Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 56

‫الشيخ‪/‬ندا أبو أحمد‬

‫ماذا تعرف عن القبر؟‬


‫‪ 6‬ـ أسئلة وأجوبة حول القبر‬
‫‪‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫إنَّ الحم َد هلل نحمدُه‪ ،‬ونستعينُه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات‬
‫أعمالنا‪َ ،‬من يهد هللا ُفال مضل له‪ ،‬و َمن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا‪ ،‬وحده‬
‫ال شريك له‪ ،‬وأشهد أنَّ محم ًدا عبدهُ ورسولُه‪.‬‬
‫ون} (آل عمران‪)102 :‬‬ ‫ق تُقَاتِ ِه َوالَ تَ ُموتُنَّ ِإالَّ َوَأنتُم ُّم ْ‬
‫سلِ ُم َ‬ ‫{يَا َأيُّ َها الَّ ِذ َ‬
‫ين آ َمنُو ْا اتَّقُو ْا هّللا َ َح َّ‬
‫ث ِم ْن ُه َما‬
‫ق ِم ْن َها َز ْو َج َها َوبَ َّ‬‫س َوا ِحـــ َد ٍة َو َخلَـــ َ‬ ‫اس اتَّقُـــو ْا َربَّ ُك ُم الَّ ِذي َخلَقَ ُكم ِّمن نَّ ْف ٍ‬‫{يَا َأ ُّي َها النَّ ُ‬
‫علَ ْي ُك ْم َرقِيبًــا} (النس اء‪:‬‬‫ان َ‬ ‫ون بِ ِه َواَأل ْر َحا َم ِإنَّ هّللا َ َك َ‬‫ساءلُ َ‬‫ساء َواتَّقُو ْا هّللا َ الَّ ِذي تَ َ‬ ‫ِر َجااًل َكثِي ًرا َونِ َ‬
‫‪)1‬‬

‫ص ـلِ ْح لَ ُك ْم َأ ْع َمــالَ ُك ْم َويَ ْغفِـ ْ‬


‫ـر لَ ُك ْم‬ ‫ين آ َمنُــوا اتَّقُــوا هَّللا َ َوقُولُــوا قَـ ْ‬
‫ـواًل َ‬
‫س ـ ِدي ًدا (‪ )70‬يُ ْ‬ ‫{يَا َأيُّ َها الَّ ِذ َ‬
‫ما} (األحزاب ‪)71،70:‬‬ ‫از فَ ْو ًزا َع ِظي ً‬
‫سولَهُ فَقَ ْد فَ َ‬‫ُذنُوبَ ُك ْم َو َمن يُ ِط ْع هَّللا َ َو َر ُ‬

‫أما بعد‪....‬‬
‫فإن أصدق الحديث كتاب هللا ــ تعالى ــ‪ ،‬وخير الهدي‪ ،‬هدي محمد ﷺ‪ ،‬وشر األمور‬
‫محدثاتها‪ ،‬وكل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة‪ ،‬وكل ضاللة في النار‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫نبض الرسالة‬
‫س‪ :‬ما هي مترادفات القبر؟‬
‫س‪ :‬ما صحة قول القائل‪ :‬دفن فالن في مثواه األخير؟‬
‫س‪ :‬ما هو اسم َمل َكي القبر؟‬
‫س‪ :‬متى ُع ِر َ‬
‫ف الدفن في القبر؟‬
‫س‪ :‬ما الذي يبقى مع الميت في قبره‪ ،‬وما الذي يتبعه ثم يرجع ويتركه؟‬
‫س‪ :‬هل سؤال القبر وفتنته خاص باألمة المحمدية؟ أم أنه لها ولغيرها من األمم؟‬
‫س‪ :‬متى يكون سؤال القبر؟‬
‫معا؟‬
‫س‪ :‬هل سؤال وعذاب القبر ونعيمه للبدن فقط‪ ،‬أم للروح فقط‪ ،‬أم لهما ً‬
‫س‪ :‬هل هناك َمن يسمع عذاب أهل القبور؟‬
‫مصلوبا ويجري عليه‬
‫ً‬ ‫س‪ :‬هل يصل نعيم أو عذاب القبر لمن أكلته السباع‪ ،‬أو مات غريقًا‪ ،‬أو حريقًا‪ ،‬أو‬
‫ما يجري على المقبور في قبره؟‬
‫س‪ :‬هل النار التي في القبر من نار الدنيا؟‬
‫س‪ :‬ما هو النعيم الذي ينتظر المؤمن في قبره‪ ،‬والعذاب الذي ينتظر غيره من العصاة؟‬
‫س‪ :‬هل يتنوع عذاب القبر‪ ،‬أم أنه ثابت ال يتغير؟‬
‫س‪ :‬ماذا ُي ْعرض على الميت في قبره؟‬
‫س‪ :‬هل عذاب القبر دائم أم منقطع؟‬
‫س‪ :‬ما الحكمة من عذاب القبر ونعيمه؟‬
‫س‪ :‬هل الموتى يسمعون كالم األحياء؟‬
‫س‪ :‬هل األرض تأك ُل جسد الميت كله أم يبقى منه شيء؟‬
‫تتمة للفائدة نذكر بعض األمور التي ال يشملها الفناء وهي‪:‬‬
‫س‪ :‬هل األرض تأكل أجساد األنبياء كباقي البشر؟‬
‫س‪ :‬هل ُيفتن غير المكلفين من األطفال والمجانين في قبورهم؟‬
‫ويسألون في قبورهم؟‬
‫س‪ :‬هل األنبياء ُيفتنون ُ‬
‫س‪ :‬ما حــال األنبيــاء في القبور؟‬
‫س‪ :‬ما مصير أطفال المسلمين الذين ماتوا في الصغر؟‬
‫س‪ :‬ما مصير أطفال المشركين الذين ماتوا في الصغر؟‬
‫س‪ :‬ما هي الروح؟ وهل هي شيء آخر غير البدن؟ وهل تبقى بعد مفارقة الجسد إن كانت غيره؟‬
‫‪2‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫س‪ :‬هل أرواح الموتى تتالقى وتتزاور؟‬


‫س‪ :‬أين مستقر األرواح بعد الموت؟‬
‫س‪ :‬هل هناك فارق بين أرواح الشهداء في الجنة‪ ،‬وغيرهم من المؤمنين؟‬
‫س‪ :‬هل النفس هي الروح؟ أم هما متمايزان؟‬
‫س‪ :‬هل الروح تُ ْقَبض عند النوم؟‬
‫س‪ :‬أين مسكن الروح في الجسد؟‬
‫س‪ :‬هل للروح كيفية تُعلَّم؟‬
‫س‪ :‬هل الروح مخلــوقة؟‬
‫شبهات الذين زعموا أن الروح غير مخلوقة والرد عليهم‪:‬‬
‫س‪ :‬ما هي أنواع النفس؟‬
‫س‪ :‬هل تموت الروح؟‬
‫س‪ :‬كيف نوفق بين األحاديث التي تدل على أن الروح تعاد إلى البدن للحساب؟ وبين األحاديث التي فيها‬
‫أن أرواح المؤمنين في الجنة وأن أرواح الكفار أو الفجار في النار؟‬
‫س‪ :‬كيف نوفق بين األحاديث التي تدل على أن الروح تعاد إلى البدن للحساب؟ وبين األحاديث التي فيها‬
‫أن أرواح المؤمنين في الجنة وأن أرواح الكفار أو الفجار في النار؟‬
‫احذر هذه القصة فإنه ُمختَلَقة ُم ْفتَراة‪.‬‬

‫س‪ :‬ما هي مترادفات القبر؟‬


‫جـ‪ :‬للقبر مترادفات كثيرة منها‪- :‬‬
‫ث َكَأنَّ ُه ْم َج َرا ٌد‬
‫ون ِم َن اَأْل ْج َدا ِ‬
‫الجَدث (بفتح الجيم والدال)‪ ،‬جمعه‪" :‬أجداث"‪ ،‬قال تعالى‪ ...{ :‬يَ ْخ ُر ُج َ‬ ‫‪َ -‬‬
‫س ٌر} (القمر‪ )8-7:‬وقد ُتَبَّدل "الثاء" "فاء"‪،‬‬ ‫ون َه َذا يَ ْو ٌم َع ِ‬
‫َّاع يَقُو ُل ا ْل َكافِ ُر َ‬
‫ين ِإلَى الد ِ‬
‫ُّمنت َِش ٌر)‪ُّ (7‬م ْه ِط ِع َ‬
‫فيقال‪" :‬جدف"‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫والرمْس‪( :‬بفتح الراء وسكون الميم)‪ ،‬جمعه‪ :‬رموس‪.‬‬


‫‪َّ -‬‬
‫نزلت في ريم فالن ألحده فيه‪ ،‬أي‪ :‬نزلت‬
‫ُ‬ ‫الريْم‪( :‬بفتح الراء وسكون الياء) جمعه‪ :‬ريوم‪ .‬يقال‪":‬‬
‫‪َّ -‬‬
‫في قبره "‪.‬‬
‫ق لغيرنا "‪.‬‬
‫حد‪ :‬لقول النبي ﷺ عن القبر‪ ":‬اللحدُ لنا‪ ،‬والشَّ ُّ‬
‫والشق واللَّ ْ‬
‫َّ‬ ‫‪-‬‬
‫والحِفير‪( :‬بفتح الحاء وكسر الفاء)‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪-‬‬
‫والضريح‪ :‬ومنه يقال‪ ":‬زرت ضريح فالن " أي‪ :‬قبر فالن‪.‬‬
‫َّ‬ ‫‪-‬‬
‫جم‪( :‬بفتح الراء والجيم)‪ ،‬وجمعه‪" :‬رجام"‪ ،‬سمي بذلك لما يجمع عليه من الحجارة‪ ،‬والرجم في‬
‫والر َ‬
‫‪َّ -‬‬
‫اللغة‪ :‬هي الحجارة‪.‬‬
‫والجنَن‪( :‬بفتح الجيم والنون األولى)‪ ،‬جمعه‪" :‬أجنان"‪ ،‬سمي بذلك لستر الميت وإ خفائه فيه‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪-‬‬
‫دفنت الميت في منهال‪ ،‬أي‪ :‬في القبر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬والمنهال‪( :‬بكسر الميم)‪ ،‬جمعه‪ :‬مناهيل‪ ،‬يقال‪":‬‬

‫س‪ :‬ما صحة قول القائل‪ :‬دفن فالن في مثواه األخير؟‬


‫جـ‪ :‬هذا قول خاطئ؛ ألن القبر ليس المثوى األخير‪ ،‬إنما المثوى األخير هي جنة نعيمها مقيم‪ ،‬أو نار‬
‫عذابها أليم‪.‬‬
‫قال الحـافظ ابن رجب ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬في "أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشـور" (ص ‪:)8 ،7‬‬
‫"إن اهلل ‪ I‬خلق بنى آدم للبقاء ال للفناء‪ ،‬وإ نما ينقلهم بعد خلقهم من دار إلى دار‪ ،‬كما قال ذلك طائفة من‬
‫السلف األخيار منهم بالل بن سعد وعمر بن عبد العزيز فأسكنهم في هذه الدار ليبلوهم أيهم أحسن عماًل ‪،‬‬

‫‪4‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫ثم ينقلهم إلى دار البرزخ فيحبسهم هنالك إلى أن يجمعهم يوم القيامة‪ ،‬ويجزى كل عامل جزاء عمله‬
‫مفصاًل ‪ ،‬هذا مع أنهم في دار البرزخ بأعمالهم مدانون مكافئون فمكرمون بإحسانهم‪ ،‬وبإساءتهم مهانون‪،‬‬
‫قال اهلل تعالى‪َ { :‬و ِمن َو َراِئ ِهم بَ ْر َز ٌخ ِإلَى يَ ْو ِم يُ ْب َعثُ َ‬
‫ون}(المؤمنون‪ ،)100:‬قال مجاهد‪ :‬البرزخ الحاجز بين‬
‫الموت والرجوع إلى الدنيا‪ ،‬وعنه قال‪ :‬هو ما بين الموت إلى البعث‪ ،‬قال الحسن‪ :‬هي هذه القبور التي‬
‫بينكم وبين اآلخرة‪ ،‬وعنه قال أبو هريرة ‪" :t‬هي هذه القبور التي تركضون عليها ال يسمعون الصوت"‬
‫‪ -‬وقال عطاء الخراساني‪-‬رحمه اهلل‪ :-‬البرزخ‪ :‬مدة ما بين الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫‪ -‬وصلَّى أبو أمامة ‪ ‬على جنازة فلما وضعت في لحدها‪ ،‬قال‪" :‬هذا برزخ إلى يوم يبعثون"‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل للشعبي‪" :‬مات فالن‪ ،‬قال‪ :‬ليس هو في الدنيا وال في اآلخرة‪ ،‬هو في برزخ "‪ .‬وسمع رجاًل‬
‫يقول‪" :‬مات فالن‪ ،‬أصبح من أهل اآلخرة‪ ،‬قال‪ :‬ال تقل من أهل اآلخرة‪ ،‬ولكن قل‪ :‬من أهل القبور"‪ .‬اهـ‬
‫(أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور‪ :‬ص ‪)8 ،7‬‬

‫س‪ :‬ما هو اسم َمل َكي القبر؟‬


‫جـ‪ :‬اسمهما منكر ونكير‪ ،‬والدليل على ذلك‪:‬‬
‫الميت ‪ -‬أو قال‪ :‬أحدكم‬
‫ُ‬ ‫ما أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪ ":‬إذا ُأ ْق ِبر‬
‫‪ -‬أتاه ملكان أسودان أزرقان‪ ،‬يقال ألحدهما‪ :‬المنكر‪ ،‬واآلخر‪ :‬النكير"‪.‬‬
‫(وحسنه األلباني ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬في الصحيحة‪ ،1391:‬ورمز له بـالحسن في "صحيح الجامع)‬

‫وجاء في حديث آخر أخرجه البيهقي وابن أبي الدنيا مرساًل ‪ ،‬ووصله ابن بطة في "اإلبانة" من حديث‬
‫ابن عباس ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ لعمر بن الخطاب ‪ ":‬يا عمر كيف بك إذا أنت‬
‫فغسلوك وكفَّنوك‬ ‫َّ‬
‫مت فانطلق بك قومك‪ ،‬فقاسوا لك ثالثة أذرع في ذراع وشبر‪ ،‬ثم رجعوا إليك َّ‬
‫َّ‬
‫وحنطوك‪ ،‬ثم احتملوك حتى يضعوك فيه‪ ،‬ثم يهيلوا التراب ويدفنو َك‪ ،‬فإذا انصرفوا عنك؛ أتاك فتَّا َنا‬
‫القبر منكر ونكير‪ ."...‬الحديث‪.‬‬
‫ف الدفن في القبر؟‬
‫عِر َ‬
‫س‪ :‬متى ُ‬
‫جَد على ظهر األرض من بني آدم‪ ،‬وهو "هابيل" بن‬
‫ف دفن الميت في قبر عند أول قتيل ُو ِ‬ ‫جـ‪ُ :‬‬
‫عِر َ‬
‫وانتقاما بسبب الخالف الذي دار بينهما علي أمر زواجهما‬
‫ً‬ ‫ظلما وحسدًا‬
‫آدم ‪ ،U‬فقد قتله شقيقه "قابيل" ً‬
‫وتَقُّبل قربان هابيل‪ ،‬وعدم تَقَُّبل قربان قابيل‪.‬‬
‫من أختيهما‪َ ،‬‬
‫ق ِإ ْذ‬
‫وجاء ذكر خبرهما في القرآن الكريم‪ ،‬حيث قال رب العالمين‪َ { :‬وا ْت ُل َعلَ ْي ِه ْم نَبََأ ا ْبنَ ْي آ َد َم بِا ْل َح ِّ‬
‫ين)‬ ‫اآلخ ِر قَا َل َأَل ْقتُلَنَّكَ قَا َل ِإنَّ َما يَتَقَبَّ ُل هّللا ُ ِم َن ا ْل ُمتَّقِ َ‬
‫قَ َّربَا قُ ْربَانًا فَتُقُبِّ َل ِمن َأ َح ِد ِه َما َولَ ْم يُتَقَبَّ ْل ِم َن َ‬
‫ب ا ْل َعالَ ِم َ‬
‫ين)‬ ‫ي ِإلَ ْيكَ َأَل ْقتُلَ َك ِإنِّي َأ َخافُ هّللا َ َر َّ‬ ‫سطتَ ِإلَ َّي يَدَكَ لِتَ ْقتُلَنِي َما َأنَاْ بِبَا ِ‬
‫س ٍط يَ ِد َ‬ ‫‪ (27‬لَِئن بَ َ‬
‫ين)‪ (29‬فَطَ َّو َعتْ‬ ‫ب النَّا ِر َو َذلِكَ َج َزاء الظَّالِ ِم َ‬ ‫ص َحا ِ‬ ‫ون ِمنْ َأ ْ‬ ‫‪ِ (28‬إنِّي ُأ ِري ُد َأن تَبُو َء بِِإ ْث ِمي َوِإ ْث ِم َك فَتَ ُك َ‬
‫ين}(المائدة‪)30-27 :‬‬ ‫صبَ َح ِم َن ا ْل َخ ِ‬
‫اس ِر َ‬ ‫سهُ قَ ْت َل َأ ِخي ِه فَقَتَلَهُ فََأ ْ‬
‫لَهُ نَ ْف ُ‬

‫‪5‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫تحير في أمر أخيه المقتول‪ ،‬كيف يواري سوأة أخيه؟ وكان أبوهما آدم‬
‫وبعد أن قتل قابيل هابيل؛ َّ‬
‫غرابا بالقرب منهما‪ ،‬أخذ ينبش التراب بمنقاره ورجليه؛ حتى أقام حفرة في األرض‪،‬‬
‫ً‬ ‫غائبا‪ ،‬فبعث اهلل‬
‫ً‬
‫ثم وضع غرابا ميتًا أو قتياًل كان معه في تلك الحفرة‪ ،‬وأخذ يثير التراب علي الغراب الميت؛ حتى‬
‫فتعلم قابيل من الغراب عملية الدفن‪ ،‬وعرف كيف يواري جسد أخيه المقتول هابيل‪،‬‬
‫واراه ودفنه؛ َّ‬
‫س ْوءةَ َأ ِخي ِه قَا َل‬
‫ف يُ َوا ِري َ‬ ‫ث فِي اَأل ْر ِ‬
‫ض لِيُ ِريَهُ َك ْي َ‬ ‫ث هّللا ُ ُغ َرابًا يَ ْب َح ُ‬ ‫يرشد إلي هذا قوله تعالى‪{ :‬فَبَ َع َ‬
‫ين} (المائدة‪.)31:‬‬ ‫صبَ َح ِم َن النَّا ِد ِم َ‬ ‫س ْوءةَ َأ ِخي فََأ ْ‬‫ي َ‬‫ب فَُأ َوا ِر َ‬ ‫يَا َو ْيلَتَا َأ َع َج ْزتُ َأنْ َأ ُك َ‬
‫ون ِم ْث َل َهـ َذا ا ْل ُغ َرا ِ‬
‫وقد نقل القرطبي ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬في تفسير هذه الآية عن مجاهد أنه قال‪ ":‬بعث اهلل غرابين فاقتتال؛‬
‫حتى قتل أحدهما صاحبه ثم حفر فدفنه "‪ .‬اهـ ـ‪.‬‬
‫وقيل‪ ":‬إن الغراب بحث األرض على ُ‬
‫طْعِمه ليخفيه إلى وقت الحاجة إليه؛ ألنه من عادة الغراب فعل‬
‫فتنَّبه قابيل بذلك على مواراة أخيه "‪.‬‬
‫ذلك‪َ ،‬‬

‫س‪ :‬ما الذي يبقى مع الميت في قبره‪ ،‬وما الذي يتبعه ثم يرجع ويتركه؟‬
‫بيَّن النبي ﷺ هذا‪ ،‬فقال كما عند البخاري‪ ":‬يتبع الميت ثالثة‪ ،‬فيرجع اثنان ويبقى واحد‪ ،‬يتبعه أهله‬
‫وماله وعمله‪ ،‬فيرجع أهله وماله‪ ،‬ويبقى عمله "‪.‬‬

‫س‪ :‬هل سؤال القبر وفتنته خاص باألمة المحمدية؟ أم أنه لها ولغيرها من األمم؟‬
‫جـ‪ :‬اختلف أهل العلم في ذلك على قولين‪ :‬القول األول‪ :‬إن فتنة القبر خاص بالمؤمنين دون الكافرين‪.‬‬
‫(وهو قول الحكيم الترمذي‪ ،‬وابن عبد البر‪ ،‬والسيوطي)‪.‬‬
‫قال أبو عبد اهلل الترمذي ‪-‬رحمه اهلل‪ :-‬إنما سؤال الميت في هذه األمة خاصة؛ ألن األمم قبلنا كانت‬
‫محمدا ﷺ‬
‫ً‬ ‫الرسل تأتيهم بالرسالة‪ ،‬فإذا أبوا كفت الرسل واعتزلوهم‪ ،‬وعوجلوا بالعذاب‪ ،‬فلما بعث اهلل‬
‫(األنبياء‪)107 :‬‬ ‫ين}‬ ‫إماما للخلق‪ ،‬كما قال تعالى‪َ { :‬و َما َأ ْر َ‬
‫س ْلنَاكَ ِإاَّل َر ْح َمةً لِّ ْل َعالَ ِم َ‬ ‫بالرحمة ً‬
‫أمسك عنهم العذاب وأعطى السيف حتى يدخل في دين اإلسالم من دخل لمهابة السيف‪ ،‬ثم يرسخ‬
‫سرون الكفر ويعلنون اإليمان‪ ،‬فكانوا بين‬
‫اإليمان في قلبه فُأمهلوا فمن هاهنا ظهر أمر النفاق‪ ،‬وكانوا ُي ِّ‬
‫المسلمين في ستر‪ ،‬فلما ماتوا قيض اهلل لهم فتَّاني القبر‪ ،‬ليستخرج سرهم بالسؤال‪ ،‬وليميز اهلل الخبيث من‬
‫الطيب‪ ،‬فيثبت اهلل الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي اآلخرة ويضل اهلل الظالمين ويفعل اهلل‬
‫ما يشاء‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫وقد احتج هذا الفريق‪ :‬بأن السؤال في القبر يكون لألمة المحمدية فقط‪ ،‬وذلك للحديث الذي أخرجه‬
‫اإلمام مسلم عن زيد بن ثابت ‪ ‬عن النبي ﷺ قال‪ ":‬إن هذه األمة تُْبتلى في قبورها "‪.‬‬
‫إلي أنكم تُ ْفتَنون في قبوركم "‪ .‬وهذا ظاهر في االختصاص بهذه األمة‪.‬‬
‫ُأوحي َّ‬ ‫‪ -‬وفي رواية‪":‬‬
‫َ‬
‫أيضا قول الملكين له‪ ":‬ما كنت تقول في هذا الرجل الذي ُب ِعث فيكم‪ ،‬فيقول‬
‫وقالوا كذلك‪ ":‬يدل على هذا ً‬
‫المؤمن‪ :‬أشهد أنه عبد اهلل ورسوله"‪ ،‬فهذا خاص بالنبي ﷺ‪ ،‬وجاء في الحديث اآلخر‪" :‬إنكم بي‬
‫تح ُنون‪ ،‬وعني تُسَألون "‪.‬‬
‫تُ ْم َ‬

‫القول الثاني‪ :‬إن سؤال القبر وفتنته عام للمسلمين ولغيرهم (وهذا ما رجحه عبد الحق اإلشبيلي‪ ،‬وابن‬
‫("لوامع األنوار البهية" للسفاريني‪"( )2/10 :‬التذكرة" للقرطبي‪ :‬ص ‪)147‬‬ ‫القيم‪ ،‬والقرطبي‪ ،‬والسفاريني‪ ...‬وغيرهم)‬
‫وهذا القول هو الراجح‪ ،‬والذي تدل عليه األدلة القرآنية والنبوية‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ض ُّل هّللا ُ الظَّالِ ِم َ‬
‫ين َويَ ْف َع ُل هّللا ُ‬ ‫ين آ َمنُو ْا بِا ْلقَ ْو ِل الثَّابِ ِ‬
‫ت فِي ا ْل َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا َوفِي ِ‬
‫اآلخ َر ِة َويُ ِ‬ ‫{يُثَبِّتُ هّللا ُ الَّ ِذ َ‬
‫ء} (إبراهيم‪)27 :‬‬ ‫َما يَشَا ُ‬
‫فهنا يثبت اهلل أهل اإليمان‪ ،‬ويضل اهلل الظالمين‪ ،‬وهم الكفار والمنافقون‪.‬‬

‫وقد ثبت في "الصحيح" أنها نزلت في عذاب القبر‪ ":‬حين ُيسأل‪َ :‬من ربك‪ ،‬وما دينك‪َ ،‬‬
‫ومن نبيك؟ "‪.‬‬
‫وفي حديث البراء بن عازب ‪‬الطويل‪ ":‬وأما الكافر إذا كان في إقبال من الدنيا وانقطاع من اآلخرة‪،‬‬
‫نزل عليه مالئكة من السماء معهم مسوح‪ "...‬وذكر الحديث وفيه‪ ":‬ثم تعاد روحه إلى جسده في قبره"‬
‫الحديث‪.‬‬
‫وفي رواية أخرى عن أبي سعيد ‪ ‬قال‪ ":‬شهدنا مع رسول اهلل ﷺ جنازة ـ فذكر الحديث ـ وقال‪" :‬وإ ن‬
‫كافرا أو منافقًا يقول له‪ :‬ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول‪ :‬ال أدري "‪.‬‬
‫كان ً‬
‫وهذا صريح في أن السؤال للكافر والمنافق‪ ،‬وأما قول أبي عمر‪-‬رحمه اهلل‪ ":-‬وأما الكافر الجاحد‬
‫المبطل فليس ممن ُيسأل عن ربه ودينه ونبيه‪ ،‬فيقال له‪ :‬ليس كذلك بل هو من جملة المسئولين وأولى‬
‫بالسؤال من غيره‪ ،‬وقد أخبر اهلل في كتابه أنه يسأل الكافر يوم القيامة‪.‬‬
‫(القصص‪.)65 :‬‬ ‫ين}‬ ‫قال تعالى‪َ { :‬ويَ ْو َم يُنَا ِدي ِه ْم فَيَقُو ُل َما َذا َأ َج ْبتُ ُم ا ْل ُم ْر َ‬
‫سل ِ َ‬
‫ن} (الحجر‪.)92 :‬‬ ‫سَألَنَّ ُه ْم َأ ْج َم ِع ْي َ‬
‫وقال تعالى‪{ :‬فَ َو َربِّ َك لَنَ ْ‬
‫(األعـراف‪.)6:‬‬ ‫ين}‬ ‫سَألَنَّ ا ْل ُم ْر َ‬
‫سل ِ َ‬ ‫ين ُأ ْر ِ‬
‫س َل ِإلَ ْي ِه ْم َولَنَ ْ‬ ‫سَألَنَّ الَّ ِذ َ‬
‫وقال تعالى‪{ :‬فَلَنَ ْ‬
‫فإذا سئلوا يوم القيامة‪ ،‬فكيف ال ُيسـألون في قبورهم؟ فليس لما ذكره أبو عمر ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬وجه "‪ .‬اه ـ‬
‫(من كتاب "الروح" البن القيم"‪ :‬ص ‪)117-112‬‬ ‫بتصرف‪.‬‬

