Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 30

‫‪1‬‬

‫فتح املدارك‬
‫يف تقريب قاعدة "اليقني ال يزول ابلشك"‬
‫(وهو هتذيب لكتاب الوجيز يف القواعد الفقهية‬
‫للعالمة البورنو ‪-‬رمحه هللا‪)-‬‬

‫هذبه‪:‬‬
‫حممد إحسان بن زين الدين البوقسي‬
‫‪-‬عفا هللا عنه‪-‬‬
‫‪2‬‬

‫احملاضرة األوىل‪:‬‬
‫قاعدة "اليقني ال يزول ابلشك"‬

‫أصل القاعدة‪:‬‬
‫هذه القاعدة من أصول أيب حنيفة رمحه هللا وقد عرب عنها يف أتسيس النظر بقوله‪( :‬األصل عند‬
‫أيب حنيفة أنه مىت عُ ِرف ثبوت الشيء من طريق اإلحاطة والتيقن ألي معىن كان فهو على ذلك ما مل‬
‫يتيقن خبالفه)‪.‬‬
‫وهي األصل األول من أصول اإلمام الكرخي وعرب عنها بقوله‪( :‬إن ما ثبت ابليقني ال يزول‬
‫ابلشك)‪.‬‬
‫وقد ورد بلفظ‪" :‬ال يزال" و "ال يرفع"‪.‬‬

‫أدلة ثبوهتا‪:‬‬
‫من الكتاب العزيز‪:‬‬
‫إن الظن ال يغين من ِ‬
‫احلق شيئاً) ‪ .‬يونس‪ ،‬آية (‪. )36‬‬ ‫قوله تعاىل‪( :‬وما يتَبِ ُع ُ‬
‫أكثرهم إال ظناً َّ‬

‫من السنة املطهرة‪:‬‬


‫قوله صلى هللا عليه وسلم‪( :‬إذا وجد أحدكم يف بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء‬ ‫‪-1‬‬
‫أم ال؟ فال خيرجن من املسجد حىت يسمع صواتً أو جيد رحياً)‪ .‬قال النووي رمحه هللا‪:‬‬
‫"وهذا احلديث أصل من أصول اإلسالم وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه‪ ،‬وهي أن‬
‫‪3‬‬

‫األشياء حيكم ببقائها على أصوهلا حىت يتيقن خالف ذلك‪ ،‬وال يضر الشك الطارئ‬
‫عليها" ‪.‬‬
‫ويف الصحيحني عن عبد هللا بن زيد رضي هللا عنه قال‪ُ :‬شكي إىل النيب صلى هللا عليه‬ ‫‪-2‬‬
‫الرجل خييَّ ُل إليه أنه جيد الشيء يف الصالة‪ ،‬قال‪" :‬ال ينصرف حىت يسمع صواتً أو‬
‫وسلم ُ‬
‫جيد رحياً"‪.‬‬
‫وروى مسلم عن أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‬ ‫‪-3‬‬
‫وسلم‪" :‬إذا شك أحدكم يف صالته فلم يدر كم صلى أثالاثً أم أربعاً! فليطرح الشك‬
‫ولينب على ما استيقن‪ ،‬مث يسجد سجدتني قبل أن يسلم‪ ،‬فإن كان صلى مخساً شفعن له‬
‫صالته‪ ،‬وإن كان صلى إمتاماً ألربع كانتا ترغيماً للشيطان"‪.‬‬

‫أما من العقل‪:‬‬
‫وهو أن اليقني أقوى من الشك‪ ،‬ألن يف اليقني حكماً قطعياً جازماً فال ينهدم ابلشك‪.‬‬

‫معىن القاعدة ىف اللغة‪:‬‬


‫اليقني‪ :‬هو طمأنينة القلب على حقيقة الشيء‪.‬‬
‫والشك يف اللغة‪ :‬هو مطلق الرتدد‪ ،‬أو هو الرتدد بني النقيضني دون ترجيح ألحدمها‪.‬‬
‫والشك عند الفقهاء‪ :‬تردد الفعل بني الوقوع وعدمه‪ ،‬فهو قريب من املعىن اللغوي‪.‬‬
‫أما الشك عند األصوليني‪ :‬فهو استواء طريف الشيء حيث ال مييل القلب ألحدمها‪.‬‬
‫فإن ترجح أحدمها ومل يطرح اآلخر فهو ظن‪ .‬فإن طرحه فهو غالب الظن‪ ،‬وهو مبنزلة اليقني‪.‬‬
‫وإن مل يرتجح فهو وهم‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫املدركات العقلية‪:‬‬
‫وقد اصطلح بعضهم على تلك األمور بـ"املدركات العقلية"‪ ،‬وهي كاآليت‪:‬‬
‫اليقني‪ :‬وهو جزم القلب مع االستناد إىل الدليل القطعي‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الظن‪ :‬وهو جتويز أمرين أحدمها أقوى من اآلخر‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫الشك‪ :‬وهو جتويز أمرين ال مزية ألحدمها على اآلخر‪ ،‬أي متساويني‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫الوهم‪ :‬جتويز أمرين أحدمها أضعف من اآلخر مع إدراك اجلانب املرجوح‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫معىن القاعدة االصطالحي‪:‬‬


‫إن األمر املتيقن ثبوته ال يرتفع إال بدليل قاطع‪ ،‬وال حيكم بزواله جملرد الشك‪ ،‬كذلك األمر املتيقن‬
‫عدم ثبوته ال حيكم بثبوته مبجرد الشك‪ ،‬ألن الشك أضعف من اليقني‪.‬‬
‫وهذه القاعدة تدخل يف مجيع أبواب الفقه واملسائل املخرجة عليها تبلغ ثالثة أرابع الفقه أو‬
‫أكثر‪.‬‬

‫من فروع القاعدة‪:‬‬


‫املتيقن للطهارة إذا شك يف احلدث فهو متطهر عند األئمة الثالثة‪ .‬أما عند مالك ‪-‬رمحه‬ ‫‪-1‬‬
‫هللا‪ :-‬فمن شك يف الطهارة جيب عليه الوضوء‪ ،‬بناء على قاعدة تقول‪( :‬الشك يف‬
‫الشرط مانع من ترتب املشروط)‪.‬‬
‫وإذا ثبت دين على شخص وشككنا يف وفائه‪ ،‬فالدين ابق‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫وإذا وقع النكاح بني رجل وامرأة بعقد صحيح‪ ،‬مث وقع الشك يف الطالق‪ ،‬فالنكاح ابق‬ ‫‪-3‬‬
‫ألنه شك طرأ على يقني فوجب إطراحه‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫نص الفقهاء على عدم جواز البيع جمازفة يف األموال الربوية كاملكيالت واملوزانت‪ ،‬ألن‬ ‫‪-4‬‬
‫املماثلة يف بيعها شرط حمقق‪ ،‬واملماثلة مع اجملازفة مشكوك فيها‪ .‬والقاعدة تقول‪( :‬إن‬
‫احلكم املعلق على شرط أو املشروط بشرط‪ ،‬إذا وقع الشك يف وجود شرطه ال يثبت)‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫احملاضرة الثانية‪:‬‬
‫أبرز القواعد الكلية املندرجة‬
‫حتت قاعدة "اليقني ال يزول ابلشك"‪:‬‬

