Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 563

‫فوح الشذا‬

‫برشح ق ْط ِر النَّدى‬
‫ت ْألِيفِ‬

‫أ ِِب ُم َّم ٍد ع ْب ِد اَّللَِّ ْب ِن يوسف ا ْب ِن ِهشا ٍم‬

‫(ت‪)761 :‬‬

‫َشح‪:‬‬
‫ْ‬

‫أ‪.‬د‪ /‬سل ْيَمن بن عبد العزيزا ْلعي ِ ي‬


‫ون‬
‫‪-‬ح ِفظه اَّللَّ‪-‬‬

‫الشيخ أذن بنشر الشرح ولكن لم يراجعه‬


‫‪2‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫الدرس األول‬

‫احلمد َّلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل نبينا ُممد وعىل آله وأصحابه أمجعني‪ ،‬أما‬
‫بعد‪:‬‬

‫فسالم اَّلل عليكم ورمحته وبركاته حياكم اَّلل وبياكم يف هذا الدرس األول من دروس َشح‬
‫متن «قطر الندى وبل الصدى» البن هشام ‪-‬عليه رمحة اَّلل‪.-‬‬
‫ٍ‬
‫وأربعَمئة وألف‬ ‫نحن يف ليلة األربعاء الرابع عرش من مجادى األوىل من سنة تس ٍع وثالثني‬
‫من هجرة احلبيب املصطفى ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬يف جامع منرية الشبييل بحي فالح يف مدينة‬
‫الرياض‪ ،‬واملأمول ‪-‬بإذن اَّلل‪ -‬كَم ذكر اإلمام أن ننتهي من َشح هذا الكتاب يف هذا الفصل ‪-‬‬
‫بإذن اَّلل تعاىل‪.-‬‬

‫املؤلف ابن هشام ‪-‬رمحه اَّلل تعاىل‪ -‬علم من أعالم النحويني‪ ،‬هو أبو ُممد عبد اَّلل بن‬
‫يوسف بن أمحد بن هشام األنصاري املرصي الشافعي ثم احلنبيل‪ ،‬تويف ‪-‬رمحه اَّلل‪ -‬سنة إحدى‬
‫وستني وسبعَمئة أي يف القرن الثامن‪.‬‬

‫علَم من أعالم العربية‪ ،‬حتى قال فيه ابن خلدون‬


‫برع يف العربية وب َّرز عىل أقرانه حتى عد ا‬
‫قولته املشهورة‪" :‬ما زلنا ونحن يف املغرب نسمع أنه خرج يف مرص"‪ ،‬أو قال‪ :‬يف املرشق "عامل ٌ‬
‫بالعربية يقال له‪ :‬ابن هشام أنحى من سيبويه"‪.‬‬

‫أما عبارته األخرية أنحى من سيبويه فهذه مبالغة أراد هبا فقط بيان مكانة ابن هشام ‪-‬رمحه‬
‫اَّلل‪ -‬يف العربية‪.‬‬

‫أثر‬
‫ابن هشام ‪-‬رمحه اَّلل‪ -‬كابن مالك كان من مدريس النحو‪ ،‬وكان لكثرة تدريسه النحو ٌ‬
‫كتب جعلها لتعليم العربية‬
‫ٌ‬ ‫كبري يف طريقة تأليفه‪ ،‬ويف نوعية الكتب التي ألفها؛ فمَم أ َّلف‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪3‬‬

‫بالتدريج‪ ،‬فأ َّلف للمبتدئني‪« :‬شذور الذهب» وَشحه‪ ،‬وألف للمتوسطني‪« :‬قطر الندي»‬
‫وَشحه‪ ،‬وألف للكبار‪« :‬أوضح املسالك إىل ألفية ابن مالك» ومل يرشحه‪ ،‬وألف للمنتهني‬
‫واملتخصصني‪« :‬مغني اللبيب إىل كتب األعاريب»‪ ،‬وهو أعظم كتبه وأمهها شأناا‪.‬‬

‫أما الكتاب املرشوح فهو "قطر الندى وبل الصدى" من أشهر املتون يف هذا العلم الرشيف‬
‫نحوي ألف للمتوسطني يف هذا العلم‪ ،‬واملراد‬
‫ٌّ‬ ‫كتاب‬
‫ٌ‬ ‫كثريا فيقال‪ :‬القطر؛‬
‫علم النحو‪ ،‬وخيترص ا‬
‫باملتوسطني‪ :‬من انتهى من ٍ‬
‫متن صغري‪« :‬كاآلجرومية»‪ ،‬أو «النحو الصغري»‪ ،‬ثم أراد بعد ذلك‬
‫أن يتوسع يف هذا العلم فينتقل إىل ٍ‬
‫متن من املتون املتوسطة كـ «قطر الندى» البن هشام‪.‬‬

‫كتب أخرى‪ ،‬وإن كانت تتميز بأشياء عن القطر‪ ،‬أو تتخلف عن القطر يف أشياء‬
‫ويف مستواه ٌ‬
‫خلالد األزهري؛ وهو قريب السيوطي‪ ،‬وكذلك «ملحة اإلعراب» للحريري‬ ‫ٍ‬ ‫منها‪« :‬األزهرية»‬
‫األديب‪ ،‬إال أن هناك فرو اقا بني هذه الكتب‪ ،‬فـ «قطر الندى» البن هشام أكثر املسائل منهَم‪،‬‬
‫وأدق عبارة‪ ،‬إال أنه أعقد يف فك العبارة منهَم‪ ،‬وهذا جيعله متع ابا لبعض الطالب الذين يريدون‬
‫كثريا بعبارات النحويني‪.‬‬
‫النحو‪ ،‬وال هيتمون ا‬
‫وأما «األزهرية»‪ :‬فهي أقل مسائل من القطر‪ ،‬ولكنها أسلس عبارة وأوضح‪ ،‬وزادت عىل‬
‫القطر مسائل مهمة‪ ،‬وخاص اة فيَم يتعلق بأحكام اجلملة‪ ،‬وأشباه اجلملة‪ ،‬اللذين أغفلهَم ابن‬
‫هشام مع أهنَم مهَمن للمتوسطني يف هذا العلم‪.‬‬

‫وأما «ملحة ا إلعراب»‪ :‬فهي أقل مسائل منهَم‪ ،‬لكنها زادت عليهَم االهتَمم بذكر بعض‬
‫األساليب اللغوية التي تدخل يف أبواب النحو التي َشحها‪ ،‬كَم أهنا منظومة سلسة جدا ا‪،‬‬
‫نثرا كَم هو معلوم‪.‬‬
‫والكتابان اآلخران ا‬
‫خمترصا ً‬
‫خمال‪،‬‬ ‫ا‬ ‫ونحن يف هذا الرشح ‪-‬بإذن اَّلل‪ -‬سنحرص عىل أن يكون الرشح متوس اطا ال‬
‫طويال ا‬
‫ممال‪ ،‬وسنحرص عىل أن نرشح ما زاده ابن هشام يف هذا الكتاب عىل ما يف كتب‬ ‫ا‬ ‫وال‬
‫‪4‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫املبتدئني‪ :‬كـ «اآلجرومية»‪ ،‬و«النحو الصغري»‪ ،‬أما ما َشح من قبل للمبتدئني فلن نطيل‬
‫الوقوف عنده‪ ،‬وقد نتجاوزه؛ ألن الوقت ال يسمح بأن نرشح كل ما يف الكتاب بالتفصيل‪،‬‬
‫وخاص اة األمور املقرورة يف النحو؛ ليتنبه إىل ذلك‪.‬‬

‫من كل ما سبق‪ :‬نعرف أن هذا الكتاب وهذا الرشح املعقود يف هذا اجلامع ال يناسب‬
‫املبتدئني‪ ،‬وال أنصح املبتدئني بحضوره؛ ألهنم قد جيدون فيه شيئاا من الصعوبة والوعورة التي‬
‫ٍ‬
‫بكتاب صغري‪ ،‬وَشحٍ خمترص يف النحو قبل أن‬ ‫ال تناسب مستواهم؛ فاملبتدئ جيب أن يبتدأ‬
‫يصل إىل مثل هذا الكتاب ومثل هذا الرشح‪.‬‬

‫واآلن نبدأ بالدخول إىل الكتاب‪ ،‬وقبل أن نقرأ فيه بالتفصيل أريد أن نلقي نظر اة عامة عىل‬
‫الكتاب لنتعرف عىل كيفية ترتيبه‪ ،‬كيف رتب ابن هشام النحو يف هذا الكتاب؟ وإن كانت أكثر‬
‫كتب النحويني املتأخرين بعد ابن مالك ‪-‬رمحه اَّلل‪ -‬متأثر اة برتتيب ابن مالك‪ ،‬إال أن هناك‬
‫بعض االختالفات التي قد تقل أو تكثر يف بعض الكتب‪.‬‬

‫عموما بتقديم األحكام النحوية اإلفرادية؛ يعني التي‬


‫ا‬ ‫فابن هشام ر َّتب النحو يف هذا الكتاب‬
‫تتعلق بالكلمة؛ يعني التي تستحقها الكلمة مطل اقا‪ ،‬يعني ال يتصور أن تنفصل هذه األحكام عن‬
‫سواء كانت يف مجلة‪ ،‬أم كانت مفردة ليست يف‬ ‫الكلمة يف ٍ‬
‫وقت ما‪ ،‬بل هي أحكا ٌم ثابتة للكلمة‬
‫ٌ‬
‫مجلة‪.‬‬

‫بعد أن انتهى من األحكام النحوية اإلفرادية ذكر األحكام النحوية الرتكيبية؛ يعني األحكام‬
‫التي ال تستحقها الكلمة إال إذا أدخلت يف مجلة‪ ،‬فلهذا قد تتغري هذه األحكام بتغري موضع‬
‫الكلمة يف اجلملة‪ ،‬وَشح ذلك أننا لو رأينا ا‬
‫مثال إىل كلمة (رجل) وقلنا‪:‬‬

‫اسم هذا حكم إفرادي ثابت للكلمة ال‬


‫هل هذه الكلمة اسم أم فعل أم حرف؟ فاجلواب‪ٌ :‬‬
‫نحتاج إىل أن نضعها يف مجلة لكي نعرف هذا احلكم‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪5‬‬

‫وهل (رج ٌل) اسم نكرة أم معرفة؟ نكرة هذا حكم إفرادي‪.‬‬

‫وهل (رج ٌل) معرب؟ يعني حركة آخره تتغري أم مبني؟ يعني حركته ثابتة؟ هذا معرب‪.‬‬

‫هذه أحكا ٌم إفرادية ثابتة للكلمة‪.‬‬

‫ولكنني لو سألت عن (رج ٌل) فقلت‪ :‬هل هو فاعل أم مبتدأ؟ فاجلواب‪ :‬ال فاعل‪ ،‬وال‬
‫مبتدأ؛ ألن الفاعل ما فعل الفعل‪ ،‬وكلمة (رجل) هنا ما دلت عىل من فعل ا‬
‫فعال ما‪ ،‬ألنه مل يذكر‬
‫ا‬
‫مبتدأ؛ ألن املبتدأ له خرب نحن لن نخرب عن الرجل بيشء‪ ،‬فمبتدأ‬ ‫معها فعل ا‬
‫أصال‪ ،‬وليست‬
‫وخرب هذه أحكام تركيبية يعني ال بد أن تكون الكلمة يف مجلة لكي تكتسبها الكلمة‪ ،‬ومع ذلك‬
‫كريم) اختالف موضعها يف‬
‫ٌ‬ ‫ا‬
‫مبتدأ يف‪( :‬الرجل‬ ‫الرجل)‪ ،‬وقد تكون‬ ‫قد تكون ا‬
‫فاعال يف‪( :‬جاء َّ‬
‫ا‬
‫مفعوال به أو غري ذلك من أعاريب االسم‪.‬‬ ‫اجلملة‪ ،‬ومع ذلك قد تكون‬

‫إذن فهذه األعاريب‪ ،‬هذه األحكام التي ال تكتسبها الكلمة إال إذا دخلت يف مجلة نسميها‬
‫األحكام الرتكيبية‪ ،‬والنحويني يذكروهنا بعد األحكام اإلفرادية التي هي أحكام ثابتة للكلمة‪،‬‬
‫هذا هو الرتتيب اإلمجايل البن مالك ومن تبعه كابن هشام‪.‬‬

‫أما الرتتيب التفصييل الذي سلكه ابن هشام ‪-‬رمحه اَّلل تعاىل‪ -‬يف هذا الكتاب فكالتايل‪:‬‬

‫‪ ‬ا‬
‫أوال‪ :‬ذكر الكلمة وأنواعها‪ :‬يعني انقسامها إىل اس ٍم وفعل وحرف‪.‬‬
‫‪ ‬ثم ذكر اإلعراب والبناء وأنواع اإلعراب وعالمات اإلعراب‪.‬‬
‫‪ ‬ثم تكلم عىل إعراب الفعل املضارع‪ ،‬وهذا ربَم مما متيز هبذه الكتاب تقديم إعراب‬
‫فكثري من الكتب تؤخر الكالم عليه وبعض الكتب تقدم الكالم‬
‫ٌ‬ ‫الفعل املضارع‪،‬‬
‫عليه؛ كالقطر‪ ،‬وكاآلجرومية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫نكرة ومعرفة‪.‬‬ ‫‪ ‬بعد ذلك تكلم عىل النكرة واملعرفة؛ انقسام االسم إىل‬
‫‪6‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫وهنا‪ :‬ينتهي الكالم عىل األحكام اإلفرادية‪ ،‬لينتقل إىل األحكام الرتكيبية التي ال تكون إال‬
‫يف مجلة‪ ،‬فلهذا سيبدأ باجلملة االسمية وأحكامها النحوية‪ ،‬فيذكر املبتدأ واخلرب ويذكر نواسخ‬
‫االبتداء‪ :‬كان وأخواهتا‪ ،‬وإن وأخواهتا‪ ،‬وظننت وأخواهتا‪.‬‬

‫ثم ينتقل إىل اجلملة الفعلية ويذكر أحكامها النحوية؛ فيذكر الفاعل ونائب الفاعل‪،‬‬
‫واالشتغال‪ ،‬والتنازع‪ ،‬واضح أن باب االشتغال وباب التنازع مما زاده القطر عىل كتب املبتدئني‬
‫كـ«اآلجرومية»‪.‬‬

‫اآلن انتهينا من اجلملة االسمية‪ ،‬وانتهينا من اجلملة الفعلية‪ ،‬ماذا بقي؟ اآلن سيتكلم عىل‬
‫مكمالت اجلملتني‪:‬‬

‫‪ ‬اجلملة الفعلية أركاهنا‪ :‬فعل وفاعل‪ ،‬أو فعل ونائب فاعل‪.‬‬


‫‪ ‬اجلملة االسمية أركاهنا‪ :‬مبتدأ وخرب منسوخان أو غري منسوخني‪.‬‬
‫‪ ‬هذه األركان لكن هناك أشياء تأيت بعد األركان تسمى املكمالت؛ كظرف الزمان‪،‬‬
‫وظرف املكان‪ ،‬واحلال فذكرها ابن هشام بعد أن انتهى من الكالم عىل أحكام اجلملة‬
‫الفعلية‪ ،‬وأحكام اجلملة االسمية فبدأ بمكمالت اجلملة‪.‬‬
‫‪ ‬ومكمالت اجلملة إما أن تكون منصوبة‪ ،‬وإما أن تكون جمرورة‪ ،‬وإما أن تكون من‬
‫التوابع فرتبها‪:‬‬
‫‪ -‬فبدأ بمكمالت اجلملة املنصوبة فذكر املفاعيل اخلمسة‪ :‬به‪ ،‬واملطلق‪ ،‬وله‪ ،‬وفيه‪،‬‬
‫ومعه‪.‬‬
‫مكمالت منصوبة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪ -‬ثم انتقل إىل ذكر احلال والتمييز واملستثنى هذه كلها‬
‫‪ -‬ثم ذكر مكمالت اجلملة املجرورة فذكر املخفوض بحرف اجلر‪ ،‬يعني املجرور‬
‫بحرف اجلر‪ ،‬ثم ذكر املخفوض باإلضافة‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪7‬‬

‫موضوعا زاده عىل كتب املبتدئني وهو االسم العامل عمل فعله‪ ،‬األسَمء‬
‫ا‬ ‫‪ -‬ثم ذكر‬
‫التي قد تعمل عمل أفعاهلا؛ فرتفع الفاعل‪ ،‬وتنصب املفعول به‪ ،‬فذكر‪ :‬اسم الفعل‪،‬‬
‫واملصدر‪ ،‬واسم الفاعل‪ ،‬واسم املفعول‪ ،‬وصيغ املبالغة‪ ،‬وذكر الصفة املشبهة‪ ،‬واسم‬
‫التفضيل‪ ،‬هذه األسَمء قد تعمل عمل فعلها فرتفع الفاعل وتنصب املفعول به‪.‬‬
‫‪ -‬ثم ذكر مكمالت اجلملة التوابع وجعلها مخسة فذكر‪ :‬النعت‪ ،‬والتوكيد‪ ،‬وعطف‬
‫البيان‪ ،‬وعطف النسق‪ ،‬والبدل‪.‬‬
‫‪ -‬ثم ذكر بعد ذلك يف آخر الكتاب بعض األحكام النحوية اخلاصة يرى أهنا مهمة‬
‫وحيتاج إليها الطالب واملتوسط؛ فذكر الكالم عن‪ :‬العدد‪ ،‬واالسم املمنوع من‬
‫الرصف‪ ،‬والتعجب‪ ،‬والوقف (أحكام الوقف)؛ يعني كيف تقف عىل الكلمة؟‬
‫‪ -‬ثم ختم هذا الكتاب املبارك ببعض أحكام الرسم واإلمالء‪ ،‬ذكر بعض األحكام‬
‫التي تتعلق بطريقة الكتابة‪ ،‬واإلمالء‪.‬‬

‫فهذا هو الرتتيب التفصييل هلذا الكتاب قبل أن نبدأ بقراءته وَشح ما تيرس منه ‪-‬رمحه اَّلل‪-‬‬
‫رمح اة واسعة‪ ،‬بعد ذلك نبدأ بقراءة الكتاب وَشح ما تيرس منه‪.‬‬
‫‪8‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫قال ابن هشام ‪-‬رمحنا اَّلل وإياه‪:-‬‬

‫وهي ْاس ٌم وفِ ْع ٌل وح ْر ٌ‬


‫ف»‬ ‫«ا ْلكلِمة قو ٌل م ْفرد ِ‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬

‫فبدأ ابن هشام هذا املتن بتعريف الكلمة وبيان أنواعها فقال‪« :‬ا ْلكلِمة ق ْو ٌل م ْفر ٌد»‪:‬‬

‫عموما‪ -‬يبدأون كتبهم بتعريف الكلمة‪ ،‬أو بتعريف الكالم فلَمذا يفعلون‬
‫ا‬ ‫النحويون ‪-‬‬
‫ذلك؟‬

‫اجلواب‪ :‬لكي يبينوا موضوع النحو‪ ،‬وموضوع النحو يعني اليشء الذي يبحث فيه النحو‬
‫ويدرسه لكل عل ٍم موضوع‪ ،‬فالتفسري موضوعه كالم اَّلل‪ ،‬وامليكانيكا موضوعه اآلالت‬
‫وهكذا‪ ،‬النحو ما موضوعه الذي يدرسه ويبحث فيه ويطبق عليه؟ الكلمة والكالم‪ ،‬فهو ال‬
‫يطبق عىل األبواب‪ ،‬وال عىل البيوت‪ ،‬وال يطبق عىل األشخاص‪ ،‬النحو ال عالقة له بالذوات‬
‫واألشخاص‪ ،‬النحو مطبق عىل الكالم والكلمة يف تعريف النحويني واصطالحهم‪ ،‬فلهذا‬
‫يبدأون النحو بتعريف الكلمة‪ ،‬أو بتعريف الكالم‪.‬‬

‫وابن هشام هنا بدأ بتعريف الكلمة فقال‪« :‬ق ْو ٌل م ْفر ٌد»‬

‫القول‪ :‬هو احلروف امللفوظة من الفم؛ حروف‪ ،‬يعني لو خرجت أصوات أخرى من الفم‬
‫ليست بحروف فليست ا‬
‫قوال‪ ،‬وال تطبق أحكام النحو عليها‪ ،‬ال بد أن تكون حرو افا فالرصاخ‬
‫والضحك ال تطبق أحكام النحو عليها‪ ،‬ال ترفع وتنصب يف الضحك ويف الرصاخ ونحو ذلك‪،‬‬
‫وال بد أن يكون هذا الصوت هذه احلروف خارجة من الفم هذا معنى قوله‪« :‬ق ْو ٌل»‪.‬‬

‫أما «م ْفر ٌد» فيعني ليس مرك ابا؛ ألن املركب هو اجلملة الكالم كَم سيأيت‪ ،‬فهذا هو معنى‬
‫الكلمة يف اصطالح النحويني‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪9‬‬

‫وأما الكلمة يف اصطالح اللغويني يعني يف لغة العرب عند العرب يف كالمهم ويف املعاجم‪،‬‬

‫فهي قد تطلق عىل الكلمة املفردة الواحدة‪ ،‬وقد تطلق عىل الكالم كَم يف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ح َّق ْ‬
‫ت‬
‫ك﴾ [يونس‪ ]33:‬مع أنه قال‪َ ﴿ :‬ك ََّّل إِنَّ َها َكلِ َمةٌ ُه َو قَائِلُ َها﴾ [املؤمنون‪ ]100:‬فقال أكثر من‬
‫َكلِ َمةُ َربِّ َ‬
‫مجلة‪ ،‬وتقول‪ :‬ألقى الواعظ كلم اة يف املسجد‪ ،‬وال إله إال اَّلل كلمة التوحيد‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫اصطالحا نحو ايا‪ ،‬وإنَم هو يف اللغة ففي النحو ال‬


‫ا‬ ‫إال أن إطالق الكلمة عىل الكالم هذا ليس‬
‫يسمى الكالم كلمة‪.‬‬

‫ثم ذكر ابن هشام ‪-‬رمحه اَّلل‪ -‬أنواع الكلمة فقال‪:‬‬

‫وهي ْاس ٌم وفِ ْع ٌل وح ْر ٌ‬


‫ف»‬ ‫« ِ‬

‫هذا حرص للكلمة يف هذه األنواع‪ ،‬والذي َّ‬


‫دل عىل هذا احلرص االستقراء‪ ،‬النحويون نظروا‬
‫يف كالم العرب يف القرآن الكريم‪ ،‬يف كالم العرب املحتج به‪ ،‬فوجدوا أن الكلَمت ال خترج عن‬
‫هذه األنواع فقالوا‪ :‬إن الكلمة منحرص ٌة يف هذه األنواع‪ ،‬واالستقراء من األدلة املعتربة ا‬
‫عقال‬
‫وَشعا‪.‬‬
‫ا‬

‫مهم جدً ا إن مل يكن أهم حكم يف النحو؛ فلهذا نقول‪ :‬إن التفريق‬
‫والتفريق بني أنواع الكلمة ٌ‬
‫بني أنواع الكلمة هي الرضورة األوىل يف النحو‪ ،‬ومعنى كون اليشء رضورة أنه ال بد منه طلب‬
‫منك أو مل يطلب‪ ،‬يعني أمر ال بد أن تعمله آل ايا قبل أي حكم نحوي‪ ،‬قبل أن تصدر أي حكم‬
‫اسم أم ٌ‬
‫فعل أم‬ ‫نحوي أو تعرب مباَشة يف ذهنك ال بد أن حتدد كلمة نوع الكلمة‪ ،‬هل هي ٌ‬
‫حرف؟‬
‫‪10‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫فاالسم له أحكامه وإعرابه‪ ،‬وكذلك الفعل‪ ،‬وكذلك احلرف‪ ،‬فإن أخطأت يف نوع الكلمة؛‬
‫فمعنى ذلك أنك أخطأت يف أول الطريق فستضيع فال بد من االهتَمم البالغ هبذه املسألة‪ ،‬ال بد‬
‫من التفريق بني األسَمء واألفعال واحلروف‪.‬‬

‫فلهذا ينتقل النحويون ‪-‬كَم فعل ابن هشام هنا‪ -‬مباَشة إىل كيفية التمييز بني أنواع‬
‫الكلمة‪ ،‬االسم والفعل واحلرف‪ ،‬فذكر ابن هشام العالمات املميزة التي متيز بني أنواع الكلمة‪.‬‬

‫فبدأ باالسم فقال ‪-‬رمحه اَّلل‪:-‬‬


‫يث عنْه كت ِ‬
‫ين كرج ٍل وباحل ِد ِ‬
‫الرج ِل‪ ،‬وبال َّتن ِْو ِ‬
‫اء رض ْبت»‬ ‫االسم في ْعرف با ْل ك َّ‬
‫«فأ َّما ْ‬

‫عالمات مميز ٌة كثرية متى ما قبلت الكلمة واحدا ا من هذه العالمات املميزة كان‬
‫ٌ‬ ‫االسم له‬
‫اسَم‪ ،‬وقد أوصلوها إىل أربعني عالمة وأكثر‪.‬‬ ‫ا‬
‫دليال عىل كوهنا ا‬
‫ونكتفي بأهم هذه العالمات التي تكفينها يف حرص كل األسَمء ومتييزها عن األفعال‬
‫ٍ‬
‫بطريقة دقيقة‪ ،‬فذكر عالم اة قبل االسم‪ ،‬وذكر عالم اة بعد‬ ‫واحلروف‪ ،‬ابن هشام هنا انتقاها‬
‫االسم وهاتان العالمتان عالمتان لفظيتان‪ ،‬وأما العالمة الثالثة فعالمة معنوية‪.‬‬

‫‪ ‬أما العالمة األوىل‪ :‬وهي التي قبل االسم‪ :‬فهي قبوله (ال) وهذا َشح من قبل‪ ،‬ومثل‬
‫ٍ‬
‫كلمة تقبل‬ ‫هذه العالمة اللفظية السابقة قبول النداء‪ ،‬وقبول حروف اجلر‪ ،‬فكل‬
‫اسم‪.‬‬
‫قبلها (ال) أو حرف النداء أو حرف جر فهي ٌ‬
‫‪ ‬وأما العالمة الثانية‪ :‬التي ذكرها ابن هشام وهي بعد االسم فهي قبوله التنوين؛‬
‫والتنوين يقع بعد الكلمة‪ ،‬ومثل ذلك قبول الكلمة لعالمة اجلر وهي الكرسة التي‬
‫سواء تنوين الرفع أو النصب أو اجلر‬ ‫ٍ‬
‫كلمة قبلت التنوين‬ ‫أحدثها عامل اجلر‪ ،‬فكل‬
‫ا‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪11‬‬

‫اسم بداللة‬ ‫فهي اسم‪ ،‬فلهذا قلنا‪ :‬إن ٍ‬


‫أف يف قوله‪﴿ :‬فََّل تَ ُق ْل لَ ُه َما أ ٍّ‬
‫ُف﴾ [اإلرساء‪ٌ ]23:‬‬ ‫ٌ‬
‫التنوين‪ ،‬فهاتان العالمتان لفظيتان؛ يعني تلفظ بـ (ال)‪ ،‬تلفظ بالتنوين وهكذا‪.‬‬
‫‪ ‬وأما العالمة الثالثة‪ :‬التي ذكرها ابن هشام فهي عالم ٌة معنوية‪.‬‬
‫قال‪« :‬احل ِد ِ‬
‫يث عنْه» ماذا يقصد باحلديث عنه؟ يعني اإلسناد إليه‪ ،‬يعني أن كل كلمة يمكن‬
‫فاعال‬ ‫ا‬
‫مبتدأ أو ا‬ ‫اسم‪ ،‬يعني أن كل كلمة يمكن أن جتعلها‬
‫أن تسند إليها معناى من املعان فهي ٌ‬
‫فاعال هذا يف‬ ‫ا‬
‫مبتدأ هذا يف اجلملة االسمية‪ ،‬أو ا‬ ‫اسم‪ ،‬يعني أن كل كلمة يمكن أن جتعلها‬
‫فهي ٌ‬
‫اسم‪ ،‬ملاذا؟‬
‫اجلملة الفعلية فهي ٌ‬

‫ألن اللغات كل اللغات إنَم يتم اإلفهام فيها بعملية اإلسناد‪ ،‬أن تسند شيئاا إىل يشء فتأيت‬
‫الفائدة بذلك‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬لو أردت إسناد النجاح إىل (ُم ْمد)‪ ،‬ماذا تقول؟ (نجح ُم ْمدٌ )‪.‬‬

‫ما معنى (نجح ُم ْمدٌ ) من حيث اإلسناد؟ أسندت ماذا إىل ماذا؟‬

‫أسندت النجاح إىل (ُممد)‪ ،‬فالنجاح مسندٌ أم مسندٌ إليه؟ هو املسند‪ ،‬واملسند إليه الذي‬
‫اسَم‪ ،‬وال‬
‫أسندت إليه النجاح (ُممد)‪ُ( ،‬ممد) هنا فاعل مسندٌ إليه‪ ،‬واملسند إليه ال يكون إال ا‬
‫يمكن أن تسند إال إىل اسم‪.‬‬

‫عرب عن هذا املعنى نفسه إسناد النجاح إىل ُممد‪ ،‬لكن بجملة اسمية تبدأ باسم تقول‪:‬‬
‫ي‬
‫مثال‪ُ( ،‬م ْمدٌ ن ِ‬
‫اج ٌح) ما معنى اجلملة من حيث اإلسناد؟ أنك أسندت النجاح إىل‬ ‫(ُم ْمدٌ ن ِ‬
‫اج ٌح) ا‬
‫ُممد‪ ،‬فاملسند (النجاح) عرب عنه هنا بناجح‪ ،‬واملسند إليه (ُممد) وهو يف هذه اجلملة مبتدأ‪،‬‬
‫اسَم كَم رأيتم‪.‬‬
‫فاملسند إليه ال يكون إال ا‬
‫ُممد يف اجلملتني؛ فـ(ُممد) يف االسمية مبتدأ‪ ،‬و(ُممد) يف الفعلية فاعل‪.‬‬
‫‪12‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫عربنا عنه يف اجلملة الفعلية بـ (نجح) فعل‪ ،‬وعربنا عنه يف‬


‫بخالف (النجاح) وهو املسند‪َّ ،‬‬
‫اسَم وقد يكون ا‬
‫فعال‪.‬‬ ‫اجلملة االسمية بـ (ناجح) وهو اسم فاعل‪ ،‬املسند قد يكون ا‬
‫اسَم‪.‬‬
‫لكن املسند إليه‪ :‬يعني املتحدَّ ث عنه‪ ،‬كَم يعرب ابن هشام‪ ،‬املسند إليه ال يكون إال ا‬
‫ٍ‬
‫كلمة يمكن أن تقع‬ ‫فلهذا اخترصنا هذا الرشح للحديث عنه أو اإلسناد إليه بقولنا كل‬
‫ا‬
‫مبتدأ أو ا‬
‫فاعال؛ ألن املبتدأ يف اجلملة االسمية هو املسند إليه‪ ،‬والفاعل يف اجلملة الفعلية هو‬
‫املسند إليه‪.‬‬

‫فلهذا عرفنا أن ُممد يف (نجح ُم ْمدٌ ) اسم؛ ألنك أسندت النجاح إليه‪.‬‬

‫فإذا قلت‪( :‬نج ْحت) أسندت النجاح إىل م ْن؟ إىل نفسك‪ ،‬أين أنت يف اجلملة؟ أنت ذات‪،‬‬
‫شخص النحو ما له عالقة بالذوات والشخوص‪ ،‬له عالقة بالكلَمت‪ ،‬أين أنت يف الكلَمت يف‬
‫قولك‪ :‬نجحت؟ هذه التاء نقول‪ :‬تاء الفاعل‪ ،‬فتاء الفاعل يف نجحت اسم أم حرف؟ اسم‪ ،‬ما‬
‫الدليل؟‬

‫اسم‪ ،‬فلهذا م َّثل ابن هشام بقوله‪:‬‬ ‫ٍ‬


‫الدليل كوهنا مسندا ا إليها‪ ،‬وكل مسند إليه فهو ٌ‬
‫«كت ِ‬
‫اء رض ْبت»‪.‬‬

‫ٍ‬
‫وفعل‬ ‫ثم بعد أن انتهى ابن هشام من هذه املسألة وهي أنواع الكلمة وانقسامها إىل‪ :‬اس ٍم‬
‫ٍ‬
‫معرب ومبني‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مسألة أخرى؛ وهي الكالم عىل انقسام االسم إىل‬ ‫وحرف‪ ،‬انتقل إىل‬

‫فقال ‪-‬رمحه اَّلل‪:-‬‬

‫اخل ِة عل ْي ِه كز ْي ٍد وم ْبن ِ يي وهو‬


‫ب ا ْلعو ِام ِل الدَّ ِ‬
‫آخره بِسب ِ‬‫ان‪ :‬معرب وهو ما يتغري ِ‬
‫َّ‬ ‫رضب ِ ْ ٌ‬‫«وهو ْ‬
‫بِخالفِ ِه»‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪13‬‬

‫باب املعرب واملبني هو أهم أبواب النحو‪،‬‬


‫هنا بدأ بالكالم عىل املعرب واملبني‪ ،‬وهذا الباب ٌ‬
‫قادرا بإذن اَّلل عىل فهم النحو والتمتع به‪ ،‬والذي ال يفهمه فقدْ‬
‫هو مفتاح النحو من ملكه صار ا‬
‫كرسا‬
‫فقد مفتاح النحو‪ ،‬كيف سيفتح الباب؟ لن يستطيع أن يفتح باب النحو إال أن يكرسه ا‬
‫أعانه اَّلل‪.‬‬

‫لكن ال يفتح النحو إال هبذا الباب‪ ،‬ال يفتح النحو إال هبذا املفتاح‪ ،‬هذا الباب‪ :‬باب املعرب‬
‫واملبني‪ ،‬هذا الباب باب املعرب واملبني ستحتاج إليه مجيع أبواب النحو القادمة دون استثناء؛‬
‫بمعنى أن كل ما سيدرس يف هذا الباب جيب أن تطبقه يف مجيع أبواب النحو القادمة‪ ،‬أنت‬
‫مطالب بتطبيقه يف مجيع أبواب النحو القادمة‪ ،‬فإذا أخفقت يف فهمه وإتقانه معنى ذلك أنك‬
‫ستخفق يف مجيع أبواب النحو القادمة‪.‬‬

‫نحن ا‬
‫مثال عندما نصل إىل باب الفاعل سنرشح املعلومات اجلديدة التي يف هذا الباب‬
‫تعريف الفاعل وكذا‪ ،‬وأنواع الفاعل‪ ،‬أما ما يتعلق بإعراب الفاعل أهم مسألة يف الباب‪ ،‬كيف‬
‫تعرب الفاعل؟ ما عالمات إعراب الفاعل؟ هذا لن يقال يف باب الفاعل‪ ،‬وال يقوله النحويون‬
‫يف باب الفاعل‪ ،‬ملاذا؟ ألنه درس يف هذا الباب‪ :‬باب املعرب واملبني‪.‬‬

‫نعم كتب النحو القديمة كلها ال تذكر اإلعراب يف هذا الباب‪ ،‬ال ختصه بكالم؛ يعني ال‬
‫تبني أركانه ومصطلحاته وطريقة اإلعراب بأهنم صار عندهم يف عرفهم أن هذا مما يأخذه‬
‫الطالب من الشيخ بالتلقي‪ ،‬بخالف األحكام واملعلومات النحوية فهي تكتب يف الكتب يقرأها‬
‫الطالب ويرشحها األستاذ‪ ،‬أما اإلعراب فهو مما يؤخذ بالتلقي‪ ،‬فلهذا ال جتد يف كتب النحو‬
‫كالما عىل طريقة اإلعراب كيف تعرب‪ ،‬أركان اإلعراب‪ ،‬مصطلحات اإلعراب؟‬
‫ا‬

‫فلهذا رأيت أنه من املناسب أن أؤ يلف رسال اة خاص اة باإلعراب ختتلف عن النحو‪ ،‬اإلعراب‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وقت طويل‬ ‫أركان اإلعراب‪ ،‬مصطلحات اإلعراب‪ ،‬طريقة اإلعراب وهي منشورة منذ‬
‫‪14‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫بيان لطريقة اإلعراب"‪ ،‬وَشحته أكثر من مرة‪ ،‬وسأَشحه إن شاء‬


‫وعنواهنا‪" :‬املوطأ يف النحو ٌ‬
‫ابتداء من هذه الليلة يف األكاديمية اإلسالمية املفتوحة‪ ،‬وسيبث الدرس يف قناة املجد‬
‫ا‬ ‫اَّلل‬
‫ابتداء إن شاء اَّلل من هذه الليلة الساعة التاسعة والنصف‪ ،‬يعني بعد درسكم سأذهب‬
‫ا‬ ‫العلمية‪،‬‬
‫مهم جدً ا؛ ألنه‬
‫إليهم إن شاء اَّلل‪ ،‬فهو مكمل ملعلومات النحو‪ ،‬فاالهتَمم باإلعراب وما يتعلق به ٌ‬
‫أبرز ثمرات النحو‪.‬‬

‫الكلمة يقسمها النحويون إىل‪ :‬معرب ومبني‪.‬‬

‫التعريف العام والتفريق العام بني املعرب واملبني أن الكلمة التي تتغري حركة آخرها‪،‬‬
‫واملبني هي الكلمة التي يلزم آخرها حرك اة واحدة‪ ،‬وال تتغري وال تتأثر باإلعراب‪.‬‬

‫قلَم) بالفتحة‪،‬‬
‫قلم) بالضمة‪ ،‬و( ا‬
‫فلهذا نقول يف كلمة‪( :‬قلم) كلمة معربة؛ ألنك تقول‪ٌ ( :‬‬
‫و(قل ٍم) بالكرسة‪ ،‬أو (القلم)‪ ،‬و (القلم)‪ ،‬و(القل ِم)‪ ،‬هذه آخرها يتغري‪.‬‬

‫ٍ‬
‫جلوس)‪،‬‬‫لوسا)‪ ،‬و(‬ ‫وكذلك يف (ُممدٌ )‪ ،‬و(ُممدا ا)‪ ،‬و( ٍ‬
‫جلوس)‪ ،‬و(ج ا‬
‫ٌ‬ ‫ُممد)‪ ،‬و(‬
‫ٍ‬
‫جالس) الكلَمت هذه معربة‪.‬‬ ‫جالسا)‪ ،‬و(‬
‫جالس)‪ ،‬و( ا‬
‫و( ٌ‬

‫وكذلك يف‪( :‬الطالبان‪ ،‬والطالبني)‪ ،‬وكذلك يف‪( :‬املجتهدون‪ ،‬واملجتهدين) هذه كلَمت‬
‫تتأثر باإلعراب يتغري آخرها بسبب اإلعراب‪ ،‬نقول‪ :‬كلَمت معربة‪.‬‬
‫ِ‬
‫هؤالء) ما يقال يف اللغة‪( :‬هؤالء أو هؤالء) حتى ولو جعلت الكلمة‬ ‫أما املبنية فنحو‪( :‬‬
‫ِ‬
‫هؤالء)‪ ،‬يعني أهنا ال‬ ‫فاعال‪ ،‬والفاعل حكمه الرفع ال تقول‪( :‬جاء هؤالء)‪ ،‬لكن تلزم (جاء‬ ‫ا‬
‫تتأثر باإلعراب وإنَم تلزم حرك اة واحدة هذه احلركة ال تتأثر باإلعراب وال تتغري‪.‬‬

‫تشبيها باجلدار املبني؛ فهو اليوم وأمس وغدا ا كَم هو مل يتأثر ومل‬
‫ا‬ ‫‪ o‬املبني سمي مبن ايا‬
‫يتغري‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪15‬‬

‫‪ o‬املعرب سمي معر ابا ملاذا سمي املعرب معر ابا؟ قالوا‪ :‬املعرب يف اللغة هو الواضح‬
‫املبني من قولك‪ :‬أعربت عَم يف نفيس فإذا أعربت عَم يف نفسك صار الذي نفسك‬
‫واضحا معر ابا مبيناا؛ يعني أن الكلمة هذه املعربة كلمة واضحة أو غامضة عىل‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ‬
‫ا‬
‫ذلك‪ ،‬يقول‪ :‬كلمة واضحة‪ ،‬ما الواضح فيها؟ الواضح فيها إعراهبا‪ ،‬حكمها‬
‫اإلعراِب؛ ألن العرِب منذ أن يسمع (ُممدٌ ) يعرف مباَشة أن هذه الكلمة حكمها‬
‫الرفع هذه مرفوعة حتى ولو مل يتأمل فيَم قبلها‪ ،‬وإذا سمع (ُممدا ا) عرف أن حكمها‬
‫ُممد) رفع أن حكمها اجلر‪.‬‬ ‫النصب‪ ،‬ولو سمع ( ٍ‬

‫واضحا؟‬
‫ا‬ ‫ملاذا كانت واضح اة وكان إعراهبا‬

‫اجلواب‪ :‬ألن لفظها له عالقة بإعراهبا‪ ،‬فلفظها يدل عىل إعراهبا‪.‬‬

‫كيف كان لفظها ً‬


‫داال عىل إعراهبا؟‬

‫اجلواب‪ :‬لوجود حركة تتأثر هبذا اإلعراب‪ ،‬وتنسجم معه‪ ،‬ففي الرفع ضمة‪ ،‬ويف النصب‬
‫فتحة‪ ،‬ويف اجلر كرسة‪ ،‬ويف اجلزم سكون‪ ،‬فمنذ أن تسمع الضمة تعرف أنه مرفوع‪ ،‬أو الفتحة‬
‫فتعرف أنه منصوب وهكذا‪.‬‬

‫إذن جمرد اللفظ دون التأمل يف اجلملة‪ ،‬ويف املعنى جمرد لفظ الكلمة يعلمك بإعراهبا‬
‫وحكمها اإلعراِب هذه واضحة‪ ،‬خالص معناها واضح إعراهبا واضح؛ ألن اإلعراب مرتبط‬
‫باملعنى املعنى وليد اإلعراب‪ ،‬فعندما يسمع العرِب نحو قولنا‪( :‬أ ْكرم ُم ْمدٌ خالِدا ا) مباَشة دون‬
‫مزيد تفكري وإجهاد يعرف الفاعل من املفعول به؛ يعني يعرف ِ‬
‫املكرم من املكرم‪.‬‬

‫يعني العرِب القديم الفصيح ما يعرف النحو ومصطلحات النحو مرفوع وفاعل‪ ،‬لكن‬
‫املكرم واملكرم‪ ،‬إذا قلت‪( :‬أكْرم ُم ْمدٌ خالِدا ا)‪ ،‬عرف مباَشة أن (ُم ْمدٌ ) امل ِ‬
‫كرم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يعرف‬
‫‪16‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬
‫ٍ‬
‫وجهد‪ ،‬ألن (ُم ْمدٌ ) يف مصطلح النحويني مرفوع؛ إذن فاعل‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫تفكري‬ ‫و(خالِدا ا) املكرم دون مزيد‬
‫و(ُممدا ا) منصوب يعني مفعول به‪.‬‬
‫هؤالء)‪ ،‬ويف النصب (هؤ ِ‬
‫الء)‪ ،‬ويف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هؤالء) لو كان حكمه الرفع (‬ ‫لكن يف املبنيات إذا قلت‪( :‬‬
‫ِ‬
‫هؤالء)‪ ،‬فهل لفظ هذه الكلمة يدل عىل إعراهبا؟‬ ‫اجلر (‬

‫ال يدل عىل إعراهبا‪ ،‬ما يف أي عالقة بني إعراهبا ولفظها‪ ،‬فلفظها ال يدل عىل إعراهبا‪ ،‬فلو‬
‫ٍ‬
‫بلفظ واحد عىل السواء‪.‬‬ ‫ا‬
‫مفعوال به تكون‬ ‫كانت ا‬
‫فاعال أو‬

‫مفعول به؟ ِ‬
‫مكرم أو‬ ‫ٌ‬ ‫فلهذا ال بد أن تفهم املعنى وما قبلها لكي تعرف هل هي فاعل أم‬
‫ٍ‬
‫حينئذ إال أن جتعل األول فاعل‬ ‫مكرم ال بد أن تفهم املعنى جيدً ا‪ ،‬ولو مل تفهم املعنى فليس لك‬
‫ا‬
‫مفعوال به‪.‬‬ ‫والثان‬
‫ِ‬
‫سيبويه) من امل ِ‬
‫كرم؟ هل اللفظ يف (هؤالء) أو يف (سيبويه) يدل عىل‬ ‫فإذا قيل‪( :‬أ ْكرم هؤال ِء‬
‫ا‬
‫مفعوال به‪.‬‬ ‫الفاعل املرفوع؟ ما يف‪ ،‬إذن ليس لك إال أن جتعل األول ا‬
‫فاعال والثان‬

‫فلهذا يمكن لألول الذي قال‪( :‬أ ْكرم ُم ْمدٌ خالِدا ا) أن يترصف يف الكالم فيقول‪( :‬أكْرم‬
‫واضحا نعرف ِ‬
‫املكرم من املكرم‪ ،‬ملاذا؟ ألن ألفاظ هاتني الكلمتني‬ ‫ا‬ ‫خالِدا ا ُم ْمدٌ ) ويبقى املعنى‬
‫واضحة‪ ،‬إعراهبا واضح‪ ،‬معناها واضح معربة‪.‬‬
‫ِ‬
‫سيبويه) فليس له إال أن يقدي م الفاعل‪ ،‬وأن يؤخر املفعول‬ ‫بخالف الذي يقول‪( :‬أكْرم هؤال ِء‬
‫ِ‬
‫هؤالء حذا ِم)؛ ألن (حذام)‬ ‫ت‬ ‫دل دليل آخر غري اللفظي‪ ،‬كأن يقول ا‬
‫مثال‪( :‬أكْرم ْ‬ ‫به إال إن َّ‬
‫الفاعل ولو تأخرت؛ ألن الفعل مؤنث إذن فالفاعل مؤنث وهكذا‪ ،‬فلهذا سمي املعرب معر ابا‪،‬‬
‫وسمي املبني مبن ايا‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪17‬‬

‫أما يف تعريف النحويني العلمي للمعرب فهو ما ذكره ابن هشام هو ما يتغري آخره بسبب‬
‫العوامل الداخلة عليه‪ ،‬واملبني بخالفه‪ ،‬نعم هذا الذي قلته‪ ،‬قلت أكثره يف َشح املبتدئني لكني‬
‫مهَم فنقول‪ :‬املعرب هو الذي يتغري حركة آخره‪ ،‬لكن هنا قيد تتغري‬
‫أمرا ا‬
‫أعدته ألمهيته‪ ،‬هنا نزيد ا‬
‫ٍ‬
‫بسبب معني‪ ،‬وهو تغري إعرابه‪ ،‬تغري العوامل الداخلة عليه‪.‬‬ ‫حركة آخره‬

‫ففي قولك‪( :‬جاء ُم ْمدٌ )‪ ،‬رفعناه ألنه فاعل‪( ،‬جاء) ت ْطلب ُممدا ا ا‬
‫فاعال‪ ،‬رفعنا (ُممدٌ )‪،‬‬
‫ا‬
‫مفعوال به‪ ،‬ويف‪:‬‬ ‫لكن (أكْر ْمت ُممدا ا)‪ُ( ،‬ممدا ا) منصوب ألن (أكْر ْمت) تطلب (ُممدا ا)‬
‫(س َّل ْمت عىل ُم ْم ٍد)‪ُ( ،‬م ْم ٍد) جمرور ألن (عىل) حرف جر جير االسم الذي بعده‪.‬‬

‫نعم (ُممد) تغريت حركة آخره‪ ،‬لكن ملاذا تغريت حركة آخره؟ بسبب اختالف العوامل‬
‫اإلعرابية الداخلة عليه‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بسبب آخر غري تغري اإلعراب‪ ،‬غري تغري‬ ‫لو وجدنا كلمة تغريت حركة آخرها‪ ،‬لكن تغريت‬
‫العوامل العربية الداخلة عليها‪ ،‬فال نسميها معربة‪.‬‬

‫مثال ذلك‪( :‬رضب) فعل مايض‪ ،‬وآخره ‪-‬كَم تسمعون‪ -‬مفتوح (رضب)؛ صله بـ (واو‬
‫اجلَمعة) (رضبوا)‪ ،‬الباء يف (رضبوا) مفتوحة وال مضمومة؟ مضمومة‪ ،‬آخر الفعل (رضب)‬
‫تغريت حركته أم مل تتغري؟ تغريت حركته‪ ،‬لكن ال نسميه معر ابا‪ ،‬ملاذا؟ ألن التغري هنا ليس‬
‫بسبب اختالف اإلعراب؛ يعني ليس بسبب اختالف العوامل اإلعرابية الداخلة عليه‪ ،‬وإنَم‬
‫ٍ‬
‫ألسباب أخرى‪.‬‬

‫فـ (رضب) هذا فعل مايض مبني عىل الفتح؛ ألن األفعال املاضية تبنى عىل الفتح‪ ،‬فأما‬
‫(رضبوا) األصل (رضب ْوا) ثم ضممنا الباء ال من أجل اإلعراب‪ ،‬ولكن من أجل مناسبة واو‬
‫اجلَمعة‪ ،‬فقلنا‪( :‬رضبوا)‪.‬‬
‫‪18‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫إذن التغيري هنا‪ :‬ليس بسبب العوامل الداخلة عليه؛ يعني العوامل اإلعرابية الداخلية عليه‪،‬‬
‫وإنَم بسبب مناسبة صوتية فال يعد مثل ذلك معر ابا‪.‬‬

‫قال‪( :‬وامل ْبن ِ يي بِخالفِ ِه)؛ يعني أن املبني يشمل الكلَمت التي حركاهتا ثابتة ما تتغري أبدا ا‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ألسباب غري اختالف العوامل اإلعرابية مثل‪:‬‬ ‫(هؤالء)‪ ،‬أو الكلَمت التي تتغري حركاهتا‬ ‫ِ‬ ‫مثل‪:‬‬
‫أيضا مبني‪.‬‬
‫(رضب‪ ،‬رضبوا) هذا ا‬

‫ثم ذكر ابن هشام ‪-‬رمحه اَّلل تعاىل‪ -‬أنواع االسم املبني‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫از نيني‪ ،‬وكأحد عرش وأخواتِ ِه يف‬ ‫احلج ِ‬ ‫س يف لغ ِة ِ‬


‫رس‪ ،‬وكذلِك حذا ِم وأ ْم ِ‬ ‫«كهؤ ِ‬
‫الء يف لزو ِم الك ْ ِ‬

‫لزوم ا ْلفتْحِ ‪ ،‬وكق ْبل وب ْعد وأخو ِاهتَِم يف لزوم الضم إِذا ح ِذف املضاف إِل ْيه ون ِوى م ْعناه‪ ،‬وكم ْن‬
‫ون وهو أصل ا ْلبِن ِ‬ ‫السك ِ‬
‫اء»‬ ‫ْ‬ ‫وك ْم يف لزو ِم ُّ‬

‫فذكر ابن هشام أن االسم املبني أربعة أنواع بحسب ما يبنى عليه‪.‬‬

‫املبني عىل الكرس‪.‬‬


‫النوع األول‪ُّ :‬‬

‫املبني عىل الفتح‪.‬‬


‫الثان‪ُّ :‬‬

‫املبني عىل الضم‪.‬‬


‫الثالث‪ُّ :‬‬

‫املبني عىل السكون‪.‬‬


‫الرابع‪ُّ :‬‬

‫وم َّثل لكل نو ٍع بأكثر من مثال‪.‬‬

‫متفق عليه بني العرب‪ ،‬وهو‪:‬‬ ‫ٍ‬


‫بمثال ٍ‬ ‫بدأ باملبني عىل الكرس‪ :‬فم َّثل له‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪19‬‬

‫ٍ‬
‫خمتلف فيهَم بني العرب ومها‪« :‬حذا ِم‬ ‫مبني عيل الكرس‪ ،‬وم َّثل له بمثالني‬
‫هؤالء‪ :‬اسم إشارة ٌّ‬
‫وأ ْم ِ‬
‫س» ‪.‬‬

‫خالف بني العرب وليس بني النحويني‪ ،‬يعني لغات‬


‫ٌ‬ ‫اخلالف يف نحو (حذام)‪ ،‬ونحو أمس‬
‫العرب ختتلف يف مثل هذين‪ ،‬فَمذا يريد بنحو حذام‪ ،‬باب حذام؟ باب حذام يعني العلم املؤنث‬
‫اش)‬ ‫ِ‬
‫فعال الالم مكسورة ليست بياء‪ ،‬نحو‪( :‬حذا ِم‪ ،‬وقطا ِم‪ ،‬وسجاحِ ‪ ،‬ورق ِ‬ ‫الذي عىل وزن‬
‫دائَم؛ كقول شاعرهم‪:‬‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬فالعرب خمتلفون يف ذلك؛ فاحلجازيون يبنونه عىل الكرس ا‬
‫ملا ترك ا ْلقطا طِيب املنا ِم‬ ‫فلوال املزْ ِعجات ِمن ال نليايل‬
‫ْ‬

‫ت حـذا ِم‬ ‫ت حــذا ِم فصدي قـوهــا َّ‬


‫فإن القــ ْول ما قالـ ْ‬ ‫إذا قال ْ‬

‫فحذام يف املوضعني فاعل‪ ،‬ومع ذلك مل تتأثر باإلعراب ألهنا عندهم مبني ٌة عىل الكرس‪.‬‬

‫فكثري منهم يعربه إعراب ما ال ينرصف؛ يعني ال‬


‫ٌ‬ ‫وأما التميميون فمختلفون يف هذا الباب؛‬
‫ينونه‪ ،‬لكن يرفعه بالضمة يف الرفع‪ ،‬ويف النصب ينصبه بالفتحة‪ ،‬ويف اجلر جيره بالفتحة‪.‬‬

‫يقولون‪( :‬جاءت حذام مرسع اة)‪ ،‬و(رأيت حذام مرسع اة)‪ ،‬و(سلمت عىل حذام) هذا‬
‫اليوم‪.‬‬

‫دائَم‬ ‫ِ‬
‫وما براء كـ (ظفار)؛ فيبنيه عىل الكرس ا‬ ‫فرق بينَم كان خمت ا‬
‫فصل وي ي‬‫وبعضهم ي ي‬
‫خمتوما براء كـ (حذامِ‪ ،‬ورق ِ‬
‫اش) فيعربه إعراب ما ال ينرصف‪ ،‬فهذا‬ ‫ا‬ ‫كاحلجازيني‪ ،‬وبينَم ليس‬
‫خالف العرب يف مثل هذا الباب باب حذامِ‪.‬‬

‫املتكلم سيقول‪ :‬نأخذ بلغة احلجازيني ونرتاح‪ ،‬ونبني عىل الكرس فهي واضحة ومرحية‪.‬‬

‫وأما املثال الثان للمبني عىل الكرس فهو ماذا؟ أمس‪.‬‬


‫‪20‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫و(أمس) كلم ٌة مشهورة كثرية االستعَمل يف الكالم‪ ،‬فلهذا ينبغي عىل املتكلم أن يعرف‬
‫أيضا خمتلفون يف مثل هذه الكلمة‪.‬‬
‫أحكامها‪ ،‬ذكر ابن هشام أن العرب ا‬

‫نلخص اخلالف يف هذه الكلمة فنقول‪ :‬كلمة أمس‪ ،‬إما أن يراد هبا‪:‬‬

‫‪ -‬املايض مطل اقا؛ كقولك‪( :‬كنَّا أ ِعزَّ اة أ ْم اسا) تريد يف املايض مطل اقا‪.‬‬
‫‪ -‬وإما أن يراد به اليوم الذي قبل يومك؛ يعني أمس القريب‪ ،‬نحن اآلن ا‬
‫مثال يف يوم‬
‫الثالثاء ليلة األربعاء‪ ،‬أمس يعني يوم االثنني ليلة الثالثاء‪.‬‬

‫فكلمة أمس تستعمل باملعنيني عند العرب فلهذا نقول‪ :‬إذا أريد بكلمة أمس املايض مطل اقا‬
‫معرب عند مجيع العرب‪ ،‬فتقول‪( :‬كنَّا أ ِع َّز اة ْأم اسا)‪ ،‬ظرف زمان‬
‫ٌ‬ ‫ال اليوم الذي قبل يومك فهو‬
‫منصوب وعالمة نصبه الفتحة‪.‬‬

‫وإن أريد باألمس اليوم الذي قبل يومك فله ثالثة أحوال‪:‬‬

‫معرب عند اجلميع‬


‫ٌ‬ ‫‪ -‬احلالة األوىل‪ :‬أن يكون بـ (ال) األمس‪ ،‬أو مضا افا كـ (أ ْم ِسك) فهذا‬
‫س) وهكذا‪.‬‬ ‫يل)‪ ،‬و( ْاأل ْمس مجِ ٌ‬
‫يل)‪ ،‬و(ز ْرته بِ ْاأل ْم ِ‬ ‫أيضا‪ ،‬نحو‪( :‬أ ْمسنا مجِ ٌ‬
‫ا‬
‫إذا أريد هبا املايض مطل اقا فهي معرب ٌة عند اجلميع‪ ،‬وأما إذا أريد هبا اليوم الذي قبل يومك‬
‫فلها ثالثة أحوال‪:‬‬

‫احلالة األوىل‪ :‬أن تكون بـ (ال) األمس‪ ،‬أو مضا افا كـ (أ ْم ِسك) فهي ا‬
‫أيضا معرب ٌة عند‬
‫اجلميع‪.‬‬

‫مبني‬
‫‪ -‬احلالة الثانية ألمس التي بمعنى اليوم الذي قبل يومك‪ :‬أن يكون ظرف زمان فهذا ٌّ‬
‫س)‬ ‫س)‪ ،‬أو (ل ِقيته أ ْم ِ‬
‫س)‪ ،‬أو (تقاتلوا أ ْم ِ‬
‫أيضا‪ ،‬نحو‪( :‬ز ْرته أ ْم ِ‬
‫عىل الكرس عند اجلميع ا‬
‫هذا مبني عىل الكرس‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪21‬‬

‫إذا قلنا‪ :‬مبني؛ يعني أنه سيعرب إعراب املبنيات‪ ،‬ظرف الزمان حكمه النصب إال أن‬
‫س)‪ ،‬نقول‪ :‬أ ْم ِ‬
‫س ظرف زمان يف‬ ‫اللفظ مبني عىل الكرس‪ ،‬يعني نقول يف اإلعراب (ز ْرته أ ْم ِ‬

‫ُمل نصب مبني عىل الكرس‪.‬‬


‫‪ -‬احلالة الثالثة ألمس التي بمعنى اليوم الذي قبل يومك‪ :‬أال يكون ظر افا وال معر افا بـ (ال)‬
‫وال مضا افا‪ ،‬فهذا هو الذي فيه خالف بني العرب‪ ،‬فاحلجازيون يبنونه عىل الكرس نحو‪:‬‬
‫خري من اليوم)‪ :‬كلمة (أمس) هنا ليست ظرف زمان ال تدل عىل زمان فعل وقع‬ ‫( ِ‬
‫أمس ٌ‬
‫أو سيقع ليست ظر افا‪ ،‬هذا اسم لليوم الذي قبل يومك أمس‪ ،‬وليست معرف اة بـ (ال)‪ ،‬وال‬
‫مضاف اة‪ ،‬فاحلجازيون يبنون عىل الكرس‪.‬‬
‫(أ ْم ِ‬
‫س خ ٌري من اليوم)‪.‬‬

‫أ ْم ِ‬
‫س‪ :‬مبتدأ يف ُمل رفع مبني عىل الكرس‪ ،‬وخ ٌري‪ :‬خربه‪.‬‬

‫وتقول‪( :‬مىض ِ‬
‫أمس بَم فيه)‪.‬‬

‫مىض‪ٌ :‬‬
‫فعل‪.‬‬

‫مبني عىل الكرس‪.‬‬ ‫ِ‬


‫أمس‪ :‬فاعل ٌّ‬
‫وتقول‪( :‬تأملت ِ‬
‫أمس وما فيه)‪.‬‬

‫مفعول به لكن مبني عىل الكرس عندهم‪.‬‬

‫وكذلك‪( :‬انتظرته من ِ‬
‫أمس إىل اليوم)‪،‬‬

‫احلجازيون يبننه عىل الكرس‪ ،‬وأما التميميون فيمنعونه من الرصف‪ ،‬يعربونه ولكن يمنعونه‬
‫من الرصف‪.‬‬
‫‪22‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫خري من اليوم)‪ ،‬و(مىض أمس بَم فيه)‪ ،‬و(تأملت أمس وما فيه)‪ ،‬و(انتظرته‬
‫يقولون‪( :‬أمس ٌ‬
‫من أمس إىل اليوم)‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫وبعض التميميني يبنيه عىل الكرس يف النصب واجلر كاحلجازين‪ ،‬ويمنعه من الرصف‬
‫الرفع‪.‬‬

‫هذا التفصيل اضطرنا إليه أن ابن هشام ذكر اخلالف يف هذه الكلمة‪.‬‬

‫النوع الثان من األسَمء املبنية التي ذكرها ابن هشام‪:‬‬

‫متفق عليه؛ وهي األعداد املركبة من أحد عرش إىل‬ ‫ٍ‬


‫واحد ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بمثال‬ ‫املبني عىل الفتح‪ :‬وم َّثل له‬
‫معرب إعراب املثني‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫تسعة عرش‪ ،‬وكان ينبغي أن يستثني منها‪ :‬اثني عرش‪ ،‬فجزؤه األول‬
‫مبني عىل الفتح‪ ،‬وكأنه مل يستثنه؛ ألنه من املعروف من النحو بالرضورة وسبق‬
‫وجزؤه اآلخر ٌّ‬
‫ذلك يف نحو املبتدئني‪.‬‬

‫والنوع الثالث من األسَمء املبنية‪:‬‬

‫متفق عليه؛ وهي الظروف املقطوعة‬ ‫ٍ‬


‫بمثال واحد ٍ‬ ‫املبني عىل الضم‪ :‬وم َّثل له ابن هشام ا‬
‫أيضا‬
‫عن اإلضافة‪.‬‬

‫الظرف يعني‪ :‬اسم الزمان الذي َّ‬


‫دل عىل زمان الفعل‪.‬‬

‫املقطوعة عن اإلضافة‪ :‬يعني بعد أن أضفته حذفت املضاف إليه‪ ،‬وهذا يدرس بالتفصيل يف باب‬
‫اإلضافة‪ ،‬يف باب اإلضافة هناك مسألة كاملة بمعنى القطع عن اإلضافة‪.‬‬

‫خالصة ذلك أن كلمة (قبل‪ ،‬وبعد) من األسَمء التي تلزم اإلضافة‪ ،‬إال أن املضاف إليه‬
‫رصحت به فليس فيهَم إال اإلعراب عىل‬
‫بعدمها جيوز أن ترصح به‪ ،‬وجيوز أال ترصح به‪ ،‬فإن َّ‬
‫أصل األسَمء‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪23‬‬

‫قبل ٍ‬
‫ُممد)‪ ،‬معرب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املغرب)‪ ،‬أو (جئت من ِ‬ ‫تقول‪( :‬جئت قبل ٍ‬
‫ُممد)‪ ،‬و(صليت بعد‬

‫وإذا مل ترصح بلفظ املضاف إليه جاز لك يف (قبل وبعد) البناء عىل الضم وهذا األكثر‬
‫واألفصح تقول‪( :‬جئت قبل ثم عدت من بعد)‪.‬‬

‫(جئت قبل)‪ :‬من الذي جاء ا‬


‫أوال أنت أم ُممد؟ تقول‪( :‬جئت قبل) يعني قبل ُممد‪،‬‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ لك ثالثة أوجه أفصحها أن تبني عىل الضم (جئت‬ ‫لكنك مل ترصح بلفظ املضاف إليه؛‬
‫قبل ثم عدت من بعد)‪.‬‬

‫قال تعاىل‪﴿ :‬لِلَّ ِه األ َْم ُر ِم ْن قَ ْب ُل َوِم ْن بَ ْع ُد﴾ [الروم‪]4:‬؛ يعني من قبل الفتح ومن بعده‪.‬‬

‫والوجه الثان اجلائز‪ :‬أن ت ْع ِرب وت ْن ِصب‪ ،‬أن تعرب يعني تبقيها معربة وتنون‪ ،‬تقول‪ :‬جئت‬
‫قبال ثم رجعت من ٍ‬
‫بعد‪.‬‬ ‫ا‬

‫قال الشاعر‪:‬‬
‫باملاء الف ِ‬
‫رات‬ ‫الرشاب وكنت قب اال أكاد أغص ِ‬
‫فساغ ِيل َّ‬
‫ُّ‬ ‫ْ‬
‫والوجه الثالث اجلائز أن تعرب لكن بال تنوين‪ ،‬تقول‪ :‬جئت قبل ثم رجعت من ِ‬
‫بعد؛ يعني‬
‫كأن املضاف إليه مذكور وهذه أقل احلاالت‪.‬‬

‫والتمثيل طب اعا إنَم يصح يف احلالة األفصح وهي البناء عىل الضم‪.‬‬

‫والنوع الرابع من األسَمء املبنية‪:‬‬

‫املبني عىل السكون‪ :‬وم َّثل له ابن هشام بمثالني ومها‪( :‬م ْن‪ ،‬وك ْم)‪.‬‬
‫‪24‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫أما (م ْن) فهي مبني ٌة عىل السكون ا‬


‫دائَم‪ ،‬وهلا أوجه قد تكون اسم استفهام كقولك‪( :‬م ْن‬
‫ا‬
‫موصوال بمعنى‬ ‫اسَم‬
‫أبوك؟)‪ ،‬وقد تكون اسم َشط كقولك‪( :‬م ْن جيتهد ينجح)‪ ،‬وقد تكون ا‬
‫الذي كقولك‪( :‬أك ِْر ْم م ْن أ ْك ِرم)؛ يعني الذي أكرمه وهكذا‪.‬‬

‫هل يصح أن نضبط كلمة (من) يف املتن بكرس امليم ( ِم ْن) كمن أم ال يصح؟‬

‫(م ْن) حرف جر‪ ،‬وابن هشام يريد أن يمثل عىل األسَمء املبنية‬‫ما يصح‪ ،‬ملاذا ال يصح؟ ألن ِ‬

‫(م ْن) فحرف فال يصح أن نكرس إذا‬ ‫فال بد أن يكون اسَم مبنيا‪ ،‬ثم يكون مبني عىل السكون‪ ،‬أما ِ‬
‫ا ا‬
‫وجدته مضبو اطا يف بعض ما طبع بالفتح والكرس‪.‬‬

‫كم‬
‫سواء أكانت استفهامية كقولك‪ْ ( :‬‬
‫ٌ‬ ‫دائَم‬
‫كم وهي مبنية عىل السكون ا‬ ‫واملثال اآلخر‪ْ :‬‬
‫مالك؟) أم خربية دالة عىل التكثري كقولك‪( :‬كم ٍ‬
‫مرة هنيتك عن ذلك)‪.‬‬
‫ثم قال ابن هشام (فائدة يف البناء)‪« :‬وهو أصل ا ْلبِن ِ‬
‫اء» يعني السكون‪.‬‬ ‫ْ‬

‫األصل يف املبنيات أن تبنى عىل السكون؛ كَم قال ابن ٍ‬


‫مالك يف ألفيته‪:‬‬

‫واأل ْصل يف ا ْمل ْبن ِ يي ْ‬


‫أن يسكننا‬

‫ما الفائدة عندما نعرف األصل؟‬

‫الفائدة يف ذلك‪ :‬أنك ال تسأل عن سبب بناء املبنيات عىل السكون‪ ،‬ملاذا بنيت عىل السكون؟‬
‫ألهنا األصل‪ ،‬األصل يف املبني أن يبنى عىل السكون‪ ،‬لكن لو رأيت مبن ايا عىل الفتح أو الضم أو‬
‫الكرس فلك أن تسألك ملا خرج عن أصله وبني عىل الفتح يف مثل (كيف)‪ ،‬وملاذا بني عىل الضم‬
‫ِ‬
‫هؤالء) وهكذا‪.‬‬ ‫كَم يف (حيث)؟ وملاذا بني عىل الكرس كَم يف (‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪25‬‬

‫ِ‬
‫وهؤالء) قبل آخرها ساكن‪ ،‬فهذا يمكن أن‬ ‫مثال‪( :‬كيف‪ ،‬وحيث‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ يقولون ا‬ ‫فيعللون‬
‫تبنى عىل السكون لكي ال يلتقي ساكنان‪ ،‬عرفنا اآلن ملاذا حرك‪ ،‬هذا تعليل التحريك‪ ،‬ملاذا‬
‫ِ‬
‫هؤالء) حيتاج إىل‬‫اختريت هذه احلركة بالذات ضمة يف (حيث)‪ ،‬وفتحة يف (كيف)‪ ،‬وكرسة يف (‬
‫تعليل آخر وهكذا‪.‬‬

‫فمعرفة األصول ينبئك عن األشياء التي تستحق أن يسأل عنها‪ ،‬واألشياء التي ال يسأل‬
‫عنها ألهنا جاءت عىل األصل‪.‬‬

‫ثم بعد أن انتهى ابن هشام ‪-‬رمحه اَّلل‪ -‬من الكالم عىل االسم معر ابا ومبن ايا انتقل إىل الفعل‬
‫أيضا عىل بنائه وإعرابه‪.‬‬
‫ليتكلم ا‬

‫فقال ‪-‬رمحه اَّلل‪:-‬‬

‫الساكِن ِة»‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ماض وي ْعرف بِتاء التأنيث َّ‬
‫ٍ‬ ‫«وأ نما ا ْل ِف ْعل فثالثة أ ْقسامٍ‪:‬‬

‫فذكر هنا أقسام الفعل الثالثة املشهورة املايض واملضارع واألمر‪ ،‬وسوف يتكلم عىل كل‬
‫قس ٍم فيذكر العالمات املميزة له عن غريه‪ ،‬ويذكر حكمه من حيث البناء واإلعراب‪.‬‬

‫سيذكر يف كل نوع مسألتني العالمات التي متيزه عن غريه‪ ،‬وحكمه من حيث اإلعراب‬
‫الساكِن ِة»‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ماض وي ْعرف بِتاء التأنيث َّ‬
‫والبناء فلهذا قال يف الفعل املايض بعد ذلك‪ٍ « :‬‬

‫الفعل املايض عالمته التي متيزه عن غريه قبول تاء التأنيث الساكنة وهذا َشح من قبل‪.‬‬

‫ثم ذكر حكمه من حيث اإلعراب والبناء فقال‪:‬‬

‫والض ِم ِري امل ْرفوع املتح ير ِك‬


‫«وبِناؤه عىل ا ْلفتْح كرضب إالَّ مع واو اجلَمع ِة فيض ُّم كرضبوا َّ‬
‫فيسكَّن كرض ْبت»‬
‫‪26‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫فذكر ابن هشام ‪-‬رمحه اَّلل‪ -‬أن الفعل املايض يبنى عىل ثالثة أشياء‪:‬‬

‫‪ -‬يبنى عىل الضم إذا اتصل بواو اجلَمعة كـ (ذهبوا)‪.‬‬


‫‪ -‬ويبنى عىل السكون إذا اتصل به ضمري رف ٍع متحرك‪.‬‬
‫ما املراد بضَمئر الرفع املتحركة؟‬
‫تاء املتكلم كـ (ذه ْبت)‪ ،‬ونون النسوة كـ (الني ْسوة ذه ْبن)‪ ،‬ونا املتكلمني كـ (ن ْحن ذه ْبنا)‪.‬‬

‫هنا نذكر فائدة‪:‬‬


‫الضَمئر كَم سيأيت متصلة ومنفصلة‪ ،‬الضَمئر املتصلة منها‪ :‬ضَمئر تأيت يف ُمل رفع؛ وهي‪:‬‬
‫وجرا‪.‬‬
‫ضَمئر توان اخلمسة اخلاصة بالرفع مع (نا) املتكلمني التي تأيت رف اعا ونص ابا ً‬
‫إذن فضَمئر الرفع املتصلة كم؟‬
‫ستة؛ ثالث ٌة منها ساكنة وهي‪ :‬ألف االثنني (ذهبا)‪ ،‬واو اجلَمعة (ذهبوا)‪ ،‬وياء املخاطبة‬
‫دائَم تشرتك يف األحكام كَم يف األفعال اخلمسة‪.‬‬
‫(اذهبي)‪ ،‬فهذه الثالثة ا‬
‫وثالث ٌة من هذه الضَمئر متحركة يعني أوهلا متحرك‪ :‬وهي تاء املتكلم أو الفاعل يف‪:‬‬
‫دائَم‬
‫(ذه ْبت)‪ ،‬ونون النسوة يف‪( :‬الن ْيسوة ذه ْبن)‪ ،‬و(نا) املتكلمني يف‪( :‬ن ْحن ذه ْبنا)‪ ،‬فهذه الثالثة ا‬
‫أحكامها متشاهبة يف النحو ويف الرصف‪ ،‬فهذه فائدة عىل الطريق‪.‬‬
‫ذكر ابن هشام أن املايض يبنى عىل الضم كـ(رضبوا)‪ ،‬وعىل السكون كـ(رض ْبت)‪،‬‬
‫و(النسوة رض ْبن)‪ ،‬و(نحن رض ْبنا)‪ ،‬ويبنى عىل الفتح فيَم سوى ذلك‪ ،‬يعني إذا مل تتصل به واو‬
‫ٍ‬
‫برسعة)‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫برسعة)‪ ،‬أو (املحمدان ذهبا‬ ‫اجلَمعة‪ ،‬وال ضمري رف ٍع متحرك‪ ،‬كقولك‪ُ( :‬ممدٌ ذهب‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫دائَم‪.‬‬
‫مبني عىل الفتح ا‬
‫وقد ذكرنا يف َشح املبتدئني أن الفعل املايض ٌّ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪27‬‬

‫وأما ابن هشام هنا فذكر أن املايض يبنى عىل الفتح والضم والسكون‪.‬‬
‫واحلقيقة أن ما ذكره ابن هشا ٍم هنا من كون الفعل املايض يبنى عىل الفتح والضم والسكون؛‬
‫تعليمي‪ ،‬وليس مذه ابا علم ايا يعني مل يقل به أحدٌ من‬
‫ٌّ‬ ‫مذهب‬
‫ٌ‬ ‫يعني يبنى عىل حركة آخره هو‬
‫العلَمء من النحويني يف كتبهم العلمية حتى ابن هشام ال يقول بذلك يف كتبه العلمية؛ كأوضح‬
‫دائَم‪ ،‬لكنه مذهب تعليمي أسهل عىل‬
‫مبني عىل الفتح ا‬
‫املسالك‪ ،‬بل ينصون عىل‪ :‬أن املايض ٌّ‬
‫الطالب املتعلمني أن يقال‪ :‬إن املايض مبني عىل حركة آخره‪ ،‬ونحن َشحنا السبب يف ذلك يف‬
‫َشح املبتدئني‪.‬‬
‫ومما ينقض هذا املذهب الفعل املايض املختوم بألف كـ (سعا ودعا)‪ ،‬الفعل املايض املختوم‬
‫بألف كـ (سعا ودعا)‪ ،‬هذا مبني عىل الفتح اتفا اقا‪ ،‬حتى عند هؤالء الذين يقولون إنه يبنى عىل‬
‫الفتح والضم والسكون‪ ،‬يقول‪ :‬ال‪( ،‬سعا ودعا) مبنى عىل الفتح املقدر‪.‬‬
‫ا‬
‫تسهيال عىل الطالب‪ ،‬نقول‪ :‬إذن (سعا‬ ‫إذا كنتم تقولون‪ :‬إن املايض يبنى عىل حركة آخره‬
‫ودعا) مبنى عىل السكون‪ ،‬قوله‪ :‬هناك مبني عىل الفتح املقدر منع من ظهوره التعذر‪ ،‬يعني‬
‫االستحالة‪.‬‬
‫تعليمي وليس مذه ابا علم ايا‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫مذهب‬
‫ٌ‬ ‫فاخلالصة أن ما ذكره ابن هشا ٍم هنا‬

‫والض ِم ِري امل ْرفوع املتح ير ِك»‬


‫وقول ابن هشام ‪-‬رمحه اَّلل تعاىل‪َّ « :-‬‬
‫هذه العبارة ليست ُمررة من ابن هشام وهو يعلم ذلك ال خيفى عليه مثل ذلك‪ ،‬ولكن‬
‫واضحا واملعلومة واضحة قد يتساهلون يف بعض العبارات‪ ،‬لكن ينبغي‬
‫ا‬ ‫العلَمء إذا كان املعنى‬
‫أن ينبه إىل ذلك لكي ال يقال‪ :‬إن العبارة مقصودة؛ ألن عبارة املرفوع واملنصوب واملجرور‬
‫واملجزوم إنَم تقال يف ماذا؟ يف املعربات والضَمئر من املبنيات‪ ،‬فلو أراد أن يدقق يف العبارة كَم‬
‫‪28‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫يفعل يف أوضح املسالك كان يقول ا‬


‫مثال‪ :‬ضمري الرفع املتحرك‪ ،‬ما يقول‪ :‬املرفوع‪ ،‬واملسألة‬
‫سهل اة متى ما علمتم قصد ابن هشام ‪-‬رمحه اَّلل تعاىل‪.-‬‬
‫نقف هنا ونكمل إن شاء اَّلل بعد صالة العشاء‪.‬‬
‫وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ٍ‬
‫ُممد وعىل آله وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫الدرس األول (اجلزء الثان)‪:‬‬

‫بسم اَّلل الرمحن الرحيم احلمد َّلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل نبينا ُممد وعىل آله‬
‫وأصحابه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فقد توقفنا مع ابن هشا ٍم ‪-‬رمحه اَّلل تعاىل ‪ -‬يف الكالم عىل الفعل املايض إذ ذكر العالمة التي‬
‫متيزه‪ ،‬وحكمه من حيث اإلعراب والبناء‪.‬‬
‫فانتهينا من ذلك إال أنه ختم كالمه بقوله‪:‬‬
‫ومنْه نِ ْعم وبِئْس وعسى ول ْيس عىل األص يح»‬
‫« ِ‬

‫يعني من الفعل املايض هذه الكلَمت األربع عىل األصح‪.‬‬


‫فقوله‪« :‬عىل األص يح»؛ يدل عىل أنه فيها خال افا بني النحويني‪ ،‬وأن الذي يرجحه ابن هشام‬
‫أهنا داخل ٌة يف األفعال املاضية‪.‬‬
‫الكلمة األوىل والثانية‪ :‬ومها‪« :‬نِ ْعم وبِئْس»؛ فهَم املستعمالن يف أسلوب املدح والذم يف نحو‬
‫ِ‬
‫قولك‪( :‬ن ْعم الرجل زيدٌ )‪ ،‬و(بِئْس الرجل ٌ‬
‫عمرو)‪.‬‬
‫فقيل‪ :‬إهنَم اسَمن‪ ،‬والصواب‪ :‬أهنَم فعالن ماضيان؛ والدليل عىل كوهنَم فعلني ماضيني‬
‫سواء تاء الفاعل‪ ،‬أو تاء التأنيث‪.‬‬
‫ا‬ ‫قبوهلَم عالمات الفعل املايض التي متيزه‪ ،‬وهي قبول التاء‬
‫ت البدعة)‪.‬‬‫ت املرأة)‪ ،‬ومن ذلك‪( :‬نِ ْعم ْ‬‫مثال‪( :‬هندٌ نِ ْعم ْ‬
‫فتقول ا‬
‫فدخول تاء التأنيث عىل «نِ ْعم وبِئْس» ٌ‬
‫دليل عىل أهنَم فعالن ماضيان‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪29‬‬

‫والكلمة الثالثة والرابعة‪« :‬عسى ول ْيس»‪ ،‬قيل‪ :‬إهنَم حرفان فـ (عسى) حرف ترجٍ ‪ ،‬و(ل ْيس)‬
‫نفي‪.‬‬
‫حرف ٍّ‬
‫أيضا لقبوهلَم عالمات املايض‪ ،‬فأنت يف (ل ْيس) تقول‪:‬‬
‫والصواب‪ :‬أهنَم فعالن ماضيان ا‬
‫ت بخيل اة) فتقبل الدخول عىل التاء‪ ،‬وكذلك يف (عسى) تقول‪:‬‬ ‫ا‬
‫بخيال)‪ ،‬و(هندٌ ل ْيس ْ‬ ‫(ل ْست‬
‫ت أن تسافر)؛ فدل ذلك عىل أهنا ٌ‬
‫أفعال ماضية‪.‬‬ ‫(عس ْيت أن أسافر)‪ ،‬و(هندٌ عس ْ‬

‫ثم انتقل ابن هشام إىل فعل األمر‪ ،‬فقال ‪-‬رمحه اَّلل‪:-‬‬
‫ب مع قب ِولِ ِه ياء املخاطب ِة»‬‫«وأ ْم ٌر وي ْعرف بِ ِداللتِ ِه عىل ال َّطل ِ‬

‫هذه العالمة التي متيزه‪ ،‬وقد سبق َشحها‪.‬‬

‫ثم تكلم عىل بناءه وإعرابه فقال‪:‬‬


‫آخ ِره كـ(ا ْغز) و ْ‬ ‫ف ِ‬‫كـ(ارضب) إِالَّ املعت َّل فعىل ح ْذ ِ‬ ‫السك ِ‬
‫(وارمِ)‬
‫(اخش) ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ون‬ ‫«وبِناؤه عىل ُّ‬
‫ومنْه هلم يف لغ ِة متِيم وه ِ‬
‫ات وتعال يف‬ ‫ُّون‪ِ ،‬‬
‫ف الن ِ‬ ‫ومي) فعىل ح ْذ ِ‬ ‫ونحو (قوما) و(قوموا) و(ق ِ‬
‫ن‬ ‫ْ‬
‫األص يح»‪.‬‬
‫فقد سبق يف َشح املبتدئني أن فعل األمر يبنى عىل السكون‪ ،‬ويبنى عىل حذف النون‪ ،‬ويبنى‬
‫أمرا من األفعال اخلمسة‪ ،‬فتقول يف‪:‬‬
‫عىل حذف حرف العلة‪ ،‬فيبنى عىل حذف النون إذا كان ا‬
‫(يقومون‪ :‬قوموا)‪.‬‬
‫ويف‪( :‬يقومان‪ :‬قوما)‪.‬‬
‫ومني‪ :‬ق ِ‬
‫ومي) فبناؤه عىل حذف النون‪.‬‬ ‫ويف‪( :‬تق ِ‬
‫‪30‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ويبنى عىل حذف حرف العلة إذا كان آخره حرف علة؛ كاألمر من‪( :‬يدْ عو‪ ،‬ا ْدع)‪ ،‬واألمر‬
‫اخش)‪.‬‬
‫(خيشى‪ْ ،‬‬‫من‪( :‬ي ْر ِمي‪ْ ،‬ارم)‪ ،‬واألمر من‪ْ :‬‬
‫واجلس)‪ ،‬فهذا سبق َشحه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫(اذهب‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ويف سوى ذلك يبنى عىل السكون كـ‬
‫مبني عىل الفتح‬ ‫لكن بقي فعل األمر إذا اتصلت به نون التوكيد كـ(ا ْذ َّ‬
‫هبن)‪ ،‬فهل نقول‪ :‬أنه ٌّ‬
‫مبني عىل السكون؟ لكن عىل السكون املقدر‪ ،‬والفتح املوجود فيه هو فتح ختلص من‬
‫الظاهر أم ُّ‬
‫التقاء الساكنني قوالن للنحويني يف هذه املسألة‪.‬‬

‫أيضا بذكر بعض الكلَمت املختلف فيها فقال‪:‬‬


‫وختم ابن هشام الكالم عىل فعل األمر ا‬
‫ومنْه هلم يف لغ ِة متِيم وه ِ‬
‫ات وتعال يف األص يح»‬ ‫« ِ‬
‫َّ‬
‫أيضا فيها خالف‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫كلَمت ا‬ ‫فهذه ثالث‬
‫الكلمة األوىل‪« :‬هل َّم»‪ ،‬واخلالف فيها بني العرب ليس بني النحويني؛ أي أن فيها لغتني عن‬
‫العرب‪ ،‬فاحلجازيون يلزموهنا طريق اة واحد اة مع املذكر واملؤنث‪ ،‬ومع املفرد واملثنى واجلمع؛‬
‫يعني يقولون‪( :‬هل َّم يا رجل)‪ ،‬و (هل َّم يا هند)‪ ،‬و (هل َّم يا رجالن)‪ ،‬و(هل َّم يا هندان)‪ ،‬و(هل َّم‬
‫يا رجال)‪ ،‬و(هل َّم يا هندات)‪ ،‬وهذا يدل عىل أنه ليس ا‬
‫فعال؛ ألن الفعل تتصل به ضَمئر الرفع‬
‫بحسب فاعله‪.‬‬
‫فقالوا‪ :‬إن (هل َّم) عند التميميني عىل هذه الصورة اسم فعل أمر‪ ،‬وليس فعل أمر؛ ألن اسم‬
‫الفعل هو الذي ال يتصل بالضَمئر؛ كقولك‪( :‬صه)‪ ،‬فتقول للرجل‪( :‬صه)‪ ،‬وللمرأة‪( :‬صه)‪،‬‬
‫وللجمع‪( :‬صه يا رجال)‪ ،‬و(صه يا نساء) فال يتصل بالضَمئر‪.‬‬
‫وأما التميميون فيصلون هبذه الكلمة الضَمئر بحسب الفاعل فيقولون‪( :‬هل َّم يا رجل)‪،‬‬
‫و(هلمي يا هند)‪ ،‬و(هلَم يا رجالن‪ ،‬ويا هندان)‪ ،‬و(هلموا يا رجال)‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪31‬‬

‫فقال النحويون‪ :‬إن (هل َّم) عند متيم فعل أمر‪ ،‬كغريه من أفعال األمر التي تتصل بالضَمئر‪.‬‬
‫والقرآن الكريم ‪-‬كَم هو معلوم‪ٌ -‬‬
‫نازل يف أغلبه عىل لغة احلجازيني‪ ،‬فنزل يف هذا عىل لغة‬
‫﴿هلُ َّم إِلَْي نَا﴾‬
‫ويف قوله‪َ :‬‬ ‫[األنعام‪،]150:‬‬ ‫احلجازين كقوله تعاىل‪﴿ :‬قُ ْل َهلُ َّم ُش َه َداءَ ُك ُم﴾‬
‫[األحزاب‪.]18:‬‬

‫وعىل لغة التميميني يقال يف موضعني‪( :‬هلموا)‪.‬‬


‫وأما الكلمة الثانية والثالثة فهَم‪« :‬ه ِ‬
‫ات وتعال»‪.‬‬
‫خالف بني النحويني فلهذا قال عنهَم‪« :‬يف األص يح»‪ ،‬فقيل‪ :‬إهنَم اسَم‬
‫ٌ‬ ‫ويف هاتني الكلمتني‬
‫فعل أمر‪ ،‬والصواب‪ :‬أهنَم فعل أمر؛ لقبوهلَم عالمة فعل األمر فيتصالن بياء املخاطبة‪ ،‬ويدالن‬
‫عىل الطلب‪.‬‬
‫فتقول‪( :‬يا ُممد هات)‪ ،‬و(يا هند ه ِايت)‪ ،‬و(يا ُممد تعال)‪ ،‬و (يا هند تعا ِيل)‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫بعد أن انتهى ابن هشام من القسم األول من األفعال الفعل املايض‪ ،‬والقسم الثان‪ :‬فعل‬
‫األمر‪ ،‬انتقل إىل القسم الثالث وهو الفعل املضارع‪.‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫«ومضار ٍع وي ْعرف بِل ْم»‬
‫أي أن قبول مل هي العالمة التي متيز الفعل املضارع أو غريه‪ ،‬وقد سبق َشح ذلك‪.‬‬

‫ثم ذكر ابن هشام معلوم اة رصفية لغوية عن الفعل املضارع وهو أن الفعل املضارع ال بد أن‬
‫ٍ‬
‫بأحرف من أحرف املضارعة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫يفتتح‬
‫ف ِمن نأ ْيت ن ْحو نقوم وأقوم ويقوم وتقوم»‬
‫«وا ْفتِتاحه بِحر ٍ‬
‫ْ‬
‫‪32‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫حكَم نحو ايا ذكره ابن هشام للفائدة؛ فكل‬ ‫ا‬ ‫لغوي‪ ،‬وليس‬
‫ُّ‬ ‫رصيف‬
‫ٌّ‬ ‫حكم‬
‫ٌ‬ ‫هذا يف احلقيقة‬
‫بحرف من أحرف املضارعة األربعة املجموعة يف‪( :‬نأ ْيت)‪ ،‬أو (أن ْيت)‪،‬‬‫ٍ‬ ‫مضارع ال بد أن يبتدأ‬
‫أو (ن ْأ ِيت) فهي أربعة أحرف‪( :‬اهلمزة‪ ،‬والنون‪ ،‬والياء‪ ،‬والتاء)‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بحرف آخر غري هذه األحرف‪،‬‬ ‫مضارعا يبدأ بالدال وال بالقاف أو‬ ‫يعني ال يمكن أن جتد‬
‫ا‬
‫فاهلمزة للمتكلم‪.‬‬
‫بعض املحققني املدققني يقول‪ :‬ال تقل للمتكلم‪ ،‬قل‪ :‬للتكلم‪ ،‬ملاذا؟‬
‫ألهنا تستعمل مع املذكر واملؤنث؛ فالذكر رجل يقول‪( :‬أ ْذهب)‪ ،‬واملرأة تقول‪( :‬أ ْذهب)‪،‬‬
‫والذين يقولون‪ :‬للمتكلم يغ يلبون‪ ،‬يقول‪ :‬ألن األصل فيَم ع يرب عنه باملذكر أنه يشمل املذكر‬
‫واملؤنث كأغلب كالم العرب من القرآن الكريم‪.‬‬
‫ذكورا‬
‫ا‬ ‫وإن أردت التدقيق فقل‪ :‬للتكلم؛ لكي يشمل األمرين‪ ،‬وكذلك النون للمتكلمني‬
‫كانوا أم إنا اثا‪ ،‬يقول مجاعة الرجال‪( :‬ن ْحن ن ْذهب)‪ ،‬وتقول مجاعة النساء‪( :‬ن ْحن ن ْذهب)‪.‬‬
‫مذكرا كان أم مؤن اثا‪ ،‬مفر ادا كان أم مثناى‪ ،‬أم مج اعا ال يستثنى من‬
‫ا‬ ‫وأما الياء فللغائب مطل اقا‬
‫الغائب سوى املؤنث املفرد‪ ،‬ما سوى املؤنث املفرد من الغيبة تستعمل معهم الياء‪ ،‬تقول‪ُ( :‬ممدٌ‬
‫يذهب)‪ ،‬و(املحمدان يذهبان)‪ ،‬و(املحمدون يذهبون)‪ ،‬و(اهلندات يذهبن)‪ ،‬لكن (هند) هذا‬
‫مؤنث مفرد‪ ،‬ما تقول‪( :‬هندٌ يذهب)‪.‬‬
‫مذكرا‬
‫ا‬ ‫ننتقل للتاء‪ ،‬التاء لشيئني‪ :‬للمؤنث الغائب كـ (هندٌ تذهب)‪ ،‬وللمخاطب مطل اقا‪،‬‬
‫كان أو مؤن اثا‪ ،‬مفر ادا كان أو مؤن اثا أو مج اعا تقول‪( :‬أنت تذهب)‪ ،‬و(أنت تذهبني)‪ ،‬و(أنتَم يا‬
‫ُممدان‪ ،‬ويا هندان تذهبان)‪ ،‬و(أنتم تذهبون)‪ ،‬و(أنتن تذهبن)‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ليشء معني للتكلم‪ ،‬والتاء للمخاطب كله‪ ،‬وأما الغائب فأكثره مع الياء‬ ‫إذن فاهلمزة والنون‬
‫سوى املفرد املؤنث مع التاء‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪33‬‬

