Professional Documents
Culture Documents
فوح الشذا بشرح قطر الندى
فوح الشذا بشرح قطر الندى
برشح ق ْط ِر النَّدى
ت ْألِيفِ
(ت)761 :
َشح:
ْ
الدرس األول
احلمد َّلل رب العاملني ،والصالة والسالم عىل نبينا ُممد وعىل آله وأصحابه أمجعني ،أما
بعد:
فسالم اَّلل عليكم ورمحته وبركاته حياكم اَّلل وبياكم يف هذا الدرس األول من دروس َشح
متن «قطر الندى وبل الصدى» البن هشام -عليه رمحة اَّلل.-
ٍ
وأربعَمئة وألف نحن يف ليلة األربعاء الرابع عرش من مجادى األوىل من سنة تس ٍع وثالثني
من هجرة احلبيب املصطفى -عليه الصالة والسالم -يف جامع منرية الشبييل بحي فالح يف مدينة
الرياض ،واملأمول -بإذن اَّلل -كَم ذكر اإلمام أن ننتهي من َشح هذا الكتاب يف هذا الفصل -
بإذن اَّلل تعاىل.-
املؤلف ابن هشام -رمحه اَّلل تعاىل -علم من أعالم النحويني ،هو أبو ُممد عبد اَّلل بن
يوسف بن أمحد بن هشام األنصاري املرصي الشافعي ثم احلنبيل ،تويف -رمحه اَّلل -سنة إحدى
وستني وسبعَمئة أي يف القرن الثامن.
أما عبارته األخرية أنحى من سيبويه فهذه مبالغة أراد هبا فقط بيان مكانة ابن هشام -رمحه
اَّلل -يف العربية.
أثر
ابن هشام -رمحه اَّلل -كابن مالك كان من مدريس النحو ،وكان لكثرة تدريسه النحو ٌ
كتب جعلها لتعليم العربية
ٌ كبري يف طريقة تأليفه ،ويف نوعية الكتب التي ألفها؛ فمَم أ َّلف
الشيخ /سليمان العيوني 3
بالتدريج ،فأ َّلف للمبتدئني« :شذور الذهب» وَشحه ،وألف للمتوسطني« :قطر الندي»
وَشحه ،وألف للكبار« :أوضح املسالك إىل ألفية ابن مالك» ومل يرشحه ،وألف للمنتهني
واملتخصصني« :مغني اللبيب إىل كتب األعاريب» ،وهو أعظم كتبه وأمهها شأناا.
أما الكتاب املرشوح فهو "قطر الندى وبل الصدى" من أشهر املتون يف هذا العلم الرشيف
نحوي ألف للمتوسطني يف هذا العلم ،واملراد
ٌّ كتاب
ٌ كثريا فيقال :القطر؛
علم النحو ،وخيترص ا
باملتوسطني :من انتهى من ٍ
متن صغري« :كاآلجرومية» ،أو «النحو الصغري» ،ثم أراد بعد ذلك
أن يتوسع يف هذا العلم فينتقل إىل ٍ
متن من املتون املتوسطة كـ «قطر الندى» البن هشام.
كتب أخرى ،وإن كانت تتميز بأشياء عن القطر ،أو تتخلف عن القطر يف أشياء
ويف مستواه ٌ
خلالد األزهري؛ وهو قريب السيوطي ،وكذلك «ملحة اإلعراب» للحريري ٍ منها« :األزهرية»
األديب ،إال أن هناك فرو اقا بني هذه الكتب ،فـ «قطر الندى» البن هشام أكثر املسائل منهَم،
وأدق عبارة ،إال أنه أعقد يف فك العبارة منهَم ،وهذا جيعله متع ابا لبعض الطالب الذين يريدون
كثريا بعبارات النحويني.
النحو ،وال هيتمون ا
وأما «األزهرية» :فهي أقل مسائل من القطر ،ولكنها أسلس عبارة وأوضح ،وزادت عىل
القطر مسائل مهمة ،وخاص اة فيَم يتعلق بأحكام اجلملة ،وأشباه اجلملة ،اللذين أغفلهَم ابن
هشام مع أهنَم مهَمن للمتوسطني يف هذا العلم.
وأما «ملحة ا إلعراب» :فهي أقل مسائل منهَم ،لكنها زادت عليهَم االهتَمم بذكر بعض
األساليب اللغوية التي تدخل يف أبواب النحو التي َشحها ،كَم أهنا منظومة سلسة جدا ا،
نثرا كَم هو معلوم.
والكتابان اآلخران ا
خمترصا ً
خمال، ا ونحن يف هذا الرشح -بإذن اَّلل -سنحرص عىل أن يكون الرشح متوس اطا ال
طويال ا
ممال ،وسنحرص عىل أن نرشح ما زاده ابن هشام يف هذا الكتاب عىل ما يف كتب ا وال
4 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
املبتدئني :كـ «اآلجرومية» ،و«النحو الصغري» ،أما ما َشح من قبل للمبتدئني فلن نطيل
الوقوف عنده ،وقد نتجاوزه؛ ألن الوقت ال يسمح بأن نرشح كل ما يف الكتاب بالتفصيل،
وخاص اة األمور املقرورة يف النحو؛ ليتنبه إىل ذلك.
من كل ما سبق :نعرف أن هذا الكتاب وهذا الرشح املعقود يف هذا اجلامع ال يناسب
املبتدئني ،وال أنصح املبتدئني بحضوره؛ ألهنم قد جيدون فيه شيئاا من الصعوبة والوعورة التي
ٍ
بكتاب صغري ،وَشحٍ خمترص يف النحو قبل أن ال تناسب مستواهم؛ فاملبتدئ جيب أن يبتدأ
يصل إىل مثل هذا الكتاب ومثل هذا الرشح.
واآلن نبدأ بالدخول إىل الكتاب ،وقبل أن نقرأ فيه بالتفصيل أريد أن نلقي نظر اة عامة عىل
الكتاب لنتعرف عىل كيفية ترتيبه ،كيف رتب ابن هشام النحو يف هذا الكتاب؟ وإن كانت أكثر
كتب النحويني املتأخرين بعد ابن مالك -رمحه اَّلل -متأثر اة برتتيب ابن مالك ،إال أن هناك
بعض االختالفات التي قد تقل أو تكثر يف بعض الكتب.
بعد أن انتهى من األحكام النحوية اإلفرادية ذكر األحكام النحوية الرتكيبية؛ يعني األحكام
التي ال تستحقها الكلمة إال إذا أدخلت يف مجلة ،فلهذا قد تتغري هذه األحكام بتغري موضع
الكلمة يف اجلملة ،وَشح ذلك أننا لو رأينا ا
مثال إىل كلمة (رجل) وقلنا:
وهل (رج ٌل) اسم نكرة أم معرفة؟ نكرة هذا حكم إفرادي.
وهل (رج ٌل) معرب؟ يعني حركة آخره تتغري أم مبني؟ يعني حركته ثابتة؟ هذا معرب.
ولكنني لو سألت عن (رج ٌل) فقلت :هل هو فاعل أم مبتدأ؟ فاجلواب :ال فاعل ،وال
مبتدأ؛ ألن الفاعل ما فعل الفعل ،وكلمة (رجل) هنا ما دلت عىل من فعل ا
فعال ما ،ألنه مل يذكر
ا
مبتدأ؛ ألن املبتدأ له خرب نحن لن نخرب عن الرجل بيشء ،فمبتدأ معها فعل ا
أصال ،وليست
وخرب هذه أحكام تركيبية يعني ال بد أن تكون الكلمة يف مجلة لكي تكتسبها الكلمة ،ومع ذلك
كريم) اختالف موضعها يف
ٌ ا
مبتدأ يف( :الرجل الرجل) ،وقد تكون قد تكون ا
فاعال يف( :جاء َّ
ا
مفعوال به أو غري ذلك من أعاريب االسم. اجلملة ،ومع ذلك قد تكون
إذن فهذه األعاريب ،هذه األحكام التي ال تكتسبها الكلمة إال إذا دخلت يف مجلة نسميها
األحكام الرتكيبية ،والنحويني يذكروهنا بعد األحكام اإلفرادية التي هي أحكام ثابتة للكلمة،
هذا هو الرتتيب اإلمجايل البن مالك ومن تبعه كابن هشام.
أما الرتتيب التفصييل الذي سلكه ابن هشام -رمحه اَّلل تعاىل -يف هذا الكتاب فكالتايل:
ا
أوال :ذكر الكلمة وأنواعها :يعني انقسامها إىل اس ٍم وفعل وحرف.
ثم ذكر اإلعراب والبناء وأنواع اإلعراب وعالمات اإلعراب.
ثم تكلم عىل إعراب الفعل املضارع ،وهذا ربَم مما متيز هبذه الكتاب تقديم إعراب
فكثري من الكتب تؤخر الكالم عليه وبعض الكتب تقدم الكالم
ٌ الفعل املضارع،
عليه؛ كالقطر ،وكاآلجرومية.
ٍ
نكرة ومعرفة. بعد ذلك تكلم عىل النكرة واملعرفة؛ انقسام االسم إىل
6 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
وهنا :ينتهي الكالم عىل األحكام اإلفرادية ،لينتقل إىل األحكام الرتكيبية التي ال تكون إال
يف مجلة ،فلهذا سيبدأ باجلملة االسمية وأحكامها النحوية ،فيذكر املبتدأ واخلرب ويذكر نواسخ
االبتداء :كان وأخواهتا ،وإن وأخواهتا ،وظننت وأخواهتا.
ثم ينتقل إىل اجلملة الفعلية ويذكر أحكامها النحوية؛ فيذكر الفاعل ونائب الفاعل،
واالشتغال ،والتنازع ،واضح أن باب االشتغال وباب التنازع مما زاده القطر عىل كتب املبتدئني
كـ«اآلجرومية».
اآلن انتهينا من اجلملة االسمية ،وانتهينا من اجلملة الفعلية ،ماذا بقي؟ اآلن سيتكلم عىل
مكمالت اجلملتني:
موضوعا زاده عىل كتب املبتدئني وهو االسم العامل عمل فعله ،األسَمء
ا -ثم ذكر
التي قد تعمل عمل أفعاهلا؛ فرتفع الفاعل ،وتنصب املفعول به ،فذكر :اسم الفعل،
واملصدر ،واسم الفاعل ،واسم املفعول ،وصيغ املبالغة ،وذكر الصفة املشبهة ،واسم
التفضيل ،هذه األسَمء قد تعمل عمل فعلها فرتفع الفاعل وتنصب املفعول به.
-ثم ذكر مكمالت اجلملة التوابع وجعلها مخسة فذكر :النعت ،والتوكيد ،وعطف
البيان ،وعطف النسق ،والبدل.
-ثم ذكر بعد ذلك يف آخر الكتاب بعض األحكام النحوية اخلاصة يرى أهنا مهمة
وحيتاج إليها الطالب واملتوسط؛ فذكر الكالم عن :العدد ،واالسم املمنوع من
الرصف ،والتعجب ،والوقف (أحكام الوقف)؛ يعني كيف تقف عىل الكلمة؟
-ثم ختم هذا الكتاب املبارك ببعض أحكام الرسم واإلمالء ،ذكر بعض األحكام
التي تتعلق بطريقة الكتابة ،واإلمالء.
فهذا هو الرتتيب التفصييل هلذا الكتاب قبل أن نبدأ بقراءته وَشح ما تيرس منه -رمحه اَّلل-
رمح اة واسعة ،بعد ذلك نبدأ بقراءة الكتاب وَشح ما تيرس منه.
8 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
فبدأ ابن هشام هذا املتن بتعريف الكلمة وبيان أنواعها فقال« :ا ْلكلِمة ق ْو ٌل م ْفر ٌد»:
عموما -يبدأون كتبهم بتعريف الكلمة ،أو بتعريف الكالم فلَمذا يفعلون
ا النحويون -
ذلك؟
اجلواب :لكي يبينوا موضوع النحو ،وموضوع النحو يعني اليشء الذي يبحث فيه النحو
ويدرسه لكل عل ٍم موضوع ،فالتفسري موضوعه كالم اَّلل ،وامليكانيكا موضوعه اآلالت
وهكذا ،النحو ما موضوعه الذي يدرسه ويبحث فيه ويطبق عليه؟ الكلمة والكالم ،فهو ال
يطبق عىل األبواب ،وال عىل البيوت ،وال يطبق عىل األشخاص ،النحو ال عالقة له بالذوات
واألشخاص ،النحو مطبق عىل الكالم والكلمة يف تعريف النحويني واصطالحهم ،فلهذا
يبدأون النحو بتعريف الكلمة ،أو بتعريف الكالم.
وابن هشام هنا بدأ بتعريف الكلمة فقال« :ق ْو ٌل م ْفر ٌد»
القول :هو احلروف امللفوظة من الفم؛ حروف ،يعني لو خرجت أصوات أخرى من الفم
ليست بحروف فليست ا
قوال ،وال تطبق أحكام النحو عليها ،ال بد أن تكون حرو افا فالرصاخ
والضحك ال تطبق أحكام النحو عليها ،ال ترفع وتنصب يف الضحك ويف الرصاخ ونحو ذلك،
وال بد أن يكون هذا الصوت هذه احلروف خارجة من الفم هذا معنى قوله« :ق ْو ٌل».
أما «م ْفر ٌد» فيعني ليس مرك ابا؛ ألن املركب هو اجلملة الكالم كَم سيأيت ،فهذا هو معنى
الكلمة يف اصطالح النحويني.
الشيخ /سليمان العيوني 9
وأما الكلمة يف اصطالح اللغويني يعني يف لغة العرب عند العرب يف كالمهم ويف املعاجم،
فهي قد تطلق عىل الكلمة املفردة الواحدة ،وقد تطلق عىل الكالم كَم يف قوله تعاىلَ ﴿ :ح َّق ْ
ت
ك﴾ [يونس ]33:مع أنه قالَ ﴿ :ك ََّّل إِنَّ َها َكلِ َمةٌ ُه َو قَائِلُ َها﴾ [املؤمنون ]100:فقال أكثر من
َكلِ َمةُ َربِّ َ
مجلة ،وتقول :ألقى الواعظ كلم اة يف املسجد ،وال إله إال اَّلل كلمة التوحيد ،وهكذا.
مهم جدً ا إن مل يكن أهم حكم يف النحو؛ فلهذا نقول :إن التفريق
والتفريق بني أنواع الكلمة ٌ
بني أنواع الكلمة هي الرضورة األوىل يف النحو ،ومعنى كون اليشء رضورة أنه ال بد منه طلب
منك أو مل يطلب ،يعني أمر ال بد أن تعمله آل ايا قبل أي حكم نحوي ،قبل أن تصدر أي حكم
اسم أم ٌ
فعل أم نحوي أو تعرب مباَشة يف ذهنك ال بد أن حتدد كلمة نوع الكلمة ،هل هي ٌ
حرف؟
10 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
فاالسم له أحكامه وإعرابه ،وكذلك الفعل ،وكذلك احلرف ،فإن أخطأت يف نوع الكلمة؛
فمعنى ذلك أنك أخطأت يف أول الطريق فستضيع فال بد من االهتَمم البالغ هبذه املسألة ،ال بد
من التفريق بني األسَمء واألفعال واحلروف.
فلهذا ينتقل النحويون -كَم فعل ابن هشام هنا -مباَشة إىل كيفية التمييز بني أنواع
الكلمة ،االسم والفعل واحلرف ،فذكر ابن هشام العالمات املميزة التي متيز بني أنواع الكلمة.
عالمات مميز ٌة كثرية متى ما قبلت الكلمة واحدا ا من هذه العالمات املميزة كان
ٌ االسم له
اسَم ،وقد أوصلوها إىل أربعني عالمة وأكثر. ا
دليال عىل كوهنا ا
ونكتفي بأهم هذه العالمات التي تكفينها يف حرص كل األسَمء ومتييزها عن األفعال
ٍ
بطريقة دقيقة ،فذكر عالم اة قبل االسم ،وذكر عالم اة بعد واحلروف ،ابن هشام هنا انتقاها
االسم وهاتان العالمتان عالمتان لفظيتان ،وأما العالمة الثالثة فعالمة معنوية.
أما العالمة األوىل :وهي التي قبل االسم :فهي قبوله (ال) وهذا َشح من قبل ،ومثل
ٍ
كلمة تقبل هذه العالمة اللفظية السابقة قبول النداء ،وقبول حروف اجلر ،فكل
اسم.
قبلها (ال) أو حرف النداء أو حرف جر فهي ٌ
وأما العالمة الثانية :التي ذكرها ابن هشام وهي بعد االسم فهي قبوله التنوين؛
والتنوين يقع بعد الكلمة ،ومثل ذلك قبول الكلمة لعالمة اجلر وهي الكرسة التي
سواء تنوين الرفع أو النصب أو اجلر ٍ
كلمة قبلت التنوين أحدثها عامل اجلر ،فكل
ا
الشيخ /سليمان العيوني 11
ألن اللغات كل اللغات إنَم يتم اإلفهام فيها بعملية اإلسناد ،أن تسند شيئاا إىل يشء فتأيت
الفائدة بذلك ،مثال ذلك :لو أردت إسناد النجاح إىل (ُم ْمد) ،ماذا تقول؟ (نجح ُم ْمدٌ ).
ما معنى (نجح ُم ْمدٌ ) من حيث اإلسناد؟ أسندت ماذا إىل ماذا؟
أسندت النجاح إىل (ُممد) ،فالنجاح مسندٌ أم مسندٌ إليه؟ هو املسند ،واملسند إليه الذي
اسَم ،وال
أسندت إليه النجاح (ُممد)ُ( ،ممد) هنا فاعل مسندٌ إليه ،واملسند إليه ال يكون إال ا
يمكن أن تسند إال إىل اسم.
عرب عن هذا املعنى نفسه إسناد النجاح إىل ُممد ،لكن بجملة اسمية تبدأ باسم تقول:
ي
مثالُ( ،م ْمدٌ ن ِ
اج ٌح) ما معنى اجلملة من حيث اإلسناد؟ أنك أسندت النجاح إىل (ُم ْمدٌ ن ِ
اج ٌح) ا
ُممد ،فاملسند (النجاح) عرب عنه هنا بناجح ،واملسند إليه (ُممد) وهو يف هذه اجلملة مبتدأ،
اسَم كَم رأيتم.
فاملسند إليه ال يكون إال ا
ُممد يف اجلملتني؛ فـ(ُممد) يف االسمية مبتدأ ،و(ُممد) يف الفعلية فاعل.
12 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
فلهذا عرفنا أن ُممد يف (نجح ُم ْمدٌ ) اسم؛ ألنك أسندت النجاح إليه.
فإذا قلت( :نج ْحت) أسندت النجاح إىل م ْن؟ إىل نفسك ،أين أنت يف اجلملة؟ أنت ذات،
شخص النحو ما له عالقة بالذوات والشخوص ،له عالقة بالكلَمت ،أين أنت يف الكلَمت يف
قولك :نجحت؟ هذه التاء نقول :تاء الفاعل ،فتاء الفاعل يف نجحت اسم أم حرف؟ اسم ،ما
الدليل؟
ٍ
وفعل ثم بعد أن انتهى ابن هشام من هذه املسألة وهي أنواع الكلمة وانقسامها إىل :اس ٍم
ٍ
معرب ومبني. ٍ
مسألة أخرى؛ وهي الكالم عىل انقسام االسم إىل وحرف ،انتقل إىل
لكن ال يفتح النحو إال هبذا الباب ،ال يفتح النحو إال هبذا املفتاح ،هذا الباب :باب املعرب
واملبني ،هذا الباب باب املعرب واملبني ستحتاج إليه مجيع أبواب النحو القادمة دون استثناء؛
بمعنى أن كل ما سيدرس يف هذا الباب جيب أن تطبقه يف مجيع أبواب النحو القادمة ،أنت
مطالب بتطبيقه يف مجيع أبواب النحو القادمة ،فإذا أخفقت يف فهمه وإتقانه معنى ذلك أنك
ستخفق يف مجيع أبواب النحو القادمة.
نحن ا
مثال عندما نصل إىل باب الفاعل سنرشح املعلومات اجلديدة التي يف هذا الباب
تعريف الفاعل وكذا ،وأنواع الفاعل ،أما ما يتعلق بإعراب الفاعل أهم مسألة يف الباب ،كيف
تعرب الفاعل؟ ما عالمات إعراب الفاعل؟ هذا لن يقال يف باب الفاعل ،وال يقوله النحويون
يف باب الفاعل ،ملاذا؟ ألنه درس يف هذا الباب :باب املعرب واملبني.
نعم كتب النحو القديمة كلها ال تذكر اإلعراب يف هذا الباب ،ال ختصه بكالم؛ يعني ال
تبني أركانه ومصطلحاته وطريقة اإلعراب بأهنم صار عندهم يف عرفهم أن هذا مما يأخذه
الطالب من الشيخ بالتلقي ،بخالف األحكام واملعلومات النحوية فهي تكتب يف الكتب يقرأها
الطالب ويرشحها األستاذ ،أما اإلعراب فهو مما يؤخذ بالتلقي ،فلهذا ال جتد يف كتب النحو
كالما عىل طريقة اإلعراب كيف تعرب ،أركان اإلعراب ،مصطلحات اإلعراب؟
ا
فلهذا رأيت أنه من املناسب أن أؤ يلف رسال اة خاص اة باإلعراب ختتلف عن النحو ،اإلعراب،
ٍ
وقت طويل أركان اإلعراب ،مصطلحات اإلعراب ،طريقة اإلعراب وهي منشورة منذ
14 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
التعريف العام والتفريق العام بني املعرب واملبني أن الكلمة التي تتغري حركة آخرها،
واملبني هي الكلمة التي يلزم آخرها حرك اة واحدة ،وال تتغري وال تتأثر باإلعراب.
قلَم) بالفتحة،
قلم) بالضمة ،و( ا
فلهذا نقول يف كلمة( :قلم) كلمة معربة؛ ألنك تقولٌ ( :
و(قل ٍم) بالكرسة ،أو (القلم) ،و (القلم) ،و(القل ِم) ،هذه آخرها يتغري.
ٍ
جلوس)،لوسا) ،و( وكذلك يف (ُممدٌ ) ،و(ُممدا ا) ،و( ٍ
جلوس) ،و(ج ا
ٌ ُممد) ،و(
ٍ
جالس) الكلَمت هذه معربة. جالسا) ،و(
جالس) ،و( ا
و( ٌ
وكذلك يف( :الطالبان ،والطالبني) ،وكذلك يف( :املجتهدون ،واملجتهدين) هذه كلَمت
تتأثر باإلعراب يتغري آخرها بسبب اإلعراب ،نقول :كلَمت معربة.
ِ
هؤالء) ما يقال يف اللغة( :هؤالء أو هؤالء) حتى ولو جعلت الكلمة أما املبنية فنحو( :
ِ
هؤالء) ،يعني أهنا ال فاعال ،والفاعل حكمه الرفع ال تقول( :جاء هؤالء) ،لكن تلزم (جاء ا
تتأثر باإلعراب وإنَم تلزم حرك اة واحدة هذه احلركة ال تتأثر باإلعراب وال تتغري.
تشبيها باجلدار املبني؛ فهو اليوم وأمس وغدا ا كَم هو مل يتأثر ومل
ا oاملبني سمي مبن ايا
يتغري.
الشيخ /سليمان العيوني 15
oاملعرب سمي معر ابا ملاذا سمي املعرب معر ابا؟ قالوا :املعرب يف اللغة هو الواضح
املبني من قولك :أعربت عَم يف نفيس فإذا أعربت عَم يف نفسك صار الذي نفسك
واضحا معر ابا مبيناا؛ يعني أن الكلمة هذه املعربة كلمة واضحة أو غامضة عىل ٍ
حينئذ
ا
ذلك ،يقول :كلمة واضحة ،ما الواضح فيها؟ الواضح فيها إعراهبا ،حكمها
اإلعراِب؛ ألن العرِب منذ أن يسمع (ُممدٌ ) يعرف مباَشة أن هذه الكلمة حكمها
الرفع هذه مرفوعة حتى ولو مل يتأمل فيَم قبلها ،وإذا سمع (ُممدا ا) عرف أن حكمها
ُممد) رفع أن حكمها اجلر. النصب ،ولو سمع ( ٍ
واضحا؟
ا ملاذا كانت واضح اة وكان إعراهبا
اجلواب :لوجود حركة تتأثر هبذا اإلعراب ،وتنسجم معه ،ففي الرفع ضمة ،ويف النصب
فتحة ،ويف اجلر كرسة ،ويف اجلزم سكون ،فمنذ أن تسمع الضمة تعرف أنه مرفوع ،أو الفتحة
فتعرف أنه منصوب وهكذا.
إذن جمرد اللفظ دون التأمل يف اجلملة ،ويف املعنى جمرد لفظ الكلمة يعلمك بإعراهبا
وحكمها اإلعراِب هذه واضحة ،خالص معناها واضح إعراهبا واضح؛ ألن اإلعراب مرتبط
باملعنى املعنى وليد اإلعراب ،فعندما يسمع العرِب نحو قولنا( :أ ْكرم ُم ْمدٌ خالِدا ا) مباَشة دون
مزيد تفكري وإجهاد يعرف الفاعل من املفعول به؛ يعني يعرف ِ
املكرم من املكرم.
يعني العرِب القديم الفصيح ما يعرف النحو ومصطلحات النحو مرفوع وفاعل ،لكن
املكرم واملكرم ،إذا قلت( :أكْرم ُم ْمدٌ خالِدا ا) ،عرف مباَشة أن (ُم ْمدٌ ) امل ِ
كرم، ِ يعرف
16 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ٍ
وجهد ،ألن (ُم ْمدٌ ) يف مصطلح النحويني مرفوع؛ إذن فاعل، ٍ
تفكري و(خالِدا ا) املكرم دون مزيد
و(ُممدا ا) منصوب يعني مفعول به.
هؤالء) ،ويف النصب (هؤ ِ
الء) ،ويف ِ ِ
هؤالء) لو كان حكمه الرفع ( لكن يف املبنيات إذا قلت( :
ِ
هؤالء) ،فهل لفظ هذه الكلمة يدل عىل إعراهبا؟ اجلر (
ال يدل عىل إعراهبا ،ما يف أي عالقة بني إعراهبا ولفظها ،فلفظها ال يدل عىل إعراهبا ،فلو
ٍ
بلفظ واحد عىل السواء. ا
مفعوال به تكون كانت ا
فاعال أو
مفعول به؟ ِ
مكرم أو ٌ فلهذا ال بد أن تفهم املعنى وما قبلها لكي تعرف هل هي فاعل أم
ٍ
حينئذ إال أن جتعل األول فاعل مكرم ال بد أن تفهم املعنى جيدً ا ،ولو مل تفهم املعنى فليس لك
ا
مفعوال به. والثان
ِ
سيبويه) من امل ِ
كرم؟ هل اللفظ يف (هؤالء) أو يف (سيبويه) يدل عىل فإذا قيل( :أ ْكرم هؤال ِء
ا
مفعوال به. الفاعل املرفوع؟ ما يف ،إذن ليس لك إال أن جتعل األول ا
فاعال والثان
فلهذا يمكن لألول الذي قال( :أ ْكرم ُم ْمدٌ خالِدا ا) أن يترصف يف الكالم فيقول( :أكْرم
واضحا نعرف ِ
املكرم من املكرم ،ملاذا؟ ألن ألفاظ هاتني الكلمتني ا خالِدا ا ُم ْمدٌ ) ويبقى املعنى
واضحة ،إعراهبا واضح ،معناها واضح معربة.
ِ
سيبويه) فليس له إال أن يقدي م الفاعل ،وأن يؤخر املفعول بخالف الذي يقول( :أكْرم هؤال ِء
ِ
هؤالء حذا ِم)؛ ألن (حذام) ت دل دليل آخر غري اللفظي ،كأن يقول ا
مثال( :أكْرم ْ به إال إن َّ
الفاعل ولو تأخرت؛ ألن الفعل مؤنث إذن فالفاعل مؤنث وهكذا ،فلهذا سمي املعرب معر ابا،
وسمي املبني مبن ايا.
الشيخ /سليمان العيوني 17
أما يف تعريف النحويني العلمي للمعرب فهو ما ذكره ابن هشام هو ما يتغري آخره بسبب
العوامل الداخلة عليه ،واملبني بخالفه ،نعم هذا الذي قلته ،قلت أكثره يف َشح املبتدئني لكني
مهَم فنقول :املعرب هو الذي يتغري حركة آخره ،لكن هنا قيد تتغري
أمرا ا
أعدته ألمهيته ،هنا نزيد ا
ٍ
بسبب معني ،وهو تغري إعرابه ،تغري العوامل الداخلة عليه. حركة آخره
ففي قولك( :جاء ُم ْمدٌ ) ،رفعناه ألنه فاعل( ،جاء) ت ْطلب ُممدا ا ا
فاعال ،رفعنا (ُممدٌ )،
ا
مفعوال به ،ويف: لكن (أكْر ْمت ُممدا ا)ُ( ،ممدا ا) منصوب ألن (أكْر ْمت) تطلب (ُممدا ا)
(س َّل ْمت عىل ُم ْم ٍد)ُ( ،م ْم ٍد) جمرور ألن (عىل) حرف جر جير االسم الذي بعده.
نعم (ُممد) تغريت حركة آخره ،لكن ملاذا تغريت حركة آخره؟ بسبب اختالف العوامل
اإلعرابية الداخلة عليه.
ٍ
بسبب آخر غري تغري اإلعراب ،غري تغري لو وجدنا كلمة تغريت حركة آخرها ،لكن تغريت
العوامل العربية الداخلة عليها ،فال نسميها معربة.
مثال ذلك( :رضب) فعل مايض ،وآخره -كَم تسمعون -مفتوح (رضب)؛ صله بـ (واو
اجلَمعة) (رضبوا) ،الباء يف (رضبوا) مفتوحة وال مضمومة؟ مضمومة ،آخر الفعل (رضب)
تغريت حركته أم مل تتغري؟ تغريت حركته ،لكن ال نسميه معر ابا ،ملاذا؟ ألن التغري هنا ليس
بسبب اختالف اإلعراب؛ يعني ليس بسبب اختالف العوامل اإلعرابية الداخلة عليه ،وإنَم
ٍ
ألسباب أخرى.
فـ (رضب) هذا فعل مايض مبني عىل الفتح؛ ألن األفعال املاضية تبنى عىل الفتح ،فأما
(رضبوا) األصل (رضب ْوا) ثم ضممنا الباء ال من أجل اإلعراب ،ولكن من أجل مناسبة واو
اجلَمعة ،فقلنا( :رضبوا).
18 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
إذن التغيري هنا :ليس بسبب العوامل الداخلة عليه؛ يعني العوامل اإلعرابية الداخلية عليه،
وإنَم بسبب مناسبة صوتية فال يعد مثل ذلك معر ابا.
قال( :وامل ْبن ِ يي بِخالفِ ِه)؛ يعني أن املبني يشمل الكلَمت التي حركاهتا ثابتة ما تتغري أبدا ا،
ٍ
ألسباب غري اختالف العوامل اإلعرابية مثل: (هؤالء) ،أو الكلَمت التي تتغري حركاهتا ِ مثل:
أيضا مبني.
(رضب ،رضبوا) هذا ا
ثم ذكر ابن هشام -رمحه اَّلل تعاىل -أنواع االسم املبني ،فقال:
لزوم ا ْلفتْحِ ،وكق ْبل وب ْعد وأخو ِاهتَِم يف لزوم الضم إِذا ح ِذف املضاف إِل ْيه ون ِوى م ْعناه ،وكم ْن
ون وهو أصل ا ْلبِن ِ السك ِ
اء» ْ وك ْم يف لزو ِم ُّ
فذكر ابن هشام أن االسم املبني أربعة أنواع بحسب ما يبنى عليه.
ٍ
خمتلف فيهَم بني العرب ومها« :حذا ِم مبني عيل الكرس ،وم َّثل له بمثالني
هؤالء :اسم إشارة ٌّ
وأ ْم ِ
س» .
فحذام يف املوضعني فاعل ،ومع ذلك مل تتأثر باإلعراب ألهنا عندهم مبني ٌة عىل الكرس.
يقولون( :جاءت حذام مرسع اة) ،و(رأيت حذام مرسع اة) ،و(سلمت عىل حذام) هذا
اليوم.
دائَم ِ
وما براء كـ (ظفار)؛ فيبنيه عىل الكرس ا فرق بينَم كان خمت ا
فصل وي يوبعضهم ي ي
خمتوما براء كـ (حذامِ ،ورق ِ
اش) فيعربه إعراب ما ال ينرصف ،فهذا ا كاحلجازيني ،وبينَم ليس
خالف العرب يف مثل هذا الباب باب حذامِ.
املتكلم سيقول :نأخذ بلغة احلجازيني ونرتاح ،ونبني عىل الكرس فهي واضحة ومرحية.
و(أمس) كلم ٌة مشهورة كثرية االستعَمل يف الكالم ،فلهذا ينبغي عىل املتكلم أن يعرف
أيضا خمتلفون يف مثل هذه الكلمة.
أحكامها ،ذكر ابن هشام أن العرب ا
نلخص اخلالف يف هذه الكلمة فنقول :كلمة أمس ،إما أن يراد هبا:
-املايض مطل اقا؛ كقولك( :كنَّا أ ِعزَّ اة أ ْم اسا) تريد يف املايض مطل اقا.
-وإما أن يراد به اليوم الذي قبل يومك؛ يعني أمس القريب ،نحن اآلن ا
مثال يف يوم
الثالثاء ليلة األربعاء ،أمس يعني يوم االثنني ليلة الثالثاء.
فكلمة أمس تستعمل باملعنيني عند العرب فلهذا نقول :إذا أريد بكلمة أمس املايض مطل اقا
معرب عند مجيع العرب ،فتقول( :كنَّا أ ِع َّز اة ْأم اسا) ،ظرف زمان
ٌ ال اليوم الذي قبل يومك فهو
منصوب وعالمة نصبه الفتحة.
وإن أريد باألمس اليوم الذي قبل يومك فله ثالثة أحوال:
احلالة األوىل :أن تكون بـ (ال) األمس ،أو مضا افا كـ (أ ْم ِسك) فهي ا
أيضا معرب ٌة عند
اجلميع.
مبني
-احلالة الثانية ألمس التي بمعنى اليوم الذي قبل يومك :أن يكون ظرف زمان فهذا ٌّ
س) س) ،أو (ل ِقيته أ ْم ِ
س) ،أو (تقاتلوا أ ْم ِ
أيضا ،نحو( :ز ْرته أ ْم ِ
عىل الكرس عند اجلميع ا
هذا مبني عىل الكرس.
الشيخ /سليمان العيوني 21
إذا قلنا :مبني؛ يعني أنه سيعرب إعراب املبنيات ،ظرف الزمان حكمه النصب إال أن
س) ،نقول :أ ْم ِ
س ظرف زمان يف اللفظ مبني عىل الكرس ،يعني نقول يف اإلعراب (ز ْرته أ ْم ِ
أ ْم ِ
س :مبتدأ يف ُمل رفع مبني عىل الكرس ،وخ ٌري :خربه.
وتقول( :مىض ِ
أمس بَم فيه).
مىضٌ :
فعل.
وكذلك( :انتظرته من ِ
أمس إىل اليوم)،
احلجازيون يبننه عىل الكرس ،وأما التميميون فيمنعونه من الرصف ،يعربونه ولكن يمنعونه
من الرصف.
22 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
خري من اليوم) ،و(مىض أمس بَم فيه) ،و(تأملت أمس وما فيه) ،و(انتظرته
يقولون( :أمس ٌ
من أمس إىل اليوم) ،وهكذا.
وبعض التميميني يبنيه عىل الكرس يف النصب واجلر كاحلجازين ،ويمنعه من الرصف
الرفع.
هذا التفصيل اضطرنا إليه أن ابن هشام ذكر اخلالف يف هذه الكلمة.
املقطوعة عن اإلضافة :يعني بعد أن أضفته حذفت املضاف إليه ،وهذا يدرس بالتفصيل يف باب
اإلضافة ،يف باب اإلضافة هناك مسألة كاملة بمعنى القطع عن اإلضافة.
خالصة ذلك أن كلمة (قبل ،وبعد) من األسَمء التي تلزم اإلضافة ،إال أن املضاف إليه
رصحت به فليس فيهَم إال اإلعراب عىل
بعدمها جيوز أن ترصح به ،وجيوز أال ترصح به ،فإن َّ
أصل األسَمء.
الشيخ /سليمان العيوني 23
قبل ٍ
ُممد) ،معرب. ِ
املغرب) ،أو (جئت من ِ تقول( :جئت قبل ٍ
ُممد) ،و(صليت بعد
وإذا مل ترصح بلفظ املضاف إليه جاز لك يف (قبل وبعد) البناء عىل الضم وهذا األكثر
واألفصح تقول( :جئت قبل ثم عدت من بعد).
قال تعاىل﴿ :لِلَّ ِه األ َْم ُر ِم ْن قَ ْب ُل َوِم ْن بَ ْع ُد﴾ [الروم]4:؛ يعني من قبل الفتح ومن بعده.
والوجه الثان اجلائز :أن ت ْع ِرب وت ْن ِصب ،أن تعرب يعني تبقيها معربة وتنون ،تقول :جئت
قبال ثم رجعت من ٍ
بعد. ا
قال الشاعر:
باملاء الف ِ
رات الرشاب وكنت قب اال أكاد أغص ِ
فساغ ِيل َّ
ُّ ْ
والوجه الثالث اجلائز أن تعرب لكن بال تنوين ،تقول :جئت قبل ثم رجعت من ِ
بعد؛ يعني
كأن املضاف إليه مذكور وهذه أقل احلاالت.
والتمثيل طب اعا إنَم يصح يف احلالة األفصح وهي البناء عىل الضم.
املبني عىل السكون :وم َّثل له ابن هشام بمثالني ومها( :م ْن ،وك ْم).
24 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
هل يصح أن نضبط كلمة (من) يف املتن بكرس امليم ( ِم ْن) كمن أم ال يصح؟
(م ْن) حرف جر ،وابن هشام يريد أن يمثل عىل األسَمء املبنيةما يصح ،ملاذا ال يصح؟ ألن ِ
(م ْن) فحرف فال يصح أن نكرس إذا فال بد أن يكون اسَم مبنيا ،ثم يكون مبني عىل السكون ،أما ِ
ا ا
وجدته مضبو اطا يف بعض ما طبع بالفتح والكرس.
كم
سواء أكانت استفهامية كقولكْ ( :
ٌ دائَم
كم وهي مبنية عىل السكون ا واملثال اآلخرْ :
مالك؟) أم خربية دالة عىل التكثري كقولك( :كم ٍ
مرة هنيتك عن ذلك).
ثم قال ابن هشام (فائدة يف البناء)« :وهو أصل ا ْلبِن ِ
اء» يعني السكون. ْ
الفائدة يف ذلك :أنك ال تسأل عن سبب بناء املبنيات عىل السكون ،ملاذا بنيت عىل السكون؟
ألهنا األصل ،األصل يف املبني أن يبنى عىل السكون ،لكن لو رأيت مبن ايا عىل الفتح أو الضم أو
الكرس فلك أن تسألك ملا خرج عن أصله وبني عىل الفتح يف مثل (كيف) ،وملاذا بني عىل الضم
ِ
هؤالء) وهكذا. كَم يف (حيث)؟ وملاذا بني عىل الكرس كَم يف (
الشيخ /سليمان العيوني 25
ِ
وهؤالء) قبل آخرها ساكن ،فهذا يمكن أن مثال( :كيف ،وحيث، ٍ
حينئذ يقولون ا فيعللون
تبنى عىل السكون لكي ال يلتقي ساكنان ،عرفنا اآلن ملاذا حرك ،هذا تعليل التحريك ،ملاذا
ِ
هؤالء) حيتاج إىلاختريت هذه احلركة بالذات ضمة يف (حيث) ،وفتحة يف (كيف) ،وكرسة يف (
تعليل آخر وهكذا.
فمعرفة األصول ينبئك عن األشياء التي تستحق أن يسأل عنها ،واألشياء التي ال يسأل
عنها ألهنا جاءت عىل األصل.
ثم بعد أن انتهى ابن هشام -رمحه اَّلل -من الكالم عىل االسم معر ابا ومبن ايا انتقل إىل الفعل
أيضا عىل بنائه وإعرابه.
ليتكلم ا
الساكِن ِة» ِ ِ ِ
ماض وي ْعرف بِتاء التأنيث َّ
ٍ «وأ نما ا ْل ِف ْعل فثالثة أ ْقسامٍ:
فذكر هنا أقسام الفعل الثالثة املشهورة املايض واملضارع واألمر ،وسوف يتكلم عىل كل
قس ٍم فيذكر العالمات املميزة له عن غريه ،ويذكر حكمه من حيث البناء واإلعراب.
سيذكر يف كل نوع مسألتني العالمات التي متيزه عن غريه ،وحكمه من حيث اإلعراب
الساكِن ِة» ِ ِ ِ
ماض وي ْعرف بِتاء التأنيث َّ
والبناء فلهذا قال يف الفعل املايض بعد ذلكٍ « :
الفعل املايض عالمته التي متيزه عن غريه قبول تاء التأنيث الساكنة وهذا َشح من قبل.
فذكر ابن هشام -رمحه اَّلل -أن الفعل املايض يبنى عىل ثالثة أشياء:
وأما ابن هشام هنا فذكر أن املايض يبنى عىل الفتح والضم والسكون.
واحلقيقة أن ما ذكره ابن هشا ٍم هنا من كون الفعل املايض يبنى عىل الفتح والضم والسكون؛
تعليمي ،وليس مذه ابا علم ايا يعني مل يقل به أحدٌ من
ٌّ مذهب
ٌ يعني يبنى عىل حركة آخره هو
العلَمء من النحويني يف كتبهم العلمية حتى ابن هشام ال يقول بذلك يف كتبه العلمية؛ كأوضح
دائَم ،لكنه مذهب تعليمي أسهل عىل
مبني عىل الفتح ا
املسالك ،بل ينصون عىل :أن املايض ٌّ
الطالب املتعلمني أن يقال :إن املايض مبني عىل حركة آخره ،ونحن َشحنا السبب يف ذلك يف
َشح املبتدئني.
ومما ينقض هذا املذهب الفعل املايض املختوم بألف كـ (سعا ودعا) ،الفعل املايض املختوم
بألف كـ (سعا ودعا) ،هذا مبني عىل الفتح اتفا اقا ،حتى عند هؤالء الذين يقولون إنه يبنى عىل
الفتح والضم والسكون ،يقول :ال( ،سعا ودعا) مبنى عىل الفتح املقدر.
ا
تسهيال عىل الطالب ،نقول :إذن (سعا إذا كنتم تقولون :إن املايض يبنى عىل حركة آخره
ودعا) مبنى عىل السكون ،قوله :هناك مبني عىل الفتح املقدر منع من ظهوره التعذر ،يعني
االستحالة.
تعليمي وليس مذه ابا علم ايا.
ٌّ مذهب
ٌ فاخلالصة أن ما ذكره ابن هشا ٍم هنا
بسم اَّلل الرمحن الرحيم احلمد َّلل رب العاملني ،والصالة والسالم عىل نبينا ُممد وعىل آله
وأصحابه أمجعني ،أما بعد:
فقد توقفنا مع ابن هشا ٍم -رمحه اَّلل تعاىل -يف الكالم عىل الفعل املايض إذ ذكر العالمة التي
متيزه ،وحكمه من حيث اإلعراب والبناء.
فانتهينا من ذلك إال أنه ختم كالمه بقوله:
ومنْه نِ ْعم وبِئْس وعسى ول ْيس عىل األص يح»
« ِ
والكلمة الثالثة والرابعة« :عسى ول ْيس» ،قيل :إهنَم حرفان فـ (عسى) حرف ترجٍ ،و(ل ْيس)
نفي.
حرف ٍّ
أيضا لقبوهلَم عالمات املايض ،فأنت يف (ل ْيس) تقول:
والصواب :أهنَم فعالن ماضيان ا
ت بخيل اة) فتقبل الدخول عىل التاء ،وكذلك يف (عسى) تقول: ا
بخيال) ،و(هندٌ ل ْيس ْ (ل ْست
ت أن تسافر)؛ فدل ذلك عىل أهنا ٌ
أفعال ماضية. (عس ْيت أن أسافر) ،و(هندٌ عس ْ
ثم انتقل ابن هشام إىل فعل األمر ،فقال -رمحه اَّلل:-
ب مع قب ِولِ ِه ياء املخاطب ِة»«وأ ْم ٌر وي ْعرف بِ ِداللتِ ِه عىل ال َّطل ِ
ويبنى عىل حذف حرف العلة إذا كان آخره حرف علة؛ كاألمر من( :يدْ عو ،ا ْدع) ،واألمر
اخش).
(خيشىْ ،من( :ي ْر ِميْ ،ارم) ،واألمر منْ :
واجلس) ،فهذا سبق َشحه.
ْ (اذهب،
ْ ويف سوى ذلك يبنى عىل السكون كـ
مبني عىل الفتح لكن بقي فعل األمر إذا اتصلت به نون التوكيد كـ(ا ْذ َّ
هبن) ،فهل نقول :أنه ٌّ
مبني عىل السكون؟ لكن عىل السكون املقدر ،والفتح املوجود فيه هو فتح ختلص من
الظاهر أم ُّ
التقاء الساكنني قوالن للنحويني يف هذه املسألة.
فقال النحويون :إن (هل َّم) عند متيم فعل أمر ،كغريه من أفعال األمر التي تتصل بالضَمئر.
والقرآن الكريم -كَم هو معلومٌ -
نازل يف أغلبه عىل لغة احلجازيني ،فنزل يف هذا عىل لغة
﴿هلُ َّم إِلَْي نَا﴾
ويف قولهَ : [األنعام،]150: احلجازين كقوله تعاىل﴿ :قُ ْل َهلُ َّم ُش َه َداءَ ُك ُم﴾
[األحزاب.]18:
ثم ذكر ابن هشام معلوم اة رصفية لغوية عن الفعل املضارع وهو أن الفعل املضارع ال بد أن
ٍ
بأحرف من أحرف املضارعة ،فقال: يفتتح
ف ِمن نأ ْيت ن ْحو نقوم وأقوم ويقوم وتقوم»
«وا ْفتِتاحه بِحر ٍ
ْ
32 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
حكَم نحو ايا ذكره ابن هشام للفائدة؛ فكل ا لغوي ،وليس
ُّ رصيف
ٌّ حكم
ٌ هذا يف احلقيقة
بحرف من أحرف املضارعة األربعة املجموعة يف( :نأ ْيت) ،أو (أن ْيت)،ٍ مضارع ال بد أن يبتدأ
أو (ن ْأ ِيت) فهي أربعة أحرف( :اهلمزة ،والنون ،والياء ،والتاء).
ٍ
بحرف آخر غري هذه األحرف، مضارعا يبدأ بالدال وال بالقاف أو يعني ال يمكن أن جتد
ا
فاهلمزة للمتكلم.
بعض املحققني املدققني يقول :ال تقل للمتكلم ،قل :للتكلم ،ملاذا؟
ألهنا تستعمل مع املذكر واملؤنث؛ فالذكر رجل يقول( :أ ْذهب) ،واملرأة تقول( :أ ْذهب)،
والذين يقولون :للمتكلم يغ يلبون ،يقول :ألن األصل فيَم ع يرب عنه باملذكر أنه يشمل املذكر
واملؤنث كأغلب كالم العرب من القرآن الكريم.
ذكورا
ا وإن أردت التدقيق فقل :للتكلم؛ لكي يشمل األمرين ،وكذلك النون للمتكلمني
كانوا أم إنا اثا ،يقول مجاعة الرجال( :ن ْحن ن ْذهب) ،وتقول مجاعة النساء( :ن ْحن ن ْذهب).
مذكرا كان أم مؤن اثا ،مفر ادا كان أم مثناى ،أم مج اعا ال يستثنى من
ا وأما الياء فللغائب مطل اقا
الغائب سوى املؤنث املفرد ،ما سوى املؤنث املفرد من الغيبة تستعمل معهم الياء ،تقولُ( :ممدٌ
يذهب) ،و(املحمدان يذهبان) ،و(املحمدون يذهبون) ،و(اهلندات يذهبن) ،لكن (هند) هذا
مؤنث مفرد ،ما تقول( :هندٌ يذهب).
مذكرا
ا ننتقل للتاء ،التاء لشيئني :للمؤنث الغائب كـ (هندٌ تذهب) ،وللمخاطب مطل اقا،
كان أو مؤن اثا ،مفر ادا كان أو مؤن اثا أو مج اعا تقول( :أنت تذهب) ،و(أنت تذهبني) ،و(أنتَم يا
ُممدان ،ويا هندان تذهبان) ،و(أنتم تذهبون) ،و(أنتن تذهبن).
ٍ
ليشء معني للتكلم ،والتاء للمخاطب كله ،وأما الغائب فأكثره مع الياء إذن فاهلمزة والنون
سوى املفرد املؤنث مع التاء.
الشيخ /سليمان العيوني 33
أما الرباعي :فهو املضموم حرف املضارعة فتقول( :أكْرم ،يك ِْرم ،ونكرم ،وتكرم ،أكرم ،أو
د ْحرج ،يدحرج ،ندحرج ،يدحرج ،وهكذا.
بعد أن ذكر ابن هشام العالمة التي متيز الفعل املضارع وأحرف املضارعة ،انتقل بعد ذلك
للكالم عىل إعراب الفعل املضارع وبناءه.
فقال:
ون التَّوكِ ِ ِ «ويسكَّن ِ
يد ون الن ْيسوة ن ْحو {يرت َّب ْصن} و {إِ َّال أ ْن ي ْعفون} وي ْفتح مع ن ِ ْ
آخره مع ن ِ
اَش ِة ل ْف اظا أو ت ْق ِدير اا ن ْحو{ :لينْبذ َّن} ،وي ْعرب فِيَم عدا ذلك ن ْحو :يقوم ز ْيدٌ { ،وال ت َّتبِع ي
ان}، املب ِ
{لت ْبلو َّن}{ ،فإِ َّما تريِ َّن}{ ،وال يصدُّ نَّك}»
فذكر ابن هشام -رمحه اَّلل -أن املضارع معرب إال إذا اتصلت به نون النسوة ،فيبنى عىل
السكون كـ (يدْ ر ْسن وي ْر ِض ْعن).
أو اتصلت به نون التوكيد املباَشة فيبنى عىل الفتح ،وسبق َشح ذلك من قبل ،لكن نريد
أيضا عند
أن نقف هنا عند وصف ابن هشام لنون التوكيد بأهنا مباَشة ،هذه زيادة ،ونقف ا
األمثلة التي ذكرها ابن هشام.
فاملضارع يبنى عىل الفتح إذا اتصلت به نون التوكيد املباَشة ،نحو( :ي ْلعب ،ال ت ْلعب َّن)،
نون التوكيد باَشت الفعل ،مل يفصل بينهَم فاصل ،هذه نسميها مباَشة.
وأما نون التوكيد غري املباَشة فال يبنى معها املضارع يعني يبقى عىل إعرابه ،يبقى معر ابا.
وما املراد بنون التوكيد غري املباَشة؟
يعني نون التوكيد التي مل تباَش الفعل؛ لوجود فاصل بينهَم ،حاجز فاصل بني الفعل
املضارع وبني نون التوكيد ،هذا الفاصل بينهَم قد يكون ملفو اظا به.
الشيخ /سليمان العيوني 35
موجود ألن احلذف ال يقع إال عىل موجود ،ال يمكن أن توقع احلذف عىل معدوم؛ يعني
يشء غري موجود ا
أصال ثم حتذفه ،احلذف ال يكون إال عىل يشء موجود كان موجود ،ثم
حذفته ،فقولكُ :مذوف يدل عىل أنه موجود ،لكن أصابه احلذف ،إذن فهو موجود ولكنه
ُمذوف.
اخلالصة :أن الفعل هنا بينه وبني نون التوكيد فاصل وهو واو اجلَمعة املقدرة؛ ألهنا ُمذوفة
فيبقى الفعل معر ابا ،فنقول( :ال ت ْلعب َّن) فعل مضارع جمزوم وعالمة جزمه حذف النون ،فهذا
مراد ابن هشام بوصف نون التوكيد التي يبنى معها املضارع عىل الفتح بأهنا مباَشة.
وأما أمثلة ابن هشام -رمحه اَّلل -فم َّثل :بـ ﴿يرت َّب ْصن﴾ [البقرة ،]234:هذا فعل مضارع مبني
عىل السكون التصاله بنون النسوة.
مبني وم َّثل بقوله تعاىل﴿ :إِ َّال أ ْن ي ْعفون﴾ [البقرة]237:؛ يعني املطلقات هذا ٌ
فعل مضارع ٌّ
مجع
عىل السكون التصاله بنون النسوة ،نون النسوة يف ﴿ي ْعفون﴾ يعود عىل املطلقات ،وهن ٌ
مؤنث وضمريهن نون النسوة.
فالنون النسوة يف ﴿ي ْعفون﴾ هذه نون النسوة تعود إىل املطلقات ،والفعل (ي ْعفو) ،هذا
الفعل (ي ْعفو) عىل وزن (ي ْفعل) مثل( :يدْ عو).
ثم اتصلت بنون النسوة بالفعل(ي ْعفو) كَم تتصل بالفعل (يكْتب) ،تقول( :يكْتب :يكْت ْبن)،
و(ي ْعفو :ي ْعفون).
الفعل (ي ْعفو) اتصلت به نون النسوة فوزن (ي ْعفون) كوزن (يكْت ْبن)؛ يعني (ي ْفع ْلن)،
مبني عىل السكون التصاله بنون النسوة.
مضارع اتصلت به نون النسوة فهو ٌّ
ٌ فالفعل هنا ٌ
فعل
الشيخ /سليمان العيوني 37
حذفنا واو الفعل ،وبقيت واو اجلَمعة ،والنون عالمة الرفع يف األفعال اخلمسة فصار
يعفون.
إذن (ي ْعفون) ما وزنه؟ ال بد حتذف الواو ،الواو تقابل الالم يف امليزان ،إذن احذف الالم يف
امليزان؛ فوزن (ي ْعفون) (ي ْفعون) بحذف الالم ،هذا فعل مضارع مرفوع وعالمة رفعه ثبوت
النون ،ألنه مل يتصل بنون النسوة وال بنون التوكيد.
ونون التوكيد ملاذا مل تبنه؟ ألهنا غري مباَشة مل تؤثر يف البناء ،ما الذي فصل بني نون التوكيد
وبني الفعل (ت َّتبِع) ،ألف االثنني ،كَم يف (ال ت ْلعب ي
ان).
نفهم املسألة من األصل ،ما أصل الفعل (ت ْبلو َّن)؟ يعني احذف ما اتصل به من أوله وآخره
(ت ْبىل) أصل الفعل (ت ْبىل) اتصلت به واو اجلَمعة ،ثم نون الرفع ،ثم نون التوكيد( ،ت ْبىل)
38 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
اتصلت به واو اجلَمعة ،واو اجلَمعة ساكنة و(ت ْبىل) خمتوم بألف ساكنة التقى ساكنان ،ماذا
سنفعل؟
سنحذف الساكن األول يعني ألف (ت ْبىل)؛ صارت (ت ْبلو) ،ثم أدخلنا نون التوكيد ،ونون
ٍ
حينئذ؟ التوكيد مبدوءة بساكن ،وواو اجلَمعة ساكنة ،ماذا تفعل العرب
أيضا فقد أجحفت بالفعل؛ جلمعها حذفني عىل الفعل وهذا ال
إن حذفت واو اجلَمعة ا
تفعله العرب ،اللغة العربية عادل ٌة وحكيمة ،لكن التقى ساكنان ماذا نفعل؟ يقول :نتخلص من
التقاء الساكنني بالتحريك مع أن القياس احلذف ،لكن نتخلص بالتحريك لكي ال نجحف عىل
الفعل بحذفني؛ فحركوا واو اجلَمعة بالضم( ،ت ْبلو َّن) هذه واو اجلَمعة لكن حركت بالضم
لاللتقاء الساكنني ومل حتذف عىل القياس؛ لكي ال جيحف بحق الفعل.
فعىل ذلك نون التوكيد باَشت الفعل أم فصلت واو اجلَمعة بينهَم؟
والفعل هنا (ت ْبىل) هذا فعل مضارع مسبوق بناصب أو بجازم( ،لت ْبلو َّن) الالم هنا الم
القسم ،يعني الواقعة يف جواب القسم والتقدير( :واَّللِ لت ْبلو َّن) هذا ليس من مواضع نصب
املضارع ،وال جزم املضارع ،إذن فاملضارع حكمه هنا الرفع وهو مضارع من األفعال اخلمسة
التصاله بواو اجلَمعة؛ يعني فيه نون الرفع ،فعندك (ت ْبىل) ،وعندك واو اجلَمعة ،ثم نون الرفع،
ثم نون التوكيد.
ما عندنا إال نون التوكيد يف اآلية ،أين نون الرفع؟ حذفت ،لكن مل حتذف بسبب ناصب أو
جازم ،وإنَم حذفت بسبب توايل ثالثة أمثال ،فهي نون ،ونون التوكيد نونان ،فكرهوا توايل
الشيخ /سليمان العيوني 39
ثالثة أمثال؛ فحذفوا نون الرفع لذلك ،فلهذا نقول :فعل مضارع مرفوع وعالمة رفعه ثبوت
النون املحذوفة ،من فهم النحو تلذذ به.
الفعل يف األصل بعد أن نحذف ما اتصل به من أوله وآخره هو الفعل (ترى) ،اتصلت به
ياء املخاطبة ،وياء املخاطبة تأيت معها نون الرفع من األفعال اخلمسة ثم نون التوكيد ،عندك
الفعل (ترى) وياء املخاطبة ونون الرفع ،ونون التوكيد.
(ترى) أدخل عليها ياء املخاطبة ،ياء املخاطبة ضمري ساكن ،و(ترى) خمتومة بألف وهي
ساكنة فالتقى ساكنان فحذفنا األلف صارت (تري).
دخلت (إما) الرشطية (إما تري) ،هذه إما الرشطية إذن (تري) هذا الفعل الواقع فعل
الرشط جمزوم وعالمة جزمه حذف النون ،حذفنا النون للجزم ،ثم دخلت نون التوكيد مبدوءة
أيضا ضمري ساكن التقى ساكنان نحذف أو نحرك؟
بساكن ،و(تري) هذه الياء املخاطبة وهي ا
إن حذفنا عىل القياس أجحفنا بالفعل جلمع احلذفني عليه ،إذن سنحرك كَم فعلنا يف
(ت ْبلو َّن) لكن سنحرك هنا بالكرس؛ ألنه يناسب ياء املخاطبة ،فنقول( :تريِ َّن) ،أما يف (ت ْبلو َّن)
حركَّنا الواو بالضم؛ ألهنا تناسب الواو (ت ْبلو َّن) هذه مناسبات صوتية هذا الذي حدث يف
الفعل.
40 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
واملثال األخري قوله تعاىل﴿ :وال يصدُّ نَّك عن آي ِ
ات اَّللَِّ﴾ [القصص( ،]87:يصدُّ نَّك) هذا ْ
مضارع جمزوم وعالمة جزمه حذف النون ،ما الفعل؟ (يصدُّ )( ،يصدُّ ) دخلت عليه واو اجلَمعة
التي تعود إىل املتكلم عنهم يقول( :هؤالء ليصدُّ ونك) هذه واو اجلَمعة دخلت عىل (يصدُّ )،
وواو اجلَمعة تأيت بنون الرفع من األفعال اخلمسة (يصدُّ ون) ،األصل (يصدُّ ون) ،ثم دخلت نون
التوكيد.
(يصدُّ ) خمتوم بدال حرف متحرك ،واو اجلَمعة ما يف إشكال ،جتتمع واو اجلَمعة مع الدال
(يصدُّ ون) ما يف اشكال ،لكن دخلت ال الناهية فحذفنا نون الرفع ،فصارت (ال يصدُّ وا) ،ثم
دخلت نون التوكيد ،ونون التوكيد أوهلا ساكن ،وواو اجلَمعة ساكنة.
القياس باحلذف لعدم وجود اإلجحاف؛ فنحذف هنا واو اجلَمعة ،فنقول( :ال يصدُّ نَّك)،
نحذف الواو ما نحركها لكن الواو هذه املحذوفة فصلت بني الفعل وبني النون فيقولٌ :
فعل
مضارع جمزوم وعالمة جزمه حذف النون.
ٌ
بخالف ما لو قلت( :يا ُممد هذا الرجل ال يصدَّ نَّك) عن كذا وكذا عند خطاب املفرد،
مبني عىل الفتح التصاله بنون التوكيد املباَشة ،األصل (يصدُّ ) ثم اتصلت بنون
فاملضارع ٌّ
التوكيد املباَشة (ال يصدَّ نَّك) ،ما يف فاصل ،ال واو اجلَمعة ،وال غريها ،فيكون مبن ايا التصاله
بنون التوكيد.
عىل ذلك انتهى ابن هشام من الكالم عن االسم َّبني معربه ومبنيه ،ثم تكلم عىل األفعال
بأنواعها املايض واملضارع واألمر ،اآلن سينتقل إىل النوع الثالث من أنواع الكلمة وهو احلرف
فيبني بناءه وإعرابه.
الشيخ /سليمان العيوني 41
َشحنا ذلك من قبل أن احلروف عالماهتا عدمية ،أال تقبل شيئاا من عالمة األسَمء ،وال
شيئاا من عالمات األفعال.
ٍ
كلَمت خمتل افا يف حرفيتها فقال: ثم ذكر
الرابِطة عىل األص يح» «ول ْيس ِمنْه (م ْهَم) و (إِ ْذ ما) ،ب ْل (ما) امل ْصد ِر َّية و َّ
(ملا) َّ
الكلمة األوىل( :م ْهَم) ،هذا يف أسلوب الرشط( ،م ْهَم ت ْفع ْل ْجتزى بِه).
قيل :حرف َشط يعني مثل (إِ ْن) يعني ما يعود عليها ضمري ،والصحيح عند املحققني أهنا
اسم؛ ألن الضمري قد يعود عليها.
ٌ
أيضا يف أسلوب الرشط؛ وهي بمعنى (إِ ْن)( ،إِ ْن ْجتت ِهدْ تنْجح)( ،إِ ْذ
الكلمة الثانية( :إِ ْذ ما) ا
ما ْجتت ِهدْ تنْجح).
ما نوعها؟ قيل( :إذ) حرف َشط ،حرف يعني مثل( :إِ ْن) ما يعود عليها ضمري وهذا هو
األصح عند املحققني كابن هشا ٍم يف «أوضح املسالك» ،وقيل :اسم َشط وهذا الذي رجحه
ابن هشام يف «قطر الندى» ،فالعامل قد خيتلف قوله يف كتبه ،فلذلك هنا يف رسالة علمية عن
اختالف آراء ابن هشام يف كتبه.
الكلمة الثالثة هي( :ما) امل ْصد ِر َّية يعني التي ينسبك منها ومما بعدها مصدر.
42 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ابن مالك يف األلفية عندما أراد أن يبني هذا احلكم وهو كون احلروف كلها مبنية ماذا قال؟
فأخذ ذلك عليه ،هذا مما أخذ عىل األلفية ،وبني هذا املأخذ ُممد بن ُممد بن ُممد بن ُممد
الغزي ي يف َشح له عىل األلفية عبارة عن عرشة آالف بيت ،كل الرشح يعني منظومَ ،شح البيت
بنظم ،فقال:
قال:
ِ «وأق ُّل ِائتِالفِ ِه ِمن ْاسم ْ ِ
قائم) أ ْو ف ْع ِل ْ
واس ِم كـ (قام ز ْيدٌ )». ني كـ (ز ْيدٌ ٌ
ائتالف الكالم إنَم يكون بالكلَمت التي درسناها قبل قليل كلم اة كلم اة إذا ألفت بينها نخرج
بالكالم ،الكالم املفيد قد يكون بكلَمت كثرية (خرج ُممدٌ قبل قليل من هذا املسجد مرس اعا)،
هذه مجلة واحدة كلَمت كثرية ،لكن وال تستطيع أن حترص اجلمل التي تفيد فتأيت عىل كم كلمة،
وإنَم حيرصون أقل ما يتألف منه الكالم ،أقل ما يمكن أن يتألف منه الكالم املفيد إما اسَمن كـ
ناجح) ،أو فعل واسم مثل( :نجح ُممدٌ ).
ٌ (ُممدٌ
يعني ال يمكن أن يتألف الكالم من اسم وحرفُ( ،ممدٌ يف )..ما يكون الكالم ،ما تكون
الفائدة تامة أو فعل وحرف كأن تقول( :خرج إىل ،)..وال من حرفني ،وال من فعلني ،فإن
قلت( :ق ْم) أليس يدل عىل معناى تام؟ نعم( ،ق ْم) خالص نفهم املراد ،نقول( :ق ْم) ٌ
فعل واسم؛
ألنه فاعله مسترت والفاعل اسم ،املسترت كاملوجود.
أيضا هذه العبارة مفيدة ،كالم وهي يف الظاهر حرف نداء واسم ،قالوا:
لو قلنا( :يا ُممد) ا
احلرف هنا مل يفهم إال بنيابته عن الفعل أنادي ُممدا ا.
فإن قلت نحو( :اجتهدْ تنجح) فعالن ،قيل :ال ،ليس فعلني بل مجلتان (جتتهد) والفاعل
مسترت أنت ،و(تنجح) والفاعل مسترت أنت ،وهكذا.
ونكتفي بأن َشحنا ما قاله ابن هشام -رمحه اَّلل -يف الكلمة والكالم ونقف عند قوله:
«(ف ْص ٌل) أنْواع ا ِ
إل ْعر ِ
اب أ ْربع ٌة».
نبدأ به إن شاء اَّلل يف الدرس القادم ،واَّلل أعلم ،وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ُممد ،وعىل آله
وأصحابه أمجعني.
الشيخ /سليمان العيوني 45
الدرس الثان
ٍ
ُممـد عـىل آلـه بسم اَّلل الرمحن الرحيم ،احلمد َّلل رب العاملني ،والصالة والسالم عىل نبينـا
وأصحابه أمجعني أما بعد:
فسالم اَّلل عليكم اَّلل ورمحته وبركاته ،وحياكم اَّلل وبياكم يف هذا الدرس الثان مـن دروس
َشح "قطر الندى وبل الصدى" البن هشا ٍم رمحه اَّلل تعـاىل ،نحـن يف ليلـة األربعـاء احلـادي
والعرشين من مجادى األوىل من سنة تس ٍع وثالثني وأربعَمئة وألف يف جامع مينرة الشبييل يف حي
درسـا مباركاـا ،وناف اعـا،
الفالح يف مدينة الرياض ،فنسأل اَّلل سـبحانه وتعـاىل أن هـذا الـدرس ا
ومفهوما اللهم آمني.
ا
يف الدرس املايض يا إخوان كنا تكلمنا عىل َشح بدايات الكتاب ،وَشحنا تعريف الكلمة،
وأنواع الكلمة معاه ثالثة ،والعالمات املميزة لكل نو ٍع من أنواع الكلمـة ،وإعـراب كـل نـوعٍ،
وبناؤه ،ثم تكلمنا عىل تعريف الكالم ،وأقل ما يتألف منه.
أيضا
يف هذا الدرس بإذن اَّلل سنتكلم تب اعا البن هشام رمحه اَّلل عىل أنواع اإلعراب ،ونتكلم ا
عىل خط اإلعراب ،وعىل طريقة اإلعراب ،وعىل عالمات اإلعراب .فعقد ابن هشـا ٍم رمحـه اَّلل
تعاىل ا
فصال بأنواع اإلعراب ،فقال:
ا
مبتدأ صارت حتذف؛ ألهنا معرفة يف العناوين بداللة احلضور؛ فلهذا يقال :إن أشهر هذا الواقعة
موضع من مواضع حذف املبتدأ يف العناوين وما يف حكمها كقوهلم ا
مثال :باب الفاعل يعني هذا
الفاعل ،أو كتاب التوحيد؛ يعني هذا كتاب التوحيد ،أو جامعة اإلمام ،هذا املكتوب يف اللوحة
يعني هذه جامعة اإلمام ،أو جامع احلي ،يعني هذا جـامع احلـي أو مدرسـة احلـي ،أو متوينـات
فالن ،أو خمبز فالن ،أو َشكة فالن ،يعني هذا أو هذه وهكذا.
-الرفع
-واجلر
-واجلزم
ٍ
لكلمـة مـا فـإن أيضا "األحكام اإلعرابية" فلهذا إذا سـئل عـن احلكـم اإلعـراِب
وتسمى ا
جـر ،أو جـزم ،وال
نصـب ،أو ٌ
ٌ رفع ،أو
اجلواب سيكون واحدا ا من هذه األربعة تقول :حكمها ٌ
تقول :حكمها مرفوع ،أو منصوب ،أو جمرور ،أو جمزوم ،هذا كـَم سـيايت بيانـه ملصـطلح يبـني
احلكم.
ولكنه ليس احلكم ،احلكم هو الرفع ،كيف تبني أن حكم كلمة الرفع؟ سيأيت أنك تقـول يف
الكلمة املعربة مرفوع ،ويف الكلمة املبنية يف ُمل رفع ،وهكذا يقال يف بقية املعـان إذا سـئل عـن
احلكم فإنك تأيت باحلكم ال بالوصف ،لو قيل لـك ا
مـثال :مـا حكـم الصـالة؟ تقـول :حكمهـا
الوجوب ،ال تقول :حكمها واجبة ،الواجبة هـي الصـالة نفسـها ،الصـالة واجبـة ،أمـا حكـم
الصالة :احلكم هو الوجوبٌ ،
ففرق بني احلكم وبني صـفة اليشـء ،تـأملوا يف ذلـك سـتجدونه
واضحا إن شاء اَّلل.
ا
الشيخ /سليمان العيوني 47
فاألحكام اإلعرابية الرفع والنصب واجلر واجلزم ،عرفنا ذلك وهذا معروف ومشهور.
لكن السؤال املهم املتعلق باألحكام اإلعرابية األربعـة هـو :هـل هـذه األحكـام اإلعرابيـة
تدخل عىل كل الكلَمت؟ أم تدخل عىل بعض الكلَمت دون بعض؟
اجلواب :تدخل عىل بعض الكلَمت دون بعض ،إذ هناك كلَمت تدخلها األحكام اإلعرابية،
وهناك كلَمت ال تدخلها الكلَمت اإلعرابية.
نأيت إىل السؤال األهم وهو :ما الكلَمت التي تدخلها األحكام اإلعرابية والكلـَمت التـي ال
تدخلها األحكام اإلعرابية؟
واجلواب عن هذا السؤال أن نقول :األحكام اإلعرابية تدخل شيئني فقط ،تـدخل األسـَمء
كلها ،واملضارع كله ،تدخل عىل مجيـع األسـَمء املعربـة واملبينـة وعـىل مجيـع املضـارع املعـرب
واملبني ،وأما البواقي يعني احلروف والفعل املايض وفعل األمر فهذه الثالثة ال تدخلها األحكام
جر وال جزم ،هذه القاعدة مهمة لكـي نبنـي عليهـا بعـد
نصب ،وال ٌ
ٌ رفع وال
اإلعرابية بتاتاا ،ال ٌ
ذلك ما يتبقى من هذا الباب ،وخاص اة طريقة اإلعراب.
إ اذا فاألحكام اإلعرابية إنَم تدخل عىل األسَمء كلها ،واملضارع كله ،أما األسَمء فيدخلها كَم
ذكر ابن هشام فيَم قرأنا الرفع والنصب واجلر ،وال يدخلها اجلزم.
إ اذا فقد حرمنا األسَمء من حك ٍم من األحكام اإلعرابية وهـو :اجلـزم ،لكـن العربيـة عنـدما
جاءت إىل الفعل املضارع أدخلت عليه الرفـع والنصـب واجلـزم ،وحرمتـه مـن اجلـر؛ فلهـذا
يقولون :اللغة العربية حكيمة وعادلة ،حكيمة يعني ُمكمة ،وعادلة يعنـي تعـدل يف أحكامهـا،
48 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ٌ
مفعول به حكمه النصب. وتقول يف النصب :أكرمت ُممدا ا ،فمحمدا :
وأما املضارع فتقول يف رفعهُ :ممدٌ يذهب اليوم ،فيذهب :مضـارع حكمـه الرفـع؛ ألنـه مل
يسبق بناصب وال جازم.
ٌ
مسبوق بناصب. وتقولُ :ممدٌ لن يذهب اليوم ،فيذهب :مضارع حكمه النصب؛ ألنه
فإن قلت :ما الدليل عىل أن هذه األحكام اإلعرابية تدخل عىل األسَمء املبنية كَم تدخل عـىل
األسَمء املعربة؟ فدخوهلا عىل األسـَمء املعربـة واضـح كاألمثلـة السـابقة ،فـَم الـدليل أن هـذه
أيضا عىل األسَمء املبنية؟
األحكام تدخل ا
ا
فـاعال ،والفاعـل حكمـه اسم معرب ،وقـع هنـا
فاجلواب :أننا نقول :ذهب ُممدٌ فمحمدٌ ٌ
ٍ
معرب ،ثم نقول :ذهب هؤالء ،أو ذهـب هـذا ،أو ذهبـت ،أو الرفع ،فقد دخل الرفع عىل اس ٍم
اسم دل عىل من فعل الـذهاب فإعرابـه :فاعـل،
ذهب سيبويه ،فإن قلت :ذهب هؤالء فهؤالء ٌ
والفاعل حكمه اإلعراِب الرفع ،يعني أن الرفع قد دخل عىل هؤالء أم مل يدخل؟ دخل.
إ اذا فالرفع يدخل عىل األسَمء املبنية كَم يدخل عىل األسَمء املعربة ،لكـن الفـرق أنـه يـدخل
عىل األسَمء املعربة فيؤثر يف لفظها ،ويدخل يف األسَمء املبنية فال يؤثر يف لفظها.
الشيخ /سليمان العيوني 49
وكذلك نقول يف النصب ،أكرمت ُممـدا ا ،فمحمـدا ا حكمـه النصـب وأثـر يف لفظـه ألنـه
معرب ،وتقول يف املبنيات :أكرمـت هـؤالء ،وأكرمتـك ،فـدخل النصـب عـىل هـؤالء وعـىل
الضمري إال أنه أثر يف ُمله ومل يؤثر يف لفظه.
فإن قلت :ما الدليل عىل أن األحكام اإلعرابية تدخل عىل املضارع املبنـي كـَم تـدخل عـىل
املضارع املعرب؟
يدرس.
ْ ويف اجلزمُ :ممدٌ مل
ثم إذا جئت إىل املضارع املبني وهو كَم سبق يف الدرس املايض ما اتصلت به نون النسـوة أو
نون التوكيد تقول :الطالبات يدرسن باجتهـاد ،فالفعـل يـدرس يف يدرسـن مضـارع مل يسـبق
ٍ
بناصب وال بجازم ،فحكمه :الرفع ،إ اذا فاملضارع هنا قد وقع يف موقع حل يف ٍ
ُمـل هـذا املحـل
حكمه الرفع.
ُممد؟ فتذهب مضارع مل يسبق بناصب وال بجازم؛ ألن هل حرف استفهام من مهمل هامل ال
يعمل النصب وال يعمل اجلزم ،فبقي املضارع حكمـه الرفـع ،إال أن لفظـه مل يتـأثر بـاإلعراب،
يعني مل نضع عليه عالمة الرفع الضمة؛ ألنه مبني عىل الفتح التصـاله بنـون التوكيـد ،وكـذلك
يدرسن ،وكذلك يقال يف اجلزم :ال تلعبن.
ْ لن
يقال يف النصب :الطالبات ْ
فإذا قيل :ملاذا دخلت األحكام اإلعرابية عىل األسـَمء واملضـارع ومل تـدخل عـىل احلـروف
واملايض واألمر؟ ملاذا دخلت هذه األحكام اإلعرابية عـىل املضـارع واالسـم فقـط ،ولكنهـا ال
تدخل عىل احلروف وال عىل املايض ،وال عىل األمر؟
فاجلواب عن ذلك :ألن العوامل اإلعرابية التي ترفع ،أو تنصب ،أو جتر ،أو جتزم ،العوامـل
اإلعرابية يعني كل ما يرفع أو ينصب ،أو جير أو جيزم ،أو يرفع وينصب ،مثل :كـان وأخواهتـا،
أو ينصب ويرفع مثل :إن وأخواهتا أي ما يعمل عمل يرفع أو ينصب ،أو جير ،أو جيـزم نسـميه
ا
عامال.
هذه العوامل ال تدخل إال عىل األسَمء واملضارع ،وال تدخل عىل احلروف ،وال تدخل عـىل
واضحا ،فأنـت ا
مـثال يف الفاعـل تقـول: ا املايض ،وال تدخل عىل األمر ،تأمل ذلك يف اللغة جتده
ٍ
ماض أو فعل أمـر ،مـا ال يمكن أن تدخل مل جوازم املضارع ،أو نواصب املضارع عىل ٍ
فعل
تقولُ :ممدٌ مل ذهب ،أو يا ُممد اذهب ،فالعوامل ال تعمل إال يف األسَمء واألفعـال املضـارعة؛
فلهذا صارت معمولة يعني مرفوعة ،أو منصوبة ،أو جمرورة ،أو جمزومة.
ٍ
ماض يف ُمل جزم مبني عىل الفتح وهو جواب َشط ،وأخي فاعله. وقام أخي :هذا ٌ
فعل
52 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
وعىل ذلك تكون مجلة اجلواب "قام أخي" مجلة ال ُمل هلا من اإلعراب؛ ألن اجلزم عنـدهم
واقع عىل لفظ املايض كَم يقع عىل لفظ املضارع يف إن يقم أخوك يقم أخي ،فاجلزم يقع عىل لفظ
ٌ
املضارع باتفاق ،ليس عىل مجلته.
واقع عىل مجلة املايض يعني عىل الفعل مع فاعله ،يعني اجلملة قام
وقيل :إن اجلزم يف الرشط ٌ
أخوك الفعل والفاعل كالمها يف ُمل جزم ،واجلملة قد يكون هلا ٌ
ُمل من اإلعراب ،وكـذلك يف
جواب الرشط ،فعىل ذلك اجلزم واقع عىل مجلة الفعل املايض فالفعل املايض وحده ال ُمل له من
اإلعراب ٍ
باق عىل أصله.
ٍ
ألدلة ليس املوضـع لكن اجلمهور واملحققون عىل أن اجلزم هنا واقع عىل لفظ الفعل املايض
موضع ذكرها ،لكن نذكر أن هذا هو املوضع الوحيد الذي اختلفوا فيـه يف الفعـل املـايض ،مـا
سوى ذلك فهم متفقون عىل أن الفعل املايض ال حكم إعراب ايا له.
حكم إعراِب؟
ٌ ننتقل إىل الفعل األمر ونسأل :أكل أفعال األمر ليس هلا
اجلواب :نعم ،وهذا عند مجهور أهل اللغة ،عند مجهور أهل اللغـة يـرون أن فعـل األمـر ال
حكم إعراِب ال نصب ،وال رفع وال جر وال جزم ،وخالف يف
ٌ ُمل له من اإلعراب يعني ليس له
ٍ
خالف سـابق، ومعرب ،وخالفهم يف ذلك يقوم عىل ذلك الكوفيون فقالوا :هو معرب جمزوم،
ٌ
ٍ
مـاض وهو خالفهم يف أنواع الفعل ،فالبرصيون وتبعهم اجلمهور عـىل أن الفعـل ثالثـة أنـواع
حكـم
ٌ قسم مستقل ،وهو ال تدخله العوامل اإلعرابية؛ فلهـذا لـيس لـه
وأمر ،واألمر ٌ
ومضارع ٌ
ٌ
إعراِب ،وقال الكوفيون إن الفعل ثالثة أنواع وهي :املايض واملضارع والـدائم ،واسـقطوا فعـل
األمر.
اسم وليس
وأرادوا بالفعل الدائم اسم الفاعل ،واسم الفاعل عند البرصيني وعند اجلمهور ٌ
ا
فعال ،وهذا هو الصحيح.
الشيخ /سليمان العيوني 53
ا
مستقال فأنت إذا قلـت :اجلـس أصـله قسَم
جزء من املضارع ،وليس ا
قالوا :فعل األمر هو ٌ
عندهم لتجلس كل فعل ٍ
أمر عندهم أصله املضارع املجزوم بالم األمر ،اجلس يعني لـتجلس،
قم يعني لتقم ،والذي حدث كَم يرون أن الم األمـر حـذفت لكثـرة االسـتعَمل ،فصـار الفعـل
مبدوءا باجليم الساكنة ،فأؤيت هبمزة
ا جتلس ،فاشتبه باملضارع فحذفت التاء للفرق ،فصار الفعل
الوصل للتمكن من النطق بالساكن فصارت اجلس ،فيكون اجلس هـي لـتجلس عنـدهم أنـه
فعل جمزوم بالم األمر وعالمة جزمه السكون؛ وهلذا جتدون ا
مثال ابـن خلويـه يف الطارقيـات ،أو ٌ
إعراب ثالثني سورة من القرآن الكريم مطبوع يعرهبا هكذا ،كلَم جاء فعل أمر يقـول :جمـزوم،
حكم إعراِب هو قول البرصيني وهو قـول اجلمهـور
ٌ فبان من ذلك أن كون الفعل األمر ليس له
وهو الصحيح يف هذه املسألة.
واخلالصة :ما بدأنا بذكره وهو أن األحكام اإلعرابية تدخل عىل شيئيني عىل األسـَمء كلهـا
املعربة واملبنية وعىل املضارع كله املعرب واملبني ،وأما احلروف فال تدخلها األحكام اإلعرابيـة،
ٍ
خمتلـف فيـه، ٍ
واحـد وكذلك األمر عند اجلمهور وهو الصحيح ،وكذلك املايض إال يف موضـ ٍع
فنتجاوز كل ذلك ونقول :إن األحكام اإلعرابية تدخل عىل االسـم واملضـارع وال تـدخل عـىل
احلروف واملايض واألمر.
هذا ما يتعلق بأنواع اإلعراب وعالم تدخل مما زدنا َشحه عىل ما ذكرناه يف َشح املبتـدئني،
هناك أمور واضحة نتجاوزها ألهنا سبقت يف َشح املبتدئني.
ننتقل بعد ذلك إىل الكالم عىل ما نسميه خط اإلعـراب ،خـط اإلعـراب هـو خـط متـوهم
يساعد الطالب عىل فهم اإلعراب وإتقانه بناء عىل ما سبق َشحه الكلـَمت بنـاء عـىل مـا سـبق
54 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
َشحه مما تدخل عليه األحكام اإلعرابية وما ال تدخل عليه األحكام اإلعرابية وجدنا أهنـا عـىل
نوعني:
النوع األول :الكلَمت التي ال تدخلها األحكام اإلعرابية بتاتاا ،هـذه ثالثـة وهـي احلـروف،
واملايض واألمر نجعلها عىل اليمني ونضع ا
خطأ.
والكلَمت التي تدخلها األحكام اإلعرابية وجو ابا :هي األسَمء واملضارع نجعلها عىل يسـار
اخلط.
فإذا فهمنا ذلك عرفنا أن ما قبل خط اإلعراب يعني احلروف واملايض واألمر إعرابه واحد،
وإعرابه سهل؛ ألنه ثابت ال يتغري ،فتقول يف إعراهبا مجي اعا احلروف واملايض واألمر فتبدأ إعراهبا
ببيان نوعها هذا الركن األول تبني نوعها ،فإن كانت حر افا تقول حرف كذا ،وإن كانت ماضـ ايا
أمرا أشياء ثابتة ما يتحمل غري ذلك.
أمرا تقول فعل ا ٍ
ماض ،وإن كانت ا تقول ٌ
فعل
والركن الثان يف إعراهبا :أن تبني حكمها اإلعراِب ،وعرفنـا أن هـذه الثالثـة مـا قبـل خـط
جر ،وال جزم ،ويعرب املعربون عن ذلك بقوهلم :ال
اإلعراب ليس له حكم إعراِب ال نصب ،وال ٌ
ُمل له من اإلعراب.
حكم إعراِب.
ٌ إ اذا ما معنى قوهلم :ال ُمل له من اإلعراب؟ يعني ليس له
ومتى نقول :ال ُمل له من اإلعراب؟ ما قبل خط اإلعـراب ،يعنـي مـع هـذه الثالثـة ،مـع
احلروف واملايض واألمر نقول :ال ُمل له من اإلعراب.
الركن الثالث يف إعراهبا :أن تذكر حركة بنائها ،وقد تكلمنا يف الدرس املايض فيَم سبق مـن
كالم ابن هشام وبني كـل حركـات املبنيـات ،فعرفنـا أن احلـروف كلهـا تبنـى عـىل حركـات
الشيخ /سليمان العيوني 55
أواخرها ،واملايض عرفنا أنه عىل الصحيح يبنى عىل الفتح الظاهر أو املقدر ،وإن شئت املـذهب
التعليمي فإنه يبنى عىل الفتح أو الضـم أو السـكون ،وأمـا األمـر فإنـه يبنـى عـىل مـا جيـزم بـه
مضارعه ،يعني يبنى عىل حذف النون يف أمر األفعال اخلمسة ،ويبنى عىل حذف حرف العلـة يف
أمر املضارع املعتل اآلخر ،ويبنى عىل السكون فيَم سوى ذلك ،هذا كل ما حتتاج إليه يف إعـراب
ما قبل خط اإلعراب ،وهذا كل ما يمكن أن يقال يف هذه الثالثة احلروف واملايض واألمر.
وألن إعراهبا ثابت ال حيتاج إىل أن تكون يف مجل ،يعني إعراهبـا ثابـت يف مجلـة أو وحـدها؛
ألهنا ال تتأثر بجملتها يف إعراهبا.
فهل :إعراهبا ثابت من دون أن تنظر يف مجلتها ،فتقول يف نوعها :حرف استفهام ،وتقـول يف
حكمها اإلعراِب :ال ُمل هلا من اإلعراِب ،وتقول يف حركة إعراهبا :مبنـي عـىل السـكون ،هـذا
إعراهبا ما يتغري يف القرآن ،يف السنة ،يف الشعر ،يف القديم ،يف احلديث هذا إعراهبا.
وتقول عن "عن ،أو يف ،أو عىل" :حرف جر ال ُمل له من اإلعراب ،مبني عـىل السـكون،
هذا إعراهبا يف كل مكان.
لو قلنا :دخل أو خرج ،أو نجح ،أو قام أو جلس ،أو دحرج أو أكرم ،أو بعثر ،أو زلزل ،أو
انطلق ،أو افتتح ،أو استخرج أي فعل مايض ،ثالثي ،أو رباعي ،أو مخايس أو سـدايس ،إعراهبـا
واحد ،كل األفعال املاضية إعراهبا واحد ،تبني نوعها فتقولٌ :
فعل مايض ،وتبني ُملها اإلعـراِب
فتقول :ال ُمل هلا من اإلعراب ،وتبني حركة بنائها فتقول :مبنـي عـىل الفـتح الظـاهر يف مجيـع
األمثلة السابقة ،أو املقدر يف ثالثة مواضع إذا كان معتل اآلخر كدعى وسـعى ،أو متصـل بـواو
ٍ
بضمري متحرك كذهبت. ا
متصال اجلَمعة كذهبوا وجلسوا ،أو
ٍ
مـاض أو لو أردنا أن نعرب كان ،كان مـا نوعهـا؟ اسـم أم فعـل أم حـرف؟ فعـل ،طيـب
ٍ
ماض ،وصلنا ،فعل مايض تعرب إعراب الفعل املايض ،يعني نعرهبا مثل دخل مضارع أو أمر؟
56 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ٍ
ماض نـاقص وخرج كاإلعراب السابق ،إال أننا نزيد يف إعراهبا فنقول :ناقص أو ناسخٌ ،
ففعل
مبني عىل الفتح ال ُمل له من اإلعراب ،وكذلك يف ظن ،تقول :اإلعراب نفسه.
أيضا إعرابه ثابت تقول يف إعراب اجلس أو اذهب أو قم ،أو انتبـه ،أو انطلـق،
وفعل األمر ا
أو استخرج ،أو اسكن ،أو استغفر ،أو سبح كلها إعراهبا واحد تقول :فعل أمر ال ُمـل لـه مـن
اإلعراب مبني عىل السكون ،فإن كان معتل اآلخـر ،تقـول :مبنـي عـىل حـذف حـرف العلـة،
كاخرشب أو أقيض باحلق ،أو أدعو إىل احلق.
فإن كان املضارع من األفعال اخلمسـة تقـول :مبنـي عـىل حـذف النـون كـاذهبوا واذهبـا
واذهبي ،فهذا إعراب ما قبل خط اإلعراب ،ما يف كالم آخر ،آخر عهدنا به هنا؛ لن نتكلم عـىل
هذه الثالثة بعد ذلك ،باقي النحو ملا بعد خط اإلعراب يعني لألسَمء واملضارع.
قد :حرف.
وأفلح :ماض.
واملؤمنون :اسم.
قد :إعراهبا ثابت حرف حتقيق مبني عىل السكون ال ُمل هلا من اإلعراب.
أفلح :ماض إعراهبا ثابت فعل ماض مبني عىل الفتح ال ُمل له من اإلعراب.
الشيخ /سليمان العيوني 57
ٍ
حينئذ حيتاج إىل أن نعرف حكمه اإلعراِب ،وهكذا. املؤمنون :اسم
39:07جانبي
اسم ال
وأما ما بعده فهو بعكس ما قبله يعني جيب أن تدخله األحكام اإلعرابية ،ليس هناك ٌ
ُمل له من اإلعراب ،أو ٌ
فعل مضارع ال ُمل له من اإلعراب ،نعـم اختلفـوا يف بعـض األسـَمء
اختالفات نعم اختلفوا يف بعض األسَمء اختالفات قليلة ،كضمري الفصل ،بعضهم قال ال ُمـل
له من اإلعراب.
لكن األصل يف األسَمء وأما األفعال املضارعة فكلها ال بد هلا من حكم إعـراِب ،كـَم ف يصـل
من قبل :إما رفع أو جر أو جزم أو جر.
ومتى يكون حكمها الرفع أو النصب أو اجلزم؟ هذا الذي سيأيت يف فروع النحو وجزئياتـه،
بعد أن ننتهي من مقدماته وأصوله ،يعني األحكام الرتكيبية من املبتدأ إىل اخلرب إىل آخـر النحـو
هو كله بيان ملواضع رفع االسم ونصبه وجره ،وبيان ملواضع رفع املضارع ونصبه وجزمه.
أما اآلن فَمزلنا نتكلم عن أصول النحو ،التي حتتاج إليها يف كل أبواب النحو القادمة.
أما املضارع ،فإنك تبدأ إعرابه كذلك ببيان نوعه ،فتقول فعل مضارع.
فأي مضارع إذا أردت أن تبدأ إعرابه فتبدأ إعرابه بَمذا؟ ببيان نوعه ،متى ما بدأت املضـارع
صحيحا.
ا بغري قولك فعل مضارع فإعرابك ليس
ِ
وأنت تذهبني. فيذهب ُممد ،وُممد يذهب ،ولن يذهب ُممد ،والرجال يذهبون
58 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
خرب ملبتدأ خطأ؛ ألن املضارع ما يمكن أن تقـول عنـه خـرب ،املضـارع مـا
ويذهب إن قلت ا
تقول يف إعرابه إال فعل مضارع ،وهو فعل مضارع مرفوع ،وفاعله مسترت ،ثم اجلملة من الفعل
والفاعل هي اخلرب ،فاملضارع ليس هو اخلرب.
وكذلك لو قلت كان ُممد يذهب ،فمحمد اسم كان ،ويذهب ما تقول خـرب كـان تقـول:
فعل مضارع ،واخلرب اجلملة.
وأما االسم ،فإذا أردت بداية إعرابه ،فإنك ال تبدأ إعرابه ببيان نوعه ،كـاحلروف واألفعـال
إذا أردت أن تعرب االسم ال تبدأ إعرابه ببيان نوعه ،يعني ال تقول ا
مثال :جاء ُممدُ ،ممد علم،
أو اسم مفعول ،أو اسم مزيد ،مع أن هذه األشياء صحيحة لكن ليست إعرا ابا.
وإذا قلت جاء هؤالء قولك اسم إشارة ليس إعرا ابا معه أنه صحيح ،لكن ليس إعرا ابا.
أو ذهبت تقول التاء ضمري متكلم ،صحيح لكن ليس إعرا ابا.
إ اذا كيف نبدأ إعراب االسم؟ نبدأ إعراب االسم ببيان موضعه يف اجلملة ،يف اجلملـة ،يعنـي
عندما وقع االسم يف هذا املوضع يف اجلملة َّ
دل عىل ماذا؟ ما املعنى النحـوي ،الوظيفـة النحويـة
التي َّ
دل عليها االسم عندما وقع يف هذا املوقع؟
االسم واحد ،لكن وظائفه النحوية ختتلف باختالف مواقفه يف اجلملة ،فمحمـد يف قولـك:
دل عىل من فعل املجيء ،فنقول فاعل ،لكن يف قولك :أكرمـت ُممـدا ا َّ
دل عـىل مـن جاء ُممد َّ
الشيخ /سليمان العيوني 59
كلمة خائف لو قلت :دخل علينا اخلائف اخلائف هنا دلت عىل مـن؟ عـىل الـداخل ،يعنـي
الذي فعل الدخول ،صار فاعل ،لكن لو قلت :هدأت اخلائف هنا دلت عىل من؟ عىل املهدأ وال
املهدئ ،يعني املهدأ يعني املفعول الذي وقعت عليه التهدئة ،نقول مفعول بـه ،يعـرب بحسـب
الوظيفة النحوية التي َّ
دل عليها بحسب موقعه يف اجلملة.
ولو قلت جاء ُممد خائ افا ،خائ افا دلت عىل هيئة ُممد وحالة ُممد وقت الدخول ،فنقول يف
إعراهبا حال ...وهكذا.
ناجح فَمذا تقول يف إعراب ُممد؟ تبني موقعها يف اجلملة ،هنا مل تـدل عـىل
ٌ فإذا قلتُ :ممد
من فعل أو من وقع عليه الفعل ،أو هيئة أو نحو ذلك ،وإنَم وقعت يف ابتداء الكـالم لكـي خيـرب
عنها ،وهذا موقع عند العرب ،أنه يبتدئ باالسم لكي تنتظر خربه ،تقولُ :ممد فتنتظر ما بالـه؟
ابتدأت بالكلمة لكي خترب عنها ،فنقول :هذا اسم مبتدأ به ،نقول مبتدأ ،والذي يكمل فائدة هـو
اخلرب فكريم خربه ،وهكذا.
إ اذا فاالسم عندما تعربه ال تبني نوعه ،ولو بينت نوعه فهذا ليس خطئاا ولكنه لـيس إعرا ابـا،
وال تبني نوعه إال يف موضع واحد إذا سبق بحرف جر ،سلمت عىل ُممـد تبـدأ إعـراب ُممـد
فتقول اسم ،أو تبني نوعه األدق كأن تقول سلمت عليك ضمري ونحو ذلك.
كريَم ُممد اسم كان ،هذا بيان ملوقع الكلمة ،ملوقـع االسـم
فإذا قلت :وقوهلم يف كان ُممد ا
يف اجلملة أم بيان لنوعه؟
60 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
وأما االسم ،فهو الذي إذا أردت أن تبدأ إعرابه ال تبني نوعه وإنَم تبني موقعه يف اجلملة.
ثم يف الركن الثان لالسم املضارع ،تبني احلكم اإلعراِب ،وال بد هلَم من حكـم إعـراِب يـأيت
الكالم عىل تفصيله يف بقية النحو ،إال أن االسم املضارع إذا كان معربني فتبني حكمهَم اإلعراِب
بقولك :مرفوع – منصوب – جمرور – جمزوم عىل وزن مفعول ،وإذا كان مبنيني ،فتبني حكمهَم
اإلعرابيني بقولك :يف ُمل رفع -يف ُمل نصب – يف ُمـل جـر – يف ُمـل جـزم ،هنـا فـرق بـني
املعرب واملبني بني األسَمء واملضارع يف طريقة اإلعراب.
كالمها فاعل ،والفاعل حكمه الرفع ،لكن كيف نأيت بالركن الثان؟ كيف نكمل اإلعراب؟
نقول :جاء ُممدٌ فاعل مرفوع ،وجاء هؤالء فاعل يف ُمل رفع ،وقولـك مرفـوع ،يعنـي أن
االسم حكمه الرفع وهو معرب ،حكمه الرفع ألنه فاعل ،وهو معرب؛ ألن ُممد فاعل معرب.
وكذلك يف النصب ،أكرمت ُممدا ا مفعول به منصـوب ،أكرمـت هـؤالء مفعـول بـه ُمـل
نصب.
وكذلك يف اجلر سلمت عىل ُممد اسم جمرور ،وسلمت عىل هؤالء اسم يف ُمل جر.
الركن الثالث :بيان احلركة وواضح أنك يف بيان األسَمء واملضارع سـتكون احلركـة عليهـا
دائَم مرفـوع وعالمـة رفعـه ،منصـوب وعالمـة نصـبه ،جمـرور
عالمة إعراب ،فلهذا ستقول :ا
وعالمة جره ،جمزوم وعالمة جزمه هذه أشياء مرتابطة.
وأما يف املبني من األسَمء من املضارع ،فإنك مهَم قلت يف ُمل كذا تقول مبني عـىل كـذا ،يف
ُمل رفع مبني عىل كذا ،يف ُمل نصب مبني عىل كذا ،يف ُمل جر مبني عـىل كـذا ،يف ُمـل جـزم
مبني عىل كذا ،فجاء ُممد فاعل مرفوع وعالمة رفعه الضمة ،وجاء هؤالء فاعـل يف ُمـل رفـع
مبني عىل الكرس ،وجاء أخوك فاعل مرفوع ،وعالمة رفعه الواو ،وجاء هذا فاعل يف ُمـل رفـع
مبني عىل السكون.
وإذا قلت ال تلعب فال ناهية جازمة تعرب إعراب احلروف ،يعني حرف جـزم وهنـي مبنـي
عىل السكون ال ُمل هلا من اإلعراب ،وتلعب فعل مضارع جمزوم وعالمة جزمه السكون ،لكـن
تلعبن فعـل مضـارع يف ُمـل
ن تلعبن هذا مضارع مبني التصاله بنون التوكيد ،نقول تلعب يف
ن ال
جزم مبني عىل الفتح وهكذا ،فهذا ما يتعلق بخط اإلعراب.
يبقى لنا الكالم عىل عالمات اإلعراب ،التي انتقل إليها ابن هشام رمحه اَّلل فقال بعـد ذلـك
62 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
(ف ْريفع بضمة ،وينصب بفتحة ،وجير بكرسة ،وجيزم بحذف حركة)
فإن سألت وقلت ملاذا سموا هذه احلركات التي عىل املعربات سموها عالمات؟
فاجلواب عن ذلك :أن حركات املعربات تسمى عند النحويني عالمات؛ ألهنا تعلم باحلكم
اإلعراِب ،فالضمة عىل املعرب تعلم بالرفع ،والفتحة عىل املعرب تعلم بالنصب ،والكرسة عىل
املعرب تعلم بأن احلكم اإلعراِب اجلر ،والسكون عىل املعرب تعلم بأن احلكم اإلعراِب اجلزم،
فهي عىل ذلك مأخوذة من العلم ،وقيل مأخوذة من العلم وهو اجلبل؛ ألهنا أمارة عىل احلكم
اإلعراِب كَم أن اجلبل أمارة تدل من بعيد عىل ما حوله.
فاخلالصة :أن العالمة اإلعرابية وظيفتها أهنا تعلم املتكلم واملخاطب تعلمه باحلكم اإلعراِب
لكلمتها.
ابن هشام بدأ بالتقسيم األول ،فذكر عالمات اإلعراب األصلية يف عبارته السابقة ،وسبق
َشح ذلك.
لكن يلحظ عىل عبارته السابقة أنه قال يف عالمة اجلزم ،قال( :وجيزم بحذف حركة) ومل يقل
وجيزم بالسكون كاملشهور.
الشيخ /سليمان العيوني 63
وكأنه أراد واَّلل أعلم تنبيه الطالب إىل أن السكون ليس حركة ،بل هو خلو احلرف من
احلركات ،فاحلركات ثالث :الضمة والفتحة والكرسة فإذا خىل احلرف من احلركات صار
ساكناا ،يعني خال ايا من احلركات.
ثم ذكر بعد ذلك عالمات اإلعراب الفرعية وأبواهبا ،فقال( :إال األسَمء الستة) ثم عطف
عليها بقية أبواب عالمات اإلعراب الفرعية فقال( :واملثنى ،ومجع املذكر السامل ،وما مجع بألف
وتاء مزيديتني ،وما ال ينرصف ،وال مثيلة اخلمسة ،والفعل املضارع املعتل اآلخر) فهذه سبعة
أبواب للعالمات الفرعية ،مخسة منها من األسَمء ،واثنان من الفعل املضارع.
ثم بدأ ابن هشام رمحه اَّلل يذكر أبواب عالمات اإلعراب الفرعية با ابا با ابا ،فبدأ باألسَمء
فرتفع بالواو
الستة ،فقال( :إال األسَمء الستة ،وهي أبوه وأخوه ومحوها وهنوه وفوه وذو مالْ ،
وتنْصب باأللف وجتر بالياء .واألفصح استعَمل ه ٍن كغ ٍد)
ابن هشام كَم سمعتم جعل هذه األسَمء ستة ال مخسة ،وزاد فيها هن ونمر عليها برسعة،
فأما أبوك وأخوك فمعروفان ،وأما محوها فاحلم مجعه أمحاء ،ومؤنثه محاة ،واملشهور أن أمحاء
64 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
الزوجة أقرباء زوجها ،كل أقرباء الزوج أمحاء للزوجة ،كأبيها آسف كأِب الزوج ،وأخيه،
وعمه ،وأبناء عمه ،وأمه ،ونحو ذلك ،وأبوه ،أبو الزوج محوها ،وأم الزوج محاهتا ،وهكذا.
وأما فوك فهو الفم ،إذا أسقطت منه امليم وع يوض عنها بالواو ،فو ثم تضاف فيقال فوك ،أو
فو ُممد ونحو ذلك.
وأما ذو فهو بمعنى صاحب نحو ذو علم وذو فضل ،وأما هنوك ،وهي الكلمة التي زادها
ابن هشام ،وزادها النحويني الذين جعلوا هذه األسَمء ستة ،فاهلن يعرب به يف اللغة عن كل ما
يستقبح الترصيح به ،كالعورات والشتائم ،ونحو ذلك.
تقول ملن بدت عورته غطي هناك ،لكي ال ترصح باسم العورات ،ومن ذلك احلديث «من
تعزى بعزاء اجلاهلية فأعضوه هبنئ به وال تكنوا» ،أي قولوا له :عض عن أبيك ،تبكيتاا له
وتسكيتاا.
فعىل ذلك صارت ستة ،وهذه األسَمء الستة إنَم تعرب باحلروف هذا اإلعراب ثالثة
َشوط ،ال مطل اقا:
الشيخ /سليمان العيوني 65
الرشط األول :أن تكون هبذه األلفاظ املذكورة أبوك ،أخوك إىل آخره يعني ال تكون مثناة
وال جمموعة ،وال مصغرة.
والرشط الثالث :أال تكون مضافة إىل ياء املتكلم ،نحو جاء أبوك ،جاء أبو ُممد ،جاء أبو
األوالد ،جاء أبو األفكار ،وهكذا.
بخالف جاء أبواك فهذا مثنى ،يعرب بإعراب املثنى ،أو جاء آباؤك هذا مجع تكسري ،يعرب
أيضا بالعالمات األصلية ،أو جاء أب
بالعالمات األصلية ،أو جاء أبيك هذا مصغر ،يعرب ا
هذا غري مضاف ،يعرب بالعالمات األصلية ،أو جاء أِب أضفنا إليه املتكلم ،يعرب العالمات
األصلية ولكن املقدرة ،فكلها إذا خالفت الرشوط كَم رأيتم تعرب العالمات األصلية إال املثنى
يعرب إعرا ابا مثنى.
ثم قال ابن هشام خامتاا الكالم عن األسَمء الستة( :واألفصح استعَمل ه ٍن كغ ٍد)
يعني أن كلمة اهلن فيها لغتان عن العرب ،اخلالف فيها عن العرب ،وليس عن النحويني،
إذا أضيفت إىل غري ياء املتكلم ،فجمهور العرب أكثر العرب يعربوهنا ككلمة ٍ
غد ،يعني
يعربوهنا بالعالمات األصلية ،يقولون :هذا هنك وغطي هنك ،وهبنِك ،وهكذا يرفعون
بالضمة ،وينصبون بالفتحة وجيرون بالكرسة.
فعىل هذا تكون هذه األسَمء مخسة ،كَم يفعل كثري من النحويني يأخذون بلغة مجهور
العرب.
وبعض العرب يعربون اهلن إذا توافرت فيه الرشوط باحلروف ،كاألسَمء اخلمسة،
فيقولون :هذا هنوك ،وغطي هناك ،وهبنيك ،فعىل لغتهم هذه تكون هذه األسَمء ستة ال مخسة.
66 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ثم قال ابن هشام يف الباب الثان ،من أبواب عالمات اإلعراب الفرعية ،والباب الثالث من
ِ
السامل أبواب عالمات اإلعراب الفرعية ،قال( :واملثنى كالزيدان فريفع باأللف ،ومجع املذكر
كالزيدون فريفع بالواو ،وجي َّر ِ
ان وينصبان بالياء)
واضح يف عبارة ابن هشام أنه مجع الكالم عىل املثنى ومجع املذكر السامل ،ملاذا؟ الجتَمعهَم يف
بعض األحكام ،يف عالمة اجلر والنصب ويف وجود ملحقات هبَم.
اجلواب عن ذلك :ألن الياء يف احلقيقة عالمة اجلر ،الياء يف املثنى ومجع املذكر السامل يف
احلقيقة عالمة اجلر؛ ألن الياء أم الكرسة ،الكرسة عالمة اجلر ،والنصب فيهَم ُممول عىل اجلر
ا
محال ،فالرفع له عالمة مستقلة ،األلف للمثنى وهو يف اجلمع املذكر السامل ،واجلر له عالمة
مستقلة وهي الياء ،والناصب ليس له عالمة مستقلة ،ولكن العرب محلوه ا
محال عىل اجلر؛ ألهنم
لو أجروا القياس هنا جلعلوا عالمة النصب الفتحة ،آسف جلعلوا عالمة النصب األلف،
فاختلط باملثنى املرفوع ،ومجع املذكر السامل سيختلط باملثنى ،فرتك كل ذلك لعدم االختالط
واللبس وأحلقوا النصب باجلر.
أيضا اجلر عىل النصب يف مجع املؤنث السامل ،كَم سيأيت ،يقولون:
وهلذا يقدم النحويون ا
"وجير وينصب بالكرسة"؛ ألن الكرسة يف مجع املؤنث السامل عالمة اجلر ،الكرس يف األصل
عالمة اجلر ،ثم إن النصب يف مجع املؤنث السامل ُممول عىل اجلر ،فيكون جير وينصب بالكرسة.
(وكال وكلتا مع الضمري كاملثنى ،وكذا اثنان واثنتان مطلق اا وإن ركيبا) فذكر امللحق باملثنى.
امللحق باملثنى هو ما أعربته العرب إعراب املثنى ومل تتوافر فيه َشوط املثنى ،يعني ليس
مثناى يف احلقيقة ،ولكن العرب أعربته إعراب املثنى ،رفعته باأللف ،وجرته ونصبته بالياء،
وامللحقات كَم ذكر ابن هشام أربع كلَمت ،وكلها عدت ملحقات باملثنى ال مثنيات حقيقية؛
ألن ال مفرد هلا ،فكال وكلتا ال مفرد هلَم ،ليس مفردمها كل ،كل مجع وكال وكلتا مثنى ،كيف
اجلمع يصري أكثر من املفرد؟ املفرد كل صار أكثر من اجلمع كال أو كلتا؟ ال كل كلمة وهي دالة
عىل اجلمع ،وكال وكلتا كلمتان مرجتلتان للتثنية.
وكذلك اثنان واثنتان ،اثنان ليس مثنى ا ْث ٌن وا ْث ٌن ،ا ْث ٌن وا ْث ٌن صار اثنني ،ال اثنان هذه كلمة
مرجتلة هلذا املعنى ،لكن العرب أعربوها إعراب املثنى.
احلالة األوىل :أن يضافا إىل ضمري كالمها -كلتامها – كالنا ،فيلحقان بإعراب املثنى ،تقول:
ذهب الرجالن كالمها ،أو أكرمت الرجلني كليهَم ،ونحو ذلك.
واحلالة الثانية :أن يضاف إىل اسم ظاهر ،يعني غري ضمري فيعربان إعراب االسم املقصور
املختوم بألف ،يعني يعرب بعالمات أصلية مقدرة ،ويلزم األلف ،تقول ذهب كال الرجلني،
وأكرمت كال الرجلني ،وسلمت عىل كال الرجلني.
والكلمة الثالثة والرابعة من امللحقات باملثنى ،اثنان واثنتان ويلحقان باملثنى مطل اقا ،ما معنى
مطل اقا؟ يعني بال َشط إضافتهَم إىل ضمري ،نحو جاء اثنان من الرجال وأكرمت اثنني من
الرجال ،وسلمت عىل اثنني من الرجال.
68 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
قال ابن هشام( :وإن ركيبا) يعني ولو ركبا يف األعداد املركبة من أحد عرش إىل تسعة عرش
فأيضا يعربان إعراب املثنى ،تقول :جاء اثنى عرش ا
رجال فاعل مرفوع عالمة رفعه األلف، ا
رجال مفعول به منصوب وعالمة نصبه الياء ،وسلمت عىل اثني عرش ا
رجال وأكرمت اثني عرش ا
جمرور وعالمة جره الياء.
حسناا ،ثم ذكر ابن هشام -رمحه اَّلل -امللحق بجمع املذكر السامل ،فقال:
وسنون وبابه وبنون ِ
وع يل ُّيون وع ْرشون وأخواته وعاملون وأهلون ووابِلون وأرضون ِ
(وأولو ِ
ْ ْ
وش ْبهه كاجلمعِ)ِ
قوله :كاجلمع هذا خرب لقوله أولو وما عطِف عليه ،يقول :أولوا وما عطف عليه ما باهلا
هذه كاجلمع
أيضا امللحق بجمع املذكر السامل ،هو ما أعربته العرب إعراب مجع املذكر السامل ،ومل تتوافر
ا
ٍ
مذكر سا املا توافرت فيه الرشوط ،ومع ذلك أعربته العرب هذا فيه َشوطه ،ليس مج اعا ،مجع
اإلعراب.
فجمع املذكر السامل ،يعني ال يكون إال ملذكر ،ال يكون ملؤنث ،وسامل ال بد أن تسلم فيه
صورة املفرد ،ومجع املذكر السامل ال يكون إال لعلم املذكر وصفة املذكر فقط.
إ اذا نكمل -إن شاء اَّلل -بعد الصالة واَّلل أعلم وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ُممد وعىل آله
وأصحابه أمجعني.
الشيخ /سليمان العيوني 69
بسم اَّلل الرمحن الرحيم ،احلمد َّلل رب العاملني ،الصالة والسالم عىل نبينا ُممـد ،وعـىل آلـه
وأصحابه أمجعني أما بعد:
" 00:50جانبي"
قبل الصالة كنا قرأنا ما قاله ابن هشام رمحه اَّلل تعـاىل يف امللحقـات يف مجـع املـذكر السـامل،
وعرفنا املراد بامللحق بجمع املذكر السامل ،وابن هشام رمحه اَّلل ذكر منها تسعة أشياء.
ٍ
مـذكر سـا املا؛ ألهنـا األول من هذه امللحقات كلمة( :أ ْولو) بمعنى أصحاب ،وليست مجـع
ليس هلا مفرد ،ليس مفردها ذو ،وإن كان مفر ادا هلا يف املعنى لكن ليس مفـر ادا هلـا يف اللفـظ ،ذو
ذال واو ،أما أوىل فليس فيها ذال ،تقول :جاء أولوا علم ،وأكرمـت أويل علـم ،وسـلمت عـىل
أويل علم.
والثان من هذه امللحقات :قال( :عرشـون وبابـه) يعنـي ألفـاظ العقـود مـن العرشـين إىل
التسعني ،وهي ليست مج اعا؛ ألهنا ليس هلا مفرد ،فثالثون ليست مجع ثالثة وثالثة وثالثة ،فثالثـة
اسم مرجتل هلذا العدد تقول :جاء ثالثون ٌ
رجل، وثالثة وثالثة مجعها تسعة ،وليس ثالثون ،فهو ٌ
رجال ،وسلمت عىل ثالثني ا
رجال. وأكرمت ثالثني ا
ٍ
مـذكر سـا املا؛ والثالث من هذه امللحقات :كلمة (عاملون) عاملون مفرده عامل ،وليست مجـع
خاص بجمع علم
ألنه ليس بعلم وال بوصف ،بل هو اسم جنس ،ومجع املذكر السامل كَم ذكرنا ٌ
املذكر ووصفه ،تقول :العاملون كثريون ،وتقول :رب العاملني وهكذا.