‫القاعدة األوىل‪ :‬األصل بقاء ماكان على ماكان‬


‫وهي مبعىن قاعدة‪( :‬ما ثبت بزمان حيكم ببقائه ما مل يوجد دليل على خالفه) ‪.‬‬

‫معىن القاعدة‪:‬‬
‫أن ما ثبت على حال يف الزمان املاضي‪ ،‬ثبواتً أو نفياً‪ ،‬يبقى على حاله وال يتغري ما مل يوجد‬
‫دليل يغريه‪.‬‬
‫وهذه القاعدة‪ :‬دليل االستصحاب‪.‬‬
‫واالستصحاب عند األصوليني أنواع هي‪:‬‬
‫استصحاب النص إىل أن يرد نسخ؛ أي العمل ابلنص من كتاب أو سنة حىت يرد دليل‬ ‫‪-1‬‬
‫انسخ‪ .‬وهذا متفق عليه بينهم‪.‬‬
‫‪ -2‬استصحاب العموم إىل أن يرد دليل ختصيص؛ أي العمل ابللفظ العام حىت يرد‬
‫املخصص‪ ،‬فيقتصر العام على بعض أفراده وهذا أيضاً متفق عليه يبهنم‪.‬‬
‫استصحاب احلال؛ وهو ظن دوام الشيء بناء على ثبوت وجوده قبل ذلك‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وقد اختلف األصوليون يف كونه حجة أو ليس حبجة‪:‬‬
‫(‪ )1‬فذهب األكثرون منهم مالك وأمحد ومجاعة من أصحاب الشافعي‪ ،‬كاملزين والصرييف‬
‫وإمام احلرمني‪ ،‬والغزايل‪ ،‬إىل أنه حجة‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫(‪ )2‬وذهب مجهور احلنفية وأبو احلسني البصري‪ ،‬ومجاعة من املتكلمني وأبو اخلطاب من‬
‫احلنابلة إىل أنه ليس حبجة‪.‬‬

‫أقسام االستصحاب عند الفقهاء احلنفية‪:‬‬


‫األول‪ :‬استصحاب املاضي للحال؛ ‪-‬وهذا متفق عليه عند مجيع املذاهب‪ -‬وهو الذي دل‬
‫عليه تعريف االستصحاب الفقهي السابق‪ ،‬ومعناه أن الشيء إذا كان على حال يف الزمان املاضي فهو‬
‫على حاله يف املستقبل ما مل يوجد ما يغريه‪.‬‬
‫وهذا القسم هو الذي تشري إليه قاعدتنا‪.‬‬
‫ومن أمثلته‪ :‬مسألة املفقود الذي انقطع خربه ومل يعلم موته وال حياته‪ ،‬فهو حيكم حبياته‪ ،‬ألنه‬
‫حني تغيبه كانت حياته حمققة‪ ،‬فما مل يقم دليل على موته حقيقة أو حيكم مبوته فهو حي حكماً‪ ،‬فليس‬
‫مودعه‪ ،‬وال تبني منه امرأته‪.‬‬
‫لورثته اقتسام تركته‪ ،‬وال تؤخذ وديعته من َ‬
‫الثاين‪ :‬استصحاب احلال للماضي؛ ومعناه‪ :‬أن الشيء على حالته احلاضرة حبكم أنه كان عليها‬
‫يف الزمن املاضي ما مل يقم دليل التغيري‪ ،‬هذا القسم قال به احلنفية والشافعية‪ ،‬ومسوه االستصحاب‬
‫املعكوس أو املقلوب‪.‬‬
‫ومن أمثلته عندهم‪ :‬إذا مات نصراين فجاءت امرأته مسلمة وقالت‪ :‬أسلمت بعد موته فاستحق‬
‫يف مرياثه‪ ،‬وقال الورثة‪ :‬بل أسلمت قبل موته‪ ،‬فال مرياث لك‪ .‬فعند أيب حنيفة وأيب يوسف وحممد‬
‫القول قول الورثة‪ .‬والتعليل‪ :‬أن سبب احلرمان من املرياث وهو اختالف الدين قائم يف احلال‪ ،‬فثبت‬
‫فيما مضى حتكيماً للحال‪ ،‬كما يف جراين ماء الطاحون‪ .‬وعند زفر بن اهلذيل أن القول للزوجة‪.‬‬
‫والتعليل‪ :‬أن إسالمها حادث واحلادث يضاف إىل أقرب أوقاته‪.‬‬

‫حكم االستصحاب‪:‬‬
‫‪8‬‬

‫عند احلنفية‪ :‬االستصحاب عند أكثر احلنفية يصلح حجة للدفع ال لالستحقاق‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫كمسألة املفقود اليت سبقت‪ ،‬حيث أن استصحاب حياته مينع تقسيم تركته وبينونة‬
‫امرأته‪ ،‬ولكنه لو مات شخص يرثه املفقود فال يستحق املفقود من إرثه شيئاً لعدم حتقق‬
‫حياته عند موته مورثه‪.‬‬
‫والتعليل عندهم‪( :‬أن الثابت ابستصحاب احلال يصلح حجة إلبقاء ما كان على ما‬
‫كان وال يصلح إلثبات ما مل يكن)‪.‬‬
‫عند املالكية والشافعية واحلنابلة وبعض احلنفية‪ :‬إن االستصحاب يصلح حجة للدفع‬ ‫‪-2‬‬
‫واالستحقاق حيث قالوا‪ :‬إن املفقود يرث وال يورث‪ ،‬ألنه قبل فقده كان حياً يقيناً‬
‫فيجب استصحابه حياته حىت يظهر خالف ذلك‪.‬‬
‫واحلنابلة يوقفون نصيب املفقود حلني ظهور حياته أو موته‪ ،‬فإن ظهر حياً ورث‪ ،‬وإال رد‬
‫املال لورثة مورث املفقود‪.‬‬

‫من فروع هذه القاعدة‪:‬‬


‫من تيقن الطهارة وشك يف احلدث فهو متطهر‪ ،‬أو تيقن احلدث وشك يف الطهارة فهو‬ ‫‪-1‬‬
‫حمدث‪.‬‬
‫أكل آخر النهار بال اجتهاد وشك يف الغروب‪ ،‬بطل صومه؛ ألن األصل بقاء النهار‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫وأما من أكل آخر الليل وشك يف طلوع الفجر صح صومه؛ ألن األصل بقاء الليل‪.‬‬
‫تعاشر الزوجان مدة مديدة مث ادعت الزوجة عدم الكسوة والنفقة‪ ،‬فالقول قوهلا عند عدم‬ ‫‪-3‬‬
‫بينة الزوج مع ميينها؛ ألن األصل بقاؤمها يف ذمته وعدم أدائهما‪.‬‬