‫الرد على الفريق األول الذين قالوا‪" :‬إن سؤال القبر خاص باألمة المحمدية"‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫إن استداللكم بقول النبي ﷺ‪ ":‬إن هذه األمة تُْبتَلى في قبورها "‪.‬‬
‫وبقوله‪ُ ":‬أوحي إلى أنكم تفتنون في قبوركم"‪ .‬وإ ن هذا ظاهر في االختصاص بهذه األمة‪.‬‬
‫وبقول الملكين للمقبور‪ ":‬ما كنت تقول في هذا الرجل الذي ُبعث فيكم؟ فيقول المؤمن‪ :‬أشهد أنه عبد‬
‫اهلل ورسوله "‪ ،‬وان هذا خاص بالنبي ﷺ‪ ،‬وقوله في الحديث اآلخر‪ ":‬إنكم بي تُمتحنون وعنى تُسألون"‬
‫ال يدل هذا على اختصاص السؤال بهذه األمة دون سائر األمم‪ ،‬فإن قوله‪ ":‬إن هذه األمة"‪ ،‬إما أن يراد‬
‫اح ْي ِه ِإالَّ ُأ َم ٌم َأ ْمثَالُ ُكم}‬ ‫به أمة الناس‪ ،‬كما قال تعالى‪َ { :‬و َما ِمن َدآبَّ ٍة فِي اَأل ْر ِ‬
‫ض َوالَ طَاِئ ٍر يَ ِطي ُر بِ َجنَ َ‬
‫(األنعام‪ ،)38 :‬وكل جنس من أجناس الحيوان يسمى أمة‪ ،‬وفي الحديث‪ ":‬لوال أن الكالب أمة من األمم‬
‫ألمرت بقتلها "‪.‬‬
‫ُ‬
‫أيضا‪ ":‬حديث النبي الذي قرصته نملة فأمر بقرية النمل فأحرقت‪ ،‬فأوحى اهلل إليه‪ :‬من أجل أن‬ ‫وفيه ً‬
‫قرصتك نملة واحدة أحرقت أمة من األمم تسبح اهلل "‪ .‬وإ ن كان المراد به أمته ﷺ الذي ُب ِع َ‬
‫ث فيهم‪ ،‬لم‬
‫إخبارا بأنهم مسئولون في قبورهم‪ ،‬وأن‬‫ً‬ ‫يكن فيه ما ينفي سؤال غيرهم من األمم‪ ،‬بل قد يكون ذكرهم‬
‫بمن قبلهم؛ لفضل هذه األمة وشرفها على سائر األمم‪.‬‬
‫ذلك ال يختص َ‬

‫وكذلك قوله ﷺ‪ ":‬أوحي إلى أنكم تفتنون في قبوركم "‪.‬‬


‫وكذلك إخباره عن قول الملكين‪ ":‬ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ "‪.‬‬
‫هو إخبار ألمته بما تمتحن به في قبورها‪ ،‬والظاهر واهلل أعلم أن كل نبي مع أمته كذلك‪ ،‬وأنهم م َّ‬
‫عذبون‬ ‫ُ‬
‫عذبون في اآلخرة بعد السؤال وإ قامة الحجة‪.‬‬ ‫في قبورهم بعد السؤال لهم وإ قامة الحجة عليهم‪ ،‬كما ي َّ‬
‫ُ‬
‫وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب "التمهيد"‪ ":‬واآلثار الدالة تدل على أن الفتنة في القبر ال تكون إال‬
‫منسوبا إلى أهل القبلة ودين اإلسالم بظاهر الشهادة)‪ ،‬وأما الكافر الجاحد‬
‫ً‬ ‫لمؤمن أو منافق (من كان‬
‫المبطل فليس ممن ُيسأل عن ربه ودينه ونبيه‪ ،‬وإ نما ُيسأل عن هذا أهل اإلسالم‪ ،‬فيثبت اهلل الذين آمنوا‬
‫ويرتاب المبطلون"‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫وقد جاءت أحاديث عن النبي ﷺ تدل على أن الكافر وغيره من غير أهل اإلسالم يتعرضون لفتنة القبر‬
‫وسؤال الملكين ومنها‪- :‬‬
‫ما أخرجه مسلم عن أنس ‪ ‬عن النبي ﷺ قال‪ ":‬العبد إذا ُوضع في قبره وتولَّى وذهب أصحابه حتى‬
‫أنه ليسمع قرع نعالهم‪ ،‬أتاه ملكان فأقعداه فيقوالن له‪ :‬ما كنت تقول في هذا الرجل محمد ﷺ؟ فيقول‪:‬‬
‫مقعدا من الجنة‪ .‬قال النبي‬
‫أشهد أنه عبد اهلل ورسوله‪ .‬فيقال‪ :‬انظر إلى مقعدك من النار َْأبدلك اهلل به ً‬

‫‪8‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫كنت أقول ما يقول الناس‪ .‬فيقال‪ :‬ال‬


‫جميعا‪ .‬وأما الكافر أو المنافق فيقول‪ :‬ال أدري‪ُ ،‬‬
‫ً‬ ‫ﷺ‪ :‬فيراهما‬
‫ضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إال‬ ‫ُ‬ ‫دريت وال تليت‪ ،‬ثم ُي‬
‫الثقلين "‪.‬‬
‫ذراعا– يعني المؤمن – ويمأل‬
‫ً‬ ‫وفي بعض رواياته قال قتادة‪ ":‬و ُذكر لنا أنه ُيفسح له في قبره سبعون‬
‫خضرا إلى يوم يبعثون"‪.‬‬
‫ً‬ ‫عليه‬
‫فائدة‪:‬‬
‫هناك جملة من األحاديث تدل على أن المشركين وغيرهم من أهل الكفر والنفاق ي َّ‬
‫عذبون في قبورهم‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ومن هذه األحاديث‪- :‬‬
‫‪ -1‬ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبى أيوب ‪ ‬قال‪ :‬خرج النبي ﷺ وقد وجبت الشمس فسمع صوتًا‪،‬‬
‫فقال‪ ":‬يهود تُ َّ‬
‫عذب في قبورها "‪.‬‬
‫قال الحافظ ‪-‬رحمه اهلل‪ :)3/309( -‬وإ ذا ثبت أن اليهود تعذب بيهوديتهم ثبت تعذيب غيرهم من‬
‫المشركين؛ ألن كفرهم بالشرك أشد من كفر اليهود‪.‬‬

‫‪ -2‬وأخرج اإلمام أحمد والنسائي وابن ماجه عن عبد الرحمن بن حسنة‪ ‬قال‪ ":‬انطلقت أنا وعمرو‬
‫بن العاص إلى النبي ﷺ فخرج ومعه درقة‪ ،‬ثم استتر بها‪ ،‬ثم بال‪ ،‬فقلنا‪ :‬انظروا إليه يبول كما تبول‬
‫المرأة‪ ،‬فسمع ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬ألم تعلموا ما لقي صاحب بني إسرائيل‪ ،‬كانوا إذا أصابهم البو ُل قطعوا ما‬
‫(صحيح الجامع)‬ ‫أصابه البول منهم‪ ،‬فنهاهم فعذب في قبره "‪.‬‬
‫ومعنى الحديث‪ :‬أن بني إسرائيل كانوا يقرضون من البول الجلد والثوب (وهو من الدين الذي شرعه اهلل‬
‫لما نهاهم عن فعل ذلك عذب في قبره بسبب نهيه‪.‬‬
‫لهم) ولذلك ّ‬

‫‪ -3‬وأخرج اإلمام أحمد عن أنس بن مالك ‪ ‬قال‪ ":‬أخبرني من ال ُ‬


‫أتهم من أصحاب رسول اهلل ﷺ أنه‬
‫قال‪ :‬بينما رسول اهلل ﷺ وبالل يمشيان بالبقيع‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪ :‬يا بالل هل تسمع ما أسمع؟ قال‪:‬‬
‫ال واهلل يا رسول اهلل ما أسمعه‪ .‬قال‪ :‬أال تسمع أهل هذه القبور ي َّ‬
‫عذبون؟ يعنى قبور الجاهلية "‪.‬‬ ‫ُ‬

‫‪ -4‬وأخرج اإلمام أحمد بسند صحيح عن أم مبشر ‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬قالت‪ ":‬دخل َّ‬
‫علي النبي ﷺ وأنا‬
‫في حائط من حوائط بني النجار فيه قبور قد ماتوا في الجاهلية‪ ،‬قالت‪ :‬فخرج فسمعته يقول‪ :‬استعيذوا‬
‫باهلل من عذاب القبر‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل وللقبر عذاب؟ قال‪ :‬إنهم لي َّ‬
‫عذبون في قبورهم تسمعه البهائم‬ ‫ُ‬
‫"‪( .‬قال األلباني في إسناده‪ :‬صحيح على شرط مسلم‪ ،‬ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه)‬

‫‪9‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫‪ -5‬وأخرج اإلمام أحمد عن جابر بن عبد اهلل ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪ ":‬دخل رسول اهلل ﷺ نخاًل لبني‬
‫عذبون في قبورهم‪ ،‬فخرج رسول اهلل‬ ‫النجار‪ ،‬فسمع أصوات رجال من بني النجار ماتوا في الجاهلية ي َّ‬
‫ُ‬
‫ﷺ فَ ِز ًعا فأمر أصحابه أن يتعوذوا من عذاب القبر "‪.‬‬
‫وقفة‪:‬‬
‫قال السيوطي ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬كما في "شرح الصدور"(‪:)146‬‬
‫"وقع في فتاوى شيخنا شيخ اإلسالم علم الدين البلقيني‪" :‬أن الميت يجيب السؤال في القبر بالسريـانية‪،‬‬
‫ولم أقف لذلك على مستند‪ ،‬وقال في منظومته‪:‬‬
‫بالسرياني‬
‫أن سؤال القبر ِّ‬ ‫ومن عجب ما ترى العينان‬
‫ولــــــم أره لغيـــره بـــــــــعيني‬ ‫أفتي بهذا شي ُخنــــا البلقيني‬

‫وسئل الحـافظ ابن حجر‪-‬رحمه اهلل‪ -‬عن ذلك‪ ،‬فقـال‪ :‬ظاهر الحديث أنه بالعربي‪ ،‬قال‪ُ :‬‬
‫ويحتمل مع ذلك‬ ‫ُ‬
‫أن يكون خطاب كل أحد بلسانه‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫س‪ :‬متى يكون سؤال القبر؟‬


‫جـ‪ :‬سؤال القبر يكون عقب الدفن مباشرة‪ ،‬ودليل ذلك‪- :‬‬
‫‪ -1‬ما أخرجه البخاري عن أنس بن مالك ‪‬أن النبي ﷺ قال‪ ":‬العبد إذا وضع في قبره وتولَّى عنه‬
‫وذهب أصحابه‪ ،‬حتى أنه يسمع قرع نعالهم؛ أتاه ملكان فأقعداه‪ ،‬فيقوالن له‪ :‬ما كنت تقول في هذا‬
‫الرجل‪ ."...‬الحديث‪.‬‬

‫‪ -2‬وأخرج أبو داود والحاكم والبيهقي عن عثمان بن عفان ‪ ‬قال‪ ":‬إن النبي ﷺ كان إذا فَر َ‬
‫غ من‬
‫دفن الميت؛ وقف عليه وقال‪" :‬استغفروا ألخيكم وسلوا له التثبيت فإنه اآلن يسأل "‪.‬‬

‫‪ -3‬وعن أبي سعيد الخدري ‪ ‬قال‪ :‬شهدت مع رسول اهلل ﷺ جنازة فقال‪ ":‬يا أيها الناس إن هذه‬
‫ن فتفرَّق عنه أصحابه؛ جاءه ملك في يده مطراق فأقعده "‬
‫األَُّمة ُتبَْتلَى في قبورها‪ ،‬فإن اإلنسان إذا ُدِف َ‬
‫الحديث‪.‬‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫في الحديث األخير أن الذي يأتي الميت ملك واحد‪ ،‬وفي بعض األحاديث يأتيه ملكان‪ ،‬فهل هناك‬
‫تعارض؟‬
‫يجيب عن هذا القرطبي ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬فيقول‪ " :‬ال تعارض في ذلك بالنسبة إلى األشخاص‪ ،‬فرب‬
‫مع ا عند انصراف الناس ليكون أهول في حقه وأشد بحسب ما اقترف من اآلثام‪،‬‬
‫شخص يأتيه اثنان ً‬
‫وآخر يأتيانه قبل انصراف الناس تخفيفًا عليه لحصول أنسه بهم‪ ،‬وآخر يأتيه ملك واحد فيكون أخف‬
‫عليه وأقل في المراجعة؛ لما قدمه من العمل الصالح‪ ،‬ويحتمل أن يأتي االثنان ويكون السائل أحدهما‬
‫وإن اشتركا في اإلتيان فتحمل رواية الواحد على هذا "‪.‬‬

‫قال السيوطي ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬في "شرح الصدور في أحوال الموتى في القبور"‪:‬‬
‫"هذا الثاني هو الصوابـ‪ ،‬فإن ذكر الملكين هو الموجود في غالب األحاديث‪ .‬اهـ واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫س‪ :‬هل سؤال وعذاب القبر ونعيمه للبدن فقط‪ ،‬أم للروح فقط‪ ،‬أم لهما معًا؟‬
‫اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال‪- :‬‬
‫القول األول‪ :‬أن سؤال القبر للروح فقط‪ ،‬وذهب إلى ذلك‪ :‬ابن حزم وابن هبيرة‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن سؤال القبر للبدن فقط‪ ،‬وذهب إلى ذلك‪ :‬ابن جرير الطبري‪ ،‬وجماعة من الحنابلة‬
‫منهم ابن عقيل في كتاب "اإلرشاد"‪ ،‬وابن الزاغواني‪ ،‬وجماعة من الكرامية‪.‬‬
‫معا‪ ،‬وبه قال‬
‫القول الثالث‪ :‬وهو قول الجمهور أن سؤال القبر وعذابه أو نعيمه يكون للروح والبدن ً‬
‫جمهور أهل العلم‪ ،‬وهذا هو الراجح‪.‬‬
‫قال "شارح الطحاوية" ‪-‬رحمه اهلل‪( -‬ص ‪ ":)451‬وليس السؤال في القبر للروح وحدها كما قال ابن‬
‫حزم وغيره‪ ،‬وأفسد منه قول من قال‪ :‬إنه للبدن بال روح‪ ،‬واألحاديث الصحيحة ترد القولين‪ ،‬وكذلك‬
‫جميعا باتفاق أهل السنة والجماعة‪ ،‬تنعم النفس وتُعذب مفردة عن البدن‬
‫ً‬ ‫عذاب القبر يكون للنفس والبدن‬
‫ومتصلة به "‪.‬‬
‫وقال ابن حجر في "الفتح" (‪ )3/377‬في قصة أصحاب القليب ووقوف النبي ﷺ عليهم‪ :‬قد أخذ ابن‬
‫جرير وجماعة من الكرامية من هذه القصة‪ :‬أن السؤال في القبر يقع على البدن فقط وأن اهلل يخلق فيه‬
‫إدرا ًكا بحيث يسمع ويعلم ويلذ ويألم "‪.‬‬
‫وذهب ابن حزم وابن هبيرة‪ :‬إلى أن السؤال يقع على الروح فقط من غير عود إلى الجسم‪.‬‬

‫وخالفهم الجمهور فقالوا‪" :‬تعاد الروح إلى الجسد أو بعضه كما ثبت في الحديث‪ ،‬ولو كان على الروح‬
‫فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص‪ ،‬وال يمنع من كون الميت قد تتفرق أجزاؤه؛ وألن اهلل تعالى قادر أن‬
‫يعيد الحياة إلى جزء من الجسد ويقع عليه السؤال‪ ،‬كما هو قادر على أن يجمع أجزاءه‪ ،‬والحامل للقائلين‬
‫بأن السؤال يقع على الروح فقط أن الميت قد يشاهد في قبره حال المسألة ال أثر فيه من إقعاد وال غيره‬
‫وال ضيق وال سعة‪ ،‬وكذلك غير المقبور كالمصلوب"‪.‬‬
‫وألما ال يدركه‬
‫وجوابهم‪ :‬أن ذلك غير ممتنع في القدرة‪ ،‬بل له نظير في العادة وهو النائم‪ ،‬فإنه يجد لذة ً‬
‫ألما أو لذة لما يسمعه أو يفكر فيه ـ وال يدرك ذلك جليسه‪ ،‬وإ نما أتى الغلط‬
‫جليسه‪ ،‬بل اليقظان قد يدرك ً‬
‫من قياس الغائب على الشاهد‪ ،‬وأحوال ما بعد الموت على ما قبله‪ ،‬والظاهر أن اهلل تعالى صرف أبصار‬
‫إبقاء عليهم لئال يتدافنوا‪ ،‬وليست للجوارح الدنيوية قدرة‬
‫العباد وأسماعهم عن مشاهدة ذلك‪ ،‬وستره عنهم ً‬
‫على إدراك أمر الملكوت إال من شاء اهلل‪ ،‬وقد ثبت باألحاديث ما ذهب إليه الجمهور‪:‬‬
‫كقوله ﷺ‪ ":‬إنه ليسمع خفق نعالهم "‪ .‬وقوله‪ ":‬فيضربانه بين أذنيه"‪.‬‬
‫وقوله‪ ":‬فيقعدانه تختلف أضالعه "‪ .‬كل ذلك من صفات األجساد‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫وقفة‪ :‬ذهب أبو الهذيل ومن تبعه‪ :‬إلى أن الميت ال يشعر بالتعذيب وال بغيره إال بين النفختين‪ .‬قالوا‪":‬‬
‫وحاله كحال النائم أو المغشي عليه ال يحس بالضرب وال بغيره إال بعد اإلفاقة "‪.‬‬

‫واألحاديث الثابتة في السؤال حالة تولي أصحاب الميت عنه ترد عليهم‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن القيم ‪-‬رحمه اهلل‪ ":-‬فلتعلم أن مذهب سلف األمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في‬
‫نعيم أو عذاب‪ ،‬وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه‪ ،‬وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة‪ ،‬وأنها‬
‫أحيانا ويحصل له معها النعيم أو العذاب‪ ،‬ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت األرواح‬
‫تتصل بالبدن ً‬
‫إلى األجساد‪ ،‬وقاموا من قبورهم لرب العالمين‪ .‬ومعاد األبدان متفق عليه بين المسلمين واليهود‬
‫(الروح‪ :‬ص ‪.)69‬‬ ‫والنصارى "‪.‬‬
‫ويقول ابن القيم أيضا كما في كتاب "الروح" (ص ‪:)86 ،85‬‬
‫أحكاما تختص‬
‫ً‬ ‫" إن اهلل سبحانه جعل الدور ثالثًا‪ :‬دار الدنيا‪ ،‬ودار البرزخ‪ ،‬ودار القرار‪ ،‬وجعل لكل دار‬
‫تبعا لها‪ ،‬ولهذا‬
‫بها‪ ،‬وركب هذا اإلنسان من بدن ونفس‪ ،‬وجعل أحكام دار الدنيا على األبدان‪ ،‬واألرواح ً‬
‫جعل أحكامه الشرعية مرتبة على ما يظهر من حركات اللسان والجوارح‪ ،‬وإ ن أضمرت النفوس خالفه‪.‬‬
‫تبعا لها‪ ،‬فكما تبعت األرواح األبدان في أحكام الدنيا‪،‬‬
‫وجعل أحكام البرزخ على األرواح‪ ،‬واألبدان ً‬
‫فتألمت بألمها َّ‬
‫والتذت براحتها‪ ،‬وكانت هي التي باشرت أسباب النعيم والعذاب تبعت األبدان األرواح في‬
‫نعيمها وعذابها‪ ،‬واألرواح حينئذ هي التي تباشر العذاب والنعيم‪ ،‬فاألبدان هنا ظاهرة واألرواح خفية‪،‬‬
‫واألبدان كالقبور لها واألرواح هناك ظاهرة‪ ،‬واألبدان خفية في قبورها تجرى أحكام البرزخ على‬
‫عذابا‪ ،‬كما تجري أحكام الدنيا على األبدان فتسري إلى أرواحها‬
‫نعيما أو ً‬
‫األرواح فتسرى إلى أبدانها ً‬
‫علما وأعرفه كما ينبغي يزيل عنك كل إشكال يورد عليك من داخل‬
‫عذابا‪ ،‬فأحط بهذا الموضع ً‬
‫نعيما أو ً‬
‫ً‬
‫أنموذجا في الدنيا من حال النائمين‪ ،‬فإن ما‬
‫ً‬ ‫وخارج‪ ،‬وقد أرانا اهلل سبحانه بلطفه ورحمته وهدايته من ذلك‬
‫تأثيرا‬
‫ينعم به أو يعذب في نومه يجرى على روحه أصاًل ‪ ،‬والبدن تبع له‪ ،‬وقد يقوى حتى يؤثر في البدن ً‬
‫ضرب فيصبح وأثر الضرب في جسمه‪ ،‬ويرى أنه قد أكل أو َشرب‬ ‫مشاهدا‪ ،‬فيرى النائم في نومه أنه ُ‬
‫ً‬
‫فيستيقظ وهو يجد أثر الطعام والشراب في ِفيِه‪ ،‬ويذهب عنه الجوع والظمأ‪ ...‬وأعجب من ذلك أنك ترى‬
‫النائم يقوم في نومه ويضرب ويبطش‪ ،‬ويدافع كأنه يقظان‪ ،‬وهو نائم ال شعور له بشيء من ذلك‪ ،‬وذلك‬
‫أن الحكم لما جرى على الروح استعانت بالبدن من خارجه‪ ،‬ولو دخلت فيه الستيقظ وأحس‪ ،‬فإذا كانت‬
‫الروح تتألم وتتنعم ويصل ذلك إلى بدنها بطريق االستتباع‪ ،‬فهكذا في البرزخ بل أعظم‪ ،‬فإن تجرد الروح‬
‫هناك أكمل وأقوى‪ ،‬وهي متعلقة ببدنها لم تنقطع عنه كل االنقطاع‪ ،‬فإذا كان يوم حشر األجساد وقيام‬
‫باديا أصاًل ‪ ،‬ومتى‬
‫ظاهرا ً‬
‫ً‬ ‫الناس من قبورهم‪ ،‬صار الحكم والنعيم والعذاب على األرواح واألجساد‬

‫‪13‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫وضمه‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫أعطيت هذا الموضع حقه َّ‬
‫تبين لك أن ما أخبر به الرسول من عذاب القبر ونعيمه وضيقه وسعته‬
‫وكونه حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة‪ ،‬مطابق للعقل‪ ،‬وأنه حق ال مرية فيه‪ ،‬وأن من‬
‫أشكل عليه ذلك فمن سوء فهمه وقلة علمه ُأتى‪ .‬كما قيل‪:‬‬
‫وآفته من الـفـهـم السقيـم‬ ‫صحيحا‬
‫ً‬ ‫وكم من عائب قواًل‬
‫وأعجب من ذلك أنك تجد النائمين في فراش واحد‪ ،‬وهذا روحه في النعيم ويستيقظ وأثر النعيم على‬
‫بدنه‪ .‬وهذا روحه في العذاب ويستيقظ وأثر العذاب على بدنه‪ ،‬وليس عند أحدهما خبر بما عند اآلخر‪،‬‬
‫فأمر البرزخ أعجب من ذلك‪.‬‬

‫سئل عن هذه‬
‫لما ُ‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬كما في "مجموع الفتاوى" (‪َّ )4/282‬‬
‫جميعا باتفاق أهل السنة‬
‫ً‬ ‫المسألة‪ ":‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬بل العذاب والنعيم على النفس والبدن‬
‫والجماعة‪ ،‬تنعم النفس وتعذب منفردة عن البدن‪ ،‬وتعذب متصلة بالبدن والبدن متصل بها‪ .‬فيكون النعيم‬
‫والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعين كما يكون للروح منفردة عن البدن‪.‬‬
‫الم َع َّذبين في القبر‪ ":‬ثم ُي ْ‬
‫ض َرب بمطرقة من‬ ‫واستدل شيخ اإلسالم ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬بقول النبي ﷺ في حال ُ‬
‫ٍ‬
‫حديد ضربة بين أذنيه‪ ،‬فيصيح صيح ًة يسمعها من يليه إال الثقلين "‪( .‬أخرجه البخاري ومسلم)‬

‫ب بين اُألذنين يكون للبدن؛ فيحصل األلم للروح والبدن‪.‬‬


‫والض ْر ُـ‬
‫َ‬
‫وعند الترمذي‪ ":‬ثم ُيقال لألرض التئمي عليه فتلتئم عليه‪ ،‬حتى تختلف فيها أضالعه فال يزال ُم ً‬
‫عذبا‬
‫حتى يبعثه اهلل من مضجعه ذلك "‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ‪-‬رحمه اهلل‪ :-‬وفي هذا الحديث اختالف أضالعه‪ ...‬وغير ذلك‪ ،‬مما يبين أن البدن‬
‫نفسه ُيعذب‪.‬‬
‫وذكر شيخ اإلسالم ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬جملة من األحاديث تدل على هذا المعنى ثم قال‪ :‬ففي هذه األحاديث‬
‫ونحوها اجتماع الروح والبدن في نعيم القبر وعذابه‪.‬‬
‫‪ ‬وأما انفراد الروح وحدها‪.‬‬
‫ق‬
‫طائر َي ْعلُ ُ‬ ‫فقد أخرج النسائي بسند صحيح عن كعب بن مالك ‪ ‬أن النبي ﷺ قال‪ ":‬إنما َن َ‬
‫س َم ُة المؤمن ٌ‬
‫في شجر الجنة‪ ،‬حتى يبعثه اهلل ‪ U‬إلى جسده يوم القيامة "‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬يعلُ ُ‬
‫ق" (بالضم) أي‪ :‬يأكل وقد نقل هذا في غير هذا الحديث‪.‬‬
‫ثم قال شيخ اإلسالم ‪-‬رحمه اهلل‪ :-‬فقد أخبرت هذه النصوص أن الروح تنعم مع البدن الذي في القبر‬
‫إذا شاء اهلل‪ ،‬وإ نما تنعم في الجنة وحدها‪ ،‬وكالهما حق‪.‬‬
‫وقد روى ابن أبي الدنيا في كتاب " ذكر الموت" عن مالك بن ٍ‬
‫أنس‪ ‬قال‪ ":‬بلغني أن الروح مرسلة‬
‫تذهب حيث شاءت "‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫ومما يدل على أن عذاب القبر يقع على الروح والبدن أن النبي ﷺ حدَّث كما في "صحيح البخاري" عن‬
‫ممن ُي َع َّذ ُبون في قبورهم‪ ،‬فكان من جملة ما ذكر من عذابهم‪ ":‬أن أحدهم يشرشر شدقه‬
‫أهل الكبائر َّ‬
‫حتى قفاه‪ ،‬ومنخره حتى قفاه‪ ،‬وعيناه حتى قفاه"‪ .‬وهذا يكون في البدن‪ ،‬وكذلك هناك من يشدخ‬
‫رأسه‪ ...‬وغير ذلك ممن ذكرهم النبي في الحديث‪.‬‬

‫س‪ :‬هل هناك َمن يسمع عذاب أهل القبور؟‬


‫جـ‪ :‬إن اهلل ـ تبارك وتعالى ـ إذا شاء أ ْ‬
‫طلَ َع بعض عباده في دار الدنيا على عذاب أهل القبور‪:‬‬
‫وقد أعطى اهلل رسوله القدرة على سماع المعذبين في قبورهم‪.‬‬
‫ففي الحديث الذي يرويه مسلم في " ص حيحه" عن زيد بن ث ابت ‪ ‬ق ال‪ ":‬بينما الن بي ﷺ في حائط لب ني‬
‫(‪)1‬‬
‫فك ادت تلقي ه‪ ،‬وإ ذا أق بر س تة أو خمسة أو أربع ة‪،‬‬ ‫النج ار على بغلة ل ه‪ ،‬ونحن مع ه‪ ،‬إذ ح ادت به‬
‫فق ال‪َ ":‬من يع رف أص حاب ه ذه األق بر؟ فق ال رج ل‪ :‬أن ا‪ ،‬ق ال‪ " :‬فم تى م ات ه ؤالء؟ ق ال‪ :‬م اتوا في‬
‫(‪)2‬‬
‫دعوت اهلل أن ُيس معكم من‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫اإلش راك‪ ،‬فق ال‪ ":‬إن ه ذه األمة تُبتلى في قبوره ا‪ ،‬فل وال أن ال ت دافنوا‬
‫عذاب القبر الذي أسمع منه "‪.‬‬
‫وفي "صحيحي البخاري ومسلم" و"سنن النسائي" عن أبى أيوب األنصاري‪ ":‬خرج رسول اهلل ﷺ‬
‫عذب في قبورها"‪.‬‬‫يهود تُ َّ‬
‫ٌ‬ ‫بعدما غربت الشمس‪ ،‬فسمع صوتًا‪ ،‬فقال‪":‬‬