فإن قلت :هل عامل مجعه عاملون؟ أم ال؟ فهـذا فيـه خـالف؛ ألن معنـى الكلمتـني خمتلـف،
فاملستعمل يف اللغة أنك إذا مجعت فقلت :العاملني كان ذلك ملا سوى اَّلل عـز وجـل إذا أفـردت
70 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
كان ذلك فيَم سوى اَّلل عز وجل ،وإذا مجعت مج اعا للواو والنون كان ذلك للعاقل ،وإذا مجعـت
مجع تكسري عوامل شمل ما سوى ذلك من غري العاقل ،يعني تقول ا
مثال :عامل اإلنس ،عامل اجلـن،
عامل النمل ،وهكذا من العاقل وغري العاقل ،لكن إذا قلت :العاملني هذا ال يشـمل غـري العاقـل
كاحليوانات وإنَم عامل مجعه عوامل فاختالف املعنى بني عاملني وعامل رأى املحققون أن كلمـة عـامل
ليس مفر ادا للعاملني ،وإنَم مفرد عوامل.
الكلمة الرابعة أو اليشء الرابع مما ذكر ابن هشام من امللحقات بجمـع املـذكر السـامل قـال:
(أهلون)
اسم جامد أهلون بمعنـى أهـل، مذكر سا املا؛ ألنه ليس بعل ٍم وال وصف ،بل هو ٌ ٍ وليس مجع
قال تعاىل﴿ :شغلتْنا أ ْموالنا وأ ْهلونـا [الفتح ،]11:وقـال﴿ :إِىل أ ْهلِ ِ
ـيه ْم أبـدا ا [الفتح،]12:
فأعرب إعراب مجع املذكر السامل.
واخلامس من امللحقات كلمة( :وابلون) الوابلون يعني املطر الكثيف بمعنى الوابل ،فوابـل
خـاص بجمـع
ٌ ٍ
مذكر سا املا ألنه ليس لعاقل ،ومجع املذكر السـامل مجعوه عىل وابلون ،وليس مجع
وابل ،أو نزل وابلون ،نسأل اَّلل ا
وابـال ،أو نسـأل اَّلل وابلـني ونحـو املذكر العاقل ،تقول :نازل ٌ
ذلك.
ٍ
مـذكر سـا املا؛ ألن مفـرده والسادس من امللحقات( :أرضون) ومفرده أرض ،ولـيس مجـع
وأيضا مل يسلم فيه بناء املفرد ،فقال :أرضـون ،ومـع ذلـك أحلقوهـا
مؤنث ،تقول :هذه أرض ،ا
إحلا اقا بإعراب مجع املذكر السامل.
ٍ
مذكر سـا املا ألنـه والسابع من امللحقات قال( :سنون وبابه) السنون مفرده سنة ،وليس مجع
وأيضا ليس بعاقل ،وما املراد بباب سنني؟ املراد بباب سـنني كـل اسـ ٍم
ليس بعلم وال وصف ،ا
ثالثي حذفت المه وعوض عنها بتاء تأنيث ،هناك كلَمت ثالثية ثالثة أحرف ،احلـرف الثالـث
الشيخ /سليمان العيوني 71
حرف علم ،فيحذفون احلرف الثالث يعني الالم ،ويعوضون عنه بتاء تأنيث كسنة ،سـنة أصـله
سنوات والدليل عىل ذلك مجعه سنوات ،سنوات هذه الـواو هـي الـالم وقـد عـادت سـنوات
لكنهم حذفوها وعوضوا عنها بتاء التأنيث ،وكذلك كلمة عظة بمعنى كذب وافرتاء ،فجمعت
ـذين جعلـوا ا ْلق ْـرآن ِع ِضـني [احلجر،]91: يف اللغة فقيل :عظون وعظني ،كَم قال تعاىل﴿ :ا َّل ِ
الشـَم ِل
ـن ي ـن ا ْلي ِم ِ
ـني وع ِ وعزة بمعنى الفرقة من الناس ،قالواِ :عوزن وعزين ،قـال تعـاىل﴿ :ع ِ ِ
والثامن مما أحلق بجمع املذكر السامل( :بنون) بنون مفرده ابن ،وليس هو بعلم ،وال بوصف،
ٍ
مذكر سا املا ،ومع ذلك أعربته العرب إعراب مجع ومع ذلك مل يسلم فيه املفرد؛ فلهذا ال يعد مجع
املذكر السامل ،فيقولون :هؤالء بنون ،وأكرمت بنني ،وسلمت عىل بنـني ،وتقـول :هـؤالء بنـو
أيضـا فتعـرب
ُممد ،سلمت عىل بني ُممد وهكذا ،وكلمة ابن جتمع مجـع تكسـري عـىل أبنـاء ا
بالعالمات األصلية ،وإنَم الكالم هنا عىل مجعها بالواو والنون..
التاسع وهو األخري مما أحلق بجمع املذكر السامل قال فيه ابن هشام( :عليـون وشـبهه) املـراد
بشبه عليني املسمى بجمع املذكر السامل ،فباب التسمية يف اللغة واسع ،التسمية يف اللغة العربيـة
باهبا واسع يمكن أن تسمي ابنك ،أو كتابك ،أو ُملك ،أو َشكتك أو غري ذلك بأي ٍ
بـاب مـن
باب األسَمء ،فتقول ا
مثال :اسم الفاعل ،اسـم املفعـول تسـمي ولـدك نـارص اسـم مفعـول ،أو
منصور اسم مفعول ،أو حسن صفة مشبهة ،أو فالح مصدر ،وجيوز أن تسمي بالفعل ،فتسـميه
يقوم ،أو يسجد ،أو يشكر ،أو تغلب ،أو يزيد أو أمحد ،هذه كلها أفعال ،أو شمر "من شمر عن
ساعده".
وجيوز أن تسمي باحلروف كأن تسمي هبيا ،وجيوز أن تسمي بجملة كَم سمت العرب تأبط
ٍ
مـذكر سـامل كـأن ٍ
بموصوف وصفته ،وجيوز أن تسـمي بجمـع َشا ،أو تسمي ببعض مجلة ،أو
ا
72 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
تسمي ولدك ُممدون أو ُممدين ،وزيدون ،وزيدين ،ومن ذلك عليون وهو اس ٌم ألعـىل اجلنـة
ووسطها ،جعلنا اَّلل ووالدينا وإياكم من أهلها.
فعليون مما سمي بجمع املذكر السامل ،فيعرب إعراب مجع املذكر السامل كـَم يف قولـه تعـاىل:
﴿ك َّال إِ َّن كِتاب األ ْبر ِار ل ِفي ِع يل ييني * وما أ ْدراك ما ِع يل ُّيون [املطففني ،]19-18:فجـره باليـاء
ورفعه بالواو ،وكذلك تقول يف ولدٌ سميته زيـدون ،تقـول :جـاء زيـدون ،وأكرمـت زيـدين،
وسلمت عىل زيدين ،وهكذا لو سميت ا
مثال َشكتـك املتحـدون ،فتقـول :املتحـدون تترشـف
بإضافتكم ،أو إن املتحدين تترشف بقدومكم ،أو سنذهب إىل املتحدين ونحو ذلك.
وجيوز يف املسمى بجمع املذكر السامل وج ٌه آخر غـري اإلعـراب وهـو :إلزامـه مـا سـمي بـه
وحكايته ،أن تلزمه بالواو أو بالياء عىل حسب ما سميته به ،وحتكيه حكاية ،يعني سميته زيدون
تلزمه الواو وحتكيه يف النصب واجلر والرفع بالياء ،أو سميته زيدين تلزمـه اليـاء ،وحتكيـه عـىل
دائَم
ذلك يف الرفع والنصب واجلر ،وكذلك لو سميت َشكتك املتحدون جيوز أن تلزمها الواو ا
هكذا يف الرفع والنصب واجلر وهكذا.
ثم انتقل بعد ذلك إىل الباب الرابع من باب عالمات اإلعراب الفرعيـة وهـو مجـع املؤنـث
السامل.
ـمي بـه مـنهَم فينصـب وفيه قال ابن هشام( :وأوالت وما مجِع ٍ
بألف وتاء م ِزيـدت ْ ِ
ني ومـا س ي
ِ
البنات) ِ
السموات ،واصطفى بالكرسة ،نحو خلق
هنا أسئلة:
سؤال :ملاذا فعل ابن هشام املدقق ،واملحقق مـا مجـع بـألف وتـاء مزيـدتني ،وتـرك التعبـري
املشهور مجع املؤنث السامل ،وفعل ذلك كثريون من النحويني املحققني كابن ٍ
مالك وغريه؟
مؤنث سا املا بل يعرب بعالمـات اإلعـراب األصـلية فتقـول :هـؤالء دعـاةٌ ،وأكرمـت دعـاةا،
وسلمت عىل ٍ
دعاة وهكذا.
هل جلمع السامل ملحقات كَم أن للمثنى ملحقات؟ وجلمع املذكر السامل ملحقات؟
اجلواب :نعم.
ِ
باألفضل أو باإلضافة فقال( :وما ال ينرصف فيجر بالفتحة نحو بأفضل منه ،إال مع أ ْل نحو
نحو بأفضلِكم)
فسمى النحويون تلك األسَمء :األسَمء املمنوعـة مـن الرصـف ،إ اذا مـا املـراد بالرصـف يف
بـاب مسـتقل يف آخـر قطـر
العنوان هنا ،يعني التنوين ،وقيل :التنوين واجلر بالكرسة ،وسـيأيت ٌ
الندى عن األسَمء املمنوعة من الرصف وسيذكرها كلها وشيئاا من أحكامها.
منها ا
مثال :االسم الذي عىل وزن مفاعل أو مفاعيل كمساجد ،وقناديل.
قال ابن هشام( :إال مع ال أو باإلضافة) يعني أن هـذه األسـَمء جتـر بالفتحـة فتقـول :جـاء
إبراهيم وأكرمت إبراهيم ،وسلمت عىل إبراهيم إال إذا دخلت عليها "ال" أو وقعـت مضـا افا
ٍ
حينئذ جتر بالكرسة تعود إىل اجلر بالكرسة تقـول :صـليت يف املسـاجد، مضاف إليه فإهنا
ٌ بعدها
ـاج ِد [البقرة ،]187:تقـول :سـلمت عـىل أكـربكم ،قـال
قال تعاىل﴿ :وأنْت ْم عاكِفون ِيف ا ْملس ِ
فإن سألت وقلت :إذا جرت هذه األسَمء بالكرسة يف هذين املوضعني فهل هي ممنوعة مـن
الرصف؟ أم صارت مرصوف اة؟
واملشهور عند املتأخرين أهنا ممنوع ٌة من الرصف إال أهنا جرت بالكرسة يف هذين املوضـعني
للسبب املذكور بعد قليل.
فإن قلت :ملاذا جرت العرب هذه األسَمء بالكرسة يف هذين املوضعني فقط؟ ملاذا؟
فاجلواب :ألن جانب االسمية يف هذه األسَمء تقوى عندما دخلت خاصية مـن خصـائص
األسَمء وهي "ال" واإلضافة ،فال"ال" واإلضافة من خصائص األسَمء فعندما دخلـت عـىل
االسم تقوى جانب االسمية فيه فعاد إىل حكم األسَمء فانجر بالكرسة ،وهذا مـن مراعـاة مثـل
هذه األحكام عند العرب ،هذه أمور عقلية ليست منطقية.
فعىل ذلك ذكر ابن هشام مخسة أبواب من أبواب العالمات الفرعية وهي:
-األسَمء اخلمسة.
-واملثنى.
هذه ماذا؟ أسَمء ليبقى لنا بابان ومها من األفعال املضـارعة ،فينتقـل ابـن هشـام إىل البـاب
السادس من أبواب عالمات اإلعراب الفرعية وهي :األفعال اخلمسة.
اجلواب :ال ،هي يف احلقيقة مخسة أمثلة ،أو أبنية ،أو صيغ ،أو أوزان ،يأيت عليها ما ال حتىص
ٍ
أفعال بأعياهنا ،كاألسَمء اخلمسة. من األفعال ،وليست مخسة
وتفسري ذلك :أن األفعال اخلمسة يف تعريفها كل مضارع اتصـل بـه ألـف االثنـني ،أو واو
اجلَمعة ،أو ياء املخاطبة ،هذه هي األفعال اخلمسة.
إ اذا األفعال اخلمسة خاص ٌة باألفعـال املضـارعة متـى؟ إذا اتصـل هبـا ألـف االثنـني ،أو واو
اجلَمعة ،أو ياء خماطبة ،ال خيفى عىل َشيف علمكم أن األفعال املضارعة ال بد أن تبـدأ بحـرف
من أحرف املضارعة املجموعة يف أنيت مثل :اذهب ،ونذهب ،وتذهب ،ويذهب ،أفعل ونفعل
وتفعل ويفعل.
نأخذ املضارع املبدوء باهلمزة كأفعل هل تتصل به ألف االثنني؟ أنا أفعالن؟ ال ،هل تتصـل
به واو اجلَمعة أفعلون؟ ال ،هل تتصل به ياء املخاطبة أفعلني؟ ال ،إ اذا املضـارع املبـدوء بـاهلمزة
أيضا ال تتصل به ألف االثنـني نفعـالن ،وال واو
خرج كله ،طيب املضارع املبدوء بالنون نفعل ،ا
اجلَمعة نفعلون ،وال ياء املخاطبة نفعلني ،فخرج.
نأيت للمضارع املبدوء بالياء هل تتصل به ألف االثنني يفعالن؟ نعم ،إ اذا هذا وزن ،أو بنـاء،
أو صيغة يفعالن ،وهل تتصل به واو اجلَمعة يفعلون ،نعم يفعلون ،هل تتصل بـه تـاء املخاطبـة
تقول :أنت تفعلني؟ ال ،إىل اآلن وصلنا إىل الصيغتني أو مثالني ،نأيت إىل املضارع املبـدوء بالتـاء
تتصل به ألف االثنني تفعالن؟ نعم ،تفعالن ،وتتصل به واو اجلَمعـة تفعلـون؟ نعـم ،تفعلـون،
وتتصل به ياء املخاطبة تفعلني؟ نعم تفعلني.
78 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
إ اذا خيرج لنا من تطبيق التعريف هـذه الصـيغ اخلمـس ،وتصـوغ عليهـا مـا ال ينتهـي مـن
األفعال ،تذهبون وجتلسون ،وتؤمنون ،وتتساعدون ،وتأكلون ،وترشبون ،جتاوزنا اخلمسة ومـا
زلنا يف واو اجلَمعة؛ فلهذا عرب عنها ابن هشام باألمثلة اخلمسة ،أمثلـة يعنـي أبنيـة ،يعنـي أوزان
وصيغ ،والذين يعربون عنها باألفعال اخلمسة يقولون :هذا مصطلح ،فإذا سئلوا ما معنـى هـذا
املصطلح؟ قالوا :كل مضارع اتصل به واو اجلَمعة وياء االثنـني ويـاء املخاطبـة وال مشـاحة يف
االصطالح.
ثم انتقل ابن هشام إىل الباب السابع وهو األخري مـن أبـواب عالمـات اإلعـراب الفرعيـة
ِ
اآلخر فيجزم بحذف آخره ،نحو :مل يغز ومل خيش ومل يرمِ) َّ
املعتل فقال( :والفعل املضارع
هنا معلومة تقول :الفعل يعتل آخره بَمذا؟ بـاأللف التـي ال تكـون إال مدينـة ،معـروف أن
وأيضـا يعتـل الفعـل
األلف يف العربية ال تكون إال مدينة يعني ساكن وقبلها مفتوح كيخشـى ،ا
بالياء املدية كيقيض ،ويعتل بالواو املدية كيدعو ،هـذا املضـارع ،الفعـل املضـارع يعتـل آخـره
الشيخ /سليمان العيوني 79
بحروف املد ،يعتل بغري حروف املد؟ ال ،بخالف املايض ،املايض يعتـل بـاأللف املديـة كـدعا،
يعتل بالياء غري املدية كريض ،ويعتل بالواو غري املدية ""34:11
وأما االسم فيعتل باأللف التي ال تكون إال مدية كمصطفى ،والفتـى ،ويعتـل آخـره باليـاء
كضبي ،وعيلٍ ،ويعتل بالواو املدية؟ ال ،يعتل بالواو غري املدية
ٍ املدية كالقايض ،وبالياء غري املدية
اسم خمتو ٌم ٍ
بواو ٍ
وعدو ،لكن ما يعتل االسم بالواو املدية؛ فلهذا يقولون :ليس يف العربية ٌ ٍ
كسهو،
هـو أو اسـم
هـو ،هـو إذا وقفـت ْ
اسم مبنـي كالضـمري ْ
قبلها ضمة ،فإن وجدت ذلك فهو إما ٌ
أعجمي يعني معرب وإال ال يوجد اسم عرِب يعتل آخره بالواو املدية يعني واو قبلها ضمة.
ثم نسأل عن كالم ابن هشام رمحه اَّلل ،ابن هشام قال هنا( :فيجزم بحذف آخره) ذكر عالمة
اجلزم هنا ،لكنه مل يذكر عالمة رفعه ،وال عالمة نصبه ملاذا؟
اجلواب :ذكر عالمة جزمه؛ ألهنا العالمة الفرعية وهي :حذف حرف العلـة ،وأمـا عالمـة
الرفع للمضارع املعتل اآلخر كمحمدٌ يدعو إىل اخلري ،ويقيض باحلق فهي الضمة ،فهـي عالمـ ٌة
أصلية وإن كان مقدرة ،الضمة للرفع عالمة أصـلية مقـدرة أو ظـاهرة؛ فلهـذا مل يـذكرها ،ويف
النصبُ :ممدٌ لن يدعو إىل الباطل ولن يقيض به عالمة النصب الفتحة وهي أصلية ،إ اذا فاكتفى
بذكر العالمة الفرعية ومل يذكر العالمتني األصليتني
فإن سألت وقلت :ماذا يقول املعرب عند بيان عالمة اإلعراب يف املضارع املجزوم بحـذف
حرف العلة ُممدٌ مل يدع ،ومل خيش ،ومل يرم مضارع جمزوم وعالمة جزمـه مـاذا؟ حـذف حـرف
العلة ،أو حذف آخره ،أو حذف األلف ،أو حذف الياء ،أو حـذف الـواو كـل ذلـك صـحيح
وجائز ومستعمل ،وإن كان األشهر عند املتأخرين قوهلم :حذف حرف العلة.
ٍ
أصلية وفرعية. هذا هناية الكالم عىل تقسيم عالمات اإلعراب إىل
80 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
املهندسون بارعون :كان املهندسون بارعون ،وإن املهندسني بارعون ،وظننت املهندسني
بارعني.
ِ
املعلَمت خملصات ،وظننت
ٌ ٍ
خملصات ،وإن املعلَمت خملصات :كانت املعلَمت
ٌ املعلَمت
ٍ
خملصات.
إبراهيم غضبان :كان إبراهيم غضبان "بفتحة بدون تنوين" وإن إبراهيم غضبان ،وظننت
إبراهيم غضبان.
ينتقل ابن هشام إىل التقسيم الثان لعالمات اإلعراب ،وهو :تقسيمها إىل عالمـات إعـراب
ظاهرة ومقدرة.
ِ
احلركات) إىل آخر كالمه. فقال رمحه اَّلل تعاىل( :فصل :تقدَّ ر مجيع
ما معنى كون عالمة اإلعراب ظاهرة؟ يعني ظاهرة يف النطق؛ نطق املتكلم ،ومن ثم ظـاهرة
يف سمع املخاطب واملستمع ،إذا ظهرت يف النطق والسمع تقول :ظاهرة.
وما معنى كوهنا مقدرة؟ مقدرة هنا بمعنى مغطـاة ،مسـتورة ،يعنـي أهنـا موجـودة يف آخـر
الكلمة ،ولكن هناك شيئاا غطاها وسرتها ،ومنعها من الظهور يف النطق والسمع.
فلو أخذنا ا
مثاال عىل ذلك :االسم املختوم باأللف الفتى ،قلنا :جاء الفتى ،جاء فعل ماض،
والفتى فاعل ،الفاعل حكمه الرفع ،والفعل هنا رفع الفاعل ،مـا معنـى كـون الفعـل قـد رفـع
الفاعل ،يعني وضع عليه عالمة الرفع وهي الضمة ،هذا معنى أن الفعل قد رفع الفاعـل ،رفعـه
يعني وضع عليه ضمة جاء ُممدٌ ،ما الذي رفع ُممدٌ ؟ يعني ما الذي وضع عليه ضمة؟ الفعـل
جاء؛ ألنه طلبه ا
فاعال له ،طيب هل جاء رفع الفتى أم مل يرفع الفتى؟ رفع الفتى ،مـا معنـى رفـع
الفتى؟ يعني وضع عىل آخره ضمة قام بعمله طلبه ا
فاعال يعني رفعـه ،يعنـي وضـع عـىل آخـره
ضمة إال أن الفتى باأللف ،واأللف بطبيعتها اللغوية مالزم للسكون ،فـاجتمع عـىل آخـر هـذا
االسم الفتى ضمة عالمة اإلعراب ،وسكون وهو السكون املـالزم لأللـف ،والـذي حـدث أن
السكون املالزم غطى الضمة ومنعه من الظهور فهكذا التقدير.
التقدير أن جيتمع شيئان عىل آخر الكلمة املعربة أحدمها عالمة اإلعـراب ،واليشـء اآلخـر
يشء آخر ،فاليشء الطارئ هذا اآلخر سيغطي عالمة اإلعراب ويمنعها من الظهور كَم حـدث
82 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
هنا ،إ اذا فعالمة اإلعراب موجودة أو غري موجودة؟ موجـودة ،ولكـن هنـاك مان اعـا منعهـا مـن
الظهور.
ابن هشام هنا ذكر مخسة مواضع لعالمات اإلعراب املقدرة فقال:
املوضع األول :االسم املضاف إىل ياء املتكلم ،نحو :صديقي ،كتاِب ،رِب ،وكـذلك أخـي،
وأِب ،ومثل ابن هشا ٍم له بقوله( :غالمي) وقال( :تقدر مجيع احلركات يف نحو :غالمي) يعني أن
االسم املضاف إىل ياء املتكلم تقدر عليه مجيـع عالمـات اإلعـراب يف الرفـع والنصـب واجلـر،
تقول :جاء صديقي ،وأكرمت صديقي وسلمت عىل صديقي.
الكرسة التي توجبها ياء املتكلم عىل ما قبلهاِ ،قي فحدث هنا موجب التقدير ،فحركـة املناسـبة
لياء املتكلم غطت الضمة عالمة اإلعراب ومنعتها من الظهور.
ِ
صديقي مرفوع وعالمـة رفعـه الضـمة املقـدرة ،مـا الـذي منعهـا مـن فالعرب تقول :جاء
الظهور؟ الكرسة التي هي حركة املناسبة؛ فلهذا يعـربون عـن ذلـك فيقولـون ا
مـثال :منـع مـن
ظهورها حركة املناسبة ،أو يقولون :منع من ظهورها اشتغال املحل بحركـة املناسـبة كـل هـذا
صحيح ،وكذلك يف النصب أكرمت صديقي ،األصل قبل اإلضافة أكرمت صدي اقا ،ثم حتـذف
التنوين لإلضافة أكرمت صديق ،ثم تأيت بياء املتكلم فكان القياس أن تقول :أكرمت صـديقي،
كَم تقول :أكرمت صديقك ،وصديقه ،وصديق ُممد ،لكن ياء املتكلم توجب كرسـ مـا قبلهـا
فهذا الكرس املالزم لياء املتكلم غطى الفتحة عالمة اإلعراب ومنعها من الظهور فتقول العرب:
ِ
صديقي. أكرمت
ٍ
صـديق ،ثـم ِ
صديقي ،واألصل :سلمت عىل ثم نأيت إىل اجلر ،إذ تقول العرب :سلمت عىل
ِ
صديقي. ِ
صديق ثم تأيت ياء املتكلم فتقول :سلمت عىل نحذف التنوين لإلضافة سلمت عىل
ويأيت هنا السؤال وهو أن االسم املضاف إىل ياء املتكلم يف حالة اجلر كسلمت عىل صديقي
عالمة جره كرسة ظاهرة وهي التي تظهر عىل النطق كقولنا :سـلمت عـىل صـديقي؟ أم كرسـة
أيضا؟ فنقول :إن احلركة الظاهرة ليست هي عالمة اإلعـراب ،وإنـَم هـي كرسـة
ظاهر ٌة مقدرة ا
املناسبة كالتي يف الرفع والنصب ،ثم إن حركـة املناسـبة فعلـت مـا فعلـت يف الرفـع والنصـب
فمنعت حركة اجلر من الظهور؟
-فاملشهور عند النحويني أن عالمة اجلر يف االسم املضـاف إىل يـاء املـتكلم كرسـ ٌة
مقدرة ،طر ادا للباب.
84 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
-وقال بعض النحويني كابن مالك إن عالمة جره هي الكرسة الظاهرة ،وال داعـي
جلعلها مقدرة.
واملوضع الثان لعالمات اإلعراب املقدرة :االسم املقصور التي قال فيها ابن هشـام( :تقـدَّ ر
مقصورا) ِ
احلركات يف نحو غالمي والفتى ويسمى مجيع
ا
بألف الزمة ،االسم املعرب املختوم بـأل ٍ
ف االسم املقصور املراد به :االسم املعرب واملختوم ٍ
الزمة ،وهذا يدرس يف احلقيقة يف الرصف ،أنواع األسَمء تدرس يف الرصـف ،لكـن نحتـاج إىل
هذا التعريف اآلن ،مثال ذلك :العىص ،والفتى ،ومستشفى ،ومصطفى ،ونحو ذلك.
فقولنا يف التعريف :االسم خيرج احلرف كإذا ،وخيرج الفعل كدعى ،وخيشى ،هذه ال تسمى
مقصورا ،املقصور خاص باألسَمء.
ا مقصورا أو حر افا
ا مقصورة ،هذه تسمى يف االصطالح ا
فعال
خمتوما بألف.
ا وقولنا يف التعريف :املعرب ،خيرج املبني ،كمتى اسم معرب وإن كان
بألف الزمة خيرج االسم املختوم ٍ
بألف غري الزمة مثل ماذا؟ كقوله :أكرمت أخاك، وقولناٍ :
أخا خمتوم بألف ،لكنها ليست الزمة؛ ألهنا تتغري بالرفع أخوك ،وباجلر أخيك ،فال يسـمى هـذا
مقصورا.
ا اسَم
أيضا ا
ا
واالسم املقصور كَم نص ابن هشام تقدر عليه مجيع عالمات اإلعراب يف الرفـع والنصـب
واجلر ،تقول :جاء الفتى ،وأكرمت الفتى ،وسلمت عىل الفتى.
من ظهورها أو منعها من الظهـور التعـذر ،ويريـدون بالتعـذر االسـتحالة ،يعنـون أن األلـف
ٍ
فتحة أو كرسة. ٍ
بضمة أو يستحيل حتريكها
واملوضع الثالث لعالمات اإلعـراب املقـدرة :االسـم املنقـوص ،وفيـه يقـول ابـن هشـام:
منقوصا)
ا (والضمة والكرسة يف نحو القايض ويسمى
واملراد باالسم املنقوص :االسم املعرب املختوم ٍ
بياء قبلها كرسة ،نحو :القايض ،واملقتيض،
واملستقيض ،واهلادي ،واملهتدي ،واملستهدي ،والنادي واملنادي ،فقولنا يف تعريف االسـم خيـرج
االسم كيقيض ،وخيرج احلرف كفي ،وقولنا املعرب خيرج املبني كالـذي ،وقولنـا املختـوم ٍ
بيـاء
عيل خمتوم بياء مشددة. قبلها كرسة خيرج املختوم ٍ
وعيل ي
ي بياء قبلها سكون كضبي وسعي،
ومعلوم أن املشدد عبارة عن حرفني أوهلَم ساكن ،أما العامة خيففون من عـيل فيكـون كأنـه
منقوص ،وإال فهو خمتوم ب"ال" مشددة.
املنقوص املختوم ٍ
بياء قبلها كرسة ،طيب ملاذا مل يذكر االسم املختوم ٍ
بواو قبلها ضـمة؟ ألنـه
ال يوجد يف العربية.
واالسم املنقوص تقدر عليه عالمة الرفع الضمة وعالمة اجلر الكرسـة فقـط دون النصـب،
دون عالمة النصب وهي الفتحة ،فلهذا ابن هشام ذكر أن الضمة تقدر عليه ،وأن الكرسة تقـدر
عليه ،وأما عالمة النصب الفتحة فلم يذكرها هنا ،ولكن ذكرها يف آخر الكـالم عـىل عالمـات
إن القايض لن يقيض ولـن يـدعو) نقـول :جـاء
اإلعراب املقدرة وقال( :وتظهر الفتحة يف نحو َّ
القايض يا ُممد ،وذهبت إىل ِ
القايض يا ُممد. القايض مبكرا ،وسلمت عىل ِ ِ
ا
واملانع من الظهور يف االسم املنقوص يقولون :الثقل ،معنـى ذلـك أن عالمـة الرفـع وهـي
ِ
القـايض ،كجـاء الضمة يف قولك :جاء ِ
القايض ستقع عىل الياء ،وكـان األصـل أن يقـال جـاء
86 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
احلارس ،والقائم ،واجلالس ،جاء ِ
القايض فهذا سيوجب وقوع الضمة عىل الياء ،والضمة بنـت
الواو ،بنت الواو يعني مأخوذة من الواو يعني بعض الواو ،بنت الواو ،والواو كَم يعلم يف علـم
األصوات عدوة الياء ،يعني إن اجتَمعهَم يسبب ا
ثقال ،فتخلصت العرب من هـذا الثقـل بـَمذا؟
بالتسكني ،جلبوا سكوناا ،هذا السكون الـذي جلبـوه لرفـع الثقـل مـاذا فعـل بالضـمة عالمـة
اإلعراب؟ غطاها ومنعها من الظهور.
ِ
احلـارس ،لكـن هـذا وكذلك يف اجلر كان األصل أن يقال :سلمت عىل ِ ِ
القايض مثل :عـىل
سيؤدي إىل وقوع الكرسة عىل الياء ،الكرسة بنت الياء بعض الياء وقعت عىل الياء يعنـي كأهنـا
اجتمعت ياءان يف الكالم وهذا ثقيل ،ختلصت العرب من ذلك بالسكون ،فالسـكون املجلـوب
للتخلص من الثقل غطى الكرسة ومنعها من الظهور.
إ اذا اتفقنا أن املانع يف املنقوص الثقل وليس التعذر االستحالة؛ ألنه ممكن أن تتكلم وتقـول:
ا
مستحيال ،ولكنه ثقيل ،وألن املـانع هـو الثقـل منعـت العـرب ظهـور والقايض ليس
ِ القايض،
احلركات الثقيلة وهي :الضمة والكرسة ،ومل متنع الفتحة عالمة النصـب؛ ألهنـا خفيفـة ،وهـذا
معروف يف علم األصوات أن أثقل احلركات الضـمة ثـم الكرسـة ،وأخـف احلركـات الفتحـة
فتح للفم ،افتح الفم فقط وادفع هواء فقط خترج الفتحـة ،أمـا الضـمة
سميت فتحة؛ ألهنا جمرد ٌ
حتتاج إىل عالجني تفتح الفم ثم تضم الشفتني ،والكرسة تنـزل الشـفتني إىل أسـفل إِ فصـارت
الضمة ثقيل اة ،والكرسة ثقيل اة ،وأما الفتحة فصارت خفيف اة فظهرت.
واملوضع الرابع من مواضع عالمات اإلعراب املقدرة :املضارع املختوم بألف ،وفيـه يقـول
ابن هشام( :والضمة والفتحة يف نحو خيشى) نحو :خيشى ويرىض ويرعـى ،ويـدعى ،ويقىضـ،
ويستهدى ،وهو تقدر عليه عالمة الرفع فقط ،وإال عالمة الرفع والنصب؟ تقـدر عليـه عالمـة
الشيخ /سليمان العيوني 87
الرفع الضمة ،وتقدر عليه عالمة النصب الفتحة؛ ألنـه خمتـوم بـألف ،واأللـف ال تظهـر عليـه
احلركة ال ضمة وال فتحة.
وهلذا قال ابن هشام( :والضمة والفتحة) يعني عالمة الرفع وعالمة النصب ،وعالمة اجلـزم
ملاذا مل يذكرها ابن هشا ٍم هنا؟ ما عالمة اجلزم؟ حذف حرف العلة ،وهي عالم ٌة ظاهرة ،وليست
يـدع،
يدع ،ويدعو ،فإذا قلت :مل ْ
مقدرة ،كيف ظاهرة؟ يعني هناك فرق يف النطق يف السمع بني ْ
أمرا يظهر يف النطق والسمع فصارت عالمة ظاهرة فلم يـذكرها ابـن
فإنك جعلت عالمة اجلزم ا
هشا ٍم يف العالمات املقدرة.
واملوضع اخلامس وهو األخري فيَم ذكره ابن هشام من عالمات اإلعراب املقـدرة :املضـارع
املختوم ٍ
ياء او واو ،وفيه قال( :والضمة يف نحو يدعو ويقيضـ) املختـوم ،املعتـل اآلخـر باليـاء
كيقيض وهيدي ،ويعيص ،ويقتيض وهيتدي ،ويستهدي ،واملضارع املعتل اآلخر بـالواو كيـدعو
ويرنو ،وينمو ويسمو يقول :تقدر عليه الرفع فقط ،املسلم يدعو إىل احلق ويقيض به.
أما عالمة النصب وهي الفتحة فظاهره؛ ألن املانع من ظهور احلركـات عـىل الـواو واليـاء
الثقل ،والثقل ال يمنع الفتحة؛ ألهنا خفيفة ،وقد نص عىل ذلك ابن هشام فقال( :وتظهر الفتحة
أيضا عالمة اجلـزم وهـي حـذف حـرف
إن القايض لن يقيض ولن يدعو) ومل يذكر هنا ا
يف نحو َّ
العلة؛ ألهنا عالم ٌة ظاهرة.
فإن قلت :اختم الدرس باجلواب عن هذا السؤال :مـا الفـرق بـني الكلمـة املعربـة بعالمـة
ٍ
الكلمة املبنية ،فكالمها من حيث الظاهر ليس عليه حركـة إعـراب ويلـزم ٍ
إعراب مقدرة ،وبني
اجلواب عن ذلك :أما الفرق الذي هيم الطالب فهو الفرق القـائم عـىل احلرصـ ،هـو الـذي
درسناه وندرسه أن الكلَمت املبنية ُمصورة وهي احلروف ،واملـايض ،واملضـارع املتصـل بنـون
التوكيد واألسَمء العرشة ،وما سوى ذلـك معربـة ،فـإذا قلـت :املنقـوص كالقـايض ،واالسـم
املقصور كالفتى هل ذكرت يف األسَمء املبنية العرشـة؟ إ اذا معربـة هـذا احلرصـ يبـني لـك هـذه
األمور ،لكن الطالب الذي يفهم كالطالب املتوسط الذي نرشح له يمكن أن نبني الفرق.
ٍ
إعراب مقدرة الذي يمنع مـن ظهـور احلركـة فقالوا :الفرق بينهَم أن الكلمة املعربة بعالمة
كائن يف آخر الكلمة فقط ،يعني يف آخر حرف ،احلرف األخري فيها اجتمع عليـه األمـران:
يشء ٌٌ
األمر الطارئ غطى عالمة اإلعراب فقط ،لكن بنية الكلمة ما متنـع القـايض بنيتـه اسـم فاعـل،
القايض فاعل ،اسم الفاعل بنية اسم الفاعل ما متنع اإلعراب ،ما تقتيض البنـاء ،تقـول :القـائم،
ِ
والضارب بنية الكلمـة مـا متنـع اإلعـراب وال توجـب اجلالس ،والنائم ،والظاهر ،والضارب،
البناء.
أما الكلمة املبنية الذي يوجب بنائها بنية الكلمة كلها ،وليس أمر طـارئ عـىل آخـر حـرف
فيها.
وهبذا نكون قد انتهينـا مـن الكـالم عـىل اإلعـراب ،وخـط اإلعـراب ،وطريقـة اإلعـراب
وعالمات اإلعراب بَم تيرس وسمح به الوقت لنتكلم إن شاء اَّلل يف الدرس القادم عـىل إعـراب
الفعل املضارع ،واَّلل أعلم وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ُممد وعىل آله وأصحابه أمجعني.
90 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
الدرس الثالث
ٍ
ُممد ،وعىل آله بسم اَّلل الرمحن الرحيم ،احلمد َّلل رب العاملني ،ونصىل ونسلم عىل نبينا
وأصحابه أمجعني أما بعد:
ا
وسهال بكم يف هذه الليلة ليلة األربعاء الثامن ا
وأهال فالسالم عليكم ورمحة اَّلل وبركاته،
والعرشين من شهر مجادى األوىل من سنة 1439يف جامع منرية الشبييل يف حي الفالح بحي
الرياض لنعقد بحمد اَّلل وتوفيقه الدرس الثالث من دروس َشح قطر الندى البن هشا ٍم عليه
رمحة اَّلل.
يف الدرس املايض كنا تكلمنا عىل اإلعراب والبناء وما يتعلق بذلك من تعريف املعرب واملبني،
وحرص املعربات واملبنيات ،والكالم عىل أنواع اإلعراب وخط اإلعراب ،وطريقة اإلعراب،
وعالمات اإلعراب ،وانتهينا من ذلك بحمد اَّلل.
يف هذه الليلة سيكون الدرس عن إعراب الفعل املضارع تب اعا لرتتيب قطر الندى البن هشام،
وجزما.
ا وقد انتقل بعد ذلك مباَشة إىل الكالم عىل إعراب الفعل املضارع رف اعا ونص ابا،
ٍ
بناصب فحكمه النصب ،نواصبه أربعة ،وهي أن ،ولن ،وكي ،وإ اذا. -إن سبق
-وإن سبق بجازم فحكمه اجلزم ،وجوازمه مخسة ،وهي :مل ،وملا والم األمـر ،وال الناهيـة
وأدوات الرشط اجلازمة.
ٍ
بناصب وال بجازم فحكمه الرفع. -وإذا مل يسبق
فقال:
فصل ٌ
فصل :ي ْرفع املضارع خالي اا من ناصب وجازم نحو يقوم زيد» « ٌ
فالفعل املضارع كَم عرفنا يف الكالم عىل أنواع اإلعراب يدخلـه الرفـع والنصـب واجلـزم،
واآلن يبني ابن هشام متى يكون حكمه الرفع؟ ومتى يكون حكمه النصب؟ ومتى يكون حكمه
اجلزم؟
ٍ
صـب فبدأ بالكالم عىل رفع الفعل املضارع ،فذكر أنه :يكون حكمه الرفع إذا خـال مـن نا
ٍ
بيشء من أدوات نصب املضارع أو جزم املضارع. وجازم يعني إذا مل يسبق
ٍ
نصب وهـي لـن، مرفوعا؛ ألنه سبق بأداة
ا فقولك :املسلم لن يعبد إال اَّلل املضارع فيه ليس
مرفوعا؛ ألنه سبق بأداة جزم ،وأما قولـك :لـن
ا وقولك :املسلم مل يعبد إال اَّلل املضارع فيه ليس
ٍ
بناصـب وال بجـازم؛ ولـذا ال بـد يف معرفـة يعبد اَّلل فاملضارع هنا حكمه الرفع؛ ألنه مل يسـبق
إعراب الفعل املضارع من معرفة نواصبه وجوازمه التي ستأيت.
ٍ
بناصـب وال بجـاز ٍم فحكمـه ٍ
مكان كـان يف اجلملـة إذا مل يسـبق إ اذا فالفعل املضارع يف أي
جد ،أو املوظف يعمل ٍ
بجد ،أو إن املوظف يعمـل الرفع ،من أمثلة ذلك قولك :يعمل املوظف ب ٍ
ٍ
بجـد ،أو كـان ٍ
بجد ،إن ليست من نواصب الفعـل املضـارع وال جوازمـه إن املوظـف يعمـل
بجد ،أو رأيت املوظف يعمل ٍ
بجد. املوظف يعمل ٍ
بجد إىل آخره ،ومن ذلك قوله تعـاىل﴿ :امل * وكذلك يف األفعال اخلمسة املوظفون يعملون ٍ
الصالة و ِممَّا رز ْقناه ْم ذلِك ا ْلكِتاب ال ريب فِ ِيه هدا ى لِ ْلمت َِّقني * ا َّل ِذين ي ْؤ ِمنون بِا ْلغي ِ ِ
ب ويقيمون َّ ْ ْ
ي ِنفقون﴾ [البقرة.]3-1:
92 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ٍ
بناصب وال بجازم ،ومن مضارع مرفوعة؛ ألهنا مل تسبق
ٌ فيؤمنون ،ويقيمون وينفقون ٌ
أفعال
ذلك قولنا :أعوذ باَّلل﴿ ،ق ْل أعوذ﴾ [الفلق ،]1:فأعوذ مل يسبق بناصب وال بجازم.
اجـا﴾ [النرصـ ،]2:فيـدخلون مضـارع قال تعاىل﴿ :ورأ ْيت النَّاس يدْ خلون ِيف ِد ِ
ين اَّللَِّ أ ْفو ا
ِ ِ
ـب ا ْملتط يه ِ
ـرين﴾ َّـوابِني وحي ُّ مرفوع وعالمة رفعه ثبـوت النـون ،وقـال تعـاىل﴿ :إِ َّن اَّللَّ حي ُّ
ـب الت َّ
ـه مـا ت ْعبـدون﴾ [الشـعراء،]70: يـه وقو ِم ِ [البقرة ]222:وقال سـبحانه وتعـاىل﴿ :إِ ْذ قـال ِألبِ ِ
ْ
فتعبدون مرفوع مرفوع؛ ألنه سبق بَم النافية ،وما النافية ليست من النواصب وال مـن اجلـوازم،
﴿قالوا ن ْعبد أ ْصن ااما﴾[الشعراء ،]71:نعبد مرفوع ﴿فنظ ُّل هلا عاكِ ِفني﴾ [الشـعراء ،]71:نظـل
ٍ
بناصب وال بجازم﴿ ،قال ه ْل ي ْسـمعونك ْم﴾[الشـعراء ]72:يسـمعونكم أيضا مرفوع مل يسبق
ا
أثبت النون مضـارع مرفـوع وعالمـة رفعـه ثبـوت النـون؛ ألن هـل االسـتفهامية ليسـت مـن
النواصب وال من اجلوازم ﴿ه ْل ي ْسمعونك ْم إِ ْذ تدْ عون﴾[الشعراء ،]72:ا
أيضا تدعون مرفوع إذ
رضـون﴾[الشـعراء﴿ ،]73:قـالوا ب ْ
ـل ليست من النواصب وال اجلـوازم﴿ ،أ ْو ينْفعـونك ْم أ ْو ي ُّ
وجدْ نا آباءنا كذلِك ي ْفعلون﴾[الشـعراء ،]74:فكلهـا مضـارعات مرفوعـة؛ ألهنـا مل تسـبق ال
ٍ
بناصب وال بجازم.
«نصب الفعل املضارع وذكر نواصب املضارع ناص ابا ناص ابا»
مضارع حكمه النصب إال أنه مبني فنقول :مضارع يف ُمل نصـب مبنـي عـىل
ٌ فأيضا خيذلن هنا
ا
السكون لكن حكمه النصب.
وقــــال تعــــاىل﴿ :فلــــن أبــــرح األرض﴾[يوســــف ]80:و﴿لــــن نــــربح عليـ ِ
ـــه ْ ْ ْ ْ ْ ْ
عاكِ ِفني﴾[طه،]91:وقال﴿ :ل ْن ْ
خيلقوا ذبا ابا﴾[احلج﴿ ،]73:ول ْن يتمن َّْوه أبـدا ا﴾[البقـرة،]95:
نس ًيا﴾[مريم ،]26:إىل غري ذلك. ﴿فلن أك يلم ا ْليوم إِ ِ
ْ ْ
ِ
املصـدرية نحـو لكـ ْيال ـي
ثم ذكر ابن هشام رمحه اَّلل الناصب الثان للمضارع فقال( :وبك ْ
حرف مصدري كـَم ذكـر ابـن هشـام،
ٌ أيضا حرف،
تأسوا) هذا الناصب الثان وهو كي ،وهو ا
ومعلوم أن احلرف املصدري هو الذي ينسبك منه ومما بعده مصدر ،نحـو :جئـت كـي أتعلـم،
ِ
ــر ع ْينهــا﴾[طــه﴿ ،]40:لكــ ْيال ت ْأس ْ
ــوا عــىل مــا ــي تق َّ
وكــي أعلــم ،قــال تعــاىل﴿ :ك ْ
فاتك ْم﴾[احلديد.]23:
وكذلك أدرسن كي تنجحن مضارع حكمه النصب يف ُمل نصب ،وكـون كـي مصـدرية
فينسبك منها ومن الفعل بعدها مصدر فمعنى ذلك :أن كي ،والفعل بعدها يعني املصدر الـذي
ينسبك منها ومن الفعل حيتاج إىل إعراب.
فكي أتعلم بمعنى :التعلم ،فإذا قلت :جئت كي أتعلم يعني جئت التعلم؛ فلهذا يقـدرون
الم التعليل ،وهي :حرف اجلر الالم الدالة عىل التعليل ،يعني جئـت للـتعلم ،فأنـت إذا قلـت:
جئت كي أتعلم ،يعني جئت لكي أتعلم ،ولكن حـذفت الـالم؛ فلهـذا جيـوز لـك يف اللغـة أن
تقول :جئت لكي أتعلم فترصح بالالم وجيوز أن حتـذفها فتقـول :جئـت كـي أتعلـم فاملصـدر
املنسبك من كي والفعل يف ُمل ٍ
جر هبذه الالم املذكورة أو املقدرة.
94 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
وتدخل كي عىل الفعل املنفي ،بال فيبقى عملها ،إال أن معنى النفي يـدخل ،نحـو :بكـرت
ــي ال يكــون
كــي ال أتــأخر ،فأتــأخر منصــوب بكــي ،وال حــرف نفــي ،وقــال تعــاىل﴿ :ك ْ
دول اة﴾[احلرش.]7:
ومن أحكام كي :أم ما تزاد بعدها ،حرف مـا الـذي يـزاد يف مواضـع مـن اللغـة مـن هـذه
املواضع زيادة ما بعد كي ،فَم حكم كي إذا زيدت بعدها ما فقلـت :كـيَم هـل يبطـل عملهـا أم
يبقى عملها؟ فنقول :إذا زيدت ما بعد كي فلها حالتان:
احلالة األوىل :أن تأيت بعدها أن ،فيجب نصب املضارع عىل كل حال؛ ألن أن التي رصحت
هبا ستنصب املضارع نحو :جئت كيَم أن أتعلم ،أو جئت لكيَم أن أتعلم ،قال الشاعر:
واحلالة الثانية :أال تأيت أن بعدها نحو :جئت كيَم أتعلـم ،فيجـوز إعَمهلـا وهكـذا األكثـر،
وجيوز أمهاهلا فريتفع املضارع بعدها فتقول :جئت كيَم أتعلم ،وجئت كـيَم أتعلـم ،ومـن ذلـك
قول الشاعر:
فهذا هو الناصب الثان كي ،ثم انتقل ابن هشام إىل الناصب الثالث للفعل املضارع فقال:
ٌ
منفصـل بقسـ ٍم نحـو إذن أكرمـك وإذن -واَّلل- ٌ
متصـل أو ٌ
مسـتقبل (وبإِذ ْن مصدر اة وهو
نرميهم بحرب)
الشيخ /سليمان العيوني 95
الناصب الثالث للمضارع هو :إ اذا ،وهو حرف ،حرف ماذا؟ يعني ما معناه :حرف جواب،
عندما يقال يف احلرف أنه حرف جواب فمعنى ذلك أنه يعتمـد عـىل كـال ٍم سـابق ،فيـأيت كـالم
ٍ
حينئذ إن إ اذا حـرف جـواب؛ ألنـه وقـع يف مصدرا بإ اذا ،فنقول يكون نتيج اة هلذا الكالم السابق
ا
أول هذا الكالم الذي جاء نتيج اة للكالم السابق.
مثال ذلك أن يقول لك أحد :سـوف اجتهـد ،فتقـول :إ اذا تـنجح ،نقـول :إ اذا تـنجح هـذا
جواب؛ ألنه نشأ وقام عىل قول القائل :سوف اجتهد ،ولو قيل لك :جيـب أن يتحـد املسـلمون
دائَم. ٍ
جواب ا فتقول :إ اذا ينترصوا ،فهذا معنى كونه حرف جواب ،فإ اذا حرف
وينصب املضارع إال أنه ال ينصب املضارع إال بثالثة َشوط أشار إليها ابن هشام:
فالرشط األول :أن تكون إ اذا يف صدر اجلواب ،يعني يف أول اجلواب ،وهذا قول ابن هشـام
(مصدرةا)
ٌ
مستقبل) الرشط الثان :أن يكون زمان املضارع االستقبال ال احلال ،وهذا قوله( :وهو
ٌ
متصـل أو والرشط الثالث :أن ال يفصل بني إ اذا واملضارع بغري قسم ،وهذا قول ابن هشـام
منفصل بقسم ،مثال ذلك :أن يقول قائل :سوف آتيـك ،فتقـول :إ اذا أكرمـك ،أو يقـول قائـل:
ٌ
سأذهب الليلة إىل فالن فتقول :إ اذا نلتقي عنـده ،أو يقـول :ارتفعـت حـرارة املـاء ،فتقـول :إ اذا
يتبخر ،ومن ذلك األمثلة السابقة ،واجلواب يف كل ذلـك تتـوافر فيـه الرشـوط ،فـإ اذا مصـدرة،
واملضارع زمانه االستقبال ،ومل يفصل بينه وبني إ اذا بفاصل.
فإ اذا كان زمان املضارع احلال يعني أنك تفعل الفعل يف زمان التكلم ،هذا املـراد باحلـال ،أن
الفعل تفعله يف زمان التكلم ،فإ اذا هتمل ،تلغى ،واملضارع بعدها يرفع وال ينصب ،نحـو ذلـك:
لو قال لك قائل :إن أحبك فتقول :إ اذا أظنك صاد اقا ،تريد إن سأفعل الظن يف املستقبل ،أم أنك
96 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
فعلت الظن يف أثناء كالمك؟ فعلت الظن يف أثناء كالمك ،إ اذا فالفعل هنا زمانه احلال يف زمـان
التكلم.
ولو قال قائل :جئنا إليك ألننا نحبك ،فتقول :إ اذا أحبكم ،يعني ليس املعنى سأحبكم ،وإنَم
أنا أحبكم اآلن ،ولو قال قائل :أنا أحب املسلمني فتقول :إ اذا تصدق ،يعني أنت صادق يف هـذا
الكالم يف أثناء قويل أنت تصدق.
وهكذا ألن القاعدة أن املضارع ال ينتصب يف احلال أبدا ا ،املضارع ال ينتصب إال إذا كـان يف
زمان االستقبال ،هذا الرشط األول.
إال إذا كان الفاصل بني إ اذا واملضارع من الفواصل الضـعيفة ،هنـاك فواصـل ضـعيفة كثـر
ترصف العرب فيها بالتقديم والتأخري ،واملراد بالفواصل الضعيفة شبه اجلملة ،اجلار واملجرور،
وظرف الزمان وظرف املكان ،والنداء ،والقسم ،هذه فواصل ضعيفة؛ ألن الترصف فيهـا كثـري
ٍ
فحينئـذ جيـوز إعـَمل إ اذا وتنصـب بالتقديم والتأخري تستطيع أن جتعلها يف أي مكان يف اجلملة،
وجيوز إمهاهلا فريتفع املضارع بعدها.
الشيخ /سليمان العيوني 97
كأن يقول قائل :سوف آتيك فتقول :إ اذا واَّلل أكرمك ،أو أكرمك ،ومن قـال :سـأجتهد إن
شاء اَّلل تقول :إ اذا يا زيد تنجح أو تنجح ،ومن قال :سأذهب الليلة إىل فـالن ،تقـول :إ اذا عنـده
نلتقي أو نلتقي.
ِ
ومن قال :احتد املسلمون تقول :إ اذا بعون اَّلل ينترصوا أو ينترصون وهكذا ،قال حسـان بـن
ثابت ريض اَّلل عنه:
فإن تتصدر إ اذا اجلواب ،وذلك بأن تسبق بيشء ،والكالم كله عـىل مجلـة اجلـواب ،فـإ اذا إ اذا
هتمل ،واملضارع بعدها ترفع كقول القائل :سوف آتيك ،فتقول :أنا إ اذا أكرمـك ،فبـدأت مجلـة
اجلواب بأنا فلم تتصدر إ اذا فصارت مهملة ملغاة ،أو يقول :سوف آتيك ،فتقـول :أكرمـك إ اذا،
أو تقول :سأذهب الليلة إىل فالن فتقول :عنده إ اذا نلتقي ،أو تقول :احتد املسلمون فتقول :بـإذن
اَّلل إ اذا ينترصون وهكذا.
إال إن كان املتقدم عىل إ اذا الواو أو الفاء ،واو العطف وفاء العطف ،فنصب املضارع ورفعـه
ٍ
حينئذ جائزن بعد إ اذا يعني جيوز إعَمهلا وإلغاؤها ،وإلغاؤها هو األكثر يف اللغة واألحسن ،طب اعا
نظرا إىل أن الذي سبقها يعني ليس كلم اة كبرية أخرجت
نظرا لكوهنا مل تتصدر ،وإعَمهلا ا
إلغاؤها ا
إ اذا عن الصدارة ،وإنَم هو جمرد حرف العطف الواو أو الفاء.
مثال ذلك :سأزورك اَّلل فتقول :سأستقبلك ،وإ اذا أكرمك أو أكرمك ،أو يقول :زيدٌ جمتهد
هذه السنة فتقول :سأساعده فإ اذا يـنجح أو يـنجح ،ومـن ذلـك قولـه تعـاىل﴿ :وإِ اذا ال ي ْلبثـون
98 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
قلـيال﴾ ،ومـنِخالفك إِ َّال قلِ ايال﴾ [اإلرساء ،]76:ويف قراء شاذة﴿ :وإ اذا ال يلبثوا خالفـك إال ا
ٍ
قراءة شـاذة ﴿فـإ اذا ال يؤتـوا ذلك قوله تعاىل﴿ :فإِ اذا ال ي ْؤتون النَّاس ن ِق اريا﴾ [النساء ،]53:ويف
نقريا .
الناس إال ا
فهذا ما يتعلق بـ إ اذا نحو ايا ،وقد يسأل سائل عن :إ اذا إمالئ ايا كيف تكتب؟ هل تكتب بالنون
أو تكتب بالتنوين؟ يعني ألف ذال وتنوين نصب وألف.
فاملذهب األول :أهنا تكتب باأللف والتنوين مطل اقا وكذا كتبت يف املصـاحف ،وهـو قـول
األكثرين ،وهلذا وقف القراء كلها عليها باأللف إذا ،مما يدل عىل أهنا تنوين وليست نوناا.
والقول الثان :أهنا تكتب بالنون مطل اقا وهذا قول بعض العلَمء كاملربد وابن عصفور.
والقول الثالث فيه تفصيل :يقولون :إذا نصبت املضارع كتبت بـالنون ،يعنـي إذا تـوافرت
فيها الرشوط فنصبت املضارع كتبت بالنون ،وإذا مل تنصب باملضارع كتبت باأللف ،وهذا قول
بعض املتأخرين ،هذا بالنسبة لكيفية كتابتها إمالئ ايا ،وأما الوقف عليها يف النطق فيكون باأللف
حتى لو كتبت بالنون ،وعليه مجيع القراء.
ننتقل إىل الناصب الرابع مع ابن هشام؛ إذ ذكر الناصب الرابع من نواصب املضارع فقال:
ِ
املصدرية ظاهر اة نحو أن يغفر يل) (وبأ ْن
الشيخ /سليمان العيوني 99
حرف مصـدري،
ٌ حرف،
ٌ فهذا هو الناصب الرابع وهو أ ْن بفتح اهلمزة وسكون النون ،وأن
وهو أقوى نواصب املضارع ،وأمها؛ ولذا تعمل ظاهر اة وتعمل مضمرة يعني ُمذوفـة مـن قـوة
عملها كَم سيأيت ،فعملها ظاهرة نحو :أحب أن أتعلم ،وأحب أن تتعلموا ،وأحب أن تتعلمن،
وأحب أن ال هتمل ،وأن ال هتملوا ،قال تعـاىل﴿ :أمـر أ َّال ت ْعبـدوا إِ َّال إِ َّيـاه﴾[يوسـف ،]40:أال
يعني :أن ،ال ثم حدث إدغام بني النون والالم.
وقوله :إن أن حرف مصدري سبق بيانه ،أي ينسبك منه ومن الفعل بعـده مصـدر ،وهـذا
املصدر الذي ينسبك من أن والفعل يقع موقع الرصيح ،يقع موقع االسم الرصيح ،يعنـي مثـل
ا
مبتدأ ،فتقول :أنت جتتهد أحب إيل ،كقولك :اجتهـادك أحـب إيل ،فـإذا االسم الرصيح ،فيقع
قلت :اجتهادك أحب إيل فاملبتدأ هو اجتهـادك ،وإذا قلـت :أن جتتهـد أحـب إيل ،فاملبتـدأ هـو
ا
مؤوال ،ومن ذلك اسَم
اسم ما نوعه؟ مؤول ،فاملبتدأ هنا وقع ا
قولك :أن جتتهد ،فأنت جتتهد هذا ٌ
خري لكم.
قوله تعاىل﴿ :وأ ْن تصوموا خ ْ ٌري لك ْم﴾[البقرة ،]184:يعني صيامكم ٌ
خربا كقولك :املطلوب أن حتفظ السورة؛ يعني حفظك السورة ،ويقع ا
فاعال كقولك: ويقع ا
خييفني أن تقف عىل السور ،وقال تعاىل﴿ :أمل ْ ي ْأ ِن لِ َّل ِذين آمنوا أ ْن ْختشع قلوهب ْم﴾[احلديـد،]16:
فأن ختشع فاعل لقوله يأن يعني.
ويقــع مفعــوال بــه نحــو :أحــب أن جتتهــد ،يعنــي أحــب اجتهــد﴿ ،فــأر ْدت أ ْن أ ِعيبهــا﴾
[الكهف.]79:
جـر باإلضـافة، جر بحرف اجلر ،نحو :عاهدته عىل أن أجتهد ،ويقع يف ُمـل ٍ
ويقع يف ُمل ٍ
ـن ق ْب ِ
ـل أ ْن ِ
نحو :سأزورك يوم أن تعود من السفر ،يعني يوم عودك من السفر ،قـال تعـاىل﴿ :م ْ
ي ْأ ِيت ي ْو ٌم﴾ [إبراهيم ،]31:يعني من قبل إتيان يومٍ ،وهكذا.
100 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
وأن املصدرية هذه تدخل عىل املضارع فتنصبه ،وتدخل عىل الفعل املـايض ،وال تعمـل فيـه
شيئاا ،وتبقى مصدرية ،وال تغري زمانه عن امليض كقولك :فرحت بأن عاد احلق إىل أهلـه ،يعنـي
فرحت بعود احلق إىل أهله ،أو بعودة احلق إىل أهله ،وهكذا.
ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :علِـم أ ْن سـيكون ِمـنْك ْم م ْـرىض﴾[املزمـل ،]20:يعنـي علـم أنـه
سيكون ،والضمري يف أنه يعود إىل الشأن ،ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :أفـال يـر ْون أ َّال ي ْر ِجـع إِلـ ْي ِه ْم
ق ْو اال﴾[طه ،]89:يعني أفال يرون أنه ال يرجع إليهم ا
قوال.
واحلالة الثانية ألن مع الفعل املضارع :أن يقع قبلها ما يدل عىل ظن ،يعني ما يدل عىل ظـن،
ٍ
حينئـذ الوجهـان ،يعنـي جيـوز أن تكـون مصـدري اة ناصـبة أو شك ،أو رجحان ،فيجـوز فيهـا
الشيخ /سليمان العيوني 101
للمضارع فينتصب املضارع بعدها ،وجيوز أن تكون خمففة من الثقيلة فريتفـع املضـارع بعـدها،
مثال ذلك أن تقولُ :ممدٌ ظننت أن يقوم ،جيوز أن تقول :ظننت أن يقوم فتكون مصدرية ،يعني
ظننت قيامه ،وجيوز أن تكون خمففة من الثقيلةُ ،ممدٌ ظننـت أن يقـوم ،يعنـي ظننتـه ،التقـدير:
ُممدٌ ظننت أنه يقوم ،فصارت خمففة من الثقيلة.
والنصب بعد الظن وما يف معناه هو األرجح واألكثر؛ وهلذا اتفق القراء عليه يف قولـه﴿ :امل
* أح ِسب النَّاس أ ْن ي ْرتكوا﴾[العنكبوت ،]2-1:فأن يرتكوا سبقت بحسـب وهـو ٌ
فعـل يـدل
ٍ
حينئذ لغو ايا الوجهان ،إال أن القراء يف هذا املوضع اتفقوا عىل النصب. عىل الظن ،فيجوز
لكــنهم اختلفــوا بــالوجهني يف قولــه تعــاىل﴿ :وح ِســبوا أ َّال تكــون فِتْن ـ ٌة﴾ [املائــدة،]71:
﴿وحسبوا أن ال تكونوا فتنة﴾ فبعضهم قرأ بالنصب فأن مصدرية ،وبعضـهم قـرأ بـالرفع فـأن
خمففة من الثقيلة.
األول :جواز اإلضَمر واإلظهار ،يف مواضع جيوز أن تضمرها وجيوز أن تظهرها ،إن شـئت
رصحت هبا ،وإن شئت حذفتها ونصبت هبا ،جواز اإلضَمر واإلظهار.
والثالث :وجوب اإلضَمر ،هناك مواضع يف اللغة جيـب أن تضـمرها أن حتـذفها وتنصـب
املضارع هبا ،وذكر ابن هشام كل هذه األنواع ألن.
ٍ
مسـبوق باسـم ٍ
عـاطف فبدأ بذكر جواز اإلظهار واإلضَمر فقال( :ومضمر اة جـوازاا بعـد
وتقر عيني ،وبعد الال ِم نحو لِتبني للناس) فذكر ابن هشام أن ْ
أن جيوز خالص نحو ول ْبس عباءة َّ
إظهارها وإضَمرها يف موضعني ،أن املضمرة جوازا ا يف موضعني:
ٍ
عاطف مسبوق باس ٍم خالص. املوضع األول :بعد
واملوضع الثان :بعد الالم كَم قال ابن هشام يعني الم التعليل.
ٍ
مسبوق باسم خالص) يعني إذا عطـف الفعـل املضـارع ٍ
عاطف فاملوضع األول قال( :بعد
عىل اس ٍم ال يشبه الفعل ،فيه اسم يشبه الفعل واسم ال يشبه الفعـل؟ نعـم ،االسـم الـذي يشـبه
الفعل هي األوصاف ،كاسـم الفاعـل ،اسـم املفعـول ،الصـفة املشـبهة ،صـيغ املبالغـة واسـم
التفضيل؛ فلهذا تعمل عملـه ألهنـا تشـبهه ،واألسـَمء التـي ال تشـبه األفعـال تسـمى األسـَمء
اخلالصة ،أو املحضة ،أو التي ال تشبه األفعال كاملصادر ،وكاألسَمء اجلامدة ،هذه أسَمء خالصة
ُمضة.
ِ
الشفوف أحب إيل من لبس ولبس عبارة وتقر عيني
يعني من أساطري العرب أن البقر إذا عافت األكل فقل لبنها ونحو ذلك يرضب الثور ،لكي
ِ
عافت البقر تأكل وترشب ،فيقول :إن وقتيل سليكاا ثم أعقله كالثور يرضب ملا
اء ِحج ٍ
ـاب أ ْو رش أ ْن يك يلمه اَّللَّ إِ َّال وحيـا أو ِمـن ور ِ
ْا ْ ْ ومن ذلك قراءة غري نافع﴿ :وما كان لِب ٍ
وحي بِإِ ْذنِ ِه ما يشاء﴾[الشورى ،]51:فالشاهد يف قولـه :يرسـل معطوفـة بـأو، وال في ِ
ي ْر ِسل رس ا
ونعرف أن العواطـف ،أو أن املعطوفـات مهـَم تعـددت فكلهـا معطوفـة عـىل األول ،فريسـل
معطوفة بأو عىل ماذا؟ عىل وح ايا ،اآلية تبني طرق كالم اَّلل عز وجل للبرش ﴿وما كـان لِب ٍ
رشـ أ ْن
ِ
ـنيك يلمه اَّللَّ إِ َّال و ْح ايا﴾ [الشورى ،]51:هذا وح ايا اسم رصيح خـالص مصـدر وح ايـا ﴿و ْو م ْ
اب أ ْو ي ْر ِسـل﴾ [الشـورى ،]51:فصـار تقـدير اآليـة إال وح ايـا أو يرسـل ،فعطـف اء ِحج ٍ ور ِ
تقول :العلم باجلد وترتك الكسل ،فترتك معطوف عىل اجلد ،وتقول :إياك والسـهر وهتمـل
دروسك ،وتقول :القوة ونتمسك بديننا سبيل التقدم ،وهكذا أسلوب من أساليب العربية ،أمـا
ٍ
حينئـذ ال إذا كان االسم املتقدم املعطوف عليه فيه معنى الفعل فالفعل املضارع املعطـوف عليـه
ينصب بل يرفع ،كقولك ا
مثال :املجتهد وينجح هو زيدٌ ،املجتهد هذا اسم فاعـل بمعنـى الـذي
جيتهد وينجح هو زيدٌ ،وهكذا.
واملوضع الثان من جواز اإلظهار واإلضَمر ألن ،قال ابن هشـام( :وبعـد الـالمِ) يعنـي الم
اجلر التي تفيد التعليل تسمى الم التعليل ،نحو :جئـت ألتعلـم وألعلـم ،قـال تعـاىل﴿ :لِتب يـني
َّاس﴾[النحل ،]44:وقال﴿ :وأ ِم ْرنا لِن ْسلِم لِر يب ا ْلعاملِني﴾[األنعام ،]71:وقـال﴿ :وأ ِم ْـرت
لِلن ِ
أن لنسـلم ،ويف الثانيـة رصح ِأل ْن أكون أ َّول ا ْمل ْسلِ ِمني﴾[الزمر ،]12:يف اآليـة السـابقة حـذف ْ
بالثانية ألن أكون ،جيوز أن ترصح أن تظهر وأن تضمر.
وال شك أن إضَمرها أكثر يف هذا األسلوب من إظهارها ،وإن كان جـائزاا يعنـي جيـوز أن
تقول :جئت ألتعلم وهذا األكثر ،وجيوز أن تقول :جئت ألن أتعلم وهو جائز.
ثم ذكر ابن هشام رمحه اَّلل موضع وجوب إظهار أن ،قلنا موضع يعني واحد ،وفيـه يقـول
نحو ِلئال يعلم لِئال يكون للناس فت ْظهر ال غري)
ابن هشام( :إال يف ِ
فيجب إظهار أن وال جيوز إضَمرها إذا وقعت بني الم التعليل وبـني ال ،النافيـة أو الزائـدة،
نحو :جئت لئال حتزن ،أصل الرتكيب جئت لِـ :هذه الم التعليل أن :هذه الناصبة مصدرية ،ال:
هذه النافية ،حتزن :الفعل املضارع ،جئت ألن ال حتـزن ،ثـم حـدث إدغـام بـني النـون والـالم،
ٍ
حينئـذ عللـوا ذلـك لكـي ال جيتمـع وكتبت متصلة إمالئ ايا ،فصارت لئال فيجب أن ترصح بأن
احلرفان الم التعليل وال النافية.
ومن ذلك أن تقول :بكر ألن ال تفوتك الرحلة ،قال تعـاىل﴿ :لِـئ َّال يكـون لِلن ِ
َّـاس علـ ْيك ْم
يش ٍء﴾ ِ ح َّج ٌة﴾ [البقرة ،]150:وكذلك قال سبحانه﴿ :لِئ َّال ي ْعلم أ ْهل ا ْلكِت ِ
اب أ َّال ي ْقدرون عـىل ْ
[احلديد ،]29:إال أن ال يف اآلية نافية أم زائدة؟ زائدة ،ألن املعنى أن لـيعلم أهـل الكتـاب أن ال
يشء من فضل اَّلل ،وزيادهتا هنا للتوكيد والتقوية ،لكن أخـربون ملـاذا مل ينتصـب يقدرون عىل ٍ
يش ٍء﴾ [احلديـد]29:؟ ِ املضارع يف آخر اآلية يف قوله﴿ :لِئ َّال ي ْعلم أ ْهل ا ْلكِت ِ
اب أ َّال ي ْقدرون عىل ْ
ألن سبقت بعلم فهي املخففة ،يعني ليعلموا أهنم ال يقدرون عىل يشء.
الشيخ /سليمان العيوني 105
ثم ذكر ابن هشام رمحه اَّلل تعاىل مواضع نصب املضارع بـأن املضـمرة وجو ابـا؛ انتهينـا مـن
املضمرة جوازاا جيوز إضَمرها وإظهارها ،ثم الواجب إظهارها ،اآلن يتكلم عىل املضمرة وجو ابا
التي ال جيوز الترصيح هبا ،وذلك بخمسة مواضع وهي ا
إمجاال:
فبدأ ابن هشام رمحه اَّلل بذكر املوضع األول؛ ألن املضمرة وجو ابا فقال:
ومن األمثلة عىل ذلك أن تقول :ما كان ُممدٌ ليهمل دروسه ،أو مل يكن ُممدٌ ليتأخر ،أو مـا
كنت لتتفوق لوال توفيق اَّلل ،أو مل تكن لتتفوق لوال توفيق اَّلل وهكذا ،فهو أسلوب عـرِب يـأيت
ٍ
فحينئـذ يكـون ٍ
بكون منفي ،وتسمى هذه الالم الم اجلحود، ٍ
مسبوقة فيه الفعل املضارع بعد ال ٍم
106 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
املضارع منصو ابا بأن مضمرة ،وأن هذه عرفنا أهنا مصدرية فينسبك منها ومن املضارع مصـدر،
هذا املصدر املؤول يكون يف ُمل ٍ
جر هبذه الالم؛ ألن الم اجلحود حرف جر ،هي الالم اجلـارة يف
قولك :كتاب ٍ
لزيد هي نفسها الالم إال أهنا دخلت عىل اس ٍم مؤول.
ـيه ْم﴾[األنفـال﴿ ،]33:فـَم كـان اَّللَّ ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :وما كان اَّللَّ لِيع يذهب ْم وأنْت فِ ِ
لِي ْظلِمه ْم﴾ [التوبة﴿ ،]70:مل ْ يك ِن اَّللَّ لِيغ ِْفر هل ْم﴾ [النساء﴿ ،]137:فَم كانوا لِي ْؤ ِمنوا بَِم ك َّذبوا
بِ ِه ِم ْن ق ْبل﴾ [يونس﴿ ،]74:ما كان اَّللَّ لِيذر ا ْمل ْؤ ِمنِني عىل ما أنْت ْم عل ْي ِه﴾ [آل عمران ،]179:إىل
أسلوب واستعَمله كثري يف القرآن ،ويف كالم الفصحاء.
ٌ آخره ،فهو
ثم ذكر ابن هشام املوضع الثان إلضَمر أن وجو ابا فقال:
واملعنى الثان :الغاية ،فتكون بمعنى إىل ،نحو :جئت حتى أتعلم ،هذه بمعنى الالم ألتعلم،
أيضا تعليل ،ألسرين حتى تطلع الشمس ،هذه غاية إىل أن
تعاونوا حتى تنترصوا يعني لتنترصوا ا
تطلع الشمس ،سأنتظرك حتى يـؤذن العرصـ يعنـي إىل غايـة ،قـال تعـاىل﴿ :م َّسـتْهم ا ْلب ْأسـاء
الشيخ /سليمان العيوني 107
الرسول وا َّل ِذين آمنوا معه متـى ن ْرصـ اَّللَِّ [البقـرة ،]214:يعنـي
الرضاء وز ْل ِزلوا حتَّى يقول َّ
و َّ َّ
ليقول ،أو إىل أن يقول ،إىل أن يقول غاية.
وهنا فائدة مهمة يف حتى ذكرها ابن هشام ،وهي :أن املضارع ال ينتصب بحتى إال إذا كـان
يف االستقبال ،أما إذا كان املضارع يف احلال ،أو يف املايض فإنه يرفع ملـا قلنـاه قبـل قليـل مـن أن
ا
مسـتقبال ،ولبيـان املضارع ال ينتصب إال إذا كان زمانه االستقبال ،وهذا قول ابن هشام إذا كان
ذلك أقول :للمضارع بعد حتى ثالثة أزمنة ،املضارع وهو مضارع لكن املضـارع إذا وقـع بعـد
حتى حيتمل ثالثة أزمنة:
الزمان األول :االستقبال املحض ،فيجب فيه النصب ،نحو :أطلب العلم حتى تـتعلم ،مـا
عالقة التعلم بالطلب ،قبله؟ ال معه؟ ال ،بعده إذا فاء التعلم مستقبل ،أطلب العلم اآلن لتـتعلم
يف املستقبل ما يف إال النصب؛ ألن التعلم هنا زمانه االستقبال ،سأذهب إىل مكـة حتـى أعتمـر،
االعتَمر بالنسبة للفعل املذكور وهو الذهاب قبله أو بعده أو معـه ،طيـب االعـتَمر بالنسـبة إىل
زمن التكلم ،وأنا أقول هذه اجلملة مايض أو حال يعنـي أقـول هـذه اجلملـة وأنـا أعتمـر أو يف
االستقبال سيقع هذا استقبال ُمض ،يعني استقبال بالنسبة للفعل املذكور قبله وهـو الـذهاب،
واستقبال بالنسبة إىل زمن التكلم كلـه اسـتقبال ُمـض ،تقـول :أطـع اَّلل حتـى تـدخل اجلنـة،
سأنتظرك حتى يؤذن العرص ،هذا استقبال ُمض ما فيه إال النصب.
الزمان الثان للمضارع بعد حتى أن يكون زمانه احلال باعتبـار زمـن الـتكلم ،واالسـتقبال
باعتبار الفعل املذكور قبل حتى ،له اعتباران يف زمن التكلم حال يعني وأنا أقـول هـذه اجلملـة
108 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
أفعل هذا الفعل فهو حال ،لكنه بالنسبة للفعل املذكور قبله مستقبل؛ ألنه ما يقع إال بعده ،فهذا
جيوز فيه الرفع بالنظر إىل زمان التكلم احلال ،وجيوز فيه النصب بالنظر إىل اعتبار الفعل املذكور
قبله ،مثال ذلك :قول من يدخل املدينة إنسان يدخل املدينة فيقول لك :رسنا الليـل كلـه حتـى
ندخل املدينة.
والزمن الثان :أن يكون زمانه احلال باعتبار زمن التكلم ،ويكون زمانه االسـتقبال باعتبـار
الفعل املذكور قبله ،مثال ذلك :قول من يقول وهو يدخل املدينة إنسان مسـافر ،وجـاء وصـل
املدينة يف أثناء دخوله املدينة يقول :رسنا كل الليل حتى ندخل املدينة ،فالدخول بالنسبة للسـري
مستقبل؛ ألنه بعده ،فالفعل املذكور بعد حتى بالنسبة للفعل املذكور قبل حتى اسـتقبال ،لكـن
بالنسبة إىل زمن التكلم وهو يتكلم بذلك ،الدخول يف زمن تكلمه لن حيدث بعد ذلك ،إ اذا فهـو
زمن التكلم حال ،وبالنسبة إىل الفعل املذكور قبل حتى اسـتقبال ،فيجـوز لكـل يف نحـو ذلـك
الوجهان كَم َشحنا قبل ذلك ،فتقول :حتى ندخل املدينة ،أو حتى ندخل املدينـة ،ومـن ذلـك
قول من ينظر إليك ،إنسان جاء إليك وينظر إليك ،ويقول لك وهو ينظر إليـك :جئتـك حتـى
أكحل عيني برؤيتك ،هو متى يقول أكحل؟ يف أثناء تكلمه ،يكحل عينيـه يف أثنـاء تكلمـه ،إ اذا
فالتكحل بالنسبة لزمن التكلم حال ،لكن التكحل بالنسبة للمجيء قبل حتى اسـتقبال فيجـوز
الوجهان جئت حتى أكحل أو جئت حتى أكحل ،ومن ذلك قويل لكم :حرضـت حتـى أَشح
لكم ،فالرشح بالنسبة للحضور استقبال ،لكن بالنسبة إىل زمن تكلمي هبذا الكـالم لكـم حـال
فيجوز الوجهان وهكذا.
الشيخ /سليمان العيوني 109
الزمن الثالث للمضارع بعد حتى :أن يكون زمانه امليض باعتبار التكلم ،زمانه امليض باعتبار
زمن التكلم ،واالستقبال باعتبار الفعل املذكور قبل حتى زمانه باعتبار الفعل املذكور قبل حتى
استقبال يكون بعده ،لكن باعتبار زمن التكلم مايض؛ ألنه وقع وانتهى من قبل ،انتهى قبل زمن
التكلم ،مثال ذلك أن تقول :ذهبت باألمس إىل زيد حتى أشكره ،الشكر هنا بالنسـبة للـذهاب
بعده يعني استقبال ،لكن بالنسبة إىل زمن تكلمي هبذه العبارة الشكر حدث قبل زمـن تكلمـي،
أو يف أثناء التكلم أو سيحدث بعد التكلم؟ قبل ،إ اذا باعتبـار الـتكلم مـايض ،وباعتبـار الفعـل
زيد حتـى أشـكره وحتـىاملذكور قبل حتى استقبال ،فيجوز لك فيه النصب والرفع ،ذهب إىل ٍ
ثم ذكر ابن هشام رمحه اَّلل املوضع الثالث من مواضع وجوب إضَمر أن ،فقال:
(وبعد أو التي بمعنى إىل نحو أل ْست ْس ِهل َّن الصعب ،أو أدرك املنى ،أو التي بمعنى إِال نحـو:
أسلوب عرِب مجيل ،تأيت فيه "أو" عىل غري املشهور من معانيهـا وهـو العطـف؛
ٌ أيضا
هذا ا
ألن معنى العطف غري مقصود يف هذا األسلوب ،بل تكون أو فيه بمعنـى إىل أن ،أو بمعنـى إال
110 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ٍ
حينئذ ،نحو :الجتهدن أو أنجح ،ما معنى الجتهدن أو أنجح؟ إذا أن ،فينتصب املضارع بعدها
قلنا أو عاطفة يعني ختريية ختـري ،اجتهـد أو أنجـح ،هـو مـا يريـد أن يقـول ذلـك هـو يقـول:
الجتهدن ،اجتهدن ،اجتهدن إىل أن أنجح ،الجتهدن أو أنجح يعني إىل أن أنجح.
أللزمن املسجد أو أحفظ القرآن ،ألالزمـن العلـَمء أو أتعلـم يعنـي إىل أن أتعلـم ،تقـول:
ألفتحن الباب أو ينكرس ،أنت ال تريد أن ختري ما رأيك أفتح البـاب أو أكرسـ البـاب؟ هـو لـو
خريته قال :ال ،ال دعه ،افتحه أو دعه ،أنت قول :ألفتحن الباب أحاول أن أفتح البـاب سـأبقى
أحاول أفتح الباب إال أن ينكرسن ألفتحن الباب أو ينكرس ،يعني إال أن ينكرس ،سأزمق الورقة
أو ختفظها يعني إال أن حتفظها ،فإذا سأعاقبك أو تعتذر هنـا بمعنـى إىل أن أو إال أن ،أو حتتمـل
الوجهني عـىل حسـب املعنـى املـراد ،يعنـي سـأعاقبك ،سـأعاقبك ،سـأعاقبك إىل أن تعتـذر،
سأعاقبك أو تعتذر ،أو تقول :سأعاقبك أو تعتذر تقصد إال أن تعتذر فلـن أعاقبـك ،فيحتمـل
ٍ
حينئذ املعنيني ،ومن ذلك قول الشاعر:
ٍ
لصابر فَم أنقادك اآلمال إال أل ْست ْس ِهل َّن الصعب أو أدرك املنى
من قوة هزه تستقيم يزعم ذلك ،أو تنكرس ،يعني تستقيم إال أن تنكرسـ ،ومـن ذلـك قولـه
ِ ِ
ـن سـبِ ايال﴾[النسـاء،]15: تعاىل﴿ :فأ ْمسكوه َّن ِيف ا ْلبيوت حتَّى يتو َّفاه َّن ا ْمل ْوت أ ْو ْ
جيعـل اَّللَّ هل َّ
الشيخ /سليمان العيوني 111
ا
سـبيال ،ومـن ذلـك قـراءة أِب وزيـد بـن عـيل: يعني أمسكوهن يف البيت إىل أن جيعل اَّلل هلـن
يد تقاتِلوهن ْم أ ْو ي ْسلِمون﴾[الفتح]16:
س ش ِد ٍ
﴿ستدْ ع ْون إِىل ق ْو ٍم أ ْو ِيل ب ْأ ٍ
يعنــي إال أن يســلمون أو إىل أن يســلموا تقــاتلوهنم املقاتلــة ،تقــاتلوهنم تقــاتلوهنم إىل أن
يسلمون ،أو تقاتلوهنم تعلنون القتال عليهم إال أن يسلموا ،بخالف مـا لـو قيـل :تقتلـوهنم أو
ٍ
حينئذ ماذا يكون معنى أو؟ ال يكون معناها إال إال تقتلوهنم أو يسلموا ألنه ما يف خيـار يسلموا
ثالث ،سأقتلك أو تسلم ،يعني إال أن أسلم سأقتلكم ليست كاملقاتلة قد تستمر وقتاا.
ثم ذكر ابن هشام رمحه اَّلل املوضع الرابع واخلامس من مواضع وجوب إضَمر أن
فقال:
ٍ
طلب بالفعل ،نحو :ال يقىض ُم ٍ
ض أو ني بنفي ْ ِ
املعية مسبوقت ْ ِ واو ِ
السببية أو ِ (وبعد ِ
فاء
فيحل وال ِ
تأكل السمك وترشب احلليب) َّ عليهم فيموتوا ويعلم الصابرين وال تطغوا فيه
أيضا أسلوب مجيل من أساليب اللغة العربية تأيت فيه الفاء العاطفة سببي اة جوابيـ اة ،هـي
هذا ا
أيضا تدل عىل السببية ،واجلوابية.
الفاء العاطفة لكن مع العطف ا
فلهذا صارت جوا ابا ناشئاا عنه ،لكنه يشرتط هنا أن تكون جوا ابا لنفي أو طلب فقط ،إما لنفي أو
متسبب عن األول أي لو مل يقـع األول
ٌ طلب معنى ذلك أن الفاء العاطفة مع كوهنا عىل أن الثان
مل يقع الثان ،وليس املراد جمرد عطف الثان عىل األول فقـط ،بـل عطـف األول عـىل الثـان وأن
الثان مل يكن إال لوقوع األول.
فمن األمثلة عىل ذلك أن تقول ونبدأ بالنفي قبل الطلـب تقـول :أنـت ال هتمـل دروسـك،
طيب ما الذي هيمل عن عدم إمهال الدروس؟ النجاح ،هاته عىل صيغة ٍ
فعل مضـارع؟ تـنجح،
النجاح هو اجلواب املرتتب عىل عدم اإلمهال ،طيب ضع قبله فاء سببية ،أو واو املعية ،ثـم أعـد
األسلوب ماذا تقول؟ أنت ال هتمل دروسك ،طيب النتيجة؟ فتنجح ،أو أنت ال هتمل دروسك
وتنجح.
ٍ
مسـبوق بفـاء ٍ
فعـل مضـار ٍع فأتيت باجلواب النتيجة املرتتبة عىل املنفي السابق عىل صـورة
السببية أو واو ،واو املعية ،أو تقول :مل تسافر ،ما الذي ترتب عىل عدم السفر؟ إرضاء الوالدين،
هاته فعل مضارع مسبو اقا بفاء أو واو؟ مل تسافر فرتيض والديك وتريض والدين ،البار ال يتـأخر
عن البيت فتقلق أمه ،تقول :ليس زيدا ا ضعي افا فيهزم ،ليس زيدٌ ضعي افا وهيزم.
قال سبحانه وتعاىل﴿ :ال ي ْقىض عل ْي ِه ْم فيموتوا﴾ [فاطر ،]36:عن أهل النار ،ما معنى اآلية
عىل ذلك؟ ﴿ال ي ْقىض عل ْي ِه ْم فيموتوا﴾ [فاطر ،]36:يعنـي ال جيتمـع فـيهم األمـران ،القضـاء
عليهم واملوت املتسبب من القضاء عليهم ،ال يقىض عليهم فيسبب ذلك هلـم املـوت ،ثـم أتـى
باملوت ا
فعال مضار اعا مسبو اقا بالفاء ،وقرئ يف الشـواذ بـالرفع﴿ ،ال يقىضـ علـيهم فيموتـون﴾
ٍ
فحينئذ كيف يكون معنى اآلية والتقدير؟ يكون معنى اآلية واَّلل أعلـم :ال يقىضـ علـيهم فهـم
ٍ
حينئذ مجلة اسمية ،فاجلواب مجلة اسمية ،وليس املضارع مباَشة. يموتون ،فصار ما بعد الواو
الشيخ /سليمان العيوني 113
قال تعاىل﴿ :وال ي ْؤذن هل ْم في ْعت ِذرون﴾ [املرسالت ،]36:رفع ،املعنـى :ال يـؤذن هلـم فهـم
يعتذرون ،لكن لو جاء بالنصب ال يؤذن فيعتذروا ،يعني ال يؤذن هلم إذناا يتسبب يف اعتـذارهم
وهكذا.
نكمل إن شاء اَّلل بعد الصالة واَّلل أعلم وصىل اَّلل عىل نبينا ُممد.
114 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
احلمد َّلل رب العاملني ،الصالة والسالم عىل نبينا ُممد وعىل آله وأصحابه أمجعني.
أما بعد:
فقد توقفنا عند املوضع الرابع ،واملوضع اخلامس إلضَمر (ال) وجو ابا ،وذلك إذا وقع الفعل
املضارع بعد فاء السببية أو واو املعية ،وعرفنا أن هذا من أساليب اللغة اجلميلة.
ورضبنا عليه أمثلة ،وكل هذه األمثلة كانت يف وقوع الفعل املضارع جوا ابا للنفي ،وابن
بنفي أو طلب ،فَم سبق كانت أمثلة
هشام كَم قرأنا اشرتط أن تسبق فاء السببية أو واو املعية ٍ
لوقوع املضارع يف جواب النفي ،واآلن نتكلم عىل وقوع املضارع يف جواب الطلب.
طب اعا الطلب :كل ما دل عىل طلب ،هذا واضح ،كل ما دل عىل طلب.
األمر.
والنهي.
والدعاء.
واالستفهام.
والعرض.
والتحضيض.
والتمني.
والرتجي.
الشيخ /سليمان العيوني 115
وكذلك يف االستفهام :إذا قلت( :هل ذهبت؟) ماذا تطلب؟ تطلب اجلواب.
-والعرض :ويكون ب"أال" كقولك( :أال تذهب؟) العرض :أن تطلب الفعل لكن
برفق ،تطلب منه أن يذهب لكن برفق.
َّ
ب(هال ،ولوال، -والتحضيض :وهو طلب الفعل لكن بحث ليس برفق بحث ،ويكون
ولو ما) تقولَّ :
(هال تذهب) أو (لوما تذهب) ،أو (لوال تذهب) أنت تريد أن حتثه عىل
فعل الذهاب.
-والتمني :ويكون ب(ليت) كَم هو معروف ،تقول( :ليتك تذهب) أنت تطلب حصول
الذهاب عىل سبيل التمني.
-والرتجي :ويكون ب(لعل) تقول( :لعلك تذهب) تطلب حصول الذهاب ،لكن عىل
سبيل الرتجي؛ يعني الرجاء.
فهذه ثَمنية أجوبة يسموهنا األجوبة الثَمنية ،فإذا أضفنا إليها النفي الذي تكلمنا عليه من
قبل صارت تسعة ،وتسمى األجوبة التسعة.
مت َّن و ْارج كذاك النَّ ْفي قدْ كمال م ْر وا ْدع وانْه وس ْل وا ْع ِر ْض ِحل يض ِهم
واألمثلة واضحة:
116 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
-فاألمر :كأن تقول( :تعاىل فأكرمك) أو (تعاىل وأكرمك) اإلكرام مرتتب عىل االستجابة
للفعل (تعال) إذن جواب ،لكن مسبوق بالفاء أو بالواو فانتصب.
-والنهي :أن تقول( :ال هتمل فرتسب)( ،ال هتمل وترسب) ،قال تعاىل﴿ :وال ت ْطغ ْوا فِ ِيه
في ِ
ح َّل عل ْيك ْم غضبِي [طه.]81:
(رِب اغفر يل فأفلح).
-والدعاء :أن تقول :ي
-واالستفهام :كأن تقول( :هل تزورن الليلة؟) طيب ماذا يرتتب عىل زيارته لك؟
مضارعا مسبو اقا بفاء أو واو ،تقول( :هل تزورن الليلة فأكرمك) أو ا اإلكرام ،هات فعل
(وأكرمك) ،قال -س ْبحانه وتعاىل﴿ :-فه ْل لنا ِم ْن شفعاء في ْشفعوا لنا [األعراف،]53:
أغ ِفر له؟ هل ِم ْن
جيب له؟ هل ِم ْن م ْستغ ِْف ٍر ف ْ
فأست ِ ِ
ويف احلديث املشهور «ه ْل م ْن دا ٍع ْ
ب فأتوب عل ْي ِه».
تائِ ٍ
فاخلالصة:
أن (أن) لقوة عملها تعمل النصب يف املضارع ظاهر اة ومضمرةا؛ يعني ُمذوف اة ،وتعمل
مضمر اة يف املواضع التي ذكرناها قبل قليل بعد الم التعليل وهذا جائز ،وبعد الم اجلحود
وجو ابا ،وبعد حتى ،وبعد (أو) التي بمعنى (إىل أن) ،أو (إال أن) ،أو بعد فاء السببية ،أو واو
الشيخ /سليمان العيوني 117
املعية ،وهذا قول البرصيني ،وهو قول اجلمهور ،وهو الصحيح :أن املضارع يف هذه املواضع
ليس منصو ابا هبذه األحرف الواقعة قبل املضارع؛ يعني (حتى أتعلم) (أتعلم) ليس منصو ابا
ب(حتى)( ،فأفوز) (أفوز) ليس منصو ابا بالفاء( ،ألتعلم) (أتعلم) ليس منصو ابا بالالم ،وإنَم
منصوب بأن مضمرة ُمذوفة.
ٌ
أما ابن هشام كَم رأيتم فقد اعتمد قول البرصيني وتابع يف ذلك اجلمهور للتعليالت التي
ذكرناها من قبل.
وعىل قول اجلمهور يصح ما قلناه من قبل :من أن نواصب املضارع أربعة وهي:
أن.
ولن.
وكي.
وإذن.
118 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
بذلك انتهى الكالم عىل نواصب الفعل املضارع ،لينتقل ابن هشام إىل الكالم عىل جوازم
الفعل املضارع.
فذكر -ر ِمحه اَّلل -أن الفعل املضارع ينجزم يف جواب الطلب ،وبعد (مل) وبعد ( َّملا) ،وبعد
(الم األمر) ،وبعد (ال الناهية) ،وبعد (أدوات الرشط اجلازمة) ذكرها هبذا الرتتيب ،فنسري عىل
ترتيبه -ر ِمحه اَّلل.-
نعم ،سبق قبل قليل أن املضارع إذا وقع يف جواب الطلب ،وكان مسبو اقا بفاء السببية ،أو
واو املعية انتصب ،طيب ،لو جاء يف األسلوب نفسه؛ يعني املضارع وقع يف جواب الطلب،
لكن مل يقرتن بالفاء وال بالواو ،فبدل أن تقول( :اجتهد فتنجح) (اجتهد وتنجح) حتذف الفاء
والواو ،وتقول مباَشة( :اجتهد تنجح) فوقع املضارع مباَشة جوابا للطلب دون ٍ
فاء وواو، ا
جزاء؛ يعني هو
ا حينئذ اجلزم ،ينجزم ،إذا وقع املضارع جوا ابا للطلب وق ِصد كونه
ٍ وحكمه
ٍ
حينئذ ،وهذا قوله: اجلزاء املرتتب عىل هذا الطلب النتيجة املرتتبة عىل هذا الطلب ،فإنه ينجزم
"وق ِصد اجلزاء" كقولك( :تعال أ ِ
كرمك).
إذا عرفنا ذلك نسأل فنقول :املضارع إذا وقع يف جواب الطلب وق ِصد اجلزاء انجزم ،هذا
متفق عليه.
ٍ
حينئذ؟ ما الذي جزم املضارع الذي وقع جوا ابا للطلب لكن السؤال :ما اجلازم للمضارع
وق ِصد به اجلزاء؟
-القول األول :أنه الطلب السابق نفسه ،يقولون :جمزو ٌم بجواب الطلب؛ يعني إذا قلت:
(اجتهد تنجح) فالذي جزم تنجح هو نفسه فعل األمر اجتهد نفس هذا الطلب (اجتهد)
فعل األمر هو الذي جزم تنجح ،نفس الطلب السابق هو الذي جزم املضارع.
مل ،و َّملا ،والم األمر ،وال الناهية ،وأدوات الرشط اجلازمة مخسة ،وجواب الطلب.
مثال: ٍ
َشط مقدرة؛ يعني ُمذوفة ،فإذا قلت ا -والقول الثان :أن جازم املضارع هنا أداة
كرمك) كان التقدير (تعال) (إن تأيت أ ِ
كرمك) (فأكرمك) فجزمته أداة الرشط إن (تعال أ ِ
املحذوفة املقدرة ،أسلوب من أساليب العرب؛ ألن اجلزاء فيها مقصود ومفهوم ،حذفت
من هذا األسلوب أداة الرشط للعلم هبا.
120 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
وهذا هو قول اجلمهور ،وعليه تكون جوازم املضارع مخسة بإسقاط جواب الطلب؛ ألن
ٌ
داخل يف أدوات الرشط. ٍ
حينئذ جواب الطلب
طيب ،فإن قلت :ما حكم املضارع يف األمثلة السابقة إذا مل يقصد اجلزاء؟
ٍ
بناصب وال ٍ
حينئذ ٍ
حينئذ رفع الفعل املضارع؛ ألنه مل يسبق إذا مل يقصد اجلزاء ،فاحلكم
بجازم.
مثال ذلك :لو تقول( :أعطني كتا ابا يفيدن) املضارع (يفيدن) أنت مل ت ِرد أنه جزاء وجواب
ونتيجة مرتتبة عىل اإلعطاء؛ يعني أنت ال تريد من كالمك معنى الرشط ،ليس املعنى (أعطني
كتا ابا ،إن تعطني يفيدن) ال ،أنت أردت (أعطني كتا ابا مفيدا ا)؛ يعني الفعل املضارع (يفيدن)
أردت به معنى االسم( ،أعطني كتا ابا مفيدا ا) ومل ت ِرد (أعطني كتا ابا إن تعطني يفيدن) فيبقى
مرفوعا.
ا
مثال :قوله -سبحانه وتعاىل﴿ :-خ ْذ ِمن أمو ِ
اهل ْم صدق اة ا طيب ،من ذلك
ْ ْ ْ
ا
صدقة تط يهره ْم [التوبة﴿ ،]103:تط يهره ْم هنا بالرفع ،إذن فاملقصود معنا االسم؛ يعني
مطهر اة ﴿تط يهره ْم هذه مجلة فعلية نعت لصدقة (صدق اة مطهرةا) ،وليس املعنى (خذ من
أمواهلم صدق اة إن تأخذها تطهرهم) لو كان هذا املعنى النجزم الفعل ،فلهذا ارتفع الفعل عند
القراء السبعة.
ما املعنى؟ هل املعنى (هب يل من لدنك ول ًيا إن هتبني إياه يرثني) فينجزم الفعل وهذه
قراءة ،أم (فهب يل من لدنك ول ًيا وار اثا فريتفع) وهذه قراءة عند بعض السبعة؟
الشيخ /سليمان العيوني 121
اجلوابُ :متمل؛ فلهذا ق ِرئ عند السبعة باجلزم ،وبالرفع ،نقول :بالرفع عىل معنى االسم
يعني (ول ًيا وار اثا) ،وباجلزم عىل معنى الرشط (إن هتبني يرثني) وهكذا.
ومن ذلك :قوله -س ْبحانه وتعاىل -عن ناقة صالح﴿ :فذروها ت ْأك ْل ِيف أ ْر ِ
ض
َّلل [األعراف ،]73:وقرأ اَّللَِّ [األعراف ]73:قال بعض السبعة﴿ :فذروها ت ْأك ْل ِيف أ ْر ِ
ض ا َِّ
آخرون﴿ :فذروها ت ْأكل ِيف أ ْر ِ
ض اَّللَِّ [األعراف ،]73:فمن قرأ بالرفع أراد معنى االسم؛
يعني (فذروها آكل اة) يعني ذروها حالة كوهنا آكل اة يف أرض اَّلل ،ومن جزم أراد معنى الرشط؛
يعني (ذروها إن تذروها تأكل يف أرض اَّلل) وهكذا.
معنى ذلك :أن املضارع الواقع يف جواب الطلب يف مواضع جيب أن يكون املعنى عىل قصد
اجلزاء فيجزم ،ويف مواضع جيب أن يكون عىل معنى االسم فريفع ك(أعطني كتا ابا يفيدن) ،ويف
مواضع حتتمل الوجهني عىل حسب مقصود املتكلم ،فيجوز فيها اجلزم والرفع.
ٍ
متعلقة باجلزم بجواب الطلب الذي ذكره قبل ٍ
مسألة إن ابن هشام -ر ِمحه اَّلل -نبه عىل
ثم َّ
قليل.
فقال:
اجلزْم بعد الن َّْهي ِصحة حلول إِن ال ُمله نحو (ال تدن من ْاألسد تسلم) بِ ِ
خالف "وَشط ْ
ْ
(ي ْأكلك)"
فذكر -ر ِمحه اَّلل -أن املضارع الواقع يف جواب الطلب جيوز أن يكون جوا ابا للفعل املنهي
عنه ،وأن يكون جوا ابا للنهي يف حالة النصب ،فتقول ا
مثال( :ال هتمل) (ال هتمل) عندنا
(اإلمهال) هذا الفعل ،وعندنا (عدم اإلمهال) وهو املنفي ،لك أن ترتب ما تشاء عىل حسب
املعنى ،فعدم اإلمهال ينتج النجاح ،فتقول( :ال هتمل فتنجح)( ،ال هتمل وتنجح) ،ولك أن
122 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ترتب عىل اإلمهال فقط ،اإلمهال ماذا يسبب؟ الرسوب ،تقول( :ال هتمل فرتسب)( ،ال هتمل
وترسب) ،يف النصب جيوز أن ترتب عىل الفعل ،أو ترتب عىل املنهي عنه ،لكن يف اجلزم قالوا:
ال ،يف اجلزم ال ترتب إال عىل النهي ،ال ترتب عىل الفعل نفسه ،فإذا قلت ا
مثال( :ال تدن من
ْاألسد) الفعل( :الدنو من األسد) ،طيب ،وعندك النهي عن الدنو ،فالنهي عن الدنو يسبب لك
السالمة ،والدنو يسبب لك اهلالك وأكله إياك.
قالوا يف اجلزم :ما ينجزم إال إذا كان مرتت ابا عىل النفي نفسه (ال تدن من ْاألسد) والنتيجة،
تسلم) باجلزم.
ْ نتيجة النهي عن الدنو (السالمة) تقول( :ال تدن من األسد
لكن لو قلت( :ال تدن من األسد يأكلك) ،أو (ال تدن من األسد هتلك) فأكله إياك ليس
ٍ
حينئذ الفعل ما ينجزم ،ال، مرت ابا عىل النهي عن الدنو ،وإنَم مرتب عىل الدنو نفسه ،فيقولون:
مرفوعا.
ا يبقى
وضابط ذلك الذي يقربه ويسهله :ما ذكره ابن هشام وهو أنك تستطيع أن تقدر مع الفعل
املضارع الواقع يف جواب الطلب أن تقدر (أن ال) (أال) فتقول( :ال تدن من األسد إال تدنو من
األسد تسلم) صحيح (إال تدنو من األسد) يعني (إن ما تدنو أسد تسلم) لكن لو قلت:
(يأكلك) ما يصح أن تقدر فتقول( :ال تدن من األسد إال تدنو من األسد يأكلك) هذا قول
كثري من
ٌ اجلمهور ،وتابعهم ابن هشام كَم رأيتم ،وبعض النحويون كالكسائي وتبعه
املعارصين ،مل يشرتطوا هذا الرشط ،وقالوا :لك أن ترتب عىل الفعل نفسه ،ولك أن ترتب عىل
النهي نفسه.
لك أن تقول( :ال هتمل تنجح) النجاح مرتتب عىل النهي ،ولك أن تقول( :ال هتمل
ترسب) الرسوب مرتتب عىل اإلمهال.
الشيخ /سليمان العيوني 123
عن الفعل نفسه ،وهذا الذي منعه اجلمهور ،فاستدلوا بمثل هذا الشاهد وغريه عىل اجلواز.
ثم ذكر ابن هشام -ر ِمحه اَّلل تعاىل -بقية جوازم املضارع وهي عىل قسمني:
مضارعا واحدا ا وهي (مل ،و َّملا ،والم األمر ،وال الناهية).
ا ما جيزم
"وجيزم أ ْيضا بلم ن ْحو ﴿مل ْ يلِدْ ومل ْ يولدْ [اإلخالص ،]3:وملا ن ْحو (وملا ي ْقض) ،وبالالم
اخذنا)" ض ،ال ترشك ،ال تؤ ِ
وال الطلبيتني ن ْحو (لينفق ،لي ْق ِ
إليَمن ِيف
و َّملا :كقولك (ملـَّا أذهب بعد)( ،جاء الوفد وملـَّا يدخلوا) ،قال تعاىل﴿ :و َّملا يدْ خ ِل ا ِ
قلوبِك ْم [احلجرات.]14:
124 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
واضح أن (مل ،وملـَّا) جيتمعان يف معنى النفي؛ يعني تقولُ( :ممدٌ مل يذهب) و(ُممدٌ ملـَّا يذهب)
تنفي عنه الذهاب.
-األول :أن (مل) للنفي املطلق ،و(ملـَّا) للنفي املتصل؛ (مل) ال تدل إال عىل النفي فقط ،وأما
(ملـَّا) فتدل عىل النفي وعىل اتصال النفي ،اتصال نفي هذا الفعل إىل زمن التكلم ،فلهذا
جيوز أن تقول يف (مل)( :مل أذهب باألمس وذهبت اليوم)( ،مل أذهب األسبوع املايض،
وذهبت قبل يومني) نفي مطلق؛ فلهذا يمكن أن تقطع هذا النفي قبل زمن التكلم( ،مل
الشيخ /سليمان العيوني 125
مذكورا).
ا م ْذك ا
ورا [اإلنسان]1:؛ أي (ثم كان شيئاا
وال جيوز مثل ذلك يف (ملـَّا)؛ ألن نفيها متصل إىل زمن التكلم؛ يعني ال جيوز أن تقول( :ملـَّا
أذهب يف األسبوع املايض ،ثم ذهبت قبل يومني) ال( ،ملـَّا) نفيها مستمر إىل زمن التكلم.
-األمر الثان مما يفرتقان فيه :أن (مل) للنفي املطلق كَم ذكرنا (وملـَّا) لنفي القريب املتوقع،
(مل) تدل فقط عىل مطلق النفي أن األمر ما وقع ،وأما (ملـَّا) فإهنا لنفي القريب املتوقع.
بخالف (مل) فإهنا تدل فقط عىل النفي الطلق؛ يعني ما وقع ،فإذا قلتُ( :ممدٌ مل يسافر) يعني أنه
مل يفعل السفر فقط.
تقولُ( :ممدٌ مل يصل) (ما وصل) ( َّملـا وصل) يعني إنه ما وصل ،ولكنه وصوله قريب؛
مثال لو تأملنا يف اآليات لوجدنا أن اآليات تراعي مثل هذه املعان ،ففي قوله تعاىل ا
مثال فلهذا ا
إحزان هلم ،أو تفريح
ٌ إليَمن ِيف قلوبِك ْم [احلجرات ]14:هذا
عىل األعراب﴿ :و َّملا يدْ خ ِل ا ِ
هلم؟
126 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
اَّلل -عزَّ وجل -يقول هلم :اإليَمن يعني ما دخل يف قلوبكم ،لو قال( :مل يدخل اإليَمن) أو
﴿ملا يدْ خ ِل [احلجرات ]14:فيقول:
(ما دخل اإليَمن يف قلوبكم) لكان حزاناا هلم ،لكن قالَّ :
(إىل اآلن ما دخل ،إال أن دخوله يف قلوبكم قريب إذا بقيتم عىل ما أنتم عليه من متابعة النبي -
ذما جمر ادا. ِ
مدحا هلم ،وليس ً
السالم ،-واحلرص عىل دينه) فصار هذا يعني ا الصالة و َّ
عل ْيه َّ
ومن ذلك قوله﴿ :ب ْل َّملا يذوقوا عذ ِ
اب [ص ]8:لشدة التهديد بالعذاب ،يقولَّ :
﴿ملا
أيضا ،فلهذا جيوز أن تقول
يذوقوا [ص ]8:ما ذاقوا ،لكن ذوقكم إياه قريب ،فهذا فيه هتديد ا
ا
مثال ( :مل جيتمع الضدان) لكن ما جيوز أن تقول( :ملـَّا جيتمع الضدان)؛ ألن قولك هذا فيه إشارة
إىل أن اجتَمعهَم ممكن ،وهو ليس ممكناا ا
فضال عن أن يكون قري ابا.
-األمر الثالث مما يفرتقان فيه :أنه جيوز أن حتذف املضارع بعد (ملـَّا) ،وال جيوز أن حتذفه
بعد (مل) ،فبعد (مل) ما جيوز أن حتذف املضارع ،أما بعد (ملـَّا) فيجوز أن تقول ا
مثال:
(قاربت املدينة وملـَّا)( ،ها يا ُممد هل وصلت إىل اجلامعة؟) (اقرتبت إىل اجلامعة وملـَّا)
يعني (وملـَّا أصل) ا
مثال .ونحو ذلك.
أيضا من الفروق بني (مل) و(ملـَّا) :أن (مل) جتامع الرشط ،تقول( :إن مل تذهب ،فلن -طيب ،ا
ب فأ ْولئِك هم
أذهب)﴿ ،وإِ ْن مل ْ ت ْفع ْل فَم ب َّلغْت ِرسالته [املائدة﴿ ،]67:وم ْن مل ْ يت ْ
ال َّظامل ِون [احلجرات ،]11:وال جيوز ذلك يف (ملـَّا) ال جتامع الرشط.
طيب ،إذن فانتهينا من (مل) و(ملـَّا) ،ثم ننتقل إىل احلرف الثالث من احلروف التي جتزم ا
فعال
مضارعا واحدا ا ،وهو كَم قال ابن هشام( :الم الطلب) املعروفة بالم األمر ،كقولك( :لتفتح
ا
بيتك ،ولتكرم ضيوفك)( ،لتسمع مني قبل أن حتكم) ﴿لِي ِنف ْق ذو سع ٍة ِم ْن سعتِه [الطالق.]7:
إن كان الطلب من األعىل إىل األدنى :فهذا هو األمر ،كالطلب من الرب للعبد ،أو من
النبي ألتباعه ،أو من الرئيس للمرؤوس ،أو من األب للولد ونحو ذلك.
ومن ذلك :قوله تعاىل﴿ :لِي ِنف ْق ذو سع ٍة ِم ْن سعتِ ِه [الطالق ]7:هذا أمر.
والنوع الثان لالم الطلب :أن تكون من األدنى إىل األعىل :كطلب العبد من الرب ،أو
طلب االبن من األب ،أو املرؤوس من الرئيس ،وهكذا ،فهذا يسمونه دعاء ،الدعاء يف
اللغة هو جمرد الطلب.
فصل مثل هذه التفصيالت من بعض املتأخرين فهو من باب األدب ،وليس من باب
ومن َّ
التحقيق العلمي؛ فلهذا ال يكون هذا مما ينقض فيه املتقدمون ،فهم يعرفون هذه األمور،
مصطلحا ،ويفرسونه ،وال
ا ويعرفون هذه املعان ال ختفاهم ،ولكنهم جيعلون مصطلح الم األمر
مشاحة يف االصطالح.
فاجلواب :حركته الكرس إذا كان يف االبتداء ،مثل( :لينفق) إال إن سبِق بالواو ،أو الفاء ،أو َّ
ثم)
فإذا سبِق هبذه احلروف العاطفة الثالثة ،فيجوز فيها الكرس والسكون.
128 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
جيبوا ِيل و ْلي ْؤ ِمنوا [البقرة ]186:باتفاق القراء ،ويف قوله: ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :ف ْلي ْست ِ
السَم ِء ث َّم ْلي ْقط ْع ﴿ف ْلي ْضحكوا قلِ ايال و ْلي ْبكوا كثِ اريا [التوبة﴿ ،]82:ف ْلي ْمد ْد بِسب ٍ
ب إِىل َّ
ف ْلينظ ْر [احلج.]15:
ثم ذكر ابن هشام -ر ِمحه اَّلل -اجلازم األخري وهو الذي جيزم فعلني اثنني وهي أدوات الرشط
اجلازمة).
فقال" :وجيزم فعلني إِن وإِذ ما وأ ْين وأنى وأيان ومتى ومهَم ومن وما وحيثَم ن ْحو ﴿إِ ْن يش ْأ
نسها ي ْذ ِهبكم [النساء﴿ ،]133:من يعم ْل سوءا جيز بِ ِه [النساء﴿ ،]123:ما ننس ْخ ِمن آي ٍة أو ن ِ
ْ ْ ا ْ ْ ْ ْ ْ
ت بِخ ْ ٍري ِمنْها [البقرة ،]106:ويسمى األول َشطا وال َّث ِان جوا ابا وجز ااء"
ن ْأ ِ
الشيخ /سليمان العيوني 129
نعم ،هذا أسلوب الرشط ،أسلوب الرشط أسلوب له أدوات ،بعض أدوات الرشط ال جيزم،
وتسمى أدوات الرشط غري اجلازمة مثل (إذا ،ولوال ،ولو) تقول( :إذا تطلع الشمس أسافر)،
(إذا طلعت الشمس أزورك)( ،لو جاء زيدٌ أكرمته)( ،لوال زيدٌ ألكرمتك) وهكذا.
وبعض أدوات الرشط جازم ٌة للمضارع وتسمى أدوات الرشط اجلازمة ،وهي املقصودة هنا،
وهي اثنتا عرشة أداةا ،ذكرها ابن هشام هنا ،منها :حرفان ومها (إن ،وإذ ما) والعرشة الباقية
أسَمء ،وهذا كال ٌم عليها.
-فاألداة األوىل والثانية (إن ،وإذ ما) :ومها حرفان بمعناى واحد تقول( :إن جتتهد تنجح) أو
(إذ ما جتتهد تنجح) ،قال تعاىل﴿ :وإِ ْن ت ْؤ ِمنوا وتتَّقوا ي ْؤتِك ْم [ُممد.]36:
-واألداة الثالثة هي (من) :وهي للعاقل يف األصل نحو (من جيتهد ينجح)﴿ ،م ْن ي ْعم ْل
جيز بِ ِه [النساء.]123:
وءا ْ
س ا
-والرابعة واخلامسة (ما ،ومهَم) :ومها لغري العاقل نحو (ما تعمل يكتب)( ،مهَم تعمل
يكتب) ﴿وما ت ْفعلوا ِم ْن خ ْ ٍري ي ْعل ْمه اَّللَّ [البقرة.]197:
ِ
يفعل". وقول أمرؤ القيسِ " :
وأنك مهَم تأمري القلب
-والسادسة والسابعة (متى ،وأ َّيان) :ومها للزمان ،نحو (متى تسافر أسافر معك) أو (أ َّيان
ِ
تعرفون. تعمل توفق) ،ومن ذلك قول الشاعر" :متى أض ِع العَممة
-واألداة الثامنة والتاسعة والعاَشة (أين ،وأنَّى ،وحيثَم) :وهي للمكان ،نحو (أين تسكن
أسكن بجوارك)( ،أينَم تقم أزورك) ﴿أ ْينَم تكونوا يدْ ِركُّم ا ْمل ْوت [النساء.]78:
-واألداة احلادية عرشة (كيفَم) :وهي للحال ،نحو (كيفَم تركب أركب).
(أي) :وعرفنا يف باب املعرب واملبني ،أو ماذا كان ذلك أهنا األداة
-واألداة الثانية عرشة ٌّ
وأي) من حيث املعنى تكون عىل حسب ما
الوحيدة املعربة ،وبقية أسَمء الرشط مبنيةٌّ ،
130 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
تضاف إليه؛ إن أضيفت لعاقل لعاقل ،وإن أضيفت لغري العاقل لغري عاقل ،وإن أضيفت
(أي يو ٍم ٍ
كتاب تقرأ أقرأ)َّ ، (أي ٍ
طالب جيتهد ينجح)َّ ، (أي
لزمان للزمان ،وهكذا ،نحو ُّ
تصم أصم) ،وهكذا.
طيب ،هنا فائدة نص عليها ابن هشام :فذكر ابن هشام -ر ِمحه اَّلل :-أن أدوات الرشط اجلازمة
تطلب فعلني؛ يعني ال يتم معنى الرشط إال بفعلني:
إذن ال بد من فعلني.
وهذان الفعالن هلَم أربع صور ذكرها ابن مالك يف ألفيته يف ٍ
بيت لطيف فقال:
يعني كل الصور.