‫استثناء من قاعدة االستصحاب‪:‬‬


‫‪9‬‬

‫األمني يصدق ميينه يف براءة ذمته‪ :‬لو ادعى األمني أنه أعاد الوديعة لصاحبها أو أهنا تلفت يف‬
‫تعد منه أو تقصري‪ ،‬يقبل ادعاؤه مع ميينه‪ ،‬مع أنه كان جيب مبقتضى قاعدة االستصحاب أن يعد‬ ‫يده بال ِ‬
‫األمني مكلفاً إبعادة األمانة ما مل يثبت إعادهتا‪.‬‬
‫ولكن السبب يف تصديقه بيمينه‪ :‬أن األمني هنا يدَّعي براءة الذمة من الضمان‪ ،‬وأما املودع فهو‬
‫يدعي شغل ذمة األمني‪ ،‬وذلك خالف األصل‪( :‬ألن األصل براءة الذمة)‪.‬‬
‫ومن هنا نرى أن كل استثناء من قاعدة أخرى‪( :‬القدمي يرتك على قِ َد ِمه وال يغري إال حبجة)‪.‬‬
‫أي‪ :‬أن القدمي املشروع جيب أن يرتك على حاله ما مل يثبت خالفه‪ ،‬ألن بقاء الشيء مدة طويلة‬
‫دليل على أنه مستند إىل حق مشروع‪ ،‬فيحكم أبحقيته‪ ،‬وذلك من ابب حسن الظن ابملسلمني أبنه ما‬
‫وضع إال بوجه شرعي‪ .‬واملراد ابلقدمي هنا ما ال يعرف أوله ومبدؤه‪ ،‬ال ما يعرف مبدؤه ال يكون قدمياً‪.‬‬
‫ما مل يكن هذا القدمي ضاراً فيجب إزالته بناءً على القاعدة اليت تقول‪( :‬الضرر ال يكون قدمياً)‬
‫أي ال يعترب قِ َدمه حجة يف بقائه‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫احملاضرة الثالثة‪:‬‬
‫القاعدة الثانية‪ :‬األصل براءة الذمة‬

‫دليل هذه القاعدة‪:‬‬


‫هذه القاعدة مأخوذة من احلديث الشريف وهو قوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬البينة على املدعي‬
‫واليمني على املدعى عليه"‪.‬‬

‫املعىن اللغوي للقاعدة‪:‬‬


‫املراد ابألصل يف نص القاعدة (القاعدة املستمرة) كقوهلم‪ :‬األصل أن الفاعل مرفوع‪.‬‬
‫الذمة يف اللغة‪ :‬العهد واألمان إذ أن نقض العهد موجب للذم‪.‬‬
‫والذمة عند الفقهاء‪ :‬أهلية اإلنسان لتحمل عهدة ما جيري بينه وبني غريه من العقود الشرعية أو‬
‫التصرفات‪.‬‬

‫املعىن الفقهي للقاعدة‪:‬‬


‫القاعدة املستمرة أن اإلنسان بريء الذمة من وجوب شيء أو لزومه‪ ،‬وكونه مشغول الذمة‬
‫خالف األصل؛ ألن األصل براءة ذمة اإلنسان‪ .‬فاملتمسك ابلرباءة متمسك ابألصل‪ ،‬واملدعى متمسك‬
‫خبالف األصل‪ ،‬ولذلك ال يقبل يف دعوى شغل الذمة شاهد واحد ما مل يعتضد بشاهد آخر أو ميني‬
‫املدعى عليه‪ ،‬ولذلك كان القول للمدعى عليه مع ميينه عند عدم البينة ألنه متمسك ابألصل‪.‬‬
‫وقد عرب عن ذلك أبو احلسن الكرخي يف أصوله بقوله‪( :‬األصل أن من ساعده الظاهر فالقول‬
‫قوله والبينة على من يدعي خالف الظاهر) ‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫وهذا األصل أي براءة الذمة إمنا يعترب إذا شهد له ظاهر سواء كان الظاهر هو األصل حبسب ما‬
‫يتبادر أو حبسب املعىن‪.‬‬

‫من فروع هذه القاعدة‪:‬‬


‫إذا ادعى رجل على بكر ابلغة َّ‬
‫أن وليها زوجها منه قبل استئذاهنا‪ ،‬فلما بلغها سكتت‬ ‫‪-1‬‬
‫وقالت‪ :‬بل رددت‪ .‬فالقول هلا يف الراجح؛ ألن الزوج يدعي سكوهتا ليتملك بضعها‬
‫من غري ظاهر معه‪ ،‬وهي تنكر‪ ،‬والظاهر هو االستمرار على احلالة املتيقنة‪ ،‬وهي عدم‬
‫ورود ملك عليها الذي هو األصل‪ ،‬فكانت هي متمسكة ابألصل‪ ،‬فكان القول هلا‪ .‬أما‬
‫إن أقام الزوج البينة على سكوهتا‪ ،‬فيعمل هبا‪.‬‬
‫اختلفا يف قيمة املتلف‪ ،‬حيث جتب قيمته على متلفه املتعدي‪ ،‬فالقول قول الغارم‪ ،‬مع‬ ‫‪-2‬‬
‫ميينه ألن األصل براءة ذمته مما زاد‪.‬‬

‫****‬

‫القاعدة الثالثة‪ :‬ما ثبت بيقني ال يرتفع إال بيقني‬

‫أو (الذمة إذا أعمرت بيقني فال تربأ إال بيقني)‪.‬‬


‫هااتن القاعداتن يف احلقيقة بيان للقاعدة الكربى‪ ،‬ألن اليقني إذا مل يُزل ابلشك فهو يزول ويرتفع‬
‫بيقني مثله‪.‬‬

‫أصل هذه القاعدة‪:‬‬


‫‪12‬‬

‫قال السيوطي يف األشباه‪ :‬إن هذه القاعدة ذكرها الشافعي رضي هللا عنه‪.‬‬
‫ويرتبط هباتني القاعدتني قواعد‪:‬‬
‫من شك هل فعل شيئاً أو ال؟ فاألصل أنه مل يفعله‪ .‬وهذه تعود إىل قاعدة (األصل براءة‬ ‫‪-1‬‬
‫الذمة)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬من تيقن الفعل وشك يف القليل أو الكثري محل على القليل) ألنه املتيقن‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫من فروع هذه القاعدة‪:‬‬


‫شك يف ارتكاب فعل منهي عنه وهو يف الصالة فال يسجد؛ ألن األصل عدم الفعل‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫من عليه دين وشك يف قدره‪ ،‬لزمه إخراج القدر املتيقن به إبراء الذمة‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫ولو شك أصلى ثالاثً أم أربعاً‪ ،‬أتى برابعة‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫إذا شك يف بعض أشواط الطواف أو السعي‪ ،‬أو شك هل أتى ابلثالثة يف الوضوء أم ال؟‬ ‫‪-4‬‬
‫يف كل ذلك يبين على األقل ألنه املتيقن‪.‬‬
‫لو شك هل طلق أو مل يطلق؟ مل يقع الطالق‪ ،‬ألن اإلابحة متيقنة بعقد النكاح‪،‬‬ ‫‪-5‬‬
‫والطالق احملرم مشكوك فيه‪ ،‬فال يزول اليقني ابلشك‪.‬‬
‫لو شك أنه طلق واحدة أو أكثر بىن على األقل ألنه املتيقن‪ ،‬واملسألة فيها خالف‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫إذا شك فيما عليه من صيام‪ ،‬أو شكت فيما عليها من عدة هل هي عدة طالق أو‬ ‫‪-7‬‬
‫وفاة ينبغي أن يلزم األكثر عليها وعلى الصائم أخذاً ابألحوط‪ ،‬وهذا بناء على قاعدة‬
‫(الشك يف الزايدة كتحققها)‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫احملاضرة الرابعة‪:‬‬
‫القاعدة الرابعة‪ :‬األصل العدم‬

