وفــرض‬
‫وثانيــا بتفعيــل كل أشــكال املســاعدة والدعــم لــكل‬ ‫وأمــام ترهــل بنيــة االســتقبال الصحيــة‪ ،‬نســجل أن‬ ‫مواجهــة الكارثــة‪ .‬فهــل ســيتمكن االتحــاد األورويب‬ ‫حالــة الطــوارئ الصحيــة عــى مواطنيهــا‪ ،‬يف ســباق‬
‫مــن هــم يف حاجــة إليهــا مــن مأجوريــن أوقفــوا‬ ‫الدولــة بــادرت إىل سياســية اســتباقية برهنــت عــى‬ ‫مــن االســتمرار كــا كان عــى ضــوء مــا حــدث؟ كل‬ ‫مــع الزمــن إليقــاف االنتشــار املتســارع للجائحــة‪.‬‬
‫عــن العمــل وعاطلــن ومهمشــن ال دخــل لهــم‪،‬‬ ‫نجاعتهــا حتــى اآلن‪ ،‬رغــم تســجيل بعــض االرتبــاك‬ ‫املــؤرشات تقــول العكــس‪.‬‬ ‫هكــذا انقلبــت أوضــاع العــامل رأســا عــى عقــب‪،‬‬
‫ومهاجريــن مرشديــن دون مــأوى‪.‬‬ ‫عــى املســتويات املحليــة‪ ،‬ورغــم التفاعــل الســلبي‬ ‫يف جــزء آخــر مــن العــامل‪ ،‬برهنــت الصــن ودول‬ ‫وانفضحــت عيــوب وتناقضــات العوملــة الليرباليــة‬
‫إنهــا فرصــة لتصفيــة األجــواء بإطــاق رساح‬ ‫لبعــض الفئــات واملجموعــات التــي حاولــت الدفاع‬ ‫جنــوب رشق آســيا عــى أداء موفــق يف محــارصة‬ ‫والرأســالية املتوحشــة التــي طاملــا ناضلــت القــوى‬
‫املعتقلــن عــى خلفيــة االحتجاجــات االجتامعيــة‬ ‫عــن رأســالها الرمــزي‪ ،‬واملتمثــل يف العقليــة‬ ‫الوبــاء ومحاربتــه بفعاليــة متناهيــة‪ ،‬يف أفــق‬ ‫التقدميــة ضدهــا وحــذرت مــن مخاطرهــا عــى‬
‫والســلمية ويف مقدمتهــم معتقــي ح ـراك الريــف‪،‬‬ ‫القدريــة الســائدة بســبب الجهــل والفقــر واألميــة‬ ‫القضــاء عليــه‪ ،‬بفعــل ارتفــاع منســوب االنضبــاط‬ ‫حيــاة اإلنســان‪.‬‬
‫وإعــادة بنــاء جســور الثقــة بــن الشــعب‬ ‫مبختلــف أنواعهــا‪ .‬ومــع ذلــك ميكــن أن نعتــز‬ ‫الجامعــي ملقومــات الســامة الصحيــة وأولويــات‬ ‫فجــأة وبرسعــة مذهلــة انهــارت أســاطري "الــدول‬
‫واملؤسســات‪ ،‬لتتمكــن بالدنــا مــن تجــاوز الجائحــة‬ ‫ببالدنــا ونتفــاءل باالنتشــار البطــيء للوبــاء مقارنــة‬ ‫الوقايــة‪ ،‬وبفضــل مركــزة قطــاع الصحــة كقطــاع‬ ‫العظمــى" وانكشــفت بشــاعة قــوى الرأســال‬
‫بأقــل الخســائر املمكنــة وملــا ال االرتقــاء إىل مصــاف‬ ‫مــع بلــدان الشــال املتقدمــة‪.‬‬ ‫عمومــي ومجهــز بشــكل متكامــل ملثــل هاتــه‬ ‫االمربيــايل التــي فرضــت ســيطرتها عــى العــامل‬
‫الــدول الصاعــدة واملتحــرة‪.‬‬ ‫عــى الجميــع أن يعــي ويســتوعب أن املعركــة‬ ‫النوائــب‪.‬‬ ‫يف العقــود األخــرة‪ ،‬وبــرزت إىل الســطح مــن‬
‫هــي معركــة بقــاء ووجــود‪ ،‬تتطلــب تعبئــة‬ ‫أمــا يف املغــرب‪ ،‬فهشاشــة منظومتــه الصحيــة‬ ‫جديــد شــوفينية وعنرصيــة النخــب الحاكمــة يف‬
‫اســتثنائية لجميــع اإلمكانيــات املاديــة والبرشيــة‪،‬‬ ‫املتهالكــة حاليــا‪ ،‬كان بفعــل توجهــات الدولــة‬ ‫الغــرب‪ ،‬والتــي ترصفــت بتهــور وبأنانيــة مفرطــة‪،‬‬

‫فيدرالية اليسار الديمقراطي‬ ‫حزب الطليعة يرفع درجة التعبئة‬


‫تنخرط يف إنجاح معركة التصدي للوباء‬ ‫أمام توسع وباء كورونا‬
‫يف ظــل متابعــة حــزب الطليعــة‬
‫اإلضــايف لألحــزاب السياســية لســنة ‪ 2020‬إىل الصنــدوق‬ ‫تابعــت الهيئــة التنفيذيــة لفيدراليــة اليســار الدميقراطــي‬ ‫الدميقراطــي االش ـرايك باســتمرار لألخبــار‬
‫الخــاص بتدبــر جائحــة فــروس كورونــا " كوفيــد‪." -19‬‬ ‫مســتجدات الوضــع الــدويل و الوطنــي بعــد انتشــار وبــاء‬ ‫واملســتجدات املتعلقــة باالنتشــار الرسيــع‬
‫‪ .4‬تشــيد بق ـرار العديــد مــن مستشــاري فيدراليــة اليســار‬ ‫كوفيــد‪ -19‬الــذي اعتربتــه منظمــة الصحــة العامليــة جائحــة‪،‬‬ ‫لفــروس كورونــا يف معظــم بلــدان العــامل‪،‬‬
‫الدميقراطــي بالتنــازل عــن تعويضاتهــم لشــهر مــارس لفائــدة‬ ‫وبعــد وقوفهــا عــى التدابــر واإلجــراءات التــي اتخذتهــا‬ ‫مبــا فيهــا املغــرب‪ ،‬وتداعيــات ذلــك عــى‬
‫الصنــدوق الخــاص بتدبــر جائحــة كورونــا "كوفيــد‪"-19‬‬ ‫الدولــة للحــد مــن آثــاره االقتصاديــة واالجتامعيــة فإنهــا‪:‬‬ ‫جميــع املســتويات وخاصــة الحيــاة‬
‫وتدعــو باقــي املستشــارين واملناضــات واملناضلــن إىل‬ ‫‪ .1‬إذ تشــيد بالخطــوات االحرتازيــة والوقائيــة وتدابــر‬ ‫اليوميــة للمغاربــة‪ ،‬دعــا حــزب الطليعــة‬
‫املســاهمة يف هــذا الصنــدوق بــروح تضامنيــة وطنيــة‪.‬‬ ‫محــارصة انتشــار الوبــاء التــي اتخذتهــا الســلطات الحكومية‪،‬‬ ‫جميــع املناضــات واملناضلــن لاللتــزام‬
‫‪ .5‬تدعــو املناضــات واملناضلــن إىل االنخــراط يف كل‬ ‫فإنهــا تدعــو كافــة املواطنــات واملواطنــن إىل االلتــزام‬ ‫الصــارم بتوجيهــات املنظمــة العامليــة‬
‫مبــادرات التضامــن والتــآزر عــن قــرب مــع املواطنــات‬ ‫بالتعليــات والقواعــد الوقائيــة ورشوط الصحــة والســامة‪،‬‬ ‫للصحــة ووزارة الصحــة املتعلقــة بالوقايــة‬
‫واملواطنــن يف احـرام تــام ملقتضيــات الحجــر الصحــي وتحيي‬ ‫للمســاهمة مبســؤولية يف الحــد مــن انتشــار هــذه الجائحــة‪.‬‬ ‫مــن العــدوى‪ ،‬واملســاهمة يف التوعيــة‬
‫عاليــا كل األطــر الصحيــة مــن أطبــاء وممرضــن وغريهــم من‬ ‫‪ .2‬تدعــو الحكومــة إىل اتخــاذ اإلجــراءات الرضوريــة‬ ‫الصحيحــة للمواطنــات واملواطنــن بذلــك‪ ،‬مــع نــر ثقافــة التطــوع والتضامــن‪.‬‬
‫موظفــن وأطــر وكافــة فئــات الشــغيلة اللذيــن يقفــون يف‬ ‫لتخفيــف االنعكاســات االقتصاديــة واالجتامعيــة عــى فئــات‬ ‫كــا تقــرر تأجيــل االجتامعــات واألنشــطة الحزبيــة والجامهرييــة‪ ،‬وتعويضهــا‬
‫الخطــوط األوىل ملواجهــة هــذا الفــروس بــكل مســؤولية‬ ‫واســعة مــن املواطنــات واملواطنــن وتوزيــع املجهــودات‬ ‫بالتواصــل االلكــروين عــن بعــد‪ ،‬إىل حــن توفــر الظــروف العاديــة لتنظيمهــا‪.‬‬
‫وبــروح وطنيــة ونكــران للــذات‪.‬‬ ‫بشــكل عــادل عــى املســتوى املجــايل مــع إقـرار دخــل جـزايف‬
‫كــا طالــب حــزب الطليعــة الدولــة واملؤسســات املعنيــة بتحمــل مســؤولياتها‬
‫‪ .6‬تطالــب بإطــاق رساح معتقــي حــراك الريــف وكافــة‬ ‫لــكل األرس مبــا فيهــا تلــك التــي ال تســتفيد مــن أيــة تغطيــة‬
‫املعتقلــن السياســيني يف هــذا الســياق املتســم بالتعبئــة‬ ‫اجتامعيــة مــع الحــرص عــى تأمــن وصــول مــواد االســتهالك‬ ‫يف اتخــاذ جميــع اإلجــراءات الرضوريــة لحاميــة املواطنــات واملواطنــن والتكفــل‬
‫الوطنيــة وســيادة روح التضامــن والتكافــل‪.‬‬ ‫األساســية للمــدارش و القــرى يف ظــل الحجــر الصحــي املعلن‪.‬‬ ‫بعــاج املصابــن منهــم‪ ،‬والحــد مــن التداعيــات االقتصاديــة واالجتامعيــة املرتتبــة‬
‫‪ .3‬تدعــو الحكومــة إىل تحويــل املبلــغ املخصــص للدعــم‬ ‫عــن الوبــاء وعــن الجفــاف‪ ،‬كــا ناشــد املواطنــات واملواطنــن التحــي باملســؤولية‬
‫وروح املواطنــة والتضامــن والتآخــي‪...‬‬

‫الجبهة االجتماعية املغربية تدعو لتأميم املصحات الخاصة ملواجهة توسع الوباء‬
‫أمثل لســرورة عادية للشــغل يف املعامل واملؤسســات اإلنتاجيــة واإلدارات‪،‬‬ ‫‪ - 3‬تكثيــف تدابــر الدولــة ملواجهــة هــذا الوبــاء مــن الناحية اللوجســتية‪،‬‬ ‫أصــدرت الجبهــة االجتامعيــة املغربيــة بيانــا يف ســياق الوضــع العاملــي‬
‫وكــذا اســتمرار تســديد األجــور للمســتخدمني يف القطاعــن العــام والخاص‪.‬‬ ‫التقنيــة والطبيــة‪ ،‬وتســطري برنامــج لتوزيــع لــوازم الحاميــة عــى املواطنــن‬ ‫لتفــي فــروس كوفيــد ‪ 19‬املســتجد املعــروف بكورونــا‪ ،‬والــذي تؤكــد كل‬
‫‪ - 6‬مواكبــة التدابــر االســتباقية التــي كان مــن املفــروض اتخاذهــا مــن‬ ‫وإطــاق حملــة وقائيــة (كحــث املصالــح الصحيــة وأقســام حفــظ الصحــة‬ ‫املــؤرشات الدوليــة تحولــه لوبــاء‪ ،‬وأمــام خطــورة الوضــع الــذي تعيشــه‬
‫طــرف الحكومــة فيــا يتعلــق بالتعليــم إذا اســتمر وضــع األزمــة الوبائيــة‬ ‫عــى تعقيــم اإلدارات ووســائل النقــل العمومــي واملرافــق العموميــة‬ ‫املواطنــات واملواطنــون‪ ،‬مــا يقتــي االلت ـزام بأقــى درجــات الوقايــة‬
‫لفــرة طويلــة‪ ،‬أخــذا بعــن االعتبــار انعــدام أي برامــج مســبقة للتعليــم‬ ‫والســامة الشــغلية)‪ ،‬واقرتحــت الجبهــة رضورة اللجــوء لتأميــم اســتعامل‬ ‫والوعــي الصحــي وتعليــات الســامة وســط العائــات ويف األماكــن‬
‫الرقمــي عــن البعــد‪ ،‬مــع العلــم أن نســبة رقمنــه األرس املغربيــة الفقــرة‬ ‫املصحــات الخاصــة ونصــب املستشــفيات العســكرية املتنقلــة ملواجهــة‬ ‫العامــة‪ ،‬وقــد طرحــت الجبهــة االجتامعيــة املغربيــة عــدة مداخــل عمليــة‬
‫بالتعليــم العمومــي متدنيــة جــدا‪ ،‬لهــذا فاألمــر يســتدعي حالــة تعبئــة‬ ‫فعالــة لوبــاء فــروس كوفيــد ‪ 19‬يف حالــة توســعه‪.‬‬ ‫التخاذهــا مــن طــرف الدولــة قصــد تجنــب أي مظهــر مــن مظاهــر االنهيار‬
‫اســتثنائية مــن طرف الــوزارة واملؤسســات التعليمية واملدرســن واألرس‪ ،‬مع‬ ‫‪ - 4‬اتخــاذ قــرارات مســتعجلة تهــم الحــد مــن ارتفــاع أســعار بعــض‬ ‫االقتصــادي أو االجتامعــي الناتــج عــن اســتمرار توســع دائــرة انتشــار الوباء‬
‫توفــر الدولــة لإلمكانيــات املاديــة واملقــررات والولــوج املجــاين لالنرتنيــت‬ ‫املنتجــات الرضوريــة الناتــج عــن االحتــكار‪ ،‬والــذي لوحــظ مؤخ ـرا مــع‬ ‫ببالدنــا‪ ،‬ومــن ضمنهــا ‪:‬‬
‫يف هاتــه الفــرة‪.‬‬ ‫مــا رافقــه مــن اســتفحال ظاهــرة املضاربــة يف املــواد األساســية‪ ،‬ووجــوب‬ ‫‪ - 1‬وضــع خريطــة لتطــور الوضعيــة الحاليــة واملتوقعــة بشــأن الحالــة‬
‫ختمــت الجبهــة االجتامعيــة املغربيــة‪ ،‬بيانهــا بتأكيــد حجــم التحديــات‬ ‫تقنــن الكميــات يف املحــات التجارية لبيع الســلع بشــكل ال يتجــاوز القدر‬ ‫الوبائيــة وإمكانيــات املواجهــة‪ ،‬أمــام تضــارب األرقــام بــن الرســمية‬
‫املرفوعــة أمــام املغاربــة بســبب هــذا الوبــاء‪ ،‬ووضعــت كل إمكانياتهــا‬ ‫املســموح بــه واعتــاد مراقبــة ومحاربــة االحتــكار وتحديــد أســعار بعــض‬ ‫واملتداولــة يف وســائط التواصــل االجتامعــي‪ ،‬وذلــك تجنبــا النتشــار‬
‫التطوعيــة يف كل أماكــن تواجدهــا‪ ،‬وعــرت عــن كامــل الثقــة يف قــدرة‬ ‫املنتجــات الرضوريــة واألساســية‪ ،‬مــع ضــان الوفــرة الالزمــة لتأمــن املــواد‬ ‫اإلشــاعات وتداعياتهــا عــى املواطــن‪.‬‬
‫األرس املغربيــة عــى االنتصــار يف معركــة مواجهــة فــروس كورونــا بإشــاعة‬ ‫الغذائيــة يف األســواق‪ ،‬واملحاســبة الصارمــة لتجــار األزمــات الذيــن يتــم‬ ‫‪ - 2‬تســطري برامــج تحسيســية علميــة وعمليــة اســتعجاليه للحــد مــن‬
‫قيــم التضامــن والتــآزر وأقــى درجــات املســؤولية والوعــي الصحــي‪،‬‬ ‫التغــايض عنهــم بفعــل سياســة الدولــة التــي شــجعت توحــش النيوليربالية‬ ‫انتشــار الوبــاء‪ ،‬وكــذا الرفــع مــن منســوب الوعــي الصحــي والوقــايئ‬
‫وأعــادت التأكيــد عــى مســؤولية الدولــة يف وضــع مخطــط ســليم يجيــب‬ ‫والخوصصــة‪.‬‬ ‫بخطــورة انتشــار العــدوى الوبائيــة لفــروس كورونــا‪ ،‬مــا يفرض اســتعامل‬
‫عــى اإلشــكاالت التــي طرحنــا بطريقــة اســتباقية‪.‬‬ ‫‪ - 5‬تعجيــل الدولــة بإجـراءات عمليــة مــن الناحيــة االقتصاديــة‪ ،‬وضــان‬ ‫كل وســائل التعبئــة والتوعيــة اإلعالميــة والرقميــة واملبــارشة‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ ‪ -‬العدد ‪327 :‬‬

‫عني على الساحة‪...‬‬ ‫بصوت مرتفع‬

‫الزم دارك‪ ..‬ســاح الفقراء‬ ‫جائحة كورونا والنموذج التنموي اجلديد‬


‫كشــف هــذا الوبــاء‪ ،‬أكــر مــن غــره مــن الكــوارث الصحيــة‪ ،‬عــورة النظــام الرأســايل املطبــق‬ ‫جائحــة كورونــا العابــرة للحــدود والقــارات أنتجــت "تســونامي صحــي واقتصــادي "‪ ،‬وجــدت فيــه البرشيــة نفســها‬
‫يف مجتمعــات العــامل‪ ،‬وامللفــت للنظــر أن الــدول التــي مل تُخضــع املجــاالت االجتامعيــة والصحيــة‬ ‫محكومــة بأســئلة مركبــة مــن قبيــل ‪ :‬أيــن تســر بنــا العوملــة الليرباليــة املتوحشــة؟ أي مصــر مجهــول؟ أي خــاص‬
‫للربــح الخــاص متكنــت مــن الصمــود يف وجهــه مثــل الصــن وروســيا‪ ،‬يف حــن أن حكامــا للــدول‬ ‫ألي مســتقبل؟‬
‫الغنيــة أو الفقــرة أو املفقــرة‪ ،‬وجــدوا أنفســهم أمــام تناقــض كبــر‪ :‬الرغبــة يف القضــاء عــى الوبــاء‬ ‫يف مغــرب مــا قبــل زمــن كورونــا‪ ،‬الــكل كان مشــغوال بحركيــة لجنــة النمــوذج التنمــوي الجديــد يف اســتجامع املعطيات‬
‫مــن جهــة‪ ،‬والحفــاظ عــى مرتك ـزات امتصــاص الــركات الكــرى لهامــش أرباحهــا‪.‬‬ ‫والتصــورات حــول أي منــوذج تنمــوي نريد؟‬
‫ليــس صحيحــا أن الــدول الرأســالية الكــرى اســتخفت واســتهزأت بالوبــاء‪ ،‬وصــدور بعــض‬ ‫أي منــوذج تنمــوي نريــد؟‪ ،‬قــد يبــدو هــذا الســؤال محافظــا عــى راهنتيــه‪ ،‬لكــن الســؤال املــؤرق أكــر ‪ :‬هــل الحاجــة‬
‫التعليقــات يف هــذه البلــدان يف البدايــة ليــس إال إيديولوجيــا‪ ،‬تخفــي امليــل نحــو الحفــاظ عــى‬ ‫إىل تشــخيص أعطابنــا الزالــت قامئــة لصياغــة ذلــك النمــوذج املنشــود ؟ أمل تعــد ورقــة اللجنــة ومذك ـرات الطيــف‬
‫ســر النظــام االقتصــادي القائــم عــى الربــح املتوحــش‪ .‬فــكل هــذه الــدول وجــدت نفســها مــع‬ ‫الســيايس واملــدين والنقــايب‪ ،‬منتهيــة الصالحيــة عــى ضــوء تداعيــات جائحــة كورونــا حــارضا ومســتقبال؟‬
‫انتشــار الوبــاء تعيــش تضخــا اقتصاديــا وماليــا هائــا‪ ،‬ال حــد لــه‪ ،‬وضعفــا إىل حــد الفقــر املذقــع‪،‬‬ ‫إن االسـراتيجية الوقائيــة التــي بارشتهــا الدولــة املغربيــة بــدءاً مــن وقــف الرحــات الجويــة والبحريــة مــع الخــارج‪،‬‬
‫يف إمكانيــات املواجهــة والصمــود والوقايــة والعــاج‪ .‬وقــد بــدأت هــذه الــدول مــع الخــوف مــن‬ ‫مــرورا بإغــاق املؤسســات التعليميــة وتعليــق الصــاة باملســاجد وتقنــن حركــة النقــل الداخــي‪ ،‬إحــداث صنــدوق‬
‫تفاقــم الركــود االقتصــادي تتخــذ إجـراءات مســتعجلة‪ ،‬لكــن يف كل األحــوال لــن يــؤدي الوبــاء إىل‬ ‫لتدبــر ومواجهــة كورونــا‪ ،‬وصــوال اىل إعــان حالــة الطــوارئ الصحيــة و آليــة االبتعــاد االجتامعــي‪ ،‬بقــدر مــا شــهدت‬
‫تغــر النظــام العاملــي‪ ،‬وكل مــن يقــول هــذا فهــو فقــط يحلــم‪ ،‬وقــد قيــل ذلك مــع الحــرب العاملية‬ ‫انخراطــا واســعا للمواطنــن املغاربــة بقــدر مــا تخللتهــا العديــد مــن الثغـرات والعوائــق جمعــت بــن محدوديــة آليات‬
‫األوىل وحتــى يف الثانيــة‪ .‬إن كل الخطــوات التــي ســتتخذها لن تتجاوز ُحقَـــن مؤقتــة للنظام العاملي‬ ‫الدعــم االجتامعــي يف اســتهداف كل الفئــات املقهــورة‪ ،‬وصعوبــة إقنــاع املغاريــة بالبقــاء يف منازلهــم ووضــع مســافات‬
‫لــن متــس جوهــره حتــى يتــم القضــاء عــى الفــروس‪.‬‬ ‫اجتامعيــة بــن بعضهــم البعــض‪ ،‬باإلضافــة اىل عجــز الســلطات املحليــة يف تدبــر أمثــل لعمليــة التنقــل االســتثنايئ‬
‫يف دول أخــرى ضعيفــة اقتصاديــا ومنهــا املغــرب انضــاف الفســاد إىل العامــل الســابق املتعلــق‬ ‫ومحاولــة بعــض الجامعــات "الدينيــة" اليائســة العــودة إىل املشــهد العــام عــر بوابــة فــروس كورونــا مــن خــال‬
‫بدعــم أربــاح الطبقــات الســائدة‪ ،‬والــذي خلــق وضعــا مأســاويا ألن النظــام الصحــي يف هــذه‬ ‫ميكانزيــم "التجنيــد اإلجبــاري" للجائحــة ومس ـرات التهليــل والتكبــر بدعــوى التــرع الجامعــي االســتعرايض للــه‬
‫البلــدان كاريث‪ ،‬وألن هــذه الــدول أطلقــت يــد الخــواص للربــح الرسيــع بــدون حتــى ضــان تطبيق‬ ‫لقهرهــا‪..‬‬
‫مــا تنــص عليــه دســاتريها مــن رعايــة الفئــات الهشــة مثــل الفصــل ‪ 35‬مــن الدســتور بالنســبة‬ ‫عــى أيــة حــال‪ ،‬وعــى ضــوء مالبســات التنزيــل امليــداين لهــذه االســراتيجية‪ ،‬يتضــح أن اإلجابــة عــى ســؤال‬
‫للمغــرب‪.‬‬ ‫التشــخيص‪ ،‬مل يعــد رضوريــا ألن جائحــة كورونــا أنجزتــه مبكـرا وكشــفت عــن خريطــة أعطابنــا وهشاشــة منظوماتنــا‬
‫مــن حســن الصــدف أن املغاربــة كان لهــم تاريــخ طويــل وقديــم مــع‪" :‬الــزم دارك" أو "بقــا يف‬ ‫والتــي أصبحــت حقيقــة مؤملــة مل يقــو الخطــاب الرســمي عــى نفيهــا وهــو يعلــن رصاحــة أننــا أصبحنــا نبحــر يف‬
‫دارك" يف مواجهــة األوبئــة الفتاكــة التــي كانــت تجتــاح املجتمــع ومنهــا مــا ذهــب بنصــف ســكان‬ ‫ســفينة واحــدة يطاردهــا مخلــوق صغــر مجهــري اســمه فــروس كورونــا والــذي ال يعــر ملعايــر التمييــز االجتامعــي‬
‫املغــرب‪ .‬ومــن املعلــوم أن الســاطني كانــوا يــرددون يف فــرض الحجــر الصحــي عــى منطقــة مــا‬ ‫والتفــاوت الطبقــي أيــة أهميــة‪..‬‬
‫انطلــق منهــا الوبــاء‪ ،‬لكــن بضغــط مــن الفقهــاء يرضخــون يف النهايــة لفتاويهــم‪ ،‬والحقيقــة أن‬ ‫إذا كان العــامل اليــوم يحصــد بشــكل مــؤمل ويــات الرأســالية الليرباليــة املتوحشــة‪ ،‬وكــوارث اقتصــاد الســوق وانتقائيــة‬
‫مقاصــد اإلســام عــى العكــس مــا يدعيــه بعــض أدعيــاء الديــن يحــض بــا مواربــة عــى حفــظ‬ ‫دميقراطيــة الســوق‪ ،‬والحاجــة إىل أنســنة العــامل مــن خــال إعــادة االعتبــار لالش ـراكية‪ ،‬فإننــا مطالبــون يف بالدنــا أن‬
‫النفــس مــن كل األرضار‪ ،‬لكــن موقــف الفقهــاء يف جوهــره هــو مصلحــي وليــس دينيــا؛ ذلــك أن‬ ‫نعيــد صياغــة املعــادالت االسـراتيجية يف التأســيس ملغــرب الدميقراطيــة بأبعادهــا الشــاملة‪ ،‬يف اتجــاه النضــال من أجل‬
‫أغلــب كبارهــم واملؤثريــن منهــم يف تاريــخ املغــرب هــم مــن تعــداد الذيــن ميارســون التجــارة‬ ‫دولــة الرعايــة االجتامعيــة عــر القطــع مــع اقتصــاد الريــع والدولــة "األمنيــة" وتأميــم الخدمــات االجتامعيــة‪ ،‬وكــذا‬
‫الكــرى وحتــى املحليــة‪.‬‬ ‫ســن سياســات عموميــة وقوانــن ماليــة يكــون شــغلها الشــاغل تخصيــص ميزانيــات مهمــه لتشــجيع البحــث العلمــي‬
‫إن "الــزم دارك"هــو أســلوب الــدول الفقــرة أو املفقــرة اآلن‪ ،‬ولكنــه أســلوب فعــال وناجــع‪ ،‬مل تلجأ‬ ‫وإعــادة بنــاء املدرســة العموميــة عــى أســس دميقراطيــة‪ ،‬علامنيــة‪ ،‬وجيــدة‪ ،‬قــادرة عــى تحريــر الفــرد والجامعــة مــن‬
‫كثــر مــن الــدول التــي كانــت تغلــب مصلحــة الــركات الكــرى مثــل إيطاليــا وفرنســا واســبانيا‬ ‫كل مكامــن الجهــل والتخلــف االجتامعــي والثقــايف وتربيتهــا عــى قيــم النقــد‪ ،‬التضامــن‪ ،‬التعايــش‪ ،‬املســاواة وثقافــة‬
‫إليــه مــن البدايــة‪ ،‬لكنهــا التجــأت إليــه اآلن وأصبــح أســلوبا للــدول املفقــرة والغنيــة مــع وجــود‬ ‫الجهــد والتطــوع‪ ،‬ومنظومــة صحيــة تتوخــى بالدرجــة األوىل العدالــة االجتامعيــة واملجاليــة برشيــا ومؤسســاتيا وعــى‬
‫فــارق أن يف الغنيــة ليــس جوهريــا‪.‬‬ ‫مســتوى جــودة الخدمــات املرتبطــة عضويــا بظــروف اشــتغال نســاء ورجــال الصحــة‪ ،‬وسياســة ســكنية تضــع حــدا‬
‫الــزم دارك كليــا‪ ،‬سياســيا واقتصاديــا يطابــق عمليــا االرضاب العــام الشــامل أو العصيــان املــدين‪ ،‬غري‬ ‫للتمييــز "السوســيومجايل" مــن خــال ضــان الحــق يف ســكن الئــق يحفــظ كرامــة وأمــن املواطنــن‪.‬‬
‫أن الدولــة يف املغــرب وأمــام الوضــع الصحــي الــكاريث وهشاشــة الجســم الطبــي العمومي ألســباب‬ ‫إذا كان العــامل اآلن يتحــدث عــن مرشوعيــة التطلــع اىل منــوذج أو نظــام ســيايس جديــد عــى ضــوء الصدمــة السياســية‬
‫كثــرة ومنهــا التنكيــل بــه ودخــول الدولــة معــه يف حــروب ألضعافــه لصالــح الطــب الخــاص‪،‬‬ ‫واأليديولوجيــة والقيميــة التــي نتجــت عــن جائحــة "كرونــا"‪ ،‬فنحــن يف أمــس الحاجــة اىل منــوذج تنمــوي دميقراطــي‬
‫وجــدت نفســها مضطــرة لألخــذ باألســلوب ألنهــا عاجــزة عــن ضــخ األمــوال الضخمــة‪ ،‬وهــي أيضــا‬ ‫يقــوم عــى بنيــان املعــادالت الحيويــة الســابق ذكرهــا للقطــع مــع كل السياســات والنــاذج "املريضــة واملعطوبــة"‬
‫عاشــت فــرة مــن الــردد بــل ذهــب رئيــس الحكومــة إىل حــد التعبــر بســخرية يف العيــون مــن‬ ‫التــي عكســتها مــرآة " كورونــا " بالوضــوح الــكايف‪.‬‬
‫وجــود الوبــاء‪ .‬وهــو تــردد ال يفــر إال عامــا أساســيا وهــو اإلرصار عــى عــدم تقديــم أي تنــازالت‬ ‫◆ محمد امباركي‬
‫اقتصاديــة كــرى ملواجهــة الوضــع‪ ،‬وميكــن تســجيل عــدد مــن املالحظــات يف كيفيــة تدبــر الدولــة‬
‫للكارثة‪:‬‬
‫‪ 36‬سنة على فقدان المناضل الكبير‬
‫الصادق العربي الشتوكي‬
‫‪ -‬يظهــر أن حالــة الطــوارئ الصحيــة مســتندة عــى الفصــل ‪ 21‬الــذي يجعــل الداخليــة هــي‬
‫املايســرو يف اتخــاذ القـرار وهــذا تحصيــل حاصــل لتاريــخ الدولــة الســيايس‪ ،‬لكونهــا هــي املضخمة‬
‫والقويــة واملنظمــة‪ .‬وبذلــك تــم اســتبعاد حالــة الحصــار التــي ينــص عليهــا الفصــل ‪ 49‬والــذي‬
‫يتطلــب مجلســا وزاريــا‪.‬‬ ‫وعضــوا بالكتابــة اإلقليميــة للربــاط‪.‬‬
‫‪ -‬أن الوبــاء أظهــر فراغــا يف الدســتور لكونــه مل يتضمــن فصــا مســتقال للكوارث الصحيــة والطبيعية‬ ‫وقــد أفلــت مــن االعتقــال يــوم ‪ 8‬مــاي إىل جانــب الفقيد‬
‫ومــا يرتبــط بذلــك مــن تدبــره مــن زمــان وليــس انتظــار كارثــة حتــى تقــع ويتــم بعــد ذلــك رد‬ ‫املناضــل أحمــد بنجلــون‪ ..‬الــذي نحيــي ذكـراه النضاليــة‬
‫الفعــل مثــل انشــاء صنــدوق خــاص بصفــة تضامنيــة وهــي عمليــة تشــبه اكتتابــا‪.‬‬ ‫بالتزامــن‪ ،‬وظــا يف الرسيــة إىل أن نظــا لقــاء ملــا تبقــى‬
‫‪ -‬أن طلــب امللــك مــن املجلــس العلمــي فتــوى إلجــازة إغــاق املســاجد يعيــد إىل األذهــان تاريــخ‬ ‫مــن القيــادة الحزبيــة خــارج الســجن‪ ،‬والــذي صــدر عنــه‬
‫بيــان يفضــح عمليــة االنشــقاق مــن أعــى التــي قادهــا‬
‫رهــن الصحــة والعــاج بالفقهــاء‪ ،‬مــع العلــم أن املجتمــع املغــريب عــاىن يف القديــم مــن هــذا الربط‬ ‫املكتــب الســيايس‪ ،‬واســتدعاء القــوات القمعيــة العتقــال‬
‫وخــر الكثــر مــن األرواح‪.‬‬ ‫املناضلــن مــن أمــام بــاب املقــر الحــزيب بأكــدال‪ ..‬نفــس‬
‫مــع قــدرة "الــزم دارك"عــى التقليــل مــن انتشــار الوبــاء‪ ،‬الــيء الــذي جعــل حــزب الطليعــة‬ ‫القــوات ســتقتحم جميــع املقــرات الحزبيــة بالربــاط‬
‫وفدراليــة اليســار يبــادران إىل دعمــه مــع مالحظــات جوهريــة متــت اإلشــارة إليهــا يف التعبــر‬ ‫لتســلم مفاتيحهــا ملحمــد اليازغــي‪..‬‬
‫عــن املوقــف ويف تفســره‪ ،‬فإنــه مــن الــروري التأكيــد عــى أن اليســار يف عمومــه كان يتمنــى‬ ‫مــن املهــم تذكــر هامــة نضاليــة مــن هــذا الــوزن‪،‬‬
‫أن يكــون أســلوبا مكمــا فقــط‪ ،‬لكــن مــا دامــت الدولــة أخلــت مبســؤولياتها منــذ عقــود وأفقــرت‬ ‫والوقــوف دقيقــة صمــت داخــل هــذا االعتقــال الصحــي‬
‫للوبــاء‪ ،‬للرتحــم عــى الفقيــد‪ ..‬ومــن خاللــه اســتحضار‬
‫البــاد‪ ،‬جعلتــه أســلوبا أساســيا وجوهريــا ويتحتــم اتخــاذ خطــوات رسيعــة ذات أبعــاد اجتامعيــة‬ ‫أرواح شــهدائنا وإخالصهــم وصدقهــم وتفانيهــم مــن‬
‫وصحيــة وعالجيــة‪ ،‬وتوفــر أجهــزة الكشــف عــن الفــروس ومــواد التطهــر والتعقيــم والكاممــات‬ ‫ونحــن نحيــي الذكــرى ‪ 36‬لرحيــل املناضــل الكبــر‬
‫أجــل مبــادئ حزبنــا‪ ،‬وتحديهــم لــكل نــزوع ذايت مدمــر‪،‬‬ ‫الصــادق العــريب الشــتويك الــذي فقدنــاه إثــر مــرض‬
‫أمــام املعامــل واألبنــاك واملؤسســات األساســية واملتاجــر الكــرى وأبــواب األســواق؛ وفــرض الحجــر‬ ‫ليكــن هــذا املنهــج رابطنــا وحاكــم ســلوكنا يف امليــدان‬ ‫عضــال‪ ،‬ظهــرت أعراضــه مبــارشة بعــد صــدور الحكــم‬
‫الصحــي مــع ضــان األكل والــرب لــكل املصابــن وتطهــر الفضــاءات العامــة ووســائل النقــل‬ ‫ويف التعاطــي مــع بعضنــا البعــض‪..‬‬ ‫االبتــدايئ ضــد املناضلــن املعتقلــن يف مؤامــرة ‪ 8‬مــاي‬
‫والشــوارع كأســلوب أســايس يف املواجهــة كــا جــرى بــه العمــل يف الصــن وروســيا‪.‬‬ ‫الرحمة لكل الشهداء‪.‬‬ ‫‪.1983‬‬
‫◆ زياد السادري‬ ‫◆ محمد بوشطو‬ ‫وكان إذاك عضــوا باللجنــة اإلداريــة الوطنيــة للحــزب‪،‬‬
‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ ‪ -‬العدد ‪327 :‬‬
‫‪4‬‬

‫االنهيار البيئي كان مقدمة وباء كورونا‬


‫◆ هشام بوسيف‬
‫عندما يصبح الواقع أقسى من‬
‫الكوابيس‪:‬‬
‫يف ســنة ‪ ،2014‬قامــت مقدمــة األخبــار‪، Evelyne Dhéliat‬‬
‫عــى القنــاة الفرنســية ‪ ،TF1‬بتقديــم نــرة جويــة متخيلــة‬
‫لحالــة الطقــس املتوقعــة بفرنســا يف ‪ 18‬غشــت ‪ ،2050‬أي‬
‫يف مســتقبل بعيــد بحــوايل ‪ 36‬ســنة‪ .‬اتســمت حالــة الطقــس‬
‫املتخيلــة تلــك‪ ،‬بارتفــاع مفــرط لدرجــات الحـرارة يف مختلــف‬
‫املــدن الفرنســية باملقارنــة مــع طقــس تلــك الســنة‪ ،‬حيــث‬
‫وصلــت إىل ‪ 40°‬يف باريــس‪ 41° ،‬يف سرتاســبورغ و‪ 43°‬يف‬
‫ليــون باإلضافــة إىل تضاعــف موجــات الحــر املفــرط‪ ،‬األمطــار‬
‫الرعديــة‪ ،‬العواصــف والفيضانــات عــى املســتوى العاملــي‬
‫وذوبــان جــزء مــن جليــد غرينالنــدا‪ .‬وقــد جــاءت هــذه‬
‫النــرة يف إطــار حملــة تحسيســية لفائــدة العامــة حــول‬
‫أخطــار التغــرات املناخيــة واالحتبــاس الحــراري مببــادرة‬
‫مــن املنظمــة العامليــة لألرصــاد الجويــة والتــي متــت صياغــة‬
‫محتواهــا بنــاء عــى أبحــاث لعلــاء اللجنــة الدوليــة للتغــرات املناخيــة بهــدف الرفــع مــن الوعــي‬
‫الجامعــي حــول هــذه املعضلــة عــن طريــق جعلهــا أكــر واقعيــة‪.‬‬
‫تباينــت ردود األفعــال بعــد تلــك النــرة بــن القلــق والتشــكيك وعــدم االك ـراث‪ ،‬ويف نهايــة املطــاف‬
‫جــاء الواقــع ليثبــت أن تلــك التوقعــات كانــت خاطئــة‪ .‬مل تكــن خاطئــة مــن حيــث تقديــر معــدالت‬
‫صورة مركبة مأخوذة من تسجيل للنرشتني عىل قناة ‪TF1‬‬
‫االرتفــاع املفــرط لدرجــة الح ـرارة‪ ،‬بــل كانــت خاطئــة مــن حيــث موعــد بلــوغ تلــك املعــدالت‪ ،‬حيــث‬
‫مطابقــة ملــا ســبق مزيلــة بذلــك أي ذرة شــك عــن الخطــر املرتقــب والرسعــة املهولــة التــي يرتفــع بهــا‬ ‫مل يتطلــب الوصــول إليهــا ‪ 36‬ســنة‪ ،‬لكــن ‪ 5‬ســنوات فقــط‪ .‬فقــد قامــت نفــس مقدمــة النــرة الجويــة‬
‫متوســط درجــة حـرارة الغــاف الجــوي وتداعياتــه عــى حالــة الطقــس الــذي أصبــح ال يطــاق أكــر فأكرث‪.‬‬ ‫املتخيلــة بتقديــم نــرة حقيقيــة هــذه املــرة‪ ،‬وعــى نفــس القنــاة يف صيــف ‪ 2019‬والنتائــج كانــت شــبه‬