‫َّ‬
‫للمعذبين في قبورهم‪.‬‬ ‫‪ -‬ويدل على سماع الرسول ﷺ‬
‫الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬وفيه‪ ":‬أن‬
‫عذبان وما ي َّ‬
‫عذبان في كبير‪ ."...‬الحديث‪.‬‬ ‫مر بقبرين‪ ،‬فقال‪ ":‬إنهما لي َّ‬
‫الرسول ﷺ َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أيضا‪.‬‬
‫‪ ‬وعذاب القبر تسمعه البهائم ً‬
‫وقد مر بنا في الحديث السابق والذي رواه مسلم عن زيد بن ثابت ‪ ":‬بينما النبي ﷺ في حائط لبنى‬
‫النجار على بغلة له ونحن معه‪ ،‬إذ حادت به فكادت أن تلقيه وإ ذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة‪."...‬‬
‫قال القرطبي ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬في هذا الحديث كما جاء في كتاب "التذكرة" (ص ‪ :)163‬وإ نما حادت به‬
‫َّ‬
‫المعذبين‪ ،‬وإ نما لم يسمعه من يعقل من الجن واإلنس لقوله ﷺ‪ ":‬لوال أن ال‬ ‫لما ِ‬
‫سمعت من صوت‬ ‫البغلة َّ‬
‫لدعوت اهلل أن ُيسمعكم من عذاب القبر"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تدافنوا‬
‫علي عج وز من عج ائز يه ود المدين ة‪،‬‬
‫دخلت َّ‬
‫ْ‬ ‫وفي "الصحيحين" عن عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬ق الت‪":‬‬
‫عذبون في قبورهم‪ ،‬قالت‪ :‬فك َّذبتُها‪ ،‬ولم أنعم أن أص دقها‪ ،‬ق الت‪ :‬فخ رجت ودخل‬
‫فقالت‪ :‬إن أهل القبور ي َّ‬
‫ُ‬
‫‪ -1‬حادت به‪ :‬أي مالت عن الطريق ونفرت‪.‬‬
‫‪ -2‬أن ال تدافنوا‪ :‬أي مخافة أن ال تدافنوا‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫عجوزا من عجائز يهود أهل المدينة دخلت فزعمت أن أهل‬ ‫ً‬ ‫علي رسول اهلل ﷺ فقلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن‬ ‫َّ‬
‫ذابا تس معه البه ائم كله ا‪ ،‬ق الت‪ :‬فما رأيته بع ُد‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ص َدقَت إنهم ُيع ذبون ع ً‬
‫القبور ُيعذبون في قبورهم‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫تعوذ من عذاب القبر"‪.‬‬
‫في صالة إال َي َّ‬

‫قال ابن القيم كما في كتاب "الروح" (ص ‪" :)72‬وقال بعض أهل العلم‪" :‬ولهذا السبب يذهب الناس‬
‫بدوابهم إذا َم َغلَت إلى قبور اليهود والنصارى والمنافقين كاإلسماعيلية‪ ،‬والنصيرية‪،‬ـ والقرامطة من بني‬
‫عبيد‪ ...‬وغيرهم الذين بأرض مصر والشام‪ ،‬فإن أصحاب الخيل يقصدون قبورهم لذلك كما يقصدون‬
‫فزعا وحرارة تذهب‬
‫قبور اليهود والنصارى‪ ،‬قال‪ :‬فإذا سمعت الخيل عذاب القبر أحدث لها ذلك ً‬
‫بالمغل(‪.)1‬‬

‫وقد قال عبد الحق اإلشبيلي‪" :‬حدثني الفقيه أبو الحكم بن برخان ـ وكان من أهل العلم والعمل ـ أنهم دفنوا‬
‫قريبا منهم‪ ،‬فإذا‬
‫ميتًا بقريتهم في شرق إشبيلية‪ ،‬فلما فرغوا من دفنه قعدوا ناحية يتحدثون ودابة ترعى ً‬
‫بالدابة قد أقبلت مسرعة إلى القبر فجعلت أذنها عليه كأنها تسمع‪ ،‬ثم ولَّت َّ‬
‫فارة‪ ،‬ثم عادت إلى القبر‪،‬‬
‫فارة‪ ،‬فعلت ذلك مرة بعد أخرى‪ ،‬قال أبو الحكم‪ :‬فذكرت عذاب‬
‫فجعلت أذنها عليه كأنها تسمع‪ ،‬ثم ولت َّ‬
‫َّ‬
‫القبر‪ ،‬وقول النبي ﷺ‪ " :‬إنهم ُليعذبون ً‬
‫عذابا تسمعه البهائم "‪( .‬الروح‪ :‬ص ‪)71 ،70‬‬

‫‪ -1‬المغل‪ :‬مغص يصيب الدواب إذا أكلت التراب مع العلف‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫س‪ :‬هل يصل نعيم أو عذاب القبر لمن أكلته السباع‪ ،‬أو مات غريقًا‪ ،‬أو حريقًا‪ ،‬أو مصلوبًا‬
‫ويجري عليه ما يجري على المقبور في قبره؟‬
‫جـ‪ :‬قال ابن القيم ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬كما في كتاب "ال روح" (ص ‪ ":)78‬ومما ينبغي أن ُيعلم أن عــذاب القــبر‬
‫هو عذاب الـبرزخ‪ ،‬فكل َمن مـات وهو مسـتحق للعـذاب ناله نصـيبه منه قُـبر أو لم ُي ْقـبر‪ ،‬فلو أكلته السـباع‪،‬‬
‫صـِلب‪ ،‬أو غــرق في البحر وصل إلى روحه وبدنه من‬ ‫ونسف في الهواء‪ ،‬أو ُ‬
‫رمادا‪ُ ،‬‬
‫أو أحرق حتى صار ً‬
‫العذاب ما يصل إلى القبور"‪.‬‬

‫أيض ا كما في كت اب "ال روح" (ص ‪ ":)99 ،98‬إنه ينبغي أن ُيعلم أن‬


‫وقال اإلم ام ابن القيم‪-‬رحمه اهلل‪ً -‬‬
‫عذاب القبر ونعيمه اسم لعذاب البرزخ ونعيمه‪ ،‬وهو ما بين الدنيا واآلخــرة‪ ،‬وقال تع الى‪َ { :‬و ِمن َو َراِئ ِهم‬
‫بَ ْر َز ٌخ ِإلَى يَ ْو ِم يُ ْب َعثُ َ‬
‫ون} (المؤمن ون‪ ،)100:‬وهـــذا الـــبرزخ يش ــرف أهله فيه على ال ــدنيا واآلخ ــرة‪ ،‬وس ــمى‬
‫عذاب القبر ونعيمه وأنه روضة أو حفرة نار‪ ،‬باعتبار غالب الخلق‪ .‬فالمصـلوب والحـرق والغـرق وأكيل‬
‫الس ــباع والطي ــور له من ع ــذاب ال ــبرزخ ونعيمه قس ــطه ال ــذي تقتض ــيه أعمال ــه‪ ،‬وإ ن تن ــوعت أس ــباب النعيم‬
‫ـادا‪ ،‬وذرى بعضه في‬
‫والع ــذاب وكيفياتهم ــا‪ ،‬فقد ظن بعض األوائل أنه إذا ح ــرق جس ــده بالن ــار وص ــار رم ـ ً‬
‫البحر وبعضه في الــبر في يــوم شــديد الــريح أنه ينجو من ذلــك‪ ،‬فأوصى بنيه أن يفعلــوا به ذلــك‪ .‬فــأمر اهلل‬
‫البحر فجمع ما فيه‪ ،‬وأمر البر فجمع ما فيه‪ ،‬ثم قال‪ :‬قم فإذا هو قائم بين يدي اهلل‪ ،‬فسأله ما حملك على ما‬
‫فعلت؟ فق ال‪ :‬خش ـ ــيتك يا رب وأنت أعلم‪ ،‬فما تالف ـ ــاه أن رحمه(‪ ،)1‬فلم يفت عـ ــذاب الـ ــبرزخ ونعيمه لهـ ــذه‬
‫األج ـ ــزاء ال ـ ــتي ص ـ ــارت في ه ـ ــذه الحـ ــال‪ ،‬ح ـ ــتى لو ُعلِّق الميت على رءوس األشـ ــجار في مه ـ ــاب الريـ ــاح‬
‫ألص ــاب جس ــده من ع ــذاب ال ــبرزخ حظه ونص ــيبه‪ ،‬ولو ُدفن الرجل الص ــالح في أت ــون من الن ــار ألص ــاب‬
‫ـالما‪ ،‬والهــواء على ذلك‬
‫ـردا وسـ ً‬
‫جسده من نعيم البرزخ وروحه نصيبه وحظه‪ ،‬فيجعل اهلل النار على هذا بـ ً‬
‫ـموما‪ ،‬فعناصر العــالم ومــواده منقــادة لربها وفاطرها وخالقها ُيصـ ِّـرفها كيف يشــاء‪ ،‬وال يستعصي‬
‫ـارا وسـ ً‬
‫نـ ً‬
‫عليه منها ش ــيء أراده‪ ،‬بل هي ط ــوع مش ــيئته مذللة منق ــادة لقدرت ــه‪ ،‬ومن أنكر ه ــذا فقد جحد رب الع ــالمين‬
‫وكفر به وأنكر ربوبيته "‪.‬‬

‫‪ -1‬قصة هذا الرجل الذي أوصى بنيه بحرق جثته بعد موته وتذريتهاـ في البر والبحر مروية في "الصحيحين" وغيرهما من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري‬
‫وحذيفة بن اليمان ‪.y‬‬

‫‪17‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫س‪ :‬هل النار التي في القبر من نار الدنيا؟‬


‫يجيب عن هذا ابن القيم ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬حيث قال كما في كتابه "الروح" (ص ‪ ":)89‬إن النار التي في‬
‫القبر والخضرة ليست من نار الدنيا وال من زروع الدنيا‪ ،‬فيشاهده من شاهد نار الدنيا وخضرها‪ ،‬وإ نما‬
‫هي من نار اآلخرة وخضرها‪ ،‬وهي أشد من نار الدنيا‪ ،‬فال يحس به أهل الدنيا‪ .‬فإن اهلل سبحانه يحمى‬
‫حرا من جمر الدنيا‪ ،‬ولو مسَّها أهل الدنيا‬
‫عليه ذلك التراب والحجارة التي عليه وتحته حتى يكون أعظم ً‬
‫لم يحسوا بذلك‪ .‬بل أعجب من هذا أن الرجلين ُيدفنان أحدهما إلى جنب اآلخر‪ ،‬وهذا في حفرة من حفر‬
‫النار ال يصل حرها إلى جاره‪ ،‬وذلك في روضة من رياض الجنة ال يصل روحها ونعيمها إلى جاره‪,‬‬
‫وقدرة الرب تعالى أوسع وأعجب من ذلك‪ ،‬وقد أرانا اهلل من آيات قدرته في هذه الدار ما هو أعجب من‬
‫علما إال من وفَّقه اهلل وعصمه‪ ،‬فيفرش للكافر‬
‫ذلك بكثير‪ ،‬ولكن النفوس مولعة بالتكذيب بما لم تُحط به ً‬
‫لوحان من نار فيشتعل عليه قبره بهما كما يشتعل التنور‪ ،‬فإذا شاء اهلل سبحانه أن ُيطلع على ذلك بعض‬
‫عبيده أطلعه وغيبه عن غيره‪ ،‬إذ لو اطَّلع ِ‬
‫العباد كلهم لزالت كلمة التكليف واإليمان بالغيب‪ ،‬ولما تدافن‬
‫لدعوت اهلل أن ُيسمعكم من عذاب القبر ما‬
‫ُ‬ ‫الناس كما في "الصحيحين" عنه ﷺ‪ ":‬لوال أن ال تدافنوا‬
‫أسمع "‪.‬‬

‫أيضا كما في "الروح" (ص ‪ ":)100‬عذاب البرزخ ونعيمه أول عذاب اآلخرة ونعيمها‪،‬‬
‫وقال ابن القيم ً‬
‫وهو مشتق منه وواصل إلى أهل البرزخ هناك "‪.‬‬
‫فيفتح‬ ‫كما َّ‬
‫دل عليه القرآن والسنة الصحيحة الصريحة في غير موضع داللة صريحة‪ .‬كقول النبي ﷺ‪ُ ":‬‬
‫حرها‬
‫له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها‪ ،‬وفي الفاجر "فيفتح له باب إلى النار فيأتيه من ِّ‬
‫وسمو ِمها "‪ .‬ومعلوم ً‬
‫قطعا أن البدن يأخذ حظه من هذا الباب كما تأخذ الروح حظها‪.‬‬ ‫ُ‬

‫‪18‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫س‪ :‬ما هو النعيم الذي ينتظر المؤمن في قبره‪ ،‬والعذاب الذي ينتظر غيره من العصاة؟‬
‫فالمؤمن ينتقل في قبره من نعيم إلى نعيم‪ .‬فأول نعيم يلقاه في قبره‪ :‬أن اهلل (جل وعال) ُيثبِّته عند سؤال‬
‫ين آ َمنُو ْا بِا ْلقَ ْو ِل الثَّابِ ِ‬
‫ت فِي ا ْل َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا َوفِي اآل ِخ َر ِة َويُ ِ‬
‫ض ُّل هّللا ُ‬ ‫الملكين؛ قال تعالى‪{ :‬يُثَبِّتُ هّللا ُ الَّ ِذ َ‬
‫ين َويَ ْف َع ُل هّللا ُ َما يَشَا ُء} (إبراهيم‪ )27 :‬ويرى المؤمن في قبره (النار) التي وقاه اهلل منها‪ ،‬ويرى‬ ‫الظَّالِ ِم َ‬
‫وي ِّنور اهلل له قبره‪ ،‬ويفسح له في قبره‪ ،‬بل وينام المؤمن في قبره أطيب نومة‪،‬‬
‫مقعده ومكانه في الجنة‪ُ ،‬‬
‫ويكون في قمة شوقه لمن يبشر أهله بالنعيم الذي يجده في قبره‪.‬‬
‫قال ﷺ كما في "مسند اإلمام أحمد"‪ ":‬لما أصيب إخوانكم ُ‬
‫بُأحد‪ ،‬جعل اهلل أرواحهم في جوف طير خضر‬
‫فلما وجدوا طيب‬
‫ترد أنهار الجنة‪ ،‬تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب‪ ،‬معلقة في ظل العرش‪َّ ،‬‬
‫مأكلهم ومشربهم ومقيلهم‪ ،‬قالوا‪ :‬من يبلغ إخواننا عنا َّأنا أحياء ُنرزق‪ ،‬لئال يزهدوا في الجهاد‪ ،‬وال‬
‫(صحيح الجامع‪)5205 :‬‬ ‫ينكلوا عند الحرب؟ فقال اهلل تعالى‪ ":‬أنا أبلغهم عنكم "‪.‬‬

‫بل إن أعماله الصالحة تُمثَّل له وتؤنسه في قبره‪ ،‬كما جاء في حديث البراء‪ ":‬أنه يمثل له رجل حسن‬
‫الوجه حسن الثياب طيب الريح‪ ،‬فيقول‪ :‬أبشر بالذي يسرك‪ ،‬أبشر برضوان من اهلل‪ ،‬وجنات فيها نعيم‬
‫مقيم‪ ،‬هذا يومك الذي كنت تُوعد‪ ،‬فيقول له‪ :‬وأنت فبشرك اهلل بخير‪َ ،‬من أنت فوجهك الوجه يجيء‬
‫بالخير‪ ،‬فيقول‪ :‬أنا عملك الصالح "‪.‬‬

‫ويمأل‬ ‫خضرا إلى يوم ُيبعثون‪ .‬كما جاء في الحديث‪ُ ..." :‬‬
‫ويفسح له في قبره ُ‬ ‫ً‬ ‫بل إن اهلل يمأل عليه قبره‬
‫خضرا إلى يوم ُيبعثون "‪.‬‬
‫ً‬ ‫عليه‬

‫شوه‬
‫فأفر ُ‬ ‫ويفرش له قبره من الجنة‪ ،‬كما في حديث البراء‪ ":‬فينادى ٍ‬
‫مناد من السماء‪ :‬أن صدق عبدي ِ‬ ‫ُ‬
‫من الجنة وألبسوه من الجنة "‪.‬‬
‫بشر بصالح ولده في قبره"‪.‬‬ ‫ويبشر بصالح ولده في قبره‪ .‬قال مجاهد‪ ":‬إن الرجل ُلي َّ‬
‫ُ‬
‫فينادى عليه من السماء‪ :‬أن كذب عبدي ويا له من خزي ويا له من عذاب‪ ...‬ثم‬ ‫أما الصنف اآلخر‪َ :‬‬
‫ويسلَّط عليه‬
‫ويفرش له قبره من النار ُ‬ ‫ضيق عليه قبره حتى تختلف أضالعه ويمتلئ عليه قبره ظُلمة‪ُ ...‬‬ ‫ُي َّ‬
‫ترابا‪ ،‬ثم يعيده اهلل كما كان‪ ...‬ويمثل له‬
‫ويضرب بمطراق حتى يصير ً‬ ‫التنين الذي يلسعه وينهشه‪ ..‬بل ُ‬
‫عمله في قبره‪ ،‬كما جاء في حديث البراء ‪ ":‬ويأتيه رج ٌل قبيح الوجه‪ ،‬فيقول‪ :‬أنا عملك الخبيث"‪.‬‬
‫فنسأل اهلل العفو والعافية‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫س‪ :‬هل يتنوع عذاب القبر‪ ،‬أم أنه ثابت ال يتغير؟‬


‫جـ‪ :‬عذاب القبر يتنوع من مقبور آلخر‪:‬‬
‫‪ -‬فهناك من ُيضرب بمطراق من حديد كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري‪ " :‬ثم ُيضرب بمطراق‬
‫من حديد بين ُأذنيه‪ ،‬فيصيح صيحة فيسمعها من عليها غير الثقلين "‪.‬‬
‫‪ -‬وعند أحمد‪ " :‬ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة لو ضرب بها جبل كان ً‬
‫ترابا"‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك من تنهشه الحيات العظيمة‪:‬‬
‫كما جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد وابن حبان والديلمي‪ ":‬يسلط على الكافر في قبره تسعة‬
‫خضرا‬
‫ً‬ ‫وتسعون تني ًنا تنهشه وتلدغه حتى تقوم الساعة فلو أن تني ًنا(‪ )1‬منها نفخت في األرض ما أنبت‬
‫"‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك َمن ُيضيَّق عليه القبر حتى تختلف أضالعه‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك َمن ُيفرش له من النار‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك َمن ُيمثَّل له عمله الخبيث على هيئة رجل قبيح الوجه والثياب منتن الريح‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك َمن يشرشر شدقه ومنخره وعينه إلى قفاه بالكلوب (الكذاب)‪.‬‬
‫ويلقم الحجر (آكل الربا)‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك َمن يسبح في بحر الدم‪ُ ،‬‬
‫(الزناة والزواني)‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك َمن يحبسون في تنور وتقاد عليهم النار أسفل منهم ُ‬
‫‪ -‬وهناك َمن ُيثلغ رأسه بالحجر (الذي ينام عن الصالة المكتوبة‪ ،‬ويهجر القرآن بعد تعلمه)‪.‬‬
‫نارا في قبره (الغلول من الغنيمة)‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك َمن تشتعل عليه الشملة ً‬
‫‪ -‬وهناك َمن ُيعلَّق بعرقوبه مشقق شدقه (الذين يفطرون قبل تحلة صومهم)‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك َمن تنهش الحيات ثديها (التي تمتنع عن إرضاع أوالدها بغير عذر)‪.‬‬
‫س‪ :‬ماذا يُعْرض على الميت في قبره؟‬
‫جـ‪ :‬والجواب أنه يعرض عليه ويشاهد مقعده بالغداة والعشي‪.‬‬
‫فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد اهلل بن عمر ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪":‬‬
‫إن أحدكم إذا مات ُع ِرض عليه مقعده بالغداة والعشي‪ ،‬إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة‪ ،‬وإ ن كان‬
‫من أهل النار فمن أهل النار‪ ،‬فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك اهلل يوم القيامة "‪.‬‬
‫س‪ :‬هل عذاب القبر دائم أم منقطع؟‬

‫‪ -1‬التنين‪ :‬الحيَّة العظيمة‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫جـ‪ :‬قال اإلمام ابن القيم‪ :‬جوابها له نوعان‪- :‬النوع األول‪ :‬نوع دائم‪ :‬ويدل على دوامه قوله تعالى‪:‬‬
‫ون َعلَ ْي َها ُغ ُد ًّوا َو َع ِ‬
‫شيًّا} (غافر‪ ،)46:‬ويدل عليه ما تقدم في حديث جابر بن سمرة الذي‬ ‫ض َ‬‫{النَّا ُر يُ ْع َر ُ‬
‫رواه البخاري في رؤيا النبي ﷺ فيه‪ ":‬فهو ُيفعل به ذلك إلى يوم القيامة "‪.‬‬
‫وفي حديث ابن عباس ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬في قصة الجريدتين‪ " :‬لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا"‪.‬‬
‫مقيدا بمدة رطوبتهما فقط‪.‬‬
‫فجعل التخفيف ً‬
‫وفي حديث الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي هريرة ‪ ":‬ثم أتى على قوم تُرضخ رءوسهم‬
‫بالصخر كلما رضخت عادت ال يفتر عنهم من ذلك شيء" وقد َّ‬
‫تقدم‪ .‬وفي" الصحيح" في قصة الذي‬
‫لبس ُبردين وجعل يمشى يتبختر فخسف اهلل به األرض‪ ،‬فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة "‪.‬‬
‫‪ -‬وفي حديث البراء بن عازب في قصة الكافر‪ ":‬ثم ُيفتح له باب إلى النار‪ ،‬فينظر إلى مقعده فيها حتى‬
‫تقوم الساعة "‪ .‬رواه اإلمام أحمد في بعض طرقه‪ ":‬ثم ُيخرق له خرقًا إلى النار‪ ،‬فيأتيه من غمها‬
‫ودخانها إلى يوم القيامة"‪.‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬إلى مدة ثم ينقطع‪ :‬وهو عذاب بعض العصاة الذين خفت جرائمهم فيعذب بحسب جرمه‪،‬‬
‫ثم يخفَّف عنه كما ي َّ‬
‫عذب في النار مدة‪ ،‬ثم يزول عنه العذاب‪ .‬وقد ينقطع عنه العذاب بدعاء‪ ،‬أو صدقة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أو استغفار‪ ،‬أو ثواب حج‪ ،‬أو قراءة تصل إليه من بعض أقاربه أو غيرهم(‪ ،)1‬وهذا كما يشفع الشافع في‬
‫المعذب في الدنيا‪ ،‬فيخلص من العذاب بشفاعته‪ ،‬ولكن هذه شفاعة قد ال تكون بذلك بإذن المشفوع عنده‪،‬‬
‫واهلل تعالى ال يتقدم أحد بالشفاعة بين يديه إال من بعد إذنه‪ ،‬فهو الذي يأذن للشافع أن يشفع إذا أراد أن‬
‫يرحم المشفوع له‪ ،‬وال تغتر بغير هذا‪ ،‬فإنه شرك وباطل يتعالى اهلل عنه{ َمن َذا الَّ ِذي يَ ْ‬
‫شفَ ُع ِع ْن َدهُ ِإالَّ‬
‫يع ِإالَّ ِمن بَ ْع ِد‬
‫شفِ ٍ‬
‫ضى} (األنبياء‪َ ...{ ،)28:‬ما ِمن َ‬ ‫ون ِإاَّل لِ َم ِن ْ‬
‫ارتَ َ‬ ‫بِِإ ْذنِ ِه } (البقرة‪َ ...{)255:‬واَل يَ ْ‬
‫شفَ ُع َ‬
‫ِإ ْذنِ ِه} (يونس‪َ { )3:‬واَل تَنفَ ُع ال َّ‬
‫شفَا َعةُ ِعن َدهُ ِإاَّل لِ َمنْ َأ ِذ َن} (سبأ‪{ ،)23:‬قُل هَّلِّل ِ ال َّ‬
‫شفَا َعةُ َج ِمي ًعا لَّهُ ُم ْل ُك‬
‫ض} (الزمر‪( .)44:‬الروح‪ :‬ص ‪ 120 ،119‬المسألة الرابعة عشر)‬ ‫ت َواَأْل ْر ِ‬
‫اوا ِ‬
‫س َم َ‬
‫ال َّ‬
‫ويقول الحافظ ابن حجر ‪-‬رحمه اهلل‪ ":-‬والعذاب يستمر إذا كان العبد ً‬
‫كافرا أو منافقًا نفاق كفر‪ ،‬وإ ن‬
‫عاصيا فيختلف باختالف كبر المعصية وصغرها‪ ،‬وحصول العفو عن بعض العصاة دون‬‫ً‬ ‫مسلما‬
‫ً‬ ‫كان‬
‫بعض‪ ،‬فقد ي َّ‬
‫عذب بعض العصاة‪ ،‬وقد ال يستمر التعذيب على بعض العصاة‪ ،‬وقد ُيرفع عن بعض‪.‬‬ ‫ُ‬
‫قرره ابن أبي العز في "شرح الطحاوية" (ص ‪ )401‬حيث أجاب عن السؤال السابق فقال‪:‬‬ ‫وهذا ما َّ‬
‫ون َعلَ ْي َها ُغ ُد ًّوا َو َع ِ‬
‫شيًّا‬ ‫ض َ‬‫جوابه‪ :‬أنه نوعان‪ - :‬األول‪ :‬منه ما هو دائم‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬النَّا ُر يُ ْع َر ُ‬
‫ب} (غافر‪)46 :‬‬ ‫سا َعةُ َأ ْد ِخلُوا آ َل فِ ْر َع ْو َن َأ َ‬
‫ش َّد ا ْل َع َذا ِ‬ ‫َويَ ْو َم تَقُو ُم ال َّ‬

‫‪ - 1‬هذا الكالم فيه نظر‪ ،‬فقد ذهب ابن القيم‪ :‬إلى وصول ثواب القراءة من الغير للميت وهذا مرجوح‪ ،‬والراجح‪ :‬أنها ال تصل ـ‬