‫أو (األصل يف الصفات أو األمور العارضة العدم) ‪.‬وردت هذه القاعدة ابلعبارة األوىل عند ابن‬
‫جنيم والسيوطي‪.‬‬
‫فاألشياء هلا صفات وهذه الصفات نوعان‪:‬‬

‫(ا) صفات أصلية‪ :‬وهي ما كان األصل وجودها يف املوصوف ابتداءً مثل كون املبيع صحيحاً‬
‫سليماً من العيوب‪.‬‬
‫صفات األصل عدم وجودها يف املوصوف‪ ،‬ومل يتصف هبا ابتداءً‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫(ب) صفات عارضة‪ :‬وهي‬
‫كالعيب يف املبيع والربح واخلسارة يف مال املضاربة‪.‬‬
‫مثال‪ :‬لو اشرتى شخص من آخر فرساً أو سيارة‪ ،‬وتسلمه مث ادعى أن فيه عيباً قدمياً‪ ،‬وادعى‬
‫البائع السالمة من العيوب‪ ،‬وال بينة ألحدمها فالقول قول البائع مع ميينه‪ ،‬ألن سالمة البضاعة من‬
‫الصفات األصلية‪ ،‬واألصل فيها الوجود‪ .‬والذي يدعي الصفة األصلية متمسك أبصل متيقن وظاهر‪،‬‬
‫فالقول له مع ميينه ألنه مدعى عليه‪ ،‬ومن ادعى خالف األصل فعليه البيِنة‪.‬‬

‫معىن القاعدة‪:‬‬
‫أنه عند االختالف يف ثبوت الصفة العارضة وعدمها القول قول من يتمسك بعدمها مع ميينه‪.‬‬

‫فروع هذه القاعدة‪:‬‬


‫‪14‬‬

‫إذا اختلف شريكا املضاربة يف حصول الربح وعدمه‪ ،‬فقال رب املال‪ :‬رحبت ألفاً وقال‬ ‫‪-1‬‬
‫املضارب‪ :‬ما حصل ربح‪ ،‬فالقول للمضارب مع ميينه‪ ،‬لتمسكه ابألصل وهو عدم الصفة‬
‫العارضة وهي الربح‪ ،‬إال عند وجود البينة على خالفه‪.‬‬
‫لو ثبت على أحد دين إبقرار أو بينة‪ ،‬مث ادعى األداء أو اإلبراء‪ ،‬فالقول لغرميه مع ميينه‪،‬‬ ‫‪-2‬‬
‫ألن األصل عدم ذلك‪ ،‬فثبوت الدين يف الذمة متيقن‪ ،‬ودعوة األداء أو اإلبراء بعد ذلك‬
‫مشكوك فيها‪ ،‬فعلى مدعيها البينة‪.‬‬

‫من مستثنيات هذه القاعدة‪:‬‬


‫إذا أراد الواهب الرجوع يف اهلبة‪ ،‬وادعى املوهوب له تلف اهلبة‪ ،‬فالقول له بال ميني‪ ،‬والعلة يف‬
‫ذلك؛ أن تلف اهلبة وصف عارض وهو خالف األصل‪ ،‬فكان الواجب مبقتضى القاعدة أن يكون‬
‫املوهوب له مكلفاً إبثبات ذلك‪ ،‬لكن مبا أن املوهوب له هنا ينكر وجوب الرد على الواهب‪ ،‬فأصبح‬
‫شبيهاً ابملستودع الذي يدعي براءة الذمة‪.‬‬

‫***‬
‫‪15‬‬

‫احملاضرة اخلامسة‪:‬‬
‫القاعدة اخلامسة‪ :‬األصل إضافة احلادث إىل أقرب أوقاته‬

‫معىن هذه القاعدة‪:‬‬


‫إذا وقع اختالف يف زمن حدوث أمر‪ ،‬وال بينة ينسب هذا األمر إىل أقرب األوقات إىل احلال‪،‬‬
‫ما مل يثبت نسبته إىل زمن أبعد‪.‬‬
‫تعليل ذلك‪ :‬ألن أحكام احلوادث وما يرتتب عليها كثرياً ما ختتلف ابختالف اتريخ حدوثها‪،‬‬
‫فعند التنازع يف اتريخ احلادث حيمل على الوقت األقرب إىل احلال حىت يثبت األبعد‪ ،‬ألن وجود احلادث‬
‫يف الوقت األقرب متيقن ويف األبعد مشكوك‪.‬‬

‫فروع هذه القاعدة‪:‬‬


‫لو تبني يف املبيع عيب بعد القبض وادعى البائع حدوثه عند املشرتي وادعى املشرتى‬ ‫‪-1‬‬
‫حدوثه عند البائع‪ ،‬فالقول ملدعي الوقوع يف الزمن األقرب‪ ،‬ويعترب العيب هنا حاداثً عند‬
‫املشرتي‪ ،‬فيكون القول للبائع منع ميينه‪ ،‬وليس للمشرتي حق فسخ البيع حىت يثبت أن‬
‫العيب قدمي عند البائع‪ ،‬إال أن يكون العيب مما ال حيدث‪ ،‬بل هو من أصل اخللقة‬
‫كاخليف يف الفرس‪.‬‬
‫من رأى يف ثوبه منياً ومل يذكر احتالماً لزمه الغسل وجتب عليه إعادة كل صالة صالها‬ ‫‪-2‬‬
‫من آخر نومه انمها فيه‪.‬‬
‫ومن ضرب بطن حامل فانفصل الولد حياً‪ ،‬وبقي زماانً بال أمل مث مات‪ ،‬فال ضمان على‬ ‫‪-3‬‬
‫الضارب ألن الظاهر أن الولد مات بسبب آخر إال إذا عاضد ذلك السبب ظاهر قوي‬
‫كمن ُجرح وبقي زماانً يتأمل من جرحه مث مات فينسب املوت هنا إىل اجلرح ألنه سبب‬
‫ظاهر مع احتمال أن يكون مات بغريه‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫من مستثنيات هذه القاعدة‪:‬‬


‫إذا ادعت زوجة ذمي نصراين أو يهودي أهنا أسلمت بعد وفاة زوجها‪ ،‬وأن هلا احلق يف أن ترث‬
‫منه لكوهنا على دينه حني وفاته‪ ،‬وادعى الورثة أهنا أسلمت قبل وفاته فال ترث الختالف الدين‪ ،‬فهذا‬
‫الفرع تنازعه أصالن‪:‬‬
‫األصل األول‪ :‬االستصحاب املعكوس أو املقلوب‪ ،‬وهو أن اختالف الدين سبب للحرمان من‬
‫اإلرث وهو موجود ابحلال‪ ،‬فاستصحب احلال للماضي فاعتربت الزوجة مسلمة يف الزمن السابق أيضاً‬
‫فال ترث‪ ،‬ويكون القول للورثة وعلى الزوجة البينة‪ ،‬وهبذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف وحممد‪.‬‬
‫واألصل الثاين‪ :‬إضافة احلادث إىل أقرب أوقاته‪ ،‬فيكون القول للزوجة؛ ألن اعتناقها اإلسالم أمر‬
‫حادث والزوجة تدعي حدوثه يف الوقت األقرب‪ ،‬وعلى الورثة أن يثبتوا خالف األصل‪.‬‬
‫‪17‬‬