مضارعا ،هذا من التخالف نحو ا والصورة الثالثة :كون فعل الرشط ماض ايا ،وجواب الرشط
اآلخر ِة ن ِز ْد له
(من قام أقم معه)﴿ ،من كان [الشورى ]20:فعل مايض ﴿من كان ي ِريد حرث ِ
ْ ْ ْ
ِيف ح ْرثِ ِه [الشورى.]20:
يف قاعدة واحدة حتكم هذه املسألة ذكرها ابن هشام وهي :أن جواب الرشط إذا مل يصلح أن
يكن فعل َشط ،فيجب اقرتانه بالفاء ،وهذا قوله" :إذا مل يصلح ملباَشة األداة" يعني فعل
الرشط إذا مل يمكن أن جتعله فعل َشط بعد األداة مباَشة ،فيجب أن يقرتن بالفاء.
ويرتتب عىل ذلك إذا طبقنا هذه القاعدة :أن جواب الرشط جيب أن يقرتن بالفاء يف ستة مواضع
مشهورة مجعه الناظم يف بيته املشهور
-املوضع األول :إذا كان جواب الرشط مجل اة اسمية نحو( :إن تأيت فأنا أكرمك) ﴿وإِ ْن
يش ٍء ق ِد ٌير [األنعام.]17: ٍ
ي ْمس ْسك بِخ ْري فهو عىل ك يل ْ
132 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
-املوضع الثان :إذا كان جواب الرشط مجل اة طلبية ،وسبق املراد بالطلب ثَمنية أشياء نحو
ون [آل عمران.]31: (إن جاء زيدٌ فأكرمه) أمر﴿ ،إِ ْن كنْتم ِ
حت ُّبون اَّللَّ فا َّتبِع ِ ْ
فعال مقرتناا ب(قد) نحو ﴿إِ ْن ي ْ ِ
رس ْق فقدْ رسق -املوضع الثالث :إذا كان جواب الرشط ا
أخٌ له ِم ْن ق ْبل [يوسف ،]77:ما تقل( :إن يرسق رسق أخٌ له من قبل) أو (إن يرسق قد
فعال جامدا ا؛ مثل (ليس ،وعسى ،ونعم ،وبئس) -املوضع الرابع :إذا كان جواب الرشط ا
بخيال) ﴿إِ ْن تر ِن أنا أق َّل ِمنْك م ااال وولدا ا * فعسى
ا (إن جاء زيدٌ فليس
ر يِب)[الكهف.]39:
-املوضع اخلامس :إذا كان فعل الرشط جوا ابا مقرتناا بحرف تنفيس إما (السني) وإما
(سوف)( ،إن جاء زيد ،فسوف أكرمه)( ،إن جاء زيد فسأكرمه)﴿ ،وإِ ْن تع ْ
ارست ْم
رت ِضع له أ ْخرى [الطالق.]6: فس ْ
-واملوضع السادس :إذا كان جواب الرشط ا
فعال منف ًيا ،منف ًيا ب(لن) أو ب(ما) كقولك:
أكرمه) ﴿وما ي ْفعلوا ِم ْن خ ْ ٍري فل ْن يكْفروه [آل عمران﴿ ،]115:فإِ ْن
(إن جاء زيدٌ فلن ِ
وقد يقرتن جواب الرشط بإذ الفجائية ،األكثر يف اللغة أن يقرتن بالفاء ،لكن جيوز أن يقرتن
ت أ ْي ِدهيِ ْم إِذا ه ْم ي ْقنطون [الروم،]36:
بإذ الفجائية ،كقوله تعاىل﴿ :وإِ ْن ت ِص ْبه ْم س ييئ ٌة بَِم قدَّ م ْ
ولو قال( :فهم يقنطون) جلاز يف اللغة ،وقال﴿ :إِذا دعاك ْم د ْعو اة ِمن األ ْر ِ
ض إِذا أنْت ْم
ْخترجون [الروم ،]25:تقول( :إن تنجح إذا أنا أفرح)؛ يعني (فأنا أفرح).
قليال ،فيجوز أن تقول( :إن ِ
تأت وجيوز أن جتمع هنا بني الفاء وإذ الفجائية ،وإن كان هذا ا
فإذا أنا أ ِ
كرمك).
الشيخ /سليمان العيوني 133
بت ي ْأجوج وم ْأجوج وه ْم ِم ْن ك يل حد ٍ قالوا :ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :حتَّى إِذا فتِح ْ
اخص ٌة أ ْبصار ا َّل ِذين كفروا [األنبياء]97:نسلون [األنبياء ]96:حتى قال﴿ :فإِذا ِهي ش ِ ي ِ
قالوا :املعنى إذا فتِحت يأجوج ومأجوج شخصت ﴿أ ْبصار ا َّل ِذين كفروا [األنبياء ،]97:إذا
فتحت يأجوج ومأجوج شخصت ،لكن لو أتى هبا يف املايض ما حتتاج إىل اقرتان بالفاء وإذا،
اخص ٌة [األنبياء ]97:فاقرتنت ب(إذا) واقرتنت ﴿هي ش ِ
لكن أتى هبا هنا بجملة اسمية ِ
بالفاء.
جيوز أن يقرتن بالرشط وهذا قليل ،لكنه جائز ووارد ،وجيوز أال يقرتن وهو األكثر ،جيوز أن
أكرمه) ،وجيوز االقرتان بقلة نحو (من ايقم فأقوم معه) ﴿فم ْن ي ْؤ ِم ْن بِر يب ِه فال
تقول( :من يقم ِ
َّلل ِمنْه [املائدة﴿ ،]95:إِ ْن كان خياف بخْ اسا وال ره اقا [اجلن﴿ ،]13:وم ْن عاد فينت ِقم ا َّ
تالس ييئ ِة فك َّب ْ ت [يوسف﴿ ،]26:وم ْن جاء بِ َّ ق ِميصه قدَّ ِم ْن قب ٍل فصدق ْ
وجوهه ْم [النمل ...]90:إىل آخره.
طيب ،هنا فائدة رسيعة مع أننا تأخرنا ،لكن ال بد أن ننتهي من إعراب الفعل املضارع،
تقول :يال أختم ،سأختم.
طيب ،قد تقرتن هبا ما الزائدة ،ما الزائدة هذه تزاد يف مواضع كثرية ،يمكن تقول( :إن جتتهد
تنجح) أو (إما جتتهد تنجح) تزيد( ،أينَم تسكن أسكن بجوارك)( ،أينَم تسكن أسكن بجوارك،
قد تزاد
-فبعض أدوات الرشط ال تقرتن بَم أبدا ا ،وهي (من ،وما ،ومهَم ،وأنَّى).
-النوع الثان من هذه األدوات ما جيب اقرتانه ب(ما ،وإال) فال تكون أداة َشط ،وهي
(إذ) تقول( :إذ ما) وحيث تقول( :حيثَم) ،و(كيف) تقول( :كيفَم) ،إذا مل تقرتن ب(ما)
ال تكون أداة َشط.
-والنوع الثالث :ما جيوز اقرتانه ،وعدم اقرتانه ب(ما) وهي البواقي وهي (إن) تقول( :إن
جتتهد تنجح)( ،وإما جتتهد تنجح).
ومن ذلك :قوله تعاىل﴿ :وإِما ختافن ِمن قو ٍم ِخيان اة فا ْنبِ ْذ إِلي ِهم عىل سو ٍ
اء [األنفال]58:؛ ْ ْ َّ ْ ْ َّ
يعني (إن ختف انبذ) لكن زاد (ما) فقال﴿ :وإِ َّما ختاف َّن [األنفال ،]58:وكذلك (متى) تقول:
(متى تأيت ِ
أكرمك) أو (متى ما تأيت أكرمك) ،و(أين) (أين تسكن أسكن) و(أينَم تسكن
ٍ
رجل يأيت (أي
و(أي) تقولُّ :
ٌّ أسكن) ،و(أ َّيان) (أ َّيان تسكن أسكن) و(أيانَم تسكن أسكن)،
جل يأيت ِ
أكرمه). أ ِ
كرمه) و(أ ُّيَم ر ٍ
واَّلل أعلم ،وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ُممد ،وعىل آله وأصحابه أمجعني.
الشيخ /سليمان العيوني 135
الدرس الرابع
احلمد َّلل رب العاملني ،والصالة والسالم عىل نبينا ُممد ،وعىل آله وأصحابه أمجعني.
أما بعد:
فسالم اَّلل عليكم ورمحته وبركاته ،وحياكم اَّلل يف هذا الدرس الرابع من دروس َشح قطر
الندى وبل الصدى البن هشام –عليه رمحة اَّلل ،-نحن يف ليلة األربعاء اخلامس من مجادى
اآلخرة من سنة 1439هـ يف جامع منرية الشبييل بحي الفالح يف مدينة الرياض.
وجزما.
ا يف الدرس املايض كنا قد تكلمنا عىل إعراب الفعل املضارع رف اعا ونص ابا
ٍ
نكرة ومعرفة يف هذا الدرس بإذن اَّلل تعاىل سنتكلم عىل النكرة واملعرفة وانقسام االسم إىل
تب اعا البن هشام -ر ِمحه اَّلل تعاىل -يف ترتيب الكتاب.
ٍ
وفعل وحرف ،وهذا احلكم األول للكلمة ،تكلم فبعد أن انتهى من تقسيم الكلمة إىل اس ِ ٍم
ٍ
معرب ،ومبني ،وذكر أحكام البناء واإلعراب ،وأنواع اإلعراب ،وعالمة عىل انقسام الكلمة إىل
اإلعراب ،انتقل اآلن إىل احلكم الثالث ،وهو األخري ألحكام الكلمة ،األحكام اإلفرادية
للكلمة؛ أي التي تلزم الكلمة عىل كل حال سواء أكانت وحدها أو كانت يف مجلة ،وهذا احلكم
ٍ
نكرة ومعرفة. هو انقسام االسم إىل
فقال يف أول كالمه" :االسم رضبان" يعني بذلك -ر ِمحه اَّلل -أن التنكري والتعريف
وصفان خاصان باالسم ،فهو الذي يوصف بأنه نكرة أو معرفة ،فكل األسَمء ال بد أن تكون إما
نكرات ،وإما معارف ،وأما غري األسَمء األفعال واحلروف فهذه ال توصف بأهنا نكرة ،وال بأهنا
معرفة.
واألصل النكرة :فهي أصل املعرفة؛ ولذا قدمه ابن هشام؛ ولذا نجد كل معرفة هلا نكرة ،إما
و(رجل) ،و(أ ِح ٍد) و(جبل)
ٍ ٍ
و(رجل) ،و(ُممد) ِ
ك(الرجل) من لفظها ،وإما من معناها،
ٍ
نكرة علم. وهكذا ،لكن النكرات ليس لكل
فلهذا قال النحويون :اجلمل وأشباه اجلمل يف حكم النكرة ،ال يقولون :نكرة ،وإنَم يقولون:
يف حكم النكرة؛ يعني أن العرب تعاملها معاملة النكرة ،توقعها موقع النكرة ،فتقع نعتاا للنكرة،
وتقع ا
حاال من املعرفة كالنكرات.
-والتفريق بني االسم النكرة واالسم املعرفة ب َّينه النحويون بأكثر من طريقة:
ففرقوا بني النكرة واملعرفة من طريق التعريف ،عرفوا النكرة ،وعرفوا املعرفة.
الشيخ /سليمان العيوني 137
أيضا من طريق الضابط ،ذكروا ضاب اطا لفظ ًيا تستطيع به أن تفرق
وفرقوا بينهَم ا
بينهَم.
أيضا باحلرص والعد ،وهذه أفضل طريقة وأدقها للتفريق.
وفرقوا بينهَم ا
أما (نحن) فال تقبل (ال) ،فال تقل( :النحن) وكذلك (هذا) ال تقبل (ال) فهذه معارف،
وكذلك (الذي) االسم املوصول (جاء الذي حيبه) ما تقول( :االلذي) فتدخل (ال) عىل الذي،
وكذلك (ُممد) العلم ،تقول( :جاء ُممدٌ ) ما تقول( :جاء املحمد) ،وكذلك (الكتاب ،القلم،
الباب) فقولك( :القلم) ال يمكن أن تدخل عليها (ال) فتقول( :ال القلم) ،إذن فالقلم معرفة؛
ألهنا ال تقبل (ال) بخالف قلم ،فهذه نكرة؛ ألهنا يمكن أن تدخل عليها (ال).
وبعض النحويني جيعلون الضابط والنكرة واملعرفة قبول (ر َّب) والنتيجة واحدة؛ ألن
خمتص بجر النكرات ،فتكون النتيجة واحدة ،فلهذا يف (رجل) نقول :نكرة؛
(ر َّب) حرف جر ٌّ
ٍ
جالس) ،لكن ال تقول( :ر َّب نحن) أو (ر َّب ٍ
كتاب) ،و(ر َّب و(رب
َّ ألنك تقول( :ر َّب ر ٍ
جل)
ِ
الكتاب) وهكذا. هذا) ،أو (ر َّب
وابن هشام كَم سمعنا مل يذكر الضابط الذي يفرق به بني النكرة واملعرفة ،وكأنه اكتفى
بالطريقني اآلخرين التعريف واحلرص عن ذكر الضابط.
فاالسم املعرفة هو االسم الذي يدل عىل معني ،وأما االسم النكرة فهو االسم الذي ال يدل
ٍ
يشء معني ،بل ُمدد معروف ،واالسم النكرة ال يدل عىلٍ ٍ
معني عىل معني ،فالنكرة يدل عىل
ٍ
معني ٍ
واحد يشيع يف اجلنس ،بحيث يمكن أن تطلقه عىل أي فرد من أفراد جنسه ،وال يدل عىل
من هذا اجلنس.
ٍ
واحد معني ،يدل عىل بخالف ما لو قلت ا
مثال( :أحد) فنقول :هذا معرفة؛ ألنه يدل عىل
معني ،وال يشيع هذا االسم (أحد) يف جنسه ،ما ليس له جنس فيه أفراد متعددون وكل واحد
منهم يسمى أحد يدل عىل معني.
وكذلك ا
مثال :لو كان هناك جبل معروف يف املنطقة ونذهب كل أسبوع جلواره ،ونجتمع
ونثمر ،ثم نعود ،فهذا اجلبل معروف عندنا.
فأقول لكم :سوف نجتمع هذا األسبوع عند هذا اجلبل إن شاء اَّلل ،إذن فكلمة (اجلبل) هنا
ٍ
يشء معني يف أذهاننا ،أو أن أي فرد من أفراد هذا اجلنس بالنسبة للجبال يدخل يف دلت عىل
قول (اجلبل) يف العبارة السابقة؟
ال شك أن كحلمة (اجلبل) يف العبارة السابقة دلت عىل معني يف أذهاننا ،وسنعرف كيف أن
ٍ
معني املعرف ب(ال) يتعني ،فاملعرفة تدل عىل معني ُمدد معروف ،والنكرة ال تدل عىل
معروف ،بل هو اسم شائع يف اجلنس ،بحيث يمكن أن يطلق عىل كل ٍ
فرد من أفراد هذا ٌ ٌ
اجلنس.
الشيخ /سليمان العيوني 139
وأيضا هي
ا بني التنكري ،وبني التعريف منطق ٌة وسطى ال تصل إىل حد التعريف التحديد،
أضيق من التنكري الواسع الذي يشمل مجيع أفراد اجلنس ،هذه املنطقة التي يف الوسط يسميها
النحويون التخصيص ،وذلك أن ختصص النكرة بمخصص ،أن تقيدها بقيد ،كأن تقيدها
بنكرة ،أو تقيدها بإضافة.
فإذا قلت ا
مثال( :قلم) نقول :هذه نكرة شائعة تشمل مجيع ،أو تشيع يف مجيع أفراد جنس
األقالم ،لكن إذا قلت( :قلم أستاذ) فقد ضاق التنكري ،خرجت األقالم األخرى ،إذا قلت:
(القلم األمحر) خرجت األقالم األخرى وضاق التنكري.
التنكري مل ينعدم ويذهب ،لكنه ضاق؛ فلهذا يقولون :التخصيص :هو تضييق التنكري.
تضييق للتنكري.
ٌ تكون بالتعريف ،لكن التخصيص
ٍ
جنس موجود ك(رجل) أو مقدَّ ر عرف النكرة ،فقال" :ما شاع يف
طيب ،وابن هشام َّ
ك(شمس)"
كون اجلنس موجو ادا هذا هو األصل وهو األكثر (قلم) يشيع يف جنس األقالم( ،جبل)
يشيع يف جنس اجلبال( ،رجل)( ،باب) ،وهكذا ،األصل يف األجناس أهنا موجودة.
مقدرا فهذه فئة نادرة ،ومثل ابن هشام كَم سمعتم ب(شمس) يعني اجلنس
ا أما كون اجلنس
الذي ليس له يف الواقع إال فر ٌد واحد هو يف األصل جنس ،وكان يف األصل يمكن أن حيتوي
ٍ
أفراد كثريين؛ ألنه جنس. عىل
140 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
لكن يف الواقع مل يوجد منه إال فرد واحد كهذه (الشمس) التي نراها ،وعلم الفلك احلديث
شموس كثرية ،ويذكرون أهنا تصل إىل املاليني ،فسبحان
ٌ كَم تعرفون يقول :اآلن يف الكون
اخلالق العظيم.
أيضا بحرص
واكتفاء ا
ا اكتفاء بتعريف النكرة،
ا فلَم عرف ابن هشام النكرة مل يعرف املعرفة
املعرفة؛ ألنه حرصها بعد ذلك.
يبقى التمييز بينهَم باحلرص والعد ،وهذه أفضل الطرائق لتحديد اليشء ومعرفة ما يدخل
فيه ،وما ال يدخل فيه ،أن تعده عدً ا.
الض ِمري ،ثم العلم ،ثم اإلشارة ،ثم املوصول ،ثم ذو األداة ،واملضاف
"ومعرف ٌة وهي ستةَّ :
واحد مما ذكِر وهو بحسب ما يضاف إليه إال املضاف إىل الضمري ففي العلم" ٍ إىل
جتاوزنا بعض كالمه؛ لكي نجمع أنواع املعرفة م اعا ،فذكر كَم رأيتم ستة أنواع من املعارف.
-املسألة األوىل :هناك معرف ٌة سابعة باتفاق النحويني مل يذكرها ابن هشام هنا وهي املعرف
بالنداء ،وهو ما يسمى يف باب النداء النكرة املقصودة ،كقولك( :يا رجل) تعني معيناا ،أو (يا
الشيخ /سليمان العيوني 141
طالب دع القلم) تعني معيناا ،فهذه معرفة باتفاق ذكرها النحويون كسيبويه وغريه ،بل ذكرها
ابن هشام نفسه يف أوضح املسالك ،وكأنه تركها هنا ألن الكتاب ملتوسطني.
-واملسألة األخرى يف كالم ابن هشام :مسألة يعنونون هلا بأعرف املعارف ،فهذه املعارف
كلها معارف تدل عىل معني ،لكنها تتفاوت يف قوة التعريف.
واملعرفة األخرية وهي املعرف ب(اإلضافة) ذكر ابن هشام أهنا بمنزلة ما تضاف إليه ،فإذا
ُممد) صارت بمنزلة العلم؛ ألنك أضفتها إىل علم،ٍ قلت( :قلم) فهذه نكرة ،فإذا قلت( :قلم
وإذا قلت( :قلم هذا) صارت بمنزلة اسم اإلشارة ،أو (قلم الطالب) ،أو (قلم الذي بجانبك)،
إال املضاف إىل الضمري ،أعرف املعارف فإنه ينزل درج اة عن الضمري ،فيكون بمنزلة العلم.
وهذا الرتتيب الذي ذكره ابن هشام هو الذي عليه مجهور النحويني ،ويف بعضه خالف بني
كثريا ،لكن هذا الذي رجحه كثري من النحويني املحققني ،ومنهم ابن مالك
النحويني ال يعنينا ا
الذي قال يف الكافية الشافية التي هي أصل األلفية قال:
ٍ
إشــارة وموصــول مــتم واســم ــمر أعرفهـــا ثـــم العلـــم
فمضـ ٌ
ا
فمثال :لو سألنا عن أسَمء االستفهام (من أبوك)( ،ما اسمك؟)( ،أين تسكن؟) أسَمء
ٍ
نكرات؛ االستفهام أسَمء ،ولكن هل هي معارف أم نكرات؟ عىل حسب هذا احلرص ستكون
ألهنا مل تذكر يف املعارف ،مع أنك لو طبقت الضابط مل ينطبق ،هي ما تقبل (ال) ومع ذلك
أيضا نكرات؛ ألهنا مل تذكر هنا ،وكذلك
نكرات ،وكذلك أسَمء الرشط (من جيتهد ينجح) ا
(ذو) بمعنى صاحب ،لو قلت( :جاء ذو علمٍ) ف(ذو) ال تقبل (ال) ال تقول( :جاء ذو علمٍ)
ومع ذلك هي نكرة؛ ألهنا مل تذكر يف املعارف ،وهكذا.
ثم إن ابن هشام -ر ِمحه اَّللَ -شح هذه املعارف واحد اة واحدة ،فسنقرأ كالمه ،ونرشحه
بإذن اَّلل تعاىل.
"الضمري" ومجعه ضَمئر ،ويقال :مضمر ،ومجعه مضمرات ،الضَمئر إن شئتم أن نعرفها
عرفناها ،وإن شئتم أن نكتفي بحرصها حرصناها ،فنستطيع أن نتعرف عليها بالتعريف ،وأن
َّ
نتعرف عليها باحلرص ،وكثري من النحويني يكتفون باحلرص؛ ألنه ٍ
كاف يف حرص أفراد هذا ٌ
الباب ،فال يتعبنا الطالب بالتعريف وَشح ُمرتزاته وما إىل ذلك.
الشيخ /سليمان العيوني 143
فالتعريف كَم سمعنا :أن الضمري كل اس ٍم دل عىل أن صاحبه هو املتكلم هبذا الكالم ،أو هو
املخاطب هبذا الكالم ،أو كان غائ ابا يف أثناء هذا الكالم ،إذن دل عىل أن صاحبه متكلم ،أو
خماطب ،أو غائب ،فقويل لكم( :أنا أحبكم) تعلمون أن أنا الذي قلت هذه العبارة ،من أي
كلمة؟ من كلمة (أنا) إذن ف(أنا) ضمري؛ ألنه دل عىل متكلم.
ولو قلت ألحدكم( :أحبك) لعلمتم أن أخاطبه هبذه العبارة ،علمتم ذلك من ال(الكاف)
مسافر) لعلمتم أنه غائب من قويل( :هو)
ٌ فالكاف ضمري؛ لداللته عىل خماطب ،ولو قلت( :هو
وهكذا .فاألسَمء الضَمئر ضَمئر.
يسموهنا األسَمء الظاهرة ،فالضمري يقابله يف النحو الظاهر ،االسم الضمري أو املضمر
واالسم الظاهر ،األسَمء الظاهرة ك(ُممد ،وجالس ،وهذا ،والذي ،ونحو ذلك).
األسَمء الظاهرة :ال تدل عىل أن صاحبها متكلم ،أو غائب ،أو خماطب؛ يعني ال تدل عىل
ٍ
يشء من هذه املعان ال تثبتها وال تنفيها ،قد يكون صاحبها هو املتكلم ،كأن أقول لكم ا
مثال:
(سليَمن حيبكم) ،أو خماطب كأن أقول لزميلكم هذا ُممد( :أحب ُممدا ا) ،أو أقول عن
زميلكم هذا ُممدُ( :ممدٌ طالب جمتهدٌ ) ،ف(ُممد) مل تدل عىل أن املسمى هبا هو املخاطب أو
متكلَم هبذا الكالم ،قد يكون هو املتكلم ،وقد ال يكون
ا الغائب ،أو أنه كان غائ ابا ،أو خماط ابا ،أو
املتكلم ،وقد يكون هو املخاطب ،وقد ال يكون خماط ابا ،وقد يكون غائ ابا يف أثناء الكالم ،وقد
ٍ
خطاب وال غيبة. حارضا ،فال تدل عىل تكل ٍم وال
ا يكون
144 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
-والضَمئر من حيث داللتها عىل هذه املعان الثالثة التكلم واخلطاب والغيبة عىل أربعة
أنواع:
النوع األول :الضَمئر التي تدل عىل متكلم؛ أعني متكلم أو متكلمة؛ وهلذا
بعضهم يقول :تكلم التي يشمل املتكلم واملتكلمة ،مثل تاء املتكلم ،وياء املتكلم ،وياء
املتكلمني ،ومثل :أنا ،ونحن ،وإياي ،وإيانا).
والنوع الثان :الضَمئر التي تدل عىل خماطب وخماطبة؛ يعني عىل خطاب مثل (ياء
املخاطبة ،وكاف اخلطاب) ومثل( :إياك وفروعها).
والنوع الثالث :الضَمئر التي تدل عىل غائب وغائبة ،مثل( :هاء الغائب ،وإياه
وفروعها).
ٍ
خماطب أو غائب. والنوع الرابع من الضَمئر ماذا سيكون؟ ما يدل عىل
ألف االثنني.
وواو اجلَمعة.
ونون النسوة.
فأنت يف (ألف االثنني) تقول( :أنتَم تذهبان فتخاطب وتقول( :مها يذهبان) غائب،
وكذلك ألف االثنني( :أنتم تذهبون ،وهم يذهبون) وكذلك نون النسوة (أنتن تذهبن ،وهن
يذهبن) فهذه الثالثة فقط تستعمل يف اخلطاب الغيبة ،وما سواها يدل عىل معناى معني ،إما تكلم
أو خطاب أو غيبة.
الشيخ /سليمان العيوني 145
فهذا ما يتعلق بالتعريف ،أما يتعلق بحرص الضَمئر ،فالضَمئر أسَمء ُمصورة ،طب اعا نعلم
اسَم مشهورة.
مجي اعا أن الضَمئر أسَمء ،فالضَمئر أسَمء ُمصورة وهي مخسة عرشة ا
اسَم تنقسم قسمني:
فلكي نعدها ونحرصها نقول :إن الضَمئر اخلمسة عرشة ا
ألهنا إما منفصلة ال تتصل بَم قبلها.
وإما متصلة؛ أي تتصل بَم قبلها.
فالضَمئر املنفصلة ستة ،وقد قسمتها العرب وليس النحويني إىل قسمني ،فجعل الثالثة منها
للرفع ،وثالث اة منها للنصب مفرقة عىل التكلم واخلطاب والغيبة ،فالثالثة التي للرفع من الضَمئر
املنفصلة (أنا) للمتكلم ،و(أنت) للمخاطب ،و(هو) للغائب وفروعها ،هذه للرفع؛ يعني
مبتدأ ،خرب ،فاعل ،نائب فاعل ،لكن ما تأيت يف النصب مفعول به ا
مثال ،ما تأيت يف اجلر مضاف
إليه ،أو مسبوقة بحرف جر ،ما تأيت إال رف اعا هذه الثالثة؛ يعني أن (أنا ،وأنت ،وهو) كقولك:
(ُممدٌ ) هذا املرفوع بالضمة.
(إياي) للمتكلم ،و(إياك) للمخاطب ،و(إياه) للغائب وفروعها؛ يعني أهنا مثل (ُممدا ا)
ا
مبتدأ ،وال بالنصب ،تضعه مكان (ُممدا ا) للنصب؛ يعني تأيت مفعول به ا
مثال ،لكن ما تأيت
خربا ،وال ا
فاعال ،وال مضا افا إليه ،فهذه ستة الضَمئر املنفصلة( :أنا ،وأنت ،وهو ،وفروعها، ا
وإياي ،وإياك ،إياه وفروعها).
التفريع سهل ،والتفريع كَم نعرف يكون عىل املعان اللغوية الستة.
اللغة العربية من خصائصها :أهنا تفرق اللفظ عىل املعان الستة للمفرد واملفردة ،واملثنى
املذكر ،واملثنى املؤنث ،مجع املذكر ،ومجع املؤنث ،وهذه من خصائص اللغة العربية.
فالتثنية تكاد تكون من خصائص اللغة العربية ،فال تكاد جتد لغ اة حي اة اليوم فيها تثنية ،ما يف
إال مفرد ،ثم ما سوى املفرد مثنى أو مجع يعامل معاملة اجلمع ،أما التثنية فهو من خصائص
اللغة العربية اليوم.
وكذلك التفريق بني املذكر واملؤنث ،أغلب اللغة اآلن ال تفرق بني املذكر واملؤنث يف
الكلَمت والصفات ،وإن كانت تفرق بينهَم يف الضَمئر؛ يعني ما يقولون للرجل (قائم) وللمرأة
ِ
و(أنت قائم)( ،هو قائم) و(هي (قائمة) ،بل يقول للرجل واملرأة( :قائم) بس( ،أنت قائم)،
قائم) يعني نفس الكلمة ثابتة ،لكن يميزون املعامل بالضَمئر ،بينَم اللغة العربية ال ،نفس
الكلَمت ،نفس الصفات تدل عىل هذه املعان الستة حتى لو حذفت الضمري ،واستعملتها
وحدها صارت كافي اة بالداللة عىل املعنى الذي يريده العرِب.
ا
مشكال ،ف(أنا) للمتكلم واملتكلمة ،و(نحن) فنقول :التفريع عىل هذه الضَمئر الستة ليس
للمثنى واجلمع ،ف(أنا) هلا فرع واحد وهو (أنا) و(نحن) ،وأما (أنت) للمفرد ،فيقال للمفردة
ِ
(أنت) وللمثنى املذكر واملؤنث (أنتَم) ،وجلمع الذكور (أنتم) ،وجلمع اإلناث (أنتن) هلا مخسة
فروع ،قبلها أربع فروع وهي اخلامسة.
وضَمئر النصب:
تقول يف (إياي)( :إيانا فقط) ،وتقول يف (إياك)ِ :
إياك ،وإياكَم ،وإياكَم ،وإياكم ،وإياكن).
الشيخ /سليمان العيوني 147
وتقول يف (إياهم)( :إ َّياه ،وإياها ،وإيامها ،وإيامها ،وإياهم ،وإياهن) والتفريع ليس مشكل.
وأما الضَمئر املتصلة :فكم يبقى بعد الستة لكي نصل إىل مخسة عرشة؟
هذه الضَمئر اخلمسة هي ضَمئر (توان) يعني ضَمئر الرفع من الضَمئر املتصلة.
يبقى أربعة ،فثالث ٌة منها جعلتها العرب للنصب واجلر ،تأيت نص ابا مفعول به ،وقد تأيت ً
جرا
وُممد) لكن ما تأيت مكان (ُممد) وهيٍ مضاف إليه ،لكن ما تأيت رف اعا ،يعني مثل (ُممدا ا،
ثالثة ضَمئر جمموعة يف عبارة أو لفظة (هيك)( ،هيك) تشمل اهلاء والياء ،والكاف ،ف(اهلاء)
هاء الغيبة ،أو هاء الغائب ،فتقول يف النصبُ( :ممدٌ أكرمه) مفعول به ،وتقول يف اجلر( :كتابه)
148 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ضمري واحد وهو (ناء املتكلمني) وهذا يأيت رف اعا ،ويأيت نص ابا،
ٌ يبقى من الضَمئر املتصلة
جرا ،فيأيت رف اعا كالفاعل مثل (ذهبنا) فاعل ،ويأيت نص ابا كاملفعول به تقولُ( :ممدٌ
ويأيت ً
جرا كاملضاف إليه تقول( :كتابنا).
أكرمنا) ،ويأيت ً
ضمريا.
ا فمجموع الضَمئر املتصلة واملنفصلة مخسة عرشة
بقي أن نعرف أن من ضَمئر (توان) يعني ضَمئر الرفع املتصلة ما يسمى الضمري املسترت:
الضمري املسترت يدخل يف ضَمئر (توان) نحو (اذهب) فالفاعل ضمري مسترت ،وهو هنا فاعل
ٍ
(ُممد ذهب)؛ أي هو ،أو (هندٌ رفع يدخل يف ضَمئر الرفع (توان) ،أو (نذهب) يعني نحن ،أو
ٌ
داخل يف ضَمئر (توان) إال أن العرب مل تضع له حرو افا تلفظ ذهبت)؛ أي هي ،فالضمري املسترت
كَم سيأيت َشحه يف كالم ابن هشام.
"وهو إِ َّما مسترت كاملقدر وجوبا ِيف ن ْحو (أقوم ونقوم) ،أو جوازاا ِيف ن ْحو (زيدٌ يقوم) ،أو
بارزٌ وهو إِمام مت َِّص ٌل كتاء ق ْمت ،وكاف أكرمك ،وهاء غالمه ،أو منْف ِصل ك (أنا وهو
وإياي)"
مسترتة.
وبارزة.
ويعني بالضمري البارز الضمري الذي جعلت له العرب حرو افا ملفوظة ،ك(أنا ،وأنت ،وتاء
املتكلم يف ذهبت ،وواو اجلَمعة يف ذهبوا).
ويعني بالضمري املسترت :الضمري الذي مل تضع العرب له حرو افا ملفوظة ،وإنَم يفهمه العرِب
فهَم،
حروف ملفوظة ،وإنَم يفهمه العرب ا
ٌ فهَم من الكالم ،نحو (اذهب) فالفاعل هنا ليس له
ا
وكذلك (ُممدٌ ذهب) ونحو ذلك.
فالضمري املسترت مل تضع العرب له حرو افا ،ومن هذا تعرفون أن قول املعربني يف الضمري
املسترت وتقديره (كذا) يقول( :اذهب) الفاعل مسترت تقديره أنت ،قوله :تقديره أنت هذا جمرد
تقليب باملعنى ،وإال فإن الضمري املتصل ليس له لفظ لكي ينطق ،وإنَم يريدون لو كان له
حروف تلفظ لكان (أنت) لكن ليس له حروف تلفظ.
بعضهم يقول :يعني قوهلم :هذا تقليب ،وبعضهم يقول :تدريس؛ يعني جمرد فقط تقليب
املعلومة للطالب ،وإال فإن الضمري املسترت ليس له حروف ملفوظة ،فابن هشام جعل الضَمئر
قسمني :مسترت وبارز.
متصل.
منفصل.
ويعني بالضمري املنفصل :ما ال يتصل بَم قبله ،بل يستقل بنفسه ،مثل (أنا ،وأنت ،وهو،
وإياي ،وإياك).
والتقسيم الصحيح للضَمئر ما قدمناه وهو :أن الضَمئر إما متصلة ،وإما منفصلة ،ثم نقول:
املتصلة إما مسترتة ،وإما بارزة ،فهذا ما يتعلق بحصل الضَمئر وعدها وأنواعها.
-وهنا مسألة أشار إليها ابن هشام يف كالمه السابق ،وهو الكالم عىل الضمري املسترت وجو ابا
وجوازا ا ،فيقولون :إن الضمري املسترت نوعان:
أيضا ال
ونحو املضارع املبدوء هبمزة املتكلم ك(أقوم) أي أنا ،و(أسمع ،وأذهب) فهذا ا
ضمريا
ا ظاهرا ك(ُممد) ،أو
ا اسَم
مسترتا ،ال يكون شيئاا آخر؛ يعني ال يكون ا
ا يكون فاعله إال
بارزا ا ك(واو اجلَمعة).
وكاملضارع املبدوء بالنون ،نون املتكلمني ك(نذهب)؛ أي نحن ،و(نعبد) أي نحن ،فهذه
مسترتا ،هذا معنى كون االستتار واج ابا ،يعني هذا الفعل
ا ضمريا
ا األفعال جيب أن يكون فاعلها
ضمريا بارزاا.
ا ظاهرا ،وال
ا اسَم
مسترتا ،ال يكون شيئاا آخر ،ال ا
ا ضمريا
ا ال يكون فاعله إال
مسترتا،
ا ضمريا
ا والنوع الثان من األفعال :هي األفعال التي جيوز أن يكون فاعلها
ضمريا بارزاا كالفعل
ا ظاهرا ،أو
ا اسَم
وجيوز أن يكون فاعلها غري ذلك؛ يعني أن يكون ا
املايض تقول فيه( :ذهب ُممدٌ ) فالفاعل اسم ظاهر ،أو (ذهبت ،وذهبوا) فالفاعل
ضمري بارز ،أو (ُممدٌ ذهب) فالفاعل ضمري مسترت ،ففي قولكُ( :ممدٌ ذهب) هنا
ضمري مسترت.
نوع ثالث لألفعال :وهي األفعال التي جيب أن يكون فاعلها ضم اريا بارزا ا
وهناك ٌ
ضمريا
ا مسترتا ،ال يكون فاعلها إال
ا ضمريا
ا ظاهرا ،وال يكون
ا اسَم
ال يكون ا
بارزاا ،وهي أفعال األمر لغري الواحد.
فعل األمر لواحدة (اذهبي) ال يكون إال ياء املخاطبة ،أو أمر االثنني للمذكر واملؤنث (يا
ُممدان اذهبا) و(يا هندان اذهبا) ال يكون إال ألف االثنني ،أو أمر مجع الذكور (اذهبوا) ال
يكون إال واو اجلَمعة ،أو أمر مجع اإلناث (اذهبن) ال ال يكون إال نون النسوة.
فإذا أردنا حتقيق املسألة ال نقول :الضمري مسترت وجو ابا وجوازاا ،وإنَم نقول :األفعال ،منها
ضمريا بارزاا ،ومنها ما جيوز أن يكون
ا مسترتا ،ومنها ما جيب كون فاعله
ا ما جيب كون فاعلها
مسترتا.
ا ضمريا
ا ضمريا بارزا ا ،أو
ا ظاهرا ،أو
ا اسَم
فاعلها ا
ثم ذكر ابن هشام -ر ِمحه اَّلل -مسألة من مسائل الضمري فقال:
"وال فصل مع إِ ْمكان ا ْلو ْصل إِ َّال ِيف ن ْحو ْاهلاء من (سلنيه) بمرجوحية ،و(ظننتكه وكنته)
برجحان"
ٍ
بضمري متصل ،فإنه ال هذه املسألة يسموهنا مسألة وصل الضمري وفصله ،فإذا أمكن اإلتيان
ٍ
ضمري منفصل. جيوز أن تعدل عنه إىل
يعني لو أردت أن تسند املجيء إليك ماذا تقول (جئت) أم (جاء أنا) ،أم كالمها جائز؟
الشيخ /سليمان العيوني 153
نقول :ال ،جيب أن تقول( :جئت) ،وال تقل( :جاء أنا)؛ ألن الضمري املتصل هنا ممكن ،إذن
فيجب ولو قلت( :جئت أنا) فخطأ ،ولو قلت( :جاء أنا) خطأ ،وكذلك لو قلت ا
مثال( :أكرم)
تريد أن تأمره بأن يكرمك.
نقول :ال ،جيب أن تقول( :أكرمني)؛ ألن املتصل ممكن ،فلو قلت( :أكرم إياي) خطأ،
وكذلك (رأيت إياك) ،أو (أكرمت إياك) خطأ ،تقول( :رأيتك) و(أكرمتك) وهكذا.
فهذه القاعدة واألصل إال أنه يستثنى منها ثالثة مواضع ذكرها ابن هشام جيوز فيها وصل
الضمري وفصله ،وصله كونه ضمري وصل ،فصله كونه ضمري فصل.
إذا كان املنصوب يف باب كان وأخواهتا :يعني اخلرب ،وإذا كان املنصوب يف باب ظننت
ٍ
حينئذ أن تأيت به ضمري وصل ،أو ضمري فصل، وأخواهتا ،سيكون املفعول الثان ،فيجوز لك
جيوز من حيث اجلواز جيوز ،وقد ورد يف الكالم العرِب.
لكن العلَمء اختلفوا يف الراجح األكثر فيهَم ،فأكثر املتأخرين كابن هشام اختاروا الفصل،
ضمري الفصل كأن تقول( :الصديق كنت إياه) ،تقول لزميلك( :الصديق كنت إياه) أو
(الصديق كنته) جيوز أن تفصل (كنت إياه) وأن تصل (كنته).
وقلنا :الراجح عند مجهور املتأخرين كابن هشام ،وابن مالك الفصل.
154 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
الباب الثالث الذي جيوز فيه الوصل والفصل يف باب (سأل وأخواهتا).
يعني يف أفعال املنح واإلعطاء ،وهي التي تنصب مفعولني ليس أصلهَم املبتدأ واخلرب ،مثل
أيضا يف مفعوله الثان الفصل والوصل،
(كسى ،وأعطى ،ومنح ،وسأل ،ونحو ذلك) فيجوز ا
واختلفوا يف األكثر واألحسن.
والراجح عند املتأخرين :أن املختار هنا الوصل نحو (العلم سألتكه ،وسألتك إياه) ،و(املال
أعطيتكه ،أو أعطيتك إياه) .فهذا ما يتعلق بالضمري.
لينتقل ابن هشام بعد ذلك إىل املعرفة الثانية وهي العلم.
ذكورا
ا اسم خاص ،بمسَمه ،ومسَمه مدينة ،ومن األعالم مجيع أسَمء الناس
كذلك (مكة) ٌ
وإنا اثا ،هي أعال ٌم عليهم.
عن مشاهبيه ،العلم إنَم يوضع لكي يميز مسَمه عَم يشاهبه ،ال أن يميزه عن كل يشء ،فأنت
سميت (ُممدا ا) لكي تتميز عن إخوتك ا
مثال ،ال لكي تتميز عن الكرايس يف البيت ،أو عن
الشيخ /سليمان العيوني 155
احليوانات يف البيت ،ال ،لكن لكي تتميز عن إخوتك ،و(أحد) سمي (أحدا ا) ليتميز عن بقية
اجلبال أو البقاع ،ومكة سميت مكة؛ لكي تتميز عن بقية املدن أو البقاع ،وهكذا.
ومن األعالم :أسَمء اَّلل -س ْبحانه وتعاىل -فكلها أعال ٌم عليه ،ك(اَّلل ،والرمحن الرحيم)
وكذلك أسَمء األنبياء وهم من الناس ،وأسَمء املالئكة واجلن كجربيل ،وإبليس.
ال ،فالذي قبل رمضان يسمى شهر ،والذي بعد رمضان يسمى شهر ،ورمضان يسمى
شهر ،إذن ما اخترص مسَمه بل عم وشاع يف جنس ،هذا نكرة ،لكن لو قلنا ا
مثال( :رمضان) هذا
أيضا أعالم عليها ،وكذلك أسَمء
علم عىل هذا الشهر( ،وصفر) و(شوال) فأسَمء األشهر ا
األيام (السبت ،واألحد) أعال ٌم عليها ،وأسَمء املدن ك(الرياض ،ومكة ،وعرعر ،وبغداد،
ودمشق ،وأسَمء املناطق ،وأسَمء املحافظات ،وأسَمء الدول ،وأسَمء القارات) هذه كلها أعال ٌم
عليها.
خاصا؟
وإذا قلنا( :كوكب) هذا خاص بمسَمه ،أم ليس ً
خاصا.
ليس ً
لكن (زحل ،وعطارد) هذه أسَمء خاصة بسمياهتا ،فهي أعال ٌم عليها ،والعرب إنَم تضع
علَم
تكريَم له ومتييزا ا له ،وال تضع ا
ا علَم لليشء الذي له مكانة ومنزلة ،فلهذا ختصه هبذا االسم
ا
لكل يشء.
علَم؟ يعني ا
مثال( :اشرتيت علبة عصري ترشهبا وترميها) هل تستحق أن جتعل هلا ا
ما يستاهل خالص انتهينا ،أو (قلم) تستعمله حتى ينتهي ثم ترميه( ،قلم) ما يستاهل أن
تسميه باس ٍم خاص ،لكن عندك ناقة بخمسة ماليني ريال مزيونة تستاهل َّ
وال ما تستاهل اسم
156 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
لكن هنا أنبه :األعالم عرفنا أهنا األسَمء اخلاصة بمسمياهتا ،لكن قد جتد (ال) يف بعض
األعالم ،ك(ال) التي يف أسَمء اَّلل -ع َّز وجل.-
معرف
عرفت ،أم أن االسم َّ
فَمذا نقول عن (ال) هذه؟ هل نقول :إهنا معرفة هي التي َّ
بالعلمية ا
أصال وال حيتاج إىل تعريف ب(ال)؟
نقول :ال ،هذا معرف بالعلمية و(ال) زائدة ،يعني هنا زائدة ،كل (ال) يف علم فهي زائدة،
ك(ال) التي يف أسَمء اَّلل -عزَّ وجل ،-كذلك ا
مثال (الكعبة) هذا علم عىل قبلة املسلمني ،و(ال)
فيها زائدة حتى لو ح ِذفت ال تذهب العلمية ،لو قلت( :يا كعبة) أو (كعبة العز) أو نحو ذلك،
ال يتأثر التعريف فيها.
الشيخ /سليمان العيوني 157
فإذا سألنا ا
مثال عن كلمة املدينة هل هي علم أم ليست بعلم؟
طيب ،ابن هشام -ر ِمحه اَّلل -مل يع يرف العلم ،وإنَم ذكر أنواعه.
فقال:
ٍ
فرض معني وهو ما َشحناه من قبل بجميع فالنوع األول :العلم الشخيص :وهو ما َّ
دل عىل
األمثلة السابقة.
موضوع
ٌ اسم
والنوع الثان :العلم اجلنيس :النحويون يعرفونه فيقولون يف التعريف :هو ٌ
للصورة الذهنية التي يتخيلها العقل ممثل اة يف ٍ
فرد من أفرادهاَّ ،يال اَشح ومل نرشح ،املهم ،أن
العلم اجلنيس هو بمعنى (ال) اجلنسية اآلتية ،علم وضعته العرب لبعض األجناس ،بعض
علَم ،هذا العلم ال يراد فيه فرد معني من أفرادها ،وإنَم علم
األجناس وضعت العرب هلا ا
ٍ
حينئذ من حيث اللفظ للجنس كله ،بحيث يصح أن يطلق عىل أي فرد من أفراده ،فيعامل
معاملة العلم ،ومن حيث املعنى معامل اة نكرة من حيث اللفظ معاملة العلم؛ يعني معرفة،
158 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
يوصف بمعرفة نعته معرفة تأيت منه احلال منتصبة ،وما يصح دخول (ال) عليها ،ولو كان يف تاء
تأنيث متنع من الرصف للعلمية والتأنيث ،وهكذا.
لكن من حيث املعنى نكرة؛ ألنه يمكن أن يطلق عىل أي فرد من أفراد هذا اجلنس.
من أمثلة ذلك( :أسامة)( ،أسامة) علم عىل جنس األسود ،ليس (أسامة) الرجل ،وإنَم
(أسامة) عند العرب هذا علم جنيس جلنس األسود ،أي أسد تسميه (أسامة) ،أنت اسمك
(ُممد) أي أسد يمكن أن تسميه (أسامة) فتقول( :جاء أسامة الغاضب) فتنعته باملعرفة ،أو
(جاء أسامة غاض ابا) فتنصب منه احلال ،وتقول( :جاء أسامة) متنعه من الرصف للعلمية
والتأنيث ،وهكذا.
علَم من األجناس هناك ذوات ،أشياء حتس ،مثل (أسامة) قلنا :لألسد،
ومما جعلوا له ا
(ثعالة) للثعلب ،و(ذؤالة) للذئب ،و(أم عريط) للعقرب ،و(بنت اليم) للسفينة ،و(أبو املضاء)
ك(برة) للرب،
َّ أجناسا لبعض املعان
ا للسيف ،و(أبو أيوب) أو (أبو صابر) للحَمر ،ووضعوا
و(فجاري) للفجور ،و(سبحان) للتسبيح ،و(كيسان) للغدر ،و(يساري) للميرسة وهكذا.
" وإِ َّما ْاسم كَم مثلنا أو لقب كـ (زين العابدين ،وق َّفة) أو كنية ك(أِب ع ْمرو ،وأم ك ْلثوم)"
يعني كلها أعالم ،فاالسم العلم ،واللقب العلم ،والكنية العلم ،والعلم كنية ،والكنية علم،
واللقب علم ،واالسم اخلاص بمسمى علم ،لكن خيترصون فبدل أن يقولون :االسم العلم،
والكنية العلم ،واللقب العلم ،قالوا :اسم كنية ولقب ،وإال كلها أسَمء كلها أعالم.
ٍ
ب(أب) أو وأما اللقب والكنية ،فإهنَم يكونان بعد االسم ،فالذي يوجد بعد االسم إن ب ِدأ
ٍ
ب(أب) أو (أ ٍّم) ك(أِب بكر) ،و(أِب (أ ٍّم) ونحومها فكنية ،وإن مل يبدأ بذلك فهو لقب ،إن ب ِدأ
حفص) و(أم كلثوم) ونحومها ،نحو األب واألم ،ك(االبن ،واألخ ،والبنت ،واخلالة ،والعمة)
أيضا عند ٍ
كثري من النحويني تدخل يف باب الكنية ،كقولك( :أخو نورا)، ونحو ذلك هذه كلها ا
أو (ابن اخلطاب) ،أو (ابن باز وابن عثيمني) ،و(بنت األرب) ونحو ذلك.
ٍ
ب(أب) أو (أ ٍّم) ونحومها ،فهو لقب، فتدخل عندهم يف الكنى ،وإن مل تكن مبدوء اة
واللقب إما أن يدل عىل ثناء ومدح ك(الصديق ،والفاروق ،والرشيد ،وتقي الدين ،وزين
العابدين) أو يدل عىل خالف ذلك ك(ق َّفة ،أو أنف الناقة ،أو األعرج ،أو األعشى) ونحو ذلك.
ثم َّبني ابن هشام شيئاا من أحكام أعالم املسمى الواحد إذا توالت ،وسنقرأ ما قاله ونرشحه
إن شاء اَّلل ،ولكن بعد الصالة.
واَّلل أعلم ،وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ُممد وعىل آله وأصحابه أمجعني.
160 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
احلمد َّلل رب العاملني ،والصالة والسالم عىل نبينا ُممد ،وعىل آله وأصحابه أمجعني.
أما بعد:
فقال:
خمفوضا بإضافته إِن أفرد ك(سعيد ٍ
كرز)" ا "ويؤخر اللقب عن ِاال ْسم تاب اعا له مطل اقا ،أو
حكمها من حيث الرتتيب الذي يقدَّ م ويؤخر ،وحكمها من حيث اإلعراب ،كيف يكون
إعراهبا ،فذكر ذلك ابن هشام يف كالمه السابق ،فلم يذكر بني الكنية وغريها ترتي ابا ،فالكنية
ليس بينها وبني غريها ترتيب؛ يعني ليس بينها وبني اللقب ،وال بينها وبني االسم ترتيب ،لك
ٍ
حفص عمر) أو (قال عمر أبو حفص) أو (قال أن تقدمها ،ولك أن تؤخرها ،فتقول( :قال أبو
ٍ
حفص الفاروق) ،فليس بينها وبني غريها ترتيب ،والشواهد الفاروق أبو حفص) ،أو (قال أبو
عىل ذلك كثرية.
الشيخ /سليمان العيوني 161
وأما الرتتيب :فهو بني االسم واللقب ،فإن املعروف يف اللغة هو تقديم االسم عىل اللقب،
إال إذا كان اللقب أشهر من االسم ،فيجوز أن يتقدم ،فتقول( :قال عمر الفاروق)( ،قال هارون
الرشيد) ،وهكذا ،فتقدم االسم عىل اللقب.
ٍ
حينئذ أن تقدم اللقب ،أو تقدم االسم قلنا :إال إذا كان اللقب أشهر من االسم ،فيجوز
كثريا من الناس يعرف لقبه (الصديق) ثم ال يعرف اسمه وهو (عبد اَّلل) ك(الصديق) ،فإن ا
حينئذ أن تقدم الصديق عىل اسمه -ر ِيض اَّلل عنْه-؛ ألن لقبه أشهر من اسمه.
ٍ فلك
ومن ذلك :قالوا :قوله -س ْبحانه وتعاىل﴿ :-بِكلِم ٍة ِمنْه ْاسمه ا ْمل ِسيح ِعيسى ا ْبن م ْريم [آل
عمران ،]45:وقال﴿ :إِنَّا قت ْلنا ا ْمل ِسيح ِعيسى ا ْبن م ْريم [النساء ،]157:فاسمه (عيسى)
ولقبه (املسيح) ،فقدم اللقب يف موضعني؛ ألن لقبه أشهر من اسمه ،هذا من حيث التقديم
والتأخري.
وأما من حيث اإلعراب إذا توالت :فيمكن أن هنذب ذلك ،وأن نخترصه فنقول:
-احلالة األوىل :أن يكون العلَمن مفردين ،وخاليني من (ال) ،أن يكونا مفردين؛
يعني ليسا مركبني ،ليسا مضا افا ومضا افا إليه ،بل مها مفردان وخاليان من (ال) ،ك(سعيد
كرز) اسمه (سعيد) ولقبه (كرز) و(الكرز) هو اخلرج الذي يضع فيه املسافر ونحوه
متاعه.
ففي هذه احلالة األفصح واألكثر عن العرب اإلضافة ،وجتوز التبعية عىل البدل ،فتقول:
كرز) فتضيف االسم إىل اللقب (جاء سعيد ٍ
كرز) هذا هو األكثر واألفصح ،ولو (جاء سعيد ٍ
اتبعت جلاز ،فتقول( :جاء سعيدٌ كرزٌ ) فيكون (سعيدٌ ) فاعل ،ويكون (كرز) ٌ
بدل من الفاعل.
162 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
واحلالة الثانية سوى ذلك :فليس فيها إال االتباع ،كأن يكون العلَمن أحدمها أو كالمها
مرك ابا ك(عبد اَّلل) أو (صالح الدين) أو (زين العابدين) ،أو كان فيهَم أو يف أحدمها (ال)
ك(الفاروق ،والصديق ،والرشيد) فهذا ليس فيه إال االتباع ،فتقول( :قال عمر الفاروق) فتتبع
عىل أنه بدل أو عطف بيان ،أو تقول( :قال أمحد تقي الدين شيخ اإلسالم) ونحو ذلك ،أو
تقول( :روى أبو ٍ
بكر الصديق) ففيه (ال) و(أبو بكر) مركب.
ملسمى واحد ،فإنك تتبع الثان األول ،إال إذا كان العلَمن
فاخلالصة :أن األعالم إذا توالت ً
مفردين بال (ال) فلك االتباع جائزاا ،ولك اإلضافة وهي األكثر واألفصح.
فقال:
ثم اإلشارة و ِهي (ذا) للمذكر و(ذي ،وذه ،ويت ،وته ،وتا) للمؤنث و(ذان ،وتان) للمثنى
" َّ
ِ
و(أوالء) جلمعهَم" بِ ْاأللف رف اعا وب(الياء) ً
جرا ونص ابا،
كتاب).
ٌ فللواحد( :ذا) تقول( :هذا ٌ
رجل) و(ذا
أسَمء كثرية ذكر ابن هشام أمهها وهي (ذي ،وذه ،ويت ،وته ،وتا)
ٌ وللواحدة:
تقول( :ذي هندٌ ) ،أو (ذه هندٌ ) ،أو ِ
(يت هندٌ ) ،أو (تا هندٌ ).
الشيخ /سليمان العيوني 163
وأما الكالم عىل بناء األسَمء أسَمء اإلشارة وإعراهبا ،فهذا سبق يف الكالم عن املعرب
واملبني ،وإن كان ابن هشام أشار إليه هنا ،لكنه سبق من قبل فال نعيده.
وهنا مسألة :وهي دخول حرف التنبيه (هاء) عىل أسَمء اإلشارة وهذا كثري وجائز تدخل
ٍ
وألف مادية) (ها) عىل أسَمء اإلشارة ،لكنها ال جتامع الم البعد مطل اقا ٍ
(هاء (هاء) املكونة من
كَم سيأيت ،ولكنها قد جتامع كاف البعد ا
قليال ،البعد له كاف وله الم ،فهاء التنبيه ال جتامع الم
البعد مطل اقا ،ولكنها قد جتامع (كاف البعد) ا
قليال.
ٌ
رجل) و(هذاك فتقول يف املفرد( :ذا ،وهذا ،وهذاك) تقول( :ذا ٌ
رجل) ،و(هذا
ٌ
رجل) ،فتدخل (هاء) عىل (ذاك) مع كاف البعد.
وتقول يف املفردة( :هذه ،أو هذي ،أو هايت) أو جتمع فتقول( :هاتيك هندٌ ).
ِ
وهاتان). وهذانِ ،
وتان، ِ وتقول يف املثنىِ :
(ذان
164 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ِ
وهؤالء ،وأوال ،وهؤالء). ِ
(أوالء، وتقول يف اجلمع:
قال الشاعر:
فقال:
أسَمء اإلشارة قد تكون للبعيد ،وقد تكون للقريب ،فإن كانت للقريب جتردت من الكاف،
رجل ،أو هذا ٌ
رجل) بال كاف ،وبال الم ،وكذلك مع مشريا إىل قريب( :ذا ٌ
ا ومن الالم ،تقول
املؤنث والبواقي.
فإذا أَشت إىل بعيد كان لك أن تأيت بالكاف ،إما وحدها ،فتقول يف (ذا)( :ذاك ٌ
رجل) ،وإما
بالكاف مع الالم ،وكالمها حرف ب ْعد ،فتقول( :ذلك) ،إذن فلك أن تقول يف البعيد( :ذاك ،أو
رجل ،وذلك ٌ
رجل) ،الكاف حرف ب ْعد ،والالم حرف ب ْعد. ذلك) (ذاك ٌ
وتقول يف املفردة( :ذيك هندٌ ) أو (تيك هندٌ ) ،أو جتمع فتقول( :تلك هندٌ ) أو (تالك هندٌ )
فالم البعد ال تدخل إال عىل (يت ،أو تا).
ٌ
رجال) واضح أننا مل نأيت بالتثنية؛ ألن الم البعد ال وتقول يف اجلمع( :أولئك ،أواللِك
تدخل عىل الثنية كَم سيأيت.
ذكرنا قبل قليل أن البعيد إذا أردت أن تشري إليه تشري إليه بكاف وحدها (ذاك) ،أو بكاف
والم (ذلك) ،قال :الالم جيوز أن تدخل للبعيد إال يف ثالثة مواضع ما تستعمل الالم ،تستعمل
الكاف فقط دون الالم ،وذكرها يف هذا النص.
-فاملوضع األول :مع املثنى مطل اقا ،فإذا أردت أن تشري إىل البعيد تستعمل الكاف
فقط دون الالم ،فتقول( :ذلك رجالن) ،وال جتمع بني الكاف والالم ،ال تقول( :ذللك)،
وتقول( :تالك امرأتان) ،وال تقل( :تانلك).
ِ
(أوالء) ،فلك أن -واملوضع الثان :مع (أوالء) يف لغة من مد باهلمزة والكرس
ٌ
رجال) ،وال جتامع الالم ال تقول( :أولئلك) بخالف من تدخل الكاف ،فتقول( :أولئك
ٌ
رجال ،أو تأيت بالالم لغتهم القرص فقاولوا( :أوال) فلك أن تأيت بكاف فتقول( :أوالك
ٌ
رجال) والكاف فتقول( :أواللك
-واملوضع الثالث الذي متتنع فيه الالم( :الم البعد) مع اسم اإلشارة الذي تقدمته
(ها) التنبيه) فإذا قلت( :هذا) ثم أردت أن تشري به إال البعد ،فليس لك إال الكاف،
ٌ
رجل) فهذا ما يتعلق بأسَمء اإلشارة ويشء من تقول( :هذاك) ،وال تقول( :هذالك
أحكامها.
لننتقل إىل املعرفة الرابعة وهي األسَمء املوصولة:
فقال:
166 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ِ ِ
ثم ا ْمل ْوصول وهو ا َّلذي وا َّلتي واللذان واللتان بِ ْاأللف رفعا وبالياء ً
جرا ونص ابا وجلمع " َّ
ا ْملذكر ا َّلذين بِا ْلي ِ
اء مطل اقا واألىل وجلمع ا ْملؤنَّث اليئئي واللوايت"
األسَمء املوصولة كَم سيأيت هي األسَمء التي ال بد هلا من صلة بعدها ،وإال فإن معناها ال
ٍ
لصلة بعدها. يتضح ،مفتقرة
فهذه هي األسَمء املوصولة النصية وسبق الكالم عىل إعراهبا وبنائها من قبل.
ثم ذكر ابن هشام األسَمء املوصولة املشرتكة وهي ستة كَم سنسمع.
فقال:
-فاالسم املوصول املشرتك األول (من) :ويكون للعاقل ،وبعضهم يقول :للعامل،
اب [الرعد]43:؛ كقولك( :جاء من يقول احلق) قال تعاىل﴿ :وم ْن ِعنْده ِع ْلم ا ْلكِت ِ
ِ
ب [ق]37:؛ يعني للذي كان له يعني والذي عنده علم الكتاب ،وقال﴿ :مل ْن كان له ق ْل ٌ
قلب.
ٌ
168 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
وقد تأيت (من) لغري العاقل إذا اختلط بالعاقل ،إذا اختلط العاقل بغري العاقل ،ثم عربت عن
تعرب عنهم ب(من) فيدخل فيها العاقل وغري العاقل ،أو اختلط به بحيث
اجلميع ،جاز لك أن ي
قارنت بني عاقل وغري عاقل ،فتعرب عنهَم ،عن األول ب(من) وعن الثان ب(من) وهكذا ،كَم
ض [احلج ]18:مع أن يف قوله تعاىل﴿ :أمل تر أ َّن اَّللَّ يسجد له من ِيف السمو ِ
ات وم ْن ِيف األ ْر ِ َّ ْ ْ ْ
خملوقات اَّلل يف السَموات ويف األرض التي تسجد له بعضها عاقلة ،وبعضها غري عاقلة ،وقال
خيلق [النحل﴿ ]17:أفم ْن ْ
خيلق [النحل ]17:هذا اَّلل -ع َّز خيلق كم ْن ال ْ
تعاىل﴿ :أفم ْن ْ
فعرب عنها ب(من)
خيلق [النحل ]17:يعني األصنام ونحوهاَّ ، وجل -وهو ِ
عامل ﴿كم ْن ال ْ
الختالطها بالكالم بالعاقل ،أو ِ
العامل.
-واالسم املوصول املشرتك الثان (ما) :وهي تكون يف األصل لغري العاقل ،تقول:
(كل ما تشاء) يعني (كل الذي تشاء) قال تعاىل﴿ :ما ِعنْدك ْم ينفد [النحل ]96:يعني
الذي عندك ينفد.
أيضا إذا اختلط بغري العاقل ،كَم قلنا قبل قليل كقوله تعاىل﴿ :س َّبح َّللَِّ ما ِيف
وتأيت للعاقل ا
شبحا ال تدري ا السمو ِ
ات وما ِيف األ ْر ِ
جمهوال مبهم اجلنس كأن ترى ا ض [الصف ،]1:أو كان َّ
حينئذ تعرب عنه ب(ما) حتى لو ظهر بعد ذلك أنه عاقل؛ فتقول( :انظر إىل ما ٍ ما هو ،فإنك
ظهر) ونحو ذلك.
فهذه اثنان من األسَمء املوصولة املشرتكة ،وأما األربعة الباقية اآلتية فكلها تكون للعاقل،
ولغري العاقل.
(ال) سبق أهنا تكون معرفة ،وسيأيت التفصيل عنها يف املعرفة التالية وهو املعرف ب(ال)،
ا
موصوال؟ اسَم
متى تكون (ال) ا
ٍ
وصف غري اسم التفضيل" الوصف األوصاف. قال" :هي الداخلة عىل
املراد باألوصاف :اسم فاعل ،واسم مفعول ،والصفة املشبهة ،واسم التفضيل ،هذه
ٍ
أحداث وأصحاهبا من فعلها ،أو من وقعت عليه ،لكنه األوصاف؛ يعني أسَمء تدل عىل
اكتسب اسم التفضيل ،إذن يبقى أن املراد ب(ال) املوصولة هي (ال) التي تدخل عىل اسم فاعل
ك(الضارب ،والشارب ،واملكرم ،واملستغفر) ،أو تدخل عىل اسم املفعول ك(املرضوب،
واملرشوب) ،أو تدخل عىل صفة املشبهة ك(احلسن ،واجلميل ،والقوي ،والضعيف).
ِ
العامل ،واشرتيت املركوب) وهي تكون كَم قلنا :للعاقل ولغري العاقل ،تقول( :جاء
ف(العامل) عاقل ،و(املركوب) غري عاقل ،وتقول( :هذا الشارب واملرشوب) عاقل وغري
عاقل ،وهكذا.
عود الضمري إليه ،فالضَمئر كَم نعرف ال تعود إال إىل أسَمء ،ال تعود إىل أفعال ،وال حروف،
كَم يف قولك( :فاز املتقي ربه).
والدليل الثان :اجتَمعها مع اإلضافة( ،ال) هذه جتامع اإلضافة كَم سيأيت تفصيله يف باب
اإلضافة ،فلك أن تقول( :جاء الضاربك) أو (جاء املكرمك) ،و(ال) املعرفة ال جتامع اإلضافة؛
ألن اإلضافة ال جتامع (ال) املعرفة ،ودل عىل أهنا ليست (ال) املعرفة ،وإنَم املراد (جاء الذي
رضبك) أو (جاء الذي يكرمك).
فقال األعراِب:
َّ
ورق خياشيمه اجلندل وجد الفرزدق أتعـس به
فقال له مباَشة:
يا ذا اخلنا ومقال الزور واخلطل يا أرغم اَّلل أنفا أنت حامله
وال األصيل وال ذي الرأي واجلدل ما أنت باحلكم الرتىض حكومته
الشيخ /سليمان العيوني 171
فالشاهد يف قوله " :ما أنت باحلكم الرتىض" يعني الذي ترىض ،فأدخل (ال) املوصولة
عىل املضارع ،واجلمهور عىل أن هذا من رضائر الشعر ،وابن مالك وبعض املتأخرين أجازوا
دخول عىل (ال) عىل املضارع ا
قليال يف النثر.
قال شاعرهم:
وقال شاعرهم:
ومن قسمهم( :ال ،وذو عرشه يف السَمء) يعني ال والذي عرشه يف السَمء.
ويكون للعاقل ،ولغري العاقل ،وسبق أنه يف املشهور اسم إشارة إذا كان يشار به (ذا ٌ
رجل)
ا
موصوال إذا كان بمعنى الذي وإخوانه ،وسيأيت أن ملوصوليته ثالثة َشوط: اسَم
لكنه يكون ا
فتقول يف العاقل( :من ذا عندك) يعني (من الذي عندك؟).
ا
موصوال ثالثة َشوط ،وهي َشوط معقولة ومقبولة مع واقع اللغة: اسَم
واشرتطوا لكوهنا ا
الرشط األول:
أال تكون لإلشارة ،أال تكون من حيث املعنى اسم إشارة؛ أي يشار هبا كَم يف قولك( :من ذا
تؤوهلا بالذي (من الذي ذاهب) بل املعنى (من هذا الذاهب) فال
الذاهب) ،هنا ما يمكن أن ي
موصوال ،كقولك( :ماذا التوان؟) يعني (ما هذا التوان) وليس املعنى (ما الذي ا اسَم
تكون هنا ا
التوان) ،وكَم يف قوله تعاىل﴿ :م ْن ذا ا َّل ِذي ي ْشفع ِعنْده إِ َّال بِإِ ْذنِ ِه [البقرة ]255:ما نقول( :ذا)
اسم موصول ،وبعدها اسم موصول ﴿م ْن ذا ا َّل ِذي [البقرة ،]255:وإنَم اسم إشارة (من هذا
الذي يشفع عنده).
والرشط الثان:
أال تكون ملغا اة وهذا أمر جائز للمتكلم ،ملغا اة يعني أن يقدرها املتكلم مركب اة مع ما
اسَم واحدا ا ،اسم استفهام واحد
اسَم واحدا ا ،تكون ماذا مع بعض يف تركيبه وتقديره ا
فتكونان ا
الشيخ /سليمان العيوني 173
بمعنى (ما) فكأنه ألغى (ذا) كأهنا غري مذكورة ،فتقول( :ماذا صنعت؟) يريد ما صنعت؛ ألهنا
باإللغاء تكون كأهنا غري مذكورة ،غري موجودة ،ال تقصد هبا االسم املوصول الذي.
والرشط ثالث:
وهو الذي نص عليه ابن هشام :أن يتقدمها استفهام ب(ما) أو ب(من) كقولك( :من ذا
عندك)؛ يعني (من الذي عندك ،أو ماذا عندك؟) يعني (ما الذي عندك؟).
وكقول لبيد" :أال تسأالن املرء ماذا حياول؟" يعني ما الذي حياوله.
(أي):
وأما االسم املوصول املشرتك السادس وهو األخري ،فهو ٌّ
موصوال إذا كانت بمعنى الذي وإخوانه كَم يف قوله -س ْبحانه وتعاىل:- ا اسَم
(أي) تأيت ا ٌّ
الر ْمح ِن ِعتِ ًيا [مريم ]69:املعنى واَّلل أعلم (ثم ِ ٍ ِ
﴿ث َّم لن ِنزع َّن م ْن ك يل شيعة أ ُّهي ْم أشدُّ عىل َّ
لننزعن من كل شيعة الذي هو أشد عىل الرمحن عت ًيا).
ف(أي املوصولة) هلا أربعة أحوال؛ ألهنا هي االسم املوصول الوحيد الذي يضاف؛ وهلذا
ٌّ
قلنا يف املعربات واملبنيات :إنه االسم املوصول الوحيد املعرب؛ ألنه اختص باإلضافة،
واإلضافة من خصائص األسَمء ،فقوى ذلك اجلانب اإلسمي فيها ،فعاد إىل حكم أسَمء
اإلعراب.
طيب ،فهو ال بد أن يضاف ،طيب املضاف إليه الذي بعده جيوز أن يذكر ،وجيوز أن حيذف،
وإن كان مرا ادا مقدَّ ارا ،لكن جيوز أن حتذفه يف اللفظ.
إذن له حالتان:
وأيضا اختص بخاصية أخرى يف صلته ،صلته جيوز أن تذكرها كاملة ،وجيوز أن
ا طيب،
حتذف صدر صلته ،صدر الصلة يكون ضمري عائد إليه ،ثم حتذف هذا الضمري ،فنقول :صدر
الصلة ُمذوف.
إذا فكم أحوال (أي املوصولة) تضاف إىل مذكور واملضاف إليه مذكور ،والصلة تامة،
والصلة ُمذوفة صلة الصدر أربعة.
األحوال أربعة:
-احلالة األوىل :أ ن يذكر املضاف إليه ويذكر صدر صلتها ،كأن تقول( :يعجبني أهيم
هو قائم)( ،يعجبني أهيم) (أي) مضاف ،و(هم) مضاف إليه مذكورة( ،هو قائم)
-احلالة الثانية :أال تذكر املضاف إليه ،وال تذكر صدر الصلة ،كالمها ُمذوف ،تقول:
قائم).
أي ٌ (يعجبني ٌّ
أي
-احلالة الثالثة :أال تذكر املضاف إليه ،ولكن تذكر صدر الصلة ،فتقول( :يعجبني ٌّ
قائم).
هو ٌ
(أي) فيها معربة باحلركات اتفا اقا( ،يعجبني أهيم هو قائم) بالرفعِ ،
(أكرم هذه ثالثة أحوال ٌّ
قائم) معربة باحلركات.
بأهيم هو ٌ
أهيم هو قائم)( ،مررت ي
بقيت احلالة الرابعة ما هي؟
الشيخ /سليمان العيوني 175
ِ
وأكرم أهيم قائم،
وجيوز البناء عىل الضم وهذا األكثر واألفصح فتقول( :يعجبني أهيم ٌ
قائم ،وسلمت عىل أهيم قائم) ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :ث َّم لن ِنزع َّن ِم ْن ك يل ِشيع ٍة أ ُّهي ْم أشدُّ عىل ٌ
الر ْمح ِن ِعتِ ًيا [مريم.]69:
َّ
أي أهيم هو أشد ،فأهيم املضاف إليه املذكور هو أشد صدر الصلة ُمذوف ،ومع إعراب
أهيم يف اآلية (ننزع أهيم)( ،أهيم) نازع َّ
وال منزوع؟ فاعل أو مفعول؟
يعني أهيم هو أفضل ،وجاء يف رواية( :فسلم عىل أهيِم) أفضل وهذه رواية اجلر ،وجاء يف
قراءة﴿ :ث َّم لن ِنزع َّن ِم ْن ك يل ِشيع ٍة أ ُّهي ْم [مريم ]69:بالنصب.
"وصلة (ال) ا ْلو ْصف وصلة غريها إِ َّما مجلة خربية ذات ضمري ٍ
طبق للموصول يسمى
عائِدا ا ،أو ظرف ،أو جار وجمرور تامان متعلقان ب(استقر) ُمذو افا"
تكلم هنا عىل صلة املوصول ،فاألسَمء املوصولة كلها نصية ومشرتكة ال بد هلا من صلة؛
اسَم موصول بَم بعده. ا
موصوال ،ال بد أن تصلها بَم بعدها ،ا اسَم
فلهذا سميت ا
176 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ذكر ابن هشام هنا شيئاا من أحكام الصلة ،فذكر أن االسم املوصول املشرتك (ال) له صل ٌة
خاص ٌة به ،وهو الوصف الذي ذكره من قبل؛ يعني الوصف غري اسم التفضيل؛ يعني ال تكون
صلته إال اسم فاعل ،ك(الضارب ،واملكرم ،واملستغفر) ،أو اسم مفعول( :كاملكسور واملكرم)،
أو صفة مشبهة ك(احلسن ،واجلبان ،واجلميل).
وبقية األسَمء املوصولة املشرتكة وكذلك مجيع األسَمء املوصولة النصية ال تكون صلتها إال
أحد شيئني كَم ذكر ابن هشام:
األول :اجلملة.
والثان :شبه اجلملة التامة.
سواء كانت فعلية أو اسمية ،كقولك( :جاء الذي يقول احلق)( ،جاء الذي
ا فاألول اجلملة:
كريم).
ٌ أبوه كريم) فوصلت (الذي) بجملة فعلية (يقول احلق) ،أو بجملة اسمية (أبوه
ال ،يعني الوجود إما أن خترب عن الوجود املطلق ،إن زيد موجود يف املسجد) هذا يسموه
وجود مطلق ،تقول :زيد يف املسجد) ،أخربتني عن مطلق وجوده يف املسجد ،لكن ما أخربتني
ئم يف
عن صفته اخلاصة ،لو أخربتني عن صفته اخلاصة وجب أن تنص عليها ،تقول( :زيدٌ نا ٌ
جالس يف املسجد) أو (زيد يدرس يف املسجد) هذه صفات خاصة ،أنت ربَم
ٌ املسجد) أو (زيدٌ
الشيخ /سليمان العيوني 177
ال تريد أن متيز صفاته اخلاصة ،أنت الذي تريد أن تبينه يل فقط جمرد الوجود املطلق أنه موجود
يف املسجد ،فإن الوجود املطلق ،فإنك جيب أن حتذف الكون العام ،وتكتفي بشبه اجلملة،
فتقول( :زيد يف املسجد) ما تقول( :زيدٌ جائم يف املطبخ) أو ( زيدٌ موجو ٌد يف املسجد) أو
جالس
ٌ (مستقر يف املسجد) هذا ما جيوز يف اللغة علم ،وإنَم جيب أن ترصح بالكون اخلاص (زيدٌ
ٌّ
يف املجلس ،أو يصيل يف املسجد ،أو يدرس املسجد.
فشبه اجلملة إذا كانت متعلقة بكون عام ُمذوف وجو ابا تسمى شبه مجلة تامة؛ ألهنا تدل عىل
املعنى.
أما شبه اجلملة املتعلقة بكون خاص مذكور :هذه تسمى ناقصة؛ ألنك لو حذفت هذا
الكون اخلاص ما تعرف معناها ذهب معناها ،ونقص معناها.
مثال ذلك يف األسَمء املوصولة :أن تقول( :أكرمت الذي يف املسجد) ،صحيح ،معنى
صحيح ومقبول وفهمت الذي يقال ،أو (أكرمت الذي عندك) بخالف ما لو قلت( :أكرمت
الذي يثق بك) ،ثم حذفت (يثق) فقلت( :أكرمت الذي بك) ،هنا ما يصح أن تقول كلمة
(بك) وإن كانت شبه مجلة ما يصح أن تكون صلة للموصول (أكرمت الذي بك) ال بد أن تأيت
اجلملة (يثق) هذا فعل ،والفاعل (هو).
أو تقول ا
مثال( :أعطيت الذي إليك تريد) (أعطيت الذي حيتاج إليك) هنا جيب أن تقول:
(حيتاج) وتكون (حيتاج) اجلملة هي صلة املوصول ،وهكذا.
معنى ذلك أن األسَمء املوصولة ما تكون صلتها إال مجلة أو شبه مجلة تامة ،شبه اجلملة غري
التامة ال تقع.
طيب ،سنضطر إىل أن نقف هنا ،وال نكمل املعارف ،مع أن النية كانت عىل إكَمهلا ،لكن
الوقت تأخر ،فنكملها إن شاء اَّلل يف الدرس القادم ،واَّلل أعلم وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ُممد،
وعىل آله وأصحابه أمجعني.
الشيخ /سليمان العيوني 179
الدرس اخلامس
احلمد َّلل رب العاملني ،والصالة والسالم عىل نبينا ُممد وعىل آله وأصحابه أمجعني.
أما بعد:
ا
وسهال ومرح ابا بكم يف الدرس اخلامس من ا
وأهال فسالم اَّلل عليكم ورمحته وبركاته،
دروس َشح قطر الندى وبل الصدى البن هشام -ر ِمحه اَّلل تعاىل.-
نحن يف ليلة األربعاء الثان عرش من مجادى اآلخرة من سنة 1439هـ يف جامع منرية الشبييل
يف حي الفالح يف مدينة الرياض.
ٍ
نكرة ومعرفة ،ولكن بقي منه الكالم وقد كنا تكلمنا يف الدرس املايض عىل تقسيم االسم إىل
عىل صلة املوصول ،وعىل املعرف ب(ال) ،وعىل املعرف ب(اإلضافة) فسنكمل ذلك إن شاء
اَّلل تعاىل يف هذا الدرس ،ثم نتكلم عىل الباب التايل وهو باب املبتدأ واخلرب.
ففي الدرس املايض كنا قد توقفنا يف أثناء الكالم عىل االسم املوصول الذي هو أحد أنواع
املعارف.
نصية.
ومشرتكة.
180 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ثم عرفنا أهنا ُمتاج ٌة إىل صلة ،ثم ذكر ابن هشام -ر ِمحه اَّلل تعاىل -أن الصلة ال بد أن يكون
فيها عائد ،فقال -ر ِمحه اَّلل تعاىل -بعد أن ذكر أن صلة املوصول إما أن تكون مجلة ،وإما أن
طبق للموصول يسمى ٍ
ضمري ٍ تكون شبه مجلة ،قال يف الصلة :إذا وقعت مجلة مجل ٌة خربية ذات
عائدا ا ،وقد حيذف نحو ﴿أ ُّهي ْم أشدُّ [مريم﴿ ،]69:وما ع ِملتْه أ ْي ِدهيِ ْم [يس﴿ ،]35:فا ْق ِ
ض
اض [طه﴿ ،]72:وي ْرشب ِممَّا ت ْرشبون [املؤمنون.]33: ما أنْت ق ٍ
فذكر أن النوع األول من نوعي الصلة وهي اجلملة الواقعة صل اة يشرتط فيها َشطان لكي
يصح أن تقع صل اة:
الرشط األول :أن تكون خربية؛ أي ال إنشائية ،فيصح أن نقول( :جاء الذي نجح)؛ ألن (نجح)
وفاعلها املسترت هو مجل ٌة خربية.
-واجلملة اخلربية :هي اجلملة التي تقبل التصديق والتكذيب يف ذاهتا؛ يعني يصح أن
تقول لصاحبها :صدقت ،هذا كال ٌم صحيح ،وأن تقول :كذبت ،هذا كال ٌم ليس
بصحيح.
نقول :لذاته؛ لكي خيرج الكالم املقطوع بصحته ككالم اَّلل -س ْبحانه وتعاىل ،-فإذا
قلت( :نجح) يمكن أن تقول :صدقت نجح ،أو كذبت ما نجح) فهذه مجل ٌة خربية.
-أما اجلمل اإلنشائية :فهي التي ال تقبل التصديق وال التكذيب يف ذاهتا ،وإنَم تقبل
أشياء أخرى ،كقولك( :نعم) أو (ال) ،ونحو ذلك؛ وهلذا ال يصح أن تقول( :جاء
أكرمه) أو (جاء الذي ال هتِنه)؛ ألن مجلة (أكرمه) طلبية ،والطلب إنشاء ،فإذا
الذي ِ
قلت( :أكرمه) ،أو قلت( :ال هتنه) فال تقول( :صدقت ،أو كذبت) ،وإنَم تقول:
الشيخ /سليمان العيوني 181
(نعم ،سأ ِ
كرمه) ،أو تقول( :ال لن أكرمه) فهذه إنشاء ،فال يصح أن تقع صل اة
للموصول.
والرشط الثان يف اجلملة الواقعة صل اة :أن يكون فيها عائد ،عائدٌ منها إىل االسم املوصول،
سمي (عائدا ا)؛ ألنه يعود إىل االسم املوصول ،وهذا العائد هو ضمري ،وبَم أنه ضمري يعود إىل
املوصول ،فيجب أن يطابق املوصول يف التذكري والتأنيث ،ويف اإلفراد والتثنية واجلمع.
تقول( :جاء الذي نجح) ،و(جاء الذي نجح أخوه) ،وتقول( :جاء اللذان نجحا) ،وتقول:
(جاء الذين نجحوا) ،وهكذا.
فإذا مل يكن يف اجلملة عائد ،فإن اجلملة ال تصح ،وهلذا ال يصح أن تقول( :جاء الذي العلم
مفيدٌ )؛ ألن العلم مفيد) مجلة اسمية ،لكن ليس فيه عائد لالسم املوصول ،وعىل هذا نعرف
خطأ من يقول( :احلمد َّلل الذي نجحت)( ،فنجحت) تاء املتكلم يف (نجحت) تعود إىل
نعت السم اَّلل ،فصارت اجلملة ا
خطأ ،يمكن أن تصححها بأن املتكلم ،وال تعود إىل الذي هو ٌ
تقول( :احلمد َّلل الذي نجحني) ففاعل (نجحني) وهو الضمري املسترت (هو) يعود إىل الذي،
نعت اَّلل ،فتصح اجلملة بذلك .فهذان الرشطان يف اجلملة الواقعة صل اة.
ثم إن ابن هشام فيَم قرأناه ذكر أن الرشط يف العائد أن يكون موجو ادا يف اجلملة ،وال يشرتط
أن يكون ملفو اظا به؛ يعني بعد وجوده يف اجلملة يصح أن حيذف من اللفظ ،وإن كان موجو ادا يف
سواء أكان رف اعا كقوله تعاىل﴿ :ث َّم لن ِنزع َّن ِم ْن ك يل ِشيع ٍة أ ُّهي ْم
ٌ التقدير ،فيصح أن حيذف العائد
الر ْمح ِن ِعتِ ًيا [مريم ،]69:ف﴿أ ُّهي ْم [مريم ]69:االسم املوصول ،وصلته أشدُّ عىل َّ
﴿أشدُّ [مريم ]69:والتقدير (أهيم هو) ﴿أشدُّ [مريم ]69:فحذفنا الضمري (هو) الذي هو
رفع. ِ
مبتدأ ،وهو العائد ،فحذف العائد وهو ٌ
182 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
أو كان هذا العائد نص ابا :وهذا هو األكثر ،كقولك( :جاء الذي أحبه) أو (جاء الذي
مفعوال به وهو العائد ،قال -س ْبحانه وتعاىل﴿ :-وما ع ِملتْه
ا أحب) فتحذف الضمري الواقع
أ ْي ِدهيِ ْم [يس ]35:ويف قراءة (وما عملت أيدهيم)؛ يعني الذي عملته.
جرا :كقوله﴿ :وي ْرشب ِممَّا ت ْرشبون [املؤمنون ]33:يعني يرشب من
أو كان هذا العائد ً
الذي ترشبون منه ،فح ِذف العائد ثم ح ِذف اجلر ،جره ،وتقول( :مررت بالذي مررت)؛ يعني
(مررت بالذي مررت به) وهكذا.
وذكرنا من قبل أن املحذوف من اللفظ املقدَّ ر هو يف احلقيقة موجو ٌد يف اجلملة ،فلهذا وقع
احلذف عليه ،بخالف املعدوم ،املعدوم يف نحو قولك( :احلمد َّلل الذي نجحت) ما يف ا
أصال
ضمري يعود إىل العائد ،ثم ح ِذف من اللفظ.
املعرف ب(ذي
املعرف ب(ال) ،أو َّ
لننتقل إىل املعرفة التالية وهي املعرفة اخلامسة َّ
األداة):
املعرف ب(ال) :هو االسم الذي إذا أدخلت فيه (ال) صار معرفة ،وإذا نزعت منه (ال)
َّ
صار نكرة.
ٍ
ومدينة هنا نكرات ،أما إذا قلت لك :ما املدينة التي تسكن فيها؟ إذن املدينة صارت ٍ
فقرية
معرف اة ب(ال) بعد ا
مدينة معينة ،وهي املدينة التي تسكن أنت فيها ،فصارت َّ معرفة؛ ألن أريد
أن كانت نكر اة من دون (ال) وهكذا.
وقد سبق أن نبهنا عىل أن األعالم قد تدخلها (ال) ،ك(ال) التي يف أسَمء اَّلل -ع َّز وجل،-
والتي يف (القصواء ،والكعبة) وكذلك يف (املدينة) إذا أردت (طيبة) ،ف(ال) فيها زائدة؛ ألن
هذه األسَمء معرف ٌة بالعلمية ،وليست معرف اة ب(ال).
علَم.
والدليل عىل ذلك :أنك إذا أزلت منها (ال) بقيت ا
املعرف ب(ال) ،وإنَم ذكر أنواعه؛ يعني اكتفى ِ
عرف َّوابن هشام -رمحه اَّلل تعاىل -مل ي ي
املعرف ب(ال).
بحرص أنواعه عن تعريفه ،لكنه يف أول الباب ذكر اخلالف بني النحويني يف ي
فقال:
والذي يقرأ يف كتب التفسري ،أو يف كتب احلديث َشوح احلديث جيد اختالف تعبرياهتم
ف
معر ٌ
ف ب(بال) ،وجتد من يقولَّ :
معر ٌ
بناء عىل هذه األقوال ،فتجد من يقولَّ :
املعرف ا
عن ي
ف بالالم ،كل ذلك موجود بكثرة يف كتب املتقدمني.
معر ٌ
باأللف والالم ،وجتد من يقولَّ :
نحو ًيا.
طيب ماذا أقصد بقويل( :البيت) أو نقول( :الشارع) ،أو نقول( :املسجد)؟
يعني كيف ت ِ
كسب (ال) االسم التعريف كيف جتعله معرفة؟
نعم ،جتعله معرفة بمعرفة هذه األنواع( ،ال) تعريفها لالسم ليس شيئاا واحدا ا ،بل عىل
أنواع سيذكرها ابن هشام.
فيقول:
﴿يف زجاج ٍة الزُّ جاجة [النور ]35:و(جاء القايض) ،أو للجنس نحو "وتكون للعهد نحو ِ
ا
موصوال بمعنى الذي ،سبق يف األسَمء املوصولة قبل قليل، اسَم
ف(ال) كَم سبق قد تأيت ا
أيضا حر افا زائدا ا ،ك(ال) الداخلة يف األعالم تكلمنا عليها قبل قليل ،ال نريد هذه
وتأيت (ال) ا
وال تلك ،الكالم هنا عىل (ال) املعرفة التي إذا دخلت عىل االسم أكسبته تعريف ،فذكر ابن
هشام أهنا أنواع؛ يعني أهنا تعرف االسم بأكثر من طريقة ،فهي إما أن تعرفه بالعهد ،العهد
املوجود بني املتكلم واملخاطب ،أو تعرفه باجلنس.
عهدية.
وجنسية.
-النوع األول من (ال) العهدية هي الذكرية :وهي ما تقدَّ م ذكر االسم يف اللفظ ،نفس
االسم تقدم لفظه يف الكالم من قبل ،كَم يف قوله تعاىل﴿ :كَم أ ْرس ْلنا إِىل فِ ْرع ْون
الرسول) [املزمل ،]16:15قوله﴿ :فعىص فِ ْرع ْون ِ
وال *فعىص ف ْرع ْون َّ رس ا
186 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
الرسول [املزمل ]16:هذا الرسول معروف ،عرفناه اآلن وحتدد وهو املذكور قبل َّ
وال [املزمل ،]15:فالرسول هنا تعرف قليل يف قوله﴿ :كَم أ ْرس ْلنا إِىل فِ ْرع ْون رس ا
بأن نكرته ذكِرت من قبل ،ذكِر االسم من قبل ،إذن فالرسول املذكور هنا هو َّ
﴿رس ا
وال [املزمل ]16:املذكور من قبل ،ما يلتبس بغريه.
هي الزجاجة املذكورة قبل قليل يف اآلية السابقة ،ليست زجاجة أخرى ،فإذا قلت لكم:
قلَم قبل قليل ،ثم بعت القلم) هل عرفتم القلم الذي بِ ْعته؟ وهو الذي اشرتيته قبل
اشرتيت ا
قليل ،التعريف هنا حدث بالذكرية أنه ذكِر قبل قليل بلفظه ،هذه (ال) الذكرية.
-والنوع الثان من (ال) العهدية هي احلضورية :وهي ما حرض يف احلس واملشاهدة عند
التكلم ،يشء موجود ُمسوس يف أثناء التكلم بني املخاطب واملشاهد موجود عندنا
ُمسوس ومشاهد ،فيكون هو املراد باالسم الذي أدخلنا عليه (ال) كمثالنا السابق
قلَم معيناا،
عندما يقال لطالب( :يا طالب دع القلم) أريد القلم احلارض بني يديه ،أريد ا
فهو مباَشة أن يقصد هذا القلم.
عيل الغرفة أغلق الباب) فأفهم أن أريد باب الغرفة ،ال أريد باب
وكقولك( :وقد دخلت َّ
البيت ،أو باب غرفة أخرى ،الباب الذي دخلت منه ،تفهم مباَشة؛ ألنه الباب احلارض.
أو نحن يف درس ،فأقول لك( :اقرأ من الكتاب) تعرف أن أريد الكتاب الذي نرشح فيه ،ما
ٍ
بكتاب آخر ،الكتاب احلارض ،ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :ا ْلي ْوم أكْم ْلت لك ْم تأتيني
ِدينك ْم [املائدة ]3:نزلت يف يوم عرفة.
الشيخ /سليمان العيوني 187
-النوع الثالث من (ال) العهدية هي العلمية ،أو يقال :الذهنية :وهي ما حرض يف علم
املخاطب وذهنه عند التكلم؛ يعني العهد املعهود بني املخاطب واملتكلم موجود يف
ذهني ،ويف ذهن املخاطب يف علمي وعلمه ،أعلم أنه يف علمه ويف ذهنه هذا اليشء
الذي نتكلم عليه ،فأدخل عليه (ال).
ا
مثال :نحن ننتظر قدوم األستاذ ،فأقول لكم( :جاء األستاذ) عرفتم املراد باألستاذ ،كيف
عرفتموه؟ ألنه األستاذ الذي يف ذهني وذهنك.
من ذلك :أن يأتيك طالب وأنت يف اخلارج فيقول( :لقد بدأ الدرس) يعني الدرس املعلوم
بيني وبينك ،أو ا
مثال أعرتك كتا ابا ثم قلت لك فيَم بعد( :أين الكتاب؟) أريد الكتاب الذي بيني
وبينك ،وهو الذي أعرتك إياه.
قال تعاىل﴿ :إِ ْذ مها ِيف ا ْلغ ِ
ار [التوبة ]40:عرفنا أن الغار املقصود هو (غار ثور).
وأقول لكم :من حيفظ األبيات ،األبيات التي معروفة بيني وبينكم وطلبتها منكم ،وأقول
لكم( :نحن نرشح القطر) هذه أكثر أنواع (ال) أكثر ما تكون (ال) يف الكالم هي (ال) العلمية
العهدية.
ا
مثال :نحن نخرج كل أسبوع ،أو كل مدة إىل اسرتاحة معينة نجتمع فيها ،فأرسل إليك
رسالة أقول لك( :اجتَمعنا اليوم يف االسرتاحة) طيب الرياض فيها مئات االسرتاحات ،ال،
أنت تعرف املراد باالسرتاحة؛ يعني االسرتاحة املعهودة يف ذهني وذهنك ،وهكذا ،فهذه (ال)
العهدية ،إما أن يكون العهد بالذكر ،أو باحلضور ،أو بالذهن والعلم.
النوع الثان من (ال) املعرفة هي (ال) اجلنسية عندما يكون املراد اجلنس ال فر ادا معيناا منه ،أو
أفرا ادا معينني منه ،وإنَم مطلق اجلنس ،وهي نوعان:
-األوىل :االستغراقية ،اجلنسية االستغراقية ،وذلك إذا أردت هبا العموم ،عموم
اجلنس؛ يعني مجيع أفراد اجلنس.
وضابط ذلك:
(إن كل
إلنسان [العرص ]2:هذه جنسية استغراقية؛ ألن املراد َّ ([ )3العرص( ]3:2ال) يف ﴿ا ِ
احلات [العرص.]3:خرس) ﴿إِ َّال ا َّل ِذين آمنوا وع ِملوا الص ِ ٍ
إنسان لفي ٍ
َّ
ٍ
إنسان ضعي افا). إلنسان ض ِعي افا [النساء]28:؛ يعني (خلِق كل
قال تعاىل﴿ :وخلِق ا ِ
أما إذا قلت( :احلمد لك يا فالن) أو (الشكر لك يا فالن) ف(ال) هنا استغراقية أم غري
استغراقية؟
الشيخ /سليمان العيوني 189
عظيَم.
غري استغراقية ،وسيبويه يقول :لو قلت ذلك لكان ا
طيب ،ما نوع (ال) يف قولك( :الشكر لك يا فالن)؟
هذه عهدية علمية؛ يعني الشكر املعهود الذي يقدَّ م ملثلك هو لك.
وإذا قلنا :إذا دخلت السوق فقل كذا وكذا ،فَم نوع (ال) هنا هل هي عهدية َّ
وال
استغراقية؟
استغراقية ،لو قلنا :عهدية؛ يعني نريد سو اقا معيناا ،وهو السوق الذي ا
مثال بيني وبينك ،أو
السوق الذي ذكرته ،أو نحو ،بس أنت ما تريد ذلك ،أنت تريد استغراق كل األسواق ،إذن هنا
(ال) استغراقية ،يعني إذا دخلت كل السوق فقل :كذا وكذا ،وهذا االستغراق كَم رأيتم
استغراق حقيقي ،يعني يستغرق مجيع أفراد اجلنس استغرا اقا حقيق ًيا.
ٌ
وقد يكون االستغراق ألفراد اجلنس جماز ًيا :جماز ًيا عىل سبيل املبالغة ،وذلك إذا أردت
استغراق الصفات ،ال استغراق األفراد كقولك( :املتنبي الشاعر) هذا صحيح ،هل معنى ذلك
أنه ال يوجد شاعر غري املتنبي؟ ال ،أنت ما تقصد ذلك ،وإنَم تقصد املتنبي فيه مجيع صفات
الشاعر ،ف(ال) هنا الستغراق صفات الشاعر.
وتقول( :زيدٌ هو الرجل)؛ يعني ما يف رجل غري زيد؟ ال ،وإنَم تريد ب(ال) هنا استغراق
الصفات( ،زيدٌ هو الرجل) يعني الذي فيه كل صفات الرجولة ،وهكذا.
فهذا النوع األول من (ال) اجلنسية وهي االستغراقية التي تستغرق مجيع أفراد اجلنس
حقيق اة ،أو مبالغ اة.
-النوع الثان من (ال) اجلنسية ،هي اجلنسية لبيان املاهية ،أو لبيان احلقيقة :يعني املراد
ماهية اجلنس ،حقيقة اجلنس ،ال أفراد اجلنس.
190 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
وضابط ذلك :أن (كل) ال تقع فيه موقع (ال) كقولك( :األسد أشجع من الذئب) صحيح
أم غري صحيح؟
صحيح؛ ألن قد جتد من الذئاب ما هو ،أشجع من بعض األسود ،بعض األسود جبانة،
وبعض الذئاب فيها جرأة وشجاعة أكثر من بعض األسود ،لكن هذا ال يعني خطأ قولنا:
(األسد أشجع من الذئب)؛ ألنك ال تعني بذلك كل أسد أشجع من كل ذئب ،وإنَم املراد هذا
عموما.
ا عموما أشجع من هذا اجلنس
ا اجلنس
وتقول( :اجلبل أعىل من التل) يعني هذا حكم عام ،يعني قد جتد بعض التالل عظيمة جدً ا،
وبعض اجلبال قصرية ،فيكون التل أعىل من اجلبل ،وتقول( :الدولة أكرب من املدينة) لكن يف
مدن صغرية ،يف دول صغرية قد تكون أصغر من بعض املدن ،تقول( :أعمل لكسب املال) (ال)
يف (املال) هنا هل هي عهدية تريد ا
ماال معيناا ،تريد أن تسعى لكي جتمعه ،هل هي جنسية
استغراقية جتمع كل املال؟ ال ،هي هنا جنسية لبيان املاهية؛ يعني أعمل ألكسب من هذا اجلنس.
املعرف ب(ال).
ثم ختم ابن هشام الكالم عىل َّ
بقوله:
ميَم لغ ٌة محريية"
"وإبدال الالم ا
فهذه اللغة لقبيلة محري وهي من قبائل جنوب اجلزيرة ،وما زالت يف لغة بعض الناس اليوم،
كثري مستعمل اليوم.
فيقلبون ويبدلون (ال) إىل (أم) فيقولون بدل (الباب) (امباب) وهذا ٌ
ومن ذلك قول شاعره:
ويروون يف ذلك حدي اثا بلفظ (ليس من امرب الصيام يف امسفر) ،وهو ال يثبت هبذا اللفظ،
وإن كان بالرواية املشهورة ثابتاا أقصد ب(ال) ،وخيرجون عىل ذلك قول بعض الناس اليوم:
(امبارح)؛ أي (البارح) ونحو ذلك.
فهذا ما يتعلق باملعرف ب(ال) ،ودعون أسألكم يف آخره عن قوله تعاىل﴿ :أجع ْلت ْم ِسقاية
اآلخ ِر [التوبة ]19:ما نوع (ال) يف ِ ج ِد ْ
احلرا ِم كم ْن آمن بِاَّللَِّ وا ْلي ْو ِم اج و ِعَمرة ا ْمل ْس ِ ْ
احل ي
اج [التوبة ]19:عهدية أو جنسية؟ اج ﴿أجع ْلت ْم ِسقاية ْ
احل ي ْ
﴿احل ي
الطالب................. :
اج املعهود الذي يأيت إليكم يف مكة. الشيخ :أقرهبا أهنا عهدية علميةْ ،
﴿احل ي
ج ِد ْ
احلرا ِم [التوبة ]19:عهدية علمية. ج ِد ْ
احلرا ِم [التوبة﴿ ،]19:ا ْمل ْس ِ ﴿و ِعَمرة ا ْمل ْس ِ
﴿ كم ْن آمن بِاَّللَِّ [التوبة( ]19:ال) يف ﴿اَّللَِّ هذه زائدة لدخوهلا عىل العلم.
192 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
و(ال) يف ﴿ا ْليو ِم ِ
اآلخ ِر [التوبة ]19:ا
أيضا علمية. ْ
طيب ،قال تعاىل﴿ :الرجال قوامون عىل النيس ِ
اء [النساء ]34:هذه جنسية استغراقية ،أو َّ ي
لبيان املاهية واحلقيقة؟
قولنا( :املرأة أعطف من الرجل) هذه جنسية لبيان املاهية؛ يعني هذا اجلنس أعطف من هذا
اجلنس؛ ألن قد جتد من الرجال من هو أعطف من بعض النساء.
قال الشاعر:
ويف احلديث« :أ ْهلك النناس الدي ينار والدي ْرهم» هذه جنسية لبيان املاهية.
طيب ،هل نقول :جنسية استغراقية «أ ْهلك النناس الدي ينار والدي ْرهم»؟
لو قلنا :استغراقية معنى ذلك كل دينار وكل درهم من أسباب هالك الناس ،وهذا غري
صحيح ،بعض األموال هي من أسباب سعادة الناس ،وجلب اخلري ،واألجور هلم ،لكن هذا
اجلنس غال ابا هو من أسباب هالك الناس.
ثم ننتقل إىل املعرفة األخرية وهي املعرفة السادسة :املضاف إىل معرفة:
(قلم) (هذا نعم ،كل اس ٍم أضيف إىل معرفة ،فإنه يكتسب التعريف ،فأنت إذا قلت ا
مثالٌ :
ف(قلم) نكرة.
ٌ قلم)
ٌ
فإن أضفته إىل ضمري ،فقلت( :قلمي) أو (قلمك) صار معرف اة باإلضافة إىل الضمري.
أو أضفته إىل علم ك(قلم ُممد).
أو أضفته إىل اسم إشارة ك(قلم هذا).
أو أضفته إىل اس ٍم موصول ك(قلم الذي بجانبك).
ٍ
معرف ب(ال) ك(قلم الرجل) فإنه يكتسب بذلك التعريف. أو أضفته إىل
ومعنى ذلك:
أن املضاف إىل نكرة ليس معرفة؛ ألنه خصص املعرفة السادسة بأهنا املضاف إىل معرفة،
ٍ
رجل) ،ال (قلم الرجل) ،فإنه ال يكتسب التعريف. لكن لو أضيف إىل نكرة ،فقيل( :قلم
أيضا يفيد التخصيص ،تضييق التنكري. نعت وقلت( :قلم أمحر) أو (قلم ٍ
غال) ،ا وكذلك لو َّ
ٌ ٌ
هو التعريف ،إذن عندنا التنكري دائرة كاملة ،وعندنا التخصيص تضييق للدائرة ،وعندنا
التعريف وهو التحديد والتعيني ،وإزالة التنكري ،فهذا ما يتعلق ببقية الكالم عىل النكرة
واملعرفة.
نحن إىل اآلن انتهينا من الكالم عىل األحكام اإلفرادية ،انتهينا من الكالم عىل أحكام الكلمة
ٍ
وفعل اإلفرادية تب اعا البن هشام ،فانتهينا من الكالم عىل أنواع الكلمة؛ أي انقسامها إىل اس ٍم
وحرف ،وانتهينا من الكالم عىل انقسام إىل معرب ومبني ،وانتهينا من الكالم عىل انقسام االسم
ٍ
نكرة ومعرفة. إىل
وهذه أحكام الكلمة اإلفرادية ،لينتقل ابن هشا ٍم إىل الكالم عىل أحكام الكالم ،أحكام
الكالم يعني اجلمل ،يعني األحكام الرتكيبية ،نقول :أحكام الكالم الرتكيبية.
وهلذا سيحاول ابن هشام كالنحويني أن يرتب هذه األحكام لكثرهتا ،فسيبدأ باألحكام
اخلاصة باجلملة االسمية ،ثم األحكام اخلاصة اجلملة الفعلية ،ثم املكمالت ،ثم بعض
األساليب النحوية ،وقد ذكرنا ذلك يف ترتيب قطر الندى يف أول الرشح.
فهو إذن سيبدأ باألحكام النحوية اخلاصة للجملة االسمية؛ يعني صور اجلملة االسمية ،إذا
أردت أن تدرس اجلملة االسمية ،فمعنى ذلك أنك جيب أن تدرس مجيع الصور التي تأيت عليها
اجلملة االسمية يف اللغة العربية.
ا
تفصيال سيدرسها ابن هشام صورة صورة: واجلملة االسمية تأيت عىل أربعة صور
-فالصورة األوىل :أن تكون اجلملة االسمية مرفوعة اجلزأين ،وذلك إذا مل تسبق
كريم) ،فهذه تدرس يف باب املبتدأ واخلرب؛ وهلذا بدأ
ٌ بناسخ ،كقولكُ( :ممدٌ
باملبتدأ واخلرب؛ ألهنا الصورة األوىل األصلية.
مرفوعا ،واجلزء الثان فيها منصو ابا،
ا -والصورة الثانية :أن يكون اجلزء األول فيها
كريَم)؛ وهلذا سيتكلم ابن
ا وذلك إذا سبقت بكان وأخواهتا ،كقولك( :كان ُممدٌ
هشام بعد املبتدأ واخلرب عىل باب كان وأخواهتا ،وما يعمل عمل كان وأخواهتا.
-والصورة الثالثة للجملة االسمية :أن تكون منصوبة اجلزء األول ،مرفوعة اجلزء
كريم) فلهذا سيتكلم
ٌ بإن وأخواهتا ،كقولك( :إن ُممدا ا
الثان ،وذلك إذا سبقت َّ
إن وأخواهتا ،وكذلك عىل ما يعمل عملها ،وهي
ابن هشام بعد كان وأخواهتا عىل َّ
ال النافية اجلنس.
-والصورة الرابعة للجملة االسمية :أن تكون منصوبة اجلزأين ،وذلك إذا سبقت
كريَم)؛ فلهذا سيتكلم يف النهاية؛ أقصد
بظننت وأخواهتا ،كقولك( :ظننت ُممدا ا ا
هناية أحكام اجلملة االسمية عىل باب ظننت وأخواهتا ،فإذا انتهى من ظننت
196 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
وأخواهتا سينتقل إىل الكالم عىل الفاعل ،يعني انتهى من أحكام اجلملة االسمية،
ِ
اجلملة الفعلية. وسينتقل إىل أحكام
يف هذا الباب سيذكر ابن هشام -ر ِمحه اَّلل تعاىل -عرش مسائل ،ونحن سنتابعه عىل ذلك،
اكتفاء بتعريفهَم يف نحو املبتدئني ،لكن الكالم
ا إال أنه مل يذكر منها تعريف املبتدأ واخلرب ،ربَم
جدير باملتوسطني؛ لكي نتوسع يف معرفة املبتدأ واخلرب ،وبعض أساليبه ،وأمثلته
ٌ عىل تعريفهَم
التي قد ختفى عىل بعض املتوسطني.
فاملبتدأ :كَم سبق يف نحو املبتدئني هو االسم املجرد عن العوامل اللفظية ،فكل اس ٍم ٍ
جمرد
سواء أكان يف أول اجلملة ،أم يف وسطها ،أم يف آخرها؛ يعني كل
ٌ ٌ
مبتدأ عن العوامل اللفظية فهو
بعامل لفظي فهو مبتدأ ،فإذا وجدنا املبتدأ فخربه سهل ،نسأل أ ِ
خرب عن هذا املبتدأ ٍ اسم مل يسبق
بَمذا؟ فاجلواب :هو اخلرب ،أخربنا عن املبتدأ ،أخربنا عن هذا املبتدأ بأنه كذا.
ٍ
بعامل لفظي ،جمر ٌد عن العوامل اللفظية. املبتدأ :كل اس ٍم مل يسبق
العوامل :مجع عامل ،والعامل كل ما يعمل ،كل ما يعمل الرفع ،أو النصب ،أو اجلر ،أو
اجلزم ،فريفع ،أو ينصب ،أو جير ،أو جيزم ،هذا نسميه عامل .طيب ،هذا من حيث التعريف.
حرصا؟
ا طيب ،من حيث احلرص ما العوامل
الشيخ /سليمان العيوني 197
العوامل ثالثة:
قلنا :أول العوامل األفعال ،األفعال كلها عوامل؛ ألهنا ترفع فاعلها ،إذن ترفع ،وقد ترفع
الفاعل وتنصب املفعول به ،ترفع وتنصب ،فهي عوامل كلها.
قلنا :احلروف العاملة؛ ألن احلروف بعضها عاملة ،وبعضها هاملة مهملة ليس هلا عمل،
والتفريق بني احلروف العاملة واهلاملة سهل؛ ألن احلروف العاملة هي التي تدرس يف النحو،
أي حرف عامل ،أي حرف له عمل ال بد أن ندرسه يف النحو؛ لكي نعرف عمله ،واحلروف
اهلاملة ال تدرس ،فحروف اجلر هلا باب من احلروف العاملة ،إن وأخواهتا هلا باب هذه عاملة؛
ألهنا تعمل ترفع تنصب وترف ،وحروف اجلر جتر ،وهكذا.
احلروف اهلاملة كثرية :هي احلروف التي مل يذكر يف النحو أهنا ترفع أن تنصب ،أو جتر ،أو
جتزم ،ا
مثال حرف االستفهام (هل واهلمزة) يعمالن أو ال يعمالن شيئاا؟ ال يعمالن ،غري عوامل.
طيب( ،إن الرشطية) حرف ،و(إذ ما الرشطية) حرف عىل الصحيح ،طيب حرف عامل َّ
وال
هامل؟
لكن (قد) حرف عامل أو هامل و(نعم) وحروف اجلواب (ال ،وأجل ،وبىل)؟
حروف هاملة و(كال) حرف زجر هامل ،و(تاء التأنيث) حرف هامل ،وهكذا.
هو االسم إذا وقع مضا افا؛ ألنه جير املضاف إليه ،فقد عمل اجلر.
األفعال كلها.
واحلروف العاملة.
واالسم الواقع مضا افا.
ونحن نقول يف تعريف املبتدأ :هو االسم املجرد عن العوامل اللفظية؛ يعني كل اس ٍم مل
بحرف عامل ،وال بمضاف فهو مبتدأ ،فاملبتدأ سهل ،فإذا وجدت املبتدأٍ ٍ
بفعل ،وال يسبق
فابحث عن خربه ،نقول( :اَّلل ربنا)( ،اَّلل) واضح أنه جمرد عن العوامل اللفظية وهو مبتدأ،
وأخربنا عنه بأنه (ربنا)ُ( ،ممدٌ رسولنا) واضح( ،يف الدار ُممدٌ ) (يف) حرف جر ،املبتدأ ال
ا
مبتدأ؛ ألنه مسبوق بحرف اجلر اسَم ،ما يكون ا
فعال وال حر افا ،طيب (الدار) ال يكون يكون إال ا
(يف) (يف الدار) ،طيب ،و(ُممدٌ ) صار جمر ادا أو مسبو اقا؟ صار جمر ادا؛ ألن حرف اجلر (يف) َّ
جر
ا
مبتدأ ،فنبحث عن خربه ،أخربنا عن (الدار) وانتهى عمله (يف الدار) فصار (ُممدٌ ) جمر ادا فصار
ٌ
مبتدأ مؤخر. ٍ
(ُممد) بأنه (يف الدار) ،إذن (يف الدار) خرب مقدم ،و(ُممد)
ا
مبتدأ ،و(ُممدٌ ) اسم لكن ٍ
ماض ،الفعل ال يكون (جاء ُممدٌ يده عىل رأسه)( ،جاء) ٌ
فعل
ا
مبتدأ ،هذا فاعل (جاء ُممدٌ ) ،و(يده) اسم جمرد أو مسبوق؟ جمرد؛ ألن مسبوق بفعل ،ما يكون
ا
مبتدأ؛ ألن اسم جمرد، جاء تطلب ا
فاعال ،وقد رفعت فاعلها( ،جاء ُممدٌ ) فصارت (يده)
فنبحث عن خربه ،أخربنا عن (يده) بأهنا (عىل رأسه) ،اخلرب (عىل رأسه).
فإن قلت( :يده عىل رأسه) (يده) مبتدأ ،و(عىل رأسه) خرب ،وهذه مجلة اسمية داخل مجلة
كربى (جاء ُممدٌ يده عىل رأسه).
الشيخ /سليمان العيوني 199
طيبُ( ،ممدٌ يده سخي ٌة) (ُممدٌ مبتدأ ألنه جمرد عن العوامل اللفظية .طيب (يده) ننظر هل
يده خرب عن (ُممد)؟ هل أخربت عن (ُممد) بأنه يده؟ ال.
ونبحث عن خرب (اليد) (يده) ماذا؟ (سخي ٌة)( ،سخي ٌة) خرب (يده) ،طيب (يده سخي ٌة) هذه
خرب ل(ُممد) وهذا يسمى تكرار املبتدأ ،أو تعدد املبتدآت ،وهذا الذي يقال فيهُ( :ممدٌ )
اجلملة ٌ
200 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
وتقول( :جاء الذي يده سخي ٌة) (جاء الذي)( ،جاء) فعل ،و(الذي) اسم ،لكنه فاعل
ا
مبتدأ. عرفنا؛ ألنه مسبوق بفعل ال يكون
طيب( ،جاء) رفع فاعله وانتهى ،فَم إعراب يده يف (جاء الذي يده سخي ٌة)؟
مبتدأ ،وخرب (يده) (سخي ٌة) ،و(يده سخي ٌة) مجلة اسمية وقعت بعد املوصول ،وعرفنا يف
باب املوصول أهنا صلة املوصول ،وصلة املوصول من اجلمل التي ليس هلا ٌّ
ُمل من اإلعراب،
نقول :صلة املوصول ال ُمل هلا من اإلعراب.
إذن يمكن أن نستثني اجلملة الواقعة بعد االسم املوصول من القاعدة السابقة يف إعراب
اجلمل ،فاجلمل إذا وقعت بعد املوصول ،فهي صل ٌة للموصول ال ُمل هلا من اإلعراب.
تقول( :هذا ٌ
رجل أبوه عمي) فهذا اسم إشارة جمرد عن العوامل اللفظية فهو مبتدأ ،وأخربنا
اسم جمر ٌد أم مسبوق ٌ
ف(رجل) خرب مرفوع وعالمة رفعه الضمة ،و(أبوه) ٌ ٌ
(رجل)، عنه بأنه
ا
مبتدأ وحيتاج إىل خرب ،فأخربنا عن أبوه بأنه (عمي) بعامل عىل ذلك؟ صار جمر ادا ،فصار
ف(عمي) خرب (أبوه)( ،أبوه عمي).
طيب ،ومجلة (أبوه عمي) هذه اجلملة االسمية وقعت بعد نكرة أم معرفة؟
مضاف إليه.