‫ف ِمن نأ ْيت» بالرفع‬


‫ومن هذا تعلم أن الضبط الصحيح لقول ابن هشام‪« :‬وا ْفتِتاحه بِحر ٍ‬
‫ْ‬
‫ٍ‬
‫بحرف‪.‬‬ ‫كائن‬ ‫عىل أنه متبدأ وخربه قوله‪« :‬ا ْفتِتاحه بِ ٍ‬
‫حرف»؛ يعني افتتاحه ٌ‬ ‫ْ‬
‫حينئذ يكون يعرف الفعل‬‫ٍ‬ ‫ووهم من ظن أن وافتتاحه باجلر عط افا عىل (ملْ)؛ ألن املعنى‬
‫ٍ‬
‫بحرف من (نأ ْيت)‬ ‫بحرف من (نأ ْيت)‪ ،‬وهذا غري صحيح؛ ألن االفتتاح‬ ‫ٍ‬ ‫املايض بـ(ملْ) وبافتتاحه‬
‫ليس عالم اة مميز اة للمضارع؛ لوجوده يف املايض نحو‪( :‬أمر‪ ،‬ونرص‪ ،‬ويأس)‪ ،‬ويف األمر نحو‪:‬‬
‫(نم)‪ ،‬ويف االسم نحو‪( :‬ن ِ‬
‫ارص‪ ،‬وأكْرب‪ ،‬ويد‪ ،‬ومتْر)‪ ،‬ويف احلروف نحو‪( :‬إىل)‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫ْ‬
‫إذن هو َشط يف املضارع لكنه ليس عالم اة خاص اة باملضارع‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بحرف من أحرف املضارعة ذكر بعد ذلك‬ ‫بعد أن ذكر ابن هشام أن املضارع ال بد أن يبدأ‬
‫حركة حرف املضارعة ما هي؟‬
‫فقال‪:‬‬
‫كـ (ي ْ ِ‬
‫رضب‬ ‫ماض ِيه رباع ًيا كـ (يد ْح ِرج ويك ِْرم)‪ ،‬وي ْفتح يف غ ْ ِري ِه‬
‫«ويضم أوله إِ ْن كان ِ‬
‫ُّ ن‬
‫وي ْستخْ ِرج)»‬
‫حكَم نحو ايا‪ ،‬كل ما يتعلق بالبنية هذا رصف‪،‬‬
‫رصيف وليس ا‬
‫ٌّ‬ ‫لغوي‬
‫ٌ‬ ‫حكم‬
‫ٌ‬ ‫أيضا هذا احلكم‬
‫ا‬
‫نحوا‪.‬‬
‫ليس ا‬
‫اخلالصة يف حركة حرف املضارعة أنه يضم مع الرباعي‪ ،‬ويفتح يف غريه‪ ،‬غري الرباعي ماذا‬
‫يشمل؟‬
‫الثالثي‪ ،‬واخلَميس‪ ،‬والسدايس‪.‬‬
‫جيلِس)‪( ،‬كتب‪ ،‬يكْتب)‪.‬‬ ‫فتقول يف الثالثي‪( :‬ذهب‪ ،‬ي ْذهب)‪( ،‬جلس‪ْ ،‬‬
‫تقول يف اخلَميس‪( :‬انْطلق‪ ،‬ينْطلِق‪ ،‬وأنْطلِق‪ ،‬تنْطلِق‪ ،‬وينْطلِق)‪.‬‬
‫(استخْ رج‪ ،‬ي ْستخْ ِرج‪ ،‬وت ْستخْ ِرج‪ ،‬ون ْستخْ ِرج‪ ،‬وأ ْستخْ ِرج)‪.‬‬
‫وتقول يف السدايس‪ْ :‬‬
‫‪34‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫أما الرباعي‪ :‬فهو املضموم حرف املضارعة فتقول‪( :‬أكْرم‪ ،‬يك ِْرم‪ ،‬ونكرم‪ ،‬وتكرم‪ ،‬أكرم‪ ،‬أو‬
‫د ْحرج‪ ،‬يدحرج‪ ،‬ندحرج‪ ،‬يدحرج‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫بعد أن ذكر ابن هشام العالمة التي متيز الفعل املضارع وأحرف املضارعة‪ ،‬انتقل بعد ذلك‬
‫للكالم عىل إعراب الفعل املضارع وبناءه‪.‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫ون التَّوكِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫«ويسكَّن ِ‬
‫يد‬ ‫ون الن ْيسوة ن ْحو {يرت َّب ْصن} و {إِ َّال أ ْن ي ْعفون} وي ْفتح مع ن ِ ْ‬
‫آخره مع ن ِ‬

‫اَش ِة ل ْف اظا أو ت ْق ِدير اا ن ْحو‪{ :‬لينْبذ َّن}‪ ،‬وي ْعرب فِيَم عدا ذلك ن ْحو‪ :‬يقوم ز ْيدٌ ‪{ ،‬وال ت َّتبِع ي‬
‫ان}‪،‬‬ ‫املب ِ‬

‫{لت ْبلو َّن}‪{ ،‬فإِ َّما تريِ َّن}‪{ ،‬وال يصدُّ نَّك}»‬
‫فذكر ابن هشام ‪-‬رمحه اَّلل‪ -‬أن املضارع معرب إال إذا اتصلت به نون النسوة‪ ،‬فيبنى عىل‬
‫السكون كـ (يدْ ر ْسن وي ْر ِض ْعن)‪.‬‬
‫أو اتصلت به نون التوكيد املباَشة فيبنى عىل الفتح‪ ،‬وسبق َشح ذلك من قبل‪ ،‬لكن نريد‬
‫أيضا عند‬
‫أن نقف هنا عند وصف ابن هشام لنون التوكيد بأهنا مباَشة‪ ،‬هذه زيادة‪ ،‬ونقف ا‬
‫األمثلة التي ذكرها ابن هشام‪.‬‬
‫فاملضارع يبنى عىل الفتح إذا اتصلت به نون التوكيد املباَشة‪ ،‬نحو‪( :‬ي ْلعب‪ ،‬ال ت ْلعب َّن)‪،‬‬
‫نون التوكيد باَشت الفعل‪ ،‬مل يفصل بينهَم فاصل‪ ،‬هذه نسميها مباَشة‪.‬‬
‫وأما نون التوكيد غري املباَشة فال يبنى معها املضارع يعني يبقى عىل إعرابه‪ ،‬يبقى معر ابا‪.‬‬
‫وما املراد بنون التوكيد غري املباَشة؟‬
‫يعني نون التوكيد التي مل تباَش الفعل؛ لوجود فاصل بينهَم‪ ،‬حاجز فاصل بني الفعل‬
‫املضارع وبني نون التوكيد‪ ،‬هذا الفاصل بينهَم قد يكون ملفو اظا به‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪35‬‬

‫نحو ختاطب اثنني تقول‪( :‬أنْتَم ت ْلعب ِ‬


‫ان)‪ ،‬أكيد (ت ْلعبان) وأهنامها عن ذلك؛ فتقول‪( :‬ال‬
‫ان) الفعل (تلعبان)‪ ،‬أدخل عليه ال الناهية‪( :‬ال ت ْلعبا)‪ ،‬أكيده بنون التوكيد‪( :‬ال ت ْلعب ي‬
‫ان)‪،‬‬ ‫ت ْلعب ي‬
‫نون التوكيد النون املشددة‪ ،‬والفعل (ت ْلعب) وبينهَم ألف االثنني‪ ،‬إذن فنون التوكيد مباَشة أم‬
‫غري مباَشة؟‬
‫غري مباَشة‪ ،‬لوجود الفاصل وهو ألف االثنني‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ معرب أو مبني؟ نقول‪ :‬معرب هذا فعل مضارع جمزوم ليس يف ُمل‬ ‫فنقول‪ :‬إن الفعل‬
‫اجلزم‪ ،‬جمزوم وعالمة جزمه حذف النون‪.‬‬
‫مقدرا؟‬
‫ا‬ ‫مقدرا ما معنى‬
‫ا‬ ‫وقد يكون الفاصل بينهَم‬
‫يعني ُمذو افا من اللفظ‪ ،‬مثل‪( :‬ت ْلعبون) الفعل (ت ْلعبون) أ ْدخل عليه ال الناهية‪( ،‬ال ت ْلعبوا)‬
‫خمتوما بواو اجلَمعة‪( ،‬ال ت ْلعبوا) واو اجلَمعة ‪-‬كَم عرفنا قبل قليل‪ -‬ضمري‬
‫ا‬ ‫حذفت النون‪ ،‬وصار‬
‫ساكن‪ ،‬أدخل عليه نون التوكيد‪ ،‬نون التوكيد إما نون خفيفة حرف ساكن أن نون ثقيلة‬
‫مشددة؛ يعني نون ساكنة وبعدها نون متحركة‪ ،‬فنون التوكيد عىل كل حال تبدأ بساكن‪ ،‬وواو‬
‫اجلَمعة يف (ت ْلعبوا) ا‬
‫أيضا ساكن فالتقى ساكنان‪.‬‬
‫وكيف نتخلص من التقاء الساكنني؟‬
‫إن كان األول حرف مد حذفناه‪ ،‬وإذا مل يكن حرف مد حركناه هذه قاعدة التخلص من‬
‫التقاء الساكنني‪ ،‬والساكن األول هنا‪ :‬حرف مد واو اجلَمعة فنحذفه‪ ،‬فنقول‪( :‬ال ت ْلعب َّن)‪،‬‬
‫ٌ‬
‫اتصال غري مباَش لوجود‬ ‫بحذف واو اجلَمعة؛ فالنون اتصلت بالباء آخر الفعل‪ ،‬لكنه يف احلقيقة‬
‫الفاصل‪ ،‬الفاصل امللفوظ به أم الفاصل املقدر ألنه ُمذوف؟‬
‫مقدر ألنه ُمذوف‪ ،‬واملحذوف يف حكم املذكور‪ ،‬ملاذا يف حكم املذكور؟‬

‫الجتَمعهَم يف الوجود‪ ،‬ألن املحذوف موجود أم غري موجود؟‬


‫‪36‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫موجود ألن احلذف ال يقع إال عىل موجود‪ ،‬ال يمكن أن توقع احلذف عىل معدوم؛ يعني‬
‫يشء غري موجود ا‬
‫أصال ثم حتذفه‪ ،‬احلذف ال يكون إال عىل يشء موجود كان موجود‪ ،‬ثم‬
‫حذفته‪ ،‬فقولك‪ُ :‬مذوف يدل عىل أنه موجود‪ ،‬لكن أصابه احلذف‪ ،‬إذن فهو موجود ولكنه‬
‫ُمذوف‪.‬‬

‫اخلالصة‪ :‬أن الفعل هنا بينه وبني نون التوكيد فاصل وهو واو اجلَمعة املقدرة؛ ألهنا ُمذوفة‬
‫فيبقى الفعل معر ابا‪ ،‬فنقول‪( :‬ال ت ْلعب َّن) فعل مضارع جمزوم وعالمة جزمه حذف النون‪ ،‬فهذا‬
‫مراد ابن هشام بوصف نون التوكيد التي يبنى معها املضارع عىل الفتح بأهنا مباَشة‪.‬‬

‫وأما أمثلة ابن هشام ‪-‬رمحه اَّلل‪ -‬فم َّثل‪ :‬بـ ﴿يرت َّب ْصن﴾ [البقرة‪ ،]234:‬هذا فعل مضارع مبني‬
‫عىل السكون التصاله بنون النسوة‪.‬‬

‫مبني‬ ‫وم َّثل بقوله تعاىل‪﴿ :‬إِ َّال أ ْن ي ْعفون﴾ [البقرة‪]237:‬؛ يعني املطلقات هذا ٌ‬
‫فعل مضارع ٌّ‬
‫مجع‬
‫عىل السكون التصاله بنون النسوة‪ ،‬نون النسوة يف ﴿ي ْعفون﴾ يعود عىل املطلقات‪ ،‬وهن ٌ‬
‫مؤنث وضمريهن نون النسوة‪.‬‬

‫فالنون النسوة يف ﴿ي ْعفون﴾ هذه نون النسوة تعود إىل املطلقات‪ ،‬والفعل (ي ْعفو)‪ ،‬هذا‬
‫الفعل (ي ْعفو) عىل وزن (ي ْفعل) مثل‪( :‬يدْ عو)‪.‬‬

‫ثم اتصلت بنون النسوة بالفعل(ي ْعفو) كَم تتصل بالفعل (يكْتب)‪ ،‬تقول‪( :‬يكْتب‪ :‬يكْت ْبن)‪،‬‬
‫و(ي ْعفو‪ :‬ي ْعفون)‪.‬‬

‫الفعل (ي ْعفو) اتصلت به نون النسوة فوزن (ي ْعفون) كوزن (يكْت ْبن)؛ يعني (ي ْفع ْلن)‪،‬‬
‫مبني عىل السكون التصاله بنون النسوة‪.‬‬
‫مضارع اتصلت به نون النسوة فهو ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫فالفعل هنا ٌ‬
‫فعل‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪37‬‬

‫(الرجال ي ْعفون)؛ فالواو يف (ي ْعفون) هذه واو‬


‫(الرجال ي ْعفون)‪ ،‬لو قلت‪ :‬ي‬
‫بخالف قولنا‪ :‬ي‬
‫اجلَمعة‪ ،‬والنون يف (ي ْعفون) هذه عالمة الرفع مع األفعال اخلمسة‪ ،‬وأصل الفعل (ي ْعفو)‬
‫كـ(يدْ عو) فعل مضارع خمتوم بواو ساكنة‪ ،‬ثم دخلت واو اجلَمعة عىل الفعل؛ ألنه ضمري‬
‫الرجال‪ ،‬واو اجلَمعة ضمري ساكن‪ ،‬والفعل خمتوم بواو ساكنة فالتقى ساكنان‪ ،‬فحذفنا األول‪.‬‬

‫يعني حذفنا واو اجلَمعة أم واو الفعل؟‬

‫حذفنا واو الفعل‪ ،‬وبقيت واو اجلَمعة‪ ،‬والنون عالمة الرفع يف األفعال اخلمسة فصار‬
‫يعفون‪.‬‬

‫إذن (ي ْعفون) ما وزنه؟ ال بد حتذف الواو‪ ،‬الواو تقابل الالم يف امليزان‪ ،‬إذن احذف الالم يف‬
‫امليزان؛ فوزن (ي ْعفون) (ي ْفعون) بحذف الالم‪ ،‬هذا فعل مضارع مرفوع وعالمة رفعه ثبوت‬
‫النون‪ ،‬ألنه مل يتصل بنون النسوة وال بنون التوكيد‪.‬‬

‫مبني عىل الفتح التصاله بنون التوكيد‬


‫مضارع ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫وم َّثل ابن هشام بقوله تعاىل‪﴿ :‬لينْبذ َّن﴾ فعل‬
‫املباَشة‪ ،‬أصله الفعل (ينْبذ)‪ ،‬اتصلت به نون التوكيد (ينْبذ َّن) فبني عىل الفتح‪.‬‬

‫ان سبِيل ا َّل ِذين ال ي ْعلمون﴾ [يونس‪﴿ ،]89:‬ت َّتبِع ي‬


‫ان﴾‪ :‬مضارع‬ ‫وم َّثل بقوله تعاىل‪﴿ :‬وال ت َّتبِع ي‬
‫معرب جمزوم وعالمة جزمه حذف النون‪.‬‬

‫ونون التوكيد ملاذا مل تبنه؟ ألهنا غري مباَشة مل تؤثر يف البناء‪ ،‬ما الذي فصل بني نون التوكيد‬
‫وبني الفعل (ت َّتبِع)‪ ،‬ألف االثنني‪ ،‬كَم يف (ال ت ْلعب ي‬
‫ان)‪.‬‬

‫مضارع مرفوع وعالمة رفعه ثبوت النون املحذوفة‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫وم َّثل بقوله تعاىل‪﴿ :‬لت ْبلو َّن﴾ هذا ٌ‬
‫فعل‬

‫نفهم املسألة من األصل‪ ،‬ما أصل الفعل (ت ْبلو َّن)؟ يعني احذف ما اتصل به من أوله وآخره‬
‫(ت ْبىل) أصل الفعل (ت ْبىل) اتصلت به واو اجلَمعة‪ ،‬ثم نون الرفع‪ ،‬ثم نون التوكيد‪( ،‬ت ْبىل)‬
‫‪38‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫اتصلت به واو اجلَمعة‪ ،‬واو اجلَمعة ساكنة و(ت ْبىل) خمتوم بألف ساكنة التقى ساكنان‪ ،‬ماذا‬
‫سنفعل؟‬

‫سنحذف الساكن األول يعني ألف (ت ْبىل)؛ صارت (ت ْبلو)‪ ،‬ثم أدخلنا نون التوكيد‪ ،‬ونون‬
‫ٍ‬
‫حينئذ؟‬ ‫التوكيد مبدوءة بساكن‪ ،‬وواو اجلَمعة ساكنة‪ ،‬ماذا تفعل العرب‬

‫أيضا فقد أجحفت بالفعل؛ جلمعها حذفني عىل الفعل وهذا ال‬
‫إن حذفت واو اجلَمعة ا‬
‫تفعله العرب‪ ،‬اللغة العربية عادل ٌة وحكيمة‪ ،‬لكن التقى ساكنان ماذا نفعل؟ يقول‪ :‬نتخلص من‬
‫التقاء الساكنني بالتحريك مع أن القياس احلذف‪ ،‬لكن نتخلص بالتحريك لكي ال نجحف عىل‬
‫الفعل بحذفني؛ فحركوا واو اجلَمعة بالضم‪( ،‬ت ْبلو َّن) هذه واو اجلَمعة لكن حركت بالضم‬
‫لاللتقاء الساكنني ومل حتذف عىل القياس؛ لكي ال جيحف بحق الفعل‪.‬‬

‫فعىل ذلك نون التوكيد باَشت الفعل أم فصلت واو اجلَمعة بينهَم؟‬

‫فصلت بينهَم وهي ظاهرة‪.‬‬

‫والفعل هنا (ت ْبىل) هذا فعل مضارع مسبوق بناصب أو بجازم‪( ،‬لت ْبلو َّن) الالم هنا الم‬
‫القسم‪ ،‬يعني الواقعة يف جواب القسم والتقدير‪( :‬واَّللِ لت ْبلو َّن) هذا ليس من مواضع نصب‬
‫املضارع‪ ،‬وال جزم املضارع‪ ،‬إذن فاملضارع حكمه هنا الرفع وهو مضارع من األفعال اخلمسة‬
‫التصاله بواو اجلَمعة؛ يعني فيه نون الرفع‪ ،‬فعندك (ت ْبىل)‪ ،‬وعندك واو اجلَمعة‪ ،‬ثم نون الرفع‪،‬‬
‫ثم نون التوكيد‪.‬‬

‫ما عندنا إال نون التوكيد يف اآلية‪ ،‬أين نون الرفع؟ حذفت‪ ،‬لكن مل حتذف بسبب ناصب أو‬
‫جازم‪ ،‬وإنَم حذفت بسبب توايل ثالثة أمثال‪ ،‬فهي نون‪ ،‬ونون التوكيد نونان‪ ،‬فكرهوا توايل‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪39‬‬

‫ثالثة أمثال؛ فحذفوا نون الرفع لذلك‪ ،‬فلهذا نقول‪ :‬فعل مضارع مرفوع وعالمة رفعه ثبوت‬
‫النون املحذوفة‪ ،‬من فهم النحو تلذذ به‪.‬‬

‫فعل‬ ‫أيضا بقوله تعاىل‪﴿ :‬فإِ َّما تر ِي َّن ِمن ا ْلب ِ‬


‫رش أحدا ا﴾ [مريم‪( ،]26:‬تريِ َّن) هذا ٌ‬ ‫م َّثل ابن هشام ا‬
‫مضارع جمزوم وعالمة جزمه حذف النون‪ ،‬وياء املخاطبة التي تعود إىل مريم ‪-‬عليها السالم‪-‬‬
‫ٌ‬
‫فصلت بني الفعل (ترى) وبني نون التوكيد‪ ،‬إذن فنون التوكيد هنا غري مباَشة‪ ،‬ننظر ماذا‬
‫حدث يف الفعل من األصل؟‬

‫الفعل يف األصل بعد أن نحذف ما اتصل به من أوله وآخره هو الفعل (ترى)‪ ،‬اتصلت به‬
‫ياء املخاطبة‪ ،‬وياء املخاطبة تأيت معها نون الرفع من األفعال اخلمسة ثم نون التوكيد‪ ،‬عندك‬
‫الفعل (ترى) وياء املخاطبة ونون الرفع‪ ،‬ونون التوكيد‪.‬‬

‫(ترى) أدخل عليها ياء املخاطبة‪ ،‬ياء املخاطبة ضمري ساكن‪ ،‬و(ترى) خمتومة بألف وهي‬
‫ساكنة فالتقى ساكنان فحذفنا األلف صارت (تري)‪.‬‬

‫دخلت (إما) الرشطية (إما تري)‪ ،‬هذه إما الرشطية إذن (تري) هذا الفعل الواقع فعل‬
‫الرشط جمزوم وعالمة جزمه حذف النون‪ ،‬حذفنا النون للجزم‪ ،‬ثم دخلت نون التوكيد مبدوءة‬
‫أيضا ضمري ساكن التقى ساكنان نحذف أو نحرك؟‬
‫بساكن‪ ،‬و(تري) هذه الياء املخاطبة وهي ا‬

‫إن حذفنا عىل القياس أجحفنا بالفعل جلمع احلذفني عليه‪ ،‬إذن سنحرك كَم فعلنا يف‬
‫(ت ْبلو َّن) لكن سنحرك هنا بالكرس؛ ألنه يناسب ياء املخاطبة‪ ،‬فنقول‪( :‬تريِ َّن)‪ ،‬أما يف (ت ْبلو َّن)‬
‫حركَّنا الواو بالضم؛ ألهنا تناسب الواو (ت ْبلو َّن) هذه مناسبات صوتية هذا الذي حدث يف‬
‫الفعل‪.‬‬
‫‪40‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬
‫واملثال األخري قوله تعاىل‪﴿ :‬وال يصدُّ نَّك عن آي ِ‬
‫ات اَّللَِّ﴾ [القصص‪( ،]87:‬يصدُّ نَّك) هذا‬ ‫ْ‬
‫مضارع جمزوم وعالمة جزمه حذف النون‪ ،‬ما الفعل؟ (يصدُّ )‪( ،‬يصدُّ ) دخلت عليه واو اجلَمعة‬
‫التي تعود إىل املتكلم عنهم يقول‪( :‬هؤالء ليصدُّ ونك) هذه واو اجلَمعة دخلت عىل (يصدُّ )‪،‬‬
‫وواو اجلَمعة تأيت بنون الرفع من األفعال اخلمسة (يصدُّ ون)‪ ،‬األصل (يصدُّ ون)‪ ،‬ثم دخلت نون‬
‫التوكيد‪.‬‬

‫(يصدُّ ) خمتوم بدال حرف متحرك‪ ،‬واو اجلَمعة ما يف إشكال‪ ،‬جتتمع واو اجلَمعة مع الدال‬
‫(يصدُّ ون) ما يف اشكال‪ ،‬لكن دخلت ال الناهية فحذفنا نون الرفع‪ ،‬فصارت (ال يصدُّ وا)‪ ،‬ثم‬
‫دخلت نون التوكيد‪ ،‬ونون التوكيد أوهلا ساكن‪ ،‬وواو اجلَمعة ساكنة‪.‬‬

‫كيف نتخلص من التقاء الساكنني؟‬

‫القياس باحلذف لعدم وجود اإلجحاف؛ فنحذف هنا واو اجلَمعة‪ ،‬فنقول‪( :‬ال يصدُّ نَّك)‪،‬‬
‫نحذف الواو ما نحركها لكن الواو هذه املحذوفة فصلت بني الفعل وبني النون فيقول‪ٌ :‬‬
‫فعل‬
‫مضارع جمزوم وعالمة جزمه حذف النون‪.‬‬
‫ٌ‬

‫بخالف ما لو قلت‪( :‬يا ُممد هذا الرجل ال يصدَّ نَّك) عن كذا وكذا عند خطاب املفرد‪،‬‬
‫مبني عىل الفتح التصاله بنون التوكيد املباَشة‪ ،‬األصل (يصدُّ ) ثم اتصلت بنون‬
‫فاملضارع ٌّ‬
‫التوكيد املباَشة (ال يصدَّ نَّك)‪ ،‬ما يف فاصل‪ ،‬ال واو اجلَمعة‪ ،‬وال غريها‪ ،‬فيكون مبن ايا التصاله‬
‫بنون التوكيد‪.‬‬

‫عىل ذلك انتهى ابن هشام من الكالم عن االسم َّبني معربه ومبنيه‪ ،‬ثم تكلم عىل األفعال‬
‫بأنواعها املايض واملضارع واألمر‪ ،‬اآلن سينتقل إىل النوع الثالث من أنواع الكلمة وهو احلرف‬
‫فيبني بناءه وإعرابه‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪41‬‬

‫فيقول ‪-‬رمحه اَّلل‪:-‬‬

‫االس ِم وا ْل ِف ْع ِل ن ْحو ه ْل وب ْل»‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫«وأ َّما احل ْرف في ْعرف بأ ْن ال ي ْقبل شيئاا م ْن عالمات ْ‬

‫َشحنا ذلك من قبل أن احلروف عالماهتا عدمية‪ ،‬أال تقبل شيئاا من عالمة األسَمء‪ ،‬وال‬
‫شيئاا من عالمات األفعال‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كلَمت خمتل افا يف حرفيتها فقال‪:‬‬ ‫ثم ذكر‬

‫الرابِطة عىل األص يح»‬ ‫«ول ْيس ِمنْه (م ْهَم) و (إِ ْذ ما)‪ ،‬ب ْل (ما) امل ْصد ِر َّية و َّ‬
‫(ملا) َّ‬

‫إذن فذكر أربع كلَمت خمتل افا يف نوعها‪:‬‬

‫الكلمة األوىل‪( :‬م ْهَم)‪ ،‬هذا يف أسلوب الرشط‪( ،‬م ْهَم ت ْفع ْل ْجتزى بِه)‪.‬‬

‫ما نوع (م ْهَم)؟‬

‫قيل‪ :‬حرف َشط يعني مثل (إِ ْن) يعني ما يعود عليها ضمري‪ ،‬والصحيح عند املحققني أهنا‬
‫اسم؛ ألن الضمري قد يعود عليها‪.‬‬
‫ٌ‬

‫أيضا يف أسلوب الرشط؛ وهي بمعنى (إِ ْن)‪( ،‬إِ ْن ْجتت ِهدْ تنْجح)‪( ،‬إِ ْذ‬
‫الكلمة الثانية‪( :‬إِ ْذ ما) ا‬
‫ما ْجتت ِهدْ تنْجح)‪.‬‬

‫ما نوعها؟ قيل‪( :‬إذ) حرف َشط‪ ،‬حرف يعني مثل‪( :‬إِ ْن) ما يعود عليها ضمري وهذا هو‬
‫األصح عند املحققني كابن هشا ٍم يف «أوضح املسالك»‪ ،‬وقيل‪ :‬اسم َشط وهذا الذي رجحه‬
‫ابن هشام يف «قطر الندى»‪ ،‬فالعامل قد خيتلف قوله يف كتبه‪ ،‬فلذلك هنا يف رسالة علمية عن‬
‫اختالف آراء ابن هشام يف كتبه‪.‬‬

‫الكلمة الثالثة هي‪( :‬ما) امل ْصد ِر َّية يعني التي ينسبك منها ومما بعدها مصدر‪.‬‬
‫‪42‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫كقولك‪( :‬يرسن ما صنعت)‪ ،‬يعني‪( :‬يرسن صنعك)‪.‬‬

‫حرف كَم اختار ابن هشام هنا‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫اسم واألصح أهنا‬
‫(ما) هذه املصدرية قيل‪ٌ :‬‬

‫الرابِطة وتسمى ملا احلينية‬ ‫الرابِطة‪َّ ،‬‬


‫(ملا) َّ‬ ‫والكلمة الرابعة وهي األخرية‪َّ :‬‬
‫(ملا) قال ابن هشام َّ‬
‫الرابِطة؛ ألهنا تربط اإلكرام‬ ‫ألهنا بمعنى (حني)؛ كقولك‪َّ ( :‬ملا جاء زيدٌ أكرمته)‪ ،‬تسمى َّ‬
‫(ملا) َّ‬
‫اسم‬
‫باملجيء أو احلينية؛ ألهنا بمعنى (حني)‪ ،‬يعني (حني جاء زيدٌ أكرمته)‪ ،‬ما نوعها؟ قيل‪ٌ :‬‬
‫حرف رابط وهذا من اخلالفات القوية‪ ،‬واألصح عند ابن هشا ٍم هنا ويف‬
‫ٌ‬ ‫مثل‪( :‬حني)‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫كتبه األخرى أهنا حرف‪.‬‬

‫ثم ذكر ابن هشام أن احلروف كلها مبنية فقال‪:‬‬

‫وف م ْبن ِ َّي ٌة»‬


‫«ومجِيع احلر ِ‬

‫وقد سبق َشح ذلك‪.‬‬

‫ابن مالك يف األلفية عندما أراد أن يبني هذا احلكم وهو كون احلروف كلها مبنية ماذا قال؟‬

‫ف م ْستحـــــــــ ٌّق لِ ْلبِنــــــــا‬


‫ــــــــل حـــــــــر ٍ‬
‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫وك‬

‫فأخذ ذلك عليه‪ ،‬هذا مما أخذ عىل األلفية‪ ،‬وبني هذا املأخذ ُممد بن ُممد بن ُممد بن ُممد‬
‫الغزي ي يف َشح له عىل األلفية عبارة عن عرشة آالف بيت‪ ،‬كل الرشح يعني منظوم‪َ ،‬شح البيت‬
‫بنظم‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫مبنـــي لكـــان أحســـنا‬ ‫لـــو قـــال‬ ‫ســــتحق للبِنــــا‬


‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫حــــرف م‬ ‫وكــــل‬
‫ٌّ‬

‫خمصوصــــا بـــذاك األمــــر‬


‫ا‬ ‫يكـــون‬ ‫فلـــــيس كـــــل مســـــتحق أمـــــر‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪43‬‬

‫مستحق للبناء‪ ،‬عرفنا حق‬


‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫حرف‬ ‫ابن مالك قال‪ :‬إن حق احلروف أن تكون مبنية كل‬
‫احلرف‪ ،‬طيب أخذ هذا حق أم ما أخذ حقه؟‬
‫هذه مسألة أخرى ما ب َّينها ابن مالك ربَم حق األسَمء اإلعراب‪ ،‬لكن يف أسَمء بنيت حق‬
‫األفعال البناء يف أفعال أعربت‪ ،‬وهكذا هذا من تدقيقات العلَمء‪.‬‬
‫بذلك ختم ابن هشام الكالم عن الكلمة؛ لينتقل إىل الكالم عىل الكالم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫«وا ْلكالم ل ْف ٌظ م ِفيدٌ »‬
‫الكالم يعني‪ :‬ذكر اآلجرومية تعريف الكالم‪ ،‬فاللفظ‪ :‬يعني احلروف امللفوظة من الفم‪،‬‬
‫فهي كَم يلفظ اليشء فسميت لف اظا‪.‬‬
‫واملفيد‪ :‬ما يدل عىل معناى تام يصح االكتفاء به‪ ،‬والوقوف عليه هذا معنى املفيد‪ ،‬بخالف‬
‫فائدة الكلمة‪ ،‬الكلمة املفردة مثل‪ُ( :‬ممد‪ ،‬باب‪ ،‬جلس) هذه كلَمت مفردة هل هلا معناى‪ ،‬أم‬
‫ليس هلا معناى؟‬
‫(باب) تدل عىل مكان الدخول واخلروج‪.‬‬
‫(ُممد) تدل عىل رجل اسمه ُممد‪.‬‬
‫معنى‬
‫ا‬ ‫كلمة هلا معنى وليس هلا معنى؟ هلا معنى املفرد له معنى‪ ،‬لكن املعنى ناقص تدل عىل‬
‫جمرد ناقص (ُممد)‪ ،‬ما باله؟ ما أخربتنا عنه بيشء فائدة ليست كاملة؛ ألنه معلوم أن يف الوجود‬
‫رجل اسمه (ُممد)‪ ،‬ما أفدتنا بيشء هذا أمر نعرفه‪.‬‬
‫(جلس) معلوم أن يف الوجود فعل اجللوس‪ ،‬فائدة ناقصة ال تكون الفائدة تامة إال يف‬
‫الكالم؛ يعني باإلسناد تسند شيئاا إىل يشء‪.‬‬
‫فلهذا قال ابن هشام بعد ذلك عن ائتالف يف الكالم كيف يكون؟‬
‫‪44‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫قال‪:‬‬
‫ِ‬ ‫«وأق ُّل ِائتِالفِ ِه ِمن ْاسم ْ ِ‬
‫قائم) أ ْو ف ْع ِل ْ‬
‫واس ِم كـ (قام ز ْيدٌ )»‪.‬‬ ‫ني كـ (ز ْيدٌ ٌ‬
‫ائتالف الكالم إنَم يكون بالكلَمت التي درسناها قبل قليل كلم اة كلم اة إذا ألفت بينها نخرج‬
‫بالكالم‪ ،‬الكالم املفيد قد يكون بكلَمت كثرية (خرج ُممدٌ قبل قليل من هذا املسجد مرس اعا)‪،‬‬
‫هذه مجلة واحدة كلَمت كثرية‪ ،‬لكن وال تستطيع أن حترص اجلمل التي تفيد فتأيت عىل كم كلمة‪،‬‬
‫وإنَم حيرصون أقل ما يتألف منه الكالم‪ ،‬أقل ما يمكن أن يتألف منه الكالم املفيد إما اسَمن كـ‬
‫ناجح)‪ ،‬أو فعل واسم مثل‪( :‬نجح ُممدٌ )‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫(ُممدٌ‬
‫يعني ال يمكن أن يتألف الكالم من اسم وحرف‪ُ( ،‬ممدٌ يف‪ )..‬ما يكون الكالم‪ ،‬ما تكون‬
‫الفائدة تامة أو فعل وحرف كأن تقول‪( :‬خرج إىل‪ ،)..‬وال من حرفني‪ ،‬وال من فعلني‪ ،‬فإن‬
‫قلت‪( :‬ق ْم) أليس يدل عىل معناى تام؟ نعم‪( ،‬ق ْم) خالص نفهم املراد‪ ،‬نقول‪( :‬ق ْم) ٌ‬
‫فعل واسم؛‬
‫ألنه فاعله مسترت والفاعل اسم‪ ،‬املسترت كاملوجود‪.‬‬
‫أيضا هذه العبارة مفيدة‪ ،‬كالم وهي يف الظاهر حرف نداء واسم‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫لو قلنا‪( :‬يا ُممد) ا‬
‫احلرف هنا مل يفهم إال بنيابته عن الفعل أنادي ُممدا ا‪.‬‬
‫فإن قلت نحو‪( :‬اجتهدْ تنجح) فعالن‪ ،‬قيل‪ :‬ال‪ ،‬ليس فعلني بل مجلتان (جتتهد) والفاعل‬
‫مسترت أنت‪ ،‬و(تنجح) والفاعل مسترت أنت‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ونكتفي بأن َشحنا ما قاله ابن هشام ‪-‬رمحه اَّلل‪ -‬يف الكلمة والكالم ونقف عند قوله‪:‬‬
‫«(ف ْص ٌل) أنْواع ا ِ‬
‫إل ْعر ِ‬
‫اب أ ْربع ٌة»‪.‬‬
‫نبدأ به إن شاء اَّلل يف الدرس القادم‪ ،‬واَّلل أعلم‪ ،‬وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله‬
‫وأصحابه أمجعني‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪45‬‬

‫الدرس الثان‬
‫ٍ‬
‫ُممـد عـىل آلـه‬ ‫بسم اَّلل الرمحن الرحيم‪ ،‬احلمد َّلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل نبينـا‬
‫وأصحابه أمجعني أما بعد‪:‬‬

‫فسالم اَّلل عليكم اَّلل ورمحته وبركاته‪ ،‬وحياكم اَّلل وبياكم يف هذا الدرس الثان مـن دروس‬
‫َشح "قطر الندى وبل الصدى" البن هشا ٍم رمحه اَّلل تعـاىل‪ ،‬نحـن يف ليلـة األربعـاء احلـادي‬
‫والعرشين من مجادى األوىل من سنة تس ٍع وثالثني وأربعَمئة وألف يف جامع مينرة الشبييل يف حي‬
‫درسـا مباركاـا‪ ،‬وناف اعـا‪،‬‬
‫الفالح يف مدينة الرياض‪ ،‬فنسأل اَّلل سـبحانه وتعـاىل أن هـذا الـدرس ا‬
‫ومفهوما اللهم آمني‪.‬‬
‫ا‬

‫يف الدرس املايض يا إخوان كنا تكلمنا عىل َشح بدايات الكتاب‪ ،‬وَشحنا تعريف الكلمة‪،‬‬
‫وأنواع الكلمة معاه ثالثة‪ ،‬والعالمات املميزة لكل نو ٍع من أنواع الكلمـة‪ ،‬وإعـراب كـل نـوعٍ‪،‬‬
‫وبناؤه‪ ،‬ثم تكلمنا عىل تعريف الكالم‪ ،‬وأقل ما يتألف منه‪.‬‬

‫أيضا‬
‫يف هذا الدرس بإذن اَّلل سنتكلم تب اعا البن هشام رمحه اَّلل عىل أنواع اإلعراب‪ ،‬ونتكلم ا‬
‫عىل خط اإلعراب‪ ،‬وعىل طريقة اإلعراب‪ ،‬وعىل عالمات اإلعراب‪ .‬فعقد ابن هشـا ٍم رمحـه اَّلل‬
‫تعاىل ا‬
‫فصال بأنواع اإلعراب‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫ونصب يف اسم وفعل نحو زيدٌ يقوم و إن زيد اا لن يقوم‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫رفع‬ ‫ٌ‬
‫(فصل‪ :‬أنواع اإلعراب أربعة‪ٌ :‬‬
‫يقم)‬ ‫وجر يف اسم نحو ٍ‬
‫بزيد‪ ،‬وجز ٌم يف ٍ‬
‫فعل نحو مل ْ‬ ‫ٌّ‬

‫خـرب لبمتـدأ ُمـذوف‬ ‫ٌ‬


‫(فصل) ما إعرابه؟ نعربه عىل أنه‬ ‫ٍ‬
‫وكثري من املصنفني‪:‬‬ ‫قول ابن هشام‬
‫ٌ‬
‫تقديره‪ :‬هذا ٌ‬
‫فصل‪ ،‬وكان املتقدمون يرصحون هبذا املبتدأ‪ ،‬كـَم كـان يفعـل يف سـيبويه يف كتابـه‬
‫يرصح فيقول‪ :‬هذا باب كذا وكذا‪ ،‬فعل ذلك يف كل أبوابه التي جتاوزت املئـات‪ ،‬ثـم إن كلمـة‬
‫‪46‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ا‬
‫مبتدأ صارت حتذف؛ ألهنا معرفة يف العناوين بداللة احلضور؛ فلهذا يقال‪ :‬إن أشهر‬ ‫هذا الواقعة‬
‫موضع من مواضع حذف املبتدأ يف العناوين وما يف حكمها كقوهلم ا‬
‫مثال‪ :‬باب الفاعل يعني هذا‬
‫الفاعل‪ ،‬أو كتاب التوحيد؛ يعني هذا كتاب التوحيد‪ ،‬أو جامعة اإلمام‪ ،‬هذا املكتوب يف اللوحة‬
‫يعني هذه جامعة اإلمام‪ ،‬أو جامع احلي‪ ،‬يعني هذا جـامع احلـي أو مدرسـة احلـي‪ ،‬أو متوينـات‬
‫فالن‪ ،‬أو خمبز فالن‪ ،‬أو َشكة فالن‪ ،‬يعني هذا أو هذه وهكذا‪.‬‬

‫كثريا يف االستعَمل‪ ،‬ذكر ابن هشـام فـيَم قرأنـاه‬


‫هذا ما يتعلق بإعراب هذه الكلمة املشهورة ا‬
‫أنواع اإلعراب‪:‬‬

‫‪ -‬الرفع‬
‫‪ -‬واجلر‬
‫‪ -‬واجلزم‬
‫ٍ‬
‫لكلمـة مـا فـإن‬ ‫أيضا "األحكام اإلعرابية" فلهذا إذا سـئل عـن احلكـم اإلعـراِب‬
‫وتسمى ا‬
‫جـر‪ ،‬أو جـزم‪ ،‬وال‬
‫نصـب‪ ،‬أو ٌ‬
‫ٌ‬ ‫رفع‪ ،‬أو‬
‫اجلواب سيكون واحدا ا من هذه األربعة تقول‪ :‬حكمها ٌ‬
‫تقول‪ :‬حكمها مرفوع‪ ،‬أو منصوب‪ ،‬أو جمرور‪ ،‬أو جمزوم‪ ،‬هذا كـَم سـيايت بيانـه ملصـطلح يبـني‬
‫احلكم‪.‬‬

‫ولكنه ليس احلكم‪ ،‬احلكم هو الرفع‪ ،‬كيف تبني أن حكم كلمة الرفع؟ سيأيت أنك تقـول يف‬
‫الكلمة املعربة مرفوع‪ ،‬ويف الكلمة املبنية يف ُمل رفع‪ ،‬وهكذا يقال يف بقية املعـان إذا سـئل عـن‬
‫احلكم فإنك تأيت باحلكم ال بالوصف‪ ،‬لو قيل لـك ا‬
‫مـثال‪ :‬مـا حكـم الصـالة؟ تقـول‪ :‬حكمهـا‬
‫الوجوب‪ ،‬ال تقول‪ :‬حكمها واجبة‪ ،‬الواجبة هـي الصـالة نفسـها‪ ،‬الصـالة واجبـة‪ ،‬أمـا حكـم‬
‫الصالة‪ :‬احلكم هو الوجوب‪ٌ ،‬‬
‫ففرق بني احلكم وبني صـفة اليشـء‪ ،‬تـأملوا يف ذلـك سـتجدونه‬
‫واضحا إن شاء اَّلل‪.‬‬
‫ا‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪47‬‬

‫فاألحكام اإلعرابية الرفع والنصب واجلر واجلزم‪ ،‬عرفنا ذلك وهذا معروف ومشهور‪.‬‬

‫لكن السؤال املهم املتعلق باألحكام اإلعرابية األربعـة هـو‪ :‬هـل هـذه األحكـام اإلعرابيـة‬
‫تدخل عىل كل الكلَمت؟ أم تدخل عىل بعض الكلَمت دون بعض؟‬

‫اجلواب‪ :‬تدخل عىل بعض الكلَمت دون بعض‪ ،‬إذ هناك كلَمت تدخلها األحكام اإلعرابية‪،‬‬
‫وهناك كلَمت ال تدخلها الكلَمت اإلعرابية‪.‬‬

‫نأيت إىل السؤال األهم وهو‪ :‬ما الكلَمت التي تدخلها األحكام اإلعرابية والكلـَمت التـي ال‬
‫تدخلها األحكام اإلعرابية؟‬

‫هنا يبدأ بداية الفهم وخاص اة لإلعراب‪.‬‬

‫واجلواب عن هذا السؤال أن نقول‪ :‬األحكام اإلعرابية تدخل شيئني فقط‪ ،‬تـدخل األسـَمء‬
‫كلها‪ ،‬واملضارع كله‪ ،‬تدخل عىل مجيـع األسـَمء املعربـة واملبينـة وعـىل مجيـع املضـارع املعـرب‬
‫واملبني‪ ،‬وأما البواقي يعني احلروف والفعل املايض وفعل األمر فهذه الثالثة ال تدخلها األحكام‬
‫جر وال جزم‪ ،‬هذه القاعدة مهمة لكـي نبنـي عليهـا بعـد‬
‫نصب‪ ،‬وال ٌ‬
‫ٌ‬ ‫رفع وال‬
‫اإلعرابية بتاتاا‪ ،‬ال ٌ‬
‫ذلك ما يتبقى من هذا الباب‪ ،‬وخاص اة طريقة اإلعراب‪.‬‬

‫إ اذا فاألحكام اإلعرابية إنَم تدخل عىل األسَمء كلها‪ ،‬واملضارع كله‪ ،‬أما األسَمء فيدخلها كَم‬
‫ذكر ابن هشام فيَم قرأنا الرفع والنصب واجلر‪ ،‬وال يدخلها اجلزم‪.‬‬

‫إ اذا فقد حرمنا األسَمء من حك ٍم من األحكام اإلعرابية وهـو‪ :‬اجلـزم‪ ،‬لكـن العربيـة عنـدما‬
‫جاءت إىل الفعل املضارع أدخلت عليه الرفـع والنصـب واجلـزم‪ ،‬وحرمتـه مـن اجلـر؛ فلهـذا‬
‫يقولون‪ :‬اللغة العربية حكيمة وعادلة‪ ،‬حكيمة يعني ُمكمة‪ ،‬وعادلة يعنـي تعـدل يف أحكامهـا‪،‬‬
‫‪48‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫كثـري يف أبـواب‬ ‫ٍ‬


‫مكان آخر فتعدل هذا امليل الذي حـدث‪ ،‬وهـذا‬ ‫فلو جارت يف مكان‪ ،‬تعود يف‬
‫ٌ‬
‫أمثلة بني ٍ‬
‫وقت وآخر‪ ،‬وهذا من األمثلة‪.‬‬ ‫النحو‪ ،‬وقد نرضب له ٍ‬

‫فاالسم تقول يف رفعه‪ :‬جاء ُممدٌ ‪ ،‬فمحمدٌ ‪ٌ :‬‬


‫فاعل حكمه الرفع‪.‬‬

‫ٌ‬
‫مفعول به حكمه النصب‪.‬‬ ‫وتقول يف النصب‪ :‬أكرمت ُممدا ا‪ ،‬فمحمدا ‪:‬‬

‫اسم حكمه اجلر‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫واجلر‪ :‬سلمت عىل ُممد‪ ،‬فمحمد‪ٌ :‬‬

‫وأما املضارع فتقول يف رفعه‪ُ :‬ممدٌ يذهب اليوم‪ ،‬فيذهب‪ :‬مضـارع حكمـه الرفـع؛ ألنـه مل‬
‫يسبق بناصب وال جازم‪.‬‬

‫ٌ‬
‫مسبوق بناصب‪.‬‬ ‫وتقول‪ُ :‬ممدٌ لن يذهب اليوم‪ ،‬فيذهب‪ :‬مضارع حكمه النصب؛ ألنه‬

‫مبكرا‪ ،‬فيذهب مضارع حكمه‪ :‬اجلزم؛ ألنه مسبوق بجازم‪.‬‬


‫وتقول يف اجلزم‪ُ :‬ممدٌ مل يذهب ا‬

‫فإن قلت‪ :‬ما الدليل عىل أن هذه األحكام اإلعرابية تدخل عىل األسَمء املبنية كَم تدخل عـىل‬
‫األسَمء املعربة؟ فدخوهلا عىل األسـَمء املعربـة واضـح كاألمثلـة السـابقة‪ ،‬فـَم الـدليل أن هـذه‬
‫أيضا عىل األسَمء املبنية؟‬
‫األحكام تدخل ا‬

‫ا‬
‫فـاعال‪ ،‬والفاعـل حكمـه‬ ‫اسم معرب‪ ،‬وقـع هنـا‬
‫فاجلواب‪ :‬أننا نقول‪ :‬ذهب ُممدٌ فمحمدٌ ٌ‬
‫ٍ‬
‫معرب‪ ،‬ثم نقول‪ :‬ذهب هؤالء‪ ،‬أو ذهـب هـذا‪ ،‬أو ذهبـت‪ ،‬أو‬ ‫الرفع‪ ،‬فقد دخل الرفع عىل اس ٍم‬
‫اسم دل عىل من فعل الـذهاب فإعرابـه‪ :‬فاعـل‪،‬‬
‫ذهب سيبويه‪ ،‬فإن قلت‪ :‬ذهب هؤالء فهؤالء ٌ‬
‫والفاعل حكمه اإلعراِب الرفع‪ ،‬يعني أن الرفع قد دخل عىل هؤالء أم مل يدخل؟ دخل‪.‬‬

‫إ اذا فالرفع يدخل عىل األسَمء املبنية كَم يدخل عىل األسَمء املعربة‪ ،‬لكـن الفـرق أنـه يـدخل‬
‫عىل األسَمء املعربة فيؤثر يف لفظها‪ ،‬ويدخل يف األسَمء املبنية فال يؤثر يف لفظها‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪49‬‬

‫وكذلك نقول يف النصب‪ ،‬أكرمت ُممـدا ا‪ ،‬فمحمـدا ا حكمـه النصـب وأثـر يف لفظـه ألنـه‬
‫معرب‪ ،‬وتقول يف املبنيات‪ :‬أكرمـت هـؤالء‪ ،‬وأكرمتـك‪ ،‬فـدخل النصـب عـىل هـؤالء وعـىل‬
‫الضمري إال أنه أثر يف ُمله ومل يؤثر يف لفظه‪.‬‬

‫أثر يف ُمله يعني أن هذا االسم املبني حل يف ٍ‬


‫ُمل وقع يف موقعٍ‪ ،‬يعني وقع يف مكان يف موضع‬
‫حكمه النصب‪ ،‬وهذا الذي حدث‪.‬‬
‫وتقول يف اجلر‪ :‬سلمت عىل ٍ‬
‫ُممد‪ ،‬يف املعرب‪ ،‬وسلمت عىل هذا وعليك‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬ما الدليل عىل أن األحكام اإلعرابية تدخل عىل املضارع املبنـي كـَم تـدخل عـىل‬
‫املضارع املعرب؟‬

‫قديَم‪ ،‬خالص واضح‪ ،‬نقول يف الفعل املضارع كـَم قلنـا يف االسـم‪،‬‬


‫فاجلواب عن هذا صار ا‬
‫ٍ‬
‫باجتهـاد‪،‬‬ ‫فإن املضارع املعرب تدخله األحكام اإلعرابية وتؤثر يف لفظه‪ ،‬فتقول‪ُ :‬ممـدٌ يـدرس‬
‫مضارع حكمه الرفع‪ ،‬وأثر ذلك يف لفظه يعني وضعنا عليه عالمتا رفع‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فيدرس‬

‫وتقول يف النصب‪ُ :‬ممدٌ لن يدرس‪.‬‬

‫يدرس‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ويف اجلزم‪ُ :‬ممدٌ مل‬

‫ثم إذا جئت إىل املضارع املبني وهو كَم سبق يف الدرس املايض ما اتصلت به نون النسـوة أو‬
‫نون التوكيد تقول‪ :‬الطالبات يدرسن باجتهـاد‪ ،‬فالفعـل يـدرس يف يدرسـن مضـارع مل يسـبق‬
‫ٍ‬
‫بناصب وال بجازم‪ ،‬فحكمه‪ :‬الرفع‪ ،‬إ اذا فاملضارع هنا قد وقع يف موقع حل يف ٍ‬
‫ُمـل هـذا املحـل‬
‫حكمه الرفع‪.‬‬

‫فاملضارع ُمله الرفع؛ يعني حل يف ٍ‬


‫ُمل حكمه الرفع‪ ،‬إال أنـه مل يـؤثر يف لفظـه؛ ألنـه مـالزم‬
‫للسكون يعني مبني عىل السكون‪ ،‬وكذلك تقول يف املضارع املتصل بنون التوكيد هل تذهبن يا‬
‫‪50‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ُممد؟ فتذهب مضارع مل يسبق بناصب وال بجازم؛ ألن هل حرف استفهام من مهمل هامل ال‬
‫يعمل النصب وال يعمل اجلزم‪ ،‬فبقي املضارع حكمـه الرفـع‪ ،‬إال أن لفظـه مل يتـأثر بـاإلعراب‪،‬‬
‫يعني مل نضع عليه عالمة الرفع الضمة؛ ألنه مبني عىل الفتح التصـاله بنـون التوكيـد‪ ،‬وكـذلك‬
‫يدرسن‪ ،‬وكذلك يقال يف اجلزم‪ :‬ال تلعبن‪.‬‬
‫ْ‬ ‫لن‬
‫يقال يف النصب‪ :‬الطالبات ْ‬

‫فإذا قيل‪ :‬ملاذا دخلت األحكام اإلعرابية عىل األسـَمء واملضـارع ومل تـدخل عـىل احلـروف‬
‫واملايض واألمر؟ ملاذا دخلت هذه األحكام اإلعرابية عـىل املضـارع واالسـم فقـط‪ ،‬ولكنهـا ال‬
‫تدخل عىل احلروف وال عىل املايض‪ ،‬وال عىل األمر؟‬

‫فاجلواب عن ذلك‪ :‬ألن العوامل اإلعرابية التي ترفع‪ ،‬أو تنصب‪ ،‬أو جتر‪ ،‬أو جتزم‪ ،‬العوامـل‬
‫اإلعرابية يعني كل ما يرفع أو ينصب‪ ،‬أو جير أو جيزم‪ ،‬أو يرفع وينصب‪ ،‬مثل‪ :‬كـان وأخواهتـا‪،‬‬
‫أو ينصب ويرفع مثل‪ :‬إن وأخواهتا أي ما يعمل عمل يرفع أو ينصب‪ ،‬أو جير‪ ،‬أو جيـزم نسـميه‬
‫ا‬
‫عامال‪.‬‬

‫هذه العوامل ال تدخل إال عىل األسَمء واملضارع‪ ،‬وال تدخل عىل احلروف‪ ،‬وال تدخل عـىل‬
‫واضحا‪ ،‬فأنـت ا‬
‫مـثال يف الفاعـل تقـول‪:‬‬ ‫ا‬ ‫املايض‪ ،‬وال تدخل عىل األمر‪ ،‬تأمل ذلك يف اللغة جتده‬

‫اسَم؛ إ اذا فالفاعل ال يقـع إال ا‬


‫اسـَم‪ ،‬الرفـع يف‬ ‫جاء ُممدٌ ‪ ،‬ونقول يف تعريف الفاعل‪ :‬ال يكون إال ا‬
‫الفاعل ال يقع إال عىل األسَمء‪ ،‬األسَمء هو الذي يمكن أن تدخله األفعال فرتفعها‪ ،‬واملفعول بـه‬
‫كذلك ال يقع إال عىل األسَمء‪ ،‬وحروف اجلر ال تدخل إال عـىل األسـَمء وكـان وأخواهتـا‪ ،‬وإن‬
‫وأخواهتا‪ ،‬وظننت وأخوهتا النواسخ ال تدخل إال عىل اجلملة االسـمية‪ ،‬عـىل االسـم نواصـب‬
‫املضارع‪ ،‬جوازم املضارع ما تدخل إال عىل مضارع‪.‬‬

‫جالسـا‪ ،‬مـا يـأيت‪ ،‬ال‬


‫ا‬ ‫ٍ‬
‫ماض‪ ،‬ما تقـول‪ :‬ذهـب‬ ‫لكن ما يمكن أن تدخل فعل ا‬
‫مثال عىل فعل‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ماض أو أمر‪ ،‬وال مضارع‪.‬‬ ‫تدخل حرف جر عىل ٍ‬
‫فعل‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪51‬‬

‫ٍ‬
‫ماض أو فعل أمـر‪ ،‬مـا‬ ‫ال يمكن أن تدخل مل جوازم املضارع‪ ،‬أو نواصب املضارع عىل ٍ‬
‫فعل‬
‫تقول‪ُ :‬ممدٌ مل ذهب‪ ،‬أو يا ُممد اذهب‪ ،‬فالعوامل ال تعمل إال يف األسَمء واألفعـال املضـارعة؛‬
‫فلهذا صارت معمولة يعني مرفوعة‪ ،‬أو منصوبة‪ ،‬أو جمرورة‪ ،‬أو جمزومة‪.‬‬

‫حكم إعـراِب؟ مـا يف‬


‫ٌ‬ ‫فإذا علمت ذلك ثم سألت هذا السؤال فقلت‪ :‬أكل احلروف ليس هلا‬
‫وال حرف له حكم إعراِب؟‬

‫حكم إعراِب وهذا باتفاق‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫فاجلواب عن ذلك‪ :‬نعم‪ ،‬كل احلروف ليس له‬

‫أكل األفعال املاضية ليست له حكم إعراِب؟‬


‫ٍ‬
‫واحد اختلفوا فيه‪.‬‬ ‫اجلواب‪ :‬نعم‪ ،‬إال يف موض ٍع‬

‫موضـع واحـد يف الفعـل‬


‫ٌ‬ ‫لو كنا يف َشح املبتدئني ما ذكرنا شيئاا من هذه التفاصـيل‪ ،‬فهنـاك‬
‫املايض اختلف فيه النحويون وهو الفعل املايض الواقع فعل َشط أو جواب َشط‪ ،‬فاألصـل يف‬
‫الفعل املضارع تقول‪ :‬إن جتتهد تنجح‪ ،‬إن يقم ُممدٌ أقم‪ ،‬لكن قـد يـدخل الرشـط عـىل الفعـل‬
‫املايض‪ ،‬قد يكون فعل الرشط وكذلك جواب الرشط ا‬
‫فعال ماض ايا‪ ،‬فتقول‪ :‬إن قـام أخـوك‪ ،‬قـام‬
‫أخي‪ ،‬إن اجتهدت نجحت‪.‬‬

‫فَم حكم الفعل املايض الواقع فعل َشط وجواب َشط؟‬

‫واقع عىل الفعـل املـايض نفسـه‪ ،‬ال عـىل‬


‫خالف بني النحويني‪ ،‬فاجلمهور عىل أن اجلزم ٌ‬
‫ٌ‬ ‫هنا‬
‫حكـم إعـراِب وهـو اجلـزم‪ ،‬فنعربـه‬
‫ٌ‬ ‫مجلته‪ ،‬وعىل ذلك صار للفعل املايض يف هذا املوضع فقـط‬
‫إعراب املبنيات‪ ،‬ونقول يف إن قام أخوك قام أخي‪ ،‬قام أخوك فعل ماض يف ُمل جزم مبني عـىل‬
‫الفتح‪ ،‬وأخوك‪ :‬فاعله‪.‬‬

‫ٍ‬
‫ماض يف ُمل جزم مبني عىل الفتح وهو جواب َشط‪ ،‬وأخي فاعله‪.‬‬ ‫وقام أخي‪ :‬هذا ٌ‬
‫فعل‬
‫‪52‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫وعىل ذلك تكون مجلة اجلواب "قام أخي" مجلة ال ُمل هلا من اإلعراب؛ ألن اجلزم عنـدهم‬
‫واقع عىل لفظ املايض كَم يقع عىل لفظ املضارع يف إن يقم أخوك يقم أخي‪ ،‬فاجلزم يقع عىل لفظ‬
‫ٌ‬
‫املضارع باتفاق‪ ،‬ليس عىل مجلته‪.‬‬

‫واقع عىل مجلة املايض يعني عىل الفعل مع فاعله‪ ،‬يعني اجلملة قام‬
‫وقيل‪ :‬إن اجلزم يف الرشط ٌ‬
‫أخوك الفعل والفاعل كالمها يف ُمل جزم‪ ،‬واجلملة قد يكون هلا ٌ‬
‫ُمل من اإلعراب‪ ،‬وكـذلك يف‬
‫جواب الرشط‪ ،‬فعىل ذلك اجلزم واقع عىل مجلة الفعل املايض فالفعل املايض وحده ال ُمل له من‬
‫اإلعراب ٍ‬
‫باق عىل أصله‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ألدلة ليس املوضـع‬ ‫لكن اجلمهور واملحققون عىل أن اجلزم هنا واقع عىل لفظ الفعل املايض‬
‫موضع ذكرها‪ ،‬لكن نذكر أن هذا هو املوضع الوحيد الذي اختلفوا فيـه يف الفعـل املـايض‪ ،‬مـا‬
‫سوى ذلك فهم متفقون عىل أن الفعل املايض ال حكم إعراب ايا له‪.‬‬

‫حكم إعراِب؟‬
‫ٌ‬ ‫ننتقل إىل الفعل األمر ونسأل‪ :‬أكل أفعال األمر ليس هلا‬

‫اجلواب‪ :‬نعم‪ ،‬وهذا عند مجهور أهل اللغة‪ ،‬عند مجهور أهل اللغـة يـرون أن فعـل األمـر ال‬
‫حكم إعراِب ال نصب‪ ،‬وال رفع وال جر وال جزم‪ ،‬وخالف يف‬
‫ٌ‬ ‫ُمل له من اإلعراب يعني ليس له‬
‫ٍ‬
‫خالف سـابق‪،‬‬ ‫ومعرب‪ ،‬وخالفهم يف ذلك يقوم عىل‬ ‫ذلك الكوفيون فقالوا‪ :‬هو معرب جمزوم‪،‬‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫مـاض‬ ‫وهو خالفهم يف أنواع الفعل‪ ،‬فالبرصيون وتبعهم اجلمهور عـىل أن الفعـل ثالثـة أنـواع‬
‫حكـم‬
‫ٌ‬ ‫قسم مستقل‪ ،‬وهو ال تدخله العوامل اإلعرابية؛ فلهـذا لـيس لـه‬
‫وأمر‪ ،‬واألمر ٌ‬
‫ومضارع ٌ‬
‫ٌ‬
‫إعراِب‪ ،‬وقال الكوفيون إن الفعل ثالثة أنواع وهي‪ :‬املايض واملضارع والـدائم‪ ،‬واسـقطوا فعـل‬
‫األمر‪.‬‬

‫اسم وليس‬
‫وأرادوا بالفعل الدائم اسم الفاعل‪ ،‬واسم الفاعل عند البرصيني وعند اجلمهور ٌ‬
‫ا‬
‫فعال‪ ،‬وهذا هو الصحيح‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪53‬‬

‫أين فعل األمر عند الكوفيني؟‬

‫ا‬
‫مستقال فأنت إذا قلـت‪ :‬اجلـس أصـله‬ ‫قسَم‬
‫جزء من املضارع‪ ،‬وليس ا‬
‫قالوا‪ :‬فعل األمر هو ٌ‬
‫عندهم لتجلس كل فعل ٍ‬
‫أمر عندهم أصله املضارع املجزوم بالم األمر‪ ،‬اجلس يعني لـتجلس‪،‬‬
‫قم يعني لتقم‪ ،‬والذي حدث كَم يرون أن الم األمـر حـذفت لكثـرة االسـتعَمل‪ ،‬فصـار الفعـل‬
‫مبدوءا باجليم الساكنة‪ ،‬فأؤيت هبمزة‬
‫ا‬ ‫جتلس‪ ،‬فاشتبه باملضارع فحذفت التاء للفرق‪ ،‬فصار الفعل‬
‫الوصل للتمكن من النطق بالساكن فصارت اجلس‪ ،‬فيكون اجلس هـي لـتجلس عنـدهم أنـه‬
‫فعل جمزوم بالم األمر وعالمة جزمه السكون؛ وهلذا جتدون ا‬
‫مثال ابـن خلويـه يف الطارقيـات‪ ،‬أو‬ ‫ٌ‬
‫إعراب ثالثني سورة من القرآن الكريم مطبوع يعرهبا هكذا‪ ،‬كلَم جاء فعل أمر يقـول‪ :‬جمـزوم‪،‬‬
‫حكم إعراِب هو قول البرصيني وهو قـول اجلمهـور‬
‫ٌ‬ ‫فبان من ذلك أن كون الفعل األمر ليس له‬
‫وهو الصحيح يف هذه املسألة‪.‬‬

‫واخلالصة‪ :‬ما بدأنا بذكره وهو أن األحكام اإلعرابية تدخل عىل شيئيني عىل األسـَمء كلهـا‬
‫املعربة واملبنية وعىل املضارع كله املعرب واملبني‪ ،‬وأما احلروف فال تدخلها األحكام اإلعرابيـة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫خمتلـف فيـه‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫واحـد‬ ‫وكذلك األمر عند اجلمهور وهو الصحيح‪ ،‬وكذلك املايض إال يف موضـ ٍع‬
‫فنتجاوز كل ذلك ونقول‪ :‬إن األحكام اإلعرابية تدخل عىل االسـم واملضـارع وال تـدخل عـىل‬
‫احلروف واملايض واألمر‪.‬‬

‫هذا ما يتعلق بأنواع اإلعراب وعالم تدخل مما زدنا َشحه عىل ما ذكرناه يف َشح املبتـدئني‪،‬‬
‫هناك أمور واضحة نتجاوزها ألهنا سبقت يف َشح املبتدئني‪.‬‬

‫ننتقل بعد ذلك إىل الكالم عىل ما نسميه خط اإلعـراب‪ ،‬خـط اإلعـراب هـو خـط متـوهم‬
‫يساعد الطالب عىل فهم اإلعراب وإتقانه بناء عىل ما سبق َشحه الكلـَمت بنـاء عـىل مـا سـبق‬
‫‪54‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫َشحه مما تدخل عليه األحكام اإلعرابية وما ال تدخل عليه األحكام اإلعرابية وجدنا أهنـا عـىل‬
‫نوعني‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬الكلَمت التي ال تدخلها األحكام اإلعرابية بتاتاا‪ ،‬هـذه ثالثـة وهـي احلـروف‪،‬‬
‫واملايض واألمر نجعلها عىل اليمني ونضع ا‬
‫خطأ‪.‬‬

‫والكلَمت التي تدخلها األحكام اإلعرابية وجو ابا‪ :‬هي األسَمء واملضارع نجعلها عىل يسـار‬
‫اخلط‪.‬‬

‫إ اذا فاخلط يقسم الكلَمت بحسب دخول األحكام اإلعرابية‪.‬‬

‫فإذا فهمنا ذلك عرفنا أن ما قبل خط اإلعراب يعني احلروف واملايض واألمر إعرابه واحد‪،‬‬
‫وإعرابه سهل؛ ألنه ثابت ال يتغري‪ ،‬فتقول يف إعراهبا مجي اعا احلروف واملايض واألمر فتبدأ إعراهبا‬
‫ببيان نوعها هذا الركن األول تبني نوعها‪ ،‬فإن كانت حر افا تقول حرف كذا‪ ،‬وإن كانت ماضـ ايا‬
‫أمرا أشياء ثابتة ما يتحمل غري ذلك‪.‬‬
‫أمرا تقول فعل ا‬ ‫ٍ‬
‫ماض‪ ،‬وإن كانت ا‬ ‫تقول ٌ‬
‫فعل‬

‫والركن الثان يف إعراهبا‪ :‬أن تبني حكمها اإلعراِب‪ ،‬وعرفنـا أن هـذه الثالثـة مـا قبـل خـط‬
‫جر‪ ،‬وال جزم‪ ،‬ويعرب املعربون عن ذلك بقوهلم‪ :‬ال‬
‫اإلعراب ليس له حكم إعراِب ال نصب‪ ،‬وال ٌ‬
‫ُمل له من اإلعراب‪.‬‬

‫حكم إعراِب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫إ اذا ما معنى قوهلم‪ :‬ال ُمل له من اإلعراب؟ يعني ليس له‬

‫ومتى نقول‪ :‬ال ُمل له من اإلعراب؟ ما قبل خط اإلعـراب‪ ،‬يعنـي مـع هـذه الثالثـة‪ ،‬مـع‬
‫احلروف واملايض واألمر نقول‪ :‬ال ُمل له من اإلعراب‪.‬‬

‫الركن الثالث يف إعراهبا‪ :‬أن تذكر حركة بنائها‪ ،‬وقد تكلمنا يف الدرس املايض فيَم سبق مـن‬
‫كالم ابن هشام وبني كـل حركـات املبنيـات‪ ،‬فعرفنـا أن احلـروف كلهـا تبنـى عـىل حركـات‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪55‬‬

‫أواخرها‪ ،‬واملايض عرفنا أنه عىل الصحيح يبنى عىل الفتح الظاهر أو املقدر‪ ،‬وإن شئت املـذهب‬
‫التعليمي فإنه يبنى عىل الفتح أو الضـم أو السـكون‪ ،‬وأمـا األمـر فإنـه يبنـى عـىل مـا جيـزم بـه‬
‫مضارعه‪ ،‬يعني يبنى عىل حذف النون يف أمر األفعال اخلمسة‪ ،‬ويبنى عىل حذف حرف العلـة يف‬
‫أمر املضارع املعتل اآلخر‪ ،‬ويبنى عىل السكون فيَم سوى ذلك‪ ،‬هذا كل ما حتتاج إليه يف إعـراب‬
‫ما قبل خط اإلعراب‪ ،‬وهذا كل ما يمكن أن يقال يف هذه الثالثة احلروف واملايض واألمر‪.‬‬

‫وألن إعراهبا ثابت ال حيتاج إىل أن تكون يف مجل‪ ،‬يعني إعراهبـا ثابـت يف مجلـة أو وحـدها؛‬
‫ألهنا ال تتأثر بجملتها يف إعراهبا‪.‬‬

‫فهل‪ :‬إعراهبا ثابت من دون أن تنظر يف مجلتها‪ ،‬فتقول يف نوعها‪ :‬حرف استفهام‪ ،‬وتقـول يف‬
‫حكمها اإلعراِب‪ :‬ال ُمل هلا من اإلعراِب‪ ،‬وتقول يف حركة إعراهبا‪ :‬مبنـي عـىل السـكون‪ ،‬هـذا‬
‫إعراهبا ما يتغري يف القرآن‪ ،‬يف السنة‪ ،‬يف الشعر‪ ،‬يف القديم‪ ،‬يف احلديث هذا إعراهبا‪.‬‬

‫وتقول عن "عن‪ ،‬أو يف‪ ،‬أو عىل"‪ :‬حرف جر ال ُمل له من اإلعراب‪ ،‬مبني عـىل السـكون‪،‬‬
‫هذا إعراهبا يف كل مكان‪.‬‬

‫لو قلنا‪ :‬دخل أو خرج‪ ،‬أو نجح‪ ،‬أو قام أو جلس‪ ،‬أو دحرج أو أكرم‪ ،‬أو بعثر‪ ،‬أو زلزل‪ ،‬أو‬
‫انطلق‪ ،‬أو افتتح‪ ،‬أو استخرج أي فعل مايض‪ ،‬ثالثي‪ ،‬أو رباعي‪ ،‬أو مخايس أو سـدايس‪ ،‬إعراهبـا‬
‫واحد‪ ،‬كل األفعال املاضية إعراهبا واحد‪ ،‬تبني نوعها فتقول‪ٌ :‬‬
‫فعل مايض‪ ،‬وتبني ُملها اإلعـراِب‬
‫فتقول‪ :‬ال ُمل هلا من اإلعراب‪ ،‬وتبني حركة بنائها فتقول‪ :‬مبنـي عـىل الفـتح الظـاهر يف مجيـع‬
‫األمثلة السابقة‪ ،‬أو املقدر يف ثالثة مواضع إذا كان معتل اآلخر كدعى وسـعى‪ ،‬أو متصـل بـواو‬
‫ٍ‬
‫بضمري متحرك كذهبت‪.‬‬ ‫ا‬
‫متصال‬ ‫اجلَمعة كذهبوا وجلسوا‪ ،‬أو‬

‫ٍ‬
‫مـاض أو‬ ‫لو أردنا أن نعرب كان‪ ،‬كان مـا نوعهـا؟ اسـم أم فعـل أم حـرف؟ فعـل‪ ،‬طيـب‬
‫ٍ‬
‫ماض‪ ،‬وصلنا‪ ،‬فعل مايض تعرب إعراب الفعل املايض‪ ،‬يعني نعرهبا مثل دخل‬ ‫مضارع أو أمر؟‬
‫‪56‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ٍ‬
‫ماض نـاقص‬ ‫وخرج كاإلعراب السابق‪ ،‬إال أننا نزيد يف إعراهبا فنقول‪ :‬ناقص أو ناسخ‪ٌ ،‬‬
‫ففعل‬
‫مبني عىل الفتح ال ُمل له من اإلعراب‪ ،‬وكذلك يف ظن‪ ،‬تقول‪ :‬اإلعراب نفسه‪.‬‬

‫أيضا إعرابه ثابت تقول يف إعراب اجلس أو اذهب أو قم‪ ،‬أو انتبـه‪ ،‬أو انطلـق‪،‬‬
‫وفعل األمر ا‬
‫أو استخرج‪ ،‬أو اسكن‪ ،‬أو استغفر‪ ،‬أو سبح كلها إعراهبا واحد تقول‪ :‬فعل أمر ال ُمـل لـه مـن‬
‫اإلعراب مبني عىل السكون‪ ،‬فإن كان معتل اآلخـر‪ ،‬تقـول‪ :‬مبنـي عـىل حـذف حـرف العلـة‪،‬‬
‫كاخرشب أو أقيض باحلق‪ ،‬أو أدعو إىل احلق‪.‬‬

‫فإن كان املضارع من األفعال اخلمسـة تقـول‪ :‬مبنـي عـىل حـذف النـون كـاذهبوا واذهبـا‬
‫واذهبي‪ ،‬فهذا إعراب ما قبل خط اإلعراب‪ ،‬ما يف كالم آخر‪ ،‬آخر عهدنا به هنا؛ لن نتكلم عـىل‬
‫هذه الثالثة بعد ذلك‪ ،‬باقي النحو ملا بعد خط اإلعراب يعني لألسَمء واملضارع‪.‬‬

‫وبذلك تعرف أن النحو واإلعراب ليس شيئاا واحدا ا‪ ،‬بعضه ٌ‬


‫سهل جدا ا‪ ،‬وبعضه متوسط‪،‬‬
‫وبعضه حيتاج إىل انتباه‪ ،‬ومراجعة لكي يفهم‪ ،‬واألمور السهلة الواضحة يف النحو ويف اإلعراب‬
‫ليست سهلة‪ ،‬وليست قليلة كَم رأيتم اآلن‪ ،‬احلروف واملايض واألمر كم تشكل من اللغة‬
‫العربية؟ كثري‪ ،‬إذا أردت أن حتصيها ا‬
‫مثال يف القرآن الكريم ستكون نسبتها كبري {قدْ أ ْفلح‬
‫ا ْمل ْؤ ِمنون}[املؤمنون‪ ،]1:‬كلمتان قبل خط اإلعراب‪ ،‬وكلمة بعد خط اإلعراب‪.‬‬

‫قد‪ :‬حرف‪.‬‬

‫وأفلح‪ :‬ماض‪.‬‬

‫واملؤمنون‪ :‬اسم‪.‬‬

‫قد‪ :‬إعراهبا ثابت حرف حتقيق مبني عىل السكون ال ُمل هلا من اإلعراب‪.‬‬

‫أفلح‪ :‬ماض إعراهبا ثابت فعل ماض مبني عىل الفتح ال ُمل له من اإلعراب‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪57‬‬

‫ٍ‬
‫حينئذ حيتاج إىل أن نعرف حكمه اإلعراِب‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫املؤمنون‪ :‬اسم‬

‫‪ 39:07‬جانبي‬

‫فهذا ما يتعلق بخط اإلعراب عرفنا أن ما قبله إعرابه ٌ‬


‫سهل؛ ألنه ثابت‪.‬‬

‫اسم ال‬
‫وأما ما بعده فهو بعكس ما قبله يعني جيب أن تدخله األحكام اإلعرابية‪ ،‬ليس هناك ٌ‬
‫ُمل له من اإلعراب‪ ،‬أو ٌ‬
‫فعل مضارع ال ُمل له من اإلعراب‪ ،‬نعـم اختلفـوا يف بعـض األسـَمء‬
‫اختالفات نعم اختلفوا يف بعض األسَمء اختالفات قليلة‪ ،‬كضمري الفصل‪ ،‬بعضهم قال ال ُمـل‬
‫له من اإلعراب‪.‬‬

‫لكن األصل يف األسَمء وأما األفعال املضارعة فكلها ال بد هلا من حكم إعـراِب‪ ،‬كـَم ف يصـل‬
‫من قبل‪ :‬إما رفع أو جر أو جزم أو جر‪.‬‬

‫ومتى يكون حكمها الرفع أو النصب أو اجلزم؟ هذا الذي سيأيت يف فروع النحو وجزئياتـه‪،‬‬
‫بعد أن ننتهي من مقدماته وأصوله‪ ،‬يعني األحكام الرتكيبية من املبتدأ إىل اخلرب إىل آخـر النحـو‬
‫هو كله بيان ملواضع رفع االسم ونصبه وجره‪ ،‬وبيان ملواضع رفع املضارع ونصبه وجزمه‪.‬‬

‫أما اآلن فَمزلنا نتكلم عن أصول النحو‪ ،‬التي حتتاج إليها يف كل أبواب النحو القادمة‪.‬‬

‫يف إعراب األسَمء واملضارع‪:‬‬

‫أما املضارع‪ ،‬فإنك تبدأ إعرابه كذلك ببيان نوعه‪ ،‬فتقول فعل مضارع‪.‬‬

‫فأي مضارع إذا أردت أن تبدأ إعرابه فتبدأ إعرابه بَمذا؟ ببيان نوعه‪ ،‬متى ما بدأت املضـارع‬
‫صحيحا‪.‬‬
‫ا‬ ‫بغري قولك فعل مضارع فإعرابك ليس‬
‫ِ‬
‫وأنت تذهبني‪.‬‬ ‫فيذهب ُممد‪ ،‬وُممد يذهب‪ ،‬ولن يذهب ُممد‪ ،‬والرجال يذهبون‬
‫‪58‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫تبدأ إعراب كل ذلك بقولك‪ :‬فعل مضارع‪.‬‬

‫مبكرا‪ ،‬فمحمد مبتدأ مرفوع‪.‬‬


‫فإذا قلت‪ُ :‬ممد يذهب ا‬

‫خرب ملبتدأ خطأ؛ ألن املضارع ما يمكن أن تقـول عنـه خـرب‪ ،‬املضـارع مـا‬
‫ويذهب إن قلت ا‬
‫تقول يف إعرابه إال فعل مضارع‪ ،‬وهو فعل مضارع مرفوع‪ ،‬وفاعله مسترت‪ ،‬ثم اجلملة من الفعل‬
‫والفاعل هي اخلرب‪ ،‬فاملضارع ليس هو اخلرب‪.‬‬

‫وكذلك لو قلت كان ُممد يذهب‪ ،‬فمحمد اسم كان‪ ،‬ويذهب ما تقول خـرب كـان تقـول‪:‬‬
‫فعل مضارع‪ ،‬واخلرب اجلملة‪.‬‬

‫وكذلك إن ُممد يذهب أو ظننت أن ُممدا ا يذهب ‪ ...‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫فاملضارع تبدأ إعرابه ببيان نوعه‪ ،‬فتقول فعل مضارع‪.‬‬

‫وأما االسم‪ ،‬فإذا أردت بداية إعرابه‪ ،‬فإنك ال تبدأ إعرابه ببيان نوعه‪ ،‬كـاحلروف واألفعـال‬
‫إذا أردت أن تعرب االسم ال تبدأ إعرابه ببيان نوعه‪ ،‬يعني ال تقول ا‬
‫مثال‪ :‬جاء ُممد‪ُ ،‬ممد علم‪،‬‬
‫أو اسم مفعول‪ ،‬أو اسم مزيد‪ ،‬مع أن هذه األشياء صحيحة لكن ليست إعرا ابا‪.‬‬

‫وإذا قلت جاء هؤالء قولك اسم إشارة ليس إعرا ابا معه أنه صحيح‪ ،‬لكن ليس إعرا ابا‪.‬‬

‫أو ذهبت تقول التاء ضمري متكلم‪ ،‬صحيح لكن ليس إعرا ابا‪.‬‬

‫إ اذا كيف نبدأ إعراب االسم؟ نبدأ إعراب االسم ببيان موضعه يف اجلملة‪ ،‬يف اجلملـة‪ ،‬يعنـي‬
‫عندما وقع االسم يف هذا املوضع يف اجلملة َّ‬
‫دل عىل ماذا؟ ما املعنى النحـوي‪ ،‬الوظيفـة النحويـة‬
‫التي َّ‬
‫دل عليها االسم عندما وقع يف هذا املوقع؟‬

‫االسم واحد‪ ،‬لكن وظائفه النحوية ختتلف باختالف مواقفه يف اجلملة‪ ،‬فمحمـد يف قولـك‪:‬‬
‫دل عىل من فعل املجيء‪ ،‬فنقول فاعل‪ ،‬لكن يف قولك‪ :‬أكرمـت ُممـدا ا َّ‬
‫دل عـىل مـن‬ ‫جاء ُممد َّ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪59‬‬

‫فعل اإلكرام أو من وقع عليه اإلكرام؟ ال عندما وقع هنا َّ‬


‫دل عىل من وقـع اإلكـرام عليـه‪ ،‬هـذه‬
‫الوظيفة النحوية التي أداها االسم عندما وقع يف هذا املوقع‪ ،‬فنقول مفعول به‪.‬‬

‫كلمة خائف لو قلت‪ :‬دخل علينا اخلائف اخلائف هنا دلت عىل مـن؟ عـىل الـداخل‪ ،‬يعنـي‬
‫الذي فعل الدخول‪ ،‬صار فاعل‪ ،‬لكن لو قلت‪ :‬هدأت اخلائف هنا دلت عىل من؟ عىل املهدأ وال‬
‫املهدئ‪ ،‬يعني املهدأ يعني املفعول الذي وقعت عليه التهدئة‪ ،‬نقول مفعول بـه‪ ،‬يعـرب بحسـب‬
‫الوظيفة النحوية التي َّ‬
‫دل عليها بحسب موقعه يف اجلملة‪.‬‬

‫ولو قلت جاء ُممد خائ افا‪ ،‬خائ افا دلت عىل هيئة ُممد وحالة ُممد وقت الدخول‪ ،‬فنقول يف‬
‫إعراهبا حال ‪ ...‬وهكذا‪.‬‬

‫ناجح فَمذا تقول يف إعراب ُممد؟ تبني موقعها يف اجلملة‪ ،‬هنا مل تـدل عـىل‬
‫ٌ‬ ‫فإذا قلت‪ُ :‬ممد‬
‫من فعل أو من وقع عليه الفعل‪ ،‬أو هيئة أو نحو ذلك‪ ،‬وإنَم وقعت يف ابتداء الكـالم لكـي خيـرب‬
‫عنها‪ ،‬وهذا موقع عند العرب‪ ،‬أنه يبتدئ باالسم لكي تنتظر خربه‪ ،‬تقول‪ُ :‬ممد فتنتظر ما بالـه؟‬
‫ابتدأت بالكلمة لكي خترب عنها‪ ،‬فنقول‪ :‬هذا اسم مبتدأ به‪ ،‬نقول مبتدأ‪ ،‬والذي يكمل فائدة هـو‬
‫اخلرب فكريم خربه‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫إ اذا فاالسم عندما تعربه ال تبني نوعه‪ ،‬ولو بينت نوعه فهذا ليس خطئاا ولكنه لـيس إعرا ابـا‪،‬‬
‫وال تبني نوعه إال يف موضع واحد إذا سبق بحرف جر‪ ،‬سلمت عىل ُممـد تبـدأ إعـراب ُممـد‬
‫فتقول اسم‪ ،‬أو تبني نوعه األدق كأن تقول سلمت عليك ضمري ونحو ذلك‪.‬‬

‫كريَم ُممد اسم كان‪ ،‬هذا بيان ملوقع الكلمة‪ ،‬ملوقـع االسـم‬
‫فإذا قلت‪ :‬وقوهلم يف كان ُممد ا‬
‫يف اجلملة أم بيان لنوعه؟‬
‫‪60‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫دائَم اسم كـان؟ ال لـيس‬


‫اجلواب‪ :‬بيان ملوقع االسم يف اجلملة‪ ،‬وليس بياناا لنوعه‪ ،‬هل ُممد ا‬
‫دائَم فعل مضارع‪ ،‬هـذا نوعـه‪ ،‬هـل‬
‫دائَم فعل مايض‪ ،‬يذهب ا‬
‫مثل ذهب‪ ،‬هذا نوعه فعل مايض‪ ،‬ا‬
‫اسـَم‬
‫دائَم حرف هذا نوعه‪ ،‬لكن ُممد هل نوعه أنه اسم كان؟ ال أم أنه يف هـذه اجلملـة أصـبح ا‬
‫ا‬
‫أيضا داخل يف القاعدة‪" :‬أنـه بيـان ملوقـع االسـم يف‬
‫لكان؟ يعني املبتدأ الذي نسخه كان؟ فهذا ا‬
‫قائم‪.‬‬
‫اجلملة‪ ،‬وليس بياناا لنوعه" وكذلك فإن ُممد ٌ‬

‫إ اذا فاملضارع‪ ،‬نبدأ إعرابه ببيان نوعه‪ ،‬كاحلروف‪ ،‬واملايض‪ ،‬واألمر‪.‬‬

‫وأما االسم‪ ،‬فهو الذي إذا أردت أن تبدأ إعرابه ال تبني نوعه وإنَم تبني موقعه يف اجلملة‪.‬‬

‫ثم يف الركن الثان لالسم املضارع‪ ،‬تبني احلكم اإلعراِب‪ ،‬وال بد هلَم من حكـم إعـراِب يـأيت‬
‫الكالم عىل تفصيله يف بقية النحو‪ ،‬إال أن االسم املضارع إذا كان معربني فتبني حكمهَم اإلعراِب‬
‫بقولك‪ :‬مرفوع – منصوب – جمرور – جمزوم عىل وزن مفعول‪ ،‬وإذا كان مبنيني‪ ،‬فتبني حكمهَم‬
‫اإلعرابيني بقولك‪ :‬يف ُمل رفع‪ -‬يف ُمل نصب – يف ُمـل جـر – يف ُمـل جـزم‪ ،‬هنـا فـرق بـني‬
‫املعرب واملبني بني األسَمء واملضارع يف طريقة اإلعراب‪.‬‬

‫فـ جاء ُممد نقول‪ُ :‬ممد فاعل‪.‬‬

‫وجاء هؤالء نقول‪ :‬هؤالء فاعل‪.‬‬

‫كالمها فاعل‪ ،‬والفاعل حكمه الرفع‪ ،‬لكن كيف نأيت بالركن الثان؟ كيف نكمل اإلعراب؟‬

‫نقول‪ :‬جاء ُممدٌ فاعل مرفوع‪ ،‬وجاء هؤالء فاعل يف ُمل رفع‪ ،‬وقولـك مرفـوع‪ ،‬يعنـي أن‬
‫االسم حكمه الرفع وهو معرب‪ ،‬حكمه الرفع ألنه فاعل‪ ،‬وهو معرب؛ ألن ُممد فاعل معرب‪.‬‬

‫أيضا الرفع‪ ،‬ولكن االسم مبني‪ ،‬فهو فقط َّ‬


‫حل يف حكمه‬ ‫وقولك يف ُمل رفع يعني أن احلكم ا‬
‫الرفع‪ ،‬لكن لفظه مل يتأثر بالرفع‪ ،‬فلم يرتفع‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪61‬‬

‫وكذلك يف النصب‪ ،‬أكرمت ُممدا ا مفعول به منصـوب‪ ،‬أكرمـت هـؤالء مفعـول بـه ُمـل‬
‫نصب‪.‬‬

‫وكذلك يف اجلر سلمت عىل ُممد اسم جمرور‪ ،‬وسلمت عىل هؤالء اسم يف ُمل جر‪.‬‬

‫الركن الثالث‪ :‬بيان احلركة وواضح أنك يف بيان األسَمء واملضارع سـتكون احلركـة عليهـا‬
‫دائَم مرفـوع وعالمـة رفعـه‪ ،‬منصـوب وعالمـة نصـبه‪ ،‬جمـرور‬
‫عالمة إعراب‪ ،‬فلهذا ستقول‪ :‬ا‬
‫وعالمة جره‪ ،‬جمزوم وعالمة جزمه هذه أشياء مرتابطة‪.‬‬

‫وأما يف املبني من األسَمء من املضارع‪ ،‬فإنك مهَم قلت يف ُمل كذا تقول مبني عـىل كـذا‪ ،‬يف‬
‫ُمل رفع مبني عىل كذا‪ ،‬يف ُمل نصب مبني عىل كذا‪ ،‬يف ُمل جر مبني عـىل كـذا‪ ،‬يف ُمـل جـزم‬
‫مبني عىل كذا‪ ،‬فجاء ُممد فاعل مرفوع وعالمة رفعه الضمة‪ ،‬وجاء هؤالء فاعـل يف ُمـل رفـع‬
‫مبني عىل الكرس‪ ،‬وجاء أخوك فاعل مرفوع‪ ،‬وعالمة رفعه الواو‪ ،‬وجاء هذا فاعل يف ُمـل رفـع‬
‫مبني عىل السكون‪.‬‬

‫مبكرا‪ ،‬فيذهب فعل مضـارع مرفـوع؛ ألنـه معـرب وعالمـة رفعـه‬


‫وإذا قلت ُممد يذهب ا‬
‫الضمة‪ ،‬وإذا قلت‪ :‬الطالبات يذهبن مبكرات‪ ،‬فيذهب من يذهبن فعـل مضـارع لكنـه يف ُمـل‬
‫رفع مبني عىل السكون التصاله بنون النسوة‪.‬‬

‫وإذا قلت ال تلعب فال ناهية جازمة تعرب إعراب احلروف‪ ،‬يعني حرف جـزم وهنـي مبنـي‬
‫عىل السكون ال ُمل هلا من اإلعراب‪ ،‬وتلعب فعل مضارع جمزوم وعالمة جزمه السكون‪ ،‬لكـن‬
‫تلعبن فعـل مضـارع يف ُمـل‬
‫ن‬ ‫تلعبن هذا مضارع مبني التصاله بنون التوكيد‪ ،‬نقول تلعب يف‬
‫ن‬ ‫ال‬
‫جزم مبني عىل الفتح وهكذا‪ ،‬فهذا ما يتعلق بخط اإلعراب‪.‬‬

‫يبقى لنا الكالم عىل عالمات اإلعراب‪ ،‬التي انتقل إليها ابن هشام رمحه اَّلل فقال بعـد ذلـك‬
‫‪62‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫بعد أن بني األحكام اإلعرابية األربعة قال‪:‬‬

‫(ف ْريفع بضمة‪ ،‬وينصب بفتحة‪ ،‬وجير بكرسة‪ ،‬وجيزم بحذف حركة)‬

‫ابن هشام رمحه اَّلل سيقسم عالمات اإلعراب تقسيمني‪ ،‬باعتبارين‪:‬‬

‫التقسيم األول‪ :‬تقسيمها إىل أصلية‪ ،‬وفرعية‪ ،‬تقسيمها باعتبار األصالة‪.‬‬

‫والتقسيم الثان‪ :‬تقسيمها إىل ظاهرة ومقدرة‪ ،‬تقسيمها باعتبار الظهور‪.‬‬

‫وسنمر عىل التقسيمني‪.‬‬

‫فإن سألت وقلت ملاذا سموا هذه احلركات التي عىل املعربات سموها عالمات؟‬

‫فاجلواب عن ذلك‪ :‬أن حركات املعربات تسمى عند النحويني عالمات؛ ألهنا تعلم باحلكم‬
‫اإلعراِب‪ ،‬فالضمة عىل املعرب تعلم بالرفع‪ ،‬والفتحة عىل املعرب تعلم بالنصب‪ ،‬والكرسة عىل‬
‫املعرب تعلم بأن احلكم اإلعراِب اجلر‪ ،‬والسكون عىل املعرب تعلم بأن احلكم اإلعراِب اجلزم‪،‬‬
‫فهي عىل ذلك مأخوذة من العلم‪ ،‬وقيل مأخوذة من العلم وهو اجلبل؛ ألهنا أمارة عىل احلكم‬
‫اإلعراِب كَم أن اجلبل أمارة تدل من بعيد عىل ما حوله‪.‬‬

‫فاخلالصة‪ :‬أن العالمة اإلعرابية وظيفتها أهنا تعلم املتكلم واملخاطب تعلمه باحلكم اإلعراِب‬
‫لكلمتها‪.‬‬