‫احملاضرة السادسة‪:‬‬
‫القاعدة السادسة‪ :‬هل األصل ىف األشياء اإلابحة أو احلرمة؟‬

‫يف هذه املسألة ثالثة أقوال‪ ،‬ولكل قول أدلته‪:‬‬


‫القول األول‪ :‬األصل يف األشياء اإلابحة‪ ،‬وهذا قول األكثرين‪ .‬ومن أدلة هذا القول‪:‬‬
‫(ا) من الكتاب العزيز‪:‬‬
‫ِ‬
‫األرض مجيعاً) ‪ .‬سورة البقرة‪ ،‬آية (‪ .)29‬واالستدالل‬ ‫‪ -1‬قوله تعاىل‪( :‬هو الذي خلَ َق لكم ما يف‬
‫هبذه اآلية من وجهني‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬إن هذه اآلية وردت يف مقام االمتنان فقد امنت هللا سبحانه وتعاىل علينا خبلق ما‬
‫يف األرض لنا‪ ،‬وأبلغ درجات املن اإلابحة‪.‬‬
‫والوجه الثاين‪ :‬أن هللا عز وجل أضاف ما خلق لنا ابلالم‪ ،‬والالم تفيد امللك وأدىن درجات‬
‫امللك إابحة االنتفاع ابململوك‪.‬‬
‫إيل ُحمرماً على ِ‬
‫طاع ٍم يطعمه إال أن يكو َن ميتةً أو دماً مسفوحاً‬ ‫‪ -2‬قوله تعاىل‪( :‬قُل ال أ َِج ُد ما أُوحي َّ‬
‫غفور‬
‫فإن ربك ٌ‬
‫ابغ وال ٍ‬
‫عاد َّ‬ ‫جس أو فِسقاً أ ُِه َّل لغري هللا به فَ َم ِن اضطَُّر غري ٍ‬
‫ٌ‬
‫أو َحلم ِخنزي ِر فإنه ِ‬
‫ر‬ ‫َ‬
‫رحيم) ‪ .‬سورة األنعام‪ ،‬آية (‪ . )145‬فجعل األصل اإلابحة والتحرمي مستثن‪.‬‬ ‫ٌ‬

‫(ب) من السنة املطهرة‪:‬‬


‫حرم هو حرام‪ ،‬وما سكت عنه فهو‬ ‫‪ -1‬قوله صلى هللا عليه وسلم‪( :‬ما أحل هللا فهو حالل‪ ،‬وما َّ‬
‫عفو‪ ،‬فأقبلوا من هللا عافيته‪ ،‬فإن هللا مل يكن لينسى شيئاً) ‪ .‬احلديث رواه أبو الدرداء وأخرجه‬
‫بسند حسن‪ ،‬وقال احلاكم‪ :‬صحيح اإلسناد‪.‬‬ ‫البطراين والبزار ٍ‬
‫‪18‬‬

‫حيرم ِ‬
‫فحرم من أجل‬ ‫‪ -2‬قوله صلى هللا عليه وسلم‪( :‬أعظم املسلمني جرماً من سأل عن شيء مل َّ‬
‫مسألته)‪.‬‬

‫(ج) دليالن عقليان‪:‬‬


‫‪ -1‬إن االنتفاع ابملباح انتفاع مبا ال ضرر فيه على املالك‪ ،‬وهو هللا سبحانه قطعاً‪ ،‬وال على املنتفع‬
‫فوجب أن ال ميتنع؛ كاالستضاء بضوء السراج واالستظالل بظل اجلدار‪.‬‬
‫‪ -2‬إن هللا سبحانه إما أن يكون خلق هذه األعيان أو األشياء حلكمة أو لغري حكمة‪ .‬وكونه‬
‫خلقها لغري حكمة ابطل؛ وال ختلو هذه احلكمة‪ :‬إما تكون لعود النفع إليه سبحانه أو إلينا‪.‬‬
‫واألول ابطل الستحالة االنتفاع عليه عز وجل‪ .‬فثبت أنه خلقها لينتفع هبا احملتاجون إليها‪،‬‬
‫فعلى ذلك كان نفع احملتاج مطلوب احلصول أينما كان‪ ،‬فثبت أن األصل يف املنافع اإلابحة‪.‬‬

‫القول الثاين‪ :‬األصل يف األشياء التحرمي؛ وبه قال بعض أصحاب احلديث والقاضي وبعض‬
‫املعتزلة‪ .‬واستدلوا مبا يلي‪:‬‬
‫الل وهذا حر ٌام لتفرتوا‬
‫ب هذا َح ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ف ألسنتُكم الكذ َ‬‫استدلوا بقوله تعاىل‪( :‬وال تقولوا لما تَص ُ‬ ‫‪-1‬‬
‫على هللا) ‪ .‬سورة النحل‪ ،‬آية (‪ . )116‬قالوا‪ :‬أخرب هللا سبحانه أن التحرمي والتحليل ليس‬
‫إلينا‪ ،‬وإمنا إليه‪ ،‬فال نعلم احلالل واحلرام إال إبذنه‪.‬‬
‫وجياب على هذا‪ :‬أبن القائلني ابإلابحة مل يقولوا بذلك من جهة أنفسهم‪ ،‬بل قالوه‬
‫ابلدليل الذي استدلوا به من كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وأيضاً هذا‬
‫الدليل كما هو لكم هو عليكم ألنكم حرمتم شيئاً مل يقم الدليل على حترميه‪.‬‬
‫استدل بعضهم بقوله صلى هللا عليه وسلم‪( :‬احلالل ِبني واحلرام ِبني وبينهما أمور‬ ‫‪-2‬‬
‫مشتبهات ال يعلمهن كثريٌ من الناس‪ ،‬فمن اتقى الشبهات فقد استربأ لدينه وعرضه)‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫فأرشد صلى هللا عليه وسلم إىل اتقاء الشبهات برتك ما بني احلالل واحلرام‪ ،‬ومل جيعل‬
‫األصل فيه أحدمها‪.‬‬
‫وأجيب عنه‪ :‬أبن هذا احلديث ال يدل على أن األصل املنع‪ ،‬ألن املراد ابملشتبهات يف‬
‫احلديث ما تنازعه دليالن أو ما تعارض عليه األدلة‪ ،‬أما ما سكت عنه فهو مما عفا هللا‬
‫عنه‪.‬‬
‫كذلك استدلوا بدليل عقلي فقالوا‪ :‬إن التصرف يف ملك الغري بغري إذنه ال جيوز‪ ،‬والقول‬ ‫‪-3‬‬
‫ابإلابحة دون دليل تصرف يف ملك هللا بغري إذنه‪ ،‬وهذا ابطل‪.‬‬
‫وأجيب عنه‪ :‬أن هذه أبن ذلك ابلنسبة للعباد ألهنم يصيبهم الضرر عند التصرف يف‬
‫أمالكهم بغري إذهنم‪ ،‬وأما ابلنسبة هلل عز وجل فذلك غري وارد؛ ألنه سبحانه ال يصيبه‬
‫ضرر بتصرف العباد فيما ميلك‪ ،‬ومل يرد دليل ابملنع‪.‬‬