ٌ
مضاف إليه.
ٌ وإعراب (الياء) يف (عمي)
الشيخ /سليمان العيوني 201
ال.
طيب ،وتقول ،أو قال تعاىل﴿ :إِ َّياك ن ْعبد [الفاحتة﴿ ]5:إِ َّياك هذا اسم ضمري وقع يف
ا
مبتدأ؟ أول اجلملة ،فهل يكون
اجلواب :ال؛ ألنه ضمري نصب ،ضمري نصب؛ يعني أن ﴿إِ َّياك كقولك يف الظاهر:
(ُممدا ا) ،ضمري الرفع يعني كقولك يف الظاهرُ( :ممدٌ ) ،وضمري اجلر يعني كقولك يف الظاهر:
ا
مبتدأ؟ (ُممد) ،ف﴿إِ َّياك ضمري نصب؛ يعني كقولكُ( :ممدا ا) ،هل (ُممدا ا) بالنصب يقع ٍ
ا
مبتدأ ،هذا ال بد أن تعربه نص ابا ،هذا مفعول به مقدَّ م ﴿ن ْعبد ثم تقدم ال ،إذن ﴿إِ َّياك ال يقع
الضمري.
ٌ
مسبوق أم جمر ٌد؟ حارض؟) (هل) حرف استفهام ،و(ُممدٌ ) اسم
ٌ طيب ،لو قلنا( :هل ُممدٌ
حرف هامل.
ٌ حارض ،و(هل)
ٌ جمرد فهو مبتدأ ،وخربه
حارض؟) (هل) حرف استفهام هامل ،انتهينا منه ،و(من) حرف جر؛
ٌ ٍ
طالب طيب (هل من
يعني عامل أو هامل؟
عامل.
202 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
طالب
ٌ جر زائد؛ ألنك تقول( :هل
حارض) فهو ٍّ
ٌ ٍ
طالب (من) يف هذا املثال (هل ِمن
وأما ِ
حارض؟) والزائد كاملعدوم من حيث اإلعراب ،أما من حيث املعنى فمعناه التأكيد من أدوات
ٌ
التأكيد.
ٍ
بعامل غري حقيقي؟ ٍ
حينئذ مسبو اقا بعامل حقيقي ،أو مسبوق ٍ
ف(طالب) بعده هل يكون
يعني يف اللفظ هو عامل ،لكن يف احلقيقة هو زائد كأنه معدوم ،نعم هو كذلك؛ فلهذا يبقى
و(حارض) هو اخلرب ،وهكذا. ا
مبتدأ ،وسيأيت إعرابه ،أو كيفية إعرابه بعد قليل،
ٌ
أيضا يف تعريف املبتدأ:
ومما ينبه إليه ا
أننا قلنا :أن املبتدأ هو االسم ،ومل يقيده ،فمعنى ذلك أن األسَمء ا
إمجاال كلها يمكن أن تقع
حيا كجميع ما
اسَم رص ا ا
مبتدأ ،كَم رأيتم (علم ،أو إشارة ،أو موصول ،أو غري ذلك ،أو كان ا
مصدري وصلته. مؤو اال؛ يعني يتكون من حرف ِ
ٍّ اسَم َّ
ذكر ،أو ا
واحلروف املصدرية:
(أن
إيل)ْ ،
(أن) واسمها وخربها ،كأن تقول( :أن جتتهد أحب ن
(أن) والفعل بعدها ،أو َّ
ْ
حرف مصدري ناصب للمضارع ،و(لتجتهد) وحدها ٌ
فعل ٌ (أن) وحدها حرف،
جتتهد)ْ ،
ف(أن) حرف ،وجتتهد)
ْ مضارع ،وفاعل جتتهد) مسترت تقديره أنت ،الفاعل وحده اسم ،إذن
الشيخ /سليمان العيوني 203
(أن
(أن جتتهد) كلها م اعا؛ يعني (أن) وصلتها( ،أن جتتهد) كلها اسمْ ،
فعل ،والفاعل اسم ،لكن ْ
(خري). ٌ
مبتدأ ،واخلرب مؤول يعامل معاملة الرصيح ،فيقع
جتتهد) نقول :هذا اسم َّ
ٌ
خري لك)؟
فإذا سئت أين اخلرب يف قولك( :أن جتتهد ٌ
فاجلواب :اخلرب هو (أن جتتهد) ،هذا االسم املؤول ،وال نقول كَم يظن بعض الطالب :أن
رصح به، ا
املبتدأ هو ما يقابله من األسَمء الرصحية وهو اجتهادك ،ال اجتهادك يكون مبتدأ لو ي
ً
مؤوال خري لك) نقول( :اجتهادك) مبتدأ( ،وخري) خرب ،لكن إن أتيت باالسم
(فإن اجتهادك ٌ
(أن جتتهد) فاخلرب هو هذا االسم املؤول.
ا
مبتدأ فاملبتدأ هو هذا االسم املؤول ،ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :وأ ْن آسف ،إن أتيت باالسم
يشء مجيل) ،وتقول( :من األدب أن
ٌ تصوموا خ ْ ٌري [البقرة ،]184:وتقول( :أن تتصدق
ختفض صوتك عند والديك) (من األدب أن ختفض) ِ
(من) حرف جر ،و(األدب) اسم جمرور
(أن ختفض) اسم ،أليس كذلك؟ اسم.
ب(من)ْ ،
مبتدأ ،النطباق التعريف عليه ،واخلرب مقدم وهو من األدب؛ يعني أن ختفض صوتك عند
والديك من األدب ،خفضك صوتك عند والديك من األدب.
أن الطالب خيفض صوته عند أستاذه) ،ف(من) حرف جر، وإذا قلت( :من األدب َّ
و(أن) هذا حرف مصدري ،و(الطالب) اسمها ،ومجلة (خيفض
َّ و(األدب) اسم جمرور ِ
بمن،
204 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
اكن؟) (أين) هذا اسم زمان يدل عىل الظرفية؛ يعني ظرف مكان،
أن تقول( :أين خالدٌ س ٌ
ساكن ،ف(خالدٌ ) مبتدأ،
ٌ ا
مبتدأ ،واخلرب و(خالدٌ ) عىل ذلك جمرد أم مسبوق؟ جمرد فيكون
و(ساكن) خرب ،و(أين) ظرف مكان مقدَّ م وجو ابا.
ٌ
طيب ،األساليب كثرية لكن نتجاوز بعضها ،وسيأيت بعض هذه األساليب ،وبعض هذه
املواضع فيَم سيذكره ابن هشام -ر ِمحه اَّلل تعاىل-من تقديم اخلرب ،وتأخري املبتدأ ،ومن حيث
ويشء من
ٌ أيضا يف أساليب املبتدأ واخلرب ،فهذا يف تعريف املبتدأ
املبتدأ واخلرب ،هذه كلها داخلة ا
أسالبه وأمثلته ،ورأيتم أن مجيع هذا األمثلة داخل ٌة يف التعريف ،فمن أتقن التعريف سهل عليه
استخراج املبتدأ ،ومن استخرج املبتدأ سهل عليه استخراج خربه.
أما املسائل العرش التي ذكرها ابن هشام –ر ِمحه اَّلل تعاىل -يف هذا الباب:
فأوهلا :حكم املبتدأ واخلرب.
ويف ذلك يقول ابن هشام -ر ِمحه اَّلل" :-باب املْ ْبتدأ و ْ
اخلرب مرفوعان"
هذا بيان للحكم اإلعراِب ،فاملبتدأ حكمه الرفع ،واخلرب حكمه الرفع ،ودرسنا يف باب
وخرب مرفوع ،وإن كانا ٌ
مبتدأ مرفوع، املعرب واملبني أن املبتدأ واخلرب إذا كانا معربني قيل:
ٌ
مبنيني ،قيل :مبتدأ ويف ُمل رفع ،وخربه يف ُمل رفع فال نعيد ذلك.
الشيخ /سليمان العيوني 205
جر زائد ،قد جير لف اظا؛ يعني فقط يف اللفظ؛ لكنه يبقى يف
جير لفظا بحرف ٍّ
أن املبتدأ قد ُّ
ٍ
رجل يف البيت؟) ،واملعنى (هل رجل يف البيت) ف(من) زائدة، ا
مبتدأ نحو (هل من اإلعراب
حارض؟) ،قال تعاىل﴿ :ه ْل ِم ْن خالِ ٍق غ ْري
ٌ طالب
ٌ حارض) يعني (هل
ٌ ٍ
طالب (هل من
خالق غري اَّلل؟) ،وتقول العرب( :بحسبك
ٌ اَّللَِّ [فاطر ]3:املعنى اللغوي واَّلل أعلم (هل
درهم).
ٌ درهم) (كافيك
ٌ درهم) يعني (حسبك
ٌ
ٍ
فإن سألت :كيف نعرب املبتدأ حينئذ إذا كان مسبو اقا بحرف ٍّ
جر زائد؟
فالقاعدة تقول:
حرف اجلر الزائد يغري اللفظ ،ولكنه ال يغري اإلعراب ،يغري اللفظ فيجر االسم بعده؛ لكن
ا
مفعوال به ،وهكذا؛ ا
مبتدأ ،واملفعول به يبقى ال يغري إعرابه ،الفاعل يبقى ا
فاعال ،واملبتدأ يبقى
ألن حرف اجلر الزائد قد يدخل عىل أشياء كثرية ،فإذا دخل عىل املبتدأ كَم هنا ،فقلت( :هل من
ا
مبتدأ ما نقول :اسم جمرور ٍ
(طالب) ٍ
طالب يف املدرسة؟) قلنا: حارض؟) أو (هل من ٍ
طالب
ٌ
ُمال ،جمرور لف اظا ِ
بمن الزائدة ،أو بحرف اجلر الزائد. نقول :مبتدأ مرفوع ً
ٍ
رجل؟) نقول: وكذلك لو دخل عىل الفاعل ،فقلت :هل جاء رجل) فاعل( ،فهل جاء من
جمرور لف اظا بمن الزائدة. مرفوع ً
ُمال ٍ
و(رجل) فاعل ِ
(من) حرف جر زائد،
ٌ ٌ
ٍ
(أحد) مفعول به وكقولك( :هل أكرمت أحدا ا) مفعول به( ،هل أكرمت من ٍ
أحد)
ُمال ،جمرور لف اظا.
منصوب ً
ٌ
ا
(بخيال) خرب ليس منصوب ،ثم تزيد (الباء) فتقول( :ليس زيدٌ ا
بخيال) وتقول( :ليس زيدٌ
ُمال ،جمرور لف اظا. ٍ
و(بخيل) تقول :خرب ليس منصوب ً ٍ
ببخيل) فتقول( :الباء) حرف جر زائد،
206 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ا
وكيال ،ف(الباء) ومن ذلك :قوله تعاىل﴿ :وكفى بِاَّللَِّ وكِ ايال [النساء]81:؛ أي كفى اَّلل
ُمال ،جمرو ٌر لف اظا بجرف اجلر الزائد.
حرف جر زائد ،واالسم اجلليل فاعل مرفوع ً
نتوقف هنا ،ونكمل إن شاء اَّلل بعد الصالة ،واَّلل أعلم ،وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ُممد
وعىل آله وأصحابه أمجعني.
احلمد َّلل رب العاملني ،والصالة والسالم عىل نبينا ُممد وعىل آله وأصحابه أمجعني.
أما بعد:
فنكمل املسائل العرش التي ذكرها ابن هشام -ر ِمحه اَّلل تعاىل -يف باب املبتدأ واخلرب ،فذكرنا
املسألة األوىل ،وكانت يف حكم املبتدأ واخلرب.
فاألصل يف املبتدأ :أن يكون معرفة؛ ألن املبتدأ يف املعنى ُمكو ٌم عليه باخلرب ،وإذا قلت:
ٍ
(ُممد) بالكرم ،واحلكم ال يكون له فائدة إال إذا وقع كريم) فقد أخربت وحكمت عىل (ُممدٌ
ٌ
كريم) تريد أن (كريم) خرب عن (رجل)؛ ألنه ال
ٌ ٌ
(رجل عىل معلوم؛ يعني ال يصح أن تقول:
فائدة من ذلك؛ ألنه معلوم أن الدنيا فيها رجل كريم.
ال فائدة؛ فلهذا األصل أن املبتدأ ال يقع نكرة؛ ألن املبتدأ ُمكو ٌم عليه ،وإنَم حيكم عىل
معرفة.
ولكن جيوز وقوع املبتدأ نكرة يف مواضع ذكر ابن هشام منها هنا باألمثلة أربعة مواضع:
ا
مبتدأ بنفي جاز أن تقع
املوضع األول :إذا تلت النكرة نف ايا ،النكرة إذا سبقت ٍ
(ناجح) خربه.
ٌ ٌ
(مهمل) مبتدأ، ناجح)( ،ما) حرف نفي،
ٌ ٌ
مهمل كقولك( :ما
ٍ
رجل يف الدار. ومثال ابن هشام( :ما ٌ
رجل يف الدار) أخرب ،أو نفى وجود
استفهاما ،إذا
ا املوقع الثان أو املوضع الثان لوقوع املبتدأ نكرة :إذا تلت النكرة
ا
مبتدأ ،كقولك( :هل طالب يف القاعة؟)؛ يعني سبقت النكرة باستفهام جاز أن تقع
(طالب يف
ٌ لوال االستفهام لوجب أن تقول( :الطالب يف القاعة) ،لو نكَّرت قلت:
طالب يف
ٌ القاعة) مل جيز؛ لعدم الفائدة ،إال إن سبِقت بنفي أو استفهام ،فتقول( :ما
طالب يف القاعة؟) فتتم الفائدة ،فيجوز االبتداء بالنكرة ،وتقول:
ٌ القاعة) أو (هل
(أزائر عندك؟)( ،فزائر) مبتدأ ،و(عندك) خرب.
ٌ
ومثال ابن هشام قوله تعاىل﴿ :أإل ٌه مع اَّللَِّ [النمل﴿ ]60:أإل ٌه مبتدأ ،و﴿مع
اَّللَِّ خربه.
208 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
كريم
ٌ ٌ
(رجل واملوضع الثالث لوقوع املبتدأ نكرة :إذا و ِصفت النكرة كأن تقول:
(كريم) صفته نعته ،طيب ما بال هذا (الرجل الكريم)
ٌ ٌ
(رجل) مبتدأ، يف املجلس)،
ما اخلرب؟ (يف املجلس).
(طالب جمتهدٌ )
ٌ ف(خري) هو اخلرب ،ومبتدؤه
ٌ خري من طال ٍ
ب مهمل)، (طالب جمتهد ٌ
ٌ
قليل يكفي) ٌ
(مال) ٌ
حالل ٌ ووصف ،تقولٌ :
(مال ِ صح وقوعه نكرة؛ ألنه ن ِعت
قليل) نعتان يكفي اخلرب. ٌ
(حالل ٌ مبتدأ،
رش ٍك [البقرة]221:
وشاهد ابن هشام يف قوله تعاىل﴿ :ولع ْبدٌ م ْؤ ِم ٌن خ ْ ٌري ِم ْن م ْ ِ
ف﴿خ ْ ٌري هو اخلرب ،واملبتدأ ﴿ع ْبدٌ ألنه ن ِعت بقوله﴿ :م ْؤ ِم ٌن .
ٍ
نكرة أخرى ،نحو واملوضع الرابع لوقوع املبتدأ نكرة :إذا كانت النكرة مضافة إىل
ف(خري) اخلرب ،واملبتدأ (طالب علمٍ) ،جاز (طالب عل ٍم خري من طالب ٍ
مال)،
ٌ ٌ
االبتداء بكلمة (طالب) مع أهنا نكرة إلضافتها إىل نكرة.
وشاهد ابن هشام :حديث «مخْس صلو ٍ
ات» ما باهلن؟ «كتبه َّن اَّلل» «مخْس» أضيفت
ٍ
صلوات» فصح االبتداء هبا. إىل «
oواملوضع السادس :أن يتعلق بالنكرة شبه مجلة ،أن يأيت بعد النكرة شبه مجلة ،شبه
خربا عن املبتدأ ،بل متعلق ٌة باملبتدأ قبل اخلرب ،كأن تقول:
اجلملة هذه ليست ا
و(مطلوب) خرب ،وصح االبتداء
ٌ مطلوب) و(تشجيع) مبتدأ،
ٌ (تشجيع عىل اخلري
ٌ
وف صدقة» حديث ،تقول: بالنكرة لتعلق شبه اجلملة هبا ،وتقول« :أمر بمعر ٍ
ٌْ
(دعاء يف السحر أقوى أسلحة املؤمن) وهكذا.
ٌ
فهذه ست مواضع االبتداء بالنكرة ،وقد أوصل بعض النحويني مسوغات االبتداء بالنكرة
كابن عقيل يف َشحه عىل األلفية إىل أربعني مسو اغا ،وبعضهم إىل أكثر من ذلك.
-إىل التعميم.
فقال:
"ويقع ا ْمل ْبتدأ نكر اة إِن ع َّم أو خص"
وبعضهم كسيبويه وابن مالك أعادوا كل هذه املواضع إىل موض ٍع واحد ،وهو اإلفادة ،فإذا
أفاد االبتداء بالنكرة جاز ،وإذا مل ِيفد مل جيز.
يعني إذا أفادت جاز االبتداء هبا؛ وهلذا جتد يف كالم العرب مواضع من االبتداء بالنكرة ال
ٌ
(ضعيف عاد بقرملة)، خري من جرادة) ،وكقوهلم:
تدخل يف هذه الستة ،كقوهلم( :متر ٌة ٌ
210 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ولو تأملنا يف املواضع الستة السابقة :لوجدنا أهنا تعود إىل الفائدة ،أو تعود إىل التعميم ،أو
إىل التخصيص.
-ففي املوضع األول والثان :إذا سبِقت بنفي ،أو سبِقت باستفهام النكرة هنا تعود إىل
التعميم؛ وهلذا يقولون ،يقول األصوليون :النكرة يف سياق النفي واالستفهام تعم.
ٍ
رجل بخيل) ،أو خري من ٌ -ويف املوضع الثالث والرابع :إذا ِ
(رجل كريمٌ ، وصفت النكرة
خري من طالب مال) هذا يعود إىل التخصيص،
إذا أضيفت إىل نكرة (طالب علم ٌ
خصصت بالوصف أو خ يصصت باإلضافة.
ثم ننتقل إىل املسألة الثالثة التي ذكرها ابن هشام ،وهي نوعا اخلرب:
اسَم ،وهذا سبق َشحه يف التعريف ،وأما اخلرب فأوسع املبتدأ كَم سبق يف تعريفه ال يكون إال ا
ٍ
مفرد ومجلة ،واخلرب إما مفرد وإما مجلة. من املبتدأ؛ ألنه عىل نوعني:
فالنوع األول من أنواع اخلرب هو اخلرب املفرد :وابن هشام ما ذكره ،ربَم ألنه األصل ،أو ألنه
م َّثل له من قبل ب(اَّلل ربنا) واكتفى بذلك.
فاجلواب :املراد باملفرد هنا خالف اجلملة؛ ألننا قابلناه باجلملة مفر ٌد ومجلة.
الشيخ /سليمان العيوني 211
فإذا قلت :االسم مفر ٌد ومثنًى ومجع :فاملراد باملفرد هنا ما ليس مثنًى وال مج اعا ،و(ُممد)
مفرد ،و(ُممدان) و(ُممدون) ليسا بمفرد.
وإذا قلت :اخلرب نوعان :مفر ٌد ومجلة ،فاملراد باملفرد هنا ما ليس مجلة ،اجلملة معروفة اسمية
مبتدأ وخرب ،وفعلية فعل وفاعل ،إذن ما ليس بجملة ،فإنه يدخل يف اخلرب هنا ،يدخل يف املفرد
هنا.
وإذا قلت :اسم ال النافية للجنس إن كان مفر ادا بنِي عىل الفتح ،وإذا كان غري مفرد ،وإذا
شبيها باملضاف ن ِصب ،وإذا كان مفر ادا كقولك( :ال رجل يفكان مركب ،وإذا كان مضا افا أو ا
شبيها باملضاف
ا الدار) أو (ال رجال يف الدار) ،أو (ال رجلني يف الدار) ،وإذا كان مضا افا أو
ن ِصب كقولك( :ال طالب عل ٍم مذموم) ،أو (ال ا
مجيال وجهه مذموم).
(كريم)
ٌ يم)
أما هنا يف مسألتنا :فاملراد باملفرد ما ليس مجلة ،فلهذا يدخل فيه قولنا( :زيدٌ كر ٌ
خرب مفرد ،طيب (زيدٌ صديق ٍ
ُممد) أخربنا عن (زيد) بأنه (صديق ُممد).
ال.
ال ،هذا مضاف ومضاف إليه ،إذن نقول :مفرد هنا( ،صديق) خرب ،وهو مضاف ،و(ُممد)
مضاف إليه.
ِ
املسجد) خرب ،مضاف ومضاف إليه، وكذلك (ُممدٌ إمام املسجد)ُ( ،ممدٌ ) مبتدأ( ،إمام
نقول :هذا خرب مفرد.
وكذلك لو قلتُ( :ممدٌ الفائز باجلائزة) ،ف(ُممدٌ ) مبتدأ ،واخلرب (الفائز باجلائزة) هذا
خرب مفرد؛ ألنه ليس مجلة.
وإذا قلتُ( :ممدٌ الذي سافر)ُ( ،ممدٌ ) مبتدأ ،واخلرب (الذي سافر).
ال( ،الذي) هذا اسم موصول وهو خرب ،و(سافر) مجلة فعلية صلة املوصول ،يعني (الذي
ا
وفاعال ،ليس مجلة ،نقول :هذا خرب مفرد. وخربا ،وال ا
فعال ا
مبتدأ سافر) ليس
ا
وشاعر) خرب
ٌ كاتب
وشاعر) ف(ُممد) مبتدأ ،واخلرب ( ٌ
ٌ كاتب
ٌ وكذلك لو قلتُ( :ممدٌ
و(شاعر) عطف عليه ،وهكذا.
ٌ (كاتب خرب)
ٌ مفرد؛ ألنه ليس مجلة
(مسافر أبوه).
ٌ مسافر أبوه) ف(ُممدٌ ) مبتدأ ،واخلرب
ٌ وأما إذا قلناُ( :ممدٌ
(مسافر) و(أبوه)
ٌ اجلواب :حيتمل األمرين عىل حسب اإلعراب ،فيجوز أن جتعل اخلرب
(مسافر) عىل معنى (مسافر أبوه)؛ ألن اسم الفاعل كَم سيأتينا يف
ٌ فاعل مرفوع باسم الفاعل
ف(مسافر) خرب ،و(أبوه) فاعله ،إذن صار مفر ادا ،ألنه ليس
ٌ [قطر الندى] يعمل عمل الفعل،
ٍ
بفعل وفاعل ،وال مبتدأ وخرب.
الشيخ /سليمان العيوني 213
"و ْ
اخلرب مجلة هلا ٌ
رابط"
ٌ
عطف عىل قوله" :ويقع املبتدأ نكر اة" يعني يقع املبتدأ يعني ويقع اخلرب مجل اة هلا ٌ
رابط ،وهذا
نكر اة ويقع اخلرب مجل اة ،ف(مجل اة) حال ،واخلرب هذا معطوف عىل الفاعل السابق ،و(مجل اة) حال،
و(هلا) (الالم) حرف جر ،و(هلا) ضمري مسبوق بحرف جر؛ يعني يف ُمل جر ،فحرف اجلر هنا
استوىف عمله وجر الضمري.
ٌ
و(رابط) اسم مسبوق بعامل ،أو جمرد؟
جمر.
ٌ
(رابط)؟ فَمذا يكون إعراب
مبتدأ.
سواء
ٌ طيب ،إذن فالنوع الثان من نوعي اخلرب :أن يكون اخلرب مجل اة ،يقال :اخلرب اجلملة،
أكانت اجلملة مجل اة فعلية نحو (اَّلل يرمحنا) ،أو (اَّلل يرحم عباده) ،أو (العلم ينفع صاحبه) ،أو
ضمري مسترت،
ٌ (ُممدٌ قام) ،فاخلرب يف (ُممدٌ قام) هو مجلة (قام)؛ ألن (قام) ٌ
فعل ظاهر ،وفاعله
ٍ
وفاعل مسترت. فصار اخلرب مكوناا من ٍ
فعل وظاهر
كريم)
ٌ كبري)ُ( ،ممدٌ أخوه
عظيم)( ،العلم نفعه ٌ
ٌ أو كانت اجلملة مجل اة اسمية نحو (اَّلل شأنه
وهكذا.
مفرد.
ومجلة.
نفهم من ذلك أن اخلرب ال يقع شبه مجلة ،وسيأيت الكالم عىل وقوع اخلرب يف الظاهر شبه
مجلة ،وليس هو يف احلقيقة خرب.
ملا ذكر ابن هشام أن النوع الثان من نوعي اخلرب هو اخلرب اجلملة ذكر أنه يشرتط يف اجلملة
خربا أن يكون فيها رابط ،قال" :هلا رابط".
الواقعة ا
ما هذا الرابط الذي يربط اجلملة ،مجلة اخلرب باملبتدأ؟
ٍ
إشارة إليه ،أو هو أن تعيد املبتدأ يف اخلرب ،أن تعيد املبتدأ يف مجلة اخلرب ،إما بضمريه ،أو باسم
بتكرير لفظه يف اخلرب ،أو بوجود اس ٍم عا ٍّم يف اخلرب يشمل املبتدأ وغريه.
رابط ك(زيد أبوه قائِم) ،و﴿ولِباس ال َّت ْقوى ذلِك خ ْ ٌري [األعرافْ ،]26:
﴿احلا َّقة * "هلا ٌ
ما ْ
احلا َّقة [احلاقة ]2:1و(زيد نعم الرجل)"
ومثال ابن هشام الثان﴿ :ولِباس ال َّت ْقوى ذلِك خ ْ ٌري [األعراف﴿ ،]26:لِباس ال َّت ْقوى
ثان ،و﴿خ ْ ٌري خرب ﴿ذلِك ،ومجلة ﴿ذلِك خ ْ ٌري خرب املبتدأ األول، مبتدأ ٍ
ٌ مبتدأ ،و﴿ذلِك
ٍ
إشارة يف اخلرب يشري إىل املبتدأ. الرابط هنا اسم
تقول( :الصرب عىل الشدائد هذا من صفات املؤمن) (الصرب عىل الشدائد) مبتدأ ،وهذا مبتدأ
ٍ
ثان ،و(من صفات املؤمن) خرب (هذا) ،و(هذا من صفات املؤمن) مجلة اسمية خرب املبتدأ
األول.
يريد أن الرابط يف مجلة اخلرب ال يشرتط يف نحو ذلك ،ويقصد بذلك أن اخلرب ،أن مجلة اخلرب
إذا كانت هي املبتدأ فال حتتاج إىل رابط ،إذا كانت مجلة اخلرب هي نفس املبتدأ ،فال حتتاج إىل
رابط.
فيها ومن ذلك﴿ :ق ْل هو اَّللَّ أحدٌ [اإلخالص﴿ ،]1:ق ْل فعل أمر﴿ ،هو اَّللَّ أحدٌ
خالف يف إعراهبا ،ومن أشهر األعاريب التي قيلت فيها أن ﴿هو يف اآلية ضمري شأن يعود إىل
السالم ،-فهو بمعنى الشأن واألمر الذي كنتم سألتم ِ
الصالة و َّ
ما سألت عنه قريش النبي -عل ْيه َّ
الشيخ /سليمان العيوني 217
"ثم انتقل ابن هشام إىل املسألة التالية وهي "وقوع اخلرب يف الظاهر شبه مجلة"
ْ
﴿احل ْمد َّللَِّ وجمرورا ك
ا وجارا
ً الركْب أ ْسفل ِمنْك ْم [األنفال]42:
"وظرفا منْصو ابا نحو ﴿و َّ
بمستقر أو استقر ُمذوفتني"
ٍّ ر يب ا ْلعاملِني [يونس ]10:وتعلقهَم
وجمرورا"
ا "ويقع اخلرب ظر افا منصو ابا و ً
جارا
عطف ٍ
ثان عىل قوله" :يقع املبتدأ نكرةا ،ويقع اخلرب ظر افا منصو ابا" فظر افا حال. ٌ إذن فهو
ذكر -ر ِمحه اَّلل تعاىل -أن اخلرب يف الظاهر قد يقع شبه مجلة ،واملراد بشبه اجلملة :اجلار
واملجرور ،وظرف الزمان وظرف املكان ،كقولكُ( :ممدٌ يف البيت) ،ف(ُممدٌ ) مبتدأ ،وأخربنا
عنه يف الظاهر بأنه يف البيت.
ٍ
ُممد يف الظاهر بأنه (فوق السطح) ،وتقول: وتقولُ( :ممدٌ فوق السطح) أخربنا عن
(العيد اليوم) أخربنا عن العيد بأنه اليوم ،وتقول( :السفر غدا ا) أخربنا عن (السفر) بأنه (غدا ا)،
الركْب أ ْسفل
َّلل [يونس ]10:أخربنا عن احلمد بأنه َّلل ،وقال﴿ :و َّ ْ
﴿احل ْمد َِّ قال تعاىل:
ِمنْك ْم [األنفال ]42:وهكذا.
كون عا ٌّم
إال أن اخلرب يف احلقيقة إذا وقع اخلرب يف الظاهر شبه مجلة ،فإن اخلرب يف احلقيقة ٌ
ُمذوف ،وشبه اجلملة متعلق ٌة هبذا الكون العام املحذوف.
ٌ
-إما وجو ٌد مطلق :تريد أن خترب عن مطلق وجود زيد يف املسجد ،تريد أن خترب عن مطلق
وجوده يف املسجد ،هذا كون عام؛ يعني وجود عام ،كون بمعنى وجود ،هذا وجود عام
مطلق.
خاصا؛ يعني عىل صفة معينة ُمددة ،كأن تريد أن خترب عن زيد بأنه
-وإما أن يكون الوجود ً
نائم يف املسجد ،ال تريد أن خترب فقط أنه موجود يف املسجد دون أن خترب بصفته ،ال ،أنت
تريد أن خترب عن صفته اخلاصة وهي النوم ،تقول( :زيدٌ موجود) ،ال( ،زيدٌ نائم يف
املسجد) ،أو تريد أن خترب عن صفة أخرى خاصة مثل الصالة تقول( :زيدٌ يصيل يف
املسجد) ال تريد أن ختربن فقط أنه موجود يف املسجد ،وال ختربن بصفة من صفاته ،ال،
تريد أن ختربن بصفة خاصة من صفاته وهي الصالة( ،زيدٌ يصيل يف املسجد) ،أو (زيدٌ
جالس يف املسجد) ،أو (زيدٌ يدرس يف املسجد) ،تسمى هذه أكوان خاصة؛ يعني صفات
ٌ
خاصة؛ يعني هيأة خاصة من هيئات هذا املوجود يف املسجد.
أما إذا كان غرضك مطلق اإلخبار عن وجوده دون أن خترب بصفة خاصة من صفاته،
فنسميه وجود عام ،أنت ماذا تقصد؟ تريد أن ختربن بمطلق الوجود؟ تريد أن ختربن بصفة من
صفاته ،هذا وجود مطلق ،وجود عام ،كون عام ،أو تريد أن ختربن بصفة خاصة من صفاته،
هذا كون خاص ،وجود خاص.
طيب ،لو حذفت كلمة (نائم) وقلت( :زيدٌ يف املسجد) هل أفهم هذه الصفة اخلاصة؟
أما إذا كان غرضك ومقصدك أن تبني مطلق الوجود ،الوجود العام دون أن تذكر يل صفة
تبني صفة من
من صفاته اخلاصة ،فتقول( :زيدٌ يف املسجد) تعني موجود يف املسجد دون أن ي
صفاته.
فنقول :كلمة (موجود) هذه كون عام؛ يعني ال نفهم إال مطلق الوجود فقط ،إنه موجود،
لكن ما نفهم صفة خاصة من صفاته.
وال جيوز أن ترصح بالكون العام ،ال جيوز أن تقول يف الكالم( :زيدٌ موجو ٌد يف املسجد)
تقول( :زيدٌ يف املسجد).
طيب إذا أردت أن خترب عن وجوده يف البيت تقول( :زيدٌ يف البيت) ما تقول( :موجو ٌد يف
البيت)( ،زيدٌ يف اجلامعة) ما تقول( :موجو ٌد يف اجلامعة) الكون العام جيب أن حيذف.
مثل( :موجود) أو (كائن)( ،كائن) بمعنى (موجود) ،أو (حاصل) ،أو (ثابت) ليس
بمعنى الثبات بعدم التحرك ،وإنَم بمعنى الوجود ،أو (مستقر) ليس مستقر بمعنى عدم
التحرك ،ال ،وإنَم بمعنى الوجود فقط ،مطلق الوجود ،فهذا الفرق بني الوجود العام ،والوجود
اخلاص ،أنت ماذا تريد أن ختربن به ،نقول :الوجود العام ،أو الكون العام ،الوجود اخلاص ،أو
الكون اخلاص.
فإذا قلت( :زيدٌ يف املسجد) فاخلرب يف الظاهر عن زيد هو قولك( :يف املسجد) لكن يف
كون عا ٌّم ُمذوف ،تقديره نحو (زيدٌ موجو ٌد يف املسجد) اخلرب (موجو ٌد) ،و(يف
احلقيقة اخلرب ٌ
نائم يف
املسجد) متعلق هبذا الكون العام املحذوف ،كَم تعلق بالكون اخلاص يف قولك( :زيدٌ ٌ
املسجد) ،إال أن الكون اخلاص جيب أن يذكر ،وال حيذف إال بدليل ،وأما الكون العام فيجب
أن حيذف مع أن شبه اجلملة متعلق ٌة به؛ ألن ذكره (.)39:17
سؤال آخر ،نتأمل يف هذين السؤالني ونجيب عنهَم يف الدرس القادم إن شاء اَّلل ،وسأضطر
خريا ،واَّلل أعلم ،وصىل َّلل وسلم
أن أقف هنا؛ لكيال أتأخر عىل الدرس اآلخر ،وجزاكم اَّلل ا
عىل نبينا ُممد.
الشيخ /سليمان العيوني 221
الدرس السادس
احلمد َّلل رب العاملني ،والصالة والسالم عىل نبينا ُممد ،وعىل آله وأصحابه أمجعني ،أما
بعد...
فسالم اَّلل عليكم ورمحته وبركاته ،وح َّياكم اَّلل وب َّياكم يف هذه الليلة املباركة ،ليلة األربعاء،
ٍ
وأربعَمئة وألف ،ونحن يف جامع منرية التاسع عرش من مجادى اآلخرة ،من سنة تس ٍع وثالثني
شبييل بحي الفالح يف مدينة الرياض ِ
انعقد بحمد اَّلل وتوفيقه الدرس السادس من دروس َشح
الصدى] البن هشام -عليه رمحة اَّلل.- [قطر الندى ي
وبل َّ
ِ
املعارف ،ثم بدأنا بباب املبتدأ واخلرب يف الدرس املايض يا إخوان كنا قد تك َّلمنا عىل بقية
لكننا مل نن ِْه ،ففي هذا الدرس إن شاء اَّلل تعاىل سننهي الكالم عىل [باب املبتدأ واخلرب] ،ونتك َّلم
بإذن اَّلل تعاىل عىل الناسخ األول :وهو كان وأخواهتا.
فن بدأ بإكَمل الكالم عىل (باب املبتدأ واخلرب) وقد توقفنا يف أثناء الكالم عىل وقوع اخلرب
يف الظاهر شبها مجلة ،ويف ذلك قال ابن هشام:
ورا كـ
وجمر ا
وجارا ْ
ا الركْب أ ْسفل ِمنْك ْم [األنفال،]42: نحو﴿ :و َّ"وظ ْر افا منْصو ابا ْ
ُمذوف ْ ِ (مست ٍ ِ
ني". (استق َّر) ْ
قر) أو ْ ﴿احل ْمد َّللَِّ ر يب ا ْلعاملني [الفاحتة ،]2:وتع ُّلقهَم بِـ ْ
ْ
وقد تكون بعض اجلمل يناسبها االسم ،وبعض اجلمل يناسبها الفعل إال أن التقديرين
نصهَم عىل اجلواز.
جائزان ،ومع ذلك اختلف النحويون يف أهيَم أوىل مع ي
اسم مفرد.
ٌ -
-ومجلة.
وقوع يف الظاهر وهو يعود إىل أحد هذين النوعني ،فتقدي ر يف:
ٌ وأما شبه اجلملة فهو
ومستقر يف البيت.
ٌ (ُممدٌ يف البيت)ُ :ممدٌ موجو ٌد يف البيت،
ٌ
حاصل اليوم ،أو يكون ٌ
حادث ،أو كائن ،أو
مستقر أو ٌ
ٌ وإذا قلت( :العيد اليوم)؛ أي العيد
أو حيدث اليوم وهكذا.
اجلواب عن ذلك :أن جعل شبه اجلملة هي اخلرب يمنعه اللفظ واملعنى،
الشيخ /سليمان العيوني 223
-وأما منع املعنى إ َّياه فألن اخلرب هو املعنى يف املعنى؛ ألن اخلرب هو املبتدأ يف املعنى فلهذا
صح أن خت ِرب به عن املبتدأ.
َّ
أما إذا قلتُ( :ممدٌ يف البيت) ،فقولك( :يف البيت) يف تدل عىل الظرفية؛ يعني ظرفية البيت؛
يعني فضاؤه ،خالؤه ،فهل فضاء البيت وخالء البيت هو ُممد؟ طب اعا ال ،فَم يصح أن تقول :إنه
اخلرب؛ ألنه ليس ُممدا ا.
وإذا قلتُ( :ممدٌ فوق السطح) هل هذا املكان الذي هو فوق السطح هو ُممد لكي يصح
أن خترب به عن ُممد؟ ال ،ولكن اخلرب املعنى الذي يقصد إليه العرِب عندما يقولُ( :ممدٌ يف
البيت)؛ يعني ُممد موجود يف هذا اخلالء ،موجود يف فضاء البيت ،موجود يف خالء البيت.
إذا قالُ( :ممدٌ فوق السطح)؛ يعني ُممدٌ موجود يف هذا املكان الذي هو فوق السطح إال
واستمر حذفه ،واضطرد حذفه جرى
َّ كون عام جيب حذفه فلَم وجب حذفه
أن اخلرب كَم قلناٌ :
يف الكالم وجرى يف النفس مثل هذه األمثلة؛ (ُممدٌ يف البيت)ُ( ،ممدٌ يف املسجد) حتى وقع يف
النفس أن شبه اجلملة هي اخلرب ،وإال فإن املعنى ليس عىل ذلك كَم َشحنا قبل قليل.
224 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
بالتجوز يف مثل هذه األمور املعروفة عند الكبار ،وعند العارفني هبذه
ُّ فلهذا ال بأس
األحكام ،إال أنه عند املتع يلمني ال ينبغي ذلك ،بل ينبغي عند املتع يلمني وهلم أن ينص عىل أن
كون عا ٌّم ُمذوف ،وشبه اجلملة متعلق ٌة به حتى يستقر ذلك يف علمهم ،ثم إذا شاءوا بعد
اخلرب ٌ
يتجوز الكبار فال بأس.
َّ يتجوزا كَم
ذلك أن َّ
ثم ننتقل للمسألة التالية؛ ألننا ذكرنا يف أول الكالم عىل (باب املبتدأ واخلرب) أن ابن
هشام -ر ِمحه اَّلل -ذكر يف هذا الباب عرش مسائل ،وهذه املسألة هي املسألة الرابعة.
واآلن ننتقل إىل املسألة اخلامسة ،وهي :اإلخبار بأسَمء الزمان واملكان عن الذوات
واملعان ،قال ابن هشام:
املسألة حتتاج إىل َشحٍ رسيع ،ما معنى قوهلم :ذات أو ذوات ،ومعناى ومعان؟
املراد بالذوات يف اصطالح النحويني :كل ما يدرك باحلواس ،أو بإحدى احلواس اخلمس
ُمسوسا ،أو ج َّث اة ،أو عيناا ،الذي يدرك بالنظر ،أو السمع ،أو الشم ،أو الذوق،
ا فيسمى ذاتاا ،أو
ُمسوسا؛ كزيد والباب.
ا سمى ذاتاا ،أو عيناا ،أو جث اة ،أو
أو اللمس ي َّ
الشيخ /سليمان العيوني 225
فإذا عرفنا ذلك نقول :أما أسَمء املكان فيخرب هبا عن الذوات وعن املعان ،طب اعا خيرب هبا
يعني يف الظاهر كَم عرفنا ،نحو (ُممدٌ يف البيت)( ،العلم عند زيد)ُ ،ممد ذات والعلم معنى،
وأخربنا عنهَم بأسَمء الزمان واملكان ،تقول( :احللم يف القلب) ،و(العلم عند زيد) ،و(الكتاب
أمامك) خت ِرب بأسَمء املكان عن الذوات وعن املعان.
وأما أسَمء الزمان فيخرب هبا عن املعان ،نحوِ :
(احل ْلم عند الغضب) ،و(الصرب يف الشدائد)
تعرف الشدائد هذا زمان ،وأخربت به عن ِ
احل ْلم عن معنى ،وتقول( :الصوم غدا ا) ،و(السفر ِ
ٌ
مبتدأ مؤخر، هذا من كالم العرب ،يقولون( :الليلة اهلالل)؛ يعنون اهلالل الليلة؛ فاهلالل:
ٍ
حينئذ بالزمان خرب مقدَّ م ،فأخرب بالزمان الليلة الذي هو ظرف زمان عن اهلالل ،فأخرب
والليلةٌ :
عن الذات.
متأول)؛ يعني ليس الكالم عىل ظاهره ،والتأويل عىل تقدير اسم معناى
قال ابن هشام( :هذا َّ
ُمذوف ،فمعنى (اهلالل الليلة) يعني ظهور اهلالل الليلة ،وهذا املعنى الذي ِ
يقصد إليه املتك يلم
العرِب ،ال يقصد اهلالل نفسه الليلة ،وإنَم يقصد ظهور اهلالل الليلة ،أو والدة اهلالل الليلة،
كائن الليلة ،ثم قدَّ م اخلرب فقال( :الليلة ِ
اهلالل الليلة) يعني ظهور اهلالل ٌ فأصل الكالم( :ظهور
ِ
اهلالل) ،ثم حذف املضاف فقال( :الليلة اهلالل). ظهور
ٍ
حينئذ إىل خرب، يتك َّلم عىل أن الفاعل ونائب الفاعل قد يغنيان عن اخلرب فال حيتاج املبتدأ
وعىل ذلك نقول :املبتدأ نوعان:
النوع األول :املبتدأ الذي له خرب؛ يعني املبتدأ الذي ِ
تورده لكي خت ِرب عنه بخرب ،وهذا هو
قائم) ،أخربت عن ُممد بأنه قائم.
األكثر يف الباب ،ومجيع األمثلة السابقة عىل ذلك؛ كـ (ُممدٌ ٌ
والنوع الثان من املبتدأ :هو املبتدأ الذي ليس له خرب بل له فاعل أو نائب فاعل سدَّ مسدَّ
اخلرب ،قام مقامه ،وسدَّ مسدَّ ه ،وناب منابه ،فلم تعد هناك حاج ٌة إىل اخلرب.
آهلتِي يا
اغب أنْت عن ِ
ْ
ِ
ومن الشواهد عىل ذلك :قوله -س ْبحانه وتعاىل﴿ :-أر ٌ
أراغب :هذا اسم فاعل بمعنى الفعل ترغب؛ يعني أترغب أنت عن إِب ِ
راهيم [مريم،]46:
ٌ ْ
ب ِ
فحول الفعل ترغب إىل الوصف املأخوذ منه وهو راغب ،فقال﴿ :أراغ ٌ
آهلتي يا إبراهيم؟ َّ
أنْت [مريم ]46:فصارت "أنت" ا
فاعال لراغب سدَّ ت مسدَّ اخلرب.
ومن ذلك قول الشاعر الذي أشار إليه ابن هشام ،وهو قوله:
فعجيب عيش من قطنا
ٌ إن يظعنوا أقاطِ ٌن قوم سلمى أم نـووا ظعنـا
أقاطِ ٌن :اسم فاعل بمعنى قطن؛ كأنه قال( :أقطن قوم سلمى) فلهذا عطف عليه ا
فعال (أم
نووا) لكنه رصف الفعل (قطن) إىل الوصف منه فقال( :أقاطِ ٌن قوم) فصار قوم ا
فاعال يف
احلالني:
سواء قلت :أقطن قوم سلمى.
ا
أم أقاطِ ٌن قوم سلمى.
فقوم :فاعل ،إال أنه مع الفعل يكون مجل اة فعلية فعل وفاعل( ،أقطن قوم سلمى؟) ،أما مع
الوصف( :أقاطِ ٌن قوم) يكون ا
فاعال هلذا الوصف ،فالوصف مبتدأ ،واملرفوع بعده فاعل سدَّ
مسدَّ اخلرب.
ومن ذلك قول الشاعر:
إِذا مل ْ تكونا ِيل عىل م ْن أقـاطِع واف بِع ْهـ ِ
ـدي أ ْنــتَم خلِــييل مــا ٍ
َّ
فواف :اسم فاعل ،وأنتَم :فاعله سدَّ مسدَّ اخلرب؛ ألنٍ واف،(واف) من وىف ي ِفي فهو ٍ ٍ قال:
ٍ
واف اعتمد هنا عىل نفي.
مما جيب التنبيه إليه هنا :أن الوصف املذكور مع املرفوع بعده له ثالث حاالت:
الشيخ /سليمان العيوني 229
قائم
احلالة األوىل :أن يتَّفقا يف اإلفراد؛ يعني الوصف مفرد ومرفوعه مفرد ،نحو( :هل ٌ
ُممدٌ ؟).
واحلالة األخرى :أن يتفقا يف غري اإلفراد يعني يف التثنية أو اجلمع ،نحو( :هل قائَمن
املحمدان؟) ،أو (هل قائمون املحمدون؟).
قائم املحمدون؟).
قائم املحمدان؟) ،و(هل ٌ
واحلالة الثالثة :أن خيتلفا نحو( :هل ٌ
واضحا.
ا تأملنا فيها لوجدنا األمر
فاحلكم خيتلف ،ولو َّ
قائم املحمدون؟) فاملرفوع جيب أن يكون
قائم املحمدان؟) (هل ٌ
-فإذا كان خمتلفني( :هل ٌ
وقائم :مبتدأ ،واملحمدان أو
ٌ ا
فاعال ،والوصف املتقدي م مبتدأ ،فنقول :هل :حرف استفهام،
املحمدون :فاعل سدَّ مسدَّ اخلرب.
وأخرت ما يستقيم الكالم،
ن يصح أن نقول :إنه عىل التقديم والتأخري؛ ألنك لو قدَّ مت
ُّ وال
ما تقول( :هل املحمدون قائم؟) ،و(هل املحمدان قائم؟)؛ ألنه جيب االتفاق يف اإلفراد والتثنية
واجلمع بني املبتدأ واخلرب.
-ويف احلالة األخرى :إذا اتَّفقا يف غري اإلفراد؛ كأن يتَّفقا:
يف التثنية( :هل قائَمن املحمدان؟).
أو يف اجلمع( :هل قائمون املحمدون؟).
فهذا جيب أن يكون الكالم عىل التقديم والتأخري؛ يعني قائَمن :خرب مقدَّ م ،واملحمدان:
مبتدأ مؤخر ،واألصل (هل املحمدان قائَمن؟) ثم قدَّ مت اخلرب ،وكذلك يف اجلمع األصل( :هل
املحمدون قائمون؟) ثم قدَّ مت اخلرب.
وال يصح أن نقول :إن الوصف مبتدأ واملرفوع بعده فاعل ،ملاذا ال يصح؟ ألن الوصف هنا
ِ
عمل عمل فعله ،وما حكم الفعل مع الفاعل من حيث اإلفراد والتثنية واجلمع؟ جيب يف الفعل
230 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ِ
ُممدان) ،أو مج اعا (قام سواء كان الفاعل مفر ادا؛ كــ (قام ُممدٌ ) ،أو مثناى (قام
ٌ التزام اإلفراد،
ُممدون) ،ما تقول( :قاما ُممدان)( ،قاموا ُممدون) إال عىل ٍ
لغة قليلة.
فعىل ذلك جيب أن نقول :يف (القائَمن ُممدان) ،أو يف (القائمون ُممدون) :إهنا عىل التقديم
والتأخري.
قائم ُممدٌ ؟) فهل يصح أن نقدي ر التقديم
-وأما يف احلالة الثالثة :إذا اتَّفقا يف اإلفراد( :هل ٌ
قائم؟) ثم قدَّ منا اخلرب؟ يصح ال مانع ،طب هل يصح أن
والتأخري؟ يعني أن األصل (هل ُممدٌ ٌ
نقول :إن الوصف مبتدأ ،واملرفوع بعده فاعل سدَّ مسدَّ اخلرب ،واملعنى (هل قام ُممدٌ ؟)؟ نعم
يصح.
إذن:
فإذا اتفقا يف اإلفراد جاز الوجهان.
وإذا اتفقا يف غري اإلفراد وجب التقديم والتأخري.
وإذا اختلفا وجب كون املرفوع ا
فاعال سدَّ مسد اخلرب.
قائم ُممدٌ ؟) هذا جائز عند اجلميع وعىل الوجهني ،طيب من آثار ذلك :لو قلنا ا
مثال( :هل ٌ
(قائم ُممدٌ ) هذا جائز ،لكن عىل أي
ٌ (قائم ُممدٌ ) من دون اعتَمد عىل نفي أو استفهام
ٌ لو قلنا:
الوجهني؟ عىل التقديم والتأخري؛ يعني أنه من نوع األول مبتدأ له خرب ،لكن اخلرب تقدَّ م ،وهل
يصح أن يكون من النوع الثان؟ مبتدأ واملرفوع بعده فاعل سدَّ مسدَّ اخلرب؟ ال يصح ،ملاذا مع أن
املبتدأ وصف؟ ألنه مل ِ
يعتمد؛ يعني َّ
اختل الرشط الثان.
(قائم ُممدٌ ) يصح ولكن عىل أنه من النوع األول؛ مبتدأ وخرب إال أن اخلرب تقدَّ م.
ٌ إذن
الشيخ /سليمان العيوني 231
ثم ننتقل إىل املسألة السابعة وهي :تعدُّ د اخلرب ،ويف ذلك يقول ابن هشام -ر ِمحه اَّلل:-
نحو( :وهو الغفور الودود)". "وقدْ يتعدَّ د ْ
اخلرب ْ
نحوي،
ٌّ كاتب،
ٌ شاعر،
ٌ فتك َّلم هنا عىل مسألة تعدُّ د اخلرب َّ
فنص عىل جوازه ،نحو( :زيدٌ
دافع للجهل) ،ويف قوله -س ْبحانه
رافع للمجدٌ ، ٌ زين ألهله، مفرس) ،ويف قولك( :العلم ٌ يٌ
جيد * ف َّع ٌال مل ِا ي ِريد [الربوج.]16-14 :
ش املْ ِ
وتعاىل﴿ :-وهو ا ْلغفور ا ْلودود * ذو ا ْلع ْر ِ
نص ابن هشام يف هذه املسألة عىل اجلواز لوجود اخلالف فيها ،وقد منع ٌ
قليل من وإنَم َّ
النحويني تعدُّ د اخلرب ،قالوا :ال جيوز أن يتعدَّ د اخلرب ،طيب ونحو األمثلة السابقة؟ قالوا :هذا
يصح ،ولكن ليس عىل تعدُّ د اخلرب.
232 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ٌ
ألفاظ يف العربية إذا جاءت املوضع األول :إذا كان اخلرب من األسَمء التي هلا صدارة ،هناك
سمى األلفاظ التي هلا صدارة؛ كأسَمء االستفهام،
يف مجلتها فيجب أن تكون يف أول اجلملة ،ت َّ
وأسَمء الرشط ،نحو( :أين زيدٌ ؟) ،و(متى السفر؟) ،و(كيف زيدٌ ؟) ،و(من أبوك؟) ،فاخلرب هنا
وقع اسم استفهام ،فوجب أن يتقدَّ م.
ٍ
ُمارضة يل بعنوان: والكالم عىل كيفية إعراب أسَمء االستفهام يمكن أن تراجعوه يف
"اإلعراب أركانه وطريقته وبعض ضوابطه" ،فألسَمء االستفهام طريق ٌة يف اإلعراب
ملخصها :أنك ت ِ
عرهبا بإعراب ما يقابلها يف اجلواب.
دائَم عىل ُممد( ،من يف البيت) ستقولُ( :ممدٌ يف فإذا قلت ا
مثال( :من يف البيت؟) ويدعون ا
البيت) ،أو (يف البيت ُممدٌ ) فمحمد مبتدأ ،ويف البيت :شبه مجلة خرب ،شبه اجلملة ال يمكن أن
تكون مبتدا ا ،فمحمد هو املبتدأ تقدَّ م أو تأخر ،ويف البيت خرب.
(يف البيت) يف السؤال (من يف البيت؟) تقابل (يف البيت) يعني تقابل اخلرب ،وُممد املسؤول
عنه تقابل (من) ،فمن هي ُممد ،فإعراب من مثل إعراب ُممد ،فمحمد :مبتدأ ،ومن :مبتدأ.
لكن لو قلت لك( :من أبوك؟) أنا ِ
أعرف أن لك أ ابا لكني أجهل اسمه ،فاألب معروف،
واالسم جمهول ،املعروف هو املبتدأ ،واملجهول هو اخلرب ،فَمذا تقول يف اجلواب إذا قلت( :من
أبوك؟) تقول( :أِب ُممدٌ ) ،فاملعروف أِب وهو مبتدأ ،واملجهول ُممدٌ وهو اخلرب ،فأِب املبتدأ
234 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ماذا يقابل يف السؤال؟ "أبوك" فهو مبتدأ ،ومن تقابل "ُممد" املسؤول عنه املجهول خرب،
فمن يف قولك( :من أبوك؟) خرب مقدَّ م.
حب ِ
وإذا قلت( :من حتب؟) ما إعراب من؟ مفعول به مقدَّ م؛ ألن اجلواب أن تقول( :أ ُّ
ٌ
مفعول به مقدَّ م وهكذا. ُممدا ا) فمحمدا ا مفعول به وهي تقابل "من" فمن
(أين زيدٌ ؟) زيدٌ يف البيت ما الذي قابل أين؟ (يف البيت) فهي خرب مقدَّ م.
(متى السفر؟) السفر غدا ا ،السفر يوم اخلميس؛ فلهذا صارت أسَمء االستفهام يف هذه
ٌ
ألفاظ هلا صدارة. أخبارا ولكنه مقدَّ مة وجو ابا؛ ألهنا
ا األمثلة
ِ
البيت ومن مواضع تقدُّ م اخلرب وجو ابا :أن يكون اخلرب شبه مجلة واملبتدأ نكرة ،نحو( :يف
رجل :مبتدأ نكرة ،ما الذي سوغ االبتداء بالنكرة؟ ال مسوغ إال كون اخلرب شبه ٍ
مجلة رجل)ٌ ،ٌ
ي َّ
املسوغ لالبتداء بالنكرة.
متقدي مة ،فصار تقدُّ م اخلرب هنا واج ابا؛ ألنه ي
ِ نظر) ،و(عندي ٌ ِ ِ
الشجرة مال) ،و(فوق ويف قولك( :يف املسجد مص ُّلون) ،و(يف املسألة ٌ
عصفور) وهكذا.
ٌ
ضمري يعود إىل اخلرب؛ كقولك( :يف
ٌ املسألة الثالثة لتقدُّ م اخلرب وجو ابا :أن يكون يف املبتدأ
ِ
الدار صاحبها) ،و(عند السيارة صاحبها)﴿ ،أ ْم عىل قل ٍ
وب أ ْقفاهلا [ُممد.]24:
البيت صاحبه) فصاحبه متَّصل بضمري ،وضمري الغائب ال بدَّ أن يعود عىل ِ فإذا قلت( :يف
البيت صاحبه) ،فوجب أن ِ متقدي م ،يعود عىل البيت ،وكلمة "البيت" هذه واردة يف اخلرب( ،يف
يتقدَّ م اخلرب ملاذا؟ لكي يعود الضمري الذي يف املبتدأ عىل متقدي م.
فهذه من املواضع التي جيب فيها تقدُّ م اخلرب كَم رأينا هي مواضع ورد فيها ِ
موجب لتقدُّ م
اخلرب ،وفيَم سوى هذه املواضع التي جيب فيها تقدُّ م اخلرب يكون تقدُّ م اخلرب جائزاا؛ كقولك:
(جالس زيدٌ ) ،وهكذا. جالس) أو ِ
البيت زيدٌ ) ،وكقولك( :زيدٌ (زيدٌ يف البيت) ،أو (يف
ٌ ٌ
الشيخ /سليمان العيوني 235
ثم انتقل ابن هشام إىل املسألة التاسعة وهي :حذف املبتدأ وحذف اخلرب جوازاا ،فقال ابن
هشام:
ي حيذف ك ٌّل ِمن امل ْبتدأ ْ
واخل ِرب ن ْحو﴿ :سال ٌم ق ْو ٌم منْكرون [الذاريات]25:؛ أ ْ "وقدْ ْ
عل ْيك ْم أنْت ْم".
أيضا قد حيذف ،وأن املبتدأ واخلرب م اعا قد حيذفان،
فذكر أن املبتدأ قد حيذف ،وأن اخلرب ا
وَشط كل ذلك :أن يدل عىل املحذوف دليل عىل القاعدة العامة" :أن كل معلوم جيوز
حذفه" ،ويف ذلك يقول ابن مالك يف ألفيته:
ـن ِعنْـدكَم
تقول ز ْيدٌ ب ْعد م ْ وح ْذف ما ي ْعلم جائِزٌ كـَم
وابن هشام ذكر شاهدا ا واحدا ا مجع فيه حذف املبتدأ وحذف اخلرب؛ وهو قوله تعاىل﴿ :سال ٌم
ق ْو ٌم منْكرون [الذاريات ،]25:فقوله" :سال ٌم" أي سال ٌم عليكم ،فسال ٌم :مبتدأ ،وعليكم:
خرب شبه مجلة ثم حذف اخلرب ،فقوله﴿ :سال ٌم [الذاريات]25:؛ أي سال ٌم عليكم ثم حذف
اخلرب عليكم ،وقوله تعاىل﴿ :ق ْو ٌم منْكرون [الذاريات]25:؛ أي أنتم قو ٌم ،فحذف املبتدأ أنتم،
وكل ذلك للعلم به.
وإذا قلت( :من عندك؟) فيمكن أن ختترص اجلواب فتقولُ( :ممدٌ )؛ أي ُممدٌ عندي،
خربا.
فحذفت شبه اجلملة الواقعة ا
ولو قيل( :من أبوك؟) الخترصت اجلواب وقلتُ( :ممد)؛ أي (أِب ُممدٌ ) فحذفت املبتدأ
للعلم به؛ ألنه مذكور يف السؤال.
اجلن َِّة ا َّلتِي و ِعد ا ْملتَّقون ْجت ِري ِم ْن ْحتتِها األ ْهنار أكلها دائِ ٌم
ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :مثل ْ
وظِ ُّلها [الرعد]35:؛ أي وظ ُّلها دائم ،فحذف اخلرب لداللة اخلرب األول عليه.
ِ ِ
ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :وما أ ْدراك ما هي ْه * ن ٌار حامي ٌة [القارعة]11-10 :؛ أي هي ٌ
نار
حامية.
236 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ويف قوله﴿ :سور ٌة أنز ْلناها [النور ]1:إىل آخره؛ أي هي سورةٌ ،أو هذه سور ٌة فحذف
املبتدأ.
يصح حذفه.
ُّ فكل ما كان معلو ام من املبتدأ ومن اخلرب
قائم؟) فتخترص اجلواب فتقول :نعم؛ يعني ِ
ويصح حذفهَم إذا علَم؛ كأن يقال( :هل زيدٌ ٌُّ
قائم) فحذفت املبتدأ وحذفت اخلرب ،وأشهر موضع حلذف املبتدأ هو حذفه يف
ٌ (نعم زيدٌ
ٌ
العناوين وما يف حكمها.
نحو( :األخبار) تأتيك الشاشة مكتوب فيها األخبار فقط ،وتفهم معنى ذلك أهنا مجلة؛ ألنه
ال يفهم إال اجلملة؛ يعني (هذه األخبار) ،أو (اآلن األخبار) ال بدَّ أن تقدي م مجلة( ،هذه األخبار)
وحذف املبتدأ هذه( ،اآلن األخبار) حذفت اخلرب شبه اجلملة.
أو (املكتبة) لوحة صغرية عىل الباب مكتوب عليها املكتبة؛ يعني هذه املكتبة حذفت املبتدأ،
أو (هنا املكتبة) حذفت اخلرب.
(مسجد اإليَمن)؛ يعني هذا مسجد اإليَمن( ،وجامعة اإلمام)؛ أي هذه جامعة اإلمام.
عاد ،وأصله (هذا كتاب ِ
زاد املعاد) ثم حذفنا اخلرب كتاب فقام و(زاد املعاد) يعني هذا زاد امل ِ
ِ
املعاد) ثم حذفنا املبتدأ "زاد املعاد" فلو أردنا املضاف إليه مقامه وأخذ إعرابه ،وقلنا( :هذا زاد
املعاد) عىل أنه خرب مبتدأٍ
ِ أن نضبط اسم الكتاب ،كيف نضبِط اسم الكتاب؟ فتقول( :زاد
ُمذوف.
ِ
الصالة. ِ
الصالة) يعني هذا كتاب ِ
الصالة) الكتب التي يف داخل الكتاب( ،كتاب (كتاب
(فصل)؛ أي (هذا ٌ
فصل) وهكذا. ٌ وقوهلم:
لننتقل إىل املسألة العاَشة -وهي األخرية -وفيها الكالم عىل حذف اخلرب وجو ابا ،حذف
اخلرب وجو ابا قال فيه ابن هشام:
الشيخ /سليمان العيوني 237
داال عىل القسم ،بَم أنه لفظ ال يستعمل إال يف القسم ،واضح أن ٍ
حينئذ سيكون لف اظا ا واخلرب
اخلرب لفظ دال عىل القسم؛ يعني (لع ْمرك قسمي) ،أو (لع ْمرك حلِفي) ،الع ْمر :يعني العمر
احلياة ،يقول( :ع ْمرك هو قسمي)؛ يعني ع ْمرك هو املحلوف به ،هو املقسوم به ،أو هو املقسم
به( ،ع ْمرك حلِفي أو قسمي).
ألجتهدن) ،وايمن اَّلل من األلفاظ الرصحية يف القسم التي ال تستعمل
َّ وقوهلم( :وايمن اَّلل
ألجتهدن) يعني (وايمن اَّلل قسمي)؛ "وايم
َّ إال يف القسم" ،وايمن اَّلل" ،وختترص إىل (وايم اَّلل
اَّلل" :مبتدأ" ،قسمي" خرب ُمذوف وجو ابا.
ألفعلن)( ،ميثاق اَّلل
َّ بخالف األلفاظ التي تستعمل يف القسم وغري القسم؛ نحو( :عهد اَّلل
ألجتهدن) ،وكلمة ميثاق وعهد تستعمل يف القسم كَم م َّثلنا ،وتستعمل يف غري القسم؛ كأن
َّ
ٍ
حينئذ الترصيح باخلرب ،فتقول( :عهد اَّلل تقول( :احفظ عهد اَّلل) ،و(هذا ميثاق اَّلل) ،فيجوز
عيل) ،ونحو ذلك.
عيل) ،أو (ميثاق اَّلل َّ
قسمي) ،أو (عهد اَّللِ َّ
أما القسم بالع ْمر فهذه مسألة بحثها أهل العقيدة فلرتاجع يف كتب العقيدة.
خربا ،قبل حال ٍ
املسألة الثالثة من مسائل حذف اخلرب وجو ابا :قبل حال ال تصلح أن تكون ا
خربا هلذا املبتدأ؛ كقولك( :أكيل الفاكهة ناضج اة)
هذه احلال ال يصلح يف املعنى أن تكون ا
واقع عليها،
ٌ ٌ
مفعول به؛ ألن األكل "أكيل" هذا مصدر اسم ،فهو مبتدأ" ،الفاكهة"
"ناضج اة" حال من الفاكهة ،وهل يصح يف هذا احلال "ناضج اة" أن يكون ا
خربا للمبتدأ
أكيل؟ ال؛ ألن أكيل ال خيرب عنه بأنه ناضجة.
إذن فاخلرب هنا ُمذوف وجو ابا واحلال سدَّ مسدَّ ه ،يقدَّ ر بكون عام؛ يعني (أكيل الفاكهة
كائن حالة كوهنا ناضج اة) وهذا أسلوب عرِب كأن تقول( :رضِب املخطئ ً
مرصا) مرص :ما ٌ
مرصا) وهكذا.
ائن حالة كونه ً
يمكن يكون خرب عن رضِب ،واملعني (رضِب املخطئ ك ٌ
الشيخ /سليمان العيوني 239
نص
املوضع الرابع حلذف اخلرب وجو ابا :إذا وقع املبتدأ بعد واو املع َّية الرصحية ،بعد واو هي ٌّ
نصا يف املع َّية؟ يعني أهنا وقعت بني أمرين متالزمني ال
يف الداللة عىل املع َّية ،ما معنى كوهنا ا
يفرتقان حقيق اة أو ا
حكَم.
بلد وعاداته)ُّ ،
(كل (كل ٍ
أيضا من أساليب العربيةُّ ، رجل ودينه) أسلوب ا ٍ كقولكُّ :
(كل
دال عىل االقرتان ٍ
بلفظ ٍ ٍ
رجل وض ْيعته) ،واخلرب هنا يقدَّ ر من حيث املعنى شيخٍ وطريقته)ُّ ،
(كل
والتالزم؛ يعني مقرتنان ،أو متالزمان ،أو متصاحبان؛ ُّ
(كل شيخٍ وطريقته متالزمان).
(كل ٍ
امرئ وما يتقن)ُّ ، (كل ٍ
رجل وعمله)ُّ ، (كل صان ٍع وما صنع)ُّ ،
(كل ومن ذلك قولُّ :
ٍ
طالب وقلمه) أسلوب مضطر ٌد وهكذا. جندي وسالحه)ُّ ،
(كل ٍّ
فهذا ما يتع َّلق باملبتدأ واخلرب.
لننتقل بعده إىل الكالم عىل النواسخ :نواسخ االبتداء َشحنا من قبل ملاذا يتك َّلم
النحويون عىل نواسخ االبتداء بعد باب املبتدأ واخلرب فال نعيد ذلك ،أما ابن هشام -ر ِمحه اَّلل-
فقال:
ٍ
حرف دخل عىل النواسخ :مجع ناسخ ،واملراد بالناسخ يف اصطالح النحويني :كل ٍ
فعل أو
وحروف تدخل عىل اجلملة االسمية
ٌ ٌ
أفعال اجلملة االسمية فأزال حكم االبتداء عنها ،فهي
فتزيل حكم االبتداء.
ما معنى تزيل حكم االبتداء؟ ألهنم يقولون :عن املبتدأ واخلرب مرفوعان ،ما الذي رفعهَم؟
معنوي يسمونه االبتداء؛ يعني وقوع االسم يف ابتداء اجلملة جيعل
ٌّ ٌ
عامل رفعهَم عند االبتداء
240 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
العرِب يرفعه .ملاذا أنت ترفع املبتدأ؟ ألن العرِب إذا وقع االسم يف ابتداء اجلملة يرفعه ،هذا
سمى عامل معنوي وهو االبتداء.
ي َّ
فالنواسخ إذا دخلت عىل اجلملة االسمية تنسخ االبتداء؛ يعني تنسخ هذا العامل الذي كان
ثم هي تعمل يف هذه اجلملة ا
عمال جديدا ا ،والنواسخ كَم سبق يعمل الرفع يف املبتدأ واخلرب ،ومن َّ
ثالثة أنواع ،وكَم قال ابن هشام:
خربا له ،وهي كان وأخواهتا ،وهي أفعال،
اسَم له ،وينصب اخلرب ا
فاألول :ما يرفع املبتدأ ا
ويعمل عملها حروف النافية ،وهي :ما احلجازية ،وال ،والت.
إن وأخواهتا
خربا له ،وهيَّ :
اسَم له ويرفع اخلرب ا
والنوع الثان من النواسخ :ما ينصب املبتدأ ا
وهي أحرف ،ويعمل عملها ال النافية للجنس.
ا
مفعوال به ثان ًيا ،وهي: ا
مفعوال به أول ،وينصب اخلرب والناسخ الثالث :ما ينصب املبتدأ
ظننت وأخواهتا ،وهي ٌ
أفعال كثرية.
وسيأيت الكالم عىل مجيع هذه النواسخ وما يعمل عملها ،وقد ابتدأ ابن هشام -ر ِمحه اَّلل
تعاىل -كالنحويني بكان وأخواهتا فقال:
"أحدها كان وأ ْمسى وأ ْصبح وأض ْحى وظ َّل وبات وصار وليس وما زال وما فتِئ وما
ك وما ب ِرح وما دام".
انْف َّ
السؤال :ملاذا يبتدئ النحويون بكان وأخواهتا من بني النواسخ؟
ا
استعَمال ،ولذا أعطيت الرافع يف اسمها؛ ألن الرفع عالمته قالوا :ألهنا أكثر النواسخ
والضمة أقوى احلركات ،إال أن خربها ن ِصب لكي ختتلف عن الصورة األصلية َّ الضمة،
َّ
للجملة االسمية مرفوعة اجلزئيني.
الشيخ /سليمان العيوني 241
وبعدها يف الكثرة :إن وأخواهتا فجاءت بعدها ،وأق ُّلها يف االستعَملَّ :
ظن وأخواهتا ،ليس
وإن ُّ
أقل منهَم يف ظن وأخواهتا قليلة االستعَمل ،ولكنها بالنسبة إىل كان َّ
معنى ذلك أن َّ
االستعَمل.
أما ألفاظ كان وأخواهتا فقد عدَّ ها ابن هشام ،وهي كَم سمعنا ثالثة عرش ا
فعال ،وابن هشام
أخر "أمسى" بعد " َّ
ظل" لكي تكون هذه مل يرتيبها بحسب زماهنا ،فكان األفضل لو أنه َّ
األفعال مرتَّب اة بحسب الزمان ،املهم:
ا
استعَمال ا
استعَمال ،وألهنا أكثرها الفعل األول منها" :كان" وهي ُّأم الباب؛ يعني أكثرها
اختصت ببعض األحكام التي سيذكرها ابن هشام يف آخر هذا الباب.
ثم نبدأ من أول اليوم" :أصبح ،وأضحى" من الصباح والضحى.
و" َّ
ظل" من الظالل التي تنشأ يف الزوال قبله وبعده.
و"أمسى" يف املساء.
"وبات" يف النوم الذي يقع غال ابا يف الليل.
ثم "صار" و"ليس".
بنفي أو شبهه ،وهي" :ما زال" ،و"ما فتئ" ،و"ما ِبرح" ،و"ما
ثم األفعال املبدوءة ٍّ
َّ
انفك".
ثم الفعل املبدوء بَم الظرفية املصدرية وهو "ما دام".
خصتها العرب هبذا العمل ،ما عملها؟ ذكره ابن هشام فقال: فعال َّفهذه ثالثة عرش ا
نحو﴿ :وكان ر ُّبك ق ِد ايرا
ربا هل َّن ْ "ف ْريف ْعن املبتدأ ْاس اَم هل َّن وين ِْص ْبن ْ
اخلرب خ ا
[الفرقان."]54:
فذكر ابن هشام عملهن ،ومن األمثلة والشواهد عىل ذلك:
242 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
منتظرا).
ا -وكذلك "ما فتئ" (ما فتئ زيدٌ
-و "ما ِبرح" قوله تعاىل﴿ :ل ْن ن ْربح عل ْي ِه عاكِ ِفني [طه.]91:
ورا [الفرقان:]70: ن ِ
عرب ﴿وكان اَّللَّ غف ا
مبني عىل الفتح ال َّ
ُمل له من اإلعراب. ٍ
ماض ناسخ ٌّ -كان :فعل
الضمة.
َّ -واسم "اَّلل" اسم كان مرفوع وعالمة رفعه
مضارع مرفوع وعالمة رفعه ثبوت النون ،وواو اجلَمعة يف يبيتون :اسم
ٌ -يبيتون :هذا ٌ
فعل
يبيت يف ُمل رفع مبني عىل السكون.
إال أن كان وأخواهتا ال تعمل هذا العمل مطل اقا ،فبعضها مق َّيدٌ برشط ،فنقولَ :شوط
إعَمهلا هذا العمل؛
-فمنها ثَمنية تعمل هذا العمل بال َشط ،وهي :الثَمنية األوىل؛ (كان ،وأصبح ،وأصبح،
َّ
وظل ،وأمسى وبات ،وصار وليس) هذه الثَمنية تعمل هذا العمل ،ترفع اسمه وتنصب خربها
بال َشط.
خمتلِ ِفني [هود،]118:مسافرا)﴿ ،وال يزالون ْ ا ال بدَّ أن تسبق بنفي ،نحو( :ما زال ُممدٌ
﴿ل ْن ن ْربح عل ْي ِه عاكِ ِفني [طه﴿ ،]91:ال يزال بنْياهنم ا َّل ِذي بن ْوا ِريب اة ِيف قل ِ
وهبِ ْم [التوبة]110:
.
بنهي؛ كقويل( :ال تزل جمتهدا ا)؛ يعني ابق جمتهدا ا؛ ألن "ما زال ،وما فتئ ،وما برح،
أو تسبق ٍّ
ا
هاطال)؛ مريضا( ،ما َّ
انفك املطر ا مريضا) يعني بقي
ا وما َّ
انفك" كلها بمعنى بقي( ،ما زال ُممدٌ
ا
هاطال ،فتقول( :ال تزل جمتهدا ا)؛ يعني ابق جمتهدا ا ،قال الشاعر: يعني بقي
أو يف الدعاء ،والدعاء عندما تسبق بال النافية ،ال النافية إذا دخلت عىل هذه األفعال يكون
مريضا ،خت ِرب
ا مريضا) يعني بقي
ا معناها الدعاء بخالف ما ويكون معناها النفي؛ (ما زال ُممدٌ
مريضا ،لكن إذا أدخلت ال عليها قلت( :ال زال ُممدٌ معا افا) فأنت ال خترب بأنه
ا بأنه ما زال
معا افا وإنَم تدعو له بأن يبق معا افا.
بقي ٌ
فعل وهو" :ما دام" وهو يعمل هذا العمل برشط أن تتقدَّ مها ما املصدرية الظرفية،
املصدرية :يعني ينسبِك منها ومن الفعل مصدر ،الظرفية :يعني تقدَّ ر بمعنى ظرف الزمان؛
الشيخ /سليمان العيوني 245
ا
مهمال ،مدَّ ة هذا الظرف، ا
مهمال) يعني ال أزورك مدة دوامك كقولك( :ال أزورك ما دمت
دوامك :هذا املصدر.
الة والزَّ ك ِاة ما د ْمت ح ًيا [مريم ]31:يعني مدَّ ة دوامي ح ًيا.
﴿وأوص ِان بِالص ِ
َّ قال تعاىلْ :
فإن قلت( :دام خريك) فدام هنا ال نقول :إهنا من أخوات كان؛ ألهنا مل تسبق بَم املصدرية
الظرفية.
الرش) فهل زال هنا تعمل عمل كان؟ ال مل تسبق نفي ،وال بنهي ،وال بدعاء.
ولو قلنا( :زال ُّ
(انفك احلبل) ،أو ِ
(برح اخلفاء). َّ وكذلك
توسط اخلرب جائز ،وإن تقدُّ م اخلرب جائز مع غري دام وليس ،فسيتك َّلم
سيقول ابن هشام :إن ُّ
توسط اخلرب وأنه جائز ،وسيتك َّلم عىل تقدُّ م اخلرب وأنه جائز مع غري ليس ودام.
عىل ُّ
تأخر اخلرب فلم يذكره؛ ألنه األصل وواضح أنه جائز ،فتك َّلم عىل ُّ
توسط اخلرب فقال: وأما ُّ
نحو( :فليس سواء ِ
عامل ٌ وجه ٌ
ول)". "وقدْ يتو َّسط ْ
اخلرب ْ
ا ْ
246 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
إذن فاآلية فيها تقديم وفيها تأخري ،وهذا عىل قراءة محزة وحفص ،وأما عىل قراءة ﴿ل ْيس
تقديم وتأخري.
ٌ ا ْل ِ ُّ
رب أ ْن تو ُّلوا [البقرة ]177:وهذه قراءة بق َّية السبعة فليس فيها
ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :وكان ْحتته كنزٌ هلَم [الكهف]82:؛ أي كان كن ٌز حتته ثم قدَّ م اخلرب
فتوسط بني الناسخ واسمه.
وهو شبه مجلةَّ ،
ومن ذلك البيت الذي أشار إليه ابن هشام ،وهو قول الشاعر:
ماذا يعني بتقدُّ م اخلرب يف هذا الباب؟ يعني تقدُّ مه عىل الناسخ نفسه ،فيأيت اخلرب ا
أوال ،ثم
وبني ابن هشام احلكم وهو أنه جائز إال
(كريَم كان ُممدٌ ) َّ
ا الناسخ ،ثم اسم الناسخ ،كأن تقول:
يأت يف ذلك شاهدٌ رصيح.يف خرب "دام" و"ليس" ،ومل ِ
لكن ما إعراب أنفسهم؟ ﴿وأنفسه ْم كانوا ي ْظلِمون مفعول به للخرب يظلمون ،وأصل
ٌ
مفعول به للخرب ،ثم تقدَّ م معمول اخلرب عىل اآلية واَّلل أعلم :كانوا يظلمون أنفسهم ،فأنفسهم:
ٌ
استدالل صحيح؛ ألن املتقدي م الناسخ نفسه ،قالواَّ :
فدل ذلك عىل جواز تقدُّ م اخلرب نفسه ،وهذا
هنا املفعول به ،واملفعول به تقدُّ مه يدل عىل تقدُّ م عامله ،بخالف ما لو كان املتقدي م شبه مجلة فإن
تتوسع يف شبه اجلملة كَم سيأيت.
العرب َّ
إذن فتقدُّ م اخلرب عىل الناسخ نفسه جائز ،قال :إال مع فعلني" :دام" و"ليس".
يصح أن
ُّ كثري من املحققني ،وعىل ذلك ٌ
فمختلف فيه فأجازه ٌ وأما منع تقدُّ م خرب "ليس"
ا
(بخيال ليس زيدٌ ) ،و(متربج اة ليست هندٌ ) ،واحتَّجوا عىل ذلك بقوله -س ْبحانه وتعاىل:- تقول:
ضمري مسترت تقديره ﴿أال ي ْوم ي ْأتِ ِ
يه ْم ل ْيس م ْرصو افا عنْه ْم [هود ]8:الناسخ :ليس ،واسمه:
ٌ
هو يعود إىل العذاب ،ليس العذاب ،مرصو افا :هذه خرب ليس ،عنهم :شبه مجلة متعلقة باخلرب.
248 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
أيضا متع يل ٌق باخلرب مرصو افا؛ يعني ليس العذاب مرصو افا عنهم
عنْه ْم [هود ]8:هذا الظرف ا
يوم يأتيهم ،فتقدَّ م معمول اخلرب وهو ظرف الزمان "يوم يأتيهم" عىل الناسخ نفسه ،قالوا :فهذا
يدل عىل تقدُّ م اخلرب.
ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :ظ َّل و ْجهه م ْسو ًدا [النحل ]58:اتيصاف وجهه بالسواد ليس متع يل اقا
بزمن ،وإنَم املعنى صار وجهه مسو ًدا هبذا السبب.
وتقول( :أضحت البالد مجيل اة)؛ يعني صارت مجيل اة يف ي
كل زمان وهكذا.
فهذه اخلمسة قد تأيت بمعنى صار فتخرج عن أزماهنا ُّ
وتدل عىل مطلق االنتقال والصريورة.
وعىل ذلك يمكن أن نن يبه إىل ٍ
أمر مهم يتع َّلق باستعَمالت كان ،ونحن ذكرنا لكان اآلن أكثر
استعَمالت أخرى ،فنقول :إن كان قد تأيت عىل مخسة استعَمالت:
ٌ من استعَمل ،وهلا
مسافرا ثم
ا oاالستعَمل األول :أن تأيت بمعنى املايض املنقطع؛ كأن تقول( :كان ُممدٌ
رجع) كان هنا د َّلت عىل الزمان املايض املنقطع الذي انتهى وانقطع.
oاملعنى الثان :وتأيت بمعنى الفعل املستمر؛ يعني بمعنى املايض واحلال واالستقبال؛
رحيَم) يعني يف املايض واحلارض واالستقبال ،تقول( :كان
ا كأن تقول( :كان اَّلل
ِ
الرمحة) يعني متَّصف بذلك يف كل زمان. اإلسالم دين
عامل ِا) يعني
oواملعنى الثالث :أهنا تأيت بمعنى "صار" وهذا ذكرناه نحو( :كان ُممدٌ ا
صار عا املا.
oواملعنى الرابع :أهنا قد تأيت زائد اة كَم سيأيت ِذكره نحو( :ما كان أحسن ُممدا ا) يعني
ما أحسن ُممدا ا.
oواملعنى اخلامس :أهنا تأيت تام اة بمعنى و ِجد وسيأيت الكالم عىل ذلك؛ كقولنا:
(انقىض رمضان وكان العيد).
استعَمالت لكان وك ُّلها أمثلتها كثرية ومستعملة بكل هذه املعان.
ٌ فهذه
ٍ
مسألة أخرى يف كان وأخواهتا وهي :الكالم عىل نقصاهنا لننتقل مع ابن هشام إىل
ومتامها ،فقال ابن هشام:
الشيخ /سليمان العيوني 251
قال تعاىل﴿ :وإِ ْن كان ذو ع ْرس ٍة اجلواب﴿ :فنظِر ٌة إِىل م ْيرس ٍة [البقرة ،]280:يعني فإن و ِجد
ذو عرسة ،فإن حصل ذو عرسة فذو فاعل.
تاما الدخول يف زمان الصباح ،وال حيتاج إىل
والفعل اآلخر" :أصبح" فيكون معناه إذا كان ً
منصوب؛ كقولك( :إذا أصبح الناس ذهبوا إىل أعَمهلم)( ،إذا أصبح الناس) ما معنى أصبح
الناس؟ يعني دخلوا يف زمان الصباح فال حتتاج إىل خرب.
ومن ذلك( :أصبحنا وأصبح امللك َّللِ) أصبحنا :يعني دخلنا يف زمان الصباح ،وأما (أصبح
امللك َّلل) فهذه ناقصة ،بمعنى صار امللك َّللِ ،فامللك اسمها ،وَّلل شبه مجلة خربها.
ومن ذلك" :أمسى" يكون معناها الدخول يف زمان املساء ،تقول( :عندما أميس آتيك)
احلمد ِيف السمو ِ ِ ِ
ات َّ قال -س ْبحانه وتعاىل﴿ :-فس ْبحان اَّللَِّ حني متْسون وحني ت ْصبِحون * وله ْ ْ
تسبيحا،
ا ض وع ِش ًيا و ِحني ت ْظ ِهرون [الروم﴿ ]18-17 :فس ْبحان اَّللَِّ :يعني س يبحوا اَّلل
واأل ْر ِ
﴿حني متْسون يعني حني تدخلون يف املساء﴿ ،و ِحني ت ْصبِحون حني تدخلون يف متى؟ ِ
الصباح.
ض وع ِش ًيا [الروم ]18:ظرف زمان وقت العيش﴿ ،و ِحني احلمد ِيف السمو ِ
ات واأل ْر ِ َّ ﴿وله ْ ْ
يعني حني تدخلون يف زمان الظهر ،فتصبحون ومتسون هنا كقوله: [الروم]18: ت ْظ ِهرون
تظهرون.
"وأضحى" كذلك إذا دخلنا يف زمان الضحى ،تقول( :إذا أضحيت تعال).
"وبات" إذا كانت تامة تكون بمعنى نام ،تقول( :بات الطفل) يعني نام.
التامة فتكون
حجرا) ،أما صار َّ
ا "وصار" صار الناقصة تدل عىل االنتقال( ،صار الطني
بمعنى رجع؛ كقوله تعاىل﴿ :أال إِىل اَّللَِّ ت ِصري األمور [الشورى ]53:يعني ترجع األمور ،األمور
فاعل.
الشيخ /سليمان العيوني 253
(انفك احلبل) ٌ
فعل وفاعل. َّ " َّ
انفك" تكون من االنفكاك،
" ِبرح" تكون بمعنى الرتك ،تقول( :ما ِبرحت مكان) يعني ما تركته﴿ ،فل ْن أ ْبرح األ ْرض
حتَّى ي ْأذن ِيل أ ِِب [يوسف ]80:يعني ال أتركها.
السموات ِ ِ ِِ ِ
و"دام" تقول( :دام عزُّ ك) بمعنى بقي ،قال تعاىل﴿ :خالدين فيها ما دامت َّ
واأل ْرض [هود ]107:يعني ما بقيت وهكذا.
تامة ،فليس وفتئ واضحان ،وأما
أما "ليس ،وفتئ ،وزال" فهذه ال تأيت إال ناقصة ،ال تأيت َّ
فعل آخر اهلم)؟ فيكون اهلم ا
فاعال فالفعل تام ،فيقال :بىل ولكنه ٌ "زال" ليس يقال( :زال ُّ
مترصف ،يقال( :زال ،يزول ،ا
زواال) أما فعلنا الناقص فهو (زال يزال) ليس( ،زال يزول) ي
الرش) ،لكن فعلنا الناقص( :زال يزال)( :ما
الرش ،يزول ُّ املترصف( :زال ،يزول ،ا
زواال)( :زال ُّ ي
مريضا ،فهذا فعل وهذا
ا مريضا) يعني بقي أي
ا مريضا( ،وما يزال
ا مريضا) يعني بقي
ا زال ُممدٌ
ٌ
فعل آخر.
ثم تك َّلم ابن هشام -ر ِمحه اَّلل -عىل خصائص كان؛ لن كان كَم ذكرنا أ ُّم الباب وأكثرها
خصتها العرب ببعض األحكام سيذكرها ابن هشام ،وهي: ا
استعَمال ،فلهذا َّ
احلكم األول :زيادهتا.
واحلكم الثان :حذف نوهنا.
واحلكم الثالث :حذفها وحدها.
واحلكم الرابع :حذفها مع اسمها.
فسيذكر ابن هشام هذه اخلصائص واحدا ا واحدا ا؛
فبدأ بالكالم عىل زيادة كان:
فقال:
254 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ِ
زيادهتا متوسط اة؛ نحو( :ما كان أحسن زيدا ا). "وكان بجواز
وختتص كان بجواز زيادهتا متوسط اة ،فهذا الكالم
ُّ أيضا العطف عىل ختتص اخلمسة؛ يعني
ا
عىل زيادة كان الذي أَشنا إليه من قبل ،فنقول اآلن :إن كان قد تزاد برشطني:
الرشط األول :أن تكون بلفظ املايض ال بلفظ املضارع أو األمر.
والرشط الثان :أن تقع بني متالزمني.
ٍ
حينئذ زائدة؛ ألهنا لو كريم) فنقول :كان مثل ماذا؟ كاملبتدأ واخلرب ،تقولُ( :ممدٌ كان
ٌ
كريَم) والزائدة ال تعمل. ِ
كانت ناقصة لعملت ،تقولُ( :ممدٌ كان ا
واملتالزمان أي اضا كالفعل والفاعل ،تقول( :ذهب كان ُممدٌ ) ،أو (مل يوجد كان مثلهم).
ِ
السيارة) قال الشاعر: وأيضا كاجلار واملجرور ،تقول( :جئت عىل كان
ا
ــوم ِة العـ ِ
ــراب عـــىل كـــان ا ْملسـ َّ ـــي أ ِِب بك ٍ
ْـــر تســـامى ِ
رساة بن ْ
وأيضا من املتالزمات :الصلة واملوصول ،تقول( :جاء الذي كان أكرمته).
ا
التعجب بني "ما" والفعل بعدها؛ كقولك( :ما كانُّ وأهم مواضع زيادة كان :يف أسلوب
خرب وال اسم هلا ليس يعني تعمل؛ ال زائدة ٍ
حينئذ أحسن ُممدا ا) ،و(ما كان أمجل القمر) فهي
ٌ ٌ
وال فاعل ،ابن مالك يف األلفية قال عنها:
كــان أصـ ِ وقدْ تـزاد كـان ِيف ح ْش ٍ
ـح ع ْلــم مـ ْ
ـن تقــدَّ ما َّ ـو كـَم
التعجب ،فهذه اخلاصية
ُّ فقال( :وقدْ تزاد كان) يعني أن زيادهتا قليلة ال تطرد إال يف أسلوب
األوىل.
اخلاصية الثانية لـ "كان" :حذف نون كان ،ويف ذلك قال ابن هشام:
الشيخ /سليمان العيوني 255
ب مت َِّص ٌل".
إن مل ْ ي ْلقها ساكِ ٌن وال ض ِمري ن ْص ٍ
وص اال ْ
ارعها امل ْجزو ِم ْ
"وح ْذ ِ
فن ِ
ون مض ِ
الرشط اخلامس :أن يكون ذلك يف الوصل ال يف الوقف ،وأشار إىل ذلك ابن هشام بقوله:
مسافرا) ،لكن لو وقفت فيجب أن تعيد النون
ا ( ا
وصال) يعني لو وصلت تقول( :مل يك ُممدٌ
فتقول( :مل يكن).
نظر واضح -واَّلل أعلم -لثبوت احلذف حذف النون يف القرآن الكريم عند
ويف هذا الرشط ٌ
ونصوا
القراء عند الوقف ُّ ا
وصال ووق افا ،ولو كان إعادة النون واجب اة يف الوقف ألعادها َّ القراء
َّ
وصال ووق افا َّ
دل ذلك عىل جواز احلذف يف الوقف ويف الوصل. ا عىل ذلك ،فلَم حذفوها
أما الشواهد عىل ذلك:
256 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
أكن. ِ
وقوله﴿ :ومل ْ أك بغ ًيا [مريم ]20:يعني ومل ْ
والشواهد عىل ذلك كثرية وهو جائز عىل سعة.
واخلاصية الثالثة لـ "كان" :حذف "كان" وحدها ،إذا قلنا :حذف "كان" وحدها يعني
ِ ِ
وحدهاما الذي يبقى؟ يبقى اسمها وخربها ،ويف ذلك يقول ابن هشام -رمحه اَّلل" :-وح ْذفها ْ
(أما أنْت ذا نف ٍر)". ِ
مع يو اضا عنها (ما) يف م ْثلَّ :
فكان إذا ح ِذفت وحدها فسيبقى اسمها وخربها ويكون ذلك بعد "أ ْن" املصدرية" ،أ ْن"
بفتح اهلمزة وسكون النون املصدرية الواقعة موقع املفعول ألجله؛ يعني الدالة عىل التعليل،
ٍ
أسلوب مضطرد. ويكون ذلك يف
(أما أنت جمتهدا ا أكرمتك) ،األصل :األول
(أما أنت غن ًيا تصدَّ ق)َّ ،
مثال ذلك :أن تقولَّ :
أكرمتك ملاذا؟ (أكرمتك أل ْن كنت جمتهدا ا) ما الذي حدث؟ حذفنا الم التعليل؛ ألن الالم
حرف جر ،وحرف اجلر جيوز حذفه باضطراد قبل أ ْن وأ َّن ،فح ِذفت الالم فقيل( :أكرمتك أ ْن
كنت جمتهدا ا) ،ثم حذفنا "كان".
فَم الذي بقي بعد حذف "كان"؟ (أكرمتك أ ْن كنت جمتهدا ا) حذفنا كان ،بقي اسم كان
التاء وجمتهدا ا ،لكن اسم كان ضمري متَّصل ،وإذا حذفت "كان" ما يمكن أن يقوم بنفسه ،فَمذا
ٍ
ضمري منفصل "أنت" (أكرمتك أ ْن أنْت جمتهدا ا) ثم تعمل به كي يقوم بنفسه؟ قلبته العرب إىل
عوضنا عن كان املحذوفة بـ "ما" ،كان التي ح ِذفت عوضنا عنها بـ "ما" بعد "أ ْن" ،فصار َّ
(أكرمتك أ ْن ما) ثم حدث إدغام بني امليم والنون ،فقيل( :أكرمتك أ َّما أنت جمتهدا ا) فهذا
أسلوب مضطرد.
الشيخ /سليمان العيوني 257
قل( :تصدَّ ق ألن كنت غن ًيا) يعني ألنك غني تصدَّ ق( ،تصدَّ ق ألن كنت غن ًيا) ثم حذفنا
عوضنا بـ "ما"
الالم و(تصدَّ ق أن كنت غن ًيا) ،ثم حذفنا كان (تصدَّ ق أن أنت غن ًيا) ،ثم َّ
(تصدَّ ق أ َّما أنت غن ًيا) ،وهكذا.
ومن ذلك :البيت الذي أشار إليه ابن هشام وهو قول الشاعر:
الضــبع
ـإن قــومي مل ْ تــأكلهم َّ
فـ َّ أبــا خراشــة نأمــا أنــت ذا نفــر
فاعلم أنا قومي مل
ْ يقول :يا أيا خراشة أ ْن كنت ذا ٍ
نفر كثريين ،قومك كثريون هتدي دنا وخت يوفنا
تأكلهم الضبع؛ يعني السنني املجدبة ،بل ما زلنا أقوياء ونستطيع أن ندافع عن أنفسنا ،فأصل
اجلملة( :أبا خراشة ألن كنت ذا ٍ
نفر) ثم حذف الالم وهذا جائز قبل "أ ْن" و"أ َّن" فصارت
(أ ْن كنت ذا ٍ
نفر) ،ثم حذف "كان" فانقلب الضمري املتصل إىل منفصل (أ ْن أنْت ذا نفر) ،ثم
عوض عن كان املحذوفة بـ "ما" فقال( :أ َّما أنت ذا ٍ
نفر). َّ
ِ
مضطرد كَم رأيتم. هذا أسلوب
واخلاصية الرابعة األخرية لـ "كان" :حذف كان مع اسمها وبقاء خربها ،ويف ذلك قال ابن
هشام -ر ِمحه اَّلل:-
" ومع اس ِمها يف ِم ْث ِل( :إِ ْن خريا فخري) ،و(ا ْلت ِمس ولو خامتا ِمن ح ٍ
ديد)". ا ْ ْ ْ ٌ ا ْ
أسلوب عرِب كثري االستعَمل ،وهو يكثر
ٌ حذف كان ع اسمها وبقاء خربها املنصوب هو
بعد إِ ْن ولو الرشطيتني ،إِ ْن بكرس اهلمزة وسكون النون ،إِ ْن ول ْو الرشطيتني؛
رياال) يعني (أعطني ولو كان املعطى ا
رياال). ولو اكقولك( :أعطني ْ
ا
راجال) فحذفت كان ا
راجال)؛ يعني (تعال إن كنت راك ابا أو إن راك ابا أو
تقول( :تعال ْ
واسمها وأبقيت خربها املنصوب.
قال الشاعر:
258 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ِ
قــول إذا ا
قــيال فــَم اعتــذارك مــن إن ِصدْ اقا وإِ ْن ك ِ
ـذ ابا قدْ ِق ْيل ما ِق ْيل ْ
قالوا :لشدَّ ة شبهها بليس؛ ألهنا تشبه ليس يف العمل واملعنى وهذا واضح ،وأما شبهها بكان
فهو فقط يف العمل دون املعنى؛
فإن قلت :معنى ذلك أهنا تعمل عمل كان فرتفع االسم وتنصب اخلرب؟ اجلواب :نعم،
خيصوهنا ٍ
بباب خاص أو فتقول :ملاذا ال تذكر يف أخوات كان مباَشة؟ اجلواب عن ذلك :أهنم ُّ
ٍ
بفصل خاص الختصاصها ببعض الرشوط واألحكام ،فأرادوا أن جيمعوا أحكامها وَشوطها
يف هذا الباب أو الفصل اخلاص هبا.
فاحلرف األول" :ما" يقولون :ما احلجازية.
ويف ذلك قال ابن هشام:
إن وال بِم ْعمول ْ
اخلرب إالَّ إن تقدَّ م االسم ومل ْ ي ْسب ْق بِ ْ
جاز ييني كل ْيس ْ "وما النَّافِية ِعنْد ِ
احل ِ
وأما هل االستفهامية ما تعمل؛ ألهنا ملا تدخل عىل األسَمء (هل ُممدٌ موجود؟) وعىل
األفعال( :هل جاء ُممد؟)؛
فاحلرف املشرتك يعني يدخل عىل األسَمء واألفعال األصل فيه ما يعمل.
واحلرف اخلاص الذي يدخل عىل األسَمء فقط أو يدخل عىل األفعال فقط األصل فيه أنه
يعمل.
و"ما" ما األصل فيها أهنا تعمل أم ال تعمل؟ األصل فيها أهنا ال تعمل؛ ألهنا مشرتكة،
ا
هامال ،فبنو متيم وأكثر العرب ا
مهمال ،أو نقول: وقد أبقاها أكثر العرب عىل أصلها حر افا
أبقوها حر افا ا
هامال ،ويسموهنا "ما التميمية" فإذا وقع بعدها االسم يكون مبتدا ا؛ ألهنا مل يسبق
مسافر :خرب ،و"ما" حرف نفي.
ٌ مسافر) ُممدٌ :مبتدأ،
ٌ ٍ
بعامل لفظي ،تقول( :ما ُممدٌ
قوة َّ
الشبه ،فيقولون( :ما ُممدٌ ولكن احلجازيني هم الذي أعملوها عمل ليس بسبب َّ
ا
وبخيال :خربها منصوب، ا
بخيال) فَم حجازية ،وُممد :اسمها مرفوع، افرا)( ،ما زيدٌ
مس ا
وبلغتهم نزل القرآن الكريم ،وجاءت ما احلجازية يف موضعني رصاح اة من القرآن الكريم:
رشا [يوسف ]31:فنصبت اخلرب. يف قوله تعاىل﴿ :ما هذا ب ا
ويف قوله تعاىل﴿ :ما ه َّن أ َّمه ِاهتِ ْم [املجادلة ]2:فنصبت اخلرب.
احتَمال :يف قوله تعاىل﴿ :ما ِمنْك ْم ِم ْن أح ٍد عنْه
ا ووردت ما احلجازية يف موض ٍع ثالث
ح ِ
اج ِزين [احلاقة]47:؛
إن قلنا :حاجزين هي اخلرب فَم حجازية قود نصبت فعملت عمل ليس.
وإن قلنا :أحدٌ مبتدأ ومنكم خربه ،وحاجزين :حال يعني ما أحدٌ منكم حالة كوهنم
نصا يف اإلعَمل. ٍ
حاجزين ،وهذا جائز يف اإلعراب ،فحينئذ ال تكون ا
الشيخ /سليمان العيوني 261
القراء يف
إذن فأمهلها احلجازيون وأمهلها بنو متيم وأكثر العرب ،ومع ذلك فقد قرأ بعض َّ
القراءات الشا َّذة؛ ﴿ما هذا ب ٌ
رش [يوسف﴿ ،]31:ما ه َّن أ َّمهاهت ْم [املجادلة.]2:
عمل باحل ْم ِل والتشبيه؟ باحلمل والتشبيه فعملها عمل أصيل أم ٌ
إذن فعرفنا أن عمل "ما" ٌ
ٍ
َشط واحد ،وهو: ضعيف ،وهلذا ال يعملها احلجازيون إال برشوط ،كل هذه الرشوط تعود إىل
أن عملها ضعيف فال تعمل يف اجلملة إال إذا جاءت عىل أصلها؛ يعني اجلملة جاءت عىل
أصلها؛ يعني ما فيها تقديم وتأخري ،ما فيها زوائد ،ما فيها نقض للمعنى.
حينئذ ن ِ
دخل ما وتعمل، ٍ مفتوح)، كريم)( ،الباب إذا جاءت اجلملة عىل أصلهاُ( :ممدٌ
ٌ ٌ
لكن لو حذف أمر أخرج اجلملة عن أصلها فإن ما احلجازية يبطل عملها وتعود مهملة.
وجممل هذه الرشوط التي ذكروها أربعة َشوط ،أشار إليها ابن هشام:
فالرشط األول :تقدُّ م اسمها عىل خربها ،مل ِ
تأت اجلملة عىل ترتيبها األصيل ،االسم متقدي م
متأخر ،قال ابن هشام( :إن تقدَّ م االسم).
واخلرب ي
قائم) فمحمدٌ يصح
تأخر االسم وتقدَّ م اخلرب بطل عملها؛ كأن تقول( :ما ُممدٌ ٌ
طيب فإن َّ
أن يكون مبتدأ مقدَّ م ،وُممد :خرب متأخر ،فَم ال تعمل ولو كانت حجازية ،ومن ذلك قول
الشاعر:
الكتاب وهو معمول اخلرب عىل االسم فقلت( :ما الكتاب ُممدٌ قارئٌ ) لبطل عملها بسبب
اختالل الرتتيب.
وجمرورا) يعني لو كان املتقدي م شبه مجلة فإن ما يبقى عملها؛ ألن
ا قال( :إال ظر افا أو ا
جارا
تتوسع يف شبه اجلملة.
العرب َّ
الشيخ /سليمان العيوني 263
أثبتت الشاعرية.
فيقولون :األسلوب هنا أسلوب حرص ليس أسلوب نفي ،لكن اخلالصة أن َّإال نقضت
شاعر)( ،ما ُممدٌ
ٌ نفي "ما" فلَم نقضت معناها نقضت عملها ،فيجب أن تقول( :ما ُممدٌ َّإال
رسول :مبتدأ وخرب ،وما :حرف نفي هاملَّ ،
وإال :حرف حرص. ٌ َّإال ر ٌ
سول)؛ يعني ُممدٌ
قال تعاىل﴿ :وما أمرنا إِ َّال و ِ
احد ٌة [القمر.]50: ْ
ٍ
َشط واحد وهو أن "ما احلجازية" عملها اخلالصة :أن كل هذه الرشوط تعود إىل
ضعيف؛ ألنه باحلمل والتشبيه ،فال تعمل يف اجلملة إال إذا جاءت عىل أصلها ،فإذا َّ
اختل أصلها
ٍ
تأخري أو زيادة فإن عملها يبطل. بتقدي ٍم أو
احلرف الثان :هو "ال النافية".
واحلرف الثالث :هو "الت".
لكن الوقت ضاق فنؤخر ذلك إىل الدرس القادم مع أن الباقي قليل ،لكن نؤخره إن شاء
وصل اَّلل وس َّلم عىل نبينا ُممد.
َّ خريا ،واَّلل أعلم،
اَّلل ،وجزاكم اَّلل ا
264 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
الدرس السابع
بسم اَّلل الرمحن الرحيم ،احلمد َّلل رب العاملني ،والصالة والسالم عىل نبينا ُممد ،وعىل آله
وأصحابه أمجعني ،أما بعد...
فسالم اَّلل عليكم ورمحته وبركاته ،وح َّياكم اَّلل وب َّياكم يف الدرس السابع من دروس َشح
الصدى] البن هشام -ر ِمحه اَّلل ،-ونحن يف ليلة األربعاء ،السادس والعرشين [قطر الندى ي
وبل َّ
ٍ
وأربعَمئة وألف ،يف جامع منرية شبييل يف حي الفالح من مجادى اآلخرة ،من سنة تس ٍع وثالثني
يف مدينة الرياض.
يف الدرس املايض يا إخوان كنا تك َّلمنا عىل كان وأخواهتا وهي أول النواسخ ،يف هذا
ظن وأخواهتا ،لكن الدرس إن شاء اَّلل سنتك َّلم عىل بقية النواسخ يعني عىل َّ
إن وأخواهتا ،وعىل َّ
يف أول الدرس سنكمل بقي اة قليلة بقيت من [باب كان وأخواهتا].
بعد أن انتهينا من األفعال التي تعمل عمل كان ،ذكرنا أن هناك حروف نفي تعمل عمل
كان ،أو كَم يقولون :تعمل عمل ليس ،وهي( :ما ،وال ،والت) ،فتك َّلمنا عىل "ما احلجازية"
وانتهينا من ذلك ،بقي الكالم عىل "ال النافية" ،و"الت النافية" العاملتني عمل "ليس"،
فنبدأ الدرس بالكالم عليهَم بإذن اَّلل تعاىل.
ففي "ال النافية" العاملة عمل "ليس" قال ابن هشا ٍم -ر ِمحه اَّلل" :-
الشع ِر بِ ِ ِ ِ ِ
رشط تنْك ِري م ْعمول ْيها ْ
نحو: ْ "وكذا ال النَّافية يف ي ْ
وال وز ٌر ِممَّــا قىضــ اَّلل واقيــ اا ض ِ
باقيـ اا تعزَّ فال يش ٌء عىل األْ ْر ِ
فذكر -ر ِمحه اَّلل تعاىل -أن:
الشيخ /سليمان العيوني 265
أيضا قد تعمل عند احلجازيني عمل "ليس" وهي تعمل عمل "ليس"
■ "ال النافية" ا
عند احلجازيني بنفس الرشوط التي ذكرناها لــ "ما احلجازية".
إذن فللعرب فيها كذلك مذهبان:
ا
هامال فال يعملونه عمل وأكثر العرب ومتيم جيعلون "ال النافية" عىل أصلها حر افا
ناجح) فريفعون بعده املبتدأ وخربه.
ٌ "ليس"؛ يعني يقولون( :ال املهمل
ناجحا) فال نافي ٌة عامل ٌة
ا وأما احلجازيون فإهنم يعملونه عمل "ليس" فيقولون( :ال املهمل
عمل ليس ،واملهمل :اسمها مرفوع ،وناج ايا :خربها منصوب.
ناجحا) ،ومن ذلك البيت الذي ذكره ابن هشام:ا ٌ
مهمل أيضا( :ال
ويقولون ا
وال وز ٌر ِممَّــــا قىضــــ اَّلل و ِاق ايــــا ضب ِ
اق ايــا يش ٌء عــىل ْاأل ْر ِ
تعــزَّ فــال ْ
وزر،
أيضا اسمها ٌ
ت خربها باق ايا ،وال يف الشطر الثان ا
يش ٌء ونصب ْ
ت ْاسمها ْ
فال رفع ْ
ونصبت خربها واق ايا.
أيضا قول الشاعر: ومن ذلك ا
فب يوئْت ِح ْصـناا بِـالكَم ِة ح ِصـ ْينا ـــري
بغ ْ
ِ
رصـــتك إِ ْذ ال صـــاح ٌ
ن ْ
ل ِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــاذ ٍ
احب غري خ ِ ِ خـ
فصاحب :اسمها مرفوع ،وغري :خربها منصوب. ٌ اذ ٍل) فقال( :ال ص ٌ ْ
عملها عمل "ليس" احلجازيون، إال أن إعَمل احلجازيني إياها عمل "ليس" قليل ،إنَم ي ِ
ومع ذلك فإن إعَمهلم إياها قليل؛ يعني ليس كإعَمهلم "ما النافية" فهي تعمل عندهم عمل
ليس باضطراد ،أما إعَمل "ال" عند احلجازيني فهو قليل.
راسب) فهذه مهملة عند اجلميع؛ ألن نفيها انتقد
ٌ ٌ
مهمل إال بخالف ما لو قلت ا
مثال( :ال
ٌ
مهمل ناج ٌح) فقدَّ مت اخلرب، ٌ
مهمل) تريد (ال ناجح
ٌ َّ
بإال كَم يف "ما احلجازية" ،لو قلت( :ال
فأيضا بطل عمل ال عند اجلميع.
ا
266 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
مذكورا يف "ما
ا ٌ
َشط إضايف ليس إال أنه يشرتط يف "ال النافية" العاملة عمل ليس
نص عليه ابن هشا ٍم هنا ،وهو كون اسمها وخربها نكرتني فقال:
احلجازية" وهو الرشط الذي َّ
ناجحا).
ا ٌ
مهمل (برشط تنكري معمول ْيها) نحو( :ال
أيضا جيعلون عمل "ال النافية" ويف كالم ابن هشام السابق ويف كالم ٍ
كثري من النحويني ا
خاصا بالشعر؛ يعني من رضائر الشعر أو من رضورات الشعر ،وهلذا قال ابن
عمل "ليس" ا
أيضا يف النثر وإن كان ا
قليال. آت االشعر) ومع ذلك نقل بعض النحويني أن هذا ِ
ِ هشام( :يف
النص عليها يف الكالم عىل "ال النافية للجنس" وإعَمهلا ،وهي :أن
وهنا مسألة ينبغي ُّ
كثريا ما حيذفون خربها ،احلذف ليس واج ابا إال أنه كثري ،ومن ذلك قول الشاعر: العرب ا
فأنــا ا ْبــن قــ ْي ٍ
س ال بــراح ــن نِ ْري ِاهنـــا
ــن صـــدَّ عـ ْ
مـ ْ
فرباح اسمها ،واخلرب ُمذوف ونحو ذلك ،فهذا ما يتع َّلق بإعَمل "ال
ٌ براح يل،
يعني ال ٌ
النافية" عمل "ليس".
■ وأما احلرف الثالث النايف العامل عمل "ليس" :فهو "الت النافية" ،ويف ذلك قال ابن
هشام:
جيمع ب ْني جزنء ْهيا ،والغالِب ح ْذف امل ْرفو ِع ن ْحو﴿ :والت ِحني
لكن يف احلني ،وال ْ
"والت ْ
من ٍ
اص [ص."]3:
"الت" هي "ال النافية" ولكنها أنيست بالتاء شذو اذا ،قلنا :إن تأنيسها بالتاء شذو اذا؛ ألن
تاء التأنيث إنَم تدخل عىل األسَمء؛ كقائم وقائمة ،إال أن التأنيث جاء شذو اذا يف بعض
احلروف؛ كــ (ال والت ،وث َّم وث َّمت) فهذا شاذ ،فالت هي ال ولكن أنيست بالتاء شذو اذا
فاختلف حكمها كَم ذكر ابن هشام هنا.
فإعَمهلا واجب ليس كال إعَمهلا قليل ،بل إعَمهلا واجب ولكن برشطني ذكرمها ابن هشام:
الشيخ /سليمان العيوني 267
زمان بمعنى وقت ،ومناص :بمعنى فرار؛ يعني ليس الوقت وقت فرار؛ ﴿والت ِحني
من ٍ
اص [ص ]3:يعني ليس الوقت وقت فرار ،فحذف اسمها الوقت ،وأبقى خربها املنصوب
حني مناص.
ومن ذلك قول الشاعر:
والبغــي مرتــع مبتغيـ ِ
ـه وخــيم ن ِدم البغاة والت سـاعة منْـد ٍم
ْ ْ
فعمل هنا يف لفظ ساعة ،فقال:وهذا من الشواهد عىل أن "الت" تعمل يف غري لفظ احلنيِ ،
(ن ِدم البغاة والت ساعة منْد ٍم)؛ أي ندم البغاة وليس الوقت وقت ندم ،وليست الساعة هذه
ساعة ندم.
268 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
وقد يكون املحذوف اخلرب املنصوب فيبقى االسم املرفوع وهذا قليل ،ومن ذلك :القراءة
اص [ص﴿ ،]3:والت ِحني يعني اسمها ،واخلرب الواردة يف اآلية السابقة﴿ :والت ِحني من ٍ
مناص هلم ،يعني ليس وقت ٍ
فرار هلم ،فحذف اخلرب وهو "هلم" ٍ ُمذوف يعني والت حني
ورصح باالسم وهو "حني" ،فهذا ما يتع َّلق ببقية باب كان وأخواهتا.
َّ
لننتقل إىل الناسخ الثان وهو :إن وأخواهتا وما يعمل عملها ،وقد ذكر فيه ابن هشام -
باعا عىل ترتيب ابن هشا ٍم -ر ِمحه اَّلل تعاىل.-ِ ِ
رمحه اَّلل -مسائل عدَّ ة سنأيت عليها ت ا
فأول مسألة ذكرها :الكالم عىل ألفاظ هذا الباب ومعانيها ،فقال -ر ِمحه اَّلل( :-الثان)
يعني الناسخ الثان.
تشبِ ِيه أو ال َّظ ين ،ول ْيت لِلتَّمنيي ،ولع ْل
اك ،وكأ َّن لِ َّل ْ
يد ،ولكِن لِالستِدْ ر ِ
َّ ْ
"ال َّث ِان إِ َّن وأ َّن لِلت َّْأكِ ِ
وبني معانيها؛
فذكر أن هذا الباب يتكون يف األصل من ستة أحرف ذكرها َّ
وأن) ،السؤال :ما معنامها؟ اجلواب من كالم ابن هشام:
إن َّ
فاحلرف األول واحلرف الثانَّ ( :
كثريا ما يذكر يف الكتب
معنامها :التأكيد أو التوكيد ،طب ما معنى التأكيد أو التوكيد؟ هذا ا
يقول :معنى هذه الكلمة التوكيد أو التأكيد؟
فنقول :التوكيد أو التأكيد نوعان:
-هناك توكيدٌ بالغي.
-وهناك توكيدٌ نحوي.
فالتوكيد النحوي هو الذي يدرس يف [باب التوكيد] من التوابع وسيأيت ،وهو:
لفظي بتكرار اللفظ؛ كـ (جاء ُممدٌ ُممدٌ ).
ٌّ -إما
َّفس والعني؛ كقولك( :جاء ُممدٌ نفسه). ٍ
بألفاظ معينة؛ كالن ِ -أو معنوي
الشيخ /سليمان العيوني 269
وأن" فليس هلَم معناى خاص يأيت معهَم ويذهب بزواهلَم ،وإنَم املعنى هو
إن َّ
بخالف " َّ
املعنى قبل دخوهلَم ،فيدخالن لتقوية املعنى السابق وتأكيده وحتقيقه ،فهذا هو املراد بالتأكيد يف
وأن).