‫ابن هشام بدأ بالتقسيم األول‪ ،‬فذكر عالمات اإلعراب األصلية يف عبارته السابقة‪ ،‬وسبق‬
‫َشح ذلك‪.‬‬

‫لكن يلحظ عىل عبارته السابقة أنه قال يف عالمة اجلزم‪ ،‬قال‪( :‬وجيزم بحذف حركة) ومل يقل‬
‫وجيزم بالسكون كاملشهور‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪63‬‬

‫وكأنه أراد واَّلل أعلم تنبيه الطالب إىل أن السكون ليس حركة‪ ،‬بل هو خلو احلرف من‬
‫احلركات‪ ،‬فاحلركات ثالث‪ :‬الضمة والفتحة والكرسة فإذا خىل احلرف من احلركات صار‬
‫ساكناا‪ ،‬يعني خال ايا من احلركات‪.‬‬

‫ثم ذكر بعد ذلك عالمات اإلعراب الفرعية وأبواهبا‪ ،‬فقال‪( :‬إال األسَمء الستة) ثم عطف‬
‫عليها بقية أبواب عالمات اإلعراب الفرعية فقال‪( :‬واملثنى‪ ،‬ومجع املذكر السامل‪ ،‬وما مجع بألف‬
‫وتاء مزيديتني‪ ،‬وما ال ينرصف‪ ،‬وال مثيلة اخلمسة‪ ،‬والفعل املضارع املعتل اآلخر) فهذه سبعة‬
‫أبواب للعالمات الفرعية‪ ،‬مخسة منها من األسَمء‪ ،‬واثنان من الفعل املضارع‪.‬‬

‫أيضا عالمات نيابية‪ ،‬أما تسميتها‬


‫عالمات اإلعراب الفرعية‪ :‬تسمى فرعية‪ ،‬وتسمى ا‬
‫بالفرعية؛ فألن األصل يعني األكثر يف الكلَمت املعربة أن يكون إعراهبا الضمة يف الرفع‪،‬‬
‫والفتحة يف النصب‪ ،‬والكرسة يف اجلر‪ ،‬والسكون يف اجلزم‪ ،‬فجعلت ا‬
‫أصال‪ ،‬يعني هذا األكثر‬
‫فيها‪ ،‬واألقل؟ أن تكون عالمة اإلعراب غري ذلك‪ ،‬وكَم رأيتم ُمصورة يف أبواب قليلة يف سبعة‬
‫أبواب‪ ،‬فهي كاألصل العظيم والفرعية كالفروع التي تتفرع من هذا األصل‪ ،‬وأما تسميتها‬
‫نيابية؛ فألهنا تنوب عن عالمات اإلعراب األصلية يف الداللة عىل احلكم اإلعراِب‪ ،‬فكَم أن‬
‫أيضا الواو تنوب عن الضمة يف الداللة عىل الرفع يف األسَمء اخلمسة‪،‬‬
‫الضمة تدل عىل الرفع‪ ،‬ا‬
‫ويف مجع املذكر السامل وهكذا‪.‬‬

‫ثم بدأ ابن هشام رمحه اَّلل يذكر أبواب عالمات اإلعراب الفرعية با ابا با ابا‪ ،‬فبدأ باألسَمء‬
‫فرتفع بالواو‬
‫الستة‪ ،‬فقال‪( :‬إال األسَمء الستة‪ ،‬وهي أبوه وأخوه ومحوها وهنوه وفوه وذو مال‪ْ ،‬‬
‫وتنْصب باأللف وجتر بالياء‪ .‬واألفصح استعَمل ه ٍن كغ ٍد)‬

‫ابن هشام كَم سمعتم جعل هذه األسَمء ستة ال مخسة‪ ،‬وزاد فيها هن ونمر عليها برسعة‪،‬‬
‫فأما أبوك وأخوك فمعروفان‪ ،‬وأما محوها فاحلم مجعه أمحاء‪ ،‬ومؤنثه محاة‪ ،‬واملشهور أن أمحاء‬
‫‪64‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫الزوجة أقرباء زوجها‪ ،‬كل أقرباء الزوج أمحاء للزوجة‪ ،‬كأبيها آسف كأِب الزوج‪ ،‬وأخيه‪،‬‬
‫وعمه‪ ،‬وأبناء عمه‪ ،‬وأمه‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬وأبوه‪ ،‬أبو الزوج محوها‪ ،‬وأم الزوج محاهتا‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫أيضا عىل أقرباء الزوجة بالنسبة إىل الزوج‪ ،‬كأبيها وأخيها‪،‬‬


‫احلم قد يطلق يف اللغة ا‬
‫وقيل‪ :‬إن ن‬
‫وأمها‪ ،‬وهلذا جتدون بعضهم قد يطلق اسم احلَمة عىل أم الزوجة‪.‬‬

‫حم ومحاة‪ ،‬وأن أقرباء‬


‫واملشهور يف اللغة أن أقرباء الزوج هم األمحاء‪ ،‬واملفرد كَم قلنا ٌ‬
‫الزوجة هم األختان‪ ،‬واملفرد ختن‪ ،‬وختنة‪ ،‬وأما اسم الصهر ومجعه أصهار‪ ،‬فهذا يطلق عىل‬
‫احلم فيها لغات‪ ،‬فيقال احلم‪ ،‬واحلمو‪ ،‬واحلمأ هبمزة‪،‬‬
‫أقرباء الزوجة وأقرباء الزوج‪ ،‬وكلمة ن‬
‫واحلَمء بألف‪ ،‬كلها بمعناى واحد‪ ،‬فهذا املراد بحموها‪.‬‬

‫وأما فوك فهو الفم‪ ،‬إذا أسقطت منه امليم وع يوض عنها بالواو‪ ،‬فو ثم تضاف فيقال فوك‪ ،‬أو‬
‫فو ُممد ونحو ذلك‪.‬‬

‫وأما ذو فهو بمعنى صاحب نحو ذو علم وذو فضل‪ ،‬وأما هنوك‪ ،‬وهي الكلمة التي زادها‬
‫ابن هشام‪ ،‬وزادها النحويني الذين جعلوا هذه األسَمء ستة‪ ،‬فاهلن يعرب به يف اللغة عن كل ما‬
‫يستقبح الترصيح به‪ ،‬كالعورات والشتائم‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫تقول ملن بدت عورته غطي هناك‪ ،‬لكي ال ترصح باسم العورات‪ ،‬ومن ذلك احلديث «من‬
‫تعزى بعزاء اجلاهلية فأعضوه هبنئ به وال تكنوا»‪ ،‬أي قولوا له‪ :‬عض عن أبيك‪ ،‬تبكيتاا له‬
‫وتسكيتاا‪.‬‬

‫فعىل ذلك صارت ستة‪ ،‬وهذه األسَمء الستة إنَم تعرب باحلروف هذا اإلعراب ثالثة‬
‫َشوط‪ ،‬ال مطل اقا‪:‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪65‬‬

‫الرشط األول‪ :‬أن تكون هبذه األلفاظ املذكورة أبوك‪ ،‬أخوك إىل آخره يعني ال تكون مثناة‬
‫وال جمموعة‪ ،‬وال مصغرة‪.‬‬

‫الرشط الثان‪ :‬أن تكون مضافة‪.‬‬

‫والرشط الثالث‪ :‬أال تكون مضافة إىل ياء املتكلم‪ ،‬نحو جاء أبوك‪ ،‬جاء أبو ُممد ‪ ،‬جاء أبو‬
‫األوالد‪ ،‬جاء أبو األفكار‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫بخالف جاء أبواك فهذا مثنى‪ ،‬يعرب بإعراب املثنى‪ ،‬أو جاء آباؤك هذا مجع تكسري‪ ،‬يعرب‬
‫أيضا بالعالمات األصلية‪ ،‬أو جاء أب‬
‫بالعالمات األصلية‪ ،‬أو جاء أبيك هذا مصغر‪ ،‬يعرب ا‬
‫هذا غري مضاف‪ ،‬يعرب بالعالمات األصلية‪ ،‬أو جاء أِب أضفنا إليه املتكلم‪ ،‬يعرب العالمات‬
‫األصلية ولكن املقدرة‪ ،‬فكلها إذا خالفت الرشوط كَم رأيتم تعرب العالمات األصلية إال املثنى‬
‫يعرب إعرا ابا مثنى‪.‬‬

‫ثم قال ابن هشام خامتاا الكالم عن األسَمء الستة‪( :‬واألفصح استعَمل ه ٍن كغ ٍد)‬

‫يعني أن كلمة اهلن فيها لغتان عن العرب‪ ،‬اخلالف فيها عن العرب‪ ،‬وليس عن النحويني‪،‬‬
‫إذا أضيفت إىل غري ياء املتكلم‪ ،‬فجمهور العرب أكثر العرب يعربوهنا ككلمة ٍ‬
‫غد‪ ،‬يعني‬
‫يعربوهنا بالعالمات األصلية‪ ،‬يقولون‪ :‬هذا هنك وغطي هنك‪ ،‬وهبنِك‪ ،‬وهكذا يرفعون‬
‫بالضمة‪ ،‬وينصبون بالفتحة وجيرون بالكرسة‪.‬‬

‫فعىل هذا تكون هذه األسَمء مخسة‪ ،‬كَم يفعل كثري من النحويني يأخذون بلغة مجهور‬
‫العرب‪.‬‬

‫وبعض العرب يعربون اهلن إذا توافرت فيه الرشوط باحلروف‪ ،‬كاألسَمء اخلمسة‪،‬‬
‫فيقولون‪ :‬هذا هنوك‪ ،‬وغطي هناك‪ ،‬وهبنيك‪ ،‬فعىل لغتهم هذه تكون هذه األسَمء ستة ال مخسة‪.‬‬
‫‪66‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ثم قال ابن هشام يف الباب الثان‪ ،‬من أبواب عالمات اإلعراب الفرعية‪ ،‬والباب الثالث من‬
‫ِ‬
‫السامل‬ ‫أبواب عالمات اإلعراب الفرعية‪ ،‬قال‪( :‬واملثنى كالزيدان فريفع باأللف‪ ،‬ومجع املذكر‬
‫كالزيدون فريفع بالواو‪ ،‬وجي َّر ِ‬
‫ان وينصبان بالياء)‬

‫واضح يف عبارة ابن هشام أنه مجع الكالم عىل املثنى ومجع املذكر السامل‪ ،‬ملاذا؟ الجتَمعهَم يف‬
‫بعض األحكام‪ ،‬يف عالمة اجلر والنصب ويف وجود ملحقات هبَم‪.‬‬

‫أيضا يف األسَمء الستة‬


‫فإن جاء طالب متنبه وسأل هذا السؤال فقال‪ :‬النحويون وابن هشام ا‬
‫يقدمون الرفع‪ ،‬ثم النصب‪ ،‬ثم اجلر‪ ،‬ويقدمون النصب عىل اجلر‪ ،‬فلَمذا قدَّ م ابن هشام هنا يف‬
‫املثنى ومجع املذكر اجلر عىل النصب‪ ،‬فقال‪ :‬وجيران وينصبان بالياء‪ ،‬ومل يقل‪ :‬وينصبان وجيرا‬
‫بالياء‪ ،‬ابن هشام يعد من املحققني املدققني‪ ،‬ما خيالف العبارة املشهورة إال حلكمة‪.‬‬

‫اجلواب عن ذلك‪ :‬ألن الياء يف احلقيقة عالمة اجلر‪ ،‬الياء يف املثنى ومجع املذكر السامل يف‬
‫احلقيقة عالمة اجلر؛ ألن الياء أم الكرسة‪ ،‬الكرسة عالمة اجلر‪ ،‬والنصب فيهَم ُممول عىل اجلر‬
‫ا‬
‫محال‪ ،‬فالرفع له عالمة مستقلة‪ ،‬األلف للمثنى وهو يف اجلمع املذكر السامل‪ ،‬واجلر له عالمة‬
‫مستقلة وهي الياء‪ ،‬والناصب ليس له عالمة مستقلة‪ ،‬ولكن العرب محلوه ا‬
‫محال عىل اجلر؛ ألهنم‬
‫لو أجروا القياس هنا جلعلوا عالمة النصب الفتحة‪ ،‬آسف جلعلوا عالمة النصب األلف‪،‬‬
‫فاختلط باملثنى املرفوع‪ ،‬ومجع املذكر السامل سيختلط باملثنى‪ ،‬فرتك كل ذلك لعدم االختالط‬
‫واللبس وأحلقوا النصب باجلر‪.‬‬

‫أيضا اجلر عىل النصب يف مجع املؤنث السامل‪ ،‬كَم سيأيت‪ ،‬يقولون‪:‬‬
‫وهلذا يقدم النحويون ا‬
‫"وجير وينصب بالكرسة"؛ ألن الكرسة يف مجع املؤنث السامل عالمة اجلر‪ ،‬الكرس يف األصل‬
‫عالمة اجلر‪ ،‬ثم إن النصب يف مجع املؤنث السامل ُممول عىل اجلر‪ ،‬فيكون جير وينصب بالكرسة‪.‬‬

‫ثم قال ابن هشام يف بيان امللحق باملثنى‪:‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪67‬‬

‫(وكال وكلتا مع الضمري كاملثنى‪ ،‬وكذا اثنان واثنتان مطلق اا وإن ركيبا) فذكر امللحق باملثنى‪.‬‬

‫امللحق باملثنى هو ما أعربته العرب إعراب املثنى ومل تتوافر فيه َشوط املثنى‪ ،‬يعني ليس‬
‫مثناى يف احلقيقة‪ ،‬ولكن العرب أعربته إعراب املثنى‪ ،‬رفعته باأللف‪ ،‬وجرته ونصبته بالياء‪،‬‬
‫وامللحقات كَم ذكر ابن هشام أربع كلَمت‪ ،‬وكلها عدت ملحقات باملثنى ال مثنيات حقيقية؛‬
‫ألن ال مفرد هلا‪ ،‬فكال وكلتا ال مفرد هلَم‪ ،‬ليس مفردمها كل‪ ،‬كل مجع وكال وكلتا مثنى‪ ،‬كيف‬
‫اجلمع يصري أكثر من املفرد؟ املفرد كل صار أكثر من اجلمع كال أو كلتا؟ ال كل كلمة وهي دالة‬
‫عىل اجلمع‪ ،‬وكال وكلتا كلمتان مرجتلتان للتثنية‪.‬‬

‫وكذلك اثنان واثنتان‪ ،‬اثنان ليس مثنى ا ْث ٌن وا ْث ٌن‪ ،‬ا ْث ٌن وا ْث ٌن صار اثنني‪ ،‬ال اثنان هذه كلمة‬
‫مرجتلة هلذا املعنى‪ ،‬لكن العرب أعربوها إعراب املثنى‪.‬‬

‫فالكلمة األوىل والثانية من امللحقات باملثنى كال وكلتا‪ ،‬وهلَم حالتان‪:‬‬

‫احلالة األوىل‪ :‬أن يضافا إىل ضمري كالمها ‪ -‬كلتامها – كالنا‪ ،‬فيلحقان بإعراب املثنى‪ ،‬تقول‪:‬‬
‫ذهب الرجالن كالمها‪ ،‬أو أكرمت الرجلني كليهَم‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫واحلالة الثانية‪ :‬أن يضاف إىل اسم ظاهر‪ ،‬يعني غري ضمري فيعربان إعراب االسم املقصور‬
‫املختوم بألف‪ ،‬يعني يعرب بعالمات أصلية مقدرة‪ ،‬ويلزم األلف‪ ،‬تقول ذهب كال الرجلني‪،‬‬
‫وأكرمت كال الرجلني‪ ،‬وسلمت عىل كال الرجلني‪.‬‬

‫والكلمة الثالثة والرابعة من امللحقات باملثنى‪ ،‬اثنان واثنتان ويلحقان باملثنى مطل اقا‪ ،‬ما معنى‬
‫مطل اقا؟ يعني بال َشط إضافتهَم إىل ضمري‪ ،‬نحو جاء اثنان من الرجال وأكرمت اثنني من‬
‫الرجال‪ ،‬وسلمت عىل اثنني من الرجال‪.‬‬
‫‪68‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫قال ابن هشام‪( :‬وإن ركيبا) يعني ولو ركبا يف األعداد املركبة من أحد عرش إىل تسعة عرش‬
‫فأيضا يعربان إعراب املثنى‪ ،‬تقول‪ :‬جاء اثنى عرش ا‬
‫رجال فاعل مرفوع عالمة رفعه األلف‪،‬‬ ‫ا‬
‫رجال مفعول به منصوب وعالمة نصبه الياء‪ ،‬وسلمت عىل اثني عرش ا‬
‫رجال‬ ‫وأكرمت اثني عرش ا‬
‫جمرور وعالمة جره الياء‪.‬‬

‫حسناا‪ ،‬ثم ذكر ابن هشام ‪-‬رمحه اَّلل‪ -‬امللحق بجمع املذكر السامل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وسنون وبابه وبنون ِ‬
‫وع يل ُّيون‬ ‫وع ْرشون وأخواته وعاملون وأهلون ووابِلون وأرضون ِ‬
‫(وأولو ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫وش ْبهه كاجلمعِ)‬‫ِ‬

‫قوله‪ :‬كاجلمع هذا خرب لقوله أولو وما عطِف عليه‪ ،‬يقول‪ :‬أولوا وما عطف عليه ما باهلا‬
‫هذه كاجلمع‬

‫يعني أن العرب تعرهبا وتعاملها كجمع املذكر السامل‪.‬‬

‫أيضا امللحق بجمع املذكر السامل‪ ،‬هو ما أعربته العرب إعراب مجع املذكر السامل‪ ،‬ومل تتوافر‬
‫ا‬
‫ٍ‬
‫مذكر سا املا توافرت فيه الرشوط‪ ،‬ومع ذلك أعربته العرب هذا‬ ‫فيه َشوطه‪ ،‬ليس مج اعا‪ ،‬مجع‬
‫اإلعراب‪.‬‬

‫فجمع املذكر السامل‪ ،‬يعني ال يكون إال ملذكر‪ ،‬ال يكون ملؤنث‪ ،‬وسامل ال بد أن تسلم فيه‬
‫صورة املفرد‪ ،‬ومجع املذكر السامل ال يكون إال لعلم املذكر وصفة املذكر فقط‪.‬‬

‫إ اذا نكمل ‪-‬إن شاء اَّلل‪ -‬بعد الصالة واَّلل أعلم وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ُممد وعىل آله‬
‫وأصحابه أمجعني‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪69‬‬

‫الدرس الثان (اجلزء الثان)‪:‬‬

‫بسم اَّلل الرمحن الرحيم‪ ،‬احلمد َّلل رب العاملني‪ ،‬الصالة والسالم عىل نبينا ُممـد‪ ،‬وعـىل آلـه‬
‫وأصحابه أمجعني أما بعد‪:‬‬

‫"‪ 00:50‬جانبي"‬

‫قبل الصالة كنا قرأنا ما قاله ابن هشام رمحه اَّلل تعـاىل يف امللحقـات يف مجـع املـذكر السـامل‪،‬‬
‫وعرفنا املراد بامللحق بجمع املذكر السامل‪ ،‬وابن هشام رمحه اَّلل ذكر منها تسعة أشياء‪.‬‬

‫ٍ‬
‫مـذكر سـا املا؛ ألهنـا‬ ‫األول من هذه امللحقات كلمة‪( :‬أ ْولو) بمعنى أصحاب‪ ،‬وليست مجـع‬
‫ليس هلا مفرد‪ ،‬ليس مفردها ذو‪ ،‬وإن كان مفر ادا هلا يف املعنى لكن ليس مفـر ادا هلـا يف اللفـظ‪ ،‬ذو‬
‫ذال واو‪ ،‬أما أوىل فليس فيها ذال‪ ،‬تقول‪ :‬جاء أولوا علم‪ ،‬وأكرمـت أويل علـم‪ ،‬وسـلمت عـىل‬
‫أويل علم‪.‬‬

‫والثان من هذه امللحقات‪ :‬قال‪( :‬عرشـون وبابـه) يعنـي ألفـاظ العقـود مـن العرشـين إىل‬
‫التسعني‪ ،‬وهي ليست مج اعا؛ ألهنا ليس هلا مفرد‪ ،‬فثالثون ليست مجع ثالثة وثالثة وثالثة‪ ،‬فثالثـة‬
‫اسم مرجتل هلذا العدد تقول‪ :‬جاء ثالثون ٌ‬
‫رجل‪،‬‬ ‫وثالثة وثالثة مجعها تسعة‪ ،‬وليس ثالثون‪ ،‬فهو ٌ‬
‫رجال‪ ،‬وسلمت عىل ثالثني ا‬
‫رجال‪.‬‬ ‫وأكرمت ثالثني ا‬

‫ٍ‬
‫مـذكر سـا املا؛‬ ‫والثالث من هذه امللحقات‪ :‬كلمة (عاملون) عاملون مفرده عامل‪ ،‬وليست مجـع‬
‫خاص بجمع علم‬
‫ألنه ليس بعلم وال بوصف‪ ،‬بل هو اسم جنس‪ ،‬ومجع املذكر السامل كَم ذكرنا ٌ‬
‫املذكر ووصفه‪ ،‬تقول‪ :‬العاملون كثريون‪ ،‬وتقول‪ :‬رب العاملني وهكذا‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬هل عامل مجعه عاملون؟ أم ال؟ فهـذا فيـه خـالف؛ ألن معنـى الكلمتـني خمتلـف‪،‬‬
‫فاملستعمل يف اللغة أنك إذا مجعت فقلت‪ :‬العاملني كان ذلك ملا سوى اَّلل عـز وجـل إذا أفـردت‬
‫‪70‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫كان ذلك فيَم سوى اَّلل عز وجل‪ ،‬وإذا مجعت مج اعا للواو والنون كان ذلك للعاقل‪ ،‬وإذا مجعـت‬
‫مجع تكسري عوامل شمل ما سوى ذلك من غري العاقل‪ ،‬يعني تقول ا‬
‫مثال‪ :‬عامل اإلنس‪ ،‬عامل اجلـن‪،‬‬
‫عامل النمل‪ ،‬وهكذا من العاقل وغري العاقل‪ ،‬لكن إذا قلت‪ :‬العاملني هذا ال يشـمل غـري العاقـل‬
‫كاحليوانات وإنَم عامل مجعه عوامل فاختالف املعنى بني عاملني وعامل رأى املحققون أن كلمـة عـامل‬
‫ليس مفر ادا للعاملني‪ ،‬وإنَم مفرد عوامل‪.‬‬

‫الكلمة الرابعة أو اليشء الرابع مما ذكر ابن هشام من امللحقات بجمـع املـذكر السـامل قـال‪:‬‬
‫(أهلون)‬

‫اسم جامد أهلون بمعنـى أهـل‪،‬‬ ‫مذكر سا املا؛ ألنه ليس بعل ٍم وال وصف‪ ،‬بل هو ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫وليس مجع‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬شغلتْنا أ ْموالنا وأ ْهلونـا [الفتح‪ ،]11:‬وقـال‪﴿ :‬إِىل أ ْهلِ ِ‬
‫ـيه ْم أبـدا ا [الفتح‪،]12:‬‬
‫فأعرب إعراب مجع املذكر السامل‪.‬‬

‫واخلامس من امللحقات كلمة‪( :‬وابلون) الوابلون يعني املطر الكثيف بمعنى الوابل‪ ،‬فوابـل‬
‫خـاص بجمـع‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫مذكر سا املا ألنه ليس لعاقل‪ ،‬ومجع املذكر السـامل‬ ‫مجعوه عىل وابلون‪ ،‬وليس مجع‬
‫وابل‪ ،‬أو نزل وابلون‪ ،‬نسأل اَّلل ا‬
‫وابـال‪ ،‬أو نسـأل اَّلل وابلـني ونحـو‬ ‫املذكر العاقل‪ ،‬تقول‪ :‬نازل ٌ‬
‫ذلك‪.‬‬

‫ٍ‬
‫مـذكر سـا املا؛ ألن مفـرده‬ ‫والسادس من امللحقات‪( :‬أرضون) ومفرده أرض‪ ،‬ولـيس مجـع‬
‫وأيضا مل يسلم فيه بناء املفرد‪ ،‬فقال‪ :‬أرضـون‪ ،‬ومـع ذلـك أحلقوهـا‬
‫مؤنث‪ ،‬تقول‪ :‬هذه أرض‪ ،‬ا‬
‫إحلا اقا بإعراب مجع املذكر السامل‪.‬‬

‫ٍ‬
‫مذكر سـا املا ألنـه‬ ‫والسابع من امللحقات قال‪( :‬سنون وبابه) السنون مفرده سنة‪ ،‬وليس مجع‬
‫وأيضا ليس بعاقل‪ ،‬وما املراد بباب سنني؟ املراد بباب سـنني كـل اسـ ٍم‬
‫ليس بعلم وال وصف‪ ،‬ا‬
‫ثالثي حذفت المه وعوض عنها بتاء تأنيث‪ ،‬هناك كلَمت ثالثية ثالثة أحرف‪ ،‬احلـرف الثالـث‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪71‬‬

‫حرف علم‪ ،‬فيحذفون احلرف الثالث يعني الالم‪ ،‬ويعوضون عنه بتاء تأنيث كسنة‪ ،‬سـنة أصـله‬
‫سنوات والدليل عىل ذلك مجعه سنوات‪ ،‬سنوات هذه الـواو هـي الـالم وقـد عـادت سـنوات‬
‫لكنهم حذفوها وعوضوا عنها بتاء التأنيث‪ ،‬وكذلك كلمة عظة بمعنى كذب وافرتاء‪ ،‬فجمعت‬
‫ـذين جعلـوا ا ْلق ْـرآن ِع ِضـني [احلجر‪،]91:‬‬ ‫يف اللغة فقيل‪ :‬عظون وعظني‪ ،‬كَم قال تعاىل‪﴿ :‬ا َّل ِ‬

‫الشـَم ِل‬
‫ـن ي‬ ‫ـن ا ْلي ِم ِ‬
‫ـني وع ِ‬ ‫وعزة بمعنى الفرقة من الناس‪ ،‬قالوا‪ِ :‬عوزن وعزين‪ ،‬قـال تعـاىل‪﴿ :‬ع ِ‬ ‫ِ‬

‫ِع ِزين [املعارج‪ ،]37:‬فهذا املراد بباب سنة‪.‬‬

‫والثامن مما أحلق بجمع املذكر السامل‪( :‬بنون) بنون مفرده ابن‪ ،‬وليس هو بعلم‪ ،‬وال بوصف‪،‬‬
‫ٍ‬
‫مذكر سا املا‪ ،‬ومع ذلك أعربته العرب إعراب مجع‬ ‫ومع ذلك مل يسلم فيه املفرد؛ فلهذا ال يعد مجع‬
‫املذكر السامل‪ ،‬فيقولون‪ :‬هؤالء بنون‪ ،‬وأكرمت بنني‪ ،‬وسلمت عىل بنـني‪ ،‬وتقـول‪ :‬هـؤالء بنـو‬
‫أيضـا فتعـرب‬
‫ُممد‪ ،‬سلمت عىل بني ُممد وهكذا‪ ،‬وكلمة ابن جتمع مجـع تكسـري عـىل أبنـاء ا‬
‫بالعالمات األصلية‪ ،‬وإنَم الكالم هنا عىل مجعها بالواو والنون‪..‬‬

‫التاسع وهو األخري مما أحلق بجمع املذكر السامل قال فيه ابن هشام‪( :‬عليـون وشـبهه) املـراد‬
‫بشبه عليني املسمى بجمع املذكر السامل‪ ،‬فباب التسمية يف اللغة واسع‪ ،‬التسمية يف اللغة العربيـة‬
‫باهبا واسع يمكن أن تسمي ابنك‪ ،‬أو كتابك‪ ،‬أو ُملك‪ ،‬أو َشكتك أو غري ذلك بأي ٍ‬
‫بـاب مـن‬
‫باب األسَمء‪ ،‬فتقول ا‬
‫مثال‪ :‬اسم الفاعل‪ ،‬اسـم املفعـول تسـمي ولـدك نـارص اسـم مفعـول‪ ،‬أو‬
‫منصور اسم مفعول‪ ،‬أو حسن صفة مشبهة‪ ،‬أو فالح مصدر‪ ،‬وجيوز أن تسمي بالفعل‪ ،‬فتسـميه‬
‫يقوم‪ ،‬أو يسجد‪ ،‬أو يشكر‪ ،‬أو تغلب‪ ،‬أو يزيد أو أمحد‪ ،‬هذه كلها أفعال‪ ،‬أو شمر "من شمر عن‬
‫ساعده"‪.‬‬

‫وجيوز أن تسمي باحلروف كأن تسمي هبيا‪ ،‬وجيوز أن تسمي بجملة كَم سمت العرب تأبط‬
‫ٍ‬
‫مـذكر سـامل كـأن‬ ‫ٍ‬
‫بموصوف وصفته‪ ،‬وجيوز أن تسـمي بجمـع‬ ‫َشا‪ ،‬أو تسمي ببعض مجلة‪ ،‬أو‬
‫ا‬
‫‪72‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫تسمي ولدك ُممدون أو ُممدين‪ ،‬وزيدون‪ ،‬وزيدين‪ ،‬ومن ذلك عليون وهو اس ٌم ألعـىل اجلنـة‬
‫ووسطها‪ ،‬جعلنا اَّلل ووالدينا وإياكم من أهلها‪.‬‬

‫فعليون مما سمي بجمع املذكر السامل‪ ،‬فيعرب إعراب مجع املذكر السامل كـَم يف قولـه تعـاىل‪:‬‬
‫﴿ك َّال إِ َّن كِتاب األ ْبر ِار ل ِفي ِع يل ييني * وما أ ْدراك ما ِع يل ُّيون [املطففني‪ ،]19-18:‬فجـره باليـاء‬
‫ورفعه بالواو‪ ،‬وكذلك تقول يف ولدٌ سميته زيـدون‪ ،‬تقـول‪ :‬جـاء زيـدون‪ ،‬وأكرمـت زيـدين‪،‬‬
‫وسلمت عىل زيدين‪ ،‬وهكذا لو سميت ا‬
‫مثال َشكتـك املتحـدون‪ ،‬فتقـول‪ :‬املتحـدون تترشـف‬
‫بإضافتكم‪ ،‬أو إن املتحدين تترشف بقدومكم‪ ،‬أو سنذهب إىل املتحدين ونحو ذلك‪.‬‬

‫وجيوز يف املسمى بجمع املذكر السامل وج ٌه آخر غـري اإلعـراب وهـو‪ :‬إلزامـه مـا سـمي بـه‬
‫وحكايته‪ ،‬أن تلزمه بالواو أو بالياء عىل حسب ما سميته به‪ ،‬وحتكيه حكاية‪ ،‬يعني سميته زيدون‬
‫تلزمه الواو وحتكيه يف النصب واجلر والرفع بالياء‪ ،‬أو سميته زيدين تلزمـه اليـاء‪ ،‬وحتكيـه عـىل‬
‫دائَم‬
‫ذلك يف الرفع والنصب واجلر‪ ،‬وكذلك لو سميت َشكتك املتحدون جيوز أن تلزمها الواو ا‬
‫هكذا يف الرفع والنصب واجلر وهكذا‪.‬‬

‫ثم انتقل بعد ذلك إىل الباب الرابع من باب عالمات اإلعراب الفرعيـة وهـو مجـع املؤنـث‬
‫السامل‪.‬‬

‫ـمي بـه مـنهَم فينصـب‬ ‫وفيه قال ابن هشام‪( :‬وأوالت وما مجِع ٍ‬
‫بألف وتاء م ِزيـدت ْ ِ‬
‫ني ومـا س ي‬
‫ِ‬
‫البنات)‬ ‫ِ‬
‫السموات‪ ،‬واصطفى‬ ‫بالكرسة‪ ،‬نحو خلق‬

‫وأوالت؟ ألن العطف هنا عـىل قولـه‪( :‬األسـَمء السـتة)‬


‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫وأوالت وليس‬ ‫ملاذا قال ابن هشام‬
‫ٍ‬
‫فـأوالت منصـوب عالمـة‬ ‫ٍ‬
‫وأوالت)‬ ‫وهي منصوبة عىل االستثناء ألنه قال‪( :‬إال األسَمء السـتة‬
‫وأوالت فهو خطأ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫مؤنث سامل‪ ،‬فإذا ضبط يف بعض الطبعات‬ ‫نصبه الكرسة؛ ألنه مجع‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪73‬‬

‫هنا أسئلة‪:‬‬

‫سؤال‪ :‬ملاذا فعل ابن هشام املدقق‪ ،‬واملحقق مـا مجـع بـألف وتـاء مزيـدتني‪ ،‬وتـرك التعبـري‬
‫املشهور مجع املؤنث السامل‪ ،‬وفعل ذلك كثريون من النحويني املحققني كابن ٍ‬
‫مالك وغريه؟‬

‫خاصا باملؤنث‪ ،‬قد جيمع املذكر عليها كَم‬


‫واجلواب عن ذلك‪ :‬أن اجلمع باأللف والتاء ليس ا‬
‫ٌ‬
‫إسطبل وإسطبالت‪ ،‬وهذا محـا ٌم ومحامـات‪ ،‬وهكـذا‪،‬‬ ‫يف محزة ومحزات‪ ،‬وكذلك يف إسطبل هذا‬
‫وأيضا لـيس السـالمة َش اطـا‬
‫خاص باملذكر‪ ،‬ا‬
‫خاصا باملؤنث كَم أن مجع املؤنث السامل ٌ‬
‫فهو ليس ا‬
‫ٍ‬
‫ومحـزة ومحـزات هـذا التغيـري‬ ‫قليال كَم يف رض ٍبة ورضبات‪،‬‬
‫فيه‪ ،‬قد تتغري صورة املفرد وإن كان ا‬
‫واجب لو سكنت مل جيز إال يف رضورة الشعر فلهذا عدل ابن هشام واملحققون عن التعبـري عـن‬
‫هذا الباب بجمع املؤنث السامل‪ ،‬ولو عربت عنه بجمع املؤنث السامل فال بـأس بـذلك عـىل أنـه‬
‫مصطلح‪ ،‬وال مشاحة يف االصطالح‪ ،‬فإذا سئلت عن املراد هبذا املصطلح تقـول‪ :‬املـراد بجمـع‬
‫بألف ٍ‬
‫وتاء مزيدتني‪.‬‬ ‫املؤنث السامل ما مجع ٍ‬

‫السؤال الثان‪ :‬ما فائدة تقييد األلف والتاء بكوهنَم مزيدتني؟‬


‫قال‪( :‬ما مجع ٍ‬
‫بألف وتاء مزيدتني) هذا القيد له فائدة‪ ،‬وفائدته إخراج ما كانت تاؤه أصـلية‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وأصوات‪ ،‬أصوات التاء يف أصوات هي التاء املوجودة يف املفرد صوت يعنـي‬ ‫ٍ‬
‫كصوت‬ ‫ال زائدة‬
‫ٍ‬
‫مؤنـث سـا املا‪ ،‬ال هـذا يعـرب بعالمـات‬ ‫ٍ‬
‫وأبيات‪ ،‬هذا ليس مجع‬ ‫ٍ‬
‫وبيت‬ ‫ٍ‬
‫وأوقات‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ووقت‬ ‫أصلية‬
‫ٍ‬
‫وأصوات‪.‬‬ ‫أصوات‪ ،‬وأصواتاا‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫وصوت‪،‬‬ ‫صوت وصوتاا‬
‫ٌ‬ ‫اإلعراب األصلية‬
‫ٍ‬
‫فقضـاة‬ ‫ٍ‬
‫دعـاة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫كقضـاة‪ ،‬و‬ ‫وخيرج كذلك ما كانت األلف فيه غري زائدة بل منقلبة عن أصـل‬
‫وضيت فعل ٌة‪ ،‬إال أن الياء هنا جيـب أن‬
‫ٌ‬ ‫يت ألنه من قىض يقيض‪ ،‬الالم ياء‪ ،‬واألصل ق‬
‫أصلها قض ٌ‬
‫تنقلب إىل ألف؛ ألهنا حتركت وانفتح ما قبلها‪ ،‬وكذلك دعاة من دعى يدعو الالم واو‪ ،‬فاألصل‬
‫دعو ٌت ثم انقلبت الواو إىل ألف‪ ،‬إ اذا فاأللف ليست زائدة بل منقبلة عن أصل‪ ،‬ال يعد ذلك مجع‬
‫‪74‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫مؤنث سا املا بل يعرب بعالمـات اإلعـراب األصـلية فتقـول‪ :‬هـؤالء دعـاةٌ‪ ،‬وأكرمـت دعـاةا‪،‬‬
‫وسلمت عىل ٍ‬
‫دعاة وهكذا‪.‬‬

‫هل جلمع السامل ملحقات كَم أن للمثنى ملحقات؟ وجلمع املذكر السامل ملحقات؟‬

‫اجلواب‪ :‬نعم‪.‬‬

‫هل ذكر ابن هشام شيئاا من امللحقات بجمع املؤنث السامل؟‬


‫ٍ‬
‫(أوالت‬ ‫ٍ‬
‫أوالت وذكر ما سمي بجمع املؤنث السـامل‪ ،‬قـال‪:‬‬ ‫اجلواب‪ :‬نعم ذكر شيئني‪ ،‬ذكر‬
‫أيضا تعرب إعراب مجع املؤنث السامل‪ ،‬وليست مج اعا؛ ألهنا ليس هلـا‬
‫فأوالت ا‬
‫ٌ‬ ‫وما سمي به منهَم)‬
‫مفرد بمعنى أصحاب‪ ،‬وليس مفردها ذا أو ذو واملسمى بجمع املؤنث السامل كأن تسـمي ابنتـك‬
‫أيضا‬
‫بعطيات‪ ،‬أو نعَمت‪ ،‬أو تسميها بفاطَمت‪ ،‬أو تسمي مكاناا ما بربكات‪ ،‬أو عرفات‪ ،‬عرفات ا‬
‫مما سمي بجمع املؤنث السامل‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فهو يعرب إعراب مجع املؤنث السامل‪.‬‬

‫ثم انتقل ابن هشام رمحه اَّلل إىل‪:‬‬

‫الباب اخلامس من أبواب عالمات اإلعراب الفرعية وهو‪ :‬املمنوع من الرصف‪.‬‬

‫ِ‬
‫باألفضل أو باإلضافة‬ ‫فقال‪( :‬وما ال ينرصف فيجر بالفتحة نحو بأفضل منه‪ ،‬إال مع أ ْل نحو‬
‫نحو بأفضلِكم)‬

‫أيضا املمنوع من الرصف‪.‬‬


‫هذا الباب سَمه ابن هشام (ما ال ينرصف) ويسمى ا‬
‫ٍ‬
‫بوجه من الوجـوه‬ ‫اسَم‪ ،‬ذهبت تتشبه باألفعال‬
‫األسَمء املمنوعة من الرصف هي‪ :‬أحد عرش ا‬
‫فحرمتها العرب من ميزتني من ميزات االسم‪:‬‬

‫األوىل‪ :‬التنوين التي هي زينة األسَمء‪.‬‬

‫والثانية‪ :‬اجلر بالكرسة‪.‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪75‬‬

‫فسمى النحويون تلك األسَمء‪ :‬األسَمء املمنوعـة مـن الرصـف‪ ،‬إ اذا مـا املـراد بالرصـف يف‬
‫بـاب مسـتقل يف آخـر قطـر‬
‫العنوان هنا‪ ،‬يعني التنوين‪ ،‬وقيل‪ :‬التنوين واجلر بالكرسة‪ ،‬وسـيأيت ٌ‬
‫الندى عن األسَمء املمنوعة من الرصف وسيذكرها كلها وشيئاا من أحكامها‪.‬‬

‫منها ا‬
‫مثال‪ :‬االسم الذي عىل وزن مفاعل أو مفاعيل كمساجد‪ ،‬وقناديل‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬العلم املؤنث سوى الثالثي كفاطمة‪ ،‬ومكة‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬العلم األعجمي سوى الثالثي كإبراهيم وجورج‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬الوصف الذي عىل وزن أفعل كأكرب‪ ،‬وأمحر‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬الوصف الذي عىل وزن فعالن كغضبان وعطشان‪.‬‬

‫وستأيت كاملة مرشوحة يف باهبا إن شاء اَّلل‪.‬‬

‫قال ابن هشام‪( :‬إال مع ال أو باإلضافة) يعني أن هـذه األسـَمء جتـر بالفتحـة فتقـول‪ :‬جـاء‬
‫إبراهيم وأكرمت إبراهيم‪ ،‬وسلمت عىل إبراهيم إال إذا دخلت عليها "ال" أو وقعـت مضـا افا‬
‫ٍ‬
‫حينئذ جتر بالكرسة تعود إىل اجلر بالكرسة تقـول‪ :‬صـليت يف املسـاجد‪،‬‬ ‫مضاف إليه فإهنا‬
‫ٌ‬ ‫بعدها‬
‫ـاج ِد [البقرة‪ ،]187:‬تقـول‪ :‬سـلمت عـىل أكـربكم‪ ،‬قـال‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬وأنْت ْم عاكِفون ِيف ا ْملس ِ‬

‫احلاكِ ِمني [التني‪ ]8:‬وهكذا‪.‬‬‫تعاىل‪﴿ :‬أل ْيس اَّللَّ بِأ ْحك ِم ْ‬

‫فإن سألت وقلت‪ :‬إذا جرت هذه األسَمء بالكرسة يف هذين املوضعني فهل هي ممنوعة مـن‬
‫الرصف؟ أم صارت مرصوف اة؟‬

‫فاجلواب‪ :‬قوالن للنحويني‪:‬‬

‫فاملشهور عند املتقدمني أهنا صارت مرصوفة‪.‬‬


‫‪76‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫واملشهور عند املتأخرين أهنا ممنوع ٌة من الرصف إال أهنا جرت بالكرسة يف هذين املوضـعني‬
‫للسبب املذكور بعد قليل‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬ملاذا جرت العرب هذه األسَمء بالكرسة يف هذين املوضعني فقط؟ ملاذا؟‬

‫فاجلواب‪ :‬ألن جانب االسمية يف هذه األسَمء تقوى عندما دخلت خاصية مـن خصـائص‬
‫األسَمء وهي "ال" واإلضافة‪ ،‬فال"ال" واإلضافة من خصائص األسَمء فعندما دخلـت عـىل‬
‫االسم تقوى جانب االسمية فيه فعاد إىل حكم األسَمء فانجر بالكرسة‪ ،‬وهذا مـن مراعـاة مثـل‬
‫هذه األحكام عند العرب‪ ،‬هذه أمور عقلية ليست منطقية‪.‬‬

‫فعىل ذلك ذكر ابن هشام مخسة أبواب من أبواب العالمات الفرعية وهي‪:‬‬

‫‪ -‬األسَمء اخلمسة‪.‬‬

‫‪ -‬واملثنى‪.‬‬

‫‪ -‬ومجع املذكر السامل‪.‬‬

‫‪ -‬ومجع املؤنث السامل‪.‬‬

‫‪ -‬واالسم املمنوع من الرصف‪.‬‬

‫هذه ماذا؟ أسَمء ليبقى لنا بابان ومها من األفعال املضـارعة‪ ،‬فينتقـل ابـن هشـام إىل البـاب‬
‫السادس من أبواب عالمات اإلعراب الفرعية وهي‪ :‬األفعال اخلمسة‪.‬‬

‫وفيها يقول ابن هشام‪:‬‬


‫ِ‬
‫فعالن وتفعلون بالياء والتاء فيهَم‪ ،‬وتفعلني‪ ،‬فرتفع بثبوت النون‪،‬‬ ‫(واألمثلة اخلمسة‪ ،‬وهي ت‬
‫وجتزم وتنصب بحذفها‪ ،‬نحو‪ :‬فإن مل تفعلوا ولن تفعلوا)‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪77‬‬

‫السؤال املتبادر‪ :‬هل هذه األفعال مخسة بالفعل؟ أم أكثر من مخسة؟‬

‫يعني األسَمء اخلمسة مخسة‪ ،‬لكن هذه األفعال هل هي مخسة؟‬

‫اجلواب‪ :‬ال‪ ،‬هي يف احلقيقة مخسة أمثلة‪ ،‬أو أبنية‪ ،‬أو صيغ‪ ،‬أو أوزان‪ ،‬يأيت عليها ما ال حتىص‬
‫ٍ‬
‫أفعال بأعياهنا‪ ،‬كاألسَمء اخلمسة‪.‬‬ ‫من األفعال‪ ،‬وليست مخسة‬

‫وتفسري ذلك‪ :‬أن األفعال اخلمسة يف تعريفها كل مضارع اتصـل بـه ألـف االثنـني‪ ،‬أو واو‬
‫اجلَمعة‪ ،‬أو ياء املخاطبة‪ ،‬هذه هي األفعال اخلمسة‪.‬‬

‫إ اذا األفعال اخلمسة خاص ٌة باألفعـال املضـارعة متـى؟ إذا اتصـل هبـا ألـف االثنـني‪ ،‬أو واو‬
‫اجلَمعة‪ ،‬أو ياء خماطبة‪ ،‬ال خيفى عىل َشيف علمكم أن األفعال املضارعة ال بد أن تبـدأ بحـرف‬
‫من أحرف املضارعة املجموعة يف أنيت مثل‪ :‬اذهب‪ ،‬ونذهب‪ ،‬وتذهب‪ ،‬ويذهب‪ ،‬أفعل ونفعل‬
‫وتفعل ويفعل‪.‬‬

‫نأخذ املضارع املبدوء باهلمزة كأفعل هل تتصل به ألف االثنني؟ أنا أفعالن؟ ال‪ ،‬هل تتصـل‬
‫به واو اجلَمعة أفعلون؟ ال‪ ،‬هل تتصل به ياء املخاطبة أفعلني؟ ال‪ ،‬إ اذا املضـارع املبـدوء بـاهلمزة‬
‫أيضا ال تتصل به ألف االثنـني نفعـالن‪ ،‬وال واو‬
‫خرج كله‪ ،‬طيب املضارع املبدوء بالنون نفعل‪ ،‬ا‬
‫اجلَمعة نفعلون‪ ،‬وال ياء املخاطبة نفعلني‪ ،‬فخرج‪.‬‬

‫نأيت للمضارع املبدوء بالياء هل تتصل به ألف االثنني يفعالن؟ نعم‪ ،‬إ اذا هذا وزن‪ ،‬أو بنـاء‪،‬‬
‫أو صيغة يفعالن‪ ،‬وهل تتصل به واو اجلَمعة يفعلون‪ ،‬نعم يفعلون‪ ،‬هل تتصل بـه تـاء املخاطبـة‬
‫تقول‪ :‬أنت تفعلني؟ ال‪ ،‬إىل اآلن وصلنا إىل الصيغتني أو مثالني‪ ،‬نأيت إىل املضارع املبـدوء بالتـاء‬
‫تتصل به ألف االثنني تفعالن؟ نعم‪ ،‬تفعالن‪ ،‬وتتصل به واو اجلَمعـة تفعلـون؟ نعـم‪ ،‬تفعلـون‪،‬‬
‫وتتصل به ياء املخاطبة تفعلني؟ نعم تفعلني‪.‬‬
‫‪78‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫إ اذا خيرج لنا من تطبيق التعريف هـذه الصـيغ اخلمـس‪ ،‬وتصـوغ عليهـا مـا ال ينتهـي مـن‬
‫األفعال‪ ،‬تذهبون وجتلسون‪ ،‬وتؤمنون‪ ،‬وتتساعدون‪ ،‬وتأكلون‪ ،‬وترشبون‪ ،‬جتاوزنا اخلمسة ومـا‬
‫زلنا يف واو اجلَمعة؛ فلهذا عرب عنها ابن هشام باألمثلة اخلمسة‪ ،‬أمثلـة يعنـي أبنيـة‪ ،‬يعنـي أوزان‬
‫وصيغ‪ ،‬والذين يعربون عنها باألفعال اخلمسة يقولون‪ :‬هذا مصطلح‪ ،‬فإذا سئلوا ما معنـى هـذا‬
‫املصطلح؟ قالوا‪ :‬كل مضارع اتصل به واو اجلَمعة وياء االثنـني ويـاء املخاطبـة وال مشـاحة يف‬
‫االصطالح‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬ابن هشا ٍم هنا يف األفعال اخلمسة ا‬


‫أيضـا قـال‪( :‬وجتـزم وتنصـب بحـذفها) ترفـع‬
‫بثبوت النون‪ ،‬ثم قال‪( :‬وجتزم وتنصب) قدم اجلزم عىل النصب مع أن املعروف تقـديم النصـب‬
‫عىل اجلزم‪ ،‬فلَمذا قدم اجلزم عىل النصب؟‬

‫محـال عـىل اجلـزم؛ ألن عالمـة اجلـزم‬ ‫ٌ‬


‫ُممـول ا‬ ‫فاجلواب عن ذلك‪ :‬ألن النصب هذا املوضع‬
‫حذف النون؛ ألن عالمة اجلزم هنا حذف النون‪ ،‬حذف النون هـل تقابـل السـكون الـذي هـو‬
‫حذف احلركة؟ أم يقابل الفتحة عالمة النصـب؟ ال‪ ،‬حـذف النـون يقابـل حـذف احلركـة‪ ،‬إ اذا‬
‫محـال عـىل اجلـزم‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫فمحمول ا‬ ‫فحذف النون يف احلقيقة عالمة للجزم‪ ،‬وأما النصب يف هذا الباب‬
‫وهلذا قدموا اجلزم عىل النصب فيه‪.‬‬

‫ثم انتقل ابن هشام إىل الباب السابع وهو األخري مـن أبـواب عالمـات اإلعـراب الفرعيـة‬
‫ِ‬
‫اآلخر فيجزم بحذف آخره‪ ،‬نحو‪ :‬مل يغز ومل خيش ومل يرمِ)‬ ‫َّ‬
‫املعتل‬ ‫فقال‪( :‬والفعل املضارع‬

‫هنا معلومة تقول‪ :‬الفعل يعتل آخره بَمذا؟ بـاأللف التـي ال تكـون إال مدينـة‪ ،‬معـروف أن‬
‫وأيضـا يعتـل الفعـل‬
‫األلف يف العربية ال تكون إال مدينة يعني ساكن وقبلها مفتوح كيخشـى‪ ،‬ا‬
‫بالياء املدية كيقيض‪ ،‬ويعتل بالواو املدية كيدعو‪ ،‬هـذا املضـارع‪ ،‬الفعـل املضـارع يعتـل آخـره‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪79‬‬

‫بحروف املد‪ ،‬يعتل بغري حروف املد؟ ال‪ ،‬بخالف املايض‪ ،‬املايض يعتـل بـاأللف املديـة كـدعا‪،‬‬
‫يعتل بالياء غري املدية كريض‪ ،‬ويعتل بالواو غري املدية "‪"34:11‬‬

‫وأما االسم فيعتل باأللف التي ال تكون إال مدية كمصطفى‪ ،‬والفتـى‪ ،‬ويعتـل آخـره باليـاء‬
‫كضبي‪ ،‬وعيلٍ ‪ ،‬ويعتل بالواو املدية؟ ال‪ ،‬يعتل بالواو غري املدية‬
‫ٍ‬ ‫املدية كالقايض‪ ،‬وبالياء غري املدية‬
‫اسم خمتو ٌم ٍ‬
‫بواو‬ ‫ٍ‬
‫وعدو‪ ،‬لكن ما يعتل االسم بالواو املدية؛ فلهذا يقولون‪ :‬ليس يف العربية ٌ‬ ‫ٍ‬
‫كسهو‪،‬‬
‫هـو أو اسـم‬
‫هـو‪ ،‬هـو إذا وقفـت ْ‬
‫اسم مبنـي كالضـمري ْ‬
‫قبلها ضمة‪ ،‬فإن وجدت ذلك فهو إما ٌ‬
‫أعجمي يعني معرب وإال ال يوجد اسم عرِب يعتل آخره بالواو املدية يعني واو قبلها ضمة‪.‬‬

‫ثم نسأل عن كالم ابن هشام رمحه اَّلل‪ ،‬ابن هشام قال هنا‪( :‬فيجزم بحذف آخره) ذكر عالمة‬
‫اجلزم هنا‪ ،‬لكنه مل يذكر عالمة رفعه‪ ،‬وال عالمة نصبه ملاذا؟‬

‫اجلواب‪ :‬ذكر عالمة جزمه؛ ألهنا العالمة الفرعية وهي‪ :‬حذف حرف العلـة‪ ،‬وأمـا عالمـة‬
‫الرفع للمضارع املعتل اآلخر كمحمدٌ يدعو إىل اخلري‪ ،‬ويقيض باحلق فهي الضمة‪ ،‬فهـي عالمـ ٌة‬
‫أصلية وإن كان مقدرة‪ ،‬الضمة للرفع عالمة أصـلية مقـدرة أو ظـاهرة؛ فلهـذا مل يـذكرها‪ ،‬ويف‬
‫النصب‪ُ :‬ممدٌ لن يدعو إىل الباطل ولن يقيض به عالمة النصب الفتحة وهي أصلية‪ ،‬إ اذا فاكتفى‬
‫بذكر العالمة الفرعية ومل يذكر العالمتني األصليتني‬

‫فإن سألت وقلت‪ :‬ماذا يقول املعرب عند بيان عالمة اإلعراب يف املضارع املجزوم بحـذف‬
‫حرف العلة ُممدٌ مل يدع‪ ،‬ومل خيش‪ ،‬ومل يرم مضارع جمزوم وعالمة جزمـه مـاذا؟ حـذف حـرف‬
‫العلة‪ ،‬أو حذف آخره‪ ،‬أو حذف األلف‪ ،‬أو حذف الياء‪ ،‬أو حـذف الـواو كـل ذلـك صـحيح‬
‫وجائز ومستعمل‪ ،‬وإن كان األشهر عند املتأخرين قوهلم‪ :‬حذف حرف العلة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫أصلية وفرعية‪.‬‬ ‫هذا هناية الكالم عىل تقسيم عالمات اإلعراب إىل‬
‫‪80‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ومعلَمت‪ ،‬وأخوك‪ ،‬وإبراهيم‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫معلم ومعلَمن‪ ،‬ومعلمون‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وعليه نقول يف الرفع‪ :‬جاء‬
‫ٍ‬
‫ومعلَمت‪ ،‬وأخاك‪ ،‬وإبراهيم‪.‬‬ ‫معلَم‪ ،‬ومعلمني ومعلمني‬
‫ونقول يف النصب‪ :‬أكرمت ا‬
‫ٍ‬
‫ومعلَمت‪ ،‬وأخيك وإبراهيم‪.‬‬ ‫ونقول يف اجلر‪ :‬سلمت عىل معلمٍ‪ ،‬ومعلمني ومعلمني‬

‫هذا سؤال‪ :‬ادخل كان وإن وظننت عىل ما ييل‪:‬‬

‫أخوك ذو علم "ادخل كان" نقول‪ :‬كان أخوك ذا علمٍ‪.‬‬

‫"ادخل إن" إن أخاك ذو علم‪.‬‬

‫"ادخل ظننت" ظننت أخاك ذا علم‪.‬‬

‫الطالبان جمتهدان "ادخل كان"‪ :‬كان الطالبني جمتهدين‪.‬‬

‫"ادخل إن" إن الطالبني جمتهدان‪.‬‬

‫"ادخل ظننت" ظننت الطالبني جمتهدين‪.‬‬

‫املهندسون بارعون‪ :‬كان املهندسون بارعون‪ ،‬وإن املهندسني بارعون‪ ،‬وظننت املهندسني‬
‫بارعني‪.‬‬
‫ِ‬
‫املعلَمت‬ ‫خملصات‪ ،‬وظننت‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫خملصات‪ ،‬وإن املعلَمت‬ ‫خملصات‪ :‬كانت املعلَمت‬
‫ٌ‬ ‫املعلَمت‬
‫ٍ‬
‫خملصات‪.‬‬

‫إبراهيم غضبان‪ :‬كان إبراهيم غضبان "بفتحة بدون تنوين" وإن إبراهيم غضبان‪ ،‬وظننت‬
‫إبراهيم غضبان‪.‬‬

‫فهذا هو التقسيم األول لعالمات اإلعراب‪.‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪81‬‬

‫ينتقل ابن هشام إىل التقسيم الثان لعالمات اإلعراب‪ ،‬وهو‪ :‬تقسيمها إىل عالمـات إعـراب‬
‫ظاهرة ومقدرة‪.‬‬
‫ِ‬
‫احلركات) إىل آخر كالمه‪.‬‬ ‫فقال رمحه اَّلل تعاىل‪( :‬فصل‪ :‬تقدَّ ر مجيع‬

‫ما معنى كون عالمة اإلعراب ظاهرة وكوهنا مقدرة؟‬

‫ما معنى كون عالمة اإلعراب ظاهرة؟ يعني ظاهرة يف النطق؛ نطق املتكلم‪ ،‬ومن ثم ظـاهرة‬
‫يف سمع املخاطب واملستمع‪ ،‬إذا ظهرت يف النطق والسمع تقول‪ :‬ظاهرة‪.‬‬

‫وما معنى كوهنا مقدرة؟ مقدرة هنا بمعنى مغطـاة‪ ،‬مسـتورة‪ ،‬يعنـي أهنـا موجـودة يف آخـر‬
‫الكلمة‪ ،‬ولكن هناك شيئاا غطاها وسرتها‪ ،‬ومنعها من الظهور يف النطق والسمع‪.‬‬

‫فلو أخذنا ا‬
‫مثاال عىل ذلك‪ :‬االسم املختوم باأللف الفتى‪ ،‬قلنا‪ :‬جاء الفتى‪ ،‬جاء فعل ماض‪،‬‬
‫والفتى فاعل‪ ،‬الفاعل حكمه الرفع‪ ،‬والفعل هنا رفع الفاعل‪ ،‬مـا معنـى كـون الفعـل قـد رفـع‬
‫الفاعل‪ ،‬يعني وضع عليه عالمة الرفع وهي الضمة‪ ،‬هذا معنى أن الفعل قد رفع الفاعـل‪ ،‬رفعـه‬
‫يعني وضع عليه ضمة جاء ُممدٌ ‪ ،‬ما الذي رفع ُممدٌ ؟ يعني ما الذي وضع عليه ضمة؟ الفعـل‬
‫جاء؛ ألنه طلبه ا‬
‫فاعال له‪ ،‬طيب هل جاء رفع الفتى أم مل يرفع الفتى؟ رفع الفتى‪ ،‬مـا معنـى رفـع‬
‫الفتى؟ يعني وضع عىل آخره ضمة قام بعمله طلبه ا‬
‫فاعال يعني رفعـه‪ ،‬يعنـي وضـع عـىل آخـره‬
‫ضمة إال أن الفتى باأللف‪ ،‬واأللف بطبيعتها اللغوية مالزم للسكون‪ ،‬فـاجتمع عـىل آخـر هـذا‬
‫االسم الفتى ضمة عالمة اإلعراب‪ ،‬وسكون وهو السكون املـالزم لأللـف‪ ،‬والـذي حـدث أن‬
‫السكون املالزم غطى الضمة ومنعه من الظهور فهكذا التقدير‪.‬‬

‫التقدير أن جيتمع شيئان عىل آخر الكلمة املعربة أحدمها عالمة اإلعـراب‪ ،‬واليشـء اآلخـر‬
‫يشء آخر‪ ،‬فاليشء الطارئ هذا اآلخر سيغطي عالمة اإلعراب ويمنعها من الظهور كَم حـدث‬
‫‪82‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫هنا‪ ،‬إ اذا فعالمة اإلعراب موجودة أو غري موجودة؟ موجـودة‪ ،‬ولكـن هنـاك مان اعـا منعهـا مـن‬
‫الظهور‪.‬‬

‫ابن هشام هنا ذكر مخسة مواضع لعالمات اإلعراب املقدرة فقال‪:‬‬

‫مقصورا‪ ،‬والضمة والكرسـة يف‬ ‫ِ‬


‫ركات يف نحو غالمي والفتى ويسمى‬ ‫(فصل‪ :‬تقدَّ ر مجيع احل‬
‫ا‬
‫منقوصا‪ ،‬والضمة والفتحة يف نحو خيشى‪ ،‬والضمة يف نحو يدعو ويقيض‪،‬‬
‫ا‬ ‫نحو القايض ويسمى‬
‫إن القايض لن يقيض ولن يدعو)‬
‫وتظهر الفتحة يف نحو َّ‬

‫وذكر ابن هشام أن عالمات اإلعراب املقدرة بخمسة مواضع وهي‪:‬‬

‫املوضع األول‪ :‬االسم املضاف إىل ياء املتكلم‪ ،‬نحو‪ :‬صديقي‪ ،‬كتاِب‪ ،‬رِب‪ ،‬وكـذلك أخـي‪،‬‬
‫وأِب‪ ،‬ومثل ابن هشا ٍم له بقوله‪( :‬غالمي) وقال‪( :‬تقدر مجيع احلركات يف نحو‪ :‬غالمي) يعني أن‬
‫االسم املضاف إىل ياء املتكلم تقدر عليه مجيـع عالمـات اإلعـراب يف الرفـع والنصـب واجلـر‪،‬‬
‫تقول‪ :‬جاء صديقي‪ ،‬وأكرمت صديقي وسلمت عىل صديقي‪.‬‬

‫اسم أضيف إىل ياء املتكلم‪ ،‬وقبل أن يضـاف‬


‫فإذا نظرنا يف الرفع جاء صديقي‪ ،‬صديقي هذا ٌ‬
‫صديق‪ٌ ،‬‬
‫فاعل مرفوع وعالمة رفعه الضـمة‪ ،‬طيـب نريـد أن‬ ‫ٌ‬ ‫إىل ياء املتكلم ماذا كان؟ كان جاء‬
‫نضيف كلمة صديق إىل ياء املتكلم‪ ،‬واإلضافة كَم تعرفون تنفي وحتـذف التنـوين‪ ،‬إ اذا سـنقول‪:‬‬
‫جاء صديق ونحذف التنوين‪ ،‬ثم نضيف ياء املتكلم‪ ،‬فكان القياس أن يقال‪ :‬جاء صديق ْى‪ ،‬جاء‬
‫صديق ثم الياء الساكنة‪.‬‬
‫كَم تقول عند اإلضافة إىل غري ياء املتكلم يف جاء ِ‬
‫صديقك‪ ،‬وجاء صـديقه‪ ،‬وجـاء صـديق‬
‫ُممد‪ ،‬إال أن اإلضافة إىل ياء املتكلم هلا خاصية يف اللغة العربية‪ ،‬فياء املـتكلم توجـب كرسـ مـا‬
‫قبلها‪ ،‬فكلمة صديق منتهية بالقاف وقع عىل آخرها عىل القاف ضـمة اإلعـراب‪ ،‬صـديق‪ ،‬ثـم‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪83‬‬

‫الكرسة التي توجبها ياء املتكلم عىل ما قبلها‪ِ ،‬قي فحدث هنا موجب التقدير‪ ،‬فحركـة املناسـبة‬
‫لياء املتكلم غطت الضمة عالمة اإلعراب ومنعتها من الظهور‪.‬‬
‫ِ‬
‫صديقي مرفوع وعالمـة رفعـه الضـمة املقـدرة‪ ،‬مـا الـذي منعهـا مـن‬ ‫فالعرب تقول‪ :‬جاء‬
‫الظهور؟ الكرسة التي هي حركة املناسبة؛ فلهذا يعـربون عـن ذلـك فيقولـون ا‬
‫مـثال‪ :‬منـع مـن‬
‫ظهورها حركة املناسبة‪ ،‬أو يقولون‪ :‬منع من ظهورها اشتغال املحل بحركـة املناسـبة كـل هـذا‬
‫صحيح‪ ،‬وكذلك يف النصب أكرمت صديقي‪ ،‬األصل قبل اإلضافة أكرمت صدي اقا‪ ،‬ثم حتـذف‬
‫التنوين لإلضافة أكرمت صديق‪ ،‬ثم تأيت بياء املتكلم فكان القياس أن تقول‪ :‬أكرمت صـديقي‪،‬‬
‫كَم تقول‪ :‬أكرمت صديقك‪ ،‬وصديقه‪ ،‬وصديق ُممد‪ ،‬لكن ياء املتكلم توجب كرسـ مـا قبلهـا‬
‫فهذا الكرس املالزم لياء املتكلم غطى الفتحة عالمة اإلعراب ومنعها من الظهور فتقول العرب‪:‬‬
‫ِ‬
‫صديقي‪.‬‬ ‫أكرمت‬

‫ٍ‬
‫صـديق‪ ،‬ثـم‬ ‫ِ‬
‫صديقي‪ ،‬واألصل‪ :‬سلمت عىل‬ ‫ثم نأيت إىل اجلر‪ ،‬إذ تقول العرب‪ :‬سلمت عىل‬
‫ِ‬
‫صديقي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫صديق ثم تأيت ياء املتكلم فتقول‪ :‬سلمت عىل‬ ‫نحذف التنوين لإلضافة سلمت عىل‬

‫ويأيت هنا السؤال وهو أن االسم املضاف إىل ياء املتكلم يف حالة اجلر كسلمت عىل صديقي‬
‫عالمة جره كرسة ظاهرة وهي التي تظهر عىل النطق كقولنا‪ :‬سـلمت عـىل صـديقي؟ أم كرسـة‬
‫أيضا؟ فنقول‪ :‬إن احلركة الظاهرة ليست هي عالمة اإلعـراب‪ ،‬وإنـَم هـي كرسـة‬
‫ظاهر ٌة مقدرة ا‬
‫املناسبة كالتي يف الرفع والنصب‪ ،‬ثم إن حركـة املناسـبة فعلـت مـا فعلـت يف الرفـع والنصـب‬
‫فمنعت حركة اجلر من الظهور؟‬

‫اجلواب‪ :‬قوالن للنحويني‪:‬‬

‫‪ -‬فاملشهور عند النحويني أن عالمة اجلر يف االسم املضـاف إىل يـاء املـتكلم كرسـ ٌة‬
‫مقدرة‪ ،‬طر ادا للباب‪.‬‬
‫‪84‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ -‬وقال بعض النحويني كابن مالك إن عالمة جره هي الكرسة الظاهرة‪ ،‬وال داعـي‬
‫جلعلها مقدرة‪.‬‬

‫واملوضع الثان لعالمات اإلعراب املقدرة‪ :‬االسم املقصور التي قال فيها ابن هشـام‪( :‬تقـدَّ ر‬
‫مقصورا)‬ ‫ِ‬
‫احلركات يف نحو غالمي والفتى ويسمى‬ ‫مجيع‬
‫ا‬
‫بألف الزمة‪ ،‬االسم املعرب املختوم بـأل ٍ‬
‫ف‬ ‫االسم املقصور املراد به‪ :‬االسم املعرب واملختوم ٍ‬

‫الزمة‪ ،‬وهذا يدرس يف احلقيقة يف الرصف‪ ،‬أنواع األسَمء تدرس يف الرصـف‪ ،‬لكـن نحتـاج إىل‬
‫هذا التعريف اآلن‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬العىص‪ ،‬والفتى‪ ،‬ومستشفى‪ ،‬ومصطفى‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫فقولنا يف التعريف‪ :‬االسم خيرج احلرف كإذا‪ ،‬وخيرج الفعل كدعى‪ ،‬وخيشى‪ ،‬هذه ال تسمى‬
‫مقصورا‪ ،‬املقصور خاص باألسَمء‪.‬‬
‫ا‬ ‫مقصورا أو حر افا‬
‫ا‬ ‫مقصورة‪ ،‬هذه تسمى يف االصطالح ا‬
‫فعال‬

‫خمتوما بألف‪.‬‬
‫ا‬ ‫وقولنا يف التعريف‪ :‬املعرب‪ ،‬خيرج املبني‪ ،‬كمتى اسم معرب وإن كان‬
‫بألف الزمة خيرج االسم املختوم ٍ‬
‫بألف غري الزمة مثل ماذا؟ كقوله‪ :‬أكرمت أخاك‪،‬‬ ‫وقولنا‪ٍ :‬‬

‫أخا خمتوم بألف‪ ،‬لكنها ليست الزمة؛ ألهنا تتغري بالرفع أخوك‪ ،‬وباجلر أخيك‪ ،‬فال يسـمى هـذا‬
‫مقصورا‪.‬‬
‫ا‬ ‫اسَم‬
‫أيضا ا‬
‫ا‬

‫واالسم املقصور كَم نص ابن هشام تقدر عليه مجيع عالمات اإلعراب يف الرفـع والنصـب‬
‫واجلر‪ ،‬تقول‪ :‬جاء الفتى‪ ،‬وأكرمت الفتى‪ ،‬وسلمت عىل الفتى‪.‬‬

‫خمتوما بـألف‪ ،‬واأللـف يف‬


‫ا‬ ‫واملانع من ظهور عالمات اإلعراب كَم سبق َشحه كون االسم‬
‫العربية مالزم ٌة للسكون وال تقبل احلركة‪ ،‬ال يمكن أن تتحرك األلف‪ ،‬لو حركـت األلـف بـأي‬
‫ٍ‬
‫حرف آخر‪ ،‬األلف ال تقبـل التحريـك؛ فلهـذا يعـربون‬ ‫حركة تنقلب إىل مهزة‪ ،‬يعني تنقلب إىل‬
‫عن املانع من الظهور هنا فيقولون‪ :‬منع من ظهورها‪ ،‬أو منعها من الظهور كالمها صـحيح منـع‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪85‬‬

‫من ظهورها أو منعها من الظهـور التعـذر‪ ،‬ويريـدون بالتعـذر االسـتحالة‪ ،‬يعنـون أن األلـف‬
‫ٍ‬
‫فتحة أو كرسة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بضمة أو‬ ‫يستحيل حتريكها‬

‫واملوضع الثالث لعالمات اإلعـراب املقـدرة‪ :‬االسـم املنقـوص‪ ،‬وفيـه يقـول ابـن هشـام‪:‬‬
‫منقوصا)‬
‫ا‬ ‫(والضمة والكرسة يف نحو القايض ويسمى‬
‫واملراد باالسم املنقوص‪ :‬االسم املعرب املختوم ٍ‬
‫بياء قبلها كرسة‪ ،‬نحو‪ :‬القايض‪ ،‬واملقتيض‪،‬‬
‫واملستقيض‪ ،‬واهلادي‪ ،‬واملهتدي‪ ،‬واملستهدي‪ ،‬والنادي واملنادي‪ ،‬فقولنا يف تعريف االسـم خيـرج‬
‫االسم كيقيض‪ ،‬وخيرج احلرف كفي‪ ،‬وقولنا املعرب خيرج املبني كالـذي‪ ،‬وقولنـا املختـوم ٍ‬
‫بيـاء‬
‫عيل خمتوم بياء مشددة‪.‬‬ ‫قبلها كرسة خيرج املختوم ٍ‬
‫وعيل ي‬
‫ي‬ ‫بياء قبلها سكون كضبي وسعي‪،‬‬

‫ومعلوم أن املشدد عبارة عن حرفني أوهلَم ساكن‪ ،‬أما العامة خيففون من عـيل فيكـون كأنـه‬
‫منقوص‪ ،‬وإال فهو خمتوم ب"ال" مشددة‪.‬‬
‫املنقوص املختوم ٍ‬
‫بياء قبلها كرسة‪ ،‬طيب ملاذا مل يذكر االسم املختوم ٍ‬
‫بواو قبلها ضـمة؟ ألنـه‬
‫ال يوجد يف العربية‪.‬‬

‫واالسم املنقوص تقدر عليه عالمة الرفع الضمة وعالمة اجلر الكرسـة فقـط دون النصـب‪،‬‬
‫دون عالمة النصب وهي الفتحة‪ ،‬فلهذا ابن هشام ذكر أن الضمة تقدر عليه‪ ،‬وأن الكرسة تقـدر‬
‫عليه‪ ،‬وأما عالمة النصب الفتحة فلم يذكرها هنا‪ ،‬ولكن ذكرها يف آخر الكـالم عـىل عالمـات‬
‫إن القايض لن يقيض ولـن يـدعو) نقـول‪ :‬جـاء‬
‫اإلعراب املقدرة وقال‪( :‬وتظهر الفتحة يف نحو َّ‬
‫القايض يا ُممد‪ ،‬وذهبت إىل ِ‬
‫القايض يا ُممد‪.‬‬ ‫القايض مبكرا‪ ،‬وسلمت عىل ِ‬ ‫ِ‬
‫ا‬

‫واملانع من الظهور يف االسم املنقوص يقولون‪ :‬الثقل‪ ،‬معنـى ذلـك أن عالمـة الرفـع وهـي‬
‫ِ‬
‫القـايض‪ ،‬كجـاء‬ ‫الضمة يف قولك‪ :‬جاء ِ‬
‫القايض ستقع عىل الياء‪ ،‬وكـان األصـل أن يقـال جـاء‬
‫‪86‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬
‫احلارس‪ ،‬والقائم‪ ،‬واجلالس‪ ،‬جاء ِ‬
‫القايض فهذا سيوجب وقوع الضمة عىل الياء‪ ،‬والضمة بنـت‬
‫الواو‪ ،‬بنت الواو يعني مأخوذة من الواو يعني بعض الواو‪ ،‬بنت الواو‪ ،‬والواو كَم يعلم يف علـم‬
‫األصوات عدوة الياء‪ ،‬يعني إن اجتَمعهَم يسبب ا‬
‫ثقال‪ ،‬فتخلصت العرب من هـذا الثقـل بـَمذا؟‬
‫بالتسكني‪ ،‬جلبوا سكوناا‪ ،‬هذا السكون الـذي جلبـوه لرفـع الثقـل مـاذا فعـل بالضـمة عالمـة‬
‫اإلعراب؟ غطاها ومنعها من الظهور‪.‬‬

‫ِ‬
‫احلـارس‪ ،‬لكـن هـذا‬ ‫وكذلك يف اجلر كان األصل أن يقال‪ :‬سلمت عىل ِ ِ‬
‫القايض مثل‪ :‬عـىل‬
‫سيؤدي إىل وقوع الكرسة عىل الياء‪ ،‬الكرسة بنت الياء بعض الياء وقعت عىل الياء يعنـي كأهنـا‬
‫اجتمعت ياءان يف الكالم وهذا ثقيل‪ ،‬ختلصت العرب من ذلك بالسكون‪ ،‬فالسـكون املجلـوب‬
‫للتخلص من الثقل غطى الكرسة ومنعها من الظهور‪.‬‬

‫إ اذا اتفقنا أن املانع يف املنقوص الثقل وليس التعذر االستحالة؛ ألنه ممكن أن تتكلم وتقـول‪:‬‬
‫ا‬
‫مستحيال‪ ،‬ولكنه ثقيل‪ ،‬وألن املـانع هـو الثقـل منعـت العـرب ظهـور‬ ‫والقايض ليس‬
‫ِ‬ ‫القايض‪،‬‬
‫احلركات الثقيلة وهي‪ :‬الضمة والكرسة‪ ،‬ومل متنع الفتحة عالمة النصـب؛ ألهنـا خفيفـة‪ ،‬وهـذا‬
‫معروف يف علم األصوات أن أثقل احلركات الضـمة ثـم الكرسـة‪ ،‬وأخـف احلركـات الفتحـة‬
‫فتح للفم‪ ،‬افتح الفم فقط وادفع هواء فقط خترج الفتحـة‪ ،‬أمـا الضـمة‬
‫سميت فتحة؛ ألهنا جمرد ٌ‬
‫حتتاج إىل عالجني تفتح الفم ثم تضم الشفتني‪ ،‬والكرسة تنـزل الشـفتني إىل أسـفل إِ فصـارت‬
‫الضمة ثقيل اة‪ ،‬والكرسة ثقيل اة‪ ،‬وأما الفتحة فصارت خفيف اة فظهرت‪.‬‬

‫واملوضع الرابع من مواضع عالمات اإلعراب املقدرة‪ :‬املضارع املختوم بألف‪ ،‬وفيـه يقـول‬
‫ابن هشام‪( :‬والضمة والفتحة يف نحو خيشى) نحو‪ :‬خيشى ويرىض ويرعـى‪ ،‬ويـدعى‪ ،‬ويقىضـ‪،‬‬
‫ويستهدى‪ ،‬وهو تقدر عليه عالمة الرفع فقط‪ ،‬وإال عالمة الرفع والنصب؟ تقـدر عليـه عالمـة‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪87‬‬

‫الرفع الضمة‪ ،‬وتقدر عليه عالمة النصب الفتحة؛ ألنـه خمتـوم بـألف‪ ،‬واأللـف ال تظهـر عليـه‬
‫احلركة ال ضمة وال فتحة‪.‬‬

‫وهلذا قال ابن هشام‪( :‬والضمة والفتحة) يعني عالمة الرفع وعالمة النصب‪ ،‬وعالمة اجلـزم‬
‫ملاذا مل يذكرها ابن هشا ٍم هنا؟ ما عالمة اجلزم؟ حذف حرف العلة‪ ،‬وهي عالم ٌة ظاهرة‪ ،‬وليست‬
‫يـدع‪،‬‬
‫يدع‪ ،‬ويدعو‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬مل ْ‬
‫مقدرة‪ ،‬كيف ظاهرة؟ يعني هناك فرق يف النطق يف السمع بني ْ‬
‫أمرا يظهر يف النطق والسمع فصارت عالمة ظاهرة فلم يـذكرها ابـن‬
‫فإنك جعلت عالمة اجلزم ا‬
‫هشا ٍم يف العالمات املقدرة‪.‬‬

‫واملوضع اخلامس وهو األخري فيَم ذكره ابن هشام من عالمات اإلعراب املقـدرة‪ :‬املضـارع‬
‫املختوم ٍ‬
‫ياء او واو‪ ،‬وفيه قال‪( :‬والضمة يف نحو يدعو ويقيضـ) املختـوم‪ ،‬املعتـل اآلخـر باليـاء‬
‫كيقيض وهيدي‪ ،‬ويعيص‪ ،‬ويقتيض وهيتدي‪ ،‬ويستهدي‪ ،‬واملضارع املعتل اآلخر بـالواو كيـدعو‬
‫ويرنو‪ ،‬وينمو ويسمو يقول‪ :‬تقدر عليه الرفع فقط‪ ،‬املسلم يدعو إىل احلق ويقيض به‪.‬‬

‫أما عالمة النصب وهي الفتحة فظاهره؛ ألن املانع من ظهور احلركـات عـىل الـواو واليـاء‬
‫الثقل‪ ،‬والثقل ال يمنع الفتحة؛ ألهنا خفيفة‪ ،‬وقد نص عىل ذلك ابن هشام فقال‪( :‬وتظهر الفتحة‬
‫أيضا عالمة اجلـزم وهـي حـذف حـرف‬
‫إن القايض لن يقيض ولن يدعو) ومل يذكر هنا ا‬
‫يف نحو َّ‬
‫العلة؛ ألهنا عالم ٌة ظاهرة‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬اختم الدرس باجلواب عن هذا السؤال‪ :‬مـا الفـرق بـني الكلمـة املعربـة بعالمـة‬
‫ٍ‬
‫الكلمة املبنية‪ ،‬فكالمها من حيث الظاهر ليس عليه حركـة إعـراب ويلـزم‬ ‫ٍ‬
‫إعراب مقدرة‪ ،‬وبني‬

‫حال اة واحدة‪ ،‬فالفتى ا‬


‫دائَم يلزم السكون‪ ،‬فَم الفرق بني املعرب بعالمـات إعـراب مقـدرة وبـني‬
‫الكلَمت املبنية؟‬
‫‪88‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫اجلواب عن ذلك‪ :‬أما الفرق الذي هيم الطالب فهو الفرق القـائم عـىل احلرصـ‪ ،‬هـو الـذي‬
‫درسناه وندرسه أن الكلَمت املبنية ُمصورة وهي احلروف‪ ،‬واملـايض‪ ،‬واملضـارع املتصـل بنـون‬
‫التوكيد واألسَمء العرشة‪ ،‬وما سوى ذلـك معربـة‪ ،‬فـإذا قلـت‪ :‬املنقـوص كالقـايض‪ ،‬واالسـم‬
‫املقصور كالفتى هل ذكرت يف األسَمء املبنية العرشـة؟ إ اذا معربـة هـذا احلرصـ يبـني لـك هـذه‬
‫األمور‪ ،‬لكن الطالب الذي يفهم كالطالب املتوسط الذي نرشح له يمكن أن نبني الفرق‪.‬‬

‫ٍ‬
‫إعراب مقدرة الذي يمنع مـن ظهـور احلركـة‬ ‫فقالوا‪ :‬الفرق بينهَم أن الكلمة املعربة بعالمة‬
‫كائن يف آخر الكلمة فقط‪ ،‬يعني يف آخر حرف‪ ،‬احلرف األخري فيها اجتمع عليـه األمـران‪:‬‬
‫يشء ٌ‬‫ٌ‬
‫األمر الطارئ غطى عالمة اإلعراب فقط‪ ،‬لكن بنية الكلمة ما متنـع القـايض بنيتـه اسـم فاعـل‪،‬‬
‫القايض فاعل‪ ،‬اسم الفاعل بنية اسم الفاعل ما متنع اإلعراب‪ ،‬ما تقتيض البنـاء‪ ،‬تقـول‪ :‬القـائم‪،‬‬
‫ِ‬
‫والضارب بنية الكلمـة مـا متنـع اإلعـراب وال توجـب‬ ‫اجلالس‪ ،‬والنائم‪ ،‬والظاهر‪ ،‬والضارب‪،‬‬
‫البناء‪.‬‬

‫أما الكلمة املبنية الذي يوجب بنائها بنية الكلمة كلها‪ ،‬وليس أمر طـارئ عـىل آخـر حـرف‬
‫فيها‪.‬‬

‫دائَم مبني عىل الفـتح‪ ،‬أمـر يتعلـق ببنيـة‬ ‫ِ‬


‫فنقول‪ :‬املايض الذي عىل فعل أو فعل‪ ،‬أو فعل هذه ا‬
‫الكلمة‪ ،‬الضَمئر كلها مبنية كلها أسَمء مرجتلة‪ ،‬كلها مبنية‪ ،‬أسَمء اإلشارة وهكذا‪.‬‬

‫أمر طـارئ عـىل آخـر‬


‫فاخلالصة أن األسَمء املعربة إعرا ابا تقدير ايا الذي أوجب هلا ذلك هو ٌ‬
‫حرف من حروفها فقط‪ ،‬أما بنية الكلمة ما كانت متنع اإلعراب أو توجـب البنـاء‪ ،‬أمـا الكلمـة‬
‫املبنية فموجب البناء فيها بنية الكلمة وصياغتها‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪89‬‬

‫وهبذا نكون قد انتهينـا مـن الكـالم عـىل اإلعـراب‪ ،‬وخـط اإلعـراب‪ ،‬وطريقـة اإلعـراب‬
‫وعالمات اإلعراب بَم تيرس وسمح به الوقت لنتكلم إن شاء اَّلل يف الدرس القادم عـىل إعـراب‬
‫الفعل املضارع‪ ،‬واَّلل أعلم وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ُممد وعىل آله وأصحابه أمجعني‪.‬‬
‫‪90‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫الدرس الثالث‬
‫ٍ‬
‫ُممد‪ ،‬وعىل آله‬ ‫بسم اَّلل الرمحن الرحيم‪ ،‬احلمد َّلل رب العاملني‪ ،‬ونصىل ونسلم عىل نبينا‬
‫وأصحابه أمجعني أما بعد‪:‬‬

‫ا‬
‫وسهال بكم يف هذه الليلة ليلة األربعاء الثامن‬ ‫ا‬
‫وأهال‬ ‫فالسالم عليكم ورمحة اَّلل وبركاته‪،‬‬
‫والعرشين من شهر مجادى األوىل من سنة ‪ 1439‬يف جامع منرية الشبييل يف حي الفالح بحي‬
‫الرياض لنعقد بحمد اَّلل وتوفيقه الدرس الثالث من دروس َشح قطر الندى البن هشا ٍم عليه‬
‫رمحة اَّلل‪.‬‬

‫يف الدرس املايض كنا تكلمنا عىل اإلعراب والبناء وما يتعلق بذلك من تعريف املعرب واملبني‪،‬‬
‫وحرص املعربات واملبنيات‪ ،‬والكالم عىل أنواع اإلعراب وخط اإلعراب‪ ،‬وطريقة اإلعراب‪،‬‬
‫وعالمات اإلعراب‪ ،‬وانتهينا من ذلك بحمد اَّلل‪.‬‬

‫يف هذه الليلة سيكون الدرس عن إعراب الفعل املضارع تب اعا لرتتيب قطر الندى البن هشام‪،‬‬
‫وجزما‪.‬‬
‫ا‬ ‫وقد انتقل بعد ذلك مباَشة إىل الكالم عىل إعراب الفعل املضارع رف اعا ونص ابا‪،‬‬

‫وخالصة ذلك‪ :‬قبل أن نقرأ كالمه بالتفصيل أن الفعل املضارع‪:‬‬

‫ٍ‬
‫بناصب فحكمه النصب‪ ،‬نواصبه أربعة‪ ،‬وهي أن‪ ،‬ولن‪ ،‬وكي‪ ،‬وإ اذا‪.‬‬ ‫‪ -‬إن سبق‬

‫‪ -‬وإن سبق بجازم فحكمه اجلزم‪ ،‬وجوازمه مخسة‪ ،‬وهي‪ :‬مل‪ ،‬وملا والم األمـر‪ ،‬وال الناهيـة‬
‫وأدوات الرشط اجلازمة‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بناصب وال بجازم فحكمه الرفع‪.‬‬ ‫‪ -‬وإذا مل يسبق‬

‫وَشح لكالمه عليه رمحة اَّلل‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫وهذه قراء ٌة لكالم ابن هشام يف قطر الندى‪،‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪91‬‬

‫فقال‪:‬‬

‫فصل ٌ‬
‫فصل‪ :‬ي ْرفع املضارع خالي اا من ناصب وجازم نحو يقوم زيد»‬ ‫« ٌ‬

‫فالفعل املضارع كَم عرفنا يف الكالم عىل أنواع اإلعراب يدخلـه الرفـع والنصـب واجلـزم‪،‬‬
‫واآلن يبني ابن هشام متى يكون حكمه الرفع؟ ومتى يكون حكمه النصب؟ ومتى يكون حكمه‬
‫اجلزم؟‬

‫ٍ‬
‫صـب‬ ‫فبدأ بالكالم عىل رفع الفعل املضارع‪ ،‬فذكر أنه‪ :‬يكون حكمه الرفع إذا خـال مـن نا‬
‫ٍ‬
‫بيشء من أدوات نصب املضارع أو جزم املضارع‪.‬‬ ‫وجازم يعني إذا مل يسبق‬

‫ٍ‬
‫نصب وهـي لـن‪،‬‬ ‫مرفوعا؛ ألنه سبق بأداة‬
‫ا‬ ‫فقولك‪ :‬املسلم لن يعبد إال اَّلل املضارع فيه ليس‬
‫مرفوعا؛ ألنه سبق بأداة جزم‪ ،‬وأما قولـك‪ :‬لـن‬
‫ا‬ ‫وقولك‪ :‬املسلم مل يعبد إال اَّلل املضارع فيه ليس‬
‫ٍ‬
‫بناصـب وال بجـازم؛ ولـذا ال بـد يف معرفـة‬ ‫يعبد اَّلل فاملضارع هنا حكمه الرفع؛ ألنه مل يسـبق‬
‫إعراب الفعل املضارع من معرفة نواصبه وجوازمه التي ستأيت‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بناصـب وال بجـاز ٍم فحكمـه‬ ‫ٍ‬
‫مكان كـان يف اجلملـة إذا مل يسـبق‬ ‫إ اذا فالفعل املضارع يف أي‬
‫جد‪ ،‬أو املوظف يعمل ٍ‬
‫بجد‪ ،‬أو إن املوظف يعمـل‬ ‫الرفع‪ ،‬من أمثلة ذلك قولك‪ :‬يعمل املوظف ب ٍ‬
‫ٍ‬
‫بجـد‪ ،‬أو كـان‬ ‫ٍ‬
‫بجد‪ ،‬إن ليست من نواصب الفعـل املضـارع وال جوازمـه إن املوظـف يعمـل‬
‫بجد‪ ،‬أو رأيت املوظف يعمل ٍ‬
‫بجد‪.‬‬ ‫املوظف يعمل ٍ‬

‫بجد إىل آخره‪ ،‬ومن ذلك قوله تعـاىل‪﴿ :‬امل *‬ ‫وكذلك يف األفعال اخلمسة املوظفون يعملون ٍ‬

‫الصالة و ِممَّا رز ْقناه ْم‬ ‫ذلِك ا ْلكِتاب ال ريب فِ ِيه هدا ى لِ ْلمت َِّقني * ا َّل ِذين ي ْؤ ِمنون بِا ْلغي ِ ِ‬
‫ب ويقيمون َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ي ِنفقون﴾ [البقرة‪.]3-1:‬‬
‫‪92‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ٍ‬
‫بناصب وال بجازم‪ ،‬ومن‬ ‫مضارع مرفوعة؛ ألهنا مل تسبق‬
‫ٌ‬ ‫فيؤمنون‪ ،‬ويقيمون وينفقون ٌ‬
‫أفعال‬
‫ذلك قولنا‪ :‬أعوذ باَّلل‪﴿ ،‬ق ْل أعوذ﴾ [الفلق‪ ،]1:‬فأعوذ مل يسبق بناصب وال بجازم‪.‬‬

‫اجـا﴾ [النرصـ‪ ،]2:‬فيـدخلون مضـارع‬ ‫قال تعاىل‪﴿ :‬ورأ ْيت النَّاس يدْ خلون ِيف ِد ِ‬
‫ين اَّللَِّ أ ْفو ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـب ا ْملتط يه ِ‬
‫ـرين﴾‬ ‫َّـوابِني وحي ُّ‬ ‫مرفوع وعالمة رفعه ثبـوت النـون‪ ،‬وقـال تعـاىل‪﴿ :‬إِ َّن اَّللَّ حي ُّ‬
‫ـب الت َّ‬
‫ـه مـا ت ْعبـدون﴾ [الشـعراء‪،]70:‬‬ ‫يـه وقو ِم ِ‬ ‫[البقرة‪ ]222:‬وقال سـبحانه وتعـاىل‪﴿ :‬إِ ْذ قـال ِألبِ ِ‬
‫ْ‬
‫فتعبدون مرفوع مرفوع؛ ألنه سبق بَم النافية‪ ،‬وما النافية ليست من النواصب وال مـن اجلـوازم‪،‬‬
‫﴿قالوا ن ْعبد أ ْصن ااما﴾[الشعراء‪ ،]71:‬نعبد مرفوع ﴿فنظ ُّل هلا عاكِ ِفني﴾ [الشـعراء‪ ،]71:‬نظـل‬
‫ٍ‬
‫بناصب وال بجازم‪﴿ ،‬قال ه ْل ي ْسـمعونك ْم﴾[الشـعراء‪ ]72:‬يسـمعونكم‬ ‫أيضا مرفوع مل يسبق‬
‫ا‬
‫أثبت النون مضـارع مرفـوع وعالمـة رفعـه ثبـوت النـون؛ ألن هـل االسـتفهامية ليسـت مـن‬
‫النواصب وال من اجلوازم ﴿ه ْل ي ْسمعونك ْم إِ ْذ تدْ عون﴾[الشعراء‪ ،]72:‬ا‬
‫أيضا تدعون مرفوع إذ‬
‫رضـون﴾[الشـعراء‪﴿ ،]73:‬قـالوا ب ْ‬
‫ـل‬ ‫ليست من النواصب وال اجلـوازم‪﴿ ،‬أ ْو ينْفعـونك ْم أ ْو ي ُّ‬
‫وجدْ نا آباءنا كذلِك ي ْفعلون﴾[الشـعراء‪ ،]74:‬فكلهـا مضـارعات مرفوعـة؛ ألهنـا مل تسـبق ال‬
‫ٍ‬
‫بناصب وال بجازم‪.‬‬