‫القول الثالث‪ :‬التوقف؛ فهؤالء تعارضت عندهم األدلة فلم يرتجح واحد منها‪ .‬وأصحاب هذا‬
‫الرأي بعض احلنفية‪ ،‬وأبو احلسن األشعري‪ ،‬وأبو بكر الصرييف‪ ،‬وأبو احلسن اخلزري احلنبلي‪.‬‬
‫ورد على هذا القول‪ :‬أبن لكل تصرف حكم وال خيلو تصرف عن حكم عرفه من عرفه وجهله‬
‫من جهله‪.‬‬

‫من فروع هذه القاعدة‪:‬‬


‫يتخرج على هذه القاعدة ما أشكل حاله مما سكت عنه الشارع؛‬
‫كاحليواانت اليت مل ينص هللا عز وجل وال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على حترميها أو‬ ‫‪-1‬‬
‫حتليلها بدليل عام وال خاص‪.‬‬
‫كذلك النبااتت اليت تنبتها األرض مما يدل دليل على حترميها وال كانت مما يضر‬ ‫‪-2‬‬
‫مستعمله بل مما ينفعه‪.‬‬
‫‪20‬‬

‫ويتخرج على هذا األصل كثري من األطعمة واألشربة من النبااتت والفواكه واحلبوب اليت‬ ‫‪-3‬‬
‫ترد إلينا من بالد بعيدة وال نعرف أمساءها ومل يثبت ضررها‪.‬‬
‫ويتخرج عليها أيضاً كثري من أنواع الفرش واألاثث واآلالت املستحدثة فيما ال يندرج‬ ‫‪-4‬‬
‫حتت هني‪.‬‬
‫كما يتخرج عليها أيضاً بعض أنواع العقود املستحدثة واملعامالت اجلديدة إذا ثبت‬ ‫‪-5‬‬
‫خلوها عن الراب واجلهالة والغرر والضرر‪.‬‬

‫ما يستثىن من القاعدة‪:‬‬


‫استثىن من هذه القاعدة قاعدة أخرى متفق عليه‪( :‬األصل يف األبضاع التحرمي) كما سيأيت بعد‬
‫هذا املبحث‪.‬‬
‫‪21‬‬

‫احملاضرة السابعة‪:‬‬
‫القاعدة السابعة‪ :‬األصل ىف األبضاع التحرمي‬

‫معىن القاعدة‪:‬‬
‫املراد ابألبضاع‪ :‬الفروج‪ ،‬مجع بُضع‪ .‬وهو‪ :‬الفرج كناية عن النساء والنكاح‪.‬‬
‫أي‪ :‬أن األصل يف النكاح احلرمة واحلظر وأبيح لضرورة حفظ النسل‪ ،‬ولذلك مل يبحه هللا سبحانه‬
‫وتعاىل إال إبحدى طريقتني‪ :‬مها العقد وملك اليمني‪ ،‬وما عدامها فهو حمظور‪.‬‬

‫من فروع القاعدة‪:‬‬


‫لو أن رجالً له جوا ٍر أعتق واحدة منهم بعينها‪ ،‬مث نسيها فلم يدر أيتهن أعتق‪ ،‬مل يسعه‬ ‫‪-1‬‬
‫أن يتحرى للوطء وال للبيع مبعىن أنه حيرم عليه أن يطأ واحدة منهن أو يبيعها ولو حترى‬
‫واجتهد‪.‬‬
‫إذا طلق إحدى نسائه بعينها ثالاثً مث نسيها‪ ،‬فإنه ال يسع احلاكم أن خيلي بينهن وبينه‬ ‫‪-2‬‬
‫حىت يبني املطلقة من غريها‪ .‬هذا رأي اجلمهور يف هذه املسألة‪.‬‬

‫***‬

‫القاعدة الثامنة‪ :‬ال عربة للداللة يف مقابلة التصريح‬


‫املراد ابلداللة هنا‪ :‬غري اللفظ؛ من حال أو عرف أو إشارة أو يد أو غري ذلك‪ .‬وأما الصريح‬
‫فهو عند العلماء ما كان املراد منه ظاهراً ظهوراً بيِناً واتماً ومعتاداً نطقاً أو كتابة‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫معىن القاعدة‪:‬‬
‫أن التصريح ابملراد أقوى من الداللة فإذا تعارض الصريح والداللة‪ ،‬فال عمل للداللة وال اعتداد‬
‫هبا‪ .‬وأما عند عدم التعارض؛ فيعمل ابلداللة ألهنا يف حكم التصريح وقوته‪ ،‬وهذا يف املواضع اليت‬
‫جعلوا السكوت فيها كالنطق‪ .‬وذلك‪ :‬ألن داللة احلال يف مقابلة الصريح ضعيفة‪ ،‬فال تقاوم التصريح‬
‫القوي‪.‬‬

‫جمال العمل هبذه القاعدة‪:‬‬


‫جمال هذه القاعدة هو‪ :‬األحكام املتعلقة ابلتعبري عن اإلرادة من إجياب وقبول وإذن ومنع رضا‬
‫ورفض‪ ،‬وحنو ذلك‪ .‬فعلى ذلك لو أن شخصاً كان مأذوانً بداللة احلال بعمل شيء فمنع صراحة عن‬
‫عمل ذلك الشيء فال يبقى اعتبار حلكم ذلك اإلذن الناشئ عن الداللة‪.‬‬

‫فروع هذه القاعدة‪:‬‬


‫إذا دخل إنسان دار آخر إبذنه فوجد إانءً معداً للشرب فهو إذن ابلشرب داللة‪ ،‬فإذا‬ ‫‪-1‬‬
‫أخذ ذلك اإلانء ليشرب منه فوقع من يده وانكسر‪ ،‬فهو غري ضامن‪ .‬وأما لو هناه‬
‫صاحب البيت أو الدار عن الشرب منه‪ ،‬مث أخذه ليشرب به فوقع وانكسر‪ ،‬فإنه يضمن‬
‫قيمته؛ ألن التصريح ابلنهي أبطل حكم اإلذن املستند إىل داللة احلال‪.‬‬
‫األمني له السفر ابلوديعة داللة فأما إذا هناه املودع عن السفر هبا صراحة فليس له السفر‬ ‫‪-2‬‬
‫هبا؛ ألن التصريح أقوى من الداللة‪.‬‬
‫قبلت‪،‬‬ ‫ِ‬
‫لو تصدق على إنسان فسكت املتصدَّق عليه يثبت له امللك وال حاجة إىل قوله‪ُ :‬‬ ‫‪-3‬‬
‫لكن لو صرح ابلرد والرفض ال ميلك؛ ألن الصريح أقوى من الداللة‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫مىت ترجح الصراحة على الداللة؟‬


‫إمنا تكون الصراحة راجحة على الداللة عند حصول معارضة بينهما قبل ترتب حكم مستند إىل‬
‫الداللة‪ ،‬أما بعد العمل ابلداللة‪ ،‬أي بعد ترتب احلكم وجراينه استناداً إليها‪ ،‬فال اعتبار للصراحة‪.‬‬