‫عندما تصب الزيت على النار‪:‬‬


‫املحروقـــة بالكامـــل‪ ،‬أي أكـــر مـــن مبليـــوين هكتـــار مـــن مجمـــل األرايض الزراعيـــة املغربيـــة‪75% ،‬‬ ‫تعتـــر حرائـــق الغابـــات بأســـراليا حدثـــا موســـميا طبيعيـــا ناتجـــا عـــن املنـــاخ الحـــار والجـــاف‬
‫مـــن األســـراليني عانـــوا مـــن الحرائـــق بشـــكل أو بآخـــر‪ ،‬حـــوايل ‪ 10000‬بيـــت مدمـــر و‪ 4.4‬مليـــار‬ ‫للمنطقـــة والتـــي تندلـــع بصفـــة تلقائيـــة خـــال األشـــهر األكـــر حـــرارة مـــن الســـنة‪ .‬متتـــد هـــذه‬
‫دوالر كأدىن تقدي ــر للخس ــائر دون احتس ــاب م ــا س ــينتج ع ــن الرتاج ــع املرتق ــب للس ــياحة واإلنت ــاج‬ ‫األخ ــرة ع ــى مس ــاحات واس ــعة وتس ــفر يف كل م ــرة ع ــن خس ــائر ع ــى ع ــدة مس ــتويات تص ــل إىل‬
‫الزراع ــي املس ــتقبليني‪ .‬مل تك ــن اس ــتثنائية ه ــذه الس ــنة متعلق ــة بان ــدالع الحرائ ــق أو العوام ــل املس ــببة‬ ‫ح ــد حص ــد األرواح البرشي ــة يف بع ــض املواس ــم االس ــتثنائية‪ .‬وبالرغ ــم م ــن ذل ــك اس ــتطاعت العدي ــد‬
‫له ــا ب ــل يف حدته ــا وطوله ــا م ــع ح ــدة الخس ــائر ع ــى جمي ــع املس ــتويات‪ ،‬فحس ــب مجموع ــة م ــن‬ ‫م ــن الكائن ــات الحي ــة‪ ،‬وخصوص ــا النباتي ــة منه ــا‪ ،‬إىل ح ــد م ــا‪ ،‬التكي ــف م ــع ه ــذا الح ــدث املوس ــمي‬
‫التقاري ــر واألبح ــاث العلمي ــة‪ ،‬ي ــكاد العل ــاء يجمع ــون ع ــى أن ه ــذا االس ــتثناء يع ــود باألس ــاس م ــرة‬ ‫ع ــر تطوي ــر ميكانيزم ــات للمقاوم ــة والتجدي ــد يف محاول ــة دامئ ــة الس ــرجاع التوازن ــات الرضوري ــة‬
‫أخ ــرى للتغ ــرات املناخي ــة وبالخص ــوص ارتف ــاع متوس ــط درج ــة الحــرارة بأس ــراليا ع ــى م ــر الس ــنني‬ ‫الس ــتمرار الحي ــاة يف الوس ــط‪.‬‬
‫حي ــث أنه ــا أصبح ــت أدف ــأ أك ــر فأك ــر‪ ،‬ال ــيء ال ــذي س ــيزداد س ــوءا يف املس ــتقبل ومع ــه تح ــول‬ ‫مـــرة أخـــرى ستشـــكل ســـنة ‪ 2019‬ســـنة االســـتثناء‪ ،‬حيـــث ســـتندلع هـــذه الحرائـــق بحـــدة أكـــر‬
‫االس ــتثناء إىل كارث ــة س ــنوية دوري ــة‪.‬‬ ‫بكث ــر‪ ،‬ويف وق ــت مبك ــر باملقارن ــة م ــع الف ــرة االعتيادي ــة )بداي ــة ش ــتنرب(‪ ،‬مل ــدة أط ــول )خمس ــة‬
‫أش ــهر( وبنتائ ــج كارثي ــة وضخم ــة‪ :‬ح ــوايل ملي ــار حي ــوان مي ــت‪ 10.7 ،‬ملي ــون هكت ــار م ــن األرايض‬

‫متثيل ثاليث االبعاد لحرائق أسرتاليا انطالقا من معطيات وكالة نازا للفرتة املمتدة ما بني ‪ 5‬دجنرب ‪2019‬‬
‫و‪ 05‬يناير ‪ © - 2020‬أنطوين هرييس‬
‫‪5‬‬ ‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ ‪ -‬العدد ‪327 :‬‬

‫االنهيار البيئي كان مقدمة وباء كورونا‬


‫◆ هشام بوسيف‬
‫عندما تفضل االستقالة على التطبيع مع الخراب‪:‬‬
‫يف كل س ــنة تق ــوم ش ــبكة البصم ــة العاملي ــة بتقدي ــر الي ــوم ال ــذي تك ــون في ــه البرشي ــة ق ــد اس ــتهلكت م ــوارد‬
‫الكــرة األرضيــة القابلــة للتجديــد يف ظــرف ســنة واحــدة‪ .‬ويعــرف هــذا اليــوم بـــ ”يــوم تجــاوز األرض”‪ ،‬حيــث‬
‫أن أي تج ــاوز له ــذا الح ــد م ــن االس ــتهالك يت ــم بال ــرورة ع ــى حس ــاب م ــوارد غ ــر قابل ــة للتجدي ــد‪ ،‬وق ــد ت ــم‬
‫تس ــجيل تزاي ــد يف رسع ــة ه ــذا االس ــتهالك يف العق ــود األخ ــرة م ــا يعج ــل بحلول ــه س ــنة بع ــد س ــنة‪ ،‬حي ــث‬
‫ص ــادف ه ــذا الي ــوم‪ ،‬يف س ــنة ‪ 29 ،2019‬يولي ــوز‪.‬‬
‫يف ظ ــل ه ــذا الرتاج ــع اخت ــار ‪ Jérémy Désir‬مهن ــدس وإط ــار فرن ــي ع ــال يف التحلي ــل الكم ــي باملق ــر املرك ــزي‬
‫للبن ــك الربيط ــاين ‪ HSBC‬ي ــوم تج ــاوز األرض لرمزيت ــه وحمولت ــه لتقدي ــم اس ــتقالته‪ .‬اس ــتقالة مفتوح ــة ع ــى‬
‫شــكل رســالة موجهــة إىل اإلنســانية ومصحوبــة بتقريــر مفصــل مــن ‪ 57‬صفحــة حــول كيفيــة مســاهمة القطــاع‬
‫البن ــي وامل ــايل يف ظ ــل النظ ــام الرأس ــايل العامل ــي يف أخ ــذ البرشي ــة والحي ــاة إىل الهاوي ــة برسع ــة مخيف ــة‪،‬‬
‫مرفوقــا بعــدة توصيــات مــن شــأنها أن تحــد مــن ذلــك‪ .‬أرســل ذلــك التقريــر بشــكل داخــي يف البدايــة لكنــه‬
‫مل يل ــق ص ــدى فق ــرر ن ــره للعم ــوم‪ .‬اس ــتقالة كان وراءه ــا حج ــم اله ــوة املوج ــودة ب ــن الواق ــع اإليكولوج ــي‬
‫وأه ــداف الوس ــط امل ــايل الت ــي مل تع ــد تط ــاق إنس ــانيا‪.‬‬
‫خل ــص ذل ــك التقري ــر إىل أن ــه ومن ــذ الث ــورة الصناعي ــة والنش ــاط الب ــري ال زال يفاق ــم التغــرات املناخي ــة‪،‬‬
‫حي ــث أن متوس ــط درج ــة حــرارة الغ ــاف الج ــوي س ــرتفع مبع ــدل ‪ 1.5‬درج ــة مئوي ــة م ــا ب ــن ‪ 2030‬و‪2050‬‬
‫إذا اس ــتمر االرتف ــاع بالوت ــرة الحالي ــة‪ .‬ويع ــود ه ــذا االرتف ــاع بش ــكل أس ــايس الس ــتهالك املحروق ــات األحفوري ــة‬
‫م ــن ب ــرول وفح ــم وغ ــاز طبيع ــي والت ــي تش ــكل ‪ 85%‬م ــن مجم ــل الطاق ــة املس ــتهلكة يف البي ــوت‪ ،‬الصناع ــة‪،‬‬
‫الخدم ــات والتنق ــل‪ .‬وق ــد ت ــم تس ــجيل وج ــود عالق ــة تناس ــب اطــرادي م ــا ب ــن اس ــتهالك ه ــذه املحروق ــات‬
‫والنم ــو االقتص ــادي‪ ،‬بش ــكل أصب ــح في ــه ه ــذا النم ــو مرادف ــا لحج ــم االس ــتهالك‪ .‬حي ــث أن ــه كل ــا كان ه ــذا‬
‫االس ــتهالك الطاق ــي ضخ ــا كل ــا س ــجل النم ــو االقتص ــادي مع ــدالت كب ــرة والعك ــس صحي ــح‪ ،‬وه ــذه العالق ــة‬
‫أصبح ــت بديهي ــة ع ــى مس ــتوى جمي ــع الق ــارات يف العق ــود األخ ــرة‪ .‬وق ــد أضح ــى ف ــك ه ــذا االرتب ــاط بينه ــا‬
‫ش ــيئا مس ــتحيال يف ظ ــل النظ ــام االقتص ــادي العامل ــي‪ .‬ال من ــو اقتص ــادي دون ضغ ــط بيئ ــي وأي محاول ــة للح ــد‬
‫م ــن االس ــتهالك الطاق ــي تق ــوم بفرمل ــة ه ــذا النم ــو يف ظ ــل اس ــتعامل ج ــد مح ــدود للطاق ــات املتج ــددة‪.‬‬
‫ح ــوايل ‪ 2%‬م ــن ه ــذه الطاق ــات أضيف ــت دون تعوي ــض للطاق ــات املعتم ــدة ع ــى املحروق ــات األحفوري ــة‪،‬‬
‫والبح ــث العلم ــي يف ه ــذا املنح ــى ال يــزال جنيني ــا رغ ــم كل م ــا ت ــم إنتاج ــه والتوصي ــة ب ــه إىل ح ــدود ه ــذه‬
‫اللحظ ــة‪ .‬وامل ــأزق الحقيق ــي ه ــو أن الكارث ــة املرتقب ــة ل ــن يت ــم تفاديه ــا إال بجع ــل النش ــاط الب ــري ي ــؤول‬
‫إىل خف ــض اس ــتهالك ه ــذه الطاق ــات ع ــر التخ ــي ع ــن ثلث ــي االحتياط ــي العامل ــي‪ ،‬وه ــذا س ــيؤثر بش ــكل كب ــر‬
‫عــى النمــو االقتصــادي‪ .‬وينبغــي عــى الجهــود الحاليــة أن تنكــب لتبــدع حلــوال لهــذه املعضلــة يف ظــل غيــاب‬
‫اإلرادة والوع ــي و تغ ــول كربي ــات ال ــركات وإدمانه ــا ع ــى الب ــرول وغ ــره م ــن الطاق ــات األحفوري ــة‪ .‬وانع ــدام‬
‫ه ــذه اإلرادة يتمظه ــر باألس ــاس يف انع ــدام مؤسس ــات دولي ــة ق ــادرة ع ــى ف ــرض مجموع ــة م ــن اإلجــراءات‬
‫ع ــى ال ــركات الخاص ــة ويف رف ــع ال ــدول ش ــيئا فش ــيئا أيديه ــا ع ــى القطاع ــات العمومي ــة‪ ،‬فأصبح ــت ه ــذه‬
‫األخ ــرة تت ــرف بجن ــون رأس ــايل غ ــر متحك ــم في ــه يق ــوده الرب ــح الالمتناه ــي ع ــى حس ــاب البيئ ــة وامل ــوارد‪،‬‬
‫ب ــدون رقي ــب وال حس ــيب‪ .‬وكل املب ــادرات الهادف ــة إىل اعت ــاد سياس ــات بيئي ــة ليس ــت إال م ــن ب ــاب التط ــوع‪.‬‬

‫من استعجالية التصدي للوباء إىل استعجالية الحلول للجذرية‪:‬‬


‫ســـواء عـــى املســـتوى الصحـــي أو النفـــي‬ ‫الحل ــول والج ــرأة الالزم ــة لالجته ــاد والخ ــروج‬ ‫أصبـــح اآلن الرهـــان الحقيقـــي واالســـتعجايل‬ ‫انطالقـــا مـــن األحـــداث الســـابقة أصبـــح‬
‫أو االقتصـــادي أو االجتامعـــي‪ .‬ويكمـــن هـــذا‬ ‫م ــن حي ــز الس ــلبية مس ــألة ملح ــة‪ ،‬واملعادل ــة‬ ‫هـــو القطـــع مـــع االســـتهالك املفـــرط لهـــذه‬ ‫الشـــك خيـــارا غـــر عقـــاين عندمـــا يتعلـــق‬
‫األم ــل باألس ــاس يف تعري ــة النظ ــام الرأس ــايل‬ ‫أصبحـــت واضحـــة وتضعنـــا أمـــام خياريـــن‪،‬‬ ‫الطاقـــات عـــن طريـــق مؤسســـات دوليـــة‬ ‫األمـــر باعتبـــار النظـــام الرأســـايل خطـــرا‬
‫وهشاش ــته يف تدب ــر األزم ــات العاملي ــة وكون ــه‬ ‫زوال النظــام الرأســايل أو زوال البرشيــة‪ ،‬ليــس‬ ‫وأنظمـــة تســـتطيع اتخـــاذ اإلجـــراءات‬ ‫يهـــدد البرشيـــة‪ ،‬وأن هـــذا الخطـــر قريـــب‬
‫العامـــل األســـايس النتشـــار الوبـــاء بشـــكل‬ ‫مـــن منطلـــق تحقيـــق العدالـــة االجتامعيـــة‬ ‫الزجريـــة املناســـبة يف حـــق الـــركات‪ ،‬التـــي‬ ‫ويســـتدعي الحـــل بشـــكل اســـتعجايل‪،‬‬
‫رسيـــع ومخلفـــات هـــذا االنتشـــار عـــى‬ ‫مبفهومه ــا الضي ــق ولك ــن م ــن منطل ــق ض ــان‬ ‫يف ظـــل الوضـــع الراهـــن تقـــوم باســـتغالل‬ ‫خصوصـــا لكونـــه أعقـــد مـــا ميكـــن تصـــوره‪،‬‬
‫جميـــع املســـتويات‪ .‬ويتجـــى هـــذا األمـــل‬ ‫اس ــتمراريتنا ع ــى ه ــذا الكوك ــب ع ــن طري ــق‬ ‫جه ــاز الدول ــة ومختل ــف املؤسس ــات لتمري ــر‬ ‫حيـــث أنـــه ال يكمـــن يف التشـــجري وتكثيـــف‬
‫أيضـــا يف كـــون هـــذا الوبـــاء أعـــاد إىل حـــد‬ ‫عقلنـــة اإلنتـــاج ومحاربـــة االســـتغالل‪.‬‬ ‫مخططاتهـــا ورشعتنهـــا‪ ،‬يف حـــن أن وجـــود‬ ‫املس ــاحات الخــراء ومعالج ــة املي ــاه وتدب ــر‬
‫مـــا دور “جهـــاز الدولـــة” األســـايس كتعاقـــد‬ ‫يبـــدو أن التغيـــر الجـــذري عـــى املســـتوى‬ ‫هـــذه األجهـــزة مرتبـــط باألســـاس بتدبـــر‬ ‫النفايـــات بأفـــق برجـــوازي ضيـــق‪ ،‬ولكـــن يف‬
‫مـــع املواطنـــن واملواطنـــات لتدبـــر الشـــأن‬ ‫العاملـــي لـــن نحســـم أنـــه ســـيقع يف الغـــد‬ ‫الشـــأن العـــام مبـــا فيـــه مصلحـــة الجميـــع‪.‬‬ ‫التغيـــر الشـــامل لنمـــط اإلنتـــاج واســـتهالك‬
‫العـــام مبـــا يخـــدم املصلحـــة العامـــة ومعـــه‬ ‫القريـــب‪ ،‬مـــع تحالـــف مصالـــح النظـــام‬ ‫هـــذا التغيـــر أصبـــح مســـتعجال فـــا إصـــاح‬ ‫امل ــوارد الطاقي ــة وف ــك االرتب ــاط ب ــن النم ــو‬
‫إحيـــاء قيـــم التضامـــن والتـــآزر التـــي تعتـــر‬ ‫العاملـــي القائـــم ويف ظـــل مســـتوى الوعـــي‬ ‫النظ ــام الرضيب ــي وال الدميقراطي ــة االش ــراكية‬ ‫االقتص ــادي والحاج ــة إىل الطاق ــة األحفوري ــة‪،‬‬
‫يس ــارية بامتي ــاز‪ ،‬وك ــون تخ ــي األنظم ــة ع ــن‬ ‫بالتغي ــر‪ ،‬لك ــن الجائح ــة الت ــي ت ــرب الع ــامل‬ ‫التـــي تعتـــر الحـــد األقـــى للعديـــد مـــن‬ ‫عـــن طريـــق مراجعـــة شـــاملة ملفهـــوم هـــذا‬
‫القطاع ــات العمومي ــة خصوص ــا الحيوي ــة منه ــا‬ ‫يف ه ــذه اآلون ــة واملتمثل ــة يف تف ــي ف ــروس‬ ‫التنظيـــات اليســـارية‪ ،‬عـــى األقـــل مرحليـــا‪،‬‬ ‫النم ــو بش ــكل أس ــايس‪ ،‬ب ــل مراجع ــة ش ــاملة‬
‫ال ميك ــن ل ــه إال أن يول ــد األزم ــات ويفاقمه ــا‪.‬‬ ‫كورون ــا(‪ ، )Covid-19‬باعث ــة لألم ــل‪ ،‬بالرغ ــم‬ ‫يف ظـــل موازيـــن قـــوى ال تخدمهـــا ونظـــام‬ ‫للباراديغـــم الـــذي يربـــط املصلحـــة العامـــة‬
‫ليـــس هـــذا فقـــط بـــل أدت اإلجـــراءات‬ ‫م ــن كل التداعي ــات الت ــي أس ــفرت عنه ــا لح ــد‬ ‫عامل ــي يحارصه ــا‪ ،‬ق ــادران ع ــى إخ ـراج الع ــامل‬ ‫بالنمـــو االقتصـــادي‪ ،‬ورضورة عقلنـــة اإلنتـــاج‬
‫اآلن والتـــي ســـتزداد يف املســـتقبل القريـــب‬ ‫مـــن الكارثـــة وأصبحـــت العـــودة إىل جذريـــة‬ ‫وربطـــه بحاجيـــات البرشيـــة األساســـية‪.‬‬
‫التتمة يف الصفحة ‪6‬‬
‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ ‪ -‬العدد ‪327 :‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ 5‬دروس من فريوس كورونا‬ ‫◆ غريب محمد‬
‫االلت ـزام مبــا يصــدر عــن الفقهــاء املتزمتــن مــن‬ ‫عــى الحيــاة و متضامــن وكلــه وعــي ومســؤولية‬ ‫اإلنســان مــن إنســانيته‪ ..‬وســتعيد النظــر وتعرتف‬
‫رضورة مامرســة بعــض الطقــوس وترديــد بعــض‬ ‫وانضبــاط خدمــة للصالــح العــام‪.‬‬ ‫بــدور الدولــة يف اتخــاذ الق ـرارات الكــرى بــدل‬
‫األدعية‪...‬الــخ‪ .‬إنهــا الخطــوة األوىل لقيــاس مــدى‬ ‫لقــد كشــفت هــذه األزمــة أن خالصنــا ال ميكــن‬ ‫االعتــاد يف ذلــك عــى مؤسســات غــر منتخبــة‬
‫اســتجابة النــاس ملثــل هــذه األفــكار وبعدهــا‬ ‫أن يكــون إال جامعيــا‪ .‬بــل إن مصــر الوطــن‬ ‫وغــر خاضعــة بالتــايل أليــة رقابــة شــعبية‪.‬‬
‫يتــم االنتقــال إىل مســتوى أخــر ظهــرت فعــا‬ ‫بأكملــه يبقــى مهــددا إذا مل يتــم تســليح الشــعب‬
‫بــوادره يف مــدن مثــل فــاس وطنجــة‪.‬‬ ‫بثقافــة العقــل وبالعلــم واملعرفــة‪ ..‬واحــرام‬ ‫ثالثــا ‪ :‬بالنســبة للصــن وكوبــا ‪-‬التــي تتمتــع‬
‫إن هــؤالء املشــعودين ال يســتطيعون التخلــص‬ ‫كرامتــه ألن عــزة وكرامــة الوطــن هــي مــن عــزة‬ ‫بنظــام صحــي ال مثيــل لــه يف العــامل‪ -‬فإنهــا‬
‫مــن فهمهــم الغرائبــي للديــن وال يســتطيعون أن‬ ‫وكرامــة الشــعب‪.‬‬ ‫تقدمــان اليــوم للعــامل منوذجــا يف التضامــن‬
‫يفهمــوا أن اللــه ال ميكــن أن ينــزل عــى البرشيــة‬
‫عقابــا جامعيــا ألن اللــه بالنســبة لإلنســان ال‬
‫ميكــن أن يكــون إال مصــدرا للمحبــة والرحمــة‪.‬‬ ‫إن فــروس كورونــا يقــدم اليــوم‬
‫إذن ميكننــا القــول أن لفــروس كورونــا حســناته‬ ‫دروســا يف غايــة األهميــة للعالــم‪:‬‬
‫وســيفرض عــى الجميــع العــودة إىل بســاطة‬ ‫أوال ‪ :‬بالنســبة لــدول العــامل الثالــث التــي‬
‫العيــش والتخــي عــن ســلوك وقيــم مجتمــع‬ ‫خضعــت منــذ ســنني لتوجيهــات املؤسســات‬
‫االســتهالك‪ ..‬والعــودة إىل القيــم اإلنســانية‬ ‫املاليــة العامليــة وقامــت بتفكيــك املرافــق‬
‫النبيلــة وعــى رأســها التواضــع‪ ،‬ألن هــذا‬ ‫العموميــة وعــى رأســها الصحــة‪ ،‬فهــي تقــف‬
‫املخلــوق امليكروســكويب قــد كشــف للجميــع أن‬ ‫اليــوم عاجــزة يف مواجهــة الوبــاء‪ ..‬والحــكام‬
‫اإلنســان يبقــى ضعيفــا أمــام عنــارص الطبيعــة‬ ‫الذيــن نهبــوا خ ـرات بلدانهــم وراكمــوا الــروات‬
‫التــي مل يعــد يحرتمهــا‪ ..‬واألكيــد أن هــذه‬ ‫عــى حســاب أوطانهــم و شــعوبهم مل يعــد‬
‫التجربــة ســتجعل النــاس يتذوقــون الحيــاة‬ ‫بإمكانهــم الهــروب إىل الخــارج لتلقــي العــاج‪،‬‬
‫بطريقــة صحيحــة‪ ،‬ألن أيــام الحجــر الصحــي قــد‬ ‫ولــن تنفعهــم أموالهــم وســيجدون أنفســهم‬
‫جعلــت الجميــع يــدرك قيمــة األشــياء البســيطة‬ ‫عــى نفــس املركــب املهــدد بالغــرق مــع بؤســاء‬
‫يف الحيــاة‪ ..‬وســنفهم جميعــا املغــزى العميــق ملــا‬ ‫شــعوبهم‪.‬‬
‫قالــه الشــاعر الفرنــي جــاك بريفــر‪ " :‬مل أدرك‬
‫املعنــى الحقيقــي للســعادة إال عنــد ســاعي‬ ‫األممــي و تؤكــدان أن البرشيــة كلهــا تشــرك‬ ‫ثانيــا ‪ :‬بالنســبة لــدول أوربــا وأمريــكا الشــالية‬
‫للصــوت الــذي أحدثتــه وهــي تغــادر"‪.‬‬ ‫خامســا ‪ :‬الفــروس كشــف أيضــا مــن ينــرون‬ ‫يف وحــدة املصــر‪ ..‬وأن املطلــوب هــو تجــاوز‬ ‫التــي أغلقــت الحــدود يف وجــه مواطنــي الجنوب‬
‫لقــد جعلنــا فــروس كورونــا نــدرك أنــه كانــت‬ ‫ثقافــة الخــوف ويتخفــون وراء الديــن لتحقيــق‬ ‫منطــق الرصاعــات والحــروب والعمــل مــن أجــل‬ ‫وفتحــت املجــال أمــام رؤوس األمــوال والبضائــع‬
‫لدينــا أشــياء جميلــة مل نكــن ننتبــه أليهــا وأن‬ ‫هــذا الهــدف‪ .‬إنهــم يعرفــون أن الخــوف‬ ‫مســتقبل تســود فيــه قيــم التعــاون والتضامــن‬ ‫لتعــر الحــدود بــكل حريــة تجــد نفســها مضطــرة‬
‫الســعادة الحقيقيــة ليســت يف مراكمــة أشــياء‬ ‫يســمح باقتيــاد النــاس‪ ..‬ولهــذا فقــد حاولــوا‬ ‫بــن الشــعوب‪.‬‬ ‫إىل التقوقــع عــى ذاتهــا و إغــاق الحــدود يف وجه‬
‫غــر رضوريــة بــل يف البحــث عــن كل مــا يهــذب‬ ‫إيهامهــم بــأن الفــروس عقــاب مــن اللــه‬ ‫رابعــا ‪ :‬يف بالدنــا ظهــر واضحــا للجميــع أهميــة‬ ‫بعضهــا البعــض‪ ..‬وإعــادة النظــر يف النمــوذج‬
‫الــروح ويرتقــي باإلنســان‪.‬‬ ‫وبالتــايل عــى الجميــع‪ ،‬وملواجهــة هــذا الوبــاء‬ ‫التعليــم والصحــة يف تكويــن شــعب قــوي مقبــل‬ ‫اللي ـرايل املتوحــش الــذي خــرب الطبيعــة وجــرد‬

‫تتمة‬
‫االنهيار البيئي كان مقدمة وباء كورونا‬
‫واالس ــرجاع الطفي ــف لجه ــاز الدول ــة لوظيفت ــه‬ ‫الحازم ــة الت ــي اتخذته ــا مجموع ــة م ــن ال ــدول‬
‫التأميمي ــة وتدب ــره للش ــأن الع ــام مب ــا يخ ــدم‬ ‫للح ــد م ــن انتش ــار الف ــروس والس ــيطرة ع ــى‬
‫مصلح ــة البرشي ــة‪ ،‬ولي ــس جع ــل ه ــذا الجه ــاز‬ ‫الوضـــع إىل انخفـــاض قيـــايس يف مســـتويات‬
‫يف يـــد الطبقـــة البورجوازيـــة كســـيف مســـلط‬ ‫التلـــوث خصوصـــا انبعاثـــات ثنـــايئ أوكســـيد‬
‫للتحكـــم يف االقتصـــاد والقطاعـــات األساســـية‬ ‫اآلزوت والكربـــون‪ ،‬كـــا أظهرتـــه مجموعـــة‬
‫لتـــرك لهـــا املجـــال مـــن أجـــل الربـــح دون‬ ‫م ــن الص ــور الت ــي نرشته ــا وكال ــة ن ــازا ح ــول‬
‫حســـيب وال رقيـــب‪ .‬وأبـــان هـــذا الوبـــاء‬ ‫تط ــور تركي ــز ه ــذه الغ ــازات املس ــؤولة بش ــكل‬
‫أيضـــا عـــى أن هـــذه الجذريـــة يف خيـــارات‬ ‫أســـايس عـــن االحتبـــاس الحـــراري يف كل مـــن‬
‫العـــودة للدولـــة الراعيـــة قـــادرة عـــى إنقـــاذ‬ ‫الصـــن وإيطاليـــا‪ .‬حيـــث أن نســـبة ثنـــايئ‬
‫الوضـــع البيئـــي العاملـــي‪ ،‬وأصبحـــت إعـــادة‬ ‫أوكســيد اآلزوت انخفضــت بـــ ‪ 30%‬والكربــون‬
‫إحيـــاء الحلـــم االشـــرايك بجذريتـــه ذات‬ ‫بـــ‪ 25%‬يف الصــن فقــط‪ ،‬وهــذا راجــع باألســاس‬
‫راهنيـــة‪ ،‬خصوصـــا بعـــد اجتيـــاز البرشيـــة‬ ‫إىل الحـــد مـــن تنقـــل العربـــات وتخفيـــض‬
‫لهـــذه الجائحـــة‪ ،‬وخصوصـــا بعـــد تناولهـــا‬ ‫وتـــرة اإلنتـــاج يف املصانـــع يف إطـــار التدابـــر‬
‫م ــن مقب ــات الف ــروس لتصب ــح ه ــذه األزم ــة‬ ‫الحازم ــة الت ــي ت ــم فرضه ــا للح ــد م ــن انتش ــار‬
‫كاس ــتعداد للطب ــق الرئي ــي األك ــر خط ــورة أال‬ ‫الفـــروس‪.‬‬
‫وه ــو التغ ــرات املناخي ــة الوش ــيكة وتهديده ــا‬ ‫وعليـــه فتفـــي وبـــاء كورونـــا أبـــان عـــى أن‬
‫مرصد األرض التابع لوكالة الفضاء األمريكية (‪)NASA‬‬ ‫للوجـــود البـــري عـــى الكوكـــب‪.‬‬ ‫الجذري ــة يف التداب ــر املتخ ــذة ممكن ــة إىل ح ــد‬
‫مـــا خصوصـــا بعـــد تعميـــم قيـــم التضامـــن‬
‫◆ هشام بوسيف‬
‫‪7‬‬ ‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ ‪ -‬العدد ‪327 :‬‬

‫كورونا تعري هشاشة عوملة رأس املال‬


‫◆ عبد املجيد مصدق‬

‫تُهــول األمــر بدرجــة كبــرة جــدا‪ ،‬أو تلــك التــي تقــول إنــه ال داعــي لالهتمــام باألمــر‪،‬‬ ‫إن األســوأ مــن انتشــار األوبئــة دائمــا هــو الهلــع املصاحــب لهــا‪ ،‬وهــو أمــر أساســي‬
‫خصوصــا أنصــار املؤامــرة وتســويق صــراع الصــن اقتصاديــا وحربهــا مــع الواليــات‬ ‫يظهــر مــع كل وبــاء‪ ،‬يمكــن تخفيــض أثــره لكــن ال يمكنــك إيقافــه‪ ،‬ويف أثنــاء تلــك الحالة‬
‫املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬وكال املقاربتــن ضــار بعــدم االســتناد ملعطيــات دقيقــة وصحيحــة‪.‬‬ ‫مــن الرعــب املجتمعــي يكــون أكثــر مــا ينتشــر هــو األخبــار الكاذبــة‪ ،‬ســواء تلــك التــي‬

‫بالتكاثــر‪ .‬وعندمــا يصبــح العــد ُد كبــرًا جــدًّ ا‪ ،‬يحــدث انفجــا ٌر يف‬ ‫األجســام املضــادة يف املصــل يف عينتــن اثنتــن يفضــل أن يفصــل بــن‬ ‫يعــد فــروس كورونــا املســتجد واحــدا مــن أف ـراد عائلــة فريوســات‬
‫الخل ّيــة‪ ،‬وينتــر الفــروس مبئــات اآلالف إىل باقــي الخاليــا‪.‬‬ ‫تاريخــي أخذهــا ‪ 14‬يومـاً‪ ،‬وهــي مــدة احتضــان الفريوس يف الجســد‬ ‫كورونــا الســبعة التــي يصعــب الكشــف عنهــا وتت ُّبعهــا مــن وجهــة‬
‫والعينــن‪.‬‬
‫ْ‬ ‫فــروس كورونــا املســتجد يدخــل عــر األنــف والفــم‬ ‫لظهــور اإلصابــة وغالبــا بواســطة الفحــص ال تســفر االختبــارات‬ ‫نظــر طبيــة ووجهــة نظــر علــم الوبائيــات‪ ،‬وكذلــك عــدم القــدرة عــى‬
‫ّــي‪ ،‬يبــدأ باألنــف والبلعــوم‪،‬‬ ‫وعندمــا يدخــل إىل الجهــاز التنف ّ‬ ‫األوليــة عــن نتائــج حاســمة‪ ،‬ومــن تــم يجــب الخضــوع الختبــارات‬ ‫وضــع اإلسـراتيجيات التــي يجــب إتباعهــا وكيفيــة إرشاك املجتمعــات‬
‫فيتكاثــر يف خالياهــا‪ ،‬ثــم ينتقــل إىل القصبــات الهوائ ّيــة‪ ،‬ومنهــا إىل‬ ‫فريوســية ومصليــة أخــرى لتحديــد إمكانيــة تصنيــف املريــض كحالــة‬ ‫الدوليــة واملحليــة مــن أجــل الكشــف والوقايــة‪.‬‬
‫ـم الــدم‪ .‬عندمــا يدخــل إىل الــدم يصبــح‬ ‫ـي‪ ،‬ثـ ّ‬
‫الرئتـ ْـن‪ ،‬فالجهــا ِز الهضمـ ّ‬ ‫مؤكــدة للعــدوى بفــروس كورونــا‪ .‬و ُينصــح بشــدة بأخــذ عينــات‬ ‫فالجائحــة التــي نعيشــها اآلن رضبــت كل دول العــامل وتجــاوز عــدد‬
‫كل الجســم ومــع ذلــك ال نســتطيع القــول إنّ الجســم‬ ‫موجــودًا يف ّ‬ ‫الســفىل‪ ،‬مثــل البلغــم أو الشــفطة‬
‫متعــددة مــن املســالك التنفســية ُ‬ ‫الوفيــات بفــروس كورونــا املســتجد يف العــامل حتــى اآلن حاجــز ال‬
‫ـب ليــس ســوى املناطــق التــي لديهــا‬ ‫كلَّــه قــد أصيــب‪ ،‬إذ إنّ مــا أصيـ َ‬ ‫مــن داخــل الرغــام أو ســوائل غســل القصبــات واألســنان واختبارهــا‬ ‫‪ 15‬آالف شــخص‪ ،‬فيــا اقــرب عــدد املصابــن مــن ‪ 310‬آالف مصــاب‪.‬‬
‫ـاح الخليــة‪.‬‬
‫(أي بروتــن الخل ّيــة) الــذي يعمــل عليــه مفتـ ُ‬ ‫القفـ ُـل ْ‬ ‫إن أمكــن‪.‬‬
‫أي عــاج أو مستشـفًى‬ ‫فالغالب ّيــة العظمــى (‪ )80%‬تتعــاىف مــن دون ّ‬ ‫كيــف ينتشــر فــروس كورونــا وكيــف يمكــن‬
‫أو مصــل‪ ،‬فالجســم يف حــدّ ذاتــه يقــي عــى الفــروس‪ ،‬وقد تســاعده‬ ‫ماذا يحدث داخل الفريوس؟‬ ‫للنــاس حمايــة أنفســهم منــه؟‬
‫ـض األمصــال لتزويــده بالســوائل ومبخ ِّفــض الحـرارة‪.‬‬ ‫بعـ ُ‬ ‫حتــى يســتطيع الفــروس أن يعــدي إنســانًا أو حيوانًــا‪ ،‬فــإنّ هد َفــه‬ ‫ينتــر الفــروس بــن النــاس عــاد ًة مــن خــال الســعال والعطــس‬
‫ـات‬‫األ ّول هــو أن يدخـ َـل إليــه أو يلتقطَــه‪ ،‬مبع ًنــى آخــر‪ ،‬فــإنّ جزئ ّيـ ٍ‬ ‫أو مالمســة شــخص لشــخص مصــاب أو ملــس ســطح مصــاب ثــم‬
‫هل يمكن عالج فريوسات كورونا؟‬ ‫مــن الفــروس‪ ،‬وهــي عــى شــكلِ تــاج‪ ،‬ومك َّونــ ٌة مــن الربوتــن‪،‬‬ ‫الفــم أو األنــف أو العينــن‪ ،‬وللحاميــة مــن العــدوى‪ ،‬يــويص بإتبــاع‬
‫ال يوجــد لقــاح أو دواء للعــاج بعــد؛ ومبــا أن هذه فريوســات مقاومة‪،‬‬ ‫تلتقــط خل ّيــ ًة يف اإلنســان‪ ،‬إنّــه عبــارة عــن بروتــن‬
‫َ‬ ‫بحاجــة إىل أن‬ ‫مامرســات النظافــة الشــخصية األساســية‪ ،‬مثــل غســل اليديــن بشــكل‬
‫فــإن املضــادات الحيويــة لــن تفيــد معهــا‪ ،‬ومــن دون أي عــاج محــدد‬ ‫ـي‪،‬‬ ‫يعمــل عــى موازنــة ضغــط الــدم املوجــود يف خل ّيــة الجهــاز التنفـ ّ‬ ‫متكــرر‪ ،‬ورشب الســوائل بكــرة‪ ،‬وتغطيــة األنــف والفــم مبنديــل أو‬
‫متــاح‪ ،‬يقــوم األطبــاء عمو ًمــا مبعالجــة األع ـراض ومســاعدة املريــض‬ ‫ـب ميتلكــون هــذا الربوت ـ َن أك ـ َر‬ ‫ـط وقلـ ٍ‬‫ـاكل ضغـ ٍ‬
‫و َمــن يعانــون مشـ َ‬ ‫بكوعــك عنــد الســعال‪ ،‬والبقــاء يف املنــزل إذا كنــت تشــعر باملــرض‪.‬‬
‫عــى الشــعور بالراحــة بشــكل أكــر‪.‬‬ ‫مـ ّـا ميتلكــه غ ُريهــم‪ ،‬لذلــك فهــم يعانــون أك ـ َر مــن غريهــم بســبب‬
‫ويلعــب هــدا الوبــاء عــى عامــل املناعــة فكلــا كانــت ضعيفــة وجــد‬ ‫هــذا الفــروس‪ .‬وبهــذه العمل ّيــة‪ ،‬يدخــل الفــروس إىل الخل ّيــة‪ ،‬ويبــدأ‬ ‫ما أعراض فريوس كورونا الجديد؟‬
‫ميكــن أن تســبب فريوســات كورونــا مجموعــة مــن األع ـراض‪ ،‬مبــا يف‬
‫ذلــك الحمــى والســعال وضيــق التنفــس والتهــاب الحلــق وســيالن‬
‫األنــف‪ ،‬معظــم إصابــات فريوســات كورونــا يكــون ســببها مجــرد‬
‫نــزالت الــرد؛ وهنــاك ســاالت أكــر شــدة ميكــن أن تــؤدي إىل التهــاب‬
‫رئــوي حــاد يتطلــب العــاج يف املستشــفى‪ .‬وأعـراض فــروس كورونــا‬
‫الجديــد تشــمل الحمــى واألعـراض التــي تصيــب الجــزء الداخــي مــن‬
‫الجهــاز التنفــي مثــل الســعال وصعوبــة التنفــس‪.‬‬
‫وكانــت األعــراض املعروفــة لإلصابــة باملــرض الفتــاك تــراوح بــن‬
‫الحمــى والســعال وضيــق التنفــس والشــعور باإلرهــاق‪ ،‬ومل يكــن مــن‬
‫بينهــا فقــدان حاســتي الشــم والتــذوق الــذي أضحــى معيــار اإلصابــة‬
‫بفــروس "كوفيــد ‪ ، "19‬فقــد ال تظهــر عــى املريــض بالــرورة أعراض‬
‫الســعال والحمــى ولكــن ميكــن تأكيــد الحالــة مخربيـاً بالكشــف عــن‬
‫الحمــض النــووي الفــرويس أو التحليــل املصــي‪.‬‬
‫ويتطلــب تأكيــد الحالــة بواســطة االختبــار املصــي إثبــات إنتــاج‬
‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ ‪ -‬العدد ‪327 :‬‬
‫‪8‬‬
‫كورونا تعري هشاشة عوملة رأس املال‬
‫◆ عبد املجيد مصدق‬