‫‪21‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫البراء بن عازب في قصة الكافر‪ ":‬ثم ُيفتح له باب إلى النار‪ ،‬فينظر إلى مقعده فيها‬
‫وكذلك في حديث َ‬
‫(رواه أحمد في بعض طرقه)‬ ‫حتى تقوم الساعة "‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه مدة ثم ينقطع‪ :‬وهو عذاب بعض العصاة الذين خفَّت جرائمهم‪ ،‬في َّ‬
‫عذب بحسب جرمه ثم‬ ‫ُ‬
‫ُيخفَّف عنه‪.‬‬
‫إشكال والرد عليه‪ :‬مر بنا أن الكافر والمنافق يستمر عذابه إلى يوم القيامة وال يتوقف‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫ون َعلَ ْي َها ُغ ُد ًّوا َو َع ِ‬
‫شيًّا} (غافر‪ ،)46:‬لكن أليس هذا يتعارض مع قوله تعالى حكاية عن‬ ‫ض َ‬‫{النَّا ُر يُ ْع َر ُ‬
‫ق ا ْل ُم ْر َ‬
‫سل ُ َ‬
‫ون} (يس‪ )52 :‬حيث‬ ‫الكافرين‪{ :‬يَا َو ْيلَنَا َمن بَ َعثَنَا ِمن َّم ْرقَ ِدنَا َه َذا َما َو َع َد ال َّر ْح َمنُ َو َ‬
‫ص َد َ‬
‫َّبينت اآلية أنهم كانوا نائمين ال يشعرون بشيء‪.‬‬
‫والرد على هذا ‪ -‬كما قال أهل العلم ‪ :-‬إن هذه النومة تكون بين النفختين‪.‬‬
‫قال اإلمام الطبري ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬في تفسيره هذه اآلية‪ :)10/450( :‬هؤالء المشركون لما ُنفخ في‬
‫فر َّدت أرواحهم إلى أجسامهم‪ ،‬وذلك بعد نومة ناموها‪ ،‬وذلك قوله‬
‫الصور نفخة البعث لموقف القيامة ُ‬
‫وقد قيل إن ذلك نومة بين‬ ‫(يس‪)52 :‬‬ ‫تعالى حكاية عنهم‪{ :‬قَالُوا يَا َو ْيلَنَا َمن بَ َعثَنَا ِمن َّم ْرقَ ِدنَا َه َذا}‬
‫النفختين‪.‬‬
‫وقال العالمة الشنقيطي في "أضواء البيان" (‪ :)6/489‬والتحقيق أن هذا قول الكفار عند البعث‪ ،‬واآلية‬
‫تدل داللة ال لبس فيها على أنهم ينامون نومة قبل البعث‪ ،‬كما قال غير واحد‪ ،‬وعند بعثهم أحياء من تلك‬
‫ق‬ ‫النومة التي هي نومة موت‪ ،‬يقول لهم الذين أوتوا العلم واإليمان‪َ { :‬ه َذا َما َو َع َد ال َّر ْح َمنُ َو َ‬
‫ص َد َ‬
‫ا ْل ُم ْر َ‬
‫سل ُ َ‬
‫ون}‪ ،‬أي هذا البعث بعد الموت "‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫‪ ‬وقد بيَّن النبي ﷺ أن هناك مدة من الزمان بين النفختين‪:‬‬
‫فقد أخرج اإلمام مسلم من حديث أبي هريرة ‪ ‬أن النبي ﷺ قال‪ ":‬ما بين النفختين أربعون‪ .‬قالوا‪ :‬يا‬
‫شهرا؟ قال‪ :‬أبيت‪،‬‬
‫يوما؟ قال‪ :‬أبيت‪ ،‬قالوا‪ :‬أربعون سنة؟ قال‪ :‬أبيت‪ ،‬قالوا‪ :‬أربعون ً‬
‫أبا هريرة أربعون ً‬
‫ويبلى كل شيء من اإلنسان إال عجب ذنبه فيه يركب الخلق "‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث داللة على أنهم يموتون بين النفختين مقدار أربعون‪ ،‬ولم تحدد تلك األربعون‪.‬‬
‫أيضا الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة ‪ ‬أن النبي ﷺ قال‪":‬‬
‫ويدل على ذلك ً‬
‫فأكون َّأول من ُيفيق‪ ،‬فإذا‬
‫ُ‬ ‫صعقُون يوم القيامة‪ ،‬فأصعق معهم‬
‫ال تخيروني على موسى‪ ،‬فإن الناس ُي َ‬
‫ص ِع َ‬
‫ق فأفاق قبلي‪ ،‬أو كان ممن استثنى اهلل "‪.‬‬ ‫بموسى باطش بجانب العرش‪ ،‬فال أدري أكان فيمن َ‬
‫إذا اآليات واألحاديث الدالة على استمرار العذاب من باب العموم‪ ،‬وقد خصصت بآية " يس" واألحاديث‬
‫السابقة الذكر في هذا القول‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫مالحظة‪ :‬ذهب بعض أهل العلم‪ :‬إلى أن العذاب مستمر غير منقطع إلى قيام الساعة‪ ،‬وليس هناك نوم‪.‬‬
‫والمقصود من اآلية‪ :‬أن الكفار إذا عاينوا جهنم وأنواع عذابها صار عذاب القبر في جنبها كالنوم‪ ،‬ولكن‬
‫المعنى األول أظهر وأرجح‪.‬‬

‫س‪ :‬ما الحكمة من عذاب القبر ونعيمه؟‬


‫جـ‪ :‬هناك مجموعة من الحكم من عذاب القبر ونعيمه منها‪- :‬‬
‫‪ -1‬إظهار فضل اهلل تعالى على عباده المؤمنين الصالحين في تنعيمهم في الحياة البرزخية‪ ،‬وإ ذالل‬
‫وتعذيب المكذبين العاصين والعياذ باهلل‪.‬‬

‫‪ -2‬إظهار قدرة اهلل تعالى في تعذيب العصاة والكافرين‪ ،‬وتنعيم المؤمنين الصادقين في القبر دون أن‬
‫يشعر بذلك سائر البشر‪.‬‬

‫رادعا‬
‫ً‬ ‫عذابا في القبر أو في الحياة البرزخية‪ ،‬فإن ذلك يكون‬
‫‪ -3‬أن المكلفين عندما يعلمون أن هناك ً‬
‫ومانعا لهم عما يسوء ويشين فعله في اآلخرة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -4‬التحذير من بعض الذنوب والمعاصي‪ ،‬والتي يكون لها ُعقوبات خاصة تناسبها‪ ،‬كعدم التنزه من‬
‫البول والنميمة‪ ...‬وغير ذلك‪.‬‬

‫‪ -5‬قد يكون العذاب في القبر ُمكفِّ ًرا لبعض الذنوب والمعاصي التي ألَّم بها العبد في الحياة الدنيا‪ ،‬فيأتي‬
‫يوم القيامة وال ذنب له‪.‬‬

‫‪ -6‬قد يكون العذاب في القبر تخفيفًا لعقوبة ذلك العبد في النار يوم القيامة‪.‬‬
‫(دراسات عقدية في الحياة البرزخية‪ :‬ص ‪)358‬‬

‫‪23‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫س‪ :‬هل الموتى يسمعون كالم األحياء؟‬


‫جـ‪ :‬اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال‪ :‬القول األول‪ :‬ذهب إلى نفي سماع األموات لألحياء‪.‬‬
‫وهو رأي السيدة عائشة وابن عباس وابن مسعود ‪ -‬رضي اهلل عنهم‪ -‬وغير واحد من الصحابة وهو‬
‫مذهب الجمهور‪ .‬وهو قول ابن عابدين‪ ،‬وابن الهمام‪ ،‬وابن نجيم‪ ،‬والحصفكي‪ ،‬وغيرهم من أئمة‬
‫األحناف‪ ،‬والمازري والباجي والقاضي عياض من المالكية‪ ،‬والقاضي أبو يعلى من الحنابلة‪ ،‬وما َل إليه‬
‫أيضا ابن باز وابن‬ ‫الشيخ األلباني في تحقيقه "لآليات البيِّنات في عدم سماع األموات"‪َّ ،‬‬
‫ورجح ذلك ً‬
‫عثيمين‪-‬رحمهم اهلل‪ -‬ودليلهم‪- :‬‬
‫(النمل‪:‬‬ ‫الص َّم ال ُّد َعاء ِإ َذا َولَّ ْوا ُم ْدبِ ِر َ‬
‫ين}‬ ‫س ِم ُع ا ْل َم ْوتَى َواَل تُ ْ‬
‫س ِم ُع ُّ‬ ‫الدليل األول‪ :‬قوله تعالى‪ِ{ :‬إنَّ َك اَل تُ ْ‬
‫‪)80‬‬

‫قال ابن جرير ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬في تفسير هذه اآلية (‪ :)21/36‬هذا َمثَ ٌل معناه فإنك ال تقدر أن تُفهم‬
‫هؤالء المشركين الذين قد ختم اهلل على أسماعهم‪ ،‬فسلبهم فهم ما ُيتلى عليهم من مواعظ تنزيله‪ ،‬كما ال‬
‫أسماعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫تقدر أن تُفهم الموتى الذين سلبهم اهلل أسماعهم بأن تجعل لهم‬
‫ثم روى بإسناده الصحيح عن قتادة ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬قال‪ :‬هذا َمثَ ٌل ضربه اهلل للكافر‪ ،‬فكما ال يسمع الميت‬
‫مدبرا ثم ناديته لم يسمع‪،‬‬ ‫عاء} أي لو أن ًّ‬
‫أصما ولى ً‬ ‫الص َّم ال ُّد َ‬ ‫الدعاء كذلك ال يسمع الكافر‪َ { ،‬واَل تُ ْ‬
‫س ِم ُع ُّ‬
‫كذلك الكافر ال يسمع وال ينتفع بما سمع‪.‬‬
‫‪ -‬فثبت من ه ــذه النق ــول عن كتب التفس ــير المعتم ــدة أن الم ــوتى في قب ــورهم ال يس ــمعون كالصم إذا ول ــوا‬
‫مدبرين‪ .‬وهذا الذي فهمته عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬واشتهر ذلك عنها في كتب السنة وغيرها‬
‫(انظر فتاوى اللجنة الدائمة‪)9216 :‬‬ ‫أيضا‪.‬‬
‫وهذا الذي فهمه عمر بن الخطاب ‪ً ‬‬
‫ون ِمن قِ ْط ِمي ٍر (‬ ‫ُون ِمن دُونِ ِه َما يَ ْملِ ُك َ‬ ‫ين تَ ْدع َ‬ ‫الدليل الثاني‪ :‬قوله تعالى‪َ { :‬ذلِ ُك ُم هَّللا ُ َربُّ ُك ْم لَهُ ا ْل ُم ْل ُك َوالَّ ِذ َ‬
‫ش ْر ِك ُك ْم‬ ‫ست ََجابُوا لَ ُك ْم َويَ ْو َم ا ْلقِيَا َم ِة يَ ْكفُ ُر َ‬
‫ون بِ ِ‬ ‫س ِم ُعوا َما ا ْ‬ ‫س َم ُعوا ُد َعاء ُك ْم َولَ ْو َ‬ ‫‪ِ )13‬إن تَ ْدعُو ُه ْم اَل يَ ْ‬
‫ر} (فاطر‪)14،13:‬‬ ‫َواَل يُنَبُِّئ َك ِم ْث ُل َخبِي ٍ‬
‫ووجه الداللة من اآلية‪ :‬أن الصالحين ال يسمعون بعد موتهم‪ ،‬وغيرهم مثلهم بداهة‪ ،‬بل ذلك من باب‬
‫أولى كما ال يخفى‪ ،‬فالموتى كلهم إذن ال يسمعون‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬حديث قليب بدر‪:‬‬
‫والحديث أخرجه البخاري عن ابن عمر‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪ ":‬وقف الن بي ﷺ على َقليب ب ٍ‬
‫در فق ال‪:‬‬
‫هل وجدتم ما وعد ربكم حقًا؟ ثم قال‪ :‬إنهم اآلن يسمعون ما أق ول‪ ،‬ف ُذ ِكر لعائشة فق الت‪ :‬إنما ق ال الن بي‬
‫س ِم ُع ا ْل َم ْوتَى} ح تى ق رأت‬
‫ﷺ‪ :‬إنهم اآلن يعلم ون أن ال ذي كنت أق ول لهم هو الحق ثم ق رأت‪ِ{ :‬إنَّ َك اَل تُ ْ‬
‫اآلية "‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫أيضا من حديث أبى طلحة ‪ ":‬أن نبي اهلل ﷺ أمر يوم ٍ‬


‫بدر بأربعة وعشرين‬ ‫وعند البخاري ومسلم ً‬
‫طوي من أطواء بدر خبيث مخبث‪ ،‬وكان إذا ظهر على قوم أقام‬
‫ٍّ‬ ‫رجاًل من صناديد قريش فقذفوا في‬
‫بالعرصة ثالث ليالي‪ ،‬فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه‬
‫أصحابه وقالوا‪ :‬ما نرى ينطلق إال لبعض حاجته حتى قام على شفة الركي‪ ،‬فجعل يناديهم بأسمائهم‬
‫وأسماء آبائهم يا فالن بن فالن‪ ،‬ويا فالن بن فالن أيسركم أنكم أطعتم اهلل ورسوله؟ فإنا قد وجدنا ما‬
‫وعدنا ربنا حقًا‪ ،‬فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا؟! فقال عمر‪ :‬يا رسول اهلل! ما تُكلِّم من أجساد ال‬
‫أرواح فيها؟ فقال رسول اهلل ﷺ‪ :‬والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع مما أقول منهم "‪.‬‬
‫وندما "‪.‬‬
‫وتصغيرا‪ ،‬ونقمة‪ ،‬وحسرة‪ً ،‬‬
‫ً‬ ‫توبيخا‪،‬‬
‫ً‬ ‫قال قتادة ‪-‬رحمه اهلل‪" :-‬أحياهم اهلل حتى أسمعهم قوله‬
‫ووجه االستدالل بهذا الحديث يتضح مالحظة أمرين‪ :‬األول‪ :‬ما في الرواية األولى من تقييده ﷺ سماع‬
‫موتى القليب بقوله‪ " :‬اآلن" فإن مفهومه أنهم ال يسمعون في غير هذا الوقت وهو المطلـوب‪ .‬وهذه الفائدة‬
‫َّنبه عليها العالمة األلوسي في كتـابه "روح المعاني" (‪ :)6/455‬ففيه تنبيه قوى على أن األصل في‬
‫الموتى أنهم ال يسمعون‪.‬‬
‫مستقرا في نفوسهم واعتقادهم أن‬
‫ً‬ ‫أقر عمر وغيره من الصحابة على ما كان‬ ‫األمر اآلخر‪ :‬أن النبي ﷺ َّ‬
‫الموتى ال يسمعون‪ ،‬فقد قالوا للنبي ﷺ‪ " :‬ما تكلِّم من أجساد ال أرواح فيها؟"‪.‬‬
‫وجاء في "مسند اإلمام أحمد" عن أنس ‪ ‬قال‪ ":‬فسمع عمر صوته فقال‪ :‬يا رسول اهلل أتناديهم بعد‬
‫س ِم ُع ا ْل َم ْوتَى}‪ ،‬فقال‪ :‬والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما‬
‫ثالث؟ وهل يسمعون؟ يقول اهلل ‪ِ{ :‬إنَّكَ اَل تُ ْ‬
‫أقول منهم ولكنهم ال يستطيعون أن يجيبوا" ‪.‬‬
‫ومن هذا يتضح أن النبي ﷺ أقر الصحابة ـ وفي مقدمتهم عمرـ على فهمهم لآلية على ذلك الوجه العام‬
‫الشامل لموتى القليب وغيرهم؛ ألنه لم ينكره عليهم‪ ،‬وال قال لهم‪" :‬أخطأتم" فاآلية ال تنفي مطلقًا سماع‬
‫الموتى‪ ،‬بل إنه أقرهم على ذلك‪ ،‬ولكن َّبين لهم ما كان ً‬
‫خافيا عليهم في شأن القليب‪ ،‬وأنهم سمعوا كالمه‬
‫حقًا‪ ،‬وأن ذلك أمر خاص مستثنى من اآلية معجزة له ﷺ‪.‬‬
‫الدليل الرابع‪ :‬ما أخرجه اإلمام أحمد أن النبي ﷺ قال‪ ":‬إن هلل مالئكة سياحين في األرض‪ ،‬يبلغوني عن‬
‫أمتي السالم "‪.‬‬
‫ووجه االستدالل به أنه صريح في أن النبي ﷺ ال يسمع سالم المسلمين عليه‪ ،‬إذ لو كان يسمعه بنفسه لما‬
‫كان بحاجة إلى من يبلغه إليه‪ ،‬كما هو ظاهر ال يخفى على أحد إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫وإ ذا كان األمر كذلك فباألولى أنه ﷺ ال يسمع غير السالم من الكالم‪ ،‬وإ ذا كان كذلك فألن يسمع السالم‬
‫غيره من الموتى أولى وأحرى‪ ،‬ثم إن الحديث مطلق يشمل حتى َمن سلَّم عليه ﷺ عند قبره‪.‬‬
‫سماعا مطلقًا كما كان شأنه في‬
‫ً‬ ‫قال الشيخ األلباني ‪-‬رحمه اهلل‪ ":-‬لم َأر َمن صرح بأن الميت يسمع‬
‫عالما يقول به "‪.‬‬
‫حياته وال أظن ً‬

‫‪25‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫القول الثاني‪:‬‬
‫ذهب فريق من أهل العلم‪ :‬إلى أن الموتى يسمعون في الجملة وال يسمعون في كل األحوال‪.‬‬
‫وهناك فريق آخر رأى‪ :‬أنهم يسمعون في كل األحوال‪ ،‬لكنهم ال يستطيعون االنتفاع بما يسمعونه أو حتى‬
‫مجرد ِّ‬
‫الرد‪.‬‬
‫{و َما َأنتَ‬
‫قال اإلمام ابن القيم ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬كما في كتابه "الروح" (ص ‪ :)60‬وأما قوله تعالى‪َ :‬‬
‫س ِم ٍع َّمن فِي ا ْلقُبُو ِر} (فاطر‪ ،)22 :‬فسياق اآلية يدل على أن المراد منها‪:‬‬
‫بِ ُم ْ‬
‫إسماعا ينتفع به‪ ،‬كما أن َمن في القبور ال تقدر على إسماعهم‬
‫ً‬ ‫أن الكافر الميت القلب ال تقدر على إسماعه‬
‫إسماعا ينتفعون به‪ ،‬ولم ُيرد سبحانه أن أصحاب القبور ال يسمعون شيًئا البتة‪ ،‬كيف وقد أخبر النبي ﷺ‬
‫ً‬
‫أنهم يسمعون خفق نعال المشيعين؟ وأخبر أن قتلى بدر سمعوا كالمه وخطابه‪ .‬و ُشرع السالم عليهم‬
‫رد عليه السالم‪ ،‬وهذه اآلية‬‫بصيغة الخطاب للحاضر الذي يسمع‪ .‬وأخبر أن َمن سلَّم على أخيه المؤمن َّ‬
‫الص َّم ال ُّد َعاء ِإ َذا َولَّ ْوا ُم ْدبِ ِر َ‬
‫ين} (النمل‪،)80:‬‬ ‫س ِم ُع ا ْل َم ْوتَى َواَل تُ ْ‬
‫س ِم ُع ُّ‬ ‫نظير قوله‪ِ{ :‬إنَّ َك اَل تُ ْ‬
‫وقد يقال نفي إسماع الصم مع نفي إسماع الموتى‪ ،‬يدل على أن المراد عدم أهلية كل منهما للسماع‪ .‬وأن‬
‫ممتنعا بمنزلة خطاب الميت واألصم‪ ،‬وهذا حق ولكن ال‬
‫ً‬ ‫صماء كان إسماعها‬
‫قلوب هؤالء لما كانت ميتة َّ‬
‫ينفي إسماع األرواح بعد الموت إسماع توبيخ وتقريع بواسطة تعلقها باألبدان في وقت ما‪ .‬فهذا غير‬
‫اإلسماع المنفي‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫(فاطر‪)23:‬‬ ‫وحقيقة المعنى أنك ال تستطيع أن تُسمع من لم يشأ اهلل أن ُيسمعه اهلل‪ِ{ ،‬إنْ َأنتَ ِإاَّل نَ ِذي ٌر }‬
‫أي‪ :‬إنما جعل اهلل لك االستطاعة على اإلنذار الذي كلفك إياه ال على إسماع من لم يشأ اهلل إسماعه"‬
‫وقال الشيخ عمر األشقر في "القيامة الصغرى"‪ " :‬ثبت في األحاديث الصحيحة أن الميت يسمع قرع‬
‫نعال أصحابه‪ ،‬بعد وضعه في قبره‪ ،‬فعن أنس بن مالك ‪ ‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪ ":‬إن العبد إذا و ِ‬
‫ضع في‬ ‫ُ‬
‫قبره‪ ،‬وتولَّى عنه أصحابه‪ ،‬إنه ليسمع قرع نعالهم‪( ."..‬مسلم)‬

‫ووقف الرسول ﷺ بعد ثالثة أيام من معركة بدر على قتلى بدر من المشركين فنادى رجااًل منهم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"يا أبا جهل بن هشام‪ ،‬يا أميَّة بن خلف‪ ،‬يا عتبة بن ربيعة‪ ،‬يا شيبة بن ربيعة‪ ،‬أليس قد وجدتم ما‬
‫وعدكم ربكم حقًا؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربى حقًا" فقال عمر بن الخطاب‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬كيف‬
‫يسمعوا؟ َّ‬
‫وأنى يجيبوا وقد جيفوا؟! قال‪ :‬والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم‪ ،‬ولكنهم ال‬
‫(رواه البخاري)‬ ‫فسحبوا‪ ،‬فألقوا في قليب بدر"‪.‬‬
‫يقدرون أن يجيبوا" ثم أمر بهم ُ‬

‫‪26‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫واستدل فريق من أهل العلم بهذا الحديث‪ :‬على أن الموتى يسمعون‪ .‬وممن ذهب إلى ذلك‪ :‬ابن جرير‬
‫الطبري وابن قتيبة وغيره من العلماء‪.‬‬
‫وقال ابن أبى العز شارح الطحاوية (ص ‪ ":)85‬من قال‪ :‬إن الميت ينتفع بقراءة القرآن عنده باعتبار‬
‫سماعه كالم اهلل‪ ،‬فهذا لم يصح عن أحد من األئمة المشهورين‪ ،‬وال شك في سماعه‪ ،‬ولكن انتفاعه‬
‫بالسماع ال يصح‪ ،‬فإن ثواب االستماع مشروط بالحياة فإنه عمل اختياري‪ ،‬وقد انقطع بموته‪ ،‬بل ربما‬
‫يتضرر ويتألم لكونه لم يمتثل أوامر اهلل ونواهيه‪ ،‬أو لكونه لم يزدد من الخير"‪.‬‬

‫وقد ساق ابن تيمية جملة من األحاديث التي تدل على أن الموتى يسمعون‪ ،‬ثم قال‪ ":‬فهذه النصوص‬
‫دائما‪ ،‬بل قد يسمع في‬
‫وأمثالها تُبيِّن أن الميت يسمع في الجملة كالم الحي‪ ،‬وال يجب أن يكون السمع له ً‬
‫أحيانا خطاب من يخاطبه‪ ،‬وقد ال يسمع لعارض يعرض‬
‫حال دون حال‪ ،‬كما قد يعرض للحي فإنه يسمع ً‬
‫(مجموع الفتاوى‪)5/366 :‬‬ ‫له "‪.‬‬
‫وقد أجاب شيخ اإلسالم على إشكال من يقول‪" :‬إن اهلل نفي السماع عن الميت" في قوله‪:‬‬
‫س ِم ُع ا ْل َم ْوتَى} (الروم‪ ،)52:‬وكيف تزعمون أن الموتى يسمعون؟ فقال‪ ":‬وهذا السمع سمع‬ ‫{فَِإنَّكَ اَل تُ ْ‬
‫إدراك ليس يترتب عليه جزاء‪ ،‬وال هو السمع المنفي بقوله‪{ :‬فَِإنَّ َك اَل تُ ْ‬
‫س ِم ُع ا ْل َم ْوتَى} (الروم‪،)52:‬‬
‫فإن المراد بذلك‪ :‬سمع القبول واالمتثال‪ ،‬فإن اهلل جعل الكافر كالميت الذي ال يستجيب لمن دعاه‪،‬‬
‫وكالبهائم التي تسمع الصوت‪ ،‬وال تفقه المعنى‪ ،‬فالميت وإ ن سمع الكالم وفقه المعنى‪ ،‬فإنه ال يمكنه إجابة‬
‫ونهي عنه‪ ،‬فال ينتفع باألمر والنهي‪ ،‬وكذلك الكافر ال ينتفع باألمر والنهى‪،‬‬
‫الداعي‪ ،‬وال امتثال ما ُأمر به ُ‬
‫وإ ن سمع الخطاب وفهم المعنى‪ ،‬كما قال تعالى‪َ { :‬ولَ ْو َعلِ َم هّللا ُ فِي ِه ْم َخ ْي ًرا أَّل ْ‬
‫س َم َع ُه ْم } (األنفال‪ ،)23:‬وقد‬
‫ونكيرا يسألونه‪ ،‬فالمؤمن يوفَّق‬
‫ً‬ ‫منكرا‬
‫أيضا على أن الميت مع سماعه يتكلم‪ ،‬فإن ً‬
‫جاءت النصوص دالة ً‬
‫أيضا في غير سؤال منكر ونكير‪ ،‬وكل هذا‬ ‫ُّ‬
‫يضل عن الجواب‪ ،‬ويتكلم ً‬ ‫للجواب الحق‪ ،‬والكافر والمنافق‬
‫مخالف لما عهده أهل الدنيا من كالم‪ ،‬فإن الذي يسأل ويتكلم الروح‪ ،‬وهي التي تجيب وتقعد وتُعذب‬
‫وتُنعَّم‪ .‬وإ ن كان لها نوع اتصال بالجسد‪ ،‬وقد سبق القول إن بعض الناس قد يسمعون الكلمة من الميت‪،‬‬
‫(مجموع الفتاوى‪)5/364 :‬‬ ‫كثيرا‪.‬‬
‫وأن الرسول ﷺ كان يسمع من هذا شيًئا ً‬

‫وأيضا استدل هذا الفريق بحديث الدعاء عند دخول المقابر وهو‪ ":‬السالم عليكم دار قوم‪ ."...‬الحديث‪،‬‬
‫ً‬
‫وقالوا‪ :‬ال يكون السالم إال على َمن يسمعون‪.‬‬
‫والرد‪ :‬إن هذا استدالل نظري استنباطي‪ ،‬وال يدل الحديث على التصريحـ بسماعهم‪.‬‬
‫وأيضا المقصود من السالم هو طلب الرحمة للموتى‪ ،‬فالمقصود من السالم عليهم الدعاء ال الخطاب‪.‬‬
‫ً‬