‫استثناء من القاعدة‪:‬‬
‫قد تكون الداللة أقوى من الصريح إذا كانت داللة الشرع‪ ،‬ألن داللة الشرع أقوى من صريح‬
‫العبد‪ ،‬لعدم احتمال داللة الشرع الكذب‪ ،‬فيعمل هبا‪.‬‬
‫فإذا أنكر الزوج مجاع زوجها املطلقة رجعياً أو أنه راجعها يف العدة بقوله‪ :‬مل أجامعها أو مل‬
‫أراجعها‪ .‬فيعمل بداللة الشرع وينسب الولد إليه؛ ألن داللة الشرع يف أن الولد للفراش أقوى من صريح‬
‫العبد‬
‫‪24‬‬

‫احملاضرة الثامنة‪:‬‬
‫القاعدة التاسعة‪ :‬ال ينسب إىل ساكت قول‪،‬‬
‫ولكن السكوت يف معرض احلاجة إىل البيان بيان‬

‫هذه القاعدة مشتملة على فقرتني‪:‬‬


‫الفقرة األوىل‪ :‬تفيد أن الشرع حيث ربط معامالت الناس ابلعبارات الدالة على املقاصد فما‬
‫جعل للسكوت حكماً ينبين عليه شيء كما تبىن األحكام على األلفاظ‪ .‬وهلذا قال‪ :‬ال ينسب إىل‬
‫ساكت قول‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬كاالستثناء مما قبلها‪- ،‬وهي قاعدة ذكرها األصوليون أيضاً‪ -‬حيث أفادت أن‬
‫السكوت يف حكم النطق‪ ،‬وذلك يف كل موضع متس احلاجة فيه إىل البيان‪.‬‬
‫ومسى األصوليون هذا بيان الضرورة‪ ،‬وهو نوع من أنواع البيان يقوم السكوت فيه مقام الكالم‪،‬‬
‫إما لداللة حال يف املتكلم تدل على أن سكوته لو مل يكن بياانً ما كان ينبغي له أن يسكت عنه وذلك‬
‫كسكوت صاحب الشرع صلى هللا عليه وسلم عند أمر يعاينه‪ ،‬عن التغيري أو اإلنكار‪ ،‬فيكون سكوته‬
‫إذانً به‪.‬‬
‫وإما ألجل حال يف الشخص اعترب سكوته كالماً ألجل حاله‪ ،‬كسكوت البكر البالغة يف‬
‫إجازة النكاح ألجل حاهلا املوجبة للحياء عن بيان الرغبة يف الرجال‪.‬‬
‫والفقرة األوىل من هذه القاعدة هي األصل‪ ،‬ألن املعامالت مربوطة ابلعقود واأللفاظ الصرحية‪.‬‬
‫و من فروعها‪:‬‬
‫إذا سكتت الثيب عند االستئذان يف النكاح مل يقم سكوهتا مقام اإلذن قطعاً‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫لو ابع أجنيب مال أحد فضوالً وسلمه للمشرتي‪ ،‬وصاحب املال يشاهد البيع والتسليم‬ ‫‪-2‬‬
‫وهو ساكت أو بلغه فسكت‪ ،‬ال يعد سكوته توكيالً ابلبيع وال إجازة‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫لو أتلف شخص مال آخر وصاحب املال يشاهد وهو ساكت‪ ،‬ال يكون سكوته إذانً‬ ‫‪-3‬‬
‫ابإلتالف‪ ،‬بل له أن يضمنه‪.‬‬
‫وأما الفقرة الثانية من هذه القاعدة فهي كاالستثناء من األوىل؛ إذ يعترب السكوت فيها‬
‫كالنطق‪ ،‬فمسائلها حمصورة معدودة ابالستقراء حيث أوصلها بعض الفقهاء إىل نيف وأربعني مسألة‪،‬‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ -1‬سكوت البكر عند استثمار وليها قبل التزويج‪.‬‬
‫‪ -2‬سكوهتا عند قبض أبيها مهرها من زوجها‪.‬‬
‫‪ -3‬لو حلفت أن ال تتزوج فزوجها أبوها فسكتت حنثت‪.‬‬

‫****‬

‫القاعدة العاشرة‪ :‬ال عربة ابلتوهم‬

‫معىن القاعدة‪:‬‬
‫ال عربة‪ :‬أي ال اعتبار وال اعتداد‪.‬‬
‫التوهم‪ :‬التخيل والتمثل يف الذهن‪ ،‬وهو أدىن درجة من الظن أو الشك‪ ،‬واملراد به هنا‪ :‬االحتمال‬
‫العقلي البعيد النادر احلصول‪ ،‬فهذا ال ينبين عليه حكم‪ ،‬وال مينع القضاء وال يؤخر احلقوق؛ ألن التوهم‬
‫غري مستند إىل دليل عقلي أو حسي‪ ،‬بل هو أحط درجة من الشك‪.‬‬
‫فيكون معىن القاعدة‪:‬‬
‫(ال يثبت حكم شرعي استناداً إىل وهم‪ ،‬كما ال جيوز أتخري الشيء الثابت بصورة قطعية بوهم‬
‫طارئ) ‪.‬‬
‫‪26‬‬

‫فروع هذه القاعدة‪:‬‬


‫لو اشتبهت عليه القبلة فصلى إىل جهة بدون حتر وال اجتهاد‪ ،‬ال تصح صالته؛ البتنائها‬ ‫‪-1‬‬
‫على جمرد الوهم‪ ،‬خبالف ما لو حترى واجتهد مع غلبة الظن إذ تصح صالته وإن أخطأ‬
‫القبلة‪.‬‬
‫إذا مات الشهود أو غابوا بعد أداء الشهادة يف املعامالت فللحاكم أن يزكيهم وحيكم‬ ‫‪-2‬‬
‫بشهادهتم‪ ،‬وال يؤخر احلكم لتوهم رجوعهم عن الشهادة؛ ألن التوهم ال عربة به‪.‬‬
‫لو مات مدين عن تركة مستغرقة ابلديون‪ ،‬وطلب الغرماء من القاضي بيعها وتقسيم‬ ‫‪-3‬‬
‫أمثاهنا بينهم‪ ،‬يفعل وال يؤخر العمل مبجرد احتمال ظهور دائن آخر‪ ،‬إذ ال عربة ابلتوهم‪.‬‬
‫‪27‬‬

‫احملاضرة التاسعة‪:‬‬
‫القاعدة احلادية عشر‪ :‬ال عربة ابلظن البني خظؤه‬

‫معىن القاعدة‪:‬‬
‫الظن‪ :‬هو إدراك االحتمال الراجح الذي ظهر رجحانه على نقيضه بدليل معترب‪ ،‬فإذا ازداد قوة‬
‫حىت أصبح خالفه موهوماً فهو غالب الظن‪.‬‬
‫فيكون معىن هذه القاعدة االصطالحي‪:‬‬
‫(إذا بين فعل من حكم أو استحقاق على ظن مث تبني خطأ ذلك الظن فيجب عدم اعتبار ذلك‬
‫الفعل وإلغاؤه)‪.‬‬