‫منــد نهايــة شــهر دجنــر مــن الســنة املاضيــة تاريــخ اكتشــاف للعــدوى‪ ،‬دون التمكــن مــن مراقبتهــا أو تتبعهــا وحرصهــا‪.‬‬ ‫ضالتــه للتمــدد وإىل ذلــك‪ ،‬وحــاالت وفــاة األطفــال تحــت تســع‬
‫الحــاالت األوىل إىل أواســط مــارس‪ ،‬مــدة ليســت بالقصــرة قضتهــا‬ ‫ســنوات إىل حــدود اآلن نــاذرة‪ ،‬عــى الرغــم مــن إصابــة األطفــال يف‬
‫الصــن يف مواجهــة الفــروس الشــبح‪ ،‬فبعــد الرتاخــي وزيــادة بــؤر ‪ -‬أمــا الخطــأ الثــاين القاتــل حينهــا‪ ،‬فهــو عــدم وضــع العائديــن مــن‬ ‫ســن صغــرة باألم ـراض‪.‬‬
‫الفــروس وانتشــاره بطريقــة كبــرة وســقوط ضحايــا‪ ،‬اســتدركت الصــن إىل إيطاليــا يف الحجــر االحـرازي‪ ،‬كــا فعلــت دول مثــل فرنســا‬ ‫يف حالــة كورونــا الجديــد‪ ،‬يبــدو أن انتشــار الحديــث عــن النتائــج‬
‫الســلطات الصينيــة األمــر واتخــذت قــرارات وإجــراءات صارمــة وأملانيــا واململكــة املتحــدة‪.‬‬ ‫املبــرة للكلوروكــن ‪ ،Chloroquine‬العقــار الــذي يســتخدم‬
‫لتطويــق الجائحــة‪ ،‬بــدءا بفــرض حــر التجــول وإجبــار الســاكنة عــى بعــد ذلــك ســتضطر إىل تطبيــق الحجــر الصحــي واإلغــاق العــام‬ ‫بشــكل رئيــي يف عــاج املالريــا‪ ،‬خصوصــا مــع الضجــة التــي رافقتــه‬
‫البقــاء يف بيوتهــا والحجــر الصحــي عــى كل املشــتبه بهــم اإلصابــة لكافــة الــراب االيطــايل‪ ،‬ويف الحصيلــة املأســاوية‪ ،‬أعلنــت إيطاليــا‬ ‫والجــدل بــن األطبــاء والباحثــن يف فرنســا‪ ،‬ودخــول ســارسة‬
‫ورعايــة الحــاالت التــي تبــث إصابتهــا بعــد التحاليــل املخربيــة‪ ،‬وبنــاء أن عــدد وفيــات فــروس كورونــا تجــاوز ‪ 5500‬لتحتــل نتيجــة ذلــك‬ ‫املخت ـرات والــركات العامليــة لألدويــة عــى الخــط‪ ،‬دفــع بالنــاس‬
‫مستشــفى يف املنطقــة املتــررة يف ظــرف أســبوع وشــل الحركــة املرتبــة األوىل يف العــامل مــن حيــث عــدد الوفيــات بســبب كورونــا‪ ،‬يف‬ ‫لــراء أكــر كميــة ممكــن منــه‪ ،‬بــل إن اســتخدام الكلوروكــن يف‬
‫االقتصاديــة والتجاريــة والخدماتيــة ووقــف الدراســة والعمــل وضامن حــن تجــاوز عــدد اإلصابــات عــى أراضيهــا ‪ 53‬ألفــا مصــاب‪.‬‬ ‫إصابــات "ســارس" قبــل ‪ 17‬ســنة كان لــه دور يف إنقــاذ بعــض املــرىض‬
‫إيصــال الطعــام يوميــا لســاكنة مقاطعــة هــويب وعاصمتهــا مدينــة بعــد تجــاوز األخطــاء الفادحــة‪ ،‬أغلقــت الســلطات اإليطاليــة عــدة‬ ‫مــن الحــاالت الخطــرة‪ ،‬ويعتقــد الباحثــون أن األمــر ال يتعلــق‬
‫ووهــان بــؤرة الوبــاء‪ ،‬وهــذا اإلقليــم املنكــوب يبلــغ عــدد ســكانه مــدن للحيلولــة دون انتشــار فــروس كورونــا‪ .‬وطلبــت مــن ‪ 50‬ألــف‬ ‫بالكلوروكــن تحديــدً ا لكــن بالزنــك‪ ،‬ألن دخولــه للخليــة مينــع هــذا‬
‫نحــو ‪ 64‬مليــون نســمة‪ ،‬وكل هــذه التدابــر ســهرت خاليــا وممثلــو شــخص يف إقليمــي لومبارديــا وفنيتــو البقــاء يف منازلهــم‪ .‬مــا دفــع‬ ‫اإلنزيــم مــن تأديــة عملــه بشــكل طبيعــي‪ ،‬لكــن الخاليــا البرشيــة ال‬
‫الســكان باألحيــاء عــى تنفيذهــا بــكل دقــة وحرفيــة‪ ،‬كــا كان لعامــل بأعــداد كبــرة منهــم اللجــوء إىل رشاء وتخزيــن املــواد الغذائيــة دون‬ ‫تســمح بســهولة بإدخــال الزنــك إليهــا‪ ،‬هنــا يجــيء دور الكلوروكــن‬
‫مركزيــة الق ـرار وتجــاوز البريوقراطيــة األثــر الكبــر يف خــروج الصــن أخــد االح ـرازات الصحيــة مــا زاد يف عــدد اإلصابــات‪....‬‬ ‫والــذي يحســن هــذه اآلليــة‪ ،‬كذلــك ظهــر ‪-‬يف هــذا الســياق‪ -‬أن‬
‫مــن نفــق الوبــاء وتقليــص الخســائر البرشيــة‪ ،‬حيــث وصــل العــدد أمــام هــذه األوضــاع وطلباتهــا املتكــررة دون نتيجــة لبعــض دول‬ ‫يحســن مــن كمياتــه‬‫تواجــد الزنــك بكميــات كبــرة خــارج الخاليــا ّ‬

‫االتحــاد األورويب ملســاعدتها‪ ،‬وجــدت نفســها وحيــدة أمــام املصــر‬


‫املجهــول واضطــرت لخــوض املعركــة منعزلــة حتــى النهايــة‪ ،‬دون‬ ‫داخلهــا‪ .‬كــا أن هنــاك عــدة أنــواع مــن العقاقــر تخــص أمــراض اإلجــايل لحــاالت اإلصابــة املؤكــدة يف بــر الصــن الرئيــي إىل ‪80967‬‬
‫الســند األوريب‪.‬‬ ‫أخــرى أو يف طــور االختبــار والتجــارب الرسيريــة ويعتقــد أن تكــون حالــة‪ ،‬بينــا بلــغ عــدد الوفيــات الناجمــة عــن تفــي الفــروس إىل‬
‫وكان يــوم الســبت ‪ 21‬مــارس حزينــا يف إيطاليــا‪ ،‬حيــث شــهد تســجيل‬ ‫‪ 3248‬ضحيــة‪.‬‬ ‫لهــا إيجابيــات للحــد مــن هــدا الوبــاء‪.‬‬
‫‪ 800‬حالــة وفــاة يف يــوم واحــد‪ ،‬وهــي حصيلــة غــر مســبوقة يف‬ ‫إن معظــم هــذه األدويــة مل يتخــط إىل اآلن املرحلــة األوىل للتجــارب‬
‫الرسيريــة وتُســتخدم فقــط يف حــاالت متطــورة جــدً ا مــن املــرض شــبه جزيــرة اإلمرباطوريــة الرومانيــة تحصــي‬
‫البــاد‪.‬‬
‫ويف هــذا الصــدد تجــدر اإلشــارة إىل أنــه حســب آخــر ترتيــب للــدول‬ ‫متثــل إىل اآلن حــوايل ‪ 5%‬فقــط مــن النــاس الذيــن ال ميتلكــون حــا ضحاياهــا وترتبــع علــى قائمة ضحايــا الجائحة‬
‫ضحايــا الجائحــة نجــد الواليــات املتحــدة األمريكيــة يف الصــف‬ ‫آخــر ســوى التجريــب‪ ،‬لكــن بســبب أن الظــرف نفســه اســتثنايئ فــإن كان مؤملــا حقــا أن تــرى إيطاليــا وقــد عــادت إىل صــور زمــن الحــرب‬
‫الثالــث بعــد كل مــن ايطاليــا والصــن والتــي مل تتحــرك بدورهــا‬ ‫العامليــة الثانيــة‪ ،‬وهــي تنقــل جثــث ضحايــا املــرض بالشــاحنات‬ ‫األمــر تطلــب التدخــل بهــذا الشــكل‪.‬‬
‫إال بعــد أن بــدأت األمــور تخــرج عــن الســيطرة حيــث بلــغ عــدد‬ ‫العســكرية‪ ،‬بعــد أن عجــزت الدولــة عــن تقديــم الرعايــة الصحيــة‬
‫لهــم خصوصــا مــن املســنني‪ ،‬فهــي تعتــر واحــدة مــن أعــى دول‬ ‫من ووهان بالصني إىل االجتياح العاملي‬
‫اإلصابــات بعمــوم ال ـراب األمريــي ‪ 33,266‬حالــة وعــدد الوفيــات‬
‫‪ 389‬لتتصــدر واليــة نيويــورك بــؤرة الوبــاء بعــدد ‪ 15788‬حالــة‪ ،‬مــا‬ ‫ليــس هنــاك اي يشء ثابــت يؤكــد مصــدر الوبــاء غــر االفرتاضــات العــامل يف ارتفــاع أعــار ســكانها‪ ،‬إذ إن نحــو ‪ 23.3%‬مــن مواطنيهــا‬
‫دفــع اإلدارة األمريكيــة لوقــف إنتــاج الســيارات وتوجيــه املعامــل‬ ‫العلميــة كــا انــه ليــس هنــاك آي دليــل قاطــع عــى الكيفيــة التــي فــوق ســن ‪ ،65‬وهــو مــا ســهل مهمــة الجائحــة يف االنقضــاض عــى‬
‫إىل إنتــاج أجهــزة التنفــس االصطناعــي واألجهــزة الطبيعــة الرضوريــة‬ ‫كانــت الســبب يف ظهــوره مبدينــة ووهــان الصينيــة عاصمــة مقاطعــة دوي املناعــة الضعيفــة‪ ،‬وقــد أجمــع خ ـراء الصحــة وعلــم األوبئــة‬
‫عــى أن املأســاة االيطاليــة بــدأت مــع بدايــة انتشــار املــرض فيهــا‪،‬‬ ‫هــويب‪.‬‬
‫ملكافحــة هــذا الوبــاء‪..‬‬
‫وبالرتتيــب العــام للــدول املصابــة التــي يفــوق عددهــا ‪ 170‬دولــة‬ ‫وبغــض النظــر عــن الطبيــب الصينــي الــذي كشــف وحــدد نوعيــة نتيجــة خطأيــن قاتلــن‪:‬‬
‫الوبــاء ولقــي مرصعــه بســببه يف ظــروف غامضــة‪ ،‬وبعــد وقــوع‬
‫نجــد كوريــا الجنوبيــة ثــم إيــران يف الصــف الخامــس التــي زاد‬
‫الحصــار مــن تفــي الوبــاء فيهــا‪ ،‬ثــم إســبانيا ففرنســا‪.....‬لدرجة آن‬ ‫واقعــة ظهــور الفــروس وبدايــة انتشــاره‪ ،‬يطــرح الســؤال التــايل‪ :‬هــل ‪ -‬الخطــأ األول الــذي اقرتفتــه الحكومــة اإليطاليــة كان أنهــا مل متنــع‬
‫أعلنــت منظمــة الصحــة العامليــة يــوم ‪11‬مــارس أن الفــروس كورونــا‬ ‫اتخــذت الســلطات الصحيــة الصينيــة الخطــوات األساســية لتطويقــه الرحــات املبــارشة مــن الصــن باتجــاه إيطاليــا‪ ،‬وهــذا مكّــن دخــول‬
‫املســتجد يصنــف جائحــة‬ ‫يف الوقــت املناســب؟ أم أن الجائحــة تجاوزتهــا يف البدايــة نظـرا لجهــل العديــد مــن املســافرين املصابــن العائديــن مــن الصــن إليهــا أو‬
‫املاريــن بهــا عــن طريــق رحــات "الرتانزيــت" ونــر هــذه الحــاالت‬ ‫الســلطات بتداعيــات الفــروس عــى الســاكنة ورسعــة انتشــاره‪.‬‬
‫وهــو مصطلــح علمــي أكــر شــدة واتســاعا مــن "الوبــاء العاملــي"‪،‬‬
‫‪9‬‬ ‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ ‪ -‬العدد ‪327 :‬‬

‫كورونا تعري هشاشة عوملة رأس املال‬


‫◆ عبد املجيد مصدق‬

‫لضــان اســتمرار التحليــق يجــب أن تســتخدم نافــذة الطـران هــذه‬ ‫ويرمــز إىل االنتشــار الــدويل للفــروس‪ ،‬وعــدم انحصــاره يف دولــة فــروس الرأســمالية املتوحشــة أم صــراع‬
‫بنســبة ‪ 80٪‬خــال موســم مــا‪ ،‬ســواء كان يف الصيــف أو الشــتاء‪،‬‬ ‫النفــود‬ ‫واحــدة‪.‬‬
‫إذا مل تســتخدم بهــده النســبة فســتفقدها يف املوســم القــادم‪ .‬نوافــذ‬ ‫بينــا اســتخدمت إدارة ترامــب الوبــاء للتنصــل من االندمــاج العاملي؛‬ ‫والحصيلــة اإلجامليــة إىل حــدود أالن إصابــة نحــو ‪ 300‬ألفــا يف ‪183‬‬
‫الط ـران هــذه مكلفــة للغايــة‪ ،‬تصــل تكلفتهــا إىل املاليــن يف بعــض‬ ‫تســتخدم الصــن األزمــة إلظهــار عزمهــا عــى قيــادة العــامل بصفتهــا‬ ‫دولــة وإقليــا‪ ،‬تــويف منهــم قرابــة ‪ 15‬آالف‪ ،‬أغلبهــم يف الصــن وكوريــا‬
‫املطــارات‪ .‬لكــن أيــن املشــكل‪ ،‬ال يوجــد مســافرون‪ ،‬ويتــم إلغــاء‬ ‫البلــد األ ّول الــذي تعــ ّرض لرضبــة فــروس كورونــا‪ ،‬فقــد عانــت‬ ‫الجنوبيــة وإيطاليــا وإيـران‪ ،‬زيــادة عــى ذلــك يقــول تقريــر ملنظمــة‬
‫الرحــات‪ ،‬املــوت يف كل مــكان وعــدد مــن الــدول ذات الحركــة‬ ‫الصــن بشــدّ ة عــى مــدار األشــهر الثالثــة الفائتــة‪ ،‬لكنهــا تتامثــل‬ ‫الصحــة العامليــة أن عــدد اإلصابــات املشــخّصة ال يعكــس الواقــع‬
‫الســياحية كفرنســا وإســبانيا عــى ســكة إيطاليــا‪ ..‬محنــة قاســية‬ ‫للتعــايف يف الوقــت الحــايل الــذي يشــهد استســام بقيــة العــامل للوبــاء‪.‬‬ ‫بشــكل كامــل‪ ،‬إذ إن معايــر تعــداد اإلصابــات وفحــوص تشــخيص‬
‫بإيــران وجيــوش العــامل بالشــوارع ملواجهــة كورونــا‪ ،‬قــد تخــر‬ ‫ويفــرض ذلــك مشــكلة عــى املصنعــن الصينيــن الذيــن بــدأ العديــد‬ ‫فــروس كورونــا تختلــف بحســب البلــد‪.‬‬
‫رشكات الطــران العامليــة ‪ 113‬مليــار دوالر مــن مبيعاتهــا يف حــال‬ ‫منهــم بالنهــوض مجــددا لكنهــم يواجهــون ضعــف الطلــب مــن الدول‬
‫اســتمرار انتشــار فــروس كورونــا‪ ،‬وفقــاً ملــا ذكــره اتحــاد النقــل‬ ‫الواقعــة يف األزمــة‪ ،‬غــر أن ذلــك مينــح الصــن فرصــة قصــرة املــدى‬
‫إغالق الحدود واالنعزال‬
‫الجــوي الــدويل‪.‬‬ ‫للتأثــر عــى ســلوك الــدول األخــرى‪ .‬فربغــم مــن األخطــاء املرتكبــة يف‬
‫مخلفــات فــروس كورونــا تهــدد مســتقبل العوملــة‪ ،‬ويشــر خــراء‬ ‫أجــر انتشــار الفــروس عــى نطــاق عاملــي دوال عديــدة عــى‬
‫البدايــة والتــي مــن املُر َّجــح أنهــا كلِّفــت آالفــا مــن األرواح؛ تعلّمــت‬
‫اقتصاديــون إىل أنــه عــى املــدى البعيــد ســتتفىش عــدوى الفــروس‬ ‫إغــاق حدودهــا ووقــف الرحــات الجويــة وإلغــاء فعاليــات عــدة‪،‬‬
‫الصــن كيــف تكافــح الفــروس الجديــد‪ ،‬كــا أنهــا متتلــك مخزونــا مــن‬
‫التاجــي يف املجــال االقتصــادي انطالقــا مــن الصــن وصــوال إىل باقــي‬ ‫ومنــع التجمعــات مبــا فيهــا الصلــوات الجامعيــة‪ .‬كــا كان لهجــوم‬
‫املعــدات وهــي أصــول ق ّيمــة وظّفتهــا الصــن برباعــة‪.‬‬
‫أنحــاء العــامل‪ ،‬مؤكديــن عــى التداعيــات املاليــة الســلبية للوبــاء‪.‬‬ ‫هــدا الوبــاء عــى أغلــب دول االتحــاد األوريب األثــر البالــغ يف بــروز‬
‫فايطاليــا كانــت عاجــزة عــن صنــع وتوفــر الكاممــات لألطبــاء‬
‫أن تطويــق الحــدود املســلط عــى األرايض الصينيــة خــال العــام‬ ‫هشاشــة البنــاء الوحــدوي‪ ،‬مــا حــول اتفاقيــة ماســريخت إىل حــر‬
‫واملمرضــن واملــرىض‪ ،‬هــذا البلــد الــذي يبلــغ عــدد ســكانه ‪ 60‬مليــون‬
‫الجديــد جـراء تفــي الوبــاء‪ ،‬ألحــق أرضارا جســيمة باقتصــاد البــاد‪،‬‬ ‫عــى ورق أمــام الواقــع العنيــد‪ ،‬وكان تــرك رومــا لوحدهــا تصــارع‬
‫نســمة‪ ،‬يســجل وفيــات بســبب فــروس كورونــا أكــر مــن الصــن‪،‬‬
‫حيــث أغلقــت أبــواب املصانــع وتعطلــت عجــات اإلنتــاج وقبــع‬ ‫طوفــان الوبــاء أكــر الصــور تراجيديــة ومأســاوية لكيــان االتحــاد‬
‫التــي يبلــغ عــدد ســكانها ‪ 1.3‬مليــار نســمة‪ ،‬والســبب هــو هيمنــة‬
‫العــال يف املنــازل‪ ،‬فليــس مــن الهــن‬ ‫منــذ نهايــة الحــرب العامليــة الثانيــة‪.‬‬
‫تقييــم اآلثــار االقتصاديــة لفــروس‬ ‫ففــي بدايــة مــارس الحــايل ناشــدت إيطاليا‬
‫كورونــا عــى مــدار األيــام العــرة‬ ‫دول االتحــاد األورويب توفــر معــدات‬
‫القادمــة‪ ،‬ناهيــك عــن الســنوات العــر‬ ‫طبيــة للطــوارئ مبــا أن النقــص الحــاد أجــر‬
‫املقبلــة‪ ،‬ولكبــح تداعيــات الوبــاء أعلــن‬ ‫أطباءهــا عــى اتخــاذ قــرارات مفجعــة‬
‫البنــك املركــزي الصينــي عــن رســم‬ ‫بشــأن فئــة املــرىض الذيــن ســيحاولون‬
‫خطــط لضــخ حــوايل ‪ 173‬مليــار دوالر‬ ‫ســيتعي عليهــا‬
‫ّ‬ ‫إنقاذهــم والفئــة التــي‬
‫يف األســواق لتحقيــق اســتقرار أســعار‬ ‫مواجهــة املــوت‪ ،‬ومل تســتجب أي دولــة‬
‫األصــول‪ ،‬كــا أن بكــن تخطــط أيضــا‬ ‫أوروبيــة‪ ،‬لكــن الصــن اســتجابت وعرضــت‬
‫إلجــراء تخفيضــات رضيبيــة وزيــادة‬ ‫إرســال أجهــزة تنفــس اصطناعــي وأقنعــة‬
‫اإلنفــاق الحكومــي واألكيــد انــه لــن‬ ‫وبــ ّزات واقيــة‪ ،‬باإلضافــة إىل املاســحات‪،‬‬
‫يتمكــن صنــاع السياســة النقديــة‬ ‫وبذلــك تكــون بكــن قــد ســعت إىل‬
‫يف جميــع أنحــاء العــامل مــن منــع‬ ‫تقديــم نفســها كقائــد يف املعركــة العامليــة‬
‫الصدمــات عــى النظــام العاملــي التــي‬ ‫ضــد الفــروس الجديــد لتأكيــد ن ّياتهــا‬
‫ســيخلفها هــذا الوبــاء الــذي ُيثِّــل‬ ‫الطيبــة وتوســعة نطــاق تأثــره‪ ،‬ونســجل‬
‫اختبــارا هائــا للعوملــة‪ ،‬فقــد انهــارت‬ ‫أيضــا وصــول األطقــم الطبيــة الكوبيــة‬
‫أهــم سالســل اإلمــداد‪ ،‬وســارعت‬ ‫والفنزوليــة لتخفيــف وطــأة الوبــاء عــى‬
‫غريــزة الربــح الرسيــع لــرأس املــال املتوحــش والجبــان فمثــا‪ :‬صنــع‬
‫الــدول لتكديــس إمداداتهــا الطب ّيــة وحظــر التن ُّقــل والســفر‪ ،‬وباتــت‬ ‫الشــعب اإليطــايل‪ ،‬وشــكل وصــول الطائــرات الروســية إليطاليــا‬
‫كاممــات وتخزينهــا أمــر غــر مربــح…! واالســتثامر يف البحــث؟‬
‫األزمــة تُح ِّتــم إعــادة تقييــم شــاملة لالقتصــاد العاملــي املتداخــل‪ ،‬فلــم‬ ‫محملــة باملعــدات الطبيــة مــؤرشا الكتــال عقــد الجبهــة النقيــض‬
‫ليــس باألمــر املربــح عــى الفــور‪ ..‬التوفــر عــى خدمــة طبيــة فعالــة‬
‫تتوقــف العوملــة عنــد املســاعدة باالنتشــار املتســارع لهــذا املــرض‬ ‫ألمريــكا وأوروبــا‪ ،‬كــراع للحــرب عــى الوبــاء‪.‬‬
‫للجميــع؟ ليــس أيضــا باألمــر املربــح‪ ،‬بــل يجــب تــرك الخدمــة الطبيــة‬
‫املعــدي‪ ،‬لكنهــا عملــت أيضــا عــى رعايــة أوارص وثيقــة بــن الــركات‬ ‫ومــع انتشــار الفــروس الجديــد أذعنــت بعــض الــدول ألســوأ غرائزها‪،‬‬
‫الجيــدة لألغنيــاء الذيــن يســتطيعون تحمــل مصاريفهــا‪.‬‬
‫والــدول جعلــت هــذه األخــرة أكــر ُعرضــة لتلقّــي الصدمــات‬ ‫فحتــى قبــل تفــي "كوفيــد‪ "-19‬كان املص ّنــع الصينــي يُنتــج نصــف‬
‫ُي ِّثــل فــروس كورونــا الجديــد اختبــارا هائــا للعوملــة‪ ،‬فقــد انهــارت‬
‫املفجعــة‪،‬واآلن فقــط يتكشَّ ــف للــدول والــركات مــدى ضعفهــا‬ ‫األقنعــة الطبيــة حــول العــامل‪ ،‬وكنتيجــة لألزمــة عمــل املص ّنعــون‬
‫أهــم سالســل اإلمــداد‪ ،‬وســارعت الــدول لتكديــس إمداداتهــا الطب ّيــة‬
‫وهشاشــتها‪.‬‬ ‫الصين ّيــون عــى مضاعفــة اإلنتــاج‪ ،‬بالتزامــن مــع الطلــب العاملــي‬
‫وحظــر التن ُّقــل والســفر‪ ،‬وباتــت األزمــة تُح ِّتــم إعــادة تقييــم شــامل‬
‫املهــول لكميــات ضخمــة مــن األقنعــة والكاممــات مــن الخــارج‪.‬‬
‫لالقتصــاد العاملــي املتداخــل‪ ،‬فلــم تتوقــف العوملــة عنــد املســاعدة‬
‫الوبــاء بــن الحــرب البيولوجيــة وصــراع النفوذ‬ ‫باالنتشــار املتســارع لهــذا املــرض املعــدي‪ ،‬لكنهــا عملــت أيضــا عــى‬
‫وال شــك أن الصــن كانــت بحاجــة إىل األقنعــة‪ ،‬لكــن فــورة ال ـراء‬
‫وســيادة نظريــة املؤامرة‬ ‫رعايــة أوارص وثيقــة بــن الــركات والــدول جعلــت هــذه األخــرة‬
‫أحدثــت انهيــارا ضخــا يف اإلمــداد أدّى إىل الحــد مــن اســتجابة‬
‫يؤكــد األطبــاء املختصــون وعلــاء األوبئــة أن الوبــاء حالــة طبيعيــة‬ ‫الــدول األخــرى للمــرىض‪.‬‬
‫أكــر ُعرضــة لتل ّقــي الصدمــات املفجعــة‪ .‬واآلن فقــط يتكشَّ ــف للــدول‬
‫يف النظــام الكــوين ووســط بيئــة الكائــن الحــي‪ ،‬وأن العلــم وصــل إىل‬ ‫مل يكــن ســلوك الــدول األوروبيــة بأفضــل مثاليــا‪ ،‬حيــث قامــت‬
‫والــركات مــدى ضعفهــا وهشاشــتها بســبب خضوعهــا واندماجهــا يف‬
‫مرحلــة معرفــة تغيــر مكونــات وجينــات أي فــروس‪ ،‬لكــن الشــائعة‬ ‫تركيــا بحظــر تصديــر األقنعــة والكاممــات الطبيــة‪ ،‬وحــذت أملانيــا‬
‫الرأســالية املتوحشــة‪..‬‬
‫األكــر انتشــارا يف العــامل كلــه‪ ،‬مبــا يف ذلــك محيطنــا اإلقليمــي‪ ،‬كانــت‬ ‫حذوهــا مــع أنهــا عضــو يف االتحــاد األورويب الــذي يُفـ َرض أن لديــه‬
‫دامئــا متعلقــة بــأن كورونــا الجديــد هــو فــروس ُمخلَّــق معمليــا‬ ‫"ســوقا مو ّحــدا" وتجــارة حــرة غــر مق ّيــدة ضمــن الــدول األعضــاء‪.‬‬
‫الركــود االقتصــادي والتجــاري يضــع العوملــة‬
‫ــم هــا‬‫يف حــرب الواليــات املتحــدة ضــد الصــن وإيــران‪ ،‬وإال فلِ َ‬ ‫أمــا الحكومــة الفرنســية فقــد اتخــذت خطــوة أبســط يف الحجــر عــى‬
‫يف مهــب الريــح‬ ‫األقنعــة املتاحــة‪ ،‬ونــادت أصــوات يف االتحــاد األورويب بــأن مــن شــأن‬
‫أكــر الــدول يف عــدد اإلصابــات‪ !....‬ورغــم أن العالقــات السياســية‬
‫منــذ بــدء األزمــة‪ ،‬كانــت خطــوط الطـران قلقــة مــن إلغــاء الرحــات‬ ‫إجــراءات مــن هــذا النــوع أن تُقــ ِّوض التضامــن بــن دول االتحــاد‬
‫واالقتصاديــة الوطيــدة بــن الصــن وإي ـران تُف ـرِّ حجــم االنتقــاالت‬
‫وفقــدان نافــذة الطــران‪ ،‬والحــق باإلقــاع والهبــوط عــى املــدرج‪.‬‬ ‫وتحــول دون إمكان ّيــة إيجــاد نهــج مشــرك يف محاربــة الفــروس‬
‫الكبــر بــن الدولتــن‪ ،‬ورغــم أن إيطاليــا مثــا أصبحــت حاليــا يف‬
‫معــن‪ ،‬فيمكــن أن‬
‫خصوصــا أن الطــران ليــس محــددا بــأي مســار ّ‬ ‫الجديــد‪ ،‬دون أن تجــد آذانــا ُمصغيــة‪.‬‬
‫املركــز الثــاين بعــد الصــن‪ ،‬فــإن أحــدا مل يهتــم بذلــك‪ ،‬واســتمرت‬
‫يكــون ألي وجهــة‪ ،‬وليــس محــدداً بنــوع الطائــرة‪ ،‬وإمنــا يتعلــق بــكل‬
‫القناعــة بنظريــات املؤامــرة عــى أيــة حــال‪.‬‬
‫بســاطة بالحــق باإلقــاع والهبــوط يف مطــار مــا‪.‬‬
‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ ‪ -‬العدد ‪327 :‬‬
‫‪10‬‬
‫وباء جديد ‪ ..‬عصر جديد‬
‫◆ رشيد االدريسي‬

‫الطبقــات الشــعبية ووقــف ضــد الرأســالية والليرباليــة املتوحشــتني‬ ‫واالمربياليــة‪ ،‬كل ذلــك يف ظــل العوملــة الليرباليــة وســيطرة الــركات‬ ‫يف مواجهــة فــروس كورونــا‪ ،‬هنــاك لحظتــان‪ ،‬األوىل‬
‫وإجراءاتهــا التدمرييــة‪ ،‬ضــد كل مــا هــو اجتامعــي ســواء مــا يتعلــق‬ ‫املتعــددة الجنســيات واللوبيــات االقتصاديــة واملاليــة القويــة‪ ،‬التــي‬ ‫إنســانية وتضامنيــة ومجتمعيــة ملواجهــة هــذا الوبــاء‬
‫بالقطاعــات الحيويــة كالتعليــم والصحــة والشــغل‪ ..‬ووقــف اليســار‬ ‫أضحــت املتحكــم يف الــدول وسياســاتها وأنظمتهــا وحياتهــا االقتصادية‬ ‫الجديــد وتنفيــذ الحجــر الصحــي بشــكل تــام وعــدد مــن‬
‫املغــريب ضــد الخوصصــة ومشــاريع إنهــاء القطــاع العــام‪ ،‬ولقــد أعادت‬ ‫واالجتامعيــة والسياســية والثقافيــة واإلعالميــة‪.‬‬ ‫اإلجــراءات االحرتازيــة األخــرى‪ ،‬وهنــاك لحظــة للتأمــل‬
‫هــذه األزمــة االعتبــار أل فــكاره وأطروحاتــه ســواء عــى املســتوى‬ ‫فالطابــع التدمــري للنظــام الرأســايل واثــاره الســلبية مل يعــد فقــط‬ ‫والتفكــر واملســاءلة النقديــة للكثــر مــن القضايــا‪ ،‬ويف‬
‫نظــري أن هنــاك تداخــا وتقاطعــا بــن اللحظتــن‪.‬‬
‫االقتصــادي او االجتامعــي او الفكــري‪.‬‬ ‫عــى البــر يف حياتهــم وحقوقهــم ومعيشــتهم‪ ،‬بــل أيضا عىل مســتوى‬
‫تقتضــي اللحظــة األوىل التعبئــة والدعــم لــكل املبــادرات‬
‫لقــد ترتــب عــن هــذه السياســات الرجعيــة والبورجوازيــة املنتهجــة‬ ‫البيئــة واألمــن والســلم وتهديــد البرشيــة ككل‪ ..‬وكــا كشــفت األزمــة‬
‫اإليجابيــة‪ ،‬والحــرص علــى كســب رهــان مواجهــة وبــاء‬
‫الكثــر مــن الكــوارث‪ ،‬وجــاءت هــذه االزمــة لتفضــح هــذه االنظمــة‬ ‫االقتصاديــة واملاليــة لســنة ‪ 2008‬األفــق املســدود للرأســالية وحتميــة‬ ‫كاســح وتقليــل مخاطــره‪ ،‬لكــن يف نفــس الوقــت يتوجــب‬
‫وهــذه السياســات التــي مل تســتفد منهــا ســوى اوســاط بورجوازيــة‬ ‫انتصــار البديــل االش ـرايك‪ ،‬فقــد وجــدت عــدد مــن الــدول وخصوصــا‬ ‫اســتحضار املنطلــق النقــدي وبــروح تتوجــه للمســتقبل‬
‫طفيليــة تعيــش بالريــع واالمتيــازات واإلعفــاءات الرضيبيــة‪ ..‬والتــي‬ ‫يف أوروبــا نفســها أمــام تداعيــات اقتصاديــة واجتامعيــة كبــرة مــن‬ ‫وتســاءل الحاضــر‪ ،‬ليــس فقــط مــن أجــل املواكبــة النقديــة‬
‫تشــكل القاعــدة االجتامعيــة لنظــام االســتبداد والتســلط‪ ،‬كــا انتهجت‬ ‫جــراء انتشــار الوبــاء وإغــاق الحــدود ومنــع التنقــل بــن الــدول‪،‬‬ ‫ملــا يجــري علــى أرض الواقــع ألنــه هــو املحــك لــكل‬
‫سياســات عموميــة محكومــة بتوجيهــات املؤسســات املاليــة الدوليــة‬ ‫وتوقــف الكثــر مــن املؤسســات والــركات واملقــاوالت االقتصاديــة يف‬ ‫الشــعارات والتدابــر التــي يمكــن أن تنطلــق ورديــة‬
‫أدت إىل اســتهداف العديــد مــن املكتســبات االجتامعيــة والقطاعــات‬ ‫مختلــف املياديــن وفقــدان املاليــن لعملهــم‪ ،‬حيــث أصبحــوا مهدديــن‬ ‫وتصبــح رماديــة أتنــاء التنزيــل‪ ،‬واألمثلــة صارخــة‪ ،‬بــل‬
‫الحيويــة‪ ..‬مــا انعكــس عــى ارض الواقــع مــن خــال تأزيــم الوضــع‬ ‫يف معيشــتهم ‪ ..‬ناهيــك عــن تزايــد املتطلبــات الصحيــة والغذائيــة‬ ‫أيضــا للتفكــر بصــوت مرتفــع يف مــا بعــد كورونــا ألن‬
‫التعليمــي والصحــي واملعيــي للمغاربــة‪.‬‬ ‫واالقتصاديــة واملاليــة بشــكل كبــر ملواجهــة الوضــع الخطــر‪ ..‬وبــدا‬ ‫عاصفتهــا ليســت محمولــة باملخاطــر الصحيــة والوجوديــة‬
‫لقــد حــان الوقــت ملواجهــة األطروحــة الليرباليــة وكشــف دورهــا‬ ‫واضــح أن ال ســبيل غــر تدخــل الدولــة‪ ،‬مــع العلــم أن البعــض يتهمهــا‬ ‫فقــط‪ ،‬بــل بعــدد مــن التحديــات الكبــرة والتغــرات‬
‫التخريبــي للمجتمعــات وفضــح القــوى السياســية والفكريــة التــي‬ ‫بالتأخــر العتبــارات اقتصاديــة وماليــة ومصلحيــة مثل فرنســا‪ ،‬وبشــكل‬ ‫الجوهريــة التــي سيشــهدها العالــم‪.‬‬
‫كمــا أن البعــد الوطنــي يف وعينــا وســلوكنا ومواقفنــا يجــب‬
‫انحــازت لهــا مبــا فيهــا قــوى وتنظيــات إســامية تحولــت اىل ادوات‬ ‫ســافر يف انجلــرا التــي حاولــت ان تنهــج طريقــا خاصــا يف البدايــة‬
‫ان ال يغيــب عــن ذهننــا يف أي لحظــة الخلفيــات الفكريــة‬
‫سياســية وايدلوجيــة للمراكــز االمربياليــة والرجعيــة‪ ..‬وخصوصــا انهــم‬ ‫يتمثــل يف تــرك الفــروس ينتــر الكتســاب املناعــة‪ ،‬وعــدم اعتــاد‬
‫والسياســية واملصالــح املتضاربــة التــي تتحكــم يف بنيــة‬
‫يتحدثــون هــذه االيــام عــن منــوذج تنمــوي جديــد يجــري االعــداد لــه‬ ‫الحجــر الصحــي واســتمرار الحيــاة بشــكل طبيعــي‪ ،‬حيــث رصح رئيــس‬ ‫املجتمــع و طبيعــة الســلطة السياســية‪ ،‬والتــي ســتظل‬
‫وفــق تصــور مخــزين متحكــم فيــه ال مــن حيــث االســلوب او املضمون‪.‬‬ ‫الحكومــة لإلنجليــز ‪" :‬اســتعدوا لتوديــع مــن تحبــون‪ ،"..‬وقــد تراجــع‬ ‫حاضــرة علــى طــول معركــة التصــدي للوبــاء‪.‬‬
‫لقــد رســمت كورونــا معــامل النمــوذج التنمــوي الحقيقــي بنــاء عــى‬ ‫عــن هــذا النهــج تحــث تأثــر الضغــط الشــعبي‪.‬‬
‫حقائــق زمــن كورونــا‪ ،‬منــوذج مناقــض لــكل مــا هــو ســائد‪ ،‬لقــد‬ ‫لهــذا فقــد بــادرت مجموعــة مــن الحكومــات الغربيــة ال تخــاد تدابــر‬ ‫عوملة الوباء وأزمة النظام الرأسمالي‬
‫أظهــرت األزمــة التــي يجتازهــا العــامل األهميــة الحاســمة للسياســات‬ ‫اقتصاديــة وماليــة ملواجهــة تداعيــات األزمــة‪ ،‬بإعــادة االعتبــار للدولــة‬ ‫لقــد رشعــت بالدنــا يف اتخــاد عــدد مــن التدابــر واإلجــراءات‬
‫التــي تدافــع عــن املرفــق العمومــي واالســتثامر يف كل مــا يرتبــط‬ ‫والقطــاع العــام‪ ،‬بــل وصــل االمــر ببعضهــا كــا هــو الشــأن يف فرنســا‪،‬‬ ‫األساســية يف مواجهــة هــذه الجائحــة‪ ،‬ولقــد اعتمــدت بشــكل أســايس‬
‫باإلنســان صحــة وتربيــة وكرامــة وتأهيــا وتعليــا وثقافــة وعلــا‬ ‫أن رصح رئيــس الحكومــة ان الدولــة قــد تلتجــأ اىل تأميــم بعــض‬ ‫عــى الحجــر الصحــي‪ ،‬أخــذا بعــن االعتبــار تجربــة الصــن وإيطاليــا‬
‫ونقــا وســكنا‪ ..‬ودور الدولــة املركــزي يف التخطيــط الفعــال ودورهــا‬ ‫املؤسســات االقتصاديــة املهــددة باالنهيــار‪ ..‬باإلضافــة إىل إجــراءات‬ ‫وفرنســا‪ ..‬ووعيــا باإلمكانيــات املحــدودة عــى املســتوى الصحــي‪ ،‬فقــد‬
‫االقتصــادي واالجتامعــي‪ ..‬وخصوصــا أن الرأســال ليــس فقــط جبــان‬ ‫وتحفيــزات للعاملــن يف القطاعــات الحيويــة قصــد اســتمرارهم يف‬ ‫تــم اعتــاد الحجــر الصحــي ألنــه الحــل الوحيــد يف غيــاب العــاج أو‬
‫كــا يقــال‪ ،‬بــل أضحــى متوحشــا وبــا أي بعــد إنســاين‪ ،‬وبــدا واضحــا‬ ‫العمــل بظــروف ومنــاخ يســود فيــه القلــق والخــوف والبحــث عــن‬ ‫التلقيــح‪ ،‬واتخــذت بعــض التدابــر االوليــة عــى املســتوى االقتصــادي‬
‫دور الدولــة يف تأمــن الخدمــات األساســية و الحاميــة االجتامعيــة‪..‬‬ ‫النجــاة‪ ..‬مــا يــرز األهميــة الحاســمة للمنتجــن والطبقــة العاملــة‬ ‫واملــايل واالجتامعــي‪ ..‬وأكيــد أن األغلبيــة أصبحــت واعيــة باالختــاالت‬
‫إنهــا مرحلــة جديــدة وعــر جديــد‪.‬‬ ‫واملســتخدمني ليــس فقــط يف انتــاج الخـرات بــل يف تأمــن الخدمــات‬ ‫العميقــة يف العديــد مــن املجــاالت ويف مقدمتهــا القطــاع الصحــي‪..‬‬
‫الحيويــة واملصرييــة والتــي تتطلــب الشــجاعة والتضحيــة ونكــران‬ ‫والسياســات التــي قــادت إىل هــذا الوضــع املــزري‪.‬‬
‫كورونا وزمن العلم والعقل‬ ‫الــذات ويف مقدمتهــا العاملــن يف امليــدان الصحــي‪.‬‬ ‫لقــد كشــفت هــذه األزمــة ليــس فقــط يف بالدنــا بــل يف العــامل أجمــع‬
‫ســلطت هاتــه األزمــة الوبائيــة الضــوء يف بالدنــا وإقليميــا عــن الــدور‬ ‫مخاطــر النظــام الرأســايل‪ ،‬الــذي كــرس وعمــق الفــوارق االجتامعيــة‬
‫الســلبي للتوجهــات الفكريــة الرجعيــة و املاضويــة املعاديــة للعقــل‬ ‫كورونا والنموذج التنموي الفاشل‬ ‫واملجاليــة يف كل بلــد‪ ،‬وبــن الــدول التــي تخضــع أغلبيتهــا وخصوصــا‬
‫لفــد دافــع اليســار االشــرايك يف العــامل ويف بالدنــا عــن مصالــح‬ ‫يف العــامل الثالــث للســيطرة والتحكــم مــن طــرف املراكــز الرأســالية‬
‫التتمة يف الصفحة ‪17‬‬
‫‪11‬‬ ‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ ‪ -‬العدد ‪327 :‬‬