‫ثم انتقل ابن هشا ٍم رمحه اَّلل إىل الكالم عىل‪:‬‬

‫«نصب الفعل املضارع وذكر نواصب املضارع ناص ابا ناص ابا»‬

‫بلن نحو لن نربح)‬


‫فقال يف الناصب األول‪( :‬وينصب ْ‬
‫ٍ‬
‫واسـتقبال‬ ‫نفـي‬
‫فهذا هو الناصب األول من نواصب املضارع وهو لن‪ ،‬لن حـرف‪ ،‬حـرف ٍ‬
‫للمضارع‪ ،‬ومن أحكامه أنه ال يفصل بينه وبني املضارع بفاصل‪ ،‬واألمثلة عىل ذلك كثرية نحو‪:‬‬
‫لن أخذل املسلمني إخويت لن خيذلوا املسلمني‪ ،‬وكذلك لو قلت‪ :‬أخوايت لـن خيـذلن املسـلمني‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪93‬‬

‫مضارع حكمه النصب إال أنه مبني فنقول‪ :‬مضارع يف ُمل نصـب مبنـي عـىل‬
‫ٌ‬ ‫فأيضا خيذلن هنا‬
‫ا‬
‫السكون لكن حكمه النصب‪.‬‬
‫وقــــال تعــــاىل‪﴿ :‬فلــــن أبــــرح األرض﴾[يوســــف‪ ]80:‬و﴿لــــن نــــربح عليـ ِ‬
‫ـــه‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫عاكِ ِفني﴾[طه‪،]91:‬وقال‪﴿ :‬ل ْن ْ‬
‫خيلقوا ذبا ابا﴾[احلج‪﴿ ،]73:‬ول ْن يتمن َّْوه أبـدا ا﴾[البقـرة‪،]95:‬‬
‫نس ًيا﴾[مريم‪ ،]26:‬إىل غري ذلك‪.‬‬ ‫﴿فلن أك يلم ا ْليوم إِ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫املصـدرية نحـو لكـ ْيال‬ ‫ـي‬
‫ثم ذكر ابن هشام رمحه اَّلل الناصب الثان للمضارع فقال‪( :‬وبك ْ‬
‫حرف مصدري كـَم ذكـر ابـن هشـام‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫أيضا حرف‪،‬‬
‫تأسوا) هذا الناصب الثان وهو كي‪ ،‬وهو ا‬
‫ومعلوم أن احلرف املصدري هو الذي ينسبك منه ومما بعده مصدر‪ ،‬نحـو‪ :‬جئـت كـي أتعلـم‪،‬‬
‫ِ‬
‫ــر ع ْينهــا﴾[طــه‪﴿ ،]40:‬لكــ ْيال ت ْأس ْ‬
‫ــوا عــىل مــا‬ ‫ــي تق َّ‬
‫وكــي أعلــم‪ ،‬قــال تعــاىل‪﴿ :‬ك ْ‬
‫فاتك ْم﴾[احلديد‪.]23:‬‬

‫وكذلك أدرسن كي تنجحن مضارع حكمه النصب يف ُمل نصب‪ ،‬وكـون كـي مصـدرية‬
‫فينسبك منها ومن الفعل بعدها مصدر فمعنى ذلك‪ :‬أن كي‪ ،‬والفعل بعدها يعني املصدر الـذي‬
‫ينسبك منها ومن الفعل حيتاج إىل إعراب‪.‬‬

‫فكي أتعلم بمعنى‪ :‬التعلم‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬جئت كي أتعلم يعني جئت التعلم؛ فلهذا يقـدرون‬
‫الم التعليل‪ ،‬وهي‪ :‬حرف اجلر الالم الدالة عىل التعليل‪ ،‬يعني جئـت للـتعلم‪ ،‬فأنـت إذا قلـت‪:‬‬
‫جئت كي أتعلم‪ ،‬يعني جئت لكي أتعلم‪ ،‬ولكن حـذفت الـالم؛ فلهـذا جيـوز لـك يف اللغـة أن‬
‫تقول‪ :‬جئت لكي أتعلم فترصح بالالم وجيوز أن حتـذفها فتقـول‪ :‬جئـت كـي أتعلـم فاملصـدر‬
‫املنسبك من كي والفعل يف ُمل ٍ‬
‫جر هبذه الالم املذكورة أو املقدرة‪.‬‬
‫‪94‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫وتدخل كي عىل الفعل املنفي‪ ،‬بال فيبقى عملها‪ ،‬إال أن معنى النفي يـدخل‪ ،‬نحـو‪ :‬بكـرت‬
‫ــي ال يكــون‬
‫كــي ال أتــأخر‪ ،‬فأتــأخر منصــوب بكــي‪ ،‬وال حــرف نفــي‪ ،‬وقــال تعــاىل‪﴿ :‬ك ْ‬
‫دول اة﴾[احلرش‪.]7:‬‬

‫ومن أحكام كي‪ :‬أم ما تزاد بعدها‪ ،‬حرف مـا الـذي يـزاد يف مواضـع مـن اللغـة مـن هـذه‬
‫املواضع زيادة ما بعد كي‪ ،‬فَم حكم كي إذا زيدت بعدها ما فقلـت‪ :‬كـيَم هـل يبطـل عملهـا أم‬
‫يبقى عملها؟ فنقول‪ :‬إذا زيدت ما بعد كي فلها حالتان‪:‬‬

‫احلالة األوىل‪ :‬أن تأيت بعدها أن‪ ،‬فيجب نصب املضارع عىل كل حال؛ ألن أن التي رصحت‬
‫هبا ستنصب املضارع نحو‪ :‬جئت كيَم أن أتعلم‪ ،‬أو جئت لكيَم أن أتعلم‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬

‫لسانك كيَم أن تغر وختدع‬ ‫فقالت أكل الناس أصبحت مانح‬

‫واحلالة الثانية‪ :‬أال تأيت أن بعدها نحو‪ :‬جئت كيَم أتعلـم‪ ،‬فيجـوز إعَمهلـا وهكـذا األكثـر‪،‬‬
‫وجيوز أمهاهلا فريتفع املضارع بعدها فتقول‪ :‬جئت كيَم أتعلم‪ ،‬وجئت كـيَم أتعلـم‪ ،‬ومـن ذلـك‬
‫قول الشاعر‪:‬‬

‫ولقد حلنت لكم لكيَم تفهموا‬

‫فنصب‪ ،‬وعالمة النصب حذف النون‪.‬‬

‫ومن إلغاء كيَم قول الشاعر‪:‬‬

‫يرجى الفتى كيَم يرض وينفع‬ ‫إذا مل تنفع فرض فإنَم‬

‫فهذا هو الناصب الثان كي‪ ،‬ثم انتقل ابن هشام إىل الناصب الثالث للفعل املضارع فقال‪:‬‬

‫ٌ‬
‫منفصـل بقسـ ٍم نحـو إذن أكرمـك وإذن ‪-‬واَّلل‪-‬‬ ‫ٌ‬
‫متصـل أو‬ ‫ٌ‬
‫مسـتقبل‬ ‫(وبإِذ ْن مصدر اة وهو‬
‫نرميهم بحرب)‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪95‬‬

‫الناصب الثالث للمضارع هو‪ :‬إ اذا‪ ،‬وهو حرف‪ ،‬حرف ماذا؟ يعني ما معناه‪ :‬حرف جواب‪،‬‬
‫عندما يقال يف احلرف أنه حرف جواب فمعنى ذلك أنه يعتمـد عـىل كـال ٍم سـابق‪ ،‬فيـأيت كـالم‬
‫ٍ‬
‫حينئذ إن إ اذا حـرف جـواب؛ ألنـه وقـع يف‬ ‫مصدرا بإ اذا‪ ،‬فنقول‬ ‫يكون نتيج اة هلذا الكالم السابق‬
‫ا‬
‫أول هذا الكالم الذي جاء نتيج اة للكالم السابق‪.‬‬

‫مثال ذلك أن يقول لك أحد‪ :‬سـوف اجتهـد‪ ،‬فتقـول‪ :‬إ اذا تـنجح‪ ،‬نقـول‪ :‬إ اذا تـنجح هـذا‬
‫جواب؛ ألنه نشأ وقام عىل قول القائل‪ :‬سوف اجتهد‪ ،‬ولو قيل لك‪ :‬جيـب أن يتحـد املسـلمون‬
‫دائَم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫جواب ا‬ ‫فتقول‪ :‬إ اذا ينترصوا‪ ،‬فهذا معنى كونه حرف جواب‪ ،‬فإ اذا حرف‬

‫وينصب املضارع إال أنه ال ينصب املضارع إال بثالثة َشوط أشار إليها ابن هشام‪:‬‬

‫فالرشط األول‪ :‬أن تكون إ اذا يف صدر اجلواب‪ ،‬يعني يف أول اجلواب‪ ،‬وهذا قول ابن هشـام‬
‫(مصدرةا)‬

‫ٌ‬
‫مستقبل)‬ ‫الرشط الثان‪ :‬أن يكون زمان املضارع االستقبال ال احلال‪ ،‬وهذا قوله‪( :‬وهو‬

‫ٌ‬
‫متصـل أو‬ ‫والرشط الثالث‪ :‬أن ال يفصل بني إ اذا واملضارع بغري قسم‪ ،‬وهذا قول ابن هشـام‬
‫منفصل بقسم‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬أن يقول قائل‪ :‬سوف آتيـك‪ ،‬فتقـول‪ :‬إ اذا أكرمـك‪ ،‬أو يقـول قائـل‪:‬‬
‫ٌ‬
‫سأذهب الليلة إىل فالن فتقول‪ :‬إ اذا نلتقي عنـده‪ ،‬أو يقـول‪ :‬ارتفعـت حـرارة املـاء‪ ،‬فتقـول‪ :‬إ اذا‬
‫يتبخر‪ ،‬ومن ذلك األمثلة السابقة‪ ،‬واجلواب يف كل ذلـك تتـوافر فيـه الرشـوط‪ ،‬فـإ اذا مصـدرة‪،‬‬
‫واملضارع زمانه االستقبال‪ ،‬ومل يفصل بينه وبني إ اذا بفاصل‪.‬‬

‫فإ اذا كان زمان املضارع احلال يعني أنك تفعل الفعل يف زمان التكلم‪ ،‬هذا املـراد باحلـال‪ ،‬أن‬
‫الفعل تفعله يف زمان التكلم‪ ،‬فإ اذا هتمل‪ ،‬تلغى‪ ،‬واملضارع بعدها يرفع وال ينصب‪ ،‬نحـو ذلـك‪:‬‬
‫لو قال لك قائل‪ :‬إن أحبك فتقول‪ :‬إ اذا أظنك صاد اقا‪ ،‬تريد إن سأفعل الظن يف املستقبل‪ ،‬أم أنك‬
‫‪96‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫فعلت الظن يف أثناء كالمك؟ فعلت الظن يف أثناء كالمك‪ ،‬إ اذا فالفعل هنا زمانه احلال يف زمـان‬
‫التكلم‪.‬‬

‫أو يقول قائل‪ :‬سأجتهد يف درويس‪ ،‬فتقول‪ :‬إ اذا أعلمك ا‬


‫قادرا عىل ذلك؛ ألنك تعلمـه عـىل‬
‫هذه الصفة يف زمن تكلمك هبذا الكالم‪ ،‬ولو قال قائل‪ :‬املاء يتبخر يا أسـتاذ‪ ،‬فتقـول إ اذا يتبخـر‬
‫بسبب احلرارة؛ ألنه يتبخر يف أثناء كالمك‪.‬‬

‫ولو قال قائل‪ :‬جئنا إليك ألننا نحبك‪ ،‬فتقول‪ :‬إ اذا أحبكم‪ ،‬يعني ليس املعنى سأحبكم‪ ،‬وإنَم‬
‫أنا أحبكم اآلن‪ ،‬ولو قال قائل‪ :‬أنا أحب املسلمني فتقول‪ :‬إ اذا تصدق‪ ،‬يعني أنت صادق يف هـذا‬
‫الكالم يف أثناء قويل أنت تصدق‪.‬‬

‫وهكذا ألن القاعدة أن املضارع ال ينتصب يف احلال أبدا ا‪ ،‬املضارع ال ينتصب إال إذا كـان يف‬
‫زمان االستقبال‪ ،‬هذا الرشط األول‪.‬‬

‫أيضـا تلغـى إ اذا ويرتفـع‬


‫والرشط الثان‪ :‬لو فصل بني إ اذا وبني املضارع بفاصل غري القسـم ا‬
‫املضارع نحو ما لو قيل‪ :‬سوف آتيك‪ ،‬فتقول‪ :‬إ اذا أنا أكرمك‪ ،‬ففصلت أنا بني إ اذا وبني املضارع‪،‬‬
‫أو يقول‪ :‬سأجتهد إن شاء اَّلل فتقول‪ :‬إ اذا أنت تنجح‪ ،‬أو يقول‪ :‬ارتفعت حرارة املاء فتقـول‪ :‬إ اذا‬
‫سوف يتبخر‪ ،‬أو تقول‪ :‬سأذهب الليلة إىل فالن‪ ،‬وتقول‪ :‬إ اذا سنلتقي‪ ،‬أو تقول‪ :‬ال بـد أن يتحـد‬
‫املسلمون فتقول‪ :‬يقيناا ينترصون وهكذا‪.‬‬

‫إال إذا كان الفاصل بني إ اذا واملضارع من الفواصل الضـعيفة‪ ،‬هنـاك فواصـل ضـعيفة كثـر‬
‫ترصف العرب فيها بالتقديم والتأخري‪ ،‬واملراد بالفواصل الضعيفة شبه اجلملة‪ ،‬اجلار واملجرور‪،‬‬
‫وظرف الزمان وظرف املكان‪ ،‬والنداء‪ ،‬والقسم‪ ،‬هذه فواصل ضعيفة؛ ألن الترصف فيهـا كثـري‬
‫ٍ‬
‫فحينئـذ جيـوز إعـَمل إ اذا وتنصـب‬ ‫بالتقديم والتأخري تستطيع أن جتعلها يف أي مكان يف اجلملة‪،‬‬
‫وجيوز إمهاهلا فريتفع املضارع بعدها‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪97‬‬

‫كأن يقول قائل‪ :‬سوف آتيك فتقول‪ :‬إ اذا واَّلل أكرمك‪ ،‬أو أكرمك‪ ،‬ومن قـال‪ :‬سـأجتهد إن‬
‫شاء اَّلل تقول‪ :‬إ اذا يا زيد تنجح أو تنجح‪ ،‬ومن قال‪ :‬سأذهب الليلة إىل فـالن‪ ،‬تقـول‪ :‬إ اذا عنـده‬
‫نلتقي أو نلتقي‪.‬‬
‫ِ‬

‫ومن قال‪ :‬احتد املسلمون تقول‪ :‬إ اذا بعون اَّلل ينترصوا أو ينترصون وهكذا‪ ،‬قال حسـان بـن‬
‫ثابت ريض اَّلل عنه‪:‬‬

‫تشيب الطفل من قبل املشيب‬ ‫ٍ‬


‫بحرب‬ ‫إ اذا واَّلل ِ‬
‫نرميهم‬
‫ٍ‬
‫حينئـذ إلغـاء‬ ‫أما إذا كان الفاصل بينهَم قو ايا ليس من الفواصل الضعيفة السابقة فيجب إ اذا‬
‫إ اذا ورفع املضارع كاألمثلة السابقة‪.‬‬

‫فإن تتصدر إ اذا اجلواب‪ ،‬وذلك بأن تسبق بيشء‪ ،‬والكالم كله عـىل مجلـة اجلـواب‪ ،‬فـإ اذا إ اذا‬
‫هتمل‪ ،‬واملضارع بعدها ترفع كقول القائل‪ :‬سوف آتيك‪ ،‬فتقول‪ :‬أنا إ اذا أكرمـك‪ ،‬فبـدأت مجلـة‬
‫اجلواب بأنا فلم تتصدر إ اذا فصارت مهملة ملغاة‪ ،‬أو يقول‪ :‬سوف آتيك‪ ،‬فتقـول‪ :‬أكرمـك إ اذا‪،‬‬
‫أو تقول‪ :‬سأذهب الليلة إىل فالن فتقول‪ :‬عنده إ اذا نلتقي‪ ،‬أو تقول‪ :‬احتد املسلمون فتقول‪ :‬بـإذن‬
‫اَّلل إ اذا ينترصون وهكذا‪.‬‬

‫إال إن كان املتقدم عىل إ اذا الواو أو الفاء‪ ،‬واو العطف وفاء العطف‪ ،‬فنصب املضارع ورفعـه‬
‫ٍ‬
‫حينئذ جائزن بعد إ اذا يعني جيوز إعَمهلا وإلغاؤها‪ ،‬وإلغاؤها هو األكثر يف اللغة واألحسن‪ ،‬طب اعا‬
‫نظرا إىل أن الذي سبقها يعني ليس كلم اة كبرية أخرجت‬
‫نظرا لكوهنا مل تتصدر‪ ،‬وإعَمهلا ا‬
‫إلغاؤها ا‬
‫إ اذا عن الصدارة‪ ،‬وإنَم هو جمرد حرف العطف الواو أو الفاء‪.‬‬

‫مثال ذلك‪ :‬سأزورك اَّلل فتقول‪ :‬سأستقبلك‪ ،‬وإ اذا أكرمك أو أكرمك‪ ،‬أو يقول‪ :‬زيدٌ جمتهد‬
‫هذه السنة فتقول‪ :‬سأساعده فإ اذا يـنجح أو يـنجح‪ ،‬ومـن ذلـك قولـه تعـاىل‪﴿ :‬وإِ اذا ال ي ْلبثـون‬
‫‪98‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫قلـيال﴾‪ ،‬ومـن‬‫ِخالفك إِ َّال قلِ ايال﴾ [اإلرساء‪ ،]76:‬ويف قراء شاذة‪﴿ :‬وإ اذا ال يلبثوا خالفـك إال ا‬
‫ٍ‬
‫قراءة شـاذة ﴿فـإ اذا ال يؤتـوا‬ ‫ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬فإِ اذا ال ي ْؤتون النَّاس ن ِق اريا﴾ [النساء‪ ،]53:‬ويف‬
‫نقريا ‪.‬‬
‫الناس إال ا‬
‫فهذا ما يتعلق بـ إ اذا نحو ايا‪ ،‬وقد يسأل سائل عن‪ :‬إ اذا إمالئ ايا كيف تكتب؟ هل تكتب بالنون‬
‫أو تكتب بالتنوين؟ يعني ألف ذال وتنوين نصب وألف‪.‬‬

‫فاجلواب عن ذلك أن لإلمالئيني يف كتابة إ اذا مذاهب‪:‬‬

‫فاملذهب األول‪ :‬أهنا تكتب باأللف والتنوين مطل اقا وكذا كتبت يف املصـاحف‪ ،‬وهـو قـول‬
‫األكثرين‪ ،‬وهلذا وقف القراء كلها عليها باأللف إذا‪ ،‬مما يدل عىل أهنا تنوين وليست نوناا‪.‬‬

‫والقول الثان‪ :‬أهنا تكتب بالنون مطل اقا وهذا قول بعض العلَمء كاملربد وابن عصفور‪.‬‬

‫والقول الثالث فيه تفصيل‪ :‬يقولون‪ :‬إذا نصبت املضارع كتبت بـالنون‪ ،‬يعنـي إذا تـوافرت‬
‫فيها الرشوط فنصبت املضارع كتبت بالنون‪ ،‬وإذا مل تنصب باملضارع كتبت باأللف‪ ،‬وهذا قول‬
‫بعض املتأخرين‪ ،‬هذا بالنسبة لكيفية كتابتها إمالئ ايا‪ ،‬وأما الوقف عليها يف النطق فيكون باأللف‬
‫حتى لو كتبت بالنون‪ ،‬وعليه مجيع القراء‪.‬‬

‫سَمعا أن يوقف عليها بالنون كابن عصفور مـع اعـرتافهم‬


‫قياسا ال ا‬
‫وبعض النحويني أجاز ا‬
‫بأن املسموع هو الوقوف عليها باأللف‪.‬‬

‫انتهينا من إ اذا وهو الناصب الثالث‪.‬‬

‫ننتقل إىل الناصب الرابع مع ابن هشام؛ إذ ذكر الناصب الرابع من نواصب املضارع فقال‪:‬‬
‫ِ‬
‫املصدرية ظاهر اة نحو أن يغفر يل)‬ ‫(وبأ ْن‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪99‬‬

‫حرف مصـدري‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫حرف‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫فهذا هو الناصب الرابع وهو أ ْن بفتح اهلمزة وسكون النون‪ ،‬وأن‬
‫وهو أقوى نواصب املضارع‪ ،‬وأمها؛ ولذا تعمل ظاهر اة وتعمل مضمرة يعني ُمذوفـة مـن قـوة‬
‫عملها كَم سيأيت‪ ،‬فعملها ظاهرة نحو‪ :‬أحب أن أتعلم‪ ،‬وأحب أن تتعلموا‪ ،‬وأحب أن تتعلمن‪،‬‬
‫وأحب أن ال هتمل‪ ،‬وأن ال هتملوا‪ ،‬قال تعـاىل‪﴿ :‬أمـر أ َّال ت ْعبـدوا إِ َّال إِ َّيـاه﴾[يوسـف‪ ،]40:‬أال‬
‫يعني‪ :‬أن‪ ،‬ال ثم حدث إدغام بني النون والالم‪.‬‬

‫وقوله‪ :‬إن أن حرف مصدري سبق بيانه‪ ،‬أي ينسبك منه ومن الفعل بعـده مصـدر‪ ،‬وهـذا‬
‫املصدر الذي ينسبك من أن والفعل يقع موقع الرصيح‪ ،‬يقع موقع االسم الرصيح‪ ،‬يعنـي مثـل‬
‫ا‬
‫مبتدأ‪ ،‬فتقول‪ :‬أنت جتتهد أحب إيل‪ ،‬كقولك‪ :‬اجتهـادك أحـب إيل‪ ،‬فـإذا‬ ‫االسم الرصيح‪ ،‬فيقع‬
‫قلت‪ :‬اجتهادك أحب إيل فاملبتدأ هو اجتهـادك‪ ،‬وإذا قلـت‪ :‬أن جتتهـد أحـب إيل‪ ،‬فاملبتـدأ هـو‬
‫ا‬
‫مؤوال‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫اسَم‬
‫اسم ما نوعه؟ مؤول‪ ،‬فاملبتدأ هنا وقع ا‬
‫قولك‪ :‬أن جتتهد‪ ،‬فأنت جتتهد هذا ٌ‬
‫خري لكم‪.‬‬
‫قوله تعاىل‪﴿ :‬وأ ْن تصوموا خ ْ ٌري لك ْم﴾[البقرة‪ ،]184:‬يعني صيامكم ٌ‬
‫خربا كقولك‪ :‬املطلوب أن حتفظ السورة؛ يعني حفظك السورة‪ ،‬ويقع ا‬
‫فاعال كقولك‪:‬‬ ‫ويقع ا‬
‫خييفني أن تقف عىل السور‪ ،‬وقال تعاىل‪﴿ :‬أمل ْ ي ْأ ِن لِ َّل ِذين آمنوا أ ْن ْختشع قلوهب ْم﴾[احلديـد‪،]16:‬‬
‫فأن ختشع فاعل لقوله يأن يعني‪.‬‬

‫ويقــع مفعــوال بــه نحــو‪ :‬أحــب أن جتتهــد‪ ،‬يعنــي أحــب اجتهــد‪﴿ ،‬فــأر ْدت أ ْن أ ِعيبهــا﴾‬
‫[الكهف‪.]79:‬‬

‫جـر باإلضـافة‪،‬‬ ‫جر بحرف اجلر‪ ،‬نحو‪ :‬عاهدته عىل أن أجتهد‪ ،‬ويقع يف ُمـل ٍ‬
‫ويقع يف ُمل ٍ‬
‫ـن ق ْب ِ‬
‫ـل أ ْن‬ ‫ِ‬
‫نحو‪ :‬سأزورك يوم أن تعود من السفر‪ ،‬يعني يوم عودك من السفر‪ ،‬قـال تعـاىل‪﴿ :‬م ْ‬
‫ي ْأ ِيت ي ْو ٌم﴾ [إبراهيم‪ ،]31:‬يعني من قبل إتيان يومٍ‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫‪100‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫وأن املصدرية هذه تدخل عىل املضارع فتنصبه‪ ،‬وتدخل عىل الفعل املـايض‪ ،‬وال تعمـل فيـه‬
‫شيئاا‪ ،‬وتبقى مصدرية‪ ،‬وال تغري زمانه عن امليض كقولك‪ :‬فرحت بأن عاد احلق إىل أهلـه‪ ،‬يعنـي‬
‫فرحت بعود احلق إىل أهله‪ ،‬أو بعودة احلق إىل أهله‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫ثم بني ابن هشام مسأل اة مهمة يف ْ‬


‫أن وهي أن‪ :‬هلـذا احلـرف أن مـع املضـارع ثالثـة أحـوال‪:‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫ِ‬
‫فوجهان نحو‪:‬‬ ‫ت بِظ ٍّن‬ ‫(ما مل تسبق ِ‬
‫بع ْل ٍم نحو علم أن سيكون منكم مرىض‪ ،‬فإن سبِق ْ‬
‫وحسبوا أن ال تكون فتن ٌة)‬

‫فذكر رمحه اَّلل أن ألن مع الفعل املضارع ثالثة أحوال‪:‬‬


‫ٍ‬
‫فحينئذ ال تكون‬ ‫ٍ‬
‫ويقني‬ ‫احلالة األوىل‪ :‬أن يقع قبلها ما يدخل عىل علم‪ ،‬يعني ما يدل عىل عل ٍم‬
‫أن الثقيلـة‪ ،‬وسـيأيت يف إن‬
‫أن املصدرية الناصبة للمضارع‪ ،‬ماذا تكون؟ تكـون أن املخففـة مـن ن‬
‫وأخواهتا أهنا ختفف فقد يتغري حكمها‪ ،‬فإذا كانت أن هذه خمففة مـن الثقيلـة ليسـت املصـدرية‬
‫ٍ‬
‫بناصب وال بجازم‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬أن تقول‪:‬‬ ‫مرفوعا؛ ألنه مل يسبق‬
‫ا‬ ‫الناصبة فاملضارع بعدها سيبقى‬
‫علمت أن سيقوم زيدٌ ‪ ،‬وتقول‪ :‬دريت أن سيسـافر ُممـدٌ ‪ ،‬أي علمـت أنـه سـيقوم زيـدٌ ‪ ،‬وأنـه‬
‫أن‪ ،‬فاسترت اسمها‪.‬‬
‫أن إىل ْ‬
‫سيسافر زيدٌ ‪ ،‬فخففت ن‬

‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬علِـم أ ْن سـيكون ِمـنْك ْم م ْـرىض﴾[املزمـل‪ ،]20:‬يعنـي علـم أنـه‬
‫سيكون‪ ،‬والضمري يف أنه يعود إىل الشأن‪ ،‬ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬أفـال يـر ْون أ َّال ي ْر ِجـع إِلـ ْي ِه ْم‬
‫ق ْو اال﴾[طه‪ ،]89:‬يعني أفال يرون أنه ال يرجع إليهم ا‬
‫قوال‪.‬‬

‫واحلالة الثانية ألن مع الفعل املضارع‪ :‬أن يقع قبلها ما يدل عىل ظن‪ ،‬يعني ما يدل عىل ظـن‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئـذ الوجهـان‪ ،‬يعنـي جيـوز أن تكـون مصـدري اة ناصـبة‬ ‫أو شك‪ ،‬أو رجحان‪ ،‬فيجـوز فيهـا‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪101‬‬

‫للمضارع فينتصب املضارع بعدها‪ ،‬وجيوز أن تكون خمففة من الثقيلة فريتفـع املضـارع بعـدها‪،‬‬
‫مثال ذلك أن تقول‪ُ :‬ممدٌ ظننت أن يقوم‪ ،‬جيوز أن تقول‪ :‬ظننت أن يقوم فتكون مصدرية‪ ،‬يعني‬
‫ظننت قيامه‪ ،‬وجيوز أن تكون خمففة من الثقيلة‪ُ ،‬ممدٌ ظننـت أن يقـوم‪ ،‬يعنـي ظننتـه‪ ،‬التقـدير‪:‬‬
‫ُممدٌ ظننت أنه يقوم‪ ،‬فصارت خمففة من الثقيلة‪.‬‬

‫والنصب بعد الظن وما يف معناه هو األرجح واألكثر؛ وهلذا اتفق القراء عليه يف قولـه‪﴿ :‬امل‬
‫* أح ِسب النَّاس أ ْن ي ْرتكوا﴾[العنكبوت‪ ،]2-1:‬فأن يرتكوا سبقت بحسـب وهـو ٌ‬
‫فعـل يـدل‬
‫ٍ‬
‫حينئذ لغو ايا الوجهان‪ ،‬إال أن القراء يف هذا املوضع اتفقوا عىل النصب‪.‬‬ ‫عىل الظن‪ ،‬فيجوز‬

‫لكــنهم اختلفــوا بــالوجهني يف قولــه تعــاىل‪﴿ :‬وح ِســبوا أ َّال تكــون فِتْن ـ ٌة﴾ [املائــدة‪،]71:‬‬
‫﴿وحسبوا أن ال تكونوا فتنة﴾ فبعضهم قرأ بالنصب فأن مصدرية‪ ،‬وبعضـهم قـرأ بـالرفع فـأن‬
‫خمففة من الثقيلة‪.‬‬

‫واحلالة الثالثة ألن بعد املضارع‪ :‬أن ال تسبق بعل ٍم وال ٍ‬


‫بظن‪ ،‬فهي مصدرية ناصبة كـَم سـبق‬
‫يف األمثلة السابقة كقولك‪ :‬أحب أن جتتهد‪ ،‬وحرصت عىل أن أسافر وهكذا‪ ،‬ثم ذكر ابن هشا ٍم‬
‫رمحه اَّلل تعاىل النصب بأن املضمرة‪ ،‬أن املضمرة ما معنى مضمرة؟ يعني ُمذوفة‪ ،‬مقدرة إال أهنـا‬
‫لقوة عملها؛ ألهنا أم الباب ومتتاز بمزايا وخصائص مـن قـوة عملهـا تعمـل ظـاهرةا‪ ،‬وتعمـل‬
‫ُمذوف اة مقدر اة مضمرةا‪ ،‬ومع ذلك فأن هذه هلا ثالثة أنواع من حيث اإلضَمر واإلظهار‪:‬‬

‫األول‪ :‬جواز اإلضَمر واإلظهار‪ ،‬يف مواضع جيوز أن تضمرها وجيوز أن تظهرها‪ ،‬إن شـئت‬
‫رصحت هبا‪ ،‬وإن شئت حذفتها ونصبت هبا‪ ،‬جواز اإلضَمر واإلظهار‪.‬‬

‫والثان‪ :‬وجوب اإلظهار‪ ،‬جيب أن تظهرها وأن ترصح هبا‪.‬‬


‫‪102‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫والثالث‪ :‬وجوب اإلضَمر‪ ،‬هناك مواضع يف اللغة جيـب أن تضـمرها أن حتـذفها وتنصـب‬
‫املضارع هبا‪ ،‬وذكر ابن هشام كل هذه األنواع ألن‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مسـبوق باسـم‬ ‫ٍ‬
‫عـاطف‬ ‫فبدأ بذكر جواز اإلظهار واإلضَمر فقال‪( :‬ومضمر اة جـوازاا بعـد‬
‫وتقر عيني‪ ،‬وبعد الال ِم نحو لِتبني للناس) فذكر ابن هشام أن ْ‬
‫أن جيوز‬ ‫خالص نحو ول ْبس عباءة َّ‬
‫إظهارها وإضَمرها يف موضعني‪ ،‬أن املضمرة جوازا ا يف موضعني‪:‬‬
‫ٍ‬
‫عاطف مسبوق باس ٍم خالص‪.‬‬ ‫املوضع األول‪ :‬بعد‬

‫واملوضع الثان‪ :‬بعد الالم كَم قال ابن هشام يعني الم التعليل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مسبوق باسم خالص) يعني إذا عطـف الفعـل املضـارع‬ ‫ٍ‬
‫عاطف‬ ‫فاملوضع األول قال‪( :‬بعد‬
‫عىل اس ٍم ال يشبه الفعل‪ ،‬فيه اسم يشبه الفعل واسم ال يشبه الفعـل؟ نعـم‪ ،‬االسـم الـذي يشـبه‬
‫الفعل هي األوصاف‪ ،‬كاسـم الفاعـل‪ ،‬اسـم املفعـول‪ ،‬الصـفة املشـبهة‪ ،‬صـيغ املبالغـة واسـم‬
‫التفضيل؛ فلهذا تعمل عملـه ألهنـا تشـبهه‪ ،‬واألسـَمء التـي ال تشـبه األفعـال تسـمى األسـَمء‬
‫اخلالصة‪ ،‬أو املحضة‪ ،‬أو التي ال تشبه األفعال كاملصادر‪ ،‬وكاألسَمء اجلامدة‪ ،‬هذه أسَمء خالصة‬
‫ُمضة‪.‬‬

‫مضارع معطـوف بـالواو‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫مثال ذلك‪ :‬أن تقول‪ :‬اجتهادك وتنجح أحب إيل‪ ،‬فالفعل تنجح‬
‫اسـم خـالص‪ ،‬فـدخل يف هـذه‬
‫ٌ‬ ‫معطوف هنا عىل ماذا؟ عىل اجتهادك وهو مصدر‪ ،‬يعنـي‬
‫ٌ‬ ‫ولكنه‬
‫املسألة اجتهادك وتنجح أحب إيل‪ ،‬فقرك وتنجو من احلـرام أحسـن لـك‪ ،‬تـأخرك وتسـلم مـن‬
‫الزحام أرفق بك‪ ،‬أسلوب من أساليب العربية اجلميلة‪ ،‬ومن ذلك قول ميسون الكلبية‪:‬‬

‫ولبس عباء اة وتقر عيني‬

‫تقر عطف بالواو عىل لبس وهو اسم خالص‪.‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪103‬‬

‫ِ‬
‫الشفوف‬ ‫أحب إيل من لبس‬ ‫ولبس عبارة وتقر عيني‬

‫ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬

‫كالثور يرضب ملا عافت البقر‬ ‫إن ِ‬


‫وقتيل سليكاا ثم أعقله‬

‫يعني من أساطري العرب أن البقر إذا عافت األكل فقل لبنها ونحو ذلك يرضب الثور‪ ،‬لكي‬
‫ِ‬
‫عافت البقر‬ ‫تأكل وترشب‪ ،‬فيقول‪ :‬إن وقتيل سليكاا ثم أعقله كالثور يرضب ملا‬

‫اء ِحج ٍ‬
‫ـاب أ ْو‬ ‫رش أ ْن يك يلمه اَّللَّ إِ َّال وحيـا أو ِمـن ور ِ‬
‫ْا ْ ْ‬ ‫ومن ذلك قراءة غري نافع‪﴿ :‬وما كان لِب ٍ‬

‫وحي بِإِ ْذنِ ِه ما يشاء﴾[الشورى‪ ،]51:‬فالشاهد يف قولـه‪ :‬يرسـل معطوفـة بـأو‪،‬‬ ‫وال في ِ‬
‫ي ْر ِسل رس ا‬

‫ونعرف أن العواطـف‪ ،‬أو أن املعطوفـات مهـَم تعـددت فكلهـا معطوفـة عـىل األول‪ ،‬فريسـل‬
‫معطوفة بأو عىل ماذا؟ عىل وح ايا‪ ،‬اآلية تبني طرق كالم اَّلل عز وجل للبرش ﴿وما كـان لِب ٍ‬
‫رشـ أ ْن‬
‫ِ‬
‫ـن‬‫يك يلمه اَّللَّ إِ َّال و ْح ايا﴾ [الشورى‪ ،]51:‬هذا وح ايا اسم رصيح خـالص مصـدر وح ايـا ﴿و ْو م ْ‬
‫اب أ ْو ي ْر ِسـل﴾ [الشـورى‪ ،]51:‬فصـار تقـدير اآليـة إال وح ايـا أو يرسـل‪ ،‬فعطـف‬ ‫اء ِحج ٍ‬ ‫ور ِ‬

‫املضارع بأو عىل وح ايا فانتصب‪.‬‬

‫تقول‪ :‬العلم باجلد وترتك الكسل‪ ،‬فترتك معطوف عىل اجلد‪ ،‬وتقول‪ :‬إياك والسـهر وهتمـل‬
‫دروسك‪ ،‬وتقول‪ :‬القوة ونتمسك بديننا سبيل التقدم‪ ،‬وهكذا أسلوب من أساليب العربية‪ ،‬أمـا‬
‫ٍ‬
‫حينئـذ ال‬ ‫إذا كان االسم املتقدم املعطوف عليه فيه معنى الفعل فالفعل املضارع املعطـوف عليـه‬
‫ينصب بل يرفع‪ ،‬كقولك ا‬
‫مثال‪ :‬املجتهد وينجح هو زيدٌ ‪ ،‬املجتهد هذا اسم فاعـل بمعنـى الـذي‬
‫جيتهد وينجح هو زيدٌ ‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫أن‪ ،‬فلك يف األوجه السـابقة أن تقـول‬


‫فهذا املوضع األول من مواضع جواز إظهار وإضَمر ْ‬
‫ا‬
‫مثال‪ :‬اجتهادك وتنجح‪ ،‬أو اجتهادك وأن تنجح أحب إيل‪ ،‬لك أن تظهرها ولك أن تضمرها‪.‬‬
‫‪104‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫واملوضع الثان من جواز اإلظهار واإلضَمر ألن‪ ،‬قال ابن هشـام‪( :‬وبعـد الـالمِ) يعنـي الم‬
‫اجلر التي تفيد التعليل تسمى الم التعليل‪ ،‬نحو‪ :‬جئـت ألتعلـم وألعلـم‪ ،‬قـال تعـاىل‪﴿ :‬لِتب يـني‬
‫َّاس﴾[النحل‪ ،]44:‬وقال‪﴿ :‬وأ ِم ْرنا لِن ْسلِم لِر يب ا ْلعاملِني﴾[األنعام‪ ،]71:‬وقـال‪﴿ :‬وأ ِم ْـرت‬
‫لِلن ِ‬

‫أن لنسـلم‪ ،‬ويف الثانيـة رصح‬ ‫ِأل ْن أكون أ َّول ا ْمل ْسلِ ِمني﴾[الزمر‪ ،]12:‬يف اآليـة السـابقة حـذف ْ‬
‫بالثانية ألن أكون‪ ،‬جيوز أن ترصح أن تظهر وأن تضمر‪.‬‬

‫وال شك أن إضَمرها أكثر يف هذا األسلوب من إظهارها‪ ،‬وإن كان جـائزاا يعنـي جيـوز أن‬
‫تقول‪ :‬جئت ألتعلم وهذا األكثر‪ ،‬وجيوز أن تقول‪ :‬جئت ألن أتعلم وهو جائز‪.‬‬

‫ثم ذكر ابن هشام رمحه اَّلل موضع وجوب إظهار أن‪ ،‬قلنا موضع يعني واحد‪ ،‬وفيـه يقـول‬
‫نحو ِلئال يعلم لِئال يكون للناس فت ْظهر ال غري)‬
‫ابن هشام‪( :‬إال يف ِ‬

‫فيجب إظهار أن وال جيوز إضَمرها إذا وقعت بني الم التعليل وبـني ال‪ ،‬النافيـة أو الزائـدة‪،‬‬
‫نحو‪ :‬جئت لئال حتزن‪ ،‬أصل الرتكيب جئت لِـ‪ :‬هذه الم التعليل أن‪ :‬هذه الناصبة مصدرية‪ ،‬ال‪:‬‬
‫هذه النافية‪ ،‬حتزن‪ :‬الفعل املضارع‪ ،‬جئت ألن ال حتـزن‪ ،‬ثـم حـدث إدغـام بـني النـون والـالم‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئـذ عللـوا ذلـك لكـي ال جيتمـع‬ ‫وكتبت متصلة إمالئ ايا‪ ،‬فصارت لئال فيجب أن ترصح بأن‬
‫احلرفان الم التعليل وال النافية‪.‬‬

‫ومن ذلك أن تقول‪ :‬بكر ألن ال تفوتك الرحلة‪ ،‬قال تعـاىل‪﴿ :‬لِـئ َّال يكـون لِلن ِ‬
‫َّـاس علـ ْيك ْم‬
‫يش ٍء﴾‬ ‫ِ‬ ‫ح َّج ٌة﴾ [البقرة‪ ،]150:‬وكذلك قال سبحانه‪﴿ :‬لِئ َّال ي ْعلم أ ْهل ا ْلكِت ِ‬
‫اب أ َّال ي ْقدرون عـىل ْ‬
‫[احلديد‪ ،]29:‬إال أن ال يف اآلية نافية أم زائدة؟ زائدة‪ ،‬ألن املعنى أن لـيعلم أهـل الكتـاب أن ال‬
‫يشء من فضل اَّلل‪ ،‬وزيادهتا هنا للتوكيد والتقوية‪ ،‬لكن أخـربون ملـاذا مل ينتصـب‬ ‫يقدرون عىل ٍ‬

‫يش ٍء﴾ [احلديـد‪]29:‬؟‬ ‫ِ‬ ‫املضارع يف آخر اآلية يف قوله‪﴿ :‬لِئ َّال ي ْعلم أ ْهل ا ْلكِت ِ‬
‫اب أ َّال ي ْقدرون عىل ْ‬
‫ألن سبقت بعلم فهي املخففة‪ ،‬يعني ليعلموا أهنم ال يقدرون عىل يشء‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪105‬‬

‫ثم ذكر ابن هشام رمحه اَّلل تعاىل مواضع نصب املضارع بـأن املضـمرة وجو ابـا؛ انتهينـا مـن‬
‫املضمرة جوازاا جيوز إضَمرها وإظهارها‪ ،‬ثم الواجب إظهارها‪ ،‬اآلن يتكلم عىل املضمرة وجو ابا‬
‫التي ال جيوز الترصيح هبا‪ ،‬وذلك بخمسة مواضع وهي ا‬
‫إمجاال‪:‬‬

‫‪ -‬املوضع األول بعد الم اجلحود‪.‬‬

‫‪ -‬والثان بعد حتى‪.‬‬

‫‪ -‬والثالث‪ :‬بعد أو‪.‬‬

‫‪ -‬والرابع بعد فاء السببية‪.‬‬

‫‪ -‬واخلامس بعد واو املعية‪.‬‬

‫فبدأ ابن هشام رمحه اَّلل بذكر املوضع األول؛ ألن املضمرة وجو ابا فقال‪:‬‬

‫يعذهبم فت ْضمر ال غري)‬‫ِ‬


‫(ونحو وما كان اَّلل ل َّ‬
‫يعني أن املضارع الواقع بعـد هـذه الـالم يف نحـو قولـه تعـاىل‪﴿ :‬ومـا كـان اَّللَّ لِيع ي‬
‫ـذهب ْم﴾‬
‫[األنفال‪ ،]33:‬جيب أن ينتصب بأن مضمرة وجو ابا‪ ،‬وهذه الالم يف هـذا األسـلوب تسـمى الم‬
‫ٍ‬
‫بكـون منفـي‪،‬‬ ‫اجلحود‪ ،‬اجلحود هنا بمعنى تأكيد النفي‪ ،‬واملراد بالم اجلحود هي الالم املسـبوقة‬
‫الم قبلها كون منفي يعني الم مسبوقة بقولك‪ :‬ما كان أو مل يكن‪ ،‬كون منفـي‪ ،‬ويف الم اجلحـود‬
‫ناظم‪:‬‬
‫يقول ٌ‬

‫أو مل يكن فللجحود بان‬ ‫وكل ال ٍم قبلها ما كان‬

‫ومن األمثلة عىل ذلك أن تقول‪ :‬ما كان ُممدٌ ليهمل دروسه‪ ،‬أو مل يكن ُممدٌ ليتأخر‪ ،‬أو مـا‬
‫كنت لتتفوق لوال توفيق اَّلل‪ ،‬أو مل تكن لتتفوق لوال توفيق اَّلل وهكذا‪ ،‬فهو أسلوب عـرِب يـأيت‬
‫ٍ‬
‫فحينئـذ يكـون‬ ‫ٍ‬
‫بكون منفي‪ ،‬وتسمى هذه الالم الم اجلحود‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مسبوقة‬ ‫فيه الفعل املضارع بعد ال ٍم‬
‫‪106‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫املضارع منصو ابا بأن مضمرة‪ ،‬وأن هذه عرفنا أهنا مصدرية فينسبك منها ومن املضارع مصـدر‪،‬‬
‫هذا املصدر املؤول يكون يف ُمل ٍ‬
‫جر هبذه الالم؛ ألن الم اجلحود حرف جر‪ ،‬هي الالم اجلـارة يف‬
‫قولك‪ :‬كتاب ٍ‬
‫لزيد هي نفسها الالم إال أهنا دخلت عىل اس ٍم مؤول‪.‬‬

‫ـيه ْم﴾[األنفـال‪﴿ ،]33:‬فـَم كـان اَّللَّ‬ ‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬وما كان اَّللَّ لِيع يذهب ْم وأنْت فِ ِ‬

‫لِي ْظلِمه ْم﴾ [التوبة‪﴿ ،]70:‬مل ْ يك ِن اَّللَّ لِيغ ِْفر هل ْم﴾ [النساء‪﴿ ،]137:‬فَم كانوا لِي ْؤ ِمنوا بَِم ك َّذبوا‬
‫بِ ِه ِم ْن ق ْبل﴾ [يونس‪﴿ ،]74:‬ما كان اَّللَّ لِيذر ا ْمل ْؤ ِمنِني عىل ما أنْت ْم عل ْي ِه﴾ [آل عمران‪ ،]179:‬إىل‬
‫أسلوب واستعَمله كثري يف القرآن‪ ،‬ويف كالم الفصحاء‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫آخره‪ ،‬فهو‬

‫ثم ذكر ابن هشام املوضع الثان إلضَمر أن وجو ابا فقال‪:‬‬

‫(كإضَمرها بعد حتى إذا كان مستقب ا‬


‫ال نحو‪ :‬حتى يرجع إلينا موسى)‬

‫أيضا مـن حـروف اجلـر‪ ،‬وسـتأيت يف حـروف اجلـر‬


‫فحتى التي ينتصب املضارع بعدها هي ا‬
‫كقوله تعاىل‪﴿ :‬حتَّى م ْطل ِع ا ْلف ْج ِر﴾ [القدر‪ ،]5:‬فهي حرف من حروف اجلر‪ ،‬فَم يقال أهنـا هـي‬
‫ٍ‬
‫داخل عىل اسم‪ ،‬إال أن هذا االسم مؤول يعنـي منسـبك‬ ‫التي تنصب املضارع بل هي حرف ٍ‬
‫جر‬
‫قدر مضمر‪ ،‬ومن املضـارع املنصـوب بـه‪ ،‬وحتـى التـي ينتصـب‬ ‫ٍ‬
‫ُمذوف م ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حرف مصدري‬ ‫من‬
‫املضارع بعدها ما معناها؟ هلا معنيان‪:‬‬

‫املعنى األول التعليل‪ ،‬فيكون معناها كالم التعليل‪.‬‬

‫واملعنى الثان‪ :‬الغاية‪ ،‬فتكون بمعنى إىل‪ ،‬نحو‪ :‬جئت حتى أتعلم‪ ،‬هذه بمعنى الالم ألتعلم‪،‬‬
‫أيضا تعليل‪ ،‬ألسرين حتى تطلع الشمس‪ ،‬هذه غاية إىل أن‬
‫تعاونوا حتى تنترصوا يعني لتنترصوا ا‬
‫تطلع الشمس‪ ،‬سأنتظرك حتى يـؤذن العرصـ يعنـي إىل غايـة‪ ،‬قـال تعـاىل‪﴿ :‬م َّسـتْهم ا ْلب ْأسـاء‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪107‬‬

‫الرسول وا َّل ِذين آمنوا معه متـى ن ْرصـ اَّللَِّ [البقـرة‪ ،]214:‬يعنـي‬
‫الرضاء وز ْل ِزلوا حتَّى يقول َّ‬
‫و َّ َّ‬
‫ليقول‪ ،‬أو إىل أن يقول‪ ،‬إىل أن يقول غاية‪.‬‬

‫قال تعاىل‪﴿ :‬فقاتِلوا ا َّلتِي ت ْب ِغي حتَّى ت ِفيء إِىل أ ْم ِ‬


‫ـر اَّللَِّ [احلجـرات‪ ،]9:‬هـل هـذه غائيـة‬
‫بمعنى قاتلوها إىل أن تفيء إىل أمر اَّلل؟ هل هي تعليلة بمعنى قاتلوها لتفيء إىل أمر اَّلل؟ أم هي‬
‫غائية يعني قاتلوها إىل أن تفيء إىل أمر اَّلل‪ ،‬أو حتتمل وجهني؟ حتتمل الوجهني‪.‬‬

‫وهنا فائدة مهمة يف حتى ذكرها ابن هشام‪ ،‬وهي‪ :‬أن املضارع ال ينتصب بحتى إال إذا كـان‬
‫يف االستقبال‪ ،‬أما إذا كان املضارع يف احلال‪ ،‬أو يف املايض فإنه يرفع ملـا قلنـاه قبـل قليـل مـن أن‬
‫ا‬
‫مسـتقبال‪ ،‬ولبيـان‬ ‫املضارع ال ينتصب إال إذا كان زمانه االستقبال‪ ،‬وهذا قول ابن هشام إذا كان‬
‫ذلك أقول‪ :‬للمضارع بعد حتى ثالثة أزمنة‪ ،‬املضارع وهو مضارع لكن املضـارع إذا وقـع بعـد‬
‫حتى حيتمل ثالثة أزمنة‪:‬‬

‫الزمان األول‪ :‬االستقبال املحض‪ ،‬فيجب فيه النصب‪ ،‬نحو‪ :‬أطلب العلم حتى تـتعلم‪ ،‬مـا‬
‫عالقة التعلم بالطلب‪ ،‬قبله؟ ال معه؟ ال‪ ،‬بعده إذا فاء التعلم مستقبل‪ ،‬أطلب العلم اآلن لتـتعلم‬
‫يف املستقبل ما يف إال النصب؛ ألن التعلم هنا زمانه االستقبال‪ ،‬سأذهب إىل مكـة حتـى أعتمـر‪،‬‬
‫االعتَمر بالنسبة للفعل املذكور وهو الذهاب قبله أو بعده أو معـه‪ ،‬طيـب االعـتَمر بالنسـبة إىل‬
‫زمن التكلم‪ ،‬وأنا أقول هذه اجلملة مايض أو حال يعنـي أقـول هـذه اجلملـة وأنـا أعتمـر أو يف‬
‫االستقبال سيقع هذا استقبال ُمض‪ ،‬يعني استقبال بالنسبة للفعل املذكور قبله وهـو الـذهاب‪،‬‬
‫واستقبال بالنسبة إىل زمن التكلم كلـه اسـتقبال ُمـض‪ ،‬تقـول‪ :‬أطـع اَّلل حتـى تـدخل اجلنـة‪،‬‬
‫سأنتظرك حتى يؤذن العرص‪ ،‬هذا استقبال ُمض ما فيه إال النصب‪.‬‬

‫الزمان الثان للمضارع بعد حتى أن يكون زمانه احلال باعتبـار زمـن الـتكلم‪ ،‬واالسـتقبال‬
‫باعتبار الفعل املذكور قبل حتى‪ ،‬له اعتباران يف زمن التكلم حال يعني وأنا أقـول هـذه اجلملـة‬
‫‪108‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫أفعل هذا الفعل فهو حال‪ ،‬لكنه بالنسبة للفعل املذكور قبله مستقبل؛ ألنه ما يقع إال بعده‪ ،‬فهذا‬
‫جيوز فيه الرفع بالنظر إىل زمان التكلم احلال‪ ،‬وجيوز فيه النصب بالنظر إىل اعتبار الفعل املذكور‬
‫قبله‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬قول من يدخل املدينة إنسان يدخل املدينة فيقول لك‪ :‬رسنا الليـل كلـه حتـى‬
‫ندخل املدينة‪.‬‬

‫للفعل املضارع بعد حتى ثالثة أزمنة‪:‬‬

‫الزمن األول االستقبال املحض‪ ،‬فليس فيه إال النصب‪.‬‬

‫والزمن الثان‪ :‬أن يكون زمانه احلال باعتبار زمن التكلم‪ ،‬ويكون زمانه االسـتقبال باعتبـار‬
‫الفعل املذكور قبله‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬قول من يقول وهو يدخل املدينة إنسان مسـافر‪ ،‬وجـاء وصـل‬
‫املدينة يف أثناء دخوله املدينة يقول‪ :‬رسنا كل الليل حتى ندخل املدينة‪ ،‬فالدخول بالنسبة للسـري‬
‫مستقبل؛ ألنه بعده‪ ،‬فالفعل املذكور بعد حتى بالنسبة للفعل املذكور قبل حتى اسـتقبال‪ ،‬لكـن‬
‫بالنسبة إىل زمن التكلم وهو يتكلم بذلك‪ ،‬الدخول يف زمن تكلمه لن حيدث بعد ذلك‪ ،‬إ اذا فهـو‬
‫زمن التكلم حال‪ ،‬وبالنسبة إىل الفعل املذكور قبل حتى اسـتقبال‪ ،‬فيجـوز لكـل يف نحـو ذلـك‬
‫الوجهان كَم َشحنا قبل ذلك‪ ،‬فتقول‪ :‬حتى ندخل املدينة‪ ،‬أو حتى ندخل املدينـة‪ ،‬ومـن ذلـك‬
‫قول من ينظر إليك‪ ،‬إنسان جاء إليك وينظر إليك‪ ،‬ويقول لك وهو ينظر إليـك‪ :‬جئتـك حتـى‬
‫أكحل عيني برؤيتك‪ ،‬هو متى يقول أكحل؟ يف أثناء تكلمه‪ ،‬يكحل عينيـه يف أثنـاء تكلمـه‪ ،‬إ اذا‬
‫فالتكحل بالنسبة لزمن التكلم حال‪ ،‬لكن التكحل بالنسبة للمجيء قبل حتى اسـتقبال فيجـوز‬
‫الوجهان جئت حتى أكحل أو جئت حتى أكحل‪ ،‬ومن ذلك قويل لكم‪ :‬حرضـت حتـى أَشح‬
‫لكم‪ ،‬فالرشح بالنسبة للحضور استقبال‪ ،‬لكن بالنسبة إىل زمن تكلمي هبذا الكـالم لكـم حـال‬
‫فيجوز الوجهان وهكذا‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪109‬‬

‫الزمن الثالث للمضارع بعد حتى‪ :‬أن يكون زمانه امليض باعتبار التكلم‪ ،‬زمانه امليض باعتبار‬
‫زمن التكلم‪ ،‬واالستقبال باعتبار الفعل املذكور قبل حتى زمانه باعتبار الفعل املذكور قبل حتى‬
‫استقبال يكون بعده‪ ،‬لكن باعتبار زمن التكلم مايض؛ ألنه وقع وانتهى من قبل‪ ،‬انتهى قبل زمن‬
‫التكلم‪ ،‬مثال ذلك أن تقول‪ :‬ذهبت باألمس إىل زيد حتى أشكره‪ ،‬الشكر هنا بالنسـبة للـذهاب‬
‫بعده يعني استقبال‪ ،‬لكن بالنسبة إىل زمن تكلمي هبذه العبارة الشكر حدث قبل زمـن تكلمـي‪،‬‬
‫أو يف أثناء التكلم أو سيحدث بعد التكلم؟ قبل‪ ،‬إ اذا باعتبـار الـتكلم مـايض‪ ،‬وباعتبـار الفعـل‬
‫زيد حتـى أشـكره وحتـى‬‫املذكور قبل حتى استقبال‪ ،‬فيجوز لك فيه النصب والرفع‪ ،‬ذهب إىل ٍ‬

‫كثريا حتى جيمـع احلـديث‪ ،‬وحتـى جيمـع احلـديث‪ ،‬احلـديث باعتبـار‬


‫أشكره‪ ،‬رحل البخاري ا‬
‫الرحلة استقبال‪ ،‬لكن مجع البخاري بالنسبة إىل زمن تكلمي هبذه العبارة مايض‪ ،‬نقول‪ :‬ثبت اَّلل‬
‫املسلمني يف حنني حتى ينترصوا‪ ،‬أو حتى ينترصون كذلك‪.‬‬

‫الرضاء وز ْل ِزلـوا حتَّـى يقـول َّ‬ ‫ْ‬


‫الرسـول‬ ‫ومن ذلك قوله سبحانه وتعاىل‪﴿ :‬م َّستْهم ا ْلبأساء و َّ َّ‬
‫وا َّل ِذين آمنوا معه متى ن ْرص اَّللَِّ﴾[البقرة‪ ،]214:‬قراءة بعض السبعة‪ ،‬وقـراءة بعضـهم‪﴿ :‬حتـى‬
‫يقول الرسول﴾ ﴿وا َّل ِذين آمنوا معه متى ن ْرص اَّللَِّ﴾ القول بالنسبة للزلزلة استقبال‪ ،‬فهـذا وجـه‬
‫من نصب حتى يقول‪ ،‬لكن القول بالنسبة إىل زمن نزول اآلية مايض‪ ،‬هـم زلزلـوا وقـالوا هـذه‬
‫األشياء قبل نزول هذه اآلية‪ ،‬بالنسبة إىل زمن التكلم مايض‪ ،‬فهذا وجه من رفع‪.‬‬

‫ثم ذكر ابن هشام رمحه اَّلل املوضع الثالث من مواضع وجوب إضَمر أن‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫(وبعد أو التي بمعنى إىل نحو أل ْست ْس ِهل َّن الصعب‪ ،‬أو أدرك املنى‪ ،‬أو التي بمعنى إِال نحـو‪:‬‬

‫وكنت إذا غمزْ ت قناة قو ٍم ك ْ‬


‫رست كعوهبا أو تستقيم)‬

‫أسلوب عرِب مجيل‪ ،‬تأيت فيه "أو" عىل غري املشهور من معانيهـا وهـو العطـف؛‬
‫ٌ‬ ‫أيضا‬
‫هذا ا‬
‫ألن معنى العطف غري مقصود يف هذا األسلوب‪ ،‬بل تكون أو فيه بمعنـى إىل أن‪ ،‬أو بمعنـى إال‬
‫‪110‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪ ،‬نحو‪ :‬الجتهدن أو أنجح‪ ،‬ما معنى الجتهدن أو أنجح؟ إذا‬ ‫أن‪ ،‬فينتصب املضارع بعدها‬
‫قلنا أو عاطفة يعني ختريية ختـري‪ ،‬اجتهـد أو أنجـح‪ ،‬هـو مـا يريـد أن يقـول ذلـك هـو يقـول‪:‬‬
‫الجتهدن‪ ،‬اجتهدن‪ ،‬اجتهدن إىل أن أنجح‪ ،‬الجتهدن أو أنجح يعني إىل أن أنجح‪.‬‬

‫أللزمن املسجد أو أحفظ القرآن‪ ،‬ألالزمـن العلـَمء أو أتعلـم يعنـي إىل أن أتعلـم‪ ،‬تقـول‪:‬‬
‫ألفتحن الباب أو ينكرس‪ ،‬أنت ال تريد أن ختري ما رأيك أفتح البـاب أو أكرسـ البـاب؟ هـو لـو‬
‫خريته قال‪ :‬ال‪ ،‬ال دعه‪ ،‬افتحه أو دعه‪ ،‬أنت قول‪ :‬ألفتحن الباب أحاول أن أفتح البـاب سـأبقى‬
‫أحاول أفتح الباب إال أن ينكرسن ألفتحن الباب أو ينكرس‪ ،‬يعني إال أن ينكرس‪ ،‬سأزمق الورقة‬
‫أو ختفظها يعني إال أن حتفظها‪ ،‬فإذا سأعاقبك أو تعتذر هنـا بمعنـى إىل أن أو إال أن‪ ،‬أو حتتمـل‬
‫الوجهني عـىل حسـب املعنـى املـراد‪ ،‬يعنـي سـأعاقبك‪ ،‬سـأعاقبك‪ ،‬سـأعاقبك إىل أن تعتـذر‪،‬‬
‫سأعاقبك أو تعتذر‪ ،‬أو تقول‪ :‬سأعاقبك أو تعتذر تقصد إال أن تعتذر فلـن أعاقبـك‪ ،‬فيحتمـل‬
‫ٍ‬
‫حينئذ املعنيني‪ ،‬ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬

‫ٍ‬
‫لصابر‬ ‫فَم أنقادك اآلمال إال‬ ‫أل ْست ْس ِهل َّن الصعب أو أدرك املنى‬

‫يعني ألستسهلن الصعب إىل أن أدرك املنى‪ ،‬وقال اآلخر‪:‬‬

‫يعني رُمهم كرست كعوهبا‬ ‫وكنت إذا غمزت قناة قو ٍم‬

‫من قوة غمزه يعني هزه‪.‬‬

‫كرست كعوهبا أو تستقيم‪.‬‬

‫من قوة هزه تستقيم يزعم ذلك‪ ،‬أو تنكرس‪ ،‬يعني تستقيم إال أن تنكرسـ‪ ،‬ومـن ذلـك قولـه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـن سـبِ ايال﴾[النسـاء‪،]15:‬‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬فأ ْمسكوه َّن ِيف ا ْلبيوت حتَّى يتو َّفاه َّن ا ْمل ْوت أ ْو ْ‬
‫جيعـل اَّللَّ هل َّ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪111‬‬

‫ا‬
‫سـبيال‪ ،‬ومـن ذلـك قـراءة أِب وزيـد بـن عـيل‪:‬‬ ‫يعني أمسكوهن يف البيت إىل أن جيعل اَّلل هلـن‬
‫يد تقاتِلوهن ْم أ ْو ي ْسلِمون﴾[الفتح‪]16:‬‬
‫س ش ِد ٍ‬
‫﴿ستدْ ع ْون إِىل ق ْو ٍم أ ْو ِيل ب ْأ ٍ‬

‫يعنــي إال أن يســلمون أو إىل أن يســلموا تقــاتلوهنم املقاتلــة‪ ،‬تقــاتلوهنم تقــاتلوهنم إىل أن‬
‫يسلمون‪ ،‬أو تقاتلوهنم تعلنون القتال عليهم إال أن يسلموا‪ ،‬بخالف مـا لـو قيـل‪ :‬تقتلـوهنم أو‬
‫ٍ‬
‫حينئذ ماذا يكون معنى أو؟ ال يكون معناها إال إال تقتلوهنم أو يسلموا ألنه ما يف خيـار‬ ‫يسلموا‬
‫ثالث‪ ،‬سأقتلك أو تسلم‪ ،‬يعني إال أن أسلم سأقتلكم ليست كاملقاتلة قد تستمر وقتاا‪.‬‬

‫ثم ذكر ابن هشام رمحه اَّلل املوضع الرابع واخلامس من مواضع وجوب إضَمر أن‬

‫فقال‪:‬‬

‫ٍ‬
‫طلب بالفعل‪ ،‬نحو‪ :‬ال يقىض‬ ‫ُم ٍ‬
‫ض أو‬ ‫ني بنفي ْ‬ ‫ِ‬
‫املعية مسبوقت ْ ِ‬ ‫واو‬ ‫ِ‬
‫السببية أو ِ‬ ‫(وبعد ِ‬
‫فاء‬
‫فيحل وال ِ‬
‫تأكل السمك وترشب احلليب)‬ ‫َّ‬ ‫عليهم فيموتوا ويعلم الصابرين وال تطغوا فيه‬

‫أيضا أسلوب مجيل من أساليب اللغة العربية تأيت فيه الفاء العاطفة سببي اة جوابيـ اة‪ ،‬هـي‬
‫هذا ا‬
‫أيضا تدل عىل السببية‪ ،‬واجلوابية‪.‬‬
‫الفاء العاطفة لكن مع العطف ا‬

‫سبب ملا بعدها‪.‬‬


‫‪ ‬سببية واضح أن ما قبلها ٌ‬
‫‪ ‬جوابية يعني أن ما بعدها مرتتب عىل ما قبلها نتيجة جواب ملا قبلها‪.‬‬

‫فلهذا صارت جوا ابا ناشئاا عنه‪ ،‬لكنه يشرتط هنا أن تكون جوا ابا لنفي أو طلب فقط‪ ،‬إما لنفي أو‬
‫متسبب عن األول أي لو مل يقـع األول‬
‫ٌ‬ ‫طلب معنى ذلك أن الفاء العاطفة مع كوهنا عىل أن الثان‬
‫مل يقع الثان‪ ،‬وليس املراد جمرد عطف الثان عىل األول فقـط‪ ،‬بـل عطـف األول عـىل الثـان وأن‬
‫الثان مل يكن إال لوقوع األول‪.‬‬

‫يعني تدل عىل املعنيني م اعا بخالف قولك ا‬


‫مثال‪:‬‬
‫‪112‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫جاء ُممدٌ فخالدٌ )‪:‬‬


‫( ٌ‬
‫هذه عاطفة فقط جمرد عطف‪ ،‬عطفت الثان عىل األول‪ ،‬لكن جميء األول لـيس هـو سـبب‬
‫جميء الثان‪ ،‬هذا جاء وحده‪ ،‬وهذا جاء وحده إال أن الثان جـاء بعـد األول لـيس جمـيء األول‬
‫متسبب عىل الثان وهكذا‪.‬‬

‫فمن األمثلة عىل ذلك أن تقول ونبدأ بالنفي قبل الطلـب تقـول‪ :‬أنـت ال هتمـل دروسـك‪،‬‬
‫طيب ما الذي هيمل عن عدم إمهال الدروس؟ النجاح‪ ،‬هاته عىل صيغة ٍ‬
‫فعل مضـارع؟ تـنجح‪،‬‬
‫النجاح هو اجلواب املرتتب عىل عدم اإلمهال‪ ،‬طيب ضع قبله فاء سببية‪ ،‬أو واو املعية‪ ،‬ثـم أعـد‬
‫األسلوب ماذا تقول؟ أنت ال هتمل دروسك‪ ،‬طيب النتيجة؟ فتنجح‪ ،‬أو أنت ال هتمل دروسك‬
‫وتنجح‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مسـبوق بفـاء‬ ‫ٍ‬
‫فعـل مضـار ٍع‬ ‫فأتيت باجلواب النتيجة املرتتبة عىل املنفي السابق عىل صـورة‬
‫السببية أو واو‪ ،‬واو املعية‪ ،‬أو تقول‪ :‬مل تسافر‪ ،‬ما الذي ترتب عىل عدم السفر؟ إرضاء الوالدين‪،‬‬
‫هاته فعل مضارع مسبو اقا بفاء أو واو؟ مل تسافر فرتيض والديك وتريض والدين‪ ،‬البار ال يتـأخر‬
‫عن البيت فتقلق أمه‪ ،‬تقول‪ :‬ليس زيدا ا ضعي افا فيهزم‪ ،‬ليس زيدٌ ضعي افا وهيزم‪.‬‬

‫قال سبحانه وتعاىل‪﴿ :‬ال ي ْقىض عل ْي ِه ْم فيموتوا﴾ [فاطر‪ ،]36:‬عن أهل النار‪ ،‬ما معنى اآلية‬
‫عىل ذلك؟ ﴿ال ي ْقىض عل ْي ِه ْم فيموتوا﴾ [فاطر‪ ،]36:‬يعنـي ال جيتمـع فـيهم األمـران‪ ،‬القضـاء‬
‫عليهم واملوت املتسبب من القضاء عليهم‪ ،‬ال يقىض عليهم فيسبب ذلك هلـم املـوت‪ ،‬ثـم أتـى‬
‫باملوت ا‬
‫فعال مضار اعا مسبو اقا بالفاء‪ ،‬وقرئ يف الشـواذ بـالرفع‪﴿ ،‬ال يقىضـ علـيهم فيموتـون﴾‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ كيف يكون معنى اآلية والتقدير؟ يكون معنى اآلية واَّلل أعلـم‪ :‬ال يقىضـ علـيهم فهـم‬
‫ٍ‬
‫حينئذ مجلة اسمية‪ ،‬فاجلواب مجلة اسمية‪ ،‬وليس املضارع مباَشة‪.‬‬ ‫يموتون‪ ،‬فصار ما بعد الواو‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪113‬‬

‫قال تعاىل‪﴿ :‬وال ي ْؤذن هل ْم في ْعت ِذرون﴾ [املرسالت‪ ،]36:‬رفع‪ ،‬املعنـى‪ :‬ال يـؤذن هلـم فهـم‬
‫يعتذرون‪ ،‬لكن لو جاء بالنصب ال يؤذن فيعتذروا‪ ،‬يعني ال يؤذن هلم إذناا يتسبب يف اعتـذارهم‬
‫وهكذا‪.‬‬

‫نكمل إن شاء اَّلل بعد الصالة واَّلل أعلم وصىل اَّلل عىل نبينا ُممد‪.‬‬
‫‪114‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫الدرس الثالث (اجلزء الثان)‪:‬‬

‫احلمد َّلل رب العاملني‪ ،‬الصالة والسالم عىل نبينا ُممد وعىل آله وأصحابه أمجعني‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫فقد توقفنا عند املوضع الرابع‪ ،‬واملوضع اخلامس إلضَمر (ال) وجو ابا‪ ،‬وذلك إذا وقع الفعل‬
‫املضارع بعد فاء السببية أو واو املعية‪ ،‬وعرفنا أن هذا من أساليب اللغة اجلميلة‪.‬‬

‫ورضبنا عليه أمثلة‪ ،‬وكل هذه األمثلة كانت يف وقوع الفعل املضارع جوا ابا للنفي‪ ،‬وابن‬
‫بنفي أو طلب‪ ،‬فَم سبق كانت أمثلة‬
‫هشام كَم قرأنا اشرتط أن تسبق فاء السببية أو واو املعية ٍ‬
‫لوقوع املضارع يف جواب النفي‪ ،‬واآلن نتكلم عىل وقوع املضارع يف جواب الطلب‪.‬‬

‫ونبدأه ببيان املراد بالطلب‪ ،‬ما املراد بالطلب يف اصطالح النحويني؟‬

‫طب اعا الطلب‪ :‬كل ما دل عىل طلب‪ ،‬هذا واضح‪ ،‬كل ما دل عىل طلب‪.‬‬

‫حرصا ثَمنية أشياء‪ ،‬وهي‪:‬‬


‫ا‬ ‫وهو‬

‫‪ ‬األمر‪.‬‬
‫‪ ‬والنهي‪.‬‬
‫‪ ‬والدعاء‪.‬‬
‫‪ ‬واالستفهام‪.‬‬
‫‪ ‬والعرض‪.‬‬
‫‪ ‬والتحضيض‪.‬‬
‫‪ ‬والتمني‪.‬‬
‫‪ ‬والرتجي‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪115‬‬

‫طلب لرتك الفعل‪.‬‬


‫طلب للفعل‪ ،‬أو ٌ‬
‫كلها لو تأملت فيها وجدت فيها طل ابا‪ ،‬إما ٌ‬

‫‪ -‬فاألمر يف قولك‪ :‬اذهب) تطلب فعل الذهاب‪.‬‬


‫‪ -‬والنهي‪( :‬ال تذهب) تطلب عدم فعل الذهاب‪.‬‬
‫‪ -‬والدعاء‪( :‬اغفر يل) تطلب املغفرة‪ ،‬أو (ال تعذبني) تطلب عدم التعذيب‪.‬‬

‫وكذلك يف االستفهام‪ :‬إذا قلت‪( :‬هل ذهبت؟) ماذا تطلب؟ تطلب اجلواب‪.‬‬

‫‪ -‬والعرض‪ :‬ويكون ب"أال" كقولك‪( :‬أال تذهب؟) العرض‪ :‬أن تطلب الفعل لكن‬
‫برفق‪ ،‬تطلب منه أن يذهب لكن برفق‪.‬‬
‫َّ‬
‫ب(هال‪ ،‬ولوال‪،‬‬ ‫‪ -‬والتحضيض‪ :‬وهو طلب الفعل لكن بحث ليس برفق بحث‪ ،‬ويكون‬
‫ولو ما) تقول‪َّ :‬‬
‫(هال تذهب) أو (لوما تذهب)‪ ،‬أو (لوال تذهب) أنت تريد أن حتثه عىل‬
‫فعل الذهاب‪.‬‬
‫‪ -‬والتمني‪ :‬ويكون ب(ليت) كَم هو معروف‪ ،‬تقول‪( :‬ليتك تذهب) أنت تطلب حصول‬
‫الذهاب عىل سبيل التمني‪.‬‬
‫‪ -‬والرتجي‪ :‬ويكون ب(لعل) تقول‪( :‬لعلك تذهب) تطلب حصول الذهاب‪ ،‬لكن عىل‬
‫سبيل الرتجي؛ يعني الرجاء‪.‬‬

‫فهذه ثَمنية أجوبة يسموهنا األجوبة الثَمنية‪ ،‬فإذا أضفنا إليها النفي الذي تكلمنا عليه من‬
‫قبل صارت تسعة‪ ،‬وتسمى األجوبة التسعة‪.‬‬

‫وقد نظمها بعضهم بقوله‪:‬‬

‫مت َّن و ْارج كذاك النَّ ْفي قدْ كمال‬ ‫م ْر وا ْدع وانْه وس ْل وا ْع ِر ْض ِحل يض ِهم‬

‫واألمثلة واضحة‪:‬‬
‫‪116‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ -‬فاألمر‪ :‬كأن تقول‪( :‬تعاىل فأكرمك) أو (تعاىل وأكرمك) اإلكرام مرتتب عىل االستجابة‬
‫للفعل (تعال) إذن جواب‪ ،‬لكن مسبوق بالفاء أو بالواو فانتصب‪.‬‬
‫‪ -‬والنهي‪ :‬أن تقول‪( :‬ال هتمل فرتسب)‪( ،‬ال هتمل وترسب)‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬وال ت ْطغ ْوا فِ ِيه‬
‫في ِ‬
‫ح َّل عل ْيك ْم غضبِي [طه‪.]81:‬‬
‫(رِب اغفر يل فأفلح)‪.‬‬
‫‪ -‬والدعاء‪ :‬أن تقول‪ :‬ي‬
‫‪ -‬واالستفهام‪ :‬كأن تقول‪( :‬هل تزورن الليلة؟) طيب ماذا يرتتب عىل زيارته لك؟‬
‫مضارعا مسبو اقا بفاء أو واو‪ ،‬تقول‪( :‬هل تزورن الليلة فأكرمك) أو‬ ‫ا‬ ‫اإلكرام‪ ،‬هات فعل‬
‫(وأكرمك)‪ ،‬قال ‪-‬س ْبحانه وتعاىل‪﴿ :-‬فه ْل لنا ِم ْن شفعاء في ْشفعوا لنا [األعراف‪،]53:‬‬
‫أغ ِفر له؟ هل ِم ْن‬
‫جيب له؟ هل ِم ْن م ْستغ ِْف ٍر ف ْ‬
‫فأست ِ‬ ‫ِ‬
‫ويف احلديث املشهور «ه ْل م ْن دا ٍع ْ‬
‫ب فأتوب عل ْي ِه»‪.‬‬
‫تائِ ٍ‬

‫‪ -‬والعرض‪ :‬أن تقول‪( :‬أال جتتهد فتنجح؟)‪.‬‬


‫﴿وال أ َّخ ْرتنِي إِىل أج ٍل ق ِر ٍ‬
‫يب‬ ‫َّ‬
‫(هال جتتهد فتنجح؟) قال تعاىل‪ْ :‬‬ ‫‪ -‬والتحضيض‪:‬‬
‫فأ َّصدَّ ق [املنافقون‪.]10:‬‬
‫عظيَم)‪( ،‬ليتني اجتهدت فأنجح)‪.‬‬
‫‪ -‬والتمني‪( :‬يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا ا ا‬
‫‪ -‬والرتجي‪( :‬لعلك جتتهد فتنجح) قال تعاىل‪﴿ :‬لع ييل أ ْبلغ األ ْسباب (‪ )36‬أ ْسباب‬
‫ات فأ َّطلِع إِىل إِل ِه موسى (‪[ )37‬غافر‪.]37:36‬‬
‫السمو ِ‬
‫َّ‬

‫فاخلالصة‪:‬‬

‫أن (أن) لقوة عملها تعمل النصب يف املضارع ظاهر اة ومضمرةا؛ يعني ُمذوف اة‪ ،‬وتعمل‬
‫مضمر اة يف املواضع التي ذكرناها قبل قليل بعد الم التعليل وهذا جائز‪ ،‬وبعد الم اجلحود‬
‫وجو ابا‪ ،‬وبعد حتى‪ ،‬وبعد (أو) التي بمعنى (إىل أن)‪ ،‬أو (إال أن)‪ ،‬أو بعد فاء السببية‪ ،‬أو واو‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪117‬‬

‫املعية‪ ،‬وهذا قول البرصيني‪ ،‬وهو قول اجلمهور‪ ،‬وهو الصحيح‪ :‬أن املضارع يف هذه املواضع‬
‫ليس منصو ابا هبذه األحرف الواقعة قبل املضارع؛ يعني (حتى أتعلم) (أتعلم) ليس منصو ابا‬
‫ب(حتى)‪( ،‬فأفوز) (أفوز) ليس منصو ابا بالفاء‪( ،‬ألتعلم) (أتعلم) ليس منصو ابا بالالم‪ ،‬وإنَم‬
‫منصوب بأن مضمرة ُمذوفة‪.‬‬
‫ٌ‬

‫جمرورا بالم التعليل‪ ،‬أو بحتى ‪ ...‬إىل‬


‫ا‬ ‫و(أن) واملضارع ينسبك منهَم مصدر‪ ،‬هذا املصدر يكون‬
‫آخره‪.‬‬

‫وب هبذه األحرف مباَشة‪ ،‬فجعلوا نواصب املضارع كل‬


‫وقال الكوفيون‪ :‬إن املضارع منص ٌ‬
‫هذه األحرف مع (أن‪ ،‬ولن‪ ،‬وكي‪ ،‬وإذن) يقولون‪ :‬ومن نواصب املضارع (حتى‪ ،‬والم التعليل‪،‬‬
‫إىل آخره)‪ ،‬وقوهلم يف ذلك ضعيف؛ ألنه سيجعل الالم حرف جر‪ ،‬وجيعله ناص ابا للمضارع‪،‬‬
‫وهذا خالف حق احلرف املختص‪ ،‬احلرف املختص حقه أن يعمل فيَم اختص فيه‪ ،‬ليس هناك‬
‫حرف إذا دخل عىل اسم صار له عمل‪ ،‬وإذا دخل عىل فعل صار له ٌ‬
‫عمل آخر‪ ،‬هذا يؤدي إىل‬
‫عدم النظري يف اللغة‪.‬‬

‫أما ابن هشام كَم رأيتم فقد اعتمد قول البرصيني وتابع يف ذلك اجلمهور للتعليالت التي‬
‫ذكرناها من قبل‪.‬‬

‫وعىل قول اجلمهور يصح ما قلناه من قبل‪ :‬من أن نواصب املضارع أربعة وهي‪:‬‬

‫‪ ‬أن‪.‬‬
‫‪ ‬ولن‪.‬‬
‫‪ ‬وكي‪.‬‬
‫‪ ‬وإذن‪.‬‬
‫‪118‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫بذلك انتهى الكالم عىل نواصب الفعل املضارع‪ ،‬لينتقل ابن هشام إىل الكالم عىل جوازم‬
‫الفعل املضارع‪.‬‬

‫فذكر ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬أن الفعل املضارع ينجزم يف جواب الطلب‪ ،‬وبعد (مل) وبعد ( َّملا)‪ ،‬وبعد‬
‫(الم األمر)‪ ،‬وبعد (ال الناهية)‪ ،‬وبعد (أدوات الرشط اجلازمة) ذكرها هبذا الرتتيب‪ ،‬فنسري عىل‬
‫ترتيبه ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪.-‬‬

‫فبدأ بجزم املضارع يف جواب الطلب فقال‪:‬‬

‫"فإِن سقطت ا ْلفاء بعد ال نطلب وقصد ْ‬


‫اجلزاء جزم ن ْحو ق ْوله تعاىل‪﴿ :‬ق ْل تعال ْوا‬
‫أتْل [األنعام‪."]151:‬‬

‫نعم‪ ،‬سبق قبل قليل أن املضارع إذا وقع يف جواب الطلب‪ ،‬وكان مسبو اقا بفاء السببية‪ ،‬أو‬
‫واو املعية انتصب‪ ،‬طيب‪ ،‬لو جاء يف األسلوب نفسه؛ يعني املضارع وقع يف جواب الطلب‪،‬‬
‫لكن مل يقرتن بالفاء وال بالواو‪ ،‬فبدل أن تقول‪( :‬اجتهد فتنجح) (اجتهد وتنجح) حتذف الفاء‬
‫والواو‪ ،‬وتقول مباَشة‪( :‬اجتهد تنجح) فوقع املضارع مباَشة جوابا للطلب دون ٍ‬
‫فاء وواو‪،‬‬ ‫ا‬
‫جزاء؛ يعني هو‬
‫ا‬ ‫حينئذ اجلزم‪ ،‬ينجزم‪ ،‬إذا وقع املضارع جوا ابا للطلب وق ِصد كونه‬
‫ٍ‬ ‫وحكمه‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪ ،‬وهذا قوله‪:‬‬ ‫اجلزاء املرتتب عىل هذا الطلب النتيجة املرتتبة عىل هذا الطلب‪ ،‬فإنه ينجزم‬
‫"وق ِصد اجلزاء" كقولك‪( :‬تعال أ ِ‬
‫كرمك)‪.‬‬

‫ما معنى (تعال أ ِ‬


‫كرمك)؟‬

‫يعني (تعال) (إن تأيت أ ِ‬


‫كرمك)؛ يعني اإلكرام جواب للمجيء‪ ،‬مرتتب عىل املجيء‪ ،‬نتيجة‬
‫املجيء (إن تأيت أ ِ‬
‫كرمك)‪( ،‬تعال وأتلو عليكم)‪.‬‬

‫ج ْذ ِع النَّخْ ل ِة [مريم‪.]25:‬‬ ‫﴿وهزي ي إِلي ِ‬


‫ك بِ ِ‬ ‫ْ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪119‬‬

‫طيب ماذا يرتتب عىل ذلك؟‬

‫ك رط ابا جن ِ ًيا [مريم‪.]25:‬‬


‫اق ْط علي ِ‬
‫ْ‬
‫﴿تس ِ‬

‫(ال هتمل تنجح)؛ يعني (ال هتمل)‪َّ ،‬‬


‫(إال هتمل تنجح)‪( ،‬اغفر يل أسعد)‪( ،‬هل تزورن‬
‫أكر ْمك؟) يعني (هل تزورن؟) (إن تزورن أ ِ‬
‫كرمك) وهكذا‪.‬‬ ‫ِ‬

‫هذا معنى أن اجلواب هنا ق ِصد به اجلزاء‪.‬‬

‫إذا عرفنا ذلك نسأل فنقول‪ :‬املضارع إذا وقع يف جواب الطلب وق ِصد اجلزاء انجزم‪ ،‬هذا‬
‫متفق عليه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ؟ ما الذي جزم املضارع الذي وقع جوا ابا للطلب‬ ‫لكن السؤال‪ :‬ما اجلازم للمضارع‬
‫وق ِصد به اجلزاء؟‬

‫للنحويني يف ذلك قوالن‪:‬‬

‫‪ -‬القول األول‪ :‬أنه الطلب السابق نفسه‪ ،‬يقولون‪ :‬جمزو ٌم بجواب الطلب؛ يعني إذا قلت‪:‬‬
‫(اجتهد تنجح) فالذي جزم تنجح هو نفسه فعل األمر اجتهد نفس هذا الطلب (اجتهد)‬
‫فعل األمر هو الذي جزم تنجح‪ ،‬نفس الطلب السابق هو الذي جزم املضارع‪.‬‬

‫‪ -‬وعىل ذلك فتكون جوازم املضارع ستة‪:‬‬

‫مل‪ ،‬و َّملا‪ ،‬والم األمر‪ ،‬وال الناهية‪ ،‬وأدوات الرشط اجلازمة مخسة‪ ،‬وجواب الطلب‪.‬‬

‫مثال‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫َشط مقدرة؛ يعني ُمذوفة‪ ،‬فإذا قلت ا‬ ‫‪ -‬والقول الثان‪ :‬أن جازم املضارع هنا أداة‬
‫كرمك) كان التقدير (تعال) (إن تأيت أ ِ‬
‫كرمك) (فأكرمك) فجزمته أداة الرشط إن‬ ‫(تعال أ ِ‬

‫املحذوفة املقدرة‪ ،‬أسلوب من أساليب العرب؛ ألن اجلزاء فيها مقصود ومفهوم‪ ،‬حذفت‬
‫من هذا األسلوب أداة الرشط للعلم هبا‪.‬‬
‫‪120‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫وهذا هو قول اجلمهور‪ ،‬وعليه تكون جوازم املضارع مخسة بإسقاط جواب الطلب؛ ألن‬
‫ٌ‬
‫داخل يف أدوات الرشط‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫جواب الطلب‬

‫طيب‪ ،‬فإن قلت‪ :‬ما حكم املضارع يف األمثلة السابقة إذا مل يقصد اجلزاء؟‬

‫ٍ‬
‫بناصب وال‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ رفع الفعل املضارع؛ ألنه مل يسبق‬ ‫إذا مل يقصد اجلزاء‪ ،‬فاحلكم‬
‫بجازم‪.‬‬

‫مثال ذلك‪ :‬لو تقول‪( :‬أعطني كتا ابا يفيدن) املضارع (يفيدن) أنت مل ت ِرد أنه جزاء وجواب‬
‫ونتيجة مرتتبة عىل اإلعطاء؛ يعني أنت ال تريد من كالمك معنى الرشط‪ ،‬ليس املعنى (أعطني‬
‫كتا ابا‪ ،‬إن تعطني يفيدن) ال‪ ،‬أنت أردت (أعطني كتا ابا مفيدا ا)؛ يعني الفعل املضارع (يفيدن)‬
‫أردت به معنى االسم‪( ،‬أعطني كتا ابا مفيدا ا) ومل ت ِرد (أعطني كتا ابا إن تعطني يفيدن) فيبقى‬
‫مرفوعا‪.‬‬
‫ا‬
‫مثال‪ :‬قوله ‪-‬سبحانه وتعاىل‪﴿ :-‬خ ْذ ِمن أمو ِ‬
‫اهل ْم صدق اة‬ ‫ا‬ ‫طيب‪ ،‬من ذلك‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫ا‬
‫صدقة‬ ‫تط يهره ْم [التوبة‪﴿ ،]103:‬تط يهره ْم هنا بالرفع‪ ،‬إذن فاملقصود معنا االسم؛ يعني‬
‫مطهر اة ﴿تط يهره ْم هذه مجلة فعلية نعت لصدقة (صدق اة مطهرةا)‪ ،‬وليس املعنى (خذ من‬
‫أمواهلم صدق اة إن تأخذها تطهرهم) لو كان هذا املعنى النجزم الفعل‪ ،‬فلهذا ارتفع الفعل عند‬
‫القراء السبعة‪.‬‬

‫ب ِيل ِم ْن لدنْك ولِ ًيا (‪ )5‬ي ِرثنِي (‪[ )6‬مريم‪،]6:5‬‬


‫وأما يف قوله ‪-‬س ْبحانه وتعاىل‪﴿ :-‬فه ْ‬
‫الفعل ﴿ي ِرثنِي [مريم‪ ]6:‬وقع بعد (هب)‪.‬‬

‫ما املعنى؟ هل املعنى (هب يل من لدنك ول ًيا إن هتبني إياه يرثني) فينجزم الفعل وهذه‬
‫قراءة‪ ،‬أم (فهب يل من لدنك ول ًيا وار اثا فريتفع) وهذه قراءة عند بعض السبعة؟‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪121‬‬

‫اجلواب‪ُ :‬متمل؛ فلهذا ق ِرئ عند السبعة باجلزم‪ ،‬وبالرفع‪ ،‬نقول‪ :‬بالرفع عىل معنى االسم‬
‫يعني (ول ًيا وار اثا)‪ ،‬وباجلزم عىل معنى الرشط (إن هتبني يرثني) وهكذا‪.‬‬

‫ومن ذلك‪ :‬قوله ‪-‬س ْبحانه وتعاىل‪ -‬عن ناقة صالح‪﴿ :‬فذروها ت ْأك ْل ِيف أ ْر ِ‬
‫ض‬
‫َّلل [األعراف‪ ،]73:‬وقرأ‬ ‫اَّللَِّ [األعراف‪ ]73:‬قال بعض السبعة‪﴿ :‬فذروها ت ْأك ْل ِيف أ ْر ِ‬
‫ض ا َِّ‬
‫آخرون‪﴿ :‬فذروها ت ْأكل ِيف أ ْر ِ‬
‫ض اَّللَِّ [األعراف‪ ،]73:‬فمن قرأ بالرفع أراد معنى االسم؛‬
‫يعني (فذروها آكل اة) يعني ذروها حالة كوهنا آكل اة يف أرض اَّلل‪ ،‬ومن جزم أراد معنى الرشط؛‬
‫يعني (ذروها إن تذروها تأكل يف أرض اَّلل) وهكذا‪.‬‬

‫معنى ذلك‪ :‬أن املضارع الواقع يف جواب الطلب يف مواضع جيب أن يكون املعنى عىل قصد‬
‫اجلزاء فيجزم‪ ،‬ويف مواضع جيب أن يكون عىل معنى االسم فريفع ك(أعطني كتا ابا يفيدن)‪ ،‬ويف‬
‫مواضع حتتمل الوجهني عىل حسب مقصود املتكلم‪ ،‬فيجوز فيها اجلزم والرفع‪.‬‬
‫ٍ‬
‫متعلقة باجلزم بجواب الطلب الذي ذكره قبل‬ ‫ٍ‬
‫مسألة‬ ‫إن ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬نبه عىل‬
‫ثم َّ‬
‫قليل‪.‬‬

‫فقال‪:‬‬
‫اجلزْم بعد الن َّْهي ِصحة حلول إِن ال ُمله نحو (ال تدن من ْاألسد تسلم) بِ ِ‬
‫خالف‬ ‫"وَشط ْ‬
‫ْ‬
‫(ي ْأكلك)"‬

‫فذكر ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬أن املضارع الواقع يف جواب الطلب جيوز أن يكون جوا ابا للفعل املنهي‬
‫عنه‪ ،‬وأن يكون جوا ابا للنهي يف حالة النصب‪ ،‬فتقول ا‬
‫مثال‪( :‬ال هتمل) (ال هتمل) عندنا‬
‫(اإلمهال) هذا الفعل‪ ،‬وعندنا (عدم اإلمهال) وهو املنفي‪ ،‬لك أن ترتب ما تشاء عىل حسب‬
‫املعنى‪ ،‬فعدم اإلمهال ينتج النجاح‪ ،‬فتقول‪( :‬ال هتمل فتنجح)‪( ،‬ال هتمل وتنجح)‪ ،‬ولك أن‬
‫‪122‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ترتب عىل اإلمهال فقط‪ ،‬اإلمهال ماذا يسبب؟ الرسوب‪ ،‬تقول‪( :‬ال هتمل فرتسب)‪( ،‬ال هتمل‬
‫وترسب)‪ ،‬يف النصب جيوز أن ترتب عىل الفعل‪ ،‬أو ترتب عىل املنهي عنه‪ ،‬لكن يف اجلزم قالوا‪:‬‬
‫ال‪ ،‬يف اجلزم ال ترتب إال عىل النهي‪ ،‬ال ترتب عىل الفعل نفسه‪ ،‬فإذا قلت ا‬
‫مثال‪( :‬ال تدن من‬
‫ْاألسد) الفعل‪( :‬الدنو من األسد)‪ ،‬طيب‪ ،‬وعندك النهي عن الدنو‪ ،‬فالنهي عن الدنو يسبب لك‬
‫السالمة‪ ،‬والدنو يسبب لك اهلالك وأكله إياك‪.‬‬