(إن َّ
كل ما يقال فيه :إن معناه وفائدته التوكيد كــ َّ
حارض) ثم نقول( :ملحمدٌ
ٌ وكذلك "الم التوكيد" أو "الم االبتداء" كَم يف قولناُ( :ممدٌ
أيضا هذا حرف توكيد وهكذا؛ فهذا املراد بالتأكيد.
حارض) ا
ٌ
خالف بني
ٌ حرف واحد؟
ٌ وأن هل مها حرفان أم أيضا يتع َّلق َّ
بإن َّ ٌ
سؤال آخر ا هناك
النحويني؛
حرف واحد تفتح مهزته يف مواضع وتكرس يف مواضع ،وعىل ذلك أكثر املتقدي مني
ٌ فقيل:
فلهذا يعدُّ ون أحرف هذا الباب مخسة ،ويسمون الباب [باب األحرف اخلمسة] كَم ذكر
سيبويه.
وقيل :مها حرفان ا
أخذا بالظاهر ،فلهذا يعدُّ ون أحرف هذا الباب ستة.
وأن.
إن َّ واخلالف هنا ليس خال افا ا
كبريا ،انتهينا من َّ
لكن" ،ما معناها؟ ذكر ابن هشام أن معناها االستدراك،
ننتقل إىل احلرف الثالث وهوَّ " :
توه ٍم يتو َّلد من كال ٍم سابق ،يعني ال بدَّ أن يكون هناك كال ٌم
ما معنى االستدراك؟ هو رفع ُّ
التوهم.
ُّ لكن لدفع هذا سابق ،هذا الكالم السابق قد يتو َّلد منه ُّ
توهم فتأيت َّ
شجاع) فيتبادر وي ِ
رسع إىل الذهن بَم أنه شجاع أنه كريم؛ ألن ٌ مثال ذلك :أن تقولُ( :ممدٌ
ِ
فتستدرك وتقولُ( :ممدٌ شجاع لكنه بخيل) ،فاستدركت لتدفع األصل يف ُّ
الشجعان الكرم،
التوهم الذي قد يفهم من الكالم السابق.
ُّ
ذكي) قد يفهم من ذلك أنه
ٌّ ذكي لكنه كسول)ُ( ،ممدٌ
ٌّ فتقولُ( :ممدٌ جمتهدٌ ) أو (ُممدٌ
جمتهد ،بَم أنه ذكي فهو جمتهد ،فتقول( :لكنه كسول) يعني مل ِ
يستفد من ذكائه وهكذا.
الشيخ /سليمان العيوني 271
كأن" ما معناها؟ ذكر ابن هشام هلا معنيني؛ ومها :التشبيه والظن؛
واحلرف الرابعَّ " :
قمر).
(كأن زيدا ا أشدٌ ) ،و(كأن هندا ا ٌ
َّ أما التشبيه فواضح؛ كأن تقول:
مسافر) أنت هنا ال تريد حقيقة التشبيه بالسفر،
ٌ وأما الظن قالوا :مثل أن يقال( :كأن زيدا ا
مسافر).
ٌ وإنَم تبدي عدم التأكُّد من سفره ،فتقول( :كأن زيدا ا
لكن" والذي عليه أكثر النحويني: وهذا املعنى وهو الظن خمتل ٌ
ف يف إثباته هلذا احلرف " َّ
مسافر) أنت تش يبهه
ٌ (كأن زيدا ا
َّ عدم إثبات هذا املعنى وإرجاعه إىل معنى الظن ،وإذا قلت:
باملسافر لكن من باب الظن ال من باب اليقني؛ يعني أن التشبيه:
تشبيها متأكَّدا ا منه؛ (كأن زيدا ا أسدٌ ).
ا قد يكون
مسافر). ٍ
متأكد منه ،فتقول( :كأن زيدا ا تشبيها غري وقد يكون التشبيه
ٌ ا
فيعيدون الجميع إلى التشبيه مع ا ِّتفاقهم على َّ
صحة جميع هذه األمثلة واألساليب.
ثم ننتقل إىل احلرف اخلامس وهو" :ليت" ،فَمذا ذكر ابن هشام يف معناها؟ قال :معناها
التمنيي ،وهنا لبس وقع فيه بعض املعارصين وهو عدم التفريق بني التمنيي بلفظ التمنيي ،وبني
التمنيي بلفظ ليت؛
التمنيي بلفظ التمنيي أن تقول :أمتنَّى كذا (ُممد يتمنَّى كذا).
حي).
وأما التمنيي بليت فكأن تقول( :ليت أخي ٌّ
فالتمنيي بلفظ التمنيي يكون لطلب اليشء ممكناا كان أو غري ممكن ،تقول( :أمتنَّى لك اخلري)،
و(أمتنَّى اجلنَّة) ،و(إذا متنَّى اإلنسان عىل ر يبه فليعظِم األمنية) ،وواضح أن هذه األشياء يف األمور
املمكنة.
وأما إذا كان التمنيي بــ "ليت" فهو الذي يكون يف طلب األشياء املستحيلة أو العسرية؛
حي).
فاملستحيلة كقولك( :ليت الشباب عائدٌ ) ،و(ليت ُممدا ا ٌّ
272 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
فقوال له ا
قوال ل ييناا رجاء أن يتذكَّر أو خيشى ،فليس هناك شاهد قاطع عىل معنى التعليل ،وإن
كان هناك تقارب بني معنى الرجاء ومعنى التعليل ،ولكنه ليس معناى مستقل بنفسه.
فهذه املسألة األوىل يف هذا الباب.
لننتقل إىل املسألة الثانية؛ وهي الكالم عىل عمل هذه األحرف ويف ذلك يقول ابن هشام:
"فين ِْص ْبن امل ْبتدأ اس اَم هل نن ،وي ْرف ْعن ْ
اخلرب خرب اا هل َّن".
احلا م ْرس ٌل ِم ْن
هذا واضح؛ كقوله تعاىل﴿ :إِ َّن اَّللَّ غفور ر ِحيم [النور﴿ ،]5:أتعلمون أ َّن ص اِ
ْ ٌ ٌ
ر يب ِه [األعراف ]75:فتدخل عىل اجلملة فتنسخ العامل السابق وهو االبتداء ،ثم تعمل هي
خربا هلا.
سمى ااسَم هلا ،وترفع ما كان خرب املبتدأ وي َّ
فتنصب املبتدأ ويسمى ا
مسألة أخرى :وهي زيادة ما بعد هذه األحرف ٍ ثم انتقل إىل
قال فيه ابن هشام -ر ِمحه اَّلل:-
احدٌ [النساء ]171:إِ َّال ل ْيت فيجوز فيها " :إِ ْن مل ت ْق ِرت ْن ِهبن ما احلرفِية ،نحو﴿ :إِنََّم اَّللَّ إِله و ِ
ٌ ْ َّ ْ َّ ْ
كإن املكْسور ِة خم َّفف اة". انِ ،األ ْمر ِ
قائم)
(إن ُممدا ا ٌ
الكالم هنا عىل هذه األحرف إذا زيدت بعدها ما احلرفية؛ يعني لو قلتَّ :
قائم) فسيختلف احلكم ،ما الذي (إنَم زيدٌ ِ
ٌ لوجب اإلعَمل ،وإذا زدت بعدها ما فقلتَّ :
اختلف؟ هو ما ذكره ابن هشام هنا من أن عملها يبطل ،يلغى ،يزول؛ يعني تعود أحر افا مهملة
وخرب مرفوع. مبتدأ مرفوعٌ ال عمل هلا ،وما بعدها
ٌ
خرب مرفوع، ِ ِ ِ
يف قوله تعاىل﴿ :أنََّم إهلك ْم إل ٌه واحدٌ [الكهف ،]110:إهلكم :مبتدأ مرفوع ،إل ٌهٌ :
إن وهذه ما الزائدة احلرفية التي ك َّفت َّ
إن عن العمل ،واملعربون خيترصون ذلك وإنَم هذه َّ
كاف ومكفوف.
ويقولون :إنَم ٌ
274 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ومن ذلك :قوله﴿ :إِنََّم إِهلكم اَّللَّ [طه ،]98:وتقول( :لع َّلَم الغداء جاهزٌ ) ،وتقول( :كأنَم
زيدٌ أسدٌ ) وهكذا.
قال( :إِ َّال ليت) فإذا دخلت عليها ما الزائدة فقلت( :ليتَم) جاز فيها اإلعَمل وهو األكثر،
وجاز فيها اإلمهال؛ ألهنَم مسموعان عن العرب كَم يف قول الشاعر:
إِىل محامتِنــا ،أو نِصــفه فق ِ
ــد قالت :أال ل ْيتَم هذا احلَمم لنـا
ْ
وجاء يف رواية:
إِىل محامتِنــا ،أو نِصــفه فق ِ
ــد قالت :أال ل ْيتَم هذا احلَمم لنـا
ْ
فليتَم اتصلت هبا "ما" الزائدة وهذا اسمها يف ُمل نصب ،واحلَممة :بدل من هذا
منصوب ،ولنا :اخلرب ،األصل( :احلَمم لنا) ،ثم دخل اسم اإلشارة( :هذا احلَمم لنا) ،ثم دخلت
ليت( :ليت هذا احلَمم لنا) ،ثم زيدت ما (ليتَم هذا احلَمم لنا) فإذا أدخلت ما:
جاز اإلعَمل؛ (ليتَم هذا احلَمم لنا).
واإلمهال؛ (ليتَم هذا احلَمم لنا).
فإن قلت :ملاذا بطل عملها عندما زيدت بعدها ما احلرفية؟ ملاذا أبطل العرب عملها
حينئذ؟
اجلواب عن ذلك :أن هذه األحرف إذا زيد بعدها ما احلرفية يزول اختصاصها باألسَمء ،ما
أيضا؛
معنى يزول اختصاصها باألسَمء؟ تدخل عىل األسَمء وتدخل عىل األفعال ا
قائم) فتدخل االسم.
تقول( :إنَم ُممدٌ ٌ
وتقول( :إنَم قام ُممدٌ ) فتدخل عىل الفعل.
(إن قام
قائم) ،ما تقولَّ : أما إذا مل تزد بعدها "ما احلرفية" فإهنا خمتَّص ٌة باألسَمء َّ
(إن زيدا ا ٌ
زيدٌ ) وقد ذكرنا من قبل يف أكثر من مناسبة أن األصل يف إعَمل احلروف أن ينظر إىل
الشيخ /سليمان العيوني 275
وحق اخلرب،
إن وما بمعنى الذي ،وتقوله صلة املوصولٌّ ،
حق)؛ أي َّ
(إن ما تقوله ٌّ
كأن تقولَّ :
حق) لكن استعملنا ما املوصولة. (إن الذي تقوله ٌّ
َّ
ِ
وكَم يف قوله تعاىل﴿ :إنََّم ِجئْت ْم بِه ي
الس ْحر [يونس ]81:يعني إن الذي جئتم به السحر.
صواب)
ٌ صواب) ما هذه ليست زائدة ما يمكن أن نحذفها (إن تفعل
ٌ فإذا قلنا( :إنَم تفعل
فليست زائدة ،لكن هل هي موصولة بمعنى الذي أو مصدرية؟
صواب) وحذفنا العائد ،ودرسنا يف األسَمء
ٌ موصولة يكون املعنى (إن الذي تفعله
املوصولة أن العائد جيوز أن حيذف.
وإن قلت :ما مصدرية يعني ينسبِك منها ومن الفعل بعدها مصدر ،والتقدير( :إن فعلك
صواب).
ٌ
فأي املعنيني املراد أم كالمها ِ
ُمتمل؟ كالمها ،هنا حتتمل املصدرية واملوصولية؛ ومن ذلك ٌّ
ِ
قوله تعاىل﴿ :إِنََّم صنعوا ك ْيد ساح ٍر [طه]69:؛
ٍ
ساحر. حتتمل املوصولية :يعني إن الذي صنعوه كيد
ٍ
ساحر. وحتتمل املصدرية :يعني إن صنعهم كيد
قال الشاعر:
ِ ِ
ـون ولك َّن ما ي ْقىضـ فس ْ
ـوف يك ْ فــواَّللَِّ مــا فــار ْقتك ْم قاليــا لكـ ْ
ـم
(فلكن القضاء
َّ مصدرية أو موصولة؟ بل حتتملهَم( ،ولكِ َّن ا َّلذي ي ْقىض فس ْوف يك ْون) أو
سوف يكون) وهكذا.
بنون ٍ
مسألة هلا ذيول ،وهي :الكالم عىل ختفيف األحرف املختومة ٍ لينتقل ابن هشام إىل
مشدَّ دة.
الشيخ /سليمان العيوني 277
إن بسكون النون ،فبعد أن ذكر ابن هشام جواز اإلعَمل فإذا خ َّففنا َّ
إن فَمذا نقول؟ نقولْ :
أيضا يف إِ ْن املخففة من َّ
إن املشدَّ دة؛ يعني جيوز فيها واإلمهال يف ليتَم قال :إن هذا احلكم ٍ
جار ا
اإلعَمل ،وجيوز فيها اإلمهالَّ ،إال أن اإلمهال أكثر.
يعني عكس ليتَم ،ليتَم جيوز فيها اإلعَمل واإلمهال واإلعَمل أكثر.
وإن املخ َّففة من َّ
إن جيوز فيها اإلعَمل واإلمهال واإلمهال أكثر. ْ
قائم) باإلمهال؛
و(إن زيدٌ ٌ
قائم) باإلعَملْ ،
(إن زيدا ا ٌ
فتقولْ :
قائم).
(إن زيدا ا ٌ
فإذا أعملت فاملنصوب اسمها واملرفوع خربها ْ
ٌ
مبتدأ مرفوع قائم) فهي حرف مهمل ال يعمل شيئاا وما بعدها
ٌ (إن زيدٌ
وإن أمهلتْ :
وخربه.
س َّملا عل ْيها حافِ ٌظ [الطارق ،]4:وقال تعاىل﴿ :وإِ ْن ك ًال َّملا ليو يفينَّه ْم
قال تعاىل﴿ :إِ ْن ك ُّل ن ْف ٍ
إنإن كانت يعني َّإهنا كانت ،لكن خ َّفف ْ اس ِقني [األعراف ]102:والتقديرْ : وجدْ نا أكْثرهم لف ِ
ْ
يعني إنا وجدنا أكثرهم وجعل الفعل الناسخ وال ايا هلا مباَشةا ،وكذلك ﴿إِ ْن وجدْ نا
لفاسقني.
ذكرنا أهنا إن أعملت فاملنصوب اسمها واملرفوع خربها.
وإن أمهلت فليس هلا اسم وال خرب ،بل ما يقع بعدها يكون مجلة اسمية مكونة من مبتدأٍ
ٌ
ٍ
وخرب مرفوع. مرفوع
ٍ
بحروف أخرى؟ فاجلواب :نعم ،تشتبه بَمذا؟ إن املخ َّففة من َّ
إن املشدَّ دة تشتبه فإن قلتْ :
ٌ
بخيل) بمعنى ما زيدٌ (إن زيدٌ
بإن النافية ْ إن الرشطية"( ،إِ ْن جتتهد تنجح) ،ا
وأيضاْ : تشتبه بـ " ْ
فإن هذا اللفظ قد يأيت حرف َشط ،وقد يأيت حر افا ناف ايا ،وقد يأيت حر افا ناسخا ا خم َّف افا من ٌ
بخيلْ ،
فرق بينها املعنى.
إن الثقيلة ،والذي ي ي
َّ
كرمك) .لكن اللبس بإن املخ َّففة (إِ ْن جتتهد تنجح)ْ ،
(إن تأيت أ ِ فالرشطية واضحة ال تلتبٍس ْ
قد حيدث بني املخ َّففة والنافية؛ ألن املخ َّففة أصلها املث َّقلة ،واملث َّقلة يف قولكَّ :
(إن ُممدا ا قائم)
قائم) تنفي ،فقد حيدث اللبس بينهَم ،فإن ف ِهم املعنى ،إن ف يرق بينهَم
(إن ُممدٌ ٌ
وإن النافية ْ
تثبتْ ،
باملعنى فال إشكال؛
كريَم)؟
حاتم ا
ٌ كريم) أو (ليس
ٌ (إن حامتاا
كريم) هنا تثبت أو تنفي؟ َّ
ٌ حاتم
ٌ (إن
كأن تقولْ :
إن املخ َّففة من َّ
إن. تثبت هذه ْ
الشيخ /سليمان العيوني 279
أن قدْ صدَّ قت الرؤيا؛ يعني أنه قد صدَّ قت الرؤيا ،اهلاء يعود إىل الشأن ،أن
إبراهيم :نداء يعني ْ
شأنك قد صدَّ قة الرؤيا ،أو نعيد الضمري إليه أنك قد صدَّ قت الرؤيا.
أن إذا خ يففت وجب إعَمهلا بأربعة َشوط ذكرها
حرر املسألة فنقولْ :
■ بعد هذه األمثلة ن ي
ابن هشام:
الشيخ /سليمان العيوني 281
اخل ِامسة أ ْن غ ِضب اَّللَِّ عل ْيها [النور ]9:عىل قراءة ،يعني واخلامسة أنَّه
ويف قوله تعاىل﴿ :و ْ
ِ
غضب اَّلل عليها.
حب أن قد تشتبِه ْ
بأن املصدرية الناصبة للمضارع (أ ُّ أن املخ َّففة التي يقال فيهاْ :
فإن قلت :يف َّ
ٍ
بلفظ واحد ،والتفريق بينهَم أن يقال: أن جتتهد) وكالمها
احل ْمد َّللَِّ ر يب ا ْلعاملِني [يونس ،]10:فهي ال
أن داخل اة عىل اس ٍم كَم يف قوله﴿ :أ ْن ْ
إذا كانت ْ
شك املخ َّففة من الثقيلة.
الشيخ /سليمان العيوني 283
ذهاب زيد).
أن تذهب) ،أو (جيب
حب ْ
فإن مل تسبق بعلم وال بظن فهي املصدرية الناصبة؛ كقولك( :أ ُّ
أن تذهب) ،أو (يعجبني أن جتتهد) ،ونحو ذلك ،فهذا قلناه من قبل ونؤكد عليه اآلن.
كأن" ،وفيه يقول ابن هشام: ثم ننتقل إىل الكالم عىل ختفيف " َّ
"و َّأما كأ َّن فت ْعمل وي ِق ُّل ِذكْر اسمها وي ْفصل ا ْل ِف ْعل ِمنْها بِـ (ملْ) أ ْو (قدْ )".
حينئذ من حيث اإلعَمل واإلمهال؟ قال: ٍ فكأن إذا خ يففت قيل فيها" :كأ ْن" ،وما حكمها
جيب إعَمهلا ،فإعَمهلا واجب ،فإذا خ َّففتها وأعملتها كان هلا استعَمالن:
ظـاهرا،
ا اسـَم ٌ
استعَمل قليل لكنه وار ٌد وجـائز ،وهـو :ان يكـون اسـمها ا االستعَمل األول:
قمر) ،ومـن ذلـك قـول
و(كأن هندا ا ٌ
ْ (كأن زيدا ا أسدٌ )،
ْ وخربها مفرد أو مجلة ،فيجوز أن تقول:
الشاعر:
ِ
ــــان كــــأن ثدي ْيــــه ح َّق
ْ ــر رشـ ِ
ــق الن َّْحـ ِ وصـــدْ ٍر م ْ ِ
ٌ
استعَمل جائز لكنه قليل. فنصب االسم ثدييه ،ورفع اخلرب ح َّقان ،فهذا
284 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
أن
كأن فهو االستعَمل األكثر يف اللغة :أن جتعلها ك ْ
أما االستعَمل الثان :عند ختفيف ْ
املخففة ،يعني جتعل اسمها ضمري ٍ
شأن ُمذو افا ،وجتعل خربها مجلة ،إال َّ
أن خرب اجلملة يفصل
بلم أو قدْ ؛
كَم قال ابن هشام ْ
يذهب زيدٌ ) املعنى كأنه مل يذهب زيد ،ثم خ َّفف ْ
كأن وحذفت اسمها ْ (كأن مل
ْ كأن تقول:
كأن الشأن مل يذهب زيدٌ .
الذي هو ضمري شأن؛ يعني َّ
ويف قوله تعاىل﴿ :كأ ْن مل ْ تغْن بِاأل ْم ِ
س [يونس ]24:يعني كأنه مل تغن باألمس.
(كأن قد ذهب زيدٌ ) يعني كأنه قد ذهب زيدٌ ،قال الشاعر:
ْ وتقول يف الفصل بقدْ :
فم ْحـــذورها كـــأن قـــدْ أ َّملـــا ال هيولنَّك اصطِالء لظى احل ْر ِ
ب
يعني كأنه قد أملَّ.
كأن املشدَّ دة لكن هذا قليل.
فاالستعَمل القليل :أن تعمل َّ
كأن املخففة فيكون اسمها ضمري ٍ
شأن ُمذو افا ،ويكون خربها واالستعَمل الكثري :أن تكون ْ
مجلة.
أن:
ولكن ،وخالصته َّ
َّ وكأن
َّ وأن،
إن َّ
فهذا الكالم عىل ختفيف َّ
إن إذا خ يففت جاز إمهاهلا وهو األكثر ،وجاز إعَمهلا وهو قليل.
َّ
وأن إذا خ يففت وجب إعَمهلا لكن يكون اسمها ضمري ٍ
شأن ُمذو افا ،ويكون خربها مجلة َّ
مفصولة ،أو غري مفصولة عىل التفصيل.
وكأن إذا خ يففت جاز فيها استعَمالت:
َّ
كأن املشدَّ دة وهذا قليل.
أن تكون َّ
أن.
واالستعَمل الثان :أن تكون كأن املخففة من َّ
لكن إذا خ يففت فإهنا هتمل.
وأما َّ
َّ
الشيخ /سليمان العيوني 285
ولكن.
َّ وكأن
َّ وأن،
إن َّ
فهذا اخلالصة يف ختفيف َّ
ٍ
مسألة أخرى يف هذا الباب ،وهي :مسألة الكالم عىل حكم توسيط اخلرب يف لننتقل إىل
هذا الباب.
ما حكم توسيط اخلرب يف هذا الباب؟ قال فيه ابن هشام:
جمرور اا ن ْحو﴿ :إِ َّن ِيف ذلِك ل ِع ْرب اة [آل عمران﴿ ،]13:إِ َّن
"وال يتو َّسط خربه َّن إالَّ ظ ْرف اا أ ْو ْ
لد ْينا أنْك ااال [املزمل."]12:
إذن فيجب يف هذا الباب التزام األصل يف ترتيب اجلملة ،فيأيت احلرف الناسخ ا
أوال ،ثم
توسعت يف شبه اجلملة :الظرف واجلار واملجرور فأجازت يف
اسمه ،ثم خربه ،إال أن العرب َّ
اخلرب يف هذا الباب إذا كان شبه مجلة أن يتقدَّ م.
كريم ُممدا ا).
ٌ (إن
كريم) مل جيزْ التوسيط ،فال تقولَّ :
ٌ (إن ُممدا ا
فإذا قلتَّ :
ِ
البيت ُممدا ). (إن يف
(إن ُممدا ا يف البيت) جاز التوسيط فتقولَّ :
وإذا قلتَّ :
ومن ذلك قوله﴿ :إِ َّن ِيف ذلِك ل ِع ْرب اة [آل عمران ]13:األصل واَّلل أعلم :إن عرب اة يف ذلك،
ا
أنكاال لدينا. وكقوله﴿ :إِ َّن لد ْينا أنْك ااال [املزمل]12:؛ أي َّ
إن
إن
التوسط هنا مع َّ
ُّ التوسط جائز ،فلَمذا امتنع
ُّ فإن قلت :سبق يف باب كان وأخواهتا أن
وأخواهتا؟
إن وأخواهتا ضعيف ،ألن عملها باحلمل والتشبيه ،ش يبهت باألفعال
فاجلواب :ألن عمل َّ
جوزوا
أصل يف العمل ،إال أن العرب َّ بخالف كان وأخواهتا فهي أفعال ،والفعل كَم ِ
نعرف ٌ
يتوسعون يف غريها.
يتوسعون يف شبه اجلملة ما ال َّ
توسيط اخلرب إذا كان شبه مجلة؛ ألهنم َّ
التوسط ،طيب
ُّ فالتوسط تو ُّسط اخلرب يف هذا الباب ممنوع إال إذا كان شبه مجلة ،هذا
ُّ إذن
التقدُّ م؛ تقدُّ م اخلرب عىل الناسخ نفسه ،ال َّ
شك أنه أشدُّ من اعا ،اخلرب ال يتقدَّ م عىل الناسخ أبدا ا ،ال
286 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
إن ُممدا ا) كَم جاز ذلك يف كان وأخواهتا ،فتقول( :كان ُممدٌ
(كريم َّ
ٌ كريم):
ٌ (إن ُممدا ا
تقول يف َّ
إن وأخواهتا حروف وعملها ٌ
أصل يف العمل ،لكن َّ و(كريَم كان ُممدٌ ) هذه أفعال،
ا كريَم)
ا
ضعيف؛ ألنه بالتشبيه فلم جي ْز فيها ما جاز هناك.
إن ٍ
مسألة أخرى يف هذا الباب وهي :مسألة الكالم عىل كرس مهزة َّ ثم انتقل ابن هشام إىل
وفتحها فقال:
إن يف االْبتِداء ن ْحو﴿ :إِنَّا أنْز ْلناه ِيف ل ْيل ِة ا ْلقدْ ِر [القدر ،]1:وب ْعد ا ْلقسم ن ْحو﴿ :حم
"وتكْرس َّ
ٍ
القول -نحو﴿ :قال إِ ين ِ
والقول -يعني وبعد ني * إِنَّا أنْز ْلناه [الدخان،]3-1: * وا ْلكِت ِ
اب ا ْملبِ ِ
ويف ذلك يقول ابن مالك -ر ِمحه اَّلل -يف األلفية:
مسدَّ ها و ِىف ِسوى ذاك اك ِ ِ
ْرسـ مهز إِ َّن ا ْفت ْح لِسـدي م ْصــد ِر
و ْ
حب اجتهادك فتفتح.
حب أنك جمتهد) يعني أ ُّ
فإذا قلت( :أ ُّ
اجلو معتدل) يعني يعجبني اعتدال اجلو،
إن َّاجلو معتدل) أو (يعجبني َّ
طب (يعجبني أن َّ
أن اجلو معتدل.
إذن يعجبني َّ
(من األدب أنك تستأذن أو َّ
إنك تستأذن؟) من األدب أنك تستأذن؛ ألن املعنى من األدب
استئذانك.
أن الطالب يبكير) ،تفتح؛ ألن التقدير :الواجب تبكري الطالب.
(الواجب َّ
إن كمجتهد باجتهادك؟ هل املعنى واحد؟ ال ،اجتهادك
فلو قلت( :إنك جمتهد) هل تقدي م َّ
ما باله؟ فسد املعنى.
لو قلت( :جاء الذي إنَّه كريم) هل تقول :التقدير واملعنى جاء الذي كرمه؟ ال إذن تكرس
(جاء الذي إنَّه كريم).
رحيم وتضع مكاهنا رمحة اَّلل؟ (واَّلل رمحة اَّلل)؟ إذن
ٌ إن اَّلل
رحيم) هل حتذف َّ
ٌ إن اَّلل
(واَّللِ َّ
رحيم). إن اَّلل ِ
تكرس (واَّللِ َّ
ٌ
بتطبيق هذه القاعدة نقول:
مصدر رصيح.
ٌ حل ُم ُّلها
إن إذا َّ
-تفتح مهزة َّ
مصدر رصيح.
ٌ -وتكرس إذا مل حيِل ُملها
َّ
وصل اَّلل فنخرج من ذلك بمواضع سنذكرها ونتتبعها إن شاء اَّلل بعد الصالة واَّلل أعلم،
وس َّلم عىل نبينا ُممد.
288 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
و(إن زيدا ا
ْ قائم)،
(إن زيدا ا ٌ
شئت أن تؤكدها بالالم فهذا جائز؛ ألن دخول الالم جائز فتقولْ :
لقائم).
ٌ
إن َّ
دل املعنى عىل أهنا بإن النافية ،فنقولْ : ٍ
فحينئذ قد تلتبِس ْ وإن أمهلتها فارتفع االسم بعدها
إن؛ ألنك تثبت الكرم
ريم) تريد َّ
حاتم ك ٌ
ٌ (إن
إن النافية فالالم ال جتب؛ كأن تقولْ :
إن املخففة أو ْ
ْ
رجيم) واضح أنك تثبت ما تنفي ،قال
ٌ (إن الشيطان
عظيم) تثبتْ ،
ٌ (إن اَّلل
حلاتم ،أو تقولْ :
الشاعر:
ِ ٌ ـن ِ ِ أنــا ابــن أبـ ِ
املعـادن كانت كرام
ْ مالك وإن
ْ آل الض ـ ْي ِم مـ ْ
ـاة َّ ْ
يفخمرالِبقومه ،إذن هو يثبت هلم أهنم ٍ ِ
ــــــــــــــــــــــــــــــكام املعادن أو ينفي؟ يثبت فال نحتاج هنا إىل الالم ،ال
كر
إن املخ َّففة ْ
بإن الناهية وجب أن تأيت جتب ،ولو أتى بالالم جلاز ،فإذا مل َّ
يدل املعنى والتبست ْ
إن املخففة.
بالالم مع ْ
مسافر) احتمل املعنيني.
ٌ (إن زيدٌ
ملسافر)؛ ألنك لو حذفت الالم ْ
ٌ (إن زيدٌ
تقولْ :
292 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
إن ،وابن هشام سيذكر هذه الرشوط ،بل سيذكر ثالث اة من
هذه أربعة َشوط إلعَمهلا عمل َّ
هذه الرشوط ،ويف أثناء هذه الرشوط سيذكر مسائل أخرى ،ويف هذه املسائل األخرى سيذكر
يف أثنائها مسائل أخرى ،فصار كالمه غاي اة يف الغموض والتعقيد ،وهو أراد أن يضغط الكالم
يف هذا املتن؛ فنح يلل هذه املسائل ونأخذ من كالم ابن هشام ما ُّ
يدل عليها ،ونتبع كالم ابن
هشام.
مسألة يف ال النافية للجنس وهو حكم اسمها ،قال ابن هشام" :وإِ ْن ٍ فانتقل للكالم عىل
اف وال ِش ْبهه بنِي عىل ا ْلفتْحِ يف ن ْح ِو( :ال رجل) و(ال ِرجال) ،وعل ْي ِه أ ْو عىلكان اسمها غري مض ٍ
ْ ْ
ني) و(ال م ْسلِمني)". ت) ،وعىل ا ْلي ِ
اء يف ن ْح ِو( :ال رجل ْ ِ رس يف نح ِو( :ال مسلَِم ٍ
ْ ْ ا ْلك ْ ِ
يشء بعده ،هذا التع ُّلق بينهَم ال عىل سبيل اإلضافة؛ كأن تقول( :ال ا
قبيحا فعله مذموم)، تع َّلق به ٌ
قبيح فعله ،وفعله ليس مضا افا إليه ،هنا فاعل. ِ
قبيح فعله؟ ٌ
من املذموم؟ القبيح أم ٌ
ِ
املسجد جالسا يف ِ
الكتب ناد ٌم)( ،ال حارض)( ،ال قارئاا يف مثال( :ال طال اعا ا
جبال لو قلت ا
ا ٌ
جالس يف املسجد ،إذن يف املسجد متع يلقة بجالس،
ٌ جالس يف املسجد ليس جالس،
ٌ خارس)
ٌ
وجالس متع يلقة باملسجد ،والعالقة بينهَم ليست عالقة إضافة ،تقول :هذا شبيه باملضاف ،ليس
مضا افا ،شبيه باملضاف.
اسَم لـ(ال
عرفنا املفرد ،وعرفنا املضاف ،وعرفنا الشبيه باملضاف ،ما أحكامها إذا وقعت ا
النافية للجنس)؟
ٍ
حينئذ عىل الفتح أو اسَم مفر ادا فإنه يبنى
أما احلالة األوىل :إذا كان اسم "ال النافية للجنس" ا
ما ينوب عنه؛
ِ
الفصل)( ،ال تفاحة يف ِ
البيت)( ،ال طالب يف يبنى عىل الفتح يف قولك( :ال رجل يف
ِ
املجلس). ِ
الفصل)( ،ال رجال يف طالب يف ِ
املكتبة) ،أو (ال َّ الشجرة)( ،ال كتاب يف
ٍ
مذكر سا املا فيبنى عىل الياء عالمة النصب ،تقول( :ال مصلني يف وإذا كان مثناى أو مجع
املسجد)( ،ال مع يلمني متأخرون).
ِ
معلَمت ٍ
مؤنث سا املا ما عالمة نصبه؟ الكرسة ،يبنى عىل الكرس يف األكثر (ال وإن كان مجع
املعرض)( ،ال ك ِ
تيبات عندي). ِ
سيارات يف ِ متأخرات)( ،ال
ٌ
الشيخ /سليمان العيوني 295
ِ
مسلَمت وجاء يف السَمع بناء مجاع املؤنث السامل عىل الفتح ،هذا أمر سَمعي ،فيقولون( :ال
متأخرات هذا اليوم).
ٌ ِ
معلَمت ِ
معلَمت وال وال مسلَمت يفعلن ذلك)( ،ال
ِ
البيت)؟ نقول: إذن فاملفرد يبنى عىل الفتح أو ما ينوب منابه ،يعني كيف ن ِ
عرب (ال رجل يف
مبني ٍ
نصب ٌّ منصوب يف ُمل
ٌ رجل :اسم ال النافية للجنس ،ثم نعربه إعراب املبنيات فنقول:
عىل الفتح.
منصوب يف ُمل
ٌ وإذا قلت( :ال مصلني يف املسجد) نقول مصلني :اسم ال النافية للجنس
مبني عىل الياء ،وهكذا.
نصب ٌّ
واحلالة الثانية :إذا كان مضا افا أو ا
شبيها باملضاف فإنه ينصب ،يكون منصو ابا ،منصوب كَم
سبق يف الكالم عىل باب املعرب واملبني ،منصوب هذا مصطلح خاص باملعربات؛ يعني أنه
ٍ
حينئذ معر ابا باق ايا عىل إعرابه. يكون
متكرب) طالب :اسم ال النافية للجنس منصوب وعالمة نصبه
يٌ فنقول( :ال طالب عل ٍم
ومتكرب :خرب ال النافية للجنس مرفوع وعالمة رفعه
ٌ الفتحة وهو مضاف ،وعلمٍ :مضاف إليه،
الضمة.
جالسا :اسم ال النافية للجنس منصوب وعالمة خارس) ِ
املسجد جالسا يف أو تقول( :ال
ا ٌ ا
وخارس :خرب ال مرفوع.
ٌ بجالسا،
ا نصبه الفتحة ،ويف املسجد :جار وجمرور متعلق
الطال ِ
ب عندي) مخس اة ومخسني :نصبت ،اسم ال منصوب وعالمة (ال مخس اة ومخسني من َّ
نصبه الفتحة ،ومخسني :معطوف عليه.
رابح)( ،ال ا
باذال علمه ناد ٌم) ،وهكذا؛ ِ
للناس ٌ خائن)( ،ال ً
غاشا ٌ (ال طال ابا للعل ِم
فإذا كان مضا افا أو ا
شبيها باملضاف سيكون منصوب ،طب اعا
إذا كان مضا افا سينصب بال تنوين؛ ألن التنوين ال جياء مع اإلضافة.
296 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
سينون.
وإذا كان شبي اها باملضاف فإنه َّ
وهنا تنبيه :وهو أن كون اسم ال النافية للجنس املفرد مبن ًيا عىل الفتح أو ما ينوب منابه ،هذا
ٍ
حينئذ مبني عىل الفتح أو ما ينوب منابه، قول مجهور النحويني ،يرون أن اسم ال النافية للجنس
والسبب الذي جعلهم يقولون ذلك :أن اسم ال النافية للجنس املفرد ال ي َّنون مع أنه يف األصل
مرصوف ،تقول( :ال رجل يف الدار) ،ال تقول( :ال ا
رجال) ،ملاذا مل ي َّنون؟
قالوا :ألنه مبني ،طيب كيف حدث فيه البناء؟ قالوا :تركَّب مع ال النافية للجنس تركُّب
األعداد املركبة ،تركُّب مخسة عرش ،يعني ركَّبت الكلمتني بحيث يكونان كلم اة واحدة فبني عىل
الفتح كَم يف مخسة عرش ركَّبتهَم فبني عىل الفتح.
دائَم؛
منصوب ا
ٌ معرب
ٌ إن اسم ال النافية للجنس
وقال بعض املحققني من النحوينيَّ :
فإن كان مضا افا أو ا
شبيها باملضاف فهذا اتيفاق.
معرب منصوب.
ٌ أيضا
وإن كان مفر ادا فهو ا
ٍ
لسبب آخر وهو :طلب التفريق يف املعنى ،ليعرف أن ال عاملة وإنَم مل ي َّنون ال ألنه مبني وإنَم
عمل ال النافية للجنس ،وذلك أن ال النافية للجنس هي ال النافية املعروفة التي تدخل عىل
األفعال وعىل األسَمء؛
حرف مهمل هامل با يتفاق.
ٌ تدخل عىل األفعال؛ كقولكُ( :ممدٌ ال هيمل دروسه) فهي
ِ
البيت). وتدخل عىل األسَمء؛ كقولك( :ال ٌ
رجل يف
فإن دخلت ال النافية عىل االسم؛ كقولك( :ال رجل يف البيت) هي نفت ،لكن ماذا نفت؟
ما معنى (ال رجل يف البيت)؟ حيتمل أمرين:
أهنا نفت اجلنس؛ يعني ال أحد من هذا اجلنس يف البيت( ،ال رجل يف البيت) هذا البيت
ليس فيه أحد من جنس الرجال ال واحد وال أكثر؛ (ال رجل يف البيت).
الشيخ /سليمان العيوني 297
وحيتمل أهنا نفت الوحدة ،ال رجل واحد ،فهذا البيت ما فيه رجل بل فيه رجالن أو رجال.
النفي هنا ُمتمل للمعنيني ،فأرادت العرب أن مت ييز نفي اجلنس عن نفي الوحدة ،فإذا أرادوا
إن
إن فقالوا( :ال رجل يف البيت) ،فإذا أعملتها عمل َّ
النص عىل نفي اجلنس أعملوها عمل َّ
صارت نافي اة للجنس؛ يعني صارت ً
نصا يف نفي اجلنس وال حتتمل نفي الوحدة.
فعىل ذلك لو قلت( :ال رجل يف البيت) ،هل يصح أن تقول( :ال رجل يف البيت بل فيه
رجال)؟ ال؛ ألن (ال رجل يف البيت) نفي مجيع اجلنس ،ال واحد وال اثنني وال أكثر.
ٌ
رجل :مبتدأ ،ويف ٌ
رجل يف البيت) وإذا مل تعملها أبقيتها حر افا ا
هامال ،فإنك ستقول( :ال
البيت :خرب ،وال :حرف نفي هامل ،وماذا يكون معنى نفيها؟ حيتمل املعنيني؛ فقالوا :ال النافية
للجنس يعني ال الناصة عىل نفي اجلنس فقصدت العرب إىل ذلك.
ثم قال ابن هشا ٍم -رمحه اَّلل:-
وت) ،و(ال ِع ْ ِ
رشين احب ِع ْل ٍم ممْق ٌ
ات املت َِّصل ِة ِهبا نحو( :ال ص ِ
ْ
"لكِن عملها خاص بِالنَّكِر ِ
ٌ ْ
مها ِعن ِْدي)". ِ
د ْر ا
إن:
نص عىل َشطني من َشوط إعَمل ال عمل َّ
يف كالمه هذا ٌّ
الرشط األول :أهنا ال تعمل إال يف النكرات ،فهي ال تعمل يف املعارف.
والرشط الثان :أن تتصل باسمها فال يفصل بينهَم بفاصل.
إذن انخرم الرشط األول؟ يعني لو دخلت عىل معرفة ،لو كان اسمها معرفة فهل تعمل أو
كرر.
وأيضا جيب أن ت َّ
هتمل؟ طب اعا ستهمل لفقد هذا الرشط ،ا
ِ
البيت وال فإذا كان اسمها معرفة وجب إمهاهلا ووجب تكرارها ،فتقول( :ال ُممدٌ يف
ِ
البيت وال كرر؛ (ال ُممدٌ يف ِ
خالدٌ ) ،وال يصح أن تقول( :ال ُممدٌ يف البيت) ،ال بد أن هتمل وت َّ
خالدٌ ) ُممدٌ :مبتدأ ،ويف البيت :خرب ،وال :نافية.
298 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
فإن قلت :أنا أريد أن أنفي ُممدا ا فقط ،ما يل عالقة بخالد فنقول :تستعمل ناف ايا آخر؛
ِ
البيت ُممدٌ ) ليس نفيها مطلق يف النكرات واملعارف ،أما (ال) فلها كليس ،تقول( :ليس يف
استعَمل معني؛
إما أن تنفي هبا النكرة.
كرر.
وإما أن تنفي هبا املعرفة فتهمل وت َّ
وكذلك يف الرشط الثان :لو انخرم ،فصل فاصل بينها وبني اسمها كَم لو قلت( :ال يف
رجل) ففصلت باخلرب ،فيجب ِ
البيت ٌ رجل) ما قلت( :ال ا
رجال يف البيت) قلت( :ال يف ِ
البيت ٌ
رجل وال امرأةٌ) فإن أردت أن تنفي واحدا ا ٌ ِ
البيت كرر فتقول( :ال يفأن هتمل وجيب أن ت َّ
رجل) وفال هلا استعَمل خاص. ِ
البيت ٌ تستعمل ناف ايا آخر تقول( :ليس يف
ثم قال بن هشا ٍم -رمحه اَّلل" :-ولك يف ن ْح ِو( :ال ح ْول وال ق َّوة) فتْح األ َّو ِل ،ويف ال َّث ِان
زاد) فتقول( :ال) نافية لكن هاملة ليس هلا عمل ،والباء جرت ٍ
زاد. زاد) ال جيوز؛ (جئت بال ٍ
َّ
وتقول( :غضبت من ال ٍ
يشء) وهكذا.
ثم ننتقل إىل مسألة أخرى وهي :حكم نعت اسم ال النافية للجنس ،وهي آخر مسألة يف
الباب؛ نعت اسم ال النافية للجنس.
هذه املسألة يف احلقيقة ِيرد عليها استعَمل كثري ،ويسأل عنها بكثرة؛ ألهنا بالفعل حيتاج إليها؛
يعني لو قلت ا
مثال( :ال بضاعة عندنا) قد تنعت بضاعة تقول( :ال بضاعة جديدة عندنا) ،طيب
كيف ت ِ
عرب النعت؟ نعت اسم ال النافية للجنس ،الكالم عىل نعت اسم ال النافية للجنس ما
حكمه؟ ما إعرابه؟
قال ابن هشام" :ولك يف ن ْح ِو( :ال ح ْول وال ق َّوة) فتْح األ َّو ِل ،ويف ال َّث ِان :ا ْلفتْح ،والن َّْصب،
يف ،ظري افا ،ظريف) ور ْفعه في ْمتنع الن َّْصب ،وإِ ْن مل ْ تك َّر ْر الصف ِة يف ن ْحو( :ال رجل ظ ِر ٌ الر ْفع؛ ك ي
و َّ
ت غ ْري م ْفرد ٍة؛ ْامتنع ا ْلفتح".
الص ِفة ،أ ْو كان ْ ِ
ال ،أ ْو فصلت ي
فنعت ال النافية للجنس له حالتان:
ا
متصال؛ احلالة األوىل :أن يكون مفر ادا
مفر ادا :عرفناه ليس مضا افا وال ا
شبيها باملضاف.
ا
مفصوال عن موصوفه بفاصل. ا
متصال :يعني ليس
ملحة يل)،
كأن تقول( :ال رجل كريم يف البيت)( ،ال بضاعة جديدة عندنا)( ،ال حاجة َّ
ٍ
حينئذ ثالثة أوجه :النصب ،والرفع ،والفتح؛ وهكذا (ال قلم مجيل عندي) فيجوز يف النعت
كريَم يف الدار)( ،ال بضاعة جديد اة عندنا) ،وعرفنا أن
جيوز لك النصب فتقول( :ال رجل ا
هذا مراعاة ملحل اسم ال النافية للجنس.
302 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
كريم عندنا)( ،ال بضاعة جديد ٌة عندنا) ،وهذا مراعا ٌة ملحل اسم
ٌ وجيوز يف الرفع( :ال رجل
(ال) النافية للجنس قبل دخول (ال).
وجيوز فيه الفتح؛ يعني البناء عىل الفتح فتقول( :ال رجل كريم عندنا)( ،ال بضاعة جديدة
عندنا).
ٍ
كلمة واحدة، فَم ختريج البناء عىل الفتح؟ قالوا( :ال رجل) تركَّبت فصارت يف حكم
أيضا بينهَم تركيب مخسة عرش فبني عىل الفتح ،طب اعا هذا ختريج
والنعت كلمة واحدة فركَّبوا ا
لكالم العرب.
احلالة الثانية أو احلالة األخرى لنعت (ال) النافية للجنس :أال يكون مفر ادا ،أو أن يكون
ا
مفصوال؛ يعني خالف احلالة األوىل.
أن يكون غري مفرد؛ مضا افا.
ا
مفصوال؛ بني النعت واملنعوت فاصل. أو يكون
ٍ
حينئذ لك يف النعت النصب والرفع ويمتنع البناء عىل الفتح ،فتقول( :ال رجل طالب عل ٍم
يف البيت) طالب عل ٍم نعت لرجل ،فلك أن تقول( :ال رجل طالب علمٍ) ،أو (ال رجل طالب
علمٍ) (طالب علمٍ) :نعت منصوب ،طالب علمٍ :نعت مرفوع ،لكن ليس لك أن تقول :أنه
مبني عىل الفتح؛ ألن طالب علم كلمتان ،و(ال رجل) يف قوة كلمة واحدة وال يكون الرتكيب
بني ثالث كلَمت ،لكن لك النصب مراعا اة للمحل ،ولك الرفع مراعا اة للمحل قبل ال.
أو الفصل بينهَم بفاصل :كأن تقول( :ال رجل يف البيت كريم) يف البيت :خرب ،وكريم:
أيضا لك النصب والرفع( :ال رجل يف البيت
نعت ،لكن فصلت باخلرب بني النعت واملنعوت ،ا
كريم) عىل التأويلني السابقني.
ٌ كريَم)( ،ال رجل يف البيت
ا
الشيخ /سليمان العيوني 303
عىل ذلك نخلص عىل أن يف نحو قولنا( :ال بضاعة عندنا) لك وج ٌه واحد فقط( :ال بضاعة
ٍ
بمفرد متصل (ال بضاعة جديدة عندنا) جاز لك ثالثة أوجه: عندنا) فإن نعت
( -ال بضاعة جديدة عندنا).
( -ال بضاعة جديد اة عندنا).
( -ال بضاعة جديد ٌة عندنا).
فإن فصلت؛ كأن تقول( :ال بضاعة اليوم جديدة عندنا) امتنع الفتح وبقي لك النصب
والرفع؛ يعني وجهان:
( -ال بضاعة اليوم جديدةا).
( -ال بضاعة اليوم جديد ٌة عندنا).
إن وأخواهتا وما يعمل عملهاِ ،
لنقف هنا ونكمل إن فهذا ما يتع َّلق بالناسخ الثان وهوَّ :
وصل اَّلل وس َّلم عىل نبينا ُممد.
َّ شاء اَّلل يف الدرس القادم من ظننت وأخواهتا ،واَّلل أعلم،
304 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
الدرس الثامن
إن وأخواهتا ،وال النافية للجنس ،والليلة إن شاء اَّلل سنتك َّلم عىل الناسخ الثالث وهوَّ :
ظن َّ
وأخواهتا ،وهبذا تكون قد انتهينا من اجلملة االسمية وصورها ،لننتقل بعد ذلك إىل اجلملة
الفعلية بصورتيها املمثلتني يف [باب الفاعل ونائب الفاعل] فنسأل اَّلل أن يوفقنا ملا حيبه ويرضاه.
فنبدأ تب اعا البن هشا ٍم -ر ِمحه اَّلل -بالكالم عىل الناسخ الثالث :ويف ذلك يقول:
"الثالث :ظ َّن ورأى ،وح ِسب ودرى ،وخال وزعم ،ووجد وعلم القلبيات".
فقوله -ر ِمحه اَّلل( :-الثالث) أي الثالث من النواسخ؛ ألن:
األول :كان وأخواهتا وما يعمل عملها.
والثان :إن وأخواهتا وما يعمل عملها.
وهذا هو الثالث.
الشيخ /سليمان العيوني 305
أفعال كثرية إال أن ابن هشام ذكر أهم هذه ٌ [ظن وأخواهتا] :يف احلقيقة
َّ وهذا الباب
أفعاال أخر ،كَم أنه أمهل ِذكر هذه األفعال مرتَّب اة ،فخلط بني أفعال الظن وأفعال
األفعال ،وأهل ا
ومن ذلك الفعل" :رأى" إذا كان بمعنى علِم؛ كقولك( :رأيت العلم ناف اعا) بمعنى علمته
ناف اعا ،ومن ذلك قول الشاعر:
ُماولـــ اة وأكثـــرهم جنـــو ادا ــل ٍ
يشء رأيــت اَّلل أكْــرب ك ن
فهذه من أشهر األفعال التي تدخل يف هذا الباب ،وفيها تنبي ٌه مهم ن َّبه عليه ابن هشام ،وقد
ق َّيد ابن هشا ٍم -ر ِمحه اَّلل -أفعال الظن والعلم يف هذا الباب بكوهنا قلبيات ،قال( :القلبيات)
ٍ
حينئذ من هذا الباب. خرج ما كان منها باجلوارح واحلواس ،فال تكونلي ِ
الشيخ /سليمان العيوني 307
نحو" :رأى" إذا قلت( :رأيت زيدا ا) بمعنى أبرصته بعيني ،هذا ليس ا
فعال قلب ًيا ،هذا من
ا
مفعوال أفعال اجلوارح واحلواس فال يكون من هذا الباب ،فال ينصب مفعولني ،بل ينصب
واحدا ا؛ (رأيت زيدا ا) بمعنى أبرصته وشاهدته.
ويف قولك( :وجد الضائع) بمعنى عثرت عليها.
ويف قولك( :علمت اخلرب) بمعنى عرفته.
فهذه ال تدخل يف هذا الباب.
أيضا مهم يتع َّلق بأسلوب نصب املفعولني يف هذا الباب :فجميع األمثلة
وهنا تنبي ٌه آخر ا
كريَم) إال أن
السابقة كَم رأيتم نصبت هذه األفعال مفعولني أول وثان ًيا؛ كقولك( :ظننت ُممدا ا ا
األكثر يف اللغة يف بعض هذه األفعال أال ِ
تنصب املفعولني لف اظا ،وإنَم األكثر فيها أن تدخل عىل
أن الصدق منجاةٌ) ،و(ظننت أن الفرج قريب)،
أن ومعموليها اسمها وخربها؛ نحو( :علمت َّ
َّ
هني) ،و(ووجد األب أن الولد صادق) ،وهكذا.
و(خال املهمل أن النجاح ي
(أن) ومعموليها قد سدَّ ت مسدَّ املفعولني ،فجاء يف
إن َّ
فيبقى عملها إال أننا سنقولَّ :
االستعَمل هذان الوجهان :أن تقول:
كريم).
ٌ (ظننت أن ُممدا ا
كريَم).
و(ظننت ُممدا ا ا
أن
كالمها وارد وفصيح وكثري إال أن األكثر يف بعض هذه األفعال أن تدخل عىل َّ
ومعموليها.
ٍ
مسألة يف هذا الباب وهي تتع َّلق بالكالم عىل عمل هذه ثم انتقل ابن هشام إىل ِذكر
األفعال ،فقال ابن هشام:
كل ٍ
يشء)". "فتنصبهَم مفعول ْ ِ
ني ،نحو( :رأيت اَّلل أكرب ي
308 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ا
مفعوال به ثان ايا ا
مفعوال به أول ،وتنصب اخلرب ويعرب فهذه األفعال تنصب املبتدأ ويعرب
وهي ال تدخل عىل املبتدأ واخلرب حتى تستويف فاعلها؛ فبذلك ختالف الناسخني السابقني ،فال
ظن عىل اجلملة االسمية حتى تستويف فاعلها.
تدخل َّ
ظن ال بدَّ أن تأيت معها ِ
مفتوح) مبتدأ وخرب ،ثم أردت أن تدخل علم أو َّ
ٌ فإذا قلت( :الباب
مفتوحا)
ا مفتوحا) ،أو (علِم ُممدٌ الباب
ا (ظن احلارس الباب
مع هذه األفعال بفاعلها ،فتقولَّ :
وهكذا.
خربا هلذه األفعال
اسَم هلذه األفعال ،واملفعول الثان ا
فإن قلت :ملاذا مل يكن املنصوب األول ا
كَم كان يف "كان وأخواهتا"؟
فاجلواب عن ذلك :أن هذه األفعال هي ٌ
أفعال تام ٌة حقيقية؛ يعني هلا حدثَّ ،
فظن فعل مثل
ظن يعني فعل الظن ،إذن فهذا الفعل فيه حدث وهو الظن ،ويدل عىل زمن
جلس وذهبَّ ،
كبقية األفعال ،حدث ويدل عىل زمن.
ٌ
أفعال تدل عىل الزمان ،لكن ما تدل عىل أحداث ،فإذا قلت: بخالف كان وأخواهتا فهي
كريَم)؟ اتيصاف ُممد بالكرم لكن وقت امليض( ،أصبح
ا كريَم) ما معنى (كان ُممدٌ
ا (كان ُممدٌ
ُممدٌ نشي اطا) يعني اإلخبار عن ُممد بالنشاط لكن وقت الصباح ،إذن فهي أفعال تدل عىل
الزمان لكن ما فيها أحداث ،ما يف حدث.
الظن بل هي حتتاج عىل (ظن) يعني فعل ِ
َّ بخالف هذه األفعال (علم) يعني فعل العلمَّ ،
ا
مفعوال فاعل ،من الذي فعل هذا احلدث؟ فإذا كانت هكذا وهلا فاعل فاملنصوب بعدها يكون
وخربا.
ا اسَم
به وليس ا
فإذا قلت( :ظننت الفرج قري ابا) فسنقول:
الشيخ /سليمان العيوني 309
فعل ٍ
ماض سيعرب إعراب األفعال املاضية وسبق الكالم عىل إعراهبا ،فهو ٌ ظن :هذا ٌ
فعل َّ
مبني عىل الفتح املقدَّ ر ال َّ
ُمل له من اإلعراب. ٍ
ماض ٌّ
والتاء يف (ظننت) فاعل يف ُمل رفع مبني عىل الضم.
منصوب وعالمة نصبه الفتحة.
ٌ ٌ
مفعول به أول والفرج:
مفعول به ٍ
ثان منصوب وعالمة نصبه الفتحة. ٌ وقري ابا:
وهكذا يف بقية األمثلة.
ٍ
مسألة أخرى يف هذا الباب؛ وهي :الكالم عىل إلغاء هذه األفعال، ثم انتقل ابن هشام إىل
إلغاء عملها فقال:
ٍ
وبمساواة إن توسطن نحو: تأخرن ،نحو( :القوم يف أثري ظننت)،
"ويلغ ْني برجحان إن ْ
األراجيز ِخلت اللؤم واخلور)".
ِ (ويف
فهذه املسألة تتعلق بإلغاء عمل هذه األفعال ،املراد بإلغاء عملها يعني إبطاء عمل هذه
األفعال يف اللفظ واملحل؛ يعني خالص هذه األفعال تكون مهملة ليس هلا عمل ال يف اللفظ وال
توسطت بني املفعولني ،أو تأخرت بعد املفعولني.
يف املحل ،وذلك إذا َّ
إذن هلا حالتان:
احلالة األوىل :إذا تأخرت ،ما معنى تأخرت؟ يعني تقدَّ م املفعوالن وتأخر الفعل الذي من
ٍ
فحينئذ: قائم ظننت)
هذا الباب؛ كقولكُ( :ممدٌ ٌ
قائم :مبتدأ وخرب
قائم ظننت) ،فمحمدٌ ٌ
جيوز لك اإلبطال ،اإلمهال ،اإللغاء ،فتقولُ( :ممدٌ ٌ
وفاعل وهو ٌ
فعل ملغى. ٌ مرفوعان ،وظننتٌ :
فعل
قائَم ظننت) فظننتٌ :
فعل وفاعل وهو عامل ،وُممدا ا: وجيوز لك اإلعَمل فتقولُ( :ممدٌ ا
مفعول به ٍ
ثان مقدَّ م. ٌ وقائَم: ٌ
مفعول به أول مقدَّ م ،ا
310 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ٍ
بمساواة)؛ يعني أن اإلعَمل فاإلعَمل واإلمهال جائزان ،وأهيَم أوىل؟ قال ابن هشام( :
واإلمهال متساويان هنا ،ومن ذلك قول الشاعر:
ويف األراجيـــز ِخلـــت اللـــؤم أبِاألراجيز يابن اللـؤ ِم ت ِ
وعـد ِن
ِ
بينهَم ألغى يعني خ ْلت اللؤم واخلور يف األراجيز ،فلَم قدَّ م املفعول الثان َّ
ووسط الفعل
واخلــــــــــــــــــــــــــــــور
وأمهل ،ولو أعمل جلاز ،وقول الشاعر( :أبِاألراجيز) فيه روايتان:
األوىل :بكرس الباء (أبِاألراجيز يابن اللؤ ِم ت ِ
وعد ِن) يعني بابن اللؤم أتوعدن باألراجيز؟
شاعرا.
ا جمرد راجز ولست
يعني حيتقر بحر الرجز ويقول :أنت َّ
والرواية الثانية :بفتح الباء (أباألراجري) يعني يقول له :يا أبا األراجيز ،يا أبا اللؤم
أتوعدن؟
واملعنيان مستقيَمن.
وقال بعض النحويني :إن هذه األفعال إذا توسطت فإعَمهلا أوىل؛ ألن اإلعَمل فيها هو
األصل.
ُ
(ظننت وبقيت حال ٌة ثالث ٌة معلوم ٌة :وهي إذا تقدَّ مت هذه األفعال وتأخر املفعوالن؛ كقولك:
محمدًا قائ ًما) فهذه ليس فيها إال اإلعَمل.
فاخلالصة :أن هذه األفعال:
(ظننت محمدًا قائ ًما).
ُ إذا تقدَّ مت فيجب إعَمهلا
ظننت
ٌ توسطت جاز إعَمهلا واإلعَمل أفضل وقيل :عىل السواء (ُممدٌ -أو ُممدا ا-
وإذا َّ
قائَم.)-
قائم -أو ا
ٌ
قائم ظننت).
وإن تأخرت فاإلمهال أوىل؛ كـ (ُممدٌ ٌ
فإن قلت :ملاذا جاز اإلمهال فيها مع أن األصل فيها اإلعَمل؟
312 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
فاجلواب عن ذلك :أن األصل يف العامل أن يتقدَّ م عىل معموله؛ الفعل ،الفاعل ،ثم املفعول
ٍ
حينئذ؛ ألنه انتقل عن أصله؛ فلهذا دليل عىل ضعفه به ،فإن تأخر الفعل عن املفعول به فهذا ٌ
جاز فيه اإللغاء ،وكلَم ابتعد عن أصله زاد ضعفه؛
توسط كان اإلعَمل عىل السواء أو اإلعَمل أوىل.
فإن َّ
وإن تأخر كان اإلمهال أوىل.
ٍ
ملفعول به واحد؛ كـ (أكرمت زيدا ا) ،و(أكلت أيضا يقال يف الفعل الذي يتعدَّ ى
وهذا ا
الطعام)،
فإن الفعل إذا تقدَّ م وجب أن يعمل وأن ِ
ينصب املفعول به؛ كـ (أكرمت زيدا ا) ،و(أكلت
الطعام).
من (خي ِرج) وال من (خيرجون)؟ مأخوذة من (خيرجون) ،إذن فالفاعل هم ،والذي رفعه
خمرجون من خيرجون فهذا العامل الذي رفع الفاعل اتصل به حرف مجعٍ ،فصار عىل لغة
(أكلون الرباغيث).
ولو جاء عىل لغة مجهور العرب لكان يقول( :أو خمرجي هم؟) من دون تشديد ،نح يلل (أو
خم ِر ِجي) اهلمزة استفهام ،والواو عطف( ،خمرجي) تتكون من اسم الفاعل ِ
خمرج أضيف إىل ياء ْ
خمرج مأخوذة من أي فعل؟ مأخوذة من خي ِرج ،خي ِرج والفاعل هم ،فالعامل ِ
(خمرجي)ِ ، املتك يلم
َّ
اتصل به حرف مجع يدل عىل هذا الفاعل املجموع؟ ال ،إذن فهذا عىل لغة اجلمهور. هنا
خم ِر ِج َّي ه ْم؟» ليس
ومع ذلك نقول :إن هذا احلديث عىل رواية البخاري وهي املشهورة «أو ْ
خرب مقدَّ م ،واخلرب جيوز أن يتقدَّ م وأن يتأخر إذا ٌ
وخمرجيٌ :
َّ مبتدأ مؤخر، عىل هذه اللغة ،بل هم:
وخمرجي :خرب ،واألصل كَم عرفنا (خمرجون) ثم
َّ خمرجي؟ فهم :مبتدأ،
َّ مل يمنع مانع؛ يعني أهم
قلِبت الواو عالمة الرفع إىل ياء للسبب الذي َشحناه قبل قليل.
فاخلالصة :أن هذين احلديثني ليسا عىل هذه اللغة ،وهذه اللغة ليست ضعيفة ،ولكنها
يشء عىل
قليلة ،والذي ينبغي أن يكون الكالم والقياس عىل لغة اجلمهور الكثرى ،لكن لو جاء ٌ
هذه اللغة أو تك َّلم هبا أحد فال يصل األمر إىل حد اخلطأ ،وإنَم يقال :إن هذا قليل.
أما ما يتع َّلق ببيان الواقع الذي حدث فنقول :إن هذين احلديثني ليسا عىل هذه اللغة ،وهذا
ال يعني أن هذه اللغة ضعيفة وغري موجودة ،ولكن نقول :هذا احلديث ليس عىل هذه اللغة،
حتى إن بعضهم ا َّدعى وجود هذه اللغة يف القرآن الكريم.
واستدل عىل ذلك بقوله -سبحانه وتعاىل﴿ :-ث َّم عموا وص ُّموا كثِ ٌري ِمنْه ْم [املائدة،]71:
َّ
اتصل هبَم حرف مجع وهذا ليس بصحيح؛ ألن هذه وصموا
ُّ كثري ،وعموا
وقال :إن الفاعل ٌ
يشء يدل عىل هذا الفاعل ،أما الذي يف
ٌ اللغة إنَم تتحقق بكون الظاهر هو الفاعل ،ومل يتقدَّ م
الشيخ /سليمان العيوني 315
اه ِر ن ْحو﴿ :قدْ جاءتْك ْم م ْو ِعظ ٌة ِم ْن ر يبك ْم [يونس ،]57:و ِيفيث الظ ِ
ازي الت َّْأن ِ ِ الو ْجه ِ
ان يف جم ِ ي
اب نِعم وبِئْس نحو( :نِعم ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ت ْ ْ احلقيق يي املنْفص ِل ن ْحو( :حرضت القايض ْامرأةٌ) ،واملتَّص ِل يف ب ِ ْ
حيحِت ْاألعراب [احلجرات ]14:إال مجعي التَّص ِ املرأة ِهنْدٌ ) ،ويف اجلم ِع نحو﴿ :قال ِ
ْ ْ ْ ْ ْ ْ
ت ِ
اهلنْدات)". فكم ْفردهيَِم نحو( :قام ال َّزيدون) ،و(قام ِ
ْ ْ ْ
وصىل اَّلل وس َّلم عىل نبينا ُممد وعىل آله
َّ ونكمل إن شاء اَّلل بعد الصالة ،واَّلل أعلم،
وأصحابه أمجعني.
الدرس الثامن (اجلزء الثان):
والسالم عىل نبينا ُممد ،وعىل آله
والصالة َّ
بسم اَّلل الرمحن الرحيم ،احلمد َّلل رب العاملنيَّ ،
وأصحابه أمجعني ،أما بعد...
فقد توقفنا عند احلكم الرابع من أحكام الفاعل وهو الكالم عىل تذكري الفعل وتأنيثه ،وقرأنا
ما قاله ابن هشام -ر ِمحه اَّلل تعاىل.-
وتسمح؛ ألن التذكري
ُّ جتوزٌ
أيضا ُّ
أيضا :إن التعبري بالتذكري وبالتأنيث مع الفعل ا
ونقول هنا ا
ٍ
بتذكري وال تأنيث ،إنَم نريد بالتأنيث أن والتأنيث من أوصاف األسَمء ،واألفعال ال توصف
يتصل بالفعل حرف تأنيث.
واتصال حرف التأنيث بالفعل يكون بـ:
َّ
و(صىل -اتصال تاء التأنيث الساكنة بآخر الفعل املايض؛ كــ (ذهب وذهبت)،
وص َّلت).
الشيخ /سليمان العيوني 317
-أو اتصال تاء التأنيث املتحركة بأول املضارع؛ كــ (يذهب الرجل ،وتذهب املرأة).
سواء كان الفاعل املذكر حقيقي
ا فإذا كان الفاعل مذك اَّرا فالفعل جيب تذكريه عىل كل حال،
ا
متصال ،فالفعل مع الفاعل املذكر ليس فيه إال التذكري، ا
مفصوال أو جمازي التذكري
َّ التذكري أو
فلهذا ال يتك َّلم عليه النحويني ،وإنَم يتكلمون عىل الفاعل املؤنث؛ ألنه الذي فيه تفصيل.
فإذا كان الفاعل مؤن اثا فاألصل يف فعله أن يؤنث نحو( :ذهبت هندٌ ) ،و(انطلقت الناقة)
وهذا قول ابن هشام( :وت ْلحقه) أي العامل يف الفاعل "وت ْلحقه عالمة ْتأنِ ٍ
يث إِ ْن كان مؤن اثا كـ
الش ْمس)"؛ فم َّثل هبند حلقيقي التأنيث وهو ما كان من اإلنسان
ت َّت ِهنْدٌ ) ،و(طلع ِ
(قام ْ
واحليوان ،وبالشمس ملجازي التأنيث وهو ما كان مؤن اثا من غري اإلنسان واحليوان.
ا
تفصيال عىل حالتني: إال أن يف تأنيث فعل الفاعل مؤنث
فاحلالة األوىل :وجوب تأنيثه.
واحلالة األخرى :جواز تأنيثه.
فاحلالة األوىل وهي :وجوب تأنيث الفعل يكون يف موضعني مل ينص عليهَم املصنيف ولكنهَم
فهَم من خالف املواضع التي ذكرها للجواز ،وهذان املوضعان مها:
يفهَمن ا
ا
متصال ،أن يكون هذا الفاعل ظاهرا حقيقي التأنيث
ا اسَم
األول :أن يكون الفاعل املؤنث ا
ا
ومتصال بالفعل نحو( :ذهبت هندٌ ) و(انزلقت الناقة) ،و(جاءت املعلمة)، ظاهرا
ا اسَم
املؤنث ا
وعرفنا أن املراد بحقيقي التأنيث ما كان من اإلنسان واحليوان.
ضمريا
ا ضمريا ،أن يكون الفاعل املؤنث
ا واملوضع الثان لوجوب التأنيث :أن يكون الفاعل
جمازي ٍ
مؤنث ٍ
مؤنث حقيقي التأنيث؛ كـ (هندٌ سافرت) ،أو عاد إىل سواء عاد إىل مسترتا،
ي ا ا
ضمريا كان تأنيث الفعل معه واج ابا.
ا التأنيث كـ (الشمس طلعت) فمتى ما كان الفاعل املؤنث
نص عليها املؤ يلف:
■ وأما تأنيث لفعل للفاعل املؤنث جوازاا ففي أربع مسائل َّ
318 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
هذه املرأة هي التي جاءت وإنَم املراد اجلنس (نِعم املرأة فاطمة) يعني ِ
نعم من هذا اجلنس
فاطمة ،وهلذا جاز التذكري (نِعم املرأة) ،والتأنيث (نعمت املرأة).
سواء أكان مج اعا ملؤنث أم كان مج اعا
ٌ املوضع الرابع جلواز التأنيث :أن يكون الفاعل مج اعا
ملذكر؛
العَمل) ،وتقول( :قال العلَمء) ،أو
العَمل) أو (بدأت َّ
-فجمع املذكر كقولك( :بدأ َّ
(قالت العلَمء) ،قال سبحانه﴿ :قال ِ
ت ْاأل ْعراب [احلجرات.]14:
-ومجع املؤنث كأن تقول( :جاءت الفواطم) أو (جاء الفواطم).
العَمل) ،أو (جاء مجع ٍ
قالوا :التذكري حينئذ يكون عىل معنى اجلمع؛ يعني (جاء مجع َّ
العَمل) ،أو (جاءت مجاعة الفواطم)
الفواطم) ،والتأنيث عىل معنى اجلَمعة؛ أي (جاءت مجاعة َّ
وهكذا.
إن ابن هشا ٍم كَم سمعتم استثنى من اجلمع مجعي التصحيح ،يعني اجلمع السامل
ثم َّ
الصحيح فقال:
ت ِ
اهلنْدات)". حيحِ فكم ْفردهيَِم نحو( :قام الزَّ يدون) ،و(قام ِ
"إال مجعي التَّص ِ
ْ ْ ْ ْ ْ
حيحِ ) مجع املذكر السامل ومجع املؤنث السامل ،فَم حكمهَم؟ يقول :حكم املراد بـ (مجعي التَّص ِ
ْ ْ
مجع املذكر السامل كحكم مفرده ،وحكم مجع املؤنث السامل كحكم مفرده.
أيضا مع مجعه ،مثل:
فننظر يف املفرد؛ فإن وجب معه تأنيث الفعل فيجب أن تؤنث الفعل ا
(جاءت املعلمة) ،طيب واملع يلَمت؟ جيب فيه التأنيث (جاءت املع يلَمت).
(انطلقت وانطلق سيارةٌ) كذلك السيارات
ْ (انطلقت سيارةٌ) ما حكم التأنيث؟ جائز،
(انطلقت السيارات) أو (انطلق السيارات).
ْ
و(ُممدٌ ) جيب معه التذكري (جاء ُممدٌ ) ،وكذلك املحمدون (جاء املحمدون)؛
320 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
املوضع األول :إذا وقع قبل َّإال كَم يف املثال السابق( :ما قام إال هندٌ ) فالفاعل يف املعنى ٌ
اسم
عام كأحدٌ ،وهندٌ ٌ
بدل منه يف املعنى ،وهذا يدرس يف [باب االستثناء] ويسمى االستثناء الناقص
املفرغ ،ولذا جيب تذكري الفعل؛ ألن الفاعل يف املعنى مذكر. أو َّ
ت إالَّ ِهنْد)" يعني أنه جاء يف الشعر التذكري
قال ابن هشام" :وإِنََّم ْامتنع ِيف النَّ ْثر (ما قام ْ
شاعر( :ما قامت إال هندٌ ) جلاز ذلك
ٌ والتأنيث ،ففي الشعر تقول( :ما قام إال هندٌ ) ،ولو قال
وكان من رضائر الشعر اجلائزة.
الشيخ /سليمان العيوني 321
املوضع الثان حلذف الفاعل :هو فاعل املصدر ،قلنا يف موضعني سابقني يف هذا الدرس :إن
إكرام املسلم اجلار)؛ يعني أن ي ِ
كرم ٌ املصدر قد يعمل عمل فعله ،كقولك( :من ُماسن اإلسالم:
املسلم اجلار.
طيب :املصدر له أحكام عندما نصل إىل دراسة عمله ،من هذه األحكام ما ذكرناه قبل قليل
من أن املصدر جيوز أن يضاف إىل فاعله؛ (إكرام املسل ِم اجلار) ،ومن أحكامه :أن فاعله جيوز أن
اجلار) طيب أين الفاعل؟ ما ذكِر ،عرفنا املصدر
ِ حيذف فتقول( :من ُماسن اإلسالم :إكرام
املفعول به وحذفنا الفاعل ،هذا جائز مع املصدر.
ك رقب ٍة * أ ْو إِ ْطعا ٌم ِيف ي ْو ٍم ِذي
قال :ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :وما أ ْدراك ما ا ْلعقبة * ف ُّ
م ْسغب ٍة [البلد ]14-12 :تقول﴿ :وما أ ْدراك ما ا ْلعقبة [البلد ]12:طيب ما العقبة؟ يقول:
ك رقب ٍة [البلد ]13:هذا ك رقب ٍة [البلد ]13:العقبة :هذا املبتدأ املحذوف﴿ ،ف ُّ ﴿ا ْلعقبة * ف ُّ
معطوف عىل اخلرب؛ يعني
ٌ ك رقب ٍة * أ ْو إِ ْطعا ٌم [البلد]14-12 :
خرب العقبة﴿ ،ا ْلعقبة * ف ُّ
العقبة جتاوز العقبة يكون بفك الرقبة أو باإلطعام ،العقبة إطعا ٌم.
ِ ٍ ِ ِ
رصحنا بالفعل ﴿يف ي ْو ٍم ذي م ْسغبة * يت ايَم [البلد ]15-14 :يعني إطعا ٌم ا
يتيَم؛ يعني لو َّ
طعم) لوجب الفاعل ،نقول :الفاعل مسترت (أن ت ِ
رصحنا بالفعل ْ ِ
يتيَم) ،ولو َّ
نقول( :أن تطعم ا
(أن تطعموا) الفاعل واو اجلَمعة ،ما يمكن أن حيذف مع الفعل ،لكن عندما جاء
يعني أنت أو ْ
يتيَم ،يمكن
مصدرا (إطعا ٌم) جاز أن يذكر ،وجاز أن حيذف الفاعل؛ أو إطعا ٌم ا
ا العامل يف الفاعل
يتيَم) فذكر الفاعل وأضافه للمصدر.
أن يذكر الفاعل تقول( :أو إطعامكم ا
والباب الثالث أو املوضع الثالث حلذف الفاعل :يف باب النائب عن الفاعل؛ كقوله تعاىل:
﴿وق ِيض ْاأل ْمر [البقرة]210:؛ أي قىض اَّلل األمر ،وهذا مشهور ومرشوح يف نائب الفاعل.
322 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
وجتد أن الفاعل قد يؤثر يف الفعل كَم يف (رضب ،ورضبت) فيكين الفعل التصال الفاعل به،
فصارت رضبت كأهنا كلمة مكونة من أربعة أحرف ،واألصل فيها كَم َشحنا من قبل( :ض ر
متحركات ،وهذا ي يقل الكلمة
ي ب ت) رضبت فصارت كأهنا كلمة واحدة مكونة من أربع
كثريا ،فسكَّنوها وخ َّففوها فقالوا( :رضبت).
ا
لكن يف (رضبك) الكاف فاعل أو مفعول به؟ مفعول به؛ ألن املفعول به يف حكم االنفصال،
فلهذا عندما اتصل برضب صارت أربع متحركات (ض ،ر ،ب ،ك) مل يس يبب ا
ثقال؛ ألهنا يف
نفس العرِب يشء منفصل عن الفعل ،لكن الفاعل يف نفس العرِب يشء متصل بالفعل ،فصار
األصل يف الفاعل أن يتقدَّ م ،واألصل يف املفعول به أن يتأخر ،وهذا قول املصنيف( :واأل ْصل أ ْن
ي ِيل ع ِامله).
تأخر الفاعل أين سيكون
يتأخر عن املفعول به ،إذا ُّ
ثم ذكر املصنيف أن الفاعل مع ذلك قد ُّ
تأخر الفاعل يعني تقدَّ م املفعول
املفعول به؟ سيكون املفعول به متقدي اما عىل الفاعل ،فإذا قلناُّ :
وتأخر الفاعل يكون عىل حالتني: به ،وذلك يف حالتنيِ ،
أقصد تقدُّ م املفعول به ُّ
التأخر اجلائز.
التأخر جائزا ا ُّ
-إما أن يكون هذا ُّ
التأخر الواجب.
التأخر واج ابا ُّ
-وإما أن يكون هذا ُّ
تأخر الفاعل عن املفعول به جائزاا؟
أخر اجلائز :متى يكون ُّ
نبدأ بالت ُّ
لتأخر املفعول به؛ كقوله تعاىل﴿ :ولقدْ
موجب ُّ
ٌ إذا مل يكن هناك موجب لتقدُّ م الفاعل ،أو
جاء آل فِ ْرع ْون النُّذر [القمر ]41:يعني جاءت النذر آل فرعون ،ويف قولك( :أكرم اإلسالم
اجلار) ،و(أكرم اجلار اإلسالم) وهكذا ،ومن ذلك قول الشاعر:
كَم أتى ر َّبه موسـى عـىل قـد ِر ت له قـد ارا جاء ِْ
اخلالفة أ ْو كان ْ
التأخر. أخر الفاعل لعدم ِ
املوجب للتقدُّ م أو ُّ أي كَم أتى موسى ر َّبه ثم َّ
324 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
لتأخر الفاعل،
موجب ُّ
ٌ تأخر الواجب ،وذلك عندما يوجد
للتأخر :فهي ُّ
ُّ أما احلالة الثانية
وذلك يف ثالث مسائل ذكر منها ابن هشام مسألتني ،ونحن سنضيف ثالثة:
لتأخر الفاعل وجو ابا :أن يتصل بالفاعل ضمري املفعول ،أن يتصل بالفاعل
فاملوضع األول ُّ
ضمري يعود إىل املفعول به؛ كقولك( :قرأ الكتاب صاحبه) أين الفاعل القارئ؟ صاحبه،
ٌ
واملقروء املفعول به :الكتاب اتصل بالفاعل صاحبه ضمري ،يعود إىل ماذا؟ إىل املفعول به ،ملاذا
تأخر الفاعل واج ابا؟ ألن تقدُّ م الفاعل فتقول( :قرأ صاحبه الكتاب) سيؤدي إىل كون
كان ُّ
متأخر لف اظا ورتبة ،وهذا ال جيوز إال يف مواضع معينة.
الضمري عائدا ا إىل ُّ
فتأخر أيضا :قوله -سبحانه وتعاىل﴿ :-وإِ ِذ ابتىل إِبر ِ
اهيم ر ُّبه [البقرةُّ ]124: ومن ذلك ا
ْ ْ ْ
الفاعل وجو ابا لذلك.
طيب :لو حدث العكس؛ يعني اتصل باملفعول به ضمري يعود إىل الفاعل؛ كأن تقول( :أكرم
زيدٌ صاحبه) اهلاء يف صاحبه متصلة بمفعول به وقد عادت إىل الفاعل ،الضمري هنا عائد إىل
متقدي م ال إشكال.
طيب :هل جيوز أن تقدي م املفعول به يف هذه احلالة فتقول( :أكرم صاحبه زيدٌ )؟ اجلواب :نعم
متأخر لف اظا،
جيوز ،طيب والضمري املتقدي م هذا أال يكون عائدا ا إىل متأخر؟ يكون عائدا ا عىل ُّ
متقدي ٍم رتبة.
املتأخر هو يف الرتبة
ُّ متأخر لف اظا يعني يف اللفظ هو متأخر ،لكن زيد أو ُممد هذا الفاعل
ُّ
متقدي م؛ ألن الفاعل يف الرتبة متقدي م عىل املفعول به ،فهو يف نفس العرِب الفاعل متقدي م ،فلهذا
جاز وقد جاء عليه بعض األمثلة والشواهد.
ضمريا
ا تأخر الفاعل :أن يكون املفعول به
واملوضع الثان الذي ذكره ابن هشام لوجوب ُّ
يتأخر الفاعل ،وملاذا ا
متصال بالفعل ،نحو( :أكرمني زيدٌ ) فيجب أن يتقدَّ م املفعول به ،وجيب أن ُّ
الشيخ /سليمان العيوني 325
تأخر املفعول
تأخر املفعول به ،وإذا ُّ
تأخر الفاعل هنا واج ابا؟ ألن تقديم الفاعل سيؤدي إىل ُّ
كان ُّ
به وهو ضمري سينقلب من متصل إىل منفصل ،فتقول( :أكرم زيدٌ إياي).
والقاعدة يف الضَمئر كَم سبقت" :أنه ال جيوز العدول عن الضمري املتصل إىل الضمري
املنفصل متى ما أمكن الضمري املتصل" ،إذا أمكن الضمري املتصل ال جيوز العدول عنه إىل
الضمري املنفصل.
تأخر الفاعل -وهو زدناه عىل ما قاله ابن هشام :-أن حيرص الفاعل،
املوضع الثالث لوجوب ُّ
سواء بـ َّ
(إال) أو بـ (إنََّم) نحو( :إنَم ينفع املرء العمل الصالح) ،قال ا ُمصورا
ا إذا كان الفاعل
عل ٌ
مفعول به ،والعلَمء :فا ٌ اد ِه ا ْلعلَمء [فاطر ،]28:واسم اَّلل:
خيشى اَّللَّ ِمن ِعب ِ
ْ تعاىل﴿ :إِنََّم ْ
مؤخر وجو ابا؛ ألنه املحصور.
ٌ
ثم ذكر املصنيف عكس املسألة السابقة وهي :تأخري املفعول به وجو ابا عكس املسألة
السابقة ،املسألة السابقة :وجوب تأخري الفاعل ،إذن هذه املسألة وجوب تقديم الفاعل
ووجوب تأخري املفعول به.
فقال ابن هشام:
ول كـ (رض ْبت ز ْيدا ا) ،و(ما أ ْحسن ز ْيدا ا) ،و(رضب موسى ِعيسى)،
"وقدْ جيِب ت ْأ ِخري امل ْفع ِ
واملوضع الثالث لوجوب تقديم الفاعل وتأخري املفعول به وهو الذي أضفناه :أن يكون
ُمصورا بـ (إنَم) أو بـ َّ
(إال)؛ نحو( :إنَم يقول املسلم الصدق) ،أو (ما يقول املسلم ا املفعول به
دائَم جيب أن يقدَّ م.
إال الصدق) وهكذا ،فعرفنا من املوضع الثالث هنا وهناك أن املحصور ا
ثم ذكر املصنيف تقديم املفعول به عىل الفاعل نفسه ،بعد أن انتهى من الكالم عىل ترتيب
يتأخر وجو ابا ،ثم ذكر أن الفاعل يتقدَّ م عىل املفعول به
الفاعل مع املفعول به فذكر أن الفاعل ُّ
الشيخ /سليمان العيوني 327
ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :أ ًيا َّما تدْ عوا فله األ ْسَمء ْ
احل ْسنى [اإلرساء ،]110:أ ًيا :هذا اسم
أي اس ٍم من أسَمء اَّلل -عزَّ وج َّل -احلسنى تدعونه هبا فله األسَمء احلسنى ،فأ ًيا :هذا
َشطَّ ،
أي اس ٍم فتقدَّ م وجو ابا. ا
مفعوال به فتقدَّ م وجو ابا ،أي تدعون َّ اسم َشط وقع
ثم انتقل ابن هشام إىل آخر مسألة يف هذا الباب [باب الفاعل] ،وهو الكالم عىل فاعل
نِعم وبئس يف املدح والذم ،فقال -ر ِمحه اَّلل:-
اجلن ِْس َّي ِة ن ْحو﴿ :نِ ْعم
ف بِـ (أل) ِ الفعل نِعم أو بِئْس ،فا ْلف ِ
اعل إِ َّما مع َّر ٌ ْ ْ ْ
"وإذا كان ِ
ضمري
ٌ اف مل ِا ِهي فِ ِيه ن ْحو﴿ :ولن ِ ْعم دار ا ْملت َِّقني [النحل ،]30:أ ْو
ا ْلع ْبد [ص ،]30:أ ْو مض ٌ
وص ن ْحو﴿ :بِئْس لِل َّظاملِني بد اال [الكهف"]50: ييز مطابِ ٍق لِ ْلمخْ ص ِرس بِت ْم ٍ
رت مف َّ ٌ
ِ
م ْست ٌ
ٍ
خاص به ،ولو أنه فعل خص يف هذه الفقرة فاعل نِعم وبئس بكال ٍم فابن هشام -رمحه اَّللَّ -
خاصا لنعم وبئس،
التعجب وغريه من األساليب اخلاصة فجعل با ابا ا ُّ مع نِعم وبئس ما فعله مع
ومجع فيه أحكامهَم لكان أفضل ،إال أن ابن هشام وزَّ ع وشتَّت أحكام نعم وبئس يف هذا
ٍ
أبواب أخرى، بعضا آخر يف
الكتاب ،ذكر بعضها هنا يف الفاعل ،وذكر بعضها يف التمييز ،وذكر ا
ولعله كان يرى أن ذلك أسهل.
اسَم ،وقلنا :يكون من مجيع األسَمء ،ثم قال
فالكالم هنا عىل أن الفاعل كَم سبق ال يكون إال ا
هناَّ :إال فاعل نعم وبئس فهو ض ييق ،ال يكون من مجيع األسَمء ،بل ال يكون إال أحد ثالثة أسَمء
فقط:
اسَم مقرتناا بأل اجلنسية ،نحو( :نِ ْعم الرجل زيدٌ ) ،و(بئست املرأة هندٌ )،
األول :أن يكون ا
و(بئس الرجل البخيل) ،و(نِ ْعم اخللق الوفاء بالعهد) ،و(بئس اخللق خ ْلف الوعد) وهكذا.
ِ ِ ِ
قال تعاىل﴿ :ن ْعم ا ْلع ْبد [ص ]30:يعني نعم العبد هنا ،فنعم :فعل ،والعبد :فاعل وهو ٌ
اسم
كَم ترون ِ
مقرتن بأل اجلنسية.
الشيخ /سليمان العيوني 329
اسَم مضا افا ملا اقرتن بـ (أل) اجلنسية ،نحو( :نِعم ِ
النوع الثان من فاعل نعم وبئس :أن يكون ا
ايضا قوله تعاىل﴿ :ولن ِ ْعم دار
صديق الرجل زيدٌ ) ،و(نعم خ ْلق املسل ِم الصدق) ،ومن ذلك ا
مضاف إليه.
ٌ ا ْملت َِّقني [النحل ،]30:فنِعم :فعل ،ودار :فاعل وهو مضاف ،واملتقني:
وواضح أن هذا النوع عائدٌ إىل النوع السابق.
مسترتا وجو ابا يعود عىل ٍ
متييز بعده ا ضمريا
ا النوع الثالث من أنواع فاعل نِعم وبئس :أن يكون
فرس ما فيه من الغموض واإلهبام ،نحو( :نعم صدي اقا ُممدٌ )( ،نعم ا
رجال زيدٌ ) ،إذا قلت: ي ي
رجال زيدٌ ) زيدٌ هذا املخصوص باملدح وسيأيت إعرابه ،ونِعم :فعل ،أين فاعله؟ لو قلت:
(نعم ا
(نعم الرجل زيدٌ ) فنعم :فعل ،والرجل :فاعل ،وزيدٌ :خمصوص باملدح.
ضمري مسترت تقديره (هو) ،هذا
ٌ رجال) أين فاعل نِعم؟ يقول:
لكن يف هذا األسلوب( :نعم ا
فرس هذا الضمري الضمري املسترت يعود إىل ماذا؟ يعود إىل ٍ
متييز بعده ،هذا التمييز هو الذي ي ي
ويرفع ما فيه من إهبام وغموض ،وهذه من املواضع القليلة النادرة التي يعود فيها الضمري إىل
رجال) هو يعود إىل الرجل؛ يعني (نعم الرجل ا
رجال زيدٌ ). متأخر لف اظا ورتبة؛ يعني (نِعم هو ا
ُّ
إذن فاخلالصة :أن فاعل نِعم وبئس ضيق ،وال يكون إال مقرتناا بـ (أل) اجلنسية كـ (نِعم
رجال زيدٌ )( ،نعم اخللق الصدق) اجعله ضمريا عائدا ا إىل ٍ
متييز بعده كـ (نعم ا ا الرجل زيدٌ ) ،أو
من األسلوب الثان( :نعم خل اقا الصدق) ،وهكذا تستطيع أن جتعل كل مثال من النوع األول أو
النوع الثان ،فهذا ما يتع َّلق بالفاعل ،وَشح ما قاله ابن هشام -ر ِمحه اَّلل تعاىل.-
دعونا نع يقب بأشياء رسيعة بَم بقي من الوقت:
مسهل :يقولون :الفاعل هو جواب
مقر ٌب ي
■ هناك ضابط يذكرونه يف باب الفاعل وهو ي
قولنا :من الذي أسنِد إليه الفعل؟ أو من الذي فعل الفعل؟
330 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
الدرس التاسع
بسم اَّلل الرمحن الرحيم
احلمد َّلل رب العاملني ،والصالة والسالم عىل نبينا ُممد وعىل آله وأصحابه أمجعني ،أما بعد،
فسالم اَّلل عليكم ورمحته وبركاته ،حياكم اَّلل وب نياكم يف هذا الدرس ،الدرس التاسع من
وبل الصدى البن هشام رمحه اَّلل ،ونحن يف ليلة األربعاء احلادي عرشدروس َشح قطر الندى ن
ٍ
وأربعَمئة وألف يف جامع منرية شبييل بحي الفالح يف من شهر رجب من سنة تس ٍع وثالثني
مدينة الرياض ،وقد تكلمنا يف الدرس املايض عىل باب ظن وأخواهتا وعىل باب الفاعل.
سنتكلم يف هذه الليلة بإذن اَّلل تعاىل عىل نائب الفاعل ،ثم ندخل بعد ذلك عىل االشتغال
أيضا يف املفاعيل اخلمسة فعلنا بإذن اَّلل تعاىل ،إ اذا فبداية هذا
والتنازع ،وإن استطعنا أن ندخل ا
الدرس سيكون من باب نائب الفاعل.
بعد انتهى ابن هشام رمحه اَّلل من الكالم عىل الفاعل الذي يمثل الصورة األصلية للجملة
مبني للمجهول،
فعل ٍالفعلية ،انتقل إىل الصورة األخرى للجملة الفعلية وهي املكونة منٍ :
يسمى نائب الفاعل ،ويسمى املفعول الذي مل يسم فاعله ،فالتعبري األول اشتهر عند
مشاحة يف االصطالح،
ن املتأخرين ،والتعبري الثان اشتهر عند املتقدمني ،وكالمها اصطالح وال
فضلون األول :نائب الفاعل الختصاره.
إال أن أغلب املتأخرين ي ن
الشيخ /سليمان العيوني 335
ٍ
لسبب من هذه األسباب ،فإذا حذفت الفاعل واخلالصة :أن العرب قد حتذف الفاعل
ٍ
بنائب عن والفاعل عمدة اجلملة الفعلية ال تقوم وال تستقيم إال بالفاعل ،احتاجت إىل أن تأيت
هذا الفاعل لتقيم اجلملة الفعلية ،فتأيت باملفعول به وتضعه مكان الفاعل وتعطيه مجيع أحكام
ا
وتأنيث ،وكونه جيب أن تذكريا
ا الفاعل :من رفعٍ ،وكونه عمدة ،وكونه الذي يؤثر يف الفعل
يتأخر عن فعله ،وغري ذلك من أحكام الفاعل.
إ اذا فالعرب إذا حذفت الفاعل (كاحلارس) يف قولنا( :فتح احلارس الباب) فإهنا ستعمل
عملني:
مبني للمجهول ،تعيد صياغته ،وسيذكر ابن هشام كيفية بناء الفعل للمجهول.
فعل ٍٍ
والعمل اآلخر الذي تعمله بعد الفاعل املحذوف :أهنا تأيت بنائب عن الفاعل ،وتضعه مكان
الفاعل ،وتعطيه أحكام الفاعل ،وسيذكر ابن هشام األشياء التي تنوب عن الفاعل بعد حذفه.
336 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
وإن قيل :املبتدأ حيذف وال حيتاج إىل نائب ،وخربه حيذف وال حيتاج إىل نائب ،واملفعول بعد
حيذف وال حيتاج إىل نائب ،ومجيع أركان اجلملة وفضالهتا يمكن أن حتذف متى ما ن
دل عليها
دليل وال حتتاج إىل نائب ،إال الفاعل ،فإنه إذا حذف وجب أن ينوب عنه نائب.
فعل ا
عقال وال لغ اة إال واجلواب عن ذلك :ألنه عمدة اجلملة الفعلية ،فال يمكن أن يستقيم ٌ
يشء يقيم أود اجلملة الفعلية بعد حذف الفاعل ،ومن
ٌ بفاعل ،وهلذا احتجنا إىل أن ننوب عنه
هذا يعلم أن قول بعض املعارصين :نائب مفعول مطلق ،أو نائب ظرف زمان ،أو نائب ظرف
مكان ،كل ذلك من اخرتاعاهتم وليست من كالم النحويني ،فليس هناك يف النحو من نائب إال
نائب الفاعل ،ملا سبق َشحه قبل قليل.
فبدأ ابن هشام رمحه اَّلل بذكر أحكام نائب الفاعل فقال:
ٌ
مفعول به) حيذف الفاعل فينوب عنه يف أحكامه ك يلها
( ْ
يريد أن نائب الفاعل يأخذ مجيع أحكام الفاعل التي ذكرناها من قبل يف باب الفاعل ،نحو:
-وكذلك من تأنيث الفعل وتذكريه له ،فيكون نائب الفاعل هو الذي يتحكم يف الفعل
تذكريا وتأني اثا ،فإذا قلت :رسق اللص السيارة ،ذكنرت الفعل ألن الفاعل مذكر ،فإذا
ا
حذفت الفاعل (اللص) وبنيت للمجهول قلت :رسقت السيارة ،فأنثت الفعل
ٍ
حينئذ. وتذكريا (رسقت) ألن نائب الفاعل (السيارة) هو الذي سيؤثر يف الفعل تأني اثا
ا
الشيخ /سليمان العيوني 337
-وكذلك يأخذ حكم الفاعل من حيث وجوب التأخري ووجوب تقديم الفعل عليه،
فال جيوز أن يتقدم نائب الفاعل عن الفعل كالفاعل ،فنقولُ :ممدٌ رضب زيدا ا ،فإذا
ونص ابن هشا ٍم فيَم قرأناه عىل أن الذي ينوب عن الفاعل بعد حذفه هو املفعول به ،ومعنى
ٌ
مفعول به فهو الذي ذلك :أن األصل يف النيابة عن الفاعل للمفعول به ،فإذا وجد يف اجلملة
ينوب ،وال ينوب غريه عن الفاعل مع وجوده ،هذا قول مجهور النحويني.
وأجاز الكوفيون أن ينوب غري املفعول به مع وجود املفعول به ،وهلذا جيوز عندهم أن تقول:
زيد ،ثم تبني للمجهول فتقول :أخذ الكتاب من ٍ
زيد ،أو أخذ الكتاب أخذ ُممدٌ الكتاب من ٍ
زيد؛ عىل أن اجلار واملجرور (من ٍ
زيد) هو نائب الفاعل ،أو أخذ ُممدٌ الكتاب اليوم ،ثم من ٍ
تقول يف البناء للمجهول :أخذ الكتاب اليوم ،أو أخذ الكتاب اليوم ،فتجعل الظرف نائب
الفاعل.
أيضا مسألة يف النيابة؛ وهي :عند وجود مفعولني ،فَم الذي ينوب منهَم عن الفاعل بعد
وهنا ا
حذفه؟ هل هو األول أم الثان؟ أم جيوز أن ينوب أحدمها؟
اجلواب :أن األفضل أن ينوب املفعول األول عن الفاعل ،وجيوز أن ينوب الثان ،إ اذا فمن
حيث اجلواز جيوز أن ينوب أحدمها ،لكن األفضل أن ينوب األول.
338 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
وكذلك يف األفعال التي تنصب مفعولني ليس أصلهَم املبتدأ واخلرب ،أفعال اإلعطاء واملنح،
كقوله :أعطى ُممدٌ الفقري ا
رياال ،فإذا بنيت للمجهول فاألفضل أن تنيب األول فتقول :أعطي
ا
و(رياال) :املفعول الثان ،وجيوز أن تقال :أعطي الفقري الفقري ا
رياال( ،الفقري) :نائب الفاعل،
ٌ
و(ريال) :نائب الفاعل. ٌ
ريال ،فـ(الفقري) :مفعول أول،
املسألة األوىل :أنه ال ينوب أحد هذه الثالثة مع وجود املفعول به ،وهذا قوله( :فإن مل يوجدْ )
فاشرتط ،وسبق ذكر خالف الكوفيني يف ذلك.
وهذا أغلب أسَمء الزمان ،هي مترصفة ،قلنا مثل :يوم ،وشهر ،وساعة ،ودقيقة ،ومدة،
وصباح ،ومساء ،وليل ،وهنار.
ظروف قليلة
ٌ ويقابلها الظروف غري املترصفة :يعني التي ال خترج عن الظرفية الزمانية ،وهذه
ذكر يف ظرف الزمان وظرف املكان ،مثل:
لزمت االنتصاب عىل الظرفية الزمانية ،وقد يأيت هلا ٌ
لدى ،وعند ،وإذا ،وإذ ،ونحو ذلك.
ٍ ٍ
إضافة أو علنية أو أي بوصف أو خمتصا :أي ليس مطل اقا ،بل ٌ
خمتص وأما معنى كون الظرف ا
وقت ،أو صيم
قيد خيصصه ويق نيده وخيرجه من اإلهبام والعموم ،فال يصح أن تقول :صيم ٌ
(وقت) هذا زمن مطلق ،والسبب يف ذلك :عدم الفائدة؛ ألنه معلوم أن هناك وقتاا من
ٌ زمن؛ ألن
ٌ
األوقات صيم فيه ،فَم الفائدة من أن خترب عن ذلك؟ ما فيه فائدة.
لكن لو ختصص:
ٌ
طويل ،أو نحو ذلك مما يدل عىل وقت -بإضافة ،ا
مثال :وقت الصيف ،أو بصفة كـٌ :
ٌ
طويل ،أو صيم وقت وقت
ٌ ٍ
حينئذ تأيت الفائدة ،فتقول :صيم التقييد والتخصيص
الصيف ،وهكذا.
-أو كان الزمن اسم علم ،كـ :صيم رمضان ،أو صيم املحرم.
-أو ختصص بـ(ال) التي تنقله من التذكري إىل التعريف ،فتقول :صيم اليوم ،يعني الذي
فاخلالصة :أن الظرف لكي يفع نائب فاعل ال بد أن يكون مترص افا؛ يعني يمكن أن خيرج عن
وخمتصا؛ غري مطلق.
ا الظرفية فينتقل إىل نائب فاعل،
340 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
خمتصا
أيضا اشرتط ابن هشام يف املصدر لكي ينوب عن الفاعل أن يكون ا
املسألة الثالثة :ا
مترص افا؟
ن خمتصا مترص افا ا
أيضا ،فَم معنى كونه ا
ٍ
مطلق، ٍ
مفعول ا
مفعوال مطل اقا وغري أما كونه مترص افا :فيعني أن يكون املصدر جيوز أن يأيت
جيوز أن ينتصب عىل املفعولية املطلقة وجيوز أن خيرج عنها إىل أبواب النحو األخرى ،فيخرج
جلوسا)
ا جلوس ،وقيا ٌم ،وصيا ٌم ،فتقول( :جلس زيدٌ
ٌ مما خيرج إليه إىل نائب الفاعل ،نحو:
ا
مفعوال مطل اقا ،وتقول( :اجللوس يف املسجد راح ٌة للنفس) فيكون مبتدأ. فينتصب
بخالف املصادر التي ال خترج عن املفعول املطلق ،وهي مصادر قليلة مل تستعملها العرب إال
منتصب اة عىل املفعولية املطلقة ،كـ :سبحان اَّلل ،ومعاذ اَّلل ،أو عياذ اَّلل ،ونحو ذلك ،فهذه ال
خترج عن املفعولية املطلقة فكيف ستجعلها نائب فاعل؟ ال يصح.
ٍ
إضافة أو (ال) وغري ٍ
بوصف أو خمتصا :يعني أال يكون مطل اقا ،بل خيتص
وأما كون املصدر ا
جلوس
ٌ جلوس؛ ألنه ال فائدة منه ،لكن يصح أن تقول :جلس
ٌ ذلك ،فال يصح أن تقول :جلس
جلوس مؤدب.
ٌ ٌ
طويل ،أو جلس
أما معنى كونه مترص افا :فيعني أن حرف اجلر ال يكون من احلروف التي تلتزم طريق اة واحدة
جيران إال أسَمء الزمان ،أو (رب) التي ال جتر إال
وال خترج عنها ،نحو( :منذ ومذ) اللذان ال ن
النكرة ،بل يكون من حروف اجلر التي جتر كل األسَمء مترصفة ،جتر أسَمء الزمان وغري أسَمء
الزمان ،مثل :من وإىل وعن وعىل وهي أكثر حروف اجلر.
الشيخ /سليمان العيوني 341
ٍ
إضافة أو ٍ
بوصف أو خمتصا :فيعني أال يكون مطل اقا منك انرا ،بل يتخصص
وأما كون املجرور ا
ٍ
حديقة؛ لعدم الفائدة ،ألننا نعلم أن هناك ٍ
مسجد ،أو أكل يف (ال) فال يصح أن تقول :جلس يف
أكال حدث يف حديقة ،فال تقع الفائدة إ اذا هبذا الكالم ،لكن
جلوس حدث يف مسجد ،وأن ا
ٍ
مجيلة ،أو جلس باحلديقة ،يعني احلديقة املعروفة بيني ٍ
حديقة يصح أن تقول ا
مثال :جلس يف
ٍ
بيشء كاإلضافة أو الصفة. وبني املتكلم ،أو جلس يف حديقة احلي ،فتخصص املجرور
فبذلك ذكر ابن هشام أن ما ينوب عن الفاعل بعد حذفه أربعة أشياء:
خمتص اة.
وهذه الثالثة لو اجتمعت جلاز لك أن تنيب أهيا شئت تقدمت أو تأخرت ،فلك أن تقول:
ا
طويال يوم اخلميس ،ثم تبني للمجهول فتقول: جلوسا
ا جلس ُممدٌ عىل الكريس
ا
طويال يوم اخلميس ،فجعلت اجلار واملجرور نائب جلوسا
ا جلس عىل الكريس
الفاعل.
ٌ
طويل يوم اخلميس ،فأنبت املصدر. جلوس
ٌ أو تقول :جلس عىل الكريس
ا
طويال يوم اخلميس فأنبت الظرف. جلوس
ا أو تقول :جلس عىل الكريس
قالوا :األفضل أن جتعل نائب الفاعل هو املتقدم ،ان تقدن م نائب الفاعل من هذه الثالث إذا
ِ
اجتمعت ،ومع ذلك ليس هذا برشط ،قال سبحانه وتعاىل﴿ :فإِذا نفخ ِيف ُّ
الص ِ
ور ن ْفخ ٌة
و ِ
احدة [احلاقة ]13:األصل واَّلل أعلم :فإذا نفخ امللك يف الصور نفخ اة واحدةا ،فـ(يف الصور)
ٌ
مفعول مطلق ،ثم بني للمجهول فقيل :نفخ ،وما الذي أنيب نائب جار وجمرور ،و(نفخة)
342 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
للفاعل؟ املفعول املطلق :نفخ نفخ ٌة ،ومع ذلك كان متأخر ،فتقديمه عند من قام به من باب
األحسن.
ثم ذكر ابن هشام رمحه اَّلل كيفية بناء الفعل للمجهول ،فقال:
فذكر ابن هشا ٍم هنا طريقة صياغة الفعل للمجهول ،وهذه املسألة يف احلقيقة من مسائل
الرصف؛ ألهنا كَم ترون تتعلق ببنية الكلمة ،كل ما يتعلق ببنية الكلمة وتغرياهتا رصف ،لكن
يذكرها النحويون يف هذا الباب للحاجة إليها.
فقاعدة بناء الفعل املجهول :أن األمر ال ينبى للمجهول ،فانتهينا منه ،وأما املايض واملضارع
فإذا بنيتهَم للمجهول فيجب أن تضم احلرف األول منهَم ،ثم تكرس ما قبل آخر املايض ،وتفتح
ما قبل آخر املضارع ،نقول :هذه القاعدة العامة التي جيب أن تطبق عىل مجيع األفعال ،فنقول:
وبعد هذه القاعدة العامة هناك قواعد خاصة لبعض األفعال ،ومعنى كون أن هذه األفعال هلا
قواعد خاصة يعني باإلضافة إىل القاعدة العامة ،نطبق القاعدة العامة عىل هذه األفعال ونضيف
إليها قواعد خاصة هبذه األفعال.
الشيخ /سليمان العيوني 343
ومما له قاعد ٌة خاصة :الفعل املبدوء هبمزة الوصل ،كاألفعال التي عىل صيغة استفعل:
استفهم ،واستخرج ،واستغفر ،أو عىل صيغة انفعل ،مثل :انطلق ،انكرس ،أو عىل صيغة افتعل:
مثل افتتح ،وانترص ،وقاعدهتا اخلاصة :أنك تضم احلرف الثالث مع ضم األول وكرس ما قبل
اآلخر ،فتقول يف:
-انطلق :أنطلِق.
-استغفر :است ِ
غفر.
ن
املعتل العني كـ :قال ،وقام، ن
املعتل العني ،الثالثي األجوف ومما له قاعدة خاصة :الثالثي
ٍ
لغات للعرب: وباع ،وصام ،وقاعدته اخلاصة :أن فيه ثالث
344 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
-اللغة األوىل :وهي الفصحى الكثرى :أن تكرس أوله وتقلب األلف إىل ياء ،فتقول يف
قال :قيل ،ويف باع :بيع ،قال تعاىل﴿ :و ِغيض ا ْملاء [هود﴿ ،]44:و ِجيء ي ْومئِ ٍذ
بِجهنَّم [الفجر.]23:
-اللغة الثانية :أن تضم األول وتقلب األلف إىل واو ،فتقول يف قال :قول ،ويف باع :بوع،
تقول :قال ُممدٌ احلق :قول احلق ،وباع ُممدٌ البيت :بوع البيت ،وهذه لغ ٌة قليلة ،ومن
ذلك قول شاعرهم:
فهذه من األصوات التي فردت هبا بعض القبائل العربية ،واخللط بني احلركات موجود يف
أيضا يف اإلمالة وهي لغة فصيحة لقبائل كثرية ٍ
عدد من لغويات العرب ،كهذه اللغة ،وموجود ا
ومقروء به يف القراءات السبعية ،اإلمالة :أن متيل الفتحة إىل الكرسة ،جتعل
ٌ من قبائل العرب،
احلركة بني الفتحة والكرسة ،فتقول ا
مثال يف الضحى :الضحى (نطقها الشيخ بإمالة).
بالكرس ،وإنَم يقولون :بيت ،بينهَم ،وهذه إمالة ،إمالة الفتحة إىل الكرسة ،فاملراد من ذلك أن
بعضا هذا موجود يف لغات العرب ،ومن ذلك هذه اللغة.
اخللط بني احلركات وإشَمم بعضها ا
ن
املعتل العني كـ :قام ،وصام ،وقال ،وباع ،لك فيه ثالث لغات فاخلالصة :أن املايض الثالثي
خملص اا) هذه اللغة الفصحى( ،ومش ن اَم
عرب عنها ابن هشام بقوله( :ولك يف نحو قال وباع الكرس ْ
ن
والضم خملص اا) وهذه اللغة القليلة.
ُّ ض ن اَم) ضمة صحيحة( ،
هبذا نكون قد انتيهنا من الكالم عىل نائب الفاعل ،لينتقل بعد ذلك إىل باب االشتغال.
(باب االشتغال)
يعرف ابن هشا ٍم االشتغال ،وهذا الباب من األبواب التي ال تذكر يف كتب املبتدئني،
أيضا مل ن
ا
باب جديد عىل املتوسطني ،ولفهم االشتغال دعونا ننظر يف هذه األمثلة:
فهو ٌ
ٌ
ومفعول به مؤخر. -فإذا قلنا :أكرمت زيدا ا ،فال إشكال يف هذه العبارةٌ :
فعل وفاعل
ٌ
وفعل وفاعل. ٌ
مفعول به مقدن م -فإذا قلت :زيدا ا أكرت ،فال إشكال يف هذه العبارة:
-وإذا قلت :زيدٌ أكرمته ،فال إشكال يف هذه العبارة ،فزيدٌ :مبتدأ مرفوع ،وأكرمته :مجلة
فعلية مكونة من فعل وفاعل ومفعول به ،واجلملة الفعلية خرب املبتدأ.
-حتى نقول :زيدا ا أكرمته ،بنصب (زيدا ا) ،فكيف يكون إعراب (زيدا ا) يف مثل هذا
األسلوب؟ هنا يأيت اإلشكال؛ فـ(زيدا ا أكرمته) أكرمته :هذا الفعل قد استوىف مفعوله
وهو اهلاء ،اهلاء العائدة عىل زيد ،لكن هذا الفعل استوىف مفعوله وانتهى ،فَم الذي
نصب زيدا ا املتقدم؟
346 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
سموه أسلوب االشتغال ألن الفعل املذكور -وهو (أكرم) يف هذا املثال -اشتغل عن نصب
ن
االسم الظاهر املتقدم وهو (زيدا ا) ،اشتغل عن نصبه بَمذا؟ بنصب ضمريه ،فهذا الفعل يسمونه
ِ
املشتغل ،والضمري الذي نصبه الفعل يسمونه مشتغل به أو املشغول به ،واالسم املشغول أو
املنصوب املتقدم (زيدا ا) يسمونه املشغول عنه أو املشتغل عنه ،واألسلوب يسمى أسلوب
االشتغال.
إ اذا أسلوب االشتغال له ثالثة أركان وهي هذه املذكورة ،ويعدن ون أسلوب االشتغال كَم
فهمناه اآلن من أساليب اإلجياز واملبالغة ،من أساليب اإلجياز؛ ألن فيه حذ افا ن
دل عليه املذكور،
ومن أساليب املبالغة؛ ألن قولك :زيدا ا أكرمته بمعنى أكرمت زيدا ا أكرمته ،فكررت إكرام زيد
مرتني ،فهذا أقوى من قولك :أكرمت زيدا ا ،أو زيدا ا أكرمت.
هنا مسألة يف كالم ابن هشام؛ إذ ذكر رمحه اَّلل أنه جيوز يف املشغول عنه وجهان ،هذا االسم
املتقدم املنصوب قد جيوز فيه وجهان من حيث اإلمجال:
-األول :رفعه عىل أنه مبتدأ ،فنقول ماذا؟ زيدٌ أكرمته ،فكيف يكون اإلعراب والكالم؟
حينئذ مكون من ماذا؟ من مبتدأٍ
ٍ خربا ،فالكالم هنا
زيدٌ :مبتدأ ،وأكرمته :مجلة وقعت ا
ٍ
ومجلة خربية ،إ اذا فالكالم مكون من مجلة أو مكون من مجلتني؟ مكون من مجلة واحدة،
من مبتدأ وخرب إال أن اخلرب مجلة.
ٍ
فحينئذ يكون أيضا :نصبه عىل االشتغال ،فنقول :زيدا ا أكرمته،
-وجيوز يف املشغول عنه ا
الكالم مكون من مجلة أم مجلتني؟ من مجلتني ،والتقدير :أكرمت زيدا ا أكرمته ،طيب فَم
إعراب اجلملة الثانية (أكرمته)؟ أما اجلملة األوىل (أكرمت زيدا ا) التي حذفنا منها
مفرسة هلذا
رصحنا بالفعل فيها :فهي ن
الفعل :فهي ابتدائية ،وأما (أكرمته) التي ن
املفرسة ال ُمل هلا من اإلعراب.
املحذوف ،واجلمل ن
سواء أكان
ٌ أيضا يف كالم ابن هشام؛ إذ ذكر أنه يصح االشتغال مع الفعل
وهنا مسألة أخرى ا
هذا الفعل:
متعد ايا بنفسه إىل الضمري :كمثالنا :زيدا ا أكرمته ،فاهلاء يف (أكرمته) نصبه الفعل
مباَشةا؛ ألنه ٍ
متعد ينصب مفعوله.
348 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
أم كان هذا الفعل متعد ايا إىل اس ٍم مضاف إىل ضمري املشغول عنه املتقدم :ويسمى:
ٍ
ضمري السببي ،نحو :زيدا ا أكرمت أخاه ،اإلكرام وقع عىل األخ ،لكن األخ مضاف إىل
ٍ
حينئذ النصب عىل االشتغال ولو كانت العالقة هنا يعود عىل املشغول عنه ،فيصح
سببية وليست مباَشة.
الزما؛ ال ينصب ضمري املشغول عنه مباَشةا :كقولك :زيدا ا مررت به، أم كان الفعل ا
ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :وال َّظاملِني أعدَّ هل ْم عذا ابا ألِ ايَم [اإلنسان.]31:
-ويف (زيدا ا رضبت أخاه) ال نقدن ر رضبت زيدا ا؛ ألنك ما رضبته ،وإنَم نقدن ر نحو :أهنت
زيدا ا رضبت أخاه؛ ألن رضب األخ إهان اة له.
-ويف (زيدا ا مررت به) ما نقدن ر مررت؛ ألن مررت ال تنصب زيدا ا ،ألنه الزم ،وإنَم نقدن ر
متعد ايا بمعناه مثل :جاوزت زيدا ا مررت به.