‫(إبداع وفنون)‬ ‫الملحق الثقافي‬


‫◆ إعداد‪ :‬عبد الغني عارف‬

‫الكتابة يف زمن كوروان‬ ‫في المرآة…‬


‫شــكل شــذرات متقطعــة – نوافــذ لرؤيــة العــامل الخارجــي‪ ،‬للتنفيــس‬ ‫إن الكتابــة يف األزمنــة االســتثنائية تنــزاح عــن كونهــا فعــا فردانيــا‬ ‫مــا الــذي ميكــن أن تفعلــه‬ ‫◆ عبد الغني عارف‬
‫عــن قلــق داخــي ضاغــط وتبش ـرا بجرعــة أمــل تقــول إن اآليت دومــا‬ ‫لتلتصــق اكــر بهمــوم الجامعــة حتــى وإن بدت مغرقــة يف الذاتيــة‪ .‬إنها‬ ‫الكتابــة يف زمــن املــآيس‬
‫هــو األجمــل‪ .‬حــن أكتــب يف زمــن مثــل هــذا فاألمــر ال يتجــاوز كونــه‬ ‫محاولــة لتقليــص املســافة بــن الــذات واآلخــر‪ .‬يف مثــل هــذه األزمنــة‬ ‫اإلنســانية الكــرى؟‪ ..‬وهل‬
‫تحايــا وجوديــا لتحقيــق املصالحــة الداخليــة بينــي وبــن املناطــق‬ ‫تغــدو الكينونــة املشــركة معرضــة للتدمــر لذلــك يرتفــع منســوب‬ ‫لهــا جــدوى أصــا؟‪..‬‬
‫املهملــة يف ذايت‪ .‬كأين بذلــك أحــاول صياغــة وبنــاء أحاســيس ومشــاعر‬ ‫اإلحســاس بالقــدر املشــرك وتتوالــد األســئلة عــن الــذوات واملصائــر‪،‬‬ ‫إنــه الســؤال الــذي ميكــن‬
‫تنتابنــي بقــوة ولكننــي أهملهــا أو يف أحســن األحــوال أؤجلهــا تحــت‬ ‫وتبعــا لذلــك يتغــر طعــم األشــياء والحــاالت‪ :‬الحــب‪ ،‬األرسة‪ ،‬العمــل‪،‬‬ ‫أن نطرحــه والعــامل اليــوم‬
‫وطــأة أوليــات أخــرى يف الحيــاة‪ .‬لعــل األمــر يكــون نوعــا مــن محــاروة‬ ‫الحيــاة‪ ...‬اإلبــداع وحــده‪ ،‬مبختلــف ألوانــه وتعبرياتــه‪ ،‬هــو مــن يلتقــط‬ ‫بــأرسه يواجــه جائحــة‬
‫الجانــب الجــواين يف الــذات يف أفــق تطهريهــا مــن كثــر مــن األوهــام‪.‬‬ ‫هــذا التحــول‪ .‬إن الكتابــة عــن الحــب مثــا ال تقــف عنــد كونهــا مجــرد‬ ‫كرونــا‪ ،‬وهــو نفســه‬
‫أســتحرض هنــا مــا قالــه " ســيغموند فرويــد" بصــوت عــال يف كثــر من‬ ‫تعبــر عــن أحاســيس شــخصية ضيقــة‪ ،‬بــل هــي تتجــاوز ذلــك لتصبــح‬ ‫الســؤال الــذي طــرح‪،‬‬
‫كتاباتــه‪ ،‬وهــو يتأمــل مخرجــات الحــرب العامليــة األوىل ‪ " :‬الحــرب‬ ‫محاولــة الســتنفار الكامــن يف أعامقنــا مــن نــداءات اإلنســانية‪ ،‬متامــا‬ ‫بصيــغ مختلفــة‪ ،‬يف‬
‫تحررنــا مــن الوهــم "‪ ،‬فأتســاءل‪ :‬تــرى هــل يحررنــا " زمــن كورونا"‬ ‫كمــن يكتــب عــن املــوت اســتجداء للحيــاة وتعلقــا بهــا‪.‬‬ ‫محطــات عصيبــة أخــرى‬
‫مــن كثــر مــن األوهــام العالقــة بحارضنــا وبوجودنــا‪ ،‬بفعــل األنانيــات‬ ‫كل مأســاة هــي بالــرورة تكثيــف لــأمل والقلــق واالنتظــار املفتــوح‬ ‫مــرت بهــا اإلنســانية يف‬
‫املفرطــة التــي حولــت اإلنســان إىل مجــرد ســلعة يف مهــب أهــواء‬ ‫عــى كل االحتــاالت‪ ،‬لذلــك تعــدو الكتابــة عــن هــذه املأســاة محاولة‬ ‫مراحــل تطورهــا‪.‬‬
‫االحتــكار واالســتغالل واالســتهالك وحيــث يغــدو مســتقبل اإلنســانية‬ ‫لتجــاوز حالــة الشــلل الجامعــي وإلعــادة التــوازن لعامل مختــل ومرتبك‪.‬‬ ‫نطــرح هــذا الســؤال ألنــه يف أزمنــة املأســاة ( حــروب‪ ،‬أوبئــة‪ ،‬زالزل‪..‬‬
‫منطقــة مزروعــة باأللغــام ؟‪ ..‬املــآيس دامئــا تثــر الذعــر يف األنفــس‬ ‫واملبــدع ‪ /‬الكاتــب يف مثــل هــذه الحــاالت‪ ،‬حيــث تتزاحــم الوقائــع‬ ‫إلــخ ) تكــون الهوامــش املتاحــة عــادة للخيــال ضيقــة‪ ،‬فنــداء الواقــع‬
‫ولكنهــا مــع ذلــك تطلــق صفــارة اإلنــذار والتنبيــه للمناطــق الهشــة يف‬ ‫وتتقلــص املســافات الفاصلــة بــن الحيــاة واملــوت‪ ،‬ال ميتلك من وســائل‬ ‫يكــون أقــوى‪ ،‬والكتابــة ال ميكنهــا أن تتغــدى مــن الواقــع وحــده‪.‬‬
‫رؤيتنــا لألشــياء‪.‬‬ ‫ملواجهــة الرعــب الــذي يلــف العــامل ســوى ســاح املجــاز واالســتعارة‬ ‫بشــكل ســطحي أويل ميكــن االنج ـرار وراء فكــرة مفادهــا أن الكتابــة‬
‫وإذا كانــت جائحــة كورونــا تعيدنــا إىل نقطــة الصفــر مــن ســلم‬ ‫وتطويــع الخيــال ليناســب نبــض املأســاة‪ .‬وحتــى عالقته بالزمــن تتغري‪،‬‬ ‫تفقــد رضورتهــا حينــا تواجــه اإلنســانية أهــواال مطبقــة عــى مصريهــا‬
‫الوجــود‪ :‬نقطــة الغرائــز البدائيــة‪ ،‬ويف مقدمتهــا غريــزة الحفــاظ عــى‬ ‫ففــي وقــت مــا كان املبــدع يتحكــم يف الزمــن الــذي ينتمــي إليــه‪ ،‬غــر‬ ‫وعــى حظهــا يف الوجــود‪ ،‬حيــث تكــون هنــاك أولويــات ورضورات‬
‫الحيــاة‪ ،‬فالبــد أن نعــرف بــأن الكتابــة يف هــذا الزمــن بالــذات فعــل‬ ‫أنــه يف اللحظــات اإلنســانية العصيبــة يتحــول هــو ذاتــه إىل رهينــة‬ ‫أخــرى ذات أهميــة أكــر وأشــمل‪ ،‬غــر أن املتأمــل يف التجــارب املاضيــة‬
‫يكشــف عــن محدوديــة قوتنــا‪ .‬إنهــا نــوع مــن إعادة اكتشــاف الــذوات‬ ‫يتحكــم فيهــا الزمــن‪ .‬يغــدو مــرآة تحــي تــرددات الوجــود اإلنســاين‬ ‫يتنبــه إىل العكــس متامــا‪ ،‬فحيثــا ووقتام تشــتد النوائب تكــون الحاجة‬
‫يف تصادمهــا مــع الجوانــب املاديــة ‪ -‬أو لنقــل الخارجيــة – يف الوجــود‪،‬‬ ‫املهــدد باإلفــاس واالنق ـراض‪.‬‬ ‫للكتابــة أقــوى‪ ،‬وكأن اإلنســانية بذلــك تســتحرض أعطابهــا املرتاكمــة‬
‫وبذلــك فهــي تنبهنــا إىل االنحرافــات التــي تعايشــنا معهــا واعتربناهــا‬ ‫الكتابــة يف أوج املأســاة تطــرح أيضــا إشــكالية اللغــة‪ .‬ما اللغة املناســبة‬ ‫فتميــل إىل توثيقهــا لتســتفيد منهــا األجيــال املوالية‪ .‬رمبا هــذا بالضبط‬
‫حقائــق مطلقــة‪.‬‬ ‫بالضبــط للتعبــر عــن جوهــر املأســاة املعيشــة؟‪ ..‬فكــا املــآيس –‬ ‫مــا يفــر كــون كثــر مــن األعــال الفنيــة واإلبداعيــة الخالــدة كانــت‬
‫وألن األزمنــة العاصفــة يف حيــاة البرشية تفضح فينا االنتــاءات املزيفة‬ ‫خصوصــا املفاجئــة منهــا ‪ -‬تكون عــادة انزياحا عــن املألــوف يف الحياة‪،‬‬ ‫وثيقــة الصلــة بلحظــات مأســاوية يف حيــاة أصحابهــا أو بتحــوالت‬
‫وتــؤذن بانهيــار البطــوالت الوهمية‪ ،‬تكــون الكتابة مفتاحا لعلبــة أرسار‬ ‫فكذلــك اللغــة املعــرة عــن تلــك املــآيس تكــون مطالبــة باالنزيــاح عــن‬ ‫تراجيديــة يف حيــاة املجتمعــات التــي ينتمــون إليهــا‪.‬‬
‫الوجــود يف صيغتــه املخالفــة للأملــوف‪ ،‬فهــل للكتابــة‪ ،‬بهــذا املعنــى‪،‬‬ ‫مرجعياتهــا التعبريية املألوفة لتكون يف مســتوى التقاط بــؤرة الرتاجيديا‬ ‫لقــد عــرف تاريــخ البرشيــة محطــات كانــت الرتاجيديــا عنوانهــا األبرز‪،‬‬
‫القــدرة عــى التأريــخ املوثــق لهــذا التحــول الرتاجيــدي يف حياة شــعوب‬ ‫املســيطرة عــى الواقــع‪ .‬الكتابــة يف مثــل هــذه األزمنــة اختبــار متعــدد‬ ‫وعــر هــذه املحطــات كانــت الكتابــة دوما شــكال مــن أشــكال املقاومة‬
‫ومجتمعــات األلفيــة الثالثــة يف محاولــة إلخـراج اإلنســان مــن أنفــاق‬ ‫الجبهــات‪ ،‬اختبــار للــذات الكاتبــة واختبــار للغــة الكتابــة ذاتهــا‪ .‬وتزداد‬ ‫والتحــرر وأداة ملواجهــة " عــدو " خارجــي أو لالنعتــاق مــن قلــق‬
‫األنانيــة املظلمــة وترميــم الوجــدان الجامعي للشــعوب لتســتفيق عىل‬ ‫صعوبــة األمــر حينــا يكــون منحــى املأســاة كونيــا‪ ،‬أي أنهــا مأســاة‬ ‫داخــي‪..‬‬
‫حقيقــة مصريهــا املشــرك ؟ وهــل لإلبــداع والفــن القــدرة عــى التقــاط‬ ‫تتجــاوز اإلثنيــات واألعـراق واأللــوان والهويــات الضيقــة والجغرافيــات‬ ‫ميكــن للكتابــة يف أزمنة الرخــاء والرفــاه أن تكون ترفا تكتفي باســتدعاء‬
‫جحيــم املأســاة وتحويلــه إىل ذرات أمــل وتفــاؤل؟‪..‬‬ ‫املغلقــة‪ ،‬مبعنــى آخــر أنهــا مأســاة بــا حــدود‪ .‬هنــا بالضبــط تكــون‬ ‫الجــايل بالدرجــة األوىل للمتعــة واإلمتــاع‪ ،‬غــر أنهــا يف الظــروف‬
‫مبعنــى آخــر هــل ميكــن للكتابــة – يف زمــن كورونــا ‪ -‬أن تكــون طــوق‬ ‫اللغــة هــي أيضــا مطالبــة بــأن تكــر قوالبهــا املعتــادة لتكــون لغــة‬ ‫الطارئــة تكــون أداة إلعــادة جوهــر مــا مفقــود‪ ،‬لذلــك فهــي تتطلب‪ ،‬يف‬
‫نجاة‪.‬؟‪..‬‬ ‫كونيــة يف بنائهــا الرمــزي للأمســاة‪.‬‬ ‫الحالــة األخــرة‪ ،‬اســتنفارا اســتثنائيا للمخــزون الوجــداين لــدى الكاتــب‬
‫‪ ....‬ذلك هو السؤال !‪..‬‬ ‫شــخصيا أحــاول أن أجعــل مــن الكتابــة يف زمــن كرونــا – ولــو عــى‬ ‫واملبــدع بصفــة عامــة‪.‬‬

‫من أجل مقاومة جماعية لوباء كورونا‪..‬‬


‫عريضة من الكتاب واألدباء والفنانني املغاربة‬
‫الوطنيــة التــي تحلينــا بهــا دامئـاً‪ ،‬ســواء يف معركــة التحريــر‪ ،‬أو يف الدفــاع عــن الوحــدة الرتابيــة‪ ،‬أو يف الكفاح من‬ ‫إن املوقعــن عــى هــذا النــداء‪ ،‬مــن كتــاب وأدبــاء وفنانــن‪ ،‬وكل مــن يرغــب منهــم يف االنضــام لهــذه املبــادرة‪،‬‬
‫أجــل الدميوقراطيــة والحريــة والعدالــة‪ ،‬وإن اســتحضار هــذه الــروح الوطنيــة يقتــي منــا جميعــا أن نحــرص‬ ‫وإزاء مــا تتعــرض لــه بالدنــا ضمــن مــا يعرفــه العــامل برمتــه مــن اجتيــاح فــروس كورونا املســتجد‪،‬يعلنون مــا ييل ‪:‬‬
‫عــى وحدتنــا وتضامننــا‪ ،‬واعتبــار مقاومــة الوبــاء مســؤولية جامعيــة وفرديــة‪ ،‬وأولويــة األمــة بأجمعهــا للحفاظ‬ ‫نثمــن اإلجـراءات التــي قامــت بهــا الســلطات العموميــة املغربيــة ملواجهــة انتشــار الوبــاء والحــد مــن اجتياحه‪،‬‬
‫عــى حيــاة أفرادهــا وعــى ســامتهم الصحيــة‪.‬‬ ‫وندعــو كل أفـراد الشــعب املغــريب إىل االلتـزام بــكل االحـرازات املقــررة يف هــذا الشــأن وخاصــة البقــاء بالبيت‪،‬‬
‫ولتحقيــق ذلــك فإننــا مطالبــون جميعـاً بتوجيه تضامننــا ومســاندتنا إىل كل فئات الشــعب املغــريب وبالخصوص‬ ‫لكونهــا الوســيلة الوحيــدة التــي يف متناولنــا اليــوم لتجنيــب بالدنــا كارثــة صحيــة خطرية‪.‬‬
‫إىل تلــك التــي توجــد بفعــل الفقــر والهشاشــة والبطالــة والســكن غــر‬ ‫نوجــه تحيــة تقديــر وتضامــن إىل األطــر الطبيــة وإىل نســاء ورجــال‬
‫الالئــق ضمــن الفئــات األكــر عرضــة ملخاطــر اإلصابــة بالفــروس‪.‬‬ ‫الصحــة العامــة‪،‬وإىل القــوات املســلحة امللكيــة واألمــن الوطنــي واإلدارة‬
‫إننــا نؤمــن بوجــوب تضامــن دويل فعــال يف مواجهــة وبــاء يخــرق كل‬ ‫الرتابيــة وإىل كل الســاهرين عــى تنفيــذ القــرارات املتخــذة ملقاومــة‬
‫الحــدود ويعــر كل القــارات‪ ،‬ونعــر عــن إمياننــا بقــدرة العلــم عــى متكني‬ ‫الوبــاء‪.‬‬
‫البرشيــة مــن الحلــول الصحيــة واالقتصاديــة واالجتامعيــة للخــروج مــن‬ ‫وإذ نعلــن مســاهمتنا يف التربعــات املوجهــة إىل الصنــدوق املخصــص‬
‫نفــق هــذه الهــزة العنيفــة‪ ،‬ونعــر عــن أملنــا يف انبثــاق رؤية جديــدة إىل‬ ‫لتدبــر وبــاء كورونــا فــروس نناشــد كل الكتــاب واملفكريــن واملبدعــن‬
‫العــامل بعــد اجتيــاز األزمــة تقــوم أساسـاً عــى احـرام الحيــاة يف الكوكــب‬ ‫املغاربــة املســاهمة يف هــذا املجهــود الوطنــي مــن خــال التــرع‬
‫الــذي نعيــش فيــه‪ ،‬وعــى إنصــاف اإلنســان‪ ،‬ومتكينــه مــن رشوط العيــش‬ ‫للصنــدوق املحــدث لهــذه الغايــة‪.‬‬
‫الكريم‪.‬‬ ‫إن خطــورة هــذه املحنــة التــي نجتازهــا‪ ،‬تدعونــا إىل اســتحضار الــروح‬
‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ ‪ -‬العدد ‪327 :‬‬
‫‪12‬‬
‫ُ‬
‫الكتابة بِبِْ ال َف َزع‬ ‫ُ‬
‫األوبئة‪:‬‬‫األدب و‬
‫ُ‬ ‫◆ إعداد وترجمة ‪ :‬رشيد وحتي‬

‫َآل ْن ِد ْر ِوينْ‪ :‬شياطين القيامة‪ ،‬زيت على قماش‪2012 ،‬‬


‫برنجســيتها وفردانيتهــا األنانيــة يف املعالجــة الضيقــة لوبــاء‬ ‫نصــوص تشــابه األمثولــة السياســية‪ ،‬كــا لــدى ألبــر كامــو‬ ‫الكتابــة ابنــ ُة األزمــة بامتيــاز‪ ،‬ولــو أن الفنــون التشــكيلية‬
‫الكوفيــد ‪.19‬‬ ‫نصــه طابعــا مزدوجــا يُ ْس ـ ِق ُط الحالــة الواقعيــة‬
‫الــذي يعطــي َّ‬ ‫كانــت أبــرع تصويــرا ألفاعيــل األوبئــة يف الــروح والجســد‬
‫تبقــى هــذه النصــوص التــي اخرتناهــا‪ ،‬هــا هنــا‪ ،‬ممثلــة‪،‬‬ ‫للوبــاء الــذي أصــاب الجزائــر بالطاعــون األســود للنازيــة‬ ‫ـس‪ ،‬ڴُويــا‪ ،‬جرييكــو]‪ .‬مهــا يكــن‪ ،‬فــإن األدب‬ ‫[رفائيــل‪ُ ،‬رو ِب ْنـ ْ‬
‫كنبــوء ٍة‪ ،‬لتغــر منظومــة القيــم التــي يشــهدها العــامل اآلن‪ ،‬مبــا‬ ‫الــذي اجتــاح أوربــا‪ .‬وتحرضنــا هنــا‪ ،‬حاليــا‪ ،‬مســلكيات‬ ‫كان شــاهدا‪ ،‬و ُملْ َهـ ًـا‪ ،‬عــى أوبئــة اجتاحــت البرشيــة وكادت‬
‫فيهــا مــن إقبــال عــى االســتهالك والتخزيــن وجشــع املضاربــن‬ ‫ترامــپ والسياســة الدوليــة األمريكيــة غــر البعيــدة عــن هــذه‬ ‫تُفنيهــا‪ .‬ومــا ميــز الكتابــة‪ ،‬يف هــذا الجانــب‪ ،‬وأعطاهــا تفوقــا‬
‫وصــدأ الــروح‪ ،‬يف رصاع َجــدَ يل بــن غريــزيت املــوت والحيــاة‪ ،‬يف‬ ‫التامثــات ال ِقياميــة مــع الراهــن‪ ،‬حيــث يخــوض البنتاغــون‬ ‫عــى باقــي األشــكال التعبرييــة‪ ،‬أنهــا زاوجــت بــن الوصــف‬
‫أجــواء تغيــب عنهــا العقالنيــة‪ ،‬لتحــل محلهــا تجــارة الخــوف‬ ‫حربــا اقتصاديــة ال أخالقيــة ضــد الشــعوب التــي ال تتوافــق‬ ‫ال ِع َيــادي [اإلكلينيــي] لتــآكل الجســد ووصــف تــآكل الــروح‬
‫والتخويــف والعــوامل ال ِقياميــة‪.‬‬ ‫سياســة حكامهــا مــع الليرباليــة املتوحشــة التــي أثبتــت فشــلها‬ ‫عــر التســاؤل الفلســفي [الوجــودي] وال ِق َيمــي [اإلثيقــي] يف‬

‫ِكا‪،‬‬ ‫ِيس‪ :‬أُ ْود ْ‬


‫ِيب َمل ً‬ ‫وكل ْ‬
‫ُسو ُف ْ‬
‫هاني الراهب‪:‬‬ ‫القرن ‪ 5‬ق‪.‬م‪.‬‬
‫الوباء‪1983 ،‬‬ ‫— أوديــب‪ :‬املدينــة بكاملهــا مــأى بخــورا وترضعــات لإللــه آپولــون‬
‫كانــت يــده قــد تناولــت العلبــة وارتفعــت مودِّعــ ًة‪ .‬وهرعــت‬ ‫الشــايف [‪]..‬‬
‫قامتــه الطويلــه نحــو البــاب قبــل أن يصــر الــوداع مشــهدا ال‬ ‫ِ‬
‫— الكاهــن‪ :‬طي َبـ ُة‪ ،‬يف معمعــان املوجــة‪ ،‬مل تعــد قــادر ًة عــى مواجهــة‬
‫طاقــة لــه عليــه‪ .‬وعــى البــاب الــذي انغلــق قبــل أن تدركــه‪،‬‬ ‫الطوفــان القاتــل‪ .‬املــوت يــرب املدينــة يف البــذرات حيــث تَ َتشَ ـك َُّل‬
‫أســندت خولــة جبينهــا وجعلــت تبــي‪ .‬بكــت ال عــى التعيــن‪ ،‬أو‬ ‫مثــار أرضهــا‪ ،‬املــوت يرضبهــا يف قطعــان أبقارهــا‪ ،‬يف نســائها‪ ،‬اللــوايت‬
‫ألنهــا حــورصت باألســباب فلــم تعــد نســتوعبها‪ .‬أحســت بالحصــار‬ ‫كَ َف ْف ـ َن عــن تربيــة الحيــاة [‪]..‬‬
‫نفســه ال مبصــدره‪ .‬وخيــل إليهــا أنــه يــأيت مــن كل مــكان‪ .‬رفعــت‬ ‫— الجوقــة‪ :‬ميكننــا أن نــرى الطيب ِّيــن‪ ،‬واحــدا بعــد آخــر‪ ،‬شــبيهني‬
‫رأســها كأن تنفســها انحبــس‪ ،‬وبــدأت تــرب عــى صدرهــا بيديــن‬ ‫بطيــور ُم َج َّن َحــة‪ ،‬أرسع مــن النــار الجموحــة‪ ،‬يهرعــون نحــو ضفــة النهر‬
‫حيــث يســود إلــه الغــروب [هــا ِدس‪ ،‬ســيدُ الجحيــم]‪ .‬املدينــة متــوت‬
‫ضعيفتــن معروقتــن‪ .‬كيــف نســيت أن تعطــي لشــداد مــاال؟‬
‫ـفاق عــى هــؤالء األبنــاء املُضْ طَجِ ع ـ َن‬ ‫بهــؤالء املــوىت بــا عــدد‪ .‬ال إشـ َ‬
‫كيــف نســيت أن تطعمــه؟ كيــف خــا ذهنهــا مــن كل فكــرة‬ ‫ـوت بداخلهــم‪ ،‬ال أحــد ينتحــب مــن‬ ‫أرضــا‪ :‬فهــم بدورهــم يحملــون املـ َ‬
‫ســوى أن يختفــي أخوهــا يف مــكان آخــر حرصــا عــى ابنهــا؟ رأت‬ ‫أجلهــم‪ .‬الزوجــات‪ ،‬األمهــات بشــعرهن املشــتعل شــيبا‪ ،‬كلهــن ِمـ ْن ك ُِّل‬
‫أنهــا ال تســتطيع البقــاء يف هــذا البيــت الجهنمــي ثانيــة واحــدة‪.‬‬ ‫ـات‪ ،‬باكيـ ٍ‬
‫ـات‬ ‫ـات‪ُ ،‬م ْن َت ِح َبـ ٍ‬
‫َحــدْ ٍب يهرعــن نحــو هيــاكل املعابــد‪ ،‬متوسـ ٍ‬
‫مشــت إىل غرفــة النــوم ولبســت ثيــاب الخــروج‪ .‬مســحت‬ ‫آال َمهــن الفظيعــة‪.‬‬
‫وجههــا‪ .‬نظــرت يف املــرآة ولطمــت شــعرها لطمتــن لرتتبــه‪.‬‬
‫ثــم خرجــت‪ .‬يف ذلــك الصبــاح مــن آذار كان الشــارع مقفــرا‬
‫ــس باالختنــاق أطبــق‬ ‫تقريبــا‪ ،‬واســعا عاريــا‪ .‬الريــح متلــؤه و ِح ٌّ‬
‫عــى عنقهــا‪ .‬مــاذا فعلــت؟ ملــاذا وضعهــا اللــه يف هــذه التجربــة‬
‫املريــرة؟ تذكــرت وجههــا الــذي رأتــه يف املــرآة قبــل دقائــق‪ .‬وبــدا‬
‫لهــا أنــه وجــه امــرأة أخــرى‪ ،‬أو عــى األقــل ال ميــت لهــا ب ِِصل ـ ٍة‪.‬‬
‫وجــه غــر حقيقــي‪ .‬غــر الــذي تعرفــه‪ .‬وجــه ســاء خريفيــة‪ ،‬لــه‬
‫شــكل رصــاص رشرشتــه الحــرارة‪ ،‬فوقــه ثقبــان مألتهــا عينــان‬
‫َع ِك َرتــان بــا دمــوع‪.‬‬ ‫طاعو ُن َملِك‪1856 ،‬‬
‫القليوبي‪ُ :‬‬
‫ال‪َ :‬يــا أَ ْه َل‬‫شــقَ‪َ ،‬و َق َ‬ ‫ِم ْ‬
‫ـر ِبد َ‬‫ـد الَْْنـ َ َ‬
‫ص َعـ َ‬‫ـك َ‬ ‫شــا َم ْبـ َن َع ْبـ ِد الَْلِـ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ـي أَ َّن ِ‬
‫ُح ِكـ َ‬
‫ـم‪ .‬فَ َقــا َم َر ُجـ ٌل‬ ‫ـ‬
‫ُ ْ‬‫ك‬ ‫ِي‬ ‫ف‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ِل‬ ‫خ‬
‫ُ َِ َ‬‫ب‬ ‫ن‬ ‫ـو‬‫ـ‬ ‫ع‬ ‫َّا‬
‫الط‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫ْ َ َ َُْ ُ‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ر‬ ‫ـد‬‫ـ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫اهلل‬ ‫ن‬
‫الشـ ِ ِ َّ‬
‫إ‬ ‫‪،‬‬ ‫ـام‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫ـك َوالطَّا ُعــو َن َعلَ ْينَا!‬ ‫ـن أَ ْن َي ْج َم َعـ َ‬
‫ـم ِبنَــا ِمـ ْ‬ ‫ـ‬
‫َْ ُ‬‫ح‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫اهلل‬ ‫ن‬‫َّ‬ ‫ِ‬‫إ‬ ‫‪:‬‬‫ـال‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫و‬
‫ْه ْ َ‬
‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫ِمن ُ‬
‫َ‬

‫ال فوق السطح‪1951 ،‬‬


‫َي ٌ‬
‫ون ْج ُيونُو‪ :‬خ َّ‬
‫ُج ْ‬
‫فــزع ُم ْن َذ ِهــلٍ ‪ ،‬طفــو ٍّيل‪ ،‬لكــن املــوت أتــاه عــى َع َجــلٍ بألعــاب‬ ‫كَانــت الشــمس ســاطع ًة‪ .‬كانــت أقــل كميــة مــن املــاء ال َع ِطــنِ اعــرت الجســد‪ ،‬كلهــا أعـراض أحاطتــه بفـراغ قاتــل‪ .‬حتــى أولئــك‬
‫مر ِعبــة بحيــث تفســخت وجنتــاه بشــكل بــا ٍد لل ِعيــان‪ ،‬انكمشــت‬ ‫وسـ ِّجل َْت حالــة الذيــن كانــوا يســعفونه تراجعــوا َخلْفًــا‪ .‬كانــت ســحنته كولــرا‬
‫تتبخــر‪ .‬كانــت النهــارات ملتهبــة‪ ،‬والليــايل بــاردة‪ُ .‬‬
‫شــفتاه حــول أســنانه يف ضحكــة النهائيــة؛ ويف األخــر َز َفـ َر رصخــة‬ ‫ـض يف اقــل مــن ســاعتني‪ .‬اختالجــات‪ ،‬بشــكل جــي‪ .‬كان املشــهد لوحـ ًة حيــة تعرب عــن املــوت ومتاهاته‪.‬‬ ‫كول ـرا صاعقــة‪ .‬مــات املريـ ُ‬
‫جعلــت الجميــع يهــرب مــن حولــه‪.‬‬ ‫احتضــار‪ ،‬مســبوقان بتلــون أورق عــى الجلــد‪ ،‬مصحوبــن بــرودة فاجــأه الوبــاء رسيعــا بحيــث بقيــت عــى وجهــه‪ ،‬للحظــات‪ ،‬معامل‬
‫‪13‬‬ ‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ ‪ -‬العدد ‪327 :‬‬

‫ُ‬
‫الكتابة بِبِْ ال َف َزع‬ ‫ُ‬
‫األوبئة‪:‬‬‫األدب و‬
‫ُ‬ ‫◆ إعداد وترجمة ‪ :‬رشيد وحتي‬

‫ألبري كامو‪ :‬الطاعون‪1947 ،‬‬


‫نازك المالئكة‪:‬‬
‫ـرِ كورونــا الصهيونيــة‪،‬‬
‫[إىل االســرى الفلســطينيني تحــت َنـ ْ‬
‫ترجمــة هــذا النــص]‬
‫الكوليرا‪1947 ،‬‬
‫كَانــوا هكــذا يحســون بــاآلالم العميقــة لــكل املســاجني وكل املنفيــن‪،‬‬ ‫الليل‬
‫سكَن ُ‬
‫واملتمثلــة يف العيــش بذاكــرة ال تصلــح لــيء‪ .‬هــذا املــايض‪ ،‬بالــذات‪،‬‬ ‫َّات‬
‫أصغِ إىل َوقْع َصدَى األن ْ‬
‫الــذي يفكــرون فيــه بــا كلــل مل يكــن إال بطَعــم األســف‪َ .‬ودُّوا‪ ،‬يف‬ ‫األموات‬
‫ْ‬ ‫الصمت‪ ،‬عىل‬ ‫ِ‬ ‫يف ُع ْمق الظلم ِة‪َ ،‬‬
‫تحت‬
‫كل مــا ت َُّأســوا أنهــم‬‫الحقيقــة‪ ،‬لــو اســتطاعوا أن يضيفــوا لهــذا الطعــم َّ‬ ‫تضطرب‬ ‫ُ‬ ‫َات تعلو‪،‬‬ ‫َصخ ٌ‬
‫مل يفعلــوه عندمــا كانــوا قادريــن عــى فعلــه مــع ذاك أو تلــك الَّ َذيْــنِ‬ ‫يلتهب‬
‫ُ‬ ‫يتدفق‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫حزنٌ‬
‫ينتظرونَهــا – وحتــى كل اللحظــات‪ ،‬ولــو كانــت نســب ُة الفــرح فيهــا‬ ‫اآلهات‬ ‫ْ‬ ‫يتعثَّ فيه َصدى‬
‫قليلــة‪ ،‬كانــوا ميزجونهــا بطعــم الغائــب وغيابــه‪ ،‬لكنهــم مل يكونــوا راضني‬ ‫يف كل فؤا ٍد غليانُ‬
‫عــى مــا هــم فيــه‪ .‬غــر ُم ْصطَ ِبِيــ َن عــى حارضنــا‪ ،‬أعــدا َء ملاضينــا‪،‬‬ ‫يف الكوخِ الساكنِ أحزانُ‬
‫محرومــن مــن مســتقبلنا‪ ،‬كنــا نشــبه كثــرا‪ ،‬بهــذا الشــكل‪ ،‬أولئــك‬ ‫روح ترصخُ يف الظُل ْ‬
‫ُامت‬ ‫يف كل مكانٍ ٌ‬
‫الذيــن تجعلهــم املَظــامل والكــره البرشيــان يحيــون وراء القضبــان‪ .‬يف‬ ‫صوت‬ ‫كل مكانٍ يبيك ْ‬ ‫يف ِّ‬
‫نهايــة املطــاف‪ ،‬فالطريقــة الوحيــدة لإلفــات مــن هــذه العطلــة التــي‬ ‫املوت‬ ‫هذا ما قد َم ّز َقهُ ْ‬
‫ال تطــاق كانــت ُم َت َم ِّثلَــ ًة يف القطــارات مــن جديــد بواســطة امل ُ َخ ِّيلَــة‬ ‫املوت‬
‫املوت ْ‬ ‫املوت ُ‬ ‫ُ‬
‫ومبــأ الســاعات بدقــات متكــررة ألجـراس خرســاء بعنــاد [‪ ]..‬كانــت كل‬ ‫املوت‬
‫فعل ْ‬ ‫يا ُح ْزنَ النيلِ الصارخِ مام َ‬
‫املدينــة تشــبه قاع ـ َة انتظــارٍ‪ .‬مــن كانــت لــه مهنــة‪ ،‬كان يزاولهــا عــى‬ ‫طَلَع الفج ُر‬
‫إيقــاع الطاعــون‪ ،‬بدقــة ودون َجلَ َبــة‪ .‬كان الجميــع يف غايــة التواضــع‪.‬‬ ‫أص ِغ إىل َوقْع ُخطَى املاش ْني‬
‫ألول مــرة‪ ،‬مل يتقــزز املنفصلــون عــن بعضهــم مــن الحديــث عــن‬ ‫ركب الباكني‬ ‫صمت الف ْجر‪ِ ،‬أصخْ‪ ،‬انظُ ْر َ‬ ‫ِ‬ ‫يف‬
‫أموات‪ ،‬عرشونا‬ ‫ٍ‬ ‫عرش ُة‬
‫الغائــب‪ ،‬مــن التحــدث بلغــة الجميــع‪ ،‬مــن تفحــص انفصالهــم تحــت‬
‫يف الحقيقيــة‪ ،‬لديهــم حــارضا‪ .‬ينبغــي الترصيــح بذلــك‪ :‬انتــزع الطاعــون مــن‬ ‫ال تُ ْح ِص أصخْ للباكينا‬ ‫ِ‬
‫نفــس زاويــة نَظَــر إحصائيــات الوبــاء‪ .‬بيــد أنهــم كانــوا‪ ،‬لحــد الســاعة‪،‬‬
‫يخبئــون برشاســة آالمهــم الشــخصية ضمــن اآلالم ال َجامعيــة‪ ،‬متقبلــن اآلن الجميــع أيــة قــدرة عــى الحــب‪ ،‬وحتــى عــى الصداقــة‪ .‬ذلــك أن الحــب‬ ‫صوت الطِّفْل املسكني‬ ‫اسمع َ‬ ‫ْ‬
‫ـض مســتقبلٍ ‪ ،‬ومل تتبــق لنــا جميعــا إال لحظــات‪.‬‬
‫هــذا االلتبــاس‪ .‬دومنــا ذاكــر ٍة‪ ،‬وال أمــلٍ ‪ ،‬أقامــوا يف الحــارض‪ .‬صــار كل يشء‪ ،‬يتطلــب بعـ َ‬ ‫َم ْو َت‪َ ،‬م ْو َت‪ ،‬ضا َع العد ُد‬
‫موت‪ ،‬مل يَ ْب َق َغدُ‬ ‫َم ْو َت‪َ ،‬‬
‫كل مكانٍ َج َسدٌ يندُ بُه محزونْ‬ ‫يف ِّ‬
‫ال لحظَ َة إخال ٍد ال َص ْم ْت‬
‫املوت‬ ‫كف ْ‬ ‫فعلت ُّ‬ ‫هذا ما ْ‬
‫املوت‬‫املوت ْ‬ ‫املوت ُ‬ ‫ُ‬
‫املوت‬
‫يرتكب ْ‬ ‫ُ‬ ‫تشكو البرشيّ ُة تشكو ما‬