‫قالوا يف اجلزم‪ :‬ما ينجزم إال إذا كان مرتت ابا عىل النفي نفسه (ال تدن من ْاألسد) والنتيجة‪،‬‬
‫تسلم) باجلزم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫نتيجة النهي عن الدنو (السالمة) تقول‪( :‬ال تدن من األسد‬

‫لكن لو قلت‪( :‬ال تدن من األسد يأكلك)‪ ،‬أو (ال تدن من األسد هتلك) فأكله إياك ليس‬
‫ٍ‬
‫حينئذ الفعل ما ينجزم‪ ،‬ال‪،‬‬ ‫مرت ابا عىل النهي عن الدنو‪ ،‬وإنَم مرتب عىل الدنو نفسه‪ ،‬فيقولون‪:‬‬
‫مرفوعا‪.‬‬
‫ا‬ ‫يبقى‬

‫وضابط ذلك الذي يقربه ويسهله‪ :‬ما ذكره ابن هشام وهو أنك تستطيع أن تقدر مع الفعل‬
‫املضارع الواقع يف جواب الطلب أن تقدر (أن ال) (أال) فتقول‪( :‬ال تدن من األسد إال تدنو من‬
‫األسد تسلم) صحيح (إال تدنو من األسد) يعني (إن ما تدنو أسد تسلم) لكن لو قلت‪:‬‬
‫(يأكلك) ما يصح أن تقدر فتقول‪( :‬ال تدن من األسد إال تدنو من األسد يأكلك) هذا قول‬
‫كثري من‬
‫ٌ‬ ‫اجلمهور‪ ،‬وتابعهم ابن هشام كَم رأيتم‪ ،‬وبعض النحويون كالكسائي وتبعه‬
‫املعارصين‪ ،‬مل يشرتطوا هذا الرشط‪ ،‬وقالوا‪ :‬لك أن ترتب عىل الفعل نفسه‪ ،‬ولك أن ترتب عىل‬
‫النهي نفسه‪.‬‬

‫لك أن تقول‪( :‬ال هتمل تنجح) النجاح مرتتب عىل النهي‪ ،‬ولك أن تقول‪( :‬ال هتمل‬
‫ترسب) الرسوب مرتتب عىل اإلمهال‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪123‬‬

‫السالم‪( :-‬ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الصالة و َّ‬
‫ومما جاء يف ذلك‪ :‬قول أِب طلحة ‪-‬ريض اَّلل عنْه‪ -‬للنبي ‪-‬عل ْيه َّ‬
‫ِ‬
‫سهم)‪.‬‬
‫رشف) يعني ال خترج رأسك (يصيبك ٌ‬ ‫رشف ي ِصبك ْ‬
‫سه ٌم) (ال ت ِ‬ ‫ت ِ‬

‫السالم‪ -‬مرتتبة عىل إَشافه‪َّ ،‬‬


‫وال عىل عدم‬ ‫ِ‬
‫الصالة و َّ‬
‫طيب إصابة السهم للنبي ‪-‬عل ْيه َّ‬
‫إَشافه؟ مرتتبة عىل الفعل َّ‬
‫وال عىل النهي عن الفعل؟‬

‫عن الفعل نفسه‪ ،‬وهذا الذي منعه اجلمهور‪ ،‬فاستدلوا بمثل هذا الشاهد وغريه عىل اجلواز‪.‬‬

‫ثم ذكر ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل تعاىل‪ -‬بقية جوازم املضارع وهي عىل قسمني‪:‬‬

‫مضارعا واحدا ا وهي (مل‪ ،‬و َّملا‪ ،‬والم األمر‪ ،‬وال الناهية)‪.‬‬
‫ا‬ ‫ما جيزم‬

‫وما جيزم فعلني وهي (أدوات الرشط اجلازمة)‪.‬‬

‫مضارعا واحدا ا فقال‪:‬‬


‫ا‬ ‫فبدأ بذكر ما جيزم ا‬
‫فعال‬

‫"وجيزم أ ْيضا بلم ن ْحو ﴿مل ْ يلِدْ ومل ْ يولدْ [اإلخالص‪ ،]3:‬وملا ن ْحو (وملا ي ْقض)‪ ،‬وبالالم‬
‫اخذنا)"‬ ‫ض‪ ،‬ال ترشك‪ ،‬ال تؤ ِ‬
‫وال الطلبيتني ن ْحو (لينفق‪ ،‬لي ْق ِ‬

‫مضارعا واحدا ا أربعة أحرف‪ ،‬نأخذها حر افا حر افا‪.‬‬


‫ا‬ ‫فذكر ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬أن ما جيزم‬

‫مضارعا واحدا ا مها (مل‪ ،‬و َّملا)‬


‫ا‬ ‫‪ ‬فاحلرف األول واحلرف الثان مما جيزم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مل‪ :‬كقولك‪( :‬مل أغضب) و(مل أغضب غريي)‪( ،‬مل يكن النحو صع ابا) ﴿مل ْ يلدْ ومل ْ‬
‫يولدْ [اإلخالص‪.]3:‬‬

‫إليَمن ِيف‬
‫و َّملا‪ :‬كقولك (ملـَّا أذهب بعد)‪( ،‬جاء الوفد وملـَّا يدخلوا)‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬و َّملا يدْ خ ِل ا ِ‬

‫قلوبِك ْم [احلجرات‪.]14:‬‬
‫‪124‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫واضح أن (مل‪ ،‬وملـَّا) جيتمعان يف معنى النفي؛ يعني تقول‪ُ( :‬ممدٌ مل يذهب) و(ُممدٌ ملـَّا يذهب)‬
‫تنفي عنه الذهاب‪.‬‬

‫فَم الفرق بني (مل‪ ،‬وملـَّا) مع داللتهَم عىل النفي؟‬

‫قبل أن نعرف الفرق بينهَم دعونا نعرف ما يتفقان فيه‪.‬‬

‫يتفقان وجيتمعان يف ماذا؟‬

‫‪ -‬يتفقان وجيتمعان‪ :‬يف احلرفية‪ ،‬كالمها حرف‪.‬‬


‫‪ -‬ويف النفي‪ :‬كالمها ينفي‪.‬‬
‫خمتص باملضارع‪.‬‬
‫‪ -‬ويف االختصاص باملضارع‪ :‬كالمها ٌّ‬
‫‪ -‬وجزم املضارع‪ :‬كالمها مما جيزم املضارع‪.‬‬
‫‪ -‬ويف قلب زمان املضارع إىل امليض (مل يذهب) يعني يف املايض‪( ،‬ملـَّا يذهب) يعني يف‬
‫املايض‪.‬‬
‫أيضا يف دخول مهزة االستفهام عليهَم‪ ،‬تقول‪( :‬مل يذهب‪ ،‬أمل يذهب؟) (ملـَّا‬
‫‪ -‬وجيتمعان ا‬
‫يذهب‪ ،‬أملـَّا يذهب؟) وهكذا‪.‬‬

‫ويفرتقان يف أمور‪ ،‬يفرتقان يف ثالثة أمور‪:‬‬

‫‪ -‬األول‪ :‬أن (مل) للنفي املطلق‪ ،‬و(ملـَّا) للنفي املتصل؛ (مل) ال تدل إال عىل النفي فقط‪ ،‬وأما‬
‫(ملـَّا) فتدل عىل النفي وعىل اتصال النفي‪ ،‬اتصال نفي هذا الفعل إىل زمن التكلم‪ ،‬فلهذا‬
‫جيوز أن تقول يف (مل)‪( :‬مل أذهب باألمس وذهبت اليوم)‪( ،‬مل أذهب األسبوع املايض‪،‬‬
‫وذهبت قبل يومني) نفي مطلق؛ فلهذا يمكن أن تقطع هذا النفي قبل زمن التكلم‪( ،‬مل‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪125‬‬

‫ني ِمن الدَّ ْه ِر مل ْ يك ْن ش ْيئاا‬


‫ان ِح ٌ‬
‫إلنس ِ‬
‫أجلس‪ ،‬ثم جلست قبل قليل)‪﴿ ،‬ه ْل أتى عىل ا ِ‬

‫مذكورا)‪.‬‬
‫ا‬ ‫م ْذك ا‬
‫ورا [اإلنسان‪]1:‬؛ أي (ثم كان شيئاا‬

‫وال جيوز مثل ذلك يف (ملـَّا)؛ ألن نفيها متصل إىل زمن التكلم؛ يعني ال جيوز أن تقول‪( :‬ملـَّا‬
‫أذهب يف األسبوع املايض‪ ،‬ثم ذهبت قبل يومني) ال‪( ،‬ملـَّا) نفيها مستمر إىل زمن التكلم‪.‬‬

‫‪ -‬األمر الثان مما يفرتقان فيه‪ :‬أن (مل) للنفي املطلق كَم ذكرنا (وملـَّا) لنفي القريب املتوقع‪،‬‬
‫(مل) تدل فقط عىل مطلق النفي أن األمر ما وقع‪ ،‬وأما (ملـَّا) فإهنا لنفي القريب املتوقع‪.‬‬

‫يعني تدل عىل شيئني‪:‬‬

‫‪ ‬تدل عىل النفي أنه ما حدث‪.‬‬


‫‪ ‬وتدل عىل أن حدوثه قريب‪.‬‬

‫بخالف (مل) فإهنا تدل فقط عىل النفي الطلق؛ يعني ما وقع‪ ،‬فإذا قلت‪ُ( :‬ممدٌ مل يسافر) يعني أنه‬
‫مل يفعل السفر فقط‪.‬‬

‫فإذا قلت‪ُ( :‬ممد ملـَّا يسافر) تفهم شيئني‪:‬‬

‫‪ ‬النفي أنه ما سافر‪.‬‬


‫‪ ‬وأن سفره سيكون قري ابا‪.‬‬

‫تقول‪ُ( :‬ممدٌ مل يصل) (ما وصل) ( َّملـا وصل) يعني إنه ما وصل‪ ،‬ولكنه وصوله قريب؛‬
‫مثال لو تأملنا يف اآليات لوجدنا أن اآليات تراعي مثل هذه املعان‪ ،‬ففي قوله تعاىل ا‬
‫مثال‬ ‫فلهذا ا‬
‫إحزان هلم‪ ،‬أو تفريح‬
‫ٌ‬ ‫إليَمن ِيف قلوبِك ْم [احلجرات‪ ]14:‬هذا‬
‫عىل األعراب‪﴿ :‬و َّملا يدْ خ ِل ا ِ‬

‫هلم؟‬
‫‪126‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫اَّلل ‪-‬عزَّ وجل‪ -‬يقول هلم‪ :‬اإليَمن يعني ما دخل يف قلوبكم‪ ،‬لو قال‪( :‬مل يدخل اإليَمن) أو‬
‫﴿ملا يدْ خ ِل [احلجرات‪ ]14:‬فيقول‪:‬‬
‫(ما دخل اإليَمن يف قلوبكم) لكان حزاناا هلم‪ ،‬لكن قال‪َّ :‬‬

‫(إىل اآلن ما دخل‪ ،‬إال أن دخوله يف قلوبكم قريب إذا بقيتم عىل ما أنتم عليه من متابعة النبي ‪-‬‬
‫ذما جمر ادا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مدحا هلم‪ ،‬وليس ً‬
‫السالم‪ ،-‬واحلرص عىل دينه) فصار هذا يعني ا‬ ‫الصالة و َّ‬
‫عل ْيه َّ‬
‫ومن ذلك قوله‪﴿ :‬ب ْل َّملا يذوقوا عذ ِ‬
‫اب [ص‪ ]8:‬لشدة التهديد بالعذاب‪ ،‬يقول‪َّ :‬‬
‫﴿ملا‬
‫أيضا‪ ،‬فلهذا جيوز أن تقول‬
‫يذوقوا [ص‪ ]8:‬ما ذاقوا‪ ،‬لكن ذوقكم إياه قريب‪ ،‬فهذا فيه هتديد ا‬
‫ا‬
‫مثال ‪( :‬مل جيتمع الضدان) لكن ما جيوز أن تقول‪( :‬ملـَّا جيتمع الضدان)؛ ألن قولك هذا فيه إشارة‬
‫إىل أن اجتَمعهَم ممكن‪ ،‬وهو ليس ممكناا ا‬
‫فضال عن أن يكون قري ابا‪.‬‬

‫‪ -‬األمر الثالث مما يفرتقان فيه‪ :‬أنه جيوز أن حتذف املضارع بعد (ملـَّا)‪ ،‬وال جيوز أن حتذفه‬
‫بعد (مل)‪ ،‬فبعد (مل) ما جيوز أن حتذف املضارع‪ ،‬أما بعد (ملـَّا) فيجوز أن تقول ا‬
‫مثال‪:‬‬
‫(قاربت املدينة وملـَّا)‪( ،‬ها يا ُممد هل وصلت إىل اجلامعة؟) (اقرتبت إىل اجلامعة وملـَّا)‬
‫يعني (وملـَّا أصل) ا‬
‫مثال‪ .‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫أيضا من الفروق بني (مل) و(ملـَّا)‪ :‬أن (مل) جتامع الرشط‪ ،‬تقول‪( :‬إن مل تذهب‪ ،‬فلن‬ ‫‪ -‬طيب‪ ،‬ا‬
‫ب فأ ْولئِك هم‬
‫أذهب)‪﴿ ،‬وإِ ْن مل ْ ت ْفع ْل فَم ب َّلغْت ِرسالته [املائدة‪﴿ ،]67:‬وم ْن مل ْ يت ْ‬
‫ال َّظامل ِون [احلجرات‪ ،]11:‬وال جيوز ذلك يف (ملـَّا) ال جتامع الرشط‪.‬‬

‫طيب‪ ،‬إذن فانتهينا من (مل) و(ملـَّا)‪ ،‬ثم ننتقل إىل احلرف الثالث من احلروف التي جتزم ا‬
‫فعال‬
‫مضارعا واحدا ا‪ ،‬وهو كَم قال ابن هشام‪( :‬الم الطلب) املعروفة بالم األمر‪ ،‬كقولك‪( :‬لتفتح‬
‫ا‬
‫بيتك‪ ،‬ولتكرم ضيوفك)‪( ،‬لتسمع مني قبل أن حتكم) ﴿لِي ِنف ْق ذو سع ٍة ِم ْن سعتِه [الطالق‪.]7:‬‬

‫يسمها الم األمر‪ ،‬ملاذا؟‬


‫وابن هشام كَم سمعتم يف كالمه سَمها الم الطلب‪ ،‬ومل ي‬

‫دائَم‪ ،‬بل يكون عىل ثالثة أنواع‪:‬‬


‫ألن الطلب ال يكون لألمر ا‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪127‬‬

‫‪ ‬إن كان الطلب من األعىل إىل األدنى‪ :‬فهذا هو األمر‪ ،‬كالطلب من الرب للعبد‪ ،‬أو من‬
‫النبي ألتباعه‪ ،‬أو من الرئيس للمرؤوس‪ ،‬أو من األب للولد ونحو ذلك‪.‬‬

‫ومن ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬لِي ِنف ْق ذو سع ٍة ِم ْن سعتِ ِه [الطالق‪ ]7:‬هذا أمر‪.‬‬

‫‪ ‬والنوع الثان لالم الطلب‪ :‬أن تكون من األدنى إىل األعىل‪ :‬كطلب العبد من الرب‪ ،‬أو‬
‫طلب االبن من األب‪ ،‬أو املرؤوس من الرئيس‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فهذا يسمونه دعاء‪ ،‬الدعاء يف‬
‫اللغة هو جمرد الطلب‪.‬‬

‫ومن ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬لِي ْق ِ‬


‫ض عل ْينا ر ُّبك [الزخرف‪ ]77:‬هذا واضح أن أهل النار ال‬
‫يأمرونه بذلك‪ ،‬وإنَم يطلبون منه طلب دعاء‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ملساو‪ :‬ويسموهنا الم االلتَمس‪ ،‬كأن‬ ‫ٍ‬
‫مساو‬ ‫‪ ‬والنوع الثالث لالم األمر‪ :‬أن يكون الطلب من‬
‫قلَم)‪( ،‬ليذهب زيدٌ إىل فالن)‪ ،‬ومع ذلك فالنحويون يسمون‬
‫تقول لزميلك‪( :‬لتعطيني ا‬
‫كل ذلك يف اصطالحهم من املشهور املعروف (الم األمر) إما تغلي ابا؛ ألن أكثر ما‬
‫تستعمل فيه األمر‪ ،‬أو أن األمر قد يكون حقيق ًيا‪ ،‬وقد يكون جماز ًيا‪.‬‬

‫فصل مثل هذه التفصيالت من بعض املتأخرين فهو من باب األدب‪ ،‬وليس من باب‬
‫ومن َّ‬
‫التحقيق العلمي؛ فلهذا ال يكون هذا مما ينقض فيه املتقدمون‪ ،‬فهم يعرفون هذه األمور‪،‬‬
‫مصطلحا‪ ،‬ويفرسونه‪ ،‬وال‬
‫ا‬ ‫ويعرفون هذه املعان ال ختفاهم‪ ،‬ولكنهم جيعلون مصطلح الم األمر‬
‫مشاحة يف االصطالح‪.‬‬

‫حرف واحد (ليذهب‪ ،‬لينفق) فَم حركته؟‬


‫ٌ‬ ‫فإن قلت‪ :‬الم األمر‬

‫فاجلواب‪ :‬حركته الكرس إذا كان يف االبتداء‪ ،‬مثل‪( :‬لينفق) إال إن سبِق بالواو‪ ،‬أو الفاء‪ ،‬أو َّ‬
‫ثم)‬
‫فإذا سبِق هبذه احلروف العاطفة الثالثة‪ ،‬فيجوز فيها الكرس والسكون‪.‬‬
‫‪128‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫جيبوا ِيل و ْلي ْؤ ِمنوا [البقرة‪ ]186:‬باتفاق القراء‪ ،‬ويف قوله‪:‬‬ ‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬ف ْلي ْست ِ‬

‫السَم ِء ث َّم ْلي ْقط ْع‬ ‫﴿ف ْلي ْضحكوا قلِ ايال و ْلي ْبكوا كثِ اريا [التوبة‪﴿ ،]82:‬ف ْلي ْمد ْد بِسب ٍ‬
‫ب إِىل َّ‬
‫ف ْلينظ ْر [احلج‪.]15:‬‬

‫‪ ‬ثم ننتقل إىل احلرف اجلازم الرابع وهو (ال الناهية)‪:‬‬


‫نحو (ال تتأخر عن الصالة)‪ ،‬و(ال تركض يف املجلس)‪﴿ ،‬ربنا ال تؤ ِ‬
‫اخ ْذنا [البقرة‪،]286:‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫﴿ر َّبنا وال ْحتم ْل عل ْينا إِ ْ ا‬
‫رصا [البقرة‪.]286:‬‬

‫سمها (ال الناهية) أو (ال النهي) كَم هو مشهور عند‬


‫أيضا سَمها (ال الطلب) ومل ي ي‬
‫وابن هشام ا‬
‫النحويني ملا ذكرنا من قبل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫معان‪:‬‬ ‫أيضا تدل عىل ثالثة‬
‫يقولون‪ :‬أن (ال الطلب) ا‬

‫‪ ‬فإن كان النهي من أعىل إىل أسفل فهو هني‪.‬‬


‫‪ ‬وإن كان من أسفل إىل أعىل فهو دعاء‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مساو فهو التَمس‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مساو إىل‬ ‫‪ ‬وإن كان من‬

‫وهذا كَم قلنا من مراعاة األدب والعلم‪ ،‬وليس من التحقيق العلمي‪.‬‬

‫ثم ذكر ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬اجلازم األخري وهو الذي جيزم فعلني اثنني وهي أدوات الرشط‬
‫اجلازمة)‪.‬‬

‫فقال‪" :‬وجيزم فعلني إِن وإِذ ما وأ ْين وأنى وأيان ومتى ومهَم ومن وما وحيثَم ن ْحو ﴿إِ ْن يش ْأ‬
‫نسها‬ ‫ي ْذ ِهبكم [النساء‪﴿ ،]133:‬من يعم ْل سوءا جيز بِ ِه [النساء‪﴿ ،]123:‬ما ننس ْخ ِمن آي ٍة أو ن ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ا ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫ت بِخ ْ ٍري ِمنْها [البقرة‪ ،]106:‬ويسمى األول َشطا وال َّث ِان جوا ابا وجز ااء"‬
‫ن ْأ ِ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪129‬‬

‫نعم‪ ،‬هذا أسلوب الرشط‪ ،‬أسلوب الرشط أسلوب له أدوات‪ ،‬بعض أدوات الرشط ال جيزم‪،‬‬
‫وتسمى أدوات الرشط غري اجلازمة مثل (إذا‪ ،‬ولوال‪ ،‬ولو) تقول‪( :‬إذا تطلع الشمس أسافر)‪،‬‬
‫(إذا طلعت الشمس أزورك)‪( ،‬لو جاء زيدٌ أكرمته)‪( ،‬لوال زيدٌ ألكرمتك) وهكذا‪.‬‬

‫وبعض أدوات الرشط جازم ٌة للمضارع وتسمى أدوات الرشط اجلازمة‪ ،‬وهي املقصودة هنا‪،‬‬
‫وهي اثنتا عرشة أداةا‪ ،‬ذكرها ابن هشام هنا‪ ،‬منها‪ :‬حرفان ومها (إن‪ ،‬وإذ ما) والعرشة الباقية‬
‫أسَمء‪ ،‬وهذا كال ٌم عليها‪.‬‬

‫‪ -‬فاألداة األوىل والثانية (إن‪ ،‬وإذ ما)‪ :‬ومها حرفان بمعناى واحد تقول‪( :‬إن جتتهد تنجح) أو‬
‫(إذ ما جتتهد تنجح)‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬وإِ ْن ت ْؤ ِمنوا وتتَّقوا ي ْؤتِك ْم [ُممد‪.]36:‬‬
‫‪ -‬واألداة الثالثة هي (من)‪ :‬وهي للعاقل يف األصل نحو (من جيتهد ينجح)‪﴿ ،‬م ْن ي ْعم ْل‬
‫جيز بِ ِه [النساء‪.]123:‬‬
‫وءا ْ‬
‫س ا‬
‫‪ -‬والرابعة واخلامسة (ما‪ ،‬ومهَم)‪ :‬ومها لغري العاقل نحو (ما تعمل يكتب)‪( ،‬مهَم تعمل‬
‫يكتب) ﴿وما ت ْفعلوا ِم ْن خ ْ ٍري ي ْعل ْمه اَّللَّ [البقرة‪.]197:‬‬

‫ِ‬
‫يفعل"‪.‬‬ ‫وقول أمرؤ القيس‪ِ " :‬‬
‫وأنك مهَم تأمري القلب‬

‫‪ -‬والسادسة والسابعة (متى‪ ،‬وأ َّيان)‪ :‬ومها للزمان‪ ،‬نحو (متى تسافر أسافر معك) أو (أ َّيان‬
‫ِ‬
‫تعرفون‪.‬‬ ‫تعمل توفق)‪ ،‬ومن ذلك قول الشاعر‪" :‬متى أض ِع العَممة‬
‫‪ -‬واألداة الثامنة والتاسعة والعاَشة (أين‪ ،‬وأنَّى‪ ،‬وحيثَم)‪ :‬وهي للمكان‪ ،‬نحو (أين تسكن‬
‫أسكن بجوارك)‪( ،‬أينَم تقم أزورك) ﴿أ ْينَم تكونوا يدْ ِركُّم ا ْمل ْوت [النساء‪.]78:‬‬
‫‪ -‬واألداة احلادية عرشة (كيفَم)‪ :‬وهي للحال‪ ،‬نحو (كيفَم تركب أركب)‪.‬‬
‫(أي)‪ :‬وعرفنا يف باب املعرب واملبني‪ ،‬أو ماذا كان ذلك أهنا األداة‬
‫‪ -‬واألداة الثانية عرشة ٌّ‬
‫وأي) من حيث املعنى تكون عىل حسب ما‬
‫الوحيدة املعربة‪ ،‬وبقية أسَمء الرشط مبنية‪ٌّ ،‬‬
‫‪130‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫تضاف إليه؛ إن أضيفت لعاقل لعاقل‪ ،‬وإن أضيفت لغري العاقل لغري عاقل‪ ،‬وإن أضيفت‬
‫(أي يو ٍم‬ ‫ٍ‬
‫كتاب تقرأ أقرأ)‪َّ ،‬‬ ‫(أي‬ ‫ٍ‬
‫طالب جيتهد ينجح)‪َّ ،‬‬ ‫(أي‬
‫لزمان للزمان‪ ،‬وهكذا‪ ،‬نحو ُّ‬
‫تصم أصم)‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫طيب‪ ،‬هنا فائدة نص عليها ابن هشام‪ :‬فذكر ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ :-‬أن أدوات الرشط اجلازمة‬
‫تطلب فعلني؛ يعني ال يتم معنى الرشط إال بفعلني‪:‬‬

‫‪ ‬األول يسمى فعل الرشط‪.‬‬


‫‪ ‬والثان يسمى جواب الرشط‪ ،‬أو جزاء الرشط‪.‬‬

‫إذن ال بد من فعلني‪.‬‬
‫وهذان الفعالن هلَم أربع صور ذكرها ابن مالك يف ألفيته يف ٍ‬
‫بيت لطيف فقال‪:‬‬

‫تفيهَم أو متخالفني"‬ ‫"وماضيني أو مضارعني‬

‫يعني كل الصور‪.‬‬

‫كرمه)‪﴿ ،‬وإِ ْن تعودوا نعدْ [األنفال‪.]19:‬‬


‫فالصورة األوىل‪ :‬كوهنَم مضارعني‪ ،‬نحو (من يأيت أ ِ‬

‫عمرو)‪ ،‬وقال تعاىل‪:‬‬


‫والصورة الثانية‪ :‬كوهنَم ماضيني‪ ،‬نحو‪( :‬من قام أقم معه)‪( ،‬إن قام زيدٌ قام ٌ‬
‫﴿وإِ ْن عدْ ت ْم عدْ نا [اإلرساء‪.]8:‬‬

‫مضارعا‪ ،‬هذا من التخالف نحو‬ ‫ا‬ ‫والصورة الثالثة‪ :‬كون فعل الرشط ماض ايا‪ ،‬وجواب الرشط‬
‫اآلخر ِة ن ِز ْد له‬
‫(من قام أقم معه)‪﴿ ،‬من كان [الشورى‪ ]20:‬فعل مايض ﴿من كان ي ِريد حرث ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِيف ح ْرثِ ِه [الشورى‪.]20:‬‬

‫هذه الصور الثالثة كثرية‪.‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪131‬‬

‫مضارعا‪ ،‬وجواب الرشط ماض ايا‪ ،‬وهذا من التخالف‪ ،‬كأن‬


‫ا‬ ‫الصورة الرابعة‪ :‬كون فعل الرشط‬
‫خصها بالرضورة‪ ،‬لكن الصحيح‬
‫تقول‪( :‬من يقم أقم معه) هذه الصورة قليلة حتى إن بعضهم َّ‬
‫أهنا جائزة يف املثل‪ ،‬لكنها قليلة‪ ،‬ومن ذلك الرواية املشهورة يف احلديث «من يقم ل ْيلة الق ِ‬
‫در إيَمناا‬
‫واحتِسا ابا غ ِفر له» قال‪« :‬يقم» ثم قال‪« :‬غ ِفر»‪ ،‬ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬
‫ْ‬

‫وعَم يسمعوا من صالحٍ دفنوا"‬


‫َّ‬ ‫"إن يسمعوا سب اة طاروا هبا ف ا‬
‫رحا عني‬

‫قال‪( :‬إن يسمعوا) مضارع‪( ،‬طاروا) مايض‪ ،‬وهكذا‪.‬‬


‫ثم ذكر ابن هشام حكَم خاصا بجواب الرشط فقال‪" :‬وإذا مل يصلح ملباَشة األداة ق ِرن بِا ْلف ِ‬
‫اء‬ ‫ً‬ ‫ا‬
‫يش ٍء ق ِد ٌير [األنعام‪ ،]17:‬أو بإذا الفجائية ن ْحو ﴿وإِ ْن‬ ‫ٍ‬
‫ن ْحو ﴿وإِ ْن ي ْمس ْسك بِخ ْري فهو عىل ك يل ْ‬
‫ت أ ْي ِدهيِ ْم إِذا ه ْم ي ْقنطون [الروم‪"]36:‬‬‫ت ِص ْبه ْم س ييئ ٌة بَِم قدَّ م ْ‬

‫يتكلم هنا عىل اقرتان جواب الرشط بالفاء‪ ،‬وبإذ الفجائية‪.‬‬

‫يف قاعدة واحدة حتكم هذه املسألة ذكرها ابن هشام وهي‪ :‬أن جواب الرشط إذا مل يصلح أن‬
‫يكن فعل َشط‪ ،‬فيجب اقرتانه بالفاء‪ ،‬وهذا قوله‪" :‬إذا مل يصلح ملباَشة األداة" يعني فعل‬
‫الرشط إذا مل يمكن أن جتعله فعل َشط بعد األداة مباَشة‪ ،‬فيجب أن يقرتن بالفاء‪.‬‬

‫ويرتتب عىل ذلك إذا طبقنا هذه القاعدة‪ :‬أن جواب الرشط جيب أن يقرتن بالفاء يف ستة مواضع‬
‫مشهورة مجعه الناظم يف بيته املشهور‬

‫وبَم ولن وبقد وبالتنفيس"‬ ‫"اسمية طلبية وبجامد‬

‫‪ -‬املوضع األول‪ :‬إذا كان جواب الرشط مجل اة اسمية نحو‪( :‬إن تأيت فأنا أكرمك) ﴿وإِ ْن‬
‫يش ٍء ق ِد ٌير [األنعام‪.]17:‬‬ ‫ٍ‬
‫ي ْمس ْسك بِخ ْري فهو عىل ك يل ْ‬
‫‪132‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ -‬املوضع الثان‪ :‬إذا كان جواب الرشط مجل اة طلبية‪ ،‬وسبق املراد بالطلب ثَمنية أشياء نحو‬
‫ون [آل عمران‪.]31:‬‬ ‫(إن جاء زيدٌ فأكرمه) أمر‪﴿ ،‬إِ ْن كنْتم ِ‬
‫حت ُّبون اَّللَّ فا َّتبِع ِ‬ ‫ْ‬
‫فعال مقرتناا ب(قد) نحو ﴿إِ ْن ي ْ ِ‬
‫رس ْق فقدْ رسق‬ ‫‪ -‬املوضع الثالث‪ :‬إذا كان جواب الرشط ا‬

‫أخٌ له ِم ْن ق ْبل [يوسف‪ ،]77:‬ما تقل‪( :‬إن يرسق رسق أخٌ له من قبل) أو (إن يرسق قد‬

‫رسق أخٌ له من قبل) ال بد من الفاء‪.‬‬

‫فعال جامدا ا؛ مثل (ليس‪ ،‬وعسى‪ ،‬ونعم‪ ،‬وبئس)‬ ‫‪ -‬املوضع الرابع‪ :‬إذا كان جواب الرشط ا‬
‫بخيال) ﴿إِ ْن تر ِن أنا أق َّل ِمنْك م ااال وولدا ا * فعسى‬
‫ا‬ ‫(إن جاء زيدٌ فليس‬
‫ر يِب)[الكهف‪.]39:‬‬
‫‪ -‬املوضع اخلامس‪ :‬إذا كان فعل الرشط جوا ابا مقرتناا بحرف تنفيس إما (السني) وإما‬

‫(سوف)‪( ،‬إن جاء زيد‪ ،‬فسوف أكرمه)‪( ،‬إن جاء زيد فسأكرمه)‪﴿ ،‬وإِ ْن تع ْ‬
‫ارست ْم‬
‫رت ِضع له أ ْخرى [الطالق‪.]6:‬‬ ‫فس ْ‬
‫‪ -‬واملوضع السادس‪ :‬إذا كان جواب الرشط ا‬
‫فعال منف ًيا‪ ،‬منف ًيا ب(لن) أو ب(ما) كقولك‪:‬‬
‫أكرمه) ﴿وما ي ْفعلوا ِم ْن خ ْ ٍري فل ْن يكْفروه [آل عمران‪﴿ ،]115:‬فإِ ْن‬
‫(إن جاء زيدٌ فلن ِ‬

‫تو َّل ْيت ْم فَم سأ ْلتك ْم ِم ْن أ ْج ٍر [يونس‪.]72:‬‬

‫وقد يقرتن جواب الرشط بإذ الفجائية‪ ،‬األكثر يف اللغة أن يقرتن بالفاء‪ ،‬لكن جيوز أن يقرتن‬
‫ت أ ْي ِدهيِ ْم إِذا ه ْم ي ْقنطون [الروم‪،]36:‬‬
‫بإذ الفجائية‪ ،‬كقوله تعاىل‪﴿ :‬وإِ ْن ت ِص ْبه ْم س ييئ ٌة بَِم قدَّ م ْ‬
‫ولو قال‪( :‬فهم يقنطون) جلاز يف اللغة‪ ،‬وقال‪﴿ :‬إِذا دعاك ْم د ْعو اة ِمن األ ْر ِ‬
‫ض إِذا أنْت ْم‬
‫ْخترجون [الروم‪ ،]25:‬تقول‪( :‬إن تنجح إذا أنا أفرح)؛ يعني (فأنا أفرح)‪.‬‬
‫قليال‪ ،‬فيجوز أن تقول‪( :‬إن ِ‬
‫تأت‬ ‫وجيوز أن جتمع هنا بني الفاء وإذ الفجائية‪ ،‬وإن كان هذا ا‬
‫فإذا أنا أ ِ‬
‫كرمك)‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪133‬‬

‫ب‬‫ت ي ْأجوج وم ْأجوج وه ْم ِم ْن ك يل حد ٍ‬ ‫قالوا‪ :‬ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬حتَّى إِذا فتِح ْ‬
‫اخص ٌة أ ْبصار ا َّل ِذين كفروا [األنبياء‪]97:‬‬‫نسلون [األنبياء‪ ]96:‬حتى قال‪﴿ :‬فإِذا ِهي ش ِ‬ ‫ي ِ‬

‫قالوا‪ :‬املعنى إذا فتِحت يأجوج ومأجوج شخصت ﴿أ ْبصار ا َّل ِذين كفروا [األنبياء‪ ،]97:‬إذا‬
‫فتحت يأجوج ومأجوج شخصت‪ ،‬لكن لو أتى هبا يف املايض ما حتتاج إىل اقرتان بالفاء وإذا‪،‬‬
‫اخص ٌة [األنبياء‪ ]97:‬فاقرتنت ب(إذا) واقرتنت‬ ‫﴿هي ش ِ‬
‫لكن أتى هبا هنا بجملة اسمية ِ‬

‫ب(الفاء)‪﴿ ،‬فإِذا ِهي [األنبياء‪.]97:‬‬

‫طيب‪ ،‬ففي هذه املواضع جيب أن يقرتن جواب الرشط بَمذا؟‬

‫بالفاء‪.‬‬

‫طيب‪ ،‬يف غري هذه املواضع ما حكم جواب الرشط؟‬

‫جيوز أن يقرتن بالرشط وهذا قليل‪ ،‬لكنه جائز ووارد‪ ،‬وجيوز أال يقرتن وهو األكثر‪ ،‬جيوز أن‬
‫أكرمه)‪ ،‬وجيوز االقرتان بقلة نحو (من ايقم فأقوم معه) ﴿فم ْن ي ْؤ ِم ْن بِر يب ِه فال‬
‫تقول‪( :‬من يقم ِ‬

‫َّلل ِمنْه [املائدة‪﴿ ،]95:‬إِ ْن كان‬ ‫خياف بخْ اسا وال ره اقا [اجلن‪﴿ ،]13:‬وم ْن عاد فينت ِقم ا َّ‬
‫ت‬‫الس ييئ ِة فك َّب ْ‬ ‫ت [يوسف‪﴿ ،]26:‬وم ْن جاء بِ َّ‬ ‫ق ِميصه قدَّ ِم ْن قب ٍل فصدق ْ‬
‫وجوهه ْم [النمل‪ ...]90:‬إىل آخره‪.‬‬

‫طيب‪ ،‬هنا فائدة رسيعة مع أننا تأخرنا‪ ،‬لكن ال بد أن ننتهي من إعراب الفعل املضارع‪،‬‬
‫تقول‪ :‬يال أختم‪ ،‬سأختم‪.‬‬

‫طيب‪ ،‬ما حكم ما الزائدة مع أدوات الرشط؟‬

‫أدوات الرشط عرفناها‪.‬‬


‫‪134‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫طيب‪ ،‬قد تقرتن هبا ما الزائدة‪ ،‬ما الزائدة هذه تزاد يف مواضع كثرية‪ ،‬يمكن تقول‪( :‬إن جتتهد‬
‫تنجح) أو (إما جتتهد تنجح) تزيد‪( ،‬أينَم تسكن أسكن بجوارك)‪( ،‬أينَم تسكن أسكن بجوارك‪،‬‬
‫قد تزاد‬

‫فَم حكم زيادة مع أدوات الرشط؟‬

‫نقول‪ :‬هلا ثالثة أحكام‪:‬‬

‫‪ -‬فبعض أدوات الرشط ال تقرتن بَم أبدا ا‪ ،‬وهي (من‪ ،‬وما‪ ،‬ومهَم‪ ،‬وأنَّى)‪.‬‬
‫‪ -‬النوع الثان من هذه األدوات ما جيب اقرتانه ب(ما‪ ،‬وإال) فال تكون أداة َشط‪ ،‬وهي‬
‫(إذ) تقول‪( :‬إذ ما) وحيث تقول‪( :‬حيثَم)‪ ،‬و(كيف) تقول‪( :‬كيفَم)‪ ،‬إذا مل تقرتن ب(ما)‬
‫ال تكون أداة َشط‪.‬‬
‫‪ -‬والنوع الثالث‪ :‬ما جيوز اقرتانه‪ ،‬وعدم اقرتانه ب(ما) وهي البواقي وهي (إن) تقول‪( :‬إن‬
‫جتتهد تنجح)‪( ،‬وإما جتتهد تنجح)‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬وإِما ختافن ِمن قو ٍم ِخيان اة فا ْنبِ ْذ إِلي ِهم عىل سو ٍ‬
‫اء [األنفال‪]58:‬؛‬ ‫ْ ْ‬ ‫َّ ْ ْ‬ ‫َّ‬
‫يعني (إن ختف انبذ) لكن زاد (ما) فقال‪﴿ :‬وإِ َّما ختاف َّن [األنفال‪ ،]58:‬وكذلك (متى) تقول‪:‬‬
‫(متى تأيت ِ‬
‫أكرمك) أو (متى ما تأيت أكرمك)‪ ،‬و(أين) (أين تسكن أسكن) و(أينَم تسكن‬
‫ٍ‬
‫رجل يأيت‬ ‫(أي‬
‫و(أي) تقول‪ُّ :‬‬
‫ٌّ‬ ‫أسكن)‪ ،‬و(أ َّيان) (أ َّيان تسكن أسكن) و(أيانَم تسكن أسكن)‪،‬‬
‫جل يأيت ِ‬
‫أكرمه)‪.‬‬ ‫أ ِ‬
‫كرمه) و(أ ُّيَم ر ٍ‬

‫واَّلل أعلم‪ ،‬وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله وأصحابه أمجعني‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪135‬‬

‫الدرس الرابع‬

‫بسم اَّلل الرمحن الرحيم‬

‫احلمد َّلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله وأصحابه أمجعني‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫فسالم اَّلل عليكم ورمحته وبركاته‪ ،‬وحياكم اَّلل يف هذا الدرس الرابع من دروس َشح قطر‬
‫الندى وبل الصدى البن هشام –عليه رمحة اَّلل‪ ،-‬نحن يف ليلة األربعاء اخلامس من مجادى‬
‫اآلخرة من سنة ‪1439‬هـ يف جامع منرية الشبييل بحي الفالح يف مدينة الرياض‪.‬‬

‫وجزما‪.‬‬
‫ا‬ ‫يف الدرس املايض كنا قد تكلمنا عىل إعراب الفعل املضارع رف اعا ونص ابا‬
‫ٍ‬
‫نكرة ومعرفة‬ ‫يف هذا الدرس بإذن اَّلل تعاىل سنتكلم عىل النكرة واملعرفة وانقسام االسم إىل‬
‫تب اعا البن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل تعاىل‪ -‬يف ترتيب الكتاب‪.‬‬

‫ٍ‬
‫وفعل وحرف‪ ،‬وهذا احلكم األول للكلمة‪ ،‬تكلم‬ ‫فبعد أن انتهى من تقسيم الكلمة إىل اس ِ ٍم‬
‫ٍ‬
‫معرب‪ ،‬ومبني‪ ،‬وذكر أحكام البناء واإلعراب‪ ،‬وأنواع اإلعراب‪ ،‬وعالمة‬ ‫عىل انقسام الكلمة إىل‬
‫اإلعراب‪ ،‬انتقل اآلن إىل احلكم الثالث‪ ،‬وهو األخري ألحكام الكلمة‪ ،‬األحكام اإلفرادية‬
‫للكلمة؛ أي التي تلزم الكلمة عىل كل حال سواء أكانت وحدها أو كانت يف مجلة‪ ،‬وهذا احلكم‬
‫ٍ‬
‫نكرة ومعرفة‪.‬‬ ‫هو انقسام االسم إىل‬

‫وقال ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل تعاىل‪:-‬‬

‫رضبان نكرة وهو ما شاع ِيف جنس م ْوجود ك(رجل) أو مقدن ر‬ ‫ٌ ِ‬


‫(فصل) اال ْسم ْ‬ ‫"‬
‫ك(شمس)‪ ،‬وم ْع ِرفة و ِهي ِستَّة"‬
‫‪136‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫فقال يف أول كالمه‪" :‬االسم رضبان" يعني بذلك ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬أن التنكري والتعريف‬
‫وصفان خاصان باالسم‪ ،‬فهو الذي يوصف بأنه نكرة أو معرفة‪ ،‬فكل األسَمء ال بد أن تكون إما‬
‫نكرات‪ ،‬وإما معارف‪ ،‬وأما غري األسَمء األفعال واحلروف فهذه ال توصف بأهنا نكرة‪ ،‬وال بأهنا‬
‫معرفة‪.‬‬

‫واألصل النكرة‪ :‬فهي أصل املعرفة؛ ولذا قدمه ابن هشام؛ ولذا نجد كل معرفة هلا نكرة‪ ،‬إما‬
‫و(رجل)‪ ،‬و(أ ِح ٍد) و(جبل)‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫و(رجل)‪ ،‬و(ُممد)‬ ‫ِ‬
‫ك(الرجل)‬ ‫من لفظها‪ ،‬وإما من معناها‪،‬‬
‫ٍ‬
‫نكرة علم‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬لكن النكرات ليس لكل‬

‫أيضا يف األصل ال توصف بأهنا نكرة وال معرفة‪،‬‬


‫ومما ينبه إليه هنا‪ :‬أن اجلمل وأشباه اجلمل ا‬
‫إال أن العرب يعاملون اجلمل وأشباه اجلمل معاملة النكرات‪.‬‬

‫فلهذا قال النحويون‪ :‬اجلمل وأشباه اجلمل يف حكم النكرة‪ ،‬ال يقولون‪ :‬نكرة‪ ،‬وإنَم يقولون‪:‬‬
‫يف حكم النكرة؛ يعني أن العرب تعاملها معاملة النكرة‪ ،‬توقعها موقع النكرة‪ ،‬فتقع نعتاا للنكرة‪،‬‬
‫وتقع ا‬
‫حاال من املعرفة كالنكرات‪.‬‬

‫ضاحك)‪ ،‬تقول‪( :‬جاء ٌ‬


‫رجل يضحك) و(يضحك) مجلة فعلية‬ ‫ٌ‬ ‫فكَم تقول‪( :‬جاء ٌ‬
‫رجل‬
‫مكونة من ٍ‬
‫فعل ظاهر‪ ،‬وفاعل مسترت‪ ،‬وقد وقعت هذه اجلملة موقع النكرة (ضاحكاا)‪ ،‬أو‬
‫تقول‪( :‬جاء ُممدٌ ضاحكاا) و(جاء ُممدٌ يضحك) وهكذا‪.‬‬

‫رجل عىل قدميه) فتقول‪( :‬عىل قدميه ا‬


‫رجال) نكرة‪،‬‬ ‫وهكذا شبه اجلملة‪ :‬فتقول‪( :‬جاء ٌ‬
‫وتقول‪( :‬جاء ُممدٌ عىل قدميه) فتكون (عىل قدميه) ا‬
‫حاال من (ُممد) فتكون كحكم النكرة‪.‬‬

‫‪ -‬والتفريق بني االسم النكرة واالسم املعرفة ب َّينه النحويون بأكثر من طريقة‪:‬‬

‫‪ ‬ففرقوا بني النكرة واملعرفة من طريق التعريف‪ ،‬عرفوا النكرة‪ ،‬وعرفوا املعرفة‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪137‬‬

‫أيضا من طريق الضابط‪ ،‬ذكروا ضاب اطا لفظ ًيا تستطيع به أن تفرق‬
‫‪ ‬وفرقوا بينهَم ا‬
‫بينهَم‪.‬‬
‫أيضا باحلرص والعد‪ ،‬وهذه أفضل طريقة وأدقها للتفريق‪.‬‬
‫‪ ‬وفرقوا بينهَم ا‬

‫قبوال‪ ،‬وهذا مما د ِرس من قبل‪ ،‬فاالسم‬


‫فالتفريق بني النكرة واملعرفة من حيث الضابط‪ :‬هو ا‬
‫ٌ‬
‫(رجل نكرة)؛ ألنه يقبل‪ ،‬يعني‬ ‫الذي يقبل النكرة‪ ،‬واالسم الذي ال يقبل املعرفة؛ فلهذا تقول‪:‬‬
‫يمكن أن تدخل عليه أن‪ ،‬وكذلك (كتاب)‪ ،‬وكذلك (جالس) نكرة يمكن أن تدخل عليه (ال)‬
‫َّ‬
‫و(جالس) هذه نكرات؛ ألهنا تقبل يعني يمكن أن تدخل عليها (ال)‪.‬‬ ‫و(جلوس) و(جملس)‪،‬‬

‫أما (نحن) فال تقبل (ال)‪ ،‬فال تقل‪( :‬النحن) وكذلك (هذا) ال تقبل (ال) فهذه معارف‪،‬‬
‫وكذلك (الذي) االسم املوصول (جاء الذي حيبه) ما تقول‪( :‬االلذي) فتدخل (ال) عىل الذي‪،‬‬
‫وكذلك (ُممد) العلم‪ ،‬تقول‪( :‬جاء ُممدٌ ) ما تقول‪( :‬جاء املحمد)‪ ،‬وكذلك (الكتاب‪ ،‬القلم‪،‬‬
‫الباب) فقولك‪( :‬القلم) ال يمكن أن تدخل عليها (ال) فتقول‪( :‬ال القلم)‪ ،‬إذن فالقلم معرفة؛‬
‫ألهنا ال تقبل (ال) بخالف قلم‪ ،‬فهذه نكرة؛ ألهنا يمكن أن تدخل عليها (ال)‪.‬‬

‫وبعض النحويني جيعلون الضابط والنكرة واملعرفة قبول (ر َّب) والنتيجة واحدة؛ ألن‬
‫خمتص بجر النكرات‪ ،‬فتكون النتيجة واحدة‪ ،‬فلهذا يف (رجل) نقول‪ :‬نكرة؛‬
‫(ر َّب) حرف جر ٌّ‬
‫ٍ‬
‫جالس)‪ ،‬لكن ال تقول‪( :‬ر َّب نحن) أو (ر َّب‬ ‫ٍ‬
‫كتاب)‪ ،‬و(ر َّب‬ ‫و(رب‬
‫َّ‬ ‫ألنك تقول‪( :‬ر َّب ر ٍ‬
‫جل)‬
‫ِ‬
‫الكتاب) وهكذا‪.‬‬ ‫هذا)‪ ،‬أو (ر َّب‬

‫وابن هشام كَم سمعنا مل يذكر الضابط الذي يفرق به بني النكرة واملعرفة‪ ،‬وكأنه اكتفى‬
‫بالطريقني اآلخرين التعريف واحلرص عن ذكر الضابط‪.‬‬

‫أما الفرق بينهَم من حيث التعريف‪:‬‬


‫‪138‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫فاالسم املعرفة هو االسم الذي يدل عىل معني‪ ،‬وأما االسم النكرة فهو االسم الذي ال يدل‬
‫ٍ‬
‫يشء معني‪ ،‬بل‬ ‫ُمدد معروف‪ ،‬واالسم النكرة ال يدل عىل‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫معني‬ ‫عىل معني‪ ،‬فالنكرة يدل عىل‬
‫ٍ‬
‫معني‬ ‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫يشيع يف اجلنس‪ ،‬بحيث يمكن أن تطلقه عىل أي فرد من أفراد جنسه‪ ،‬وال يدل عىل‬
‫من هذا اجلنس‪.‬‬

‫جبل معني‪ ،‬بل كل ٍ‬


‫جبل يف أي مكان وعىل‬ ‫مثال‪ :‬اسم (جبل) نجد أنه ال يدل عىل ٍ‬
‫فإذا قلنا ا‬
‫شائع يف جنس اجلبال‪ ،‬كل‬
‫ٌ‬ ‫أية حالة يطلق عليه هذا االسم‪ ،‬إذن فاسم (جبل) نقول‪ :‬نكرة؛ ألنه‬
‫فرد من أفراد هذا اجلنس يسمى ا‬
‫جبال‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫ٍ‬
‫واحد معني‪ ،‬يدل عىل‬ ‫بخالف ما لو قلت ا‬
‫مثال‪( :‬أحد) فنقول‪ :‬هذا معرفة؛ ألنه يدل عىل‬
‫معني‪ ،‬وال يشيع هذا االسم (أحد) يف جنسه‪ ،‬ما ليس له جنس فيه أفراد متعددون وكل واحد‬
‫منهم يسمى أحد يدل عىل معني‪.‬‬

‫وكذلك ا‬
‫مثال‪ :‬لو كان هناك جبل معروف يف املنطقة ونذهب كل أسبوع جلواره‪ ،‬ونجتمع‬
‫ونثمر‪ ،‬ثم نعود‪ ،‬فهذا اجلبل معروف عندنا‪.‬‬

‫فأقول لكم‪ :‬سوف نجتمع هذا األسبوع عند هذا اجلبل إن شاء اَّلل‪ ،‬إذن فكلمة (اجلبل) هنا‬
‫ٍ‬
‫يشء معني يف أذهاننا‪ ،‬أو أن أي فرد من أفراد هذا اجلنس بالنسبة للجبال يدخل يف‬ ‫دلت عىل‬
‫قول (اجلبل) يف العبارة السابقة؟‬

‫ال شك أن كحلمة (اجلبل) يف العبارة السابقة دلت عىل معني يف أذهاننا‪ ،‬وسنعرف كيف أن‬
‫ٍ‬
‫معني‬ ‫املعرف ب(ال) يتعني‪ ،‬فاملعرفة تدل عىل معني ُمدد معروف‪ ،‬والنكرة ال تدل عىل‬
‫معروف‪ ،‬بل هو اسم شائع يف اجلنس‪ ،‬بحيث يمكن أن يطلق عىل كل ٍ‬
‫فرد من أفراد هذا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫اجلنس‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪139‬‬

‫وأيضا هي‬
‫ا‬ ‫بني التنكري‪ ،‬وبني التعريف منطق ٌة وسطى ال تصل إىل حد التعريف التحديد‪،‬‬
‫أضيق من التنكري الواسع الذي يشمل مجيع أفراد اجلنس‪ ،‬هذه املنطقة التي يف الوسط يسميها‬
‫النحويون التخصيص‪ ،‬وذلك أن ختصص النكرة بمخصص‪ ،‬أن تقيدها بقيد‪ ،‬كأن تقيدها‬
‫بنكرة‪ ،‬أو تقيدها بإضافة‪.‬‬

‫فإذا قلت ا‬
‫مثال‪( :‬قلم) نقول‪ :‬هذه نكرة شائعة تشمل مجيع‪ ،‬أو تشيع يف مجيع أفراد جنس‬
‫األقالم‪ ،‬لكن إذا قلت‪( :‬قلم أستاذ) فقد ضاق التنكري‪ ،‬خرجت األقالم األخرى‪ ،‬إذا قلت‪:‬‬
‫(القلم األمحر) خرجت األقالم األخرى وضاق التنكري‪.‬‬

‫التنكري مل ينعدم ويذهب‪ ،‬لكنه ضاق؛ فلهذا يقولون‪ :‬التخصيص‪ :‬هو تضييق التنكري‪.‬‬

‫إزالة التنكري إنَم تكون بَمذا؟‬

‫تضييق للتنكري‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫تكون بالتعريف‪ ،‬لكن التخصيص‬

‫ٍ‬
‫جنس موجود ك(رجل) أو مقدَّ ر‬ ‫عرف النكرة‪ ،‬فقال‪" :‬ما شاع يف‬
‫طيب‪ ،‬وابن هشام َّ‬
‫ك(شمس)"‬

‫كون اجلنس موجو ادا هذا هو األصل وهو األكثر (قلم) يشيع يف جنس األقالم‪( ،‬جبل)‬
‫يشيع يف جنس اجلبال‪( ،‬رجل)‪( ،‬باب)‪ ،‬وهكذا‪ ،‬األصل يف األجناس أهنا موجودة‪.‬‬

‫مقدرا فهذه فئة نادرة‪ ،‬ومثل ابن هشام كَم سمعتم ب(شمس) يعني اجلنس‬
‫ا‬ ‫أما كون اجلنس‬
‫الذي ليس له يف الواقع إال فر ٌد واحد هو يف األصل جنس‪ ،‬وكان يف األصل يمكن أن حيتوي‬
‫ٍ‬
‫أفراد كثريين؛ ألنه جنس‪.‬‬ ‫عىل‬
‫‪140‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫لكن يف الواقع مل يوجد منه إال فرد واحد كهذه (الشمس) التي نراها‪ ،‬وعلم الفلك احلديث‬
‫شموس كثرية‪ ،‬ويذكرون أهنا تصل إىل املاليني‪ ،‬فسبحان‬
‫ٌ‬ ‫كَم تعرفون يقول‪ :‬اآلن يف الكون‬
‫اخلالق العظيم‪.‬‬

‫أيضا بحرص‬
‫واكتفاء ا‬
‫ا‬ ‫اكتفاء بتعريف النكرة‪،‬‬
‫ا‬ ‫فلَم عرف ابن هشام النكرة مل يعرف املعرفة‬
‫املعرفة؛ ألنه حرصها بعد ذلك‪.‬‬

‫فقال‪" :‬ومعرف ٌة وهي ستة"‬

‫فبذلك نكون قد ميزنا بني النكرة واملعرفة بطريقني‪:‬‬

‫بطريق الضبط‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫والتعريف‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫يبقى التمييز بينهَم باحلرص والعد‪ ،‬وهذه أفضل الطرائق لتحديد اليشء ومعرفة ما يدخل‬
‫فيه‪ ،‬وما ال يدخل فيه‪ ،‬أن تعده عدً ا‪.‬‬

‫وقد حرصها ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬فقال‪:‬‬

‫الض ِمري‪ ،‬ثم العلم‪ ،‬ثم اإلشارة‪ ،‬ثم املوصول‪ ،‬ثم ذو األداة‪ ،‬واملضاف‬
‫"ومعرف ٌة وهي ستة‪َّ :‬‬
‫واحد مما ذكِر وهو بحسب ما يضاف إليه إال املضاف إىل الضمري ففي العلم"‬ ‫ٍ‬ ‫إىل‬

‫جتاوزنا بعض كالمه؛ لكي نجمع أنواع املعرفة م اعا‪ ،‬فذكر كَم رأيتم ستة أنواع من املعارف‪.‬‬

‫‪ ‬ويف كالم ابن هشام الذي قرأناه مسألتان‪:‬‬

‫‪ -‬املسألة األوىل‪ :‬هناك معرف ٌة سابعة باتفاق النحويني مل يذكرها ابن هشام هنا وهي املعرف‬
‫بالنداء‪ ،‬وهو ما يسمى يف باب النداء النكرة املقصودة‪ ،‬كقولك‪( :‬يا رجل) تعني معيناا‪ ،‬أو (يا‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪141‬‬

‫طالب دع القلم) تعني معيناا‪ ،‬فهذه معرفة باتفاق ذكرها النحويون كسيبويه وغريه‪ ،‬بل ذكرها‬
‫ابن هشام نفسه يف أوضح املسالك‪ ،‬وكأنه تركها هنا ألن الكتاب ملتوسطني‪.‬‬

‫‪ -‬واملسألة األخرى يف كالم ابن هشام‪ :‬مسألة يعنونون هلا بأعرف املعارف‪ ،‬فهذه املعارف‬
‫كلها معارف تدل عىل معني‪ ،‬لكنها تتفاوت يف قوة التعريف‪.‬‬

‫فَم أعرفها؛ أي أقواها يف التحديد والتعيني؟‬

‫يعرب بحرف العطف (ثم) الدال عىل الرتتيب‪ ،‬فأعرفها‬


‫رتبها ابن هشام؛ فلهذا كَم سمعتم ي‬
‫املعرف ب(ال)‪ ،‬ثم املعرف‬
‫الضمري‪ ،‬ثم العلم‪ ،‬ثم اسم اإلشارة‪ ،‬ثم األسَمء املوصولة‪ ،‬ثم َّ‬
‫ب(النداء)‪ ،‬فهذه عىل هذا الرتتيب‪.‬‬

‫واملعرفة األخرية وهي املعرف ب(اإلضافة) ذكر ابن هشام أهنا بمنزلة ما تضاف إليه‪ ،‬فإذا‬
‫ُممد) صارت بمنزلة العلم؛ ألنك أضفتها إىل علم‪،‬‬‫ٍ‬ ‫قلت‪( :‬قلم) فهذه نكرة‪ ،‬فإذا قلت‪( :‬قلم‬
‫وإذا قلت‪( :‬قلم هذا) صارت بمنزلة اسم اإلشارة‪ ،‬أو (قلم الطالب)‪ ،‬أو (قلم الذي بجانبك)‪،‬‬
‫إال املضاف إىل الضمري‪ ،‬أعرف املعارف فإنه ينزل درج اة عن الضمري‪ ،‬فيكون بمنزلة العلم‪.‬‬

‫وهذا الرتتيب الذي ذكره ابن هشام هو الذي عليه مجهور النحويني‪ ،‬ويف بعضه خالف بني‬
‫كثريا‪ ،‬لكن هذا الذي رجحه كثري من النحويني املحققني‪ ،‬ومنهم ابن مالك‬
‫النحويني ال يعنينا ا‬
‫الذي قال يف الكافية الشافية التي هي أصل األلفية قال‪:‬‬
‫ٍ‬
‫إشــارة وموصــول مــتم‬ ‫واســم‬ ‫ــمر أعرفهـــا ثـــم العلـــم‬
‫فمضـ ٌ‬

‫وذو إضـــــافة هبـــــا تبينـــــا‬ ‫وذو أداة أو منــــــادى عينــــــا‬


‫‪142‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫اسَم نكرة‪،‬‬ ‫ٍ‬


‫فهذه أنواع املعرفة الستة‪ ،‬وباألدق السبعة‪ ،‬وما سواها من األسَمء حينئذ يكون ا‬
‫ٍ‬
‫حينئذ تضبط بوضوح‪،‬‬ ‫وال شك أن احلرص والعد هو أقوى املحددات واملعرفات؛ ألنك‬
‫بوضوحٍ تام‪ ،‬فتعرف ما يدخل وما ال يدخل‪ ،‬فهذه السبعة معارف‪ ،‬وما سواها نكرات ولو مل‬
‫ينطبق عليها الضابط السابق‪ ،‬فالضوابط بعضها ضوابط قوية تكون يف قوة التعريف‪ ،‬وبعضها‬
‫أقل من ذلك‪.‬‬

‫ا‬
‫فمثال‪ :‬لو سألنا عن أسَمء االستفهام (من أبوك)‪( ،‬ما اسمك؟)‪( ،‬أين تسكن؟) أسَمء‬
‫ٍ‬
‫نكرات؛‬ ‫االستفهام أسَمء‪ ،‬ولكن هل هي معارف أم نكرات؟ عىل حسب هذا احلرص ستكون‬
‫ألهنا مل تذكر يف املعارف‪ ،‬مع أنك لو طبقت الضابط مل ينطبق‪ ،‬هي ما تقبل (ال) ومع ذلك‬
‫أيضا نكرات؛ ألهنا مل تذكر هنا‪ ،‬وكذلك‬
‫نكرات‪ ،‬وكذلك أسَمء الرشط (من جيتهد ينجح) ا‬
‫(ذو) بمعنى صاحب‪ ،‬لو قلت‪( :‬جاء ذو علمٍ) ف(ذو) ال تقبل (ال) ال تقول‪( :‬جاء ذو علمٍ)‬
‫ومع ذلك هي نكرة؛ ألهنا مل تذكر يف املعارف‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫ثم إن ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪َ -‬شح هذه املعارف واحد اة واحدة‪ ،‬فسنقرأ كالمه‪ ،‬ونرشحه‬
‫بإذن اَّلل تعاىل‪.‬‬

‫فقال ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬يف املعرفة األوىل‪:‬‬

‫دل عىل متكلم‪ ،‬أو خماطب‪ ،‬أو غائِب"‬


‫الضمري وهو ما ن‬
‫" َّ‬

‫"الضمري" ومجعه ضَمئر‪ ،‬ويقال‪ :‬مضمر‪ ،‬ومجعه مضمرات‪ ،‬الضَمئر إن شئتم أن نعرفها‬
‫عرفناها‪ ،‬وإن شئتم أن نكتفي بحرصها حرصناها‪ ،‬فنستطيع أن نتعرف عليها بالتعريف‪ ،‬وأن‬
‫َّ‬
‫نتعرف عليها باحلرص‪ ،‬وكثري من النحويني يكتفون باحلرص؛ ألنه ٍ‬
‫كاف يف حرص أفراد هذا‬ ‫ٌ‬
‫الباب‪ ،‬فال يتعبنا الطالب بالتعريف وَشح ُمرتزاته وما إىل ذلك‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪143‬‬

‫عرفها وحرصها؛ وهلذا سنقرأ التعريف‪ ،‬بل قرأنا التعريف‪،‬‬ ‫ِ‬


‫وابن هشام ‪-‬رمحه اَّلل‪َّ -‬‬
‫وسنرشحه‪.‬‬

‫فالتعريف كَم سمعنا‪ :‬أن الضمري كل اس ٍم دل عىل أن صاحبه هو املتكلم هبذا الكالم‪ ،‬أو هو‬
‫املخاطب هبذا الكالم‪ ،‬أو كان غائ ابا يف أثناء هذا الكالم‪ ،‬إذن دل عىل أن صاحبه متكلم‪ ،‬أو‬
‫خماطب‪ ،‬أو غائب‪ ،‬فقويل لكم‪( :‬أنا أحبكم) تعلمون أن أنا الذي قلت هذه العبارة‪ ،‬من أي‬
‫كلمة؟ من كلمة (أنا) إذن ف(أنا) ضمري؛ ألنه دل عىل متكلم‪.‬‬

‫ولو قلت ألحدكم‪( :‬أحبك) لعلمتم أن أخاطبه هبذه العبارة‪ ،‬علمتم ذلك من ال(الكاف)‬
‫مسافر) لعلمتم أنه غائب من قويل‪( :‬هو)‬
‫ٌ‬ ‫فالكاف ضمري؛ لداللته عىل خماطب‪ ،‬ولو قلت‪( :‬هو‬
‫وهكذا‪ .‬فاألسَمء الضَمئر ضَمئر‪.‬‬

‫طيب‪ ،‬واألسَمء غري الضَمئر ماذا يسميها النحويون؟‬

‫يسموهنا األسَمء الظاهرة‪ ،‬فالضمري يقابله يف النحو الظاهر‪ ،‬االسم الضمري أو املضمر‬
‫واالسم الظاهر‪ ،‬األسَمء الظاهرة ك(ُممد‪ ،‬وجالس‪ ،‬وهذا‪ ،‬والذي‪ ،‬ونحو ذلك)‪.‬‬

‫األسَمء الظاهرة‪ :‬ال تدل عىل أن صاحبها متكلم‪ ،‬أو غائب‪ ،‬أو خماطب؛ يعني ال تدل عىل‬
‫ٍ‬
‫يشء من هذه املعان ال تثبتها وال تنفيها‪ ،‬قد يكون صاحبها هو املتكلم‪ ،‬كأن أقول لكم ا‬
‫مثال‪:‬‬
‫(سليَمن حيبكم)‪ ،‬أو خماطب كأن أقول لزميلكم هذا ُممد‪( :‬أحب ُممدا ا)‪ ،‬أو أقول عن‬
‫زميلكم هذا ُممد‪ُ( :‬ممدٌ طالب جمتهدٌ )‪ ،‬ف(ُممد) مل تدل عىل أن املسمى هبا هو املخاطب أو‬
‫متكلَم هبذا الكالم‪ ،‬قد يكون هو املتكلم‪ ،‬وقد ال يكون‬
‫ا‬ ‫الغائب‪ ،‬أو أنه كان غائ ابا‪ ،‬أو خماط ابا‪ ،‬أو‬
‫املتكلم‪ ،‬وقد يكون هو املخاطب‪ ،‬وقد ال يكون خماط ابا‪ ،‬وقد يكون غائ ابا يف أثناء الكالم‪ ،‬وقد‬
‫ٍ‬
‫خطاب وال غيبة‪.‬‬ ‫حارضا‪ ،‬فال تدل عىل تكل ٍم وال‬
‫ا‬ ‫يكون‬
‫‪144‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫إذن فالضَمئر‪ :‬هي كل اس ٍم دل عىل أن صاحبه متكلم أو خماطب‪ ،‬أو غائب‪.‬‬

‫‪ -‬والضَمئر من حيث داللتها عىل هذه املعان الثالثة التكلم واخلطاب والغيبة عىل أربعة‬
‫أنواع‪:‬‬

‫‪ ‬النوع األول‪ :‬الضَمئر التي تدل عىل متكلم؛ أعني متكلم أو متكلمة؛ وهلذا‬
‫بعضهم يقول‪ :‬تكلم التي يشمل املتكلم واملتكلمة‪ ،‬مثل تاء املتكلم‪ ،‬وياء املتكلم‪ ،‬وياء‬
‫املتكلمني‪ ،‬ومثل‪ :‬أنا‪ ،‬ونحن‪ ،‬وإياي‪ ،‬وإيانا)‪.‬‬
‫‪ ‬والنوع الثان‪ :‬الضَمئر التي تدل عىل خماطب وخماطبة؛ يعني عىل خطاب مثل (ياء‬
‫املخاطبة‪ ،‬وكاف اخلطاب) ومثل‪( :‬إياك وفروعها)‪.‬‬
‫‪ ‬والنوع الثالث‪ :‬الضَمئر التي تدل عىل غائب وغائبة‪ ،‬مثل‪( :‬هاء الغائب‪ ،‬وإياه‬
‫وفروعها)‪.‬‬
‫ٍ‬
‫خماطب أو غائب‪.‬‬ ‫‪ ‬والنوع الرابع من الضَمئر ماذا سيكون؟ ما يدل عىل‬

‫هناك ضَمئر تستعمل مع املخاطب‪ ،‬وتستعمل مع الغائب وهي ثالثة‪:‬‬

‫‪ ‬ألف االثنني‪.‬‬
‫‪ ‬وواو اجلَمعة‪.‬‬
‫‪ ‬ونون النسوة‪.‬‬

‫فأنت يف (ألف االثنني) تقول‪( :‬أنتَم تذهبان فتخاطب وتقول‪( :‬مها يذهبان) غائب‪،‬‬
‫وكذلك ألف االثنني‪( :‬أنتم تذهبون‪ ،‬وهم يذهبون) وكذلك نون النسوة (أنتن تذهبن‪ ،‬وهن‬
‫يذهبن) فهذه الثالثة فقط تستعمل يف اخلطاب الغيبة‪ ،‬وما سواها يدل عىل معناى معني‪ ،‬إما تكلم‬
‫أو خطاب أو غيبة‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪145‬‬

‫فهذا ما يتعلق بالتعريف‪ ،‬أما يتعلق بحرص الضَمئر‪ ،‬فالضَمئر أسَمء ُمصورة‪ ،‬طب اعا نعلم‬
‫اسَم مشهورة‪.‬‬
‫مجي اعا أن الضَمئر أسَمء‪ ،‬فالضَمئر أسَمء ُمصورة وهي مخسة عرشة ا‬
‫اسَم تنقسم قسمني‪:‬‬
‫فلكي نعدها ونحرصها نقول‪ :‬إن الضَمئر اخلمسة عرشة ا‬
‫‪ ‬ألهنا إما منفصلة ال تتصل بَم قبلها‪.‬‬
‫‪ ‬وإما متصلة؛ أي تتصل بَم قبلها‪.‬‬

‫فنبدأ بالضَمئر املنفصلة التي ال تتصل بَم قبلها‪:‬‬

‫فالضَمئر املنفصلة ستة‪ ،‬وقد قسمتها العرب وليس النحويني إىل قسمني‪ ،‬فجعل الثالثة منها‬
‫للرفع‪ ،‬وثالث اة منها للنصب مفرقة عىل التكلم واخلطاب والغيبة‪ ،‬فالثالثة التي للرفع من الضَمئر‬
‫املنفصلة (أنا) للمتكلم‪ ،‬و(أنت) للمخاطب‪ ،‬و(هو) للغائب وفروعها‪ ،‬هذه للرفع؛ يعني‬
‫مبتدأ‪ ،‬خرب‪ ،‬فاعل‪ ،‬نائب فاعل‪ ،‬لكن ما تأيت يف النصب مفعول به ا‬
‫مثال‪ ،‬ما تأيت يف اجلر مضاف‬
‫إليه‪ ،‬أو مسبوقة بحرف جر‪ ،‬ما تأيت إال رف اعا هذه الثالثة؛ يعني أن (أنا‪ ،‬وأنت‪ ،‬وهو) كقولك‪:‬‬
‫(ُممدٌ ) هذا املرفوع بالضمة‪.‬‬

‫والثالثة التي للنصب من الضَمئر املنفصلة‪:‬‬

‫(إياي) للمتكلم‪ ،‬و(إياك) للمخاطب‪ ،‬و(إياه) للغائب وفروعها؛ يعني أهنا مثل (ُممدا ا)‬
‫ا‬
‫مبتدأ‪ ،‬وال‬ ‫بالنصب‪ ،‬تضعه مكان (ُممدا ا) للنصب؛ يعني تأيت مفعول به ا‬
‫مثال‪ ،‬لكن ما تأيت‬
‫خربا‪ ،‬وال ا‬
‫فاعال‪ ،‬وال مضا افا إليه‪ ،‬فهذه ستة الضَمئر املنفصلة‪( :‬أنا‪ ،‬وأنت‪ ،‬وهو‪ ،‬وفروعها‪،‬‬ ‫ا‬
‫وإياي‪ ،‬وإياك‪ ،‬إياه وفروعها)‪.‬‬

‫وابن مالك يقول يف األلفية‪:‬‬

‫"والتفريع ليس مشكلة"‬


‫‪146‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫التفريع سهل‪ ،‬والتفريع كَم نعرف يكون عىل املعان اللغوية الستة‪.‬‬

‫اللغة العربية من خصائصها‪ :‬أهنا تفرق اللفظ عىل املعان الستة للمفرد واملفردة‪ ،‬واملثنى‬
‫املذكر‪ ،‬واملثنى املؤنث‪ ،‬مجع املذكر‪ ،‬ومجع املؤنث‪ ،‬وهذه من خصائص اللغة العربية‪.‬‬

‫فالتثنية تكاد تكون من خصائص اللغة العربية‪ ،‬فال تكاد جتد لغ اة حي اة اليوم فيها تثنية‪ ،‬ما يف‬
‫إال مفرد‪ ،‬ثم ما سوى املفرد مثنى أو مجع يعامل معاملة اجلمع‪ ،‬أما التثنية فهو من خصائص‬
‫اللغة العربية اليوم‪.‬‬

‫وكذلك التفريق بني املذكر واملؤنث‪ ،‬أغلب اللغة اآلن ال تفرق بني املذكر واملؤنث يف‬
‫الكلَمت والصفات‪ ،‬وإن كانت تفرق بينهَم يف الضَمئر؛ يعني ما يقولون للرجل (قائم) وللمرأة‬
‫ِ‬
‫و(أنت قائم)‪( ،‬هو قائم) و(هي‬ ‫(قائمة)‪ ،‬بل يقول للرجل واملرأة‪( :‬قائم) بس‪( ،‬أنت قائم)‪،‬‬
‫قائم) يعني نفس الكلمة ثابتة‪ ،‬لكن يميزون املعامل بالضَمئر‪ ،‬بينَم اللغة العربية ال‪ ،‬نفس‬
‫الكلَمت‪ ،‬نفس الصفات تدل عىل هذه املعان الستة حتى لو حذفت الضمري‪ ،‬واستعملتها‬
‫وحدها صارت كافي اة بالداللة عىل املعنى الذي يريده العرِب‪.‬‬

‫ا‬
‫مشكال‪ ،‬ف(أنا) للمتكلم واملتكلمة‪ ،‬و(نحن)‬ ‫فنقول‪ :‬التفريع عىل هذه الضَمئر الستة ليس‬
‫للمثنى واجلمع‪ ،‬ف(أنا) هلا فرع واحد وهو (أنا) و(نحن)‪ ،‬وأما (أنت) للمفرد‪ ،‬فيقال للمفردة‬
‫ِ‬
‫(أنت) وللمثنى املذكر واملؤنث (أنتَم)‪ ،‬وجلمع الذكور (أنتم)‪ ،‬وجلمع اإلناث (أنتن) هلا مخسة‬
‫فروع‪ ،‬قبلها أربع فروع وهي اخلامسة‪.‬‬

‫و(هو) يقال يف تفريعها (هو‪ ،‬وهي‪ ،‬ومها‪ ،‬مها‪ ،‬وهم‪ ،‬وهن)‪.‬‬

‫وضَمئر النصب‪:‬‬
‫تقول يف (إياي)‪( :‬إيانا فقط)‪ ،‬وتقول يف (إياك)‪ِ :‬‬
‫إياك‪ ،‬وإياكَم‪ ،‬وإياكَم‪ ،‬وإياكم‪ ،‬وإياكن)‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪147‬‬

‫وتقول يف (إياهم)‪( :‬إ َّياه‪ ،‬وإياها‪ ،‬وإيامها‪ ،‬وإيامها‪ ،‬وإياهم‪ ،‬وإياهن) والتفريع ليس مشكل‪.‬‬

‫فاخلالصة‪ :‬أن الضَمئر املنفصلة ستة ثالث ٌة للرفع‪ ،‬وثالثة للنصب‪.‬‬

‫وأما الضَمئر املتصلة‪ :‬فكم يبقى بعد الستة لكي نصل إىل مخسة عرشة؟‬

‫أيضا وليس النحويني بحسب اإلعراب‪،‬‬


‫تسعة‪ ،‬الضَمئر املتصلة تسعة‪ ،‬وقسمتها العرب ا‬
‫فجعلوا مخس اة منها للرفع‪ ،‬تستعمل ا‬
‫فاعال‪ ،‬ونائب فاعل‪ ،‬اسم كان‪ ،‬لكن ما تأيت نص ابا‪ ،‬وال تأيت‬
‫جرا‪ ،‬وهذه اخلمسة التي تأيت رف اعا من الضَمئر املتصلة نجمعها يف كلمة (توان) أو (تايون)‪،‬‬
‫ً‬
‫(توان) يعنى هبا تاء املتكلم‪.‬‬
‫ِ‬
‫ذهبت)‪.‬‬ ‫‪ -‬وتسمى تاء الفاعل‪ ،‬وتسمى تاء الضمري‪( ،‬ذهبتم‪ ،‬أو ذهبت‪ ،‬أو‬

‫‪ -‬والواو واو اجلَمعة مثل (ذهبوا) أو (يذهبون) أو (اذهبوا)‪.‬‬

‫‪ -‬واأللف ألف االثنني مثل‪( :‬ذهبا‪ ،‬أو يذهبان‪ ،‬أو يذهبا)‪.‬‬

‫‪ -‬والنون نون النسوة مثل‪( :‬ذهبن‪ ،‬ويذهبن‪ ،‬واذهبن)‪.‬‬

‫‪ -‬والياء ياء املخاطبة مثل‪( :‬اذهبي‪ ،‬وتذهبني)‪.‬‬

‫هذه الضَمئر اخلمسة هي ضَمئر (توان) يعني ضَمئر الرفع من الضَمئر املتصلة‪.‬‬

‫كم يبقى بعد اخلمسة؟‬

‫يبقى أربعة‪ ،‬فثالث ٌة منها جعلتها العرب للنصب واجلر‪ ،‬تأيت نص ابا مفعول به‪ ،‬وقد تأيت ً‬
‫جرا‬
‫وُممد) لكن ما تأيت مكان (ُممد) وهي‬‫ٍ‬ ‫مضاف إليه‪ ،‬لكن ما تأيت رف اعا‪ ،‬يعني مثل (ُممدا ا‪،‬‬
‫ثالثة ضَمئر جمموعة يف عبارة أو لفظة (هيك)‪( ،‬هيك) تشمل اهلاء والياء‪ ،‬والكاف‪ ،‬ف(اهلاء)‬
‫هاء الغيبة‪ ،‬أو هاء الغائب‪ ،‬فتقول يف النصب‪ُ( :‬ممدٌ أكرمه) مفعول به‪ ،‬وتقول يف اجلر‪( :‬كتابه)‬
‫‪148‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫مضاف إليه يف‬


‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مفعول به‪ ،‬أو (كتاِب)‬ ‫مضاف إليه‪ ،‬والياء ياء املتكلم تقول‪ُ( :‬ممدٌ أكرمني)‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫مفعول به‪،‬‬ ‫اجلر‪ ،‬والكاف كاف اخلطاب‪ ،‬أو املخاطب‪ ،‬فتقول يف النصب‪ُ( :‬ممدٌ أكرمك)‬
‫مضاف إليه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وتقول يف اجلر‪( :‬كتابك)‬

‫ضمري واحد وهو (ناء املتكلمني) وهذا يأيت رف اعا‪ ،‬ويأيت نص ابا‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫يبقى من الضَمئر املتصلة‬
‫جرا‪ ،‬فيأيت رف اعا كالفاعل مثل (ذهبنا) فاعل‪ ،‬ويأيت نص ابا كاملفعول به تقول‪ُ( :‬ممدٌ‬
‫ويأيت ً‬
‫جرا كاملضاف إليه تقول‪( :‬كتابنا)‪.‬‬
‫أكرمنا)‪ ،‬ويأيت ً‬

‫إذن فاخلالصة‪ :‬أن الضَمئر املنفصلة تسعة ضَمئر‪:‬‬

‫‪ ‬مخس ٌة للرفع وهي (توان)‪.‬‬


‫‪ ‬وثالث ٌة للنصب واجلر وهي (هيك)‪.‬‬
‫‪ ‬وواحدٌ للرفع والنصب واجلر‪.‬‬
‫‪ ‬وناء املتكلمني‪.‬‬

‫ضمريا‪.‬‬
‫ا‬ ‫فمجموع الضَمئر املتصلة واملنفصلة مخسة عرشة‬

‫بقي أن نعرف أن من ضَمئر (توان) يعني ضَمئر الرفع املتصلة ما يسمى الضمري املسترت‪:‬‬

‫الضمري املسترت يدخل يف ضَمئر (توان) نحو (اذهب) فالفاعل ضمري مسترت‪ ،‬وهو هنا فاعل‬
‫ٍ‬
‫(ُممد ذهب)؛ أي هو‪ ،‬أو (هندٌ‬ ‫رفع يدخل يف ضَمئر الرفع (توان)‪ ،‬أو (نذهب) يعني نحن‪ ،‬أو‬
‫ٌ‬
‫داخل يف ضَمئر (توان) إال أن العرب مل تضع له حرو افا تلفظ‬ ‫ذهبت)؛ أي هي‪ ،‬فالضمري املسترت‬
‫كَم سيأيت َشحه يف كالم ابن هشام‪.‬‬

‫اآلن نرشح كالم ابن هشام يف حرص الضَمئر‪.‬‬

‫إذ قال ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪149‬‬

‫"وهو إِ َّما مسترت كاملقدر وجوبا ِيف ن ْحو (أقوم ونقوم)‪ ،‬أو جوازاا ِيف ن ْحو (زيدٌ يقوم)‪ ،‬أو‬
‫بارزٌ وهو إِمام مت َِّص ٌل كتاء ق ْمت‪ ،‬وكاف أكرمك‪ ،‬وهاء غالمه‪ ،‬أو منْف ِصل ك (أنا وهو‬
‫وإياي)"‬

‫فجعل ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬الضَمئر نوعني‪:‬‬

‫‪ ‬مسترتة‪.‬‬
‫‪ ‬وبارزة‪.‬‬

‫ويعني بالضمري البارز الضمري الذي جعلت له العرب حرو افا ملفوظة‪ ،‬ك(أنا‪ ،‬وأنت‪ ،‬وتاء‬
‫املتكلم يف ذهبت‪ ،‬وواو اجلَمعة يف ذهبوا)‪.‬‬

‫ويعني بالضمري املسترت‪ :‬الضمري الذي مل تضع العرب له حرو افا ملفوظة‪ ،‬وإنَم يفهمه العرِب‬
‫فهَم‪،‬‬
‫حروف ملفوظة‪ ،‬وإنَم يفهمه العرب ا‬
‫ٌ‬ ‫فهَم من الكالم‪ ،‬نحو (اذهب) فالفاعل هنا ليس له‬
‫ا‬
‫وكذلك (ُممدٌ ذهب) ونحو ذلك‪.‬‬

‫فالضمري املسترت مل تضع العرب له حرو افا‪ ،‬ومن هذا تعرفون أن قول املعربني يف الضمري‬
‫املسترت وتقديره (كذا) يقول‪( :‬اذهب) الفاعل مسترت تقديره أنت‪ ،‬قوله‪ :‬تقديره أنت هذا جمرد‬
‫تقليب باملعنى‪ ،‬وإال فإن الضمري املتصل ليس له لفظ لكي ينطق‪ ،‬وإنَم يريدون لو كان له‬
‫حروف تلفظ لكان (أنت) لكن ليس له حروف تلفظ‪.‬‬

‫بعضهم يقول‪ :‬يعني قوهلم‪ :‬هذا تقليب‪ ،‬وبعضهم يقول‪ :‬تدريس؛ يعني جمرد فقط تقليب‬
‫املعلومة للطالب‪ ،‬وإال فإن الضمري املسترت ليس له حروف ملفوظة‪ ،‬فابن هشام جعل الضَمئر‬
‫قسمني‪ :‬مسترت وبارز‪.‬‬

‫قسم الضمري البارز إىل‪:‬‬


‫ثم َّ‬
‫‪150‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ ‬متصل‪.‬‬
‫‪ ‬منفصل‪.‬‬

‫ويعني باملتصل‪ :‬ما يتصل بَم قبله ك(ذهبت‪ ،‬وذهبوا‪ ،‬واذهبي)‪.‬‬

‫ويعني بالضمري املنفصل‪ :‬ما ال يتصل بَم قبله‪ ،‬بل يستقل بنفسه‪ ،‬مثل (أنا‪ ،‬وأنت‪ ،‬وهو‪،‬‬
‫وإياي‪ ،‬وإياك)‪.‬‬

‫نظرا‪ ،‬والنظر‪ :‬أنه عىل هذا التقسيم قد‬


‫فإذا تأملتم يف تقسيم ابن هشام‪ ،‬فاعلموا أن فيه ا‬
‫أخرج الضمري املسترت من الضَمئر املتصلة‪ ،‬جعل املسترت وحده والبارز وحده‪ ،‬ثم البارز جعله‬
‫ا‬
‫ومنفصال‪ ،‬معنى ذلك أن املسترت عنده ال يدخل يف الضمري املتصل‪ ،‬مع أن الضمري‬ ‫ا‬
‫متصال‬
‫املسترت عند النحويني من الضَمئر املتصلة‪ ،‬بل هو أشد الضَمئر املتصلة‪ ،‬ومن شدة اتصاله دخل‬
‫مسترتا؛ ألنه دخل يف الفعل واسترت به لشدة اتصاله‪.‬‬
‫ا‬ ‫يف الفعل واسترت فيه؛ فلهذا سمي‬

‫والتقسيم الصحيح للضَمئر ما قدمناه وهو‪ :‬أن الضَمئر إما متصلة‪ ،‬وإما منفصلة‪ ،‬ثم نقول‪:‬‬
‫املتصلة إما مسترتة‪ ،‬وإما بارزة‪ ،‬فهذا ما يتعلق بحصل الضَمئر وعدها وأنواعها‪.‬‬

‫‪ -‬وهنا مسألة أشار إليها ابن هشام يف كالمه السابق‪ ،‬وهو الكالم عىل الضمري املسترت وجو ابا‬
‫وجوازا ا‪ ،‬فيقولون‪ :‬إن الضمري املسترت نوعان‪:‬‬

‫مسترت وجو ابا‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫‪‬‬
‫ترت جوازا ا‪.‬‬
‫‪ ‬ومس ٌ‬
‫وهذه املسألة ال يفهمها بعض الطالب‪ ،‬فريبطون هذا احلكم بالضمري‪ ،‬واحلقيقة أن احلكم‬
‫ٌ‬
‫مرتبط بالفعل‪ ،‬بالعامل الذي يعمل يف الضمري؛ يعني بالرافع الذي يرفع الضمري‪ ،‬وهو يف‬ ‫هنا‬
‫األصل الفعل؛ فلهذا املتقدمون عندما يبينون املسألة يبينوهنا بصورة أوضح‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪151‬‬

‫فيقولون‪ :‬األفعال نوعان‪:‬‬

‫مسترتا‪ ،‬فيكون استتار الضمري فيه واج ابا‪ ،‬نحو‬


‫ا‬ ‫ضمريا‬
‫ا‬ ‫‪ ‬األول‪ :‬ما جيب كون فاعله‬
‫مسترتا‪ ،‬ال‬
‫ا‬ ‫ضمريا‬
‫ا‬ ‫أمر واحد (قم‪ ،‬اجلس‪ ،‬اسمع) الفاعل يف أمر الواحد ال يكون إال‬
‫يكون شيئاا آخر‪.‬‬

‫أيضا ال‬
‫ونحو املضارع املبدوء هبمزة املتكلم ك(أقوم) أي أنا‪ ،‬و(أسمع‪ ،‬وأذهب) فهذا ا‬
‫ضمريا‬
‫ا‬ ‫ظاهرا ك(ُممد)‪ ،‬أو‬
‫ا‬ ‫اسَم‬
‫مسترتا‪ ،‬ال يكون شيئاا آخر؛ يعني ال يكون ا‬
‫ا‬ ‫يكون فاعله إال‬
‫بارزا ا ك(واو اجلَمعة)‪.‬‬

‫وكاملضارع املبدوء بالنون‪ ،‬نون املتكلمني ك(نذهب)؛ أي نحن‪ ،‬و(نعبد) أي نحن‪ ،‬فهذه‬
‫مسترتا‪ ،‬هذا معنى كون االستتار واج ابا‪ ،‬يعني هذا الفعل‬
‫ا‬ ‫ضمريا‬
‫ا‬ ‫األفعال جيب أن يكون فاعلها‬
‫ضمريا بارزاا‪.‬‬
‫ا‬ ‫ظاهرا‪ ،‬وال‬
‫ا‬ ‫اسَم‬
‫مسترتا‪ ،‬ال يكون شيئاا آخر‪ ،‬ال ا‬
‫ا‬ ‫ضمريا‬
‫ا‬ ‫ال يكون فاعله إال‬

‫مسترتا‪،‬‬
‫ا‬ ‫ضمريا‬
‫ا‬ ‫‪ ‬والنوع الثان من األفعال‪ :‬هي األفعال التي جيوز أن يكون فاعلها‬
‫ضمريا بارزاا كالفعل‬
‫ا‬ ‫ظاهرا‪ ،‬أو‬
‫ا‬ ‫اسَم‬
‫وجيوز أن يكون فاعلها غري ذلك؛ يعني أن يكون ا‬
‫املايض تقول فيه‪( :‬ذهب ُممدٌ ) فالفاعل اسم ظاهر‪ ،‬أو (ذهبت‪ ،‬وذهبوا) فالفاعل‬
‫ضمري بارز‪ ،‬أو (ُممدٌ ذهب) فالفاعل ضمري مسترت‪ ،‬ففي قولك‪ُ( :‬ممدٌ ذهب) هنا‬
‫ضمري مسترت‪.‬‬

‫طيب نقول‪ :‬مسترت وجو ابا أو جوازاا؟‬

‫ضمريا جائز؛ ألن الفعل جيوز أن يكون‬


‫ا‬ ‫نقول‪ :‬مسترت جوازا ا؛ يعني أن وقوع الفاعل هنا‬
‫فاعله غري ذلك‪ ،‬وكذلك املضارع املبدوء بالياء ك(يذهب)‪ ،‬تقول‪( :‬يذهب ُممدٌ ) يف الظاهر‪،‬‬
‫و(يذهبون) يف الضمري البارز‪ ،‬و(ُممدٌ يذهب) يف الضمري املسترت‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫‪152‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫نوع ثالث لألفعال‪ :‬وهي األفعال التي جيب أن يكون فاعلها ضم اريا بارزا ا‬
‫‪ ‬وهناك ٌ‬
‫ضمريا‬
‫ا‬ ‫مسترتا‪ ،‬ال يكون فاعلها إال‬
‫ا‬ ‫ضمريا‬
‫ا‬ ‫ظاهرا‪ ،‬وال يكون‬
‫ا‬ ‫اسَم‬
‫ال يكون ا‬
‫بارزاا‪ ،‬وهي أفعال األمر لغري الواحد‪.‬‬

‫فعل األمر لواحدة (اذهبي) ال يكون إال ياء املخاطبة‪ ،‬أو أمر االثنني للمذكر واملؤنث (يا‬
‫ُممدان اذهبا) و(يا هندان اذهبا) ال يكون إال ألف االثنني‪ ،‬أو أمر مجع الذكور (اذهبوا) ال‬
‫يكون إال واو اجلَمعة‪ ،‬أو أمر مجع اإلناث (اذهبن) ال ال يكون إال نون النسوة‪.‬‬

‫فإذا أردنا حتقيق املسألة ال نقول‪ :‬الضمري مسترت وجو ابا وجوازاا‪ ،‬وإنَم نقول‪ :‬األفعال‪ ،‬منها‬
‫ضمريا بارزاا‪ ،‬ومنها ما جيوز أن يكون‬
‫ا‬ ‫مسترتا‪ ،‬ومنها ما جيب كون فاعله‬
‫ا‬ ‫ما جيب كون فاعلها‬
‫مسترتا‪.‬‬
‫ا‬ ‫ضمريا‬
‫ا‬ ‫ضمريا بارزا ا‪ ،‬أو‬
‫ا‬ ‫ظاهرا‪ ،‬أو‬
‫ا‬ ‫اسَم‬
‫فاعلها ا‬
‫ثم ذكر ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬مسألة من مسائل الضمري فقال‪:‬‬

‫"وال فصل مع إِ ْمكان ا ْلو ْصل إِ َّال ِيف ن ْحو ْاهلاء من (سلنيه) بمرجوحية‪ ،‬و(ظننتكه وكنته)‬
‫برجحان"‬
‫ٍ‬
‫بضمري متصل‪ ،‬فإنه ال‬ ‫هذه املسألة يسموهنا مسألة وصل الضمري وفصله‪ ،‬فإذا أمكن اإلتيان‬
‫ٍ‬
‫ضمري منفصل‪.‬‬ ‫جيوز أن تعدل عنه إىل‬