‫‪27‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫‪ ‬وحاول البعض الجمع بين حديث ابن عمر وهو محادثة النبي ﷺ ألهل القليب‪ ،‬وبين حديث عائشة أنها‬
‫أنكرت ذلك وقرأت عليهم قوله تعالى‪{ :‬فَِإنَّ َك اَل تُ ْ‬
‫س ِم ُع ا ْل َم ْوتَى}‬
‫فقال الحافظ ابن حجر‪-‬رحمه اهلل‪ -‬في "الفتح" (‪ :)3/301‬إن الجمع بين حديث ابن عمر وعائشة بحمل‬
‫حديث ابن عمر على أن مخاطبة أهل القليب وقعت وقت المسألة‪ ،‬وحينئذ كانت الروح قد أعيدت إلى‬
‫الجسد"‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫وقال المناوي ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬في "فتح القدير"‪ :‬وأما الجمع بين قوله ﷺ‪" :‬أنه يسمع قرع نعالهم"‪ ،‬وقوله‬
‫تعالى‪َ { :‬و َما َأنتَ بِ ُم ْ‬
‫س ِم ٍع َّمن فِي ا ْلقُبُو ِر} (فاطر‪ ،)22 :‬أجيب بأن السماع في الحديث بخصوص أول‬
‫الوضع في القبر مقدمة السؤال‪ ،‬فالحديث ال يدل على العموم"‪.‬‬
‫والراجح في المسألة‪:‬‬
‫هو ما ذهب إليه الفريق األول من عدم سماع الموتى‪ ،‬وهذا ما انتصر له الشيخ األلباني ‪-‬رحمه اهلل‪-‬‬
‫فقال في مقدمة "اآليات البينات في عدم سماع األموات" لأللوسي ‪-‬رحمه اهلل‪ :-‬وخالصة البحث‬
‫والتحقيق‪ :‬أن األدلة من الكتاب والسنة وأقوال أئمة الحنفية وغيرهم‪ :‬على أن الموتى ال يسمعون وأن‬
‫هذا هو األصل‪ .‬فإذا ثبت أنهم يسمعون في بعض األحوال كما في حديث خفق النعال‪ ،‬أو أن بعضهم سمع‬
‫في وقت ما كما في حديث القليب‪ ،‬فال ينبغي أن يجعل ذلك أصاًل ‪ ،‬فيقال إن الموتى يسمعون‪ ،‬كال فإنها‬
‫قضايا جزئية ال تشكل قاعدة كلية يعارض بها األصل المذكور‪ ،‬بل الحق أنه يجب أن تستثنى منه على‬
‫قاعدة استثناء األقل من األكثر‪ ،‬أو الخاص من العام‪ ،‬كما هو مقرر في أصول الفقه‪.‬‬
‫ولذلك قال العالمة األلوسي في "روح المعاني" بعد بحث مستفيض في هذه المسألة (‪:)6/455‬‬
‫والحق أن الموتى ال يسمعون في الجملة‪ ،‬فيقتصر على القول بسماع بما ورد السماع بسماعه‪.‬‬
‫وهذا مذهب طوائف من أهل العلم‪ ،‬كما قال الحافظ ابن رجب الحنبلي‪.‬‬
‫وما أحسن ما قاله ابن التين ‪-‬رحمه اهلل‪ ":-‬إن الموتى ال يسمعون بال شك‪ ،‬لكن إذا أراد اهلل تعالى‬
‫إسماع ما ليس من شأنه السماع لم يمتنع‪.‬‬
‫فإذا علمت أيها القارئ الكريم أن الموتى ال يسمعون فقد َّ‬
‫تبين أنه لم يبق هناك مجال لمناداتهم من دون‬
‫اهلل تعالى‪ ،‬ولو بطلب ما كانوا قادرين عليه وهم أحياء‪ ،‬بحكم كونهم ال يسمعون النداء‪ ،‬وأن مناداة من‬
‫كان كذلك والطلب فيه سخافة في العقل وضالل في الدين‪ ،‬وصدق اهلل العظيم القائل في كتابه الكريم‪:‬‬
‫وم ا ْلقِيَا َم ِة َو ُه ْم َعن ُد َعاِئ ِه ْم َغافِلُ َ‬
‫ون (‬ ‫يب لَهُ ِإلَى يَ ِ‬ ‫ستَ ِج ُـ‬ ‫{ َو َمنْ َأ َ‬
‫ض ُّل ِم َّمن يَ ْدعُو ِمن دُو ِن هَّللا ِ َمن اَّل يَ ْ‬
‫ين} (األحقاف‪)6 ، 5 :‬‬ ‫اس َكانُوا لَ ُه ْم َأ ْع َداء َو َكانُوا بِ ِعبَا َدتِ ِه ْم َكافِ ِر َ‬ ‫‪َ )5‬وِإ َذا ُح ِ‬
‫ش َر النَّ ُ‬
‫وقال الطحطاوي في "حاشيته على الدر المختار" (‪ ":)2/381‬إن الميت ال يسمع وال يفهم"‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫وقال ابن عابدين في كتابه "رد المحتار على الدر المختار" (‪ ":)3/180‬وأما الكالم‪ :‬فالمقصود منه‬
‫اإلفهام والموت ينافيه‪{ :‬فَِإنَّ َك اَل تُ ْ‬
‫س ِم ُع ا ْل َم ْوتَى}‪ ،‬شبه فيه الكفار بالموتى إلفادة ُبعد سماعهم وهو فرع‬
‫عدم سماع الموتى "‪.‬‬
‫وقال إمام الحنفية ابن الهمام في "فتح القدير حاشية الهداية"‪ ":‬وأكثر مشايخنا على أن الميت ال يسمع‬
‫وصرحوا به في كتاب "اإليمان" في باب اليمين بالضرب "‪.‬‬
‫َّ‬ ‫عندهم‪،‬‬
‫لو حلف ال يكلمه فكلمه ميتًا ال يحنث‪ ،‬ألنها تنعقد على ما بحيث يفهم والميت ليس كذلك لعدم السماع‪.‬‬
‫ولمزيد بيان في هذه المسألة راجع رسالة نعمان بن محمد األلوسي ‪-‬رحمه اهلل‪( -‬ت‪1317:‬هـ)‬
‫والرسالة بعنوان اآليات البينات في عدم سماع األموات‪.‬‬
‫والخالصة‪:‬‬
‫أن قوله تعالى‪َ { :‬و َما َأنتَ بِ ُم ْ‬
‫س ِم ٍع َّمن فِي ا ْلقُبُو ِر} (فاطر‪ ،)22 :‬هذه قاعدة كونية عامة ثابتة ال تتغير‪،‬‬
‫وهي أن الميت ـ أي ميت ـ ال يسمع إال من جاء في حقه دليل خاص وفي حاالت خاصة‪ ،‬فهذا خصوص‬
‫يبقى معه العموم على حاله‪ ،‬فمن أين الدليل على أن الموتى يسمعون؟‬
‫وكذلك الموتى ال يدرون بما يحدث حولهم‪.‬‬
‫ففي حديث الحوض الذي يقول فيه النبي ﷺ‪ ":‬يا رب‪ ..‬أمتي أمتي‪ ،‬فيقال‪ :‬إنك ال تدري ما أحدثوا‬
‫عدا "‪.‬‬
‫عدا ُب ً‬
‫سحقًا‪ُ ،‬ب ً‬
‫سحقًا ُ‬
‫بعدك‪ ،‬فيقول النبي ﷺ‪ُ :‬‬
‫ووجه هذا السؤال إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪ ،‬فتوى رقم (‪ )9216‬وفيه‪ :‬قرأت في‬
‫كتاب "الحاوي للفتاوى" لإلمام السيوطي أن الميت يسمع كالم الناس‪ ،‬وثناءهم عليه‪ ،‬وقولهم فيه‪.‬‬
‫كذلك يعرف من يزوره من األحياء‪ ،‬وإ ن الموتى يتزاورون‪ ،‬فهل هذا حسن؟ فقد اعتمد على بعض‬
‫األحاديث وبعض اآلثار وذلك في ج‪171 ،170 ،169 /2‬؟‬
‫جـ‪ :‬األصل عدم سماع األموات كالم األحياء إال ما ورد في النص؛ لقول اهلل سبحانه يخاطب نبيه ﷺ‪:‬‬
‫(فاطر‪)22 :‬‬ ‫س ِم ُع ا ْل َم ْوتَى} (الروم‪ )52:‬وقوله سبحانه‪َ { :‬و َما َأنتَ بِ ُم ْ‬
‫س ِم ٍع َّمن فِي ا ْلقُبُو ِر}‬ ‫{فَِإنَّكَ اَل تُ ْ‬
‫(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء)‬ ‫وباهلل التوفيق‪ ،‬وصلَّى اهلل على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫مرفوعا وفيه‪ ":‬ما من رجل ُّ‬
‫يمر‬ ‫ً‬ ‫مالحظة‪ :‬الحديث الذي أخرجه الخطيب في التاريخ عن أبي هريرة ‪‬‬
‫فيسلِّم عليه إال عرفه َّ‬
‫ورد عليه "‪( .‬ضعيف‪ ،‬قال ابن الجوزي‪ :‬ال يصح)‬ ‫بقبر ٍ‬
‫رجل كان يعرفه في الدنيا ُ‬

‫‪29‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫س‪ :‬هل األرض تأك ُل جسد الميت كله أم يبقى منه شيء؟‬
‫جـ‪ :‬نعم‪ .‬إن اإلنسان يبلى كله إال جزء بسيط منه‪ ،‬وهي عظمة تسمى عجب الذنب‪.‬‬
‫فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة ‪ ‬أن النبي ﷺ قال‪ ":‬ليس من اإلنسان شيء إال يبلى‪،‬‬
‫واحدا‪ ،‬وهو ع ْجب َّ‬
‫الذ َنب‪ ،‬ومنه ُير ّكب الخلق يوم القيامة "‪.‬‬ ‫عظما‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫إال ً‬
‫كل ابن آدم يأكله التراب إال عجب الذنب‪ ،‬منه ُخلق وفيه ُير ّكب "‪.‬‬ ‫‪ -‬وفي رواية لمسلم‪ُّ ":‬‬
‫قال النووي ‪-‬رحمه اهلل‪ :-‬عجب الذنب‪ :‬هو عظم في أسفل الصلب‪ ،‬وهو رأس العصعص‪ ،‬وهو العظم‬
‫الذي بين اإلليتين الذي في أسفل الصلب‪ ،‬وهو أول ما يخلق منه اآلدمي وهو الذي ُي َّ‬
‫ركب منه‪ .‬اهـ‬

‫تتمة للفائدة نذكر بعض األمور التي ال يشملها الفناءـ وهي‪:‬‬


‫الروح – الولدان المخلدون ‪ -‬الحور العين ‪ -‬القلم ‪ -‬اللوح المحفوظ ‪ -‬الجنة ـ النار ‪ -‬الكرسي ‪-‬‬
‫العرش ‪ -‬عجب الذنب ‪ -‬أجساد األنبياء‪.‬‬
‫جاء في شرح "النونية الكافية الشافية" (‪:)1/97‬‬
‫حيز العــدم‬
‫من الخلــق والباقون في ِّ‬ ‫يعمهـــــــا‬
‫ثمـانيــة حكـــم البقـــــاء ّ‬
‫وشجب(‪)1‬وأرواح كذا الروح والقلم‬ ‫هي العرش والكرسي ونار وجنة‬

‫أيضا (‪ )96 ،1/95‬شرح ابن عيسى‪:‬‬


‫وقال اإلمام ابن القيم في "النونية" ً‬
‫أيضا وأنهمــــا لمخلوقـــــــــــان‬
‫ً‬ ‫والعرش والكرسي ال يفـنيهمــــا‬
‫مأوى وما فيها من الولــدان‬ ‫والحـور ال تفنى كذلك جنة الـ‬
‫عـــدم ولم تُخـــلق إلى ذا اآلن‬ ‫وألجــــــل هـــذا قال جهم إنـــــها‬
‫أجسامهم ُحفظت من الديدان‬ ‫واألنبيــــاء فإنـهم تحت الثــــرى‬
‫أبدا وهم تحت التراب يـــــــدان‬
‫ً‬ ‫ما للبلى بلحومهم وجــسومهم‬
‫بلى منه تُ َّ‬
‫ركب خلقة اإلنسان‬ ‫وكـــــذا عجـــب الظهر ال يـــبلى‬

‫س‪ :‬هل األرض تأكل أجساد األنبياء كباقي البشر؟‬


‫حرم على األرض أن تأكل أجساد األنبياء‪.‬‬‫جـ‪ :‬كما مر بنا‪ :‬ال‪ ،‬فإن اهلل ‪َّ U‬‬

‫‪ -1‬الشجب‪ :‬الهالك والحزن‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫أخرج أبو داود بسند صحيح عن أوس بن أوس قال‪ :‬قال لي رسول اهلل ﷺ‪ ":‬إن أفضل أيامكم يوم‬
‫علي من الصالة فيه‪ ،‬فإن‬
‫الجمعة‪ ،‬فيه ُخلق آدم‪ ،‬وفيه قُبض‪ ،‬وفيه النفخة‪ ،‬وفيه الصعقة فأكثروا َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫فقال‪ :‬إن اهلل قد حرم على‬ ‫علي‪ ،‬قالوا‪ :‬وكيف تُعرض صالتنا عليك وقد ََأر َم ْت‬‫صالتكم معروضة ّ‬
‫تأكل أجساد األنبياء ‪-‬عليهم السالم‪."-‬‬
‫األرض أن َ‬
‫فهذا األمر خاص باألنبياء فقط‪ ،‬أما الشهداء فليس هناك ما ينص على ذلك‪.‬‬
‫إال ما جاء في صحيح البخاري من حديث جابر ‪ ‬قال‪ ":‬لما حضر ُ‬
‫ُأحد دعاني أبي من الليل‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫أراني إال مقتواًل في أول َمن ُيقتَل ِمن أصحاب رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وإ ني ال أترك بعدي أعز َّ‬
‫علي منك‬
‫خيرا‪ ،‬فأصبحنا فكان أول قتيل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فاقض‪ ،‬واستوص بأخواتك ً‬ ‫غير نفس رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وإ ن علي دي ًنا‬
‫ود ِفن معه في قبره آخر‪ ،‬ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع اآلخر فاستخرجته بعد ستة أشهر‪ ،‬فإذا هو‬ ‫ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫في أذنه "‪.‬‬ ‫كيوم وضعته غير ُه َن َّي ًة‬

‫وجاء في "شرح الطحاوية"‪َّ ":‬‬


‫حرم اهلل على األرض أن تأكل أجساد األنبياء كما روى في السنن‪ ،‬وأما‬
‫الشهداء فقد شوهد منهم بعد مدة من دفنه كما هو لم يتغير‪ ،‬فيحتمل بقاؤه كذلك في تربته إلى يوم‬
‫محشره‪ ،‬ويحتمل أن يبلى مع طول المدة‪ .‬واهلل أعلم "‪.‬‬
‫وكأنه واهلل أعلم كلما كانت الشهادة أكمل‪ ،‬والشهيد أفضل كان بقاء جسده أطول‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫وقال الحافظ في "الفتح" (‪ )3/279‬في الكالم على فضائل أبي جابر قال‪ ":‬وفيه كرامته بكون‬
‫األرض لم ِ‬
‫تبل جسده مع لبثه فيها‪ ،‬والظاهر أن ذلك لمكان الشهادة"‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫‪ -1‬أرمت‪ :‬بليت‪.‬‬
‫‪ -2‬هُنَيَّة‪ :‬شيء من أذنه‪ ،‬وقال الحافظ في "الفتح"‪ :‬إنها شعيرات ّ‬
‫كن في شحمة أذنه‪..‬‬

‫‪31‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫س‪ :‬هل يُفتن غير المكلفين من األطفال والمجانين في قبورهم؟‬


‫جـ‪ :‬يقول الدكتور عمر سليمان األشقر كما في "القيامة الصغرى" (ص ‪ :)47‬أنه جاء في فتاوى‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية (‪ :)4/257‬أن الفتنة عامة لجميع المكلفين‪ ،‬إال النبيين فقد اختلف فيهم(‪ )1‬وإ ال‬
‫الشهداء والمرابطين‪...‬ـ ونحوهم ممن جاءت النصوص دالة على نجاتهم من الفتنة‪.‬‬
‫واختلف في غير المكلفين من الصبيان والمجانين‪ ،‬فقد ذهب جمع من العلماء‪ :‬إلى أنهم ال يفتنون‪ ،‬وممن‬
‫قال بهذا القاضي أبو يعلى وابن عقيل‪ :‬ووجهة نظر هؤالء أن المحنة تكون لمن كلف‪ ،‬أما من ُرفع عنه‬
‫فال يدخل في المحنة‪ ،‬إذ ال معنى لسؤاله عن شيء لم يكلف به‪.‬‬
‫وقال آخرون‪" :‬بل يفتنون‪ ،‬وهذا قول أبي الحكيم الهمداني وأبى الحسن ابن عبدوس‪ .‬ونقله عن‬
‫أصحاب الشافعي‪ ،‬وقد روى مالك وغيره عن أبي هريرة ‪ ":‬أن رسول اهلل ﷺ صلَّى على طفل‪،‬‬
‫فقال‪ :‬اللهم قه عذاب القبر وفتنة القبر"‪ .‬وهذا القول موافق لقول من قال‪ :‬إنهم يمتحنون في‬
‫اآلخرة‪ ،‬وأنهم مكلفون يوم القيامة‪ .‬كما هو قول أكثر أهل العلم وأهل السنة من أهل الحديث والكالم‪:‬‬
‫وهو الذي ذكره أبو الحسن األشعري عن أهل السنة واختاره هو‪ ،‬وهذا مقتضى نصوص اإلمام‬
‫(راجع مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رحمه اهلل‪)277-4/257 :-‬‬ ‫أحمد‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫وقال اإلمام ابن قيم الجوزية في كتابه "الروح" (ص ‪" :)119 -117‬أما المسألة الثالثة عشر‪:‬‬
‫وهي أن األطفال هل ُيمتحنون في قبورهم؟ اختلف الناس في ذلك على قولين‪ :‬هما وجهان‬
‫ألصحاب أحمد‪ ..‬وحجة من قال‪ :‬إنهم يسألون أنه يشرع الصالة عليهم‪ ،‬والدعاء لهم‪ ،‬وسؤال اهلل أن‬
‫يقيهم عذاب القبر وفتنة القبر‪ .‬كما ذكر مالك في "موطئه" عن أبي هريرة ‪ ":‬أن رسول اهلل ﷺ صلَّى‬
‫فسمع من دعائه‪ :‬اللهم قه عذاب القبر"‪.‬‬
‫على جنازة صبي ُ‬
‫علي بن معبد عن عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ ":-‬أنه َّ‬
‫مر عليها بجنازة صبي صغير‪،‬‬ ‫واحتجوا بما رواه ٌ‬
‫فقيل لها‪ :‬ما يبكيك يا أم المؤمنين؟ فقالت‪ :‬هذا الصبي‪ ،‬بكيت له شفقة عليه من ضمة القبر"‪ .‬واحتجوا‬
‫بما رواه هناد بن السري‪ :‬ثنا أبو معاوية‪ ،‬عن يحيى بن سعيد‪ ،‬عن سعيد بن المسيب‪ ،‬عن أبي هريرة ‪‬‬
‫قال‪ ":‬إن كان ُليصلّى على المنفوس ما إن عمل خطيئة قط‪ ،‬فيقول‪ :‬اللهم أجره من عذاب القبر"‪.‬‬
‫ويلهمون الجواب عما ُيسألون عنه"‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫قالوا‪" :‬واهلل سبحانه يكمل لهم عقولهم ليعرفوا بذلك منزلتهم ُ‬
‫دل على ذلك األحاديث الكثيرة التي فيها أنهم يمتحنون في اآلخرة‪( .‬حكاه األشعري عن أهل السنة‬ ‫"وقد َّ‬
‫والحديث) فإذا امتحنوا في اآلخرة لم يمتنع امتحانهم في القبور‪.‬‬

‫‪ -1‬قال ابن القيم ‪ -‬رحمه هللا‪ -‬كما في كتابه "الروح" (ص ‪ :)110‬وقد اختلف في األنبياءـ هل يُسألون في قبورهم؟ على قولين‪ :‬وهما وجهان في مذهب أحمد وغيره‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫(انظر كذلك مجموعـ الفتاوى‪.)4/257 :‬‬

‫‪32‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫وقد جاء في الحديث الذي أخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة ‪ ":‬أن رسول اهلل ﷺ كان إذا صلَّى على‬
‫لحينا وميتنا‪ ،‬وشاهدنا وغائبنا‪ ،‬وصغيرنا وكبيرنا‪ ،‬وذكرنا وُأنثانا‪ ،‬اللهم من‬
‫جنازة يقول‪ :‬اللهم اغفر ِّ‬
‫منا فأحيه على اإلسالم‪ ،‬ومن توفَّيته منا فتوفَّه على اإليمان‪ ،‬اللهم ال تحرمنا أجره وال تضلنا‬
‫أحييته َّ‬
‫بعده "‪.‬‬

‫‪ ‬قال اآلخرون‪ :‬السؤال إنما يكون لمن عقل الرسول والمرسل‪ ،‬فيسأل هل آمن بالرسول وأطاعه أم ال؟‬
‫فيقال له‪ " :‬ما كنت تقول في هذا الرجل الذي ُبعث فيكم؟"‪ .‬فأما الطفل الذي ال تمييز له بوجه ما‪ ،‬فكيف‬
‫يقال له‪ :‬ما كنت تقول في هذا الرجل الذي ُبعث فيكم؟‪ ،‬ولو ُر َّد إليه عقله في القبر‪ ،‬فإنه ال ُيسأل عما لم‬
‫يتمكن من معرفته والعلم به‪ ،‬وال فائدة في هذا السؤال‪ ،‬وهذا بخالف امتحانهم في اآلخرة فإن اهلل سبحانه‬
‫يرسل إليهم رسواًل ويأمرهم بطاعة أمره وعقولهم معهم‪ ،‬فمن أطاعه منهم نجا‪ ،‬ومن عصاه أدخله النار‪،‬‬
‫فذلك امتحان بأمر يأمرهم به ويفعلونه ذلك الوقت‪ ،‬ال أنه سؤال عن أمر مضى لهم في الدنيا من طاعة أو‬
‫عصيان‪ ،‬كسؤال الملكين في القبر‪.‬‬
‫وأما حديث أبى هريرة ﷺ‪ :‬فليس المراد بعذاب القبر فيه عقوبة الطفل‪ ،‬على ترك طاعة أو فعل معصية‬
‫أحدا بال ذنب عمله‪ ،‬بل عذاب القبر قد يراد به األلم الذي يحصل للميت بسبب‬
‫قطعا‪ ،‬فإن اهلل ال يعذب ً‬
‫ً‬
‫غيره‪ ،‬وإ ن لم يكن عقوبةً على عمل عمله‪ ،‬ومنه قوله ﷺ‪ ":‬إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه"‪ .‬أي‪ :‬يتألم‬
‫بذلك ويتوجع منه‪ ،‬ال أنه يعاقب بذنب الحي { َوالَ تَ ِز ُر َوا ِز َرةٌ ِو ْز َر ُأ ْخ َرى} (األنعام‪ ،)164:‬وهذا كقول‬
‫(البخاري ومسلم)‬ ‫النبي ﷺ‪" :‬السفر قطعة من العذاب"‬
‫فالعذاب أعم من العقوبة‪ .‬وال ريب أن في القبر من اآلالم والهموم والحسرات ما قد يسري أثره إلى‬
‫الطفل‪ ،‬فيتألم به‪ ،‬فيشرع للمصلِّي عليه أن يسأل اهلل تعالى له أن يقيه ذلك العذاب‪ .‬واهلل أعلم"‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫س‪ :‬هل األنبياء يُفتنون ويُسألون في قبورهم؟‬
‫قال ابن القيم ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬كما في كتابه "الروح" (ص ‪ :)110‬وقد اختلف في األنبياء‪ :‬هل يسألون‬
‫في قبورهم؟ على قولين‪ :‬وهما وجهان في مذهب أحمد وغيره‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫والراجح أنهم ال يسألون‪ .‬فقد جاء في الحديث‪" :‬ما كنت تقول في هذا الرجل؟ يقصد النبي ﷺ "‪.‬‬
‫وكذلك حديث البراء بن عازب ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬والذي أخرجه اإلمام أحمد وفيه‪ ":‬ما هذا الرجل الذي بعث‬
‫فيكم؟ "‪ .‬ومن هذين الدليلين يتبيَّن‪ :‬أن السؤال عن األنبياء‪ ،‬وأنهم بذلك ال ُي ْسألون بل ُيسأل عنهم‪.‬‬
‫وكذلك حديث جابر ‪ ‬وهو في "صحيح مسلم" في حجة النبي ﷺ وفيه‪ ":‬وأنتم تسألون عني‪ ،‬فما أنتم‬
‫قائلون؟ "‪ .‬فهذه الرواية تفسِّر الروايات األخرى‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫تنبيه‪:‬‬

‫‪33‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫أيضا من الذين ال ُي ْفتنون في قبورهم وهم‪:‬‬


‫وهناك جملة ً‬
‫‪ -1‬من يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة من المسلمين‪.‬‬
‫فقد أخرج اإلمام أحمد والترمذي عن عبد اهلل بن عمرو ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬عن النبي ﷺ قال‪ ":‬ما من‬
‫(صحيح الجامع‪)5773:‬‬ ‫مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة؛ إال وقاهُ اهلل فتنة القبر"‪.‬‬

‫طا في سبيل اهلل‪:‬‬


‫‪ -2‬من مات مراب ً‬
‫أخرج الترمذي وأبو داود عن فضالة بن عبيد ‪ ‬عن رسول اهلل ﷺ قال‪ ":‬كل ميت ُيختم على عمله إال‬
‫(‪)1‬‬
‫نمى له عمله يوم القيامة‪ ،‬ويأمن فتنة القبر"‪.‬‬
‫طا في سبيل اهلل؟ فإنه ُي َّ‬ ‫الذي مات مراب ً‬
‫‪ -3‬من مات ِ‬
‫بداء البطن‪:‬‬ ‫َ‬
‫جالسا وسليمان بن صرد‪ ،‬وخالد بن‬
‫ً‬ ‫فقد أخرج النسائي والترمذي عن عبد اهلل بن يسار قال‪ ":‬كنت‬
‫عرفطة‪ ،‬فذكروا أن رجاًل توفِّي مات ببطنه‪ ،‬فإذا هما يشتهيان أن يكونا شهدا جنازته‪ ،‬فقال أحدهما‬
‫لآلخر‪ :‬ألم يقل رسول اهلل ﷺ من يقتله بطنه فلن يعذب في قبره؟ فقال اآلخر‪ :‬بلى ‪ -‬وفي رواية‪" :‬‬
‫صدقت "‪.‬‬

‫شهيدا في أرض المعركة‪:‬‬


‫ً‬ ‫‪َ -4‬من مات‬
‫فقد أخرج الترمذي وابن ماجه عن المقدام بن معدي كرب قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫ويجار من عذاب القبر‪،‬‬ ‫" للشهيد عند اهلل ست خصال‪ُ :‬ي ْغفَر له في أول دفعة‪ ،‬ويرى مقعده في الجنة‪ُ ،‬‬
‫زوج‬‫وي َّ‬ ‫ِِ‬
‫وضع على رأسه تاج الوقار‪ ،‬الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها‪ُ ،‬‬‫وي َ‬
‫أمن الفزع األكبر‪ُ ،‬‬
‫وي َ‬
‫َ‬
‫ويشفَّع في سبعين من أقربائه "‪.‬‬
‫اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين‪ُ ،‬‬
‫وأخرج النسائي عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب رسول اهلل ﷺ‪ ":‬أن رجاًل قال‪ :‬يا رسول‬
‫اهلل! ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إال الشهيد؟ قال‪ :‬كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة "‪.‬‬

‫س‪ :‬ما حــال األنبيــاء في القبور؟‬


‫والجواب عن ذلك‪ :‬أنهم أحياء ُيصلُّون في قبورهم‪.‬‬
‫فقد أخرج البزار في "مسنده" بسند صحيح عن ثابت البناني عن أنس ‪ ‬عن النبي ﷺ قال‪" :‬األنبياء ‪-‬‬
‫صلوات اهلل عليهم ‪ -‬أحياء في قبورهم ُيصلُّون "‪( .‬السلسلة الصحيحة‪)621 :‬‬

‫وعن أنس بن مالك ‪ ‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪ ":‬مررت على موسى‪ ،‬وهو قائم ُيصلِّي في قبره "‪.‬‬
‫(مسلم)‬ ‫ُأسري بي عند الكثيب األحمر وهو قائم ُيصلِّي في قبره "‪.‬‬
‫َ‬ ‫وفي رواية‪ ":‬أتيت على موسى ليلة‬

‫‪ - 1‬الرباط‪ :‬هو المالزمة في سبيل هللا‪ ،‬مأخوذة من ربط الخيل‪ ،‬ثم سمي كل مالزم لثغر من ثغور المسلمين مرابطًا‪ :‬فارسًا كان أو راجاًل ‪ ،‬واللفظه مأخوذة من الرباط‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫وقد ألَّف البيهقي رسالة بعنوان "حياة األنبياء في قبورهم" وقال في دالئل النبوة‪ ":‬األنبياء أحياء عند‬
‫ربهم كالشهداء"‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪ ":‬لقد رأيتني في الحجر وأنا ُأخبر قري ً‬
‫شا عن مسراي‪،‬‬
‫كربا ما كربت مثله قط‪ ،‬فرفعه اهلل ‪ U‬لي أنظر‬
‫فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت ً‬
‫إليه ما يسألوني عن شيء إال أنبأتهم به‪ ،‬وقد رأيتني في جماعة األنبياء‪ ،‬فإذا موسى قائم ُيصلِّي فإذا‬