‫ُجونْ‪-‬ماري ڴ ُ ْسطَا ْ‬
‫الكولريا‬
‫ڤ لوكليزيو‪ :‬أربعينية العزل الصحي‪1995 ،‬‬ ‫ف ال ُّر ْعب مع األشال ْء‬ ‫يف كَ ْه ِ‬
‫املوت دوا ْء‬ ‫حيث ُ‬ ‫يف ص ْمت األب ِد القايس ُ‬
‫القمـ ُر يــيء الرمــل والبحــرة الشــاطئية‪ .‬غســلت الريــح الســاء الســوداء‪ .‬الطقــس بــارد تقريبــا‪.‬‬ ‫استيقظ دا ُء الكولريا‬ ‫َ‬
‫أنــا أمــي‪ ،‬اآلن‪ ،‬حــايف القدمــن‪ ،‬يف ســبييل‪ ،‬دومنــا ضَ َّجـ ٍة‪ ،‬أرتــدي فقــط رسواال وقميصــا بــا عنــق‪.‬‬ ‫حقْدًا يتدف ُّق م ْوتورا‬
‫هــواء الليــل يبعــث يف جســدي رعش ـ ًة عذبــة‪ .‬قلبــي ينبــض كتلميــذ هــرب مــن املدرســة‪ .‬بينــا‬ ‫هبط الوادي املر َِح ال ُوضّ ا ْء‬ ‫َ‬
‫ـت أنتظــر خلــود الجميــع للنــوم‪ ،‬كنــت أصغــي لنبضــات قلبــي‪ ،‬بــدا يل أن صداهــا كان يضــج يف‬ ‫كنـ ُ‬ ‫يرصخُ مضطربًا مجنونا‬
‫كامــل بنايــة العــزل الصحــي‪ ،‬ضاربــا حتــى يف أعــاق األرض‪ ،‬بحيــث أنــه ميتــزج باالرتجــاج املُطَّـ ِر ِد‬ ‫صوت الباكينا‬ ‫ال يس َم ُع َ‬
‫الــذي يــدل عــى انســياب الزمــن‪ .‬منــذ قدومــي‪ ،‬توقفــت ســاع ُة معصمــي عــن االشــتغال‪ .‬دومنــا‬ ‫َّف مخل ُبهُ أصدا ْء‬ ‫كل مكانٍ خل َ‬ ‫يف ِّ‬
‫شــك بســبب مــاء البحــر‪ ،‬الرمــلِ األســود‪ ،‬أو بســبب مســحوق التجفيــف الطبــي الــذي يظهــر‪،‬‬ ‫البيت‬ ‫يف كوخ الفالّحة يف ْ‬
‫يتطايــر يف هبــات الريــح‪ .‬وضعتهــا جانبــا‪ ،‬مل أعــد أدري أيــن‪ ،‬رمبــا يف محفظــة الطِّ َبا َبــة الخاصــة‬ ‫املوت‬‫رصخات ْ‬ ‫ال يش َء سوى َ‬
‫اســ ْن‪ .‬أتوفــر‪ ،‬اآلن‪،‬‬ ‫ــن ومــع القلــم الذهبــي الصغــر لكبــر أجــدادي إِلْ َي ِ‬
‫بجــاك‪ ،‬مــع أزرار الكُ َّم ْ ِ‬ ‫املوت‬ ‫املوت ْ‬ ‫املوت ُ‬ ‫ُ‬
‫عــى وحــدة قيــاس أخــرى للزمــن‪ :‬مــد وجــزر األمــواج‪َ ،‬حـ ْو ُم الطــر وهجرتــه‪ ،‬التغــرات يف الســاء‬ ‫املوت‬
‫ينتقم ْ‬ ‫ُ‬ ‫القايس‬ ‫ا‬‫ري‬ ‫الكول‬ ‫يف شخص‬
‫والبحــرة الشــاطئية‪ ،‬نبضــات قلبــي‪.‬‬ ‫الصمت مري ْر‬ ‫ُ‬
‫ال يش َء سوى ر ْجعِ التكبريْ‬
‫ِ‬
‫يبق نَصريْ‬ ‫ح ّتى َحفّا ُر القرب ثَ َوى مل َ‬
‫مات مؤ ّذنُهُ‬ ‫الجامع َ‬ ‫ُ‬
‫امل ّي ُت من سيؤبّ ُنهُ‬
‫يبق سوى ن ْوحٍ وزفريْ‬ ‫مل َ‬
‫وأب‬ ‫الطفل بال أ ٍّم ِ‬ ‫ُ‬
‫قلب ملته ِِب‬ ‫ٍ‬ ‫من‬ ‫يبيك‬
‫ْقا ِت َلةُ‪1967 ،‬‬ ‫كو ْر َت َثا ْر‪َ :‬ا َّ‬
‫لص ْف َح ُة ال َ‬ ‫خُو ْل ُيو ُ‬ ‫رشي ْر‬‫وغدًا ال شكَّ سيلق ُفهُ الدا ُء ال ّ‬
‫أبقيت‬ ‫ْ‬ ‫يا ش َب َح اله ْيضة ما‬
‫ضا ِئ َعـ ٌة ِف َمـ َك ٍ‬
‫ان َّمــا ِمـ َن الُْ َجلَّـدِ‪.‬‬ ‫ـاء َ‬
‫ضـ ُ‬‫ص ْف َحـ ٌة َب ْي َ‬ ‫اسـ ُك ْتلَن َ‬
‫ْدا َي ِبي ُعــو َن ُكتُبـاً ِب َهــا َ‬ ‫شـ ُعوبِ ْ‬ ‫ـدى أَ َحـ ِد ُ‬ ‫َلـ َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫املوت‬
‫ْ‬ ‫ال يش َء سوى أحزانِ‬
‫ـوت‪.‬‬
‫ـر‪َ ،‬ي ُمـ ُ‬‫ْ ِ‬‫ـ‬‫ه‬ ‫الظ‬
‫ُّ‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬
‫َْ َ‬‫ع‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫ـ‬ ‫ث‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫الث‬ ‫ء‬ ‫ـا‬
‫َ َ‬‫ـ‬ ‫ُه‬‫ز‬ ‫ة‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ف‬
‫َّ َ‬‫ْ‬ ‫الص‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫ِ‬
‫ذ‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ئ‬
‫ٌِ َ‬‫ـار‬
‫ـ‬ ‫ق‬ ‫غ‬
‫َ‬ ‫ـ‬‫َ‬‫ل‬‫ب‬‫إِ َذا َ‬
‫املوت‬
‫املوت‪ْ ،‬‬ ‫املوت‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫املوت‬
‫فعل ْ‬ ‫رص شعوري م َّز َقهُ ما َ‬ ‫يا م ُ‬
‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ ‪ -‬العدد ‪327 :‬‬
‫‪14‬‬

‫قراءة يف فيلم أمغار‬ ‫سينما‬


‫"أمغــار" رشيــط وثائقــي مــن اخ ـراج بوشــعيب املســعودي‪،‬‬
‫يف ( ‪ 53‬د ) عــن فكــرة وإعــداد وتنســيق رشــيد الحجــوي‪،‬‬
‫تصويــر وتوليــف الطاهــر العبــدالوي‪ ،‬يــدور موضوعــه حــول‬
‫منبــع الحيــاة‪ ،‬املــاء والــذي هــو صلــب الرصاعــات واالقتتــال‬
‫الــذي تعرفــه القبائــل بعــدد مــن مناطــق املغــرب‪ ،‬ولفــك او‬
‫ايجــاد حــل لهــذه املشــاكل وبشــكل فــوري ظهــر "امغــار"‬
‫الخاصيــة التــي تتفــرد بهــا القبائــل املغربيــة االمازيغيــة‪ ،‬حيــث‬
‫يجمــع تحــت يديــه كافــة شــؤون القبيلــة ومفتــاح حــل القضايــا‬
‫املجتمعيــة للقبيلــة والخاصــة بــاألرس مــن زواج وطــاق ورعــي‬
‫ومـراث ‪ ...‬و" امغــار" هــي كلمــة امازيغيــة تعنــي " الشــيخ "‬
‫وهــو يف العــرف االمازيغــي الحكيــم‪ .‬وميكــن تصنيــف الرشيــط‬
‫انطالقــا مــن املوضــوع يف خانــة "األفــام االنرتبولوجيــة" التــي‬
‫تتخصــص يف رصــد العــادات والتقاليــد لــدى الشــعوب واألمــم‬
‫مــع اســتعراض اصنــاف عيــش الفــرد والجامعــة‪.‬‬
‫فالفيلــم نافــذة لالطــاع عــى "خصوصيــات امغــار" باعتبــاره‬
‫‪ :‬الحكيــم‪ ،‬وكســلطة شــعبية‪ ،‬ومتيــزه خصــال تأهلــه ومتنحــه‬
‫دميومــة البقــاء يف مقامــه إىل حــن وفاتــه أهمهــا ‪ :‬االمتنــاع‬
‫عــن أخــذ الهدايــا‪ ،‬االســتجابة الفوريــة‪ ،‬القــدرة عــى إطعــام‬
‫النــاس‪ ،‬فهــو القــايض الــذي يحتكــم إليــه الفق ـراء‪ ،‬وأحكامــه‬
‫غالبــا تكــون فوريــة والعقــاب يكــون بإطعــام نســبة معينــة‬
‫مــن أهــل القريــة‪ ،‬ويف حــال الرفــض تكــون املقاطعــة وهــي‬
‫كذلــك درجــات‪.‬‬
‫وأمغــار كأســلوب قبــي للحكــم والقضــاء يعــود اىل ســنة ‪1875‬‬
‫ومــع دخــول االســتعامر الفرنــي باملغــرب ســحبت مــن امغــار‬
‫كافــة الصالحيــات‪ ،‬حتــي ســنة ‪ ،1964‬ليعــود امغــار إىل مهمتــه‬
‫علميــة عديــدة باملغــرب‪ ،‬وقــد حــاز عــدة جوائــز‪ ،‬أخــرج‬ ‫بوشــعيب املســعودي‪ ،‬بعــد فيلــم ’’أســر األمل’’ الــذي حصــل‬ ‫وهــي مهمــة تطوعيــة إذاثبــت أن أمغــار تقــاىض تعويضــا‬
‫عــدة أفــام قصــرة‪" :‬عالمــة ؟ اســتفهام"‪" ،‬وإذا مرضــت فهــو‬ ‫عــى عــدة جوائــز وطنيــة ودوليــة‪ ،‬مــن بينهــا الجائــزة الكــرى‬ ‫تســحب منــه املهمــة ويجتمــع كل ســكان القبيلــة ليختــاروا‬
‫يشــفيني"‪" ،‬بــدون عــودة"‪ ،‬تحمــل مســؤولية عضويــة عــدة‬ ‫للمهرجــان الــدويل الرابــع للفيلــم بدلهــي الهنديــة‪ ،‬وجائــزة‬ ‫شــخصا آخــر مــن بــن ســكان القريــة‪ ،‬وتتــم عمليــة التنصيــب‬
‫لجــن تحكيــم مبهرجانــات ســينامئية بــكل مــن ‪ :‬الــدار البيضــاء‪،‬‬ ‫أحســن موضــوع للــدورة الســابعة ملهرجــان طنجــة الــدويل‬ ‫بوضــع رزمــة نعنــاع عــى رأســه ويعلــن قبولــه "بتمغــارة"‪ ،‬وإذا‬
‫بنــي مــال‪ ،‬زاكــورة‪ ،‬تيزنيــت ‪،‬بتطــوان ‪،‬ميدلــت‪ ،‬صفاقــس‬ ‫للفيلــم ســنة ‪ .2014‬واملخــرج شــعيب املســعودي ابــن أرسة‬ ‫رفــض أو تــردد متنــح لــه فرصــة تفكــر قبــل ان يتــم اختيــار‬
‫(تونــس)‪.‬‬ ‫معروفــة بالعلــم‪ ،‬صقلــت مواهبــه الفنيــة‪ ،‬لتــزرع بداخــل‬ ‫غــره يف حالــة الرفــض‪ ،‬وبعــد توليــه مهمتــه يختــار نائبــا عنــه‬
‫ولــه عــدة مؤلفــات ‪":‬الوثائقــي أصــل الســينام"‪" ،‬الثقافــة‬ ‫نفســيته بــوادر اإلبــداع‪ ،‬خريــج كليــة الطــب بأنجــي بفرنســا‪،‬‬ ‫يســمى " اعفــار" وقــد يرتفــع عــدد النــواب حســب عــدد‬
‫الطبيــة يف الســينام‪ ،‬عــر عينــة مــن األفــام"‪ ،‬املجموعــة‬ ‫وبالــدار البيضــاء عايــش الحركــة الطالبيــة مصــورا فوتوغرافي ـاً‬ ‫القبائــل والنســبة الســكانية ويظــل الســوق األســبوعي هــو‬
‫القصصيــة القصــرة‪" :‬تيــه ومتاهــة‪ ..‬يف عــامل الطــب"‬ ‫و ســينامئيا‪،‬من مؤســي املهرجــان الــدويل للفيلــم الوثائقــي‬ ‫الفضــاء الــذي تفصــل فيــه القضايــا بــن النــاس ســواء اإلرث‬
‫بخريبكــة والــذي كان مدي ـرا لــه ملــدة عــر ســنوات‪ .‬أخــرج‬ ‫أو القضايــا الخاصــة باألصــول (األبنــاء اإلخــوة األصهــار‪،) ...‬‬
‫◆ ثالث عبدالعزيز صالح‬ ‫فيلــم "أســر األمل"‪ ،‬وعــرض يف مهرجانــات ســينامئية ولقــاءات‬ ‫ويعتــر الرشيــط الوثائقــي "أمغــار"‪ ،‬ثــاين إنتــاج فنــي للمخــرج‬

‫كائن مجهري يحطم الوثوقية‬


‫◆ محمد بلمو‬
‫ومســكوتها كائــن أصغــر مــن أصغــر حــرة فــوق‬ ‫بشــكل قــاس ومثــر‪ .‬فكيــف لكائــن مجهــري مثــل‬ ‫يبــدو أن مــا فعلــه هــذا الكائــن املجهــري يف‬
‫األرض؟‬ ‫فــروس كورونــا املســتجد أن يربــك حســابات‬ ‫العــامل حتــى اآلن‪ ،‬ال يجــب أن نســتهني بــه أو‬
‫وتبعــا لذلــك‪ ،‬كيــف للكثــر مــن املفاهيــم‬ ‫وخطــط وتقاليــد أكــر القــوى الســائدة يف‬ ‫نحــره يف زاويــة الوبــاء أو الجائحــة التــي‬
‫واملصطلحــات والقيــم والتقاليــد‪ ،‬أن تصمــد لهــذا‬ ‫العــامل‪ ،‬ويكشــف عــن ضعــف وهشاشــة النظــام‬ ‫أصابــت العــامل الــذي ســيتخلص منهــا أو ســتقيض‬
‫القصــف املتواصــل يف امتحــان عســر‪ ،‬عــى الفكر‬ ‫الرأســايل املتوحــش الــذي مــا انفــك يُســ ِّو ُق‬ ‫عليــه وانتهــى األمــر‪ .‬بــل البــد أن يعيدنــا للتفكري‬
‫النقــدي أن يتصــدى ملعالجــة آثــاره وامتداداتهــا‬ ‫لعنجهيتــه وقوتــه الزائفــة؟ وكيــف لنظــام التفاهة‬ ‫بطريقــة أفضــل مــن جهــة يف أهميــة "عامــل‬
‫يف الفكــر والواقــع معــا‪.‬‬ ‫هــذا بلغــة أالن دونــو أن يســتثمر هــذه التجربــة‬ ‫الفراشــة"‪ ،‬يف الفيزيــاء املعــارصة وامتــداده الحقــا‬
‫تتداعــى األســئلة بــدون توقــف‪ ،‬ألننــا نعيــش‬ ‫لصالحــه مســتقبال ضــد إنســانية اإلنســان؟‬ ‫إىل الفكــر والعلــوم االنســانية‪ ،‬وأيضــا أن يثــر‬
‫بــكل تأكيــد زمنــا تاريخيــا فارقــا‪ ،‬ال تســعفنا يف‬ ‫ثــم كيــف لهــذه الطأمنينــة والوثوقيــة‬ ‫انتباهنــا ألهميــة 'الالمتوقــع"‪ ،‬الــذي هــزم مــن‬
‫تفكيكــه واســتيعاب امتداداتــه وتحوالتــه كل‬ ‫التــي اســتبدت وهيمنــت عــى العديــد‬ ‫خــال هــذا املثــال مراكــز البحــوث املســتقبلية‬
‫الرتســانة الفكريــة واملفاهيميــة التــي راكمتهــا‬ ‫مــن األيديولوجيــات واملنظومــات الفكريــة‬ ‫وفاجأهــا هــي أيضــا‪.‬‬
‫اإلنســانية‪ ،‬مــا مل نتســلح بالكثــر مــن الجــرأة‬ ‫واملامرســات السياســية والســلوكات االجتامعيــة‬ ‫لذلــك مــن املؤكــد أن الكثــر مــن الثوابــت‬
‫النقديــة واملعرفيــة عــى حــد ســواء‪.‬‬ ‫أن تســتمر وقــد زعــزع أسســها وخلخــل منطوقها‬ ‫واليقينيــات والبديهيــات‪ ،‬ســتتعرض للمســاءلة‬
‫‪15‬‬ ‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ ‪ -‬العدد ‪327 :‬‬

‫مواجهة دجالي كورونا في شهر نساء العالم‬


‫◆ سلوى حان‬
‫التــي تزيــد مــن هيمنــة‬
‫الفكــر األصــويل الظالمــي‬
‫عــى نفــس العالقــات الســلطوية والرمزيــة وإدامــة قبضتــه عــى‬
‫العقليــات مــع مــا صاحــب ذلــك مــن رشاء للنخــب ومتييــع للمشــهد‬
‫فــي الحاجــة إلــى العلــم مــن أجــل تحريــر اإلنســان‬
‫املعــادي لقيــم الحريــة‬ ‫الثقــايف‪.‬‬ ‫وبقا ئــه‪:‬‬
‫واملســاواة"‪ .‬وحلــت ‪8‬‬ ‫هاهــي ذي إذن‪ ،‬ولألســف يف عــز األزمــة ويف هــذا الظــرف الدقيــق‬ ‫قــد يبــدو الحديــث عــن املــرأة يف الســياق العاملــي والوطنــي الحــايل‬
‫مــارس ‪ 2020‬لنجــدد دعوتنــا‬ ‫والخطــر والــذي ميكــن يف أي لحظــة أن تنفلــت زمامــه‪ ،‬تقــف‬ ‫تغريــدا خــارج الــرب‪ ،‬إذ أن القضيــة املحوريــة لــكل النقاشــات‬
‫باالنتصــار لقيــم العقــل‬ ‫وجهــا لوجــه أمــام نفــس الفكــر القوروســطوي الالعلمــي واملغلــق‬ ‫والتحليــات تصــب يف موضــوع فــروس كورونــا املســتجد ومــا‬
‫والتنويــر‪.‬‬ ‫يف مواجهــة صارخــة للتعليــات الصحيــة‪ ،‬ألن هــذا الفكــر بالــذات ال‬ ‫يفرضــه مــن إجـراءات احرتازيــة وتضامنيــة حتــى ال يتفاقــم الوضــع‬
‫كلهــا رســائل واضحــة‬ ‫يؤمــن ال بالعلــم وال بالعقــل‪.‬‬ ‫وتعــم الكارثــة خصوصــا بالنظــر لوضعيــة الخدمــات الصحيــة الهشــة‬
‫تســتقرئِ الواقع وتســترشف‬ ‫هاهــي األزمــة تتحــول مــن مضــار الـراع الثقــايف والقيمــي والــذي‬ ‫ببالدنــا‪ ،‬إال أننــا ال نجــد بــدا مــن الخــوض يف مــا يطرحــه هــذا الوبــاء‬
‫املســتقبل وتعــر عــن‬ ‫كانــت تــدور رحــاه يف جســد املــرأة وكانــت والزالــت ضحيتــه‬ ‫مــن تداعيــات وتفاعــات يف الذهنيــة املغربيــة ومــا يرافــق ذلــك من‬
‫مواقــف ثابتــة‪ ،‬مــن شــأنها‬ ‫املــرأة كفئــة جنســية‪ ،‬إىل مضــار العلــوم والطــب والصحــة العامــة‬ ‫تصــادم عــى مســتوى الوعــي والالوعــي الفــردي والجمعــي‪ .‬إال أننــا‬
‫املســاهمة يف بنــاء املجتمــع‬ ‫لتصبــح الضحيــة املجتمــع برمتــه وبــكل فئاتــه‪ .‬إنهــا كارثــة انتقالنــا‬ ‫ســنحاول الربــط بــن تعاطــي العقــل الغيبــي مــع املــرأة وتعاطيــه‬
‫واإلنســان‪ ،‬ومــا كنــا آنئــذ‬ ‫مــن الحــرب عــى الوبــاء الفــرويس إىل الوبــاء الفكــري وإنــه واللــه‬ ‫مــع جائحــة كورونــا لنكشــف عــى أن هــذا األخــر أصبــح يشــكل‬
‫لنســمع مبــا يــروج اليــوم‬ ‫اشــد فتــكا وأخطــر‪ .‬فــإذا كان الوبــاء مهــا طــال ومهــا قتــل منتــه‬ ‫تهديــدا للمجتمــع برمتــه بعــد أن كانــت وحدهــا املــرأة ضحيتــه‪،‬‬
‫مــن خطابــات تنــم عــن كراهيــة واضحــة لآلخــر وتشــف وقــح يف‬ ‫بنهايــة وجــود الفــروس فــإن وبــاء الفكــر بــاق مــا بقيــت الدولــة‬ ‫ولنحــذر مــن االســتمرار يف التغــايض عنــه ال مــن أجــل املــرأة وحدهــا‬
‫مــآيس البرشيــة واتجــار خطــر بالديــن يف دغدغــة للعواطــف ولعــب‬ ‫التقليديــة التــي تعمــل عــى اســتدامة نفــس العالقــات االجتامعيــة‬ ‫بــل مــن أجــل املجتمــع ككل ومــن أجــل مســتقبل هــذا الوطــن‪.‬‬
‫عــى النفســية العامــة للنــاس يف ظــرف حــرج مــن شــأن هــذه‬ ‫اســتمراريتها ونفــس النظــم الفكريــة الضاربــة يف التقليدانيــة‬ ‫إن تصفحــا أوليــا وبســيطا لصفحــات مواقــع التواصــل االجتامعــي‬
‫الخطابــات أن تفاقمــه وتزيــد الهلــع والرهــاب والفــوىض بــل أحيانــا‬ ‫والتخلــف ضامنــا الســتمراريتها‪ ،‬ضاربــة عــرض الحائــط بالقوانــن‬ ‫يوضــح بجــاء تأرجــح التعامــل مــع الوبــاء بصيغتــن اثنتــن تــكادان‬
‫تحــرض عــى العصيــان وتكفــر األمــة‪.‬‬ ‫التطوريــة للمجتمعــات البرشيــة ورافضــة لــكل مــروع تنويــري‪.‬‬ ‫ال تلتقيــان عــى األقــل ظاهريــا‪ ،‬ويعكــس منطــن مــن التفكــر‬
‫هــا نحــن إذن نجنــي مثــار سياســة النعامــة التــي ضلــت الدولــة تنهجهــا‬
‫مــن أجــل اإلبقــاء عــى الوضــع واملحافظــة عليــه‪ .‬ومل يكــن أحــد منــا‬ ‫محاربــة الفكــر الخرافــي والدجلــي لحمايــة المــرأة‬ ‫والتفكــر يف الوجــود واإلنســان‪ .‬األول يعــر عــن نــزوع علمــي وثقــة‬
‫عاليــة بالعقــل اإلنســاين ويفــر الظاهــرة‪ /‬الوبــاء مببــدأ فلســفي‬
‫يتوقــع أن الرضبــة ســتأيت مــن الجحــر الــذي دفنــت فيــه رأســها‪.‬‬ ‫والمجتمــع معــا‪:‬‬ ‫وعلمــي يرتبــط بالســبب والنتيجــة أو باملقدمــات والنتائــج‪ ،‬والثــاين‬
‫فــي الحاجــة إلــى العلــم قبــل الغــذاء وإلــى الحداثــة‬ ‫ولقــد تابعنــا كل تلــك الجرائــم التــي اقرتفــت يف حــق النســاء‬ ‫يعــر عــن نــزوع غيبــي وعــدم ثقــة بالعقــل اإلنســاين ويفــر‬
‫الظاهــرة مببــدأ ميتافيزيقــي مبنــي عــى عقــاب اللــه وغضبــه؛ وهــي‬
‫قبــل الــدواء‪:‬‬ ‫مــن طــرف أصحــاب هــذا الفكــر‪ ،‬فمــن اســتباحة أجســاد النســاء‬
‫تذكرنــا مبرحلــة غابــرة مــن مراحــل تطــور الفكــر البــري حــن كان‬
‫بالرقيــة "الرشعيــة"‪ ،‬إىل اغتصــاب طفولتهــن باســم الديــن إىل جرائــم‬
‫إن مــا نجتــازه اليــوم مــن رعــب وخــوف مــن وعــى مســتقبل‬ ‫االغتصــاب والتعذيــب والتشــهري‪ ،‬إىل حمــات عــى صفحــات املواقــع‬ ‫هــذا األخــر يربــط الظواهــر الطبيعيــة‪ ،‬التــي مل يكــن يــدرك أســباب‬
‫البــاد والعبــاد يحملنــا مســؤولية تاريخيــة تتجــى يف رضورة رفــع‬ ‫االجتامعيــة ضــد النســاء واملناضــات خصوصــا وغريهــا مــن األحداث‬ ‫حدوثهــا آنــذاك‪ ،‬بغضــب الســاء وعقــاب اآللهــة‪ .‬نزعتــان مــا كانتــا‬
‫لــواء العلــم والعلــاء‪ ،‬واإلميــان بالعقــل واالســتثامر يف املعرفــة ويف‬ ‫التــي يصعــب رسدهــا كلهــا هنــا‪ .‬وكلهــا أحــداث ناتجــة عــن نظــرة‬ ‫لتســتوقفانا يف هــذه اللحظــة بالــذات‪ ،‬وهــي لحظــة عصيبــة علينــا‬
‫الــذكاء االصطناعــي‪ ،‬وتربيــة النــشء عــى الدميقراطيــة الحقيقيــة‪،‬‬ ‫تحقرييــة وتبخيســية للمــرأة وشــيطنة لهــا‪ ،‬بحيــث تحولهــا الذهنيــة‬ ‫لــوال إحساســنا العــايل باملســؤولية اتجــاه شــعبنا وبدورنــا يف رضورة‬
‫وتعبئــة املجتمــع بــكل فئاتــه برجالــه ونســائه‪ ،‬مــن أجــل الخــروج‬ ‫العامــة مــن ضحيــة لجرميــة واضحــة ومتكاملــة األركان إىل معتديــة‬ ‫املســاهمة يف التنويــر كبوابــة ال محيــد عنهــا مــن أجــل تجــاوز هــذا‬
‫مــن التخلــف وااللتحــاق بركــب الــدول املتقدمــة التــي وإن كانــت‬ ‫عــى املشــاعر الجامعيــة‪ .‬ولطاملــا حذرنــا يف القطــاع النســايئ الطليعي‬ ‫الظــرف وولــوج مرحلــة جديــدة تحمينــا مــن كل األوبئــة املســتقبلية‬
‫هــي األخــرى تتصــارع مــع الوبــاء فهــي عــى األقــل متلــك‬ ‫والتــي ال تتلخــص فقــط يف األمـراض بــل يف أوبئــة أشــد فتــكا وعــى‬
‫القــدرة واملعرفــة لتخفيــف أرضاره ســواء منهــا االقتصاديــة‬ ‫رأســها االســتبداد والجهــل والتخلــف‪.‬‬
‫أو الدميوغرافيــة ومتتلــك القــدرة واملعرفــة للتجــاوز ولبنــاء‬ ‫املثــر يف ذوي النزعــة الغيبيــة الالعلميــة‪ ،‬وال أريــد أن أنعتها‬
‫مســتقبل أفضــل لشــعوبها‪ ،‬أمــا نحــن فكافانــا انتظــارا للــذي‬ ‫بنعــوت تحمــل أحــكام قيمــة‪ ،‬أنهــم ال يأخــذون العــرة ال‬
‫يــأيت وال يــأيت وكافانــا تدبـرا لألمــور برتكهــا وكفانــا اســتهتارا‬ ‫مــن التاريــخ وال مــن الجغرافيــا‪ .‬إذ مرت اإلنســانية واملغرب‬
‫باإلنســان فينــا‪.‬‬ ‫مــن ضمنهــا بأوبئــة كثــرة كانــت يف كل مــرة تخــرج منهــا‬
‫نحــن هنــا واآلن يف حاجــة إىل ثــورة ثقافيــة عــى كل‬ ‫أقــوى وأســلم وكانــت تلــك األوبئــة تــؤرخ لعــر استشــفايئ‬
‫أذنــاب الرجعيــة والتخلــف‪ ،‬ولعــل مــا حــدث ويحــدث‬ ‫وعلمــي جديــد‪ .‬أمــا جغرافيــة األوبئــة فقــد كانــت محكومة‬
‫مــن تداعيــات التفاعــل مــع فــروس كورونــا ليــس ســوى‬ ‫بكيفيــة انتشــار الوبــاء والتواصــل املســتمر بــن الشــعوب‬
‫جــرس إنــذار ملــا ينتظرنــا مــن جاهليــة إذا مل يتحمــل كل‬ ‫عــى اختــاف دياناتهــا وأعراقهــا‪ .‬واملثــر أكــر هــو التعامــل‬
‫منــا مســؤوليته وإذا مل تتحمــل الدولــة مســؤوليتها الكاملــة‬ ‫املــزدوج مــع هــذه البــاءات‪ ،‬فهــو ابتــاء وامتحــان بالنســبة‬
‫يف ســن قوانــن مدنيــة تديــر العالقــات االجتامعيــة وتحــرر‬ ‫للمؤمــن وهــو عقــاب وغضــب بالنســبة لغــر املؤمــن‬
‫املــرأة مــن ثقــل املــوروث املقيــد لطاقاتهــا‪ ،‬وتحويــل شــعار‬ ‫املتســبب يف هــذا الغضــب حســب نظرهــم‪ .‬إنــه الجهــل‬
‫املناصفــة مــن شــعار بحمولــة تســويقية ورقميــة إىل تدبــر‬ ‫املركــب والقصــور العلمــي واالزدواجيــة يف التفكــر‪ :‬فمــن‬
‫دميقراطــي منصــف‪ ،‬هدفــه إعــادة النظــر يف العالقــات االجتامعيــة‬ ‫مــن مغبــة الســكوت عــن هــذه املامرســات وخطورتــه ال عىل النســاء‬ ‫يدعــي أن هاتــه الفريوســات جنــد مــن جنــود اللــه هــو نفســه مــن‬
‫القامئــة بــن الجنســن يف اتجــاه العــدل واملســاواة بــن جنســن‬ ‫فحســب بــل عــى املجتمــع برمتــه‪ .‬نذكــر هنــا الرســالة املفتوحــة‬ ‫يهــرع لألدويــة وللعلــوم الوضعيــة مــن أجــل البقــاء والعيــش الرغــد‪.‬‬
‫متكافئــي الحقــوق والواجبــات‪ ،‬كقاعــدة أســاس للبنــاء الدميقراطــي‬ ‫التــي بعــث بهــا القطــاع النســايئ لوزيــر العــدل بتاريــخ ‪ 26‬يوليــوز‬ ‫إن املغــرب اليــوم وأكــر مــن أي وقــت مــى يف حاجــة إىل اإلميــان‬
‫الســبيل الوحيــد لتحقيــق التقــدم املنشــود‪ .‬إننــا يف حاجــة أكــر مــن‬ ‫‪ 2019‬والتــي طالبــه بعــد أن حمــل الحكومــة‪ " :‬كامــل املســؤولية‬ ‫بالعلــم والعقــل وتشــجيع البحــث العلمــي والنهــوض بالتعليــم‬
‫أي وقــت مــى إىل قوانــن تحمــي املواطــن مــن أي هــدر لكرامتــه‬ ‫فيــا وقــع أو ســيقع مــن عنــف ضــد النســاء باعتباركــم الســلطة‬ ‫ومحاربــة كل الدعــوات املشــككة يف العلــم واملنتــرة للطقــوس‬
‫وتفتــح طاقــات الحيــاة لديــه مــن أجــل الخلــق واإلبــداع وحــب‬ ‫الحكوميــة ذات االختصــاص املخــول لهــا حاميــة األفـراد والجامعــات‪،‬‬ ‫والشــعائر الغابــرة‪.‬‬
‫الحيــاة‪ .‬إننــا يف حاجــة إىل قوانــن تقفــز باملجتمــع نحــو األمــام‬
‫طاملــا الحــارض املنغــرس يف املــايض جاثــم عــى صدورنــا وال يزيدنــا‬
‫والنســاء خصوصــا‪ ،‬وضــان ســامتهم وأمنهــم" ب " باتخــاذ الــازم‬
‫مــن التدابــر القانونيــة واملؤسســاتية مــن أجــل حاميــة النســاء‬
‫الدولة في أزمة وباء كورونا تجني ثمار ما غرست‪:‬‬
‫إال رجعيــة وتخلفــا‪ ،‬مل يعــد هنــاك مجــال لالنتظــار وهنــا أســوق‬ ‫وحفــظ كرامتهــن ورد االعتبــار للمجتمــع برمتــه عــن الــرر الناتــج‬ ‫إن الدولــة وعــر عــدة مامرســات ســواء رســمية أو غــر رســمية‪،‬‬
‫قولــة لبالنديــن كريجيــل وهــي مــن املناضــات األوائــل مــن أجــل‬ ‫عــن اســتباحة أجســاد النســاء"‪.‬‬ ‫ســواء مــن أجهزتهــا العليــا أو التنفيذيــة‪ ،‬ســكتت وأحيانــا كثــرة‬
‫املناصفــة قــد تفــي بالغــرض‪:‬‬ ‫إنهــا تدابــر كان مــن شــأنها أن ترفــع منســوب الوعي وتخطــو باملجتمع‬ ‫شــجعت الفكــر الخ ـرايف واملامرســات الدجليــة بــل ومولــت عــددا‬
‫‪"Et qu'on ne nous dise pas que ce que la loi ne fera pas,‬‬ ‫إىل األمــام وتعفينــا مــن الســقوط يف تفاهــة القول بــان كورونــا جند من‬ ‫مــن الطقــوس املوروثــة مــن عهــود بائــدة كتمويــل موســم الشــيخ‬
‫‪l'autogestion ou la société civile le feront mieux, nous‬‬ ‫جنــود اللــه‪ .‬ونذكــر أيضا رفضنا يف بيــان ‪ 8‬مارس ‪ 2019‬لتشــجيع الدولة‬ ‫الكامــل مبكنــاس وموســم ســيدي عــي بزرهــون وغريهــا مــن‬
‫‪qui savons depuis longtemps que, pour les exclus, c'est la‬‬ ‫" ملجموعــة مــن املامرســات القروســطوية (الرقيــة ‪-‬متويــل األرضحــة‪)...‬‬ ‫املواســم عــر ربــوع البــاد‪ ،‬والــكل يعلــم والدولــة أعلــم منــا‪ ،‬مبــا‬
‫‪loi qui libère et la liberté qui opprime." Blandine Krie-‬‬ ‫تســتهدف القطــع مــع أي مظهــر مــن مظاهــر الحداثــة وترفــض اإلميــان‬ ‫يحــدث مــن مامرســات أقــل مــا يقــال عنهــا أنهــا وحشــية ومفارقــة‬
‫‪gel, La cité républicaine, Les Chemins de l’Etat, Editions‬‬ ‫بالعلــم والعقــل"‪ ،‬ومطالبتنــا لهــا ب‪" :‬الــرب عــى أيــدي كل الذيــن‬ ‫متامــا للعــر الــذي نعيــش فيــه‪ ،‬ومــا اســتدامة هــذه املامرســات‬
‫‪Galilée, 1998.‬‬ ‫يســتبيحون جســد املــرأة تحت أي مــرر‪ ،‬ومنــع كل املامرســات الدجلية‬ ‫عــر قــرون إال دليــل عــى اســتغالل الدولــة العميقــة ولنقــل هنــا‪،‬‬
‫و الالعلميــة‪ ،‬ورفــض تأطــر هــذه املامرســات قانونيــا‪ ،‬وهــي املامرســات‬ ‫املخــزن‪ ،‬للمــوروث الثقــايف يف صــوره املتخلفــة مــن أجــل اإلبقــاء‬
‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ ‪ -‬العدد ‪327 :‬‬
‫‪16‬‬
‫قراءة قانونية في اإلعالن عن حالة الطوارئ الصحية‬
‫◆ عبد اهلل أسربي‬
‫حتــى يتــم القضــاء عليــه مرحليــا داخــل الحــدود الجغرافيــة للدولــة‪ ،‬وتمــت‬ ‫لقــد ســجل املغــرب هــو اآلخــر كباقــي بلــدان العالــم ظهــور حــاالت مصابــة‬
‫ُمباشــرة هــذا اإلجــراء االحــرازي يف أفــق البحــث عــن عــاج دائــم يحــول دون‬ ‫بفــروس كورونــا املنتشــر دوليــا والــذي أودى بحيــاة اآلالف مــن البشــر ســواء‬
‫انتشــاره مســتقبال‪.‬‬ ‫يف آســيا أو يف أوروبــا‪ ،‬وتوســعت دائــرة انتشــاره لتصــل لــكل بقــع العالــم دون‬
‫إن املغــرب هــو اآلخــر تفاعــل مــع هــذا املســتجد قــام باتخــاذ مجموعــة مــن‬ ‫اســتثناء‪.‬‬
‫اإلجــراءات االحرتازيــة واالســتباقية طرحــت علــى القانونيــن مجموعــة مــن‬ ‫وتبعــا لخطــورة االنتشــار الســريع لهــذا املــرض يف محيــط املصــاب بهــذا‬
‫األســئلة ذات الصلــة بشــرعية هــذه التدابــر واألســاس القانونــي الــذي ارتكزت‬ ‫الفــروس‪ ،‬وآلثــاره علــى األمــن والصحــة العامــة لألشــخاص‪ ،‬بــادرت العديــد مــن‬
‫عليــه بغــض النظــر عــن غاياتهــا‪.‬‬ ‫التجــارب وعلــى الخصــوص التجربــة الصينيــة‪ ،‬إىل محاصــرة هــذا الفــروس عــن‬
‫طريــق آليــة الحجــر الصحــي‪ ،‬كإجــراء احــرازي‪ ،‬إليقــاف انتشــاره ومحاصرتــه‬