‫قال ابن مالك يف األلفية‪:‬‬


‫ٍ‬
‫اختيار ال جييء املنفصل إذا تأتى أن جييء املتصل"‬ ‫"ويف‬

‫يعني لو أردت أن تسند املجيء إليك ماذا تقول (جئت) أم (جاء أنا)‪ ،‬أم كالمها جائز؟‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪153‬‬

‫نقول‪ :‬ال‪ ،‬جيب أن تقول‪( :‬جئت)‪ ،‬وال تقل‪( :‬جاء أنا)؛ ألن الضمري املتصل هنا ممكن‪ ،‬إذن‬
‫فيجب ولو قلت‪( :‬جئت أنا) فخطأ‪ ،‬ولو قلت‪( :‬جاء أنا) خطأ‪ ،‬وكذلك لو قلت ا‬
‫مثال‪( :‬أكرم)‬
‫تريد أن تأمره بأن يكرمك‪.‬‬

‫وتقول‪( :‬أكرمني) أو (أكرم إياي) أو مها سواء؟‬

‫نقول‪ :‬ال‪ ،‬جيب أن تقول‪( :‬أكرمني)؛ ألن املتصل ممكن‪ ،‬فلو قلت‪( :‬أكرم إياي) خطأ‪،‬‬
‫وكذلك (رأيت إياك)‪ ،‬أو (أكرمت إياك) خطأ‪ ،‬تقول‪( :‬رأيتك) و(أكرمتك) وهكذا‪.‬‬

‫فهذه القاعدة واألصل إال أنه يستثنى منها ثالثة مواضع ذكرها ابن هشام جيوز فيها وصل‬
‫الضمري وفصله‪ ،‬وصله كونه ضمري وصل‪ ،‬فصله كونه ضمري فصل‪.‬‬

‫وذلك إذا كان منصو ابا يف ثالثة أبواب من أبواب النحو‪:‬‬

‫‪ ‬الباب األول يف باب كان وأخواهتا‪.‬‬


‫‪ ‬والثان‪ :‬يف باب ظننت وأخواهتا‪.‬‬

‫إذا كان املنصوب يف باب كان وأخواهتا‪ :‬يعني اخلرب‪ ،‬وإذا كان املنصوب يف باب ظننت‬
‫ٍ‬
‫حينئذ أن تأيت به ضمري وصل‪ ،‬أو ضمري فصل‪،‬‬ ‫وأخواهتا‪ ،‬سيكون املفعول الثان‪ ،‬فيجوز لك‬
‫جيوز من حيث اجلواز جيوز‪ ،‬وقد ورد يف الكالم العرِب‪.‬‬

‫لكن العلَمء اختلفوا يف الراجح األكثر فيهَم‪ ،‬فأكثر املتأخرين كابن هشام اختاروا الفصل‪،‬‬
‫ضمري الفصل كأن تقول‪( :‬الصديق كنت إياه)‪ ،‬تقول لزميلك‪( :‬الصديق كنت إياه) أو‬
‫(الصديق كنته) جيوز أن تفصل (كنت إياه) وأن تصل (كنته)‪.‬‬

‫وكذلك (الصديق ظننتك إياه)‪ ،‬أو (ظننتكه)‪ ،‬أو (ظننتك إياه)‪.‬‬

‫وقلنا‪ :‬الراجح عند مجهور املتأخرين كابن هشام‪ ،‬وابن مالك الفصل‪.‬‬
‫‪154‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ ‬الباب الثالث الذي جيوز فيه الوصل والفصل يف باب (سأل وأخواهتا)‪.‬‬

‫يعني يف أفعال املنح واإلعطاء‪ ،‬وهي التي تنصب مفعولني ليس أصلهَم املبتدأ واخلرب‪ ،‬مثل‬
‫أيضا يف مفعوله الثان الفصل والوصل‪،‬‬
‫(كسى‪ ،‬وأعطى‪ ،‬ومنح‪ ،‬وسأل‪ ،‬ونحو ذلك) فيجوز ا‬
‫واختلفوا يف األكثر واألحسن‪.‬‬

‫والراجح عند املتأخرين‪ :‬أن املختار هنا الوصل نحو (العلم سألتكه‪ ،‬وسألتك إياه)‪ ،‬و(املال‬
‫أعطيتكه‪ ،‬أو أعطيتك إياه)‪ .‬فهذا ما يتعلق بالضمري‪.‬‬

‫لينتقل ابن هشام بعد ذلك إىل املعرفة الثانية وهي العلم‪.‬‬

‫وتعريف العلم‪ :‬أنه كل اس ٍم ٌّ‬


‫خاص بمسَمه‪ ،‬االسم الذي خيصه سَمه بحيث ال يطلق عىل‬
‫من يشاهبه‪ ،‬أو ما يشاهبه؛ يعني إذا وجدنا مشا اهبا له يف كل يشء‪ ،‬فإن هذا االسم ال يطلق عىل‬
‫لم عليه كَم قلنا قبل قليل يف (أحد)‪.‬‬
‫خاص بمسَمه‪ ،‬نقول‪ :‬هذا ع ٌ‬
‫اسم ٌّ‬
‫املشابه؛ ألنه ٌ‬

‫(أحد) هذا علم‪ ،‬ملاذا؟‬

‫خاص ب(بجبل) فلو و ِجد جبل‬


‫اسم ٌّ‬
‫خاص بمسَمه‪ ،‬ومسَمه (جبل)‪ ،‬أو نقول‪ٌ :‬‬
‫اسم ٌّ‬
‫ألنه ٌ‬
‫يَمثل (أحد) يف كل يشء يف مكان آخر مل يسمه (أحد)؛ ألن (أحد) هذا اسم خاص هبذا اجلبل‪.‬‬

‫ذكورا‬
‫ا‬ ‫اسم خاص‪ ،‬بمسَمه‪ ،‬ومسَمه مدينة‪ ،‬ومن األعالم مجيع أسَمء الناس‬
‫كذلك (مكة) ٌ‬
‫وإنا اثا‪ ،‬هي أعال ٌم عليهم‪.‬‬

‫كل من يولد جيعل له علم خيتص به؛ لكي يميزه عن ماذا؟‬

‫عن مشاهبيه‪ ،‬العلم إنَم يوضع لكي يميز مسَمه عَم يشاهبه‪ ،‬ال أن يميزه عن كل يشء‪ ،‬فأنت‬
‫سميت (ُممدا ا) لكي تتميز عن إخوتك ا‬
‫مثال‪ ،‬ال لكي تتميز عن الكرايس يف البيت‪ ،‬أو عن‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪155‬‬

‫احليوانات يف البيت‪ ،‬ال‪ ،‬لكن لكي تتميز عن إخوتك‪ ،‬و(أحد) سمي (أحدا ا) ليتميز عن بقية‬
‫اجلبال أو البقاع‪ ،‬ومكة سميت مكة؛ لكي تتميز عن بقية املدن أو البقاع‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫ومن األعالم‪ :‬أسَمء اَّلل ‪-‬س ْبحانه وتعاىل‪ -‬فكلها أعال ٌم عليه‪ ،‬ك(اَّلل‪ ،‬والرمحن الرحيم)‬
‫وكذلك أسَمء األنبياء وهم من الناس‪ ،‬وأسَمء املالئكة واجلن كجربيل‪ ،‬وإبليس‪.‬‬

‫خاص بمسَمه؟‬ ‫فإذا قلنا ا‬


‫مثال‪ :‬كلمة (شهر) هل هي اسم ٌّ‬

‫ال‪ ،‬فالذي قبل رمضان يسمى شهر‪ ،‬والذي بعد رمضان يسمى شهر‪ ،‬ورمضان يسمى‬
‫شهر‪ ،‬إذن ما اخترص مسَمه بل عم وشاع يف جنس‪ ،‬هذا نكرة‪ ،‬لكن لو قلنا ا‬
‫مثال‪( :‬رمضان) هذا‬
‫أيضا أعالم عليها‪ ،‬وكذلك أسَمء‬
‫علم عىل هذا الشهر‪( ،‬وصفر) و(شوال) فأسَمء األشهر ا‬
‫األيام (السبت‪ ،‬واألحد) أعال ٌم عليها‪ ،‬وأسَمء املدن ك(الرياض‪ ،‬ومكة‪ ،‬وعرعر‪ ،‬وبغداد‪،‬‬
‫ودمشق‪ ،‬وأسَمء املناطق‪ ،‬وأسَمء املحافظات‪ ،‬وأسَمء الدول‪ ،‬وأسَمء القارات) هذه كلها أعال ٌم‬
‫عليها‪.‬‬

‫خاصا؟‬
‫وإذا قلنا‪( :‬كوكب) هذا خاص بمسَمه‪ ،‬أم ليس ً‬

‫خاصا‪.‬‬
‫ليس ً‬

‫لكن (زحل‪ ،‬وعطارد) هذه أسَمء خاصة بسمياهتا‪ ،‬فهي أعال ٌم عليها‪ ،‬والعرب إنَم تضع‬
‫علَم‬
‫تكريَم له ومتييزا ا له‪ ،‬وال تضع ا‬
‫ا‬ ‫علَم لليشء الذي له مكانة ومنزلة‪ ،‬فلهذا ختصه هبذا االسم‬
‫ا‬
‫لكل يشء‪.‬‬

‫علَم؟‬ ‫يعني ا‬
‫مثال‪( :‬اشرتيت علبة عصري ترشهبا وترميها) هل تستحق أن جتعل هلا ا‬
‫ما يستاهل خالص انتهينا‪ ،‬أو (قلم) تستعمله حتى ينتهي ثم ترميه‪( ،‬قلم) ما يستاهل أن‬
‫تسميه باس ٍم خاص‪ ،‬لكن عندك ناقة بخمسة ماليني ريال مزيونة تستاهل َّ‬
‫وال ما تستاهل اسم‬
‫‪156‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫هذه؟ تستاهل اسم خاص‪ ،‬عندك ولد سميته ا‬


‫مثال (ُممدا ا‪ ،‬أو خالد‪ ،‬أو فهدا ا) الناقة هذه‬
‫مثال ما تسميه –ما أعرف‬ ‫خاصا هبا علم عليها بحيث إذا قلت لولدك‪( :‬قم ِ‬
‫اسق) ا‬ ‫اسَم ً‬ ‫تسميها ا‬
‫السالم‪ ،-‬اسمها (القصواء) علمها‬ ‫ِ‬ ‫أسَمءها‪ -‬ا‬
‫الصالة و َّ‬
‫مثال (القصواء) هذه ناقة النبي ‪-‬عل ْيه َّ‬
‫(القصواء)‪ ،‬فإذا قيل‪ :‬أين ذهبت القصواء؟ أو ماذا فعلت القصواء؟ عرف اجلميع املراد ألنه‬
‫السالم‪.-‬‬ ‫ِ‬
‫الصالة و َّ‬
‫خاص هبا‪ ،‬أو (دلدل) بغلة النبي ‪-‬عل ْيه َّ‬
‫اسم ٌّ‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫واحد منها له اسم خاص به‬ ‫ولو رأيتم سباقات اهلجن‪ ،‬أو سباقات اخليول جتدون أن كل‬
‫خاصا‬
‫ً‬ ‫علمه‪ ،‬كالناس‪ ،‬وبعض احليوانات املهمة عند أصحاهبا‪ ،‬بل بعض الناس جيعل عل اَم‬
‫اسَم‬
‫لسيارته‪ ،‬سيارة عزيزة عليك‪ ،‬صابرة عليك كل اجلامعة‪ ،‬وصابرة عليك سنني‪ ،‬فيجعل هلا ا‬
‫قراعا‪ ،‬وهذا يسميها (بيوض) وربَم يعني كبار السن عندنا يفقهون‬
‫خاصا‪ ،‬هذا يسمى سيارته ا‬
‫ً‬
‫لليشء أكثر‪ ،‬هلذا يسمون سياراهتم‪ ،‬يسمون حيواناهتم‪ ،‬عندك ا‬
‫مثال سيف عزيز عليك تسميه‬
‫(ذو الفقار)‪ ،‬مشهور أنه اسم سيف عيل ‪-‬ر ِيض اَّلل عنْه‪ -‬ا‬
‫مثال‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫فهذا املراد بالعلم‪.‬‬

‫لكن هنا أنبه‪ :‬األعالم عرفنا أهنا األسَمء اخلاصة بمسمياهتا‪ ،‬لكن قد جتد (ال) يف بعض‬
‫األعالم‪ ،‬ك(ال) التي يف أسَمء اَّلل ‪-‬ع َّز وجل‪.-‬‬

‫معرف‬
‫عرفت‪ ،‬أم أن االسم َّ‬
‫فَمذا نقول عن (ال) هذه؟ هل نقول‪ :‬إهنا معرفة هي التي َّ‬
‫بالعلمية ا‬
‫أصال وال حيتاج إىل تعريف ب(ال)؟‬

‫نقول‪ :‬ال ‪ ،‬هذا معرف بالعلمية و(ال) زائدة‪ ،‬يعني هنا زائدة‪ ،‬كل (ال) يف علم فهي زائدة‪،‬‬
‫ك(ال) التي يف أسَمء اَّلل ‪-‬عزَّ وجل‪ ،-‬كذلك ا‬
‫مثال (الكعبة) هذا علم عىل قبلة املسلمني‪ ،‬و(ال)‬
‫فيها زائدة حتى لو ح ِذفت ال تذهب العلمية‪ ،‬لو قلت‪( :‬يا كعبة) أو (كعبة العز) أو نحو ذلك‪،‬‬
‫ال يتأثر التعريف فيها‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪157‬‬

‫فإذا سألنا ا‬
‫مثال عن كلمة املدينة هل هي علم أم ليست بعلم؟‬

‫علم عىل هذه املدينة‪ ،‬كَم أن (مكة)‬


‫لقلنا‪ :‬فيها تفصيل‪ ،‬إن كنت تريد أهنا اسم ل(طيبة) فهذا ٌ‬
‫علم عىل البلد احلرام‪ ،‬لكن إذا أردت املدينة خال افا للقرية‪ ،‬فهذا َّ‬
‫معرف ب(ال)؛ يعني لو قلت‬
‫السالم‪ -‬مدفون يف املدينة) هذا علم‪ ،‬لكن لو قلت لك‪ :‬أنت‬ ‫ِ‬ ‫لكم ا‬
‫الصالة و َّ‬
‫مثال‪ :‬النبي ‪-‬عل ْيه َّ‬
‫معرف ب(ال) ألنك لو نزعت منه (ال) عاد إىل‬‫تسكن يف (املدينة) أو تسكن يف القرية؟ هذا َّ‬
‫أيضا يف املعرف‬ ‫مدينة أم تسكن يف ٍ‬
‫قرية) وسيأيت التنبيه عىل ذلك ا‬ ‫ٍ‬ ‫التنكري (أنت تسكن يف‬
‫ب(ال)‪.‬‬

‫طيب‪ ،‬ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬مل يع يرف العلم‪ ،‬وإنَم ذكر أنواعه‪.‬‬

‫فقال‪:‬‬

‫جنيس كأسامة"‬ ‫ٍ‬


‫كزيد‪ ،‬أو‬ ‫"ثم العلم إما شخيص‬
‫ٌّ‬
‫فذكر ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬أن العلم نوعان من حيث تشخص مسَمه؛ يعني متيزه وتعينه‪:‬‬

‫ٍ‬
‫فرض معني وهو ما َشحناه من قبل بجميع‬ ‫فالنوع األول‪ :‬العلم الشخيص‪ :‬وهو ما َّ‬
‫دل عىل‬
‫األمثلة السابقة‪.‬‬

‫موضوع‬
‫ٌ‬ ‫اسم‬
‫والنوع الثان‪ :‬العلم اجلنيس‪ :‬النحويون يعرفونه فيقولون يف التعريف‪ :‬هو ٌ‬
‫للصورة الذهنية التي يتخيلها العقل ممثل اة يف ٍ‬
‫فرد من أفرادها‪َّ ،‬يال اَشح ومل نرشح‪ ،‬املهم‪ ،‬أن‬
‫العلم اجلنيس هو بمعنى (ال) اجلنسية اآلتية‪ ،‬علم وضعته العرب لبعض األجناس‪ ،‬بعض‬
‫علَم‪ ،‬هذا العلم ال يراد فيه فرد معني من أفرادها‪ ،‬وإنَم علم‬
‫األجناس وضعت العرب هلا ا‬
‫ٍ‬
‫حينئذ من حيث اللفظ‬ ‫للجنس كله‪ ،‬بحيث يصح أن يطلق عىل أي فرد من أفراده‪ ،‬فيعامل‬
‫معاملة العلم‪ ،‬ومن حيث املعنى معامل اة نكرة من حيث اللفظ معاملة العلم؛ يعني معرفة‪،‬‬
‫‪158‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫يوصف بمعرفة نعته معرفة تأيت منه احلال منتصبة‪ ،‬وما يصح دخول (ال) عليها‪ ،‬ولو كان يف تاء‬
‫تأنيث متنع من الرصف للعلمية والتأنيث‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫لكن من حيث املعنى نكرة؛ ألنه يمكن أن يطلق عىل أي فرد من أفراد هذا اجلنس‪.‬‬

‫من أمثلة ذلك‪( :‬أسامة)‪( ،‬أسامة) علم عىل جنس األسود‪ ،‬ليس (أسامة) الرجل‪ ،‬وإنَم‬
‫(أسامة) عند العرب هذا علم جنيس جلنس األسود‪ ،‬أي أسد تسميه (أسامة)‪ ،‬أنت اسمك‬
‫(ُممد) أي أسد يمكن أن تسميه (أسامة) فتقول‪( :‬جاء أسامة الغاضب) فتنعته باملعرفة‪ ،‬أو‬
‫(جاء أسامة غاض ابا) فتنصب منه احلال‪ ،‬وتقول‪( :‬جاء أسامة) متنعه من الرصف للعلمية‬
‫والتأنيث‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫علَم من األجناس هناك ذوات‪ ،‬أشياء حتس‪ ،‬مثل (أسامة) قلنا‪ :‬لألسد‪،‬‬
‫ومما جعلوا له ا‬
‫(ثعالة) للثعلب‪ ،‬و(ذؤالة) للذئب‪ ،‬و(أم عريط) للعقرب‪ ،‬و(بنت اليم) للسفينة‪ ،‬و(أبو املضاء)‬
‫ك(برة) للرب‪،‬‬
‫َّ‬ ‫أجناسا لبعض املعان‬
‫ا‬ ‫للسيف‪ ،‬و(أبو أيوب) أو (أبو صابر) للحَمر‪ ،‬ووضعوا‬
‫و(فجاري) للفجور‪ ،‬و(سبحان) للتسبيح‪ ،‬و(كيسان) للغدر‪ ،‬و(يساري) للميرسة وهكذا‪.‬‬

‫فهذان نوعا االسم‪.‬‬

‫تقسيَم آخر لالسم وهو التقسيم األشهر فقال‪:‬‬


‫ا‬ ‫ثم إن ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬ذكر ا‬
‫أيضا‬

‫" وإِ َّما ْاسم كَم مثلنا أو لقب كـ (زين العابدين‪ ،‬وق َّفة) أو كنية ك(أِب ع ْمرو‪ ،‬وأم ك ْلثوم)"‬

‫تقسيم للعلم من حيث زمن وضعه‪ ،‬فيكون عىل ثالثة أنواع‪:‬‬


‫ٌ‬ ‫هذا‬

‫‪ ‬النوع األول‪ :‬االسم العلم‪.‬‬


‫‪ ‬والثان‪ :‬اللقب العلم‪.‬‬
‫‪ ‬والثالث‪ :‬الكنية العلم‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪159‬‬

‫يعني كلها أعالم‪ ،‬فاالسم العلم‪ ،‬واللقب العلم‪ ،‬والكنية العلم‪ ،‬والعلم كنية‪ ،‬والكنية علم‪،‬‬
‫واللقب علم‪ ،‬واالسم اخلاص بمسمى علم‪ ،‬لكن خيترصون فبدل أن يقولون‪ :‬االسم العلم‪،‬‬
‫والكنية العلم‪ ،‬واللقب العلم‪ ،‬قالوا‪ :‬اسم كنية ولقب‪ ،‬وإال كلها أسَمء كلها أعالم‪.‬‬

‫خاصا بمسَمه هو االسم أ ًيا كان‪ ،‬االسم الذي يوضع ا‬


‫أوال للمسمى نقول‪:‬‬ ‫فأول اس ٍم يوضع ً‬
‫هذا اسمه العلم‪ ،‬فلو أتاك ابن فسميته (ُممدا ا‪ ،‬أو خالدا ا‪ ،‬أو فهدا ا‪ ،‬أو سميته الفضل‪ ،‬أو سميته‬
‫الصديق‪ ،‬أو سميته أبو بكر) نقول‪ :‬هذا اسمه العلم‪ ،‬أول ما يوضع ملسمى هو اسمه العلم أ ًيا‬
‫كان‪.‬‬

‫ٍ‬
‫ب(أب) أو‬ ‫وأما اللقب والكنية‪ ،‬فإهنَم يكونان بعد االسم‪ ،‬فالذي يوجد بعد االسم إن ب ِدأ‬
‫ٍ‬
‫ب(أب) أو (أ ٍّم) ك(أِب بكر)‪ ،‬و(أِب‬ ‫(أ ٍّم) ونحومها فكنية‪ ،‬وإن مل يبدأ بذلك فهو لقب‪ ،‬إن ب ِدأ‬
‫حفص) و(أم كلثوم) ونحومها‪ ،‬نحو األب واألم‪ ،‬ك(االبن‪ ،‬واألخ‪ ،‬والبنت‪ ،‬واخلالة‪ ،‬والعمة)‬
‫أيضا عند ٍ‬
‫كثري من النحويني تدخل يف باب الكنية‪ ،‬كقولك‪( :‬أخو نورا)‪،‬‬ ‫ونحو ذلك هذه كلها ا‬
‫أو (ابن اخلطاب)‪ ،‬أو (ابن باز وابن عثيمني)‪ ،‬و(بنت األرب) ونحو ذلك‪.‬‬

‫ٍ‬
‫ب(أب) أو (أ ٍّم) ونحومها‪ ،‬فهو لقب‪،‬‬ ‫فتدخل عندهم يف الكنى‪ ،‬وإن مل تكن مبدوء اة‬
‫واللقب إما أن يدل عىل ثناء ومدح ك(الصديق‪ ،‬والفاروق‪ ،‬والرشيد‪ ،‬وتقي الدين‪ ،‬وزين‬
‫العابدين) أو يدل عىل خالف ذلك ك(ق َّفة‪ ،‬أو أنف الناقة‪ ،‬أو األعرج‪ ،‬أو األعشى) ونحو ذلك‪.‬‬

‫ثم َّبني ابن هشام شيئاا من أحكام أعالم املسمى الواحد إذا توالت‪ ،‬وسنقرأ ما قاله ونرشحه‬
‫إن شاء اَّلل‪ ،‬ولكن بعد الصالة‪.‬‬

‫واَّلل أعلم‪ ،‬وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ُممد وعىل آله وأصحابه أمجعني‪.‬‬
‫‪160‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫اجلزء الثان (الدرس الرابع)‪:‬‬

‫احلمد َّلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله وأصحابه أمجعني‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫حكَم يتعلق بأعالم املسمى الواحد إذا توالت كيف‬


‫ففي آخر باب العلم ذكر ابن هشام ا‬
‫يكون حكمها‪.‬‬

‫فقال‪:‬‬
‫خمفوضا بإضافته إِن أفرد ك(سعيد ٍ‬
‫كرز)"‬ ‫ا‬ ‫"ويؤخر اللقب عن ِاال ْسم تاب اعا له مطل اقا‪ ،‬أو‬

‫اسم علم ك(ُممد)‪ ،‬وكنية ك(أِب خالد) ولقب‬ ‫ٍ‬


‫ك(رجل) له ٌ‬ ‫ملسمى واحد‬
‫فاألعالم إذا كان ً‬
‫ك(الرشيد)‪ ،‬ثم اجتمعت هذه األعالم يف سياق كال ٍم واحد‪ ،‬كأن تقول‪( :‬قال ُممدٌ أبو خالد)‪،‬‬
‫أو (قال ُممدٌ الرشيد)‪ ،‬أو (قال ُممدٌ أبو خالد الرشيد)‪.‬‬

‫فإذا توالت أعالم املسمى الواحد‪ ،‬فَمذا يكون حكمها؟‬

‫حكمها من حيث الرتتيب الذي يقدَّ م ويؤخر‪ ،‬وحكمها من حيث اإلعراب‪ ،‬كيف يكون‬
‫إعراهبا‪ ،‬فذكر ذلك ابن هشام يف كالمه السابق‪ ،‬فلم يذكر بني الكنية وغريها ترتي ابا‪ ،‬فالكنية‬
‫ليس بينها وبني غريها ترتيب؛ يعني ليس بينها وبني اللقب‪ ،‬وال بينها وبني االسم ترتيب‪ ،‬لك‬
‫ٍ‬
‫حفص عمر) أو (قال عمر أبو حفص) أو (قال‬ ‫أن تقدمها‪ ،‬ولك أن تؤخرها‪ ،‬فتقول‪( :‬قال أبو‬
‫ٍ‬
‫حفص الفاروق)‪ ،‬فليس بينها وبني غريها ترتيب‪ ،‬والشواهد‬ ‫الفاروق أبو حفص)‪ ،‬أو (قال أبو‬
‫عىل ذلك كثرية‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪161‬‬

‫وأما الرتتيب‪ :‬فهو بني االسم واللقب‪ ،‬فإن املعروف يف اللغة هو تقديم االسم عىل اللقب‪،‬‬
‫إال إذا كان اللقب أشهر من االسم‪ ،‬فيجوز أن يتقدم‪ ،‬فتقول‪( :‬قال عمر الفاروق)‪( ،‬قال هارون‬
‫الرشيد)‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فتقدم االسم عىل اللقب‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ أن تقدم اللقب‪ ،‬أو تقدم االسم‬ ‫قلنا‪ :‬إال إذا كان اللقب أشهر من االسم‪ ،‬فيجوز‬
‫كثريا من الناس يعرف لقبه (الصديق) ثم ال يعرف اسمه وهو (عبد اَّلل)‬ ‫ك(الصديق)‪ ،‬فإن ا‬
‫حينئذ أن تقدم الصديق عىل اسمه ‪-‬ر ِيض اَّلل عنْه‪-‬؛ ألن لقبه أشهر من اسمه‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫فلك‬

‫ومن ذلك‪ :‬قالوا‪ :‬قوله ‪-‬س ْبحانه وتعاىل‪﴿ :-‬بِكلِم ٍة ِمنْه ْاسمه ا ْمل ِسيح ِعيسى ا ْبن م ْريم [آل‬
‫عمران‪ ،]45:‬وقال‪﴿ :‬إِنَّا قت ْلنا ا ْمل ِسيح ِعيسى ا ْبن م ْريم [النساء‪ ،]157:‬فاسمه (عيسى)‬
‫ولقبه (املسيح)‪ ،‬فقدم اللقب يف موضعني؛ ألن لقبه أشهر من اسمه‪ ،‬هذا من حيث التقديم‬
‫والتأخري‪.‬‬

‫وأما من حيث اإلعراب إذا توالت‪ :‬فيمكن أن هنذب ذلك‪ ،‬وأن نخترصه فنقول‪:‬‬

‫أعالم املسمى الواحد إذا توالت فال خترج عن حالتني‪:‬‬

‫‪ -‬احلالة األوىل‪ :‬أن يكون العلَمن مفردين‪ ،‬وخاليني من (ال)‪ ،‬أن يكونا مفردين؛‬
‫يعني ليسا مركبني‪ ،‬ليسا مضا افا ومضا افا إليه‪ ،‬بل مها مفردان وخاليان من (ال)‪ ،‬ك(سعيد‬
‫كرز) اسمه (سعيد) ولقبه (كرز) و(الكرز) هو اخلرج الذي يضع فيه املسافر ونحوه‬
‫متاعه‪.‬‬

‫ففي هذه احلالة األفصح واألكثر عن العرب اإلضافة‪ ،‬وجتوز التبعية عىل البدل‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫كرز) فتضيف االسم إىل اللقب (جاء سعيد ٍ‬
‫كرز) هذا هو األكثر واألفصح‪ ،‬ولو‬ ‫(جاء سعيد ٍ‬

‫اتبعت جلاز‪ ،‬فتقول‪( :‬جاء سعيدٌ كرزٌ ) فيكون (سعيدٌ ) فاعل‪ ،‬ويكون (كرز) ٌ‬
‫بدل من الفاعل‪.‬‬
‫‪162‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫واحلالة الثانية سوى ذلك‪ :‬فليس فيها إال االتباع‪ ،‬كأن يكون العلَمن أحدمها أو كالمها‬
‫مرك ابا ك(عبد اَّلل) أو (صالح الدين) أو (زين العابدين)‪ ،‬أو كان فيهَم أو يف أحدمها (ال)‬
‫ك(الفاروق‪ ،‬والصديق‪ ،‬والرشيد) فهذا ليس فيه إال االتباع‪ ،‬فتقول‪( :‬قال عمر الفاروق) فتتبع‬
‫عىل أنه بدل أو عطف بيان‪ ،‬أو تقول‪( :‬قال أمحد تقي الدين شيخ اإلسالم) ونحو ذلك‪ ،‬أو‬
‫تقول‪( :‬روى أبو ٍ‬
‫بكر الصديق) ففيه (ال) و(أبو بكر) مركب‪.‬‬

‫ملسمى واحد‪ ،‬فإنك تتبع الثان األول‪ ،‬إال إذا كان العلَمن‬
‫فاخلالصة‪ :‬أن األعالم إذا توالت ً‬
‫مفردين بال (ال) فلك االتباع جائزاا‪ ،‬ولك اإلضافة وهي األكثر واألفصح‪.‬‬

‫فهذا ما يتعلق باملعرفة الثانية العلم‪.‬‬

‫‪ ‬لننتقل إىل املعرفة الثالثة‪ :‬أسَمء اإلشارة‪:‬‬

‫أيضا إما أن نعرفها‪ ،‬وإما أن‬


‫أسَمء تستعمل لإلشارة هبا‪ ،‬وهي ا‬
‫ٌ‬ ‫أسَمء اإلشارة‪ :‬هي‬
‫ٌ‬
‫ألفاظ معينة‬ ‫نحرصها‪ ،‬وأكثر النحويني حتى يف بعض الكتب الكبرية يكتفون بحرصها؛ ألهنا‬
‫وقليلة‪ ،‬وحرصها ٍ‬
‫كاف يف حتديد هذا الباب‪ ،‬وهكذا فعل ابن هشام‪.‬‬

‫فقال‪:‬‬

‫ثم اإلشارة و ِهي (ذا) للمذكر و(ذي‪ ،‬وذه‪ ،‬ويت‪ ،‬وته‪ ،‬وتا) للمؤنث و(ذان‪ ،‬وتان) للمثنى‬
‫" َّ‬
‫ِ‬
‫و(أوالء) جلمعهَم"‬ ‫بِ ْاأللف رف اعا وب(الياء) ً‬
‫جرا ونص ابا‪،‬‬

‫أيضا موزعة عىل القسمة اللغوية السداسية‪:‬‬


‫فذكر أن أسَمء اإلشارة ا‬

‫كتاب)‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪ ‬فللواحد‪( :‬ذا) تقول‪( :‬هذا ٌ‬
‫رجل) و(ذا‬
‫أسَمء كثرية ذكر ابن هشام أمهها وهي (ذي‪ ،‬وذه‪ ،‬ويت‪ ،‬وته‪ ،‬وتا)‬
‫ٌ‬ ‫‪ ‬وللواحدة‪:‬‬
‫تقول‪( :‬ذي هندٌ )‪ ،‬أو (ذه هندٌ )‪ ،‬أو ِ‬
‫(يت هندٌ )‪ ،‬أو (تا هندٌ )‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪163‬‬

‫‪ ‬وللمثنى املذكر‪( :‬ذان) تقول‪( :‬ذان الرجالن)‪.‬‬


‫‪ ‬وللمثنى املؤنث‪( :‬تان) تقول‪( :‬تان امرأتان)‪.‬‬
‫ِ‬
‫(أوالء) بكرس اهلمزة‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫‪ ‬وجلمع الذكور‪ ،‬وجلمع اإلناث‪ :‬كلم ٌة واحدة وهي‬
‫نساء)‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫رجال‪ ،‬وأوالء ٌ‬ ‫(أوالء‬

‫نساء) فهذه أسَمء اإلشارة عىل‬ ‫ٌ‬


‫رجال‪ ،‬وأوال ٌ‬ ‫وبعض العرب يقرص هذا االسم فيقول‪( :‬أوال‬
‫القسمة السداسية‪.‬‬

‫أسَمء خاص اة لإلشارة هبا إىل املكان‪ ،‬ومها اسَمن (هنا‪،‬‬


‫ا‬ ‫وزادت العرب يف أسَمء اإلشارة‬
‫ثم)‬
‫(ثم‪ ،‬اجلس َّ‬ ‫وثم)‪ ،‬فيقولون ا‬
‫مثال‪( :‬اجلس هنا) فهو لإلشارة إىل املكان القريب‪ ،‬ويقولون‪َّ :‬‬ ‫َّ‬
‫لإلشارة إىل املكان البعيد كَم قال تعاىل‪﴿ :‬وإِذا رأ ْيت ث َّم رأ ْيت ن ِع ايَم وم ْلكاا‬
‫كبِ اريا [اإلنسان‪]20:‬؛ يعني إذا رأيت هناك أو هنالك‪.‬‬

‫وأما الكالم عىل بناء األسَمء أسَمء اإلشارة وإعراهبا‪ ،‬فهذا سبق يف الكالم عن املعرب‬
‫واملبني‪ ،‬وإن كان ابن هشام أشار إليه هنا‪ ،‬لكنه سبق من قبل فال نعيده‪.‬‬

‫وهنا مسألة‪ :‬وهي دخول حرف التنبيه (هاء) عىل أسَمء اإلشارة وهذا كثري وجائز تدخل‬
‫ٍ‬
‫وألف مادية) (ها) عىل أسَمء اإلشارة‪ ،‬لكنها ال جتامع الم البعد مطل اقا‬ ‫ٍ‬
‫(هاء‬ ‫(هاء) املكونة من‬
‫كَم سيأيت‪ ،‬ولكنها قد جتامع كاف البعد ا‬
‫قليال‪ ،‬البعد له كاف وله الم‪ ،‬فهاء التنبيه ال جتامع الم‬
‫البعد مطل اقا‪ ،‬ولكنها قد جتامع (كاف البعد) ا‬
‫قليال‪.‬‬

‫ٌ‬
‫رجل) و(هذاك‬ ‫‪ ‬فتقول يف املفرد‪( :‬ذا‪ ،‬وهذا‪ ،‬وهذاك) تقول‪( :‬ذا ٌ‬
‫رجل)‪ ،‬و(هذا‬
‫ٌ‬
‫رجل)‪ ،‬فتدخل (هاء) عىل (ذاك) مع كاف البعد‪.‬‬
‫‪ ‬وتقول يف املفردة‪( :‬هذه‪ ،‬أو هذي‪ ،‬أو هايت) أو جتمع فتقول‪( :‬هاتيك هندٌ )‪.‬‬
‫ِ‬
‫وهاتان)‪.‬‬ ‫وهذان‪ِ ،‬‬
‫وتان‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ ‬وتقول يف املثنى‪ِ :‬‬
‫(ذان‬
‫‪164‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬
‫ِ‬
‫وهؤالء‪ ،‬وأوال‪ ،‬وهؤالء)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫(أوالء‪،‬‬ ‫‪ ‬وتقول يف اجلمع‪:‬‬

‫قال الشاعر‪:‬‬

‫وال أهلها ذا كالطراف املمدد"‬ ‫"رأيت بني غرباء ال ينكرونني‬

‫فجمع بينها وبني كاف البعد‪.‬‬

‫ثم تكلم ابن هشام عىل اإلشارة إىل البعيد والقريب‪.‬‬

‫فقال‪:‬‬

‫"والبعيد بِا ْلكاف جم نردة من َّ‬


‫الالم مطل اقا أو مقرون اة هبا"‬

‫أسَمء اإلشارة قد تكون للبعيد‪ ،‬وقد تكون للقريب‪ ،‬فإن كانت للقريب جتردت من الكاف‪،‬‬
‫رجل‪ ،‬أو هذا ٌ‬
‫رجل) بال كاف‪ ،‬وبال الم‪ ،‬وكذلك مع‬ ‫مشريا إىل قريب‪( :‬ذا ٌ‬
‫ا‬ ‫ومن الالم‪ ،‬تقول‬
‫املؤنث والبواقي‪.‬‬

‫فإذا أَشت إىل بعيد كان لك أن تأيت بالكاف‪ ،‬إما وحدها‪ ،‬فتقول يف (ذا)‪( :‬ذاك ٌ‬
‫رجل)‪ ،‬وإما‬
‫بالكاف مع الالم‪ ،‬وكالمها حرف ب ْعد‪ ،‬فتقول‪( :‬ذلك)‪ ،‬إذن فلك أن تقول يف البعيد‪( :‬ذاك‪ ،‬أو‬
‫رجل‪ ،‬وذلك ٌ‬
‫رجل)‪ ،‬الكاف حرف ب ْعد‪ ،‬والالم حرف ب ْعد‪.‬‬ ‫ذلك) (ذاك ٌ‬

‫وتقول يف املفردة‪( :‬ذيك هندٌ ) أو (تيك هندٌ )‪ ،‬أو جتمع فتقول‪( :‬تلك هندٌ ) أو (تالك هندٌ )‬
‫فالم البعد ال تدخل إال عىل (يت‪ ،‬أو تا)‪.‬‬

‫ٌ‬
‫رجال) واضح أننا مل نأيت بالتثنية؛ ألن الم البعد ال‬ ‫وتقول يف اجلمع‪( :‬أولئك‪ ،‬أواللِك‬
‫تدخل عىل الثنية كَم سيأيت‪.‬‬

‫ثم قال ابن هشام‪:‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪165‬‬

‫اجلمع ِيف لغة من مدَّ ه‪ ،‬وفِيَم تقدمته ها ال َّتنْبِيه"‬


‫"إِ َّال ِيف ا ْملثنى مطل اقا‪ ،‬و ِيف ْ‬

‫ذكرنا قبل قليل أن البعيد إذا أردت أن تشري إليه تشري إليه بكاف وحدها (ذاك)‪ ،‬أو بكاف‬
‫والم (ذلك)‪ ،‬قال‪ :‬الالم جيوز أن تدخل للبعيد إال يف ثالثة مواضع ما تستعمل الالم‪ ،‬تستعمل‬
‫الكاف فقط دون الالم‪ ،‬وذكرها يف هذا النص‪.‬‬

‫‪ -‬فاملوضع األول‪ :‬مع املثنى مطل اقا‪ ،‬فإذا أردت أن تشري إىل البعيد تستعمل الكاف‬
‫فقط دون الالم‪ ،‬فتقول‪( :‬ذلك رجالن)‪ ،‬وال جتمع بني الكاف والالم‪ ،‬ال تقول‪( :‬ذللك)‪،‬‬
‫وتقول‪( :‬تالك امرأتان)‪ ،‬وال تقل‪( :‬تانلك)‪.‬‬
‫ِ‬
‫(أوالء)‪ ،‬فلك أن‬ ‫‪ -‬واملوضع الثان‪ :‬مع (أوالء) يف لغة من مد باهلمزة والكرس‬
‫ٌ‬
‫رجال)‪ ،‬وال جتامع الالم ال تقول‪( :‬أولئلك) بخالف من‬ ‫تدخل الكاف‪ ،‬فتقول‪( :‬أولئك‬
‫ٌ‬
‫رجال‪ ،‬أو تأيت بالالم‬ ‫لغتهم القرص فقاولوا‪( :‬أوال) فلك أن تأيت بكاف فتقول‪( :‬أوالك‬
‫ٌ‬
‫رجال)‬ ‫والكاف فتقول‪( :‬أواللك‬
‫‪ -‬واملوضع الثالث الذي متتنع فيه الالم‪( :‬الم البعد) مع اسم اإلشارة الذي تقدمته‬
‫(ها) التنبيه) فإذا قلت‪( :‬هذا) ثم أردت أن تشري به إال البعد‪ ،‬فليس لك إال الكاف‪،‬‬
‫ٌ‬
‫رجل) فهذا ما يتعلق بأسَمء اإلشارة ويشء من‬ ‫تقول‪( :‬هذاك)‪ ،‬وال تقول‪( :‬هذالك‬
‫أحكامها‪.‬‬
‫‪ ‬لننتقل إىل املعرفة الرابعة وهي األسَمء املوصولة‪:‬‬

‫حرص‪ ،‬وجيتنب كثري من النحويني للحرص؛ ألهنا‬


‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫تعريف‪ ،‬وهلا‬ ‫األسَمء املوصولة كذلك هلا‬
‫أسَمء ُمصورة قليلة‪ ،‬وكذلك فعل ابن هشام هنا‪.‬‬

‫فقال‪:‬‬
‫‪166‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثم ا ْمل ْوصول وهو ا َّلذي وا َّلتي واللذان واللتان بِ ْاأللف رفعا وبالياء ً‬
‫جرا ونص ابا وجلمع‬ ‫" َّ‬
‫ا ْملذكر ا َّلذين بِا ْلي ِ‬
‫اء مطل اقا واألىل وجلمع ا ْملؤنَّث اليئئي واللوايت"‬

‫األسَمء املوصولة كَم سيأيت هي األسَمء التي ال بد هلا من صلة بعدها‪ ،‬وإال فإن معناها ال‬
‫ٍ‬
‫لصلة بعدها‪.‬‬ ‫يتضح‪ ،‬مفتقرة‬

‫وهي ُمصورة‪ ،‬ومقسومة عىل نوعني‪:‬‬

‫‪ ‬النوع األول‪ :‬األسَمء املوصولة النصية‪.‬‬


‫‪ ‬النوع الثان‪ :‬األسَمء املوصولة املشرتكة‪.‬‬

‫نصا عىل معناى واحد من املعان‬


‫فالنوع األول األسَمء املوصولة النصية‪ :‬هي التي تكون ً‬
‫الستة؛ يعني ال تستعمل إال يف معناى واحد من املعان الستة ك(الذي) هذا ما يستعمل إال مع‬
‫املفرد املذكر‪ ،‬ما يستعمل مع املؤنث‪ ،‬وال املثنى‪ ،‬وال اجلمع‪ ،‬نقول‪ :‬هذا موصول نيص‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بلفظ واحد مع مجيع املعان الستة‪:‬‬ ‫وأما األسَمء املوصولة املشرتكة‪ :‬فهي التي تستعمل‬
‫ٍ‬
‫بلفظ واحد ك(من املوصولة) تقول يف املفرد‪:‬‬ ‫مذكر‪ ،‬مؤنث‪ ،‬مفرد‪ ،‬مثنى‪ ،‬مجع‪ ،‬كلها تستعمل‬
‫(جاء من أحب)‪ ،‬ويف املفردة (جاءت من أحب) نفس اللفظ من من ما تغري‪.‬‬
‫وتقول‪( :‬جاء من أحبهَم‪ )،‬و(جاء من أحبهم) ف(من) اسم موصول مشرتك؛ ألنه است ِ‬
‫عمل‬
‫ٍ‬
‫بلفظ واحد يف مجيع املعان الستة‪.‬‬

‫فبدأ ابن هشام بذكر األسَمء املوصولة النصية‪:‬‬

‫‪ ‬فللمفرد (الذي) تقول‪( :‬جاء الذي أحبه)‪.‬‬


‫‪ ‬وللمفردة (التي) تقول‪( :‬جاءت التي أحبها)‪.‬‬
‫‪ ‬وللمثنى املذكر (اللذان)‪( :‬جاء اللذان أحبهَم)‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪167‬‬

‫‪ ‬وللمثنى املؤنث (اللتان) تقول‪( :‬جاءت اللتان أحبهَم)‪.‬‬


‫‪ ‬وجلمع الذكور (الذين‪ ،‬واألوالء)‪( :‬الذين) يقول‪ :‬بالياء يعني أهنا اسم موصول‬
‫مبني عىل الفتح (الذين) و(األوالء) تقول‪( :‬جاء الذين أحبهم) وهذا هو األشهر‪،‬‬
‫وتقول‪( :‬جاء األوالء أحبهم) وهذا مستعمل‪.‬‬
‫‪ ‬وجلمع اإلناث (الاليت والالئي) تقول‪( :‬جاءت الاليت أحبهن) و(جاءت الالئي‬
‫أحبهن)‪.‬‬

‫فهذه هي األسَمء املوصولة النصية وسبق الكالم عىل إعراهبا وبنائها من قبل‪.‬‬

‫ثم ذكر ابن هشام األسَمء املوصولة املشرتكة وهي ستة كَم سنسمع‪.‬‬

‫فقال‪:‬‬

‫رصيح لغري ت ْف ِضيل ٍكال(ضارب‬ ‫ٍ‬


‫وصف ِ‬ ‫اجل ِميع من وما وأي وأل ِيف‬
‫"وبِم ْعنى ْ‬

‫واملرضوب) وذو ِيف لغة طي‪ ،‬وذا بعد ما أو من االستفهاميتني"‬


‫ٍ‬
‫بلفظ واحد يف مجيع املعان الستة‪،‬‬ ‫فقول ابن هشام‪" :‬بمعنى اجلميع"؛ يعني أهنا مشرتكة‬
‫ٍ‬
‫واحد ال يتغري كَم رضبنا‬ ‫ٍ‬
‫بلفظ‬ ‫تأيت مع املفرد‪ ،‬ومع املثنى‪ ،‬ومع اجلمع‪ ،‬ومع املذكر‪ ،‬ومع املؤنث‬
‫مثال ب(من) قبل قليل‪ ،‬وهذا كالم عليها واحدا ا واحدا ا‪.‬‬

‫‪ -‬فاالسم املوصول املشرتك األول (من)‪ :‬ويكون للعاقل‪ ،‬وبعضهم يقول‪ :‬للعامل‪،‬‬
‫اب [الرعد‪]43:‬؛‬ ‫كقولك‪( :‬جاء من يقول احلق) قال تعاىل‪﴿ :‬وم ْن ِعنْده ِع ْلم ا ْلكِت ِ‬
‫ِ‬
‫ب [ق‪]37:‬؛ يعني للذي كان له‬ ‫يعني والذي عنده علم الكتاب‪ ،‬وقال‪﴿ :‬مل ْن كان له ق ْل ٌ‬
‫قلب‪.‬‬
‫ٌ‬
‫‪168‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫وقد تأيت (من) لغري العاقل إذا اختلط بالعاقل‪ ،‬إذا اختلط العاقل بغري العاقل‪ ،‬ثم عربت عن‬
‫تعرب عنهم ب(من) فيدخل فيها العاقل وغري العاقل‪ ،‬أو اختلط به بحيث‬
‫اجلميع‪ ،‬جاز لك أن ي‬
‫قارنت بني عاقل وغري عاقل‪ ،‬فتعرب عنهَم‪ ،‬عن األول ب(من) وعن الثان ب(من) وهكذا‪ ،‬كَم‬
‫ض [احلج‪ ]18:‬مع أن‬ ‫يف قوله تعاىل‪﴿ :‬أمل تر أ َّن اَّللَّ يسجد له من ِيف السمو ِ‬
‫ات وم ْن ِيف األ ْر ِ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫خملوقات اَّلل يف السَموات ويف األرض التي تسجد له بعضها عاقلة‪ ،‬وبعضها غري عاقلة‪ ،‬وقال‬
‫خيلق [النحل‪﴿ ]17:‬أفم ْن ْ‬
‫خيلق [النحل‪ ]17:‬هذا اَّلل ‪-‬ع َّز‬ ‫خيلق كم ْن ال ْ‬
‫تعاىل‪﴿ :‬أفم ْن ْ‬
‫فعرب عنها ب(من)‬
‫خيلق [النحل‪ ]17:‬يعني األصنام ونحوها‪َّ ،‬‬ ‫وجل‪ -‬وهو ِ‬
‫عامل ﴿كم ْن ال ْ‬
‫الختالطها بالكالم بالعاقل‪ ،‬أو ِ‬
‫العامل‪.‬‬

‫‪ -‬واالسم املوصول املشرتك الثان (ما)‪ :‬وهي تكون يف األصل لغري العاقل‪ ،‬تقول‪:‬‬
‫(كل ما تشاء) يعني (كل الذي تشاء) قال تعاىل‪﴿ :‬ما ِعنْدك ْم ينفد [النحل‪ ]96:‬يعني‬
‫الذي عندك ينفد‪.‬‬

‫أيضا إذا اختلط بغري العاقل‪ ،‬كَم قلنا قبل قليل كقوله تعاىل‪﴿ :‬س َّبح َّللَِّ ما ِيف‬
‫وتأيت للعاقل ا‬
‫شبحا ال تدري‬ ‫ا‬ ‫السمو ِ‬
‫ات وما ِيف األ ْر ِ‬
‫جمهوال مبهم اجلنس كأن ترى ا‬ ‫ض [الصف‪ ،]1:‬أو كان‬ ‫َّ‬
‫حينئذ تعرب عنه ب(ما) حتى لو ظهر بعد ذلك أنه عاقل؛ فتقول‪( :‬انظر إىل ما‬ ‫ٍ‬ ‫ما هو‪ ،‬فإنك‬
‫ظهر) ونحو ذلك‪.‬‬

‫فهذه اثنان من األسَمء املوصولة املشرتكة‪ ،‬وأما األربعة الباقية اآلتية فكلها تكون للعاقل‪،‬‬
‫ولغري العاقل‪.‬‬

‫‪ -‬فاالسم املوصول املشرتك الثالث (ال)‪:‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪169‬‬

‫(ال) سبق أهنا تكون معرفة‪ ،‬وسيأيت التفصيل عنها يف املعرفة التالية وهو املعرف ب(ال)‪،‬‬

‫اسَم وليست حر افا‪( ،‬ال) املعرفة حرف؛ ألهنا قد تأتيت ا‬


‫اسَم‬ ‫ا‬
‫موصوال‪ ،‬ا‬ ‫اسَم‬
‫لكنها قد تأيت ا‬
‫ا‬
‫موصوال بمعنى الذي وإخوانه‪.‬‬

‫ا‬
‫موصوال؟‬ ‫اسَم‬
‫متى تكون (ال) ا‬
‫ٍ‬
‫وصف غري اسم التفضيل" الوصف األوصاف‪.‬‬ ‫قال‪" :‬هي الداخلة عىل‬

‫املراد باألوصاف‪ :‬اسم فاعل‪ ،‬واسم مفعول‪ ،‬والصفة املشبهة‪ ،‬واسم التفضيل‪ ،‬هذه‬
‫ٍ‬
‫أحداث وأصحاهبا من فعلها‪ ،‬أو من وقعت عليه‪ ،‬لكنه‬ ‫األوصاف؛ يعني أسَمء تدل عىل‬
‫اكتسب اسم التفضيل‪ ،‬إذن يبقى أن املراد ب(ال) املوصولة هي (ال) التي تدخل عىل اسم فاعل‬
‫ك(الضارب‪ ،‬والشارب‪ ،‬واملكرم‪ ،‬واملستغفر)‪ ،‬أو تدخل عىل اسم املفعول ك(املرضوب‪،‬‬
‫واملرشوب)‪ ،‬أو تدخل عىل صفة املشبهة ك(احلسن‪ ،‬واجلميل‪ ،‬والقوي‪ ،‬والضعيف)‪.‬‬
‫ِ‬
‫العامل‪ ،‬واشرتيت املركوب)‬ ‫وهي تكون كَم قلنا‪ :‬للعاقل ولغري العاقل‪ ،‬تقول‪( :‬جاء‬
‫ف(العامل) عاقل‪ ،‬و(املركوب) غري عاقل‪ ،‬وتقول‪( :‬هذا الشارب واملرشوب) عاقل وغري‬
‫عاقل‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫اسَم أخرجوه من احلرفية‪،‬‬


‫فإن قلت‪ :‬ملاذا مل جيعلوا (ال) هنا حرف تعريف‪ ،‬وجعلوه ا‬
‫ا‬
‫موصوال‪ ،‬ملاذا مل جيعلوا حرف التعريف املعروف؟‬ ‫سَم‬
‫وأدخلوه يف االسمية‪ ،‬وجعلوه ا ا‬
‫واجلواب عن ذلك ألوجه وألدلة منها‪:‬‬

‫عود الضمري إليه‪ ،‬فالضَمئر كَم نعرف ال تعود إال إىل أسَمء‪ ،‬ال تعود إىل أفعال‪ ،‬وال حروف‪،‬‬
‫كَم يف قولك‪( :‬فاز املتقي ربه)‪.‬‬

‫اهلاء يف (ربه) تعود إىل ماذا؟‬


‫‪170‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫تعود إىل (ال) يعني (فاز الذي يتقي ربه) وهكذا‪.‬‬

‫والدليل الثان‪ :‬اجتَمعها مع اإلضافة‪( ،‬ال) هذه جتامع اإلضافة كَم سيأيت تفصيله يف باب‬
‫اإلضافة‪ ،‬فلك أن تقول‪( :‬جاء الضاربك) أو (جاء املكرمك)‪ ،‬و(ال) املعرفة ال جتامع اإلضافة؛‬
‫ألن اإلضافة ال جتامع (ال) املعرفة‪ ،‬ودل عىل أهنا ليست (ال) املعرفة‪ ،‬وإنَم املراد (جاء الذي‬
‫رضبك) أو (جاء الذي يكرمك)‪.‬‬

‫املعرفة كَم سبق يف أول‬


‫ومن األدلة عىل ذلك‪ :‬أهنا قد تدخل عىل الفعل املضارع‪ ،‬و(ال) ي‬
‫النحو من خصائص األسَمء‪ ،‬أما (ال املوصولة) هذه‪ ،‬فقد تدخل عىل الفعل املضارع كقول‬
‫ألعراِب حرض املجلس‪ :‬هل تعرف‬
‫ٍّ‬ ‫الفرزدق عندما كانوا بمجلس أحد األمراء‪ ،‬فقال األمري‬
‫هؤالء؟ فقال‪ :‬ال‪ ،‬فقال‪ :‬هذا الفرزدق‪ ،‬وهذا جرير‪ ،‬وهذا األخطل‪.‬‬

‫وكان األعراِب هواه مع جرير‪.‬‬

‫فقال األعراِب‪:‬‬

‫وأرغم أنفك يا أخطل‬ ‫فحيا االله أبا حزرة‬

‫َّ‬
‫ورق خياشيمه اجلندل‬ ‫وجد الفرزدق أتعـس به‬

‫فَم ترك له الفرزدق‪ ،‬بل ردها باألشد منها‪.‬‬

‫فقال له مباَشة‪:‬‬

‫يا ذا اخلنا ومقال الزور واخلطل‬ ‫يا أرغم اَّلل أنفا أنت حامله‬

‫وال األصيل وال ذي الرأي واجلدل‬ ‫ما أنت باحلكم الرتىض حكومته‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪171‬‬

‫فالشاهد يف قوله‪ " :‬ما أنت باحلكم الرتىض" يعني الذي ترىض‪ ،‬فأدخل (ال) املوصولة‬
‫عىل املضارع‪ ،‬واجلمهور عىل أن هذا من رضائر الشعر‪ ،‬وابن مالك وبعض املتأخرين أجازوا‬
‫دخول عىل (ال) عىل املضارع ا‬
‫قليال يف النثر‪.‬‬

‫‪ ‬واالسم املوصول الرابع هو (ذو)‪:‬‬

‫طيء‪( ،‬ذو) عند مجهور العرب هذا اسم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫يف لغة قبيلة فصيحة من قبائل العرب وهي قبيلة ي‬
‫طيء تستعمل ذلك؛ لكن‬
‫بمعنى صاحب‪ ،‬تقول‪( :‬جاء ذو علم) يعني صاحب علم‪ ،‬قبيلة ي‬
‫ا‬
‫موصوال بمعنى الذي وإخوانه‪ ،‬وتكون للعاقل ولغريه‪ ،‬فتقول ا‬
‫مثال‪:‬‬ ‫اسَم‬
‫أيضا تستعمل (ذو) ا‬
‫ا‬
‫(جاء ذو أحب)؛ يعني الذي أحب‪ ،‬و(جاءت ذو أحبها)؛ يعني التي أحبها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بلفظ واحد‪ ،‬وهو لفظ ذو ما تتغري للمذكر وللمؤنث‪،‬‬ ‫وأشهر لغاهتم فيها أهنا تكون‬
‫وللمفرد وللمثنى واجلمع‪ ،‬يقولون‪( :‬جاء ذو قام) و(جاءت ذو قامت)‪ ،‬و(جاء ذو قاما‬
‫وقامتا)‪ ،‬و(جاء ذو قاموا) و(جاء ذو قمنا)‪.‬‬

‫قال شاعرهم‪:‬‬

‫فح ْسبِي ِم ْن ذو ِعنْده ْم ما كفانِيا"‬ ‫ورسون ل ِقيته ْم‬


‫"فإِما كِرام م ِ‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬

‫(من ذو) فألزمها لفظ (ذو)‪.‬‬

‫وقال شاعرهم‪:‬‬

‫وبئري ذو حفرت وذو طويت"‬ ‫"فإن املاء ماء أِب وجدي‬

‫(يعني بئري التي حفرهتا‪ ،‬والتي طويتها)‬

‫فضلكم اَّلل به‪.‬‬


‫ومن كالمهم‪( :‬بالفضل ذو فضلكم اَّلل به)؛ يعني الذي َّ‬
‫‪172‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ومن قسمهم‪( :‬ال‪ ،‬وذو عرشه يف السَمء) يعني ال والذي عرشه يف السَمء‪.‬‬

‫فهي عندهم مبنية عىل السكون‪.‬‬

‫‪ ‬واالسم املوصول اخلامس املشرتك هو (ذا)‪:‬‬

‫ويكون للعاقل‪ ،‬ولغري العاقل‪ ،‬وسبق أنه يف املشهور اسم إشارة إذا كان يشار به (ذا ٌ‬
‫رجل)‬
‫ا‬
‫موصوال إذا كان بمعنى الذي وإخوانه‪ ،‬وسيأيت أن ملوصوليته ثالثة َشوط‪:‬‬ ‫اسَم‬
‫لكنه يكون ا‬
‫فتقول يف العاقل‪( :‬من ذا عندك) يعني (من الذي عندك؟)‪.‬‬

‫وتقول يف غري العاقل‪( :‬ماذا عندك؟) يعني (ما الذي عندك؟)‪.‬‬

‫ا‬
‫موصوال ثالثة َشوط‪ ،‬وهي َشوط معقولة ومقبولة مع واقع اللغة‪:‬‬ ‫اسَم‬
‫واشرتطوا لكوهنا ا‬
‫الرشط األول‪:‬‬

‫أال تكون لإلشارة‪ ،‬أال تكون من حيث املعنى اسم إشارة؛ أي يشار هبا كَم يف قولك‪( :‬من ذا‬
‫تؤوهلا بالذي (من الذي ذاهب) بل املعنى (من هذا الذاهب) فال‬
‫الذاهب)‪ ،‬هنا ما يمكن أن ي‬
‫موصوال‪ ،‬كقولك‪( :‬ماذا التوان؟) يعني (ما هذا التوان) وليس املعنى (ما الذي‬ ‫ا‬ ‫اسَم‬
‫تكون هنا ا‬
‫التوان)‪ ،‬وكَم يف قوله تعاىل‪﴿ :‬م ْن ذا ا َّل ِذي ي ْشفع ِعنْده إِ َّال بِإِ ْذنِ ِه [البقرة‪ ]255:‬ما نقول‪( :‬ذا)‬
‫اسم موصول‪ ،‬وبعدها اسم موصول ﴿م ْن ذا ا َّل ِذي [البقرة‪ ،]255:‬وإنَم اسم إشارة (من هذا‬
‫الذي يشفع عنده)‪.‬‬

‫والرشط الثان‪:‬‬

‫أال تكون ملغا اة وهذا أمر جائز للمتكلم‪ ،‬ملغا اة يعني أن يقدرها املتكلم مركب اة مع ما‬
‫اسَم واحدا ا‪ ،‬اسم استفهام واحد‬
‫اسَم واحدا ا‪ ،‬تكون ماذا مع بعض يف تركيبه وتقديره ا‬
‫فتكونان ا‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪173‬‬

‫بمعنى (ما) فكأنه ألغى (ذا) كأهنا غري مذكورة‪ ،‬فتقول‪( :‬ماذا صنعت؟) يريد ما صنعت؛ ألهنا‬
‫باإللغاء تكون كأهنا غري مذكورة‪ ،‬غري موجودة‪ ،‬ال تقصد هبا االسم املوصول الذي‪.‬‬

‫والرشط ثالث‪:‬‬

‫وهو الذي نص عليه ابن هشام‪ :‬أن يتقدمها استفهام ب(ما) أو ب(من) كقولك‪( :‬من ذا‬
‫عندك)؛ يعني (من الذي عندك‪ ،‬أو ماذا عندك؟) يعني (ما الذي عندك؟)‪.‬‬

‫وكقول لبيد‪" :‬أال تسأالن املرء ماذا حياول؟" يعني ما الذي حياوله‪.‬‬

‫(أي)‪:‬‬
‫‪ ‬وأما االسم املوصول املشرتك السادس وهو األخري‪ ،‬فهو ٌّ‬

‫موصوال إذا كانت بمعنى الذي وإخوانه كَم يف قوله ‪-‬س ْبحانه وتعاىل‪:-‬‬ ‫ا‬ ‫اسَم‬
‫(أي) تأيت ا‬ ‫ٌّ‬
‫الر ْمح ِن ِعتِ ًيا [مريم‪ ]69:‬املعنى واَّلل أعلم (ثم‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫﴿ث َّم لن ِنزع َّن م ْن ك يل شيعة أ ُّهي ْم أشدُّ عىل َّ‬
‫لننزعن من كل شيعة الذي هو أشد عىل الرمحن عت ًيا)‪.‬‬

‫ف(أي املوصولة) هلا أربعة أحوال؛ ألهنا هي االسم املوصول الوحيد الذي يضاف؛ وهلذا‬
‫ٌّ‬
‫قلنا يف املعربات واملبنيات‪ :‬إنه االسم املوصول الوحيد املعرب؛ ألنه اختص باإلضافة‪،‬‬
‫واإلضافة من خصائص األسَمء‪ ،‬فقوى ذلك اجلانب اإلسمي فيها‪ ،‬فعاد إىل حكم أسَمء‬
‫اإلعراب‪.‬‬

‫طيب‪ ،‬فهو ال بد أن يضاف‪ ،‬طيب املضاف إليه الذي بعده جيوز أن يذكر‪ ،‬وجيوز أن حيذف‪،‬‬
‫وإن كان مرا ادا مقدَّ ارا‪ ،‬لكن جيوز أن حتذفه يف اللفظ‪.‬‬

‫إذن له حالتان‪:‬‬

‫‪ ‬إما أن تدخل املضاف إليه بعده‪.‬‬


‫‪174‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ ‬أو ال تدخل املضاف إليه بعده‪.‬‬

‫وأيضا اختص بخاصية أخرى يف صلته‪ ،‬صلته جيوز أن تذكرها كاملة‪ ،‬وجيوز أن‬
‫ا‬ ‫طيب‪،‬‬
‫حتذف صدر صلته‪ ،‬صدر الصلة يكون ضمري عائد إليه‪ ،‬ثم حتذف هذا الضمري‪ ،‬فنقول‪ :‬صدر‬
‫الصلة ُمذوف‪.‬‬

‫إذن صلته إما أن تكون تامة‪ ،‬أو ُمذوفة الصدر‪.‬‬

‫إذا فكم أحوال (أي املوصولة) تضاف إىل مذكور واملضاف إليه مذكور‪ ،‬والصلة تامة‪،‬‬
‫والصلة ُمذوفة صلة الصدر أربعة‪.‬‬

‫األحوال أربعة‪:‬‬

‫‪ -‬احلالة األوىل‪ :‬أ ن يذكر املضاف إليه ويذكر صدر صلتها‪ ،‬كأن تقول‪( :‬يعجبني أهيم‬

‫هو قائم)‪( ،‬يعجبني أهيم) (أي) مضاف‪ ،‬و(هم) مضاف إليه مذكورة‪( ،‬هو قائم)‬

‫(هو) صدر الصلة مذكور‪.‬‬

‫‪ -‬احلالة الثانية‪ :‬أال تذكر املضاف إليه‪ ،‬وال تذكر صدر الصلة‪ ،‬كالمها ُمذوف‪ ،‬تقول‪:‬‬

‫قائم)‪.‬‬
‫أي ٌ‬ ‫(يعجبني ٌّ‬

‫أي‬
‫‪ -‬احلالة الثالثة‪ :‬أال تذكر املضاف إليه‪ ،‬ولكن تذكر صدر الصلة‪ ،‬فتقول‪( :‬يعجبني ٌّ‬

‫قائم)‪.‬‬
‫هو ٌ‬

‫(أي) فيها معربة باحلركات اتفا اقا‪( ،‬يعجبني أهيم هو قائم) بالرفع‪ِ ،‬‬
‫(أكرم‬ ‫هذه ثالثة أحوال ٌّ‬
‫قائم) معربة باحلركات‪.‬‬
‫بأهيم هو ٌ‬
‫أهيم هو قائم)‪( ،‬مررت ي‬
‫بقيت احلالة الرابعة ما هي؟‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪175‬‬

‫قائم)‪ ،‬يف هذه احلالة جيوز‬


‫أن يذكر املضاف إليه (أهيم) وحيذف صدر الصلة‪( ،‬يعجبني أهيم ٌ‬
‫لك اإلعراب‪ ،‬وجيوز لك البناء عىل الضم‪ ،‬وهذا هو األكثر واألفصح‪ ،‬فيجوز لك اإلعراب‪،‬‬
‫فتقول‪( :‬يعجبني أهيم قائم)‪ ،‬و(أكرم أهيم قائم)‪ ،‬و(سلمت عىل أهيِم قائم)‪.‬‬

‫ِ‬
‫وأكرم أهيم‬ ‫قائم‪،‬‬
‫وجيوز البناء عىل الضم وهذا األكثر واألفصح فتقول‪( :‬يعجبني أهيم ٌ‬
‫قائم‪ ،‬وسلمت عىل أهيم قائم) ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬ث َّم لن ِنزع َّن ِم ْن ك يل ِشيع ٍة أ ُّهي ْم أشدُّ عىل‬ ‫ٌ‬
‫الر ْمح ِن ِعتِ ًيا [مريم‪.]69:‬‬
‫َّ‬

‫أي أهيم هو أشد‪ ،‬فأهيم املضاف إليه املذكور هو أشد صدر الصلة ُمذوف‪ ،‬ومع إعراب‬
‫أهيم يف اآلية (ننزع أهيم)‪( ،‬أهيم) نازع َّ‬
‫وال منزوع؟ فاعل أو مفعول؟‬

‫مفعول به‪ ،‬ومع ذلك بني عىل الضم‪.‬‬

‫ومن ذلك قول شاعرهم‪:‬‬

‫فسلم عىل أهيم أفضله"‬ ‫"إذا ما لقني بني ٍ‬


‫مالك‬

‫يعني أهيم هو أفضل‪ ،‬وجاء يف رواية‪( :‬فسلم عىل أهيِم) أفضل وهذه رواية اجلر‪ ،‬وجاء يف‬
‫قراءة‪﴿ :‬ث َّم لن ِنزع َّن ِم ْن ك يل ِشيع ٍة أ ُّهي ْم [مريم‪ ]69:‬بالنصب‪.‬‬

‫ثم قال ابن هشام‪:‬‬

‫"وصلة (ال) ا ْلو ْصف وصلة غريها إِ َّما مجلة خربية ذات ضمري ٍ‬
‫طبق للموصول يسمى‬
‫عائِدا ا‪ ،‬أو ظرف‪ ،‬أو جار وجمرور تامان متعلقان ب(استقر) ُمذو افا"‬

‫تكلم هنا عىل صلة املوصول‪ ،‬فاألسَمء املوصولة كلها نصية ومشرتكة ال بد هلا من صلة؛‬
‫اسَم موصول بَم بعده‪.‬‬ ‫ا‬
‫موصوال‪ ،‬ال بد أن تصلها بَم بعدها‪ ،‬ا‬ ‫اسَم‬
‫فلهذا سميت ا‬
‫‪176‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ذكر ابن هشام هنا شيئاا من أحكام الصلة‪ ،‬فذكر أن االسم املوصول املشرتك (ال) له صل ٌة‬
‫خاص ٌة به‪ ،‬وهو الوصف الذي ذكره من قبل؛ يعني الوصف غري اسم التفضيل؛ يعني ال تكون‬
‫صلته إال اسم فاعل‪ ،‬ك(الضارب‪ ،‬واملكرم‪ ،‬واملستغفر)‪ ،‬أو اسم مفعول‪( :‬كاملكسور واملكرم)‪،‬‬
‫أو صفة مشبهة ك(احلسن‪ ،‬واجلبان‪ ،‬واجلميل)‪.‬‬

‫وبقية األسَمء املوصولة املشرتكة وكذلك مجيع األسَمء املوصولة النصية ال تكون صلتها إال‬
‫أحد شيئني كَم ذكر ابن هشام‪:‬‬

‫‪ ‬األول‪ :‬اجلملة‪.‬‬
‫‪ ‬والثان‪ :‬شبه اجلملة التامة‪.‬‬

‫سواء كانت فعلية أو اسمية‪ ،‬كقولك‪( :‬جاء الذي يقول احلق)‪( ،‬جاء الذي‬
‫ا‬ ‫فاألول اجلملة‪:‬‬
‫كريم)‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أبوه كريم) فوصلت (الذي) بجملة فعلية (يقول احلق)‪ ،‬أو بجملة اسمية (أبوه‬

‫والثان شبه اجلملة التامة‪:‬‬

‫يف شبه مجلة تامة‪ ،‬وشبه مجلة غري تامة؟‬


‫ٍ‬
‫بكون عا ٍّم ُمذوف‪ ،‬تتعلق بكلمة تدل عىل مطلق‬ ‫نعم‪ ،‬شبه اجلملة التامة‪ :‬هي التي تتعلق‬
‫الوجود؛ يعني مثل (استقر) أو (و ِجد)‪ ،‬أو (حصل)‪ ،‬أو (كان) ما تدل عىل كلمة‪ ،‬تدل عىل‬
‫كون خاص؛ يعني صفة خاصة معينة‪ ،‬مثل‪( :‬نام‪ ،‬رضب‪ ،‬أكل‪َ ،‬شب)‪.‬‬

‫ال‪ ،‬يعني الوجود إما أن خترب عن الوجود املطلق‪ ،‬إن زيد موجود يف املسجد) هذا يسموه‬
‫وجود مطلق‪ ،‬تقول‪ :‬زيد يف املسجد)‪ ،‬أخربتني عن مطلق وجوده يف املسجد‪ ،‬لكن ما أخربتني‬
‫ئم يف‬
‫عن صفته اخلاصة‪ ،‬لو أخربتني عن صفته اخلاصة وجب أن تنص عليها‪ ،‬تقول‪( :‬زيدٌ نا ٌ‬
‫جالس يف املسجد) أو (زيد يدرس يف املسجد) هذه صفات خاصة‪ ،‬أنت ربَم‬
‫ٌ‬ ‫املسجد) أو (زيدٌ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪177‬‬

‫ال تريد أن متيز صفاته اخلاصة‪ ،‬أنت الذي تريد أن تبينه يل فقط جمرد الوجود املطلق أنه موجود‬
‫يف املسجد‪ ،‬فإن الوجود املطلق‪ ،‬فإنك جيب أن حتذف الكون العام‪ ،‬وتكتفي بشبه اجلملة‪،‬‬
‫فتقول‪( :‬زيد يف املسجد) ما تقول‪( :‬زيدٌ جائم يف املطبخ) أو ( زيدٌ موجو ٌد يف املسجد) أو‬
‫جالس‬
‫ٌ‬ ‫(مستقر يف املسجد) هذا ما جيوز يف اللغة علم‪ ،‬وإنَم جيب أن ترصح بالكون اخلاص (زيدٌ‬
‫ٌّ‬
‫يف املجلس‪ ،‬أو يصيل يف املسجد‪ ،‬أو يدرس املسجد‪.‬‬

‫فشبه اجلملة إذا كانت متعلقة بكون عام ُمذوف وجو ابا تسمى شبه مجلة تامة؛ ألهنا تدل عىل‬
‫املعنى‪.‬‬

‫أما شبه اجلملة املتعلقة بكون خاص مذكور‪ :‬هذه تسمى ناقصة؛ ألنك لو حذفت هذا‬
‫الكون اخلاص ما تعرف معناها ذهب معناها‪ ،‬ونقص معناها‪.‬‬

‫مثال ذلك يف األسَمء املوصولة‪ :‬أن تقول‪( :‬أكرمت الذي يف املسجد)‪ ،‬صحيح‪ ،‬معنى‬
‫صحيح ومقبول وفهمت الذي يقال‪ ،‬أو (أكرمت الذي عندك) بخالف ما لو قلت‪( :‬أكرمت‬
‫الذي يثق بك)‪ ،‬ثم حذفت (يثق) فقلت‪( :‬أكرمت الذي بك)‪ ،‬هنا ما يصح أن تقول كلمة‬
‫(بك) وإن كانت شبه مجلة ما يصح أن تكون صلة للموصول (أكرمت الذي بك) ال بد أن تأيت‬
‫اجلملة (يثق) هذا فعل‪ ،‬والفاعل (هو)‪.‬‬

‫أو تقول ا‬
‫مثال‪( :‬أعطيت الذي إليك تريد) (أعطيت الذي حيتاج إليك) هنا جيب أن تقول‪:‬‬
‫(حيتاج) وتكون (حيتاج) اجلملة هي صلة املوصول‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫معنى ذلك أن األسَمء املوصولة ما تكون صلتها إال مجلة أو شبه مجلة تامة‪ ،‬شبه اجلملة غري‬
‫التامة ال تقع‪.‬‬

‫طيب االسم املفرد هل يقع صل اة للموصول؟‬


‫‪178‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫كلم)‪( ،‬جاء الذي ُممدٌ )‪( ،‬جاء‬


‫ألنه ما ذكرناه هنا اآلن؛ يعني ما يقع‪ ،‬ما تقول‪( :‬جاء الذي ٌ‬
‫ا‬
‫خطأ‪ ،‬ال يقع صل اة للموصول إال ما ذكره‬ ‫الذي أخي) ما يصح وال يقال هذا‪ ،‬ولو قلت هذا‬
‫النحويون‪ ،‬هذا باستقراء كالم العرب هذه املواضع عندما تستقرأ وحترص معنى ذلك أن هذا هو‬
‫الوارد‪ ،‬فخالفها ليس بصحيح‪.‬‬

‫طيب‪ ،‬سنضطر إىل أن نقف هنا‪ ،‬وال نكمل املعارف‪ ،‬مع أن النية كانت عىل إكَمهلا‪ ،‬لكن‬
‫الوقت تأخر‪ ،‬فنكملها إن شاء اَّلل يف الدرس القادم‪ ،‬واَّلل أعلم وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ُممد‪،‬‬
‫وعىل آله وأصحابه أمجعني‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪179‬‬

‫الدرس اخلامس‬

‫بسم اَّلل الرمحن الرحيم‬

‫احلمد َّلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل نبينا ُممد وعىل آله وأصحابه أمجعني‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫ا‬
‫وسهال ومرح ابا بكم يف الدرس اخلامس من‬ ‫ا‬
‫وأهال‬ ‫فسالم اَّلل عليكم ورمحته وبركاته‪،‬‬
‫دروس َشح قطر الندى وبل الصدى البن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل تعاىل‪.-‬‬

‫نحن يف ليلة األربعاء الثان عرش من مجادى اآلخرة من سنة ‪1439‬هـ يف جامع منرية الشبييل‬
‫يف حي الفالح يف مدينة الرياض‪.‬‬
‫ٍ‬
‫نكرة ومعرفة‪ ،‬ولكن بقي منه الكالم‬ ‫وقد كنا تكلمنا يف الدرس املايض عىل تقسيم االسم إىل‬
‫عىل صلة املوصول‪ ،‬وعىل املعرف ب(ال)‪ ،‬وعىل املعرف ب(اإلضافة) فسنكمل ذلك إن شاء‬
‫اَّلل تعاىل يف هذا الدرس‪ ،‬ثم نتكلم عىل الباب التايل وهو باب املبتدأ واخلرب‪.‬‬

‫فنستعني باَّلل ‪-‬ع َّز وجل‪ -‬ونتوكل عليه‪.‬‬

‫ففي الدرس املايض كنا قد توقفنا يف أثناء الكالم عىل االسم املوصول الذي هو أحد أنواع‬
‫املعارف‪.‬‬

‫عرفنا األسَمء املوصولة وأهنا نوعان‪:‬‬

‫‪ ‬نصية‪.‬‬
‫‪ ‬ومشرتكة‪.‬‬
‫‪180‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ثم عرفنا أهنا ُمتاج ٌة إىل صلة‪ ،‬ثم ذكر ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل تعاىل‪ -‬أن الصلة ال بد أن يكون‬
‫فيها عائد‪ ،‬فقال ‪-‬ر ِمحه اَّلل تعاىل‪ -‬بعد أن ذكر أن صلة املوصول إما أن تكون مجلة‪ ،‬وإما أن‬
‫طبق للموصول يسمى‬ ‫ٍ‬
‫ضمري ٍ‬ ‫تكون شبه مجلة‪ ،‬قال يف الصلة‪ :‬إذا وقعت مجلة مجل ٌة خربية ذات‬
‫عائدا ا‪ ،‬وقد حيذف نحو ﴿أ ُّهي ْم أشدُّ [مريم‪﴿ ،]69:‬وما ع ِملتْه أ ْي ِدهيِ ْم [يس‪﴿ ،]35:‬فا ْق ِ‬
‫ض‬
‫اض [طه‪﴿ ،]72:‬وي ْرشب ِممَّا ت ْرشبون [املؤمنون‪.]33:‬‬ ‫ما أنْت ق ٍ‬

‫فذكر أن النوع األول من نوعي الصلة وهي اجلملة الواقعة صل اة يشرتط فيها َشطان لكي‬
‫يصح أن تقع صل اة‪:‬‬

‫الرشط األول‪ :‬أن تكون خربية؛ أي ال إنشائية‪ ،‬فيصح أن نقول‪( :‬جاء الذي نجح)؛ ألن (نجح)‬
‫وفاعلها املسترت هو مجل ٌة خربية‪.‬‬

‫‪ -‬واجلملة اخلربية‪ :‬هي اجلملة التي تقبل التصديق والتكذيب يف ذاهتا؛ يعني يصح أن‬

‫تقول لصاحبها‪ :‬صدقت‪ ،‬هذا كال ٌم صحيح‪ ،‬وأن تقول‪ :‬كذبت‪ ،‬هذا كال ٌم ليس‬

‫بصحيح‪.‬‬

‫نقول‪ :‬لذاته؛ لكي خيرج الكالم املقطوع بصحته ككالم اَّلل ‪-‬س ْبحانه وتعاىل‪ ،-‬فإذا‬

‫قلت‪( :‬نجح) يمكن أن تقول‪ :‬صدقت نجح‪ ،‬أو كذبت ما نجح) فهذه مجل ٌة خربية‪.‬‬

‫‪ -‬أما اجلمل اإلنشائية‪ :‬فهي التي ال تقبل التصديق وال التكذيب يف ذاهتا‪ ،‬وإنَم تقبل‬

‫أشياء أخرى‪ ،‬كقولك‪( :‬نعم) أو (ال)‪ ،‬ونحو ذلك؛ وهلذا ال يصح أن تقول‪( :‬جاء‬

‫أكرمه) أو (جاء الذي ال هتِنه)؛ ألن مجلة (أكرمه) طلبية‪ ،‬والطلب إنشاء‪ ،‬فإذا‬
‫الذي ِ‬

‫قلت‪( :‬أكرمه)‪ ،‬أو قلت‪( :‬ال هتنه) فال تقول‪( :‬صدقت‪ ،‬أو كذبت)‪ ،‬وإنَم تقول‪:‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪181‬‬

‫(نعم‪ ،‬سأ ِ‬
‫كرمه)‪ ،‬أو تقول‪( :‬ال لن أكرمه) فهذه إنشاء‪ ،‬فال يصح أن تقع صل اة‬

‫للموصول‪.‬‬

‫والرشط الثان يف اجلملة الواقعة صل اة‪ :‬أن يكون فيها عائد‪ ،‬عائدٌ منها إىل االسم املوصول‪،‬‬
‫سمي (عائدا ا)؛ ألنه يعود إىل االسم املوصول‪ ،‬وهذا العائد هو ضمري‪ ،‬وبَم أنه ضمري يعود إىل‬
‫املوصول‪ ،‬فيجب أن يطابق املوصول يف التذكري والتأنيث‪ ،‬ويف اإلفراد والتثنية واجلمع‪.‬‬

‫تقول‪( :‬جاء الذي نجح)‪ ،‬و(جاء الذي نجح أخوه)‪ ،‬وتقول‪( :‬جاء اللذان نجحا)‪ ،‬وتقول‪:‬‬
‫(جاء الذين نجحوا)‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫فإذا مل يكن يف اجلملة عائد‪ ،‬فإن اجلملة ال تصح‪ ،‬وهلذا ال يصح أن تقول‪( :‬جاء الذي العلم‬
‫مفيدٌ )؛ ألن العلم مفيد) مجلة اسمية‪ ،‬لكن ليس فيه عائد لالسم املوصول‪ ،‬وعىل هذا نعرف‬
‫خطأ من يقول‪( :‬احلمد َّلل الذي نجحت)‪( ،‬فنجحت) تاء املتكلم يف (نجحت) تعود إىل‬
‫نعت السم اَّلل‪ ،‬فصارت اجلملة ا‬
‫خطأ‪ ،‬يمكن أن تصححها بأن‬ ‫املتكلم‪ ،‬وال تعود إىل الذي هو ٌ‬
‫تقول‪( :‬احلمد َّلل الذي نجحني) ففاعل (نجحني) وهو الضمري املسترت (هو) يعود إىل الذي‪،‬‬
‫نعت اَّلل‪ ،‬فتصح اجلملة بذلك‪ .‬فهذان الرشطان يف اجلملة الواقعة صل اة‪.‬‬

‫ثم إن ابن هشام فيَم قرأناه ذكر أن الرشط يف العائد أن يكون موجو ادا يف اجلملة‪ ،‬وال يشرتط‬
‫أن يكون ملفو اظا به؛ يعني بعد وجوده يف اجلملة يصح أن حيذف من اللفظ‪ ،‬وإن كان موجو ادا يف‬
‫سواء أكان رف اعا كقوله تعاىل‪﴿ :‬ث َّم لن ِنزع َّن ِم ْن ك يل ِشيع ٍة أ ُّهي ْم‬
‫ٌ‬ ‫التقدير‪ ،‬فيصح أن حيذف العائد‬
‫الر ْمح ِن ِعتِ ًيا [مريم‪ ،]69:‬ف﴿أ ُّهي ْم [مريم‪ ]69:‬االسم املوصول‪ ،‬وصلته‬ ‫أشدُّ عىل َّ‬
‫﴿أشدُّ [مريم‪ ]69:‬والتقدير (أهيم هو) ﴿أشدُّ [مريم‪ ]69:‬فحذفنا الضمري (هو) الذي هو‬
‫رفع‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مبتدأ‪ ،‬وهو العائد‪ ،‬فحذف العائد وهو ٌ‬
‫‪182‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫أو كان هذا العائد نص ابا‪ :‬وهذا هو األكثر‪ ،‬كقولك‪( :‬جاء الذي أحبه) أو (جاء الذي‬
‫مفعوال به وهو العائد‪ ،‬قال ‪-‬س ْبحانه وتعاىل‪﴿ :-‬وما ع ِملتْه‬
‫ا‬ ‫أحب) فتحذف الضمري الواقع‬
‫أ ْي ِدهيِ ْم [يس‪ ]35:‬ويف قراءة (وما عملت أيدهيم)؛ يعني الذي عملته‪.‬‬

‫جرا‪ :‬كقوله‪﴿ :‬وي ْرشب ِممَّا ت ْرشبون [املؤمنون‪ ]33:‬يعني يرشب من‬
‫أو كان هذا العائد ً‬
‫الذي ترشبون منه‪ ،‬فح ِذف العائد ثم ح ِذف اجلر‪ ،‬جره‪ ،‬وتقول‪( :‬مررت بالذي مررت)؛ يعني‬
‫(مررت بالذي مررت به) وهكذا‪.‬‬

‫وذكرنا من قبل أن املحذوف من اللفظ املقدَّ ر هو يف احلقيقة موجو ٌد يف اجلملة‪ ،‬فلهذا وقع‬
‫احلذف عليه‪ ،‬بخالف املعدوم‪ ،‬املعدوم يف نحو قولك‪( :‬احلمد َّلل الذي نجحت) ما يف ا‬
‫أصال‬
‫ضمري يعود إىل العائد‪ ،‬ثم ح ِذف من اللفظ‪.‬‬

‫فهذا ما يتعلق باملعرفة الرابعة وهي األسَمء املوصولة‪.‬‬

‫املعرف ب(ذي‬
‫املعرف ب(ال)‪ ،‬أو َّ‬
‫لننتقل إىل املعرفة التالية وهي املعرفة اخلامسة َّ‬ ‫‪‬‬
‫األداة)‪:‬‬

‫املعرف ب(ال)‪ :‬هو االسم الذي إذا أدخلت فيه (ال) صار معرفة‪ ،‬وإذا نزعت منه (ال)‬
‫َّ‬
‫صار نكرة‪.‬‬

‫(قلَم) نكرة؛ ألنك لو أعطيتني أي قلم‬


‫قلَم)‪ ،‬نقول‪ :‬ا‬
‫مثال ذلك‪ :‬لو قلت لك‪( :‬أعطني ا‬
‫ٍ‬
‫لطالب يعبث بقل ٍم يف يده‪( :‬يا طالب دع القلم) فأنا أريد‬ ‫الستجبت ملا طلبته منك‪ ،‬فإذا قلت‬
‫قلَم معيناا‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ بقويل‪( :‬القلم) القلم احلارض بني يديه‪ ،‬فلَم أدخلت (ال) صار املقصود بالقلم ا‬
‫ُمد ادا معرفة‪ ،‬ولو نزعت منه (ال) لعاد إىل التنكري‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مدينة؟‬ ‫مثال‪ :‬هل تسكن يف ٍ‬
‫قرية أم تسكن يف‬ ‫ومثل ذلك‪ :‬لو قلت لك ا‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪183‬‬

‫ٍ‬
‫ومدينة هنا نكرات‪ ،‬أما إذا قلت لك‪ :‬ما املدينة التي تسكن فيها؟ إذن املدينة صارت‬ ‫ٍ‬
‫فقرية‬
‫معرف اة ب(ال) بعد‬ ‫ا‬
‫مدينة معينة‪ ،‬وهي املدينة التي تسكن أنت فيها‪ ،‬فصارت َّ‬ ‫معرفة؛ ألن أريد‬
‫أن كانت نكر اة من دون (ال) وهكذا‪.‬‬

‫وقد سبق أن نبهنا عىل أن األعالم قد تدخلها (ال)‪ ،‬ك(ال) التي يف أسَمء اَّلل ‪-‬ع َّز وجل‪،-‬‬
‫والتي يف (القصواء‪ ،‬والكعبة) وكذلك يف (املدينة) إذا أردت (طيبة)‪ ،‬ف(ال) فيها زائدة؛ ألن‬
‫هذه األسَمء معرف ٌة بالعلمية‪ ،‬وليست معرف اة ب(ال)‪.‬‬

‫علَم‪.‬‬
‫والدليل عىل ذلك‪ :‬أنك إذا أزلت منها (ال) بقيت ا‬
‫املعرف ب(ال)‪ ،‬وإنَم ذكر أنواعه؛ يعني اكتفى‬ ‫ِ‬
‫عرف َّ‬‫وابن هشام ‪-‬رمحه اَّلل تعاىل‪ -‬مل ي ي‬
‫املعرف ب(ال)‪.‬‬
‫بحرص أنواعه عن تعريفه‪ ،‬لكنه يف أول الباب ذكر اخلالف بني النحويني يف ي‬

‫فقال‪:‬‬

‫وسيبو ْي ٍه‪َّ ،‬‬


‫الالم وحدها خال افا لألخفش"‬ ‫اخللِيل ِ‬
‫"ثم ذو األداة وهي (ال) ِعنْد ْ‬

‫تعرف‪ ،‬وتنقل االسم من التنكري إىل التعريف‪ ،‬فيكون معرف اة‪.‬‬


‫فعرفنا أن (ال) ي‬

‫يعرف من هذه األداة (ال) هل هي كلها برمتها أم بعضها وبعضهَم زائد؟‬


‫لكن ما الذي ي‬

‫خالف بني النحويني عىل أقوال‪:‬‬


‫ٌ‬

‫املعرف (ال) برمتها‪ ،‬واهلمزة يف (ال) أصلية‪ ،‬وقد كانت مهزة‬


‫‪-‬القول األول‪ :‬أن ي‬
‫ا‬
‫وصال لكثرة االستعَمل‪ ،‬وهذا قول اخلليل‪ ،‬ونرصه ابن‬ ‫قطع‪ ،‬إال أن العرب جعلتها‬
‫مالك‪.‬‬
‫املعرف (ال) برمتها‪ ،‬إال أن اهلمزة مهزة وصل وهي زائدة‪ ،‬وهذا‬
‫‪-‬والقول الثان‪ :‬أن ي‬
‫قول سيبويه‪.‬‬
‫‪184‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫املعرف الالم وحدها‪ ،‬فاهلمزة زائدة‪ ،‬وهذا ينسب إىل األخفش‪،‬‬


‫‪-‬والقول الثالث‪ :‬أن ي‬
‫وأخذ به بعض املتأخرين‪.‬‬
‫املعرف اهلمزة‪ ،‬والالم زائدة‪ ،‬وينسب إىل املربد‪،‬‬
‫‪-‬والقول الرابع‪ :‬عكس الثالث‪ :‬أن ي‬
‫وهذا أضعف األقوال‪.‬‬

‫والذي يقرأ يف كتب التفسري‪ ،‬أو يف كتب احلديث َشوح احلديث جيد اختالف تعبرياهتم‬
‫ف‬
‫معر ٌ‬
‫ف ب(بال)‪ ،‬وجتد من يقول‪َّ :‬‬
‫معر ٌ‬
‫بناء عىل هذه األقوال‪ ،‬فتجد من يقول‪َّ :‬‬
‫املعرف ا‬
‫عن ي‬
‫ف بالالم‪ ،‬كل ذلك موجود بكثرة يف كتب املتقدمني‪.‬‬
‫معر ٌ‬
‫باأللف والالم‪ ،‬وجتد من يقول‪َّ :‬‬

‫عرف احلرف برمته‪.‬‬


‫معرف ب(ال)‪ :‬فمعنى ذلك امل ي‬
‫ٌ‬ ‫‪ ‬فمن قال‪:‬‬
‫ف باأللف والالم‪ :‬فمعنى ذلك أن الكلمة أحادية حرف واحد‪،‬‬
‫معر ٌ‬
‫‪‬ومن قال‪َّ :‬‬
‫فاهلمزة زائدة‪.‬‬
‫ف بالالم‪ ،‬فهذا قول األخفش‪.‬‬
‫معر ٌ‬
‫‪ ‬ومن قال‪َّ :‬‬