وكل هذا يب نينه ابن هشام بقوله( :جيوز يف نحو (زيد اا رضبته) أو (رضبت أخاه) أو (مررت
خرب ،ونصبه بإضَمر (رضبت) و (أهنْت) و (جاوزت) هبعد فاجلملة باالبتداء؛ به) :رفع ٍ
زيد
ٌ
احلذف) وسيذكر ابن هشام بعيد قليل أن املشغول عنه املتقدم :زيدا ا أكرمته ،قد جيب فيهِ واجبة
النصب عىل االشتغال ،وقد جيب فيه الرفع عىل االبتداء ،وقد جيوز الوجهان جوازاا مستو ايا أو
جوازا ا مع ترجيح النصب ،فهو يتكلم اآلن هنا عن جواز النصب والرفع باإلمجال.
فبدأ بالتفصيل فذكر وجهان :النصب؛ يعني جواز انتصاب املشغول عنه عىل االشتغال
وجواز رفعه عىل االبتداء ،إال أن نصبه أرجح ،فقال( :ويرتجح النصب يف ِ
نحو (زيد اا ْ ِ
ارض ْبه)
الشيخ /سليمان العيوني 349
واملوضع الثان مما جيوز فيه الرفع والنضب والنصب أرجح :كون االسم املشغول عنه
مسبوق بجملة فعلية ،فنقول :إن الراجح فيه النصب؛ ألن النصب سيجعل مجلته مجل اة فعلية
350 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
معطوفة عىل ٍ
مجلة فعلية فيحدث التناسب بني اجلملتني ،وأما لو رفعنا املشغول عنه لصارت
مجلته مجل اة إسمية معطوفة عىل هذه اجلملة الفعلية املتقدمة وهذا خالف األفضل ،ومن ذلك أن
تقول :أكرمت زيدا ا وخالدا ا دعوته ،فـ(أكرمت زيدا ا) مجل اة فعلية متقدمة ،و(خالدا ا دعوته)
أسلوب اشتغال ،فإن نصبت كان التقدير :أكرمت زيدا ا ودعوت خالدا ا ،فحدث التناسب بني
اجلملتني الفعلتني ،وإن رفعت فقلت :أكرمت زيدا ا وخالدٌ دعوته ،فقد عطفت إسمية عىل
فعلية فذهب التناسب.
ِ ٍ ِ
إلنسان من ُّن ْطفة فإِذا هو خص ٌ
يم ُّمبِني ( )4واألنْعام ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :خلق ا ِ
ٍ
بفعل ُمذوف ،فصار تقدير اآلية واَّلل أعلم :خلق خلقها [النحل ]5-4:فنصب ﴿واألنْعام
اإلنسان من نطفة وخلق األنعام ،فعطف مجلة فعلية عىل مجلة فعلية فحصل التناسب ،وهذا
مثال ابن هشام.
املوضع الثالث جلواز الرفع والنصب والنصب أرجح :أن يقع االسم املتقدم بعد ٍ
أداة يغلب
اسَم، أن يلها ٍ
فعل ،هناك أدوات يقع بعدها الفعل واالسم ،وهناك أدوات ال يقع بعدها إال ا
وهناك أدوات ال يقع بعدها إال ا
فعال ،وهناك أدوات يقع بعدها الفعل واالسم ،لكن وقوع
أدوات تقع بعدها األسَمء واألفعال إال أن األكثر وقوع
ٌ الفعل بعدها أكثر وأغلب ،إن هناك
األفعال بعدها ،من ذلك :مهزة االستفهام ،وما النافية ،فهمزة االستفهام وقوع الفعل بعدها
أكثر ،فقولك :أحرض ُممدٌ ؟ أكثر من قوهلم :أُممدٌ حرض؟ وكذلك ما النافية :وقوع الفعل
بعدها أكثر ،فقوهلم :ما حرض ُممدٌ أكثر من :ما ُممدٌ حرض.
فإذا وقع هذا االسم املشغول عنه بعد مهزة استفهام أو ما نافية فاألفضل أن ننصبه؛ لكي
يكون التايل هلمزة االستفهام وملا النافية فعل ،مثال ذلك أن تقول :أزيدا ا أكرمته؟ فإذا نصبت
زيدا ا كان التقدير :أأكرمت زيدا ا ،ولو رفعت وقلت :أزيدٌ أكرمته فقد وقعت االسم بعد اهلمزة
الشيخ /سليمان العيوني 351
وهذا جائز ،لكنه أقل من وقوع الفعل بعدها ،وكقولك :ما زيدا ا أكرمته ،فإذا نصبت كان
التقدير :ما أكرمت زيدا ا ،وهذا الكثري ،وإذا رفعت :ما زيدٌ أكرمته ألوقعت االسم بعد ما عىل
القليل وهو جائز ،وم نثل ابن هشام لذلك بقوله تعاىل﴿ :أبرشا منَّا و ِ
احدا ا َّن َّتبِعه [القمر]24: ا ي
برشا ،فجاءت اآلية عىل األكثر يف اللغة.
برشا ،يعني :أنتبع ا
فنصب ا
ثم ذكر ابن هشا ٍم رمحه اَّلل بعد ذلك :مواضع وجوب النصب عىل االشتغال ،املواضع التي
جيب فيها أن ننصب االسم املتقدم عىل االشتغال ،فقال( :وجيب يف نحو (إِ ْن زيد اا ل ِقيته
فأكرمه) ،و (ه َّال زيد اا أكرمته) لوجوبه) يعني رمحه اَّلل :جيب نصب املشغول عنه إذا وقع بعد
ْ
أداة جيب أن يقع بعدها فعل ،فهناك أدوات ال تقع بعدها إال األفعال؛ كأدوات الرشط ،ن
وهال ٍ
فإذا وقع املشغول عنه بعد أداة َشط وجب نصبه ليكون فع اال مقدر واقع بعد أداة َشط،
كقولك :إن زيدا ا أكرمته أكرمك ،يعني :إن أكرمت زيدا ا ،وكذلك ن
هال التحضيضية ،تقول:
هال زيدا ا أكرمته ،يعني :ن
هال أكرمت زيدا ا. هال ذهبت ،هال اجتهدت ،ثم تقول :ن
ثم ذكر ابن هشا ٍم مواضع وجوب رفع االسم املتقدم ،طب اعا رفعه عىل االبتداء ،فقال:
عمرو) المتناعه)
(خرجت فإذا زيدٌ يرضبه ٌ
ْ (وجيب الرفع يف نحو
يعني المتناع الفعل هنا ،يعني أنه جيب رفع املشغول عنه املتقدم إذا وقع بعد ٍ
أداة ال يقع
اسَم ،كـ :إذا الفجائية ،تقول :ذهبت إىل املدرسة فإذا الدرس يرشحه األستاذ ،تقول:
بعدها إال ا
فإذا الدرس يرشحه األستاذ ،الدرس :ترفعه فيكون مبتدأ ،فيقع االسم بعد إذا الفجائية ،ولو
352 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
نصبت :فإذا الدرس يرشحه األستاذ لكان التقدير :فإذا يرشح األستاذ الدرس ،فأوقعت الفعل
بعد إذا الفجائية وهذا ال جيوز.
ثم ذكر ابن هشا ٍم بعد ذلك :مواضع استواء الرفع والنصب ،كالمها جائزان عىل وجه
االستواء ،فقال:
أكرمته) للتكافؤ)
وعمرو ْ
ٌ نحو (زيدٌ قام أبوه ِ
ويستويان يف ِ (
مرجح، يعني أنه يستوي يف االسم املتقدم النصب والرفع إذا كان ٍ
لكل من النصب والرفع ن
هناك مرجح يرجح النصب ،وهناك مرجح يرجح الرفع ،فكالمها جائز عىل ٍ
حد سواء ن ن ن
لتكافؤمها ،نحو :زيدٌ قام أبوه وخالدٌ أكرمته ،فجملة (خالدٌ أكرمته) تقدن مته مجلة وهي( :زيدٌ
قام أبوه) اجلملة املتقدمة (زيدٌ قام أبوه) إسمية أم فعلية لكي ننظر للتَمثل؟
ثم ن نبه ابن هشام يف آخر الباب إىل عبارتني ليستا من االشتغال ،وقد يسبق إىل الذهن أهنَم من
يش ٍء فعلوه ِيف ال ُّزبر و(أز ْيدٌ ذهب به)) يعني رمحه
باب االشتغال ،فقال( :وليس منها ﴿وك ُّل ْ
اَّلل أن هاتني العبارتني ال ينطبق عليهَم تعريف االشتغال ،فلهذا ال يصح النصب يف االسم
املتقدم فيهَم ،بل يرفعان عىل االبتداء ،وننظر فيهَم:
يش ٍء
فلو جعلت اآلية عىل االشتغال وس نلطت الفعل ﴿فعلوه عىل االسم املتقدم ﴿وك ُّل ْ
لكان املعنى :أن هؤالء فعلوا يف الزبر كل يشء ،فصاروا هم الذين فعلوا يف الزبر كل يشء،
سجلوه وأثبتوه ٍ
وليس املعنى عىل ذلك ،وإنَم املعنى أن كل يشء فعله هؤالء فإن املالئكة الكرام ن
وق نيدوه يف الزبر ،وليس املعنى أن هؤالء فعلوا كل يشء يف الزبر ،فاملعنى خيتلف.
وهلذا ن نبه ابن هشام عىل هذين املثالني وأهنَم ليسا من االشتغال.
354 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
بعد أن انتهى ابن هشام من الكالم عن باب االشتغال انتقل إىل أخيه ،وهو :باب التنازع،
فقال رمحه اَّلل:
باب يف التنازع)
( ٌ
يعرفه ابن هشام ،وهذا الباب مما مل يذكر يف كتب املبتدئني ،فهو جديدٌ عىل
أيضا مل ن
ا
أيضا مشكلة ح نلها النحويون يف هذا الباب ،ولكي نفهمها نبدأ من أول
املتوسطني ،وهو ا
املشكلة ،فنقول:
-حتى نقول :جاء وجلس ُممدٌ ،فنقدن م الفعلني ونؤخر االسم ،جاء وجلس ُممدٌ :
(جاء) فعل مايض ،و(الواو) حرف عطف( ،جلس) فعل مايضُ( ،ممدٌ ) فاعل ،فاعل
ألهيَم؟ ال يمكن أن نقول :إنه فاعل لكليهَم؛ ألن كل ٍ
فعل له فاعله ،هذا يسمونه
ٍ
واحد من هذين التنازع؛ ألنه تقدن م عامالن (جاء وجلس) وتأخر معمول ،وكل
العاملني املتقدمني يطلب هذا املعمول.
ٌ
معمول أو أكثر ،فيكون نعرفه لقلنا :أن يتقدم عامالن أو أكثر ،ويتأخر
فالتنازع لو أردنا أن ن
ٍ
عامل من املتقدم طال ابا هلذا املعمول املتأخر. كل
الشيخ /سليمان العيوني 355
-ما سبق :جاء وجلس زيدٌ ،فعالن متقدمان يتنازعان يف فاعل ،يتنازعان يف اس ٍم ٍ
كل
منهَم يطلبه ا
فاعال.
ٍ
واحد من هذين الفعلني -وتقول :رأيت وأكرمت زيدا ا ،تقدم فعالن وتأخر اسم ،وكل
ٌ
مفعول به. يطلب هذا االسم
ِ ِ -ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :آت ِ
ون أ ْف ِر ْغ عل ْيه ق ْط ارا [الكهف ]26:يعني آتون ا
قطرا أفرغ
ون أ ْف ِر ْغ عل ْي ِه وأخر املتنازع فيه ﴿ ِق ْط ارا .
قطرا ،تقدم الفعلني ﴿آت ِ
عليه ا
ِ
اخلميس ،فـ(سافرت وصمت) فعالن -ومن ذلك أن تقول :سافرت وصمت يوم
تنازعا ظرف الزمان (يوم اخلميس).
-ومن ذلك قوله عليه الصالة والسالم« :كَم صليت وباركت وترمحت عىل إبراهيم»
ٍ
أفعال متقدمة تنازعت عىل اجلار واملجرور. فهذه ثالثة
-وتقول :استعرت وقرأت كتا ابا يوم اخلميس ،تقدم فعالن وتنازعا عىل ماذا؟ عىل
ا
مفعوال به ،وكالمها يطلب ٌ
مفعول به وعىل ظرف زمان ،يعني كالمها يطلب (كتا ابا)
(يوم اخلميس) ظرف زمان.
-وآخر صورة أن نقول :أكرمت وأكرمني زيدٌ ،أو أكرمني وأكرمت زيدٌ ،فتقدم فعالن
فاعال ،و(أكرمت) يطلب زيدا ا مفع ا
وال به ،فهذه وتأخر اسم ،فـ(أكرمني) يطلب زيدا ا ا
أيضا تدخل يف صورة التنازع.
الصورة ا
ونكمل إن شاء اَّلل بعد الصالة ،واَّلل أعلم ،وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ُممد.
بسم اَّلل الرمحن الرحيم ،اللهم صيل وسلم عىل نبينا ُممد وعىل آله وأصحابه أمجعني ،أما
بعد...
ٍ
واحد من فقد عرفنا أن التنازع حيدث بأن يتقدم عامالن وأن يتأخر معمول ،ثم إن كل
صور خمتلفة ،ذكرنا بعضها قبل الصالة.
ٌ العاملني املتقدمني يطلب هذا املعمول املتأخر ،ولذلك
ثم ذكر ابن هشا ٍم رمحه اَّلل تعاىل شيئاا من أحكام هذا الباب فقال:
(جيوز يف نحو (رضبني ،ورض ْبت زيد اا) إعَمل األول -واختاره الكوفيون -فيضمر يف الثان
كل ما حيتاجه ،أو الثان -واختاره البرصيون -فيضمر يف األول مرفوعه فقط ،نحو (جف ْو ِن ومل
أجف ِ
األخالء) ْ
فذكر رمحه اَّلل تعاىل أنه جيوز أن ت ِ
عمل أي العاملني املتقدمني شئت يف املعمول املتأخر ،فلك
متفق عليه بني النحويني ،وإنَم اخلالف
عمل الثان ،وهذا اجلواز ٌ عمل األول ،ولك أن ت ِ أن ت ِ
بينهم يف املختار ،فالكوفيون اختاروا إعَمل األول؛ قالوا :لتقدمه ،والبرصيون اختاروا إعَمل
الثان؛ قالوا :لقربه من املعمول ،وأكثر شواهد اللغة جاءت عىل اختيار البرصيني.
الشيخ /سليمان العيوني 357
فإذا أعملت أحدمها يف املتأخر ،فَمذا تعمل يف العامل اآلخر؟ يعني إذا قلت :جاء وجلس
فاعال لألول (جاء) فأين فاعل الثان (جلس)؟ وإن جعلت (زيدٌ ) ا
فاعال زيدٌ ،فجعلت (زيدٌ ) ا
للثان (جلس) فأين فاعل األول (جاء)؟ ذكر ابن هشام فيَم قرأناه أنك إذا أعملت أحدمها فإن
ضمريا وجتعل الثان ا
عامال يف هذا الضمري العائد عىل االسم املتأخر، م تقدن يعني الثان؛ يف ر ت ِ
ضم
ا
ضمري ٍ
عائد إىل هذا املذكور املتأخر ،فتقول ٍ فإذا أعملت أحد الفعلني فيجب أن تعمل اآلخر يف
ضمري مسترت يعود إىل زيد ،وإذا قلت
ٌ يف :جاء وجلس زيدٌ ( ،زيدٌ ) فاعل جاء ،و(جلس) فاعله
ضمري مسترت يعود إىل (زيد) ،فيكون هذا املوضع من ٌ فاعال لـ(جلس) ففاعل جاء (زيدٌ ) ا
ٍ
متأخر يف اللفظ والرتبة ،والضمري يعود عىل متأخر يف املواضع النادرة التي يعود فيها الضمري إىل
اللفظ والرتبة يف مواضع قليلة ،منها هذا املوضع.
إال أن النحويني اختلفوا يف تفاصيل ذلك؛ ألن العامل الذي مل تعمله إما أن يطلب شيئاا يرفعه
ا
مفعوال ا
مفعوال به أو ظرف زمان أو كأن يطلب ا
فاعال ،وإما أن يطلب شيئاا ينصبه كأن يطلب
مطل اقا أو غري ذلك ،فهنا اختلف النحويون يف مثل هذه التفاصيل:
سواء
ٌ فعىل اختيار الكوفيني الذي يعملون األول :فإهنم يضمرون يف الثان كل ما حيتاج إليه،
ا
مفعوال به ،وهذا الضمري كان ضمري رفع كأن يطلب ا
فاعال ،أو كان ضمري نصب كأن يطلب
الذي تقدن ره إن كان ضمري رف ٍع للمفرد فإنه سيسترت ألن ضمري رفع املفرد يسترت ،وإن كان غري
ذلك سيظهر.
ضمري
ٌ ٌ
فاعل لـ(جاء) ،و(جلس) فاعله -يعني لو قلت :جاء وجلس ُممدٌ ؛ فـ(ُممدٌ )
(أكرمت)؟ يضمرونه ،يعني يذكرونه عىل شكل ضمري ،فيقول الكوفيون :رأيت
358 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ا
مفعوال لألول والثان يضمرون فيه ما حيتاج إليه، وأكرمته زيدا ا ،فيجعلون (زيدا ا) الظاهر
يعني جيعلون ما حيتاج إليه عىل شكل ضمري ،ومثال ذلك لو قلت :أكرمني وأكرمت
زيدٌ ،فيجعلون (زيدٌ ) فاعل لـ(أكرمني) ،طيب ومفعول (أكرمت)؟ يضمرونه فيقولون:
-ولو عكست املثال اآلخر وقلت :أكرمت وأكرمني ،لكان الكوفيون يقولون :أكرمت
وأكرمني زيدٌ أو زيدا ا؟ يعملون األول :زيدا ا ،أكرمت وأكرمني زيدا ا ،فـ(زيدا ا) مفعول به
أين فاعل الثان؟ يضمرونه ،ماذا يقولون؟ جاء وجلسوا الرجال ،يضمرون فيه ما حيتاج
وأما مذهب البرصيني فإهنم يعملون الثان :طيب واألول؟ يضمرون ما حيتاج إليه من ضمري
رفع دون ضمري النصب ،إذا احتاج إىل ضمري رفع أضمروه له ،أما إذا احتاج إىل ضمري نصب
فإهنم ال يظهرونه بل حيذفونه ،فلهذا يف:
-ولو قلت :جاء وجلس الرجال ،فإن البرصيني ماذا يقولون؟ جاءوا وجلس ارجال،
-لكن لو قلت :أكرمني وأكرمت زيد ،لقال البرصيون :أكرمني وأكرمت زيدا ا ،فيعملون
الثان :أكرمني وأكرمت زيدا ا ،أين فاعل (أكرمني)؟ مسترت ،ضمري مسترت.
الشيخ /سليمان العيوني 359
-لكن لو قالوا :أكرمت وأكرمني ،لكانوا يقولون ماذا؟ أكرمت وأكرمني زيدٌ ( ،زيدٌ )
فاعل (أكرمني) ،أين مفعول أكرمت؟ ال يضمرونه ،يقولون :أكرمت وأكرمني زيدٌ ،أما
فـ(جفون) فعل ،و(مل أجف) فعل آخر ،و(األخالء) متنازع فيه ،ما الذي عمل يف
(األخالء)؟ األول أم الثان؟ (جفون ومل أجف األخالء) عمل فيه األول أم الثان؟ الثان عىل
مذهب البرصيني ،طيب واألول؟ أضمروا فيه ما حيتاج إليه من ضمري رفع (جفون).
ولو جاء البيت عىل اختيار الكوفيني لكان يقال ماذا؟ جفان ومل أجفهم األخالء ،جفان ثم
(األخالء) فاعله ،ثم يضمرون لـ(أجف) ما حيتاجه من ضمري نصب مفعول به ،جفان ومل
أجفهم األخالء.
ثم نبه ابن هشام إىل ٍ
بيت قد يظن أنه من التنازع وليس هو من التنازع فقال: ن
ٌ
(قليل) فـ(كفان) فعل ،و(مل أطلب) فعل ،وقد تقدما ،لكنهَم مل يتنازعا عىل (قليل) ،فإن
ا
مفعوال به لـ(أطلب): فاعل (كفان) :كفان ٌ
قليل من املال ،وال يصح من حيث املعنى أن جتعله
ومل أطلب ا
قليال من املال ليصح التنازع ،والذي أفسد ذلك من حيث املعنى أن الشاعر يقول :لو
360 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ا
مفعوال لـ(أطلب) ،فبهذا انتهى الكالم متنازعا عليه ،ألنه يف املعنى ليس
ا ٌ
فـ(قليل) ليس إ اذا
عىل باب االشتغال والتنازع.
-فاألول :املفعول به :وهو املراد عن اإلطالق إذا قال النحويون :مفعول.
-والثان :املفعول املطلق ،وهو املفعول احلقيقي للفعل ،فمهَم قلت :جلست فيعني ذلك
تباعا هبذا الرتتيب عند ابن هشا ٍم رمحه اَّلل ،قال ابن هشام( :املفعول به ،وهو ما وقع
وستأيت ا
عليه فعل الفاعل كـ (رضبت زيد اا)) ن
عرف املفعول به ،وسبق الكالم يف َشح املبتدئني عىل
َشح املفعول به ،وليس فيه زيادة.
لكن من ضوابط املفعول به :أن أن ضَمئر هيك ،وهي الضَمئر املتصلة اخلاصة بالنصب
واجلر؛ وهي :ياء املتكلم ،وكاف اخلطاب ،وهاء الغيبة ،هذه الثالثة اخلاصة بالنصب واجلر:
جرا :إذا اتصلت بحرف جر ،نحو :يل -ولك -وله ،أو اتصلت باس ٍم فهي
-ال تكون إال ا
مضاف إليه يف ُمل جر نحو :كتاِب -وكتابك -وكتابه.
ٌ
ٍ
بفعل ناسخ -وتكون نص ابا :إذا اتصلت بإن وأخواهتا كـ :إن -وإنك -وإنه ،أو اتصلت
ٍ
بفعل تام فتكون فتكون خربه املقدم ،نحو :الصديق كنْه -أو الصديق كنْته ،أو اتصلت
ٌ
مفعول به ،فدخلت يف هذا الباب. ٍ
بفعل تام فهي فتبني من ذلك أن هيك متى ما اتصلت
ن
ومن ضوابط املفعول به :أن ضَمئر النصب املنفصلة وهي :إياي وأخواته :إياي -وإياك-
ا
ومفعوال به خربا لكان وأخواهتا ،نحو :ما كان الناجح إال إياك،
وإياه ،هذه ال تكون إال شيئني :ا
وهو األكثر ،نحو :ما أكرمت إال إياك﴿ ،أمر أالَّ ت ْعبدو ْا إِالَّ إِ َّياه [يوسف﴿ ،]40:إِ َّياك
أيضا من ضوابط املفعول به.
ن ْعبد [الفاحتة ]5:فهذا ا
ٌ
داخل يف باب املفعول به ،وهذا ثم قال ابن هشا ٍم رمحه اَّلل( :ومنه املنادى) فذكر أن املنادى
ٍ
لفعل مقدر ناب حرف النداء مناب هذا ٌ
مفعول به منصوب صحيح؛ ألن املنادى يف احلقيقة
الفعل ،فأنت إذا قلت :يا ُممد ،فالتقدير :أنادي ُممدا ا ،أو أدعو ُممدا ا ،ثم إن حرف النداء (يا)
362 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ناب مناب هذا الفعل ،فلهذا نقول :إن املنادى كله بجميع أحواله وصوره حكمه النصب ،إال
أن بعضه مبني فيكـــون يف ُمـــل نصــب ،وبعضه معرب فيكــون منصــو ابا.
(وإنَم ينْصب مضاف اا كـ (يا عبد اَّلل) ،أو شبيه اا باملضاف كـ (يا حسن اا وجهه) و (يا طالع اا
ال خذ بيدي) ،واملفرد ٍ
مقصودة كقول األعمى( :يا رج ا ا
جبال) و (يا رفيق اا بالعباد) ،أو نكر اة غري
زيدان ،ويا زيدون) و (يا رجل) مل ِع َّ ٍ
ني) ِ املعرفة ي ْبنى عىل ما ي ْرفع به ،كـ (يا زيد ،ويا
فذكر ابن هشا ٍم هنا إعراب املنادى ،وقد َشحنا ذلك من قبل ،فقلنا حينذاك :إن املنادى عىل
نوعني:
يشمل املعرفة املفردة نحو :يا ُممد ،يا اَّلل ،يا زيد ،يا ُممدان ،يا ُممدون ،فقوله :يا
اهيم ،ومن ذلك قوله﴿ :يوسف أ ْع ِر ْض ع ْن هـذا [يوسف ]29:يعني :يا ﴿يا إِبر ِ
ْ
يوسف لكن حذف حرف النداء.
وكيف نعرب هذا النوع؟ نعربه إعراب املبنيات ،فنقول :يا ُممد:
يا :حرف نداء ،فنعربه إعراب احلروف :حرف نداء مبني عىل السكون ال ُمل له من
اإلعراب.
ُ ممد :منادى ،منصوب أم يف ُمل نصب؟ يف ُمل نصب مبني عىل الضم.
الشيخ /سليمان العيوني 363
منصوب،
ٌ معرب
ٌ -النوع الثان من املنادى :قلنا :سوى ما سبق ،سوى النوع األول ،وهو
مكون من كلمتني ،فخرج من النوع ٍ
فيشمل املضاف ،نحو :يا رسول اَّلل؛ ألن املنادى حينئذ ن
األول فدخل يف الثان ،يا عبد اَّلل ،يا حارس املدرسة ،يا صديقي ،يا راكب السيارة ،يا عبادي.
أيضا الشبيه باملضاف ،واملراد بالشبيه باملضاف :كل اس ٍم تعلق به ما بعده عىل غري
ويشمل ا
يشء بعده ،لكن هذا الذي بعده مل يتعلق به عىل سبيل اإلضافة:
طريق اإلضافة ،اسم تعلق به ٌ
ٍ
سبيل آخر ،كقوله :يا حسناا وجهه تعال ،أنت تنادي حسناا مضاف ومضاف إليه ،لكن عىل
وجهه ،إ اذا أكثر من كلمة ،طيب (وجهه) متعلقة بـ(حسناا)؛ ألن (وجهه) فاعل (حسناا)،
طاهرا قلبه،
ا فالتعلق بينهَم ال عىل سبيل اإلضافة ،فنقول :شبيه باملضاف ،أو يا ا
مجيال فعله ،أو يا
مكرما أباه ،أو يا قارئاا الكتاب ،أو يا رفي اقا بالعباد ،أو يا ا
رحيَم بنا ،أو يا قارئاا للكتب. ا أو يا
أيضا النكرة غري املقصودة؛ ألنك ال تريد هبا معني ،كقول اخلطيب :يا ا
غافال اذكر ويشمل ا
حجك ،وهذا حيدث عند الشعراء عند قوهلم:
حاجا اضبط ن
اَّلل ،يا ا
هديت أمري املؤمنني رسائيل أيا راكِب اا إِ َّما عر ْضت فب يلغ نن
فالشاعر ال يريد مرا ادا معيناا وإنَم يريد أي راكب حيمل عنه هذه الرسالة.
364 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
يزيد بن ع ْب ِد اَّلل ما أنا قائل أيا راكِب اا نإما عر ْضت فب يلغ ْن
ٍ
شمس وهاشم بني عمنا من عبد أيا راكِب اا نإما عر ْضت فب يلغ ْن
أن ال ِ
تالقيا نداماي من ن ْجران ْ أيا راكِب اا نإما عر ْضت فب يلغ ْن
هذا من أشعار خمتلفة ،فَم ذكره ابن هشام يعود إىل هذين النوعني اللذين َشحنامها من قبل،
فإذا ناديت اَّلل عز وجل باسمه الغفار فإنك تقول :يا غفار اغفر يل ،وإذا ناديته بـ :غفار الذنوب
غفارا
غفارا للذنوب ،فإنك تنصب :يا ا
فإنك تنصب :يا غفار الذنوب اغفر يل ،وإذا ناديته بـ :ا
للذنوب ،وهكذا ،فإذا قلت :يا غفار الذنوب نقول:
ثم بدأ ابن هشام رمحه اَّلل يذكر بعض أحكام ومسائل املنادى ،فلعلنا نقف هنا ونكمل إن
شاء اَّلل يف الدرس القادم ،واَّلل أعلم ،وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ُممد وعىل آله وأصحابه
أمجعني.
الشيخ /سليمان العيوني 365
الدرس العاَش
بسم اَّلل الرمحن الرحيم ،احلمد َّلل رب العاملني ،والصالة والسالم عىل نبينا ُممد وعىل
آله وأصحابه أمجعني ،أما بعد ،فسالم اَّلل عليكم ورمحته وبركاته ،حياكم اَّلل وب نياكم يف هذا
الدرس العاَش من دروس َشح "قطر الندى وبل الصدى" البن هشا ٍم األنصاري عليه رمحة
اَّلل ،نحن يف ليلة األربعاء السابع عرش من شهر رجب من سنة تس ٍع وثالثني وأربعَمئة وألف يف
جامع منرية شبييل بحي الفالح يف مدينة الرياض.
يف الدرس املايض كنا قد تكلمنا عىل نائب الفاعل ،ثم كنا قد بدأنا باألسَمء املنصوبة ،فقرأنا
وَشحنا املفعول به ،وذكر ابن هشام أنه يدخل يف املفعول به املنادى ،فبدأ بالكالم عن املنادى
وبني حاالته وَشحنا ذلك ،لكننا مل نكمل الكالم عىل باب املنادى ،فنبدأ هذا الدرس إن شاء
ن
اَّلل تعاىل بإكَمل الكالم عىل باب املنادى ،ثم نتكلم عىل لواحق النداء وهي :الرتخيم واالستغاثة
والندبة ،ثم نرشح ما تيرس بعد ذلك من األسَمء املنصوبة.
ٌ
داخل يف املفعول به ألن املعنى (يا ُممد) :أدعو فبعد أن نبني ابن هشا ٍم رمحه اَّلل تعاىل أن املنادى
ٍ
حالة ُممدا ا ،فلهذا قلنا :إن املنادى كله حكمه النصب ،إال أنه يف ٍ
حالة يبنى عىل ما يرفع به ويف
أخرى يبقى معر ابا منصو ابا.
ثم بدأ ابن هشام بذكر بعض املسائل واألحكام يف هذا الباب ،فقال رمحه اَّلل:
( ٌ
فصل :وتقول( :يا غالم) بالثالث وبالياء فتح اا وإسكان اا وباأللف)
366 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
تكلم هنا عىل نداء االسم املضاف إىل ياء املتكلم ،كـ :صديقي ،وغالمي ،ورِب ،ونحو ذلك
ٌ
فثالث منها بإثبات من األسَمء املضافة إىل ياء املتكلم ،فذكر أن فيها عن العرب ست لغات:
ٌ
وثالث منها بحذف الياء: الياء،
-فاللغة األوىل :أن تقول :يا صديقي تعال ،بإثبات الياء ساكن اة ،قال تعاىل﴿ :يا ِعب ِ
ادي ال
ف عل ْيكم يف قراءة بعض السبعة. فاتَّقون [الزمر ،]16:وقال تعاىل﴿ :يا ِعب ِ
اد ال خ ْو ٌ
وتقول العرب :يا عجبى منك ،وأكثر ما جاءت هذه اللغة يف أسَمء اجلنس؛ كاحلرسة
-اللغة اخلامسة :أن تقول :يا صديق تعال ،بحذف األلف من اللغة السابقة ،واالكتفاء
بالفتح قبلها.
-واللغة السادسة :أن تقول :يا صديق تعال ،بحذف الياء وجعل ضمة البناء عىل آخر
احكم بِ ْ
احل يق [األنبياء ]112:يف قراءة بعضهم، االسم ،قال سبحانه وتعاىل﴿ :قال ر ُّب ْ
وقالت العرب :يا أ ُّم ال تفعيل؛ يريد يا أمي.
-ثم إثبات الياء :ساكن اة ومفتوح اة ،فتقول :يا رِب إن أسألك ،ويا رِب إن أسألك.
رب إن أسألك.
-ثم حذف الياء وضم ما قبلها :يا ُّ
وقول ابن هشام( :يا غالم بالثالث) يعني :يا غالمِ ،ويا غالم ،ويا غالم بالفتح والضم
والكرس ،وقوله( :وبالياء فتح اا وإسكان اا وباأللف) يعني يا صديقي تعال ،ويا صديقي تعال ،ويا
صديق تعال.
ٍ
مسألة أخرى فقال: ثم انتقل ابن هشام إىل
ِ
لألولني رس ،وإِحلاق األلف أو الياء
عم) بِفتْحٍ وك ْ ٍ ِ ِ
(و (يا أبت ،ويا أ َّمت ،ويا ابن أ يم ،ويا ابن ي
ٌ
ضعيف) قبيح ،وليئخر ْي ِن
ٌ
تكلم ابن هشا ٍم هنا عىل مسألتني :املسألة األوىل :إذا كان املضاف إىل ياء املتكلم لفظ ٍ
أب أو أمٍ؛
حينئذ عرش لغات ،وهذه عادة العرب أن اليشء إذا كثرٍ يعني :يا أِب ويا أمي ،فذكر أنه جيوز فيه
يف كالمها كثر ترصفها فيه ،فهذه اللغات العرش منها الست السابقة :يا أِب تعال ،يا أِب تعال ،يا
وأربع أخرى ،وهي:
ٌ ِ
أب تعال ،ويا أب تعال ،ويا أبا تعال ،ويا أب تعال،
ابن عامر.
368 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
واملعوض عنه.
ن وبني تاء التأنيث التي هي ٌ
عوض عن ياء املتكلم ،يعني مجع بني العوض
وهلذا قال ابن هشام :واللغتان األخريتان؛ يعني يا أبتا ويا أبتي قبيحتان ،ملاذا؟ ألن فيهَم اجلمع
بني العوض؛ وهو تاء التأنيث واملعوض عنه وهو ياء املتكلم ،والقاعدة واألصل أنه ال جيمع
بينهَم ،وقبحهَم الذي ذكره ابن هشام يف النثر ،أما يف الشعر فجاء ذلك عن العرب يف عدة
أشعار؛ كقول الشاعر:
ويقول اآلخر:
فإنَّا ٍ
بخري إذا مل ت ِر ْم يا أبتِي فال ِر ْمت ِمن ِعن ِْدنا
ويقول اآلخر:
فهذه املسألة األوىل :إذا كان املضاف إليه ياء املتكلم لفظ ٍ
أب أو أمٍ ،املسألة األخرى يف كالم ابن
اسَم إىل اس ٍم
هشا ٍم السابق :االسم املضاف إليه ياء املتكلم إذا أضيف إىل اسمٍ ،لو أضفت ا
مضاف إليه ياء املتكلم ،كأن تقول :صديق صديقي ،أو ابن صديقي ،أو ابن أخي ،ففي هذه
الشيخ /سليمان العيوني 369
املسألة ال جيوز إال إثبات الياء ساكن اة أو مفتوح اة ،نحو :يا ابن أخي تعال ،أو يا ابن أخي تعال،
وال جتوز اللغات األخرى يف ذلك.
إال إذا كان املنادى يف هذه املسألة لفظ :ابن أمي ،أو ابن عمي ،أو ابنة أمي ،أو ابنة عمي ،فإن
ٍ
لغات عن العرب: هذه األلفاظ لكثرة استعَمهلا عند العرب ترصفوا فيها ،فجاء فيها أربع
-األوىل :حذف الياء وكرس ما قبلها ،فتقول :يا ابن أ ِم تعال ،يا ابن ع ِم تعال.
-واللغة الثانية :حذف الياء وفتح ما قبلها ،فتقول :يا ابن أم تعال ،ويا ابن عم تعال.
وقد قرأ السبعة كلهم هبَم هاتني اللغتني يف قوله تعاىل﴿ :قال ا ْبن أ َّم إِ َّن ا ْلق ْوم
ون [األعراف﴿ ،]150:قال يا ا ْبن أ َّم ال ت ْأخ ْذ بِلِ ْحيتِي [طه.]94:
ْاست ْضعف ِ
-اللغة الثالثة والرابعة :إثبات الياء ساكن اة ومفتوح اة ،تقول :يا ابن أمي تعال ،ويا ابن عمي
تعال ،ويا ابن أمي تعال ،ويا ابن عمي تعال ،قال الشاعر:
ٍ
شديد ٍ
لدهر أنت خ نلفتني يا ْبن أ يمي ويا شق ييق ن ْف ِيس
وقال اآلخر:
ٌ
استعَمل كثري يف كالم العرب ،وهي: ٍ
مسألة مهمة يف هذا الباب ،وهلا ثم انتقل ابن هشام إىل
معطوف أو ٌ
بدل أو توكيد أو عطف نسق أو عطف ٌ نعت أو
حكم توابع املنادى ،املنادى إذا تبعه ٌ
بيان فَم حكم هذا التابع ،فقال ابن هشام:
370 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ِ
املقرون بأل وتأكيده وبيانِه ونس ِقه
ِ املبني
ي
فرد أو أ ِضيف مقرون اا بأل ِمن ِ
نعت ْ فصل :وجيري ما أ ِ
( ٌ
عىل لفظه أو ُمله ،وما أضيف جمرد اا عىل ُمله ،ون ْعت ٍّ
أي عىل لفظه ،والبدل واملنسوق املج َّرد
ي
املستقل مطلق اا) كاملنادى
والسبب يف اختالف أحكام تابع املنادى معلوم أن التوابع تتبع ما قبلها يف اإلعراب ،فتابع
املنادى فيه إشكال ،وذلك أن املنادى كَم عرفنا عىل نوعني :فهو إما أن يبقى معر ابا منصو ابا ،وإما
أن يبنى عىل ما يرفع به ،واجلميع حكمه النصب ،فإذا بقي معر ابا منصو ابا كقولك :يا عبد اَّلل،
فهو منصوب اللفظ ومنصوب املحل؛ منصوب اللفظ ألنه معربو ومنصوب املحل ألن حكمه
النصب.
وإذا بني عىل ما يرفع به كقولك( :يا ُممد) فإن لفظه خالف ُمله ،فمحله النصب ،ولفظه هنا
ليس لفظ املنصوب وإنَم جاء يف الشكل عىل لفظ املرفوع ،مضموم ،فهذا املنادى املبني عىل
الضم (يا ُممد) لو أتبعته بتاب ٍع من التوابع هل ستتبعه عىل ُمله فتنصب؟ أم تتبعه عىل لفظه
فرتفع؟ هذا الذي سبب هذا اإلشكال ،واختلفت أحكامه يف اللغة تب اعا لكالم العرب يف ذلك.
وخالصة املسألة :أن التوابع كَم نعرف مخسة؛ وهي :النعت ،والتوكيد ،وعطف البيان ،وعطف
النسق ،والبدل:
فالبدل كأن تقول :يا عمر الفاروق ،يا هرون الرشيد ،يا أبا ٍ
بكر الصديق ،يا عثَمن ذا النورين،
ويا عيل أبا احلسنني ،هذه كلها أمثلة عىل بدل كل من كل ،فعندما نقول:
( يا عمر) هذا منادى مبني عىل الضم؛ ألنه مفر ٌد معني.
( الفاروق) بدل؛ ألن املراد بالفاروق هنا أنه لقب لعمر ،يعني علم عليه وليس نعتاا
فنقول :يا عمر الفاروق ،ليس لك إال ذلك ،كَم لو أن النداء دخل عىل (الفاروق) مباَشة،
تقول :يا أهيا الفاروق ،ليس لك إال هذا ،وكذلك يا هارون الرشيد.
وكذلك يا أبا ٍ
بكر الصديق:
فـ(يا أبا ٍ
بكر) نصبناه؛ ألنه منادى مضاف ،فحكمه النصب ،منادى منصوب وعالمة
نصبه األلف (يا أبا ٍ
بكر).
( الصديق) فرتفعه؛ ألنك لو ناديته مباَشة مل يكن فيه إال هذا ،تقول :يا أهيا الصديق.
معني.
( يا عثَمن) فتبني عىل الضم ألنه مفر ٌد ن
و(ذا النوريني) ستنصبه باأللف ألنه مضاف ،كَم لو قلت :يا عثَمن يا ذا النوريني.
وأما املنسوق املجرد من (ال) فكقولك :يا خالد وُممد تعاال ،ويا ُممد وعبد اَّللِ تعاال ،ويا عبد
اَّلل وخالد ،ويا عبد اَّلل وعبد الرمحن.
و(خالد) ليس فيه إال الرفع؛ ألنك لو ناديته مباَشة كنت تقول :يا ُممد ويا خالد.
( وعبد اَّلل) تنصب ،كأنك قلت :يا ُممد ويا عبد اَّلل ،وهكذا.
إ اذا فهذا حكم البدل وحكم املنسوق املجرد من (ال) ،فَمذا بقي من التوابع بعدمها؟ بقي:
النعت ،والتوكيد ،وعطف البيان ،واملنسوق املقرون بـ(ال).
احلالة الثانية :عكس األوىل ،إذا كانت التوابع مضاف اة ،فليس فيها سوى النصب ا
أيضا ،كقولك:
يا ُممد صاحب ٍ
خالد تعال:
وتقول :يا ُممد أبا عبد اَّلل ،عىل أن (أبا عبد اَّلل) عطف بيان وليس ا
بدال ،البدل سبق حكمه،
دائَم حكمه النعت ،فستقول :يا ُممد أبا عبد اَّلل؛ ألن
لكن لو كان عطف بيان ،وعطف البيان ا
التابع هنا مضاف.
وتقول :يا متيم ك َّلهم ،أو يا متيم ك َّلكم ،هذا توكيد معنوي لكنه مضاف ،فليس فيه إال النصب.
وتقول :يا ُممد وأبا عبد اَّلل؛ هذا منسوق لكنه مضاف ،قال سبحانه وتعاىل﴿ :ق ِل ال َّله َّم فاطِر
ض [الزمر﴿ ]46:ال َّله َّم يعني يا اَّلل ،إ اذا اللهم نداء َّلل عز وجل، السَمو ِ
ات واأل ْر ِ َّ
﴿ال َّله َّم :اَّلل :هذا منادى مبني عىل الضم ،وامليم :عوض من ياء النداء املحذوفة﴿ ،فاطِر
ات هذا نعت لكنه منصوب؛ ألنه مضاف. السَمو ِ
َّ
احلالة الثالثة وهي التي بقيت :أن يكون املنادى مبن ايا والتوابع مفردة ،أن يكون املنادى مبن ايا ليس
منصو ابا ،والتوابع مفردة ليست مضافة ،فهذه جيوز لك فيها النصب والرفع ،جيوز لك فيها
النصب تب اعا للمحل ،وجيوز لك فيها الرفع تب اعا للفظ ،تقول :يا ُممد الفاضل أو الفاضل ،ويا
والضحاك تعاال ،ويا متيم أمجعني ويا متيم أمجعون ،وتقول :يا
ن والضحاك تعاال أو يا ُممد
ن ُممد
عمر الفاروق والفاروق إذا أردته عطف بيان ،وسيأيت بيان الفرق بني البدل وعطف البيان إن
شاء اَّلل يف التوابع ،قال تعاىل﴿ :يا ِجبال أ يو ِِب معه وال َّط ْري [سبأ ]10:فنصب يف قراءة العرشة،
وقرأ يف الشواذ﴿ :وال َّط ْري بالرفع.
إذا فاخلالصة يف توابع املنادى :أنه جيوز لك يف التوابع النصب والرفع ،هذا األصل فيها ،إال إن
منع مانع ،فَم املانع الذي يمنع؟ إما أن تكون التوابع مضافة ،واملضاف يف باب النداء ليس فيه
إال النصب ،أو يكون املنادى نفسه منصو ابا فيكون لفظه نصب وُمله نصب ،فليس لك يف التابع
ٍ
حينئذ إال النصب ،والتفصيل سبق يف كالمنا آن افا.
يعني أن نعت (أي) يف النداء ليس فيه إال الرفع وال جيوز نصبه ،كقولك :يا أهيا الرجل ،وال
جيوز (يا أهيا الرجل) التفاق املسموع عىل ذلك﴿ ،يا أ ُّهيا النَّبِ ُّي ﴿ ،يا أ ُّهيا النَّاس فإن قلت:
ما إعراب تابع (أي) يف النداء؟ إن قلت :يا أهيا الرجل:
( أي) :هذا منادى مبني عىل الضم؛ ألنه نكرة مقصودة.
فَم إعراب التابع (الرجل)؟ فاجلواب عىل قولني مذكورين يف كتب النحو:
-والقول الثان :التفصيل؛ فإن كان جامدا ا فهو عطف بيان ،وإن كان مشت اقا فهو نعت،
ٌ
عطف إجراء لقاعدة النعت وعطف البيان ،فإن قلت :يا أهيا املجتهد فـ(املجتهد)
ا
لـ(أي) ،وإذا قلت :يا أهيا الرجل فـ(الرجل) عطف بيان من (أي)؛ ألن عطف البيان هو
يعني رمحه اَّلل أن هذا األسلوب وهو :إذا تكرر املنادى املفرد ،كقول العرب :يا زيد زيد
اليعمالت ،ويا سعد سعد األوس ،وكقولنا :يا طلب طالب العلم ،يا جامعة جامعة اإلمام،
ونحو ذلك ،فلك فيه وجهان واردان عن العرب:
-أما الثان منهَم (زيد اليعمالت) :فليس فيه سوى النصب؛ ألنه مضاف.
-وأما األول :فهو الذي فيه الوجهان اجلائزان ،ومها :الضم والفتح:
الشيخ /سليمان العيوني 375
فالضم :يا زيد زيد اليعمالت ،فـ(يا زيد) عىل األصل :منادى مبني عىل الضم ألنه
مفرد معني.
-والوجه الثان :الفتح ،تقول :يا زيد زيد اليعمالت ،عىل أن األصل :يا زيد اليعمالت يا
زيد اليعمالت ،ثم حذفت املضاف إليه األول؛ لداللة املضاف إليه الثان.
فهذان الوجهان اجلائزان يف هذه املسألة التي ذكرها ابن هشام ،وأما هذا الشاهد( :يا زيد زيد
جزء من رجز لعبد اَّلل بن رواحة ريض اَّلل عنه ،يقول فيه:
اليعمالت) فهو ٌ
تطاول ال َّل ْيل عل ْيك فان ِْز ِل الذ َّب ِل
ت ُّيا زيد زيد ا ْليعمال ِ
ْ ْ ْ
واليعمالت :مجع يعملة ،وهي الناقة القوية ،هبذا الضبط :يعملة ،ومثل هذا األسلوب قول
جرير هيجو عمر بن جلى التيمي ،يقول:
اخلزْر ِج يني
ْ س ْعد ويا س ْعد يا س ْعد س ْعد األ ْو ِ
س ك ْن أنْت
فار ِ
ا ْلغط ِ ِ
ارصا
ن ا
فهذا ما يتعلق بباب النداء ،قرأناه وَشحناه من قطر الندى.
376 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ليذكر ابن هشام بعد ذلك شيئاا من لواحق النداء ،ولواحق النداء متعددة ،أشهرها ما ذكره ابن
هشام وهي :الرتخيم ،واالستغاثة والندبة ،فبدأ ابن هشام بالكالم عىل الرتخيم ،فقال رمحه اَّلل
تعاىل:
ِ
املعرفة ،وهو حذف آخره ختفي افا) فصل :وجيوز ت ْر ِخيم املنادى
( ٌ
فالرتخيم كَم ذكر ابن هشام هو :حذف آخر املنادى ختفي افا ،فتقول يف (يا مالك تعال) :يا ِ
مال
تعال ،فتحذف احلرف األخري ،وتقول يف (يا سعاد تعايل) :يا سعا تعايل ،فتحذف احلرف
األخري.
فقوله( :حذف آخره) يدل عىل أن املحذوف للرتخيم ال يكون إال يف آخر املنادى ،واألغلب أن
سنفصل املسألة ،كقولك :يا
ن يكون حر افا واحدا ا كَم م نثلنا قبل قليل ،وقد يكون حرفني كَم
منصو يف (يا منصور).
وقوله( :ختفي افا) هذا بيان لغرض الرتخيم ،فائدة الرتخيم ،واحلقيقة أن التخفيف هو أهم فوائد
ٌ
غرض كثري يف الرتخيم، ا
أغراضا وفوائد أخرى ،كالتحبب؛ وهو وأغراض الرتخيم ،لكن له
خاص اة عند نداء الزوجة واألوالد ،فيكون الغرض من ذلك التحبب كَم جاء يف احلديث أنه
يرخم اسم عائشة فيقول :يا عائش تعايل ،يقول :يا عائش ،ال يقول:
عليه الصالة والسالم كان ن
يا عائشة.
وقد يكون من األغراض :الداللة عىل الضعف كأنه عاجزٌ عن إكَمل لفظ املنادى ،ويم نثلنا لذلك
ض عل ْينا ر ُّبك [الزخرف ،]77:وقراءة اجلمهور﴿ :يا ال لِي ْق ِ
قراءة ابن مسعود﴿ :وناد ْوا يا م ِ
الشيخ /سليمان العيوني 377
مالِك بال ترخيم ،قال ابن عباس :ما كان أشغل أهل النار عن الرتخيم ،وع نللوا هذه القراءة
بأهنا تدل عىل ضعف أهل النار عن إكَمل اسم مالك.
خمتوما بتاء التأنيث ،فرتخيمه يكون بحذف تاء الرتخيم مطل اقا ،يعني
ا -األوىل :أن يكون
جيوز عىل كل حال ،فتقول يف طلحة :يا طلح تعال ،ويف معاوية :يا معاوي تعال ،ويف
رخم؛ ألن
ثالثي ،فلو كان ثالث ايا نحو :يا بكر ،ويا زيد ،ويا هند ،ويا دعد ،فهذا ال ي ن
مالك) :يا ِ
مال تعال ،ويف (يا زينب) :يا زين تعايل ،ويف (يا كَمل) :يا كَم تعال ،ويف (يا
يقول :العلم والنكرة املقصودة متى كان فيهَم تاء التأنيث فإن ترخيمهَم جائزٌ مطل اقا بال َشط،
علَم كان أو نكر اة مقصودة ،ثالث ايا كان أو أكثر ،فتقول يف طلحة :يا طلح ،ويف محزة :يا محز ،ويف
ا
ثبة –بمعنى مجاعة :-يا ثب تعالوا ،ويف هبة –اسم امرأة -تقول :يا هب تعايل ،مع أنه سيبقى
عىل حرفني ،فذو التاء جيوز ترخيمه مطل اقا ،وهذا كثري يف كالم العرب:
-الرشط األول :أن يكون منادى مبني عىل الضم ،هذا ماذا خيرج؟ املنصوب ،املبني عىل
الضم خيرج املنادى املنصوب ،مثل :يا عبد اَّلل ،وخيرج املنادى املبني عىل األلف ،كـ :يا
علَم ،وهذا خيرج النكرة املقصودة ،مثل :يا رجل ويا رجال ،بَم
-الرشط الثان :أن يكون ا
رخم.
أنه ليس فيه تاء التأنيث هذا ما ي ن
الشيخ /سليمان العيوني 379
-الرشط الثالث :أن يكون أكثر من ثالثة أحرف ،يعني عىل أربع أو مخسة أو ستة أحرف،
وهذا خيرج الثالثي ،كـ :يا زيد ،ويا بكر ،ويا هند ،وال تؤخر ،مثال ذلك :يا جعفر تقول:
حار تعال ،ويا سالك :يا ِ
سال تعال ،ويا كَمل :يا كَم تعال، يا جعف تعال ،يا حارث :يا ِ
ويا زينب :يا زين تعايل ،ويا حنان –اسم امرأة :-يا حنا تعايل ،وهكذا.
-اللغة األوىل :يسموهنا :لغة من ال ينتظر ،وذلك بحذف آخر املنادى ،ونقل حركة البناء
إىل ما قبله ،فتقول يف (يا حارث) :نحذف الثاء ،ثم ننقل الضمة التي عىل الثاء إىل الراء
التي قبلها ،فنقول :يا حار تعال ،ويف (يا زينب) نقول :يا زين تعايل.
-واللغة األخرى :يسموهنا :لغة من ينظر ،وهي األكثر يف كالم العرب ،تكون بحذف
اآلخر وإبقاء ما قبله عىل حاله ،يعني كأن احلرف األخري موجود ،فتقول يف (يا حارث):
حار تعال ،ويف (يا زينب) :يا زين تعايل ،نقول :لغة من ينتظر؛ ألنك إذا قلت :يا ِ
حار يا ِ
فاملستمع ما زال ينتظر الثاء ،لكن إن قلت :يا حار وهو يعلم أنك تنادي رجل اسمه
حارث ،إذا قلت :يا حار علم مباَش اة أنك ن
رمخت ،فال ينتظر الثاء.
-وعىل األخرى :يا عائش. -عىل اللغة األكثر :يا عائش تعايل.
-وعىل األخرى :يا هرق تعال ،وهكذا. -عىل األكثر :هرق تعال.
ذكر ابن هشام أن األصل يف الرتخيم أن نحذف احلرف األخري فقط ،لكن قد حيذف حرفان إذا
كانا ما قبل اآلخر حرف ٍ
مد قبله أكثر من حرفني ،إذا كان املنادى قبل آخر حرف مد (ألف ،أو
نرخم؟ بحذف ٍ
فحينئذ كيف ن واو ،أو ياء) ،وحرف املد مسبوق بأكثر من حرفني :ثالثة أو أكثر،
احلرف األخري وبحذف حرف املد م اعا.
-وعىل األخرى :يا سلم تعال. -عىل اللغة األكثر :يا سلم تعال.
ومثل( :يا مسكني) نريد به اسم رجل علم ،ال نريد به نكرة مقصودة ،مسكني من املساكني،
ٍ
حينئذ: رخم ،لكن اسم رجل ،فنقول
هذا ال ي ن
أيضا
-وعىل اللغة األخرى :يا منص تعال ا -عىل اللغة الكثرية :يا منص تعال.
فاتفقت اللغتان هنا ألن ما قبل حرف املد مضموم ،ومن ذلك عثَمن ومروان وُممود ،لكن
رخم بحذف احلرف األخري قط دون املد؛ ألن ما قبل املد حرفني ،فلو
(كَمل) كيف ننرمخه؟ ي ن
حذفنا احلرف األخري واملد أجحفنا الكلمة ،نقول :يا كَم تعال ،و(سعاد) :يا سعا تعايل،
و(سعيد) :يا سعي تعال.
ورهبا مل ييأس
ت ْرجو احلباء ن يا م ْرو إِ َّن مطِ َّيتِي ْ
ُمبوس ٌة
وقول اآلخر:
(ومن نحو م ْع ِد ْيك ِرب الكلمة الثانية) هذا معطوف عىل قوله( :وحيذف من نحو (سليَمن))
يعني حيذف من نحو (سلَمن) حرفان ،وحيذف من نحو (معديكرب) الكلمة الثانية ،يعني أن
املركنب املزجي عند ترخيمه يكون ترخيمه بحذف الكلمة الثانية كلها:
-ويف (بعلبك) نقول :يا بعل ،ويا بعل ،ويف (خالويه) نقول :يا خال ويا خال ،وهكذا.
وهنا تنبيه :ملاذا مل يتكلم ابن هشام عىل ترخيم املركب اإلضايف؟ بينَم تكلم عىل املركب املزجي؟
خاص بالعلم املضموم ،أما العلم رخم ا
أصال؛ ألن الرتخيم كَم عرفنا ٌ أما املركب اإلضايف فال ي ن
ولو كان مضا افا مرك ابا إضاف ايا كـ عبد اَّلل -فهذا منصوب ،ال يضم.
طيب واملركب املزجي؟ املركب املزجي ال ،عند ندائه سيضم ،ستقول :يا معديكرب تعال ،يا
حرضموت؛ ألن املركب املزجي جيب عىل الكلمتني يف حكم الكلمة الواحدة ،بخالف املركب
اإلضايف فكل كلمة تبقى عىل قوهتا وانفرادها ،لكن نضيف إحدامها إىل األخرى.
أيضا من
فهذا ما يتعلق بباب الرتخيم ،لينتقل ابن هشام رمحه اَّلل إىل االستغاثة والندبة ،ومها ا
توابع النداء.
382 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
أسلوب االستغاثة هو :نداء من خي نلص من شدة أو يعني عىل دفعها ،وجدت شدة أو مصيبة
ٍ
شخص ما ،فأردت من آخر أن يساعده ،إما أن خي نلصه من هذه الشدة أو يعينه عىل نزلت عىل
دفعها ،فإذا أردت األسلوب املعتاد غري املباَش ،فتقول :يا ُممد ساعد خالدا ا ،أو يا ُممد أغث
خالدا ا ،هذا أسلوب يعني عام ،ليس له حكم وأسلوب خاص يف اللغة.
ٍ
خلالد، -والركن الثالث( :املستغاث له) ويكون جمرورا بال ٍم مكسورة (لِلمسلمني) ،يا لِ ٍ
زيد ا
جمرورا بال ٍم مكسورة.
ا دائَم يكون
فاملستغاث له ا
-بقي الركن الثان وهو :املستغاث به ،وله ثالثة استعَمالت:
جره بال ٍم مفتوحة ،وهذا هو األكثر ،نحو :يا َّلل للمسلمني ،يا
االستعَمل األول :ن
ٍ
خلالد. ل ٍ
زيد
ٍ
خلالد ،نحذف االستعَمل الثان :حذف الالم وزيادة ٍ
ألف يف آخره ،فنقول :يا زيدا
ٍ
خلالد ،كقول الشاعر: الالم ونأيت بألف آخر املنادى املستغاث به ،فنقول :يا زيدا
و ِغناى ب ْعد فاق ٍة وهو ِ
ان يا ي ِزيدا آلم ٍل نيل ِعز
يعني يا يزيد أغث ا
آمال.
ٍ
خلالد ،وهذا األسلوب الثالث :حذف الالم ومعاملته معاملة املنادى ،فنقول :يا زيد
أسلوب خاص ،وهي أن تنادي من تطلب منه أن يغيث غريه فيخلصه من الشدة
ٌ إ اذا فاالستغاثة
جمرورا بال ٍم مفتوحة ،وله أسلوبان آخران
ا أو يدفعها عنه ،وأشهر أساليبها :أن تأيت باملستغاث به
أقل من ذلك.
(والنادب( :وا زيدا ،وا أمري املؤمنينا ،وا رأسا) ولك إحلاق اهلاء وقف اا)
واملتوجع منه كقولك :وارأساه ،واظهراه إذا آملك ،إ اذا فأسلوب الندبة ركنان:
-األول :حرف الندبة ،ومها حرفان :األول( :وا) وهو األكثر واألشهر ،والثان( :يا)
االستعَمل األول :كاملنادى املعتاد وهذا قليل ،كأن تقول :واعمر ،وارأس ،واإسالم.
واآلخر وهو األكثر واألشهر :زيادة ٍ
ألف يف آخره ،تقول :واعمرا ،واإسالما،
واظهرا ،وهكذا.
وعند الوصل جيب حذف اهلاء ،فتقول :يا عمرا رمحك اَّلل ،لكن يف الشعر جيوز أن تثبت هذه
اهلاء وتضم ،كقول الشاعر:
والندبة :ألف الندبة قد تلحق آخر ملنادى املضموم ،كقوله :يا عمرا ،أو املنصوب املضاف
ٍ
ُممد ،تقول :يا صديق ُممداه ،أو ندبة أمري املؤمنني :يا أمري كقولك ا
مثال يف ندبة صديق
املؤمنينا ،وقد تلحق الصفة فتقول :يا ُممد الفاضال ،أو يا ُممد الفاضاله ،ونحو ذلك ،فهي
نداء معتا ادا وإنَم هو نداء ندبة.
ألف وهاء عند الوقف ،لبيان أن النداء ليس ا
فهذا ما يتعلق بالنداء وبلواحقه ،وبه ينتهي الكالم عن املفعول به ،فبعد أن انتهى ابن هشام رمحه
اَّلل من الكالم عن املفعول به وأدخل فيه املنادى انتقل إىل املفعول الثان وهو :املفعول املطلق.
سبق يف َشح املبتدأين َشح املفعول املطلق ،وأنه من أوضح األبواب ،وله عالق ٌة قوي ٌة باللفظ؛
مصدرا ومنصو ابا ،وأن يسبقا ألنه املصدر املنصوب بعد فعله ،فبان من الرشح أنه ال يكون إال
بفعله ،واألمثلة عىل ذلك كثرية كقوله سبحانه﴿ :وك َّلم اَّللن موسى تكْلِ ايَم [النساء،]164:
ال [املزمل﴿ ،]4:وقولوا ق ْوالا س ِديدا ا [األحزاب﴿ ،]70:وف َّض ْلناه ْم عىل
﴿ورت ِيل ا ْلق ْرآن ت ْرتِي ا
اهلِ َّي ِة األوىل [األحزاب،]33:
اجل ِ
ربج ْ ِ ِ ٍ
كثري يمم َّ ْن خل ْقنا ت ْفضيال [اإلرساء﴿ ،]70:وال ت َّ
رب ْجن ت ُّ
وكقول الشاعر:
ِ
الوجد تستعر استعارا. ونار ات تنه ِمر ْ ِ
اهنَمرا د ِع العرب ِ
386 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ح نطم حي نطم حت ا
طيَم ،أما (الكالم) فهو اسم مصدر؛ ألنه ال يوافق الفعل يف احلروف ،فنقول
ٍ
حينئذ :إن الفعل الذي نصبه ليس فعله ،ليس من لفظه ولكن من معناه؛ ألن التكلم والكالم من
معنى واحد.
ا
اغتساال الذي نصب ا
اغتساال ،فاغتسلت ا
غسال ،بخالف اغتسلت وكذلك :اغتسلت
ا
(غسال) فعله (غسل) ال (اغتسل) ،ومن ذلك ا
(اغتساال) فعله (اغتسل) ،ولكن اغتسلت ا
غسال
قوله تعاىل﴿ :واَّللَّ أنبتكم يمن األ ْر ِ
ض نباتاا [نوح ،]17:ولو أتى بمصدر الفعل املذكور لكان
يقال يف الكالم :أنبتكم إنباتاا ،لكنه قال :أنبتكم نباتاا ،مع أن النبات مصدر (نبت :نباتاا) ألن
النبات واإلنبات بمعنى واحد.
وأنبه هنا إىل أن املفعول املطلق هو مفعول الفعل احلقيقي ،وبقية املفاعيل ليست مفاعليه
ٌ
مفعول به :يعني وقع الفعل عليه ،يعني احلقيقية ،فلهذا جتد أننا يف كل املفاعيل نق نيدها ،هذا
ٌ
مفعول فيه :يف زمانه أو يف مكانه، يشء آخر ،فاملفعول به وقع عليه ،أو
الفعل يشء واملفعول به ٌ
يعني هذا زمان أو مكان والفعل يشء ،فالفعل يشء والزمان واملكان يشء آخر ،وهكذا ،أما
جلوسا:
ا املفعول املطلق فهو املفعول احلقيقي للفعل ،ألنه هو الفعل ،فقولك :جلست
(اجللوس) هو معنى جلست ،فأنت إذا قلت( :جلست) يعني ماذا فعلت؟ اجللوس ،مهَم
الشيخ /سليمان العيوني 387
قلت( :حفظت) يعني فعلت احلفظ ،وهكذا ،فمهَم قلت( :حفظت) يعني أنك حفظت حف اظا،
جلوسا ،حفظت حف اظا يعني فعلت حف اظا ،وهكذا.
ا ما حفظت ا
أكال أو حفظت
وهذا احلكم يف كل األبواب ليس هنا فقط ،يف املفعول به يقول﴿ :و ْاسأ ِل
ا ْلق ْرية [يوسف ،]82:ما إعراب ﴿ا ْلق ْرية ؟ مفعول به ،مع أن املعنى والتقدير :اسأل أهل
مضاف إليه ،ثم حذفنا املضاف وقام املضاف إليه مقامه،
ٌ القرية ،أهل :مفعول به ،والقرية:
ات ؟ مفعول مطلق ،وال ات [سبأ ]11:ما إعراب ﴿سابِغ ٍوكقوله تعاىل﴿ :أ ِن اعم ْل سابِغ ٍ
ْ
ٍ
سابغات ،مع إن هذا هو املعنى ،لكن دروعا نقول :صفة ملفعول مطلق ُمذوف والتقدير :اعمل
ا
حذف املفعول املطلق وقام النعت –الصفة -أخذت مقامه ،وهكذا.
388 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
الثان مما ينوب عن املصدر يف االنتصاب عىل املفعول املطلق :كلمة (كل) و(بعض) املضافتني
ٍ
انتظار ،فـ(بعض) مفعول مطلق وهو مضاف ،و(انتظار): إىل املصدر ،كقولك :انتظرته بعض
مضاف إليه ،وتقول :صربت عليه كل الصرب ،ومثال ابن هشام﴿ :فال متِيلو ْا ك َّل
ٌ
ا ْمل ْي ِل [النساء﴿ ،]129:ول ْو تق َّول عل ْينا ب ْعض األق ِ
اويل [احلاقة.]44:
والثالث مما ينوب عن املصدر يف االنتصاب عىل املفعول املطلق :عدده املضاف إىل املصدر ،كأن
تقول :رضبته مخسني رضب اة ،عدده املميز باملصدر ،كقولك :رضبته مخسني رضب اة ،املصدر:
رضبته رضب اة ،لكن هنا جاء العدد فوقع موقع املفعول املطلق( ،رضبته مخسني) ثم م نيزته
بـ(رضبة) فصار فيه عالقة ومناسبة بني املصدر وبني ما ناب يف االنتصاب عن املفعول املطلق،
اجلِدوه ْم ثَمنِني ج ْلد اة [النور ]4:وهذا الذي م نثل لنا به ابن هشام هلذه املسألة.
قال تعاىل﴿ :ف ْ
والرابع مما ينوب عن املصدر يف االنتصاب عىل املفعول املطلق :آلته ،اآللة التي يعمل هبا
سوط ،ثم حذفت املصدر وأقمت آلته ٍ العمل ،كقولك :رضبته سو اطا ،فاألصل :رضبته رضب
مكانه فانتصب انتصابه ،وكقول الناس اليوم :رضبته ك افا ،ويمكن أن نقيس عىل ذلك من
يقول :قتلته سي افا ،وما إىل ذلك.
وهنا تنبيه :وهو أن بعض املعارصين يسمي ما ينوب عن املصدر يف االنتصاب عىل املفعول
املطلق :نائب مفعول مطلق ،وهذا ليس بصحيح ،وال يذكره أحدٌ من النحويني ،ليس يف النحو
الشيخ /سليمان العيوني 389
يشء اسمه نائب مفعول مطلق ،وإنَم هو من األمور التي ارتأى بعض املعارصين أنه أسهل،
لكنه جيعل الطالب ال يفهم حقيقة املسألة ،وهو أن هذا النائب مل ينب عن املفعول املطلق وإنَم
ناب عن املصدر ،فانتصب مباَش اة باملفعولية املطلقة فناب عن املفعول املطلق ،فليس هناك
نائب يف النحو إال نائب الفاعل.
ثم نبه ابن هشام عىل شاهد قد يظن أنه من هذه املسألة ،فقال( :وليس منه ﴿وكال ِمنْها
رغد اا [البقرة )]35:يعني ليس مما ناب عن املصدر يف االنتصاب عىل املفعولية املطلقة هذه
اآلية؛ ألنه يرى أن التقدير ليس :وكال منها ا
أكال رغدا ا ،ثم حذفنا املصدر وأقمنا الصفة مكانه،
ولكنه يرى أن ﴿رغد اا :حال ،حال من مصدر الفعل ﴿وكال يعني :كال من اجلنة ا
أكال حال
كونه رغدا ا.
ا
تعليال معنو ايا، متابع لسيبويه وكثري من النحويني يف تعليلهم هذا اإلعراب
ٌ وهو يف هذا
كثريا من املحققني أجازوا يف اآلية الوجهني :أن تكون ا
حاال من مصدر الفعل املذكور، ولكن ا
وهذا أقوى يف املعنى ،وجيوز أن تكون صف اة نابت عن املصدر يف االنتصاب عىل املفعولية املطلقة
بمعنى :وكال منها ا
أكال رغدا ا.
فهذا ما يتعلق باملفعول املطلق ،ثم انتقل بعده إىل املفعول له ،فقال رمحه اَّلل:
ك(قمت إجالالا لك) (واملفعول له :وهو املصدر املع يلل ِحلد ٍ
ث شاركه وقت اا وفاعالا،
ْ
أيضا من قبل،
أيضا :املفعول من أجله ،ويسمى املفعول ألجله ،وسبق َشحه ا
املفعول له يسمى ا
إال أن ابن هشام يف هذا التعريف كَم سمعنا زاد قيو ادا حيتاج إىل أن نرشحها؛ إذ قال( :وهو
ال) فالنحويون يشرتطون يف املفعول ألجله أربعة املصدر املع يلل ِحلد ٍ
ث شاركه وقت اا وفاع ا
َشوط:
390 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
مصدرا.
ا -الرشط األول :أن يكون
معلال؛ يعني ا
داال عىل التعليل ،وهذا واضح. -والرشط الثان :أن يكون ا
-والرشط الثالث :أن يشارك احلدث الذي علله يف الوقت ،يعني يكون وقتهَم واحدا ا،
-والرشط الرابع :أن يشارك احلدث الذي علله يف الفاعل ،فيكون فاعلهَم واحدا ا ال خمتل افا.
بخالف قولك:
-جئتك للعسل ،فال جيوز هنا أن تنصب وتقول :جئتك العسل؛ ألن العسل اسم وليس
مصدرا.
ا
-وال تقول :جئتك اليوم إكرامك غدا ا؛ ألن املجيء زمانه اليوم واإلكرام غدا ا ،فتقول:
وترصح هبا.
ن جئتك اليوم إلكرامك غدا ا ،فتجر بالالم
-وال تقول :جئتك حب ولدي إياك ،وإنَم تقول :جئتك حلب ولدي إياك؛ ألن اجلائي أنا
وسيرشح ابن هشام ذلك إن شاء اَّلل ،ونقرأه بعد الصالة ،واَّلل أعلم وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا
ُممد وعىل آله وأصحابه أمجعني.
الشيخ /سليمان العيوني 391
فقد بدأنا بباب املفعول له ،وقرأنا تعريفه عند ابن هشام وَشحناه ،وعرفنا من التعريف أن
صح أن ينتصب املفعول له عىل
النحويني يشرتطون يف املفعول له أربعة َشوط ،فإذا توافرت َّ
املفعولية ألجله.
فإذا انتفت هذه الرشوط أو بعضها ،فكيف يكون احلكم؟ َّبني ذلك ابن هشا ٍم فقال:
يعني أن االسم إذا فقد َش اطا من هذه الرشوط األربعة التي ذكِرت يف التعريف فال جيوز أن
بحرف من أحرفٍ ٍ
حينئذ أن جير مفعول له ،وإن َّ
دل عىل التعليل ،بل الواجب ٌ ينتصب عىل أنه
التعليل وأشهرها الالم.
ضفمثال الفاقد لرشط املصدرية :قوله -س ْبحانه وتعاىل﴿ :-هو ا َّل ِذي خلق لك ْم ما ِيف األ ْر ِ
يصح أن ينتصبوا مجِيعا [البقرة ]29:فاملخاطبون ع َّلة خلق اَّلل -سبحانه وتعاىل ،-ومع ذلك مل ِ
ْ ا
ا
مفعوال له؛ ألهنم ليسوا بمصدر بل ضمري.
وم َّثلنا لذلك من قبل؛ كأن تقول( :جئتك السمن) ،أو (جئتك العسل) فال يصح؛ ألن
العسل) ،أو بـ ِ
(م ْن) ِ جترها بالالم؛ (جئتك
أسَمء غري مصادر ،فيجب أن ُّ
ٌ السمن والعسل
ِ
العسل). (جئتك من ِ
أجل
392 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
وكقول الشاعر:
"وامل ْفعول فِ ِيه ،وهو ما س يلط عل ْيه ع ِام ٌل عىل م ْعنى (يف) ِمن ْاسم ز ِ
مان كـ (ص ْمت ي ْوم
وعا)". ِ ِ
أسب ا
اخلميس) أ ْو (حيناا) ،أ ْو ( ْ
واملفعول فيه:
إال أن متثيل ابن هشام هبذه األمثلة الثالثة مقصود كَم سيأيت؛
مبهَم. ٍ
خمتص باإلضافة؛ يعني ليس ا
ٍ
زمان -فتمثيله بــ (ص ْمت ي ْوم اخل ِميس) ٌ
متثيل السم
-ومتثيله لـ ( ِحيناا) يريد (ص ْمت حيناا) ،متثيله السم الزمان املبهم ( ِحيناا) مل خي يصص ال
بوصف وال بإضافة.
بخالف ظرف املكان الذي سيأيت فإنه أضيق؛ ألنه ال يكون إال باسم املكان املبهم دون اسم
املكان املحدود كَم سيأيت.
394 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
أما ظرف الزمان املبهم فهو الذي ليس له حدود ،لو سألتك عنه ما تستطيع أن حتدي ده؛
كقولنا( :أمام) أين األمام؟ ما تستطيع أن حتدي ده؛ ألنه خمتلف نسبي ،بخالف املسجد ،املسجد
معروف ،هو املكان الذي حدي د وع يني إلقامة الصالة فيه ا
مثال ،البيت الذي يبيت فيه اإلنسان،
وهكذا.
ُمصور ثم ذكر ابن هشام أن اسم املكان املبهم الذي جيوز أن ِ
ينتصب عىل الظرفية املكانية
ٌ
يف ثالثة أشياء فقال:
ني) وعك ِْس ِهن ونح ِو ِهن كـ ِ
(عنْد، ت كــ (األمام ،والف ْو ِق ،والي ِم ِالس ُّ "وهو ِ
َّ ْ َّ اجلهات ي
اد ِير كـ (الف ْرسخِ ) ،وما ِصيغ ِم ْن م ْصد ِر ع ِاملِ ِه كـ (قعدْ ت م ْقعد ز ْي ٍد)".
ولدى) ،واملق ِ
منحرص يف هذه
ٌ فذكر -ر ِمحه اَّلل -أن اسم املكان املبهم الذي يصح أن يقع ظرف مكان
األشياء الثالثة.
فاألول :اجلهات الست ،واملراد هبا :اجلهات الستة النسبية وليست اجلغرافية ،النسبية :يعني
(أمام ،وخلف ،وفوق ،وحتت ،ويمني ،ويسار) ،أسَمء اجلهات النسبية؛ ألهنا ختتلف بالنسبة إىل
الشيخ /سليمان العيوني 395
املضاف إليه( ،أمام زيد) خيتلف عن (أمام عمر) وهكذا ،بخالف اجلهات اجلغرافية؛ فالشَمل
دائَم اجتاهه واحد ،واجلنوب والرشق والغرب وهكذا.
ا
مكان مبهم ،مثلِ :
(عنْد) ختتلف باختالف املضاف إليه؛ ٍ وما يف معناها :يعني كل ما َّ
دل عىل
(عند ُممد) خيتلف (عند زيد) خيتلف (عند املسجد).
ِ
القرية)، كذلك (لدى) ،وكذلك (قبل ،وبعد) إذا أضيافا إىل مكان؛ كقولك( :أنتظرك قبل
أو (أنتظرك بعد املسجد) وهكذا.
فتقول يف اجلهات النسبية( :جلست أمام األستاذ) ،و(صليت خلف اإلمام) ،و(اسرتحت
حتت الشجرة) ،وهكذا.
والثالث من أسَمء املكان املبهمة :ما صيغ من مصدر عامله؛ يعني اسم املكان الذي صيغ من
الفعل الواقع فيه ،فهذا يدرس يف الرصف ،اسم املكان ،واسم الزمان ،فاملكان الذي يفعل فيه
اجللوس نسميه من هذا الفعل (جملِس)( ،جملِس) اسم مكان للجلوس ،واملكان الذي يفعل فيه
ِ
(موقف) وهكذا ،اسم مكان. القعود نسميه (مقعد) ،واملكان الذي يفعل فيه الوقوف نسميه
ٍ
فحينئذ يكون من األسَمء فإذا أتيت باسم املكان هذا والذي وقع فيه فعله وليس شيئاا آخر،
املبهمة التي يصح أن تنتصب عىل الظرفية املكانية.
396 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
"وامل ْفعول معه ،وهو ْاس ٌم ف ْضل ٌة ب ْعد و ٍاو أ ِريد ِهبا ال َّتن ِْصيص عىل امل ِع َّي ِة ،م ْسبوق ٍة بِف ْع ٍل أ ْو ما
(رست والنييل) ،و(أنا سائِ ٌر والنييل)". ِ
فيه حروفه وم ْعناه كـ ْ
ِ ِ
وسبق الكالم عىل َشح املفعول معه ،إال أن ابن هشا ٍم هنا زاد يف التعريف قيو ادا حتتاج إىل
َشحٍ وتعليق ،فقولهْ ( :اس ٌم) خي ِرج الفعل حتى ولو وقع هذا الفعل بعد واو املع َّية؛ كقوهلم( :ال
ا
مفعوال معه. تأكل السمك وترشب اللبن)؛ يعني مع َشبِك اللبن ،فالفعل هنا ال يسمى
وقوله( :ف ْضل ٌة) يعني ال عمدة ،وهذا خي ِرج نحو قوهلم( :اختصم زيدٌ وخالدٌ ) فخالد وقع
بعد واو بمعنى (مع)؛ يعني اختصم زيد مع خالد.
لكن (خالد) الواقع بعد هذه (الواو) عمدة؛ ألن الفعل اختصم يدل عىل مفاعلة ،واملفاعلة ال
تقع إال من طرفني فأكثر ،فاملعطوف واملعطوف عليه هنا عمدة؛ ألن الفعل حيتاج إىل طرفني،
فال يصح أن تقول( :اختصم زيدٌ ) وتسكت؛ كقولك( :ذهب زيدٌ ) ،و(نجح زيدٌ ).
ٍ
خالد) فهذا ال يعدُّ وقوله( :ب ْعد و ٍاو) خي ِرج ما بعد كلمة (مع)؛ كقولك( :جاء زيدٌ مع
ا
مفعوال معه.
الشيخ /سليمان العيوني 397
وقوله:
لي ِ
خرج نحو قولنا( :جاء زيدٌ وخالدٌ ) واو العطف ،فإن واو العطف يقولون :تدل عىل مطلق
الترشيك؛
قد جييء زيدٌ وبعد مدَّ ة جييء خالد ،فتقول( :جاء زيدٌ وخالدٌ ) أو العكس ،يكون املعطوف
خالد هو الذي جاء ا
أوال ،ثم جاء زيد فتقول( :جاء زيدٌ وخالدٌ ) فهذه العبارة صاحل ٌة لكل هذه
نصا يف املع َّية ،وكان األكثر فيها أن األول قبل الثان لكن ال تقتضيه ،ال تقتيض
املعان ،فليست ً
نصا يف املع َّية.
هذا املعنى؛ فلهذا اشرتط أن تكون ً
ثم قال:
ٍ
بفعل، وضيعته) مقرتنان أو متالزمان ،لكن (وضيعته) مسبوقة بمضاف ومضاف إليه ،مل تسبق
وال بَم فيه معنى الفعل ،والذي فيه معنى الفعل هي األسَمء العاملة عمل الفعل وستأيت.
والذي اجتمعت فيه الرشوط؛ كقولكِ :
(رست والنييل) يعني فعلت هذا الفعل بصحبة
(رسيت والقمر) ،أو (مشيت والصحراء) ،أو (متشيت والشاطئ) فهذا املفعول معه
النيل ،أو ْ
وقع بعد واو ،هذه الواو نص يف املع َّية ،وقد سبقت بفعل ،أو بَم فيه معنى الفعل؛ كقولك( :أنا
سائر) ونحو ذلك.
ٌ
ثم َّبني ابن هشام حاالت االسم الواقع بعد الواو؛ ألن الواو هذه حيتمل أن تكون واو
فبني متى جيب أن تكون للمع َّية ،ومتى جيب أن تكون
واوا عاطفةَّ ،
مع َّية ،وحيتمل أن تكون ا
عاطفة ،ومتى جيوز األمران ،فقال" :وقدْ جيِب الن َّْصب"؛ يعني عىل أن الواو للمع َّية ،وما بعدها
ٌ
مفعول معه.
"وقدْ جيِب الن َّْصب؛ كق ْولِك( :ال تنْه ع ِن خلِ ٍق وإتيانه) ،و ِمنْه( :ق ْمت وز ْيدا ا)( ،مر ْرت بِك
نح ِو ق ْولِك( :ك ْن أنْت وز ْيدا ا كاألخِ ) ،وي ْضعف ِيف ن ْح ِو: ِ
وز ْيدا ا) عىل األص يح فيهَم ،ويرت َّجح يف ْ
(قام ز ْيدٌ وع ْم ٌرو)".
وقد جيوز فيه االنتصاب عىل املفعول معه ،وأن يكون معطو افا عىل ما قبله.
وقد يكون العطف هو األفضل واألحسن ،والنصب عىل املفعول معه ضعيف.
ِ
فاملوجب املعنوي نحو( :ال تنْه ع ِن القبِيحِ وإتيانه)( ،ال تنْه عن القبيحِ ) ينهاك (ال تنْه ع ِن
القبِيحِ وإتيانه) الواو للمع َّية ،وإتيانه :مفعول معه ،يعني ال تنه عن القبيح مع إتيانك إياه،
يستقيم هذا املعنى إذن مفعول معه ،والواو للمع َّية بمعنى (مع).
ٍ
حينئذ (ال تنْه ع ِن لكن ما يصح أن نجعل الواو عاطفة لفساد املعنى؛ ألن املعنى سيكون
القبِيحِ وال تنْه عن إتي ِ
ان القبيح) هذا ال يصح ،فال يصح أن تكون الواو عاطفة؛ ألن العاطفة
رشك ،جتعل ما بعدها يف حكم ما قبلها.
ت ي
واملوجب اللفظي نحو( :قمت وزيدا ا) ،و(مررت بك وزيدا ا) فــ (قمت وزيدا ا) التاء يف
قمت :فاعل ،الفعل (قام) ،والفاعل هنا ضمري رفع متصل ،ويذكرون يف باب العطف أن
ضمري الرفع املتصل ال حيسن العطف عليه دون فصل؛
فالبرصيون جييبون الفصل ،فتقول( :قمت أنا وزيدٌ ) ،أو (قمت اليوم وزيدٌ ) أي
فاصل ،وال تقول( :قمت وزيدٌ ).
ويف قولك( :مررت بك وزيدا ا) (بك) الباء حرف جر ،والكاف يف ُمل جر بالباء ،ويف باب
ا
متصال وجب أن تعيد اجلار مع جر
أيضا يذكرون إذا كان املعطوف عليه ضمري ٍّ
العطف ا
بزيد)( ،س َّلمت عليك وعىل ٍ
زيد) ،و﴿وعل ْيها وعىل املعطوف ،فتقول( :مرتت بك و ٍ
400 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ٍ
وزيد) هذا ال جيوز ك [املؤمنون ]22:بس ما تقول( :عليها والف ْل ِ
ك)( ،س َّلمت عليك ا ْلف ْل ِ
فعىل قول البرصيني لو قلت( :مررت بك وزيدا ا) لنصبت عىل أنه مفعول معه ،وال جيوز أن
جتعل الواو عاطفة وجتر( ،س َّلمت ومررت بك ٍ
وزيد) فهذا موجب لفظي.
فلهذا قال ابن هشام( :عىل األص يح فِيهَم) يعني فيه خالف ،وابن هشام يتابع يف ذلك
اجلمهور.
لفظي لذلك.
ٌّ معنوي أو
ٌّ موجب
ٌ وجوب نصب االسم بعد الواو إذا كان هناك
احلالة الثانية:
ترجح النصب؛ يعني أنه جيوز يف هذا االسم بعد الواو أن جتعل الواو للمع َّية فتنصب االسم
ُّ
بعدها ،وأن جتعل الواو عاطفة فتجعل االسم معطو افا عىل ما قبلها.
وذلك يف نحو( :ك ْن أنْت وز ْيدا ا كاألخِ ) هذه املسألة بالغية؛ يعني إذا كنت ختاطب إنساناا بينه
(كن أنت وزيدا ا) هذا الذي ختتلف معه كاألخ ،كالمك اآلن
وبني آخر خالف ،فتقول لهْ :
موج ٌه هلذا املخاطب؛ ألنه هو الذي عندك
موجه له ولزيد؟ األصل أنه َّ
موجه هلذا املخاطب ،أم َّ
موج اها لزيد الواقع بعد الواو.
وختاطبه ،وزيد غري موجود ،فكالمك ليس َّ
ا
مفعوال معه؛ يعني (كن أنت وزيدا ا) فتجعل زيدا ا
(كن أنت) هذا اخلطاب لهْ ،
إذن فتقولْ :
افعل معه كَم تفعل مع األخ.
الشيخ /سليمان العيوني 401
ٍ
حينئذ جتعل الواو وجه الكالم إليهَم،وجهت كالمك له ولزيد كالمها موجود ،وت ي لكن لو َّ
(كن أنت وزيدٌ ) ِ
موج ٌه إليهَم ،فتقولْ :
عاطفة ،وتعطف ما قبلها عىل ما بعدها؛ ألن الكالم َّ
ٍ
وحينئذ ستقول( :كاألخوين)( ،ك ْن أنْت وز ْيدٌ كاألخ ِ
وين)؛ ألن اخلرب سيوافق املبتدأ،
(كاألخوين) هو اخلرب ،اسم كن الضمري املسترت ،و(أنت) توكيدٌ له فاصل.
موجه إليهم مجي اعا لكان جيعل الواو عاطفة ويعطِف ما
فهذا لو كانوا موجودين ،وكان الكالم َّ
بعدها عىل ما قبلها ،فيقول:
ـني ِمــن ال يطحـ ِ
ـال مكــان الك ْليتـ ْ ِ بــيكم فكونــوا أنــتم وبنــو أ
ْ
وضمها
ُّ بضم الكاف وكرسها ،كِلية خطأ ،والطِحال بكرس الطاء، والكليتني مثنَّى كلية وهي ي
خطأ ،فبعض الناس يعكس فيقول( :كِ ْلية وطحال) ،والصواب( :ك ْلية وطِحال) ،وجيوز يف
(ك ْلية وك ْلوة) ،فاملشهور كلية وأهل اليمن يقولون( :ك ْلوة).
ترجح الرفع ،وذلك إذا أمكن دون ضعف ،دون مانع ،نحو( :جاء زيدٌ وخالدٌ ) يعني أن هذا
ُّ
ٍ
واحد منهَم فعل فعل املجيء ،وهذا فعل املجيء ،فَمذا ستقول؟ (جاء زيدٌ وخالدٌ )؛ ألن كل
املجيء.
ولو جاءا م اعا جلاز لك أن تقول( :جاء زيدٌ وخالدا ا) جيوز أن تقول( :جاء زيدٌ وخالدا ا)؛ ألن
زيدا ا جاء مع خالد ،لكن هذا خالف ظاهر الكالم وال حاجة إليه ،بل األفضل أن تسنِد الفعل
إليهَم؛ ألهنَم قصدا هذا الفعل وفعله ،فتقول( :جاء زيدٌ وخالدٌ ) فلهذا يكون الذي يرجح هنا
الرفع ،ولو نصبت مل يكن خ اطا.
هبذا يكون ابن هشام قد انتهى من املفاعيل اخلمسة ،إال أنه مل ِ
ينته من األسَمء املنصوبة؛ ألنه
ٍ
أسَمء منصوبة بدأ باألسَمء املنصوبة ،فذكر يف أوهلا املفاعيل اخلمسة؛ ليبق له الكالم عىل ثالثة
وهي :احلال ،والتمييز ،واملستثنى.
ف فضل ٌة يقع يف جو ِ
اب ك ْيف :كـ (رض ْبت ال يل َّص مكْتو افا)". وص ٌ " ْ
احلالْ :
أيضا ٌ
فضاحك هذا ا ٌ
ضاحك) وقوله( :فضل ٌة) يعني ليس عمدة ،لي ِ
خرج اخلرب ،لو قلت( :زيدٌ
وصف ،وي يبني حالة ُممد ،لكنه عمدة؛ ألنه خرب.
بيان لفائدة احلال ووظيفته ،فاحلال ت يبني احلالة واهليئة التي هي وقوله( :يف جو ِ
اب ك ْيف) هذا ٌ
جواب لكيف فعل الفاعل الفعل ،أو فعل املفعول به الفعل.
ٌ يف احلقيقة
الشيخ /سليمان العيوني 403
وَشطها ال َّتنْكِري".
" ْ
سبق يف َشح املبتدئني أن الفرق بني النعت واحلال:
فإذا قلنا( :جاء الرجل ثم أردنا أن نصفه بالضحك) فإن جعلناه مثل الرجل يف التعريف
ٌ
ضاحك) فنقول :نعت. (جاء الرجل الضاحك) ،أو يف التنكري (جاء ٌ
رجل
وإن ختالفا؛ يعني الوصف واملوصوف ،والتعريف والتنكري ،فقلت( :جاء الرجل ضاحكاا)
صار الوصف ا
حاال ،وهلذا يشرتط يف احلال أن تكون نكرة ،ويشرتط يف صاحب احلال كَم سيأيت
التعريف لتحدث هذه املخالفة.
فإذا قلت( :جاء ُممدٌ ضاحكاا) فضاحكاا احلال ،وصاحب احلالُ :ممد؛ ألن ضاحكاا ب َّينت
حاالت ُممد.
فبني ابن هشام أن صاحب احلال األصل فيه أن يكون معرف اة ،وهذا هو األكثر واألصل؛
َّ
فقولك( :جاء ُممدٌ ضاحكاا) ،و(جاء الرجل خائ افا) ،ويف قوله تعاىل﴿ :خ َّش اعا أ ْبصاره ْم
خش اعا أبصارهم ،خيرجون حالة كوهنم َّ
خش اعا أبصارهم. ْ
خيرجون [القمر ]7:يعني خيرجون َّ
عامة.
أو نكر اة َّ
طالب جمتهدٌ
ٌ قرهبا للتعريف؛ كأن تقول( :جاء
يعني خ يصصت بوصف أو بإضافة ،وهذا ي ي
ختصص بالوصف جمتهدٌ ،أو تقول:
وطالب :صاحب احلال ،وقد َّ
ٌ ضاحكاا) فضاحكاا :حال،
(جاء طالب عل ٍم ضاحكاا) فهذا جيوز.
لسائِلِني [فصلت ]10:فسوا اء هذا مصدر ِ ِ ومن ذلك قوله تعاىلِ :
﴿يف أ ْربعة أ َّيا ٍم سو ااء ل َّ
بمعنى مستوي اة؛ يعني يف أربعة أيا ٍم حالة كوهنا مستوي اة للسائلني.
الشيخ /سليمان العيوني 405
طالب إال ضاحكاا) فاحلرص والقرص هنا جعل النكرة عامة ،تع ُّم مجيع
ٌ أن تقول( :ما جاء
قرهبا للتعريف.
أيضا ي ي الطالب ،يعني كأنك قلتَّ :
الطالب ،فهذا ا َّ
نذرون [الشعراء ،]208:احلال﴿ :هلا ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :وما أهلكْنا ِمن قري ٍة إِ َّال هلا م ِ
ْ ْ ْ
نذرون وهذه اجلملة االسمية نذرون مجلة اسمية ،منذرون :مبتدأ ،هلا :خرب مقدَّ م ﴿هلا م ِ م ِ
طالب) فإذا تقدَّ مت احلال عىل صاحبها النكرة جاز يف صاحبها أن
ٌ كأن تقول( :جاء ضاحكاا
رجل) لكن ما تقول( :جاء ٌ
رجل خائ افا). يكون نكرةا( ،جاء خائ افا ٌ
فهذا ما يتع َّلق باحلال ،ليبق لنا من األسَمء املنصوبة التمييز ،واملستثنى ،وسنرجئهَم إن شاء
وصل اَّلل وس َّلم عىل نبينا ُممد ،وعىل آله وأصحابه أمجعني.
َّ اَّلل إىل الدرس القادم ،واَّلل أعلم،
406 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
فسالم اَّلل عليكم ورمحته وبركاته ،وح َّياكم اَّلل وب َّياكم يف الدرس احلادي عرش من دروس
الصدى] البن هشا ٍم األنصاري -ر ِمحه اَّلل ،-نحن يف ليلة األربعاء، َشح [قطر الندى ي
وبل َّ
ٍ
وأربعَمئة وألف ،يف جامع منرية اخلامس والعرشين من شهر رجب ،من سنة تس ٍع وثالثني
ُّ
الشبييل يف حي الفالح يف مدينة الرياض.
فنستعني باَّلل ونبدأ ببقية املنصوبات مبتدئني بالتمييز ،فَم زال ابن هشا ٍم يذكر األسَمء
املنصوبة ،وذكر املفاعيل اخلمسة ،ثم ذكر احلال.
وقد سبق لنا أن َشحنا التمييز بأوضح مما هنا ،إال أن ابن هشام يف التعريف زاد قيو ادا،
ونقص أشياء ،فنتك َّلم عىل ما زاده ابن هشام:
ابن هشا ٍم قالْ ( :اس ٌم)؛ أي أن التمييز ال يكون إال من األسَمء ،ال يكون ا
فعال وال حر افا ،وال
مجل اة وال شبه مجلة.
الشيخ /سليمان العيوني 407
لكنه ال يكون باألوصاف ،ما يكون باسم فاعل؛ كــ (قائم ،أو جالس ،أو ضاحك ،أو
(مجيل ،وقبيحٍ ،وحس ٍن ،وبطل) وهكذا.
ٍ ٍ
بصفة مش َّبهة كــ منطلق) ،أو
ثم بني وظيفته النحوية فقال( :مفرس ملا انبهم ِمن الذ ِ
وات) فهذه وظيفة التمييز وفائدته ،إال يٌ َّ
أيضا مب ييناا ملا
أن ابن هشام نقص من التعريف أن التمييز كَم يأيت مب ييناا ملا انبهم من الذوات ،يأيت ا
انبهم من النِسب ،وإن كان سيذكر ذلك يف آخر الباب ،لكن ينبغي أن يذكر ذلك يف التعريف؛
ألن التمييز يرفع إهبام الذوات ،ويرفع إهبام النسبة.
مهَم ،وضاب اطا مفيدا ا وهو :أن التمييز يكون عىل معنى
ونقص ابن هشام من التعريف قيدا ا ا
ٍ
بطريقة معينة ،وهي أن يكون عىل تقدير اسم نكرة يرفع اإلهبام لكن يرفعه ِ
(م ْن) ،يعني أنه ٌ
حرف اجلر ِ
(م ْن) كَم َشحنا يف َشح املبتدئني.
فرجال :متييز؛ ألنه رفع إهبام عرشين عىل معنى ِم ْن؛ ألن
ا فإذا قلت( :جاء مخسون ا
رجال)
قلَم) يعني مخسني من األقالم.
املعنى جاء عرشون من الرجال ،كذلك (اشرتيت مخسني ا
وهلذا يمكن أن تقدي ر ِ
(م ْن) يف التمييز مطل اقا؛
إن كان التمييز ذات مفرد قدَّ رت ِ
(م ْن).
وإن كان متييز نسبة قدَّ رت ِ
(م ْن جهة).
كقولك( :طاب زيدٌ خل اقا) يعني طاب زيدٌ من جهة اخللق ،وهكذا كَم َشحنا يف َشح
املبتدئني.
يب نخْ اال) ،و(صا ٍع مت ْ ارا) ،و(منو ْي ِن عس اال) ،وا ْلعد ِد وع ِه بعد املق ِ
ادير ،كــ (ج ْر ٍ ْ
"وأكْثر وق ِ
فذكر ابن هشام أن متييز املفرد الذات يكثر وقوعه يف مواضع مضطردة ،فذكر منها موضعني:
املوضع األول :كل اس ٍم منصوب بعدما يدل عىل مقدار ،والتمييز يأيت بعد املقادير ،واملراد
سواء:
ٌ ٍ
مقدار كل ما َّ
دل عىل باملقاديرُّ :
-أو كان ا
كيال يقاس بحجمه وغري ذلك.
وهنا استدرج ابن هشام -ر ِمحه اَّلل -إىل الكالم عىل متييز (ك ْم) ،ومتييز العدد فقال:
ِ االس ْت ْفه ِامية ن ْح ِو( :ك ْم ع ْبدا ا ملك ْ ِ
رور مفر ٌد فأما متْيِيز اخلربية فم ْج ٌ ت)َّ ، "ومنْه متْييز (ك ْم) ْ
االستِ ْفه ِام َّية ا ْمل ْجر ِور ِة ِ
ييز العرشة وما دوهنا ،ولك يف متْيِ ْي ِز ْ وع كت ْم ِجمم ٌ
كتميي ْز ِ
املائة وما ف ْوقها ،أو ْ ْ
ب". ِ
باحلرف ج ٌر ون ْص ٌ ْ
-استفهامي ٌة.
410 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
-وخربية.
فالنوع األول( :كم) االستفهامية ،وهي التي يستفهم هبا عن العدد ،فلهذا حتتاج إىل جواب،
(كم طال ابا نجح؟) تسأل ،فتحتاج إىل جواب ،فهذه متييزها ا
رجال عندك؟)ْ ، (كم
تقولْ :
منصوب كالتمييز بعد األعداد؛ ألهنا للسؤال عن األعداد ،نحو( :كم ا
رجال عندك؟) ،و(كم
طال ابا يف املدرسة؟) ،و(كم جند ًيا يف املعركة؟).
وأما النوع الثان من (كم) :فهي (كم) اخلربية ،و(كم) يراد هبا التكثري ،وال يراد هبا
مر ٍة هنيتك عن ٍ
(كم مرة قلت لك كذا وكذا)( ،كم َّ االستفهام وال حتتاج إىل جواب؛ كقولكْ :
ٍ
مرات كثرية ،فأنت ال تسأله وال تريد منه أن جييب ،وإنَم تقول: هذا؟) يعني أن هنيتك عن ذلك
كثريا ،فهي (كم) اخلربية الدالة عىل التكثري.
إنك هنيته عن ذلك ا
هذه متيزها جمرور ،ليس منصو ابا ،متيزها جمرور ،وجيوز أن يكون مفر ادا ،وجيوز أن يكون
درست َّ
طال ابا كثريين ،تريد أن تقول ذلك، درسته؟)؛ أي أنك َّ ٍ
طالب َّ (كم
جمموعا ،فتقولْ :
ا
درستهم) ،والتمييز جمرور ولك فيه اإلفراد طال ٍ
ب َّ درسته؟) أو (كم َّ ٍ
طالب َّ فتقول( :كم
واجلمع.
ٍ
أخوة كتاب قرأته؟) و(كم ٍ
كتب قرأهتا؟) ،و(كم أخٍ لك مل تلده أمك) ،و(كم ٍ (كم
وتقولْ :
لك مل تلدهم أ ُّمك).
الشيخ /سليمان العيوني 411
ٍ
رجل). ٍ
كتاب قرأته) فهو كتمييز املئة( :جاءن مئة جمرورا مفر ادا؛ (كم
ا -فإذا كان متيزها
جمموعا (كم ٍ
كتب قرأهتا) فهي كتمييز األعداد املفردة من ا جمرورا
ا -وإذا كان متييزها
ٍ
رجال). ِ
(جاء ِن مخسة ثالثة إىل عرشة ،تقول:
أما املسألة الثانية :متييز األعداد ،فذكرها ابن هشام ،وخالصتها أن:
ِ
اثنان) فهَم ِ
رجال ٌ
رجل واحدٌ ) ،و(جاءن الواحد واالثنان :ال متييز هلَم ،تقول( :جاءن
يوصف هبَم وال حيتاجان إىل متييز.
ٍ
رجال)، جمرور جمموع ،تقول( :جاء ِن ثالثة بعد ذلك من الثالثة إىل العرشة :متيزها كَم سبق
ٌ
ٍ
رجال). و(أكرمت عرشة
تسعة وتسعني :هذه متيزها مفر ٌد منصوب﴿ ،رأ ْيت أحد عرش ٍ بعد ذلك من أحد عرش إىل
ك ْوك ابا [يوسف ،]4:و﴿له تِ ْس ٌع وتِ ْسعون ن ْعج اة [ص .]23:ومن ذلك ألفاظ العقود فهي
رجال) ،و﴿ثَمنِني ج ْلد اة [النور.]4:
داخل ٌة يف هذا املحدود (جاءن عرشون ا
ٍ
رجل وألف بعد التسعة والتسعني املئة واأللف :فهذان متيزمها مفر ٌد جمرور( ،جاءن مئة
ٍ
امرأة).
ثم تك َّلم ابن هشا ٍم بعد ذلك عىل متييز النسبة النوع الثان فقال:
إهباما
فهذا الكالم عىل متييز النسبة التي قلنا :إنك تقدي ر قبلها من جهة ،فالتمييز هنا مل يرفع ا
واق اعا يف اس ٍم مفرد كَم يف متييز املفرد الذات ،كَم يف قولك( :جاءن عرشين ا
رجال) ،والتمييز يف
شعريا)؛
ا ٍ
زبيب، عرشون؛ ألن كلمة (عرشون) حتتمل ،أو (تصدَّ ق بصاعٍ) بصا ٍع ماذا؟ (ب ٍّر،
فاإلهبام هنا يف اس ٍم مفرد ،فس يمي متييز مفرد أو ذات.
أما متييز النسبة فكقولك( :طاب زيدٌ ) فطاب :الفعل طاب معروف الطيبة ،وزيدٌ رجل
معروف ،فال إهبام يف الفعل ،وال يف االسم ،وإنَم اإلهبام يف اجلهة التي نسبت الفعل منها إىل
زيد ،زيد طاب من أي جهة؟ هل طاب من جهة النسب ،من جهة العلم ،من جهة اخللق؟
طاب من أي جهة؟
إذن فاإلهبام هنا من اجلهة التي ن ِسب الفعل منها إىل االسم ،فيأيت التمييز رف اعا هلذا اإلهبام
ا
(عمال) ،أو الواقع يف النسبة ،فتقول( :طاب زيدٌ خل اقا) يعني من جهة اخللق ،أو ا
(علَم) ،أو
(نفسا) وهكذا.
(نس ابا) ،أو ا
ُمو اال.
األول :أن يكون َّ
ُمو اال.
واآلخر :أال يكون َّ
إما أن يكون ُمو اال عن الفاعل؛ كـ (طاب زيدٌ نفسا) ،فاألصل :طابت نفس ٍ
زيد ،فالنفس ا َّ
نفسا) ،و(تص َّبب زيدٌ عر اقا)
فاعل ،ثم حولت النفس من الفاعل إىل التمييز ،تقول( :طاب زيدٌ ا
الر ْأس ٍ األصل تصبب عرق ٍ
فاعل إىل متييز ،وكذلك﴿ :و ْاشتعل َّ زيد ،ثم حولته من َّ
ٍ
فاعل إىل متييز ،فنسميه متييز ش ْي ابا [مريم]4:؛ أي اشتعل شيب الرأس ،ثم حولت الشيب من
ُمول من الفاعل.
َّ
ثم قال ابن هشام فائد اة تتعلق بالتمييز وباحلال الذي تك َّلم عليه من قبل فقال:
قوله( :يؤكيد ِ
ان) يعود إىل ماذا؟ إىل احلال وإىل التمييز؛
فاحلال تأيت مؤسسة أو كاشفة ،وهذا الذي سبق ،واملراد باحلال املؤسسة والكاشفة هي التي
تأيت بمعناى جديد ال يعرف إال بالنطق هبا ،فلو حذفت احلال ذهب هذا املعنى؛ كقولك( :جاء
زيدٌ ضاحكاا) ،لو أنت ما قلت( :ضاحكاا) هل كنت ِ
تعرف حالة زيد وقت املجيء؟ ال ،فالذي
َّبني لك حالة زيد وقت املجيء قول( :ضاحكاا) هذه حال مؤسسة؛ يعني أتت بمعناى جديد،
كشفت لك املعنى ،نقول :مؤسسة أو كاشفة.
مفهوما قبل
ا وتأيت احلال مؤكيدة ،وَشحنا معنى التأكيد من قبل ،واملراد به أهنا تؤكد معناى
دخوهلا؛ يعني معناها معروف قبل النطق هبا ،ما فائدهتا إذا كان املعنى معروف قبل النطق هبا؟
تؤكد هذا املعنى املعروف وتقويه ،نحو﴿ :ث َّم و َّل ْيت ْم مدْ بِ ِرين [التوبة﴿ ،]25:و َّل ْيت ْم :الذي
ي ي
ويل عنك يكون قد أعطاك دبره ،فمدبرين :حال لكنه حال مؤكيدة ،هذا معروف من قوله:
﴿و َّل ْيت ْم .
قال﴿ :وي ْوم أ ْبعث ح ًيا [مريم ]33:أبعث حالة كون ح ًيا ،أبعث ،البعث هو نرش املوتى
أحياء ،وقوله( :أبعث) َّ
دل عىل أهنم أحياء. ا
نقول﴿ :فتبسم ض ِ
احكاا [النمل ،]19:ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :وال ت ْعث ْوا ِيف ْاأل ْر ِ
ض َّ
م ْف ِس ِدين [البقرة ]60:تعثوا :يدل عىل أهنم مفسدون ،فقوله﴿ :م ْف ِس ِدين حال لكن حال
مؤكدة.
مؤس اسا كاش افا كاألمثلة السابقة ،فإذا قلت( :جاء عرشون) ال تعرف ما هم حتى أقول:
يأيت ي
قلَم) هذه حال (مهندسا ،أو ا
رجال) ،أو (اشرتيت عرشين) ما تعرف حتى أقول( :بقر اة أو ا ا
مؤسسة أو كاشفة.
ي
يوما من قويل:
يوما) ثالثون :معروف أهنا ا ِ
الشهر ثالثون ا وقد تكون احلال مؤكيدة نحو( :أيام
فيوما هنا (أيام الشهر) ،فلن تكون أيام الشهر ثالثون سن اة ،أو ثالثون ساع اة ،أكيد ثالثون ا
يوما ،ا
متييز مؤكيد.
فشهرا
ا ور ِعنْد اَّللَِّ ا ْثنا عرش ش ْه ارا [التوبة]36: ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :إِ َّن ِعدَّ ة ُّ
الشه ِ
الصالة ِ
قال ابن هشام :ومن ذلك قول أِب طالب يف القصيدة التي مدح فيها النبي -عل ْيه َّ
السال ِم:-
و َّ
ـة ِدينــا
الربيـ ِ ـري أديـ ِ
ـان ِ َّ ـن خـ ِ ِ
مـ ْ
ٍ
ُممـد ولقدْ علمت بـأ َّن ديـن
الرب َّي ِة). دل عليه قوله( :أديان) ( ِم ْن ِ
خري أ ِ
ديان ِ فقوله( :ديناا) متييز مؤكد؛ ألنه َّ
زالء ِمنْطِيـــق
فحـــ اال وأمهـــم َّ وال َّتغلِب ُّيون بِئس الفحل فحلهم
فهذا يف أسلوب املدح والذم بــ (نعم ،وبئس) هذا الباب الذي َّفرقه ابن هشام يف كتابه ومل
خاصا ،فهذا حكم من أحكامه.
جيعل له با ابا ً
معر افا بــ (أل)؛ (نِ ْعم الرجل) ،أو مضا افا ملا فيه (أل) (نِ ْعم صديق
-إما أن تأيت بالفاعل َّ
ِ
الرجل زيدٌ ).
-وإما أن تأيت به منصو ابا فيكون متييزا ا ،وإما أن تأيت به نكر اة منصوبة فيكون متيي ازا؛ (نِ ْعم
رجال).حينئذ ضمري مسترت؛ (نِ ْعم هو ا ٍ ا
رجال زيدٌ ) والفاعل
وهل لك أن جتمع بني الفاعل الظاهر وبني التمييز؟ فتقول( :نِ ْعم الرجل ا
رجال زيدٌ )؟ هذه
املسألة التي فيها خالف ،فالبرصيون وعىل رأسهم سيبويه منعوا ذلك ،قالوا:
لكن ما جتمع بني الفاعل الظاهر والتمييز ،فتقول( :نِ ْعم الرجل ا
رجال زيدٌ ).
إال أنه جاء عن العرب هذا البيت( :بِئس الفحل فحلهم ف ْح اال) كان يكفي أن تقول( :بِئس
الفحل فحلهم) ،لكنه قال( :بِئس الفحل ف ْح اال فحلهم) فجمع بني الفاعل الظاهر وبني
ٍ
حينئذ من التمييز املؤكيد. التمييز؛ فابن هشام قال :هذا جائز ،ويكون التمييز
لينتقل ابن هشام -ر ِمحه اَّلل -إىل الباب األخري من األسَمء املنصوبة وهو :املستثنى بــ
َّ
(إال) [باب املستثنى] ،هذا باب االستثناء ،وقد َشحناه من قبل ،فسنركيز عىل ما زاده ابن هشام
فقال ابن هشام" :وامل ْست ْثنى بـ (إِ َّال)" وقد ذكرنا من قبل تعريف االستثناء وأدواته،
وأركانه :املستثنى ،وأداة االستثناء ،واملستثنى منه ،إال أن ابن هشام هنا زاد ِذكر االستثناء
الشيخ /سليمان العيوني 417
املنقطع ،وزاد حكم املستثنى إذا تقدَّ م عىل املستثنى منه ،وزاد االستثناء بــ (ليس ،وال يكون)
كرر ما يف كتب املبتدئني.
زاد هذه املسائل فقط ،ما سوى ذلك َّ
وزاد ابن هشام يف أدوات االستثناء كَم قلنا أداتني ومها( :ليس ،وال يكون) وسيأيت الكالم
عليهَم.
تاما موج ابا ،فاملستثنى جيب نصبه؛ كـ (جاء الرجال َّإال خالدا ا).
األول :أن يكون االستثناء ا
واحلالة الثانية :االستثناء التام غري املوجب املسبوق بنفي ،أو هني ،أو استفهام ،فهذا جيوز يف
املستثنى فيه النصب عىل االستثناء واإلبدال من املستثنى منه وهذا هو األكثر ،نحو( :ما جاء
الرجال َّإال خالدٌ ) عىل البدلية ،أو (ما جاء الرجال َّإال خالدا ا) عىل االستثناء.
418 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ٍ
حينئذ يعرب واحلالة الثالثة يف االستثناء الناقص :وذلك إذا مل يذكر املستثنى منه ،فاملستثنى
بحسب ما قبل َّ
(إال)؛
صباحا).
ا -وقد يكون ظرف زمان كـ (ما جاء خالدٌ َّإال
وغري ذلك.
ثم ذكر ابن هشام -ر ِمحه اَّلل تعاىل -حكم االستثناء املنقطع ،لكن نقرأ ما قاله يف هذه
ب"احلاالت التي سبق َشحها فقال" :وامل ْست ْثنى بـ (إِال) ِم ْن كالم تا ٍّم موج ٍ
رشبوا ِمنْه إِ َّال قلِ ايال ِمنْه ْم [البقرة ،]249:فإِ ْن ف ِقد اإلجياب" يعني بذلك نحو﴿ :ف ِ قالْ :
ِ
نحو﴿ :ما احلالة الثانية االستثناء التام غري املوجب ،قال يف احلكم" :تر َّجح البدل يف املتَّص ِل ْ
يل ِمنْهم [النساء ،]66:والنَّصب يف املنْقطِع ِعنْد بنِي متِيم ،ووجب ِعنْد ِ
احلج ِ
از ييني فعلوه إِ َّال قلِ ٌ
ْ ْ
نحو﴿ :ما هل ْم بِ ِه ِم ْن ِع ْل ٍم إِ َّال اتيباع ال َّظ ين [النساء ]157:ما مل يتقدَّ ْم فِ ِ
يهَم". ْ
ْ
نحو ق ْولِ ِه: يعني يتقدَّ م املستثنى عىل املستثنى منه" .ما مل يتقدَّ ْم فِ ِ
يهَم فالن َّْصب" يعني جيبْ ، ْ
ـذهب وما ِيل إِال م ْذهب ْ
احل يق م ْ ومـــا ِيل إِال آل أ ْمحـــد ِشـــيع ٌة
ب العو ِام ِل
" ْأو ف ِقد التََّمم" يعني احلالة الثالثة لالستثناء الناقصْ " ،أو ف ِقد التََّمم فعىل حس ِ
احد ٌة [القمر ]50:ويس َّمى مف َّر اغا". نحو﴿ :وما أمرنا إِ َّال و ِ
ْ ْ
الشيخ /سليمان العيوني 419
االستثناء املتصل :ما كان املستثنى من جنس املستثنى منه؛ كقولك( :ما جاء الرجال إال
خالدٌ ) فخالدٌ من الرجال ،فهذا متصل وهو الذي تك َّلمنا عىل حكمه يف احلاالت الثالث
السابقة.
واملراد باالستثناء املنقطع :ما مل يكن املستثنى من جنس املستثنى منه ،وهذا وار ٌد عن العرب؛
ويف التام غري املوجب؟ يف التام الذي سبِق بنفي أو هني أو استفهام ،قال ابن هشام :لك يف
املستثنى يف االستثناء املنقطع تفصيل:
القوم َّإال ا
محارا) بالنصب.
فهو يف ذلك عند بني متيم كاملتصل يف االستثناء التام غري املوجب ،إال أن املستثنى يف
محارا) هذا هو
يرتجح فيه النصب ،فتقول( :ما جاء القوم إال ا
االستثناء املنقطع عند بني متيم َّ
420 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
محار) عىل أنه بدل ،وهذا جائزٌ مرجوح ،وأما يف االستثناء املتصل
األرجح ،و(ما جاء القوم إال ٌ
كَم سبق فيجوز الوجهان إال أن الراجح البدلية.