‫كورونــا‪ ،‬ومــن بينهــا اإلعــان عــن حالــة‬


‫الطــوارئ الصحيــة بســائر أرجــاء الـراب الوطنــي‬
‫ابتــداء مــن يــوم ‪ 20‬مــارس ‪ 2020‬عــى الســاعة‬
‫السادســة مســاء إىل غايــة يــوم ‪ 20‬أبريــل ‪2020‬‬
‫عــى الســاعة السادســة مســاء‪.‬‬
‫وحيــث أن مرســوم القانــون رقــم ‪2.20.292‬‬
‫املتعلــق بســن أحــكام خاصــة بحالــة الطــوارئ‬
‫الصحيــة وإجــراءات اإلعــان عنهــا‪ ،‬حــدد‬
‫مبوجــب املــادة السادســة منــه إج ـراء اســتثنائيا‬
‫خــص اآلجــال القانونيــة املحــددة مبوجــب‬
‫النصــوص الترشيعيــة والتنظيميــة‪ ،‬مــن خــال‬
‫إيقــاف رسيانهــا خــال فــرة حالــة الطــوارئ‬
‫الصحيــة املعلــن عنهــا‪.‬‬
‫وبغــض النظــر عــن أيــة ق ـراءة محتملــة لهــذه‬
‫املــادة‪ ،‬فــإن مــن بــن نتائــج البــاغ الصــادر عــن‬
‫رئاســة الحكومــة عــن أشــغال املجلــس الحكومي‪،‬‬
‫أن هنــاك مجموعــة مــن اآلجــال القانونيــة التــي‬
‫يجــب التقيــد بهــا يــوم الجمعــة ‪ 20‬مــارس ‪2020‬‬
‫ابتــداء مــن الســاعة السادســة مســاء ســيتوقف‬
‫رسيــان مفعولهــا مبوجــب املــادة السادســة مــن‬
‫املرســوم بالقانــون املتعلــق بســن أحــكام حالــة‬
‫الطــوارئ‪.‬‬ ‫دون الحديــث عــن اختصاصــات وزارة الداخليــة يف الحفــاظ عــى األمــن العــام واألمــن الصحــي‬
‫إال أن النصني القانونيني مل يتم نرشهام بالجريدة الرسمية إال يوم ‪ 24‬مارس ‪.2020‬‬ ‫للمواطنــن‪ ،‬فالســلطة التنظيميــة بــارشت مجموعــة مــن اإلجـراءات اإلداريــة املســتعجلة لحاميــة األمــن‬
‫ومبفهــوم البــاغ الصــادر عــن رئاســة الحكومــة بشــأن أشــغال املجلــس الحكومــي املنعقــد بتاريــخ ‪22‬‬ ‫الصحــي للمواطنــن باإلمكانيــات املتوفــرة لهــا إداريــا وقانونيــا‪ ،‬لتهتــدي الحكومــة إىل رضورة إعــال‬
‫مــارس ‪ 2020‬فــإن اآلجــال التــي حلــت يــوم االثنــن ‪ 23‬مــارس ‪ 2020‬ســيتوقف رسيانهــا‪.‬‬ ‫أحــكام الفصــل ‪ 81‬مــن الدســتور املغــريب إلضفــاء الرشعيــة القانونيــة عــى جميــع التدابــر االحرتازيــة‬
‫إال أنــه مــع صــدور الجريــدة الرســمية ســيعاين أي متتبــع بــأن املرســوم رقــم ‪ 2.20.293‬املتعلــق بإعالن‬ ‫واالســتثنائية املتخــذة‪ ،‬وهــو مــا تحقــق لهــا عــن طريــق آليــة املرســوم بالقانــون املتعلــق بســن أحــكام‬
‫حالــة الطــوارئ الصحيــة بســائر أرجــاء الـراب الوطنــي ملواجهــة تفــي فــروس كورونــا كوفيــد ‪ 19‬مل‬ ‫خاصــة بحالــة الطــوارئ الصحيــة وإج ـراءات اإلعــان عنهــا‪.‬‬
‫يحــدد تاريــخ اإلعــان عــن حالــة الطــوارئ الصحيــة ليتــم إعــال القاعــدة العامــة التــي تنــص عــى أن‬ ‫وبتاريــخ ‪ 22‬مــارس ‪ 2020‬اجتمــع املجلــس الحكومــي يف دورة اســتثنائية للمصادقــة عــى ثــاث‬
‫بدايــة رسيــان القاعــدة القانونيــة تتحقــق بنرشهــا يف الجريــدة الرســمية‪.‬‬ ‫مراســيم ومــن أهمهــا‪:‬‬
‫حيــث أن املــادة األوىل مــن هــذا املرســوم املتعلــق باإلعــان عــن حالــة الطــوارئ الصحيــة تنــص بأنــه‬ ‫‪ -‬مرســوم بقانــون رقــم ‪ 292.20.2‬املتعلــق بســن أحــكام خاصــة بحالــة الطــوارئ الصحيــة وإجـراءات‬
‫"تطبيقــا ألحــكام املرســوم بقانــون رقــم ‪ 2.20.292‬الصــادر يف ‪ 28‬مــن رجــب ‪ 23 / 1441‬مــارس ‪2020‬‬ ‫اإلعــان عنهــا‪.‬‬
‫‪ ،‬وال ســيام املــادة الثانيــة منــه‪ ،‬ويعلــن عــن حالــة الطــوارئ الصحيــة بســائر أرجــاء ال ـراب الوطنــي‬ ‫‪ -‬مرســوم رقــم ‪ 293.20.2‬املتعلــق بإعــان حالــة الطــوارئ الصحيــة بســائر أرجــاء ال ـراب الوطنــي‬
‫إىل غايــة يــوم ‪ 20‬أبريــل ‪ 2020‬يف الســاعة السادســة مســاء‪ ،‬وذلــك مــن أجــل مواجهــة تفــي فــروس‬ ‫ملواجهــة تفــي فــروس كورونــا كوفيــد ‪.19‬‬
‫كورونــا‪ -‬كوفيــد ‪".19‬‬ ‫‪ -‬مخرجات املجلس الحكومي‪:‬‬
‫أمــام تفــي فــروس الكورونــا يف الــدول املجــاورة بشــكل كبــر‪ ،‬هــدد معــه األمــن الصحــي للمواطنــن‬
‫النتيجة‪:‬‬ ‫اإلســبان وارتفــاع عــدد املصابــن بهــذا الفــروس يف الجزائــر وحــاالت الوفــاة‪ ،‬وانفــات األمــن الصحــي‬
‫إن جميــع اإلجــراءات القانونيــة الواجــب مبارشتهــا بتاريــخ ‪ 23‬مــارس ‪ 2020‬تحــت طائلــة ســقوط‬
‫بإيطاليــا بارتفــاع عــدد الوفيــات فيهــا واملصابــن بهــذا الفــروس‪.‬‬
‫الحــق ال يلحقهــا األثــر املوقــف لألجــل املحــدد باملــادة السادســة مــن املرســوم بقانــون‪.‬‬
‫وأمــام عــدم اك ـراث املواطنــن بالتحذي ـرات التــي أطلقتهــا الحكومــة املغربيــة اضطــرت الدولــة إىل‬
‫إذ أن عــدم مبــارشة الطعــون القضائيــة أو املطالبــات اإلداريــة وغريهــا والتــي ســينتهي آجالهــا يــوم‬
‫اعــال أحــكام الفصــل ‪ 81‬مــن الدســتور املغــريب لســد الفـراغ الترشيعــي لحــاالت االضطـراب الصحــي‬
‫‪ 23‬مــارس ‪ 2020‬ســتواجه بســقوط الحــق‪ ،‬لكــون الــرط املوقــف لألجــل مل يتحقــق إال بتاريــخ نــر‬
‫الــذي قــد تعرفــه الدولــة مــن حــن آلخــر‪ ،‬فصــادق املجلــس الحكومــي يــوم ‪ 22‬مــارس ‪ 2020‬عــى‬
‫املرســوم بالجريــدة الرســمية ال بالتاريــخ املــرح بــه يف البــاغ الصــادر عــن رئاســة الحكومــة بشــان‬
‫املرســومني‪:‬‬
‫أشــغال املجلــس الحكومــي‪.‬‬
‫‪ -‬مرســوم بقانــون رقــم ‪ 2.20.292‬املتعلــق بســن أحــكام خاصــة بحالــة الطــوارئ الصحيــة وإجـراءات‬
‫حيــث أن تناقــض املضامــن بــن املرســوم املنشــور بالجريــدة الرســمية وبــن البــاغ الصــادر عــن رئاســة‬
‫اإلعــان عنهــا‪.‬‬
‫الحكومــة بشــأن تاريــخ اإلعــان عــن حالــة الطــوارئ الصحيــة‪ ،‬ال ميكــن أن مينــح حقــا قانونيــا غــر‬
‫‪ -‬مرســوم رقــم ‪ 2.20.293‬املتعلــق بإعــان حالــة الطــوارئ الصحيــة بســائر أرجــاء ال ـراب الوطنــي‬
‫مقــرر باملرســوم‪.‬‬
‫ملواجهــة تفــي فــروس كورونــا كوفيــد ‪.19‬‬
‫إذ أن النــر بالجريــدة الرســمية هــو إج ـراء قانــوين جوهــري‪ ،‬يعــد جــزء أساســيا يف عمليــة إصــدار‬
‫وقــد أعقــب اجتــاع املجلــس الحكومــي بــاغ منســوب لرئاســة الحكومــة عــن أشــغال املجلــس‬
‫النصــوص القانونيــة‪ ،‬وال يدخــل القانــون حيــز النفــاذ قبــل عمليــة نــر النصــوص القانونيــة‪.‬‬
‫الحكومــي جــاءت فيــه مجموعــة مــن التدابــر التــي اتخذتهــا الحكومــة ملواجهــة تفــي فــروس‬
‫فغاية النرش بالجريدة الرسمية هي تحقيق فرضية العلم بالقانون كرشط لرتتيب آثاره القانونية‪.‬‬
‫‪17‬‬ ‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ ‪ -‬العدد ‪327 :‬‬

‫قراءة قانونية في اإلعالن عن حالة الطوارئ الصحية‬


‫تتمة‬
‫إن العمــل الحكومــي وآليــة البالغــات يجــب أن تتســم باملصداقيــة والدقة يف إبــاغ العموم للمعلومــة الدقيقة‬ ‫وقــد ســبق للغرفــة اإلداريــة للمجلــس األعــى‪ ،‬محكمــة النقــض حاليــا‪ ،‬أن اعتــرت يف ق ـرار لهــا ســنة‬
‫وخاصــة يف فـرات األزمــات حتــى ال ينتــج عــن هــذه البالغــات‪ ،‬آثــار وخيمة وضيــاع حقوق األشــخاص‪.‬‬ ‫‪ 1972‬بــأن "القــول بكــون نــر النصــوص القانونيــة والتنظيميــة يف الجريــدة الرســمية يكتســب‬
‫حيــث أن رئاســة النيابــة العامــة مــن خــال دوريتهــا الصــادرة بتاريــخ ‪ 24‬مــارس ‪ 2020‬لجميــع املســؤولني‬ ‫مجــرد صبغــة إخباريــة محضــة‪ ،‬وميكــن االســتعاضة عنــه بطريقــة أخــرى مــن طــرق اإلعــام‪ ،‬ال ميكــن‬
‫بالنيابــة العامــة لــدى محاكــم اململكــة هــي األخــرى اعتــرت أن فــرة حالــة الطــوارئ حســب املرســوم‬ ‫أخــذه بعــن االعتبــار‪ ،‬ألن الجريــدة الرســمية التــي تصدرهــا الحكومــة بصفــة دوريــة ومنتظمــة‪ ،‬هــي‬
‫‪ 2.20.293‬املتعلــق باإلعــان عــن حالــة الطــوارئ هــي الفــرة‬ ‫الضامنــة الوحيــدة لتبليــغ النصــوص القانونيــة إىل علــم األفـراد‬
‫املمتــدة مــن ‪ 20‬مــارس ‪ 2020‬عــى الســاعة السادســة إىل غايــة ‪20‬‬ ‫والجامعــات‪ ،‬كــا يســتحيل عــى املحاكــم تطبيــق نصــوص مل‬
‫مــارس ‪ 2020‬عــى الســاعة السادســة منهــا‪.‬‬ ‫تطلــع مســبقا عــى فحواهــا مــن خــال نرشهــا يف الجريــدة‬
‫وقــد رتبــت عليــه توجيهــا إىل املســؤولني القضائيــن للنيابــة العامة‬ ‫الرســمية" (قــرار مشــار إليــه يف الجــزء الثالــث مــن كتــاب‬
‫بشــأن اآلجــاالت خالفــا ملــا حــدده املرســوم رقــم ‪ 2.20.293‬املتعلق‬ ‫العمــل الترشيعــي باملغــرب لألســتاذ عبــد اإللــه فونتــر صفحــة‬
‫باإلعــان عــن حالــة الطــوارئ الصحية‪.‬‬ ‫‪.)195‬‬
‫إذ أن النيابــة العامــة اعتــرت أن آجــاالت الطعــون املعنيــة‬ ‫وتبعــا لذلــك فــإن البــاغ الصــادر عــن رئاســة الحكومــة بشــأن‬
‫بإيقــاف رسيانهــا وفــق املــادة السادســة مــن املرســوم بقانــون‬ ‫املرســوم رقــم ‪ 2.20.293‬املتعلــق باإلعــان عــن حالــة الطــوارئ‬
‫رقــم ‪ 2.20.292‬بســن أحــكام خاصــة بحالــة الطــوارئ الصحيــة‬ ‫واملحــدد لفــرة الطــوارئ ابتــداء مــن يــوم ‪ 20‬مــارس ‪ 2020‬عــى‬
‫وإجـراءات اإلعــان عنهــا‪ ،‬واعتــرت أن اآلجــاالت ابتــداء مــن يــوم‬ ‫الســاعة السادســة مســاء إىل غايــة يــوم ‪ 20‬أبريــل ‪ 2020‬عــى‬
‫‪ 21‬مــارس ‪ 2020‬معنيــة بإيقــاف الرسيــان‪ ،‬وهــو تأويــل غري ســليم‬ ‫الســاعة السادســة مســاء‪ ،‬قــد تكــون فيــه شــائبة قانونيــة‪ ،‬ميكــن أن‬
‫مــن الناحيــة القانونيــة ومــن شــأنه التأثــر القانــوين عــى الطعــون‬ ‫ينتــج عنــه نتائــج قانونيــة متســمة بالخطورة الجســيمة‪ ،‬خاصــة إذا‬
‫القضائيــة املحتســبة آجالهــا عــى فرضيــة إيقــاف رسيانــه ابتــداء‬ ‫علمنــا أن مــروع مرســوم القانــون الــذي صــادق عليــه املجلــس‬
‫مــن تاريــخ ‪ 21‬مــارس ‪ 2020‬بــدل تاريــخ نــر املرســوم بالجريــدة‬ ‫الحكومــي عــرض للعمــوم قصــد االطــاع عليــه‪ ،‬كــا تــم نــره‬
‫الرســمية ‪.‬‬ ‫باملوقــع اإللكــروين ملجلــس النــواب‪ ،‬وبالتبعيــة تــم االطــاع عــى‬
‫وحيــث أن األمــن القانــوين للمتقاضــن‪ ،‬أمــام صياغــة املرســوم رقــم‬ ‫مضامينــه وعــى الخصــوص املضامــن املتعلقــة بإيقــاف رسيــان‬
‫‪ 2.20.293‬املتعلــق باإلعــان عــن حالــة الطوارئ‪ ،‬يقتيض احتســاب‬ ‫اآلجــال‪.‬‬
‫األيــام ‪ 21‬و‪ 22‬و ‪ 23‬مــارس ‪ 2020‬ضمــن اآلجــاالت غــر املخاطبــة‬ ‫وحيــث أن أحــد كتابــات الضبــط أرادت ترتيــب اآلثــار القانونيــة‬
‫بإيقــاف رسيانهــا حتــى ال تســقط حقــوق املتقاضــن بدعــوى عــدم‬ ‫ملضامــن البــاغ الصــادر عــن رئاســة الحكومــة بشــأن تحديــد فــرة‬
‫مبــارشة الطعــون املناســبة داخــل األجــل املناســب قانونا‪.‬‬ ‫حالــة الطــوارئ الصحيــة ومحاولــة رفــض تســجيل دعــاوى مقرونــة‬
‫إن الــدرس األســايس يكمــن يف التحــري مــن جميــع املعلومــات ذات الطبيعــة الترشيعيــة باعتــاد الجريــدة‬ ‫باآلجــال بدعــوى أن اآلجــال قــد تــم إيقــاف رسيانهــا قانونــا‪ ،‬قبــل تــدارك األمــر ومتكــن املحامــي صاحــب‬
‫الرســمية معيــارا ومنطلقــا لرسيــان القاعــدة القانونيــة وتطبيقهــا بــدل البالغــات الصحفيــة وإن كانــت صادرة‬ ‫املقــاالت مــن تســجيل ملفاتــه‪.‬‬
‫عــن جهــات رســمية ‪.‬إذ أن القــايض يحكــم بالقانــون وفــق مــا نــر بالجريــدة الرســمية‪ ،‬ال باملنشــور واملعلــن‬ ‫إن االرتبــاك الحكومــي يف التدبــر الترشيعــي قــد يطــرح نزاعــات قضائيــة مســتقبال بالنســبة لجميــع الطعــون‬
‫◆ عبد اهلل أسربي‬ ‫يف البالغــات الصحفيــة‪.‬‬ ‫القضائيــة واإلداريــة الواجــب مبارشتهــا يــوم ‪ 23‬مــارس ‪ 2020‬كآخــر أجــل تحــت طائلــة الســقوط‪.‬‬

‫تتمة‬
‫وباء جديد ‪ ..‬عصر جديد‬
‫والتطــرف‪ ،‬كــا أن افتقــاد العديــد مــن األرس لظــروف ســكنية مالمئــة‬ ‫وعــى الرغــم مــن وجــود مجموعــة مــن املقــاوالت املواطنــة ذات‬ ‫والفكــر الحــدايث واســتغاللها للديــن‪ ،‬ليــس فقــط لتحقيــق األهــداف‬
‫يجعــل الحجــر الصحــي ملئــات اآلالف مــن الشــباب واألطفــال‬ ‫الحــس الوطنــي‪ ،‬إال أن البعــض كشــف عــن جشــعه وتطلعــه إىل‬ ‫السياســية بــل مــن أجــل الســيطرة عــى املجتمــع ومناهضــة حرياتــه‬
‫كســجن حقيقــي يف بيــوت تفتقــد ألبســط مقومــات الســكن‪ ..‬مــا‬ ‫االســتفادة كــا الســابق مــن تلــك الصناديــق "أربــاب وســارسة‬ ‫وتطلعاتــه الدميقراطيــة والتحرريــة‪ ،‬هــذه التوجهــات التــي قــام‬
‫يعــري معضلــة الســكن وأزمتــه ويكشــف كيــف تــم اســتغاللها مــن‬ ‫التعليــم الخــاص"‪ ،‬مــا يتطلــب يقظــة ومواكبــة وتتبعــا مــن طــرف‬ ‫االســتعامر واالوســاط االمربياليــة والرجعيــة برعايتهــا وتوفــر كل‬
‫طــرف لوبيــات عقاريــة أنتجــت مســاكن رديئــة وتفتقــد لــروح‬ ‫املجتمــع الــذي يتوجــب عليــه يف حقيقــة األمــر أن يطالــب باســرجاع‬ ‫الظــروف النتشــارها ملواجهــة الفكــر التحــرري والتقدمــي ولتأبيــد‬
‫الحيــاة‪.‬‬ ‫االمــوال املنهوبــة ووضــع حــد الحتــكار ثــروات البــاد والقتصــاد‬ ‫التخلــف والتأخــر وتكريــس االســتبداد وهــو الوجــه األخــر للظالميــة‪،‬‬
‫إن الدولــة ملزمــة باتخــاذ تدابــر ملموســة ومتواصلــة للفئــات‬ ‫الريــع واالمتيــازات والتهــرب الرضيبــي واألجــور العاليــة‪ ،‬وأن يتــم‬ ‫لقــد وقفــت هــذه التيــارات وقفــة مشــلولة أمــام أزمــة وبــاء ال كالم‬
‫املتــررة مــن ج ـراء تداعيــات األزمــة االقتصاديــة بســبب الوبــاء‪،‬‬ ‫ســن إجــراءات رضيبيــة خاصــة عــى الــروة والــركات الكــرى‬ ‫وال حديــث فيــه ســوى للعلــم والطــب والبحــث العلمــي والفكــر‬
‫واتخــاذ إجــراءات دقيقــة وشــاملة لحاميــة الطبقــة العاملــة‬ ‫ووضــع حــد لــكل أشــكال التبذيــر التــي تنهجهــا الطبقــة الحاكمــة‪.‬‬ ‫العقــاين والحــدايث‪ ،‬مــا كشــف كذلــك عــى التأخــر والعجــز‬
‫والكادحــن‪ ..‬مبــا فيهــا تأمــن معيشــة عــدد مــن املواطنــن الذيــن‬ ‫إن اللحظــة تســتوجب إعطــاء األولويــة للقطاعــات االجتامعيــة‬ ‫والضعــف الــذي تعــاين منــه مجتمعاتنــا مــن تبعيــة متخلفــة‪ ،‬حرمــت‬
‫فقــدوا مــورد رزقهــم‪ ،‬ومــن ليــس لهــم أيــة إمكانيــة لالســتفادة‬ ‫والكــف عــن تحميلهــا مســؤولية االزمــات ويف مقدمتهــا الصحــة‬ ‫بلداننــا مــن اســتنهاض إمكانياتهــا الثقافيــة والحضاريــة واملعرفيــة‬
‫مــن تعويــض صنــدوق الضــان االجتامعــي‪ ،‬والذيــن بــدون مــأوى‬ ‫والتعليــم والســكن والشــغل ‪...‬وإذا كانــت أزمــة كورونــا قــد عــرت‬ ‫لالنخــراط يف العــر ويف معركــة التقــدم العلمــي والتكنولوجــي‬
‫وبــدون عمــل‪ ،‬ويواجهــون أوضاعــا صعبــة‪ ،‬كــا يجــب توقــع أن عدد‬ ‫أوضــاع مستشــفياتنا وإمكانياتنــا الضعيفــة يف امليــدان الصحــي عــى‬ ‫والتقنــي‪ ،‬لتظــل ضعيفــة خاضعــة لــكل اشــكال الســيطرة والخضــوع‪.‬‬
‫مــن االختــاالت قــد تحصــل يف تزويــد الســوق بحاجياتــه الغذائيــة‬ ‫جميــع املســتويات‪ ..‬فإنهــا كشــفت الحاجــة املاســة إلصــاح التعليــم‬
‫والصحيــة لعــدة أســباب كالنقــل أو اليــد العاملــة او حالــة الخــوف‬ ‫وتطويــره وتوفــر كل اإلمكانيــات لتعليــم عــري ومتطــور‪ ،‬وننــوه يف‬ ‫من أجل اجراءات وتدابري شعبية فعالة وعادلة‬
‫والهلــع التــي قــد تشــل العديــد مــن املنتجــن او العاملــن يف غيــاب‬ ‫هاتــه األيــام العصيبــة باملجهــودات املبذولــة بعــد إغــاق املــدارس‬ ‫لقــد اتخــذت الدولــة املغربيــة بعــض التدابــر االيجابيــة وبــادرت‬
‫وســائل للوقايــة الصحيــة‪ ..‬يجــب إذن مواكبــة ذلــك بإجــراءات و‬ ‫يف اطــار التعليــم عــن بعــد مــن طــرف األطــر الرتبويــة واإلداريــة‪،‬‬ ‫يف حملــة اكتتــاب مهمــة‪ ،‬تفاعلــت معهــا عــدد مــن املؤسســات‬
‫تعويضــات تحفيزيــة للعاملــن يف القطــاع الصحــي والغــذايئ والنقــل‬ ‫رغــم أنهــا تواجهــه عــددا مــن اإلكراهــات املرتبطــة بأوضــاع األرس‬ ‫والــركات والفعاليــات واألشــخاص إمــا بشــكل تلقــايئ أو توجيهــي‪،‬‬
‫والقطاعــات الحيويــة ذات املخاطــر‪ ،‬كــا أن مرحلــة حالــة الطــوارئ‬ ‫وافتقاراهــا للربــط باألنرتنيــت والوســائل التكنولوجيــة للتواصــل‬ ‫الن الظــرف دقيــق ويطــرح رضورة تحمــل الجميــع للمســؤولية‬
‫الصحيــة تســتوجب التقيــد بالقانــون واحــرام حقــوق اإلنســان‬ ‫والتعليــم عــن بعــد‪...‬‬ ‫وخصوصــا ان الكثــر اســتفاد مــن الريــع ومــن السياســات الليرباليــة‬
‫ومتابعــة ومســاءلة كل مــن ثبــت انتهاكــه لكرامــة املواطنــن أو‬ ‫إن شــبابنا يعيــش أوضاعــا قاســية ليــس فقــط بســبب البطالــة‪،‬‬ ‫املتخلفــة ومــن التســهيالت واالعفــاءات واالمتيــازات‪ ،‬بــل هنــاك مــن‬
‫اســتهدافه لحقــوق اإلنســان‪.‬‬ ‫بــل بســبب الفقــر والتهميــش ومــا ينخــره مــن أم ـراض وانحرافــات‬ ‫اســتفاد مــن املــال العمومــي بشــكل دائــم و بطــرق مختلفــة وهنــا‬
‫تحرضنــا مشــاريع املغــرب األخــر واألزرق والقطــاع العقاري‪..‬الــخ‬
‫◆ رشيد االدريسي‬ ‫تنهــش صحتــه وعقلــه كتعاطــي املخــدرات وســقوطه فرســية للضياع‬
‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ ‪ -‬العدد ‪327 :‬‬
‫‪18‬‬
‫فريوس‬
‫كورونا‬
‫مرآة‬
‫للمجتمع‬
‫املغربي‬
‫◆ عبد اهلل املستعني‬

‫‪ )cialisation sur la citoyenneté‬بالتنشــئة‬ ‫عــدة تســميات (مســرات الجهــل‪ ،‬مســرات‬ ‫الكيميــاء‪ ،‬الطــب‪ )...‬بــل هــذه القضايــا نظــرا‬ ‫عــرف العــامل وال يــزال هبــوب ريــاح فــروس‬
‫عــى ثنائيــة "الحاكم‪/‬الرعيــة" التــي تخضــع‬ ‫اإلرهــاب‪ )...‬يجرنــا إىل مالحظــة ثانيــة‪.‬‬ ‫لتشــكلها اجتامعيــا وثقافيــا يف متثــات وســلوكات‬ ‫كورونــا املســتجد (‪ )Covid-19‬مــا يســتنفر‬
‫الذهنيــات والســلوكات ألي ســلطة ماديــة أو‬ ‫لعــل التعاطــي مــع مــا حصــل خــال األســبوع‬ ‫النــاس وعــر الحقــب التاريخيــة تجعلهــا موضوعــا‬ ‫األوضــاع مبختلــف األقطــار بغايــة تجــاوز هــذه‬
‫رمزيــة‪ ،‬وهــو الــذي أفــى إىل إنتــاج حشــود‬ ‫املــايض مــن خــال مسـرات خرقــت قـرار الحجــر‬ ‫للتنــاول العلمــي يف حقــول العلــوم اإلنســانية‬ ‫األزمــة‪ ،‬ويف معــان هــذه الحركيــة نلمــس عــدم‬
‫(‪ )Foules‬باملعنــى الســيكولوجي ‪-‬بــأدق العبــارة‬ ‫الصحــي الــذي قررتــه الســلطات املختصــة‬ ‫(السوســيولوجيا‪ ،‬التاريــخ‪ ،‬األنرثوبولوجيــا‪ ،‬علــم‬ ‫انفصــال النظــر عــن العمــل وذلــك مــن خــال‬
‫عنــد ‪ -Gustave Lebon‬ال يســرها الوعــي‬ ‫مرفوقــة بصيحــات "التكبــر والتهليــل"‪ ،‬ميكــن‬ ‫النفــس‪)...‬؛ إذا عــودة بنــا ملــا ســبق نــرى بأنــه‬ ‫تناســل اآلراء واﻷحــكام واملواقــف حــول أســباب‬
‫بالحــق والواجــب كإلت ـزام أخالقــي وســيايس‪ ،‬بــل‬ ‫التوطئــة إليــه بتســاؤل بســيط‪ :‬هــل مــا حصــل‬ ‫رغــم طبيعــة الســياق الراهــن كونيــا وأبعــاده‬ ‫وامتــدادات ورهانــات انتشــار هــذا الفــروس‪،‬‬
‫الســر تبعــا لســلطة أو ســلط تتحكــم يف بنيــة‬ ‫هــو ســبب ألثــر بعــدي أم أنــه نتــاج طبيعــي‬ ‫التــي ال ت ـزال منتــرة للعلــم والعلميــة (الثــورة‬ ‫وبالوقــوف عنــد مالمــح هــذه املواقــف نســجل‬
‫املتخيــل لديهــا وتســوقها أينــا شــاءت‪ ،‬وعليــه‬ ‫لرتاكــم تاريخــي واجتامعــي ؟؛ إن هــذا الســؤال‬ ‫الرقميــة‪ ،‬البيوتكنولوجيــا‪ ،‬الــذكاء الصناعــي‪)...‬‬ ‫صفــة التبايــن بــن مضامينهــا ودالالتهــا وأطرهــا‬
‫فــا حصــل مــن أحــداث فهــو فــرز موضوعــي‬ ‫يرشعــن يف اعتقادنــا ملحاولــة رفــع أشــكال‬ ‫إال أن داخــل مجتمعنــا ال زال هنــاك اســتناد‬ ‫املرجعيــة وذلــك مــن خــال العناويــن الكــرى‬
‫لرهانــات السياســات التعليميــة ببالدنــا التــي ال‬ ‫الحجــب والتضليــل التــي انســاق خلفهــا ولألســف‬ ‫إىل مقــوالت ومصطلحــات تنهــل مــن الرأســال‬ ‫املؤطــرة لهــا (الحــرب البيولوجيــة‪ ،‬املؤامــرة‪،‬‬
‫تنفصــل عــن رهانــات الســلطة السياســية بغايــة‬ ‫بعــض "أشــباه النخــب" منترصيــن ملقولــة العنــف‬ ‫األســطوري والدينــي كبنيــة مركبــة (‪Structure‬‬ ‫العقــاب اإللهــي‪)...‬؛ مــن هــذه النقطــة تحديــدا‬
‫تطويــع األفــراد وتســييد الجهــل مــن جهــة‪،‬‬ ‫املــروع عنــد ماكــس فيــر (‪)Max Weber‬‬ ‫‪ )Composée‬لتصــر مداخــل لإلجابــة عــن نشــأة‬ ‫يــأيت رهــان هــذه املحاولــة أال وهــو العمــل‬
‫مبــا يضمــن لهــا الثبــات والحصانــة باملرشوعيــة‬ ‫وهــي تســر عــى رأســها ال قدميهــا‪ .‬يجــب القــول‬ ‫وامتــداد هــذا الفــروس (لعنــة اللــه‪ ،‬القضــاء‬ ‫عــى تبيــان بعــض األبعــاد االجتامعيــة والثقافيــة‬
‫الرمزيــة كونهــا "صاحبــة الحــل والعقــد"‪.‬‬ ‫وبــكل وضــوح أن مــا حصــل عمومــا هــو فــرز‬ ‫والقــدر‪ ،)...‬بــل وضمــن ســرورة هــذا الســياق‬ ‫النتشــار هــذا الفــروس وامتداداتهــا داخــل‬
‫طبيعــي وموضوعــي لســرورة مجتمعيــة ببنياتهــا‬ ‫التــي تعــرف تســارعا لألحــداث داخــل املختـرات‬ ‫املجتمــع املغــريب دون حــر النظــر إىل فــروس‬
‫إن مــا طــرح مــن مالحظــات وإشــارات ال تدعــي‬
‫ودينامياتهــا الســائدة‪ ،‬لكــن األدق يســعفنا يف‬ ‫واملعاهــد بغايــة إيجــاد اللقــاح والــدواء املضــاد‬ ‫كورونــا يف أبعــاده الطبيــة والبيولوجيــة‪.‬‬
‫لنفســها صفــة اإلجابــة املطلقــة بقــدر مــا أنهــا‬
‫اســتحضار مقطــع مــن نــص ملــؤرخ الفلســفة‬ ‫للفــروس‪ ،‬تختــزل عــدة فئــات اســتنادا إىل ســيادة‬
‫عنــارص منتقــاة مــن حركيــات الواقــع امللمــوس‬ ‫إن أوىل املالحظــات التــي ال بــأس مــن الوقــوف‬
‫‪ André Cresson‬إذ قــال ‪( :‬كل مجتمــع مــن‬ ‫هــذا الرأســال عــى بنيــة املتخيــل الجمعــي حــل‬
‫والتــي تراهــن عــى تســليط الضــوء حــول‬ ‫عندهــا وتتصــل بنوعيــة ومضامــن األطــر‬
‫مصلحتــه أن يقنــع أف ـراده‪ ،‬منــذ الطفولــة‪ ،‬بــأن‬ ‫هــذه املعضلــة يف بعــض املامرســات الطقوســية‬
‫األبعــاد واملالمــح االجتامعيــة والثقافيــة املســاوقة‬ ‫املرجعيــة التــي تســتند إليهــا فئــات عديــدة مــن‬
‫عليهــم واجبــات احــرام وتعــاون مطلقــة إزاء‬ ‫(إطــاق البخــور يف الشــوارع‪ ،‬صيحــات التكبــر‬
‫لتفــي فــروس كورونــا املســتجد داخــل املجتمــع‬ ‫املجتمــع املغــريب يف النظــر إىل قضايــا الصحــة‬
‫اآلخريــن‪ ،‬وأن هــؤالء اآلخريــن لهــم حقــوق‬ ‫والتهليــل‪ )...‬وهــو مــا أفــى إىل وقــوع بعــض‬
‫املغــريب‪ ،‬يحيلنــا كوجهــة نظــر تتأرجــح بــن جــادة‬ ‫واملــرض‪ ،‬وهنــا نســجل للتوضيــح أن التنــاول‬
‫مقابلــة‪ ).‬؛ إن هــدم الرهانــات الرتبويــة والنقديــة‬ ‫املنزلقــات خــال الفــرة املاضيــة ببعــض املــدن‬
‫الصــواب وممكنــات الخطــأ نحــو طــرح نقطتــن‬ ‫العلمــي لقضايــا الصحــة واملــرض ال ينحــر يف‬
‫للمدرســة بوصفهــا مؤسســة اجتامعيــة وذلــك‬ ‫املغربيــة واضعــة البــاد عــى حافــة التهديــد‬
‫تتصــان بســؤال مهــام مــا بعــد األزمــة‪:‬‬ ‫حقــول العلــوم الطبيعيــة فحســب (البيولوجيــا‪،‬‬
‫مـ�ن خـلال تعويـ�ض التنشـ�ئة عـلى املواطنـ�ة( (�‪So‬‬ ‫الحقيقــي‪ ،‬ولعــل هــذا الحــدث الــذي اتخــذ‬

‫‪ - 2‬الدفاع عن مكانة املدرسة ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬راهنية التثقيف الجماهريي ‪:‬‬


‫إن بعــض األحــداث التــي ســاوقت وال زالــت تســاير تفــي فــروس كورونــا املســتجد ببالدنــا‬
‫(خــرق الحجــر الصحــي مثــا) تعكــس بــأن معركــة الحــد مــن الجهــل يف أفــق القضــاء عليــه‬ ‫إن مــن الحقــول التــي أهملهــا اليســار املغــريب وتعبرياتــه املجتمعيــة والتــي لهــا راهنيتهــا وهــي‬
‫هــي أكــر بكثــر مــن معركــة التصــدي لفــروس معــن‪ ،‬إذ ان جملــة مــن التمثــات والســلوكات‬ ‫"حقــل التثقيــف الجامهــري"‪ ،‬ولعــل هــذا الحقــل الــذي يتصــل بأشــكال النقــاش والتأطــر‬
‫تطــرح التســاؤل حــول حــدود وعــي املغاربــة مبقــوالت أساســية لتشــكل االجتــاع البــري‬ ‫النظــري والفكــري بآلياتــه املتنوعــة (املحــارضات‪ ،‬املحتويــات الرقميــة‪ ،‬الفــن‪ )...‬وذلــك داخــل‬
‫الحديــث والراهــن (الدولــة‪ ،‬القانــون‪ ،‬الحــق والواجــب‪ ،)...‬ولعــل الحــد مــن هــذا الجهــل يطــرح‬ ‫الجامهــر ومجاالتهــا (األحيــاء‪ ،‬الدواويــر‪ ،‬املصانــع‪ ،‬دور الشــباب‪ ،)...‬إذ مــن خــال إحــداث‬
‫راهنيــة الرتافــع والدفــاع عــن مكانــة املدرســة العموميــة لكونهــا املؤسســة األساســية ‪-‬إىل جانــب‬ ‫تراكــم كمــي واالنضبــاط يف هــذه املهمــة وتقييمهــا ســلبا وإيجابيــا سيســهم ال محالــة يف خلخلــة‬
‫باقــي املؤسســات والفاعلــن ضمــن تكامــل وظيفــي‪ -‬املخــول لهــا عــر عمليــة الرتبيــة والتكويــن‬ ‫مــا ترســب لــدى أذهــان الجامهــر مــن جهــل وتســطيح‪ ،‬للنظــر مــن جهــة واإلســهام يف تشــكل‬
‫والتنشــئة عــى النقــد والتفكــر العقــاين أن تســهم يف بنــاء "مجتمــع املواطنــة" الــذي هــو رشط‬ ‫بوصلــة نظريــة لديهــا تؤطرهــا ضمنيــا يف كتلــة منظمــة تســاعدها عــى تحليــل واقعهــا واإلجابــة‬
‫مــازم ألي انتقــال دميقراطــي يراهــن عــى القطــع مــع "ســلطة االســتبداد" و"مجتمــع الرعايــا"‪.‬‬ ‫عــى تعقيداتــه عمليــا وتنظيــم صفوفهــا خصوصــا يف مثــل هــذه األزمــات‪.‬‬
‫‪19‬‬ ‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ ‪ -‬العدد ‪327 :‬‬