‫رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة ‪ ،‬وإ ذا عيسى ابن مريم قائم ُيصلِّي أقرب الناس به ً‬
‫(‪)1‬‬
‫شبها‬
‫عروة بن مسعود الثقفي‪ ،‬وإ ذا إبراهيم قائم ُيصلِّي أشبه الناس به صاحبكم ـ يعنى‪ :‬نفسه ـ فحانت‬
‫الصالة فأممتهم فلما فرغت من الصالة قال لي قائل‪ :‬يا محمد هذا مالك صاحب النار فسلِّم عليه‪ ،‬فالتفت‬
‫(رواه مسلم)‬ ‫إليه فبدأني بالسالم "‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬كما في "مجموع الفتاوى"‪ " :‬وأما كونه رأى موسى ً‬
‫قائما‬
‫أيضا‪ ،‬فهذا ال منافاة بينهما‪ ،‬فإن أمر األرواح من جنس أمر المالئكة‬‫ُيصلِّي في قبره‪ ،‬ورآه في السماء ً‬
‫في اللحظة الواحدة تصعد وتهبط كالملك‪ ،‬ليست في ذلك كالبدن‪ .‬وهذه الصالة ونحوهما مما يتمتع‬
‫بها الميت‪ ،‬ويتنعم بها‪ ،‬كما يتنعم أهل الجنة بالتسبيح‪ ،‬فإنهم ُيلهمون التسبيح كما يلهم الناس في الدنيا‬
‫النفَس‪ ،‬فهذا ليس من عمل التكليف الذي يطلب له ثواب منفصل‪ ،‬بل نفس هذا العمل هو من النعيم‬ ‫َ‬
‫الذي تتنعم به األنفس وتتلذذ به‪.‬‬
‫وقول النبي ﷺ‪ ":‬إذا مات ابن آدم انقطع عمله إال من ثالث‪ :‬صدقة جارية‪ ،‬وعلم ينتفع به‪ ،‬وولد صالح‬
‫يدعو له "‪ .‬يريد به العمل الذي يكون له ثواب‪ ،‬ويتنعَّمون بذكره وتسبيحه‪ ،‬ويتنعمون بقراءة القرآن‪،‬‬
‫ويقال لقارئ القرآن‪ :‬اقرأ وارق ورتِّل كما كنت ترتِّل في الدنيا‪ ،‬فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها‪.‬‬
‫ُ‬
‫ويتنعَّمون بمخاطبتهم لربهم ومناجاته‪ ،‬وإ ن كانت هذه األمور في الدنيا أعمااًل يترتب عليها الثواب فهي‬
‫أيضا‪ ،‬واألكل‬
‫في اآلخرة أعمال يتنعم بها صاحبها أعظم من أكله وشربه ونكاحه‪ ،‬وهذه كلها أعمال ً‬
‫ويثاب عليه مع النية الصالحة‪ ،‬وهو في اآلخرة نفس الثواب الذي‬ ‫والشرب والنكاح في الدنيا مما يؤمر به ُ‬
‫يتنعم به‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وقد أنكر ابن التين كون الموتى ُيصلُّون‪.‬‬
‫وقد َّ‬
‫رد على ذلك الشيخ األلباني‪-‬رحمه اهلل‪ -‬كما في "أحكام الجنائز" (ص ‪ )272‬فقال‪" :‬وقول ابن‬
‫التين‪ ":‬الموتى ال ُيصلُّون" ليس بصحيح؛ ألنه لم يرد ٌّ‬
‫نص في الشرع بنفي ذلك‪ ،‬وهو من األمور‬
‫الغيبية التي ال ينبغي البت فيها إال بنص وذلك مفقود‪ ،‬بل قد جاء ما ُيبطل إطالق به وهو صالة‬
‫ُأسري به على ما رواه مسلم‬
‫َ‬ ‫موسى ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬في قبره كما رآه رسول اهلل ﷺ ليلة‬
‫في "صحيحه"‪ ،‬وكذلك صالة األنبياء ‪ -‬عليهم الصالة والسالم ‪ -‬مقتدين به في تلك الليلة كما ثبت في‬

‫‪ - 1‬شنوءة‪ :‬قبيلة من اليمن‪ ،‬ورجال هذه القبيلة متوسطون بين الخفة والسمن‪ ،‬والشنوءة في األصل التباعد‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫" الصحيح"‪ ،‬بل ثبت عنه أنه قال‪ ":‬األنبياء أحياء في قبورهم ُيصلُّون"‪.‬‬

‫وأخرج أبو نعيم في " الحلية " عن سعيد بن جبير‪-‬رحمه اهلل‪ -‬قال‪ ":‬أنا ‪ -‬واهلل الذي ال إله إال هو‬
‫‪ -‬أدخلت ثابتًا البناني لحده‪ ،‬ومعي حميد الطويل‪ ،‬فلما سوينا عليه اللبن‪ ،‬سقطت لبنة‪ ،‬فإذا أنا به‬
‫أحدا من خلقك الصالة في قبره‬ ‫ُيصلِّي في قبره‪ ،‬وكان يقول في دعائه‪ " :‬اللهم إن كنت أعطيت ً‬
‫دائما ما كان يدعو بهذا الدعاء‪.‬‬
‫فأعطنيها‪ ،‬فما كان اهلل تعالى ليرد دعاءه "‪ .‬وقد كان ثابت البناني ً‬
‫وقد أخرج أبو نعيم في "الحلية" بسند صحيح عن يوسف بن عطية قال‪ ":‬سمعت ثابتًا‬
‫أحدا ُيصلِّي في قبره إال األنبياء؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال ثابت‪ :‬اللهم إن أذنت‬
‫يقول لحميد الطويل‪ :‬هل بلغك أن ً‬
‫ألحد أن ُيصلِّي في قبره‪ ،‬فَْأذن لثابت أن ُيصلِّي في قبره "‪.‬‬

‫وأخرج ابن سعد في " الطبقات" وابن أبي شيبة في "مصنفه" عن ثابت البناني قال‪:‬‬
‫أحدا الصالة في قبره فأعطني الصالة في قبري"‪.‬‬
‫" اللهم إن كنت أعطيت ً‬
‫س‪ :‬ما مصير أطفال المسلمين الذين ماتوا في الصغر؟‬
‫جـ‪ :‬قالت طائفة من أهل العلم‪" :‬أنهم في الجنة"‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما أخرجه أحمد والحاكم وابن حبان عن أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ﷺ قال‪ ":‬ذراري المؤمنين‬
‫(السلسلة الصحيحة‪)603 :‬‬ ‫يكفلهم إبراهيم ‪ U‬في الجنة "‪.‬‬
‫وعند الحاكم عن أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ﷺ قال‪ ":‬أوالد المسلمين في جبل في الجنة‪ ،‬يكفلهم إبراهيم‬
‫(السلسلة الصحيحة‪)1467 :‬‬ ‫وسارة ‪ -‬عليهما السالم ‪ -‬فإذا كان يوم القيامة ُدفعوا إلى آبائهم"‪.‬‬
‫عموما أنهم في الجنة وال ُيشهد آلحادهم‪ ،‬كما يشهد‬
‫ً‬ ‫‪ -‬وذهبت طائفة‪ :‬إلى أنه ُيشهَد ألطفال المؤمنين‬
‫عموما أنهم في الجنة‪ ،‬وال يشهد آلحادهم وهو قول إسحاق بن راهوية‪ ،‬نقله عن إسحاق بن‬
‫ً‬ ‫للمؤمنين‬
‫منصور وحرب في مسائلهما‪ .‬ولعل هذا يرجع إلى الطفل المعين ال ُيشهَد ألبيه باإليمان‪ ،‬فال ُيشهَد له‬
‫حينئذ أنه من أطفال المؤمنين‪ ،‬فيكون الوقف في آحادهم كالوقف في إيمان آبائهم‪.‬‬
‫‪ -‬وحكى ابن عبد البر عن طائفة من السلف‪ :‬القول بالوقف في أطفال المؤمنين‪.‬‬
‫واستدل القائلون بالوقف‪ ،‬بما أخرجه مسلم عن عائشة أم المؤمنين‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬قالت‪ ":‬تُوفِّي‬
‫صبي‪ ،‬فقلت‪ :‬طوبى له‪ ،‬عصفور من عصافير الجنة‪ .‬فقال رسول اهلل ﷺ‪ ":‬أو ال تدرين أن اهلل خلق‬ ‫ٌ‬
‫الجنة وخلق النار‪ ،‬فخلق لهذه أهاًل ولهذه أهاًل "‪.‬‬

‫خرجه مسلم من حديث أبي السليل عن أبى حسان قال‪ ":‬قلت ألبى هريرة ‪ :t‬إنه‬
‫ويعارض هذا ما َّ‬
‫قد مات لي ابنتان‪ ،‬فما أنت محدثي عن رسول اهلل ﷺ بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪،‬‬

‫‪36‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫صغارهم دعاميص أهل الجنة‪ ،‬يتلقَّى أحدهم أباه ـ أو قال أبويه ـ فيأخذ بثوبه‪ ،‬أو قال بيده‪ :‬فال‬
‫(مسلم)‬ ‫ينتهي حتى ُيدخله اهلل وأباه الجنة "‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" عن أنس ‪ ‬عن النبي ﷺ قال‪ ":‬ما من الناس مسلم يموت له ثالثة من الولد لم يبلغوا‬
‫الحنث إال أدخله اهلل الجنة بفضل رحمته إياهم"‪.‬‬
‫ولهذا قال اإلمام أحمد‪ :‬هو يرجى ألبويه‪ ،‬فكيف ُيشك فيه‪ .‬يعنى‪ :‬أنه يرجى ألبويه بسببه دخول الجنة‪.‬‬
‫ولعل النبي ﷺ نهى أواًل عن الشهادة ألطفال المسلمين بالجنة قبل أن يطَّلع على ذلك؛ ألن الشهادة على‬
‫ذلك تحتاج إلى علم به‪ ،‬ثم اطَّلع على ذلك فأخبر به‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫قال اإلمام ابن رجب الحنبلي في "أهوال القبور" (ص ‪ :)132‬بقية المؤمنين سوى الشهداء ينقسمون إلى‪:‬‬
‫أهل تكليف‪ ،‬وغير أهل تكليف‪ ،‬فهذا قسمان‪- :‬‬
‫أحدهما‪ :‬غير أهل التكليف‪ ،‬كأطفال المؤمنين‪ .‬فالجمهور على أنهم في الجنة‪ ،‬وقد حكى اإلمام أحمد‬
‫اإلجماع على ذلك‪.‬‬
‫صريحا عن السلف على أن أرواحهم في‬
‫ً‬ ‫وكذلك نص الشافعي‪ :‬على أن أطفال المسلمين في الجنة‪ .‬وجاء‬
‫الجنة‪.‬‬
‫س‪ :‬ما مصير أطفال المشركين الذين ماتوا في الصغر؟‬
‫جـ‪ :‬أطفال المشركين الراجح أنهم في الجنة‪:‬‬
‫عموما الذين ماتوا وهم صغار‪.‬‬
‫ً‬ ‫وقد اختلف العلماء في األطفال‬

‫قال ابن حجر ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬في "الفتح"‪ :‬اختلف العلماء ً‬


‫قديما وحديثًا في هذه المسألة على أقوال‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أنهم في مشيئة اهلل تعالى‪ ،‬وهو منقول عن الحمادين‪ ،‬وابن المبارك‪ ،‬وإ سحاق‪ ،‬ونقله البيهقي عن‬
‫الشافعي في حق أوالد الكفار خاصة‪ ،‬قال ابن عبد البر‪ ،‬وهو مقتضى صنيع مالك‪ ،‬وليس عنده في هذه‬
‫المسألة شيء منصوص‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬أنهم تبع آلبائهم‪ ،‬فأوالد المسلمين في الجنة‪ ،‬وأوالد ال ُكفَّار في النار‪ ،‬وحكاه ابن حزم عن األزرق‬
‫من الخوارج‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬أنهم يكونون في برزخ بين الجنة والنار؛ ألنهم لم يعملوا حسنات يدخلون بها الجنة‪ ،‬وال سيئات‬
‫يدخلون بها النار‪.‬‬
‫رابعها‪ :‬خدم أهل الجنة‪.‬‬
‫ترابا‪.‬‬
‫خامسها‪ :‬أنهم يصيرون ً‬

‫‪37‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫سادسها‪ :‬هم في النار‪ ،‬حكاه عياض عن أحمد‪ ،‬وغلطه ابن تيمية بأنه قول لبعض أصحابه وال ُيحفظ عن‬
‫اإلمام أصاًل ‪.‬‬
‫بردا‬
‫فمن دخلها كانت عليه ً‬
‫سابعها‪ :‬أنهم ُيمتحنون في اآلخرة بأن تُرفع لهم نار ويُْؤ مرون بدخولها‪َ ،‬‬
‫ومن ََأبى ُع ِّذب‪ ،‬وقد صحت مسألة االمتحان في حق المجنون ومن مات في الفترة من طرق‬ ‫وسالما‪َ ،‬‬
‫ً‬
‫صحيحة‪ ،‬وحكى البيهقي في " كتاب االعتقاد‬
‫" بأنه المذهب الصحيح‪.‬‬
‫ثامنها‪ :‬أنهم في الجنة‪ .‬قال النووي‪ :‬وهو المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون‪،‬‬
‫وإ ذا كان ال يعذب العاقل كونه لم تبلغه‬ ‫(اإلسراء‪)15:‬‬ ‫سواًل }‬
‫ث َر ُ‬ ‫لقوله تعالى‪َ { :‬و َما ُكنَّا ُم َع ّذِ َ‬
‫بين َحتَّى نَ ْب َع َ‬
‫الدعوة فألن ال يعذب غير العاقل من باب األولى ـ وهو الذي صار إليه البخاري‪.‬‬
‫نص َرانه‪ ،‬أو‬ ‫لحديث أبى هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال النبي ﷺ‪ ":‬كل مولود ُيولد على الفطرة فأبواه ُي ِّ‬
‫هو َدانه‪ ،‬أو ُي ِّ‬
‫(البخاري)‪.‬‬ ‫سانه "‪.‬‬
‫مج َ‬
‫ُي ِّ‬
‫ولحديث سمرة وفيه‪ .." :‬والشيخ بأصل الشجرة إبراهيم ‪ U‬والصبيان حوله أوالد الناس"‪.‬‬
‫وقد أخرجه البخاري في التعبير بلفظ‪ ":‬وأما ِ‬
‫الو ْلدان الذين حوله فكل مولود ُيولد على الفطرة "‪ ،‬فقال‬
‫بعض المسلمين‪" :‬وأوالد المشركين؟ فقال‪ ":‬وأوالد المشركين "‪.‬‬
‫وروى أحمد من طريق خنساء بنت معاوية بن صريم عن عمتها قالت‪ُ ":‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل َمن في‬
‫(إسناده حسن)‪.‬‬ ‫الجنة؟ قال‪ ":‬النبي في الجنة‪ ،‬والشهيد في الجنة‪ ،‬والمولود في الجنة "‪.‬‬
‫مرفوعا‪ ":‬سألت ربي الالهين من ذرية البشر أال يعذبهم فأعطانيهم "‪.‬‬
‫ً‬ ‫وروى أبو يعلى من حديث أنس ‪‬‬
‫(إسناده حسن)‪.‬‬

‫مرفوعا أخرجه البزار‪.‬‬


‫ً‬ ‫وورد تفسير‪ ":‬الالهين " بأنهم األطفال‪ ،‬من حديث ابن عباس‬
‫تاسعها‪ :‬الوقف‪.‬‬
‫(انظر فتح الباري‪)3/290 :‬‬ ‫عاشرها‪ :‬اإلمساك‪ .‬وفي الفرق بينهما دقة "‬
‫والراجح‪ :‬هو القول الثامن أنهم من أهل الجنة‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫س‪ :‬ما هي الروح؟ وهل هي شيء آخر غير البدن؟ وهل تبقى بعد مفارقة الجسد إن كانت‬
‫غيره؟‬
‫جـ‪َّ :‬‬
‫عرف ابن القيم ﷺ الروح في كتابه "الروح"‪ ،‬فقال‪ :‬الروح جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم‬
‫المحسوس‪ ،‬وهو جسم نوراني علوي خفيف حي متحرك‪ ،‬ينفذ في جوهر األعضاء‪ ،‬ويسري فيها‬
‫سريان الماء في الورد‪ ،‬وسريان الدهن في الزيتون‪ ،‬والنار في الفحم‪ ،‬فما دامت هذه األعضاء صالحة‬
‫لقبول اآلثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف؛ بقي هذا الجسم اللطيف متشاب ًكا بهذه األعضاء‪،‬‬
‫وأفادها هذه اآلثار من الحس والحركة واإلرادة‪ ،‬وإ ذا فسدت هذه األعضاء بسبب استيالء األخالط‬
‫الغليظة عليها‪ ،‬وخرجت عن قبول تلك اآلثار فارق الروح البدن‪ ،‬وانفصل إلي عالم األرواح‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫وقد دلل الدكتور عمر سليمان األشقر في كتابه "القيامة الصغرى" (ص ‪ ":)96‬على أن الروح شيء‬
‫مستقل عن البدن‪ ،‬واستدل باألدلة القرآنية والنبوية‪ ،‬منها‪- :‬‬
‫ضى َعلَ ْي َها‬ ‫س ُك الَّتِي قَ َ‬ ‫ين َم ْوتِ َها َوالَّتِي لَ ْم تَ ُمتْ فِي َمنَا ِم َها فَيُ ْم ِ‬
‫س ِح َ‬‫قوله تعالى‪{ :‬هَّللا ُ يَت ََوفَّى اَأْلنفُ َ‬
‫ا ْل َم ْوتَ } (الزمر‪)42 :‬‬

‫ون ُو ُجو َه ُه ْم َوَأ ْدبَا َر ُه ْم َو ُذوقُو ْا َع َذ َ‬


‫اب‬ ‫وقوله‪َ { :‬ولَ ْو تَ َرى ِإ ْذ يَت ََوفَّى الَّ ِذ َ‬
‫ين َكفَ ُرو ْا ا ْل َمآلِئ َكةُ يَ ْ‬
‫ض ِربُ َ‬
‫(األنفال‪)50:‬‬ ‫ا ْل َح ِر ِ‬
‫يق}‬
‫س ُك ُم}‬
‫(األنعام‪)93:‬‬ ‫سطُو ْا َأ ْي ِدي ِه ْم َأ ْخ ِر ُجو ْا َأنفُ َ‬ ‫وقوله‪َ { :‬وا ْل َمآلِئ َكةُ بَا ِ‬
‫ق‬
‫الس ـا ُ‬
‫ت َّ‬ ‫اق (‪َ )27‬وظَنَّ َأنَّهُ ا ْلفِ ـ َرا ُ‬
‫ق (‪َ )28‬وا ْلتَفَّ ِ‬ ‫وقول ه‪{ :‬كَاَّل ِإ َذا بَلَ َغتْ التَّ َراقِ َي (‪َ )26‬وقِي ـ َل َمنْ َر ٍ‬
‫ساقُ} (القيامة‪)30-26 :‬‬ ‫اق (‪ِ )29‬إلَى َربِّ َك يَ ْو َمِئ ٍذ ا ْل َم َ‬ ‫س ِ‬
‫بِال َّ‬
‫ون} (الواقعة‪)84-83:‬‬ ‫ت ا ْل ُح ْلقُو َم (‪َ )83‬وَأنتُ ْم ِحينَِئ ٍذ تَنظُ ُر َ‬ ‫وقوله‪{ :‬فَلَ ْواَل ِإ َذا بَلَ َغ ِ‬
‫حقيقيا‬
‫ً‬ ‫وتتوفاه المالئكة‪ ،‬ويبلغ الحلقوم‪ ،‬ويبلغ التراقي‪ ،‬ويساق؛ البد أن يكون شيًئا‬
‫َّ‬ ‫والذي يُْمسك‪،‬‬
‫مخالفًا للجسد‪ .‬وفي أحاديث أخبر النبي ﷺ فيها أن ملك الموت يقبض الروح‪ ،‬وأن المالئكة تضع تلك‬
‫الروح في كفن من الجنة أو النار بحسب فالحها أو فسادها‪ ،‬وأنه يُْذَهب بها في رحلة علوية سماوية‪،‬‬
‫حيث تُْفَتح لها أبواب السماء إن كانت صالحة‪ ،‬وتعلق دونها إن كانت طالحة‪ ،‬وأنها تعاد إلى الجسد‪،‬‬
‫سَأل وتَُعَّذب‪ ،‬أو تَُنَّعم‪ ،‬وأن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر‪ ،‬وأرواح المؤمنين طير يعلق‬
‫وتُ ْ‬
‫في شجر الجنة‪ ،‬وأن الروح إذا قبض تبعه البصر‪ ...‬إلى غير ذلك من النصوص الدالة في مجموعها‬
‫داللة قاطعة على أن األرواح شيء آخر غير األبدان‪ ،‬وأنها تقبض بعد مفارقة البدن‪ .‬اهـ ـ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫س‪ :‬هل أرواح الموتى تتالقى وتتزاور؟‬


‫يجيب عن هذا ابن القيم ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬كما في كتابه " الروح" فيقول‪:‬‬
‫أيضا مسألة شريفة كبيرة‬
‫المسألة الثانية في أن أرواح الموتى تتالقى وتتزاور وتتذاكر أم ال؟ فهي ً‬
‫القدر‪ .‬وجوابها أن األرواح قسمان‪ :‬أرواح معذبة‪ ،‬وأرواح ُمَنعَّمة‪.‬‬
‫فالمعذبة‪ :‬في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتالقي‪.‬‬
‫واألرواح ال ُم َن َّعمة المرسلة غير المحبوسة‪ :‬تتالقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا‪ ،‬وما يكون‬
‫من أهل الدنيا‪ ،‬فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على مثل عملها‪ ،‬وروح نبينا ﷺ في الرفيق األعلى‪.‬‬
‫ين‬
‫الصدِّيقِ َ‬
‫ين َو ِّ‬ ‫سو َل فَُأ ْولَـِئ َك َم َع الَّ ِذ َ‬
‫ين َأ ْن َع َم هّللا ُ َعلَ ْي ِهم ِّم َن النَّبِيِّ َ‬ ‫قال اهلل تعالى‪َ { :‬و َمن يُ ِط ِع هّللا َ َوال َّر ُ‬
‫ك َرفِيقًا} (النساء‪.)69 :‬‬ ‫س َن ُأولَـِئ َ‬‫ين َو َح ُ‬ ‫صالِ ِح َ‬
‫ش َه َداء َوال َّ‬
‫َوال ُّ‬
‫وهذه المعية ثابتة في الدنيا‪ ،‬وفي البرزخ‪ ،‬والمرء مع من أحب في هذه الدور الثالثة"‪.‬‬
‫وعن أبى قتادة ‪ ‬عن النبي ﷺ قال‪ ":‬إذا ُولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه‪ ،‬فإنهم ُيبعثون في أكفانهم‬
‫ويتزاورون في قبورهم"‪.‬‬
‫(رواه الخطيب البغدادي عن أنس‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح الجامع‪( )845 :‬وهو في السلسلة الصحيحة كذلك رقم‪:‬‬
‫‪)1425‬‬

‫وعن أبى أيوب األنصاري ‪ ‬قال‪:‬‬


‫بضت نفس العبد تلقاه أهل الرحمة من عباد اهلل كما يلقون البشير في الدنيا‪ ،‬فيقبلون عليه‬
‫" إذا قُ ْ‬
‫ليسألوه‪ ،‬فيقول بعضهم لبعض‪َ :‬أْن ِظروا أخاكم حتى يستريح؛ فإنه كان في كرب‪ ،‬فيقبلون عليه؛‬
‫فيسألونه‪ :‬ما فعل فالن؟ ما فعلت فالنة؟ هل تزوجت؟ فإذا سألوا عن الرجل قد مات قبله‪ ،‬قال لهم‪ :‬إنه‬
‫قد هلك‪ ،‬فيقولون‪ :‬إنا هلل وإ نا إليه راجعون‪ُ ،‬ذهب به إلى أمه الهاوية (النار) فبئست األم وبئست‬
‫فيعرض عليهم أعمالهم‪ ،‬فإذا رأوا حس ًنا فرحوا واستبشروا‪ ،‬وقالوا‪ :‬هذه نعمتك على‬
‫المربية‪ .‬قال‪ُ :‬‬
‫سوءا قالوا‪ :‬اللهم راجع بعبدك"‪.‬‬
‫ً‬ ‫فأتمها‪ ،‬وإ ن رأوا‬
‫عبدك َّ‬
‫(أخرجه ابن المبارك في الزهد‪ ،)149 :‬موقوفًا على أبي أيوب األنصاري‪ ،‬وله حكم الرفع)‬

‫قال األلباني‪-‬رحمه اهلل‪ :-‬إسناده صحيح " الصحيحة رقم‪ ،2758 :‬ثم قال‪ :‬وكونه موقوفًا ال يضر‪ ،‬فإنه‬
‫يقينا‪.‬‬
‫يتحدث عن أمور غيبية ال يمكن أن تُقال بالرأي فهو في حكم المرفوع ً‬

‫‪40‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫وأخرج النسائي والحاكم بسند صحيح عن أبى هريرة ‪ ‬أن النبي ﷺ قال‪:‬‬
‫مرضيا عنك إلى‬ ‫" إذا ح ِ‬
‫ض َر المؤمن أتته مالئكة الرحمة بحريرة بيضاء‪ ،‬فيقولون‪ :‬اُ ْخ ُر ِجي راضية‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫بعضا حتى‬
‫وريحان ورب غير غضبان‪ ،‬فتخرج كأطيب ريح المسك‪ ،‬حتى إنه ليتناوله بعضهم ً‬ ‫ٍ‬ ‫روح اهلل‬
‫ِ‬
‫يأتون به باب السماء‪ ،‬فيقولون‪ :‬ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من األرض‪ ،‬فيأتون به أرواح‬
‫دم عليه‪ ،‬فيسألونه‪ :‬ماذا فعل فالن؟ ماذا فعل فالن؟‬ ‫فرحا به من أحدكم بغائبه َي ْق ُ‬ ‫المؤمنين فلهم ُّ‬
‫أشد ً‬
‫فيقولون‪ :‬دعوه فإنه كان في غم الدنيا‪ .‬فإذا قال‪ :‬أما أتاكم؟ قالوا‪ُ :‬ذ ِهب به إلى أمه الهاوية‪ ،‬وإ ن الكافر‬
‫إذا اُحتُ ِ‬
‫ضر أتته مالئكة العذاب بمسح‪ ،‬فيقولون‪ :‬اُ ْخ ُر ِجي ساخطة مسخو ً‬
‫طا عليك إلى عذاب اهلل‪ ،‬فتخرج‬
‫كأنتن ريح جيفة حتى يأتون به باب األرض فيقولون‪ :‬ما َأْنتَن هذه الريح حتى يأتون به أرواح الكفار "‪.‬‬

‫وعن أبى حازم عن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪ " :‬إن المؤمن ينزل به الموت ويعاين ما‬
‫فود لو خرجت ‪ -‬يعنى‪ :‬نفسه ‪ -‬واهلل يحب لقاءه‪ ،‬وإ ن المؤمن ُيصعد بروحه إلى السماء‪،‬‬
‫يعاين‪ّ ،‬‬
‫فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفهم من أهل األرض‪ ،‬فإذا قال‪ :‬تركت فال ًنا في الدنيا‬
‫أعجبهم ذلك‪ ،‬وإ ذا قال‪ :‬إن فال ًنا قد مات‪ ،‬قالوا‪ :‬ما جيء به إلينا‪.‬‬
‫نبيى محمد‬
‫فيسأل‪ :‬من ربك؟ فيقول‪ :‬ربي اهلل‪ ،‬فيقال‪ :‬من نبيك؟ فيقول‪ِّ :‬‬ ‫وإ ن المؤمن ُيجلس في قبره ُ‬
‫فيفتح له باب في قبره فيقول أو ُيقال‪ :‬انظر إلى مجلسك‪ .‬ثم‬
‫ﷺ‪ ،‬قال‪ :‬فما دينك؟ قال‪ :‬ديني اإلسالم‪ُ ،‬‬
‫يرى القبر‪ ،‬فكأنما كانت رقدة‪.‬‬
‫أبدا‪ ،‬واهلل يبغض لقاءه‪،‬‬
‫عدوا هلل نزل به الموت وعاين ما عاين‪ ،‬فإنه ال يحب أن تخرج روحه ً‬ ‫فإذا كان ً‬
‫فيفتح له باب من‬ ‫فإذا جلس في قبره أو ْ ِ‬
‫فيقال له‪ :‬من ربك؟ فيقول‪ :‬ال أدري!‪ ،‬فيقال‪ :‬ال َد َريت‪ُ ،‬‬ ‫ُأجلس‪ُ ،‬‬
‫جهنم‪ ،‬ثم يضرب ضرب ًة تُ ِ‬
‫سمع كل دابة إال الثقلين‪ ،‬ثم ُيقال له‪ :‬نم كما ينام المنهوش ـ فقلت ألبى‬ ‫ُ‬
‫هريرة‪ :‬ما المنهوش؟ قال‪ :‬الذي ينهشه الدواب والحيَّات ـ ثم ُيضيَّق عليه قبره "‪.‬‬
‫(أخرجه البزار في "مسنده"‪ ،‬قال األلباني‪ :‬والحديث صحيح‪ .‬انظر الصحيحة‪.)2828 :‬‬