‫املعرفة‪ ،‬وهذا أهم ما يف الباب‪ ،‬أنواع (ال)‬ ‫ِ‬


‫ثم إن ابن هشام ‪-‬رمحه اَّلل‪ -‬ذكر أنواع (ال) ي‬
‫املعرفة‪.‬‬

‫يعني إذا قلت لكم‪( :‬البيت) معرفة أو نكرة نحو ًيا؟‬

‫نحو ًيا‪.‬‬

‫طيب ماذا أقصد بقويل‪( :‬البيت) أو نقول‪( :‬الشارع)‪ ،‬أو نقول‪( :‬املسجد)؟‬

‫لو قلت‪( :‬املسجد) أي مسجد أريد؟‬

‫كل مسجد يمكن أن تقول عنه‪ :‬املسجد‪ ،‬طيب أي مسجد أريد؟‬

‫الكتاب‪ ،‬القلم‪ ،‬السيارة‪ ،‬أي قلم أريد بقويل‪( :‬القلم)؟‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪185‬‬

‫يعني كيف ت ِ‬
‫كسب (ال) االسم التعريف كيف جتعله معرفة؟‬

‫نعم‪ ،‬جتعله معرفة بمعرفة هذه األنواع‪( ،‬ال) تعريفها لالسم ليس شيئاا واحدا ا‪ ،‬بل عىل‬
‫أنواع سيذكرها ابن هشام‪.‬‬

‫فيقول‪:‬‬

‫﴿يف زجاج ٍة الزُّ جاجة [النور‪ ]35:‬و(جاء القايض)‪ ،‬أو للجنس نحو‬ ‫"وتكون للعهد نحو ِ‬

‫يش ٍء ح ٍّي [األنبياء‪ ،]30:‬أو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫«أهلك الناس الدينار والدرهم»‪﴿ ،‬وجع ْلنا من ا ْملاء ك َّل ْ‬
‫إلنسان ض ِعي افا [النساء‪ ،]28:‬أو صفاته نحو (زيدٌ الرجل)"‪.‬‬ ‫الستغراق أفراده نحو ﴿وخلِق ا ِ‬

‫ا‬
‫موصوال بمعنى الذي‪ ،‬سبق يف األسَمء املوصولة قبل قليل‪،‬‬ ‫اسَم‬
‫ف(ال) كَم سبق قد تأيت ا‬
‫أيضا حر افا زائدا ا‪ ،‬ك(ال) الداخلة يف األعالم تكلمنا عليها قبل قليل‪ ،‬ال نريد هذه‬
‫وتأيت (ال) ا‬
‫وال تلك‪ ،‬الكالم هنا عىل (ال) املعرفة التي إذا دخلت عىل االسم أكسبته تعريف‪ ،‬فذكر ابن‬
‫هشام أهنا أنواع؛ يعني أهنا تعرف االسم بأكثر من طريقة‪ ،‬فهي إما أن تعرفه بالعهد‪ ،‬العهد‬
‫املوجود بني املتكلم واملخاطب‪ ،‬أو تعرفه باجلنس‪.‬‬

‫فذكر أن (ال) نوعان‪:‬‬

‫‪ ‬عهدية‪.‬‬
‫‪ ‬وجنسية‪.‬‬

‫فبدأ بالعهدية وذكر أهنا ثالثة أنواع‪:‬‬

‫‪-‬النوع األول من (ال) العهدية هي الذكرية‪ :‬وهي ما تقدَّ م ذكر االسم يف اللفظ‪ ،‬نفس‬
‫االسم تقدم لفظه يف الكالم من قبل‪ ،‬كَم يف قوله تعاىل‪﴿ :‬كَم أ ْرس ْلنا إِىل فِ ْرع ْون‬
‫الرسول) [املزمل‪ ،]16:15‬قوله‪﴿ :‬فعىص فِ ْرع ْون‬ ‫ِ‬
‫وال *فعىص ف ْرع ْون َّ‬ ‫رس ا‬
‫‪186‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫الرسول [املزمل‪ ]16:‬هذا الرسول معروف‪ ،‬عرفناه اآلن وحتدد وهو املذكور قبل‬ ‫َّ‬
‫وال [املزمل‪ ،]15:‬فالرسول هنا تعرف‬ ‫قليل يف قوله‪﴿ :‬كَم أ ْرس ْلنا إِىل فِ ْرع ْون رس ا‬

‫بأن نكرته ذكِرت من قبل‪ ،‬ذكِر االسم من قبل‪ ،‬إذن فالرسول املذكور هنا هو‬ ‫َّ‬
‫﴿رس ا‬
‫وال [املزمل‪ ]16:‬املذكور من قبل‪ ،‬ما يلتبس بغريه‪.‬‬

‫ي [النور‪ ]35:‬ويش هي‬ ‫ٍ‬ ‫وكَم يف قوله تعاىل‪ِ :‬‬


‫ب د ير ٌّ‬
‫﴿يف زجاجة الزُّ جاجة كأ َّهنا ك ْوك ٌ‬
‫الزجاجة التي كأهنا كوكب دري؟‬

‫هي الزجاجة املذكورة قبل قليل يف اآلية السابقة‪ ،‬ليست زجاجة أخرى‪ ،‬فإذا قلت لكم‪:‬‬
‫قلَم قبل قليل‪ ،‬ثم بعت القلم) هل عرفتم القلم الذي بِ ْعته؟ وهو الذي اشرتيته قبل‬
‫اشرتيت ا‬
‫قليل‪ ،‬التعريف هنا حدث بالذكرية أنه ذكِر قبل قليل بلفظه‪ ،‬هذه (ال) الذكرية‪.‬‬

‫‪-‬والنوع الثان من (ال) العهدية هي احلضورية‪ :‬وهي ما حرض يف احلس واملشاهدة عند‬
‫التكلم‪ ،‬يشء موجود ُمسوس يف أثناء التكلم بني املخاطب واملشاهد موجود عندنا‬
‫ُمسوس ومشاهد‪ ،‬فيكون هو املراد باالسم الذي أدخلنا عليه (ال) كمثالنا السابق‬
‫قلَم معيناا‪،‬‬
‫عندما يقال لطالب‪( :‬يا طالب دع القلم) أريد القلم احلارض بني يديه‪ ،‬أريد ا‬
‫فهو مباَشة أن يقصد هذا القلم‪.‬‬

‫عيل الغرفة أغلق الباب) فأفهم أن أريد باب الغرفة‪ ،‬ال أريد باب‬
‫وكقولك‪( :‬وقد دخلت َّ‬
‫البيت‪ ،‬أو باب غرفة أخرى‪ ،‬الباب الذي دخلت منه‪ ،‬تفهم مباَشة؛ ألنه الباب احلارض‪.‬‬

‫أو نحن يف درس‪ ،‬فأقول لك‪( :‬اقرأ من الكتاب) تعرف أن أريد الكتاب الذي نرشح فيه‪ ،‬ما‬
‫ٍ‬
‫بكتاب آخر‪ ،‬الكتاب احلارض‪ ،‬ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬ا ْلي ْوم أكْم ْلت لك ْم‬ ‫تأتيني‬
‫ِدينك ْم [املائدة‪ ]3:‬نزلت يف يوم عرفة‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪187‬‬

‫إذن ما املراد باليوم؟‬

‫هو اليوم احلارض يف أثناء نزول اآلية‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫‪ -‬النوع الثالث من (ال) العهدية هي العلمية‪ ،‬أو يقال‪ :‬الذهنية‪ :‬وهي ما حرض يف علم‬
‫املخاطب وذهنه عند التكلم؛ يعني العهد املعهود بني املخاطب واملتكلم موجود يف‬
‫ذهني‪ ،‬ويف ذهن املخاطب يف علمي وعلمه‪ ،‬أعلم أنه يف علمه ويف ذهنه هذا اليشء‬
‫الذي نتكلم عليه‪ ،‬فأدخل عليه (ال)‪.‬‬

‫ا‬
‫مثال‪ :‬نحن ننتظر قدوم األستاذ‪ ،‬فأقول لكم‪( :‬جاء األستاذ) عرفتم املراد باألستاذ‪ ،‬كيف‬
‫عرفتموه؟ ألنه األستاذ الذي يف ذهني وذهنك‪.‬‬

‫من ذلك‪ :‬أن يأتيك طالب وأنت يف اخلارج فيقول‪( :‬لقد بدأ الدرس) يعني الدرس املعلوم‬
‫بيني وبينك‪ ،‬أو ا‬
‫مثال أعرتك كتا ابا ثم قلت لك فيَم بعد‪( :‬أين الكتاب؟) أريد الكتاب الذي بيني‬
‫وبينك‪ ،‬وهو الذي أعرتك إياه‪.‬‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬إِ ْذ مها ِيف ا ْلغ ِ‬
‫ار [التوبة‪ ]40:‬عرفنا أن الغار املقصود هو (غار ثور)‪.‬‬

‫س [طه‪( ]12:‬وادي طوى)‪﴿ ،‬ولقدْ آت ْينا موسى ا ْلكِتاب [البقرة‪ ]87:‬أي‬


‫و﴿بِا ْلو ِاد ا ْملقدَّ ِ‬

‫كتاب؟ الذي أنزل عليه‪.‬‬

‫الشجر ِة [الفتح‪ ]18:‬أي شجرة؟ معروفة‬


‫﴿لقدْ ر ِيض اَّللَّ ع ِن ا ْمل ْؤ ِمنِني إِ ْذ يبايِعونك ْحتت َّ‬
‫بأذهان الصحابة عندما نزلت اآلية وهي (شجرة الرضوان)‪.‬‬

‫﴿إِ َّن الدي ين ِعنْد اَّللَِّ ا ِ‬


‫إل ْسالم [آل عمران‪.]19:‬‬
‫‪188‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫وأقول لكم‪ :‬من حيفظ األبيات‪ ،‬األبيات التي معروفة بيني وبينكم وطلبتها منكم‪ ،‬وأقول‬
‫لكم‪( :‬نحن نرشح القطر) هذه أكثر أنواع (ال) أكثر ما تكون (ال) يف الكالم هي (ال) العلمية‬
‫العهدية‪.‬‬

‫ا‬
‫مثال‪ :‬نحن نخرج كل أسبوع‪ ،‬أو كل مدة إىل اسرتاحة معينة نجتمع فيها‪ ،‬فأرسل إليك‬
‫رسالة أقول لك‪( :‬اجتَمعنا اليوم يف االسرتاحة) طيب الرياض فيها مئات االسرتاحات‪ ،‬ال‪،‬‬
‫أنت تعرف املراد باالسرتاحة؛ يعني االسرتاحة املعهودة يف ذهني وذهنك‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فهذه (ال)‬
‫العهدية‪ ،‬إما أن يكون العهد بالذكر‪ ،‬أو باحلضور‪ ،‬أو بالذهن والعلم‪.‬‬

‫النوع الثان من (ال) املعرفة هي (ال) اجلنسية عندما يكون املراد اجلنس ال فر ادا معيناا منه‪ ،‬أو‬
‫أفرا ادا معينني منه‪ ،‬وإنَم مطلق اجلنس‪ ،‬وهي نوعان‪:‬‬

‫‪ -‬األوىل‪ :‬االستغراقية‪ ،‬اجلنسية االستغراقية‪ ،‬وذلك إذا أردت هبا العموم‪ ،‬عموم‬
‫اجلنس؛ يعني مجيع أفراد اجلنس‪.‬‬

‫وضابط ذلك‪:‬‬

‫رس(‪ )2‬إِ َّال ا َّل ِذين آمنوا‬


‫إلنسان ل ِفي خ ْ ٍ‬
‫أن حتل (كل) ُمل (ال) كقوله تعاىل‪﴿ :‬إِ َّن ا ِ‬

‫(إن كل‬
‫إلنسان [العرص‪ ]2:‬هذه جنسية استغراقية؛ ألن املراد َّ‬ ‫(‪[ )3‬العرص‪( ]3:2‬ال) يف ﴿ا ِ‬

‫احلات [العرص‪.]3:‬‬‫خرس) ﴿إِ َّال ا َّل ِذين آمنوا وع ِملوا الص ِ‬ ‫ٍ‬
‫إنسان لفي ٍ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫إنسان ضعي افا)‪.‬‬ ‫إلنسان ض ِعي افا [النساء‪]28:‬؛ يعني (خلِق كل‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬وخلِق ا ِ‬

‫﴿احل ْمد َّللَِّ ر يب ا ْلعاملِني [األنعام‪ ]45:‬يعني كل محد َّلل‪ ،‬االستغراقية‪.‬‬


‫ومن ذلك‪ْ :‬‬

‫أما إذا قلت‪( :‬احلمد لك يا فالن) أو (الشكر لك يا فالن) ف(ال) هنا استغراقية أم غري‬
‫استغراقية؟‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪189‬‬

‫عظيَم‪.‬‬
‫غري استغراقية‪ ،‬وسيبويه يقول‪ :‬لو قلت ذلك لكان ا‬
‫طيب‪ ،‬ما نوع (ال) يف قولك‪( :‬الشكر لك يا فالن)؟‬

‫هذه عهدية علمية؛ يعني الشكر املعهود الذي يقدَّ م ملثلك هو لك‪.‬‬

‫وإذا قلنا‪ :‬إذا دخلت السوق فقل كذا وكذا‪ ،‬فَم نوع (ال) هنا هل هي عهدية َّ‬
‫وال‬
‫استغراقية؟‬

‫استغراقية‪ ،‬لو قلنا‪ :‬عهدية؛ يعني نريد سو اقا معيناا‪ ،‬وهو السوق الذي ا‬
‫مثال بيني وبينك‪ ،‬أو‬
‫السوق الذي ذكرته‪ ،‬أو نحو‪ ،‬بس أنت ما تريد ذلك‪ ،‬أنت تريد استغراق كل األسواق‪ ،‬إذن هنا‬
‫(ال) استغراقية‪ ،‬يعني إذا دخلت كل السوق فقل‪ :‬كذا وكذا‪ ،‬وهذا االستغراق كَم رأيتم‬
‫استغراق حقيقي‪ ،‬يعني يستغرق مجيع أفراد اجلنس استغرا اقا حقيق ًيا‪.‬‬
‫ٌ‬

‫وقد يكون االستغراق ألفراد اجلنس جماز ًيا‪ :‬جماز ًيا عىل سبيل املبالغة‪ ،‬وذلك إذا أردت‬
‫استغراق الصفات‪ ،‬ال استغراق األفراد كقولك‪( :‬املتنبي الشاعر) هذا صحيح‪ ،‬هل معنى ذلك‬
‫أنه ال يوجد شاعر غري املتنبي؟ ال‪ ،‬أنت ما تقصد ذلك‪ ،‬وإنَم تقصد املتنبي فيه مجيع صفات‬
‫الشاعر‪ ،‬ف(ال) هنا الستغراق صفات الشاعر‪.‬‬

‫وتقول‪( :‬زيدٌ هو الرجل)؛ يعني ما يف رجل غري زيد؟ ال‪ ،‬وإنَم تريد ب(ال) هنا استغراق‬
‫الصفات‪( ،‬زيدٌ هو الرجل) يعني الذي فيه كل صفات الرجولة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫فهذا النوع األول من (ال) اجلنسية وهي االستغراقية التي تستغرق مجيع أفراد اجلنس‬
‫حقيق اة‪ ،‬أو مبالغ اة‪.‬‬

‫‪-‬النوع الثان من (ال) اجلنسية‪ ،‬هي اجلنسية لبيان املاهية‪ ،‬أو لبيان احلقيقة‪ :‬يعني املراد‬
‫ماهية اجلنس‪ ،‬حقيقة اجلنس‪ ،‬ال أفراد اجلنس‪.‬‬
‫‪190‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫وضابط ذلك‪ :‬أن (كل) ال تقع فيه موقع (ال) كقولك‪( :‬األسد أشجع من الذئب) صحيح‬
‫أم غري صحيح؟‬

‫صحيح؛ ألن قد جتد من الذئاب ما هو‪ ،‬أشجع من بعض األسود‪ ،‬بعض األسود جبانة‪،‬‬
‫وبعض الذئاب فيها جرأة وشجاعة أكثر من بعض األسود‪ ،‬لكن هذا ال يعني خطأ قولنا‪:‬‬
‫(األسد أشجع من الذئب)؛ ألنك ال تعني بذلك كل أسد أشجع من كل ذئب‪ ،‬وإنَم املراد هذا‬
‫عموما‪.‬‬
‫ا‬ ‫عموما أشجع من هذا اجلنس‬
‫ا‬ ‫اجلنس‬

‫وتقول‪( :‬اجلبل أعىل من التل) يعني هذا حكم عام‪ ،‬يعني قد جتد بعض التالل عظيمة جدً ا‪،‬‬
‫وبعض اجلبال قصرية‪ ،‬فيكون التل أعىل من اجلبل‪ ،‬وتقول‪( :‬الدولة أكرب من املدينة) لكن يف‬
‫مدن صغرية‪ ،‬يف دول صغرية قد تكون أصغر من بعض املدن‪ ،‬تقول‪( :‬أعمل لكسب املال) (ال)‬
‫يف (املال) هنا هل هي عهدية تريد ا‬
‫ماال معيناا‪ ،‬تريد أن تسعى لكي جتمعه‪ ،‬هل هي جنسية‬
‫استغراقية جتمع كل املال؟ ال‪ ،‬هي هنا جنسية لبيان املاهية؛ يعني أعمل ألكسب من هذا اجلنس‪.‬‬

‫يش ٍء ح ٍّي [األنبياء‪ ]30:‬كل يشء حي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ومن ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬وجع ْلنا من ا ْملاء ك َّل ْ‬
‫جعله اَّلل ‪-‬عزَّ وجل‪ -‬وخلقه من هذا اجلنس من جنس املاء‪ ،‬لكن هل معنى ذلك أن كل قطرة‬
‫هدرا‪ ،‬وال ينبت منه يشء‪ ،‬وال‬
‫ماء خيلق اَّلل ‪-‬عزَّ وجل‪ -‬منها حياةا‪ ،‬أو أن بعض املال يذهب ا‬
‫يرشب منه حي‪ ،‬فاملراد‪ :‬أنه من هذا اجلنس من جنس املاء خيلق اَّلل ‪-‬ع َّز وجل‪ -‬األشياء احلية‪،‬‬
‫وهكذا‪.‬‬

‫عرف بأحد طريقني‪:‬‬


‫فاخلالصة‪ :‬أن (ال) ت ي‬

‫‪ ‬إما بالعهد وتسمى العهدية‪.‬‬


‫‪ ‬أو بإرادة اجلنس وتسمى جنسية‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪191‬‬

‫املعرف ب(ال)‪.‬‬
‫ثم ختم ابن هشام الكالم عىل َّ‬

‫بقوله‪:‬‬

‫ميَم لغ ٌة محريية"‬
‫"وإبدال الالم ا‬
‫فهذه اللغة لقبيلة محري وهي من قبائل جنوب اجلزيرة‪ ،‬وما زالت يف لغة بعض الناس اليوم‪،‬‬
‫كثري مستعمل اليوم‪.‬‬
‫فيقلبون ويبدلون (ال) إىل (أم) فيقولون بدل (الباب) (امباب) وهذا ٌ‬
‫ومن ذلك قول شاعره‪:‬‬

‫يرمي ورائي بامسهــم وامسلمة"‬ ‫"ذاك خلييل وذو يواصلني‬

‫يعني (بالسهم وبالسلمة)‪.‬‬

‫ويروون يف ذلك حدي اثا بلفظ (ليس من امرب الصيام يف امسفر)‪ ،‬وهو ال يثبت هبذا اللفظ‪،‬‬
‫وإن كان بالرواية املشهورة ثابتاا أقصد ب(ال)‪ ،‬وخيرجون عىل ذلك قول بعض الناس اليوم‪:‬‬
‫(امبارح)؛ أي (البارح) ونحو ذلك‪.‬‬

‫فهذا ما يتعلق باملعرف ب(ال)‪ ،‬ودعون أسألكم يف آخره عن قوله تعاىل‪﴿ :‬أجع ْلت ْم ِسقاية‬
‫اآلخ ِر [التوبة‪ ]19:‬ما نوع (ال) يف‬ ‫ِ‬ ‫ج ِد ْ‬
‫احلرا ِم كم ْن آمن بِاَّللَِّ وا ْلي ْو ِم‬ ‫اج و ِعَمرة ا ْمل ْس ِ‬ ‫ْ‬
‫احل ي‬
‫اج [التوبة‪ ]19:‬عهدية أو جنسية؟‬ ‫اج ﴿أجع ْلت ْم ِسقاية ْ‬
‫احل ي‬ ‫ْ‬
‫﴿احل ي‬

‫الطالب‪................. :‬‬

‫اج املعهود الذي يأيت إليكم يف مكة‪.‬‬ ‫الشيخ‪ :‬أقرهبا أهنا عهدية علمية‪ْ ،‬‬
‫﴿احل ي‬
‫ج ِد ْ‬
‫احلرا ِم [التوبة‪ ]19:‬عهدية علمية‪.‬‬ ‫ج ِد ْ‬
‫احلرا ِم [التوبة‪﴿ ،]19:‬ا ْمل ْس ِ‬ ‫﴿و ِعَمرة ا ْمل ْس ِ‬

‫﴿ كم ْن آمن بِاَّللَِّ [التوبة‪( ]19:‬ال) يف ﴿اَّللَِّ هذه زائدة لدخوهلا عىل العلم‪.‬‬
‫‪192‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬
‫و(ال) يف ﴿ا ْليو ِم ِ‬
‫اآلخ ِر [التوبة‪ ]19:‬ا‬
‫أيضا علمية‪.‬‬ ‫ْ‬
‫طيب‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬الرجال قوامون عىل النيس ِ‬
‫اء [النساء‪ ]34:‬هذه جنسية استغراقية‪ ،‬أو‬ ‫َّ‬ ‫ي‬
‫لبيان املاهية واحلقيقة؟‬

‫سفيها‪ ،‬أو جمنوناا‪ ،‬فتقوم عليه بعض النساء‪.‬‬


‫ا‬ ‫لبيان املاهية واحلقيقة؛ ألن بعض الرجال قد‬

‫قولنا‪( :‬املرأة أعطف من الرجل) هذه جنسية لبيان املاهية؛ يعني هذا اجلنس أعطف من هذا‬
‫اجلنس؛ ألن قد جتد من الرجال من هو أعطف من بعض النساء‪.‬‬

‫قال الشاعر‪:‬‬

‫"سلكت للمجد در ابا والدرب صع ابا طويل"‬

‫ما نوع (ال) يف (الدرب)؟‬

‫ذكرية؛ يعني الرضب املذكور قبل قليل‪.‬‬

‫ويف احلديث‪« :‬أ ْهلك النناس الدي ينار والدي ْرهم» هذه جنسية لبيان املاهية‪.‬‬

‫طيب‪ ،‬هل نقول‪ :‬جنسية استغراقية «أ ْهلك النناس الدي ينار والدي ْرهم»؟‬

‫لو قلنا‪ :‬استغراقية معنى ذلك كل دينار وكل درهم من أسباب هالك الناس‪ ،‬وهذا غري‬
‫صحيح‪ ،‬بعض األموال هي من أسباب سعادة الناس‪ ،‬وجلب اخلري‪ ،‬واألجور هلم‪ ،‬لكن هذا‬
‫اجلنس غال ابا هو من أسباب هالك الناس‪.‬‬

‫‪ ‬ثم ننتقل إىل املعرفة األخرية وهي املعرفة السادسة‪ :‬املضاف إىل معرفة‪:‬‬

‫وفيها يقول ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪193‬‬

‫أن املضاف إىل الضمري‬ ‫ِ‬


‫بحسب ما يضاف إليه‪ ،‬إىل َّ‬ ‫واحد مما ذكِر‪ ،‬وهو‬
‫ٍ‬ ‫"واملضاف إىل‬
‫فكالعلم"‬

‫(قلم) (هذا‬ ‫نعم‪ ،‬كل اس ٍم أضيف إىل معرفة‪ ،‬فإنه يكتسب التعريف‪ ،‬فأنت إذا قلت ا‬
‫مثال‪ٌ :‬‬
‫ف(قلم) نكرة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قلم)‬
‫ٌ‬

‫‪‬فإن أضفته إىل ضمري‪ ،‬فقلت‪( :‬قلمي) أو (قلمك) صار معرف اة باإلضافة إىل الضمري‪.‬‬
‫‪‬أو أضفته إىل علم ك(قلم ُممد)‪.‬‬
‫‪‬أو أضفته إىل اسم إشارة ك(قلم هذا)‪.‬‬
‫‪‬أو أضفته إىل اس ٍم موصول ك(قلم الذي بجانبك)‪.‬‬
‫ٍ‬
‫معرف ب(ال) ك(قلم الرجل) فإنه يكتسب بذلك التعريف‪.‬‬ ‫‪‬أو أضفته إىل‬

‫ومعنى ذلك‪:‬‬

‫أن املضاف إىل نكرة ليس معرفة؛ ألنه خصص املعرفة السادسة بأهنا املضاف إىل معرفة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫رجل)‪ ،‬ال (قلم الرجل)‪ ،‬فإنه ال يكتسب التعريف‪.‬‬ ‫لكن لو أضيف إىل نكرة‪ ،‬فقيل‪( :‬قلم‬

‫طيب‪ ،‬ماذا يكتسب؟ وماذا يستفيد؟‬

‫قالوا‪ :‬يكتسب التخصيص‪.‬‬

‫والتخصيص‪ :‬حال ٌة بني التعريف والتنكري‪.‬‬

‫شائع يف اجلنس‪ ،‬كلمة (قلم) يمكن أن تطلق عىل أي قلم من‬


‫ٌ‬ ‫اسم‬
‫فالتنكري‪ :‬كَم عرفناه ٌ‬
‫جنس األقالم‪ ،‬قلم أمحر أو أزرق‪ ،‬قلم جيد‪ ،‬قديم‪ ،‬غايل‪ ،‬رخيص‪ ،‬قلم أستاذ‪ ،‬قلم‪ ،‬فإذا قلت‪:‬‬
‫ٍ‬
‫رجل) خصصت؛ يعني ضيقت دائرة التنكري‪ ،‬لكنك مل تزهلا ومل تعدمها‪ ،‬ضيقتها (قلم‬ ‫(قلم‬
‫رجل) أخرجت أقالم غري الرجال‪.‬‬
‫‪194‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫أيضا يفيد التخصيص‪ ،‬تضييق التنكري‪.‬‬ ‫نعت وقلت‪( :‬قلم أمحر) أو (قلم ٍ‬
‫غال)‪ ،‬ا‬ ‫وكذلك لو َّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫طيب‪ ،‬ما الذي يزيل التنكري ويعدمه؟‬

‫هو التعريف‪ ،‬إذن عندنا التنكري دائرة كاملة‪ ،‬وعندنا التخصيص تضييق للدائرة‪ ،‬وعندنا‬
‫التعريف وهو التحديد والتعيني‪ ،‬وإزالة التنكري‪ ،‬فهذا ما يتعلق ببقية الكالم عىل النكرة‬
‫واملعرفة‪.‬‬

‫‪ ‬لننتقل إىل الكالم عىل املبتدأ واخلرب‪:‬‬

‫نحن إىل اآلن انتهينا من الكالم عىل األحكام اإلفرادية‪ ،‬انتهينا من الكالم عىل أحكام الكلمة‬
‫ٍ‬
‫وفعل‬ ‫اإلفرادية تب اعا البن هشام‪ ،‬فانتهينا من الكالم عىل أنواع الكلمة؛ أي انقسامها إىل اس ٍم‬
‫وحرف‪ ،‬وانتهينا من الكالم عىل انقسام إىل معرب ومبني‪ ،‬وانتهينا من الكالم عىل انقسام االسم‬
‫ٍ‬
‫نكرة ومعرفة‪.‬‬ ‫إىل‬

‫وهذه أحكام الكلمة اإلفرادية‪ ،‬لينتقل ابن هشا ٍم إىل الكالم عىل أحكام الكالم‪ ،‬أحكام‬
‫الكالم يعني اجلمل‪ ،‬يعني األحكام الرتكيبية‪ ،‬نقول‪ :‬أحكام الكالم الرتكيبية‪.‬‬

‫وأحكام الكالم الرتكيبية أحكام اجلمل‪:‬‬

‫‪ ‬إما أن تكون خاص اة باجلملة الفعلية‪ ،‬فهي أحكام اجلملة الفعلية‪.‬‬


‫‪ ‬أو خاص ٌة بأحكام اجلملة االسمية فهي أحكام اجلملة االسمية‪.‬‬
‫وتكمل اجلملة الفعلية‪ ،‬فهي‬
‫ي‬ ‫‪ ‬أو أهنا مشرتك ٌة بني اجلملتني ت ي‬
‫كمل اجلملة االسمية‪،‬‬
‫املكمالت‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪195‬‬

‫وهلذا سيحاول ابن هشام كالنحويني أن يرتب هذه األحكام لكثرهتا‪ ،‬فسيبدأ باألحكام‬
‫اخلاصة باجلملة االسمية‪ ،‬ثم األحكام اخلاصة اجلملة الفعلية‪ ،‬ثم املكمالت‪ ،‬ثم بعض‬
‫األساليب النحوية‪ ،‬وقد ذكرنا ذلك يف ترتيب قطر الندى يف أول الرشح‪.‬‬

‫فهو إذن سيبدأ باألحكام النحوية اخلاصة للجملة االسمية؛ يعني صور اجلملة االسمية‪ ،‬إذا‬
‫أردت أن تدرس اجلملة االسمية‪ ،‬فمعنى ذلك أنك جيب أن تدرس مجيع الصور التي تأيت عليها‬
‫اجلملة االسمية يف اللغة العربية‪.‬‬

‫ا‬
‫تفصيال سيدرسها ابن هشام صورة صورة‪:‬‬ ‫واجلملة االسمية تأيت عىل أربعة صور‬

‫‪ -‬فالصورة األوىل‪ :‬أن تكون اجلملة االسمية مرفوعة اجلزأين‪ ،‬وذلك إذا مل تسبق‬
‫كريم)‪ ،‬فهذه تدرس يف باب املبتدأ واخلرب؛ وهلذا بدأ‬
‫ٌ‬ ‫بناسخ‪ ،‬كقولك‪ُ( :‬ممدٌ‬
‫باملبتدأ واخلرب؛ ألهنا الصورة األوىل األصلية‪.‬‬
‫مرفوعا‪ ،‬واجلزء الثان فيها منصو ابا‪،‬‬
‫ا‬ ‫‪ -‬والصورة الثانية‪ :‬أن يكون اجلزء األول فيها‬
‫كريَم)؛ وهلذا سيتكلم ابن‬
‫ا‬ ‫وذلك إذا سبقت بكان وأخواهتا‪ ،‬كقولك‪( :‬كان ُممدٌ‬
‫هشام بعد املبتدأ واخلرب عىل باب كان وأخواهتا‪ ،‬وما يعمل عمل كان وأخواهتا‪.‬‬
‫‪ -‬والصورة الثالثة للجملة االسمية‪ :‬أن تكون منصوبة اجلزء األول‪ ،‬مرفوعة اجلزء‬
‫كريم) فلهذا سيتكلم‬
‫ٌ‬ ‫بإن وأخواهتا‪ ،‬كقولك‪( :‬إن ُممدا ا‬
‫الثان‪ ،‬وذلك إذا سبقت َّ‬
‫إن وأخواهتا‪ ،‬وكذلك عىل ما يعمل عملها‪ ،‬وهي‬
‫ابن هشام بعد كان وأخواهتا عىل َّ‬
‫ال النافية اجلنس‪.‬‬
‫‪ -‬والصورة الرابعة للجملة االسمية‪ :‬أن تكون منصوبة اجلزأين‪ ،‬وذلك إذا سبقت‬
‫كريَم)؛ فلهذا سيتكلم يف النهاية؛ أقصد‬
‫بظننت وأخواهتا‪ ،‬كقولك‪( :‬ظننت ُممدا ا ا‬
‫هناية أحكام اجلملة االسمية عىل باب ظننت وأخواهتا‪ ،‬فإذا انتهى من ظننت‬
‫‪196‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫وأخواهتا سينتقل إىل الكالم عىل الفاعل‪ ،‬يعني انتهى من أحكام اجلملة االسمية‪،‬‬
‫ِ‬
‫اجلملة الفعلية‪.‬‬ ‫وسينتقل إىل أحكام‬

‫إذن سنبدأ بباب املبتدأ واخلرب تب اعا البن هشام‪.‬‬

‫قال ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل تعاىل‪:-‬‬

‫باب ا ْمل ْبتدأ و ْ‬


‫اخلرب"‬ ‫"باب" أو قال‪ٌ " :‬‬

‫يف هذا الباب سيذكر ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل تعاىل‪ -‬عرش مسائل‪ ،‬ونحن سنتابعه عىل ذلك‪،‬‬
‫اكتفاء بتعريفهَم يف نحو املبتدئني‪ ،‬لكن الكالم‬
‫ا‬ ‫إال أنه مل يذكر منها تعريف املبتدأ واخلرب‪ ،‬ربَم‬
‫جدير باملتوسطني؛ لكي نتوسع يف معرفة املبتدأ واخلرب‪ ،‬وبعض أساليبه‪ ،‬وأمثلته‬
‫ٌ‬ ‫عىل تعريفهَم‬
‫التي قد ختفى عىل بعض املتوسطني‪.‬‬
‫فاملبتدأ‪ :‬كَم سبق يف نحو املبتدئني هو االسم املجرد عن العوامل اللفظية‪ ،‬فكل اس ٍم ٍ‬
‫جمرد‬
‫سواء أكان يف أول اجلملة‪ ،‬أم يف وسطها‪ ،‬أم يف آخرها؛ يعني كل‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مبتدأ‬ ‫عن العوامل اللفظية فهو‬
‫بعامل لفظي فهو مبتدأ‪ ،‬فإذا وجدنا املبتدأ فخربه سهل‪ ،‬نسأل أ ِ‬
‫خرب عن هذا املبتدأ‬ ‫ٍ‬ ‫اسم مل يسبق‬
‫بَمذا؟ فاجلواب‪ :‬هو اخلرب‪ ،‬أخربنا عن املبتدأ‪ ،‬أخربنا عن هذا املبتدأ بأنه كذا‪.‬‬

‫إذن لكي نعرف املبتدأ ال بد أن نعرف ما املراد بالعوامل اللفظية‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بعامل لفظي‪ ،‬جمر ٌد عن العوامل اللفظية‪.‬‬ ‫املبتدأ‪ :‬كل اس ٍم مل يسبق‬

‫فَم املراد بالعوامل اللفظية؟‬

‫العوامل ‪ :‬مجع عامل‪ ،‬والعامل كل ما يعمل‪ ،‬كل ما يعمل الرفع‪ ،‬أو النصب‪ ،‬أو اجلر‪ ،‬أو‬
‫اجلزم‪ ،‬فريفع‪ ،‬أو ينصب‪ ،‬أو جير‪ ،‬أو جيزم‪ ،‬هذا نسميه عامل‪ .‬طيب‪ ،‬هذا من حيث التعريف‪.‬‬

‫حرصا؟‬
‫ا‬ ‫طيب‪ ،‬من حيث احلرص ما العوامل‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪197‬‬

‫العوامل ثالثة‪:‬‬

‫‪ ‬األول‪ :‬األفعال كلها‪.‬‬

‫قلنا‪ :‬أول العوامل األفعال‪ ،‬األفعال كلها عوامل؛ ألهنا ترفع فاعلها‪ ،‬إذن ترفع‪ ،‬وقد ترفع‬
‫الفاعل وتنصب املفعول به‪ ،‬ترفع وتنصب‪ ،‬فهي عوامل كلها‪.‬‬

‫‪ ‬النوع الثان من العوامل احلروف العاملة‪.‬‬

‫قلنا‪ :‬احلروف العاملة؛ ألن احلروف بعضها عاملة‪ ،‬وبعضها هاملة مهملة ليس هلا عمل‪،‬‬
‫والتفريق بني احلروف العاملة واهلاملة سهل؛ ألن احلروف العاملة هي التي تدرس يف النحو‪،‬‬
‫أي حرف عامل‪ ،‬أي حرف له عمل ال بد أن ندرسه يف النحو؛ لكي نعرف عمله‪ ،‬واحلروف‬
‫اهلاملة ال تدرس‪ ،‬فحروف اجلر هلا باب من احلروف العاملة‪ ،‬إن وأخواهتا هلا باب هذه عاملة؛‬
‫ألهنا تعمل ترفع تنصب وترف‪ ،‬وحروف اجلر جتر‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫احلروف اهلاملة كثرية‪ :‬هي احلروف التي مل يذكر يف النحو أهنا ترفع أن تنصب‪ ،‬أو جتر‪ ،‬أو‬
‫جتزم‪ ،‬ا‬
‫مثال حرف االستفهام (هل واهلمزة) يعمالن أو ال يعمالن شيئاا؟ ال يعمالن‪ ،‬غري عوامل‪.‬‬

‫طيب‪( ،‬إن الرشطية) حرف‪ ،‬و(إذ ما الرشطية) حرف عىل الصحيح‪ ،‬طيب حرف عامل َّ‬
‫وال‬
‫هامل؟‬

‫هذا عامل جازم‪ ،‬عامل‪.‬‬

‫لكن (قد) حرف عامل أو هامل و(نعم) وحروف اجلواب (ال‪ ،‬وأجل‪ ،‬وبىل)؟‬

‫حروف هاملة و(كال) حرف زجر هامل‪ ،‬و(تاء التأنيث) حرف هامل‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫‪ ‬النوع الثالث من العوامل هو االسم الواقع مضا افا‪.‬‬


‫‪198‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫هو االسم إذا وقع مضا افا؛ ألنه جير املضاف إليه‪ ،‬فقد عمل اجلر‪.‬‬

‫إذن فالعوامل ثالثة‪:‬‬

‫‪ ‬األفعال كلها‪.‬‬
‫‪ ‬واحلروف العاملة‪.‬‬
‫‪ ‬واالسم الواقع مضا افا‪.‬‬

‫ونحن نقول يف تعريف املبتدأ‪ :‬هو االسم املجرد عن العوامل اللفظية؛ يعني كل اس ٍم مل‬
‫بحرف عامل‪ ،‬وال بمضاف فهو مبتدأ‪ ،‬فاملبتدأ سهل‪ ،‬فإذا وجدت املبتدأ‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بفعل‪ ،‬وال‬ ‫يسبق‬
‫فابحث عن خربه‪ ،‬نقول‪( :‬اَّلل ربنا)‪( ،‬اَّلل) واضح أنه جمرد عن العوامل اللفظية وهو مبتدأ‪،‬‬
‫وأخربنا عنه بأنه (ربنا)‪ُ( ،‬ممدٌ رسولنا) واضح‪( ،‬يف الدار ُممدٌ ) (يف) حرف جر‪ ،‬املبتدأ ال‬
‫ا‬
‫مبتدأ؛ ألنه مسبوق بحرف اجلر‬ ‫اسَم‪ ،‬ما يكون ا‬
‫فعال وال حر افا‪ ،‬طيب (الدار) ال يكون‬ ‫يكون إال ا‬
‫(يف) (يف الدار)‪ ،‬طيب‪ ،‬و(ُممدٌ ) صار جمر ادا أو مسبو اقا؟ صار جمر ادا؛ ألن حرف اجلر (يف) َّ‬
‫جر‬
‫ا‬
‫مبتدأ‪ ،‬فنبحث عن خربه‪ ،‬أخربنا عن‬ ‫(الدار) وانتهى عمله (يف الدار) فصار (ُممدٌ ) جمر ادا فصار‬
‫ٌ‬
‫مبتدأ مؤخر‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫(ُممد) بأنه (يف الدار)‪ ،‬إذن (يف الدار) خرب مقدم‪ ،‬و(ُممد)‬
‫ا‬
‫مبتدأ‪ ،‬و(ُممدٌ ) اسم لكن‬ ‫ٍ‬
‫ماض‪ ،‬الفعل ال يكون‬ ‫(جاء ُممدٌ يده عىل رأسه)‪( ،‬جاء) ٌ‬
‫فعل‬
‫ا‬
‫مبتدأ‪ ،‬هذا فاعل (جاء ُممدٌ )‪ ،‬و(يده) اسم جمرد أو مسبوق؟ جمرد؛ ألن‬ ‫مسبوق بفعل‪ ،‬ما يكون‬
‫ا‬
‫مبتدأ؛ ألن اسم جمرد‪،‬‬ ‫جاء تطلب ا‬
‫فاعال‪ ،‬وقد رفعت فاعلها‪( ،‬جاء ُممدٌ ) فصارت (يده)‬
‫فنبحث عن خربه‪ ،‬أخربنا عن (يده) بأهنا (عىل رأسه)‪ ،‬اخلرب (عىل رأسه)‪.‬‬

‫فإن قلت‪( :‬يده عىل رأسه) (يده) مبتدأ‪ ،‬و(عىل رأسه) خرب‪ ،‬وهذه مجلة اسمية داخل مجلة‬
‫كربى (جاء ُممدٌ يده عىل رأسه)‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪199‬‬

‫فهذه اجلملة الصغرى ما إعراهبا داخل اجلملة الكربى؟‬

‫فمن قواعد اإلعراب املشهورة‪:‬‬

‫نعوت هلا‪ ،‬اجلملة‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحوال منها‪ ،‬وبعد النكرات‬ ‫أن اجلمل وأشباه اجلمل بعد املعارف‬
‫وكذلك شبه اجلملة إذا وقعت بعد معرفة فهي ٌ‬
‫حال من هذه املعرفة‪ ،‬وإن وقعت بعد نكرة فهي‬
‫نعت هلذه النكرة‪ ،‬ومجلة (يده عىل رأسه) وقعت بعد (ُممد) بعد معرفة‪ ،‬إذن ٌ‬
‫حال من (ُممد)؛‬ ‫ٌ‬
‫يعني (جاء ُممدٌ ) حالة كونه (يده عىل رأسه)‪.‬‬

‫ضبطتم هذا الضابط من ضوابط اإلعراب املهمة‪.‬‬


‫ٍ‬
‫ضمري اتصل باس ِم فهَم مضاف ومضاف إليه"‬ ‫طيب‪ ،‬نعطيكم ضاب اطا آخر يقول‪" :‬كل‬

‫مضاف ومضاف إليه‪ ،‬فَم إعراب (اهلاء) يف (يده)؟‬


‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫ضمري اتصل باس ٍم فهَم‬ ‫ضابط‪ :‬كل‬

‫مضاف إليه‪( ،‬عىل رأسه) (عىل) حرف جر‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫مضاف إليه‪( ،‬يد) مبتدأ وهو مضاف و(اهلاء)‬
‫ٌ‬
‫و(رأسه) اسم جمرور بعىل‪ ،‬فَم إعراب اهلاء يف (رأسه)؟‬

‫مضاف إليه‪ ،‬وهكذا‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫(رأس) مضاف‪ ،‬و(اهلاء)‬

‫طيب‪ُ( ،‬ممدٌ يده سخي ٌة) (ُممدٌ مبتدأ ألنه جمرد عن العوامل اللفظية‪ .‬طيب (يده) ننظر هل‬
‫يده خرب عن (ُممد)؟ هل أخربت عن (ُممد) بأنه يده؟ ال‪.‬‬

‫طيب‪ ،‬نطبق تعريف املبتدأ (يده) هل هو اسم جمرد َّ‬


‫وال مسبوق؟‬
‫ا‬
‫مبتدأ‪.‬‬ ‫جمرد‪ ،‬صار‬

‫ونبحث عن خرب (اليد) (يده) ماذا؟ (سخي ٌة)‪( ،‬سخي ٌة) خرب (يده)‪ ،‬طيب (يده سخي ٌة) هذه‬
‫خرب ل(ُممد) وهذا يسمى تكرار املبتدأ‪ ،‬أو تعدد املبتدآت‪ ،‬وهذا الذي يقال فيه‪ُ( :‬ممدٌ )‬
‫اجلملة ٌ‬
‫‪200‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫مبتدأ أول‪ ،‬و(يده) مبتدأ ٍ‬


‫ثان‪ ،‬و(سخي ٌة) خرب املبتدأ الثان‪ ،‬واملبتدأ الثان وخربه خرب املبتدأ‬
‫األول‪ ،‬صارت رياضيات‪.‬‬

‫وتقول‪( :‬جاء الذي يده سخي ٌة) (جاء الذي)‪( ،‬جاء) فعل‪ ،‬و(الذي) اسم‪ ،‬لكنه فاعل‬
‫ا‬
‫مبتدأ‪.‬‬ ‫عرفنا؛ ألنه مسبوق بفعل ال يكون‬

‫طيب‪( ،‬جاء) رفع فاعله وانتهى‪ ،‬فَم إعراب يده يف (جاء الذي يده سخي ٌة)؟‬

‫مبتدأ‪ ،‬وخرب (يده) (سخي ٌة)‪ ،‬و(يده سخي ٌة) مجلة اسمية وقعت بعد املوصول‪ ،‬وعرفنا يف‬
‫باب املوصول أهنا صلة املوصول‪ ،‬وصلة املوصول من اجلمل التي ليس هلا ٌّ‬
‫ُمل من اإلعراب‪،‬‬
‫نقول‪ :‬صلة املوصول ال ُمل هلا من اإلعراب‪.‬‬

‫إذن يمكن أن نستثني اجلملة الواقعة بعد االسم املوصول من القاعدة السابقة يف إعراب‬
‫اجلمل‪ ،‬فاجلمل إذا وقعت بعد املوصول‪ ،‬فهي صل ٌة للموصول ال ُمل هلا من اإلعراب‪.‬‬

‫تقول‪( :‬هذا ٌ‬
‫رجل أبوه عمي) فهذا اسم إشارة جمرد عن العوامل اللفظية فهو مبتدأ‪ ،‬وأخربنا‬
‫اسم جمر ٌد أم مسبوق‬ ‫ٌ‬
‫ف(رجل) خرب مرفوع وعالمة رفعه الضمة‪ ،‬و(أبوه) ٌ‬ ‫ٌ‬
‫(رجل)‪،‬‬ ‫عنه بأنه‬
‫ا‬
‫مبتدأ وحيتاج إىل خرب‪ ،‬فأخربنا عن أبوه بأنه (عمي)‬ ‫بعامل عىل ذلك؟ صار جمر ادا‪ ،‬فصار‬
‫ف(عمي) خرب (أبوه)‪( ،‬أبوه عمي)‪.‬‬

‫طيب‪ ،‬ومجلة (أبوه عمي) هذه اجلملة االسمية وقعت بعد نكرة أم معرفة؟‬

‫نعت للنكرة‪( ،‬هذا ٌ‬


‫رجل) منعوت موصوف بأنه (أبوه عمي)‪.‬‬ ‫بعد نكرة‪ ،‬فهي ٌ‬

‫وما إعراب (اهلاء) يف (أبوه)؟‬

‫مضاف إليه‪.‬‬
‫ٌ‬

‫مضاف إليه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وإعراب (الياء) يف (عمي)‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪201‬‬

‫ُممد عامل) ف(أخو) مبتدأ؛ ألنه جمرد‪ ،‬و(ُممد) يف (أخو ٍ‬


‫ُممد عاملٌ)‪،‬‬ ‫طيب‪ ،‬وتقول‪( :‬أخو ٍ‬
‫ٌ‬
‫(ُممد)‪.‬‬

‫هل أخربت عن األخ بأنه ُممد هنا؟‬

‫ال‪.‬‬

‫طيب‪ ،‬نطبق تعريف املبتدأ‪ :‬هل ُممد مسبوق بعامل أم جمرد؟‬


‫ا‬
‫مبتدأ‪ ،‬وخرب (أخو‬ ‫ٍ‬
‫(ُممد) مضاف إليه‪ ،‬ال يكون‬ ‫مسبوق بعامل‪ ،‬مسبوق بمضاف‪ ،‬فجره‬
‫ٍ‬
‫ُممد) هو قوله‪( :‬عاملٌ)‪.‬‬

‫طيب‪ ،‬وتقول‪ ،‬أو قال تعاىل‪﴿ :‬إِ َّياك ن ْعبد [الفاحتة‪﴿ ]5:‬إِ َّياك هذا اسم ضمري وقع يف‬
‫ا‬
‫مبتدأ؟‬ ‫أول اجلملة‪ ،‬فهل يكون‬

‫اجلواب‪ :‬ال؛ ألنه ضمري نصب‪ ،‬ضمري نصب؛ يعني أن ﴿إِ َّياك كقولك يف الظاهر‪:‬‬
‫(ُممدا ا)‪ ،‬ضمري الرفع يعني كقولك يف الظاهر‪ُ( :‬ممدٌ )‪ ،‬وضمري اجلر يعني كقولك يف الظاهر‪:‬‬
‫ا‬
‫مبتدأ؟‬ ‫(ُممد)‪ ،‬ف﴿إِ َّياك ضمري نصب؛ يعني كقولك‪ُ( :‬ممدا ا)‪ ،‬هل (ُممدا ا) بالنصب يقع‬ ‫ٍ‬

‫ا‬
‫مبتدأ‪ ،‬هذا ال بد أن تعربه نص ابا‪ ،‬هذا مفعول به مقدَّ م ﴿ن ْعبد ثم تقدم‬ ‫ال‪ ،‬إذن ﴿إِ َّياك ال يقع‬
‫الضمري‪.‬‬

‫ٌ‬
‫مسبوق أم جمر ٌد؟‬ ‫حارض؟) (هل) حرف استفهام‪ ،‬و(ُممدٌ ) اسم‬
‫ٌ‬ ‫طيب‪ ،‬لو قلنا‪( :‬هل ُممدٌ‬
‫حرف هامل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫حارض‪ ،‬و(هل)‬
‫ٌ‬ ‫جمرد فهو مبتدأ‪ ،‬وخربه‬

‫حارض؟) (هل) حرف استفهام هامل‪ ،‬انتهينا منه‪ ،‬و(من) حرف جر؛‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫طالب‬ ‫طيب (هل من‬
‫يعني عامل أو هامل؟‬

‫عامل‪.‬‬
‫‪202‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫لكنه حرف جر زائد أم أصيل؟‬

‫سواء يف املعنى اإلمجايل‪ ،‬أما األصيل فهو الذي إذا حذفته‬


‫ا‬ ‫الزائد‪ :‬هو ما كان دخوله وخروجه‬
‫فسد الكالم‪ ،‬كقولك‪( :‬صليت يف املسجد) ما تقول‪( :‬صليت املسجد)‪ ،‬أو (خرجت من‬
‫البيت) ما تقول‪( :‬خرجت البيت)‪.‬‬

‫طالب‬
‫ٌ‬ ‫جر زائد؛ ألنك تقول‪( :‬هل‬
‫حارض) فهو ٍّ‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫طالب‬ ‫(من) يف هذا املثال (هل ِمن‬
‫وأما ِ‬

‫حارض؟) والزائد كاملعدوم من حيث اإلعراب‪ ،‬أما من حيث املعنى فمعناه التأكيد من أدوات‬
‫ٌ‬
‫التأكيد‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بعامل غري حقيقي؟‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ مسبو اقا بعامل حقيقي‪ ،‬أو مسبوق‬ ‫ٍ‬
‫ف(طالب) بعده هل يكون‬

‫يعني يف اللفظ هو عامل‪ ،‬لكن يف احلقيقة هو زائد كأنه معدوم‪ ،‬نعم هو كذلك؛ فلهذا يبقى‬
‫و(حارض) هو اخلرب‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫ا‬
‫مبتدأ‪ ،‬وسيأيت إعرابه‪ ،‬أو كيفية إعرابه بعد قليل‪،‬‬
‫ٌ‬
‫أيضا يف تعريف املبتدأ‪:‬‬
‫ومما ينبه إليه ا‬

‫أننا قلنا‪ :‬أن املبتدأ هو االسم‪ ،‬ومل يقيده‪ ،‬فمعنى ذلك أن األسَمء ا‬
‫إمجاال كلها يمكن أن تقع‬
‫حيا كجميع ما‬
‫اسَم رص ا‬ ‫ا‬
‫مبتدأ‪ ،‬كَم رأيتم (علم‪ ،‬أو إشارة‪ ،‬أو موصول‪ ،‬أو غري ذلك‪ ،‬أو كان ا‬
‫مصدري وصلته‪.‬‬ ‫مؤو اال؛ يعني يتكون من حرف‬ ‫ِ‬
‫ٍّ‬ ‫اسَم َّ‬
‫ذكر‪ ،‬أو ا‬
‫واحلروف املصدرية‪:‬‬

‫(أن‬
‫إيل)‪ْ ،‬‬
‫(أن) واسمها وخربها‪ ،‬كأن تقول‪( :‬أن جتتهد أحب ن‬
‫(أن) والفعل بعدها‪ ،‬أو َّ‬
‫ْ‬
‫حرف مصدري ناصب للمضارع‪ ،‬و(لتجتهد) وحدها ٌ‬
‫فعل‬ ‫ٌ‬ ‫(أن) وحدها حرف‪،‬‬
‫جتتهد)‪ْ ،‬‬
‫ف(أن) حرف‪ ،‬وجتتهد)‬
‫ْ‬ ‫مضارع‪ ،‬وفاعل جتتهد) مسترت تقديره أنت‪ ،‬الفاعل وحده اسم‪ ،‬إذن‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪203‬‬

‫(أن‬
‫(أن جتتهد) كلها م اعا؛ يعني (أن) وصلتها‪( ،‬أن جتتهد) كلها اسم‪ْ ،‬‬
‫فعل‪ ،‬والفاعل اسم‪ ،‬لكن ْ‬
‫(خري)‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫مبتدأ‪ ،‬واخلرب‬ ‫مؤول يعامل معاملة الرصيح‪ ،‬فيقع‬
‫جتتهد) نقول‪ :‬هذا اسم َّ‬
‫ٌ‬
‫خري لك)؟‬
‫فإذا سئت أين اخلرب يف قولك‪( :‬أن جتتهد ٌ‬
‫فاجلواب‪ :‬اخلرب هو (أن جتتهد)‪ ،‬هذا االسم املؤول‪ ،‬وال نقول كَم يظن بعض الطالب‪ :‬أن‬
‫رصح به‪،‬‬ ‫ا‬
‫املبتدأ هو ما يقابله من األسَمء الرصحية وهو اجتهادك‪ ،‬ال اجتهادك يكون مبتدأ لو ي‬
‫ً‬
‫مؤوال‬ ‫خري لك) نقول‪( :‬اجتهادك) مبتدأ‪( ،‬وخري) خرب‪ ،‬لكن إن أتيت باالسم‬
‫(فإن اجتهادك ٌ‬
‫(أن جتتهد) فاخلرب هو هذا االسم املؤول‪.‬‬
‫ا‬
‫مبتدأ فاملبتدأ هو هذا االسم املؤول‪ ،‬ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬وأ ْن‬ ‫آسف‪ ،‬إن أتيت باالسم‬
‫يشء مجيل)‪ ،‬وتقول‪( :‬من األدب أن‬
‫ٌ‬ ‫تصوموا خ ْ ٌري [البقرة‪ ،]184:‬وتقول‪( :‬أن تتصدق‬
‫ختفض صوتك عند والديك) (من األدب أن ختفض) ِ‬
‫(من) حرف جر‪ ،‬و(األدب) اسم جمرور‬
‫(أن ختفض) اسم‪ ،‬أليس كذلك؟ اسم‪.‬‬
‫ب(من)‪ْ ،‬‬

‫هل سبق بعامل أم مل يسبق بعامل؟‬

‫مل يسبق بعامل؛ ألن من جرت األدب وانتهى عملها‪.‬‬

‫إذن ما إعراب (أن جتتهد)؟‬

‫مبتدأ‪ ،‬النطباق التعريف عليه‪ ،‬واخلرب مقدم وهو من األدب؛ يعني أن ختفض صوتك عند‬
‫والديك من األدب‪ ،‬خفضك صوتك عند والديك من األدب‪.‬‬

‫السَمء واأل ْرض بِأ ْم ِر ِه [الروم‪.]25:‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬


‫ومن ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬وم ْن آياته أ ْن تقوم َّ‬

‫أن الطالب خيفض صوته عند أستاذه)‪ ،‬ف(من) حرف جر‪،‬‬ ‫وإذا قلت‪( :‬من األدب َّ‬
‫و(أن) هذا حرف مصدري‪ ،‬و(الطالب) اسمها‪ ،‬ومجلة (خيفض‬
‫َّ‬ ‫و(األدب) اسم جمرور ِ‬
‫بمن‪،‬‬
‫‪204‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫مؤول‪ ،‬صار جمر ادا من العوامل اللفظية‪ ،‬فصار‬


‫اسم َّ‬
‫وأن واسمها وخربها ٌ‬
‫أن‪َّ ،‬‬‫صوته) خرب َّ‬
‫ا‬
‫مبتدأ‪ ،‬وخربه مقدم (من األدب)‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫ومن أساليب املبتدأ وهي كثرية‪:‬‬

‫اكن؟) (أين) هذا اسم زمان يدل عىل الظرفية؛ يعني ظرف مكان‪،‬‬
‫أن تقول‪( :‬أين خالدٌ س ٌ‬
‫ساكن‪ ،‬ف(خالدٌ ) مبتدأ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ا‬
‫مبتدأ‪ ،‬واخلرب‬ ‫و(خالدٌ ) عىل ذلك جمرد أم مسبوق؟ جمرد فيكون‬
‫و(ساكن) خرب‪ ،‬و(أين) ظرف مكان مقدَّ م وجو ابا‪.‬‬
‫ٌ‬

‫مسافر) (اليوم) هذا ظرف زمان‪ ،‬و(خالدٌ ) اسم جمرد مل يسبق‬


‫ٌ‬ ‫وكذلك قوله‪( :‬اليوم خالدٌ‬
‫ا‬
‫مبتدأ‪.‬‬ ‫فصار‬
‫ا‬ ‫بعامل‬

‫طيب‪ ،‬األساليب كثرية لكن نتجاوز بعضها‪ ،‬وسيأيت بعض هذه األساليب‪ ،‬وبعض هذه‬
‫املواضع فيَم سيذكره ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل تعاىل‪-‬من تقديم اخلرب‪ ،‬وتأخري املبتدأ‪ ،‬ومن حيث‬
‫ويشء من‬
‫ٌ‬ ‫أيضا يف أساليب املبتدأ واخلرب‪ ،‬فهذا يف تعريف املبتدأ‬
‫املبتدأ واخلرب‪ ،‬هذه كلها داخلة ا‬
‫أسالبه وأمثلته‪ ،‬ورأيتم أن مجيع هذا األمثلة داخل ٌة يف التعريف‪ ،‬فمن أتقن التعريف سهل عليه‬
‫استخراج املبتدأ‪ ،‬ومن استخرج املبتدأ سهل عليه استخراج خربه‪.‬‬

‫‪ ‬أما املسائل العرش التي ذكرها ابن هشام –ر ِمحه اَّلل تعاىل‪ -‬يف هذا الباب‪:‬‬
‫‪ ‬فأوهلا‪ :‬حكم املبتدأ واخلرب‪.‬‬

‫ويف ذلك يقول ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪" :-‬باب املْ ْبتدأ و ْ‬
‫اخلرب مرفوعان"‬

‫هذا بيان للحكم اإلعراِب‪ ،‬فاملبتدأ حكمه الرفع‪ ،‬واخلرب حكمه الرفع‪ ،‬ودرسنا يف باب‬
‫وخرب مرفوع‪ ،‬وإن كانا‬ ‫ٌ‬
‫مبتدأ مرفوع‪،‬‬ ‫املعرب واملبني أن املبتدأ واخلرب إذا كانا معربني قيل‪:‬‬
‫ٌ‬
‫مبنيني‪ ،‬قيل‪ :‬مبتدأ ويف ُمل رفع‪ ،‬وخربه يف ُمل رفع فال نعيد ذلك‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪205‬‬

‫ومما ينبه عليه هنا‪:‬‬

‫جر زائد‪ ،‬قد جير لف اظا؛ يعني فقط يف اللفظ؛ لكنه يبقى يف‬
‫جير لفظا بحرف ٍّ‬
‫أن املبتدأ قد ُّ‬
‫ٍ‬
‫رجل يف البيت؟)‪ ،‬واملعنى (هل رجل يف البيت) ف(من) زائدة‪،‬‬ ‫ا‬
‫مبتدأ نحو (هل من‬ ‫اإلعراب‬
‫حارض؟)‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ه ْل ِم ْن خالِ ٍق غ ْري‬
‫ٌ‬ ‫طالب‬
‫ٌ‬ ‫حارض) يعني (هل‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫طالب‬ ‫(هل من‬
‫خالق غري اَّلل؟)‪ ،‬وتقول العرب‪( :‬بحسبك‬
‫ٌ‬ ‫اَّللَِّ [فاطر‪ ]3:‬املعنى اللغوي واَّلل أعلم (هل‬
‫درهم)‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫درهم) (كافيك‬
‫ٌ‬ ‫درهم) يعني (حسبك‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫فإن سألت‪ :‬كيف نعرب املبتدأ حينئذ إذا كان مسبو اقا بحرف ٍّ‬
‫جر زائد؟‬

‫فالقاعدة تقول‪:‬‬

‫حرف اجلر الزائد يغري اللفظ‪ ،‬ولكنه ال يغري اإلعراب‪ ،‬يغري اللفظ فيجر االسم بعده؛ لكن‬
‫ا‬
‫مفعوال به‪ ،‬وهكذا؛‬ ‫ا‬
‫مبتدأ‪ ،‬واملفعول به يبقى‬ ‫ال يغري إعرابه‪ ،‬الفاعل يبقى ا‬
‫فاعال‪ ،‬واملبتدأ يبقى‬
‫ألن حرف اجلر الزائد قد يدخل عىل أشياء كثرية‪ ،‬فإذا دخل عىل املبتدأ كَم هنا‪ ،‬فقلت‪( :‬هل من‬
‫ا‬
‫مبتدأ ما نقول‪ :‬اسم جمرور‬ ‫ٍ‬
‫(طالب)‬ ‫ٍ‬
‫طالب يف املدرسة؟) قلنا‪:‬‬ ‫حارض؟) أو (هل من‬ ‫ٍ‬
‫طالب‬
‫ٌ‬
‫ُمال‪ ،‬جمرور لف اظا ِ‬
‫بمن الزائدة‪ ،‬أو بحرف اجلر الزائد‪.‬‬ ‫نقول‪ :‬مبتدأ مرفوع ً‬

‫ٍ‬
‫رجل؟) نقول‪:‬‬ ‫وكذلك لو دخل عىل الفاعل‪ ،‬فقلت‪ :‬هل جاء رجل) فاعل‪( ،‬فهل جاء من‬
‫جمرور لف اظا بمن الزائدة‪.‬‬ ‫مرفوع ً‬
‫ُمال‬ ‫ٍ‬
‫و(رجل) فاعل‬ ‫ِ‬
‫(من) حرف جر زائد‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫(أحد) مفعول به‬ ‫وكقولك‪( :‬هل أكرمت أحدا ا) مفعول به‪( ،‬هل أكرمت من ٍ‬
‫أحد)‬
‫ُمال‪ ،‬جمرور لف اظا‪.‬‬
‫منصوب ً‬
‫ٌ‬

‫ا‬
‫(بخيال) خرب ليس منصوب‪ ،‬ثم تزيد (الباء) فتقول‪( :‬ليس زيدٌ‬ ‫ا‬
‫بخيال)‬ ‫وتقول‪( :‬ليس زيدٌ‬
‫ُمال‪ ،‬جمرور لف اظا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫و(بخيل) تقول‪ :‬خرب ليس منصوب ً‬ ‫ٍ‬
‫ببخيل) فتقول‪( :‬الباء) حرف جر زائد‪،‬‬
‫‪206‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ا‬
‫وكيال‪ ،‬ف(الباء)‬ ‫ومن ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬وكفى بِاَّللَِّ وكِ ايال [النساء‪]81:‬؛ أي كفى اَّلل‬
‫ُمال‪ ،‬جمرو ٌر لف اظا بجرف اجلر الزائد‪.‬‬
‫حرف جر زائد‪ ،‬واالسم اجلليل فاعل مرفوع ً‬

‫ثم م َّثل ابن هشام هلَم فقال‪:‬‬

‫"ك(اَّلل ربنا) (وُم نمد نبينا)"‬


‫ٍ‬
‫بأمثلة كثرية للمبتدأ‪.‬‬ ‫م َّثل هلَم بمثالني كريمني‪ ،‬ونحن كنا قد مثلنا قبل قليل‬

‫نتوقف هنا‪ ،‬ونكمل إن شاء اَّلل بعد الصالة‪ ،‬واَّلل أعلم‪ ،‬وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ُممد‬
‫وعىل آله وأصحابه أمجعني‪.‬‬

‫الدرس اخلامس (اجلزء الثان)‪:‬‬

‫احلمد َّلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل نبينا ُممد وعىل آله وأصحابه أمجعني‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫فنكمل املسائل العرش التي ذكرها ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل تعاىل‪ -‬يف باب املبتدأ واخلرب‪ ،‬فذكرنا‬
‫املسألة األوىل‪ ،‬وكانت يف حكم املبتدأ واخلرب‪.‬‬

‫وننتقل اآلن إىل املسألة الثانية وهي يف وقوع املبتدأ نكرةا‪:‬‬

‫ويف ذلك يقول ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬

‫رجل ِيف الدَّ ار)‪ ،‬و﴿أإل ٌه مع‬


‫ٌ‬ ‫"ويقع ا ْمل ْبتدأ نكر اة إِن ع َّم أو خص ن ْحو‪( :‬ما‬
‫رش ٍك [البقرة‪( ،]221:‬ومخْس صلوات كتبهن‬ ‫اَّللَِّ [النمل‪﴿ ،]60:‬ولع ْبدٌ م ْؤ ِم ٌن خ ْ ٌري ِم ْن م ْ ِ‬

‫اَّلل)" انتهى كالمه‪.‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪207‬‬

‫فاألصل يف املبتدأ‪ :‬أن يكون معرفة؛ ألن املبتدأ يف املعنى ُمكو ٌم عليه باخلرب‪ ،‬وإذا قلت‪:‬‬
‫ٍ‬
‫(ُممد) بالكرم‪ ،‬واحلكم ال يكون له فائدة إال إذا وقع‬ ‫كريم) فقد أخربت وحكمت عىل‬ ‫(ُممدٌ‬
‫ٌ‬
‫كريم) تريد أن (كريم) خرب عن (رجل)؛ ألنه ال‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫(رجل‬ ‫عىل معلوم؛ يعني ال يصح أن تقول‪:‬‬
‫فائدة من ذلك؛ ألنه معلوم أن الدنيا فيها رجل كريم‪.‬‬

‫ما الفائدة من ذلك؟‬

‫ال فائدة؛ فلهذا األصل أن املبتدأ ال يقع نكرة؛ ألن املبتدأ ُمكو ٌم عليه‪ ،‬وإنَم حيكم عىل‬
‫معرفة‪.‬‬

‫ولكن جيوز وقوع املبتدأ نكرة يف مواضع ذكر ابن هشام منها هنا باألمثلة أربعة مواضع‪:‬‬
‫ا‬
‫مبتدأ‬ ‫بنفي جاز أن تقع‬
‫‪ ‬املوضع األول‪ :‬إذا تلت النكرة نف ايا‪ ،‬النكرة إذا سبقت ٍ‬
‫(ناجح) خربه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫(مهمل) مبتدأ‪،‬‬ ‫ناجح)‪( ،‬ما) حرف نفي‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مهمل‬ ‫كقولك‪( :‬ما‬

‫ٍ‬
‫رجل يف الدار‪.‬‬ ‫ومثال ابن هشام‪( :‬ما ٌ‬
‫رجل يف الدار) أخرب‪ ،‬أو نفى وجود‬

‫استفهاما‪ ،‬إذا‬
‫ا‬ ‫‪ ‬املوقع الثان أو املوضع الثان لوقوع املبتدأ نكرة‪ :‬إذا تلت النكرة‬
‫ا‬
‫مبتدأ‪ ،‬كقولك‪( :‬هل طالب يف القاعة؟)؛ يعني‬ ‫سبقت النكرة باستفهام جاز أن تقع‬
‫(طالب يف‬
‫ٌ‬ ‫لوال االستفهام لوجب أن تقول‪( :‬الطالب يف القاعة)‪ ،‬لو نكَّرت قلت‪:‬‬
‫طالب يف‬
‫ٌ‬ ‫القاعة) مل جيز؛ لعدم الفائدة‪ ،‬إال إن سبِقت بنفي أو استفهام‪ ،‬فتقول‪( :‬ما‬
‫طالب يف القاعة؟) فتتم الفائدة‪ ،‬فيجوز االبتداء بالنكرة‪ ،‬وتقول‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫القاعة) أو (هل‬
‫(أزائر عندك؟)‪( ،‬فزائر) مبتدأ‪ ،‬و(عندك) خرب‪.‬‬
‫ٌ‬

‫ومثال ابن هشام قوله تعاىل‪﴿ :‬أإل ٌه مع اَّللَِّ [النمل‪﴿ ]60:‬أإل ٌه مبتدأ‪ ،‬و﴿مع‬
‫اَّللَِّ خربه‪.‬‬
‫‪208‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫كريم‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫(رجل‬ ‫‪ ‬واملوضع الثالث لوقوع املبتدأ نكرة‪ :‬إذا و ِصفت النكرة كأن تقول‪:‬‬
‫(كريم) صفته نعته‪ ،‬طيب ما بال هذا (الرجل الكريم)‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫(رجل) مبتدأ‪،‬‬ ‫يف املجلس)‪،‬‬
‫ما اخلرب؟ (يف املجلس)‪.‬‬
‫(طالب جمتهدٌ )‬
‫ٌ‬ ‫ف(خري) هو اخلرب‪ ،‬ومبتدؤه‬
‫ٌ‬ ‫خري من طال ٍ‬
‫ب مهمل)‪،‬‬ ‫(طالب جمتهد ٌ‬
‫ٌ‬
‫قليل يكفي) ٌ‬
‫(مال)‬ ‫ٌ‬
‫حالل ٌ‬ ‫ووصف‪ ،‬تقول‪ٌ :‬‬
‫(مال‬ ‫ِ‬ ‫صح وقوعه نكرة؛ ألنه ن ِعت‬
‫قليل) نعتان يكفي اخلرب‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫(حالل ٌ‬ ‫مبتدأ‪،‬‬
‫رش ٍك [البقرة‪]221:‬‬
‫وشاهد ابن هشام يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ولع ْبدٌ م ْؤ ِم ٌن خ ْ ٌري ِم ْن م ْ ِ‬

‫ف﴿خ ْ ٌري هو اخلرب‪ ،‬واملبتدأ ﴿ع ْبدٌ ألنه ن ِعت بقوله‪﴿ :‬م ْؤ ِم ٌن ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫نكرة أخرى‪ ،‬نحو‬ ‫‪ ‬واملوضع الرابع لوقوع املبتدأ نكرة‪ :‬إذا كانت النكرة مضافة إىل‬
‫ف(خري) اخلرب‪ ،‬واملبتدأ (طالب علمٍ)‪ ،‬جاز‬ ‫(طالب عل ٍم خري من طالب ٍ‬
‫مال)‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫االبتداء بكلمة (طالب) مع أهنا نكرة إلضافتها إىل نكرة‪.‬‬
‫وشاهد ابن هشام‪ :‬حديث «مخْس صلو ٍ‬
‫ات» ما باهلن؟ «كتبه َّن اَّلل» «مخْس» أضيفت‬
‫ٍ‬
‫صلوات» فصح االبتداء هبا‪.‬‬ ‫إىل «‬

‫وهناك مواضع أخرى لالبتداء بالنكرة مل يذكرها ابن هشام‪.‬‬

‫موضع خامس وهو‪ :‬إذا‬


‫ٌ‬ ‫‪ o‬فمن املواضع املشهورة لالبتداء بالنكرة بعد هذه األربعة‬
‫مقدما‪ ،‬إذا كان اخلرب شبه مجلة وقدَّ مت هذا اخلرب شبه اجلملة‪،‬‬ ‫كان اخلرب شبه ٍ‬
‫مجلة‬
‫ا‬
‫طالب)‪،‬‬‫ٌ‬ ‫فيجوز أن يكون املبتدأ املتأخر نكرةا‪ ،‬تقول‪( :‬يف البيت ٌ‬
‫رجل)‪( ،‬يف الفصل‬
‫ار ِه ْم‬‫(يف املسجد مصلون)‪( ،‬يف الكتاب فائدةٌ)‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬عىل أ ْبص ِ‬

‫ِغشاو ٌة [البقرة‪ ]7:‬قال‪﴿ :‬ولد ْينا م ِزيدٌ [ق‪ ،]35:‬وهكذا‪.‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪209‬‬

‫‪ o‬واملوضع السادس‪ :‬أن يتعلق بالنكرة شبه مجلة‪ ،‬أن يأيت بعد النكرة شبه مجلة‪ ،‬شبه‬
‫خربا عن املبتدأ‪ ،‬بل متعلق ٌة باملبتدأ قبل اخلرب‪ ،‬كأن تقول‪:‬‬
‫اجلملة هذه ليست ا‬
‫و(مطلوب) خرب‪ ،‬وصح االبتداء‬
‫ٌ‬ ‫مطلوب) و(تشجيع) مبتدأ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫(تشجيع عىل اخلري‬
‫ٌ‬
‫وف صدقة» حديث‪ ،‬تقول‪:‬‬ ‫بالنكرة لتعلق شبه اجلملة هبا‪ ،‬وتقول‪« :‬أمر بمعر ٍ‬
‫ٌْ‬
‫(دعاء يف السحر أقوى أسلحة املؤمن) وهكذا‪.‬‬
‫ٌ‬
‫فهذه ست مواضع االبتداء بالنكرة‪ ،‬وقد أوصل بعض النحويني مسوغات االبتداء بالنكرة‬
‫كابن عقيل يف َشحه عىل األلفية إىل أربعني مسو اغا‪ ،‬وبعضهم إىل أكثر من ذلك‪.‬‬

‫وبعضهم أعاد كل هذه املواضع وهذه املسوغات إىل أمرين فقط‪:‬‬

‫‪ -‬إىل التعميم‪.‬‬

‫‪ -‬أو إىل التخصيص‪.‬‬

‫خصت جاز االبتداء هبا‪ ،‬كَم فعل ابن هشام هنا‪.‬‬


‫عمت أو َّ‬
‫يقول‪ :‬النكرة إذا َّ‬

‫فقال‪:‬‬
‫"ويقع ا ْمل ْبتدأ نكر اة إِن ع َّم أو خص"‬

‫وبعضهم كسيبويه وابن مالك أعادوا كل هذه املواضع إىل موض ٍع واحد‪ ،‬وهو اإلفادة‪ ،‬فإذا‬
‫أفاد االبتداء بالنكرة جاز‪ ،‬وإذا مل ِيفد مل جيز‪.‬‬

‫ويف ذلك يقول ابن مالك يف ألفيته‪:‬‬

‫"وال جيوز االبتداء بالنكرة ما مل ت ِفد"‬

‫يعني إذا أفادت جاز االبتداء هبا؛ وهلذا جتد يف كالم العرب مواضع من االبتداء بالنكرة ال‬
‫ٌ‬
‫(ضعيف عاد بقرملة)‪،‬‬ ‫خري من جرادة)‪ ،‬وكقوهلم‪:‬‬
‫تدخل يف هذه الستة‪ ،‬كقوهلم‪( :‬متر ٌة ٌ‬
‫‪210‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫خري من ال يشء)‪ ،‬وقبل ذلك كله قوله تعاىل‪:‬‬ ‫(يشء ٌ‬


‫ٌ‬ ‫هر ذا ناب)‪ ،‬ونقول‪:‬‬ ‫(َش َّ‬
‫وكقوهلم‪ٌّ :‬‬
‫﴿و ْي ٌل لِ ْلمط يف ِفني [املطففني‪﴿ ]1:‬و ْي ٌل مبتدأ‪ ،‬واخلرب ﴿لِ ْلمط يف ِفني ‪.‬‬

‫ولو تأملنا يف املواضع الستة السابقة‪ :‬لوجدنا أهنا تعود إىل الفائدة‪ ،‬أو تعود إىل التعميم‪ ،‬أو‬
‫إىل التخصيص‪.‬‬

‫‪ -‬ففي املوضع األول والثان‪ :‬إذا سبِقت بنفي‪ ،‬أو سبِقت باستفهام النكرة هنا تعود إىل‬
‫التعميم؛ وهلذا يقولون‪ ،‬يقول األصوليون‪ :‬النكرة يف سياق النفي واالستفهام تعم‪.‬‬

‫ٍ‬
‫رجل بخيل)‪ ،‬أو‬ ‫خري من‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -‬ويف املوضع الثالث والرابع‪ :‬إذا ِ‬
‫(رجل كريم‪ٌ ،‬‬ ‫وصفت النكرة‬
‫خري من طالب مال) هذا يعود إىل التخصيص‪،‬‬
‫إذا أضيفت إىل نكرة (طالب علم ٌ‬
‫خصصت بالوصف أو خ يصصت باإلضافة‪.‬‬

‫ثم ننتقل إىل املسألة الثالثة التي ذكرها ابن هشام‪ ،‬وهي نوعا اخلرب‪:‬‬

‫اسَم‪ ،‬وهذا سبق َشحه يف التعريف‪ ،‬وأما اخلرب فأوسع‬ ‫املبتدأ كَم سبق يف تعريفه ال يكون إال ا‬
‫ٍ‬
‫مفرد ومجلة‪ ،‬واخلرب إما مفرد وإما مجلة‪.‬‬ ‫من املبتدأ؛ ألنه عىل نوعني‪:‬‬

‫فالنوع األول من أنواع اخلرب هو اخلرب املفرد‪ :‬وابن هشام ما ذكره‪ ،‬ربَم ألنه األصل‪ ،‬أو ألنه‬
‫م َّثل له من قبل ب(اَّلل ربنا) واكتفى بذلك‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬ما املراد باملفرد هنا؟‬

‫املفرد مصطلح نحوي‪.‬‬

‫فَم املراد به هنا؟‬

‫فاجلواب‪ :‬املراد باملفرد هنا خالف اجلملة؛ ألننا قابلناه باجلملة مفر ٌد ومجلة‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪211‬‬

‫مصطلح نحوي له ثالثة استعَمالت‪ ،‬ويتحدد االستعَمل املراد‬


‫ٌ‬ ‫وهنا فائدة‪ :‬وهي أن املفرد‬
‫بمعرفة مقابله‪.‬‬

‫فإذا قلت‪ :‬االسم مفر ٌد ومثنًى ومجع‪ :‬فاملراد باملفرد هنا ما ليس مثنًى وال مج اعا‪ ،‬و(ُممد)‬
‫مفرد‪ ،‬و(ُممدان) و(ُممدون) ليسا بمفرد‪.‬‬

‫وإذا قلت‪ :‬اخلرب نوعان‪ :‬مفر ٌد ومجلة‪ ،‬فاملراد باملفرد هنا ما ليس مجلة‪ ،‬اجلملة معروفة اسمية‬
‫مبتدأ وخرب‪ ،‬وفعلية فعل وفاعل‪ ،‬إذن ما ليس بجملة‪ ،‬فإنه يدخل يف اخلرب هنا‪ ،‬يدخل يف املفرد‬
‫هنا‪.‬‬

‫وإذا قلت‪ :‬اسم ال النافية للجنس إن كان مفر ادا بنِي عىل الفتح‪ ،‬وإذا كان غري مفرد‪ ،‬وإذا‬
‫شبيها باملضاف ن ِصب‪ ،‬وإذا كان مفر ادا كقولك‪( :‬ال رجل يف‬‫كان مركب‪ ،‬وإذا كان مضا افا أو ا‬
‫شبيها باملضاف‬
‫ا‬ ‫الدار) أو (ال رجال يف الدار)‪ ،‬أو (ال رجلني يف الدار)‪ ،‬وإذا كان مضا افا أو‬
‫ن ِصب كقولك‪( :‬ال طالب عل ٍم مذموم)‪ ،‬أو (ال ا‬
‫مجيال وجهه مذموم)‪.‬‬

‫فَم معنى مفرد هنا؟‬

‫خالف املضاف والشبيه باملضاف‪.‬‬

‫(كريم)‬
‫ٌ‬ ‫يم)‬
‫أما هنا يف مسألتنا‪ :‬فاملراد باملفرد ما ليس مجلة‪ ،‬فلهذا يدخل فيه قولنا‪( :‬زيدٌ كر ٌ‬
‫خرب مفرد‪ ،‬طيب (زيدٌ صديق ٍ‬
‫ُممد) أخربنا عن (زيد) بأنه (صديق ُممد)‪.‬‬

‫(صديق ُممد) مجلة أم مفرد؟ هل هو مجلة اسمية وفعل وفاعل؟‬

‫ال‪.‬‬

‫مجلة اسمية مبتدأ وخرب؟‬


‫‪212‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ال‪ ،‬هذا مضاف ومضاف إليه‪ ،‬إذن نقول‪ :‬مفرد هنا‪( ،‬صديق) خرب‪ ،‬وهو مضاف‪ ،‬و(ُممد)‬
‫مضاف إليه‪.‬‬
‫ِ‬
‫املسجد) خرب‪ ،‬مضاف ومضاف إليه‪،‬‬ ‫وكذلك (ُممدٌ إمام املسجد)‪ُ( ،‬ممدٌ ) مبتدأ‪( ،‬إمام‬
‫نقول‪ :‬هذا خرب مفرد‪.‬‬

‫وكذلك لو قلت‪ُ( :‬ممدٌ الفائز باجلائزة)‪ ،‬ف(ُممدٌ ) مبتدأ‪ ،‬واخلرب (الفائز باجلائزة) هذا‬
‫خرب مفرد؛ ألنه ليس مجلة‪.‬‬

‫وإذا قلت‪ُ( :‬ممدٌ الذي سافر)‪ُ( ،‬ممدٌ ) مبتدأ‪ ،‬واخلرب (الذي سافر)‪.‬‬

‫(الذي سافر) هل هو مجلة اسمية أو فعلية؟‬

‫ال‪( ،‬الذي) هذا اسم موصول وهو خرب‪ ،‬و(سافر) مجلة فعلية صلة املوصول‪ ،‬يعني (الذي‬
‫ا‬
‫وفاعال‪ ،‬ليس مجلة‪ ،‬نقول‪ :‬هذا خرب مفرد‪.‬‬ ‫وخربا‪ ،‬وال ا‬
‫فعال‬ ‫ا‬
‫مبتدأ‬ ‫سافر) ليس‬
‫ا‬
‫وشاعر) خرب‬
‫ٌ‬ ‫كاتب‬
‫وشاعر) ف(ُممد) مبتدأ‪ ،‬واخلرب ( ٌ‬
‫ٌ‬ ‫كاتب‬
‫ٌ‬ ‫وكذلك لو قلت‪ُ( :‬ممدٌ‬
‫و(شاعر) عطف عليه‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫(كاتب خرب)‬
‫ٌ‬ ‫مفرد؛ ألنه ليس مجلة‬

‫(مسافر أبوه)‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫مسافر أبوه) ف(ُممدٌ ) مبتدأ‪ ،‬واخلرب‬
‫ٌ‬ ‫وأما إذا قلنا‪ُ( :‬ممدٌ‬

‫فهل اخلرب هنا مفرد أم مجلة؟‬

‫(مسافر) و(أبوه)‬
‫ٌ‬ ‫اجلواب‪ :‬حيتمل األمرين عىل حسب اإلعراب‪ ،‬فيجوز أن جتعل اخلرب‬
‫(مسافر) عىل معنى (مسافر أبوه)؛ ألن اسم الفاعل كَم سيأتينا يف‬
‫ٌ‬ ‫فاعل مرفوع باسم الفاعل‬
‫ف(مسافر) خرب‪ ،‬و(أبوه) فاعله‪ ،‬إذن صار مفر ادا‪ ،‬ألنه ليس‬
‫ٌ‬ ‫[قطر الندى] يعمل عمل الفعل‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بفعل وفاعل‪ ،‬وال مبتدأ وخرب‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪213‬‬

‫مقدما صار اخلرب هنا مجل اة اسمية‪ ،‬فعىل‬ ‫خربا‬ ‫ا‬


‫ا‬ ‫مؤخرا‪ ،‬و(مسافر) ا‬
‫ا‬ ‫مبتدأ‬ ‫وإن جعلت (أبوه)‬
‫حسب التقدير واإلعراب والتأويل يكون نوع اخلرب‪ ،‬فهذا هو النوع األول من نوعي اخلرب كونه‬
‫خربا مفر ادا‪.‬‬
‫ا‬
‫وأما النوع الثان من نوعي اخلرب‪ :‬وهو اخلرب اجلملة فيقول فيه ابن هشام‪:‬‬

‫"و ْ‬
‫اخلرب مجلة هلا ٌ‬
‫رابط"‬

‫ما تقدير الكالم؟‬

‫ٌ‬
‫عطف عىل قوله‪" :‬ويقع املبتدأ نكر اة" يعني يقع املبتدأ‬ ‫يعني ويقع اخلرب مجل اة هلا ٌ‬
‫رابط‪ ،‬وهذا‬
‫نكر اة ويقع اخلرب مجل اة‪ ،‬ف(مجل اة) حال‪ ،‬واخلرب هذا معطوف عىل الفاعل السابق‪ ،‬و(مجل اة) حال‪،‬‬
‫و(هلا) (الالم) حرف جر‪ ،‬و(هلا) ضمري مسبوق بحرف جر؛ يعني يف ُمل جر‪ ،‬فحرف اجلر هنا‬
‫استوىف عمله وجر الضمري‪.‬‬

‫ٌ‬
‫و(رابط) اسم مسبوق بعامل‪ ،‬أو جمرد؟‬

‫جمر‪.‬‬

‫ٌ‬
‫(رابط)؟‬ ‫فَمذا يكون إعراب‬

‫مبتدأ‪.‬‬

‫أين خرب املبتدأ؟‬

‫أخرب عن الرابط بأنه هلا؛ يعني جلملة‪.‬‬

‫رابط" مجلة اسمية خرب مقدم َّ‬


‫وال مؤخر؟ ما إعراب هذه اجلملة االسمية؟‬ ‫فقوله‪" :‬هلا ٌ‬

‫وقعت بعد نكرة مجل اة فهي ٌ‬


‫نعت من اجلملة‪.‬‬
‫‪214‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫سواء‬
‫ٌ‬ ‫طيب‪ ،‬إذن فالنوع الثان من نوعي اخلرب‪ :‬أن يكون اخلرب مجل اة‪ ،‬يقال‪ :‬اخلرب اجلملة‪،‬‬
‫أكانت اجلملة مجل اة فعلية نحو (اَّلل يرمحنا)‪ ،‬أو (اَّلل يرحم عباده)‪ ،‬أو (العلم ينفع صاحبه)‪ ،‬أو‬
‫ضمري مسترت‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫(ُممدٌ قام)‪ ،‬فاخلرب يف (ُممدٌ قام) هو مجلة (قام)؛ ألن (قام) ٌ‬
‫فعل ظاهر‪ ،‬وفاعله‬
‫ٍ‬
‫وفاعل مسترت‪.‬‬ ‫فصار اخلرب مكوناا من ٍ‬
‫فعل وظاهر‬

‫كريم)‬
‫ٌ‬ ‫كبري)‪ُ( ،‬ممدٌ أخوه‬
‫عظيم)‪( ،‬العلم نفعه ٌ‬
‫ٌ‬ ‫أو كانت اجلملة مجل اة اسمية نحو (اَّلل شأنه‬
‫وهكذا‪.‬‬

‫إذن فاخلرب نوعان‪:‬‬

‫‪ ‬مفرد‪.‬‬
‫‪ ‬ومجلة‪.‬‬

‫نفهم من ذلك أن اخلرب ال يقع شبه مجلة‪ ،‬وسيأيت الكالم عىل وقوع اخلرب يف الظاهر شبه‬
‫مجلة‪ ،‬وليس هو يف احلقيقة خرب‪.‬‬

‫يف املسألة التالية إن شاء اَّلل‪.‬‬

‫ملا ذكر ابن هشام أن النوع الثان من نوعي اخلرب هو اخلرب اجلملة ذكر أنه يشرتط يف اجلملة‬
‫خربا أن يكون فيها رابط‪ ،‬قال‪" :‬هلا رابط"‪.‬‬
‫الواقعة ا‬
‫ما هذا الرابط الذي يربط اجلملة‪ ،‬مجلة اخلرب باملبتدأ؟‬
‫ٍ‬
‫إشارة إليه‪ ،‬أو‬ ‫هو أن تعيد املبتدأ يف اخلرب‪ ،‬أن تعيد املبتدأ يف مجلة اخلرب‪ ،‬إما بضمريه‪ ،‬أو باسم‬
‫بتكرير لفظه يف اخلرب‪ ،‬أو بوجود اس ٍم عا ٍّم يف اخلرب يشمل املبتدأ وغريه‪.‬‬

‫وقد ذكر ابن هشام ذلك باألمثلة فقال‪:‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪215‬‬

‫رابط ك(زيد أبوه قائِم)‪ ،‬و﴿ولِباس ال َّت ْقوى ذلِك خ ْ ٌري [األعراف‪ْ ،]26:‬‬
‫﴿احلا َّقة *‬ ‫"هلا ٌ‬
‫ما ْ‬
‫احلا َّقة [احلاقة‪ ]2:1‬و(زيد نعم الرجل)"‬

‫قائم) والرابط هنا ضمري املبتدأ وهو (اهلاء) يف‬


‫قائم) اخلرب (أبوه ٌ‬
‫فاملثال األول‪( :‬زيدٌ أبوه ٌ‬
‫(أبوه)‪ ،‬ومثل ذلك‪( :‬اَّلل يرمحنا)‪ ،‬يعني (يرمحنا هو) فالرابط الضمري املسترت‪ ،‬أو (اَّلل يرحم‬
‫عباده) الرابط اهلاء يف (عباده)‪ ،‬وتقول‪( :‬اَّلل رمحته عظيم ٌة) الرابط اهلاء يف (رمحته)؛ ألهنا تعود‬
‫إىل اَّلل؛ يعني أن املبتدأ ذكرته يف اخلرب‪ ،‬لكن ذكرته عىل شكل ضمري‪.‬‬

‫ومثال ابن هشام الثان‪﴿ :‬ولِباس ال َّت ْقوى ذلِك خ ْ ٌري [األعراف‪﴿ ،]26:‬لِباس ال َّت ْقوى‬
‫ثان‪ ،‬و﴿خ ْ ٌري خرب ﴿ذلِك ‪ ،‬ومجلة ﴿ذلِك خ ْ ٌري خرب املبتدأ األول‪،‬‬ ‫مبتدأ ٍ‬
‫ٌ‬ ‫مبتدأ‪ ،‬و﴿ذلِك‬
‫ٍ‬
‫إشارة يف اخلرب يشري إىل املبتدأ‪.‬‬ ‫الرابط هنا اسم‬

‫تقول‪( :‬الصرب عىل الشدائد هذا من صفات املؤمن) (الصرب عىل الشدائد) مبتدأ‪ ،‬وهذا مبتدأ‬
‫ٍ‬
‫ثان‪ ،‬و(من صفات املؤمن) خرب (هذا)‪ ،‬و(هذا من صفات املؤمن) مجلة اسمية خرب املبتدأ‬
‫األول‪.‬‬

‫احلا َّقة [احلاقة‪ ،]2:1‬ف ْ‬


‫﴿احلا َّقة مبتدأ‪ ،‬ومجلة‬ ‫﴿احلا َّقة * ما ْ‬
‫ْ‬ ‫ومثال ابن هشام الثالث‪:‬‬
‫﴿احلا َّقة ‪ ،‬فجملة ﴿ما ْ‬
‫احلا َّقة‬ ‫احلا َّقة مجلة استفهامية مكونة من (ما) االستفهامية‪ِ ،‬‬
‫ومن ْ‬ ‫﴿ما ْ‬

‫احلا َّقة‬ ‫ٌ‬


‫مبتدأ مؤخر‪ ،‬و﴿ما ْ‬ ‫خرب مقدم‪ ،‬و ْ‬
‫﴿احلا َّقة‬ ‫مجلة اسمية مكونة من (ما) االستفهامية ٌ‬
‫عرِب مشهور ومعروف يراد به التعظيم والتفخيم‪.‬‬ ‫خرب عن ْ‬
‫﴿احلا َّقة األوىل‪ ،‬وهذا أسلوب ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫والرابط بني مجلة اخلرب واملبتدأ‪ :‬أنك كررت املبتدأ بلفظه يف اخلرب‪ ،‬تقول‪( :‬العلم ما العلم)‪.‬‬