‫طريق التنوير‬ ‫فكر وآراء‬


‫كـــــــــورونـــــــــا‬
‫بي�ن التدين العاقل‬ ‫صناعة الخوف‬
‫يســتوجب الحديــث عــن الخــوف التمييــز بــن‬ ‫◆ ذ‪ .‬رشيد العلوي‬
‫والتدين الجاهل‬ ‫مســتويات عــدة مــن التحليــل‪ :‬فالخــوف كظاهــرة‬
‫بشــرية تفــرض النظــر إليهــا مــن جهــة التحليــل‬
‫الفينومينولوجــي‪ ،‬باعتبــاره وضعيــة مركبــة يتداخــل‬
‫فيهــا مــا هــو اجتماعــي‪ ،‬تاريخــي‪ ،‬ثقــايف‪ ،‬نفســي‪،‬‬
‫◆ محسن ودواري‬
‫إن مــا نعيشــه اليــوم مــن نكــوص عــى‬ ‫سياســي‪..،‬‬
‫املســتوى الفعــل الدينــي (التديــن وليــس‬ ‫املســتوى األول‪ :‬يعتــر الخــوف آليــة للضبــط وللخضــوع‬
‫الديــن)‪ ،‬الــذي أصبــح معرقــا للنهــوض بنــا‬ ‫للســلطة االجتامعيــة التــي تفرزهــا العالقــات بــن النــاس‪ .‬وتعتــر‬
‫كمجتمعــات تعــاين مــن التخلــف والهزميــة‬ ‫الســلطة األخالقيــة أهــم الضوابــط التــي تكــرس الخــوف وتزرعــه‬
‫يف األف ـراد مــن خــال مجمــل العالقــات املحيطــة بهــم‪ ،‬حيــث‬
‫واالنفعــال‪ ،‬توضــح أن الفــرد يف املجتمــع‬
‫تتحــول الســلطة مــن الرمــزي إىل املــادي امللمــوس‪ ،‬وتتخــذ‬
‫صــار ارتكاســيا ينــزع أكــر إىل الحفــاظ عــى‬ ‫أشــكاال ثقافيــة وسياســية فاقعــة‪ .‬فنمــط الســلطة األبويــة التــي‬
‫األوضــاع املتخلفــة والفقــرة يف مجتمعنــا‪،‬‬ ‫يكرســها نظــام الحكــم (نظــام الزعيــم‪ ،‬ورمــز األمــة‪ ،‬وحامــي‬
‫بــدال مــن التحــرر منهــا واالتجــاه نحــو‬ ‫امللــة والوطــن…)‪ ،‬يعمــل عــى إشــاعة نظــام الطاعــة والخضــوع‬
‫إنتــاج ســلوك دينــي ينســجم مــع املواطنــة‬ ‫لســلطة األب (رجــل الســلطة‪ ،‬املعلــم‪ ،‬رب العمــل‪ ،‬رب البيــت…) وكل تلــك األشــكال املتنوعــة لهــذا النظــام‬
‫يف املجتمــع‪ ،‬وهــذا األمــر لــن يتــأىت إال مــن‬ ‫تتجــه صــوب إخضــاع األفـراد لســلطة خارجيــة ال تنتعــش إال إذا اقرتنــت بالقــوة والعنــف كأداة لــزرع الخــوف‬
‫وتكريســه‪ .‬وال يــكاد الفــرد يســتطيع االنفــات مــن قبضــة أي مــن هــذه الضوابــط االجتامعيــة إال بنــزع الخــوف‪.‬‬
‫خــال إبــراز الجانــب العقــاين واألخالقــي‬ ‫هكــذا يصبــح التمــرد بنوعيــه الســلبي واإليجــايب أول متظهــر لالنفــات مــن تلــك القبضــة‪ ،‬وعــادة مــا يقــرن‬
‫للديــن‪ ،‬وبالتــايل التخــي عــن كل التصــورات‬ ‫هــذا التمظهــر مبرحلــة حاســمة يف حيــاة الفــرد‪ ،‬أي مرحلــة إب ـراز الــذات واإلحســاس بالحاجــة إىل الفعــل ورد‬
‫واألفعــال الغــر العقالنيــة يف الديــن‪ .‬وهــذا‬ ‫الفعــل إلثبــات الوجــود‪.‬‬
‫العمــل يتطلــب جهــدا كبــرا عــر مســرة شــاقة مــن الكفــاح ضــد كل أشــكال الظالميــة والرجعية‬
‫املســتوى الثانــي‪ :‬ال ميكــن فهــم ظاهــرة الخــوف إال إذا اقرتنــت بوصــف لطبيعــة الثقافــة الســائدة‪ ،‬باعتبــار‬
‫يف املجتمــع‪ ،‬خصوصــا ضــد مــن يدعــون برجــال الديــن الذيــن يلعبــون بوتــر العاطفــة لــي‬ ‫الثقافــة أهــم رافــد مــن روافــد الضبــط االجتامعــي‪ .‬فالثقافــة أيــا كان نوعهــا تعمــل عــى هيمنــة منــط معــن‬
‫يجيشــوا النــاس ضــد كل أشــكال التنويــر والحريــة وبالتــايل يعملــون عــى تدمــر اإلنســان‪.‬‬ ‫مــن التفكــر‪ ،‬وتحمــل بشــكل ضمنــي أو رصيــح أحيانــا تصــورا للعــامل ولآلخريــن‪.‬‬
‫إذا انطلقنــا مــن الفكــرة االعتزاليــة القائلــة بالقبــح والحســن العقليــن‪ ،‬إذ أن الحــرام هــو‬
‫إن الحاجــة إىل التعايــش مــع الغــر‪ ،‬وإىل إثبــات الــذات أمــام العــامل تعــزز هيمنــة الثقافــة يف كل مســتويات‬
‫حـرام باملنطــق والعقــل والحــال كذلــك‪ ،‬ســيتبني لنــا أن الـــتأويالت والتفســرات التــي يضعهــا‬ ‫متظهرهــا‪ :‬اللغــة‪ ،‬الفكــر‪ ،‬التقاليــد والعــادات‪ ،‬الديــن‪ ،‬األســطورة‪ ..‬بحيــث تتيــح للفــرد حصانــة للــذات أمــام‬
‫رجــال الديــن يف تحريــم الفعــل أو تحليلــه‪ ،‬هــي تأويــات قــد تكــون مبتــورة مــن موضعهــا‬ ‫الغــر والعــامل‪.‬‬
‫وســياقها‪ ،‬وتختلــف مــع الغــرض واملقصــد األســايس للديــن‪ ،‬بــل ويلجــؤون يف أحايــن كثــرة‬
‫فليســت الثقافــة الســائدة وحدهــا مــا يتيــح آليــات الضبــط االجتامعــي‪ ،‬فالثقافــات األخــرى املكونــة لهــذه‬
‫إىل اللعــب باأللفــاظ والكلــات‪ ،‬وإعطائهــا معــاين ليســت معانيهــا‪ ،‬وذلــك مــن أجــل قضــاء‬ ‫الوحــدة االجتامعيــة املزعومــة التــي تتجســد يف الثقافــة الســائدة‪ ،‬لهــا نصيبهــا أيضــا‪ .‬ففــي كل مجتمــع نجــد‬
‫مصالــح شــخصية وتحقيــق إرادات ذاتيــة‪ ،‬يســتغلون فيهــا عامــة النــاس‪ ،‬خصوصــا أنهــا تكــون‬ ‫أنواعــا مختلفــة مــن الثقافــات تتداخــل بهــذا القــدر أو ذاك وتتعايــش وتتصــارع يف اآلن ذاتــه‪ .‬إال أن ميكانيــزم‬
‫مبنيــة عــى العاطفــة واالنفعــال يف الخطابــة والتواصــل‪ ،‬واالنطــاق مــن الحــس املشــرك ألنــه‬ ‫التمــدن والتطــور الحضــاري‪ ،‬ومــا يفرضــه االرتقــاء االجتامعــي مــن قيــود يجعلنــا نتحــدث عــن الثقافــة األم (أي‬
‫هــو املجــال الــذي يتــم اللعــب فيــه بــكل أريحيــة‪ ،‬لكــن األصــل يف ذلــك هــو خدمــة املصلحــة‬ ‫ذلــك النمــط الثقــايف األول الــذي يكــر الفــرد يف حضنــه)‪ ،‬فنفــرق بــن الثقافــة التــي يتــم اختيارهــا عــن قناعــة‬
‫التــي تحركهــا اإلرادة ســواء بشــكل واعــي أو غــر واعــي‪ ،‬وهــذا مــا يؤكــده عــي بــن أيب‬ ‫ويجســدها الفــرد بــكل وعــي‪ ،‬والثقافــة الســائدة التــي قــد تكــون إمــا خليطــا بــن أمنــاط ثقافيــة متعــددة‪ ،‬أو‬
‫طالــب الــذي قــال أن " القــرآن حــال أوجــه" وقــال أيضــا ‪" :‬القــرآن بــن دفتــي املصحــف ال‬ ‫منطــا واحــدا ينســجم وطبيعــة الســلطة السياســية‪.‬‬
‫ينطــق وإمنــا يتكلــم بــه الرجــال"‪ ،‬وقــد يقــول قائــل أن هنــاك تعاليــم إلهيــة ال ميكــن إدراكهــا‬ ‫يكفــي االعـراف إذن بالطابــع الثقــايف للخــوف‪ .‬اعـراف مــن شــأنه أن يــرز لنــا االختالفــات القامئــة بــن األفـراد‬
‫بالعقــل‪ ،‬ألنهــا تتجــاوز القــدرة اإلنســانية يف التحليــل والفهــم‪ ،‬نقــول لــه إن يف هــذا القــول‬ ‫والجامعــات يف مواجهتهــم للخــوف‪.‬‬
‫انتقاصــا مــن قــدرة اللــه التــي ال ميكنهــا أن تكــون مخالفــة لقوانــن الطبيعــة‪ ،‬ألنــه ال ميكــن‬ ‫املســتوى الثالــث‪ :‬يشــكل الخــوف ظاهــرة نفســية بامتيــاز يصعــب اإلملــام مبســتوياته جميعهــا‪ .‬وهكــذا‬
‫تأكيــد وجــود اللــه بخــرق قوانــن الطبيعــة‪ ،‬بــل يؤكــد وجــود اللــه بانســجام قوانــن الطبيعــة‬ ‫ينتــر أصحــاب التحليــل النفــي للنزعــة الفردانيــة‪ ،‬ويصبــح الخــوف أم ـرا فرديــا محضــا‪ .‬ويف نفــس الوقــت‬
‫مــع اللــه وصفاتــه‪ ،‬وأن اإلنســان باعتبــاره كائنــا محــدودا لــه القابليــة واالســتعداد لفهــم هــذه‬ ‫ينتــر التحليــل النفــي االجتامعــي ألطروحــة الخــوف االجتامعــي الــذي يســتبطنه األف ـراد يف تنشــئتهم عــن‬
‫القوانــن باســتمرار‪.‬‬ ‫وعــي أو غــر وعــي‪.‬‬
‫إن الــراع اليــوم يف مجتمعنــا هــو رصاع بــن جنــاح التنويــر وجنــاح التخلــف‪ ،‬ولعــل مــا‬ ‫املســتوى الرابــع‪ :‬يرتبــط الخــوف بنمــط الســلطة السياســية الســائدة‪ ،‬فــإذا كانــت الســلطة مبختلــف أنواعها‬
‫نعيشــه اليــوم أمــام جائحــة فــروس كورونــا‪ ،‬يوضــح بجــاء كيــف أن جنــاح التخلــف والخرافــة‬ ‫(السياســية‪ ،‬الدينيــة‪ ،‬األخالقيــة‪ ،‬الثقافيــة‪ ،‬االجتامعيــة…) نابعــة مــن الحاجــة إىل الحفــاظ عــى مصالــح األفـراد‬
‫يصــارع مبــا أويت مــن قــوة للحفــاظ عــى ذاتــه‪ ،‬ولــو اضطرهــم األمــر إىل أن يخالفــوا قوانــن‬ ‫والجامعــات معــا‪ ،‬فــإن تطورهــا التاريخــي باملــوازاة مــع تطــور املجتمعــات ســيفرز أمناطــا متعــددة مــن آليــات‬
‫الدولــة‪ ،‬كــا فعــل املســمى أبــو النعيــم حينــا قــال بــأن إغــاق الدولــة للمســاجد هــو‬ ‫الضبــط‪ ،‬وســتتطور إىل حــد ال يطــاق‪ ،‬ففــي كل تفاصيــل وجــود الفــرد والجامعــة معــا تجــد الســلطة حــارضة‬
‫بقــوة‪ ،‬تفــرض نفســها كآليــات رقابــة ال حــدود لهــا‪ .‬وكلــا تطــورت الوســائل التكنولوجيــة كلــا تعــززت الرقابــة‬
‫ردة عــن اإلســام‪ ،‬وكــا فعــل املســمى النهــاري الــذي قــال بــأن هــذا الفــروس هــو ألعوبــة‬ ‫وتوســع معنــى الســلطة‪ ،‬عــى الرغــم مــن أن بــوادر التحــرر مــن الرقابــة تولدهــا تلــك اآلليــات ذاتهــا‪ ،‬ومــا‬
‫(خدعــة) ملحاربــة اإلســام‪ ،‬وهنــاك مــن دعــى النــاس إىل التكبــر والتهليــل عــر النوافــذ‪ ،‬ردا‬ ‫الهوامــش املتاحــة لألفـراد يف املجتمعــات املعــارصة إال طريقــا نحــو التحــرر‪.‬‬
‫عــى مــن كانــوا ينشــدون ويغنــون‪ ،‬عــى اعتبــار أن هــذا الفــروس هــو بــاء مــن اللــه بســبب‬
‫هكــذا يصبــح الخــوف يف املجتمعــات املعــارصة صناعــة‪ ،‬فإخضــاع مؤسســات التنشــئة االجتامعيــة للضوابــط‬
‫الفســاد والرذيلــة التــي تــروج يف املجتمــع‪ ،‬وبأننــا ملزمــون بــأن نعــود للــه ونتــوب إليــه‪ ،‬ويف‬ ‫القانونيــة واألخالقيــة والدينيــة والسياســية يعــزز أكــر صناعــة الخــوف‪ .‬إال أن مــا يثــر االنتبــاه حقــا يف هــذا‬
‫ذلــك رضبــا لقوانــن العلــم‪ ،‬وانتقاصــا مــن قــدرة اللــه‪ .‬ولــو افرتضنــا أن الــرور مصدرهــا اللــه‪،‬‬ ‫الــزواج بــن الخــوف والســلطة هــو مســألة العنــف‪ ،‬فالعنــف ركيــزة مطلقــة لــزرع الخــوف وتنميــة نزوعــات‬
‫ســينتقص يف قــدرة اللــه أوال‪ ،‬وثانيــا أنــه ســيكون ظلــا يف حــق مــن مل يرتكبــوا أي جــرم يف‬ ‫الخــوف حتــى لــدى املتحرريــن مــن أيــة ســلطة خارجيــة‪.‬‬
‫هــذه الدنيــا‪ ،‬وهــذا األمــر لــن يصــدر عــن اللــه‪ ،‬بــل عــن اإلنســان الــذي لــه القابليــة لفعــل‬
‫إن متظهــر العنــف املــادي واملعنــوي معــا يف مجتمعــات اليــوم‪ ،‬وتطــوره عــى نحــو غــر منظــور يرتافــق بشــكل‬
‫الخــر والــر‪ ،‬أي أن لــه الحريــة يف أن يقــوم بالفعــل أو ميتنــع عنــه‪ ،‬وعــى غ ـراره يحاســب‪.‬‬ ‫مبــارش باملصالــح املاديــة للطبقــات الحاكمــة‪ .‬فــزرع الخــوف يتيــح مــن جهــة التحكــم املطلــق يف األفــراد‬
‫إن النكــوص والتخلــف الــذي نعيشــه يف مجتمعنــا‪ ،‬راجــع باألســاس إىل ســيادة تأويــل دينــي‬ ‫والجامعــات معــا عــر توجيــه أمانيهــم وطموحاتهــم ورســم حــدود لوجودهــم‪ ،‬ويضمــن مــن جهــة أخــرى‬
‫يكــرس لتديــن يســاهم يف التخلــف والخرافــة‪ ،‬وهــو مــا يعطينــا متدينــا جاهــا‪ ،‬يقــوم بأفعــال‬ ‫اســتمرار نفــس عالقــات اإلنتــاج الســائدة‪ ،‬أي إدامــة املصالــح السياســية واالقتصاديــة للمســتبدين‪.‬‬
‫تتناقــض مــع مواطنتــه يف املجتمــع‪ ،‬يف حــن أن القيــم الحقيقيــة يف الديــن أن تدعــو إىل‬ ‫ويف املجتمعــات العربيــة حيــث منــط الســلطة السياســية اســتبدادي مطلــق يتخــذ رشعيتــه مــن الســلطة الدينيــة‬
‫الفضائــل واألخــاق‪ ،‬هــذه األخــاق إذا فُهمــت عــى أســاس أن اللــه أودع يف اإلنســان الحريــة‬ ‫أو العســكرية أو االقتصاديــة يتــم زرع الخــوف وتكريســه وكأنــه أمــر ال مفــر منــه أو “قــدر” منــزل عــى‬
‫واملســؤولية‪ ،‬فالخالصــة أن مواطنتــه ال تتناقــض مــع تدينــه‪ ،‬وســيعترب أن واجبــه الدينــي‬ ‫“الشــعوب املســتضعفة”‪ .‬وميــارس االســتبداد قمعــه وعنفــه بــكل الوســائل املتاحــة‪ ،‬وكــم نحــن بحاجــة اليــوم إىل‬
‫يجعلــه جــزءا مــن مجتمعــه‪ ،‬وأن مصالــح املجتمــع هــي مصلحتــه األوىل‪.‬‬ ‫تحــرر العقــول أوال مــن االســتبداد‪ ،‬فاملواطنــة كســلوك تصبــح حلــا طوباويــا يف مجتمعــات منغلقة واســتبدادية‪.‬‬
‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ ‪ -‬العدد ‪327 :‬‬
‫‪20‬‬
‫الطاعون و املخزن‪ ..‬مختصر تاريخ املغرب‬ ‫دراسة‬
‫◆ يوسف رزين‬

‫مــن ســان إىل عجــاف‪ ،‬تعمــد آنــذاك الدولــة‬


‫إىل فتــح مخازنهــا‪ ،‬و توزيــع الحبــوب و املــواد‬
‫الغذائيــة عــى الســكان باملجــان أو بأمثــان‬
‫عاديــة تكــون يف متنــاول النــاس‪ .‬و بذلــك يعــر‬
‫املغاربــة أزمــة الجفــاف بســام‪ .‬لكــن هــذه‬
‫الخطــة الذكيــة و الفعالــة مــن لــدن العقــل‬
‫الســيايس املغــريب كان يتهددهــا مشــكل بنيــوي‬
‫عــاىن منــه نظامنــا الســيايس دون أن يجــد لــه‬
‫حــا‪ ،‬فــا هــو إذن ؟‬
‫للتعاطــي مــع الســؤال‪ ،‬نذكــر القــارئ أن هرمية‬
‫املجتمــع املغــريب الوســيطي توزعت كالتــايل‪ :‬يف‬ ‫األخريتــن (الجفــاف والفيضــان) تتــرر‬ ‫بــأي بلــد‪ :‬الســبب األول وهــو العــدوى املنقولة‬ ‫يندهــش الباحــث حينمــا يجــد أن‬
‫األعــى كان يوجــد امللــك (خليفــة أو ســلطان)‪،‬‬ ‫املزروعــات ويصبــح املجتمــع املغــريب عرضــة‬ ‫مــن الخــارج كــا هــو حــادث اآلن مــع فــروس‬ ‫املغــرب عانــى طــوال تاريخــه مــن‬
‫وأســفله كان يوجــد األشــياخ (اإلقطاعيــون)‪،‬‬ ‫للمجاعــة‪.‬‬ ‫كورونــا الــذي أصــاب العــامل بــأرسه‪ .‬و الســبب‬ ‫الطاعــون واألوبئــة عمومــا‪ ،‬ويندهــش‬
‫ثــم يف أســفل الهــرم يقبــع التجــار و الحرفيــون‬ ‫إشــكالية ثانيــة تطــرح‪ ،‬هــل وقــف اإلنســان‬ ‫الثــاين و هــو األهــم‪ ،‬أي ظهــور الطاعــون‬ ‫أكثــر حينمــا يكتشــف أنــه كان يحــل‬
‫والفقهــاء و الفالحــون و باقــي عامــة الشــعب‪.‬‬ ‫املغــريب مكتــوف األيــدي أمــام هــذا التحــدي‬ ‫يف البلــد ألســباب محليــة ممثلــة يف تعفــن‬ ‫ضيفــا ثقيــا علــى املغاربــة بــردد‬
‫ســبق و قلنــا أن سياســة النظــام املخــزين‬ ‫الطبيعــي أم أنــه اســتجاب لــه اســتجابة مالمئة؟‬ ‫الهــواء‪ ،‬الناجــم عــن تراكــم الجثــث البرشيــة‬ ‫قصــر األمــد‪ ،‬أي أنــه كان يحــل باملغرب‬
‫الجــواب هــو أن املغــريب أمــام تك ـرار حــاالت‬ ‫و الحيوانيــة‪ ،‬مــا يــؤدي إىل انتشــار الجراثيــم‬ ‫بمعــدل ثــاث مــرات تقريبــا أو أكثــر‬
‫املوحــدي قامــت عــى خــزن حبــوب الســنوات‬
‫الجفــاف والفيضــان و وقوفــه أعــزال أمــام‬ ‫و الفريوســات يف الهــواء و تحولهــا إىل طاعــون‬ ‫كل قــرن‪ .‬بمعنــى أن املغاربــة لــم‬
‫الســان الســتهالكها يف الســنوات العجــاف‪.‬‬
‫خطــر املجاعــة‪ ،‬تفتــق ذهنــه عــى فكــرة خــزن‬ ‫ينتقــل بــن األف ـراد بالعــدوى‪ .‬وهــذا الســبب‬ ‫يهنــأوا طــوال تاريخهــم املمتــد و كانــوا‬
‫لكــن نجــاح هــذه السياســة الرشــيدة تطلــب‬
‫املزروعــات يف الســنوات الســان لالقتيــات‬ ‫الثــاين للطاعــون‪ ،‬هــو الــذي كان يتســبب بكرثة‬ ‫باســتمرار علــى موعــد مــع هــذا الزائــر‬
‫أم ـرا أساســيا و هــو انصيــاع األشــياخ لســلطة‬
‫منهــا يف الســنوات العجــاف‪ ،‬ابتــداء مــن عهــد‬ ‫يف ظهــوره باملغــرب‪ ،‬فكيــف ذلــك؟‬ ‫املميــت‪.‬‬
‫امللــك و عــدم مقاومتهــا‪ .‬و هــو مــا مل يحــدث‬ ‫و هنــا يطــرح الســؤال التالــي ‪ :‬هــل‬
‫طــوال تاريخنــا الوســيط والحديــث و املعــارص‪.‬‬ ‫الدولــة املوحديــة التــي حمــل نظامهــا لقــب‬ ‫دعونــا نســتعرض الواقــع الجغــرايف للمغــرب‪.‬‬
‫"املخــزن" الــذي مازلنــا نســتعمله لحــد اآلن‬ ‫ذلــك أن إشــكالية الطاعــون ببلدنــا هــي‬ ‫حقــا كان هــذا قــدر املغاربــة أم أنهــم‬
‫إن نجــاح سياســة امللــك املخــزين كان يقتــي‬ ‫كانــوا يســتطيعون تجنبــه والوقايــة منه‬
‫تحجيــم ســلطة األشــياخ اإلقطاعيــة و منــع‬ ‫دون وعــي منــا بأصولــه التاريخيــة‪.‬‬ ‫يف الواقــع إشــكالية مســتطرقة و مرتبطــة‬
‫فاملخــزن إذن هــو ذلــك النظــام الســيايس‬ ‫ارتباطــا عضويــا مبناخــه و طبيعتــه املتقلبــة‪.‬‬ ‫؟ مــا الــذي جعــل األمــة املغربيــة عاجــزة‬
‫اســتبدادهم عــى عامــة الشــعب‪ ،‬وكانــت هذه‬ ‫عــن تجنــب هــذا القاتــل املبيــد ؟ و مــا‬
‫السياســة املخزنيــة الرشــيدة تقتــي ســلطة‬ ‫الــذي أبدعــه املغاربــة‪ ،‬ملواجهــة خطــر املجاعــة‬ ‫فكيــف ذلــك؟ يتميــز املغــرب مبنــاخ متطــرف‬
‫األســباب الكامنــة وراء تجــدد حلــول‬
‫ملكيــة مركزيــة يضمحــل أمامهــا األشــياخ‬ ‫املرتتــب عــن تقلبــات املنــاخ املتطــرف الــذي‬ ‫(حســب وصــف الجغرافيــن)‪ ،‬فهــو غــر‬
‫الطاعــون باملغــرب بشــكل دوري حتــى‬
‫اإلقطاعيــون و يصبحــون مجــرد موظفــن‬ ‫مييــز بالدنــا‪ .‬لقــد قامــت سياســة الدولــة‬ ‫منتظــم التســاقطات املطريــة‪ .‬فتــارة تســقط‬
‫زمــن قريــب نســبيا (فــرة الحمايــة)؟‬
‫عنــده‪ .‬و هــو مــا مل يحــدث‪ .‬فقــد كان تاريخنــا‬ ‫املوحديــة بإنشــاء عــدد مــن املخــازن الضخمــة‪،‬‬ ‫األمطــار بكميــات معتدلــة تكــون مالمئــة‬
‫الوســيط تاريــخ تجــاذب و اســتقطاب بــن‬ ‫التــي كانــت تضــع فيهــا جباياتهــا العينيــة مــن‬ ‫للنشــاط الفالحــي‪ ،‬و تــارة ينحبــس املطــر‬
‫لإلجابــة عــن هاتــه األســئلة فإننــا قبــل ذلــك‬
‫ســلطة امللــك و ســلطة األشــياخ‪ ،‬الذيــن عملــوا‬ ‫الحبــوب واألغذيــة اســتعدادا منهــا لفــرات‬ ‫ويحــل الجفــاف‪ ،‬وتــارة تهطــل األمطــار بشــدة‬
‫ســنميز بــن ســببني أساســيني لظهــور الطاعــون‬
‫الجفــاف‪ ،‬حيــث انــه حينــا تنقلــب الســنوات‬ ‫فتتســبب يف الفيضانــات‪ .‬و يف كلتــا الحالتــن‬
‫‪21‬‬ ‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ ‪ -‬العدد ‪327 :‬‬

‫الطاعون و املخزن‪ ..‬مختصر تاريخ املغرب‬ ‫دراسة‬


‫◆ يوسف رزين‬

‫لكــن يف الضفــة الجنوبيــة للمتوســط ظــل‬ ‫لظهــور الطاعــون باملغــرب‪ .‬و كأن املغاربــة‬ ‫ابــن هيــدور يــرح بوضــوح أســباب ظهــور‬ ‫باســتمرار عــى إربــاك سياســة امللــك و تدمــر‬
‫املغــرب أســر عطبــه املزمــن‪ .‬لقــد كان عليه أن‬ ‫كتــب عليهــم أن يكونــوا و الطاعــون جريانــا !‪.‬‬ ‫الطاعــون باملغرب قائــا ‪ " :‬إذا ظهــرت الخوارج‬ ‫دولتــه املخزنيــة‪ ،‬حتــى يترصفــوا بــكل حريــة‬
‫يواجــه خطــر الطاعــون بصــدر عــار‪ ،‬و بــردود‬ ‫لقــد كانــت دورة جهنميــة عجــز املغــرب عــن‬ ‫(الثــوار) و اشــتدت الفتنــة فحــق ظهــور الغــاء‬ ‫يف البــاد و العبــاد‪ ،‬و يجعلــوا املجتمــع تحــت‬
‫أفعــال يطبعهــا الــردد و الــا حســم‪ .‬فكلــا‬ ‫الخــروج منهــا‪ .‬فكلــا قامــت دولــة مركزيــة‬ ‫ألنــه الزم لهــا و ناشــئ عنهــا و إذا كان الغــاء‬ ‫رحمتهــم‪ .‬فكيــف اســتطاعوا إذن تخريــب‬
‫حــل باملغــرب انقســم الفقهــاء إىل داعــن واىل‬ ‫ســواء كانــت موحديــة أو مرينيــة أو ســعدية أو‬ ‫واشــتدت أســبابه لــزم عنــه الوبــاء" ثــم يضيف‬ ‫ســلطة امللــك ؟‬
‫الحجــر الصحــي و معارضــن لــه‪ .‬يف حــن كان‬ ‫علويــة‪ ،‬إال و تكلــف اإلقطــاع بتحطيمهــا و ترك‬ ‫" كــا أن الغــاء لحدوثــه ســببان إمــا احتبــاس‬ ‫ببســاطة كان األشــياخ ينتظــرون حلــول فــرة‬
‫الطاعــون ال يأبــه مبعــارك الفقهــاء الحجاجيــة‪،‬‬ ‫املغاربــة يواجهــون الوبــاء بصــدر أعــزل‪.‬‬ ‫املطــر يف البــاد املحتاجــة إليــه و إمــا لظهــور‬ ‫الجفــاف‪ ،‬ثــم يقومــون بنهــب املخــازن فتنهــار‬
‫و يســتمر يف حصــد أرواح املغاربــة دون رحمة‪.‬‬ ‫يف املقابــل‪ ،‬يف الضفــة األخــرى مــن املتوســط‪،‬‬ ‫الفــن والحــروب بســبب خــروج الخــوارج عــى‬ ‫الدولــة و معهــا ســلطة امللــك‪ ،‬و يصبحــون‬
‫لقــد كنــا أمــة ال تاريخيــة‪ ،‬أمــة ال تتعــظ مــن‬ ‫نجــد أوربــا قد نجحــت منــذ القــرن الرابع عرش‬ ‫امللــوك فــإذا دامــت الفتنــة وقــع الفســاد يف‬ ‫مطلقــي اليــد يف البــاد و العبــاد‪ ،‬و يصــر‬
‫دروس املــايض و ال تســتفيد منــه‪ .‬لذلــك حــق‬ ‫يف إحــداث قطيعــة مــع الطاعــون و مســبباته‪.‬‬ ‫الحــوارض والبــوادي و فســدت حبوبهــا املختزنة‬ ‫املجتمــع املغــريب تحــت رحمتهــم و مشــيئة‬
‫علينــا أن ندفــع الثمــن كل مــرة‪ .‬و هنــا يطــرح‬ ‫فبعــد أن مــرت مبحنــة الطاعــون األســود الــذي‬ ‫و انقطعــت الطــرق و عدمــت املرافــق ألجــل‬ ‫إرادتهــم‪ .‬و هــو مــا حصــل للدولــة املوحديــة‬
‫الســؤال‪ :‬هــل ميكــن نحــن مغاربــة القــرن ‪21‬‬ ‫امتــد مــن ســنة ‪ 1348‬إىل ‪ ،1350‬فــإن عمــوم‬ ‫ذلــك و هــذا الوبــاء الزم مــن لــوازم الغــاء‬ ‫يف عهــد الخليفــة النــارص إذ تتالــت عــى‬
‫أن نواجــه خطــر الطاعــون كــا واجهــه أجدادنا‬ ‫النــاس مــن كادحــن و فالحــن خرجــوا للتمــرد‬ ‫كــا أن الغــاء الزم مــن لــوازم الفتنــة الدامئــة"‬ ‫املغــرب ســنوات مــن الجفــاف و انضافــت إليها‬
‫؟ هــل زال خطــر اإلقطــاع عــن الدولــة املغربيــة‬ ‫عــى النبــاء الفيوداليــن و دارت معــارك‬ ‫ويضيــف "يزعمــون (األطبــاء) أن تغيــر الهــواء‬ ‫تهديــدات النصــارى يف األندلــس‪ .‬مــا يعنــي‬
‫أم أنــه ال يـزال كامنــا تحــت الســطح؟‬ ‫طاحنــة بينهــم‪ .‬مــا أجــر يف النهايــة النبــاء عىل‬ ‫يكــون مــن تغيــر الفصــول و يكــون ســبب‬ ‫مضاعفــة األعبــاء االقتصاديــة و التموينيــة عــى‬
‫صحيــح أن املغاربــة يعيشــون اآلن يف ظــل‬ ‫تغيــر قواعــد اللعبــة لصالــح الفالحــن‪ ،‬منتقلني‬ ‫فســاده أيضــا األبخــرة املتعفنــة الصاعــدة مــن‬ ‫الدولــة‪ ،‬و حاجتهــا امللحــة لــكل حبــة قمــح‬
‫دولــة مركزيــة –عــى عالتهــا‪ -‬منــذ عهــد امللــك‬ ‫يف ذلــك مــن القنانــة اىل اســتئجار األرض‪.‬‬ ‫األرض و ذلــك أن ترتفــع أبخــرة فاســدة متعفنة‬ ‫مخزنــة‪ .‬لكــن األشــياخ كان لهــم رأي آخــر إذ‬
‫محمــد الخامــس و أن ظاهرة القيــاد اإلقطاعيني‬ ‫الــيء الــذي ســمح للفالحــن مبراكمــة الــروة‬ ‫مــن الســباخ و أوخــام الرتبــة الراكــدة يف الهــواء‬ ‫نهبــوا مخــازن الدولــة و أصابوهــا يف مقتــل‪،‬‬
‫اختفــت‪ ،‬لكنهــا مــن‬ ‫و لهــذا فــإن هزميــة‬
‫جهــة أخــرى غــرت مــن‬ ‫معركــة العقــاب‬
‫جلدهــا وأخــذت شــكل‬ ‫الدولــة‬ ‫وانهيــار‬
‫لوبيــات احتكاريــة‬ ‫املوحديــة بعدهــا‬
‫معرقلــة للقطــاع العــام‬ ‫كان مجــرد تحصيــل‬
‫و البورجوازيــة الوطنيــة‬ ‫حاصــل‪.‬‬
‫عــى حــد ســواء‪،‬‬ ‫بعدهــا أطلقــت يــد‬
‫كلوبيــات املصحــات‬ ‫األشــياخ يف املغــرب‪،‬‬
‫واملــدارس الخاصــة التــي‬ ‫فأخضعــوا النــاس‬
‫تقتــات عــى تغييــب‬ ‫ملشــيئتهم و احتكــروا‬
‫القطــاع العــام يف‬ ‫املــواد الغذائيــة‬
‫الصحــة والتعليــم‪ .‬لقــد‬ ‫وباعوهــا بأغــى‬
‫كانــت مخــازن الحبــوب‬ ‫األمثــان‪ .‬كــا تقاتلــوا‬
‫قطاعــا‬ ‫املوحديــة‬ ‫فيــا بينهــم و أشــاعوا‬
‫عامــا شــيدته الدولــة‬ ‫الفــوىض يف أرجــاء‬
‫ملواجهــة املجاعــة و منــع‬ ‫املغــرب‪ .‬وبذلــك كان‬
‫اإلقطاعيــن مــن احتــكار‬ ‫املغاربــة عــى موعــد‬
‫الغــداء و بيعــه بأمثــان‬ ‫مــع املــوت الجامعــي‬
‫مضاعفــة‪ .‬وهــو مــا كان‬ ‫الناجــم عــن املجاعــة‬
‫يغيظهــم ويدفعهــم متى‬ ‫والحــرب األهليــة‪،‬‬
‫ســنحت لهــم الفرصــة إىل‬ ‫حيــث ترتاكــم الجثــث‬
‫تدمــر هــذه املخــازن‪/‬‬ ‫دون دفــن يف املنــازل‬
‫القطــاع العــام حتــى‬ ‫والطرقــات و يتعفــن‬
‫ميارســوا شــططهم ضــد املغاربــة غــر آبهــن‬ ‫و التحــرر مــن التبعيــة لإلقطاعيــن‪ .‬كــا تقوت‬ ‫وأقــذار النــاس و فضالتهــم وجيــف القتــى‬ ‫الهــواء فيظهــر الطاعــون‪ ،‬و منــه تــرع عجلــة‬
‫مبصلحــة البلــد‪ .‬و هــو مــا يحــدث اآلن عــى‬ ‫ســلطة امللــوك املركزيــة عــى حســاب نفــوذ‬ ‫والــدواب ‪ ...‬فيتغــر الهــواء عنهــا و يتعفــن‬ ‫املــوت مــن دورتهــا املميتــة‪ ،‬فتحصــد املزيــد‬
‫يــد اللوبيــات الطفيليــة املقتاتــة عــى القطــاع‬ ‫النبــاء‪ .‬و هكــذا شــيئا فشــيئا تخلصــت أوربــا‬ ‫ويحــدث عنــه الوبــاء" ‪.‬‬ ‫واملزيــد مــن األرواح‪.‬‬
‫العــام و دوره األســايس يف حفــظ اســتقرار‬ ‫مــن اإلقطــاع‪ ،‬وعاشــت أجــواء سياســية صحيــة‬ ‫يوضــح ابــن هيــدور يف هــذه النصــوص‬ ‫مل يكــن الطاعــون فيــا يتعلــق مبصــادره‬
‫البلــد‪ .‬لذلــك مل يكــن مفاجئــا أن يطمــع أربــاب‬ ‫متثلــت يف ســلطة ملكيــة مركزيــة قويــة تفــرض‬ ‫املقتضبــة أن ســبب الوبــاء هــو تعفــن الهــواء‬ ‫املحليــة يظهــر لوحــده‪ ،‬بــل كان مرتبطــا‬
‫املــدارس الخاصــة يف صنــدوق مواجهــة وبــاء‬ ‫األمــن واالســتقرار يف البــاد و طبقــة منتجــة‬ ‫بســبب تعفــن جثــث النــاس و الــدواب بســبب‬ ‫بأســباب أخــرى أهمهــا املجاعــة الناجمــة عــن‬
‫كورونــا‪ ،‬فهــذا ديــدن أجدادهــم اإلقطاعيــن‬ ‫ممثلــة يف الفالحــن و البورجوازيــة‪ .‬الــيء‬ ‫املجاعــة الناجمــة عــن الغــاء الناجــم بــدوره‬ ‫نهــب املخــازن الكــرى للدولــة بســبب متــرد‬
‫مــع مخــازن الحبــوب املوحديــة‪.‬‬ ‫الــذي جنبهــا متالزمــة املجاعــة والحــروب‬ ‫عــن متــرد األشــياخ (خــروج الخــوارج عــى‬ ‫اإلقطــاع عــى الســلطة الحاكمــة املركزيــة‪.‬‬
‫لقــد كان املخــزن كنظــام ســيايس إبداعــا‬ ‫األهليــة و الوبــاء‪.‬‬ ‫امللــوك)‪ ،‬و انتهازهــم الحتبــاس املطــر لتقويــض‬ ‫لقــد اســتطاع املغاربــة حــل مشــكلة تقلبــات‬
‫حضاريــا مغربيــا رصفــا مفــاده أن تتكلــف‬ ‫وتابعــت أوربــا كفاحهــا ضــد الطاعــون‪،‬‬ ‫الســلطة املركزيــة وتقســيم البــاد بينهــم‪ .‬لكــن‬ ‫مناخهــم املتطــرف واالســتعداد الكــفء‬
‫الدولــة بإنشــاء البنيــات التحتيــة الضخمــة‬ ‫فاتخــذت تدابــر صحيــة ممثلــة يف الحجــر‬ ‫مــا قالــه ابــن هيــدور يف القــرن الرابــع عــر مل‬ ‫للســنوات العجــاف‪ ،‬لكــن نظامهــم الســيايس‬
‫ملواجهــة أزمــة الجفــاف و املجاعــة و تخفيــف‬ ‫الصحــي (الكرتينــة)‪ ،‬و وحــدت سياســاتها‬ ‫يتحــول إىل رأي عــام ضاغــط‪ ،‬فلــم يغــر مــن‬ ‫ظــل يعــاين باســتمرار مــن ورم بنيــوي متثــل‬
‫أعبــاء الحيــاة عــن الشــعب‪ .‬لقــد أنشــأت‬ ‫بخصوصــه ســنة ‪ ، 1851‬فعقــدت أول مؤمتــر‬ ‫الوعــي الجمعــي للمغاربــة شــيئا و ظــل كالمــه‬ ‫يف جــروت اإلقطــاع و متــرده الدائــم عــى‬
‫الدولــة املوحديــة املخــازن و قنــوات الســقي‬ ‫صحــي بباريــس‪ .‬ثــم فرضــت عــى عــدة بلــدان‬ ‫مجــرد رصخــة يف واد‪ .‬ولذلــك ظــل املغــرب‬ ‫الســلطة املركزيــة و بعرثتــه لسياســاتها‪ .‬و يبقى‬
‫والقناطــر و املارســتانات و رعــت الفقــراء‬ ‫إســامية تأســيس مجالــس صحيــة دوليــة‬ ‫حتــى لحظــة اســتقالله عــن الحاميــة الفرنســية‬ ‫الســؤال امللــح‪ :‬هــل كان املغاربــة واعــن بهــذا‬
‫واملــرىض و األيتــام‪ ،‬فقامــت بدورهــا أفضــل‬ ‫برئاســة أطبــاء و قناصــل أجانــب‪ .‬و هكــذا‬ ‫أســر ثنائيــة املخــزن واإلقطــاع‪.‬‬ ‫الخلــل يف نظامهــم الســيايس؟ هــل اســتطاعت‬
‫القيــام‪ .‬و اســتحقت لقــب املخــزن واعتربهــا‬ ‫تخلصــت أوربــا مــن خطــر الطاعــون و عالجت‬ ‫فكلــا قامــت دولــة مخزنيــه مركزيــة ســارع‬ ‫االنتلجنســيا املغربيــة الوســيطية تشــخيص هذا‬
‫النــاس ملجأهــم عنــد الشــدائد‪ .‬فحبــذا لــو‬ ‫أســبابه الداخليــة و الخارجيــة‪ ،‬و اســتطاعت أن‬ ‫اإلقطــاع إىل تحطيمهــا و بعــرة مجهوداتهــا‬ ‫الــداء الــذي نخــر الدولــة املخزنيــة و أربــك‬
‫عدنــا إىل ذات املفهــوم املوحــدي ملصطلــح‬ ‫تضاعــف مــن أعدادهــا دميوغرافيــا وقدراتهــا‬ ‫يف تأطــر املغاربــة و تعبئتهــم ضــد الجفــاف‪.‬‬ ‫مشــاريعها؟‬
‫املخــزن‪.‬‬ ‫اإلنتاجيــة‪ ،‬مــا مكنهــا مــن اســتعامر العــامل‪.‬‬ ‫لذلــك نجــد هــذا التكــرار الرتيــب واملنتظــم‬ ‫الجــواب هــو نعــم‪ ،‬حيــث نجــد املــؤرخ‬
‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ ‪ -‬العدد ‪327 :‬‬
‫‪22‬‬
‫حوار مع الكاتبة والمحللة النفسانية غيثة الخياط‬
‫الخطيبي‪ ..‬شهرزاد‪ ..‬الكتابة‬
‫◆ حاورها محمد معطسيم‬