‫‪41‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫س‪ :‬أين مستقر األرواح بعد الموت؟‬


‫جـ‪ :‬قال اإلمام ابن القيم ‪-‬رحمه اهلل‪ ":-‬وأما المسألة الخامسة عشرة وهي أين مستقر األرواح ما بين‬
‫الموت إلى يوم القيامة؟ هل هي في السماء أم في األرض؟ وهل هي في الجنة والنار أم ال؟ وهل تودع‬
‫في أجساد غير أجسادها التي كانت فيها فتتنعم وتعذب فيها أم تكون مجردة؟ فهذه مسألة عظيمة تكلم فيها‬
‫الناس واختلفوا فيها‪ ،‬وهي إنما تُتلقى من السمع فقط‪ ،‬واختلف في ذلك‪:‬‬
‫فقال قائلون‪ :‬أرواح المؤمنين عند اهلل‪ ،‬شهداء كانوا أم غير شهداء‪ ،‬إذا لم يحبسهم عن الجنة كبيرة وال‬
‫دين‪ ،‬وتلقاهم ربهم بالعفو عنهم والرحمة لهم‪ ،‬وهذا مذهب أبي هريرة‪ ،‬وعبد اهلل بن عمرو ـ رضي اهلل‬
‫ْ‬
‫عنهم‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬هم بفناء الجنة على بابها يأتيهم من روحها ونعيمها ورزقها‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬األرواح على أفنية قبورها‪.‬‬
‫وقال مالك ‪-‬رحمه اهلل‪ :-‬بلغني أن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت‪.‬‬
‫وقال اإلمام أحمد في رواية ابنه عبد اهلل‪ :‬أرواح الكفار في النار‪ .‬وأرواح المؤمنين في الجنة‪.‬‬
‫وروى عن جماعة من الصحابة والتابعين‪ :‬أن أرواح المؤمنين بالجابية‪ ،‬وأرواح الكفار ببرهوت(‪.)1‬‬
‫وقال كعب ‪-‬رحمه اهلل‪ :-‬أرواح المؤمنين في عليين في السماء السابعة‪ .‬وأرواح الكفار في سجين في‬
‫األرض السابعة تحت خد إبليس‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬أرواح المؤمنين عن يمين آدم‪ ،‬وأرواح الكفار عن شماله‪.‬‬
‫وقالت طائفة أخرى‪ ،‬منهم ابن حزم‪ :‬مستقرها حيث كانت قبل خلق أجسادها‪.‬‬

‫بعد عرض ما سبق يترجح لنا أن األرواح في البرزخ متفاوتة أعظم تفاوت‪.‬‬
‫سمعت‬
‫ْ‬ ‫أواًل ‪ :‬أرواح األنبياء‪ ،‬وهذه تكون في خير المنازل في أعلى عليين‪ ،‬في الرفيق األعلى‪ ،‬وقد‬
‫(البخاري)‬ ‫السيدةُ عائش ُة الرسو َل ﷺ في آخر لحظات حياته يقول‪ ":‬اللهم الرفيق األعلى"‪.‬‬
‫وهم متفاوتون في منازلهم كما رآهم النبي ﷺ ليلة اإلسراء‪ ،‬وهذا قول ابن القيم وشارح الطحاوية‪.‬‬
‫قال ابن رجب ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬في "أهوال القبور"‪ " :‬أما األنبياء ـ عليهم الصالة والسالم ـ فليس فيهم شك أن‬
‫أرواحهم عند اهلل في أعلى عليين "‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬أرواح الشهداء‪ ،‬وهؤالء أحياء عند ربهم ُيرزقون‪.‬‬

‫‪ -1‬بئر بحضرموت‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫(آل عمران‪:‬‬ ‫سبِي ِل هّللا ِ َأ ْم َواتًا بَ ْل َأ ْحيَاء ِعن َد َربِّ ِه ْم يُ ْر َزقُ َ‬


‫ون}‬ ‫ين قُتِلُو ْا فِي َ‬
‫سبَنَّ الَّ ِذ َ‬
‫قال تعالى‪َ { :‬والَ ت َْح َ‬
‫‪)169‬‬

‫عبد اهلل بن مسعود ‪ ‬عن هذه اآلية‪ ،‬فقال‪ ":‬إنا قد سألنا رسول اهلل ﷺ‬
‫وقد سأل مسروق ‪-‬رحمه اهلل‪َ -‬‬
‫عن ذلك‪ ،‬فقال‪ ":‬أرواحهم في أجواف طير خضر‪ ،‬لها قناديل ُمعلَّقة بالعرش‪ ،‬تسرح من الجنة حيث‬
‫(رواه مسلم في صحيحه)‬ ‫شاءت‪ ،‬ثم تأوي إلى تلك القناديل "‪.‬‬
‫قال النووي ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬في شرح هذا الحديث وقال القاضي عياض فيه‪ ":‬إن األرواح باقية ال تفنى‬
‫فينعم المحسن ويعذب المسيء‪ ،‬وقد جاء به القرآن واآلثار‪ ،‬وهو مذهب أهل السنة‪.‬‬
‫وعن ابن عباس ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪ ":‬لما أصيب إخوانكم ُ‬
‫بُأحد جعل اهلل‬
‫أرواحهم في أجواف طير خضر‪ ،‬ترد أنهار الجنة‪ ،‬وتأكل من ثمارها‪ ،‬وتأوي إلى قناديل من ذهب‪،‬‬
‫ُمعلَّقة في ظل العرش‪ ،‬فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم‪ ،‬قالوا‪ :‬من يبلغ عنا إخواننا َّأنا‬
‫أحياء في الجنة نرزق‪ ،‬لئال ينكلوا عن الحرب‪ ،‬وال يزهدوا في الجهاد‪ ،‬قال‪ :‬فقال اهلل ‪ U‬أنا أبلغهم عنكم‪،‬‬
‫يُ ْر َزقُ َ‬
‫ون}(آل‬ ‫سبِي ِل هّللا ِ َأ ْم َواتًا بَ ْل َأ ْحيَاء ِعن َد َربِّ ِه ْم‬
‫ين قُتِلُو ْا فِي َ‬
‫سبَنَّ الَّ ِذ َ‬
‫فأنزل اهلل تعالى‪َ { :‬والَ ت َْح َ‬
‫عمران‪.)169 :‬‬
‫(رواه اإلمام أحمد)‬

‫وفي "صحيح البخاري" عن أنس ‪ ‬قال‪ ":‬أصيب حارثة يوم بدر ـ وهو غالم ـ فجاءت أمه إلى النبي ﷺ‬
‫فقالت‪ :‬يا رسول اهلل قد عرفت منزلة حارثة ِّ‬
‫مني‪ ،‬فإن يكن في الجنة صبرت واحتسبت‪ ،‬وإ ن تكن‬
‫األخرى ترى ما أصنع؟ قال‪" :‬ويحك أوهبلت؟ جنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة‪ ،‬وإ نه في جنة‬
‫الفردوس"‬
‫(الترمذي)‬ ‫وقال ﷺ‪ ":‬رأيت جعفر بن أبى طالب مل ًكا يطير في الجنة مع المالئكة بجناحين"‪.‬‬

‫طيورا تعلق شجر الجنة‪.‬‬


‫ً‬ ‫الثالث‪ :‬أرواح المؤمنين الصالحين‪ :‬تكون‬
‫ق(‪ )1‬في شجر الجنة‪ ،‬حتى يبعثه اهلل إلى جسده يوم يبعثه "‪.‬‬
‫قال ﷺ‪ ":‬إنما نسمة المؤمن طائر َي ْعلُ ُ‬
‫(رواه مالك وأحمد والنسائي عن كعب بن مالك عن أبيه وهو في صحيح الجامع‪)2373 :‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رحمه اهلل‪":-‬وهناك أحاديث على اجتماع الروح والبدن في نعيم القبر‬
‫وعذابه‪ ،‬وهناك أحاديث تدل على انفراد الروح وحدها كاألحاديث السابقة‪ ،‬ثم قال شيخ اإلسالم‪ :‬فقد‬
‫أخبرت هذه النصوص أن الروح تنعم مع البدن الذي في القبرـ إذا شاء اهلل ـ وإ نما تنعم في الجنة وحدها‬

‫‪ -1‬يَ ْعلُقُ‪ :‬يأكل‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫وكالهما حق‪ ،‬وقد روى ابن أبي الدنيا في كتاب "ذكر الموت" عن مالك بن ٍ‬
‫أنس قال‪" :‬بلغني أن الروح‬
‫مرسلة تذهب حيث شاءت "‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أرواح العصاة‪ :‬وستأتي النصوص التي تبين ما يالقيه العصاة من العذاب‪.‬‬
‫فمن ذلك أن الذي يكذب الكذبة تبلغ اآلفاق يعذب بكلوب من حديد يدخل في شدقه حتى يبلغ قفاه‪ ،‬والذي‬
‫نام عن الصالة المكتوبة يشدخ رأسه بصخرة‪ ،‬والزناة والزواني ُيعذبون في ثقب مثل التنور ضيق أعاله‬
‫والمرابي يسبح في بحر من دم‪ ،‬وعلى الشط من يلقمه حجارة‪ .‬وهناك‬
‫وأسفله واسع‪ ،‬توقد النار من تحته‪ُ ،‬‬
‫من األحاديث التي تتحدث عن عذاب الذي لم يكن يستنزه من بوله‪ ،‬والذي يمشي بالنميمة بين الناس‪،‬‬
‫والذي غل من الغنيمة‪ ...‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫محبوسا على باب الجنة كما في الحديث اآلخر‪:‬‬
‫ً‬ ‫الخامس‪ :‬قال ابن القيم‪ ":‬ومنهم‪ :‬من يكون‬
‫محبوسا على باب الجنة"‪.‬‬
‫ً‬ ‫" رأيت صاحبكم‬
‫وعن سمرة بن جندب‪ ،‬قال‪ :‬صلَّى رسول اهلل ﷺ على جنازة‪ ،‬فلما انصرف قال‪ ":‬أهاهنا من آل فالن‬
‫مرارا ثالثًا‪ ،‬فلم يجبه أحد‪ ،‬فقال رج ٌل‪:‬‬
‫فسكت القوم ‪ -‬وكان إذا ابتدأهم بشيء سكتوا ‪ -‬فقال ذلك ً‬
‫َ‬ ‫أحد؟‬
‫هو ذا‪ ،‬فقام رج ُل يجر إزاره من مؤخر الناس‪ ،‬فقال له النبي ﷺ‪ :‬ما منعك في المرتين األوليين أن‬
‫بد ْينه عن الجنة‪ ،‬فإن‬
‫ُأنوه باسمك إال لخير‪ ،‬إن فال ًنا ‪ -‬لرجل منهم ‪ -‬مأسور َ‬
‫تكون أجبتني‪ ،‬أما إني لم ِّ‬
‫شئتم فأفدوه‪ ،‬وإ ن شئتم فأسلموه إلى عذاب اهلل ‪( ."U‬رواه أبو داود)‬

‫السادس‪ :‬من يكون مقره باب الجنة‪ :‬قال ابن القيم في " الروح" (ص ‪" :)154‬ومنهم من يكون مقره‬
‫باب الجنة‪ ،‬كما في حديث ابن عباس‪ ":‬الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج‬
‫(رواه أحمد)‬ ‫رزقهم من الجنة بكرة وعشية "‪.‬‬
‫وهذا بخالف جعفر بن أبي طالب حيث أبدله اهلل من يديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء‪.‬‬

‫السابع‪ :‬أرواح الكفار‪ :‬في حديث أبى هريرة ‪ ‬عند النسائي‪ :‬بعد وصف حال المؤمن إلى أن يبلغ‬
‫مستقره في الجنة‪ ،‬ذكر حال الكافر‪ ،‬وما يالقيه عند النزع‪ ،‬وبعد أن تقبض روحه‪:‬‬
‫" تخرج منه كأنتن ريح‪ ،‬حتى يأتون به باب األرض‪ ،‬فيقولون‪ :‬ما أنتن هذه الريح حتى يأتون به أرواح‬
‫الكفار"‪.‬‬

‫الثامن‪ :‬أطفال المشركين‪ ،‬والراجح أنهم في الجنة كما مر بنا‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫س‪ :‬هل هناك فارق بين أرواح الشهداء في الجنة‪ ،‬وغيرهم من المؤمنين؟‬
‫والجواب‪ :‬نعم‪ .‬هناك فرق بين حياة الشهداء في الجنة وغيرهم من المؤمنين‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن رجب الحنبلي‪ ":‬والفرق بين حياة الشهداء وغيرهم من المؤمنين الذين أرواحهم في الجنة‬
‫من وجهين‪- :‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن أرواح الشهداء تُخلق لها أجساد‪ ،‬وهي الطير التي تكون في حواصلها‪ ،‬ليكمل بذلك نعيمها‪،‬‬
‫ويكون أكمل من نعيم األرواح المجردة عن األجساد‪ ،‬فإن الشهداء بذلوا أجسادهم للقتل في سبيل اهلل‪،‬‬
‫فع ِّوضوا عنها بهذه األجساد في البرزخ‪.‬‬
‫ُ‬
‫والثاني‪ :‬أنهم ُيرزقون في الجنة‪ ،‬وغيرهم لم يثبت له في حقه مثل ذلك‪ ،‬فإنه جاء أنهم (يعلُقون) في شجر‬
‫الجنة‪ ،‬وروى‪( :‬يعلَقون) (بفتح الالم وضمها)‪ ،‬فقيل‪ :‬إنهما بمعنى‪ ،‬وأن المراد األكل من الشجر‪ :‬قال ابن‬
‫عبد البر‪ .‬وقيل‪ :‬بل رواية الضم معناه "األكل"‪ ،‬ورواية الفتح معناها "التعلق" وهو التستر‪ .‬وبكل حال فال‬
‫(أهوال القبور‪ :‬ص ‪.)165‬‬ ‫يلزم مساواتهم للشهداء في كمال تََنعُّمهم باألكل‪ ،‬واهلل أعلم "‪.‬‬

‫وقال اإلمام ابن القيم ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬عن نعيم الشهداء وعلو درجتهم‪ :‬نصيبهم ( أي الشهداء) من هذا‬
‫النعيم في البرزخ أكمل من نصيب غيرهم من األموات على فرشهم‪ ،‬وإ ن كان الميت على فراشه أعلى‬
‫درجة منهم‪ ،‬فله نعيم يختص به وال يشاركه فيه َمن هو دونه‪ ،‬ويدل على هذا أن اهلل سبحانه جعل أرواح‬
‫الشهداء في أجواف طير خضر‪ ،‬فإنهم بذلوا أنفسهم هلل حتى أتلفها أعداؤه فيه أعاضهم منها في البرزخ‬
‫خيرا منها تكون فيها إلى يوم القيامة‪ ،‬ويكون نعيمها بواسطة تلك األبدان أكمل من نعيم األرواح‬
‫أبدانا ً‬
‫ً‬
‫المجردة عنها‪ ،‬ولهذا كانت نسمة المؤمن في صورة طير أو كطير‪ ،‬ونسمة الشهيد في جوف طير‪ ،‬وتأمل‬
‫َّ‬
‫لفظ الحديثين فإنه قال‪ ":‬نسمة المؤمن طير"‪ .‬فهذا يعم الشهيد وغيره‪ ،‬ثم خص الشهيد بأن قال‪ ":‬في‬
‫جوف طير" ومعلوم أنها إذا كانت في جوف طير صدق عليها أنها طير‪ ،‬فصلوات اهلل وسالمه على من‬
‫بعضا‪ ،‬ويدل على أنه حق من عند اهلل‪ .‬اهـ‬
‫يصدق كالمه بعضه ً‬

‫‪45‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫س‪ :‬هل النفس هي الروح؟ أم هما متمايزان؟‬


‫النفس تطلق على أمور‪ ،‬وكذلك الروح‪ ،‬فيتحد مدلولهما تارة ويختلف تارة‪ ،‬فالنفس تطلق على الروح‪،‬‬
‫مجردة فتسمية الروح لها أغلب "‪.‬‬
‫نفسا إذا كانت متصلة بالبدن‪ ،‬وأما إذا أخذت َّ‬
‫ولكن غالب ما يسمى ً‬
‫(العقيدة الطحاوية‪ :‬ص ‪)241‬‬

‫روحا باعتبـار‬
‫وتسمى ً‬
‫َّ‬ ‫نفسا باعتبـار تدبيره للبدن‪،‬‬ ‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية‪-‬رحمه اهلل‪ :-‬لكن َّ‬
‫تسمى ً‬
‫روحا‪ ،‬وقال النبي ﷺ‪ ":‬الريح من روح اهلل " أي من الروح التي خلقها اهلل‪.‬‬
‫لطفه‪ ،‬ولهذا يسمى الريح ً‬

‫أيضا‪ :‬والروح المدبرة للبدن التي تفارقه بالموت هي الروح المنفوخة فيه‪ ،‬وهي‬
‫ويقول ‪-‬رحمه اهلل‪ً -‬‬
‫النفس التي تفارقه بالموت‪ .‬اهـ‪( .‬رسالة العقل والروح)‬

‫ويقول الدكتور عمر سليمان األشقر في كتابه "القيامة الصغرى"‪ :‬وقد أخطأ الذين َّ‬
‫فرقوا بين الروح‬
‫روحا‬
‫والنفس واعتقدوا أنهما أمران مختلفان‪ .‬وهذا المخلوق الذي تكون به الحياة وتفقد الحياة بفقده يسمى ً‬
‫ونفسا‪ ،‬وال يمنع هذا أن تُطلق كل من الروح والنفس إطالقات أخرى‪.‬‬
‫ً‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رحمه اهلل‪ ":-‬لفظ الروح والنفس يعبر بهما عن عدة ٍ‬
‫معان‪ :‬فيراد بالروح‬
‫الهواء الخارج من البدن‪ ،‬والهواء الداخل فيه‪ ،‬ويراد بالروح البخار الخارج من تجويف القلب من سويداه‬
‫الساري في العروق‪ ،‬وهو الذي يسميه األطباء الروح‪ ،‬ويمسى الروح الحيواني‪ ،‬فهذان المعنيان غير‬
‫الروح التي تفارق بالموت التي هي الـنفس‪ ،‬ويراد بنفس الـشيء ذاته وعينه‪ ،‬كقوله تعالى‪{ :‬فَ َ‬
‫سلِّ ُموا َعلَى‬
‫س ُك ْم} (النور‪ ،)61:‬وكقوله تعالى‪َ { :‬والَ تَ ْقتُلُو ْا َأنفُ َ‬
‫س ُك ْم} (النساء‪ ،)29:‬وقد يراد بلفظ الـنفس الدم الذي‬ ‫َأنفُ ِ‬
‫يكون في الحـيوان‪ ،‬كما جاء في الحديث الذي رواه البيهقي بسند ضعيف‪" :‬ما ال نفس له سائلة؛ ال ينجس‬
‫الماء إذا مات فيه" وكقول الفقهاء‪" :‬ما له نفس سائلة وما ليس له نفس سائلة " فهذان المعنيان بالنفس‬
‫(رسالة العقل والروح‪)2/39 :‬‬ ‫ليسا هما معنى الروح"‪ .‬اهـ‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫(الشعراء‪)193 :‬‬ ‫وح اَأْل ِمينُ }‬
‫الر ُ‬ ‫‪ -‬وتطلق الروح ويراد بها جبرائيل‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬نَ َز َل بِ ِه ُّ‬
‫رنَا} (الشورى‪.)52 :‬‬ ‫وحا ِّمنْ َأ ْم ِ‬
‫‪ -‬وتطلق الروح ويراد بها القرآن‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬و َك َذلِ َك َأ ْو َح ْينَا ِإلَ ْي َك ُر ً‬
‫وح ِمنْ َأ ْم ِر ِه‬ ‫ش يُ ْلقِي ُّ‬
‫الر َ‬ ‫ت ُذو ا ْل َع ْر ِ‬‫‪ -‬وتطلق الروح ويراد بها الوحي‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬رفِي ُع الد ََّر َجا ِ‬
‫(غافر‪)15:‬‬ ‫َعلَى َمن يَشَا ُء ِمنْ ِعبَا ِد ِه لِيُن ِذ َر يَ ْو َم التَّاَل ِ‬
‫ق}‬
‫‪ -‬وتطلق الروح ويراد بها القوة والثبات والنصرة التي يؤيد اهلل بها من شاء من عباده المؤمنين‪ ،‬قال‬
‫سولَهُ َولَ ْو َكانُوا آبَاء ُه ْم َأ ْو‬
‫ُّون َمنْ َحا َّد هَّللا َ َو َر ُ‬ ‫تعالى‪{ :‬اَل ت َِج ُد قَ ْو ًما يُْؤ ِمنُ َ‬
‫ون بِاهَّلل ِ َوا ْليَ ْو ِم اآْل ِخ ِر يُ َواد َ‬
‫وح ِّم ْنهُ} (المجادلة‪)22:‬‬ ‫ان َوَأيَّ َدهُم بِ ُر ٍ‬ ‫يرتَ ُه ْم ُأ ْولَِئ َك َكت ََب فِي قُلُوبِ ِه ُم اِإْل ي َم َ‬‫ش َ‬‫َأ ْبنَاء ُه ْم َأ ْو ِإ ْخ َوانَ ُه ْم َأ ْو َع ِ‬

‫‪46‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫ب الَ تَ ْغلُو ْا فِي ِدينِ ُك ْم َوالَ تَقُولُو ْا‬‫وتطلق الروح ويراد بها المسيح ابن مريم‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬يَا َأ ْه َل ا ْل ِكتَا ِ‬
‫سو ُل هّللا ِ َو َكلِ َمتُهُ َأ ْلقَا َها ِإلَى َم ْريَ َم َو ُر ٌ‬
‫وح ِّم ْنهُ‬ ‫سى ا ْبنُ َم ْريَ َم َر ُ‬
‫يح ِعي َ‬‫س ُ‬ ‫ق ِإنَّ َما ا ْل َم ِ‬ ‫َعلَى هّللا ِ ِإالَّ ا ْل َح ِّ‬
‫ه} (النساء‪)171:‬‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫فَآ ِمنُو ْا بِاهّلل ِ َو ُر ُ‬
‫وح ِمنْ‬ ‫الر ُ‬ ‫وح قُ ِل ُّ‬
‫الر ِ‬ ‫سَألُونَ َك َع ِن ُّ‬ ‫{ويَ ْ‬ ‫‪ -‬وتطلق الروح ويراد بها ما به حياة اإلنسان‪ ،‬كقوله تعالى‪َ :‬‬
‫ر َربِّي َو َما ُأوتِيتُم ِّمن ا ْل ِع ْل ِم ِإال َّ قَلِياًل } (اإلسراء‪)85:‬‬ ‫َأ ْم ِ‬
‫فهي الجزء الذي به تحصل الحياة والتحرك واستجالب المنافع واستدفاع المضار‪ .‬هذا هو بيت‬
‫(انظر الروح البن القيم‪ :‬ص ‪( )241‬ومفردات ألفاظ القرآن لراغب األصفهاني‪ :‬ص ‪)369‬‬ ‫القصيد وموضوع البحث‪.‬‬

‫س‪ :‬هل الروح تُ ْقبَض عند النوم؟‬


‫جـ‪ :‬نعم الروح تُ ْقَبض عند النوم‪ ،‬وهو ما ُي َّ‬
‫سمى بالوفاة الصغرى‪ ،‬دليل ذلك قوله تعالى‪:‬‬
‫ضى َعلَ ْي َها ا ْل َم ْوتَ َويُ ْر ِ‬
‫س ُل‬ ‫ين َم ْوتِ َها َوالَّتِي لَ ْم تَ ُمتْ فِي َمنَا ِم َها فَيُ ْم ِ‬
‫س ُك الَّتِي قَ َ‬ ‫س ِح َ‬ ‫{هَّللا ُ يَتَ َوفَّى اَأْلنفُ َ‬
‫ون} (الزمر‪)42 :‬‬ ‫ت لِّقَ ْو ٍم يَتَفَ َّك ُر َ‬ ‫اُأْل ْخ َرى ِإلَى َأ َج ٍل ُم َ‬
‫س ّمًى ِإنَّ فِي َذلِ َك آَل يَا ٍ‬
‫عرست‬ ‫وأخرج البخاري عن عبد اهلل بن أبي قتادة عن أبيه قال‪ ":‬سرنا النبي ليلة ﷺ ليلة‪ ،‬فقال‪ :‬لو َّ‬
‫فاض ِجعوا‪ ،‬وأسند بالل‬
‫بنا يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪ :‬أخاف أن تناموا عن الصالة‪ ،‬قال بالل‪ :‬أنا أوقظكم؛ َّ‬
‫ظهره إلى راحلته‪ ،‬فغلبته عيناه فنام‪ ،‬فاستيقظ النبي ﷺ وقد طلع حاجب الشمس‪ ،‬فقال‪ :‬يا بالل أين ما‬
‫قلت؟ قال‪ :‬ما ُأْل ِقيت على نومة مثلها قط‪ ،‬قال النبي ﷺ‪" :‬إن اهلل قبض أرواحكم حين شاء‪ ،‬وردَّها حين‬
‫شاء‪ ،‬يا بالل‪ ،‬قم ِّ‬
‫فأذن بالناس بالصالة‪ ،‬فتوضَّأ فلما ارتفعت الشمس وابيضت‪ ،‬قام فصلَّى"‪.‬‬
‫س‪ :‬أين مسكن الروح في الجسد؟‬
‫الروح تسري في بدن اإلنسان كله‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رحمه اهلل‪ ":-‬ال اختصاص للروح بشيء من الجسد‪ ،‬بل هي سارية في‬
‫الجسد كما تسري الحياة التي هي َع َرض في جميع الجسد‪ ،‬فإن الحياة مشروطة بالروح‪ ،‬فإذا كانت الروح‬
‫(رسالة العقل والروح ‪)2/47‬‬ ‫في الجسد كان فيه حياة‪ ،‬وإ ذا فارقته الروح فارقته الحياة‪.‬‬
‫س‪ :‬هل للروح كيفية تُعلَّم؟‬
‫الروح مخلوقة من جنس ال نظير له في عالم الموجودات‪ ،‬ولذلك ال نستطيع أن نعرف صفاتها غير أنه‬
‫جاءنا من أخبارها أنها تصعد وتهبط‪ ،‬والنبي ﷺ أخبرنا أن الروح ُيصعد بها إلى السماوات العلى‪ ،‬ثم تعاد‬
‫عذابا ال نعرفه‪ ،‬وال عهد لنا‬ ‫َّ‬
‫نعيما أو ً‬
‫إلى القبر في ساعة من الزمن‪ ،‬وأن الروح تُنعَّم أو تُعذب في القبر ً‬
‫به‪ ،‬فهذا ما جاءنا عن أخبارها‪ ،‬وخالف ذلك ككيفيتها فإننا ال نعرفه‪.‬‬
‫(انظر القيامة الصغرى‪ :‬ص ‪ 93‬للدكتور عمر سليمان األشقر)‬

‫س‪ :‬هل الروح مخلــوقة؟‬


‫‪47‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫جـ‪ :‬ذهب فريق من الفالسفة‪ :‬إلى أن الروح غير مخلوقة‪ ،‬بل هي قديمة أزلية‪.‬‬