‫جماالت اعتبار هذه القاعدة‪:‬‬


‫هذه القاعدة هلا فروع خمتلفة األنواع تشمل‪ :‬االجتهادايت وأحكام القضاة والعبادات واملعامالت‬
‫اجلارية بني الناس من عقود وإقرار وإبراء وغريها‪ ،‬فالعربة يف مجيع ذلك ملا يف نفس ال خلطأ الظن‪ ،‬فكل‬
‫ما كان مبنياً على خطأ الظن ال يعترب‪.‬‬

‫فروع هذه القاعدة‪:‬‬


‫اجملتهد يف املسائل الظنية إذا عرض له استنباط أو دليل آخر أقوى فيجب عليه الرجوع‬ ‫‪-1‬‬
‫عن قوله األوىل إىل ذلك القول اآلخر‪ ،‬ألن القول األول ثبت أنه كان مبنياً على ظن‬
‫خاطئ‪.‬‬
‫‪28‬‬

‫القاضي إذا حكم على ظن أن حكمه موافق للشرع وهو يف نفس األمر ليس كذلك‬ ‫‪-2‬‬
‫فحكمه ابطل ال عربة به‪ ،‬وجيب الرجوع إىل احلكم املوافق للشرع‪ ،‬كما لو ظهر أن‬
‫الشهود عبيد‪ ،‬مثالً بطل حكمه‪.‬‬
‫إذا قال الزوج لزوجته‪ :‬إن كان زيد يف الدار فأنت طالق ثالاثً‪ ،‬ومضى مع زوجته على‬ ‫‪-3‬‬
‫ظن أن زيداً ليس يف الدار‪ ،‬مث تبني يف الغد وجوده فيها‪ ،‬فتعترب الزوجة طالقاً من حني‬
‫القول‪ ،‬وتعتد منه ال من وقت التبني‪.‬‬
‫ويف العبادات‪ :‬لو ظن املاء جنساً فتوضأ به مث تبني أنه طاهر‪ ،‬جاز وضوءه إذا مل يصل‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫وأما إذا صلى فيعيد الصالة‪.‬‬
‫لو ظن أنه متطهر فصلى مث تبني له احلدث‪ ،‬أو ظن دخول الوقت فصلى مث تبني أنه‬ ‫‪-5‬‬
‫صلى قبل الوقت‪ ،‬أو ظن طهارة املاء فتوضأ به مث تبني جناسته‪ ،‬ففي كل ذلك ال اعتداد‬
‫بظنه ألنه ظن تبني خطؤه‪.‬‬

‫استثناءات من هذه القاعدة‪:‬‬


‫لو أعطى زكاته من ظنه مصرفاً هلا‪ ،‬مث تبني أنه غين أو أنه ابنه‪ ،‬أجزأه عند أيب حنيفة‬ ‫‪-1‬‬
‫وحممد ومجهور الفقهاء‪ ،‬ومل جيزئه عند أيب يوسف‪.‬‬
‫لو صلى يف ثوب وعنده أنه جنس فظهر أنه طاهر‪ ،‬أعاد الصالة‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫لو صلى وعنده أنه حمدث مث ظهر أنه متوضئ‪ ،‬أعاد كذلك‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫لو صلى الفرض وعنده أن الوقت مل يدخل فظهر أنه كان قد دخل‪ ،‬مل جيزئه ووجب عليه‬ ‫‪-4‬‬
‫إعادة الصالة‪.‬‬
‫لو خاطب امرأته ابلطالق وهو يظنها أجنبية‪ ،‬نفذ طالقه وعتقه‪ ،‬وال عربة خبطأ ظنه يف‬ ‫‪-5‬‬
‫كل هذه املسائل‪.‬‬
‫‪29‬‬

‫احملاضرة العاشرة‪:‬‬
‫القاعدة الثانية عشر‪ :‬املمتنع عادة كاملمتنع حقيقة‬
‫معىن القاعدة‪:‬‬
‫املمتنع حقيقة‪ :‬هو املستحيل الذي ال ميكن وقوعه عقالً‪ ،‬كمن ادعى على من هو أصغر منه أو‬
‫مساويه سناً أنه أبوه‪ ،‬فهذا االدعاء غري مقبول قطعاً لالستحالة‪.‬‬
‫وأما املمتنع عادة‪ :‬فهو الذي مل يعهد وقعه وإن كان فيه احتمال عقلي بعيد‪ ،‬كما لو ادعى‬
‫معروف الفقر أمواالً عظيمة على آخر أنه اقرتضها منه دفعة واحدة‪ ،‬ال تسمع هذه الدعوى ألهنا‬
‫مستحيلة عادة‪.‬‬

‫من فروع هذه القاعدة‪:‬‬


‫من أقر بثوب يف عشرة أثواب لزمه ثوب واحد عند أيب حنيفة وأيب يوسف‪ ،‬ألن العادة‬ ‫‪-1‬‬
‫متنع أن يلف يف عشرة أثواب‪ ،‬فكان كاملمتنع حقيقة‪ ،‬وأما عند حممد فيلزمه أحد عشر‬
‫ثوابً‪ ،‬ألن النفيس من الثياب قد يلف يف عشرة أثواب‪ ،‬فأمكن جعلها ظرفاً له‪.‬‬
‫ويدخل حتت هذه القاعدة كل شيء مستبعد يف العادة‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫***‬

‫القاعدة الثالثة عشر‪ :‬الحجة مع االحتمال الناشئ عن دليل‬


‫معىن القاعدة‪:‬‬
‫احلجة هي الربهان‪.‬‬
‫‪30‬‬

‫الدليل‪ :‬مأخوذ من الداللة‪ ،‬ومعناها اإلرشاد‪ .‬والدليل اصطالحاً‪ :‬كون الشيء حبيث يلزم من‬
‫العلم به العلم أو الظن بشيء آخر‪.‬‬
‫معىن القاعدة اصطالحاً‪:‬‬
‫إنه ال حجة مقبولة أو مفيدة مع االحتمال الذي ينشأ عن دليل ظين أو قطعي بوجود هتمة‪.‬‬
‫وأصل هذه القاعدة يف أتسيس النظر‪( :‬إن التهمة إذا متكنت من فعل الفاعل حكم بفساد فعله)‬
‫وهذا عند أيب حنيفة دون صاحبيه ودون الشافعي‪.‬‬
‫ومعىن "متكن التهمة" أن هلا مؤيداً من ظاهر احلال وليست جمرد توهم‪.‬‬

‫من فروع هذه القاعدة‪:‬‬


‫لو أقر شخص من مرض موته لبعض ورثته بدين‪ ،‬ال ينفذ إقراره إال بتصديق ابقي الورثة‪ ،‬ألن‬
‫احتمال اختاذ هذا اإلقرار مطية لرتجيح بعض الورثة على بعض يف اإلرث هو احتمال قوي تدل عليه‬
‫حالة املرض‪ .‬وأما إذا كان اإلقرار يف حال الصحة فجائز‪ ،‬واحتمال إرادة حرمان بعض الورثة حينئذ من‬
‫حيث إنه احتمال جمرد ونوع من التوهم ال مينع حجية اإلقرار‪.‬‬

‫***‬

You might also like