‫والسياســة والعلــم‪...‬‬ ‫غيثــة الخيــاط كاتبــة وطبيبــة ومحللــة نفســانية‪ ،‬وانرتبولوجية‪ .‬أســتاذة جامعية بفرنســا‬
‫وقــد تقــرر منــح جائــزة 'كوســتا دامالفــي'‪ Maiori Costa d’Amalfi 2007.‬وجائــزة‬ ‫وإيطاليــا وكنــدا‪ .‬تنتمــي إىل لفيــف املثقفــن املغاربــة واملغاربيــن البارزيــن املعاصريــن‪.‬‬
‫"أســيزي" اإليطاليــة يف نفــس الســنة‪ .‬وقــع عليهــا االختيــار للرتشــح لجائــزة نوبــل‬ ‫مؤسســة جمعيــة "عينــي بنــاي" ودار نشــر بنفــس االســم‪ .‬أول امــرأة يف تاريــخ املغــرب‪،‬‬
‫للســام ســنة ‪.2008‬‬ ‫وجهــت رســالة مفتوحــة إىل امللــك‪ ،‬ســنة ‪ 1999‬تعــارض فيها الحــركات الرجعيــة الداعية‬
‫إىل عــودة املــرأة إىل عهــود العبوديــة‪ ،‬والحتميــة املطلقــة لكونهــا خلقــت لتكــون ربة بيت‪.‬‬
‫سلوا ولا طول الليالي تقاليا‬ ‫وما أحدث النأي المفرق بيننا ‪...‬‬ ‫ألفــت الكاتبــة غيثــة الخيــاط عشــرات الكتــب‪« :‬املــرأة الفنانــة يف العالــم العربــي"‬
‫لقد خفت ان ألقى المنية بغتة ‪ ...‬وفي النفس حاجات إليك كما هيا‬ ‫و "العالــم العربــي بصيغــة املؤنــث" و«أســئلة عربيــة» و"مغــرب النســاء العظيــم" و‬
‫"طــب نفســي حديــث للمغــرب العربــي"‪ ،‬وبعــض األعمــال األدبيــة مــن بينهــا "الحدائــق‬
‫بهذيــن البيتــن لجميــل بثينة‪،‬اســتهللت لقائــي بالكاتبــة غيثــة الخيــاط‪ ،‬وهــي تصغــي‬ ‫الســبع"‪ ،‬وقــد تمــت ترجمــة العديــد مــن مؤلفــات غيثــة الخيــاط إىل اللغــة اإليطاليــة‬
‫إليهمــا يف أصلهمــا العربــي‪.‬‬ ‫واإلنجليزيــة‪ .‬كمــا لهــا مقــاالت عديــدة حــول وضعيــة املــرأة والفــن والطــب النفســي‬

‫يعــرف طريقــه إىل العربيــة‪ ،‬إنــه وضــع كاريث حقــا‪.‬‬ ‫علمــي‪ ،‬مل أقــدر عــى التجــرد مــا تلقيتــه ســابقا‪ ،‬وهــذا كان‬
‫*أحصت رجاء بنسلامة مجموعات الرجال والنساء‬
‫يفــي‪ ،‬منطقيــا‪ ،‬إىل دراســة اآلداب أو الفلســفة‪ .‬وقــد كان أســتاذي‬
‫الذين كتبوا عن الخطيبي؛ هناك عشر مجموعات (أعمال‬
‫يف الفلســفة (جــون فـراري‪ ،‬متخصــص دويل يف كانــط‪ ،‬صديــق عبــد‬
‫جماعية)‪ ،‬ثمانية وعشرون كاتبا وعشر كاتبات‪ ،‬عدد‬
‫الكبــر الخطيبــي) تأســف ومــا ي ـزال عــى عــدم متابعــة دراســتي‬
‫النساء الكاتبات له دلالته‪ ،‬إذا قارناه بعدد النساء‬
‫يف شــعبة الفلســفة‪ ،‬يك أصــر "فيلســوفة" كــا يقــول دمئــا‪ .‬لكــن‬
‫الكاتبات اللواتي اهتممن بمعاصر يه من الكتاب‪ ،‬بصيغة‬
‫أعتقــد أننــي رصت كذلــك‪ ،‬عــى نحــو مختلــف‪ ،‬باالشــتعال يف بعــض‬
‫أخرى الكتابة الخطيبية جذبت إليها الكتابة النسائية أكثر‬
‫مجــاالت االنرتبولوجيــا (أنــا حاصلــة عــى دبلــوم يف االنرتبولوجيــا‬
‫من كتابات معاصر يه من الكتاب‪ ،‬هل من تفسير؟‬
‫من مدرســة الدراســات العليــا يف العلــوم االجتامعيــة ‪.)E.H.E.S.S‬‬
‫إضافــة إىل أننــي أحدثــت كرســيا علميــا يف انرتبولوجيــا املعرفــة‪،‬‬
‫× أنــا ال أتفــق مــع هــذا التأكيــد‪...‬إذا أردنــا القــول بــأن عــدد‬
‫بالجامعــة اإليطاليــة‪.‬‬
‫النســاء اللــوايت كتــن عــن الخطيبــي كبــر أو مهــم أو مؤثــر‪ ،‬فاألمــر‬
‫نســبي متامــا‪ .‬كان الخطيبــي ميلــك القــدرة عــى الغوايــة الفكريــة‪،‬‬ ‫*لماذا الانتربولوجيا؟‬
‫ورمبــا مــن هنــا ميكــن تلمــس جــواب اهتــام النســاء بــه‪ .‬باإلضافــة‬ ‫× تستهويني االنرتبولوجيا‪ ،‬أما السوسيولوجيا فال تعنيني كثريا‪.‬‬
‫*كتابك "مراسلة مفتوحة" التزمت فيه بالتحاب‪ ،‬غير‬
‫إىل أننــي مل أبــارش الكتابــة عنــه أو حولــه‪ ،‬بيــد أننــي عمــدت إىل‬
‫أن موضوعات أخرى طرحها الكتاب أيضا (التشكيل‪،‬‬
‫الكتابــة معــه‪ ،‬وهــذا أمــر مختلــف كليــا‪.‬‬
‫اللغة‪ ،‬الترجمة‪ ،‬الالتزام‪ )...‬وأخذت الرسائل بعدا‬
‫عــاوة عــى ذلــك‪ ،‬فاألمــر يبــدو كاريكاتوريــا بعــض الــيء‬
‫آخر‪ ،‬هل كنت والخطيبي راضيين عند طرح هذه‬
‫حينــا نريــد بنــاء ترابــط بــن النســاء والخطيبــي‪ ،‬مل يكــن منــارصا‬
‫الموضوعات الطارئة؟‬
‫للنســائية وال معاديــا لهــا‪ .‬فاألهــم هــو تحليــل مكانــة النســاء يف‬
‫أعاملــه‪ ،‬ورواياتــه‪ ،‬وشــعره‪ ،‬ودراســاته‪ .‬أعتــر مــن بــاب الطفوليــة‬
‫× بــكل تأكيــد‪ ،‬مل تعــد هــذه املراســلة لغــرض نرشهــا‪ ،‬عــى أي‬
‫اعتبــار إن الكتابــة الخطيبيــة تجــذب كتابــة النســاء أكــر مــن غــره‬
‫حــال ليــس يف بدايــة األمــر‪ ،‬رغــم ذلــك فقــد كانــت "مهــددة"‬
‫مــن كتــاب عــره‪ .‬إضافــة إىل ذلــك‪ ،‬ينبغــي االعـراف إن الخطيبــي‬
‫بالنــر‪ ،‬مبــا أننــا كاتبــان‪ .‬توالــت املواضيــع أو تولــد بعضهــا مــن‬
‫بــذل كثـرا مــن الجهــد حتــى يعــرف بنفســه ويصبــح مقــروءا‪ ،‬ومل‬
‫يكــن مســتعصيا بالنســبة للجميــع‪.‬‬
‫بعــض‪ .‬متعتنــا كمنــت يف الكتابــة والتبــادل ألننــا مــن جهــة أخــرى‪،‬‬ ‫◆ غيثة الخياط‬
‫كنــا نلتقــي يف مناســبات مختلفــة خاصــة باملهرجــان الــدويل للفيلــم‬
‫*هل كان الخطيبي مناصرا للنسائية؟‬ ‫مبراكــش عنــد التحضــر لــه وأثنــاء فعالياتــه‪ .‬كان حديثنــا يــدور‬ ‫*أنت محللة نفسانية وكاتبة‪ ،‬هل تسبق كتابتك التحليل‬
‫× مل يكــن الخطيبــي منــارصا للنســائية باملعنــى الحــري‪ ،‬وال‬ ‫أيضــا حــول السياســة‪ ،‬املوســيقى‪ ،‬األفــام‪ ،‬املؤمتـرات الدوليــة‪ ،‬عــن‬ ‫النفسي وتتقدم عليه؟‬
‫معاديــا للنســاء (فقــد تقاســم مــع كثــر مــن النســاء حياتهــن)‪ .‬كان‬ ‫املكســيك‪ ،‬نــادي القلــم الــدويل الــذي أدخلــه إىل املغــرب وبرسعــة‬ ‫× فعــا‪ ،‬لقــد مارســت الكتابــة قبــل أن أكــون طبيبــة ثــم طبيبــة‬
‫كثـرا مــا يقــف بجانــب بعضهــن‪ ،‬دون أن يكــون مناضــا مــن أجــل‬ ‫أدمجنــي ضمــن أعضائــه‪.‬‬ ‫نفســانية‪ ،‬قبــل أن أتخصــص يف التحليــل النفــي (بباريــس‪ ،‬مدرســة‬
‫القضيــة النســائية أو النســوية‪.‬‬ ‫يف الواقــع‪ ،‬ظلــت الرســائل مبثابــة الخيــط املوجــه لصداقة تشــكلت‪،‬‬ ‫جــان الكان) وأصبــح محللــة نفســانية‪.‬‬
‫* كتبت في القصة القصيرة وعن الفن‪..‬‬
‫إضافــة إىل ذلــك‪ ،‬مــا معنــى أن يكــون الرجــل منــارصا للنســائية؟‬ ‫بفضــل هــذه الرســائل‪ ،‬وتعــززت دون انقطــاع‪ .‬كان التحــاب بيننــا‪،‬‬
‫هــل هــو الــذي يدافــع عــن املــرأة؟ أو الــذي يكتــب عنهــا؟ أو الذي‬ ‫إحساســا قويــا بالصداقــة‪ ،‬زاوج بــن االح ـرام و"التواطــئ" وبقــدر‬
‫× أما الفن فأنا مل أكتب عنه فقط بل إين مامرسة له‪.‬‬
‫يحبهــا؟ أريــد أن أبقــى‪ ،‬يف إجابتــي‪ ،‬مرتبطــة مبــا عشــناه وأنجزنــاه‬ ‫كبــر مــن التقديــر املتبــادل‪ .‬يف يونيــو مــن ســنة ‪ 2008‬قدمتــه‬
‫ســويا‪ :‬صداقــة أكــر عمقــا‪ ،‬واحرتامــا وتقدي ـرا‪ ،‬مراســات مكتوبــة‬ ‫مبناســبة النــدوات التــي كانــت تعقدهــا "سوشــريس" يف نــاد‬ ‫* لقد ظٌلمت عربيا وطالك النسيان على هذا المستوى‪.‬‬
‫بخــط اليــد‪ ،‬ونقاشــات أكــر جديــة‪ ،‬فكريــة‪ ،‬زاخــرة مبواضيــع‬ ‫يضــم الصحافــة املغربيــة بجميــع أشــكالها‪ ،‬وذلــك يف مقرهــا بالــدار‬ ‫× رمبا ألن الهوية النسائية بقيت لصيقة بهويتي يف الكتابة‪.‬‬
‫* درست التحليل النفسي‪ ،‬هل كان الدافع مهنيا أم‬
‫الســاعة‪ ،‬إشــكاليات ثقافيــة‪ ،‬فنيــة‪ ،‬وعلميــة أيضــا‪ ،‬وقــد نظــم‬ ‫البيضــاء‪ .‬فأنــا أقــرأ لــه كثـرا وبــأمل أحيانــا‪ ،‬يف الحقيقــة أنــا قريبــة‬
‫شخصيا؟‬
‫بالربــاط يف مــاي ‪ 2005‬يومــا دراســيا شــاركت فيــه مبداخلــة "العلم‪،‬‬ ‫مــن كتاباتــه‪ ،‬ومجمــوع أعاملــه وفكــره‪ ،‬والقـراءة العميقــة لرســائله‬
‫العلــاء‪ ،‬واملثقفــون" والتــي أصــدر أعاملهــا باملركــز املغــريب لنــادي‬ ‫تجعلــه قريبــا جــدا منــي‪ ،‬ويف اآلن ذاتــه بعيــدا عنــي عصيــا عــن‬
‫× األمــران معــا‪ ،‬تابعــت هــذا التكويــن مبدرســة جــان الكان‬
‫القلــم الــدويل ســنة ‪ ،2007‬بــدار النــر عــكاظ‪ ،‬بعنــوان "املثقــف‪،‬‬ ‫التعريــف‪.‬‬
‫بباريــس‪ ،‬وكان القصــد تنميــة قــدرات الطبيــب الطالــب لضبــط‬
‫املجتمــع‪ ،‬والســلطة"‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬مــا أســميته بطريقــة جميلــة جــدا "املواضيــع الطارئــة"‬
‫مامرســته وكان "برنــار تيــس" هومــن أرشف عــى هــذا التكويــن يف‬
‫الســؤال املطــروح هنــا‪ ،‬هــل مــن الــروري أن أرى يف املراســلة‬ ‫ملراســاتنا‪ ،‬كانــت تغــذي تفك ـرا الحقــا‪ ،‬تســاؤالت ينبثــق بعضهــا‬
‫التحليــل النفــي‪.‬‬
‫التــي تبادلتهــا مــع الخطيبــي موقفــا نســائيا مــن جهتــه‪ ،‬ألنــه اختــار‬ ‫مــن اآلخــر‪ ،‬وهــي نتيجــة املواضيــع غــر املتوقعــة‪ ،‬رســائل متواليــة‬
‫يف الواقــع‪ ،‬كان تكوينــي كالســيكيا‪ ،‬يف بدايــة األمــر‪ ،‬درســت‬
‫الرتاســل مــع امــرأة بــدال مــن رجــل؟ هــذا وارد‪ ،‬وإذا كان األمــر‬ ‫مبــرور الوقــت‪...‬‬
‫الفلســفة‪ ،‬واللغــة الالتينيــة ولغــات أخــرى‪ .‬ورغــم أن توجهــي‬
‫كذلــك‪ ،‬فســيكون أمـرا ســعيدا‪ ،‬وأنــا جــد مــرورة‪ ،‬وفخــورة ايضــا‪..‬‬ ‫حظــي الكتــاب برتجــات إىل االنجليزيــة واإليطاليــة‪ ،‬لكنــه مل‬
‫‪23‬‬ ‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ ‪ -‬العدد ‪327 :‬‬

‫حوار مع الكاتبة والمحللة النفسانية غيثة الخياط‬


‫الخطيبي‪ ..‬شهرزاد‪ ..‬الكتابة‬
‫◆ حاورها محمد معطسيم‬

‫لكننــي صارمــة ضــد فعــل متزيــق كتــاب كيفــا كان‪ ،‬ألنــه يحمــل‬ ‫غرفتــي يف فنــدق مبدينــة تولــوز)‪ ،‬دون أن أعمــد إىل متزيقــه‪.‬‬ ‫*من وجهة نظرك‪ ،‬كيف تلقى الخطيبي الكتابة المدعوة‬
‫داللــة يشء مــا‪ ،‬حتــى تلــك ال يعتــد بهــا‪ ،‬أو تثــر الســخط‪ ،‬أو ال‬ ‫أســتطيع القــول إن" آنســات نوميديــا" ملحمــد لفتــح هــي روايــة‬ ‫نسائية ؟‬
‫تحتمل‪...‬لقــد نشــأت وســط الكتــب‪ ،‬وهــي مقدســة عنــدي‪ ،‬إنهــا‬ ‫تأخــذ األنفــاس‪ ،‬مل أتركهــا بســبب مصريهــا الحزيــن‪ ،‬بــل تركتهــا‬ ‫× تعــرف أن كل شــخص يتلقــى العمــل الفنــي عــى نحــو مختلــف‪،‬‬
‫كنــز اإلنســانية! فتمزيقهــا هــو ســلوك مريــض‪ ،‬وأمــي أو منحــرف‪..‬‬ ‫لفضــول الشــخص الــذي كان يتعقبنــي يف هــذه الغرفــة مــن‬ ‫يف مجــال تحليــل النــص والتعليــق عليــه والدراســات املعمقــة لــكل‬
‫*"كنت الابن الطبيعي لشهرزاد ( ‪Ero il‬‬
‫الفنــدق‪.‬‬ ‫مــا ينتجــه كاتــب أو مؤلــف أو مفكــر‪ ،‬هنــاك حساســية الشــخص‬
‫‪ )figlio naturale di Sherazade‬فأنا‬ ‫الــذي يــدرس هــؤالء‪ ،‬مســتثمرا حصيلــة معارفــه‪ ،‬وقدرتــه‬
‫أحاول أن أقول بهذا‪ ،‬أن هناك فيما وراء البديل‬ ‫عــى اإلحاطــة مبجمــوع مؤلفــات وكتابــات املؤلــف‬
‫العنيف‪ :‬إحكي حكاية وإلا قتلتك‪ ،‬لعبة غواية‪،‬‬ ‫موضــوع التحليــل‪ ،‬وثقافتــه‪ .‬وهــذا يبــن أننــا مل نتخــذ‬
‫كانت دائما تحتضن جمال الحركة‪ ،‬وطقس الحب‬ ‫بعــد املســافة ملعرفــة مــن هــم املتخصصــون يف الخطيبــي‪،‬‬
‫والصداقة"‬ ‫وإذا كان نبشــنا وســط هــؤالء املتخصصــن يف تلــك الكتابــة‬
‫ما هو تعليقك على ما قاله الخطيبي؟‬ ‫املدعــوة نســائية إن اتفقنــا عليهــا‪ ،‬مــن املؤكــد‪ ،‬ســأفضل‬
‫× ق ـراءة الخطيبــي‪ ،‬أعتربهــا ســاذجة مــن منظــوري‪ ،‬فــا‬ ‫آســية بلحبيــب‪ ،‬ونســاء جامعيــات اخريــات يف نفــس‬
‫جــال للحركــة‪ ،‬وال طقــس للحــب وال صداقــة‪ ،‬حــن يكــون‬ ‫الســياق أفضــن يف تحليــل أعــال الخطيبــي‪ :‬فــا أنتجنــه‬
‫ســيف املــوت عــى رقبتــك‪ ،‬هــي قــراءة ورمبــا طفوليــة‪.‬‬ ‫هــو مــا ينبغــي تحليلــه بدقــة‪.‬‬
‫فالخطيبــي يف ذلــك ينتمــي إىل مثقفــي ســنوات الســتينات‬ ‫*ما المكانة التي تبوأها الخطيبي في التحليل‬
‫والتســعينات الذيــن يبجلــون ماضيــا وشــخصيات ال أثــر‬ ‫النفسي؟ وكيف استلهم التحليل النفسي وأفاد‬
‫لإلجــال فيهــا؛ وهــو يف ذلــك يشــبه فاطمــة املرنيــي التــي‬ ‫من صداقاته مع المحللين النفسيين مثلك؟‬
‫أنجــزت عمــا حــول الحريــم وحــول شــهرزاد‪.‬‬ ‫× ال ميكــن التحــدث بدقــة عــن مكانــة الخطيبــي داخــل‬
‫أنــا‪ ،‬مــع الحقيقــة القاســية والصادمــة‪ ،‬أعشــق الحقيقــة‬ ‫التحليــل النفــي؛ غــر أنــه كان شــديد االهتــام بــه يقــرأه‬
‫الســاطعة‪ ،‬بهــذا املعنــى‪ ،‬فأنــا مثقفــة تلقيــت تكوينــي يف‬ ‫بغــزارة‪ ،‬اشــتغل كثــرا عــى التحليــل النفــي وارتباطــه‬
‫العلــوم‪ ،‬طاملــا أننــي طبيبــة حاصلــة عــى ثالثــة تخصصــات‬ ‫بالحقــل الثقــايف عندمــا كان طالبــا بباريــس‪ ،‬ويف أوســاط‬
‫يف الطــب‪ .‬فأنــا أؤمــن بالحقيقــة العلميــة ولشــد مــا‬ ‫االنتلجنســيا يف ســنوات الخمســينيات والتســعينيات‪ .‬كل‬
‫يضحكنــي الحديــث عــن "مختــرات" و"باحثــن" يف‬ ‫محيــط أصدقائــه‪ ،‬وأ‪1‬كــر هنــا روالن بــارث‪ ،‬إذا مل يكونــوا‬
‫كليــات اآلداب!! فهــذا انتحــال لــيء ال ميــت بصلــة إىل‬ ‫خـراء يف التحليــل النفــي فهــم عــى األقــل مثقفــون لهــم‬
‫التخصصــات العلميــة املوســومة بالرصامــة والدقــة‪ .‬وحتــى‬ ‫معرفــة كبــرة بهــذا االختصــاص ويف التفرعــات التشــعبات‬
‫"العلــوم اإلنســاني ّة" فهــي أقــل رصامــة ودقــة‪ ،‬ألن الرصامــة‬ ‫بــن الفلســفة‪ ،‬األدب‪ ،‬االنرتوبولوجيــا‪ ،‬التحليــل النفــي‬
‫إمــا أن تكــون علميــة أو ال تكــون‪.‬‬ ‫وتوجهــات مثــل البنيويــة عــى ســبيل املثــال‪ ،‬فــكل هــذه‬
‫غــر أننــي ســعيدة جــدا‪ ،‬كــون الخطيبــي كان مــدركا‬ ‫التخصصــات يغــذي بعضهــا بعضــا‪ .‬مــن جهــة أخــرى‬
‫وبشــكل إبداعــي أننــا جميعنــا أبنــاء شــهرزاد‪...‬أبناء وبنــات‬ ‫فاملراســلتان الوحيدتــان املحفوظتــان واملنشــورتان جرتــا‬
‫القهــر والقمــع الــذي يلحــق بــكل النســاء‪ ،‬ومتثــل الرشاســة‬ ‫مــع محللــن نفســيني‪ ،‬جــاك حســون وأنــا نفــي‪.‬‬
‫والوحشــية لشــهريار وهــو يغتصــب كل عــذارى مملكتــه‪،‬‬
‫فنحــن جميعــا أبنــاء وينــات ولدتنــا نســاء مســتكينات كــن‬ ‫*"إن محللة نفسية تقيم بباريس‪ ،‬ثارت ثائرتها عند‬
‫مجـرات عــى اســتعامل أســاليب الحيلــة والكــذب واإلغــواء‬ ‫قراءة كتاب "عشق اللسانين"‪ ،‬فمزقت النسخة‬
‫واالســتعداد للتضحيــة بالنفــس مــن أجــل البقــاء وإنجــاب‬ ‫التي كانت تم�لكها (بعد قراءتها)‪ .‬إنها حركة‬
‫األطفــال‪ ..‬يف وســط يســود فيــه رجــال مــن طينــة شــهريار‪..‬‬ ‫من التحاب والجرح العميق‪ .‬وعندما سألتها إن‬
‫زاجــرون ورشســون ومتوحشــون‪ ..‬فلــو قــدر للخطيبــي أن‬ ‫كانت اقتنت نسخة أخرى‪ ،‬أجابتني‪ :‬نعم"‬
‫يعيــش حيــاة أطــول كان بإمكاننــا لســاعات أو أشــهر أو ســنوات‬ ‫*من تقصدين؟‬ ‫كيف تحللين هذا الحدث المثير للدهشة الذي سرده‬
‫فتــح بــاب هــذا النقــاش الــذي يثــره ســؤالك مــن جديــد‪.‬‬ ‫× إنــه بــكل تأكيــد الكاتــب محمــد لفتــح أحــد منســيي الثقافــة‬ ‫الخطيبي‪ ،‬بوصفك محللة نفسانية وكاتبة وقارئة؟‬
‫*ترددت في أن أسألك هل كنتُ في ضيافة محللة‬ ‫املغربيــة‪ ،‬وبنفــس القــدر أنــت كذلــك عنــد الق ـراء بلغــة الضــاد‪.‬‬ ‫× مــن املعتــاد أن تنتــاب اإلنســان انفعــاالت عميقــة‪ ،‬أشــد عمقــا‪،‬‬
‫نفسانية أم صديقة؟‬ ‫(غيثة متأملة ) لقد علقت يب النسائية‪.‬‬ ‫وأن تكــون ردود أفعالــه فوريــة‪ ،‬دون تفكــر؛ إنهــا حالــة هــذه‬
‫لكنك من منظور مختلف أنت داخل النسائية املضادة‪.‬‬ ‫املحللــة النفســانية؛ مل يحصــل أن انتابنــي هــذا االنفعــال بق ـراءة‬
‫‪ -‬األمران معا‪.‬‬ ‫"عشــق اللســانني"؛ بينــا‪ ،‬عزفــت عــن كتــاب (وأنــا أقــرأه داخــل‬

‫سابريس‬ ‫التوزيع‬ ‫عبد الواحد املهتاني‬ ‫مدير النشر‬


‫رقم ‪ 1‬زنقة أحمد الكرناوي الطابق األول ساحة ماريشال‪ ،‬الدار البيضاء‪.‬‬ ‫العنوان‬ ‫يزيد الربكة‬ ‫رئيس التحرير‬
‫شارع املقاومة رقم ‪ 58‬حي املحيط الرباط‪.‬‬ ‫مكتب الطريق بالرباط‬ ‫عبد الغني عارف‬ ‫سكرتري التحرير‬
‫‪attarik.journal@gmail.com‬‬ ‫الربيد االلكرتوني‬ ‫إسماعيل املتقي‬ ‫املدير الفني‬
‫‪07 08 80 90 87‬‬ ‫الهاتف‬ ‫لحسن خطار‬ ‫املدير اإلداري واملالي‬
‫‪BMCE: 011794000045210000323097‬‬ ‫رقم الحساب البنكي‬ ‫‪ 16/2018‬ص ح‪.‬‬ ‫اإليداع القانوني‬
‫‪www.attarik.net‬‬ ‫النسخة االلكرتونية‬ ‫ايكوبرينت‬ ‫املطبعة‬
‫أسبوعية ‪ /‬شهرية (مؤقتا)‬ ‫دورية الجريدة‬ ‫‪ 5000‬نسخة‬ ‫عدد السحب‬
‫‪ISSN 2658 -8161‬‬ ‫الرقم الدولي املعياري للدوريات‬ ‫‪2019PE0068‬‬ ‫رقم االيداع‬
‫الثمن ‪ 5.00 :‬دراهم‬ ‫العدد ‪327 :‬‬ ‫األحد ‪ 29‬مارس ‪ 2020‬م ‪ 5 /‬شعبان ‪ 1441‬هـ‬

‫تـحـف فـنـيـة‪....‬‬
‫صورة سيلفي يف زمن كورونا ‪ -‬إيطاليا‬

‫أوربا تتخلى‬
‫عن مهد حضارتها‪..‬‬
‫إن األمل حــن ينبــع مــن األعــاق بشــكل صــادق‪ ،‬يكــون نســق ترتيــب الحــروف‬
‫للتعبــر عنــه بشــكل إبداعــي‪ ،‬يف منتهــى الجامليــة رغــم طغيــان اللــون األســود‪.‬‬
‫صادفــت بشــكل ُف َجــايئ مقطعــا صوتيــا يف قمــة الدراميــة لســيدة إيطاليــة يف‬
‫الخطــوط األماميــة للمــوت‪ ،‬ووبــاء كورونــا يحصــد بشــكل مأســاوي عــرات‬
‫اإليطاليــن‪ ،‬تعتــب عــى قــادة الرأســال املتوحــش بأوروبــا وأمريــكا كيــف تركــوا‬
‫الشــعب اإليطــايل أعــزل يف البدايــات األوىل لتوســع الفــروس‪ ،‬وتتحــدث مبـرارة عــن‬
‫خــدالن مــن كانــت تتوهمهــم أصدقــاء‪.‬‬

‫ذكَّــرت الســيدة اإليطاليــة‪ ،‬الســيد ترامــب‪ ،‬والســيد ماكــرون‪ ،‬والســيد جونســون‪،‬‬


‫بــأن إيطاليــا هــي مهــد األبجديــة الالتينيــة بأوروبــا‪ ،‬رائــدة املتاحــف‪ ،‬واللوحــات‬
‫والثقافــة والفــن والجــال والحضــارة والجغرافيــة‪ ،‬إنهــا بــاد الكوميديــة اإللهيــة‬
‫لدانتــي وليونــاردو دافنــي‪..‬‬
‫إيطاليا سيدة أطباق العامل باملوزريال‪ ،‬املورتديال‪ ،‬الجامبو‪ ،‬البيتزا‪ ،‬الزانيا‪..،‬‬
‫هــذا البلــد الــذي تركتمــوه لنكبتــه يصــارع وحيــدا‪ ،‬هــو األول دوليــا يف عــامل األزيــاء‬
‫واأللبســة‪ ،‬وتصميامتهــا‪ ،‬ودولكــم أيهــا الســادة الرؤســاء‪ ،‬ينتظــرون إبداعاتنــا‬
‫الستنســاخها‪..‬‬
‫هــل تعــرف‪ ،‬الســيد ترامب‪ ،‬أن اكتشــاف أمريــكا كان الفضــل فيه للبحــارة اإليطاليني‪،‬‬
‫وهــل تعــي جيــدا‪ ،‬الســيد جونســون‪ ،‬أنــه لــوال بحــارة ايطاليــا بجنــوة الذيــن حمــوا‬
‫بواخــر انجلـرا مــن هجــات القراصنــة‪ ،‬لكانــوا بحكمونكــم اآلن‪..‬‬
‫وأنــت تفتــح التلفــاز‪ ،‬وتنصــت للمذيــاع‪ ،‬وتســتعمل الهاتــف لالطمئنــان عــى‬
‫عائلتــك مــن توســع الوبــاء‪ ،‬وتضغــط عــى زر الكهربــاء لتعيــش يف رغــد العيــش‪،‬‬
‫تذكــر أن هاتــه األجهــزة التــي رفعــت جــودة الحيــاة‪ ،‬اخرتعهــا إيطاليــون‪..‬‬
‫التصو يـــر الفوتغرافـــي‪ ،‬مـــن الفنـــون اإلبداعيـــة‪ ،‬التـــي تعتمـــد علـــى مهـــارة المصـــور وكـــذا بديهـــة‬
‫إيطاليــا مهــد املعــار واملوســيقى والفلــك‪ ..‬فاإليطاليــون هــم مــن أخرجــوا اوروبــا‬ ‫اختي ــار اللحظ ــة المناس ــبة القتن ــاص اللقط ــة‪ ،‬التقط ــت هات ــه الصـــورة ‪ /‬الس ــيلفي بالمستش ــفى‪،‬‬
‫مــن العصــور الوســطى‪ ،‬وادخلوهــا عــر الحضــارة والرقــي‪..‬‬
‫وه ــي لطبيب ــة إيطالي ــة بع ــد ‪ 14‬س ــاعة عمـــل متواص ــل‪ ،‬ف ــي معرك ــة إنقـــاذ المصابي ــن بفيـــروس‬
‫هــل تجــرؤون ســيادة قــادة أوربــا وأمريــكا‪ ،‬عــى زيــارة املعــامل التاريخيــة إليطاليــا‬ ‫كورون ــا‪ ،‬كتجس ــيد لتضحي ــة األطق ــم الطبي ــة ف ــي ح ــرب وق ــف زح ــف الو ب ــاء عل ــى اإلنس ــانية‪.‬‬
‫بعــد األزمــة كســواح‪ ،‬أخجــل مكانكــم‪ ،‬فمــن يخــذل الشــعب اإليطــايل غــر مرحــب‬
‫بــه‪..‬‬
‫الحيوانات تتابع معركة اإلنسان مع كورونا‪..‬‬
‫لقــد دمرتــم قبلنــا اليونــان بلوبيكــم املــايل‪ ،‬وحصاركــم االقتصــادي‪ ،‬وهــا أنتــم اآلن‬
‫تبــارشون تدمــر إيطاليــا‪..‬‬ ‫يف الوقــت الــذي يناضــل فيــه العلــاء يف جميــع أنحــاء العــامل مــن أجل عــاج أو تطعيم لـــفريوس‬
‫‪ ،Covid-19‬ظهــرت حالــة خاصــة مــن انتقــال العــدوى مــن اإلنســان إىل الحيــوان يف بلجيكا‪.‬‬
‫رســالة يف قمــة املأســاوية‪ ،‬لكنهــا تعبــر صــادق عــن التفــكك اإلنســاين ألوربــا‪ ،‬مــا‬ ‫ويقــول خ ـراء الصحــة إن قطــا أصيــب باملــرض مــن مالكيــه املصابــن بالفــروس‪ ،‬بعــد أســبوع‬
‫يفــرض عــى شــعوبها إعــادة التفكــر يف أن فردانيــة وتوحــش االقتصــاد الليــرايل‬ ‫واحــد فقــط مــن تشــخيص إصابتهــم‪ ،‬حيــث بــدأت تظهــر عــى القــط أيضــا أعـراض املــرض‪ ،‬مبــا‬
‫األوريب واألمريــي معادلــة للدمــار الشــامل‪ ،‬ال يف األزمــات وال يف الســلم املُتو َّهـ ِـم‪.‬‬ ‫يف ذلــك مشــكالت الجهــاز التنفــي واإلســهال‪.‬‬
‫وقــد طــأن املتحــدث باســم مركــز أزمــات فــروس كورونــا البلجيــي‪ ،‬إميانويــل أندريــه‪ ،‬طأمنــة‬
‫وال بــد مــن اإلشــارة إىل أن البعــد اإلنســاين للخدمــات االجتامعيــة يف كل مــن‬
‫الجمهــور بــأن الحيــوان املصــاب كان "حالــة معزولــة"‪ ،‬بســبب "االتصــال الوثيــق بــن الحيــوان‬
‫الصــن وكوبــا‪ ،‬وبعــث أطقمهــم الطيبــة لبــؤر املــوت األشــد فتــكا مــن أجــل إنقــاذ‬
‫ومالكــه"‪.‬‬
‫اإليطاليــن‪ ،‬عــرف إشــادة واســعة مــن طــرف كل أحــرار العــامل‪.‬‬ ‫املصدر‪RT :‬‬

‫خارج املغرب‬ ‫باملغرب‬ ‫‪.....................................................:‬‬ ‫االسم الكامل ‬


‫نوع االشرتاك‬

‫االشرتاك‬
‫قسيمة اإلشرتاك‬

‫التشجيعي‬ ‫‪ 400‬درهم‬ ‫أفراد ‬ ‫‪ 200‬درهم‬ ‫أفراد ‬ ‫‪.....................................................:‬‬ ‫العنوان ‬


‫مـفـتـــــوح‬ ‫‪..................................................................................‬‬
‫مؤسسات ‪ 600‬درهم ‬ ‫مؤسسات ‪ 500‬درهم ‬
‫السيد رئيس تحرير جريدة الطريق املحرتم ‪...................................................................................‬‬
‫رقم الحساب البنكي ‪BMCE: 011794000045210000323097 :‬‬
‫البنك املغربي للتجارة الخارجية ‪ -‬وكالة البستان ‪ -‬الدار البيضاء‬
‫‪......................................................‬‬ ‫ ‬ ‫تحيــة طيبــة وبعــد‪ ،‬أرجوقبــول اشــرايك‬
‫الســنوي يف جريــدة الطريــق‪ ،‬وارســالها عــى الربيد االلكرتوين ‪.....................................................:‬‬
‫ترسل صورة قسيمة االشرتاك وصورة وصل التحويل البنيك عىل الربيد االلكرتوين التايل‪:‬‬ ‫العنــوان املوضــح جانبــه‪.‬‬
‫‪.....................................................:‬‬ ‫الهاتف ‬
‫‪attarik.journal@gmail.com‬‬

You might also like