املفرغ ،هل يقع فيه االستثناء املنقطع؟ طب اعا ال يقع؛ ألن املنقطع ما
بقي االستثناء الناقص َّ
املفرغ الناقص ما يف مستثنى منه ا
أصال ،تقول( :ما كان املستثنى من غري جنس املستثنى منه ،ويف َّ
ٍ
ا
متصال؛ فهذا هو الكالم عىل االستثناء وحينئذ ال يكون منقط اعا وال جاء َّإال ٌ
محار) فهو فاعل،
املنقطع.
عند احلجازيني عىل كل حال ،يف التام املوجب ويف التام غري املوجب.
ومما جاء من االستثناء املنقطع غري ما سبق من قول العرب( :جاء القوم َّإال ا
محارا) ،قوله -
س ْبحانه وتعاىل﴿ :-ما هل ْم بِ ِه ِم ْن ِع ْل ٍم إِ َّال اتيباع ال َّظ ين [النساء ]157:فاستثنى اتيباع الظن من
علم؟ اجلواب :ال ،ومع ذلك استثناء بـ َّ
(إال) فقالوا :إن االستثناء العلم ،وهل اتباع الظن ٌ
تام
منقطع؛ ألن اتباع الظن ليس من جنس العلم ،فلهذا وجب النصب فيه مع أن االستثناء ٌ
ُمال جمرور لف اظا
مرفوعا؛ ألن عل ٍم مبتدأ مرفوع ً
ا ا
متصال لكان األرجح أن يكون منفي ،ولو كان
(من) الزائدة؛ يعني ما هلم علم ،لكن جر بــ ِ
(م ْن) الزائدة. ِ
َّ ٌ بــ ْ
ومن ذلك قوله -س ْبحانه وتعاىل﴿ :-فسجد ا ْملالئِكة ك ُّله ْم أ ْمجعون * إِ َّال إِ ْبلِيس [احلجر:
ٍ
خالف معروف يف إبليس؛ ]31-30عىل
-فمن قال :إن إبليس ليس من املالئكة بل هو من اجلن للترصيح بذلك يف آية
ٍ
حينئذ منقطع. الكهف ،فاالستثناء
الشيخ /سليمان العيوني 421
ٍ
حينئذ متصل. -ومن قال إنه من املالئكة ولكنه عصا فاالستثناء
ومن ذلك مما يمكن أن يذكر يف االستثناء املتصل واالستثناء املنقطع :قوله -س ْبحانه وتعاىل-
ض ا ْلغ ْيب إِ َّال اَّللَّ [النمل ]65:فاَّلل مستثناى بــ َّ
(إال)، ﴿ :ق ْل ال يعلم من ِيف السمو ِ
ات واأل ْر ِ َّ ْ ْ
ض ،هل االستثناء هنا متصل أم منقطع؟ ات واأل ْر ِ وأين املستثنى منه؟ ﴿من ِيف السمو ِ
َّ ْ
متصال فاالستثناء تا ٌّم منفي ﴿ال ي ْعلم ،واالستثناء يف التام املنفي الراجح فيه: ا إن كان
ات ؛ ألن م ْن فاعل ليعلم ،وعىل هذا جاءت اآلية: البدلية ،فلهذا يرفع ﴿ال يعلم من ِيف السمو ِ
َّ ْ ْ
ٍ ﴿ق ْل ال يعلم من ِيف السمو ِ
باستثناء تا ٍّم ض ا ْلغ ْيب إِ َّال اَّللَّ باتفاق َّ
القراء؛ ألنه مستثناى ات واأل ْر ِ َّ ْ ْ
منفي ،فجاءت اآلية عىل الراجح يف اللغة.
ومن قال :إن االستثناء منقطع ،وهؤالء من نفوا علو اَّلل يف السَمء ،فقالوا :إن االستثناء
ٍ
حينئذ؟ منقطع ،فإذا قلنا :إنه منقطع ما حكم املستثنى
عند احلجازيني واجب النصب ،والقرآن نزل يف جممله وأغلبه عىل لغة احلجازيني ،فكان
مرفوعا ،قالوا :هذا عىل لغة التميميني، ٍ
حينئذ يف اسم اَّلل أن يكون منصو ابا ،ولكنه جاء الواجب
ا
هذا مما جاء عىل لغة غري احلجازيني.
طيب ننظر يف لغة التميميني :التميميون يف املنقطع يف التام املنفي جيوز الوجهان ،والراجح
تتخرج عىل قوهلم إال عىل لغة غري
َّ النصب ،واإلبدال مرجوح؛ يعني معنى ذلك أن اآلية ال
احلجازيني التميميني ،وعىل الوجه املرجوح ،فلهذا طال كالمهم جدً ا عىل هذه اآلية ،وُماولة
خترجيها وتك َّلفوا أوج اه كثرية يف ُماولة خترجيها؛ ألنه من أقوى األدلة عىل علو اَّلل -ع َّز وج َّل-
وكونه يف السَمء.
422 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
وأيضا ذكر ابن هشام مسأل اة زائدة وهي :حكم املستثنى إذا تقدَّ م عىل املستثنى منه ،فقال: ا
يهَم فالن َّْصب) يعني أن املستثنى إذا تقدَّ م عىل املستثنى منه فحكمه وجوب النصب(ما مل يتقدَّ ْم فِ ِ
ْ
عىل كل حال يف االستثناء التام املوجب ،ويف االستثناء التام غري املوجب ،ويف املتصل ،ويف
املنقطع.
وتقول( :سافر إخوتك َّإال خالدا ا) قدي م (سافر َّإال خالدا ا إخوتك)( ،ما سافر إخوتك َّإال
(إال خالدا ا) باالستثناء ،طيب قدي م املستثنى( :ما سافر َّإال خالدا ا إخوتك) جيب
خالدٌ ) باإلبدال َّ
احلـق م ْ
ـذهب ي وما ِيل إِ َّال مذهب ومــــا يل إِ َّال آل أمحــــد ِشــــيع ٌة
تام مذهب َّإال مذهب ي
احلق) فاالستثناء هنا ٌّ ٌ فأصل الكالم( :ما يل شيع ٌة َّإال آل أمحد ،وما يل
منفي ،فاألرجح فيه اإلبدال فنرفع؛
فلَم قدَّ م املستثنى عىل املستثنى منه نصبه وجو ابا فقال:
احلـق م ْ
ـذهب ي وما ِيل إِ َّال مذهب ومــــا يل إِ َّال آل أمحــــد ِشــــيع ٌة
االستثناء بـ (ليس وال يكون) معلو ٌم أن (ليس وال يكون) من األفعال الناقصة ،وسبق
الكالم عليها يف باب كان وأخواهتا ،وعرفنا أهنا ترفع املبتدأ وتنصب اخلرب ،وإذا كان هذان
ٍ
حينئذ سيعمالن عملهَم يف األفعال الناقصة ،وال استثناء فإهنَم الفعالن (ليس وال يكون)
ا
استثناء إال إذا كانا بمعنى َّ
(إال). ا يكونان
نحو( :جاء القوم ليس زيدا ا) ،و(جاء القوم ال يكون زيدا ا) كيف يكون اإلعراب يف (جاء
القوم ليس زيدا ا) ،أو (جاء القوم ال يكون زيدا ا)؟ زيدا ا سيكون خرب لـ (ليس وال يكون) ،فأين
ضمري عائدٌ عىل بعض املفهوم؛ يعني جاء القوم ليس بعضهم زيدا ا ،أو
ٌ اسم (ليس وال يكون)؟
جاء القوم ال يكون بعضهم زيدا ا ،وهكذا.
استثناء إال بأن تسبق بــ (ال)( :ال يكون)؛ يعني لو مل تسبق بـ
ا -وأما يكون فال تقع
غري.
استثناء؛ ألن هذا أسلوب ال ي َّ
ا (ال) ،لو سبِقت بـ (ما) ال تكون
هذا ما يتع َّلق باالستثناء وهو آخر األسَمء املنصوبة التي ذكرها ابن هشام ،وبذلك نكون قد
انتهينا من األسَمء املنصوبة.
424 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
فابن هشام يريد يف هذا الباب أن يذكر األسَمء املجرورة؛ يعني املواضع التي يكون حكم
االسم فيها اجلر ،وسيذكر أهنَم اسَمن موضعان:
األول :االسم املجرور بحرف جر؛ يعني االسم إذا سبِق بح ٍ
رف من حروف اجلر.
والثان :املضاف إليه؛ يعني االسم الذي إذا وقع مضا افا إليه.
ف م ْشرت ٍك وهوِ ( :م ْن ،وإِىل ،وع ْن ،وعىل ،و ِيف ،وا َّلالم ،وا ْلباء االسم إِما بِحر ٍ
ْ
ِ
خيفض ْ َّ " ْ
خمتص بال َّظ ِ ِ ِ
اه ِر :وهو( ،ر َّب ،وم ْذ ،ومنْذ ،والكاف ،وحتَّى ،وواو القس ِم ل ْلقسم) وغ ْ ِريه ،أ ْو ْ ٍّ
وتاؤه)".
فذكر ابن هشام كم حرف؟ أربعة عرش حر افا من حروف اجلر ،وذكر أهنا عىل نوعني:
جير األسَمء الظاهرة ،وما جير األسَمء املضمرة جير الظاهر واملضمر؛ يعني ما ُّ النوع األول :ما ُّ
يعني الضَمئر ،وهي سبعة أحرفِ ( :م ْن ،وإِىل ،وع ْن ،وعىل ،و ِيف ،وا َّلالم ،وا ْلباء) التي تدل عىل
ا ْلقسم والتي ال تدل عىل القسم.
وتدخل عىل الضمري فتقول( :ذهبت منك إليك) ،وتقول( :الكتاب ِبه فوائد كثرية) وهكذا.
الشيخ /سليمان العيوني 425
ِ
كالقمر). ِ
كاألسد) ،و(هندٌ واحلرف الرابع( :الكاف) وهي جتر املش َّبه به ،تقول( :زيدٌ
وهنا ننبه إىل أننا ذكرنا قبل قليل يف باب االستثناء( :عدا ،وخال ،وحاشا) وقلنا :إهنا قد تأيت
انجر ما بعدها ،فعىل ذلك تدخل يف حروف اجلر ،فتكون حروف اجلر معها
حروف جر ،إذا َّ
سبعة عرش حر افا.
أيضا إىل أن حلروف اجلر معان عدَّ ة ،فبعضها أكثر من بعض يف هذه املعان ،وقد اعتنت
وننبه ا
كتب مفردة ببيان هذه املعان من أفضلها كتاب( :اجلنى الدان يف حروف املعان) للمرادي،
ٌ
وكذلك( :مغني اللبيب) يف قسمه األول البن هشام.
فهذا هو املوضع األول ،والنوع األول من األسَمء املجرورة :االسم املجرور بحرف جر.
وأما النوع الثان واملوضع الثان :فهو االسم الواقع مضا افا إليه ،االسم املجرور باإلضافة،
وفيه يقول ابن هشا ٍم -ر ِمحه اَّلل:-
"أو بِإضاف ٍة إِىل اسم عىل معنى (ا َّلالم) كــ (غال ِم زي ٍد) ،أو ( ِمن) كـ (خاتِ ِم ح ِد ٍ
يد) ،أ ْو ( ِيف) ْ ْ ْ ْ ْ ْ
كـ ﴿مكْر ال َّل ْي ِل [سبأ"]33:
وسبق الكالم عىل َشح اإلضافة ،وسبق الكالم أهنا تأيت عىل معنى هذه احلروف الثالثة،
فاإلضافة ميزهتا يف العربية أهنا جتعل االسمني دالني عىل يش ٍء واحد؛ ألن اإلضافة خاص ٌة
باألسَمء ،ال تقع بني األفعال أو احلروف أو املختلفني ،بل تقع بني اسمني.
ٍ
يشء واحد ال شيئني؟ باإلضافة ،تقول( :سيارة اسم له مسَمه ،فكيف جتعل اسمني يدالن عىل
ٍ
يشء واحد وهو املضاف( ،سيارة)، ِ
األستاذ) دالني عىل ِ
األستاذ) فصار هذان االسَمن( :سيارة
مضاف إليه يراد من هذه اإلضافة فائدة ،وسيأيت ِذكر فوائد اإلضافة.
ٌ ِ
(األستاذ) فهو أما
نتبني اإلضافة نقول :اإلضافة كل اسمني يمكن أن تقدي ر بينهَم (الالم) ،وهذا أيضا يمكن أن َّا
قلم ِ
هو األكثر ،أو (م ْن) ،أو (يف)؛ كـ (سيارة األستاذ) سيار ٌة لألستاذ ،و(قلم الطالب) ٌ
ٍ
حديد) باب من خشب ،و(نافذة ِ
باب للمسجد ،أو (باب خشب) ٌ للطالب ،و(باب املسجد) ٌ
سهر يف الليل ،و(صالة الليل) صال ٌة يف الليل ،و(نوم العرص) ٍ
نافذ ٌة من حديد ،أو (سهر الليل) ٌ
مكر يف الليل والنهار ،وهكذا.
ار [سبأ]33:؛ أي ٌ نو ٌم يف العرص﴿ ،ب ْل مكْر ال َّل ْي ِل والنَّه ِ
ف إِىل م ْعمولِ ِه كـ (بالِغ يف ،أ ِو التَّخْ ِصيص ،أو بإضاف ِة الوص ِ
ْ ْ
"وتسمى معنوي اة؛ ألهنا لِلتع ِر ِ
ْ َّ ْ َّ َّ
يف". ور الدَّ ِار ،وحس ِن الوج ِه) .وتسمى ل ْفظِي اة؛ ألهنا مل ِجر ِد التَّخْ ِف ِ
الك ْعب ِة ،وم ْعم ِ
َّ َّ َّ َّ ْ
-اإلضافة املعنوية.
-واإلضافة اللفظية.
ِ
(كتاب فالنوع األول :املعنوية وتسمى احلقيقية وهي خالف اللفظية التي سيأيت َشحها؛ كـ
ُممد ،وأخي ،ور ُّبنا) ،وكذلك (صديق ُممد)؛
-سميت حقيقي اة؛ لعدم وجود فاصل بني املضاف واملضاف إليه.
428 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
-وسميت معنوي اة؛ ألن فائدهتا معنوية وهي تعريف املضاف أو ختصيصه ،إكساب
املضاف التعريف ،إذا كانت اإلضافة إىل معرفة.
ٍ
ُممد) ،أو (قلم معر افا باإلضافة؛ (قلم
قلم :إذا أضفناه إىل معرفة يكتسب التعريف فيكون َّ
ِ
الطالب) صار معرفة ،اكتسب التعريف. هذا) ،أو (قلم
ٍ
طالب) ،والتخصيص كَم َشحناه ويكتسب التخصيص إذا أضيف إىل نكرة؛ كقولك( :قلم
و(قلم) عام يشمل كل األقالم ،وأما (قلمي) فتعيني لقل ٍم واحد،
ٌ من قبل تضيق دائرة التنكري،
فالتنكري عكس التعريف.
وأما النوع الثان من اإلضافة :فهي اإلضافة اللفظية وتسمى غري احلقيقية؛ يعني هي يف
ٍ
فاصل يف الشكل إضافة ،يف اللفظ إضافة ،ولكن يف احلقيقية ليست إضافة ،ملاذا؟ لوجود
احلقيقة بني املضاف واملضاف إليه.
ِ
ونعرف اإلضافة اللفظية بأهنا اإلضافة التي يكون فيها املضاف بمعنى ٍ
فعل مضار ٍع ،يعني أنه
يمكن أن جتعل مكان املضاف فعله املضارع الواقع يف زمان احلال ،أو يف زمان االستقبال ،دون
زمان امل ِيض.
الشيخ /سليمان العيوني 429
مكرم ٍ
زيد) ولك كرم زيدا ا ،فإذا أضفت قلت( :هذا ِ
مكرم زيد) تريد هذا ي ِ
كأن تقول( :هذا ِ
كرم فتقول( :هذا ِ
مكر ٌم مكرم عمل الفعل ي ِ
عمل ِ أال تضيف؛ ألن اإلضافة ليست حقيقية ،فت ِ
ا
مفعوال به ،أين كرم زيدا ا) هذا :مبتدأ ،وي ِ
كرم :فعل مضارع ،وزيدا ا: األصل :الفعل( ،هذا ي ِ
كرم؟ مسترت تقديره (هو) يعود إىل زيد ،اقلِب هذا الفعل إىل اسم فاعل ،تقول( :هذا فاعل ي ِ
ِ
مكرم زيد).
لك أن تضيف هنا ،واإلضافة كَم سيأيت فائدهتا فقط التخ ُّفف من التنوين ،فتقول( :هذا
مكرم ٍ
زيد) فأختلص من التنوين ،خت َّففنا منه. ِ
طيب والفاعل :مسترت تقديره (هو) يعود إىل هذا ،طيب أين هذا الفاعل؟ ستقدي ره بني ِ
مكرم
وزيد؛ يعني بني املضاف واملضاف إليه.
ٌ
فاصل بني املضاف واملضاف فلهذا نقول :إضافة لفظية غري حقيقية؛ ألن هذا الفاعل املسترت
إليه ،فهي إضافة جمرد إضافة يف اللفظ يف الظاهر وليست إضاف اة حقيقية.
ِ
اللص)، مكرم ٍ
زيد)( ،هذا ضارب إذا أضفناه إىل معمولة؛ يعني مفعول به كقولك( :هذا ِ
ِ
املسجد) ،أضفناه ملعموله ،فنقول :إن اإلضافة (هذا شارب العصري)( ،هذا بان
لفظية ،والفاعل بينهَم مسترت مقدَّ ر.
فإن مل يضف إىل معمولة فاإلضافة لفظية أو معنوية؟ معنوية حقيقية ،مثال ذلك:
ِ
الرسالة) الرسالة مفعول (كاتِب) ،هذا وصف اسم فاعل ،فإذا قلت( :هذا كاتب
الكتابة أم ال؟ مفعول الرسالة ،هذه إضافة لفظية.
ٍ
املدرسة) هذا ِ
املدرسة) الرجل يعمل كات ابا يف املدرسة ،قلت( :هذا كاتب طيب (هذا كاتب
ِ
املدرسة) املدرسة معمول الكتابة؟ الكتابة تقع عىل املدرسة؟ ال ،فاإلضافة هنا يف قولك( :كاتب
لفظية أم حقيقية؟ حقيقي ٌة معنوية.
الشيخ /سليمان العيوني 431
طيب (قايض) هذا اسم فاعل ،إذا قلت( :قايض البلد) (هذا قايض ِ
البلد) هل قايض أضيف
أيضا حقيقية.
إىل معموله؟ هل القايض يقيض البلد؟ ال فاإلضافة هنا ا
ِ
القلب) طاهر هذا وصف ،القلب :هذا معموله؛ ألنه من ذلك أن تقول( :جاء ٌ
رجل طاهر
ِ
القلب أضفناه إىل الفاعل ،فاإلضافة لفظية أو فاعله ،طهر ق ْلبه :فعل وفاعل ،ثم أضفنا طاهر
معنوية؟ لفظية.
طيبُ( :ممدٌ مكسور ِ
اليد) يعني مكسور ٌة يده ،فيده نائب فاعل؛ ألن مكسورة اسم مفعول
يعمل عمل الفعل املبني للمجهول ،ثم أضفنا اسم املفعول لنائب الفاعل فقلنا :مكسور ِ
اليد.
ٌ
طويل شعره ،الشعر :هو الفاعل ِ
الشعر) يعني طال شعره، ومثل ذلك( :جاء ٌ
رجل طويل
ِ
الشعر). الذي يطول ،ثم أضفناه للفاعل؛ (طويل
ِ
القلب) ماذا فلو قلت( :جاء ُممدٌ ) فجعلت املوصوف معرفة ،ثم أردت أنه تصفه بـ (طاهر
ِ
القلب) نكرة، ِ
القلب)؛ ألن (طاهر عرب بـ (أل)( ،جاء ُممدٌ الطاهر
تقول؟ (جاء ُممدٌ ) ست ي
ِ
القلب) وهذا سيأيت بعد قليل ،دخول (أل) عىل اإلضافة عرف بــ (أل)( :الطاهر
فال بد أن ت ي
اللفظية؛ ألن اإلضافة اللفظية نكرة ،فتدخل عليها (أل).
﴿حيكم بِ ِه ذوا عدْ ٍل ِمنْك ْم هدْ ايا بالِغ ا ْلك ْعب ِة [املائدة﴿ ]95:بالِغ
◙ قوله -س ْبحانه وتعاىلْ :-
ا ْلك ْعب ِة األصل لغو ًيا (بالغاا الكعبة) وأصله( :يبلغ الكعبة) ،األصل األول فعل مضارع،
ِ
الكعبة)، (يبلغ الكعبة) ثم نحوله إىل اسم فاعل( :بالغاا الكعبة) ،ثم نضيف للتخفيف (بالغ
الكعبة) ما إعرابه؟ نعت هلد ًيا﴿ ،هدْ ايا بالِغ ا ْلك ْعب ِة هد ًيا نكرة ،و﴿بالِغ ا ْلك ْعب ِة :نكرة.
ِ (بالغ
حيتلِم ،هذا الذي حيتلم جيب عليه أن يغتسل للجمعة ،ال؛ ألن املحتلم جيب عليه الغسل
واجب عىل كل من وصل حدَّ االحتالم ،فصار ٌ للجمعة وغري اجلمعة ،وإنَم املراد غسل اجلمعة
ُمتلَمُ ،متلِم :يعني وصل حدَّ االحتالم ،وليس املعنى حيتلِم.
يسمى ا
434 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
وهكذا كلمة (الطالب) يف األصل اسم فاعل ،فإذا كانت بمعنى يطلب فهو وصف ،وإذا
سواء كان
ٌ اسَم هلذا الشخص أو هلذا اإلنسان فهي اسم خالص ،يكتسب هذا االسم
كانت ا
مسافرا ،أو كان يلعب.
ا نائَم ،أو كان
يطلب العلم أو كان ا
احلق ال خييب) هنا وصف؛ يعني التي يطلب احلق ال خييب ،هذا وصف،
فقولك( :طالب ي
احلق)؛ يعني الذي يطلب احلق.
واإلضافة لفظية (طالب ي
لكن لو قلت( :نام الطالب) ،أو (الطالب يلعب) هل الطالب هنا بمعنى يطلب؟ ال ،وإنَم
سواء كان يطلب ،أو يف
ٌ اسَم له ،فصار يسمى بالطالب
الذي اكتسب هذه الصفة حتى صارت ا
اسَم وليس وص افا بمعنى الفعل املضارع.
غري زمن الطلب ،فصار الطالب ا
وصل اَّلل وس َّلم عىل نبينا ُممد ،وعىل آله
َّ نكمل إن شاء اَّلل بعد الصالة ،واَّلل أعلم،
وأصحابه أمجعني.
الشيخ /سليمان العيوني 435
احلمد َّلل رب العاملني ،والصالة والسالم عىل نبينا ُممد وعىل آله وأصحابه أمجعني.
أما بعد:
فبعد أن ذكر ابن هشام -ر ِمحه اَّلل -نوعي اإلضافة ذكر شيئاا من أحكامها فقال:
"وال جتامع اإلضافة تنويناا ،وال نوناا تالي اة لإلعراب مطل اقا"
فذكر أنه جيب عند اإلضافة حذف التنوين ،وكذلك حذف نون التثنية ،ونون مجع املذكر
قلم) ،فإذا أردت
حكم مطلق ال يستثنى منه يشء؛ فلهذا تقول يف التنكري( :هذا ٌ
ٌ السامل ،وأن هذا
ٍ
طالب) ،وكذلك يف التثنية تقول: أن تضيف ال بد أن حتذف التنوين ،فتقول( :قلم ٍ
ُممد)( ،قلم
ُممد) ،وتقول( :معلمون) فإذا أردت أن (قلَمن) ،فإذا أضفت حذفت نون التثنية ،فقلت( :قلَم ٍ
اب [الصافات.]38: لذائقون العذاب ،ثم حذف النون وأضاف ،فقال﴿ :لذائِقوا ا ْلعذ ِ
معطوف عىل التنوين ،والتقدير (وال جتامع اإلضافة (ال) إال يف هذه
ٌ وقوله" :وال (ال)" هذا
املواضع املذكورة ،فذكر ابن هشام أن (ال) ال جتامع اإلضافة؛ يعني اإلضافة املعنوية ،واإلضافة
املعنوية ال جتامع (ال) مطل اقا ،بل جيب حذف (ال) من املضاف ،فتقول يف (القلم)( :قلم
الطالب) أو (قلم ٍ
ُممد) ،وال تدخل (ال) عىل املضاف بحال.
وأما يف اإلضافة اللفظية :فإن (ال) قد تدخلها وجتامعها؛ ألن إضافتها كَم علمنا إضاف ٌة غري
حقيقية ،إضاف ٌة يف جمرد الشكل واللفظ؛ فلهذا جامعتها (ال) يف اللغة يف مواضع م َّثل هلا ابن
هشام.
األول :إذا كان املضاف يف اإلضافة اللفظية مثنًى أو مج اعا ،فلك أن تقول( :جاء املكرم
ِ
الصالة) ،وتقول( :املقيمو الصالة زيد) ،و(هؤالء املقيموزيد) ،أو (جاء املكرم ٍ
واملوضع الثان الذي جتامع يف (ال) اإلضافة اللفظية :إذا كان يف املضاف إليه (ال) ،إما أن
ِ
الرجل)( ،جاء املكرم تكون (ال) يف املضاف إليه مباَشة كقولك( :جاء الضارب
ِ
(األستاذ) مضاف إليه ،واإلضافة ِ
األستاذ) (مكرم) مضاف، ِ
األستاذ) ،فاألصل (مكرم
ِ
األستاذ). لفظية ،ثم أدخلت (ال) عىل املضاف ،فقلت( :املكرم
ِ
األستاذ) ،و(جاء ِ
صديق أو يكون املضاف مضا افا إىل ما فيه (ال) كقولك( :جاء املكرم
الرجل) (م ِ
كرم) ،واملضاف إليه ِ ِ
صديق ِ
الرجل) ،املضاف يف قولك( :املكرم الضارب رأس
الشيخ /سليمان العيوني 437
(صديق) ثم إن (صديق) مضاف إىل الرجل الذي فيه (ال) ،فصح أن املضاف إليه فيه (ال) ،أو
التبس بَم فيه (ال) ،فعىل هذا جيوز أن جتامع اإلضافة اللفظية (ال).
هل يف املضاف إليه (ال) (صديقه)( ،صديقه ما فيه (ال) لكن فيه ضمري ،وهذا الضمري يف
ملتبس ب(ال).
ٌ صديقه) يعود إىل ماذا؟ يعود إىل الرجل) إىل ما فيه (ال) ،فصح أن املضاف إليه
فلهذا نقول يف املوضع الثان :أن يكون املضاف إليه ب(ال) ،أو ملتبسا بَم فيه (ال) بأي ٍ
حالة ا
من األحوال.
ِ
قيمته) فصح أن تضيف ،وأن تدخل ِ
قيمته يطلبه) (العارف ٌ
َشيف ،والعارف نقول( :العلم
(ال)؛ ألن املضاف إليه (قيمته) متصل بضمري ،هذا الضمري يعود إىل (العلم) ،إىل ما فيه (ال)؛
ِ
الشعر) ألن نعرف (جاء الرجل الطويل ِ
الشعر) ثم ي ٌ
رجل طويل وهلذا يصح أن نقول( :جاء
املضاف إليه فيه (ال) ،و(كثري ِ
اخلري) و(الكثري اخلري) وهكذا.
لكن لو قلت( :جاء مكرم ٍ
زيد) هذه إضاف ٌة لفظية ،فهل جتامعها (ال)؟ فتقول( :جاء املكرم
ٍ
زيد) ،هل هذا املثال من املوضع األول؟ املضاف مثنًى أو جمموع؟
ال.
طيب ،هل هو من املوضع الثان املضاف إليه ب(ال) أو ملتبس بَم فيه (ال)؟
زيد) فإذادخل (ال) إما أن تضيف ،فتقول( :جاء مكرم ٍ ال ،إذن ما يصح ،ال يصح هنا أن ت ِ
ٍ
حينئذ اإلعَمل والنصب ،فتقول( :جاء املكرم زيدا ا) فَم أدخلت (ال) امتنعت اإلضافة ،ووجب
438 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
تصح اإلضافة هنا؛ ألن اإلضافة ستؤدي إىل أن جتتمع اإلضافة ب(ال) يف غري هذين املوضعني،
فال يصح.
فذكر بذلك ابن هشام املوضع الثان جلر االسم وهو االسم املجرور باإلضافة ،فبهذا انتهى
كالمه عىل األسَمء املجرورات.
لينتقل إىل ٍ
باب آخر جديد بعد أن انتهى من املنصوبات واملجرورات وهو باب األسَمء
العاملة عمل فعلها.
فقال:
هذه أسَمء ،وكلها قد تعمل عمل فعلها ،وذلك أن األصل يف العمل الفعل ،الفعل هو األصل
يف العمل ،ثم إن هذا الفعل يصح أن يؤخذ منه وصف ،إما أن تصف به من فعله ،وإما أن تصف
به من وقع عليه ،فإذا وصفت به من فعله فهو اسم الفاعل ،أو صيغ املبالغة ،أو الصفة املشبهة،
هذه تطلق عىل من فعل الفعل.
وأما الذي يطلق عىل من وقع عليه فهو اسم مفعول ،باإلضافة إىل املصدر الذي هو أصل
اسم يف اللفظٌ ،
وفعل يف املعنى. الفعل ،باإلضافة إىل اسم الفعل؛ ألنه ٌ
ا
مفعوال به ،فمعنى ذلك أهنا الزما وهو الذي يرفع ا
فاعال ،وجير معنى ذلك :أن فعلها إذا كان ا
ا
مفعوال به ،فمعنى ذلك أهنا سرتفع ا
فاعال ،وإذا كان فعله متعد ايا؛ يعني يرفع فاعل ،وينصب
فاعال؛ ألن الفعل ال بد أن يرفع ا
فاعال، ا
مفعوال به ،وكلها جيب أن ترفع ا سرتفع ا
فاعال وتنصب
فكلها جيب أن ترفع ا
فاعال سوى املصدر ،املصدر ال جيوز فيه ذلك ،قد حيذف فاعله كَم سيأيت.
ا
مفعوال به. وكلها تنصب املفعول به جوازا ا ال وجو ابا ،الفعل املتعدي جيب أن ينصب
طيب ،وهذه األسَمء التي أخذت منه قد تعمل عمل فعله ،لكن ال جيب ،قد تنصب املفعول به
ا
مفعوال به. جوازا ا ال وجو ابا برشوط إال اسم الفعل ،فهذا جيب أن ينصب
فاخلالصة :أن هذه األسَمء السبعة التي تعمل عمل فعلها كلها هلا فاعل وجو ابا إال املصدر،
فقد حيذف فاعله ،وكلها قد تنصب املفعول به جوازا ا إال اسم الفعل ،فهذا جيب أن ينصب
مفعوله ،فهذه خالصتها.
أما تفصيلها :وقد ذكرها ابن هشام مبتدئاا باسم الفعل فقال:
-وقد تكون بمعنى الفعل املايض :ك(شتان) بمعنى (افرتق) ،و(هيهات) بمعنى (بعد).
-وقد تكون بمعنى الفعل املضارع :ك(أف) بمعنى (تضجر) ،و(آه) بمعنى (أتأمل أو أحترس)،
و(وي) بمعنى (أتعجب أو أعجب).
مرجتلة.
ومنقولة.
ما معنى مرجتلة؟
يعني مل تستعمل يف اللغة إال اسم فعل منذ أن وضعت وضعت اسم فعل ،فلم تستعمل من قبل
يف ٍ
باب آخر ،كجميع األمثلة السابقة.
تنقل من اجلار واملجرور ،وقد تنقل من الظرف ،فاملنقول من اجلار واملجرور كقوهلم( :عليك
الشيخ /سليمان العيوني 441
قال الشاعر:
وهيهات ٌّ
خل بالعقيق نواصله" "هيهات العقيق ومن به
ا
مفعوال به ،كقولك: وإن كان االسم بمعنى ٍ
فعل متعدٍّ :فهو يعمل مثله ،سريفع ا
فاعال وينصب
ِ
ف(دراك) فاعله ِ
(دراك املوعد يا ُممد) ،كقولك( :أدرك املوعد يا ُممد)، ِ
(دراك املوعد) تقول:
مسترت تقديره أنت ،و(املوعد) مفعول به ،وتقول( :عليك زيدا ا) مثل (الزم زيدا ا) ،ف(زيدا ا
مفعول به نصبه عليك ،وفاعله مسترت تقديره أنت( ،الزم أنت زيدا ا ،وعليك أنت زيدا ا) وهكذا.
فاسم الفعل قلنا :جيب أن يعمل؛ فلهذا قلنا يف اخلالصة :هو الوحيد الذي جيب أن ينصب
ا
مفعوال به إذا كان فعله متعد ايا.
442 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
حكم من أحكام اسم الفعل ،وهذا احلكم يتعلق بكون عمله ضعي افا ،فإن اسم الفعل
ٌ فذكر
وتشبيها له عىل الفعل ،يعمل باحلمل والتشبيه ،إذن فعمله
ا يعمل ،لكن يعمل أصالة أو ا
محال
ضعيف ،ليس قو ًيا ،وهلذا هو يعمل عمل الفعل ،لكن ال يأخذ مجيع أحكام الفعل ،فالفعل هو
متأخرا (زيدا ا أكرمت) ،نقول:
ا متقدما (أكرمت زيدا ا) ،ويعمل
ا األصل يف العمل ،فلهذا يعمل
(زيدا ا) مفعول به ،ما الذي نصبه؟ نصبه (أكرمت) املتأخر ،وتقول( :من أكرمت؟) فتقول يف
اجلواب( :زيدا ا)( ،زيدا ا) مفعول به ،ما الذي نصبه؟ ٌ
فعل ُمذوف تقديره (أكرمت) ،فالفعل
ومتأخرا.
ا متقدما
ا عمل وهو ُمذوف ،فالفعل قوي يعمل ُمذو افا ويعمل
وأجاز بعض النحويني كالكسائي عمله وهو متأخر :فيجيزون زيدا ا عليك ،وحيتجون بقوله
تعاىل﴿ :كِتاب اَّللَِّ عل ْيك ْم [النساء ،]24:قالوا :املعنى (الزموا كتاب اَّلل ،عليكم كتاب اَّلل) ثم
وأخر اسم الفعل ،فقال﴿ :كِتاب اَّللَِّ عل ْيك ْم [النساء.]24: قدم املفعول به َّ
ا
مفعوال مطل اقا ناصبه ٌ
فعل ُمذوف؛ ألن املفعول املطلق يكثر مصدرا فهم يعربونه
ا فإذا كان
حذف فعله ،والتقدير (كتب اَّلل هذا عليكم كتا ابا)( ،كتب اَّلل ذلك عليكم كتا ابا)؛ يعني (كتبه
كتا ابا عليكم)﴿ ،كِتاب اَّللَِّ عل ْيك ْم [النساء ]24:يعني (كتبه كتا ابا عليكم).
وهذا هو املوافق للمعنى واَّلل أعلم ،فإن ذكر يف اآلية السابقة املحرمات من النساء فقال:
ت عل ْيك ْم أ َّمهاتك ْم وبناتك ْم [النساء ]23:إىل آخره ،ثم قال﴿ :كِتاب اَّللَِّ ﴿ح يرم ْ
عل ْيك ْم [النساء]24:؛ يعني كتِب ذلك التحريم كتا ابا عليكم).
وهذا معنى قول ابن هشام﴿" :كِتاب اَّللَِّ عل ْيك ْم [النساء ]24:متأول" يعني ليس عىل ما
ا
مفعوال به هلذا اسم ا
مفعوال مطل اقا ،وليس قال هؤالء ،بل هو خمرج عىل تأويل آخر وهو كونه
الفعل املتأخر.
لكن اسم الفعل ال ،ال يربز فاعله أبدا ا ،بل يلزم لف اظا واحدا ا ،فتقول للواحد( :صه) ،وللمؤنث
(صه) ،ولالثنني (يا ُممدان صه) ،وللجمع( :يا ُممدون صه) ،و(يا هندان صه) فال يربز
444 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
"وجيزم املضارع يف جواب الطلب منه نحو (مكانك حتمدي أو تسرتحيي) وال ينصب".
أيضا من أحكام اسم الفعل :أنه جيزم املضارع إذا وقع يف جوابه ،فهو يف كفعل األمر ،وذلك أن
ا
الفعل املضارع جيزم إذا سبق بلم أو َّملا ،أو الم األمر ،أو ا الناهية ،أو أدوات الرشط اجلازمة ،أو
سبِق بطلب ومل يقرتن بالفاء أو الواو.
كقولك( :اجتهد تنجح يا ُممد)( ،تعاىل أكرمك)﴿ ،ق ْل تعال ْوا أتْل ما ح َّرم [األنعام]151:
فأنت إذا قلت( :اجتهد تنجح) (تنجح) فعل مضارع جمزوم؛ ألنه وقع يف جواب الطلب.
األمر.
والنهي.
واالستفهام.
والدعاء.
والعرض.
والتحضيض.
والرتجي.
والتمني
فإذا سبق املضارع بطلب ومل يقرتن بالفاء أو الواو ،فإنه ينجزم.
الشيخ /سليمان العيوني 445
أيضا ينجزم املضارع يف جواز اسم الفعل ،فهو مثل فعله األمر".
" ا
ِ
(نزال أكرمك) ،فتجزم ِ
(نزال) تقول: فلو قلت ا
مثال( :انزل أكرمك) هذا فعل أمر ،لو قلت:
مضارعا.
ا جوابه إذا كان
حتمدي أو تسرتحيِي"
مكانك ِ
ِ "وقويل كلَم جشأت وجاشت
ِ
(حتمدي) هذا اجلواب (اثبتي) طيب واجلواب؛ يعني (اثبتي)
ِ (مكانك) اسم فعل بمعنى
ِ
ف(حتمدي) فعل مضارع جمزوم ،وقد اجلزاء املرتتب عىل ذلك أنك حتمدين (مكانك ِ
حتمدي)
ِ
(مكانك) فانجزم. وقع جوا ابا السم ٍ
فعل
طيب ،لو جاء جواب الطلب بعد اسم الفعل مقروناا بالفاء أو الواو ،يقول :ال ينتصب بل
يرتفع ،وذلك أنه سبق يف َشح إعراب الفعل املضارع :الفعل املضارع ينتصب بعد فاء السببية
وواو املعية املسبوقتني بطلب أو نفي ،لو قلت( :اجتهد فتنجح)( ،اجتهد وتنجح) هنا اجلواب
مقرتن وال غري مقرتن بالفاء والواو؟ يقرتن ،إذا اقرتن ينتصب ،وإذا مل يقرتن ينجزم( ،اجتهد
تنجح)( ،اجتهد فتنجح)( ،اجتهد وتنجح).
"أما اجلواب السم الفعل غري املقرتن بالفاء والواو فإنه ينجزم"
446 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ِ
(نزال أكرمك). تقول( :صه أكرمك)،
لكن إذا اقرتن بالفاء أو بالواو هنا ال يأخذ حكم الفعل ،ال ينتصب ،بل يرتفع ،تقول ا
مثال:
(نزال فأكرمك)( ،صه ،فأسمع ما تقول) ،وذلك؛ ألن األصل عدم اجلزم ،وعدم النصب يف ِ
وأما االسم الثان الذي يعمل عمل فعله فهو مصدر ،وفيه قال ابن هشام:
ٍ
كرضب وإكرا ام" "واملصدر
فإن شئنا أن نعرفه تعري افا تعليم ًيا قلنا :املصدر هو الترصيف الثالث للفعل ،فإذا رصفت الفعل
مضارع ،والثالث مصدر ،ك(رضب يرضب رض ابا)
ٌ ٍ
ماض ،والثان ثالثة ترصيفات ،فاألول
إخراجا) ،و(استخرج يستخرج
ا خروجا) و(أخرج خيرج
ا إكراما) ،و(خرج خيرج
ا و(أكرم يكرم
خترجا) وهكذا.
استخراجا) ،و(خترج يتخرج ا
ا
وإذا أردنا أن نعرف املصدر تعري افا علم ًيا :فاملصدر هو االسم الدال عىل جمرد احلدث ،وذلك
أن احلدث وهو يف املعنى اللغوي الفعل يعني اجللوس ،اجللوس هذا هو احلديث.
طيب ،فإذا جاءت الكلمة دال اة عىل هذا احلدث وزمانه مثل( :جلس) دالة عىل اجللوس،
وزمانه وهو امليض ،أو (جيلس) دالة عىل احلدث (اجللوس) وزمانه وهو احلال أو االستقبال ،أو
(اجلس) دال اة عىل احلدث (اجللوس) وزمانه هو االستقبال.
فالكلمة التي تدل عىل احلدث وزمانه ماذا تسمى يف اصطالح النحويني؟
الشيخ /سليمان العيوني 447
تسمى ا
فعال ،فالفعل كل كلمة دلت عىل احلدث وزمانه.
املصدر الكلمة التي تدل عىل جمرد احلدث دون داللة عىل زمان أو صاحبه مثل (جلوس) إذا
قلت( :جلوس) دلت عىل احلدث (اجللوس) ،لكن ما د َّلت عىل زمانه ،وال دلت عىل صاحبه،
مثل (رضب) تدل عىل احلدث (الرضب) ،لكن ما دلت عىل زمانه ،وال دلت عىل صاحبه،
وهكذا.
حل ُمله ٌ
فعل من (أن) و(ما)" "إن َّ
يعني اخلالصة :أن املصدر إذا حل فعله ُمله فإنه يعمل ،وإذا مل حيل فعله ُمله فإنه ال يعمل،
ٍ
حينئذ ب(أن) وفعله ،أو (ما) وفعله. ستؤوله وإذا حل فعله ُمله فإنك
ي
448 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
فتقول ا
مثال( :يعجبني رضبك زيدا ا) يعني (يعجبني أن ترضب زيدا ا)( ،تعجبني قراءتك
القرآن) يعني (يعجبني أن تقرأ القرآن)( ،يعجبني طلبك العلم) يعني (يعجبني أن تطلب
العلم)﴿ ،ول ْوال د ْفع اَّللَِّ النَّاس [احلج ]40:يعني (ولوال أن يدفع اَّلل الناس) وهكذا.
مثال( :نظرت) أو (أعجبني أكل ٍ
زيد)( ،أعجبني ميش زيد) أنت ال تريد أن لكن لو قلت ا
تقول( :يعجبني أن يميش يف زيد) ولكن امليش نفسه هذا يعجبك.
قالوا :إن (أن) تقدر مع املايض واملستقبل ،و(ما) تقدر مع احلال؛ ألن (ما) إذا قدرهتا ،فهي
تقدر مع احلال التي تقع يف زمن التكلم ،فإذا قلت( :أعجبني َشحك الدرس) ،طيب ،إن كان
الرشح خلص ،فاملعنى (أعجبني أن َشحت الدرس) ،وإذا كان املعنى يف االستقبال فتقول:
(يعجبني َشحك الدرس) يعني (يعجبني أن ترشح الدرس).
وإذا كان كالمك هذا له وهو يرشح ،فالتقدير (يعجبني ما ترشح الدرس) يعني (َشحك
الدرس).
إذن فاملصدر جيوز أن يضاف للفاعل ،وجيوز أن يضاف للمفعول به ،وأهيَم أكثر يف اللغة
وأحسن؟
أن يضاف إىل الفاعل (يعجبني أكل زيد اخلبزة) أو يضاف للمفعول به (يعجبني أكل اخلبزة
زيدٌ )؟
وتقول( :عجبت من عقوق الولد أباه)؛ يعني (عجبت من أن يع َّق الولد أباه) ،قال تعاىل﴿ :أ ْو
إِ ْطعا ٌم ِيف ي ْو ٍم ِذي م ْسغب ٍة * يتِ ايَم [البلد﴿ ،]15:14وما أ ْدراك ما ا ْلعقبة [البلد]12:
قال الشاعر:
ٍ
(برضب بالسيوف رؤوس قومٍ) يعني بأن نرضب رؤوس قو ٍم بالسيوف. فقال:
وقال الشاعر:
أين املصدر؟
األول( :أخذي) ،قال( :أخذي احلمد)( ،احلمد) مفعول به ،وقد أضيف إىل فاعله املتكلم
(أخذي) ياء املتكلم هذه فاعل ،و(احلمد) مفعول به.
قال( :وإقحامي نفيس) يعني (وأن ِ
أقحم نفيس) فإقحامي أضيفت إىل الفاعل ياء املتكلم،
و(نفيس) مفعول به ،و(رضِب هامة) يعني أن أرضب هامة ،فأضاف رضب إىل الفاعل ياء
املتكلم ،ونصب املفعول به.
ثم ذكر ابن هشام شيئاا من أحكام املصدر سنرجئها إن شاء اَّلل إىل الدرس القادم ،ونأمل أننا يف
الدرس القادم إن شاء نطيله ا
قليال؛ لكي ننتهي من الكتاب ،فبقي من الكتاب قليل ،واَّلل أعلم،
وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ُممد ،وعىل آله وأصحابه أمجعني.
الشيخ /سليمان العيوني 451
احلمد َّلل رب العاملني والصالة والسالم عىل نبينا ُممد وعىل آله وأصحابه أمجعني.
أما بعد...
فسالم اَّلل عليكم ورمحته وبركاته ،وحياكم اَّلل وب َّياكم يف هذا الدرس الثان عرش من دروس
َشح قطر الندي وبل الصدى البن هشام األنصاري –عليه رمحة اَّلل.-
نحن يف ليلة األربعاء الثان من شهر شعبان لسنة 1439ه يف جامع منرية الشبييل يف حي
الفالح يف مدينة الرياض.
يف الدرس املايض كنا تكلمنا عىل بقية املنصوبات ،ثم تكلمنا عىل املخفوضات املجرورات،
وبدأنا بالكالم عىل األسَمء العاملة عمل فعلها ،فتكلمنا عىل إعَمل اسم الفعل ،وعىل إعَمل
املصدر.
يف هذا الدرس إن شاء اَّلل تعاىل سنتكلم عىل بقية الكالم عىل إعَمل املصدر ،وبقية األسَمء
العاملة عمل فعلها ،ثم نتكلم بعد ذلك عىل التوابع.
فنبدأ من حيث توقفنا يف أثناء الكالم عىل إعَمل اسم الفعل عمل فعله:
ثم ذكر َشو اطا أخرى إلعَمل املصدر فقال -ر ِمحه اَّلل:-
ا
مفصوال مضمرا ،وال ُمدو ادا ،وال منعوتاا قبل العمل ،وال ُمذو افا ،وال
ا مصغرا وال
ا "ومل يكن
مؤخرا عنه"
ا من املعمول ،وال
فهذه كلها موانع متنع من عمل املصدر عمل فعله؛ ألن املصدر عمله ضعيف؛ ألنه ال يعمل
باألصالة ،وإنَم يعمل بالتشبيه واحلمل عىل فعله ،فال يعمل عمل فعله إال إذا كان بمعنى فعله؛
يعني بمعنى (أن) والفعل ،أو (ما) والفعل.
ٍ
حينئذ سيبطل عمله ،بل لن يعمل عمل يشء يبعده عن شبه الفعل ،فإنه لكن إذا صار فيه
ٌ
فعله ،فهذه األشياء املذكورة كلها لو تأملنا فيها لوجدنا أهنا تبعد املصدر عن شبه الفعل.
-وكذلك ال يعمل إذا كان ُمدو ادا؛ يعني ُمدو ادا بعدد معني ،وذلك بأن يكون اسم م َّرة،
مرات حدوث الفعل ،كقولك( :رضب ٌةَ ،شب ٌة ،وأكل ٌة) ونحو ذلك ،فال
اسم م َّرة هو الدال عىل َّ
جيوز أن تقول( :يعجبني رضبتك زيدا ا) تريد (رضبك زيدا ا رضب اة واحدة).
-وال يعمل منعوتاا قبل العمل ،فال يصح أن تقول( :يعجبني رضبك الشديد زيدا ا) ألن
الفعل ال ينعت.
الشيخ /سليمان العيوني 453
-وال يعمل ُمذو افا؛ ألن عمله كَم عرفنا ضعيف ،والضعيف ال يعمل ُمذو افا.
مفصوال عن املعمول؛ إذا ف ِصل بينه وبني املفعول به بفاصل فإنه ال يعمل ،فال
ا -وال يعمل
يصح أن تقول( :يعجبني َشحك يف هذا الفصل الدرس) ففصلت بني املصدر (َشحك) وبني
املفعول به (الدرس) بشبه اجلملة.
مؤخرا عن املعمول؛ يعني أن تؤخره وأن تقدم عليه املفعول به ،فتقول:
ا -وال يعمل
(يعجبني الدرس َشحك) تعني (يعجبني َشحك الدرس).
مؤخرا مع الرصيح ،مع املفعول به الرصيح هذا متفق عليه ،ولكن اختلفوا
ا وكونه ال يعمل
فكثري من املحققني جييزون ذلك ،فيجيزون أن تقول( :يعجبني
ٌ يف عمله يف شبه اجلملة املتقدمة،
ِ
املسجد جلوسك) عىل أن (يف املسجد) متعلق بجلوسك، جلوسك يف املسجد) و(يعجبني يف
وهكذا ،أو (يعجبني سفرك اليوم ،ويعجبني اليوم سفرك)؛ يعني أن تسافر يف هذا اليوم.
ثم ذكر ابن هشام -ر ِمحه اَّلل -حاالت إعَمل املصدر ،فقال:
"وإعَمله مضا افا أكثر نحو﴿ول ْوال د ْفع اَّللَِّ النَّاس [البقرة ،]251:وقول الشاعر" :أال َّ
إن
بني" ومنوناا أقيس نحو ﴿أ ْو إِ ْطعا ٌم ِيف ي ْو ٍم ِذي م ْسغب ٍة ( )14يتِ ايَم
ظلم نفسه املرء ي ٌ
([ )15البلد ،]15:14و(ال) شا ٌّذ نحو "وكيف التوقي ظهر ما أنت راكبه"
فذكر -ر ِمحه اَّلل :-أن املصدر له ثالثة استعَمالت ،ثالثة أحوال:
ٍ
وحينئذ االستعَمل األول :أن يكون مضا افا أن يعمل وهو مضاف وهذا هو األكثر فيه،
يضاف إىل فاعله أو إىل مفعوله ،أم جيوز الوجهان؟
454 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ٍ
فحينئذ ينصب مفعوله وهذا هو األكثر كقولك: جيوز الوجهان أن تضيفه إىل فاعله،
(يعجبني َشح األستاذ الدرس) يعني (أن يرشح األستاذ الدرس) ،فحولت (أن يرشح) إىل
مصدر (الرشح) وأضفته إىل الفاعل (األستاذ) فقلت( :يعجبني َشح األستاذ الدرس)،
وكاآلية ﴿ول ْوال د ْفع اَّللَِّ النَّاس [البقرة ]251:يعني (لوال أن يدفع اَّلل الناس).
وجيوز أن تضيفه إىل املفعول به ،فينجر باإلضافة ،ويرفع بعد ذلك الفاعل ،وهذا قليل ،وإن
ِ
الدرس األستاذ)؛ يعني (يعجبني أن يرشح كان جائزا ا أو ورا ادا ،كأن تقول( :يعجبني َشح
الدرس األستاذ) ،ثم تقلب الفعل إىل مصدر (يعجبني َشح) وتضيفه إىل املفعول به الدرس)
ِ
الدرس األستاذ). مرفوعا (يعجبني َشح
ا ِ
الدرس) ويبقى الفاعل (يعجبني َشح
قلنا :من األول قوله تعاىل ﴿ول ْوال د ْفع اَّللَِّ النَّاس [البقرة ،]251:ومن الثان؛ أي إضافة
ت م ِن ْاستطاع إِل ْي ِه سبِ ايال [آل
َّاس ِحج ا ْلبي ِ
املصدر إىل املفعول به قوله تعاىل﴿ :وَّللَِّ عىل الن ِ ُّ ْ
حيج
حيج البيت املستطيع)َّ( ،لل عىل الناس أن َّ
عمران ]97:املعنى واَّلل أعلم (َّلل عىل الناس أن َّ
سبيال) يعني (املستطيع) ،إذن (البيت) مفعول به ل(حج)؛ ألنه ا البيت من يستطيع إليه
َّاس ِح ُّج
املحجوج ،و(من) فاعل ،ثم أضاف املصدر إىل (البيت) إىل املفعول به ﴿وَّللَِّ عىل الن ِ
احلاء وكرسها قراءتان.ِ ت [آل عمران ،]97:ثم أبقى الفاعل عىل حاله ،ويف (احلج) فتحا ْلبي ِ
ْ
وقال الشاعر:
(أال إن ظلم) (ظلم) هذا مصدر بمعنى أن يظلم؛ يعني (أن يظلم املرء نفسه)( ،أن يظلم
املرء) فاعل( ،نفسه) مفعول به ،ثم قلب الفعل إىل مصدر (ظلم) وأضافه إىل الفاعل أم إىل
مرفوعا (املرء) هذا عىل
ا املفعول به؟ أضافه إىل املفعول به (أال إن ظلم نفسه) وأبقى الفاعل
اجلائز القليل.
ك رقب ٍة [البلد]13:12
ومن ذلك :قوله تعاىل﴿ :وما أ ْدراك ما ا ْلعقبة * ف ُّ
ِ ٍ ِ ِ
ف(يتيَم)
ا ﴿أ ْو إِ ْطعا ٌم يف ي ْو ٍم ذي م ْسغبة * يت ايَم [البلد ]15:14يعني (أو إطعا ٌم ا
يتيَم)،
مفعول به نصبه إطعا ٌم.
احلالة الثالثة أو االستعَمل الثالث للمصدر العامل أن يعمل معر افا ب(ال):
وهذه احلالة قليلة ،وابن هشام كَم سمعتم حكم عليها بالشذوذ ،نعم ،هذه احلالة قليلة قل اة
جعلت بعض النحويني حيكم عليها بالشذوذ ،ولكن النحويني ال يمنعون من القياس عليها مع
قلتها.
فقريا" ِ
ومن ترك بعض الصاحلني ا الرزق امليسء إهله "عجبت من
456 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
(الرزق) هذا املصدر بمعنى (أن يرزق) ،والفاعل (اإلله) واملفعول به (امليسء) يعني
فقريا) وَّلل -
(عجبت أن يرزق امليسء إهله) هو يتعجب من ذلك( ،ومن ترك بعض الصاحلني ا
ع َّز وجل-حكم ٌة يف كل ما يفعل ،فقلب الفعل (أن يرزق) إىل املصدرَّ ،
وعرفه ب(ال) (عجبت
ِ
الرزق) وأضافه إىل (امليسء)( ،عجبت من الرزق امليسء إهله). من
قال" :وكيف التوقي ظهر ما أنت راكبه" وهذا البيت الذي ذكره ابن هشام وهو بيت
غريب غري مشهور.
والشاهد يف قوله( :التو يقي ظهر) يعني (كيف أن تتوقى ظهر ما أنت راكبه؟) (كيف أن
تتوقى ظهر؟) مفعول به ،ثم قلب الفعل إىل مصدر ،فقال( :كيف التوقي ظهر ما أنت راكبه).
واخلالصة :أن املصدر العامل يعمل مضا افا وهذا هو األكثر ،ويعمل منوناا وهذا هو األقيس،
ولكنه أقل يف االستعَمل ،ويعمل معر افا ب(ال) وهذا قليل.
ثم انتقل -ر ِمحه اَّلل -إىل الكالم عىل االسم الثالث العامل عمل فعله ،وهو اسم الفاعل:
ويدخل يف حكمه صيغ املبالغة التي سَمها ابن هشام املثال واسم املفعول ،فبدأ ابن هشام
بالكالم عىل إعَمل اسم الفاعل فقال:
ِ
ومكرم)" ٍ
ك(ضارب "واسم الفاعل
ٍ
حدث وفاعله ،وتكلمنا من قبل عىل تعريف الوصف ،وقلنا: اسم يدل عىل
اسم الفاعل :هو ٌ
حدث وصاحبه ،حدث يعني الفعل الذي يفعل ،وصاحبه، ٍ إن الوصف :كل اس ٍم َّ
دل عىل
وصاحبه:
إما أن يكون فاعله الذي فعله ،وهذا اسم الفاعل ك(جالس) يدل عىل اجللوس ومن فعله.
وكذلك اسم التفضيل كقولكُ( :ممدٌ أرسع من زيد) ف(أرسع) تدل عىل الرسعة ومن
ٍ
حدث وصاحبه. اسم تدل عىل
يفعلها ،فهذه هي األوصاف جيمعها أهنا ٌ
ومنها اسم الفاعل وهو األصل يف الداللة عىل من فعل الفعل ،ثم يأيت بعد ذلك صيغ املبالغة
ٍ
بأوزان معينة سيأيت ذكرها ،أو فخصته العرب
َّ ٍ
فاعل إال أن فاعله فعل الفعل بكثرة، وهي اسم
الصفة املشبهة وهي اسم الفاعل إذا مل تكن عىل صيغة اسم الفاعل ،وسيأيت ذكرها بعد قليل.
ٍ
حدث وفاعله ،وله صياغ ٌة قياسية ،فهو يصاغ من الثالثي اسم يدل عىل
إذن ،فاسم الفاعل ٌ
ٍ
و(آكل) و(شارب) من ِ
(َشب) ٍ ٍ
و(جالس) من (جلس) عىل وزن فا ٍ
عل ك(قائمٍ) من (قام)،
من (أكل).
لفظي يذكرونه وهو :أن الفاعل يستخرج بقوله( :فعل فهو فاعل) ،تقول:
ٌّ ٌ
ضابط وله
(رضب فهو ضارب) ،و(َشب فهو شارب) ،و(أقبل فهو مقبل) ،و(استغفر فهو مستغفر)،
و(افتتح فهو مفتتح) وهكذا.
نفي ا
استقباال ،واعتَمده عىل ٍ "فإن كان ب(ال) عمل مطل اقا ،أو جمر ادا فبرشطني :كونه ا
حاال أو
أو استفهامٍ ،أو ٍ
خمرب عنه ،أو موصوف"
فإن أعملته فتنتبه إىل َشوط إعَمله ،هل هي متوافرة أم ال ،وإن أضفته فتنتبه إىل َشوط
ٍ
حينئذ ال يضاف إال يف ثالثة ِ
(املكرم) اإلضافة املذكورة يف باب اإلضافة ،كأن يكون فيه (ال)
أحوال؛ يعني ال جتتمع اإلضافة ،و(ال) يف اإلضافة اللفظية إال يف ثالثة أحوال ،فال بد أن تكون
ِ
الطالب)؛ واحدة من هذه األحوال الثالثة ،فلك أن تقول يف (جاء املكرم الطالب)( :جاء املكرم
ألن اإلضافة جائزة واإلعَمل جائز.
لكن (جاء املكرم زيدا ا) لك أن ت ِ
عمل (جاء املكرم زيدا ا) ألن اسم الفاعل ب(ال) وعمله
اجلائز مطل اقا ،لكن ليس لك اإلضافة ،ال تقل( :جاء املكرم ٍ
زيد)؛ ألن اإلضافة هنا مجعت (ال).
ِ
(املكرم). جمموعا ،واملضاف هنا مفرد
ا أن يكون املضاف مثنًى أو
أو يكون املضاف إليه ب(ال) ،واملضاف إليه هنا علم.
أو يكون مضا افا إىل الضمري ٍ
عائد إىل ما فيه (ال).
وال يتحقق يشء من ذلك يف قولنا( :جاء املكرم ٍ
زيد) ،فال جتوز اإلضافة ،بل جيب اإلعَمل. ٌ
الرشط األول :كون زمانه احلال أو االستقبال؛ يعني أال يكون زمانه املايض ،يعني أن
يكون اسم الفاعل بمعنى (يفعل) ليس بمعنى (فعل وانتهى) بل بمعنى يفعل اآلن،
أو يفعله يف املستقبل.
يشء متقدم عىل استفها ٍم أو نفي ،أو عىل ٍ
خمرب ٍ والرشط الثان :أن يكون معتمدا ا عىل
ٍ
موصوف كأن تقول( :ما مكر ٌم أباه ناد ٌم) (ما) نافية( ،مكر ٌم) عنه؛ يعني مبتدأ ،أو
مبتدأ( ،ناد ٌم) خربه ،و(أباه) مفعول به نصبه (مكر ٌم) (ما مكر ٌم أباه ناد ٌم) ،ف(مكر ٌم)
عمل عمل الفعل (ي ِ
كرم)؛ يعني الذي يكرم أباه ليس بنادم.
وتقول( :أمكرم أباه عندكم؟) ،فاعتمد عىل استفهام ،ويف األوىل اعتمد عىل نفي ،وتقول:
(ُممدٌ مكر ٌم أباه) فمكر ٌم اعتمد عىل املبتدأ؛ يعني خرب اعتمد عىل املبتدأ ،وتقول( :جاء ٌ
رجل
ٍ
موصوف متقدم؛ يعني مكر ٌم أباه) ،و(مكر ٌم) اعتمد عىل املوصوف؛ يعني وصف ،اعتمد عىل
أن اسم الفاعل املنون ال يعمل إذا كان بمعنى املايض ،وال يعمل إذا وقع يف أول اجلملة ،غري
أعملت (مكر ٌم) يف (أباه)
ا ٍ
معتمد عىل متقدم؛ يعني ال جيوز أن تقول( :مكر ٌم أباه عندنا)؛ ألنك
نفي أو استفهام ،أو عىل مبتدأ ،أو عىل موصوف. ومل يعتمد عىل ٍ
يشء متقدم ،لكن لو اعتمد عىل ٍ
460 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ٌ
وصف ،إال وقوله" :موصوف" تشمل النعت ،وتشمل احلال ،فكالمها كَم سبق يف َشحهَم
ٌ
وصف خالف املوصوف يف ٌ
وصف وافق املوصوف يف التعريف والتنكري ،واحلال أن النعت
التعريف والتنكري.
ومع ذلك فإن اسم الفاعل مع توافر َشوطه عمله جائز ال واجب ،إذا جازت معه اإلضافة،
احلق
طالب َّ
ٌ شارب العصري عندنا) ،و(هل
ٌ ِ
العصري عندنا) ،أو (ما فلك أن تقول( :ما شارب
ضائع؟) وهكذا.
ٌ احلق
ضائع؟)( ،وهل طالب ي
ٌ
َشط من َشوط اإلعَمل؛ يعني مل يكن اسم الفاعل مقروناا ب(ال) وكان منوناا ملٌ أما إذا اختل
مثال( :جاء ضارب ٍ
زيد حينئذ ال يعمل ،بل يضاف ،فتقول ا ٍ تتوافر فيه الرشوط املذكورة ،فإنه
ِ
أمس) ،هنا (ضارب) بمعنى (رضبه) يف الزمان املايض ،وليس املعنى يرضبه أو سيرضبه؛ وهلذا
ِ
أمس)؛ ألن املعنى ضارب زيدا ا زيد أمس) وال جيوز (جاء ال يعمل ،تقول( :جاء ضارب ٍ
ٌ
ِ
أمس؟ الذي رضبه ،أو أن تقول عن إنسان رضب زيد متناقض ،كيف جاء الذي يرضب زيدا ا
تقول( :ضارب زيد خائف)؛ يعني (هذا الرجل رضب زيد ،فلهذا هو خائف من أن يعاقب)،
ٌ
خائف) يعني الذي رضبه خائف. فتقول( :ضارب زيد
فلهذا جرت مسأل ٌة مشهورة بني الكسائي وبني ُممد بن احلسن –إن مل ختونني الذاكرة -يف
املجلس الرشيد عندما سأل الكسائي ُممد بن احلسن :من تأخذ من رجلني قال :أحدمها ،أنا
قاتل زيدا ا ،وقال اآلخر :أنا قاتل ٍ
زيد ،من الذي تأخذه بقتل زيد؟ ٌ
واجلواب عن ذلك :أن من أضاف فقال( :أنا قاتل ٍ
زيد) هذا عىل معنى املايض؛ يعني قتله،
فهذا الذي قتله ،وأما الذي َّنون فقال( :أنا ٌ
قاتل زيدا ا) فهذا عىل معنى احلال أو االستقبال؛ يعني
الشيخ /سليمان العيوني 461
ما قتله ،ولكنه هيدد بأنه سيفعل سيقتله؛ يعني أنا أقتل زيدا ا ،أو أنا سأقتل زيدا ا ،إذن ما قتله ولكنه
سيقتله .فهذا الفرق بني العبارتني ،فاسم الفاعل ال يعمل إال معنى احلال أو االستقبال.
الكسائي إمام أهل الكوفة خالف البرصيني والكوفيني يف إعَمل اسم الفاعل املايض ،إذ قلنا
قبل قليل :إن اسم الفاعل املايض ال يعمل باتفاق البرصيني والكوفيني إال الكسائي فقد أجاز
ٍ
ماض؛ نعم ،ليس هذا األصل ،وليس هذا األكثر لكنه جيوز عنده ،واحتج عىل ذلك إعَمله وهو
اس ٌط ِذراع ْي ِه [الكهف ]18:فقال" :إن هذه القصة حديث يف املايض،
هبذه اآلية ﴿وك ْلبهم ب ِ
ْ
﴿وك ْلبه ْم [الكهف ]18:بسط ذراعيه أم أنه يبسط ذراعيه اآلن ،أم أنه سيبسط ذراعيه يف
املستقبل؟
ٍ
ماض أم حال أم استقبال؟ يعني بسط الكلب ذراعيه
ماض ،وقد عمل اسم الفاعل (باسط) يف ذراعيه﴿ ،ب ِ
اس ٌط ٍ ال شك أنه
ِذراعي ِه [الكهف ]18:لو أضاف حلذف التنوين (باسط ذارعيه) ،لكنه نون ﴿ب ِ
اس ٌط َّ ْ
ِذراع ْي ِه [الكهف ]18:فاحتج بذلك الكسائي عىل إعَمل اسم الفاعل املايض.
لكن اجلمهور خالفوه يف ذلك وقالوا :إن اسم الفاعل هنا عامل ،وقد عمل يف (ذراعيه) ال
كثري يف اللغة وجائز ،أن
ألنه بمعنى املايض ،ولكنه بمعنى يفعل املراد هبا حكاية احلال ،وهذا ٌ
تستعمل يفعل الذي يسمي الفعل املضارع يف حكاية ما حدث يف املايض ،فاملعنى ﴿وك ْلبه ْم
اس ٌط ِذراع ْي ِه [الكهف ]18:يعني (وكلبهم يبسط ذراعيه)؛ ألنه يقص القصة وحيكيها.
ب ِ
462 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ومن ذلك :يف اآلية نفسها أنه قال عن أهل الكهف﴿ :ونق يلبه ْم ذات ا ْلي ِم ِ
ني وذات
الشَم ِل [الكهف ]18:بصيغة الفعل املضارع ،ومل يقل( :وقلبناهم)؛ ألنه حيكي القصة ،وأنت
ي
إذا حكيت قص اة ماضي اة اآلن لك أن حتكيها بالفعل املضارع.
فالصواب :هو قول اجلمهور :أن الفعل إذا كان ماض ايا ومنقط اعا وأردت بيه املايض املنقطع،
بضابط أسهل وأوضح كَم فعل ابن مالك فيقول: ٍ فإنه ال يعمل؛ فلهذا بعضهم يضبط املسألة
سواء كان
ا [اسم الفاعل إذا كان بمعنى يفعل فإنه يعمل] يعني إذا وضعت مكانه املضارع يفعل
ا
استقباال ،أو كان حكاي اة ،وأما إذا كان بمعنى فعل الذي وقع وانقطع فهذا الذي ال ا
حاال أو
يعمل.
مقالة هلب إذا الطري مرت" خبري بنو هلب ،فال تك ملغ ايا
" ٌ
الشيخ /سليمان العيوني 463
(خبري بنو
ٌ الصفة املشبهة ،ويف اسم املفعول ،وكذلك يف صيغ املبالغة أن َشوطها واحدة ،فقال:
خرب مقدم عىل تقدير (بنو ٍ
هلب هلب) ال يمكن أن نقول :إن (بنو ٍ
هلب) مبتدأ مؤخر ،و(خبري) ٌ ٍ
(خبري
ٌ خبري) ،ولو كان كذلك لقال( :خبريون بنو ٍ
هلب) ليوافق اخلرب املبتدأ يف اجلمع ،ولكنه قال: ٌ
يوحد
(أقائم الزيدون) منه معروف أن الفعل َّ
ٌ (أقائم الزيدان)،
ٌ (أقائم زيدٌ )،
ٌ بنو هلب) كَم تقول:
مع الفاعل املفرد واملثنى واجلمع ،كَم ذكرنا ذلك يف أحكام الفاعل.
عىل وزن (فعيل) والكلمة إذا كانت عىل وزن فعيل ،فاألكثر فيها املطابقة ،وجيوز أال تطابق إذا
ظهر املعنى ،وذكروا عىل ذلك شواهد عدة.
ومن ذلك :قوله تعاىل﴿ :وا ْملالئِكة ب ْعد ذلِك ظ ِه ٌري [التحريم ،]4:ومل يقل( :ظهريون ،أو
ظهراء) مع أن املالئكة مجع ،فقالوا :إن (ظهري) فعيل فجاز فيها اإلفراد مع أن املبتدأ هنا مجع،
فقالوا :البيت مثله.
ثم قال ابن هشام بعد أن انتهى من الكالم عىل اسم الفاعل.
464 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
فعيل ٍ
مفعال بكثرة ،أو ٍ ٍ
فعول ،أو فاعل إىل ف َّع ٍ
ال أو ٍ ِ
للمبالغة من قال" :واملثال وهو ما ح يول
ِ
اب)". أو فع ٍل بقلة نحو (أما العسل فأنا َّ
َش ٌ
املثال :اسم غري مشور لصيغ املبالغة وقد استعمله ابن هشام هنا واملصطلح املشهور عند
النحويني تسميتها بصيغ املبالغة.
حدث ٍ
كثري وفاعله ،إذن حدث وفاعل فعل هذا ٍ واملراد بصيغ املبالغة :هو الوصف الدال عىل
احلدث بكثرة.
ف(رضاب) ٌ
ُمول َّ وواضح من كالم ابن هشام أن صيغ املبالغة هي ُمول ٌة عن اسم الفاعل،
ِ ٌ
(شارب)؛ ألن ُمول من َّ َّ
و(الرشاب) (الرضاب) هو الضارب بكثرة،
َّ من (ضارب)؛ ألن
(الرشاب) هو الشارب بكثرة.
َّ
اب جدً ا ،أو ِ
َش ٌ
لكن أرادت العرب من طريق االختصار واإلجياز بدل من أن يقولون :فالن َّ
ٍ
صيغة معينة تدل عىل الكثرة، اب بكثرة ،أو كثري الرشب ،أرادوا أن جيعلوا هذا الوصف عىل
َش ٌ
َّ
كثريا ،أما فجعلوها عىل هذه الصيغ ،فإذا قيل( :شارب) يعني أنه فعل الرشب مطل اقا ا
قليال أو ا
(َشاب) فمعنى ذلك أنه فعل هذا الفعل بكثرة.
إذا قالَّ :
فذكر ابن هشام أن صيغ املبالغة مخس صيغ:
ونج ٍ
ار). َّارَّ ، اب ،وأك ٍ
َّال ،وجز ٍ وَش ٍ ك(رض ٍ فاألوىل :ف َّع ٌال
ابَّ ، َّ
واألخرى :فعول ك(صبور ،وشكور).
والثالثة :مفعال ك(منحار ،ومعطار ،ومزواج).
أي الكثري العمل هلذه األعَمل.
الشيخ /سليمان العيوني 465
قال ابن هشام عن هذه الثالثة" :بكثرة" يعني أن استعَمل هذه الصيغ للداللة عىل الكثرة
(فعيل ِ
وفعل) فإن استعَمهلَم يف صيغ ٌ كثري يف كالم العرب ،وأما الصيغتان األخريتان ومها
ٌ
املبالغة قليل ،فهذا مراده.
قال الشاعر:
سَمهنا إذا عدموا زادا فإنك عاقر" "رضوب بنصل السيف سوق
466 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ف(رضوب) صيغة مبالغة عملت يف (سوقها) والسوق مجع ساق؛ يعني كَم كانت العرب
ٌ
ترضب سوق اإلبل لكي تسقط ،ثم تنحرها بعد ذلك.
قال الشاعر:
(أمورا).
ا ف(حذر) نوهنا وأعملها يف
ٌ
وقال اآلخر:
ف(مزقون) هذا مجع مزق ،وأعمله يف (عريض) (مزقون عريض) يعني يمزقون عريض.
ٍ
ك(مرضوب ،ومكرمٍ)". ثم انتقل ابن هشام إىل اسم املفعول فقال" :واسم املفعول
ٍ
بطريقة مطردة ،فهو يصاغ ٍ
حدث ومفعوله ،ويصاغ اسم يدل عىل
اسم املفعول كَم سبق هو ٌ
(رضب) ،و(مرشوب) من ِ
(َشب) ،ويصاغ من من الثالثي عىل وزن مفعول ك(مرضوب) من ِ
وكل األوصاف اسم الفاعل ،وصيغ املبالغة ،وكذلك الصفة املشبهة ،وكذلك اسم التفضيل
تؤخذ من الفعل املبني للمعلوم؛ ألهنا تدل عىل احلدث وصاحبه فاعله ،إال اسم املفعول فإنه
يؤخذ من الفعل املبني للمجهول؛ ألهنا تدل عىل احلدث ومفعوله ،ومعلوم أن نائب الفاعل هو
املفعول به الذي حل ُمل الفاعل.
الشيخ /سليمان العيوني 467
يعني أن اسم املفعول إذا كان مقرتناا فإن إعَمله عمل فعله جائزٌ مطل اقا كقولك( :جاء
املرضوب أخوه) أو (جاء املكسور اليد) ،ولك أن تضيف (جاء املكسور ِ
اليد) يعني (جاء الذي
ك ِرست يده) ،وإذا كان اسم املفعول منوناا فإنه يعمل بالرشطني السابقني كقولك( :جاء
مرضوب أخوه
ٌ مرضوب أخوه) يعني (جاء من ِ
رضب أخوه) ،ولكن ال جيوز أن تقول( :جاء ٌ
ِ
املحمدان)؛ لعدم االعتَمد يف الثان ،ولكونه يف املايض يف األول. (مرضوب
ٌ ِ
أمس) ،وال تقول:
فهذا ما يتعلق باسم الفاعل ،والصفة املشبهة ،واسم التفضيل ،لينتقل ابن هشام إىل الكالم
عىل الصفة املشبهة.
"والصفة املشبهة باسم الفاعل املتعدي لواحد ،وهي الصفة املسوغة لغري تفضيل؛ إلفادة
ٍ
وطاهر ،وضامر). ٍ
وظريف، ٍ
ك(حسن، الثبوت
ٍ
حدث وصاحبه ،وصاحبه فاعله؛ ألن قولك: اسم يدل عىل
أيضا :هي ٌ
الصفة املشبهة ا
حسن) تدل عىل احلدث وهو احلسن ،وعىل أن زيد هو الذي
ٌ حسن) (زيدٌ
ٌ (حسن) أو (هذا ٌ
فعل
صعب)( ،هذا ٌ
مجيل) تدل عىل ٌ قوي)( ،هذا ٌ
سهل)( ،هذا ٌّ شجاع)( ،زيدٌ
ٌ فعل هذا احلسن( ،زيدٌ
ٍ
حدث وفاعله. اجلَمل وأنه هو الذي فعل هذا اجلَمل ،فالصفة املشبهة تدل عىل
تشبه اسم الفاعل ،فلهذا قوهلم :الصفة املشبهة ،مشبهة بَمذا؟ مشبهة كَم قال ابن هشام:
"املشبهة باسم الفاعل املتعدي لواحد" فهي تشبه اسم الفاعل املتعدي لواحد ،أما كوهنا تشبه
ٍ
حدث وفاعله. اسم الفاعل فوضح من كالمنا؛ ألهنا تدل عىل
مشبها بمتعدٍّ لواحد فسيأيت بيانه وهو أن الصفة املشبهة األصل فيها
ا وأما كان اسم الفاعل
أهنا ما تعمل ،إال أنه جاء يف اللغة نصب معموهلا ،مع أن معموهلا يف احلقيقة ويف املعنى فاعل.
-ولكي نفرق بني الصفة املشبهة وبني اسم الفاعل ،فنقول :يعني اسم الفاعل والصفة
ٍ
حدث وفاعله إال أن الصفة املشبهة غال ابا ال تكون عىل صيغة اسم املشبهة كالمها يدل عىل
ٍ
حدث وفاعله اسَم يدل عىل
الفاعل غال ابا ،يعني ال تكون عىل وزن فاعل غال ابا؛ فلهذا لو وجدت ا
وهو عىل وزن فاعل نقول :هذا اسم فاعل مثل (قائم ،وجالس ،وضارب ،وشارب ،ومايش)
ٍ
حدث وفاعله وليس عىل وزن فاعل قلنا :ك(مجيل وقبيح ،وطويل لكن لو وجدته يدل عىل
وقصري ،وقوي وشجاع ،وجبان ،وأشيب ،وغضبان) فهذه ليست عىل وزن فاعل ومع ذلك
ٍ
حدث وفاعله ،قالوا :صفة مشبهة. تدل عىل
وأيضا مما يفرق فيه بني اسم الفاعل والصفة املشبهة مأخذمها :يعني من أين يؤخذان ،فنحنا
نعرف أن الفعل الثالثي يكون يف اللغة عىل ثالثة أوزان( :فعل وف ِعل وفع ِل) يكون عىل (فعل)
ك(رضب ،وقعد) ،ويكون عىل (ف ِعل) ك( ِ
َشبِ ،
وفرح) ،ويكون عىل فعل ك(كرم) هذه
األفعال املاضية كلها عىل هذه األوزان.
الشيخ /سليمان العيوني 469
وكذلك اخلامس فعل تقول( :كرم) فهو كريم ال كارم ،و(َشف) فهو َشيف ال شارف،
و(شجع) فهو شجاع ال شاجع ،و(مجل) فهو مجيل ال جامل ،وهكذا.
إذن فاسم الفاعل وصيغ املبالغة فرقنا بينهَم من حيث املأخذ وهذا تفريق واضح ،ومن حيث
تفريق غالب؛ ألن الصفة املشبهة قد تأيت عىل وزن فاعل ا
قليال. ٌ الوزن وهو
470 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ٍ
وجه ثالث وهو :أن الصفة املشبهة يستحسن ،يصح ،جيوز ،بل وأيضا نفرق بينهَم من
ا
يستحسن أن تضاف إىل فاعلها ،وأما اسم الفاعل فال جيوز أن يضاف إىل فاعله ،إذا أردت أن
تضيفه فتضيفه عىل مفعوله وال يضاف إىل الفاعل ،فال يتلبس األمر عليكم باملصدر ،املصدر
سبق أنه يضاف إىل الفاعل أو املفعول به ،واألكثر أنه يضاف للفاعل ،والكالم هنا عىل اسم
شارب العصري ،أو شارب
ٌ الفاعل لو أردت أن تضيفه فإنه يضاف للمفعول به ،تقول( :زيدٌ
ِ
العصري) ،ما يمكن أن تضيف (شارب) إىل (زيد) الذي هو الفاعل ،ما تستطيع.
تقولُ( :ممدٌ يرضب اللص) حول (يرضب) إىل اسم فاعل (ضارب) أضف ،ما يمكن أن
اللص) أو (ُممدٌ ضارب اللص) ما ٍ
ضارب َّ
ٌ اللص) ما يأيت ،تقولُ( :ممدٌ
تقول( :ضارب ُممد َّ
يضاف إال ملفعوله.
ٍ
حدث وفاعله ،ولكنها جيوز أن تضاف إىل الفاعل، أيضا عىل
وأما الصفة املشبهة مع أهنا تدل ا
ِ
القلب)؛ أي (قوي قلبه)، فتقولُ( :ممدٌ حسن الوجه) يعني (حسن وجهه) ،و(ُممدٌ قوي
ِ
الشعر) يعني (طال شعره) ،وهكذا. و(طويل
فلهذا نقول :كل صفة يمكن أن تضيفها إىل الفاعل فهي صفة مشبهة حتى ولو كانت عىل
وزن فاعل ،هذا هو الضابط األقوى يف الباب؛ وهلذا قال ابن مالك يف األلفية عندما أراد أن
يعرف الصفة املشبهة:
ِ ِ
هي املشبهة اسم الفاعل" فاعل هبا "صف ٌة استحسن ُّ
جر
فالتفريق الواضح بني الصفة املشبهة وبني اسم الفاعل :أن الصفة التي يستحسن إضافتها
للفاعل صفة مشبهة ،والتي ال تضاف إىل الفاعل اسم فاعل.
ِ
القلب) (القلب) فاعل َّ
وال مفعول للطهارة؟ (فالن طاهر
ٌ نقول:
أيضا صفة
وكذلك إذا نظرت إىل املأخذ :فإن (طاهر) مأخوذة من طهر من فعل ،فهو ا
مشبهة.
ٍ
(فعيل) :نحو (مجل) فهو (مجيل) و(َشف) فهو (َشيف) ،و(كرم) فهو ويكون عىل وزن
(كريم) و(كبري ،وصغري ،وطويل).
ٍ
أوزان قليلة ك(أفعل) :نحو (خطب) فهو (أخطب)، أيضا الصفة املشبهة منه عىل
وتأيت ا
و(شاب) فهو (أشيب) ،و(محق) فهو (أمحق).
ٌ
(بطل) ،و(حسن) فهو (حس ٌن)( ،بطل) من البطولة، ويأيت عىل وزن (فع ٌل) :ك(بطل) فهو
فهو (ب ٌ
طل) لكن (بطل اليشء من البطالن) هذه (بطل) من (فعل) ،فيؤخذ منها اسم فاعل أو
صفة مشبهة؟ فعل هذا اسم فاعل( ،بطل) فهو (باطل)( ،بطل األمر فهو ٌ
باطل) لكن (بطل)
من البطولة) فهو (بط ٌل)؛ ألنه من فعل.
ويأيت عىل (فعال) :مثل (جبن) و(جبان) ويأيت عىل (فعال) (شجع) (شجاع) ويأيت عىل ِ
فع ٌل
(َشس) ،وكذلك (ف ِرح).ك(فطن) فهو (فطِن) ،و(َشس) فهو ِ
وقد يأيت عىل ِ
(فيعل) :ك(سيد) و(طيب) و(ميت) إىل آخره.
فبان من ذلك أن الصفة املشبهة التي تؤخذ من (ف ِعل) الالزم ،ومن (فعل) وال يكون إال
ٌ
مفعول به؛ ألهنا ال تؤخذ إال من الفعل الالزم الذي ليس له الزما ،أن الصفة املشبهة ال يكون هلا
ا
فاعل.
ٍ
حدث وفاعله برشطني أو وعىل ذلك يمكن أن نقول :إن الصفة املشبهة كل اسم َّ
دل عىل
ثالثة َشوط:
الشيخ /سليمان العيوني 473
يعني ما الفرق بني معنى وداللة اسم الفاعل ،ومعنى الصفة املشبهة؟
الصفة املشبهة كَم ذكر ابن هشام أهنا تدل عىل الثبوت ،عىل ثبوت الصفة يف صاحبها،
فيقولون :الصفة املشبهة األصل فيها أهنا تدل عىل ثبات الصفة يف املوصوف ،أو أهنا كالثابتة،
دائَم حقيق ايا ،كصفات اَّلل كريم ،الكرم يف اَّلل صفة ثابتة ثبوتاا حقيق ًيا ودائمة،
إما أهنا ثابتة ثبوتاا ا
(فالن طويل ،أو قصري ،أو أمحق ،أو أشيب) هذه صفات
ٌ ديمومة حقيقية ،و(عظيم) وكقولك:
قصريا مرة ،وإذا كان أشيب خالص بقي
ا ا
طويال مرة، إذا و ِجدت ثبتت ،ال يكون اإلنسان
أشيب.
( )1:9:23كالثابتة يعني تدل عىل أن هذه الصفة وإن مل تكن ثابتة حقيق اة إال أهنا كالثابتة ،إما
(فالن شجاع وبطل) فاألصل يف
ٌ من باب املبالغة ،أو من باب املجاز والتوسع ،كقولك:
(الشجاع والبطل) أهنا هذه الصفة هي الصفة الدائمة فيه ،قد يعرتيه أحياناا صفات ختالف هذه
الصفات ،لكن هذه الصفات هي األصل فيه ،أو من باب املبالغة.
فإن قلت :تكلمت عىل اشتباه الصفة املشبهة باسم الفاعل؛ فلهذا سميت الصفة املشبهة
باسم الفاعل ،طيب ،أال تشتبه بصيغ املبالغة؟
474 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
وفعل) ،ف(فعيلِ ،
وفعل) اجلواب :نعم ،قد تشتبه بصيغتني من صيغ املبالغة ومها (فعيلِ ،
يأتيان صيغتي مبالغة ،ويأتيان صف اة مشبهة بخالف (ف َّعال ومفعال وفعول) فهذه صيغ مبالغة.
واضحا ملا َشحناه من قبل ،فنحن قلنا :إن صيغ املبالغة ُمول ٌة من
ا والتفريق بينهَم لعله صار
وفع ٌل) من (فعل)(فعيل ِ
ٌ ماذا؟ من اسم الفاعل ،إذن حكمها حكم اسم الفاعل ،فإذا كانت
(فعيل وف ِعل) من ِ
(فعل) ٌ املتعدي أو الالزم ،أو (ف ِعل) املتعدي ،فهي صيغة مبالغة ،وإذا كانت
الالزم أو من (فعل) فهذه صفة مشبهة ،كقولك( :عليم) (فعيل) صفة مشبهة أم صيغة مبالغة؟
نقول :هذه من (علِم)( ،علِم) متعدي أم الزم؟ (علمه) متعدي ،إذن صيغة مبالغة،
و(نصري) من (نرصه) ،من (فعل) فهي صفة مشبهة ،و(ملِك) من (ملكه) صفة مشبهة،
و(حذر) ِ
(حذره) صفة مشبهة ،لكن (كريم) (فعيل) هذا من (كرم) ،و(َشيف) من (َشف)، ِ
حسن
ٌ والسبب يف ذلك ما ذكرناه من قبل أن عملها ضعيف ،فال تعمل متأخرةا ،نحو (زيدٌ
ب(حسن)؛ ألنه ع ِمل عمل فعله ،كأنك تقول( :زيدٌ حيسن
ٌ وجهه) (وجهه) فاعل مرفوع
ل(حسن) وقد تقدَّ م
ٌ حسن) عىل أن (وجهه) فاعل
ٌ وجهه) ،لكن ال يصح أن تقول( :زيدٌ وجهه
عليه.
الكالم هنا عىل معمول الصفة املشبهة ،معموهلا يعني الذي تعمل فيه رف اعا أو نص ابا ،فيشرتط
يف هذا املعمول أن يكون سبب ًيا.
واملراد بكونه سبب ًيا أن يكون فيه ضمري ،أو أن يكون مقرتناا ب(ال) ،فإن الضمري و(ال)
ٍ
برجل سريبطانه بعائده ،وهلذا يكون بينه وبني عائده سبب ،فصار سبب ًيا كأن تقول( :مررت
ٍ
حسن وجهه) ف(وجهه) ارتفع ب(حسن) وهو سببي وجود هذا الضمري الذي يربطه
ب(رجل).
ٍ
حسن زيدٌ ) هذا ال جيوز؛ ألن زيد ليس بسببي. ٍ
برجل بخالف ما لو قلت( :مررت
ٍ
برجل مكر ٍم أباه) بخالف اسم الفاعل الذي مل نشرتط فيه ذلك ،فيجوز أن تقول( :مررت
أيضا مما ٍ
برجل مكر ٍم زيدا ا) فاملعمول أجنبي ليس بسببي ،فهذا ا فاملعمول سببي ،أو (مررت
خيتلف فيه اسم الفاعل عن الصفة املشبهة.
476 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ثم تكلم بعد ذلك عىل إعَمل الصفة املشبهة فقال" :ويرفع" يعني معمول أو الصفة املشبهة
"ويرفع عىل الفاعلية أو اإلبدال ،وينصب عىل التمييز أو التشبيه باملفعول به ،والثان يتعني
باملعرفة ،وخيفض باإلضافة"
الرفع.
والنصب.
واخلفض اجلر.
ٍ
حسن وجهه) ،أو (رأيت ٍ
برجل -فالوجه األول يف املعمول الرفع :كأن تقول( :مررت
ا
طويال شعره) ف(وجهه) ارتفع ب(حسن) عىل أنه فاعل ،و(شعره) ارتفع ب(طويل) ا
رجال
عىل أنه فاعله ،بمعنى (حسن وجهه ،وطال شعره) ،وكون الرفع هنا عىل الفاعلية هو املعروف
واملشهور عند النحويني.
وكونه ا
بدال :كَم أجازه ابن هشام هذا وج ٌه قليل قال به بعض النحويني وهو ضعيف ،عىل أن
ٍ
حسن هو وجهه) ثم أبدل (وجهه) من الفاعل املسترت (حسن هو)، ٍ
برجل التقدير( :مررت
ٌ
خمالف لظاهر معنى الكالم. وضعفه ظاهر ،وأقل ما يف ضعفه أنه
ٍ
برجل -والوجه الثان اجلائز يف املعمول النصب :فلك أن تنصب املعمول فتقول( :مررت
وجها) مع أن الوجه ٍ
حسن ا ٍ
برجل ٍ
حسن الوجه) ،أو (مررت ٍ
برجل ٍ
حسن وجهه) ،أو (مررت
يف اجلميع هو فاعل احلسن إال أنه انتصب وهذا الذي جعلهم يشبهون الصفة املشبهة باسم
الفاعل املتعدي لواحد كَم سبق اإلملاح إليه ،وهذا وار ٌد يف السَمع.
الشيخ /سليمان العيوني 477
فقال النحويون :إن كان هذا املعمول املنصوب معرفة ،فهو مشب ٌه باملفعول به؛ يعني كأن
الصفة املشبهة ش يبهت باسم فاعل املتعدي لواحد ،وهذا املنصوب ن ِصب نصب املفعول به
ٍ
وطويل شعره). (مررت برجل حسن وجهه،
ٍ
حينئذ أن جتعله شعرا) فلك ٍ ٍ ٍ
وطويل ا وجها،
ا حسن برجل وأما إذا كان نكرةا :ك(مررت
منصو ابا عىل التشبيه بمفعول به ،ولك أن تنصبه عىل التمييز.
وواضح أن اجلر
ٌ -والوجه الثالث وهو األخري يف معمول الصفة املشبهة أن جتره باإلضافة:
ِ
الوجه) أو (مررت ٍ
برجل حسن باإلضافة سيمنع التنوين يف الصفة املشبهة فتقول( :مررت
حسن ٍ
وجه) وهكذا. ِ ٍ
برجل
هذه األوجه (الرفع ،والنصب ،واجلر) عىل أهنا جائزة إال أهنا خمتلفة يف االستعَمل من حيث
الكثرة واحلسن.
فال شك أن األصل فيها الرفع :ألن (الوجه) هو فاعل (احلسن) ،و(الشعر) هو فاعل
(الطول) ،وهكذا.
ُمول عنه :فعرفنا من قبل أنه لك أن ت ِ
عمل هذه الصفة عمل فعلها، وبعده يأيت اجلر ألنه ٌ
عمل فتضيف ،فاجلر باإلضافة ٌ
ُمول عن اإلعَمل ،فهو فاعال ،ولك أال ت ِ
ا وهذا الفعل يرفع
الدرجة الثانية للحسن.
أخريا وهو األقل يف االستعَمل :وهو األضعف يف القياس ،إال أنه وار ٌد يف
ا ويأيت النصب
السَمع؛ وهلذا سميت الصفة املشبهة بالصفة املشبهة باسم الفاعل املتعدي لواحد.
ونكمل إن شاء اَّلل بعد الصالة ،واَّلل أعلم ،وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ُممد ،وعىل آله
وأصحابه أمجعني.
478 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ثم انتقل ابن هشا ٍم -ر ِمحه اَّلل تعاىل -إىل الكالم عىل إعَمل اسم التفضيل عمل فعله ،وهو
آخر األسَمء العاملة عمل فعلها ،فقال -ر ِمحه اَّلل:-
اسم عىل وزن أفعال يدل عىل اشرتاك اثنني أو أكثر يف صفة ،وزيادة ما
فاسم التفضيل هو ٌ
ٍ
خالد) ،فأحسن هنا تدل عىل أن ما قبله عىل ما بعده يف هذه الصفة؛ كقولنا( :زيدٌ أحسن من
قبلها وما بعدها مشرتكان يف صفة احل ْسن ،كالمها حسن ،إال أن ما قبلها وهو (زيد) أكثر يف
هذه الصفة يف احل ْسن ،أكثر حسناا وهكذا.
ٍ
صفة ما :إن األول أكثر من الثان يف هذه فلهذا ال يقال يف اللغة عن شيئني غري مشرتكني يف
الصفة لعدم اشرتاكهَم يف هذه الصفة ا
أصال ،فال يقال( :السيف أمىض من العصا)؛ ألن العصا ال
يوصف باملضاء ،كَم قال أبو الطيب:
ِ
الســـــــــ ْيف إِذا قيـــــــــل إِ َّن َّ الســ ْيف يــنْقص قــدْ ره
أمل ْ تــر أ َّن َّ
ــــــا موسى:
عىلـ لسان
السالم ا ْل-عص ــــــ ِمـ
عليهَمــــــن وهارونـ -
وهلذا كان قوله -سبحانه وتعاىل -عن موسى أ ْمىض
داال عىل فصاحة موسى ،وعىل فصاحة هارون، ﴿هو أ ْفصح ِمنيي لِساناا [القصص ]34:كان ا
إال أن هارون كان أفصح من موسى ،وال يدل لغو ًيا عىل أن موسى -عليه السالم -مل يكن
فصيحا كَم قد يفهمه بعضهم.
ا
(م ْن) ومضا افا لِنكِر ٍة في ْفرد ويذكَّر ،وبـ (أ ْل) فيطابِق ،ومضا افا مل ْع ِرف ٍة
"ويستعمل بـ ِ
ْ ْ
فو ْجه ِ
ان"
فتقول( :زيدٌ أفضل من غريه) ،و(هندٌ أفضل من غريها) ،ال تقول( :فضىل من غريها)،
و(الزيدان أفضل من غريمها) ال تقول( :أفضال من غريمها) ،و(اهلندان أفضل من غريمها)،
غريهن) ال
َّ و(الزيدون أفضل من غريهم) ما تقول :أفاضل أو أفضلون ،و(اهلندات أفضل من
لزم اسم التفضيل اإلفراد والتذكري إذا جئت بعده بــ ِ
(م ْن) الداخلة تقول :فضل أو فضليات؛ فت ِ
املفضل عليه.
عىل َّ
480 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
احلالة الرابعة :أن يضاف اسم التفضيل إىل معرفة ،فيجوز فيه الوجهان السابقان؛
َّاس عىل حي ٍاة [البقرة ]96:مع أن من ذلك قوله -سبحانه وتعاىل﴿ :-ولت ِ
جد َّهن ْم أ ْحرص الن ِ
املتحدَّ ث عنهم مجع؛ ﴿ولت ِ
جد َّهن ْم [البقرة ]96:قال﴿ :أ ْحرص الن ِ
َّاس [البقرة ،]96:ولو أتى
الشيخ /سليمان العيوني 481
ومن ذلك قوله -س ْبحانه وتعاىل﴿ :-وكذلِك جع ْلنا ِيف ك يل ق ْري ٍة أكابِر
جم ِر ِميها [األنعام ]123:فقال( :أكابر) باملطابقة ،ولو أتى باإلفراد والتذكري لكان يقول:
ْ
(وكذلك جعلنا يف كل ٍ
قرية أكرب جمرميها).
أحب
ُّ ب إِىل أبِينا [يوسف ]8:فأفرد وذكَّر ملاذا؟ يعني
قال سبحانه﴿ :ليوسف وأخوه أح ُّ
اسم التفضيل هنا من أي حالة ،األوىل أم الثانية أم الثالثة أم الرابعة؟ نكمل اآلية﴿ :ليوسف
املفضل
(م ْن) الداخلة عىل َّ وأخوه أحب إِىل أبِينا [يوسف ]8:هذه من احلالة األوىل ،ذكِرت ِ
ُّ
لزم اإلفراد والتذكري. ٍ
فحينئذ جيب يف اسم التفضيل اإلفراد والتذكري ،ما تثنيي وإنَم ت ِ عليه،
بوقال﴿ :ق ْل إِ ْن كان آباؤك ْم وأ ْبناؤك ْم وإِ ْخوانك ْم [التوبة ]24:إىل آخره ،ثم قال﴿ :أح َّ
املفضل عليه
َّ لذكر ِ
(م ْن) الداخلة عىل أيضا من احلالة األوىل ِ إِل ْيك ْم ِمن اَّللَِّ [التوبة ]24:ا
ب [التوبة.]24:
فوجب اإلفراد والتذكري فقال﴿ :أح َّ
هذا من أحكامه ،فاسم التفضيل ال ينصب املفعول به أبدا ا ،وهلذا جتدهم يف نحو قوله -
سبحانه وتعاىل﴿ :-إِ َّن ر َّبك هو أ ْعلم م ْن ي ِض ُّل ع ْن سبِيلِ ِه [األنعام ]117:يقدي رون ا
فعال
يضل عن سبيله) ،وال جيعلون (م ْن) منصوب اةينصب (م ْن) نحو يعلم (إن ر َّبك أعلم يعلم م ْن ُّ ِ
بأعلم؛ ألن أعلم اسم تفضيل ،واسم التفضيل ال ينصب املفعول به.
ا
مفعوال به تك َّلم بعد ذلك عىل رفعه الفاعل فقال :إن فبعد أن ذكر أن اسم التفضيل ال ينصب
ظاهرا إال يف مسألة الكحل ،ال يرفعه إال يف مسألة الكحل غال ابا،
ا اسم التفضيل ال يرفع ا
فاعال
فاسم التفضيل يرفع الضمري املسترت اتيفا اقا ،ال إشكال يف أنه يرفع الضمري املسترت؛ كقولك:
خالد) أين فاعل أفضل؟ هو مسترت ،وإنَم الكالم عىل رفعه الظاهر. ِ (زيدٌ أفضل ِم ْن
-فبعض العرب يرفع به الظاهر مطل اقا ،وهذه اللغة قليلة وهي التي قال عنها ابن هشام:
ٍ
برجل أفضل منه أبوه) ب) يعني يف لغة اجلمهور ،فهؤالء يقولون( :مررت (وال ي ْرفع يف الغالِ ِ
يعني يفضله أبوه؛ فأبوه فاعل ألفضل التي عملت عمل الفعل يفضل.
ٍ
مسألة يسموهنا مسألة الكحل ،ويراد هبذه املسألة -وأكثر العرب ال يرفعون به الظاهر إال يف
هني أو استفهام ،ومن ذلك
نفي أو ٍّ
املفضل عىل نفسه باعتبارين ،فيكون معتمدا ا عىل ٍّ
االسم َّ
عني ٍ
زيد)؛ فاسم التفضيل رجال أحسن يف ِ
عينه الكحل منه يف ِ قوهلم املشهور( :ما رأيت ا
فضل اليشء عىل نفسه لكن
فضل الكحل عىل الكحلَّ ،
فضل ماذا عىل ماذا؟ َّ
أحسنَّ ،
فضل الكحل يف عني زيد عىل الكحل يف غري عني زيد.
باعتبارينَّ ،
فضل عىل نفسه باعتبارين؛ فأحسن اسم تفضيل وقد رفع الكحل عىل أنه فاعل،
االسم ي َّ
عني ٍ
زيد). رجال حيسن يف عينه الكحل منه يف ِ
واملعنى (ما رأيت ا
رجال أحسن يف عينه الكحل من ٍ
زيد) هذا االعتَمد عىل نفس، أو ختترص فتقول( :ما رأيت ا
واالعتَمد عىل استفهام كأن تقول( :هل رأيت ا
رجال أحسن يف عينه الكحل من زيد؟) يعني
حيسن يف عينه الكحل.
الشيخ /سليمان العيوني 483
فإن قلت :مجهور العرب الذين ال يرفعون االسم الظاهر باسم التفضيل إال يف مسألة
ٍ
برجل أفضل منه الكحل ،ماذا يفعلون باملثال السابق الذي تقول فيه اللغة األخرى( :مررت
ٍ
برجل) جار وجمرور ،أفضل :نعت لرجل ولكنه ج َّر أبوه)؟ هذا يقوله بعض العرب؛ (مررت
بالفتحة؛ ألنه ممنوع من الرصف ،وأبوه :فاعل أفضل؛ يعني يفضل يفضله أبوه.
طيب :مجهور العرب ماذا يقولون؟ ال يقولون هذا يف اجلملة ،فإذا أرادوا هذا املعنى قالوا:
ٍ
برجل أفضل منه أبوه) فأبوه :مبتدأ ،وأفضل منه :خرب مقدَّ م فريفعون ،ثم اجلملة من (مررت
نعت لرجل.
املبتدأ واخلرب املقدَّ م ٌ
هبذا نكون قد انتهينا من الكالم عىل األسَمء العاملة عمل فعلها ،لكني أعود للتنبيه عىل
ٍ
مسألة تتع َّلق بإعَمل املصدر ،فقلنا :إن املصدر يعمل عىل ثالثة أحوال واستعَمالت:
معر افا بـ (أل) وهذا قليل أو شاذ كَم قال ابن هشام.
.3أو َّ
فإن كان مضا افا فإنه يضاف إىل املفعول به ويرفع الفاعل ،أو يضاف إىل الفاعل وينصب
املفعول به.
وإن كان منوناا فإنه يرفع الفاعل ِ
وينصب املفعول به.
أيضا ينصب املفعول به ويرفع الفاعل؛ كقول الشاعر:معر افا بـ (أل) فهو اوإن كان َّ
املنون وال ِ
الرزق امليسء إهله) يعني عجبت من أن يرزق امليسء إهله ،وليس لك يف َّ (عج ْبت من
املعرف بـ (أل) أن تضيف؛
يف َّ
وإضافة املصدر إضافة معنوية وليست لفظية كَم سبق َشح ذلك يف [باب اإلضافة].
ٍ
وباب آخر وهو الكالم عىل التوابع ،قال: لينتقل ابن هشام بعد ذلك إىل موضو ٍع آخر
[باب التوابع].
جر أو جزم ،تك َّلم بعد ذلك بعد أن تك َّلم عن األسَمء التي هلا أحكا ٌم ثابتةٌ :
رفع أو نصب ،أو ٌّ
عىل التوابع :وهي الكلَمت التي هلا أحكا ٌم إعرابية ولكن أحكامها ليست ثابتة؛ ألهنا تتبع يف
هذه األحكام اإلعرابية ملتبوعها ،فهي هلا أحكا ٌم إعرابية ولكن ليست ثابت اة؛
-عطف بيان.
-وعطف نسق.
-مع النعت.
-والتوكيد.
الشيخ /سليمان العيوني 485
-والبدل.
وكثري من النحويني جيعل التوابع أربعة؛ ألنه حي ِمل العطف وجيعله واحدا ا،
ٌ فصارت مخسة،
فصل ويقسم العطف عىل عطف نسق وعطف بيان ،وما فعله ابن هشام هو
ثم يف باب العطف ي ي
األوضح واألحسن؛ ألن عطف البيان يف احلقيقة ال جيامع عطف النسق يف يشء لكي جيعل يف
بيت واحد إال يف االسم أنه عطف وعطف ،يعني ليس كالتوكيد ينقسم إىل :توكيد لفظيٍ
وع ِه".
ظ متْب ِ
"النَّعت ،وهو التَّابع امل ْشت ُّق أ ِو املؤول بِ ِه املبايِن لِل ْف ِ
َّ ْ
النعت سبق َشحه من قبل ،وهنا نرشح تعريف ابن هشام؛ فقوله( :امل ْشت ُّق أ ِو املؤ َّول بِ ِه)؛
مؤو ٍل بمشتق؛ يعني لفظه لفظ جامد لكن معناه - ٍ
ألن النعت ال يكون إال باملشتق ،أو بجامد َّ
املعنى املراد به -معنى مشتق ،وهذا خي ِرج بقية التوابع ،فبقية التوابع تكون باجلامد ،ال تكون
باملشتقات؛
فالتوكيد املعنوي يكون بسبعة ألفاظ( :النفس ،والعني ،وكل ،وكال ،وكلتا ،ومجيع،
وأمجع) هذه جوامد.
486 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
وكذلك البدل ،والبيان؛ كـ (جاء ٍ
ُممد خالد).
يكون باملشتق؛ كقولك( :جاء الرجل الفاضل الفاضل) فالفاضل الثانية هذا مشتق ،ولكنه
مطابق للمتبوع ،فهو توكيدٌ ال نعت ،وب َّينا يف َشح املبتدئني العالقة بني النعت واحلال ،فال نعيد
ذلك.
كريم:
ٌ كريم)
ٌ ٌ
رجل الفائدة األوىل :التخصيص ،ويكون للنكرة املنعوتة؛ كقولك( :جاء
نعت ،والفائدة من هذا النعت أهنا خصصت الرجل بوصف الكريم ،ولوال ذلك لبقيت النكرة
ٌ
رجل عامة يف جنس الرجال.
والفائدة الثانية :التوضيح ،وذلك للمعرفة التي قد تشتبه بغريها؛ كقولك( :جاء زيدٌ
ٍ
حينئذ الكريم) فزيد إذا كان يشتبه بزيدين آخرين وال يتم َّيز عنهم إال بقولك :الكريم ،فالكريم
ٌ
هذا النعت فائدته التوضيح؛ أنه َّ
وضح املعرفة املضافة لتمييزها عن من يشاهبها.
نحو﴿ :بِ ْس ِم اَّللَِّ ا ْل َّرمح ِن ا ْل َّرحي ِم [الفاحتة﴿ ،]1:بِ ْس ِم اَّللَِّ قولنا :اَّلل َّ
وضح املراد به وال
يلتبس بغريه ،طيب ما فائدة وصفة بــ ﴿ا ْل َّرمح ِن ا ْل َّرحي ِم ؟ طب اعا ما يقال :للتوضيح؛ ألنه هو
واضح من قولنا اَّلل ،فنقول :هذا للمدح.
ذمه ،أو
نعت للداللة عىل ي
أو (أعوذ باَّلل من الشيطان الرجيم) الشيطان معروف ،الرجيم هناٌ :
ارحم عبدك املسكني) فقوله :أن عبدك سيشتبه ال يشتبه عىل
ْ أن تقول َّلل -عزَّ وج َّل( :-اللهم
الرتحم من اَّلل -عزَّ وج َّل.-
ُّ اَّلل -ع َّز وج َّل -يشء ،فقولك( :املسكني) هذا ُّ
ترحم لطلب
ٍ
معروف والغرض األخري :التوكيد ،والتوكيد كَم َشحنا أكثر من مرة هو :ما َّ
دل عل معناى
قبل ِذكره ،ثم يأيت هو لتقويته وحتقيقه وتأكيده.
نعت للتوكيد.
الفعل النفخ حدث مر اة واحدة ،فواحدةٌ :
ثم قال ابن هشا ٍم -ر ِمحه اَّلل -يف بيان ما يتبع فيه النعت املنعوت فقال:
نعت حقيقي.
ٌ -
ونعت سببي.
ٌ -
ضمريا
ا ظاهرا بعده ،طيب ماذا يرفع؟ يرفع
ا اسَم
النعت احلقيقي :هو النعت الذي ال يرفع ا
ٍ
برجل كريمٍ) كريمٍ :نعت مشتق ،وعرفنا من قبل مسترتا يعود إىل املنعوت؛ كقولك( :مررت
ا
مسترتا
ا ضمريا
ا أن األوصاف تعمل عمل فعلها ،طيب أين فاعل كريمٍ؟ هو ،إذن كري ٍم رفعت
ضمريا
ا ظاهرا ،وإنَم رفع
ا اسَم
هو يعود إىل املنعوت إىل رجل ،فالنعت هنا حقيقي؛ ألنه مل يرفع ا
مسترتا.
ا
ظاهرا بعده؛ يعني مرفوعه
ا اسَم
وأما النعت السببي -ويقال :غري احلقيقي :-فهو الذي يرفع ا
ٍ
برجل كري ٍم ظاهرا؛ كأن تقول( :مررت
ا اسَم
ظاهرا ،فاعله أو نائب فاعله يكون ا
ا اسَم
يكون ا
ضمريا
ا ظاهرا وهو أبوه ،ومل يرفع
ا أبوه) كري ٍم أبوه ،أين فاعل الكرم؟ أبوه ،إذن فكري ٍم رفع ا
اسَم
مسترتا يعود إىل املوصوف ،فنقول :إن النعت هنا سببي.
ا
سمي سبب اي ا؛ ألن هذا االسم الظاهر الذي ارتفع بالنعت فيه ضمري ،هذا الضمري سريبطه
باملنعوت ،فصار بينهَم سبب ،السبب هو الرابط.
وجرا.
-يتبعه يف اإلعراب رف اعا ونص ابا ً
ٍ
برجل كريمٍ) كري ٍم تبعه يف اجلر من الرفع ٍ
أربعة من عرشة؛ كقولك( :مررت يعني يتبعه يف
والنصب واجلر ،وتبعه يف اإلفراد من اإلفراد والتثنية واجلمع ،وتبعه يف التذكري من التذكري
والتأنيث ،وتبعه يف التنكري من التنكري والتعريف ،يتبعه يف أربعة من عرشة.
ٍ
(برجال كرا ٍم ٍ
كريمة) ،أو (برجلني كريمني) ،أو (بامرأتني كريمتني) ،أو ٍ
بامرأة (مررت
ٌ أو
ٍ
كريَمت) ،هذا النعت احلقيقي يتبع املنعوت يف كل يشء. ٍ
و(بنساء كرا ٍم أو أو كرماء)،
وجرا ،ويف
دائَم يف اإلعراب رف اعا ونص ابا ً
السببي ففيه تفصيل ،فهو يتبع املنعوت ا
ُّ وأما النعت
التعريف والتنكري ال بد ،ويف البواقي؛ يعني يف اإلفراد والتثنية واجلمع ،ويف التذكري والتأنيث
يعامل معاملة الفعل ،يعامل معاملة الفعل؛ ألنه رفع اسَم ظاهرا ِ
فعمل مثل فعله ،فلهذا يعامل ا ا
معاملة الفعل.
كيف يعامل معاملة الفعل؟ ننظر للفعل ،ما حكم الفعل مع فاعله إفرا ادا وتثني اة ومج اعا؟ قلنا
سواء كان الفاعل مفر ادا( :جاء زيدٌ ) ،أو مثناى( :جاء ُممدان) ،أو
ٌ من قبل :إنه يلزم اإلفراد
ٍ
حينئذ ،وال يثنَّى وال جيمع. مج اعا( :جاء ُممدون) إذن فالنعت السببي سيلزم اإلفراد
-وإذا كان الفاعل مؤن اثا فيؤنَّث الفعل وجو ابا يف حالتني ،وجوازاا يف حالتني.
ٍ
حينئذ يف النعت السببي. وكل ما ذكرناه يف الفعل يط َّبق
ٍ
برجل كري ٍم أبوه) كَم تقول( :كرم أبوه) يعني اجعل مكان النعت السببي فنقول( :مررت
ٍ
برجل كري ٍم أبوه). ا
فعال (مررت
ٍ
كريمة أ َّمه) كقولك( :كرمت أمه). ٍ
برجل طيب :أمه (مررت
490 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ٍ
برجل كري ٍم أبواه) كـ (كرم أبواه). طيب :أبواه (مررت
ٍ
بامرأة كري ٍم أبوها) كـ (كرم أبوها). طيب أبوها (مررت
ٍ
كريمة أمها) كـ (كرمت أمها). ٍ
بامرأة وأمها (مررت
ٍ
بامرأة كري ٍم أبواها) كـ (كرم أبواها) وهكذا. وأبواها( :مررت
إذن النعت السببي يتبع املنعوت يف اإلعراب والتعريف والتنكري مطل اقا ،وفيَم سوى ذلك
يعامل معاملة الفعل ،فظهر من ذلك أن النعت احلقيقي والنعت السببي كالمها ال بدَّ أن يتبع
املنعوت يف اإلعراب ،ويف التعريف والتنكري.
طيب :وإن كان سبب ًيا فإنه سيعامل معاملة الفعل؛ يعني يلزم اإلفراد يف اإلفراد والتثنية
واجلمع ،ويذكَّر ويؤنَّث كالفعل.
سبق لنا يف النعت السببي أنه -النعت السببي -يف اإلفراد والتثنية واجلمع يعامل معاملة
الفعل فيلزم اإلفراد ،إال أنه يف اجلمع اختلف حكمه وهذا سَمع ،اختلف حكمه إذا كان الفاعل
الشيخ /سليمان العيوني 491
ٍ
حينئذ أن جيمع -يعني النعت السببي -أن جيمع مجع تكسري ،ثم يفرد ثم مج اعا ،فاألحسن فيه
جيمع مجع سالمة ،كل ذلك وار ٌد يف السَمع ،فاألكثر واألحسن أن جيمع مجع تكسري ،ثم يفرد،
ثم جيمع مجع سالمة.
ٍ
برجل كرا ٍم أباءه) كان القياس أن يلزم اإلفراد كري ٍم أباءه؛ كقولك( :كرم فتقول( :مررت
ٍ
برجل كرا ٍم أباءه). أباءه) لكن جاء يف السَمء أن األكثر واألحسن اجلمع مجع تكسري (مررت
ٍ
برجل كري ٍم أباءه). وبعده يف احل ْسن اإلفراد؛ يعني (مررت
ٍ
برجل كريمني أباءه) هؤالء اآلباء. ثم اجلمع مجع تصحيح( :مررت
ٍ
برجل ٍ
كريمة جدَّ اته) ،ثم (مررت ٍ
برجل ٍ
برجل كرا ٍم جدَّ اته) ،ثم (مررت واجلدَّ ات( :مررت
ٍ
كريَمت جدَّ اته)؛ فهذا حكم سَمعي.