‫وضاللها من المتكلمة والمتصوفة‪ :‬إلى أن الروح من ذات اهلل‪،‬‬


‫وذهب صنف آخر من زنادقة هذه األمة ُ‬
‫وهؤالء أشر قواًل من الصنف األول‪ ،‬حيث جعلوا اآلدمي نصفين‪ :‬نصف الهوت‪ :‬وهو روحه‪ ،‬ونصف‬
‫(مجموع فتاوى شيخ اإلسالم‪)4/222 :‬‬ ‫ناسوت‪ :‬وهو جسده‪ ،‬فنصفه رب ونصفه عبد "‪.‬‬

‫وذهب أهل العلم من السلف والخلف‪ :‬إلى أن الروح مخلوقة مبتدعة‪ ،‬وهذا هو الحق الذي ال ينبغي أن‬
‫ُيخالف فيه‪ ،‬ويدل على ذلك أمور منها‪ :‬أواًل ‪ :‬الكتاب والسنة‪:‬‬
‫(الرعد‪( ،)16 :‬الزمر‪)62 :‬‬ ‫أ ‪ -‬قال تعالى‪{ :‬هَّللا ُ َخالِ ُ‬
‫ق ُك ِّل ش َْي ٍء}‬
‫يقول شارح الطحاوية عقب استدالله بهذه اآلية‪ " :‬فهذا عام ال تخصيص فيه بوجه عام"‪.‬‬
‫م ْذ ُكو ًرا} (اإلنسان‪)1:‬‬ ‫ب ‪ -‬وقال تعالى‪َ { :‬ه ْل َأتَى َعلَى اِإْل ن َ‬
‫سا ِن ِحينٌ ِّم َن ال َّد ْه ِر لَ ْم يَ ُكن َ‬
‫ش ْيًئا َّ‬
‫ش ْيًئا} (مريم‪)9:‬‬ ‫جـ ‪ -‬وقال تعالى لزكريا ‪َ { :‬وقَ ْد َخلَ ْقتُ َك ِمن قَ ْب ُل َولَ ْم تَ ُك َ‬
‫واإلنسان مركب من روح وبدن‪ ،‬وخطاب اهلل لزكريا لروحه وبدنه‪.‬‬

‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬كما في "مجموع الفتاوى" (‪ :)4/222‬اإلنسان عبارة عن‬
‫معا‪ ،‬بل هو بالروح أخص منه بالبدن‪ ،‬وإ نما البدن مطية للروح‪ ،‬كما قال أبو الدرداء ‪" :‬‬
‫البدن والروح ً‬
‫إنما بدني مطيتي فإن رفقت بها بلغتني‪ ،‬وإ ن لم أرفق بها لم تبلغني "‪.‬‬

‫وقد روى ابن منده وغيره عن ابن عباس ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪ ":‬ال تزال الخصومة يوم القيامة بين‬
‫الخلق حتى تختصم الروح والبدن‪ ،‬فتقول الروح للبدن‪ :‬أنت عملت السيئات‪ ،‬فيقول البدن للروح‪ :‬أنت‬
‫أمرتني‪ ،‬فيبعث اهلل مل ًكا يقضي بينهما فيقول‪ :‬إنما مثلكما كمثل ُم ْق َعد وأعمى دخال بستا ًنا‪ ،‬فرأى المقعد‬
‫ثمرا ولكن ال أستطيع النهوض إليه‪ ،‬وقال األعمى‪ :‬لكنى‬
‫ثمرا معلقًا‪ ،‬فقال لألعمى‪ :‬إني أرى ً‬
‫فيه ً‬
‫أستطيع النهوض إليه‪ ،‬ولكني ال أراه‪ ،‬فقال المقعد‪ :‬تعال فاحملني حتى أقطفه‪ ،‬فحمله وجعل يأمره‬
‫جميعا‪ ،‬قال‪ :‬فكذلك‬
‫ً‬ ‫الملَ ُك‪ :‬فعلى أيهما العقوبة؟ قاال‪ :‬عليهما‬
‫فيسير به إلى حيث يشاء فقطع الثمرة‪ ،‬قال َ‬
‫أنتما "‪.‬‬
‫د ‪ -‬ومما يدل على أن الروح مخلوقة‪ :‬أن األرواح تُقبض‪ ،‬وتُوضع في كفن وحنوط تأتي بهما المالئكة‪،‬‬
‫ويصعد بها وتُنعَّم وتُ َّ‬
‫عذب‪ ،‬وتُمسك في النوم وتُرسل‪ ،‬وكل هذا شأن المخلوق المحدث‪.‬‬ ‫ُ‬

‫‪48‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫هـ ‪ -‬لو لم تكن مخلوقة مربوبة لما أقرت بالربوبية‪ ،‬وقد قال اهلل لألرواح حين أخذ الميثاق على العباد‪،‬‬
‫وهم في عالم الذر‪َ{ :‬ألَ ْ‬
‫ستُ بِ َربِّ ُك ْم قَالُو ْا بَلَى} "ألست بربكم؟‪ ،‬قالوا‪ :‬بلى"‪ ،‬وذلك ما قرره الحق في‬
‫قوله‪:‬‬
‫س ِه ْم َألَ ْ‬
‫ستُ بِ َربِّ ُك ْم قَالُو ْا بَلَى}‬ ‫{ َوِإ ْذ َأ َخ َذ َربُّ َك ِمن بَنِي آ َد َم ِمن ظُ ُهو ِر ِه ْم ُذ ِّريَّتَ ُه ْم َوَأ ْ‬
‫ش َه َد ُه ْم َعلَى َأنفُ ِ‬
‫(األعراف‪.)172 :‬‬

‫ومادام هو ربهم فإنهم مربوبون مخلوقون‪.‬‬

‫و‪ -‬لو لم تكن األرواح مخلوقة‪ ،‬فإن النصارى ال لوم عليهم في عبادتهم عيسى ‪ ،‬وال في قولهم‪" :‬إنه ابن‬
‫اهلل" أو "هو اهلل"‪.‬‬

‫عذب‪ ،‬وال تُحجب عن اهلل‪ ،‬وال تُ َّ‬


‫غيب في البدن‪،‬‬ ‫ز‪ -‬لو كانت الروح غير مخلوقة‪ ،‬فإنه ال تدخل النار وال تُ َّ‬
‫عذب‪ ،‬ولم تتعبد ولم تخف‪ ،‬ولم‬ ‫وال يملكها ملك الموت‪ ،‬ولما كانت صورة توصف‪ ،‬ولم تحاسب ولم تُ َّ‬
‫تَْر ُج‪ ،‬وألن أرواح المؤمنين تتألأل‪ ،‬وأرواح الكفار سود مثل الفحم"‬
‫(انظر القيامة الصغرى لعمر سليمان األشقر ‪-‬رحمه اهلل‪)-‬‬

‫ثانيا‪ :‬اإلجماع‪:‬‬
‫ً‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رحمه اهلل‪ ":-‬روح اآلدمي مبدعة باتفاق سلف األمة وأئمتها وسائر أهل‬
‫غير واحد من أئمة المسلمين‪ ،‬مثل محمد بن نصر‬
‫السنة‪ ،‬وقد حكى إجماع العلماء على أنها مخلوقة ُ‬
‫المروزي ـ اإلمام المشهور الذي هو أعلم أهل زمانه باإلجماع واالختالف أو من أعلمهم ـ وكذلك أبو‬
‫إسحاق بن شاقال‪ ،‬وأبو محمد بن قتيبة‪ ،‬وكذلك أبو عبد اهلل بن منده في كتابه " الروح والنفس"‪ ،‬والشيخ‬
‫(مجموع فتاوى شيخ اإلسالم‪:‬‬ ‫أبو يعقوب الخراز‪ ،‬وأبو يعقوب النهرجوري‪ ،‬والقاضي أبو يعلى وغيرهم‪.‬‬
‫‪)4/216‬‬

‫‪49‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫شبهات الذين زعموا أن الروح غير مخلوقة والرد عليهم‪:‬‬


‫وح قُ ِل‬‫الر ِ‬ ‫سَألُونَ َك َع ِن ُّ‬ ‫الشبهة األولى‪ :‬قالوا‪ :‬مما يدل على أن الروح غير مخلوقة‪ ،‬قوله تعالى‪َ { :‬ويَ ْ‬
‫وح ِمنْ َأ ْم ِ‬
‫ر َربِّي} (اإلسراء‪)85:‬‬ ‫الر ُ‬ ‫ُّ‬
‫والجواب على هذه الشبهة من وجوه‪- :‬‬
‫وح‬
‫الر ُ‬ ‫األول‪ :‬أن الروح هنا ليست روح اآلدمي‪ ،‬وإ نما هو اسم ملك‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬يَ ْو َم يَقُو ُم ُّ‬
‫وح ِإلَ ْي ِه} (المعارج‪ )4 :‬وقال‪{ :‬تَنَ َّز ُل ا ْل َماَل ِئ َكةُ‬ ‫صفًّا} (النبأ‪ ،)38 :‬وقال‪{ :‬تَ ْع ُر ُج ا ْل َماَل ِئ َكةُ َو ُّ‬
‫الر ُ‬ ‫َوا ْل َماَل ِئ َكةُ َ‬
‫وح فِي َها بِِإ ْذ ِن َربِّ ِهم}‬
‫الر ُ‬
‫َو ُّ‬
‫(القدر‪)4 :‬‬

‫وهو قول معروف مشهور عند علماء السلف في تفسير هذه اآلية‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬وإ ذا قلنا إن المراد بالروح هنا روح اآلدمي ـ كما هو قول جمع من علماء السلف في اآلية ـ فليس‬
‫فيها ما يدل على أن الروح غير مخلوقة‪ ،‬وأنها جزء من ذات اهلل كما يقال‪ :‬هذه الخرقة من هذا الثوب‪،‬‬
‫بل المراد أنها تُنسب إلى اهلل‪ ،‬ألنها بأمره تكونت‪ ،‬أو ألنها بكلمته كانت‪ ،‬واألمر في القرآن يذكر ويراد‬
‫به المصدر تارة‪ ،‬ويراد به المفعول تارة أخرى‪ ،‬وهو المأمور به‪ ،‬كقوله تعالى‪َ{ :‬أتَى َأ ْم ُر هّللا ِ فَالَ‬
‫أيضا‪ :‬إن لفظة { ِمنْ } في قوله‪ِ { :‬منْ َأ ْم ِر َربِّي }‬ ‫ستَ ْع ِجلُوهُ} (النحل‪ ،)1:‬أي المأمور به‪ ،‬ويمكن أن يقال ً‬
‫تَ ْ‬
‫(اإلسراء‪)85:‬؛ البتداء الغاية‪ ،‬ومعلوم أن { ِمنْ } تأتى لبيان الجنس‪ ،‬كقولهم‪" :‬باب من حديد"‪ ،‬وتأتى البتداء‬
‫َأ‬
‫الغاية‪ ،‬كقولهم خرجت من مكة‪ ،‬فقوله‪ِ { :‬منْ ْم ِر َربِّي} ليس ً‬
‫نصا في أن الروح بعض األمر أو من‬
‫جنسه‪ ،‬بل هي البتداء الغاية إذ كونت باألمر‪ ،‬وصدرت عنه‪ ،‬وهذا معنى جواب اإلمام أحمد ‪-‬رحمه‬
‫وح ِّم ْنهُ} يقول‪ :‬من أمره كان الروح‪ ،‬كقوله تعالى‪:‬‬ ‫وح ِّم ْنهُ} حيث قال‪َ { :‬و ُر ٌ‬ ‫اهلل‪ -‬في قوله‪َ { :‬و ُر ٌ‬
‫ج ِمي ًعا ِّم ْنهُ} (الجاثية‪)13 :‬‬ ‫ت َو َما فِي اَأْل ْر ِ‬
‫ض َ‬ ‫اوا ِ‬ ‫س َّخ َر لَ ُكم َّما فِي ال َّ‬
‫س َم َ‬ ‫{ َو َ‬
‫أيضا قوله تعالى‪َ { :‬و َما بِ ُكم ِّمن نِّ ْع َم ٍة فَ ِم َن هّللا ِ} (النحل‪ )53:‬فإذا كانت المسخرات والنعم من‬
‫ونظير هذا ً‬
‫وح ِّم ْنهُ} أنها‬
‫اهلل‪ ،‬ولم تكن بعض ذاته‪ ،‬بل منه صدرت‪ ،‬لم يجب أن تكون معنى قوله في المسيح‪َ { :‬و ُر ٌ‬
‫بعض ذاته‪( .‬راجع مجموع فتاوى شيخ اإلسالم‪)235-4/226 :‬‬

‫(الحجر‪)29 :‬‬ ‫ين}‬


‫اج ِد َ‬
‫س ِ‬‫{ونَفَ ْختُ فِي ِه ِمن ُّرو ِحي فَقَ ُعو ْا لَهُ َ‬‫الشبهة الثانية‪ :‬قوله تعالى في آدم ‪َ :‬‬
‫حنَا} (األنبياء‪)91:‬‬ ‫وقوله في مريم ‪ -‬عليها السالم ‪{ :-‬فَنَفَ ْخنَا فِي َها ِمن ُّرو ِ‬
‫فقالوا‪ :‬فقد أضاف اهلل الروح إلى نفسه‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫والجواب عن هذا كما قال شارح الطحاوية ‪-‬رحمه اهلل‪ :-‬ينبغي أن يعلم أن المضاف إلى اهلل تعالى‬
‫نوعان‪ :‬األول‪ :‬صفات ال تقوم بأنفسها‪ ،‬كالعلم والقدرة والكالم والسمع والبصر‪ ،‬فهذه إضافة صفة إلى‬
‫الموصوف بها‪ ،‬فعلمه وكالمه وقدرته وحياته صفات له‪ ،‬وكذا وجهه ويده سبحانه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إضافة أعيان منفصلة عنه‪ ،‬كالبيت والناقة والعبد والرسول‪ ،‬والروح‪ ،‬كقوله‪{ :‬نَاقَةَ هَّللا ِ‬
‫ين نَ ِذي ًرا} (الفرقان‪:‬‬‫ون لِ ْل َعالَ ِم َ‬ ‫س ْقيَا َها} (الشمس‪ ،)13 :‬وقوله‪{ :‬تَبَا َر َك الَّ ِذي نَ َّز َل ا ْلفُ ْرقَ َ‬
‫ان َعلَى َع ْب ِد ِه لِيَ ُك َ‬ ‫َو ُ‬
‫‪)1‬‬

‫وقوله‪َ { :‬وطَ ِّه ْر بَ ْيتِ َي لِلطَّاِئفِ َ‬


‫ين} (الحج‪ ،)26 :‬فهذه إضافة مخلوق إلى خالقه‪ ،‬لكن إضافة تقتضي‬
‫تخصيصا وتشريفًا‪ ،‬يتميز بها المضاف إلى غيره‪( .‬شرح الطحاوية‪ :‬ص ‪.)442‬‬ ‫ً‬

‫س‪ :‬ما هي أنواع النفس؟‬


‫أخبرنا الحق تعالى أن النفس ثالثة أنواع‪- :‬‬
‫(يوسف‪:‬‬ ‫س َأل َّما َرةٌ بِال ُّ‬
‫سو ِء ِإالَّ َما َر ِح َم َربِّ َي ِإنَّ َربِّي َغفُو ٌر َّر ِحي ٌم}‬ ‫النفس األمارة بالسوء‪ِ{ :‬إنَّ النَّ ْف َ‬
‫‪)53‬‬
‫س اللَّ َّوا َم ِة}‬
‫(القيامة‪)2 :‬‬ ‫{واَل ُأ ْق ِ‬
‫س ُم بِالنَّ ْف ِ‬ ‫والنفس اللوامة‪َ :‬‬
‫ضيَّةً (‪ )28‬فَاد ُْخلِي‬
‫ضيَةً َّم ْر ِ‬
‫ار ِج ِعي ِإلَى َربِّ ِك َرا ِ‬ ‫والنفس المطمئنة‪{ :‬يَا َأيَّتُ َها النَّ ْف ُ‬
‫س ا ْل ُم ْط َمِئنَّةُ (‪ْ )27‬‬
‫جنَّتِي} (الفجر‪)30-27 :‬‬ ‫فِي ِعبَا ِدي (‪َ )29‬واد ُْخلِي َ‬
‫وليس المراد أن لكل إنسـان ثالثة نفوس‪ ،‬وإ نما المـراد أن هذه صفـات وأحـوال ٍ‬
‫لذات واحدة‪ ،‬فإذا غلب‬
‫على النفس هواها بفعلها للذنوب والمعاصي فهي النفس األمارة بالسوء‪ ،‬والنفس اللوامة هي التي تذنب‬
‫تتلوم‪ ،‬أي تترد بين فعل الخير والشر‪،‬‬
‫وتتوب‪ ،‬سميت لوامة ألنها تلوم صاحبها على الذنوب‪ ،‬وألنها َّ‬
‫والنفس المطمئنة هي التي تحب الخير والحسنات وتريدها وتبغض الشر والسيئات وتكره ذلك‪ ،‬وقد‬
‫(رسالة العقل والروح البن تيمية)‬ ‫صار ذلك لها خلقًا وعادة وملكة‪.‬‬

‫وقال شارح الطحاوية ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬بعد أن ذكر أنواع النفوس‪ :‬والتحقيق‪ :‬أنها نفس واحدة لها صفات‪،‬‬
‫أمارة بالسوء‪ ،‬فإذا عارضها اإليمان صارت َّلوامة تفعل الذنب ثم تلوم صاحبها وتلوم بين الفعل‬
‫فهي َّ‬
‫(شرح الطحاوية‪ :‬ص ‪.)445‬‬ ‫والترك‪ ،‬فإذا قوى اإليمان صارت مطمئنة "‪.‬‬
‫س‪ :‬هل تموت الروح؟‬
‫تعرض شارح الطحاوية لهذه المسألة فقال‪ :‬واختلف الناس هل تموت الروح أم ال؟‬
‫جـ‪َّ :‬‬
‫(الرحمن‪:‬‬ ‫فقالت طائفة‪ :‬تموت ألنها نفس وكل نفس ذائقة الموت‪ ،‬وقد قال تعالى‪ُ { :‬ك ُّل َمنْ َعلَ ْي َها فَ ٍ‬
‫ان}‬
‫‪)26‬‬

‫وإ ذا كانت المالئكة تموت‪ ،‬فالنفوس البشرية أولى بالموت‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫وقال آخرون‪ :‬ال تموت األرواح‪ ،‬فإنها خلقت للبقاء‪ ،‬وإ نما تموت األبدان‪ ،‬قالوا‪ :‬وقد َّ‬
‫دل على ذلك‬
‫األحاديث الدالة على نعيم األرواح وعذابها بعد المفارقة إلى أن يدخلها اهلل في أجسادها‪.‬‬
‫والصواب أن يقال‪ :‬موت النفوس هو مفارقتها ألجسادها وخروجها منها‪ ،‬فإن أريد بموتها هذا القدر‪،‬‬
‫فهي ذائقة الموت‪ ،‬وإ ن أريد أنها تعدم وتفنى بالكلية فهي ال تموت بهذا االعتبار‪ ،‬بل هي باقية بعد خلقها‬
‫في نعيم أو في عذاب‪.‬‬
‫ون فِي َها ا ْل َم ْوتَ ِإاَّل ا ْل َم ْوتَةَ اُأْلولَى} (الدخان‪ )56 :‬وتلك الموتة‬
‫وقد قال تعالى عن أهل الجنة‪{ :‬اَل يَ ُذوقُ َ‬
‫هي مفارقة الروح للجسد "‪( .‬شرح الطحاوية‪)446:‬‬

‫ويقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬كما في "مجموع الفتاوى" (‪ :)4/279‬األرواح مخلوقة بال‬
‫شك‪ ،‬وهي ال تعدم وال تفنى‪ ،‬ولكن موتها بمفارقة األبدان‪ ،‬وعند النفخة الثانية تعاد األرواح إلى األبدان"‪.‬‬
‫اهـ‪.‬‬
‫وقد َّ‬
‫دل على ذلك األحاديث الدالة على نعيم األرواح وعذابها بعد المفارقة إلى أن يرجعها اهلل في‬
‫(الدخان‪)56 :‬‬ ‫ون فِي َها ا ْل َم ْوتَ ِإاَّل ا ْل َم ْوتَةَ اُأْلولَى}‬
‫أجسادها‪ ،‬وقد أخبر سبحانه أن أهل الجنة‪{ :‬اَل يَ ُذوقُ َ‬
‫(شرح الطحاوية‪)446:‬‬ ‫وتلك الموتة هي مفارقة الروح للجسد "‪.‬‬

‫وقال النووي ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬معلقًا على حديث النبي ﷺ عن الشهداء‪ ،‬والحديث في "صحيح مسلم"‬
‫وفيه‪" :‬أرواحهم في أجواف طير خضر‪ ،‬لها قناديل معلقة بالعرش‪ ،‬تسرح من الجنة حيث شاءت‪ ،‬ثم‬
‫تأوي إلى تلك القناديل "‪.‬‬
‫فقال النووي ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬قال القاضي عياض‪ ":‬إن األرواح باقية ال تفنى‪ ،‬فينعم المحسن‪ ،‬وي َّ‬
‫عذب‬ ‫ُ‬
‫المسيء‪ ،‬وقد جاء به القرآن واآلثار وهو مذهب أهل السَُّّنة‪.‬‬

‫س‪ :‬كيف نوفق بين األحاديث التي تدل على أن الروح تعاد إلى البدن للحساب؟ وبين‬
‫األحاديث التي فيها أن أرواح المؤمنين في الجنة وأن أرواح الكفار أو الفجارـ في النار؟‬
‫جـ‪ :‬جمع شيخ اإلسالم ابن تيمية بين النصوص كما في "مجموع الفتاوى" (‪ )5/247‬فقال‪ ":‬وأرواح‬
‫وي ْع َرج بها إلى‬
‫المؤمنين في الجنة‪ ،‬وإ ن كانت مع ذلك تعاد إلى البدن‪ ،‬كما أنها قد تكون في البدن‪ُ ،‬‬
‫نص على ذلك أحمد وغيره‬ ‫السماء كما في حال النوم‪ ،‬أما كونها في الجنة ففيه أحاديث عامة‪ ،‬وقد َّ‬
‫من العلماء‪ ،‬واحتجوا باألحاديث المأثورة العامة‪ ،‬وأحاديث خاصة في النوم وغيره وقد جاء في‬
‫الحديث الذي أخرجه ابن حبان عن أبي هريرة ‪ ‬والذي يذكر فيه‪ ":‬إن المؤمن يرى بعد السؤال‬
‫ذراعا‪،‬‬
‫ً‬ ‫فاجرا‪ ،‬قال‪" :‬ثم يفسح له في قبره سبعون‬
‫مقعده من الجنة ومقعده من النار لو كان كافر أو ً‬

‫‪52‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫وينور له فيه‪ ،‬ويعاد جسده كما ُب ِدئ‪ ،‬وتجعل نسمته في نسم طيب‪ ،‬وهي طير تعلق في شجر الجنة "‪.‬‬
‫وفي لفظ‪ ":‬وهو طير يعلق في شجر الجنة "‪ .‬وفي لفظ‪" :‬ثم يعاد جسده إلى ما بدئ منه "‪ .‬اه ـ ـ‪.‬‬

‫يقول الدكتور عمر سليمان األشقر‪-‬رحمه اهلل‪ -‬في "القيامة الصغرى" (ص ‪ ":)111‬فالروح كما يدل‬
‫طيرا يعلق بشجر الجنة إلى‬
‫عليه الحديث تعاد إلى الجسد بعد الرحلة إلى السماء‪ ،‬ثم تُ ْسَأل‪ ،‬ثم تكون ً‬
‫أن ُي ْب َعث العباد‪ ،‬ومع كونها في الجنة فإنه يبقى لها تعلق في الجسد‪ ،‬كحال اإلنسان في النوم‪ ،‬فإنها‬
‫تجول في ملكوت السماوات واألرض‪ ،‬مع أن لها تعلق بالجسد‪ ،‬وفقه هذا مبني على معرفة أن الروح‬
‫مخالفة لألجساد وللمعهود من حال المخلوقات الدنيوية "‪.‬‬

‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬كما في "مجموع الفتاوى" (‪ :)24/365‬ومع ذلك تتصل‬
‫بالبدن متى شاء اهلل تعالى‪ ،‬وهي في تلك اللحظة بمنزلة نزول الملك‪ ،‬وظهور الشعاع في األرض‪،‬‬
‫وانتباه النائم‪ .‬اهـ ـ‬

‫‪53‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫احذر هذه القصة فإنه ُمختَلَقة ُم ْفتَراة‪:‬‬


‫مناما لعمر بن الخطاب ‪ ‬بعد عام من وفاته وقول عمر له‪ ":‬هذا أوان فراغي‬ ‫قصة رؤية العباس ‪ً ‬‬
‫قال أبو حامد الغزالي في كتابه" إحياء علوم الدين"‪ :‬قال العباس ‪:‬‬
‫ودا لعمر فاشتهيت أن أراه في المنام‪ ،‬فما رأيته إال عند رأس الحول‪ ،‬فرأيته يمسح العرق عن‬
‫"كنت ً‬
‫رحيما "‪.‬‬
‫ً‬ ‫جبينه‪ ،‬وهو يقول‪ :‬هذا أوان فراغي‪ ،‬إن كان عرشي ليهد لوال أني لقيته رءوفًا‬
‫(إحياء علوم الدين‪)4/539 :‬‬
‫هذه قصة باطلة ذكرها الغزالي في " إحياء علوم الدين" بال سند‪ .‬وهذا المتن باطل‬
‫ص َّور أن الفاروق عمر ‪ ‬الذي قال فيه ‪ -‬وفي أبي بكر ‪ - ‬النبي ﷺ‪ ":‬هذان من الدين‬
‫إذ كيف ُيتَ َ‬
‫السمع والبصر"‪.‬‬
‫كيف ُيتَصور أنه ال يفرغ من حسابه إال بعد عام كامل؟!!! إذن فما ُيفعل في بقية األمة؟! فذ ْكر هذه‬
‫القصص وأمثالها يسيء إلى قدر الصحابة وعلو مكانتهم‪.‬‬
‫ورحم اهلل من قال‪ :‬لوال اإلسناد لقال من شاء ما شاء‪.‬‬
‫فننبه إخواننا من قصص القُصَّاص التي تنال من قمم الجبال‪.‬‬

‫وللحديث بقية‪-‬إن شاء هللا تعالى‪ -‬مع " أول ليلة في القبر وأهوال القبور "‪.‬‬

‫وبعد‪...‬‬
‫فهذا آخر ما تيسَّر جمعه في هذه الرسالة‪.‬‬
‫مني بقب ــول حس ــن‪ ،‬كما أس ــأله س ــبحانه وتع ــالى أن‬ ‫وأس ــأل اهلل– تع ــالى‪ -‬أن يكتب لها القب ــول‪ ،‬وأن َّ‬
‫يتقبلها ّ‬
‫ومن أعان على إخراجها ونشرها‪......‬إنه ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬ ‫ينفع بها مؤلفها وقارئها‪َ ،‬‬

‫‪54‬‬
‫أسئلة وأجوبة حول القبر‬

‫هــذا وما كــان فيها من صــواب فمن اهلل وحــده‪ ،‬وما كــان من ســهو أو خطأ أو نســيان ِّ‬
‫فمني ومن الشــيطان‪،‬‬
‫ـوابا فـادعُ‬
‫واهلل ورسوله منه براء‪ ،‬وهذا شأن أي عمل بشـري فإنه يعتريه الخطأ والصـواب‪،‬ـ فـإن كـان ص ً‬
‫لي بالقبول والتوفيق‪ ،‬وإ ن كان ثم خطأ فاستغفر لي‪:‬‬
‫ج ّل من ال عيب فيه وعال‬ ‫وإ ن وجدت العيب فسد الخلال‬
‫نصيبا‬
‫ً‬ ‫خالصا‪ ،‬وال تجعل ألحد فيه‬
‫ً‬ ‫صالحا ولوجهك‬
‫ً‬ ‫فاللهم اجعل عملي كله‬
‫والحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلّى اهلل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫هذا واهلل – تعالى– أعلى وأعلم‪.‬‬

‫سبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬أشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬أستغفرك وأتوب إليك‬

‫‪55‬‬

You might also like