اء ر ْف اعا بِت ْق ِد ِير هو ،ون ْص ابا بِت ْق ِد ِير أ ْعنِي، ِ ِ
الصفة امل ْعلوم م ْوصوفها حقيق اة أ ِو ا يدع ا
"وجيوز ق ْطع ي
أ ْو أ ْمدح ،أ ْو أذ ُّم ،أ ْو أ ْرحم".
ُمتاجا إىل نعته بحيث ال يعلم وال يتم َّيز وال يعرف إال بنعته ،وجب يف نعته اإلتباع أن
ا إن كان
ٍ
فحينئذ تتبعه ،فإذا قلت( :جاء زيدٌ ) وزيدٌ يلتبس عىل املخاطبني لوجود أكثر من زيد يعرفونه،
جيب أن تأيت له بنعت وأن جتعل هذا النعت تاب اعا له.
ِ
العامل)، فإن كان عندنا زيدان أحدمها ِ
عامل واآلخر جاهل ،فيجب أن تقول( :جاء زيدٌ
زيد ِ
العامل) ليتم َّيز عن اآلخر. و(س َّلمت عىل ٍ
492 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
فإن كان املنعوت غري ُمتاجٍ للنعت يعني واضح ومتم ييز من دون النعت فيجوز لك يف النعت
ٍ
حينئذ اإلتباع ،وهذا هو األصل واألكثر يف اللغة ،وهو اجلا َّدة كَم يقولون ،وجيوز لك أن تقتطع
النعت ،فإذا قطعته لك فيه الرفع ،ولك فيه النصب.
ٍ
(زيد ٍ
(بزيد الفاضل) قطعته إىل الرفع ،أو ِ
الفاضل) باإلتباع ،أو فتقول( :مررت ٍ
بزيد
الفاضل) قطعته إىل النصب؛
من هو فبادرت باجلواب ،واخترصت وحذفت هو ،وهذا يظهر يف ارجتال الكالم ،فتقول:
بزيد هو الفاضل ،فتجيب عنبزيد الفاضل) يعني مررت ٍ
الفاضل) ،أو (مررت ٍ
ِ (مررت ٍ
بزيد
خربا هلو مبتدأ ُمذوف،
اختصارا ،فصارت الفاضل ا
ا هذا السؤال قبل أن تسأل ،لكن حذفت هو
نعت لرجل.
واجلملة (هو الفاضل) ٌ
أيضا عىل القطع؛ يعني ملا قلت( :مررت ٍ
بزيد) ظهر وإن نصبت( :مررت ٍ
بزيد الفاضل) فهو ا
لك أو خشيت أن الذي تعنيه مل يفهم ومل يظهر ،فقلت( :مررت ٍ
بزيد أعنى الفاضل) ،أو (أمدح
الفاضل) لكنك اخترصت بحذف الفعل الناصب ،وأكملت الكالم بعضه مع بعض ،فقلت:
ٌ
مفعول به، (مررت ٍ
بزيد الفاضل) يعني أعني الفاضل ،فأعنى :فعل ،والفاعل :هو ،والفاضل:
نعت لرجل.
واجلملة ٌ
ثم انتقل ابن هشام -رمحه اَّلل -إىل التابع اآلخر وهو التوكيد ،فقال[ :باب التوكيد] ،ما
قال [باب التوكيد] ال باب التوكيد زيادة مني ،إنَم قال ابن هشا ٍم -رمحه اَّلل:-
اك أت ِ
اك "والتَّوكِيد وهو إِما ل ْفظِي ،نحو( :أخاك أخاك إِ َّن من ال أخا له) ،ونحو( :أت ِ
ْ ْ ٌّ ْ َّ ْ
ب ب ْثنة إِ َّهنا)". ِ
نحو( :ال ال أبوح بِح ي احبِ ِ
س) ،و ْ س ْاحبِ ِ
ا َّلالحقون ْ
لفظي.
ٌّ .1
ومعنوي.
ٌّ .2
ٍ
بألفاظ معينة وسيأيت. أما املعنوي :فيكون
وأما اللفظي :فهو الذي ذكره ابن هشا ٍم هنا ،ويكون بتكرار اللفظ املراد توكيده ،فإذا قلت:
(جاء خالدٌ ) ثم أردت توكيد خالد تقول( :جاء خالدٌ خالدٌ ) وهذا يظهر يف االرجتال( ،جاء
خالدٌ خالدٌ ) ،وتقول( :جاء جاء خالدٌ ) فأكَّدت جاء األوىل ،أو تقول( :جاء خالدٌ جاء خالدٌ )
فأكَّدت اجلملة كلها.
ومن ذلك :الشواهد التي ذكرها ابن هشام وهي أبعاض أبيات؛ فالبيت األول :قول الشاعر:
ـري ِســالحِ
كســا ٍع إىل اهليجــا بغـ ِ ـن ال أخـا لـه
إن م ْ
أخاك أخاك َّ
494 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ٍ
لفعل ُمذوف، ٌ
مفعول به فأكَّد أخاك تأكيدا ا لفظ ايا بتكريره؛ يعني انرص أخاك أو الزم أخاك،
وهذا يسمى اإلغراء ،وكقول الشاعر:
احــبِ ِ
س ِ ِ ِ فـــأ ْين إِىل أ ْيـــن النَّجـــاة بِبغْلتِـــي
أتــاك أتــاك الالحقــون ْ
احــــــــــــــــــــــــــــبِ ِ
س احبس وهو خياطب بغلتهْ ٌ ،
ِ فأكَّد ِ
وقول آخر: أتاك ،وأكَّد
"ول ْيس ِمنْه ﴿دكًا دكًا [الفجر ]21:و﴿ص ًفا ص ًفا [الفجر."]22:
قريى ابن هشا ٍم -ر ِمحه اَّلل -أن عبارة﴿ :ص ًفا ص ًفا [الفجر ]22:يف قوله تعاىل﴿ :وجاء
ر ُّبك وا ْمللك ص ًفا ص ًفا [الفجر ]22:أن ﴿ص ًفا ص ًفا حال ،وليست توكيدا ا لفظ ًيا؛ ألن
ٍ
سَمء حالة كوهنم مص َّطفني ص افا بعد كل املعنى واَّلل أعلم وجاء ر ُّبك وجاءت املالئكة من ي
صف ،فال يمكن االستغناء عن ٍّ ٍ
صف؛ يعني أهنم مل يص َّطفوا ص افا ،وإنَم اصطفوا ص ًفا بعد
صف الثانية ،ما يمكن أن تقول( :وجاءت املالئكة ص ًفا)؛ ألهنم مل يأتوا ص ًفا وإنَم أتوا ص ًفا بعد
ٍّ
صف ،التوكيد اللفظي يمكن أن تستغني عنه وليس عمد اة يف الكالم ،وال يتو َّقف الكالم عليه.
ٍّ
فلهذا قالوا :أن ﴿وجاء ر ُّبك وا ْمللك ص ًفا ص ًفا [الفجر ]22:هذه حال ،مثل( :ادخلوا
ا
أوال) ،أو (ادخلوا اثنني اثنني) ،يعني جاوا مصطفني.
وأما ﴿دكًا دكًا [الفجر ]21:فهي يف قوله تعاىل﴿ :ك َّال إِذا دك ِ
َّت األ ْرض دكًا
أيضا أن ﴿دكًا دكًا [الفجر ]21:حال مركَّبة؛ ألن دكًا الثانية ال
دكًا [الفجر ]21:فريى ا
الشيخ /سليمان العيوني 495
يستغنى عنها ،فاملعنى عىل ذلك :أن األرض دكَّت دكًا بعد ٍّ
دك ،ومل تدك د َّك اة واحدة ،وهذا
خالف ما عليه مجهور املعربني إذ يرون أن دكًا الثانية هنا توكيدٌ لفظي.
أيضا يرى أن دكًا الثانية توكيدٌ لفظي ،وهذا حتى ابن هشام -ر ِمحه اَّلل -يف [مغني اللبيب] ا
َّت األ ْرض الواضح من معنى اآلية؛ ألنه يمكن االستغناء عن دكًا الثانية فيقال﴿ :ك َّال إِذا دك ِ
اجلبال فدكَّتا د َّك اة ت األ ْرض و ِْ دكًا [الفجر ]21:كَم يف قوله تعاىل﴿ :ومحِل ِ
ثم قال ابن هشام يف النوع الثان من التوكيد؛ وهو :التوكيد املعنوي:
ان عىل (أ ْفع ِل) مع غ ْ ِري اجتمعتا ،وجيمع ِ ني مؤ َّخر اة عنْها إِ ِن ْ س والع ْ ِ وي ،وهو بِال َّن ْف ِ "أ ْو م ْعن ٌ
امل ْفر ِد ،وبِـ (ك ٍل) لِغ ْ ِري مثنَّى إِ ْن جت َّزأ بِن ْف ِس ِه أ ْو بِع ِاملِ ِه ،وبِـ (كِال وكِ ْلتا) له إِ ْن ص َّح وقوع امل ْفر ِد
مج ِع ِهَم) غ ْري مضاف ٍة" ِ ِ ِ
م ْوقعه واحتد م ْعنى امل ْسند ،ويض ْفن لضم ِري املؤكَّد ،وبِـ (أ ْمجع و ْ
مجعاء و ْ
ِ
ٍ
بألفاظ معينة ،وهي :النفس ،والعني ،وكل ،وكال ،وكلتا، فذكر أن التوكيد املعنوي يكون
وأمجع ،فهذه ستة ألفاظ ،وبقي ٌ
لفظ سابع مل يذكره وهو :مجيع ،وهو يف حكم كل؛ فالتوكيد
واستقصاء.
ا سَمعا
املعنوي يكون هبذه األلفاظ السبعة ا
الطالب ِ
الطالبان أنفسهَم) ،و(جاء َّ وجيمعان عىل (أفعل) مع امل َّثنى واجلمع ،فيقال( :جاء
الطالب ِ
أنفسهم)؛ أي أنه ال جيمع عىل أنفسهم) ،و(أكرمت الطالب أنفسهم) ،و(س َّلمت عىل َّ
الطالب أعينهم) ،وال ِ
الطالبان أعينهَم) ،و( َّ (فعول) :نفس ونفوس ،كذلك يف العني( :جاء
496 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
جيمع عىل عيون؛ ألن املراد بالعني والنفس ما يؤكَّد به ،وال يراد بالنفس التي داخل اإلنسان ،أو
العني التي يف الرأس.
فإن قلت :ما فائدة التوكيد بالنفس والعني؟ فـ (جاء ُممدٌ وجاء ُممدٌ نفسه) يدالن عىل
إمجايل واحد وهو جميء ُممد ،فالفائدة دفع االحتَمل عن الذات.
ٍّ معناى
فأنت إذا قلت( :طلب مني األمري كذا وكذا) طيب هو األمري نفسه هو الذي ك َّلمك وطلب
سواء األمري
ا منك ذلك ،أو أرسل إليك من طلب منك ذلك؟ يعني يمكن أن تقول هذه العبارة
ا
رسوال. نفسه الذي ك َّلمك ،أو أرسل إليك
لكن لو قلت( :طلب األمري نفسه مني ذلك) تأكدنا أن الذي ك َّلمك هو األمري بذاته ،رفع
االحتَمل عن الذات ،فلهذا ما يستعمل التوكيد بالنفس والعني إال ملثل هذه املعان؛ لدفع
االلتباس عن الذات.
-واملفرد الذي له أجزاء؛ كـ (الكتاب) تقول( :قرأت الكتاب ك َّله) و(قرأت الكتاب
مجيعه).
الشيخ /سليمان العيوني 497
فقولنا( :له أجزاء) خي ِرج املثنَّى ،فاملثنَّى له جزءان ،وخيرج املفرد الذي ليس له أجزاء؛ كـ
(جاء زيدٌ ك ُّله) واجلزء هو الذي يمكن أن ينفصل عن الكل.
َّ
الطالب) (احلمد َّلل هذه السنة نجح توهم اخلصوص ،لو قلت( :نجح
الفائدة :رفع ُّ
الطالب) هل تريد مجيع َّ
الطالب وال أغلب الطالب ومل يرسب إال قليل؟ قد تريد ذلك وقد َّ
توهم اخلصوص ،أنك ٍ تريد ذلك ،فإذا قلت( :نجح َّ
الطالب كلهم أو مجيعهم) حينئذ رفعت ُّ
ختص األكثرية واألقل َّية ليس هلا حكم.
وقوله ابن هشام( :إِ ْن جتزَّ أ بِن ْف ِس ِه أ ْو بِع ِاملِ ِه) يعني:
-إن جتزأ هذا املفرد بنفسه؛ يعني له أجزاء؛ كـ (قرأت الكتاب ك َّله) جتزَّ أ بنفسه ،نفس
الكتاب له أجزاء أبواب وفصول.
ِ
العامل وهو -وإن جتزأ بعامله يقولون نحو( :اشرتيت اجلمل ك َّله) ما الذي له أجزاء؟
الفعل اشرتى ،فإن االشرتاء قد يكون بدفع الثمن ك يله ،وقد يكون بدفع بعض الثمن ،فإذا
أردت أن ت يبني أنك دفعت املبلغ ك َّله تقول( :اشرتيت اجلمل ك َّله) فالتج ُّزؤ هنا صار يف الفعل يف
العامل يف الرشاء ،وهذا قد يطلبه املعنى.
وأما التوكيد بـ (كال وكلتا) فواضح أنه يؤكَّد هبم املثنَّى؛ كقولك( :جاء الزيدان كالمها)،
و(جاءت اهلندان كلتامها) لكن يشرتط التوكيد هبَم َشطان ذكرمها ابن هشام؛
صحة حلول الواحد ُم َّلهَم ،يصح أن حيِل الواحد ُم َّلهَم ،فال يصح أن
فالرشط األولَّ :
صحة (اختصم زيدٌ ) ،لو قلت( :اختصم الزيدان)
تقول( :اختصم الزيدان كالمها) لعدم َّ
حيل املفرد ُم َّله ،فتقول( :اختصم زيدٌ )؟ ال
فالزيدان مثنَّى ،لكن هل الزيدان هنا يصح أن َّ
498 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
بخالف( :ذهب ُممد وزيدٌ كالمها) فإن الذهاب قد يكون من واحد ،وقد يكون من اثنني؛
فإذا قلت( :ذهب ُممدٌ وزيدٌ ) كالمها ذهب وال واحد ذهب؟ قد حيتمل ذلك ،فإذا قلت:
(كالمها) أكَّدت عىل أن الفعل حدث منهَم مجي اعا؛ ألنه يف اللغة قد تعطِف شيئاا عىل يشء مع أن
ٍ
بيشء مل يفعله اآلخر. أحدمها قد اختص عن اآلخر
كَم يف اآلية السابقة﴿ :وجاء ر ُّبك وا ْمللك ص ًفا ص ًفا [الفجر﴿ ]22:ر ُّبك
وا ْمللك [الفجر ]22:اشرتكا يف املجيء؛ يعني جاء ر ُّبك وجاءت املالئكة ،لكن ﴿ص ًفا
حال من املعطوف واملعطوف عليه ،أم ٌ
حال من املعطوف فقط ص ًفا [الفجر ]22:هذه حالٌ ،
املالئكة؟ ٌ
حال من املعطوف املالئكة فقط ،فهنا ال يعني أنك إذا عطفت شيئاا عىل يشء أهنَم
التوهم
ُّ يشء من هذا
مشرتكان يف كل يشء ،فقد يستقل أحدمها عن اآلخر بيشء ،فإذا حدث ٌ
وأردت أن ترفعه تؤكيد بـ (كال).
فتقول( :نجح ُممدٌ وزيدٌ ) أكيد كالمها وال واحد؟ ال كالمها ،فأكَّدت التثنية.
والرشط الثان يف التوكيد بـ (كال وكلتا) :قال :احتاد املسند إليهَم ال اختالفه.
(ذهب ُممدٌ وزيدٌ ) الذي أسندته إىل األول الذهاب ،والذي أسندته إىل الثان الذهاب،
املسند إليه الذهاب متَّحد واحد.
لكن لو قلت( :ذهب ُممدٌ وعاد خالدٌ ) ما تقول :كالمها؛ ألن املسند وهو الذهاب واملجيء
خمتلف ،وهنا يشرتط َّاحتاد املسند إىل املؤكَّد بـ (كال وكلتا).
الشيخ /سليمان العيوني 499
ثم ذكر ابن هشام أنه يشرتط يف التوكيد بكل ما سبق؛ يعني( :بالنفس ،والعني ،وكال،
بضمري يعود إىل املؤكَّد فقال( :ويض ْفن لِض ِم ِري املؤك َِّد) بخالف
ٍ وكلتا ،وكذلك مجيع) اتَّصاله
التوكيد باللفظ األخري وهو( :أمجع) ومجعه (أمجعون) وكذلك مؤنثه (مجعاء) ،ومجع املؤنَّث
(مجع ومجعاوات) فهذا يؤكد هبا ولكنها ال تضاف ،ال تضاف إىل ضمري املؤكد.
أيضا؛ فتقول( :قرأت الكتاب أمجع) ،و(قرأت املج َّلة مجعاء) ،و(جاء
ويؤكد هبا ما له أجزاء ا
الطالب أمجعون) ،و(جاءت الطالبات مجع)، اجليش أمجع) ،و(جاءت القبيلة مجعاء) ،و(جاء َّ
قال تعاىل﴿ :أل ْغ ِوينَّه ْم أ ْمج ِعني [احلجر ،]39:وقال﴿ :وإِ َّن جهنَّم مل ْو ِعده ْم
أ ْمج ِعني [احلجر.]43:
وترصفاهتا أهنا تكون بعد التوكيد بكل؛ كأن تقول( :جاء ُّ واألكثر يف التوكيد بـ(أمجع)
الطالب كلهم أمجعون) ،كَم قال تعاىل﴿ :فسجد ا ْملالئِكة ك ُّله ْم أ ْمجعون [ص ]73:فك َّلهمَّ
توكيد أول ،وأمجعون :توكيد ٍ
ثان.
إذا قلت( :جاء زيدٌ الكاتب الشاعر) فلك أال تعطِف عىل أصل النعت (جاء زيدٌ الكاتب)
ثان ،وجيوز أن تعطِف (جاء زيدٌ الكاتب والشاعر) فالكاتب نعت،
نعت ٍ
نعت أول( ،الشاعر) ٌ
والشاعر معطوف عىل النعت.
500 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
قال تعاىل﴿ :س يبحِ ْاسم ر يبك األ ْعىل * ا َّل ِذي خلق فس َّوى [األعىل ]2-1 :الذي ٌ
نعت
لر يبك﴿ ،س يبحِ ْاسم ر يبك األ ْعىل * ا َّل ِذي خلق فس َّوى ﴿ ،وا َّل ِذي قدَّ ر فهدى [األعىل]3:
نعت ثالث ولكنه عطف. ثان ولكنه عطف﴿ ،وا َّل ِذي أ ْخرج ا ْمل ْرعى [األعىلٌ ]4:نعت ٍ
ٌ
أما املؤكيدات فإهنا إذا تعددت ال جيوز فيها التعاطف ،ال تقول( :جاء زيدٌ نفسه وعينه)،
الكالب كلهم وأمجعون) بل تقول( :جاء زيدٌ نفسه عينه) و(جاء َّ
الطالب كلهم و(جاء َّ
أمجعون)؛ ألن ألفاظ التوكيد بمعناى واحد ،وال يعطف اليشء عىل نفسه ،بخالف النعوت
حينئذ أن تعطِف.
ٍ فالشاعر يف املعنى غري الكاتب يف املعنى ،فيمكن
كثري من املحققني املتأخرين فأجازوا توكيد النكرة برشطني كالمها يعود إىل حتقيق
وتوسط ٌ
َّ
الفائدة؛
فالرشط األول :أن تكون النكرة ُمدودة ،هلا حدود؛ كـ (يوم ،أسبوع ،مائة ،درهم).
والرشط الثان :كون التوكيد من ألفاظ اإلحاطة؛ يعني (كل ومجيع وأمجع).
هذه إن شاء اَّلل سنحاول أن نأيت عليها مجي اعا يف الدرس القادم لنختم هذا الرشح إن شاء اَّلل
يف الدرس القادم ،أعاننا اَّلل وإياكم ،وو َّفقنا وإياكم ملا حيبه ويرضاه ،واَّلل أعلم ،و َّ
صىل اَّلل
وس َّلم عىل نبينا ُممد ،وعىل آله وأصحابه أمجعني.
502 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
احلمد َّلل رب العاملني ،والصالة والسالم عىل نبينا ُممد ،وعىل آله وأصحابه أمجعني ،أما
بعد...
فسالم اَّلل عليكم ورمحته وبركاته ،وح َّياكم اَّلل وب َّياكم يف هذه الليلة املباركة يف هذا الدرس:
الصدى] البن هشا ٍم "الثالث عرش" ،وهو الدرس األخري من دروس َشح [قطر الندى ي
وبل َّ
األنصاري -عليه رمحة اَّلل ،-ونحن يف ليلة األربعاء ،التاسع من شهر شعبان ،من سنة تس ٍع
ٍ
وأربعَمئة وألف ،ونحن يف جامع منرية شبييل يف حي الفالح يف مدينة الرياض. وثالثني
وقد ذكرنا يف الدرس املايض بقية الكالم عىل األسَمء العاملة عمل فعلها ،ثم بدأنا بالكالم
عىل التوابع التي ذكر ابن هشام أهنا مخسة ،وقد قرأنا وَشحنا التابعني األوليني ومها :النعت
والتوكيد ،ويف هذه الليلة بإذن اَّلل تعاىل سنتك َّلم عىل بقية التوابع؛ وهي :عطف البيان ،وعطف
النسق ،والبدل.
املتفرقة التي ذكرها ابن هشا ٍم -ر ِمحه اَّلل -يف آخر [قطر
ثم نتك َّلم عىل بقية األحكام النحوية ي
املتطرفة ،ومهزة
ي والتعجب ،والو ْقف ،وكتابة األلف
ُّ الندى] ،وهي :العدد ،وموانع الرصف،
الوسط ،فنستعني باَّلل ونبدأ ببقية التوابع؛ فقد َشحنا يف الدرس املايض التابع األول :وهو
النعت ،والتابع الثان :وهو التوكيد.
أما التابع الثالث :فهو عطف البيان ،وفيه يقول ابن هشا ٍم -ر ِمحه اَّلل:-
ابع مو يض ٌح ،أ ْو خم يص ٌص ج ِامدٌ غ ْري مؤ َّو ٍل". "وع ْطف البي ِ
ان ،وهو ت ٌ
الشيخ /سليمان العيوني 503
فعطف البيان كَم َّبني ابن هشام الغرض منه -الفائدة منه:-
فظهر من ذلك أن عطف البيان يف فائدته وغرضه يشبه ماذا من التوابع؟ ما التابع الذي
ي
يوضح املعرفة وخي يصص النكرة؟ النعت ،سبق يف فائدة النعت والغرض من النعت:
ِ
العامل). -أن النعت للمعرفة يوضحها؛ (جاء ُممدٌ
رجل ِ
عاملٌ). -والنعت للنكرة خي يصصها؛ كـ (جاء ٌ
خشب) ،أو
ٌ باب قوي أو ٌ
مجيل) فهذا نعت ،وإذا قلت( :هذا ٌ كبري أو ٌّ
باب ٌوإذا قلت( :هذا ٌ
حاس) فإن اخلشب واحلديد والنحاس أسَمء جامدة أو
باب ن ٌ
باب حديدٌ ) ،أو (هذا ٌ
(هذا ٌ
مشتَّقة؟ جامدة؛ ألهنا تدل عىل ذوات.
الشيخ /سليمان العيوني 505
ابع مو يض ٌح ،أ ْو خم يص ٌص) يعني نعت ،لكنه (ج ِامدٌ فلهذا قال ابن هشام( :ع ْطف البي ِ
ان ،وهو ت ٌ
غ ْري مؤ َّو ٍل)؛ يعني هو النعت باجلامد ،فالفرق بني النعت وبني عطف البيان:
املؤول.
-وأما عطف البيان فهو النعت باجلامد غري َّ
نعم عطف البيان من التوابع ،ثم َّبني هنا أنه يتابع صاحبه ،يتابع متبوعه يف كل يشء ،فيتابعه
يف اإلعراب ،ويتابعه يف التذكري والتأنيث ،والتعريف والتنكري ،وغري ذلك؛ كقوله:
ٍ
حفص هذا من هو فقال: فالشاهد يف قوله( :أ ْقسم بِاَّللَّ أبو ح ٍ
فص) فاعل ،ثم َّ
وضح أبا
موضح مشتق؟ جامد؛ ألنه علم ،فهو عطف بيان.
ٌ مر) ،وعمر هذا ي
موض ٌح جامد أو (ع ْ
لكن إذا مل ِ
نعرف ن َّيته وقصده ،نقول :من الناحية النحوية:
-يصح أن يكون ا
بدال ،بدل ٍّ
كل من كل.
إال أن عطف البيان وبدل كل من كل خيتلفان يف املعنى يعني الفائدة والوظيفة ،وقد خيتلفان
يف اللفظ.
أما املخالفة بينهَم يف اللفظ فقد ذكرها ابن هشا ٍم هنا ،وخالصتها:
مذهبان للعلَمء:
الشيخ /سليمان العيوني 507
ٍ
خالد) ،أو (أكلت التفاحة نصفها) كَم سيأيت يف البدل ،البدل البدل إذا قلت( :جاء ُممدٌ أبو
ٍ
خالد) املراد منها جاء أبو خالد، يكون عىل ن َّية حذف املبدل منه؛ يعني قولك( :جاء ُممدٌ أبو
(أكلت التفاحة نصفها) املراد أكلت نصف التفاحة ،فاملبدل منه عىل ن َّية احلذف.
وبعض العلَمء يرى أن البدل ليس عىل ن َّية احلذف ولكنه عىل ن َّية تكرير العامل؛ يعني (جاء
خالد) يعني جاء ُممدٌ جاء أبو خالد( ،أكلت التفاحة نصفها) يعني أكلت التفاحة ٍ ُممدٌ أبو
أكلت نصفها.
كَم يف قولك( :جاء عمر الفاروق) جيوز أن تضع الفاروق مكان عمر فتقول( :جاء
الفاروق) يصح وال ما يصح؟ يصح ،إذن الفاروق هنا يصح أن يكون عطف بيان ،ويصح أن
يكون ا
بدال ،بدل كل من كل.
ٍ
حينئذ وإن مل يصح أن جتعل الثان َّ
ُمل األول ،ما يصح أن جتعل الثان ُمل األول ،فالثان
الرجل ٍ
زيد) ُممدٌ :مبتدأ، ِ عطف بيان ،وال يصح أن يكون ا
بدال؛ كقولكُ( :ممدٌ الضارب
ِ
الرجل) كيف مضاف إليه جمرور ،و(الضارب
ٌ ِ
والرجل: والضارب :خرب املبتدأ وهو مضاف،
مجعت اإلضافة؟
ٍ
الرجل) ،أو (جاء املوضع الثان :أن يكون املضاف مقرتناا بـ (أل)؛ كـ (جاء الضارب
ِ
الشعر). الطويل
ٍ
لضمري ،هذا الضمري يعود إىل ما فيه (أل)، واملوضع الثالث :أن يكون املضاف مضا افا
واملوضع الثالث يف احلقيقة يعود إىل املوضع الثان كَم َشحنا ذلك.
ِ
الرجل) كيف جاز جمامعة (أل) لإلضافة؟ ألن اإلضافة لفظية، فإذا قلناُ( :ممدٌ الضارب
ٍ
حينئذ أن جتامع (أل) اإلضافة. واملضاف إليه الرجل فيه (أل) ،فيجوز
زيد) ٍ
زيد هنا ي
موضح للرجل ،فلهذا نقول :إنه عطف الرجل ٍ
ِ ثم نأيت إىل ٍ
زيد (ُممدٌ الضارب
وضح الرجل ،إال أنه َّ
وضحه بجامد فهو عطف بيان ،وال مانع من أن يكون عطف ٍ
بيان؛ ألنه َّ
بيان.
وأيضا مما ال حيل فيه الثان ُمل األول :قولك يف [باب النداء]( :يا عبد اَّلل كرزاا) رجل اسمه
ا
عبد اَّلل ولقبه كرز ،والكرز :هو الوعاء الصغري الذي يضع فيه املسافر أو الراعي شيئاا من
حاجته ،وقد ل يقب به رجل.
فإذا قلت( :يا عبد اَّلل كرزا ا) فيا عبد اَّلل :منا ادى واجب النصب؛ ألنه مضاف ،واملنادى
املضاف جيب فيه النصب ،فلفظه منصوب وُم ُّله النصب ،وك ْرز :هذا اللقب إن جعلته ا
بدال
فسبق يف باب النداء أن البدل يعامل معاملة املنادى املستقل؛ يعني كأنك كررت أداة النداء،
ٍ
وحينئذ فقل :يا ك ْرز وال كرزاا ،سيقول :يا ك ْرز؛ ألنه منا ادى كأنك قلت( :يا عبد اَّلل يا كرز)
مفرد معرفة فيجب بناءه عىل الضم.
فإذا قلت( :يا عبد اَّلل ك ْرز) فهذا بدل ال عطف بيان.
لو كان ا
بدال سبق يف باب النداء أن البدل يعامل معاملة املنادى املستقل ،فعىل ذلك كان جيب
عىل الشاعر أن يقول لو جعله ا
بدال( :أيا أخوينا يا عبد شمس ويا نوفل)؛ ألن نوفل :منا ادى
مفرد معرفة فيجب بناءه عىل الضم ،ولكن الشاعر قال :ا
نوفال بالنصب فجعله كالنعت ،وسبق
أن النعت وعطف البيان والتوكيد هذه إذا كان املنادى منصو ابا ليس فيها إال النصب؛ ألن ُم َّله
النصف ولفظه منصوب ،فليس فيها إال النصب.
تقول( :يا عبد اَّللِ الفاضل) هنا نصب فقال( :أيا أخو ْينا ع ْبد ش ْم ٍ
س ون ْوف اال)؛ ألنك لو
قلت( :يا نوفل) فوضعت نوفل ُمل أخوينا مل يستقيم الكالم ،ال يصح أن تقول( :يا ا
نوفال) بل
تقول( :يا نوفل) فهذا هو الفرق اللفظي بني البيان والبدل.
وأما الفرق املعنوي فهَم خيتلفان من حيث املعنى يعني من حيث الفائدة والغرض ،والوظيفة
النحوية ،وهذا هو األهم ،فالبيان:
كالنعت يكون املتبوع هو املراد ،هو املقصود ،هو األساس ،والتابع وهو عطف البيان جمرد
زيادة لتوضيحه أو ختصيصه كالنعت.
ٍ
حينئذ يكون وأما البدل :فالبدل كَم سبق َشحه يف النحو ،البدل هو املقصود باحلكم،
املقصود واملراد التابع أو املتبوع؟ يكون املراد التابع الثان ،واملتبوع وهو األول ليس هو املقصود
يف األساس.
أما عطف البيان :لو كان يعلم أن هذا اجلائي أخي ،يعلم أن هذا الذي جاء يعلم أنه أخي
حينئذ عرف اسمه وال ما عرف؟ عرفِ ،
ويعرف ٍ يعرف اسمه ،فقلت له( :جاء ُممدٌ )لكن ما ِ
يعرف؟ ِ
يعرف ،إذن عرف املعنيني ،ثم أقول :أخي( ،جاء ُممدٌ أخي) أخي هل أنه أخي وال ما ِ
حب
حب عمر) قلت بني أصحاِب كذا يف الفصل أو يف احلديقة كذا( ،أ ُّ لكن لو قلت( :أ ُّ
عمر) يعني ربَم صديقي عمر ،أو اخلليفة الثان عمر ،أو ِ
عامل من العلَمء اسمه عمر ،أو داعية
تعرف من أريد ،من ُمبوِب ٍ
حينئذ أو ال يلتبس؟ يلتبس ،إذن ال ِ اسمه عمر؛ يعني قد يلتبس
حب الفاروق عمر) إذن فالفاروق هنا هو مربط الفرس ،مل حتى أقول بعد ذلك( :الفاروق) (أ ُّ
يت َِّضح ُمبوِب حتى أقول :الفاروق ،إذن فهو بدل وال عطف بيان؟ بدل؛ ألنه مل يعرف املراد إال
بقول الفاروق ،فهذا بدل.
512 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
لكن لو كنا ا
مثال نتكلم عن سرية اخلليفة الثان ،نتك َّلم عن سريته ثم قلت( :أ ُّ
حب عمر)
حب عمر
شك أنكم عرفتم من أريد ،ثم قلت( :أ ُّ عرفتم مباَشة من أريد وال ما عرفتم؟ ال َّ
ٍ
فحينئذ الفاروق يف كالمي بيان وال بدل؟ بيان؛ ألنكم عرفتم املراد من األول. الفاروق)
إذن فإذا كان املراد األول ،إذا ع ِرف املقصود من األول فالثان بيان ،وإذا مل يعرف املقصود من
األول ،مل يعرف املقصود إال من الثان فالثان بدل.
لننتقل إىل التابع الرابع؛ وهو :عطف النسق ،ذكره ابن هشام ،وذكر أن أحرف النسق
تسعة؛ وهي :الواو ،والفاء ،وث َّم ،وأو ،وحتَّى ،وأم ،وال ،ولكن ،وبل.
وهي مل ِ ْطلق ْ
اجل ْم ِع". "وع ْطف النَّسق بِــ(ا ْلو ِاو)ِ ،
ا
استعَمالَّ ،بني ابن هشام معناها فقال: إذن فالواو هي ُّأم أحرف ،عطف النسق يعني أكثرها
إن معناها مطلق اجلمع؛ يعني ال تدل عىل ترتيب ،يعني ال تقتضيه ،ال تقتضه يعني ال توجبه،
قال السريايف" :أمجعوا عىل أن الواو للجمع دون ترتيب" ،ون ِسب إىل بعضهم أن الواو تدل عىل
الرتتيب ،وهذا من األقوال الضعيفة يف النحو.
واملعنى كَم قلنا :أهنا ال تقتيض الرتتيب ،ال تقتيض يعني ال تستلزمه ،ال توجبه ،ومع ذلك
ْس :شهاد ِة فاألكثر يف كالم العرب أهنم يستعلوهنا مع الرتتيب؛ كحديث« :بنِي ْ ِ
اإل ْسالم عىل مخ ٍ
-أما إذا كان بينهَم وقت أكثر من ذلك فهذه مهلة طويلة.
(تزوج خالدٌ فولِد له) عطفنا الفعل ولِد عىل تز َّوج ،كم بينهَم؟ بينهَم عىل لكن لو قلنا ا
مثالَّ :
األقل ستة أشهر ،ومع ذلك هذا أقل ما يكون ،فاملهلة بحسب كل فعل.
وقد تأيت الفاء عاطف اة سببي اة؛ يعني دالة عىل العطف وعىل السببية ،وأكثر ما يكون يف عطف
اجلمل ،نحو( :سها فسجد)( ،رسق فقطِع) فالفاء هنا عاطفة ،عطفت اجلملة الثانية الفعل
سواء كانت غاي ٌة يف العلو أم غاي اة يف الدنو ،نحو( :مات الناس حتى األنبياء)
ٌ األول :الغاية
غاية يف العلو ،و(جاء احل َّجاج حتى املشاة) غاية يف الدنو ،فَمت الناسٌ :
فعل وفاعل ،وحتى:
الضمة.
َّ حرف عطف ،واألنبياء :معطوف عىل الناس مرفوع وعالمة رفعه
ِ
األنبياء) أيضا حرف جر ا
دالة عىل الغاية؛ كــ (مات الناس حتى وسبق يف (حتى) أهنا تأيت ا
اجلارة جتر االسم بعدها ،والعاطفة جتعل ما بعدها كَم قبلها يف
َّ أما يف اللفظ فواضح:
اإلعراب.
خالف مشهور بني أهل اللغة والفقهاء ،وكَم يف اآلية﴿ :وأ ْي ِديك ْم إِىل ا ْملرافِ ِق [املائدة]6:
بناء عىل
هل تدخل املرافق يف املغسول أو ال تدخل يف املغسول؟ خالف بني أهل اللغة والفقهاء ا
هذا اخلالف الغاية تدخل أو ال تدخل ،لكن يف العطف ال املعطوف يدخل يف املعطوف عليه.
الشيخ /سليمان العيوني 515
قال ابن هشام( :و(حتَّى) ال تدل عىل ترتيب) نعم ،فقولك( :مات الناس حتى األنبياء)
يعني أن اجلميع يموتون ،ما يف ترتيب بني الناس واألنبياء أهيَم يموت ا
أوال ،وإنَم اجلميع
يموت ،فقط د َّلت عىل الغاية؛ أن اجلميع يموت حتى األنبياء.
الش َّ
ك أو لب التخيري أو اإلباحة ،وبعد ِ
اخلرب َّ يئني أو األ ِ
شياء مفيد اة ب ْعد ال َّط ِ الش ِ"و(أو) ألح ِد َّ
الت ْشكِيك".
تقول( :تعال اليوم أو غدً ا)﴿ ،لبِ ْثنا ي ْو اما أ ْو ب ْعض ي ْو ٍم [الكهف ]19:شيئني﴿ ،فك َّفارته
ط ما ت ْط ِعمون أ ْهلِيك ْم أ ْو كِ ْسوهت ْم أ ْو ْحت ِرير رقب ٍة [املائدة]89:
إِ ْطعام عرش ِة مساكِني ِمن أوس ِ
ْ ْ
أشياء وهكذا فهي ال تستعمل إال مع شيئني أو أشياء.
ٍ
معان :معنيان بعد الطلب ،ومعنيان بعد اخلرب ،معنى ذلك أن وما معانيها؟ قال :هلا أربعة
(أو) تستعمل بعد الطلب ،وتستعمل بعد اخلرب.
اخلرب يعني الكالم اخلربي الذي يدل عىل خرب يقبل التصديق أو التكذيب يف ذاته؛ كقولك:
(أكلت تفاح اة أو برتقال اة) هذا كالم خربي.
516 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
وأما الطلب فهو الكالم الذي ال يقبل التصديق أو التكذيب يف ذاته ،وإنَم يدل عىل طلب
فعل يشء ،أو طلب ترك يشء؛ كاألمر اذهب ،ما تقول( :صدقت أو كذبت) ،أو (ال تذهب)
الرتجي( :لعلك تذهب) ،أو
ي النهي ،أو االستفهام (هل تذهب؟) ،أو التمنيي (ليتك تذهب) أو
العرض (أال تذهب) ،أو التحقيق َّ
(هال تذهب) ،والطلب ثَمنية أشياء ذكرناها من قبل أكثر من
مرة.
إذن فــ (أو) تأيت بعد الطلب ،فيكون هلا معنيان ،وتأيت بعد اخلرب فيكون هلا معنيان ،فإذا
جاءت بعد الطلب فهي تدل عىل اإلباحة أو التخيري؛
-تدل عىل اإلباحة إذا أمكن اجلمع بني املعطوف واملعطوف عليه.
-وتدل عىل التخيري إذا مل يمكن اجلمع بني املعطوف واملعطوف عليه.
فإذا قلت( :كل تفاح اة أو برتقال اة) هذا ختيري أم إباحة؟ يمكن أن تأكل تفاحة وتأكل برتقال
(تزوج هندا ا أو أختها) هذا ختيري أم إباحة؟ هذا ختيري ،لكن ال يمكن أن تتزوج
ما يف مشكلةَّ ،
(سجل يف كلية اللغة أو كلية الرشيعة) ختيري أو إباحة؟ هذا ختيري ،ما يمكن
هند وتتزوج أختها ،ي
سجل فيهَم وهكذا.
أن ت ي
-عىل الشك.
-أو التشكيك.
عىل الشك :إذا كان من املتك يلم ،إذا كان عدم العلم وعدم التأكد من املتك يلم ،أنت غري متأكد
من األمر فقد شككت.
الشيخ /سليمان العيوني 517
أيضا ،هلا موضع تستعمل فيه ،وهلا معناى يف هذا املوضع ،فالعطف
(أ ْم) من حروف العطف ا
بـ (أ ْم) يكون بعد مهزة التسوية؛ كقولك( :أزيدٌ قام أم خالد؟)( ،أقام زيدٌ أم جلس؟) هذه
(أ ْم).
(أزيدٌ قام أ ْم خالد؟) أم جاءت بعدها مهزة ،هذه اهلمزة يسموهنا مهزة تسوية ،ملاذا مهزة
تسوية؟ ألن هناك شيئان مستويان تسأل عنهَم؛
إذا عرفت أن الفاعل زيد لكن ما تعرف ماذا فعل ،هل نجح وال رسب؟ أنت تسأل عنه،
تعرف أنك تسأل عنه ،لكن ما ِ
تعرف ماذا فعل؟ نجح أو رسب ،ماذا تقول؟ خالص أنت ِ
(أنجح زيدٌ أم رسب؟) املسؤول عنه النجاح والرسوب ،نجح ورسب ،أحدمها بعد اهلمزة
واآلخر بعد (أم) ،طيب واملعلوم وهو زيد بينهَم ،هذا أسلوب التعيني بـ (أ ْم) بعد مهزة التسوية،
هذا األسلوب الفصيح الصحيح.
وهلذا ال تقول( :أقام زيدٌ أم جلس) -آسف -ما تقول( :أزيدٌ قام أم جلس؟) ماذا وضعت
بعد اهلمزة؟ (أزيدٌ قام أم جلس زيد؟) وبعد (أ ْم) ما جعلت املقابل له ،جلس مقابل قام ،ال بد
أن جتعل املتقابلني املسؤول عنهَم بعد اهلمزة و(أ ْم) ،ما تقول( :أزيدٌ قام أم جلس؟) ،ما تقول:
عمر؟) وإنَم جتعل املتقابلني املسؤول عنهَم أحدمها بعد اهلمزة واآلخر بعد (أ ْم)
(أجلس زيدٌ أم ٌ
وبينهَم املعلوم.
ف ْ
احل ْك ِم إىل احل ْك ِم (ال) بعد إِجياب ،و(لكِن) و(ب ْل) بعد ن ْفي ،ولِرص ِ
اخلطأِ يف ْ
"ولِلر يد ع ْن ْ
ْ ْ ْ ْ
ما ب ْعدها (ب ْل) ب ْعد إِجي ٍ
اب".
ذكر هنا كم حرف من أحرف العطف؟ ثالثة أحرف :ذكر (ال) ،وذكر (لكن) ،وذكر (بل)
وضغط معانيها.
نفي فمعناها مجي اعا ر ُّد اخلطأ يف حك ٍم ما ،خطأ تريد أن
أما (ال) وكذلك (لكن) و(بل) بعد ٍّ
صححه فتستعمل العطف بــ (ال) ،أو بـ (لكن) ،أو بـ (بل) ،ونأخذها واحد اة
تر ُّده وأن ت ي
واحدة.
الشيخ /سليمان العيوني 519
ونبدأ بـ (ال)( :ال) كَم ذكر ابن هشام ال تقع إال بعد إجياب؛ يعني ال تقع بعد نفي أو هني ،ال
تقع إال بعد إجياب ،كأن تقول ا
مثال( :ك ْل تفاح اة ال برتقالة) طيب ماذا تفيد؟ تفيد إثبات احلكم
ملا قبلها.
طيب والذي بعدها؟ قد تنفي احلكم عنه ،وقد ال تنفي احلكم عنه ،إذن فالذي قبل (ال) يثبت
دائَم ،والذي بعد (ال) قد ينفى احلكم عنه وقد ال ينفى بحسب املعنى.
له احلكم ا
املثال واحد( :قرأت النحو ال البالغة) ما معنى قوهلم( :قرأت النحو ال البالغة)؟ ما قبل
(ال) وهو النحو نثبت له القراءة ،خالص قرأت النحو وهذا أكيد ،انتهينا منه ،طيب ما بعد
(ال) وهو البالغة تنفي القراءة عنها أو ال تنفى؟ قد تنفي وقد ال تنفي بحسب املعنى.
فإذا قال لك قائل( :هل قرأت النحو أم البالغة؟) فقلت( :قرأت النحو ال البالغة) فالبالغة
هنا منفي عنها القراءة وال غري منفي عنها؟ هنا منفي( ،هل قرأت النحو أم قرأت البالغة؟)
قال( :قرأت النحو ال البالغة) خالص أثبتت القراءة للنحو ونفيته عن البالغة.
إذن فـ (ال) تثبت احلكم ملا قبلها مطل اقا ،والذي بعدها بحسب املعنى قد تنفيه وقد ال تنفيه.
وأما (لكن) فـ (لكن) ال تكون إال بعد النفي والنهي ،ال تكون بعد اإلجياب( ،ال تأكل تفاح اة
لكن برتقال اة) هذا هني( ،ما أكلت تفاح اة لكن برتقال اة) هذا نفي.
520 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
طيب :ما معناها؟ تفيد نفي احلكم عَم قبلها وإثباته ملا بعدها ،هذا واضح ،نحو( :ما جاء زيدٌ
عمرا) إذن أهنى عن لكن خالدٌ ) نفت احلكم عَم قبلها وأثبتته ملا بعدها( ،ال ت ِ
كرم زيدا ا لكن ا
األول وأثبته للثان.
أيضا
ثم نأيت إىل (بل) احلرف الثالث( :بل) يف كالم ابن هشام أهنا تأيت بعد اإلجياب ،وتأيت ا
بعد النفي والنهي؛
-فإن كانت بعد النفي والنهي فتفيد إثبات احلكم ملا بعدها ،ونفيه عَم قبلها؛ يعني عكس
(لكن) ،نحو( :ما جاء زيدٌ بل خالدٌ ) أثبتت املجيء ملا بعدها ونفته عَم قبلها.
-وإذا كانت بعد إجياب فتفيد احلكم ملا بعدها ،وتفيد السكوت عَم قبلها ،نحو( :جاء زيدٌ
بل خالدٌ ) (جاء زيدٌ ) هذا إجياب أو نفي؟ إجياب (جاء زيدٌ بل خالدٌ ) أثبتت احلكم ملا بعدها؛
(بل خالدٌ ) ،طيب :والذي قبلها؟ أرضبت عنه ،فلهذا يقول :معناها اإلرضاب ،أرضبت عنه
مثال أو ال هيمك أمره ا
أصال جاء أو ما جاء ،وإنَم الذي هيمك ما بعد يعني سكتت عنه ،أخطأت ا
(بل).
(جاء زيدٌ بل خالدٌ ) أثبتت املجيء خلالد وزيد سكتت عنه ال هيمك أمه ،قد يكون غري ٍ
جاء
مسكوت عنه ،فلهذا (بل) هي
ٌ فنفيت املجيء عنه ،وقد يكون جاء لكن ال هيمك أمره ،فنقول:
لإلرضاب ،اإلرضاب:
-وقد يكون إرضاب يدل عىل نفي احلكم عَم قبلها وذلك بعد النفي والنهي.
الشيخ /سليمان العيوني 521
ليبق لنا التابع اخلامس وهو األخري وهو :البدل ،قال ابن هشام:
اسط ٍة".
"وا ْلبدل ،وهو تابع م ْقصود بِاحل ْك ِم بِال و ِ
ٌ ٌ
البدل سبق َشحه يف َشح املبتدئني ،وَشحناها هناك بَم يكفي ،إال أن ابن هشام يف التعريف
خرج عطف النسق ،فإن املعطوف عطف نسق؛ كـ (جاء ُممدٌ اسط ٍة) لي ِ
زاد عبارة( :بِال و ِ
وخالدٌ ) مقصود أم غري مقصود؟ مقصود( ،جاء ُممد وخالد) يعني ُممد جاء وخالد جاء،
كالمها مقصود بالفعل باملجيء ،كالمها مقصود ،لكن القصد هنا حدث بواسطة حرف
اسط ٍة).
العطف ،عطف النسق؛ فلهذا قال( :م ْقصود بِاحل ْك ِم بِال و ِ
ٌ
ثم إن ابن هشام -ر ِمحه اَّلل -ذكر أنواع البدل قال:
ض ن ْحو﴿ :م ِن"وهو ِس َّت ٌة :بدل ك ٍّل ن ْحو﴿ :مفازا ا * حدائِق [النبأ ]32-31 :وب ْع ٍ
ط ونِ ْسي ٍ
ان اب وغل ٍال فِ ِيه [البقرة ]217:وإِ ْرض ٍ استطاع [آل عمران ]97:و ْاشتَِم ٍل نحوِ :
﴿قت ٍ ْ ْ
األو ِل ب ق ْص ِد األ َّو ِل وال َّث ِان ،أ ِو ال َّث ِان وس ْب ِق ال يلس ِ
ان ،أ ِو َّ ار) بِحس ِن ْحو( :تصدَّ ْقت بِ ِد ْره ٍم ِدين ٍ
ني اخلطأِ".
وتب ُّ ِ
-بدل ٍّ
كل من كل ،أو يسمى البدل املطابق.
ٍ
بعض من كل. -وبدل
-والقسم الرابع :وهو بدل الغلط إال أن ابن هشا ٍم هنا َّ
فصله فجعله ثالثة أنواع ،فلهذا
صارت أقسام البدل عنده ستة.
522 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
وهذا من زيادة التفصيل يف املعنى املقصود ون َّية املتك يلم ،وإال فإن اجلميع يطلق عليها بدل
غلط ،فبدل الغلط جعله ابن هشام ثالثة أنواع.
ومثاهلا واحد؛ كأن تقول( :أريد قلَم دفرتا) ،أو (تصدَّ قت بدره ٍم ٍ
دينار) إال أن البدلية هنا قد ا ا
تكون بدل إرضاب ،أو بدل غلط ،أو بدل نسيان.
دفرتا)
والنوع الثان :بدل الغلط وهذا كَم يقول :سبق لسان ،قلت :أردت أن تقول( :أريد ا
قلَم
دفرتا ،فصار جمموع الكالم (أريد ا فسبق لسانك غل اطا فقلت( :أريد ا
قلَم) ثم صححت ا
قلَم مل يكن مقصو ادا ،وإنَم سبق لسانك إليه فيسمى بدل غلط ،وبدل الغلط كَم
دفرتا) فقولك :ا
ا
ترون يكون بسبب اخلطأ يف اللسان.
وبدل النسيان :وذلك إذا كنت تريد األول ولكنك ذكرته نسياناا ،أنت تريد دفرت لكنك
قلَم ،أنت هنا ما أخطأ لسانك ،وإنَم أخطأ قلبك
قلَم) ،وعندما قلت :أريد ا
نسيت فقلت( :أريد ا
دفرتا ،فاخلطأ هنا يف القلب.
صححت فقلت :ا
قلَم ،ثم َّ
نيس ،فرتيد ا
الشيخ /سليمان العيوني 523
فكَم ترون هذه التقسيَمت هي زيادة تفصيل وبيان لبدل الغلط الذي يطلق عليه عند ٍ
كثري من
العلَمء بدل غلط؛ فهذا ما يتع َّلق بالبدل ،وبه ننتهي من الكالم عىل التوابع اخلمسة:
.1النعت.
.2والتوكيد.
.3وعطف البيان.
.4وعطف النسق.
.5والبدل.
لينتقل ابن هشام بعد ذلك إىل الكالم عىل بعض األحكام النحوية املتفرقة التي ذكرها يف
والتعجب ،والوقف ،ثم ختم الكتاب
ُّ آخر كتاب [قطر الندى] وهي :العدد ،وموانع الرصف،
بمسألتني من مسائل اإلمالء ،ومها :كتابة األلف املتطرفة ،ومهزة الوصل.
فلهذا ننتقل مع ابن هشام إىل الكالم عىل [باب العدد] ،فقال -ر ِمحه اَّلل تعاىل:-
نحو﴿ :س ْبع لي ٍ ِ ِ ٍ ِ ٍ ِ
ال باب :العدد م ْن ثالثة إىل ت ْسعة يؤنَّث مع امل َّذك ِر ويذكَّر مع املؤنَّث دائ اَمْ ،" ٌ
اع ٌل كثالِ ٍ
ث وراب ٍع وثَمنِية أيا ٍم [احلاقة .]7:وكذلِك الع ْرشة إِ ْن مل تركَّب ،وما دون ال َّثالث ِة ،وف ِ
ْ َّ
ائَم". ِ
عىل القياس د ا
فاألعداد وكل ٍ
لغة ال ختلو من األعداد ،واألعداد يف اللغة العربية أنواع ،ونبدأ من أوهلا :وهو
الواحد عند مجهور العلَمء ،فال يروا أن الصفر عد ادا؛ ألن الصفر خلو ،وبعضهم جيعله عد ادا،
خلو ال عدد.
لكن الصواب أنه ٌّ
وأخريا :املئة واأللف ويف حكمها ما ع يرب بعض ذلك؛ كامليلون واملليار إىل آخره.
ا -
سواء كان مفر ادا ،أم كان مر َّك ابا ،أم كان متعاط افا.
ٌ دائَم
فالواحد يوافق ا
سواء أكانت يف العدد املفرد أم
ٌ وأما الثالثة إىل التسعة فهذه ختالف املعدود مطل اقا؛ يعني
كانت يف املركَّب ،أم كانت يف املعطوف.
رجال) ،ويف النساء( :جاءت مخس ٍ
نساء). ٍ فتقول يف الرجال( :جاء مخسة
وأما العرشة :فهي التي فيها تفصيل ،فهي ختالف مفرده وتوافق مركَّبه؛
-إذا كانت مفردة فكالثالثة إىل التسعة ختالف ،تقول( :جاء عرشة رجال) ،و(جاءت
عرش نساء) ختالف.
-وإذا كانت مركَّبة فينعكس حكمها فتوافق ،فتقول( :جاء مخسة عرش ا
رجال) عرش
مثل ا
رجال مذكر ،وتقول( :جاءت مخس عرشة امرأةا) عرشة مثل امرأ اة توافق.
بقية األعداد؛ يعني ألفاظ العقود :عرشون ،ثالثون إىل تسعني ،وكذلك املائة ،واأللف ،هذه
ال تتأثر باملعدود ،تلزم لفظها ،تقول( :جاء عرشون ا
رجال) ،و(جاءت عرشون امرأةا) ،و(جاء
ٍ
امرأة) وهكذا. ٍ
رجل) ،و(جاءت مئة مئة
-أو أهنا توافق املعدود يف التذكري والتأنيث ،وذلك يف الواحد واالثنني ،ويف العرشة
املركَّبة.
يبقى فقط من الثالثة إىل التسعة ،وكذلك العرشة املفردة هذه ختالف املعدود ،هذه حتتاج إىل
كالم:
526 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
-تؤنَّث مع املذكَّر ،يكون فيها تاء التأنيث؛ (ثالثة رجال)( ،مخسة كتب).
-وتذكَّر مع املؤنَّث ،تذكَّر يعني حتذف منها التاء ،تقول( :مخس نساء) ،و(تسع
َّ
جمالت).
موافق للقياس؟
ٌ ٌ
خمالف للقياس كَم أشار إليه ابن هشام أم السؤال :هل هذا
يذكر النحويني أن هذا موافق ٌة من العرب للقياس ،وليس خمالف اة للقياس ،وذلك أن أسَمء
األعداد يف األصل فيها تاء؛ فالعدد الذي بعد اثنني ما اسمه؟ ثالثة أم ثالث؟ ال اسمه ثالثة،
والذي بعده اسمه أربعة ،فاألعداد يف األصل أسَمءها بتاء؛ ثالثة ،أربعة ،مخسة ،ستة.
فعندما استعملتها العرب مع املذكَّر أعطت األصل أصل ،أبقت األعداد عىل ألفاظها عىل
ٍ
رجال) فلَم جاءت إىل املؤنث أرادت أن جتعل له عالم اة شكلها األصيل بالتاء مع املذكر (مخسة
مت ييزه وال تستطيع أن تأيت بتاء التأنيث ،بأن العدد يف أصله بتاء تأنيث فحذفت التاء لتمييز
املعدود وبيان أنه مؤنَّث.
إذن فالعرب يف ذلك أخذوا باألصل والقياس ،جعلوا األصل وهو أن أسَمء األعداد بالتاء
لألصل وهو املذكَّر ،فلَم انتقلوا إىل التأنيث حذفوا التاء لتمييزه.
هذا يسمى العدد املصوغ عىل وزن (فاعل) ،األعداد إذا جاءت عىل أسَمئها فهي :واحد،
اسَم عىل وزن (فاعل)،
اثنان ،ثالثة ،أربعة ،مخسة ،إىل عرشة ،إىل مئة ،إىل ألف ،وقد تصوغ منها ا
اسَم عىل العدد نم غت فتقول :من الثالثة ثالث ،ومن السبعة سابع ،ومن العرشة عاَش ،فإذا ِ
ص
ا
الشيخ /سليمان العيوني 527
تقول( :قرأت الكتاب اخلامس) ،و(قرأت املج َّلة اخلامسة)( ،هذه املدرسة التاسعة) ،و(هذا
البيت الرابع) فيطابق املعدود يف التذكري والتأنيث كبقية األوصاف.
ثم إن اسم الفاعل املشتق من الفعل له يف العربية كَم ذكر ابن هشام أربعة استعَمالت:
االستعَمل األول :أن يكون مفر ادا نحو( :البيت الثالث)( ،املدرسة الثالثة) ،ومعناه الداللة
عىل الرتتيب ،الثالث يعني الذي بعد الثان وقبل الرابع ،الداللة عىل الرتتيب.
تقول( :أنا ثالث ثالثة) يعني واحدٌ من ثالثة﴿ ،إِ ْذ أ ْخرجه ا َّل ِذين كفروا ث ِان
ني [التوبة ]40:ليس هو األول وال هو الثان؛ يعني هو أحدمها﴿ ،لقدْ كفر ا َّل ِذين قالوا إِ َّن
ا ْثن ْ ِ
فقد ذكر ابن هشا ٍم -ر ِمحه اَّلل تعاىل -أن املصوغ من العدد عىل (فاعل)؛ كثالث ،ورابع،
وعاَش له أربعة استعَمالت:
األول :أن يستعمل مفر ادا كـ (البيت الثالث) ،و(املدرسة التاسعة) ،فهذا يدل عىل الرتتيب.
االستعَمل الثان :أن يضاف ملا اشتُّق منه؛ كقولك( :ثالث ثالثة) ،و(خامس مخسة) فهذا يدل
عىل أنه واحدٌ من هذه املجموعة دون ترتيب ،كَم يف قوله تعاىل﴿ :لقدْ كفر ا َّل ِذين قالوا إِ َّن ا َّ
َّلل
ثالِث ثالث ٍة [املائدة]73:؛ أي واحدٌ من ثالثة.
ٍ
ثالثة)، واالستعَمل الثالث :أن يضاف إىل ما حتته من العدد ،فيقال( :ثالث اثنني) ،و(رابع
صريه بنفسه قد زادوا واحدا ا ،فإذا كانوا ثالثة ثم ٍ
و(تاسع ثَمنية) ومعناها التصيري ،يعني أنه َّ
جعلهم أربعة يقول( :أنا رابع ٍ
ثالثة)؛ يعني أنا الذي جعلت الثالثة أربعة.
ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :ما يكون ِم ْن ن ْجوى ثالث ٍة إِ َّال هو رابِعه ْم وال مخْس ٍة إِ َّال هو
س ِ
ادسه ْم [املجادلة.]7:
واالستعَمل الرابع -وهو األخري :-أن ِ
ينصب العدد ما دونه؛ أي ينصب هذا املصوغ عىل
(تاسع
ٌ (رابع ثالث اة) ،أو
ٌ ٌ
(ثالث اثنني) ،أو وزن (فاعل) أن ينصب العدد الذي دونه؛ كقولك:
ثَمني اة) ،ومعناه التصيري ا
أيضا.
الشيخ /سليمان العيوني 529
رابع ثالث اة) يعني أنا الذي جعلت الثالثة أربع اة،
فإذا كانوا ثالثة ثم جعلتهم أربعة تقول( :أنا ٌ
وهذا املعنى له استعَمالن؛ ألن ثالث ورابع (فاعل) من العدد يأخذ اسم الفاعل الذي جيوز أن
تعمله؛
لننتقل إىل الباب التايل وهو[ :باب موانع الرصف] فقد ذكرها ابن هشام وهو من
األبواب الطويلة فقال:
ِ ِ ِ
االس ِم ت ْسع ٌة ْ
جيمعها: رصف ْ "موانع ْ
عدْ ٌل وو ْصف اجل ْمـ ِع ِز ْد ت ْأنِيثـا ـب ع ْجم ـ ٌة ت ْع ِريفهــا وزْ ن املركـ ِ
اجد اهيم ،وعمر ،وأخر ،وأحاد وم ْو ِحد إِىل األ ْربع ِة ،ومس ِ ك ،وإِبر ِ
ْ كأ ْمحد ،وأ ْمحر ،وب ْعلب َّ
يث واجل ْمع ودنانِري ،وس َّلَمن وسكْران ،وفاطِمة وط ْلحة وزينب ،وس ْلمى وصحراء ،فألِف الت َّْأنِ ِ
ْ ْ
املنعِ ،والبو ِاقي ال بدَّ ِم ْن جمامع ِة ك يل ِع َّل ٍة ِمنْه َّن
اآلحاد ك يل ِمنْهَم ي ْستأثِر بِ ْ
ِ ا َّل ِذي ال نظِري له يف
لصف ِة أ ِو العل ِم َّي ِة".ِ
ل ي
َشط الع ْجم ِة علِ ِم َّي ٌة ِيف العج ِم َّي ِة و ِزياد ٌة ِ ِ ِ
يب والتَّأنيث والع ْجمة ،و ْ الرتكِ ِ
وتتع َّني العل ِم َّي ِة مع َّْ
ب) بِم ْعنى ان ،وأ ْرم ٌل ،وص ْفو ٌ عىل ال َّثالث ِة ،والصف ِة أصالتها وعدم قب ِ
ان ،وأ ْرن ٌ وهلا التَّاء ،فـ(ع ْري ٌ ي
ف (ز ْينب وسقر وب ْلخ) ،وكـ (عمر) خال ِ ان بِ ِ
يل منْرصف ٌة ،وجيوز يف ن ْح ِو ( ِهن ٍْد) و ْجه ِ اس وذلِ ٍ ق ٍ
530 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ذكر ابن هشام موانع الرصف التي متنع االسم من الرصف؛ ألن األصل يف االسم الرصف،
يعني التنوين ،فلهذا يذكرون التنوين من خصائص األسَمء ،ويقولون :زينة األسَمء التنوين؛
نون ساكنة تلحق آخر االسم ،ومعلوم أن النون من األصوات اجلميلة.
ألنه ٌ
ا
فإمجاال: ا
تفصيال؛ اسَم ،نذكرها إمج ااال ثم
وجممل األسَمء املمنوعة من الرصف أحد عرش ا
األول :االسم املختوم بألف التأنيث.
اخلالصة فيها :أنألف التأنيث وصيغتا منتهى اجلموع ،هتان الع َّلتان متنعان كل اس ٍم لع َّل ٍة
واحدة:
كل اس ٍم فيه ألف تأنيث أو عىل صيغة منتهى اجلموع يمنع من الرصف ،وهي ال حيتاج معها
علَم ،أو كان وص افا ،أو كان غري ذلك.
سواء كان ا
ا إىل ع َّل ٍة أخرى؛ يعني متنع كل اسم
وأما الرتكيب والتأنيث والعجمة :هذه الثالثة فتمنع العلم ،العلم إذا كان مؤن اثا أو أعجم ًيا،
أيضا من الرصف.
أو مر َّك ابا تركي ابا مزج ًيا فإنه يمنع ا
ووزن الفعل والعدل وزيادة ٍ
ألف ونون :متنع العلم ومتنع الوصف ،فهذه الثالثة األخرية
أيضا ومتنع الوصف ،فالعلم وهي :وزن الفعل ،والعدل ،وزيادة األلف والنون ،متنع العلم ا
والوصف إذا كانا معدولني ،أو كانا ٍ
يألف ونون زائدتني ،أو كانا عىل وزن الفعل فإهنَم يمنعان
من الرصف.
■ نبدأ باالسم األول املمنوع من الرصف :وهو االسم املختوم بألف تأنيثُّ :
فكل اس ٍم خمتوم
بألف تأنيث فإنه يمنع من الرصف عل اَم كان أو وص افا ،أو غري ذلك ،مذك اَّرا أو مؤ َّن اثا ،معرف اة أو
نكرةا؛
رأيتم أن ألف التأنيث متنع املفرد واجلمع ،واملذكَّر واملؤنَّث ،واملعرفة والنكرة ،متنع كل اس ٍم
هلذه الع َّلة فقط.
ومما جيب التنبيه إليه :أن ألف التأنيث ال تكون إال زائدة ،ال يمكن أن تكون من حروف
الكلمة ،وذلك بأن تكون منقلب اة عن واو ،أو منقلب اة عن ياء؛ ا
فمثال( :اهلدى) األلف يف آخر
اهلدى ليست للتأنيث؛ ألهنا من الكلمة ،ألهنا من (هدى هيدي) منقلبة عن الياء ،فلهذا ال جتد
جمردة عن الزوائد؛ يعني كل حروفها
ألف التأنيث يف ثالثي أبدا ا؛ ألن الكلمة الثالثية كلها َّ
صور ألف التأنيث إال يف الرباعي فَم أكثر ،إذا مل تكن منقلبة عن واو أو ياء؛
أصلية .إذن ال ي َّ
فــ (محراء) اهلمزة هنا زائدة؛ ألهنا ليست يف أمحر ،احلروف األصلية :احلاء ،وامليم ،والراء،
فاهلمزة زائدة تأنيث.
لكن لو قلنا( :مسعى) هذه من (سعى يسعى سع ًيا) ،إذن فاأللف من الكلمة؛ ألهنا موجود
األلف يف الفعل (سعى يسعى وسع ًيا) ياء ،فــ (مسعى) األلف هنا ليست للتأنيث ،بل هي
ِ
ينرصف مس اعى. منقلبة عن الياء يف (سعى يسعى سع ًيا) فلهذا
و(مرمى) ألف تأنيث أو ليست للتأنيث؟ ال من (رمى يرمي) هذه منقلبة عن ياء ،إذن
(مرمى).
(مرمى) مرصوفة وال غري مرصوفة؟ مرصوفة ا
لكن (سلمى) هذه من (سلِم) إذن األلف زائدة ،هذه تأنيث ،والتاء متنع من الرصف.
إذن فألف التأنيث ال تكون إال زائدة ،فال بدَّ أن ننتبه إىل أن األلف ألف تأنيث التي متنع من
الرصف ،أما إذا مل تكن ألف تأنيث فإهنا ال متنع من الرصف ،بل يبقى االسم عىل أصل األسَمء
وهو الرصف.
■ واالسم املمنوع من الرصف الثان :الذي عىل صيغة منتهى اجلموع ،واملراد بصيغ منتهى
اجلموع :وزن (مفاعل ،ومفاعيل) وشبههَم .يعني:
-مجع ثالثه ألف ،وبعد األلف حرفان أوهلَم مكسور كـ (مساجد ،ومنابر).
-أو بعد األلف ثالثة أحرف :األول مكسور وبعده ياء ماد َّية كـ (مناديل ،ومصابيح).
هذا املراد بصيغ منتهى اجلمع كـ (مفاعل ،ومفاعيل) ،و(أفاعل ،وأفاعيل) ،و(فواعل،
وفواعيل) ،وما إىل ذلك وهي كثرية ،مثل( :مساجد ،ومنابر ،ومصانع ،وأوائل ،ودفاتر،
وأكابر ،ودنانري ،ومناديل ،وعصافري ،وأساليب) فهذه كلها ممنوعة من الرصف؛ ألهنا عىل
صيغة منتهى اجلموع.
هذان يمنعان من الرصف لع َّل ٍة واحدة ،كل اس ٍم فيه ألف تأنيث يمنع من الرصف هلذه الع َّلة،
ما حيتاج إىل ع َّلة أخرى ،وكل اس ٍم عىل صيغة منتهى اجلموع يمنع هلذه الع َّلة ال حيتاج إىل ع َّل ٍة
اآلحاد ك يل ِمنْهَم
ِ يث واجل ْمع ا َّل ِذي ال نظِري له يف
أخرى ،وهذا قول ابن هشام( :فألِف الت َّْأنِ ِ
املن ِع) يعني ال حيتاج إىل ع َّل ٍة أخرى جتامعه لكي متنع االسم من الرصف. ي ْستأثِر بِ ْ
■ االسم الثالث الذي يمنع من الرصف :العلم املركَّب تركي ابا مزج ًيا غري املختوم بـ (ويه)،
ِ
ومعدكرب) فهذه مركَّبة من كلمتني( ،بعلبك) :من (بعل، نحو( :بعلبك ،وحرضموت،
(ومعدكرب) :من (معدي) ،ومن ِ
(كرب) ثم ِ وبك) ،و(حرضموت) :من (حرض وموت)،
534 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
مزجنا الكلمتني بحيث يكونان يف حكم الكلمة الواحدة ،هذا مركَّب تركيب مزجي ،وهو مما
يمنع من الرصف.
ِ
ينرصف، وحكمه أن جزئه األول يبنى عىل الفتح ،والثان يقع عليه اإلعراب إعراب ما ال
فتقول يف (بعل) ويف (بك)( :بعلبك)( ،هذه بعلبك) ،و(زرت بعلبك) ،و(ذهبت إىل بعلبك)
ِ
ينرصف. فاألول :يبنى عىل الفتح ،والثان يقع عليه اإلعراب لكن إعراب ما ال
■ واالسم املمنوع من الرصف الرابع :العلم املؤنث باستثناء الثالثي الساكن الوسط ،مؤنث
مثل( :فاطمة ،وخدجية) ،ومثل( :زينب ،سعاد) ،ومثل( :هبة) ،ومثل( :مكَّة) هذه كلها ممنوع
من الرصف للعلمية والتأنيث.
الشيخ /سليمان العيوني 535
خال ِ
ف (ز ْينب وسقر وب ْلخ) يعني أن املؤنث ان بِ ِ
قال ابن هشام( :وجيوز يف ن ْح ِو ( ِهن ٍْد) و ْجه ِ
ثالثي عرِب ساكن الوسط جيوز فيه الرصف ومنع الرصف ،تقول( :هندٌ وهند) (جاءت
هندٌ ،وجاءت هند) ،قال الشاعر:
أما املؤنَّث غري الثالثي :فهذا ممنوع مطل اقا؛ كـ (سعاد وزينب).
■ واالسم اخلامس املمنوع من الرصف :هو العلم األعجمي باستثناء الثالثي املذكَّر مطل اقا،
العلم األعجمي؛ كـ (إلبراهيم ،وإسَمعيل ،وإسحاق ،ويعقوب ،وجورج ،ولندن ،وباريس)
وهكذا.
ٍ
ولوط ،وبوشن ،وشت ٍل) فهذه أما الثالثي املذكر األعجمي فهو منرصف مطل اقا؛ كـ (نوحٍ ،
مرصوفة؛ أي ال جيوز فيها وجهان كالعلم املؤنث ،ال هذه مرصوفة.
ِ
منرصف. -العلم األعجمي إذا كان ثالثي
ِ
منرصف. أيضا
-والعلم األعجمي إذا مل يكن عل اَم يف لغته وإنَم صار عل اَم بعد ذلك ا
ٍ
ونون زائدتني، ٍ
بألف ■ واالسم السادس من األسَمء املمنوعة من الرصف :العلم املختوم
اسَم للرجل.
اسَم للشهر ،أو ا
نحو( :سلَمن ،ومروان ،وعثَمن ،ورمضان) شهر رمضان ،رمضان ا
ٍ
وغليان) فهَم مرصوفان؛ ألهنا ليسا بعلمني ،هذا مصدرين (دار ،يدور، ٍ
(دوران، بخالف:
دوراناا).
أيضا ال يمنعان
وبخالف( :ضَمن وبيان) لو س يمي هبَم رجالن ،لو صارا علمني عىل رجلني ا
ِ
(ضمن وبان) وليست زائدة. من الرصف؛ ألن النون أصلية من
الشيخ /سليمان العيوني 537
■ واالسم السابع املمنوع من الرصف :العلم املعدول ،ما معنى معدول؟ يعني العلم
ٍ
صيغة أخرى مع بقاء املعنى ،العرب عدلوا بعض األسَمء من صيغتها ٍ
صيغة إىل املعدول من
ٍ
صيغة أخرى مع بقاء املعنى ،املعنى واحد لكن عدلوها لسبب من األسباب. األصلية إىل
ٍ
صيغة إىل صيغة واملعنى واحد يراد هبا أربعة أشياء -انتبهوا لذلك:- واألعالم املعدولة من
األول من األعالم املعدولة :العلم املذكر الذي عىل وزن (فع ْل) فإن العرب عدلت بعض
و(زافرا إىل زفر) واملعنى
ا (عامرا إىل عمر)،
ا األسَمء التي عىل وزن (فاعل) إىل (فعل) ،كَم عدلوا
واحد.
وهذه األعالم املعدولة إىل (فع ْل) هي أعالم ُمصورة قرابة أربعة عرش ا
علَم ،نحو( :عمر،
وهبل) علم الصنم( ،وزفر ،وزحل ،وجحا ،ومجح ،ومرض ،وجشم ،وقزح ،ودلف ،وقثم،
وثعل) فهذه معدولة عن فاعل فلهذا منِعت من الرصف.
أما لو مجعت (عمر اة وعمر اة وعمرةا) عىل (عمر) فهذا مرصوف؛ ألنه ليس بعلم ،وليس
ا
معدوال عن (عامر) ،وإنَم مجع (عمرة).
ا
معدوال، أيضا مرصوف؛ ألنه ليس
وكذلك (نغر) اسم الطائر( ،رصد) اسم الطائر هذا ا
فلهذا حرصوها يف هذه األسَمء.
والثان من األعالم املعدول :العلم املؤنث عىل وزن (فعايل) عند بني متيم ،العلم املؤنث إذا
كان عىل وزن (فعال) عندي بني متيم ،وهذا سبق يف أول القطر وتك َّلمنا عليه ،فالعلم املؤنث
عىل وزن (فِعال) مثل( :حذامي ،وقطامي ،وسجاحي)؛
فاحلجازيون يبنونه عىل الكرس مطل اقا؛ (قالت حذامي ،ورأيت حذامي).
538 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
دائَم.
-فاحلجازيون يبنونه عىل الكرس ا
-وبنو متيم هم الذين يمنعونه من الرصف.
فـ (حذامي) عند احلجازيني مبني عىل الكرس ،وعند التميميني ممنوع من الرصف ،تقول:
(جاءت حذام اليوم) ،و(رأيت حذام اليوم) ،و(س َّلمت عىل حذا ِم اليوم).
فإذا منِع من الرصف عند التميميني فَم مانعه من الرصف؟ ملاذا منِع من الرصف؟ ألنه عل ٌم
أيضا من (فاعل) ،واألظهر أنه ممنوع من الرصف عندهم؛ معدول ،قالوا :إن (فعال) هنا ع ِدل ا
ألنه عل ٌم مؤنث ،هو ممنوع من الرصف عىل كل حال عندهم ،ولكن اخلالف يف ع َّلة املنع من
الرصف.
إذا أريد هبا املايض مطل اقا دون تعيني فهي معربة اتفا اقا ،كـ (كنَّا أعزَّ اة ا
أمسا).
-وإن كان لليوم الذي قبل يومك ،اليوم السابق ليومك ففيه تفصيل عن العرب؛
ِ
أمس) هذا ظرف زمان وهو فمبني عىل الكرس اتفا اقا؛ (زرته
ٌّ -فإن كان ظرف زمان
مبني عىل الكرس عند مجيع العرب.
ِ
(أمس أحسن من اليوم) هذا مبتدأ ما دائَم ،يقولون:
-فاحلجازيون يبنونه عىل الكرس ا
ِ
أمس) مفعول به ،ويبنوه عىل حب ِ
أمس بَم فيه) فاعل ،أو (أ ُّ هو بظرف ،أو (مىض
دائَم.
الكرس ا
-وأما بنو متيم فهم الذين يمنعونه من الرصف ،وأكثرهم يمنعه من الرصف يف الرفع،
أيضا ،فتقول بنو متيم( :مىض أمس بَم فيه)
وأما يف النصب واجلر فيبنونه عىل الكرس ا
فريفعون؛ ألنه فاعل ،لكن يمنعون من الرصف.
وإذا قلت( :اجعلوا لقاءاتكم سح ارا) يعني اجعلوها يف األسحار ال تريد سح ارا معيناا،
(اجعلوا لقاءاتكم سح ارا) فهذا معني وال غري معني؟ غري معني فهو معرب اتفا اقا مرصوف،
فهو مرصوف اتفا اقا.
ٍ
سحر من األسحار. ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :ن َّج ْيناه ْم بِسح ٍر [القمر ]34:يعني نجيناهم يف
فتعرف أنني زرته متى؟ سحر البارحة، مثال( :زرت ُممد سحر يا خالد) ِ فلهذا لو قلت لك ا
عني ،وهذه ٍ
لكن لو قلت( :زرت ُممدا ا سح ارا) يعني زرته يف آخر الليل يف ليلة من الليايل ومل أ ي
من د َّقة العربية أرادوا أن يب يينوا ويدققوا يف املعنى دون زيادة كالم ،بدل أن يقولوا( :زرته سحر
سحرا) وخالص يعني البارحة القريبة ،أما إذا مل تريد ذلك فت ينون
ا البارحة القريبة) قالوا( :زرته
ِ
وترصف.
وهذا قول ابن هشام( :وسحر ِعنْد اجل ِمي ِع إِ ْن كان ظ ْر افا مل ِع َّ ٍ
ني) فذكرنا إىل اآلن سبعة أسَمء
من األسَمء املمنوعة من الرصف.
ِ
الفعل، ■ لنذكر االسم الثامن من األسَمء املمنوعة من الرصف :وهو العلم الذي عىل وزن
وزن خاص من أوزان الفعل ،أو عىل ٍ
وزن غالب من أوزان الفعل، ويراد به العلم الذي عىل ٍ
فاللغة العربية فيها أوزان كثرية؛ يف أوزان خاصة باألسَمء ،ويف أوزان خاصة باألفعال ،ويف
أوزان مشرتكة تأيت يف األسَمء وتأيت يف األفعال.
فمثال :وزن (يفعل ،أو ِ
يفعل ،أو يفعل ،ويفعلون ،أو تفعلون ،أو ف َّعل) هذه أوزان ا -
خاصة بالفعل ،ما أسَمء عىل هذه األوزان.
مثال :وزن (فعلل) كـ (فرزدق) هذا اسم خاص به ،أو (فعلِل) هذه
ومثال :لو قلنا ا
ا -
أوزان خاصة باالسم ال تأيت بالفعل.
الشيخ /سليمان العيوني 541
-لكن ا
مثال وزن (فعل) هذا فيه أفعال مثل( :ذهب ،وجلس) ويف أسَمء مثل( :قمر،
وجبل) هذا مشرتك.
ٍ
غالبة باألفعال ،هذه متنع ٍ
خاصة باألفعال ،أو أوزان ٍ
أوزان طيب :يراد األسَمء التي تأيت عىل
من الرصف ،لكن لو جاء االسم عىل ٍ
وزن مشرتك ،هذا يبقى عىل األصل مرصو افا ،وأغلب ما
يكون ذلك يف األسَمء املنقولة من األفعال.
ٍ
حينئذ؛ كــ (يزيد ،أو علَم فانقلب إىل اسم ،لكن يمنع من الرصف وجعلته نقلته ل)ع(ف ِ
ا
شمر) فهذه ممنوعة من الرصف؛ ألهنا عىل وزن الفعل ،لكن ِ
يشكر ،أو تغلب ،أو أمحد ،أو َّ
ِ
وغادر) ،ويأيت يف األسَمء (حكم ،أو صالح ،فاعل) هذا يأيت يف األفعال (فاعل) مثل( :سافِر،
وجالس) فهذا مرصوف.
ٌ (قائم،
ٌ مثل:
فذكرنا اآلن ثَمنية أسَمء من األسَمء املمنوعة من الرصف ،ثَمنية :اثنان يمنعان لع َّلة واحدة،
وستة علم جيامع ع َّل اة أخرى ،يبقى لنا ثالثة ،وهي :األوصاف التي جتامع ع َّل اة أخرى.
■ فننتقل إىل االسم التاسع من األسَمء املمنوعة من الرصف :وهو الوصف ،وزيادة ٍ
ألف
ونون زائدتني ،ويراد به الوصف الذي عىل وزن (ف ْعالن) فقط بخالف (فعالن) ،أو (فِعالن)،
أو (فعالن) ،أو أي وزن آخر ،هذه ال متنع من الرصف ،يراد بالوصف الذي عىل وزن الفعل؛
يعني الوصف الذي عىل وزن (ف ْعالن) نحو( :غضبان ،وسكران) برشطني:
األول :أال تكون الوصفية عارضة ،بل تكون الوصفية أصلية ،كيف تكون الوصفية
خالصا ،كان اسم لذات ،ثم جعلناه وص افا
ا اسَم
عارضة؟ عرضت له؛ يعني هو يف األصل كان ا
املؤول بمشتق كَم قلنا قبل قليل.
وصفنا به هذا اجلامد َّ
542 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ٍ
القاس ،احلجر القاس يسمى صفوان، يعني مثل كلمة (صفوان) ،الصفوان يف اللغة :احلجر
رجل صفوان)؛ يعني ٍ
قاس مثل احلجر ،فكلمة (صفوان) هل هي ثم صار ينعت به ،يقال( :هذا ٌ
يف األصل وصف ،أو يف األصل اسم والوصفية عرضت له؟ هذا اسم عرضت له الوصفية
فيبقى عىل رصفه ،تقول( :رأيت ا
رجال صفواناا).
والرشط الثان ملنع الوصف الذي عىل (ف ْعالن) من الرصف :أال يكون تأنيثه بالتاء ،أال يكون
ٌ
(رجل غضبان) ،واألنثى( :امرأ ٌة غضبى) هذا يمنع من مؤنَّثه بالتاء ،يعني مثل (غضبان)
الرصف( ،سكران وسكرى) يمنع من الرصف.
إذن فالوصف الذي عىل (ف ْعالن) يمنع برشط أن تكون وصفيته أصلية ال عارضة ،وأال
يكون مؤنثه بالتاء.
■ االسم العاَش من األسَمء املمنوعة من الرصف :الوصف الذي عىل وزن الفعل ،ويراد به
وزناا واحدا ا وهو( :أ ْفع ْل)؛ يعني الوصف الذي عىل وزن (أ ْفع ْل) ،مثل( :أكرب ،وأصغر،
وأحسن ،وأقبح) بالرشطني السابقني؛ يعني:
-أن تكون الوصفية أصلي اة ال عارضة ،مثل( :أكرب ،وأصغر ،وأحسن ،وأمجع) ،فإن كانت
الوصفية عارض اة؛ يعني يف األصل كانت اسم خالص ،ثم عرضت له الوصفية ،فهذا يبقى عىل
أصل األسَمء الرصف.
الشيخ /سليمان العيوني 543
وكذلك (أرنب) كلمة (أرنب) هذا اسم ذات ،ثم عرضت له الوصفية بمعنى ذليل أو
ذليل فيبقى مرصو افا؛ (رأيت ا
رجال أرن ابا). خائف أو ٌ
ٌ أرنب) يعني
رجل ٌخائف ( ٌ
-والرشط الثان :أال يكون تأنيثه بالتاء ،مثل( :أصغر وصغرى ،وأكرب وكربى) لكن لو كان
فأرمل مرصوف؛ ألن مؤنثه بالتاء ٌ تأنيثه بالتاء وهذا قليل فإنه يرصف ،مثل( :أرمل وأرملة)
(أرملة) ،وهذا قول ابن هشام( :والصف ِة -يعني وَشط الصفة -أصالتها وعدم قب ِ
وهلا التَّاء)؛ ي
وأرنب بمعنى قا ٍ
س وذليل) منرصف ٌة. ٌ وصفوان،
ٌ ٌ
وأرمل، (عريان،
ٌ فـ
اليشء األول :كلمة (أخر) كَم يف قوله تعاىل﴿ :ف ِعدَّ ٌة ِم ْن أ َّيا ٍم أخر [البقرة ]184:منِعت من
الرصف ،ملاذا؟ ألهنا معدولة ،طيب ع ِدلت عن ماذا؟ عن أي صيغة؟ ع ِدلت عن صيغة (آخر
أ ْفعل) ،قياس اسم التفضيل (آخر).
544 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
درسنا ذلك؛
وإن كان مضا افا إىل معرفة فيجوز فيه املطابقة وعدم املطابقة ،تقول( :أنتم أفضل
الرجال) ،و(أفاضل الرجال).
ِ
و(أنت أفضل وإن كان مضا افا إىل نكرة ِلزم اإلفراد والتذكري؛ (أنت أفضل رجل)،
ٍ
رجال). امرأة) ،و(أنتم أفضل
جمر ادا من ذلك ،ما فيه (أل) وال إضافة فيلزم اإلفراد والتذكري؛ كـ (ُممد
وإن كان َّ
أفضل من زيد) ،و(هندٌ أفضل من هند) ،و(النساء أفضل من غريهم) ،و(الرجال
أفضل من غريهم).
معرف بـ (أل) ال ،مضاف إىل نكرة ومعرفة طيب و(أخر) يف اآلية من أي هذه االستعَمالت؟ َّ
حينئذ أن يلزم اإلفراد والتذكري ،فيقال( :ف ِعدَّ ٌة ِم ْن
ٍ املجرد ،فقياسه
ال ،إذن فهو من النوع األول َّ
ِ
مضطرد أ َّيا ٍم آخر) يعني من أيا ٍم آخر من غريهن ،لكن ع ِدل يف كلمة (آخر) فقط إىل أخر ،وهذا
فيها فمنعوها من الرصف.
الشيخ /سليمان العيوني 545
واألمر الثان ،الوصف الثان الذي يدخل يف الوصف املعدول :صيغة (م ْفعل) و(فعال) من
العدد من الواحد إىل العرشة ،فيصيغون من الواحد عىل (م ْفعل) و(فعال) فيقولون( :موحد
وأحاد) ،ومن اثنني( :مثنى وثناء) ،ومن ثالثة( :مثلث وثالث) إىل العرشة( :م ْعرش وعشار).
واملعنى (ادخلوا ثالث ،أو ادخلوا مثلث) املعنى ادخلوا ثالث اة ثالث اة ،فعدلوا عن العدد
(ادخلوا ثالث اة ثالث اة) إىل (م ْفعل)( :ادخلوا م ْثلث) ،أو إىل (فعال)( :ادخلوا ثالث) فمنعوه من
الرصف.
والعدد املعدول إىل (م ْفعل) و(فعال) إعرابه ال خيرج غال ابا عن ثالثة أعاريب؛
فهذا ما يتع َّلق بموانع الرصف ،وعرفنا أهنا منحرصة يف أحد عرش ا
اسَم.
التعجب السَمعي ،وهذا له صيغٌ كثرية ،وبابه باب اللغة نحو( :كيف نجوت ُّ النوع األول:
ِ
من اللصوص؟!) ،وقوله تعاىل﴿ :ك ْيف تكْفرون بِاَّللَِّ [البقرة ،]28:وقوله -عل ْيه َّ
الصالة
ِ
فارسا) ،ويف قوهلم( :عج ابا
دره االسال ِم« :-س ْبحان اَّلل إِ َّن ا ْمل ْؤمن ال ينْجس» ،ويف قوهلمَّ( :لل ُّ
و َّ
لك!) وهكذا ،وهذا بابه اللغة كَم قلنا وليس النحو.
التعجب القيايس وهو الذي يعقد له هذا الباب لدراسة أساليبه وأحكامه ،وله
ُّ والنوع الثان:
صيغتان :ومها( :ما أفعلهِ ،
وأفعل به) سيذكرمها ابن هشام ،قال ابن هشام:
ِ "ال َّتع ُّجب له ِصيغت ِ
ان( :ما أ ْفعل ز ْيدا ا) ،وإِ ْعرابه( :ما) م ْبتد ٌأ بِم ْعنى يش ٌء عظ ٌ
يم ،و(أ ْفعل)
ول بِ ِه واجل ْملة خرب (ما)". اعله ض ِمري (ما) ،و(ز ْيدا ا) م ْفع ٌ
اض ف ِ
فِ ْع ٌل م ٍ
أكْفره [عبس.]17:
للتعجب ،قال:
ُّ ثم قال ابن هشام يف بيان الصيغة األخرى
الشيخ /سليمان العيوني 547
ِ ِ ِ
يي صار ذا كذا كــ (أغدَّ ا ْلبعري)؛ أ ْ "(وأ ْفع ْل بِه) وهو بِم ْعنى :ما أ ْفعله ،وأ ْصله (أ ْفعل) ،أ ْ
خالفِهات هنا ،بِ ِ ظ ،ف ِم ْن ث َّم ل ِزم ْ
إلصالحِ ال َّل ْف ِ ِ ِ ٍ
صار ذا غدَّ ة ،فغ يري ال َّل ْفظ و ِزيدت ا ْلباء ِيف الفاع ِل ِ ْ
اع ِل (كفى)". ِيف ف ِ
ِ
باملساء)، بزيد) ،و(أمجِ ْل
(أحسن ٍِ وبني إعراهبا ،نحو:
ْ للتعجبَّ ، ُّ فذكر الصيغة األخرى
رص [مريم.]38: باجلهل) ،قال تعاىل﴿ :أس ِمع ِهبِم وأب ِ
ِ و(أقبِح
ْ ْ ْ ْ ْ
(أحسن ٍ
بزيد) يعني ِ ٍ
ماض؛ ألنه بمعنى حسن زيدٌ ،فــ بزيد)ِ :
أحسنٌ :
فعل (أحسن ٍِ إعراهبا
ْ ْ
حسن زيدٌ ،فحسن :فعل مايض ،وزيدٌ :الفاعل ،إال أن حسن غ يري من صيغة املايض إىل صيغة
مبني عىل الفتح املقدَّ ر منع من (أحسن) :فعل ٍ ِ ِ
أمر عىل صيغة األمر ٌّ (أحسن) ،فــ األمر فقيل:
جر زائد، ٍ
جر زائد ،فالباء حرف ٍّ ظهوره صيغة فعل األمر ،و(زيد) :فاعل ،والباء قبله :حرف ٍّ
جمرور لف اظا بالباء الزائدة. مرفوع ً
ُمال ٍ
وزيد :فاعل
ٌ ٌ
فإن قلت :ملاذا زادت العرب الباء هنا مع الفاعل؟ فقالوا :إلصالح اللفظ ،ما معنى إلصالح
ٌ
منضبط ال يتغري ،ففاعل األمر للواحد ال يكون فاعله إال اللفظ؟ عرفنا أن فعل األمر فاعله
(أحسن ٍ
بزيد) اسم ِ ظاهرا ،والفاعل هنا اسَم
ا مسترتا تقديره (أنت)؛ يعني ما يكون فاعله ا
ا ضمريا
ا
ظاهر.
ا
فاعال لفعل األمر الواحد؟ فجيئت الباء إلصالح اللفظ؛ ألن ظاهرا
ا اسَم
كيف يكون ا
ٍ
ماض ،لكنه يبقى يف اللفظ فعل أمر ،فكرهوا ِ
(أحسن) فعل أمر يف اللفظ ،لكنه يف احلقيقة ٌ
فعل
ظاهرا ،فأتوا بالباء
ا اسَم
ظاهرا فيخالف أفعال األمر التي ال يأيت فاعلها ا
ا اسَم
أن يكون فاعله ا
إلصالح اللفظ؛ فلهذا ِلزمت الباء؛ ألهنا إلصالح اللفظ.
-فاألكثر أن تزاد الباء﴿ :كفى بِاَّللَِّ ش ِهيدا ا [الفتح ]28:يعني كفى اَّلل شهيدا ا.
واإلسالم
ْ -ويمكن أال تزاد فتقول( :كفى اَّلل شهيدا ا) ،ويف قول الشاعر( :كفى َّ
الش ْيب
للمرء ن ِ
اه ايا). ِ
ِ
فأحسن: (أحسن ٍ
بزيد) بمعنى (حسن زيدٌ ) ِ وما ذكره ابن هشا ٍم هنا هو قول اجلمهور :أن
فعل مايض عىل صيغة األمر ،وزيدٌ :فاعل ،والباء زائدة.
(فالن
ٌ وأجاز سيبويه أخذمها من (أفعل) يعني الثالثي املزيد هبمزة يف أوله؛ كقول العرب:
أعطى ِ
للَمل من فالن) فأخذوا أفعل التفضيل من أعطى املزيد باهلمزة وهو رباعي ،ويقولون:
(ما أعطاه للَمل) ،ويقولون( :ما أظلم الليل) من أظلم الليل ،ويقولون( :ما أقفر املكان) من
أقفر املكان.
والرشط الرابع :أن يكون هذا الفعل متفاوتاا له درجات ،فلهذا ال يؤخذ من نحو( :مات،
وفني).
تاما ،وهذا خي ِرج الفعل الناقص يعني كان وأخواهتا ،ما تقول:
والرشط اخلامس :أن يكون ً
جالسا) ال يقال ذلك. جالسا) ،و(ما أكونه (ُممد أكون من ٍ
زيد
ا ا
والرشط السادس :أن يكون مبن ًيا للفاعل ،وهذا خي ِرج املبني للمجهول ،ال يؤخذ منه ُّ
تعجب
وال تفضيل.
والرشط السابع :أال يكون اسم الفاعل منه عىل وزن (أفعل)؛ يعني ال يكون الوصف منه
عىل وزن (أفعل) ،نحن درسنا يف األوصاف أن اسم الفاعل يشابه الصفة املش َّبهة يف كوهنَم
يدالن عىل ٍ
فعل وصاحبه ،كالمها فعل الفعل ،فـ (قائم) الذي فعل القيام ،و(شجاع) الذي فعل
الشجاعة ،كالمها فعل الفعل ،لكن الفرق بينهَم من أوجه؛ منها:
550 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
-أن اسم الفاعل يؤخذ من فعل املتعدي ي والالزم ،كـ (رضب فهو ِ
ضارب) ،و(جلس
(َشب) فهو ِ
شارب. أيضا من (فعل) املتعدي ي؛ كـ ِ
فهو جالس) ،ويؤخذ ا
فرح ال ِ
فارح) ،ومن (فرح فهو ِ
-وأما الصفة املش َّبهة فتؤخذ من (فعل) الالزم كـ ِ
(فعل) مثل (كرم فهو كريم ال ِ
كارم).
فهنا يقول :جيب أال يكون اسم الفاعل منه -يعني الوصف -عىل وزن (أفعل) ،مثل:
ِ
و(عمي فهو أعمى ال عامٍ)، (شاب) املتَّصف بالشيب ماذا نسميها؟ أشيب ،ما نقول( :شائب)،
و(خرض املكان فهو أخرض ال ِ
خارض) ،فال تقول( :هذا أخرض من هذا) ،و(هذا أشيب من ِ
واحلق أنه جاء يف اللغة شواهد ذوات عدد عىل أخذ اسم التفضيل مما كان الوصف منه عىل
(أفعال) ،فقالت العرب( :أسود من حل ِ
ك الغراب) يعني أشدُّ سوا ادا ،وقالوا( :أبيض من
والتعجب مما كان الوصف
ُّ كثري من العلَمء أخذ التفضيل اللبن)؛ يعني أشدُّ ا
بياضا؛ فلهذا أجاز ٌ
منه عىل أفعل ،واشرتاطه هو قول اجلمهور.
التعجب وال التفضيل ،وقد يمكن أخذمها لكن يصح أخذَشط من هذه الرشوط مل ٌِ فإذا ف ِقد
ُّ
التعجب من (دحرج)( :ما أحسن مثال يف ٍ
مستوف للرشوط ،فتقول ا فعل آخربواسطة ٍ
ُّ
التعجب من (مل يذهب): ِ
بدحرجته) ،وتقول يف ِ
(أحسن دحرجته) ،أو (ما أشدَّ دحرجته) ،أو
ُّ
ِ
ذهابه) ونحو ذلك. (ما أحسن عدم
باب).
ثم ننتقل للباب التايل وهو [باب الوقف] وقال ابن هشامٌ ( :
الوقف يراد به كيفية الوقف عىل آخر الكلمة ،كيف ِنقف عىل آخر الكلمة ،والوقف عىل
ثالثة أنواع:
الشيخ /سليمان العيوني 551
والثان :الوقف االضطراري وهو الذي يض َّطر إليه املتك يلم؛ كالوقف بسبب انقطاع النفس.
ِ
املخترب من الطالب وإن مل يكن املوضع موضع والثالث :الوقف االختباري وهو الذي يطلبه
وقف.
األصل كَم نعلم يف الوقف أن يكون بالسكون ،هذا األصل ،وقد يصاحب ذلك قلب التاء
ٍّ
ولكل منها مسألة ،فنأخذها مسأل اة مسألة: تاء ،وحذف الياء،
هاء ،وقلب اهلاء ا
ا
املسألة األوىل :الوقف عىل املختوم بتاء التأنيث؛ كالوقف عىل (فاطمة) ،أو الوقف عىل
(رمحة) فيه لغتان للعرب:
اللغة املشهورة لغة اجلمهور :الوقف باهلاء ،فتقول( :هذه رمحة) ،و(جاءت فاطمة).
واللغة األخرى لبعض العرب :الوقف بالتاء ،تقول( :جاءت فاطمت) ،و(هذه
رمحت).
قال شاعرهم:
ـت
ـد م ِْمن بع ِد ما وبع ِد ما وبع ِ ت واَّللَّ أنْجــاك بِك َّفــي م ْســلم ْ
ْ ْ ْ ْ
ـت وكاد ِ
ت احلـ َّرة أن تـدْ عى أم ْ القــو ِم ِعنــدْ ت نفــوس كانــ ْ
ْ
يعني أمة.
ت ت)ْ : يعني الغصلمة( ،أم
ـــــــــــــــــــــم الغ ْ)لصت (الغ ْلصم ْ
552 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
ومن ذلك قوله تعاىل﴿ :إِ َّن ر ْمحة اَّللَِّ [األعراف﴿ ،]56:إِ َّن شجرة الزَّ ُّقو ِم [الدخان،]43:
بخالف عن السبعة؛ يعني بعضهم قرأ بالتاء وبعضهم قرأ باهلاء. ٍ عند الوقف عىل رمحة وشجرة
وكقول بعض العرب( :يا أهل سورة البقرت) ،فر َّد عليه بعضهم( :واَّلل ما أحفظ منها
آيت).
املسألة الثانية :الوقف عىل املجموع باأللف والتاء مجع املؤنث السامل؛ كـ (فاطَمت،
أيضا فيه لغتان ،وهو عكس اللغتني السابقتني؛
ومسلَمت) ا
فلغة اجلمهور :الوقف عليها بالتاء ،تقول( :جاءت الفاطَمت) ،و(هذه مسلَمت).
والثانية لغ ٌة لبعض العرب :وهو الوقف عليها باهلاء ،يقال( :جاءت الفاطمه)،
و(وهذه مسلمه) ،ومن ذلك قول بعض العرب( :كيف اإلخوة واألخوه) ،وقوهلم:
ِ
البنات من املكرمه). (دفن
فإن كان املنقوص منصو ابا فليس فيه إال إثبات الياء ،تقول( :أكرمت قاض ايا) ،و(أكرمت
الرت ِاقي [القيامة ]26:إذا كان منصو ابا.
ت َّالقايض)( ،سمعنا مناديا)﴿ ،ك َّال إِذا بلغ ِ
ً
-فأكثر العرب حتذف الياء يف الرفع واجلر ،تقول( :جاء قاض) ،وإذا وصلت (جاء
بقاض) ،قال تعاىل﴿ :فا ْق ِ
ض ما ٍ ٍ
قاض) ،و(مررت بقاض) ،وإذا وصلت( :مررت
أنْت ق ٍ
اض [طه.]72:
فيقف بالياء فيقول( :جاء قايض) ،و(مررت بقايض) ،وقد -وبعض العرب يعكسِ ،
جاء ذلك يف القراءة السبعية يف نحو قوله تعاىل﴿ :ولِك يل قو ٍم ه ٍ
اد [الرعد ،]7:وقرأ ْ
ال [الرعد﴿ ،]11:وما هل ْم بعضهم( :ولِك يل ق ْو ٍم هادي)﴿ ،وما هلم ِم ْن دونِ ِه ِم ْن و ٍ
ْ
ِمن اَّللَِّ ِم ْن و ٍاق [الرعد.]34:
فذكر هنا ثالث مسائل كلها تقلب فيها النون الساكنة أل افا:
554 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
املسألة األوىل :الوقف عىل كلمة (إ اذا) املراد بـ (إ اذا) هنا (إ اذا) اجلوابية ،كَم يف قول القائل إذا
قيل له( :سأزورك الليلة) ،فيقول( :إ اذا أ ِ
كرمك) اجلوابية يعني القائمة عىل كال ٍم سابق ،وفيها
ثالثة مذاهب:
املذهب األول :قلب تنوينها أل افا عند الوقف ،إذا وقفت عليها فتقلِب التنوين أل افا ،تقول:
(إذا) ،وكذلك كتِبت يف املصحف بألف وتنوين ،كَم يف قوله﴿ :ول ْن ت ْفلِحوا إِ اذا
ِ ِ
القراء السبعة عىل أبدا ا [الكهف ]20:تقف﴿ :ول ْن ت ْفلحوا إِذا [الكهف ]20:كذا اتفق َّ
الوقوف عليها.
واملذهب الثان :كتابتها بالنون مطل اقا ،وقياسه أن نقف عليها بالنون ،وهذا خالف ما اتفقت
القراء السبعة.
عليه َّ
واملذهب الثالث :كتابتها بالنون إذا نصبت املضارع ،وبالتنوين إذا مل ِ
تنصب املضارع ،وقد
ذكرنا يف نصب املضارع أن من نواصبه (إ اذا) وال تنصبه إال برشوط؛
(إن إ اذ أ ِ
كرمك) ،أو ِ
-وإذا مل تتوافر الرشوط فإهنا ال تنصب وتكتب بالتنوين ،نحو :ي
(أ ِ
كرمك إ اذا) فتكتب بالتنوين عند هؤالء.
املسـألة الثالثة :الوقف عىل نون التوكيد اخلفيفة ،نون التوكيد نون تدخل عىل الفعل لتوكيده
واذهبن) إما أن تؤكَّد بالنون الثقيلة املشدَّ دة ،وإما أن تؤكد
ْ اذهبن،
َّ وتقويته ،مثل( :اذهب:
بالنون اخلفيفة الساكنة؛
تقفأما إذا أكَّدت بالنون اخلفيفة :كقولك( :اذهبن يا زيد)( ،لتذهبن يا زيد) ،ثم أردت أن ِ
ْ ْ
عىل نون التوكيد اخلفيفة فكيف ِ
تقف؟ الوقف يكون عليها بقلبها أل افا؛ يعني تعامل معاملة
(لتذهبن يا زيد)( :لتذهبا).
ْ (اذهبن يا زيد)( :اذهبا)،
ْ تنوين النصب ،تقول
وربيعة من قبائل العرب حيذفون تنوين النصب عند الوقف كَم حيذف اجلميع تنوين الرفع
واجلر ،فيقولون( :جاء خالد) ،و(رأيت خالد) ،و(مررت بخالد).
فإن قلت :أين يكتب تنوين النصب يف (رأيت خالدا ا)؟ ففي ذلك ثالثة مذاهب:
األول :عىل آخر االسم؛ يعني عىل الدال يف (خالدا ا) وهذا هو األرجح.
مذهب مشهور.
ٌ واملذهب الثان :أن يكتب عىل األلف ،وهذا
ٌ
ضعيف مهجور. مذهب
ٌ واملذهب الثالث :أن يكتب بعد األلف ،وهذا
ثم ننتقل بعد ذلك إىل بعض مسائل اإلمالء التي ختم هبا ابن هشام [قطر الندي] ،فذكر
املتطرفة ،فقال ابن هشام:
ي كيفية كتابة األلف
556 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
"وتكْتب األلِف ب ْعد و ِاو اجلَمع ِة كـ (قالوا) دون األ ْصلِ َّي ِة ،كـ (ز ْيدٌ يدْ عو)".
نعم َّفرقوا بني الواو إذا كانت من أصل الفعل ،فلم يزيدوا بعدها أل افا ،نحو( :يدعو ُممدٌ )،
(نحن ندعو) ،فالواو أصلية.
وبني واو اجلَمعة التي هي ضمري يتصل بالفعل ،فهي التي يزاد بعدها ألف للتفريق بينها وبني
سواء كان:
ٌ الواو األصلية ،ويراد هبا واو اجلَمعة التي تدخل أو تتصل بالفعل،
أمرا كـ (اذهبوا).
-أو ا
فتوضع األلف بعد هذه الواو للتفريق بينها وبني الواو األصلية.
ت ال َّثالثة ،كـ ( ْاستدْ عى وامل ْصطفى) ،أ ْو كان أ ْصلها الياء كـ "وترسم األلِف ياء إِ ْن جتاوز ِ
ا ْ
الفع ِل بِالت ِ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َّاء كـ (رم ْيت (رمى وا ْلفتى) ،وأل افا يف غ ْ ِريه كـ (ق افا والعصا) ،وينْكشف أ ْمر ألف ْ
االس ِم بِال َّت ْثنِي ِة كـ (عصو ْي ِن وفتي ْ ِ
ني)". وعف ْوت) ،و ْ
-أحياناا تكتب أل افا ،أو يقال :واقف اة ،أو قائم اة ،أو يابس اة.
فبني القاعدة يف ذلك ،والقاعدة مشهورة وهي" :أن األلف يف غري الثالثي تكتب نائم اة
َّ
أسَمء
ا مطل اقا" يف الرباعي كـ (مسعى) ،أو اخلَميس كـ (مصطفى) ،أو السدايس كـ (مستشفى)
كَم سبق ،أو ا
أفعاال كــ (يسعى ،واصطفى ،واستدعى).
واوا فتكتب قائم اة؛ كـ (دعا) ألنه من يدعو ،و(سَم) ألنه من يسمو.
وإن كان أصل األلف ا
املتطرفة تكتب نائمة إال يف موض ٍع واحد :يف الثالثي إذا كان أصله
ي إذن فالقاعدة" :أن األلف
الواو" كـ (سَم يسمو) ،و(دعا يدعو) .أما الثالثي الذي أصله ياء؛ كـ (رمى يرمي) ،أو غري
الثالثي مطل اقا فهذه تكتب بالنائمة.
ٌ
(فصل) عقده للكالم عىل مهزة الوصل. ثم ختم الكتاب بالكالم عىل مهزة الوصل ،فقال:
-مهزة قطع.
-ومهزة وصل.
ا
وصال ،تسقط يف وصل الكالم ،مثل: ابتداء وتسقط
ا واألخرى مهزة الوصل :وهي التي تثبت
ِ
واستخر ْج)، ِ
(إستخر ْج (إذهب واذهب)( ،إنطلق وانطلِق) ،و(إستخرج واستخرج)،
(إستخراج واستخراج) وهكذا.
وهلمزة الوصل مواضع ،وهلمزة القطع مواضع ،واألصل مهزة القطع أو الوصل؟ ال شك أن
األصل مهزة القطع وهذا األكثر ،ومهزة الوصل ُمصورة يف مواضع يف أربعة مواضع؛
فهمزة الوصل يف :احلروف ُمصور ٌة يف (أل) كـ (الرجل ،والبيت ،والباب) فهذا املوضع
األول( :أل) من احلروف.
واملوضع الثان :األمر من الثالثي؛ كاألمر من (ذهب :اذهب) ،ومن (رضبِ :
ارضب) ،ومن
(جلس :اجلِس).
واملوضع الثالث هلمزة الوصل :املايض واألمر واملصدر من اخلَميس والسدايس؛ كـ (انطلق،
استخراجا).
ا ِ
استخرج، انْطلِق ،انطال اقا)( ،استخرج،
واألسَمء كذلك كل األسَمء مهزاهتا مهزات قطع سوى األسَمء العرشة السَمعية ،ومصدر
اخلَميس والسدايس ،مثلْ :
(أكل ،وأخذ ،وأسلوب ،وإعالم ،وأعالم).
وكذلك كل األفعال املضارعة ،كل املضارع من ثالثي ،أو رباعي ،أو مخايس ،أو سدايس،
املضارع كل مهزاته قطع؛ كاملضارع من (ذهب أذهب) ،ومن (أكرم أ ِ
كرم) ،ومن (انطلق
ِ
أستخرج) وهكذا. أنطلِق) ،ومن (استخرج
أما القطع فكل مهزة قطع هلا حرك ٌة معينة ،فحركة مهزة القطع يف (أذن) الضم ،ويف (أكل)
الفتح ،ويف (إكرام) الكرس ،مهزاهتا سَمعية.
فَم حركة مهزة الوصل؟ مهزة الوصل يف الوصل تذهب هي وحركتها ،ويف االبتداء تثبت،
فتثبت بأي حركة؟ ال بد أن ِ
نعرف حركة مهزة الوصل عند االبتداء هبا ،فـ (أل) حركتها الفتح
وجو ابا ،فإذا ابتدأت تقول( :الباب) ما تقول( :إِلباب ،وال أ ْلباب)( ،الباب ،الرجل ،الغالم)،
وكلمة اسم فيها لغتان:
أيضا فيها
(أيمن اَّلل ألفعلن) وسيأيت أهنا من ألفاظ القسم ،وختترص إىل (أيمن اَّلل ألفعلن) ا
لغتان:
ما سوى ذلك فإن حركة الوصل فيه الكرس؛ يعني ما سوى (أل) التي جيب فيها الفتح،
و(اِسم) التي جيوز فيها الكرس والضم ،و(أيم) التي جيوز فيها الفتح والكرس ،وما كان ثالثه
مضموما جيب فيها الضم ،ما سوى ذلك مهزته مهزة وصل ،ما سوى ذلك مهزة الوصل فيه
ا
اذهب) ،واملايض (انطلق) ،واألمر( :انطلِق) ،واملصدر:
ْ مكسورة؛ كاألمر من (ذهب
(انطالق) ،و(ابن ،واثنان) ،وهكذا.
ثم نقرأ ما قاله ابن هشا ٍم يف ذلك ،قال -ر ِمحه اَّلل:-
أن (اسم) مهزته مهزة وصل ،وإذا بدأت به جاز لك فيه الكرس وهو األكثر (اِسم)،
يعني َّ
والضم وهو قليل (اسم).
ثم قال ابن هشام( :وا ْب ٍن وا ْبنِم وا ْبن ٍة) (ابنم) معناه ابن ،وامليم زائدة ،و(االبنة) مؤنث (ابن)،
هذا واضح.
الشيخ /سليمان العيوني 561
ثم قال ابن هشام( :و ْام ِر ٍئ و ْامرأ ٍة وت ْثنيتِ ِه َّن) التثنية يعني يقال يف (امرأة)( :امرأتني) ،ويف
(امرئ)( :امرئني) ،وال داعي لقوله( :وت ْثنيتِ ِه َّن)؛ ألن املثنَّى له حكم املفرد يف كل ذلك ،يف
(ابن ،ابنان) ،ويف (اسم اسَمن) وهكذا فهذا هو األصل.
ني وا ْثنت ْ ِ
ني) فذكر إىل اآلن تسعة أسَمء من األسَمء السَمعية مهزاهتا ثم قال ابن هشام( :وا ْثن ْ ِ
وصل.
ثم قال( :وا ْيم ِن اَّلل ِيف القسم) هذا هو االسم العاَش من األسَمء السَمعية العرشة التي
مهزاهتا مهزات وصل.
ثم قال( :بِفت ِ
ْح ِها) يعني أن (أيمن اَّلل) تكون بفتح اهلمزة عند االبتداء (أيمن اَّللِ).
رس يف ا ْيم ِن) يعني لك يف (أيمن) الفتح والكرس؛ (أيمن اَّلل ،واِيمن اَّلل).
ثم قال( :أ ْو بِك ْ ٍ
ٍ
مهزة ْاسم و ْاست وا ْب ٍن) إىل آخره ( ْ
مهزة و ْص ِل)، مهزة و ْص ِل) ألنه قال يف البدايةْ ( :
ثم قالْ ( :
مهزة ْاسم).
هذا اخلرب ،مهزة وصل خرب عن قوله يف أول الفصلْ ( :
ِ
ي ت ْثبت ا ْبتد ااء و ْحتذف و ْص اال) َّ
عرف مهزة الوصل. ثم قال( :أ ْ
ثم قال( :وأ ْم ِر ال ُّثالثِ يي كــ (ا ْقت ْل ،وا ْغز ،و ْ
اغ ِزي) بض يم ِه َّن) يعني أن مهزة الوصل يف (اقتل،
واغ ِزيْ ،
واغز) بالضم؛ ألن الثالث مضموم ،أما الثالث يف (اقتل) فواضح أنه مضموم ،فهمزة ْ
الوصل مضمومة.
562 شرح «قطر الندى وبل الصدى»
وكذلك يف (اغز يا ُممد) الثالث مضموم ،والثالث يف (اغزي يا هند) مضموم يف األصل؛
ألنه من (غزى يغزو) وإنَم ك ِرس بسبب ياء املخاطبة ،واحلكم لألصل ،فلهذا لو ابتدأت تقول:
(اغزي يا هند).
وهذا ما َّخلصناه من قبل ،فقلنا :إن مهزة الوصل تكون يف (أل) من احلروف ،وتكون يف األمر
ٍ
أسَمء من الثالثي ،وتكون يف املايض واألمر واملصدر من اخلَميس والسدايس ،وتكون يف عرشة
سَمعية.