‫مبتدأ‪ ،‬و(نِعم) فعل مضارع‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫واملثال الرابع البن هشام قوله‪( :‬زيدٌ نِ ْعم الرجل) ف(زيدٌ )‬
‫خرب عن‬ ‫والفاعل‬ ‫الفعل‬ ‫من‬ ‫الرجل)‬ ‫عم‬‫و(الرجل) فاعل‪ ،‬الفعل (نِعم)‪ ،‬واجلملة الفعلية (نِ‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫‪216‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫اسم عام وهو الرجل‬


‫زيد‪ ،‬والرابط بني مجلة اخلرب واملبتدأ أن مجلة اخلرب (نعم الرجل) فيها ٌ‬
‫يشمل املبتدأ وغريه‪.‬‬

‫وهذا معروف يف أسلوب املدح والذم‪.‬‬

‫ثم قال ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬


‫"إِ َّال ِيف ن ْحو ﴿ق ْل هو اَّللَّ أحدٌ [اإلخالص‪"]1:‬‬

‫يريد أن الرابط يف مجلة اخلرب ال يشرتط يف نحو ذلك‪ ،‬ويقصد بذلك أن اخلرب‪ ،‬أن مجلة اخلرب‬
‫إذا كانت هي املبتدأ فال حتتاج إىل رابط‪ ،‬إذا كانت مجلة اخلرب هي نفس املبتدأ‪ ،‬فال حتتاج إىل‬
‫رابط‪.‬‬

‫عظيم) مجلة اسمية وقعت‬


‫ٌ‬ ‫عظيم)‪( ،‬قويل) هذا مبتدأ‪( ،‬اَّلل‬
‫ٌ‬ ‫مثال ذلك‪ :‬أن تقول‪( :‬قويل اَّلل‬
‫خربا ل(قويل)‪.‬‬
‫ا‬
‫طيب‪ ،‬ما الرابط؟‬

‫عظيم) هي نفس املبتدأ (قويل) (قويل هو اَّلل‬


‫ٌ‬ ‫ما يف رابط‪ ،‬وال حتتاج إىل رابط؛ ألن مجلة (اَّلل‬
‫نافع) يعني الذي حتدثت به‪ ،‬الذي‬ ‫ٍ‬
‫عظيم) فال حتتاج إىل رابط حينئذ‪ ،‬كقويل‪( :‬حديثي العلم ٌ‬ ‫ٌ‬
‫نافع) هذه اجلملة هي نفس حديثي الذي‬
‫نافع) ف(العلم ٌ‬
‫قلته‪ ،‬اجلملة التي قلتها‪( :‬العلم ٌ‬
‫حتدثت به‪.‬‬

‫فيها‬ ‫ومن ذلك‪﴿ :‬ق ْل هو اَّللَّ أحدٌ [اإلخالص‪﴿ ،]1:‬ق ْل فعل أمر‪﴿ ،‬هو اَّللَّ أحدٌ‬
‫خالف يف إعراهبا‪ ،‬ومن أشهر األعاريب التي قيلت فيها أن ﴿هو يف اآلية ضمري شأن يعود إىل‬
‫السالم‪ ،-‬فهو بمعنى الشأن واألمر الذي كنتم سألتم‬ ‫ِ‬
‫الصالة و َّ‬
‫ما سألت عنه قريش النبي ‪-‬عل ْيه َّ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪217‬‬

‫خرب عن ضمري الشأن ﴿هو ؛ يعني‬ ‫ٌ‬


‫عنه‪ ،‬الشأن ﴿اَّللَّ أحدٌ ‪ ،‬ف﴿اَّللَّ أحدٌ مبتدأ وخرب‪ ،‬وهو ٌ‬
‫الشأن واخلرب واألمر الذي سألتم عنه ﴿اَّللَّ أحدٌ ‪ ،‬وهناك أعاريب أخرى يف اآلية‪.‬‬

‫"ثم انتقل ابن هشام إىل املسألة التالية وهي "وقوع اخلرب يف الظاهر شبه مجلة"‬

‫فقال ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬

‫ْ‬
‫﴿احل ْمد َّللَِّ‬ ‫وجمرورا ك‬
‫ا‬ ‫وجارا‬
‫ً‬ ‫الركْب أ ْسفل ِمنْك ْم [األنفال‪]42:‬‬
‫"وظرفا منْصو ابا نحو ﴿و َّ‬
‫بمستقر أو استقر ُمذوفتني"‬
‫ٍّ‬ ‫ر يب ا ْلعاملِني [يونس‪ ]10:‬وتعلقهَم‬

‫تقدير كالم ابن هشام‪:‬‬

‫وجمرورا"‬
‫ا‬ ‫"ويقع اخلرب ظر افا منصو ابا و ً‬
‫جارا‬
‫عطف ٍ‬
‫ثان عىل قوله‪" :‬يقع املبتدأ نكرةا‪ ،‬ويقع اخلرب ظر افا منصو ابا" فظر افا حال‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫إذن فهو‬

‫ذكر ‪-‬ر ِمحه اَّلل تعاىل‪ -‬أن اخلرب يف الظاهر قد يقع شبه مجلة‪ ،‬واملراد بشبه اجلملة‪ :‬اجلار‬
‫واملجرور‪ ،‬وظرف الزمان وظرف املكان‪ ،‬كقولك‪ُ( :‬ممدٌ يف البيت)‪ ،‬ف(ُممدٌ ) مبتدأ‪ ،‬وأخربنا‬
‫عنه يف الظاهر بأنه يف البيت‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ُممد يف الظاهر بأنه (فوق السطح)‪ ،‬وتقول‪:‬‬ ‫وتقول‪ُ( :‬ممدٌ فوق السطح) أخربنا عن‬
‫(العيد اليوم) أخربنا عن العيد بأنه اليوم‪ ،‬وتقول‪( :‬السفر غدا ا) أخربنا عن (السفر) بأنه (غدا ا)‪،‬‬
‫الركْب أ ْسفل‬
‫َّلل [يونس‪ ]10:‬أخربنا عن احلمد بأنه َّلل‪ ،‬وقال‪﴿ :‬و َّ‬ ‫ْ‬
‫﴿احل ْمد َِّ‬ ‫قال تعاىل‪:‬‬
‫ِمنْك ْم [األنفال‪ ]42:‬وهكذا‪.‬‬

‫كون عا ٌّم‬
‫إال أن اخلرب يف احلقيقة إذا وقع اخلرب يف الظاهر شبه مجلة‪ ،‬فإن اخلرب يف احلقيقة ٌ‬
‫ُمذوف‪ ،‬وشبه اجلملة متعلق ٌة هبذا الكون العام املحذوف‪.‬‬
‫ٌ‬

‫ما معنى كون عام؟‬


‫‪218‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ ‬يف كون عام‪.‬‬


‫‪ ‬ويف كون خاص‪.‬‬

‫الوجود‪ :‬وجودك أنت اآلن ا‬


‫مثال يف املسجد‪ ،‬الوجود‪:‬‬

‫‪ -‬إما وجو ٌد مطلق‪ :‬تريد أن خترب عن مطلق وجود زيد يف املسجد‪ ،‬تريد أن خترب عن مطلق‬
‫وجوده يف املسجد‪ ،‬هذا كون عام؛ يعني وجود عام‪ ،‬كون بمعنى وجود‪ ،‬هذا وجود عام‬
‫مطلق‪.‬‬

‫خاصا؛ يعني عىل صفة معينة ُمددة‪ ،‬كأن تريد أن خترب عن زيد بأنه‬
‫‪ -‬وإما أن يكون الوجود ً‬
‫نائم يف املسجد‪ ،‬ال تريد أن خترب فقط أنه موجود يف املسجد دون أن خترب بصفته‪ ،‬ال‪ ،‬أنت‬
‫تريد أن خترب عن صفته اخلاصة وهي النوم‪ ،‬تقول‪( :‬زيدٌ موجود)‪ ،‬ال‪( ،‬زيدٌ نائم يف‬
‫املسجد)‪ ،‬أو تريد أن خترب عن صفة أخرى خاصة مثل الصالة تقول‪( :‬زيدٌ يصيل يف‬
‫املسجد) ال تريد أن ختربن فقط أنه موجود يف املسجد‪ ،‬وال ختربن بصفة من صفاته‪ ،‬ال‪،‬‬
‫تريد أن ختربن بصفة خاصة من صفاته وهي الصالة‪( ،‬زيدٌ يصيل يف املسجد)‪ ،‬أو (زيدٌ‬
‫جالس يف املسجد)‪ ،‬أو (زيدٌ يدرس يف املسجد)‪ ،‬تسمى هذه أكوان خاصة؛ يعني صفات‬
‫ٌ‬
‫خاصة؛ يعني هيأة خاصة من هيئات هذا املوجود يف املسجد‪.‬‬

‫أما إذا كان غرضك مطلق اإلخبار عن وجوده دون أن خترب بصفة خاصة من صفاته‪،‬‬
‫فنسميه وجود عام‪ ،‬أنت ماذا تقصد؟ تريد أن ختربن بمطلق الوجود؟ تريد أن ختربن بصفة من‬
‫صفاته‪ ،‬هذا وجود مطلق‪ ،‬وجود عام‪ ،‬كون عام‪ ،‬أو تريد أن ختربن بصفة خاصة من صفاته‪،‬‬
‫هذا كون خاص‪ ،‬وجود خاص‪.‬‬

‫فإذا أردت أن ختربن عن أن زيد نائم يف املسجد‪ ،‬ماذا تقول؟‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪219‬‬

‫متعلق ب(نائم)؛ ألن‬


‫ٌ‬ ‫نائم يف املسجد) أين خرب زيد؟ (نائم)‪ ،‬وقولك‪( :‬يف املسجد)‬
‫(زيدٌ ٌ‬
‫متعلق ب(نائم)‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الذي وقع يف املسجد النوم‪،‬‬

‫طيب‪ ،‬لو حذفت كلمة (نائم) وقلت‪( :‬زيدٌ يف املسجد) هل أفهم هذه الصفة اخلاصة؟‬

‫ما أفهمها‪ ،‬هذا كون خاص ال بد أن ترصح به‪ ،‬وهو اخلرب‪.‬‬

‫أما إذا كان غرضك ومقصدك أن تبني مطلق الوجود‪ ،‬الوجود العام دون أن تذكر يل صفة‬
‫تبني صفة من‬
‫من صفاته اخلاصة‪ ،‬فتقول‪( :‬زيدٌ يف املسجد) تعني موجود يف املسجد دون أن ي‬
‫صفاته‪.‬‬

‫فإذا قلت‪( :‬زيدٌ يف املسجد) أفهم أنه موجود يف املسجد َّ‬


‫وال ما أفهم؟‬

‫أفهم‪ ،‬دون أن تقول كلمة (موجود)‪.‬‬

‫فنقول‪ :‬كلمة (موجود) هذه كون عام؛ يعني ال نفهم إال مطلق الوجود فقط‪ ،‬إنه موجود‪،‬‬
‫لكن ما نفهم صفة خاصة من صفاته‪.‬‬

‫‪ -‬طيب‪ ،‬هذا الكون العام موجو ٌد جيب أن حيذف يف اللغة‪:‬‬

‫وال جيوز أن ترصح بالكون العام‪ ،‬ال جيوز أن تقول يف الكالم‪( :‬زيدٌ موجو ٌد يف املسجد)‬
‫تقول‪( :‬زيدٌ يف املسجد)‪.‬‬

‫طيب إذا أردت أن خترب عن وجوده يف البيت تقول‪( :‬زيدٌ يف البيت) ما تقول‪( :‬موجو ٌد يف‬
‫البيت)‪( ،‬زيدٌ يف اجلامعة) ما تقول‪( :‬موجو ٌد يف اجلامعة) الكون العام جيب أن حيذف‪.‬‬

‫‪ -‬الكون العام يقدَّ ر بأي كلمة تدل عىل مطلق الوجود‪:‬‬


‫‪220‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫مثل‪( :‬موجود) أو (كائن)‪( ،‬كائن) بمعنى (موجود)‪ ،‬أو (حاصل)‪ ،‬أو (ثابت) ليس‬
‫بمعنى الثبات بعدم التحرك‪ ،‬وإنَم بمعنى الوجود‪ ،‬أو (مستقر) ليس مستقر بمعنى عدم‬
‫التحرك‪ ،‬ال‪ ،‬وإنَم بمعنى الوجود فقط‪ ،‬مطلق الوجود‪ ،‬فهذا الفرق بني الوجود العام‪ ،‬والوجود‬
‫اخلاص‪ ،‬أنت ماذا تريد أن ختربن به‪ ،‬نقول‪ :‬الوجود العام‪ ،‬أو الكون العام‪ ،‬الوجود اخلاص‪ ،‬أو‬
‫الكون اخلاص‪.‬‬

‫فإذا قلت‪( :‬زيدٌ يف املسجد) فاخلرب يف الظاهر عن زيد هو قولك‪( :‬يف املسجد) لكن يف‬
‫كون عا ٌّم ُمذوف‪ ،‬تقديره نحو (زيدٌ موجو ٌد يف املسجد) اخلرب (موجو ٌد)‪ ،‬و(يف‬
‫احلقيقة اخلرب ٌ‬
‫نائم يف‬
‫املسجد) متعلق هبذا الكون العام املحذوف‪ ،‬كَم تعلق بالكون اخلاص يف قولك‪( :‬زيدٌ ٌ‬
‫املسجد)‪ ،‬إال أن الكون اخلاص جيب أن يذكر‪ ،‬وال حيذف إال بدليل‪ ،‬وأما الكون العام فيجب‬
‫أن حيذف مع أن شبه اجلملة متعلق ٌة به؛ ألن ذكره (‪.)39:17‬‬

‫مستقر َّلل‪ ،‬وهكذا‪.‬‬


‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫حاصل‪ ،‬أو‬ ‫ثابت‪ ،‬أو‬ ‫وكذلك ْ‬
‫﴿احل ْمد َّللَِّ [يونس‪ ]10:‬يعني احلمد ٌ‬
‫فهذا معنى قول ابن هشام‪.‬‬

‫اسَم‪ ،‬أم يقدَّ ر ا‬


‫فعال؟‬ ‫فإن قلت‪ ،‬طيب‪ ،‬اخلرب كون عام ُمذوف‪ ،‬فهل يقدَّ ر ا‬
‫ٌ‬
‫وسؤال آخر‪ :‬ملاذا ال نقول‪ :‬إن شبه اجلملة هي اخلرب يف احلقيقة ألهنا هي‬ ‫سؤال‪ ،‬طيب‪،‬‬
‫اخلرب يف الظاهر‪ ،‬فلَمذا ال نقول‪ :‬إهنا هي اخلرب يف احلقيقة؟‬

‫سؤال آخر‪ ،‬نتأمل يف هذين السؤالني ونجيب عنهَم يف الدرس القادم إن شاء اَّلل‪ ،‬وسأضطر‬
‫خريا‪ ،‬واَّلل أعلم‪ ،‬وصىل َّلل وسلم‬
‫أن أقف هنا؛ لكيال أتأخر عىل الدرس اآلخر‪ ،‬وجزاكم اَّلل ا‬
‫عىل نبينا ُممد‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪221‬‬

‫الدرس السادس‬

‫بسم اَّلل الرمحن الرحيم‬

‫احلمد َّلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله وأصحابه أمجعني‪ ،‬أما‬
‫بعد‪...‬‬

‫فسالم اَّلل عليكم ورمحته وبركاته‪ ،‬وح َّياكم اَّلل وب َّياكم يف هذه الليلة املباركة‪ ،‬ليلة األربعاء‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وأربعَمئة وألف‪ ،‬ونحن يف جامع منرية‬ ‫التاسع عرش من مجادى اآلخرة‪ ،‬من سنة تس ٍع وثالثني‬
‫شبييل بحي الفالح يف مدينة الرياض ِ‬
‫انعقد بحمد اَّلل وتوفيقه الدرس السادس من دروس َشح‬
‫الصدى] البن هشام ‪-‬عليه رمحة اَّلل‪.-‬‬ ‫[قطر الندى ي‬
‫وبل َّ‬
‫ِ‬
‫املعارف‪ ،‬ثم بدأنا بباب املبتدأ واخلرب‬ ‫يف الدرس املايض يا إخوان كنا قد تك َّلمنا عىل بقية‬
‫لكننا مل نن ِْه‪ ،‬ففي هذا الدرس إن شاء اَّلل تعاىل سننهي الكالم عىل [باب املبتدأ واخلرب]‪ ،‬ونتك َّلم‬
‫بإذن اَّلل تعاىل عىل الناسخ األول‪ :‬وهو كان وأخواهتا‪.‬‬

‫‪ ‬فن بدأ بإكَمل الكالم عىل (باب املبتدأ واخلرب) وقد توقفنا يف أثناء الكالم عىل وقوع اخلرب‬
‫يف الظاهر شبها مجلة‪ ،‬ويف ذلك قال ابن هشام‪:‬‬

‫ورا كـ‬
‫وجمر ا‬
‫وجارا ْ‬
‫ا‬ ‫الركْب أ ْسفل ِمنْك ْم [األنفال‪،]42:‬‬ ‫نحو‪﴿ :‬و َّ‬‫"وظ ْر افا منْصو ابا ْ‬
‫ُمذوف ْ ِ‬ ‫(مست ٍ‬ ‫ِ‬
‫ني"‪.‬‬ ‫(استق َّر) ْ‬
‫قر) أو ْ‬ ‫﴿احل ْمد َّللَِّ ر يب ا ْلعاملني [الفاحتة‪ ،]2:‬وتع ُّلقهَم بِـ ْ‬
‫ْ‬

‫وجمرورا‪ ،‬وذكرنا يف الدرس‬


‫ا‬ ‫قال‪ :‬إن اخلرب يأيت يف الظاهر شبه مجلة ظر افا منصو ابا‪ ،‬أو ً‬
‫جارا‬
‫وقوع يف الظاهر‪ ،‬وأما يف احلقيقة فإن شبه اجلملة متع يلق ٌة بك ٍ‬
‫ون عا ٍّم‬ ‫ٌ‬ ‫املايض أن هذا الوقوع هو‬
‫ُمذوف‪ ،‬وَشحنا ما معنى الكون العام‪ ،‬وما معنى الكون اخلاص‪.‬‬

‫كون عا ٌّم ُمذوف؛‬


‫فنكمل فنقول‪ :‬فإذا قدَّ رت هذا اخلرب الذي هو ٌ‬
‫‪222‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬
‫ِ‬
‫مستقر‪.‬‬ ‫اسَم؛ كموجود‪ ،‬أو كائن‪ ،‬أو حاصل‪ ،‬أو ثابت‪ ،‬أو‬
‫‪ -‬فيجوز أن تقدي ره ا‬
‫كاستقر‪ ،‬أو كان‪ ،‬أو و ِجد‪ ،‬أو حدث‪ ،‬أو حصل‪.‬‬
‫َّ‬ ‫‪ -‬وجيوز أن تقدي ره ا‬
‫فعال؛‬

‫وقد تكون بعض اجلمل يناسبها االسم‪ ،‬وبعض اجلمل يناسبها الفعل إال أن التقديرين‬
‫نصهَم عىل اجلواز‪.‬‬
‫جائزان‪ ،‬ومع ذلك اختلف النحويون يف أهيَم أوىل مع ي‬

‫اسَم؛ ألن األصل يف اإلخبار‪ ،‬وعىل ذلك يدخل يف باب اإلخبار‬


‫‪ -‬فقيل‪ :‬إن األوىل تقدير ا‬
‫باالسم املفرد‪.‬‬

‫‪ -‬وقيل‪ :‬بل يقدَّ ر ا‬


‫فعال‪ ،‬وعىل ذلك يدخل يف باب اإلخبار باجلملة‪.‬‬

‫فلهذا قلنا من قبل‪ :‬إن اخلرب نوعان فقط‪:‬‬

‫اسم مفرد‪.‬‬
‫‪ٌ -‬‬

‫‪ -‬ومجلة‪.‬‬

‫وقوع يف الظاهر وهو يعود إىل أحد هذين النوعني‪ ،‬فتقدي ر يف‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫وأما شبه اجلملة فهو‬

‫ومستقر يف البيت‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫(ُممدٌ يف البيت)‪ُ :‬ممدٌ موجو ٌد يف البيت‪،‬‬

‫مستقر فوق السطح‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫(ُممدٌ فوق السطح)؛ أي موجو ٌد فوق السطح‪ ،‬أو‬

‫ٌ‬
‫حاصل اليوم‪ ،‬أو يكون‬ ‫ٌ‬
‫حادث‪ ،‬أو‬ ‫كائن‪ ،‬أو‬
‫مستقر أو ٌ‬
‫ٌ‬ ‫وإذا قلت‪( :‬العيد اليوم)؛ أي العيد‬
‫أو حيدث اليوم وهكذا‪.‬‬

‫عاما ُمذو افا‪،‬‬


‫فإن قلت‪ :‬ملاذا ال نجعل شبه اجلملة نفسها هي اخلرب بل نجعل اخلرب كوناا ً‬
‫ملاذا؟‬

‫اجلواب عن ذلك‪ :‬أن جعل شبه اجلملة هي اخلرب يمنعه اللفظ واملعنى‪،‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪223‬‬

‫خربا يبقى منصو ابا وال يرتفع؛ كقوله تعاىل‪:‬‬


‫‪ -‬فمنع اللفظ إ َّياه أن الظرف إذا وقع ا‬
‫الركْب أ ْسفل ِمنْك ْم [األنفال‪ ،]42:‬ما تقول‪ :‬أسفل‪ ،‬وتقول‪ُ :‬ممدٌ فوق السطح‪ ،‬ما تقول‪:‬‬
‫﴿و َّ‬
‫فوق‪ ،‬ولو كان هو اخلرب يف احلقيقة الرتفع‪ ،‬وكذلك يف اجلار واملجرور‪.‬‬

‫‪ -‬وأما منع املعنى إ َّياه فألن اخلرب هو املعنى يف املعنى؛ ألن اخلرب هو املبتدأ يف املعنى فلهذا‬
‫صح أن خت ِرب به عن املبتدأ‪.‬‬
‫َّ‬

‫قائم) فالقائم هو ُممد‪ ،‬وإال مل يصح أن خترب به عن املبتدأ‪.‬‬


‫وأنت إذا قلت‪ُ( :‬ممدٌ ٌ‬

‫صح أن جتعل مجلة (سافر‬


‫وإذا قلت‪ُ( :‬ممدٌ سافر أخوه) فالذي سافر أخوه هو ُممد‪ ،‬فلهذا َّ‬
‫أخوه) خرب عن ُممد‪.‬‬

‫أما إذا قلت‪ُ( :‬ممدٌ يف البيت)‪ ،‬فقولك‪( :‬يف البيت) يف تدل عىل الظرفية؛ يعني ظرفية البيت؛‬
‫يعني فضاؤه‪ ،‬خالؤه‪ ،‬فهل فضاء البيت وخالء البيت هو ُممد؟ طب اعا ال‪ ،‬فَم يصح أن تقول‪ :‬إنه‬
‫اخلرب؛ ألنه ليس ُممدا ا‪.‬‬

‫وإذا قلت‪ُ( :‬ممدٌ فوق السطح) هل هذا املكان الذي هو فوق السطح هو ُممد لكي يصح‬
‫أن خترب به عن ُممد؟ ال‪ ،‬ولكن اخلرب املعنى الذي يقصد إليه العرِب عندما يقول‪ُ( :‬ممدٌ يف‬
‫البيت)؛ يعني ُممد موجود يف هذا اخلالء‪ ،‬موجود يف فضاء البيت‪ ،‬موجود يف خالء البيت‪.‬‬

‫إذا قال‪ُ( :‬ممدٌ فوق السطح)؛ يعني ُممدٌ موجود يف هذا املكان الذي هو فوق السطح إال‬
‫واستمر حذفه‪ ،‬واضطرد حذفه جرى‬
‫َّ‬ ‫كون عام جيب حذفه فلَم وجب حذفه‬
‫أن اخلرب كَم قلنا‪ٌ :‬‬
‫يف الكالم وجرى يف النفس مثل هذه األمثلة؛ (ُممدٌ يف البيت)‪ُ( ،‬ممدٌ يف املسجد) حتى وقع يف‬
‫النفس أن شبه اجلملة هي اخلرب‪ ،‬وإال فإن املعنى ليس عىل ذلك كَم َشحنا قبل قليل‪.‬‬
‫‪224‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫الرساج أنه يرى أن شبه اجلملة‬ ‫وحيكى عن بعض النحويني عن ٍ‬


‫قليل من النحويني؛ كابن َّ‬
‫قديَم‬
‫جتوزٌ منه؛ ألنه خالف املعنى‪ ،‬ومع ذلك فَم زال النحويون واملعربون ا‬
‫هي اخلرب‪ ،‬وكأن هذا ُّ‬
‫وحدي اثا يقولون يف كتبهم النحوية ويف إعراهبم‪ :‬وشبه اجلملة هي اخلرب‪ ،‬ا‬
‫بناء عىل أنه من‬
‫املعروف أن اخلرب يف احلقيقة هو الكون العام املحذوف‪ ،‬وشبه اجلملة متع يلق ٌة به‪ ،‬إال أهنم‬
‫مرة‪.‬‬
‫أمر معروف‪ ،‬وال يكررونه يف كل َّ‬
‫يتجوزون يف ذلك؛ ألنه ٌ‬
‫َّ‬

‫بالتجوز يف مثل هذه األمور املعروفة عند الكبار‪ ،‬وعند العارفني هبذه‬
‫ُّ‬ ‫فلهذا ال بأس‬
‫األحكام‪ ،‬إال أنه عند املتع يلمني ال ينبغي ذلك‪ ،‬بل ينبغي عند املتع يلمني وهلم أن ينص عىل أن‬
‫كون عا ٌّم ُمذوف‪ ،‬وشبه اجلملة متعلق ٌة به حتى يستقر ذلك يف علمهم‪ ،‬ثم إذا شاءوا بعد‬
‫اخلرب ٌ‬
‫يتجوز الكبار فال بأس‪.‬‬
‫َّ‬ ‫يتجوزا كَم‬
‫ذلك أن َّ‬

‫‪ ‬ثم ننتقل للمسألة التالية؛ ألننا ذكرنا يف أول الكالم عىل (باب املبتدأ واخلرب) أن ابن‬
‫هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬ذكر يف هذا الباب عرش مسائل‪ ،‬وهذه املسألة هي املسألة الرابعة‪.‬‬

‫‪ ‬واآلن ننتقل إىل املسألة اخلامسة‪ ،‬وهي‪ :‬اإلخبار بأسَمء الزمان واملكان عن الذوات‬
‫واملعان‪ ،‬قال ابن هشام‪:‬‬

‫الذات"‪.‬‬ ‫خيرب بالزَّ ِ‬


‫مان ع ِن َّ‬ ‫"وال ْ‬

‫املسألة حتتاج إىل َشحٍ رسيع‪ ،‬ما معنى قوهلم‪ :‬ذات أو ذوات‪ ،‬ومعناى ومعان؟‬

‫املراد بالذوات يف اصطالح النحويني‪ :‬كل ما يدرك باحلواس‪ ،‬أو بإحدى احلواس اخلمس‬
‫ُمسوسا‪ ،‬أو ج َّث اة‪ ،‬أو عيناا‪ ،‬الذي يدرك بالنظر‪ ،‬أو السمع‪ ،‬أو الشم‪ ،‬أو الذوق‪،‬‬
‫ا‬ ‫فيسمى ذاتاا‪ ،‬أو‬
‫ُمسوسا؛ كزيد والباب‪.‬‬
‫ا‬ ‫سمى ذاتاا‪ ،‬أو عيناا‪ ،‬أو جث اة‪ ،‬أو‬
‫أو اللمس ي َّ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪225‬‬

‫سمى غري املحسوس؛‬


‫واملراد باملعنى هو ما يدرك بالقلب ال باحلواس يسمى املعنى‪ ،‬وي َّ‬
‫كالصالح‪ ،‬والعلم‪ ،‬والفضل‪ ،‬والرفعة‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫فإذا عرفنا ذلك نقول‪ :‬أما أسَمء املكان فيخرب هبا عن الذوات وعن املعان‪ ،‬طب اعا خيرب هبا‬
‫يعني يف الظاهر كَم عرفنا‪ ،‬نحو (ُممدٌ يف البيت)‪( ،‬العلم عند زيد)‪ُ ،‬ممد ذات والعلم معنى‪،‬‬
‫وأخربنا عنهَم بأسَمء الزمان واملكان‪ ،‬تقول‪( :‬احللم يف القلب)‪ ،‬و(العلم عند زيد)‪ ،‬و(الكتاب‬
‫أمامك) خت ِرب بأسَمء املكان عن الذوات وعن املعان‪.‬‬
‫وأما أسَمء الزمان فيخرب هبا عن املعان‪ ،‬نحو‪ِ :‬‬
‫(احل ْلم عند الغضب)‪ ،‬و(الصرب يف الشدائد)‬
‫تعرف الشدائد هذا زمان‪ ،‬وأخربت به عن ِ‬
‫احل ْلم عن معنى‪ ،‬وتقول‪( :‬الصوم غدا ا)‪ ،‬و(السفر‬ ‫ِ‬

‫اليوم) فأسَمء الزمان خيرب هبا عن املعان‪.‬‬

‫نص عليه ابن هشام فقال‪:‬‬


‫اإلشكال فقط يف اإلخبار بأسَمء الزمان عن الذوات‪ ،‬فلهذا َّ‬

‫"وال خيرب بالزمان عن الذات"‪.‬‬


‫وع َّللوا ذلك بأنه ال فائدة منه‪ ،‬سبب املعنى عدم الفائدة‪ ،‬نحو‪( :‬زيدٌ اليوم)‪( ،‬خالدٌ يف ٍ‬
‫غد)‬
‫ال فائدة من ذلك؛ ألنه معلو ٌم أن كل ذات ال بدَّ أن تكون يف زمان‪ ،‬فزيد ال بدَّ أن يكون يف يو ٍم‬
‫من األيام‪ ،‬ما الفائدة؟ تقول‪( :‬زيدٌ اليوم)‪ ،‬ومعلوم أن خالدا ا ال بدَّ أن يكون يف ٍ‬
‫غد فال فائدة من‬ ‫ٌ‬
‫ذلك‪.‬‬

‫ثم قال ابن هشام‪:‬‬


‫"وال َّليلة ِ‬
‫اهلالل مت َّأو ٌل"‬ ‫ْ‬
‫‪226‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ٌ‬
‫مبتدأ مؤخر‪،‬‬ ‫هذا من كالم العرب‪ ،‬يقولون‪( :‬الليلة اهلالل)؛ يعنون اهلالل الليلة؛ فاهلالل‪:‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ بالزمان‬ ‫خرب مقدَّ م‪ ،‬فأخرب بالزمان الليلة الذي هو ظرف زمان عن اهلالل‪ ،‬فأخرب‬
‫والليلة‪ٌ :‬‬
‫عن الذات‪.‬‬

‫متأول)؛ يعني ليس الكالم عىل ظاهره‪ ،‬والتأويل عىل تقدير اسم معناى‬
‫قال ابن هشام‪( :‬هذا َّ‬
‫ُمذوف‪ ،‬فمعنى (اهلالل الليلة) يعني ظهور اهلالل الليلة‪ ،‬وهذا املعنى الذي ِ‬
‫يقصد إليه املتك يلم‬
‫العرِب‪ ،‬ال يقصد اهلالل نفسه الليلة‪ ،‬وإنَم يقصد ظهور اهلالل الليلة‪ ،‬أو والدة اهلالل الليلة‪،‬‬
‫كائن الليلة‪ ،‬ثم قدَّ م اخلرب فقال‪( :‬الليلة‬ ‫ِ‬
‫اهلالل الليلة) يعني ظهور اهلالل ٌ‬ ‫فأصل الكالم‪( :‬ظهور‬
‫ِ‬
‫اهلالل)‪ ،‬ثم حذف املضاف فقال‪( :‬الليلة اهلالل)‪.‬‬ ‫ظهور‬

‫شك أن املعنى عىل ذلك‪ ،‬وال َّ‬


‫شك أن كل كال ٍم يكون عىل مثل هذا املعنى والتقدير فهو‬ ‫وال َّ‬
‫جائز وليس ممنو اعا؛ كأن تطلب منيي ا‬
‫مثال أشياء‪ ،‬فأقول لك‪( :‬الكتاب اليوم)‪ ،‬و(القلم غدا ا) فال‬
‫تريد أن خترب عن الكتاب بأنه اليوم‪ ،‬وإنَم تريد ا‬
‫مثال (إعطاء الكتاب) أو (إعطاؤك الكتاب‬
‫اليوم)‪ ،‬أو (إحضار الكتاب اليوم)‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫معلوما جاز حذفه عىل قاعدة‬


‫ا‬ ‫وعىل هذا يصح‪ ،‬ال إشكال يف ذلك بأن املضاف إذا كان‬
‫حذف املعلوم‪ ،‬وإنَم املمنوع أن خت ِرب بالزمان عن الذات مباَش اة دون تقدير‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مسألة أخرى وهي السادسة‪ :‬وهي إغناء الفاعل ونائب الفاعل‬ ‫‪ ‬ثم انتقل ابن هشام إىل‬
‫عن اخلرب فقال‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ٍ‬
‫اخل ِرب م ْرفوع وصف م ْعتمد عىل ْاست ْفها ٍم ْأو ن ْف ٍي ن ْحو‪( :‬أقاط ٌن ْ‬
‫قوم س ْلمى)‪،‬‬ ‫"ويغْنى ع ِن ْ‬
‫وب ا ْلع ْم ِ‬
‫ران)"‪.‬‬ ‫و(ما م ْرض ٌ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪227‬‬

‫ٍ‬
‫حينئذ إىل خرب‪،‬‬ ‫يتك َّلم عىل أن الفاعل ونائب الفاعل قد يغنيان عن اخلرب فال حيتاج املبتدأ‬
‫وعىل ذلك نقول‪ :‬املبتدأ نوعان‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬املبتدأ الذي له خرب؛ يعني املبتدأ الذي ِ‬
‫تورده لكي خت ِرب عنه بخرب‪ ،‬وهذا هو‬
‫قائم)‪ ،‬أخربت عن ُممد بأنه قائم‪.‬‬
‫األكثر يف الباب‪ ،‬ومجيع األمثلة السابقة عىل ذلك؛ كـ (ُممدٌ ٌ‬

‫والنوع الثان من املبتدأ‪ :‬هو املبتدأ الذي ليس له خرب بل له فاعل أو نائب فاعل سدَّ مسدَّ‬
‫اخلرب‪ ،‬قام مقامه‪ ،‬وسدَّ مسدَّ ه‪ ،‬وناب منابه‪ ،‬فلم تعد هناك حاج ٌة إىل اخلرب‪.‬‬

‫ويكون املبتدأ من النوع الثان برشطني‪:‬‬


‫الرشط األول‪ :‬أن يكون املبتدأ وص افا‪ ،‬وَشحنا املراد بالوصف من قبل‪ ،‬وخالصته‪ :‬أنه اسم‬
‫الفاعل‪ ،‬واسم املفعول‪ ،‬والصفة املش َّبهة‪.‬‬
‫نفي‪ ،‬يقولون‪ :‬أن يعتمد عىل استفها ٍم أو‬
‫والرشط الثان‪ :‬أن يصدق هذا املبتدأ باستفها ٍم أو ٍّ‬
‫نفي‪.‬‬
‫جمرد‬
‫وقائم‪ :‬هذا اسم َّ‬
‫ٌ‬ ‫قائم ُممدٌ ؟) فهل‪ :‬حرف استفهام فال يكون مبتدا ا‪،‬‬
‫مثال ذلك‪( :‬هل ٌ‬
‫عن العوامل اللفظية فهو مبتدأ‪ ،‬ثم ننظر إىل ُممد‪ ،‬فأنت مل خت ِرب عن قائ ٍم بأنه ُممد‪ ،‬وإنَم عالقة‬
‫ُممد بقائم أن ُممدا ا هو الذي فعل القيام‪ ،‬فصار ُممدا ا ا‬
‫فاعال لقائم؛ ألن قائم وصف؛ اسم‬
‫فاعل‪ ،‬وقد اعتمد عىل استفهام‪.‬‬
‫فعل وفاعل‪ ،‬ثم تقلِب‬ ‫قائم ُممدٌ ) فاعتمد عىل نفي‪ ،‬أصل اجلملة‪( :‬قام ُممدٌ ) ٌ‬
‫أو تقول‪( :‬ما ٌ‬
‫(قائم ُممدٌ )‪ ،‬ثم تأيت باستفها ٍم أو‬ ‫ٍ‬
‫مأخوذ منه؛ قام يقوم فهو قائم‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫وصف‬ ‫هذا الفعل إىل‬
‫ٌ‬
‫(أشجاع املقاتل؟) بمعنى أشجع املقاتل؟‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫قائم ُممد)‪ ،‬أو تقول‪:‬‬
‫قائم ُممد؟ ما ٌ‬
‫نفي؛ (هل ٌ‬
‫(أمرشوب‬
‫ٌ‬ ‫(أحسن وجهه) بمعنى أحسن وجهه؟ فالوصف هنا عىل معنى الفعل‪ ،‬أو تقول‪:‬‬
‫ٌ‬
‫العصري؟) بمعنى ِ‬
‫أَشب العصري؟‬
‫‪228‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫آهلتِي يا‬
‫اغب أنْت عن ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ومن الشواهد عىل ذلك‪ :‬قوله ‪-‬س ْبحانه وتعاىل‪﴿ :-‬أر ٌ‬
‫أراغب‪ :‬هذا اسم فاعل بمعنى الفعل ترغب؛ يعني أترغب أنت عن‬ ‫إِب ِ‬
‫راهيم [مريم‪،]46:‬‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫فحول الفعل ترغب إىل الوصف املأخوذ منه وهو راغب‪ ،‬فقال‪﴿ :‬أراغ ٌ‬
‫آهلتي يا إبراهيم؟ َّ‬
‫أنْت [مريم‪ ]46:‬فصارت "أنت" ا‬
‫فاعال لراغب سدَّ ت مسدَّ اخلرب‪.‬‬
‫ومن ذلك قول الشاعر الذي أشار إليه ابن هشام‪ ،‬وهو قوله‪:‬‬
‫فعجيب عيش من قطنا‬
‫ٌ‬ ‫إن يظعنوا‬ ‫أقاطِ ٌن قوم سلمى أم نـووا ظعنـا‬

‫أقاطِ ٌن‪ :‬اسم فاعل بمعنى قطن؛ كأنه قال‪( :‬أقطن قوم سلمى) فلهذا عطف عليه ا‬
‫فعال (أم‬
‫نووا) لكنه رصف الفعل (قطن) إىل الوصف منه فقال‪( :‬أقاطِ ٌن قوم) فصار قوم ا‬
‫فاعال يف‬
‫احلالني‪:‬‬
‫سواء قلت‪ :‬أقطن قوم سلمى‪.‬‬
‫ا‬
‫أم أقاطِ ٌن قوم سلمى‪.‬‬
‫فقوم‪ :‬فاعل‪ ،‬إال أنه مع الفعل يكون مجل اة فعلية فعل وفاعل‪( ،‬أقطن قوم سلمى؟)‪ ،‬أما مع‬
‫الوصف‪( :‬أقاطِ ٌن قوم) يكون ا‬
‫فاعال هلذا الوصف‪ ،‬فالوصف مبتدأ‪ ،‬واملرفوع بعده فاعل سدَّ‬
‫مسدَّ اخلرب‪.‬‬
‫ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬
‫إِذا مل ْ تكونا ِيل عىل م ْن أقـاطِع‬ ‫واف بِع ْهـ ِ‬
‫ـدي أ ْنــتَم‬ ‫خلِــييل مــا ٍ‬
‫َّ‬
‫فواف‪ :‬اسم فاعل‪ ،‬وأنتَم‪ :‬فاعله سدَّ مسدَّ اخلرب؛ ألن‬‫ٍ‬ ‫واف‪،‬‬‫(واف) من وىف ي ِفي فهو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قال‪:‬‬
‫ٍ‬
‫واف اعتمد هنا عىل نفي‪.‬‬
‫مما جيب التنبيه إليه هنا‪ :‬أن الوصف املذكور مع املرفوع بعده له ثالث حاالت‪:‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪229‬‬

‫قائم‬
‫احلالة األوىل‪ :‬أن يتَّفقا يف اإلفراد؛ يعني الوصف مفرد ومرفوعه مفرد‪ ،‬نحو‪( :‬هل ٌ‬
‫ُممدٌ ؟)‪.‬‬
‫واحلالة األخرى ‪ :‬أن يتفقا يف غري اإلفراد يعني يف التثنية أو اجلمع‪ ،‬نحو‪( :‬هل قائَمن‬
‫املحمدان؟)‪ ،‬أو (هل قائمون املحمدون؟)‪.‬‬
‫قائم املحمدون؟)‪.‬‬
‫قائم املحمدان؟)‪ ،‬و(هل ٌ‬
‫واحلالة الثالثة‪ :‬أن خيتلفا نحو‪( :‬هل ٌ‬
‫واضحا‪.‬‬
‫ا‬ ‫تأملنا فيها لوجدنا األمر‬
‫فاحلكم خيتلف‪ ،‬ولو َّ‬
‫قائم املحمدون؟) فاملرفوع جيب أن يكون‬
‫قائم املحمدان؟) (هل ٌ‬
‫‪ -‬فإذا كان خمتلفني‪( :‬هل ٌ‬
‫وقائم‪ :‬مبتدأ‪ ،‬واملحمدان أو‬
‫ٌ‬ ‫ا‬
‫فاعال‪ ،‬والوصف املتقدي م مبتدأ‪ ،‬فنقول‪ :‬هل‪ :‬حرف استفهام‪،‬‬
‫املحمدون‪ :‬فاعل سدَّ مسدَّ اخلرب‪.‬‬
‫وأخرت ما يستقيم الكالم‪،‬‬
‫ن‬ ‫يصح أن نقول‪ :‬إنه عىل التقديم والتأخري؛ ألنك لو قدَّ مت‬
‫ُّ‬ ‫وال‬
‫ما تقول‪( :‬هل املحمدون قائم؟)‪ ،‬و(هل املحمدان قائم؟)؛ ألنه جيب االتفاق يف اإلفراد والتثنية‬
‫واجلمع بني املبتدأ واخلرب‪.‬‬
‫‪ -‬ويف احلالة األخرى‪ :‬إذا اتَّفقا يف غري اإلفراد؛ كأن يتَّفقا‪:‬‬
‫يف التثنية‪( :‬هل قائَمن املحمدان؟)‪.‬‬
‫أو يف اجلمع‪( :‬هل قائمون املحمدون؟)‪.‬‬
‫فهذا جيب أن يكون الكالم عىل التقديم والتأخري؛ يعني قائَمن‪ :‬خرب مقدَّ م‪ ،‬واملحمدان‪:‬‬
‫مبتدأ مؤخر‪ ،‬واألصل (هل املحمدان قائَمن؟) ثم قدَّ مت اخلرب‪ ،‬وكذلك يف اجلمع األصل‪( :‬هل‬
‫املحمدون قائمون؟) ثم قدَّ مت اخلرب‪.‬‬
‫وال يصح أن نقول‪ :‬إن الوصف مبتدأ واملرفوع بعده فاعل‪ ،‬ملاذا ال يصح؟ ألن الوصف هنا‬
‫ِ‬
‫عمل عمل فعله‪ ،‬وما حكم الفعل مع الفاعل من حيث اإلفراد والتثنية واجلمع؟ جيب يف الفعل‬
‫‪230‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ِ‬
‫ُممدان)‪ ،‬أو مج اعا (قام‬ ‫سواء كان الفاعل مفر ادا؛ كــ (قام ُممدٌ )‪ ،‬أو مثناى (قام‬
‫ٌ‬ ‫التزام اإلفراد‪،‬‬
‫ُممدون)‪ ،‬ما تقول‪( :‬قاما ُممدان)‪( ،‬قاموا ُممدون) إال عىل ٍ‬
‫لغة قليلة‪.‬‬
‫فعىل ذلك جيب أن نقول‪ :‬يف (القائَمن ُممدان)‪ ،‬أو يف (القائمون ُممدون)‪ :‬إهنا عىل التقديم‬
‫والتأخري‪.‬‬
‫قائم ُممدٌ ؟) فهل يصح أن نقدي ر التقديم‬
‫‪ -‬وأما يف احلالة الثالثة‪ :‬إذا اتَّفقا يف اإلفراد‪( :‬هل ٌ‬
‫قائم؟) ثم قدَّ منا اخلرب؟ يصح ال مانع‪ ،‬طب هل يصح أن‬
‫والتأخري؟ يعني أن األصل (هل ُممدٌ ٌ‬
‫نقول‪ :‬إن الوصف مبتدأ‪ ،‬واملرفوع بعده فاعل سدَّ مسدَّ اخلرب‪ ،‬واملعنى (هل قام ُممدٌ ؟)؟ نعم‬
‫يصح‪.‬‬
‫إذن‪:‬‬
‫فإذا اتفقا يف اإلفراد جاز الوجهان‪.‬‬
‫وإذا اتفقا يف غري اإلفراد وجب التقديم والتأخري‪.‬‬
‫وإذا اختلفا وجب كون املرفوع ا‬
‫فاعال سدَّ مسد اخلرب‪.‬‬
‫قائم ُممدٌ ؟) هذا جائز عند اجلميع وعىل الوجهني‪ ،‬طيب‬ ‫من آثار ذلك‪ :‬لو قلنا ا‬
‫مثال‪( :‬هل ٌ‬
‫(قائم ُممدٌ ) هذا جائز‪ ،‬لكن عىل أي‬
‫ٌ‬ ‫(قائم ُممدٌ ) من دون اعتَمد عىل نفي أو استفهام‬
‫ٌ‬ ‫لو قلنا‪:‬‬
‫الوجهني؟ عىل التقديم والتأخري؛ يعني أنه من نوع األول مبتدأ له خرب‪ ،‬لكن اخلرب تقدَّ م‪ ،‬وهل‬
‫يصح أن يكون من النوع الثان؟ مبتدأ واملرفوع بعده فاعل سدَّ مسدَّ اخلرب؟ ال يصح‪ ،‬ملاذا مع أن‬
‫املبتدأ وصف؟ ألنه مل ِ‬
‫يعتمد؛ يعني َّ‬
‫اختل الرشط الثان‪.‬‬
‫(قائم ُممدٌ ) يصح ولكن عىل أنه من النوع األول؛ مبتدأ وخرب إال أن اخلرب تقدَّ م‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫إذن‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪231‬‬

‫(قائم املحمدون) هل يصح عىل التقديم والتأخري ويكون من النوع األول؟‬


‫ٌ‬ ‫طب ولو قلنا‪:‬‬
‫قلنا‪ :‬هذا ما يصح‪ ،‬ألن املبتدأ واخلرب ال بدَّ فيه من االت ٍ‬
‫يفاق يف اإلفراد والتثنية واجلمع‪ ،‬فلو قلت‪:‬‬
‫(املحمدون قائم) ثم قدَّ رت تقديم اخلرب ما يصح‪.‬‬
‫أيضا ال يصح‬
‫طب هل يصح أن يكون من النوع الثان‪ :‬أن املحمدون فاعل سدَّ مسدَّ اخلرب؟ ا‬
‫لعدم االعتَمد‪.‬‬
‫(قائم املحمدون) ال يصح عىل الوجهني‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫إذن‬
‫أي الوجهني من النوع‬
‫ولو قلت‪( :‬قائَمن املحمدان) يصح أو ال يصح؟ يصح ولكن عىل ي‬
‫األول مبتدأ وخرب واخلرب تقدَّ م‪ ،‬أو وصف وفاعل سدَّ مسدَّ اخلرب؟ النوع األول‪ ،‬وال نقول‪ :‬إنه‬
‫فاعل سدَّ مسدَّ اخلرب لعدم االعتَمد‪.‬‬
‫(ممنوع التدخني) يصح أو ال يصح؟ يصح لكن عىل أنه من النوع األول أنه‬
‫ٌ‬ ‫وقول الناس‪:‬‬
‫ممنوع) ثم قدَّ منا اخلرب‪ ،‬وتقديم اخلرب كَم سيأيت يصح‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مبتدأ وخرب واخلرب تقدَّ م؛ أي (التدخني‬

‫‪ ‬ثم ننتقل إىل املسألة السابعة وهي‪ :‬تعدُّ د اخلرب‪ ،‬ويف ذلك يقول ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬
‫نحو‪( :‬وهو الغفور الودود)"‪.‬‬ ‫"وقدْ يتعدَّ د ْ‬
‫اخلرب ْ‬
‫نحوي‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫كاتب‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫شاعر‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫فتك َّلم هنا عىل مسألة تعدُّ د اخلرب َّ‬
‫فنص عىل جوازه‪ ،‬نحو‪( :‬زيدٌ‬
‫دافع للجهل)‪ ،‬ويف قوله ‪-‬س ْبحانه‬
‫رافع للمجد‪ٌ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫زين ألهله‪،‬‬ ‫مفرس)‪ ،‬ويف قولك‪( :‬العلم ٌ‬ ‫يٌ‬
‫جيد * ف َّع ٌال مل ِا ي ِريد [الربوج‪.]16-14 :‬‬
‫ش املْ ِ‬
‫وتعاىل‪﴿ :-‬وهو ا ْلغفور ا ْلودود * ذو ا ْلع ْر ِ‬
‫نص ابن هشام يف هذه املسألة عىل اجلواز لوجود اخلالف فيها‪ ،‬وقد منع ٌ‬
‫قليل من‬ ‫وإنَم َّ‬
‫النحويني تعدُّ د اخلرب‪ ،‬قالوا‪ :‬ال جيوز أن يتعدَّ د اخلرب‪ ،‬طيب ونحو األمثلة السابقة؟ قالوا‪ :‬هذا‬
‫يصح‪ ،‬ولكن ليس عىل تعدُّ د اخلرب‪.‬‬
‫‪232‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫خرب ملبتدأٍ ُمذوف؛ يعني (زيدٌ‬


‫نعت للخرب‪ ،‬أو نقول‪ :‬إن الثان ٌ‬
‫ولكن نقول‪ :‬إن الثان ٌ‬
‫مفرس) وهكذا‪ ،‬وهذا القول ‪-‬واَّلل أعلم‪ٌ -‬‬
‫قول متك َّلف ال حاجة إليه‪،‬‬ ‫شاعر‪ ،‬هو ي ٌ‬
‫ٌ‬ ‫كاتب‪ ،‬هو‬
‫ٌ‬
‫وصح يف النعت أنه يتعدَّ د فباب اخلرب والنعت واحلال واحد‪.‬‬
‫َّ‬ ‫صح يف احلال أهنا تتعدَّ د‪،‬‬
‫فإذا َّ‬
‫ونحوي) وما إىل‬
‫ٌّ‬ ‫ومفرس‪،‬‬
‫يٌ‬ ‫وشاعر‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫كاتب‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وأيضا جيوز يف نحو ذلك العطف‪ ،‬فتقول‪( :‬زيدٌ‬
‫ا‬
‫ذلك‪ ،‬إال أن هناك فر اقا من حيث املعنى بني العطف وبني التعدُّ د بال عطف؛‬
‫فالتعدُّ د بال عطف ي ِ‬
‫شعر بامتزاج هذه األخبار‪ ،‬وأهنا متساوية أو شبه متساوية يف املبتدأ‪.‬‬
‫جمرد خرب عن هذا املبتدأ‪ ،‬فقد تكون هذه‬ ‫أما العطف فال ُّ‬
‫يدل عىل إثبات ذلك وال نفيه‪ ،‬وإنَم َّ‬
‫األخبار متساوية‪ ،‬وقد ال تكون متساوية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ‬ ‫ٌ‬
‫حامض)‬ ‫حلو‬
‫(الرمان ٌ‬
‫أما إذا كان اخلرب من حيث املعنى جمموع كلمتني؛ كقوهلم‪ُّ :‬‬
‫ال يصح العطف بينهَم‪ ،‬بل ال بدَّ من حذف العاطف؛ ألن مها يف احلقيقة يف معنى ٍ‬
‫خرب واحد؛‬
‫(الرمان مزٌّ ) يعني طعمه جيمع بني احلالوة واحلموضة‪.‬‬
‫كقوهلم‪ُّ :‬‬
‫ويف قوهلم‪( :‬زيدٌ أيمن أيرس) يعني أضبط‪ ،‬يعني يعمل بيديه‪.‬‬
‫ويف قوهلم‪( :‬لونه أبيض أسود)؛ يعني بينهَم‪ ،‬جيمع بينهَم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫ممزوج بني الكلمتني‪ ،‬فَم يصح‬ ‫ففي مثل ذلك ال يصح أن تأيت بالواو؛ ألن اخلرب هو‬
‫ٌ‬
‫أن تأيت بالواو التي تدل عىل عدم مزج هذه األخبار ببعضها‪.‬‬
‫‪ ‬ثم ننتقل إىل املسألة الثامنة؛ وهي‪ :‬الكالم عىل تقديم اخلرب وجو ابا وجوازاا؛ ويف ذلك‬
‫يقول ابن هشام‪:‬‬
‫نحو‪( :‬يف الدَّ ار ز ْيدٌ )‪ ،‬و(أ ْين ز ْيدٌ )"‪.‬‬
‫"وقدْ يتقدَّ م ْ‬
‫فاملثال األول‪( :‬يف الدَّ ٍار زيدٌ ) ٌ‬
‫مثال لتقدُّ م اخلرب جوازاا‪ ،‬واملثال اآلخر‪( :‬أين زيدٌ ) ٌ‬
‫مثال لتقدُّ م‬
‫اخلرب وجو ابا‪ ،‬فتقدُّ م اخلرب‪:‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪233‬‬

‫قد يكون واج ابا‪.‬‬


‫وقد يكون جائزا ا‪.‬‬
‫فتقدُّ م اخلرب وجو ابا‪ :‬يف مواضع‪ ،‬إذا كان هناك ِ‬
‫موجب لتقدُّ م اخلرب فإن تقدُّ مه واجب‪ ،‬من‬
‫أسهل املواضع لتقدُّ م اخلرب وجو ابا هذه املواضع‪:‬‬

‫ٌ‬
‫ألفاظ يف العربية إذا جاءت‬ ‫املوضع األول‪ :‬إذا كان اخلرب من األسَمء التي هلا صدارة‪ ،‬هناك‬
‫سمى األلفاظ التي هلا صدارة؛ كأسَمء االستفهام‪،‬‬
‫يف مجلتها فيجب أن تكون يف أول اجلملة‪ ،‬ت َّ‬
‫وأسَمء الرشط‪ ،‬نحو‪( :‬أين زيدٌ ؟)‪ ،‬و(متى السفر؟)‪ ،‬و(كيف زيدٌ ؟)‪ ،‬و(من أبوك؟)‪ ،‬فاخلرب هنا‬
‫وقع اسم استفهام‪ ،‬فوجب أن يتقدَّ م‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ُمارضة يل بعنوان‪:‬‬ ‫والكالم عىل كيفية إعراب أسَمء االستفهام يمكن أن تراجعوه يف‬
‫"اإلعراب أركانه وطريقته وبعض ضوابطه"‪ ،‬فألسَمء االستفهام طريق ٌة يف اإلعراب‬
‫ملخصها‪ :‬أنك ت ِ‬
‫عرهبا بإعراب ما يقابلها يف اجلواب‪.‬‬
‫دائَم عىل ُممد‪( ،‬من يف البيت) ستقول‪ُ( :‬ممدٌ يف‬ ‫فإذا قلت ا‬
‫مثال‪( :‬من يف البيت؟) ويدعون ا‬
‫البيت)‪ ،‬أو (يف البيت ُممدٌ ) فمحمد مبتدأ‪ ،‬ويف البيت‪ :‬شبه مجلة خرب‪ ،‬شبه اجلملة ال يمكن أن‬
‫تكون مبتدا ا‪ ،‬فمحمد هو املبتدأ تقدَّ م أو تأخر‪ ،‬ويف البيت خرب‪.‬‬
‫(يف البيت) يف السؤال (من يف البيت؟) تقابل (يف البيت) يعني تقابل اخلرب‪ ،‬وُممد املسؤول‬
‫عنه تقابل (من)‪ ،‬فمن هي ُممد‪ ،‬فإعراب من مثل إعراب ُممد‪ ،‬فمحمد‪ :‬مبتدأ‪ ،‬ومن‪ :‬مبتدأ‪.‬‬
‫لكن لو قلت لك‪( :‬من أبوك؟) أنا ِ‬
‫أعرف أن لك أ ابا لكني أجهل اسمه‪ ،‬فاألب معروف‪،‬‬
‫واالسم جمهول‪ ،‬املعروف هو املبتدأ‪ ،‬واملجهول هو اخلرب‪ ،‬فَمذا تقول يف اجلواب إذا قلت‪( :‬من‬
‫أبوك؟) تقول‪( :‬أِب ُممدٌ )‪ ،‬فاملعروف أِب وهو مبتدأ‪ ،‬واملجهول ُممدٌ وهو اخلرب‪ ،‬فأِب املبتدأ‬
‫‪234‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ماذا يقابل يف السؤال؟ "أبوك" فهو مبتدأ‪ ،‬ومن تقابل "ُممد" املسؤول عنه املجهول خرب‪،‬‬
‫فمن يف قولك‪( :‬من أبوك؟) خرب مقدَّ م‪.‬‬
‫حب‬ ‫ِ‬
‫وإذا قلت‪( :‬من حتب؟) ما إعراب من؟ مفعول به مقدَّ م؛ ألن اجلواب أن تقول‪( :‬أ ُّ‬
‫ٌ‬
‫مفعول به مقدَّ م وهكذا‪.‬‬ ‫ُممدا ا) فمحمدا ا مفعول به وهي تقابل "من" فمن‬
‫(أين زيدٌ ؟) زيدٌ يف البيت ما الذي قابل أين؟ (يف البيت) فهي خرب مقدَّ م‪.‬‬
‫(متى السفر؟) السفر غدا ا‪ ،‬السفر يوم اخلميس؛ فلهذا صارت أسَمء االستفهام يف هذه‬
‫ٌ‬
‫ألفاظ هلا صدارة‪.‬‬ ‫أخبارا ولكنه مقدَّ مة وجو ابا؛ ألهنا‬
‫ا‬ ‫األمثلة‬
‫ِ‬
‫البيت‬ ‫ومن مواضع تقدُّ م اخلرب وجو ابا‪ :‬أن يكون اخلرب شبه مجلة واملبتدأ نكرة‪ ،‬نحو‪( :‬يف‬
‫رجل‪ :‬مبتدأ نكرة‪ ،‬ما الذي سوغ االبتداء بالنكرة؟ ال مسوغ إال كون اخلرب شبه ٍ‬
‫مجلة‬ ‫رجل)‪ٌ ،‬‬‫ٌ‬
‫ي‬ ‫َّ‬
‫املسوغ لالبتداء بالنكرة‪.‬‬
‫متقدي مة‪ ،‬فصار تقدُّ م اخلرب هنا واج ابا؛ ألنه ي‬
‫ِ‬ ‫نظر)‪ ،‬و(عندي ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشجرة‬ ‫مال)‪ ،‬و(فوق‬ ‫ويف قولك‪( :‬يف املسجد مص ُّلون)‪ ،‬و(يف املسألة ٌ‬
‫عصفور) وهكذا‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ضمري يعود إىل اخلرب؛ كقولك‪( :‬يف‬
‫ٌ‬ ‫املسألة الثالثة لتقدُّ م اخلرب وجو ابا‪ :‬أن يكون يف املبتدأ‬
‫ِ‬
‫الدار صاحبها)‪ ،‬و(عند السيارة صاحبها)‪﴿ ،‬أ ْم عىل قل ٍ‬
‫وب أ ْقفاهلا [ُممد‪.]24:‬‬
‫البيت صاحبه) فصاحبه متَّصل بضمري‪ ،‬وضمري الغائب ال بدَّ أن يعود عىل‬ ‫ِ‬ ‫فإذا قلت‪( :‬يف‬
‫البيت صاحبه)‪ ،‬فوجب أن‬ ‫ِ‬ ‫متقدي م‪ ،‬يعود عىل البيت‪ ،‬وكلمة "البيت" هذه واردة يف اخلرب‪( ،‬يف‬
‫يتقدَّ م اخلرب ملاذا؟ لكي يعود الضمري الذي يف املبتدأ عىل متقدي م‪.‬‬
‫فهذه من املواضع التي جيب فيها تقدُّ م اخلرب كَم رأينا هي مواضع ورد فيها ِ‬
‫موجب لتقدُّ م‬
‫اخلرب‪ ،‬وفيَم سوى هذه املواضع التي جيب فيها تقدُّ م اخلرب يكون تقدُّ م اخلرب جائزاا؛ كقولك‪:‬‬
‫(جالس زيدٌ )‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫جالس) أو‬ ‫ِ‬
‫البيت زيدٌ )‪ ،‬وكقولك‪( :‬زيدٌ‬ ‫(زيدٌ يف البيت)‪ ،‬أو (يف‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪235‬‬

‫‪ ‬ثم انتقل ابن هشام إىل املسألة التاسعة وهي‪ :‬حذف املبتدأ وحذف اخلرب جوازاا‪ ،‬فقال ابن‬
‫هشام‪:‬‬
‫ي‬ ‫حيذف ك ٌّل ِمن امل ْبتدأ ْ‬
‫واخل ِرب ن ْحو‪﴿ :‬سال ٌم ق ْو ٌم منْكرون [الذاريات‪]25:‬؛ أ ْ‬ ‫"وقدْ ْ‬
‫عل ْيك ْم أنْت ْم"‪.‬‬
‫أيضا قد حيذف‪ ،‬وأن املبتدأ واخلرب م اعا قد حيذفان‪،‬‬
‫فذكر أن املبتدأ قد حيذف‪ ،‬وأن اخلرب ا‬
‫وَشط كل ذلك‪ :‬أن يدل عىل املحذوف دليل عىل القاعدة العامة‪" :‬أن كل معلوم جيوز‬
‫حذفه"‪ ،‬ويف ذلك يقول ابن مالك يف ألفيته‪:‬‬
‫ـن ِعنْـدكَم‬
‫تقول ز ْيدٌ ب ْعد م ْ‬ ‫وح ْذف ما ي ْعلم جائِزٌ كـَم‬
‫وابن هشام ذكر شاهدا ا واحدا ا مجع فيه حذف املبتدأ وحذف اخلرب؛ وهو قوله تعاىل‪﴿ :‬سال ٌم‬
‫ق ْو ٌم منْكرون [الذاريات‪ ،]25:‬فقوله‪" :‬سال ٌم" أي سال ٌم عليكم‪ ،‬فسال ٌم‪ :‬مبتدأ‪ ،‬وعليكم‪:‬‬
‫خرب شبه مجلة ثم حذف اخلرب‪ ،‬فقوله‪﴿ :‬سال ٌم [الذاريات‪]25:‬؛ أي سال ٌم عليكم ثم حذف‬
‫اخلرب عليكم‪ ،‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬ق ْو ٌم منْكرون [الذاريات‪]25:‬؛ أي أنتم قو ٌم‪ ،‬فحذف املبتدأ أنتم‪،‬‬
‫وكل ذلك للعلم به‪.‬‬
‫وإذا قلت‪( :‬من عندك؟) فيمكن أن ختترص اجلواب فتقول‪ُ( :‬ممدٌ )؛ أي ُممدٌ عندي‪،‬‬
‫خربا‪.‬‬
‫فحذفت شبه اجلملة الواقعة ا‬
‫ولو قيل‪( :‬من أبوك؟) الخترصت اجلواب وقلت‪ُ( :‬ممد)؛ أي (أِب ُممدٌ ) فحذفت املبتدأ‬
‫للعلم به؛ ألنه مذكور يف السؤال‪.‬‬
‫اجلن َِّة ا َّلتِي و ِعد ا ْملتَّقون ْجت ِري ِم ْن ْحتتِها األ ْهنار أكلها دائِ ٌم‬
‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬مثل ْ‬

‫وظِ ُّلها [الرعد‪]35:‬؛ أي وظ ُّلها دائم‪ ،‬فحذف اخلرب لداللة اخلرب األول عليه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬وما أ ْدراك ما هي ْه * ن ٌار حامي ٌة [القارعة‪]11-10 :‬؛ أي هي ٌ‬
‫نار‬
‫حامية‪.‬‬
‫‪236‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ويف قوله‪﴿ :‬سور ٌة أنز ْلناها [النور‪ ]1:‬إىل آخره؛ أي هي سورةٌ‪ ،‬أو هذه سور ٌة فحذف‬
‫املبتدأ‪.‬‬
‫يصح حذفه‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫فكل ما كان معلو ام من املبتدأ ومن اخلرب‬
‫قائم؟) فتخترص اجلواب فتقول‪ :‬نعم؛ يعني‬ ‫ِ‬
‫ويصح حذفهَم إذا علَم؛ كأن يقال‪( :‬هل زيدٌ ٌ‬‫ُّ‬
‫قائم) فحذفت املبتدأ وحذفت اخلرب‪ ،‬وأشهر موضع حلذف املبتدأ هو حذفه يف‬
‫ٌ‬ ‫(نعم زيدٌ‬
‫ٌ‬
‫العناوين وما يف حكمها‪.‬‬
‫نحو‪( :‬األخبار) تأتيك الشاشة مكتوب فيها األخبار فقط‪ ،‬وتفهم معنى ذلك أهنا مجلة؛ ألنه‬
‫ال يفهم إال اجلملة؛ يعني (هذه األخبار)‪ ،‬أو (اآلن األخبار) ال بدَّ أن تقدي م مجلة‪( ،‬هذه األخبار)‬
‫وحذف املبتدأ هذه‪( ،‬اآلن األخبار) حذفت اخلرب شبه اجلملة‪.‬‬
‫أو (املكتبة) لوحة صغرية عىل الباب مكتوب عليها املكتبة؛ يعني هذه املكتبة حذفت املبتدأ‪،‬‬
‫أو (هنا املكتبة) حذفت اخلرب‪.‬‬
‫(مسجد اإليَمن)؛ يعني هذا مسجد اإليَمن‪( ،‬وجامعة اإلمام)؛ أي هذه جامعة اإلمام‪.‬‬
‫عاد‪ ،‬وأصله (هذا كتاب ِ‬
‫زاد املعاد) ثم حذفنا اخلرب كتاب فقام‬ ‫و(زاد املعاد) يعني هذا زاد امل ِ‬
‫ِ‬
‫املعاد) ثم حذفنا املبتدأ "زاد املعاد" فلو أردنا‬ ‫املضاف إليه مقامه وأخذ إعرابه‪ ،‬وقلنا‪( :‬هذا زاد‬
‫املعاد) عىل أنه خرب مبتدأٍ‬
‫ِ‬ ‫أن نضبط اسم الكتاب‪ ،‬كيف نضبِط اسم الكتاب؟ فتقول‪( :‬زاد‬
‫ُمذوف‪.‬‬
‫ِ‬
‫الصالة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الصالة) يعني هذا كتاب‬ ‫ِ‬
‫الصالة) الكتب التي يف داخل الكتاب‪( ،‬كتاب‬ ‫(كتاب‬
‫(فصل)؛ أي (هذا ٌ‬
‫فصل) وهكذا‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وقوهلم‪:‬‬
‫‪ ‬لننتقل إىل املسألة العاَشة ‪-‬وهي األخرية‪ -‬وفيها الكالم عىل حذف اخلرب وجو ابا‪ ،‬حذف‬
‫اخلرب وجو ابا قال فيه ابن هشام‪:‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪237‬‬

‫ربا‪ ،‬وب ْعد‬ ‫ِ‬ ‫اِب ل ْوال‪ ،‬وا ْل ِقس ِم َّ ِ‬


‫الرصيحِ ‪ِ ْ ،‬‬ ‫" وجيِب ح ْذف ْ ِ‬
‫واحلال امل ْمتنع ك ْوهنا خ ا‬ ‫اخلرب ق ْبل جو ْ‬
‫الرصحي ِة"‪.‬‬
‫و ِاو املصاحب ِة َّ ِ‬

‫ثم م َّثل جلميع املواضع فقال‪:‬‬


‫قائَم)‪،‬‬ ‫ا‬ ‫دا‬ ‫ي‬‫ز‬ ‫ِ‬
‫ِب‬ ‫رض‬ ‫و(‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫ف‬‫ْ‬ ‫أل‬ ‫ك‬ ‫ر‬‫م‬ ‫ع‬‫ل‬ ‫و(‬ ‫]‪،‬‬ ‫‪31‬‬ ‫[سبأ‪:‬‬ ‫ني‬‫"نحو‪﴿ :‬لوال أنْتم لكنَّا م ْؤ ِمن ِ‬
‫ا‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫و(ك ُّل رج ٍل وض ْيعته)"‪.‬‬
‫فبعد أن تك َّلم يف املسألة السابقة عىل حذف اخلرب جوازاا إذا َّ‬
‫دل عليه دليل‪ ،‬ذكر هنا أن‬
‫العرب حذفت اخلرب وجو ابا يف مواضع‪ ،‬فيجب أن نقتيض هبم فيَم أوجبوه من احلذف‪ ،‬وذكر‬
‫أربعة مواضع حذفت العرب فيها اخلرب وجو ابا‪:‬‬
‫املوضع األول‪ :‬إذا وقع اخلرب بعد "لوال"‪ ،‬يريد "لوال" االمتناعية الرشطية؛ كقوهلم‪:‬‬
‫(لوال زيدٌ لزرتك) لوال هذه َشطية‪ ،‬أين جواهبا؟ "لزرتك"‪ ،‬وزيدٌ ما إعرابه؟ (لوال زيدٌ‬
‫كون عا ٌّم ُمذوف؛‬
‫لزرتك) "لزرتك" جواب لوال‪ ،‬طيب ما إعراب "زيدٌ " مبتدأ‪ ،‬واخلرب ٌ‬
‫يعني (لوال زيدٌ موجو ٌد لزرتك)‪.‬‬
‫مجناك [هود‪﴿ ،]91:‬ل ْوال أنْت ْم لكنَّا م ْؤ ِمنِني [سبأ‪]31:‬‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬ول ْوال ر ْهطك لر ْ‬
‫يعني لوال أنتم موجودون‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫واملوضع الثان يف حذف اخلرب وجو ابا‪ :‬إذا وقع اخلرب بعد قس ٍم رصيح‪ ،‬ما املراد بالقسم‬
‫الرصيح؟ يعني األلفاظ التي ال تستعمل إال يف القسم‪ ،‬بَم أهنا ال تستعمل إال يف القسم منذ أن‬
‫تذكر يعلم مباَشة أن املراد القسم‪ ،‬فداللتها عىل القسم داللة رصحية؛ ألهنا ال تستعمل يف غري‬
‫ألفعلن كذا وكذا)‪﴿ ،‬لع ْمرك إِ َّهن ْم ل ِفي سكْر ِهتِ ْم [احلجر‪،]72:‬‬
‫َّ‬ ‫القسم؛ كقوهلم‪( :‬لعمرك‬
‫منصور)‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫(لع ْم ِري إن الدين‬
‫‪238‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫داال عىل القسم‪ ،‬بَم أنه لفظ ال يستعمل إال يف القسم‪ ،‬واضح أن‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ سيكون لف اظا ا‬ ‫واخلرب‬
‫اخلرب لفظ دال عىل القسم؛ يعني (لع ْمرك قسمي)‪ ،‬أو (لع ْمرك حلِفي)‪ ،‬الع ْمر‪ :‬يعني العمر‬
‫احلياة‪ ،‬يقول‪( :‬ع ْمرك هو قسمي)؛ يعني ع ْمرك هو املحلوف به‪ ،‬هو املقسوم به‪ ،‬أو هو املقسم‬
‫به‪( ،‬ع ْمرك حلِفي أو قسمي)‪.‬‬
‫ألجتهدن)‪ ،‬وايمن اَّلل من األلفاظ الرصحية يف القسم التي ال تستعمل‬
‫َّ‬ ‫وقوهلم‪( :‬وايمن اَّلل‬
‫ألجتهدن) يعني (وايمن اَّلل قسمي)؛ "وايم‬
‫َّ‬ ‫إال يف القسم‪" ،‬وايمن اَّلل"‪ ،‬وختترص إىل (وايم اَّلل‬
‫اَّلل"‪ :‬مبتدأ‪" ،‬قسمي" خرب ُمذوف وجو ابا‪.‬‬
‫ألفعلن)‪( ،‬ميثاق اَّلل‬
‫َّ‬ ‫بخالف األلفاظ التي تستعمل يف القسم وغري القسم؛ نحو‪( :‬عهد اَّلل‬
‫ألجتهدن)‪ ،‬وكلمة ميثاق وعهد تستعمل يف القسم كَم م َّثلنا‪ ،‬وتستعمل يف غري القسم؛ كأن‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ الترصيح باخلرب‪ ،‬فتقول‪( :‬عهد اَّلل‬ ‫تقول‪( :‬احفظ عهد اَّلل)‪ ،‬و(هذا ميثاق اَّلل)‪ ،‬فيجوز‬
‫عيل)‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫عيل)‪ ،‬أو (ميثاق اَّلل َّ‬
‫قسمي)‪ ،‬أو (عهد اَّللِ َّ‬
‫أما القسم بالع ْمر فهذه مسألة بحثها أهل العقيدة فلرتاجع يف كتب العقيدة‪.‬‬
‫خربا‪ ،‬قبل حال‬ ‫ٍ‬
‫املسألة الثالثة من مسائل حذف اخلرب وجو ابا‪ :‬قبل حال ال تصلح أن تكون ا‬
‫خربا هلذا املبتدأ؛ كقولك‪( :‬أكيل الفاكهة ناضج اة)‬
‫هذه احلال ال يصلح يف املعنى أن تكون ا‬
‫واقع عليها‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مفعول به؛ ألن األكل‬ ‫"أكيل" هذا مصدر اسم‪ ،‬فهو مبتدأ‪" ،‬الفاكهة"‬

‫"ناضج اة" حال من الفاكهة‪ ،‬وهل يصح يف هذا احلال "ناضج اة" أن يكون ا‬
‫خربا للمبتدأ‬
‫أكيل؟ ال؛ ألن أكيل ال خيرب عنه بأنه ناضجة‪.‬‬
‫إذن فاخلرب هنا ُمذوف وجو ابا واحلال سدَّ مسدَّ ه‪ ،‬يقدَّ ر بكون عام؛ يعني (أكيل الفاكهة‬

‫كائن حالة كوهنا ناضج اة) وهذا أسلوب عرِب كأن تقول‪( :‬رضِب املخطئ ً‬
‫مرصا) مرص‪ :‬ما‬ ‫ٌ‬
‫مرصا) وهكذا‪.‬‬
‫ائن حالة كونه ً‬
‫يمكن يكون خرب عن رضِب‪ ،‬واملعني (رضِب املخطئ ك ٌ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪239‬‬

‫نص‬
‫املوضع الرابع حلذف اخلرب وجو ابا‪ :‬إذا وقع املبتدأ بعد واو املع َّية الرصحية‪ ،‬بعد واو هي ٌّ‬
‫نصا يف املع َّية؟ يعني أهنا وقعت بني أمرين متالزمني ال‬
‫يف الداللة عىل املع َّية‪ ،‬ما معنى كوهنا ا‬

‫يفرتقان حقيق اة أو ا‬
‫حكَم‪.‬‬
‫بلد وعاداته)‪ُّ ،‬‬
‫(كل‬ ‫(كل ٍ‬
‫أيضا من أساليب العربية‪ُّ ،‬‬ ‫رجل ودينه) أسلوب ا‬ ‫ٍ‬ ‫كقولك‪ُّ :‬‬
‫(كل‬
‫دال عىل االقرتان‬ ‫ٍ‬
‫بلفظ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫رجل وض ْيعته)‪ ،‬واخلرب هنا يقدَّ ر من حيث املعنى‬ ‫شيخٍ وطريقته)‪ُّ ،‬‬
‫(كل‬
‫والتالزم؛ يعني مقرتنان‪ ،‬أو متالزمان‪ ،‬أو متصاحبان؛ ُّ‬
‫(كل شيخٍ وطريقته متالزمان)‪.‬‬
‫(كل‬ ‫ٍ‬
‫امرئ وما يتقن)‪ُّ ،‬‬ ‫(كل‬ ‫ٍ‬
‫رجل وعمله)‪ُّ ،‬‬ ‫(كل صان ٍع وما صنع)‪ُّ ،‬‬
‫(كل‬ ‫ومن ذلك قول‪ُّ :‬‬
‫ٍ‬
‫طالب وقلمه) أسلوب مضطر ٌد وهكذا‪.‬‬ ‫جندي وسالحه)‪ُّ ،‬‬
‫(كل‬ ‫ٍّ‬
‫فهذا ما يتع َّلق باملبتدأ واخلرب‪.‬‬

‫‪ ‬لننتقل بعده إىل الكالم عىل النواسخ‪ :‬نواسخ االبتداء َشحنا من قبل ملاذا يتك َّلم‬
‫النحويون عىل نواسخ االبتداء بعد باب املبتدأ واخلرب فال نعيد ذلك‪ ،‬أما ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪-‬‬
‫فقال‪:‬‬

‫َّواسخ ِحلكْم املبتدأ ْ‬


‫واخل ِرب ثالثة أنْوا ٍع]‪.‬‬ ‫[باب الن ِ‬

‫ٍ‬
‫حرف دخل عىل‬ ‫النواسخ‪ :‬مجع ناسخ‪ ،‬واملراد بالناسخ يف اصطالح النحويني‪ :‬كل ٍ‬
‫فعل أو‬
‫وحروف تدخل عىل اجلملة االسمية‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أفعال‬ ‫اجلملة االسمية فأزال حكم االبتداء عنها‪ ،‬فهي‬
‫فتزيل حكم االبتداء‪.‬‬
‫ما معنى تزيل حكم االبتداء؟ ألهنم يقولون‪ :‬عن املبتدأ واخلرب مرفوعان‪ ،‬ما الذي رفعهَم؟‬
‫معنوي يسمونه االبتداء؛ يعني وقوع االسم يف ابتداء اجلملة جيعل‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫عامل‬ ‫رفعهَم عند االبتداء‬
‫‪240‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫العرِب يرفعه‪ .‬ملاذا أنت ترفع املبتدأ؟ ألن العرِب إذا وقع االسم يف ابتداء اجلملة يرفعه‪ ،‬هذا‬
‫سمى عامل معنوي وهو االبتداء‪.‬‬
‫ي َّ‬
‫فالنواسخ إذا دخلت عىل اجلملة االسمية تنسخ االبتداء؛ يعني تنسخ هذا العامل الذي كان‬
‫ثم هي تعمل يف هذه اجلملة ا‬
‫عمال جديدا ا‪ ،‬والنواسخ كَم سبق‬ ‫يعمل الرفع يف املبتدأ واخلرب‪ ،‬ومن َّ‬
‫ثالثة أنواع‪ ،‬وكَم قال ابن هشام‪:‬‬
‫خربا له‪ ،‬وهي كان وأخواهتا‪ ،‬وهي أفعال‪،‬‬
‫اسَم له‪ ،‬وينصب اخلرب ا‬
‫فاألول‪ :‬ما يرفع املبتدأ ا‬
‫ويعمل عملها حروف النافية‪ ،‬وهي‪ :‬ما احلجازية‪ ،‬وال‪ ،‬والت‪.‬‬
‫إن وأخواهتا‬
‫خربا له‪ ،‬وهي‪َّ :‬‬
‫اسَم له ويرفع اخلرب ا‬
‫والنوع الثان من النواسخ‪ :‬ما ينصب املبتدأ ا‬
‫وهي أحرف‪ ،‬ويعمل عملها ال النافية للجنس‪.‬‬
‫ا‬
‫مفعوال به ثان ًيا‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫ا‬
‫مفعوال به أول‪ ،‬وينصب اخلرب‬ ‫والناسخ الثالث‪ :‬ما ينصب املبتدأ‬
‫ظننت وأخواهتا‪ ،‬وهي ٌ‬
‫أفعال كثرية‪.‬‬
‫وسيأيت الكالم عىل مجيع هذه النواسخ وما يعمل عملها‪ ،‬وقد ابتدأ ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‬
‫تعاىل‪ -‬كالنحويني بكان وأخواهتا فقال‪:‬‬
‫"أحدها كان وأ ْمسى وأ ْصبح وأض ْحى وظ َّل وبات وصار وليس وما زال وما فتِئ وما‬
‫ك وما ب ِرح وما دام"‪.‬‬
‫انْف َّ‬
‫السؤال‪ :‬ملاذا يبتدئ النحويون بكان وأخواهتا من بني النواسخ؟‬
‫ا‬
‫استعَمال‪ ،‬ولذا أعطيت الرافع يف اسمها؛ ألن الرفع عالمته‬ ‫قالوا‪ :‬ألهنا أكثر النواسخ‬
‫والضمة أقوى احلركات‪ ،‬إال أن خربها ن ِصب لكي ختتلف عن الصورة األصلية‬ ‫َّ‬ ‫الضمة‪،‬‬
‫َّ‬
‫للجملة االسمية مرفوعة اجلزئيني‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪241‬‬

‫وبعدها يف الكثرة‪ :‬إن وأخواهتا فجاءت بعدها‪ ،‬وأق ُّلها يف االستعَمل‪َّ :‬‬
‫ظن وأخواهتا‪ ،‬ليس‬
‫وإن ُّ‬
‫أقل منهَم يف‬ ‫ظن وأخواهتا قليلة االستعَمل‪ ،‬ولكنها بالنسبة إىل كان َّ‬
‫معنى ذلك أن َّ‬
‫االستعَمل‪.‬‬
‫أما ألفاظ كان وأخواهتا فقد عدَّ ها ابن هشام‪ ،‬وهي كَم سمعنا ثالثة عرش ا‬
‫فعال‪ ،‬وابن هشام‬
‫أخر "أمسى" بعد " َّ‬
‫ظل" لكي تكون هذه‬ ‫مل يرتيبها بحسب زماهنا‪ ،‬فكان األفضل لو أنه َّ‬
‫األفعال مرتَّب اة بحسب الزمان‪ ،‬املهم‪:‬‬
‫ا‬
‫استعَمال‬ ‫ا‬
‫استعَمال‪ ،‬وألهنا أكثرها‬ ‫الفعل األول منها‪" :‬كان" وهي ُّأم الباب؛ يعني أكثرها‬
‫اختصت ببعض األحكام التي سيذكرها ابن هشام يف آخر هذا الباب‪.‬‬
‫ثم نبدأ من أول اليوم‪" :‬أصبح‪ ،‬وأضحى" من الصباح والضحى‪.‬‬
‫و" َّ‬
‫ظل" من الظالل التي تنشأ يف الزوال قبله وبعده‪.‬‬
‫و"أمسى" يف املساء‪.‬‬
‫"وبات" يف النوم الذي يقع غال ابا يف الليل‪.‬‬
‫ثم "صار" و"ليس"‪.‬‬
‫بنفي أو شبهه‪ ،‬وهي‪" :‬ما زال"‪ ،‬و"ما فتئ"‪ ،‬و"ما ِبرح"‪ ،‬و"ما‬
‫ثم األفعال املبدوءة ٍّ‬
‫َّ‬
‫انفك"‪.‬‬
‫ثم الفعل املبدوء بَم الظرفية املصدرية وهو "ما دام"‪.‬‬
‫خصتها العرب هبذا العمل‪ ،‬ما عملها؟ ذكره ابن هشام فقال‪:‬‬ ‫فعال َّ‬‫فهذه ثالثة عرش ا‬
‫نحو‪﴿ :‬وكان ر ُّبك ق ِد ايرا‬
‫ربا هل َّن ْ‬ ‫"ف ْريف ْعن املبتدأ ْاس اَم هل َّن وين ِْص ْبن ْ‬
‫اخلرب خ ا‬
‫[الفرقان‪."]54:‬‬
‫فذكر ابن هشام عملهن‪ ،‬ومن األمثلة والشواهد عىل ذلك‪:‬‬
‫‪242‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ورا ر ِح ايَم [الفرقان‪.]70:‬‬


‫يف "كان" قوله تعاىل‪﴿ :‬وكان اَّللَّ غف ا‬
‫رض اة [احلج‪.]63:‬‬ ‫ويف "أصبح" قوله‪﴿ :‬فت ْصبِح األ ْرض ْ‬
‫خم َّ‬
‫مرسورا)‪.‬‬
‫ا‬ ‫ويف "أضحى" قولنا‪( :‬أضحى الولد‬
‫ظل" قوله تعاىل‪﴿ :‬ظ َّل و ْجهه م ْسو ًدا [الزخرف‪.]17:‬‬
‫ويف " َّ‬
‫مهموما)‪.‬‬
‫ا‬ ‫ويف "أمسى" قولنا‪( :‬أمسى الرجل‬
‫ويف "بات" قوله تعاىل‪﴿ :‬يبِيتون لِر يهبِ ْم س َّجدا ا [الفرقان‪.]64:‬‬
‫حجرا)‪.‬‬
‫ا‬ ‫ويف "صار" قولنا‪( :‬صار احلجر) أو (صار الطني‬
‫خمتلِ ِفني [هود‪.]118:‬‬
‫ويف "ما زال" قوله تعاىل‪﴿ :‬وال يزالون ْ‬
‫انفك املطر ا‬
‫نازال)‪.‬‬ ‫انفك" نقول‪( :‬ما َّ‬
‫‪ -‬ويف‪" :‬ما َّ‬

‫منتظرا)‪.‬‬
‫ا‬ ‫‪ -‬وكذلك "ما فتئ" (ما فتئ زيدٌ‬

‫‪ -‬و "ما ِبرح" قوله تعاىل‪﴿ :‬ل ْن ن ْربح عل ْي ِه عاكِ ِفني [طه‪.]91:‬‬

‫‪ -‬ويف "ما دام" قوله تعاىل‪﴿ :‬ما د ْمت ح ًيا [مريم‪.]31:‬‬

‫هذا عملها فيَم بعدها‪ ،‬فكيف تعرب هي يف نفسها؟ كيف ن ِ‬


‫عرب كان وأصبح وليس‪،‬‬
‫وأمرا إال أننا نزيد يف‬
‫ومضارعا ا‬
‫ا‬ ‫وكن وأصبِح؟ نعرهبا إعراب الفعل ماض ايا‬
‫ويكون ويصبح‪ْ ،‬‬
‫مبني عىل‬ ‫ٍ‬
‫ماض ناسخ ٌّ‬ ‫إعراهبا فنقول‪ :‬ناسخ أو ناقص‪ ،‬فكان مثل دخل وخرج‪ ،‬نقول‪ٌ :‬‬
‫فعل‬
‫الفتح ال َّ‬
‫ُمل له من اإلعراب‪ ،‬وكذلك ليس وأصبح‪.‬‬

‫مبني عىل الفتح املقدَّ ر منع من ظهوره حركة املناسبة‪.‬‬ ‫ٍ‬


‫ماض ٌّ‬ ‫ولو قلنا‪ :‬كانوا لقلنا‪ٌ :‬‬
‫فعل‬

‫مبني عىل الفتح املقدَّ ر منع من ظهوره الثِقل أو السكون املوجود‬


‫ولو قلنا‪ :‬كنت لقلنا‪ٌّ :‬‬
‫متحركات‪.‬‬
‫ي‬ ‫للتخ ُّلص من أربع‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪243‬‬

‫مبني عىل الفتح املقدَّ ر منع من ظهوره منع من ظهوره ُّ‬


‫التعذر وهكذا‪.‬‬ ‫"وأضحى" ٌّ‬

‫ورا [الفرقان‪:]70:‬‬ ‫ن ِ‬
‫عرب ﴿وكان اَّللَّ غف ا‬
‫مبني عىل الفتح ال َّ‬
‫ُمل له من اإلعراب‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ماض ناسخ ٌّ‬ ‫‪ -‬كان‪ :‬فعل‬

‫الضمة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫‪ -‬واسم "اَّلل" اسم كان مرفوع وعالمة رفعه‬

‫وغفورا‪ :‬خرب كان منصور وعالمة نصبه الفتحة‪.‬‬


‫ا‬ ‫‪-‬‬

‫ويف قوله‪﴿ :‬يبِيتون س َّجدا ا [الفرقان‪:]64:‬‬

‫مضارع مرفوع وعالمة رفعه ثبوت النون‪ ،‬وواو اجلَمعة يف يبيتون‪ :‬اسم‬
‫ٌ‬ ‫‪ -‬يبيتون‪ :‬هذا ٌ‬
‫فعل‬
‫يبيت يف ُمل رفع مبني عىل السكون‪.‬‬

‫‪ -‬وس َّجدا ا‪ :‬خربها منصوب وعالمة نصبه الفتحة وهكذا‪.‬‬

‫إال أن كان وأخواهتا ال تعمل هذا العمل مطل اقا‪ ،‬فبعضها مق َّيدٌ برشط‪ ،‬فنقول‪َ :‬شوط‬
‫إعَمهلا هذا العمل؛‬

‫‪ -‬فمنها ثَمنية تعمل هذا العمل بال َشط‪ ،‬وهي‪ :‬الثَمنية األوىل؛ (كان‪ ،‬وأصبح‪ ،‬وأصبح‪،‬‬
‫َّ‬
‫وظل‪ ،‬وأمسى وبات‪ ،‬وصار وليس) هذه الثَمنية تعمل هذا العمل‪ ،‬ترفع اسمه وتنصب خربها‬
‫بال َشط‪.‬‬

‫هني‪ ،‬أو دعاء‪ ،‬وهي‪( :‬ما زال‬


‫نفي‪ ،‬أو ٌّ‬
‫‪ -‬ومنها أربعة تعمل هذا العمل برشط أن يتقدَّ مها ٌّ‬
‫وأخواهتا؛ ما زال‪ ،‬وما فتئ‪ ،‬وما برح‪ ،‬وما َّ‬
‫انفك)؛‬
‫‪244‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫خمتلِ ِفني [هود‪،]118:‬‬‫مسافرا)‪﴿ ،‬وال يزالون ْ‬ ‫ا‬ ‫ال بدَّ أن تسبق بنفي‪ ،‬نحو‪( :‬ما زال ُممدٌ‬
‫﴿ل ْن ن ْربح عل ْي ِه عاكِ ِفني [طه‪﴿ ،]91:‬ال يزال بنْياهنم ا َّل ِذي بن ْوا ِريب اة ِيف قل ِ‬
‫وهبِ ْم [التوبة‪]110:‬‬
‫‪.‬‬

‫بنهي؛ كقويل‪( :‬ال تزل جمتهدا ا)؛ يعني ابق جمتهدا ا؛ ألن "ما زال‪ ،‬وما فتئ‪ ،‬وما برح‪،‬‬
‫أو تسبق ٍّ‬
‫ا‬
‫هاطال)؛‬ ‫مريضا‪( ،‬ما َّ‬
‫انفك املطر‬ ‫ا‬ ‫مريضا) يعني بقي‬
‫ا‬ ‫وما َّ‬
‫انفك" كلها بمعنى بقي‪( ،‬ما زال ُممدٌ‬
‫ا‬
‫هاطال‪ ،‬فتقول‪( :‬ال تزل جمتهدا ا)؛ يعني ابق جمتهدا ا‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫يعني بقي‬

‫املوت؛ فنسيانه ضالل مبـني‬ ‫صاح شـمر وال تـزل ذاكـر‬


‫(وال تزل ذاكر املوت) يعني ابق ذاكر املوت‪.‬‬

‫أو يف الدعاء‪ ،‬والدعاء عندما تسبق بال النافية‪ ،‬ال النافية إذا دخلت عىل هذه األفعال يكون‬
‫مريضا‪ ،‬خت ِرب‬
‫ا‬ ‫مريضا) يعني بقي‬
‫ا‬ ‫معناها الدعاء بخالف ما ويكون معناها النفي؛ (ما زال ُممدٌ‬
‫مريضا‪ ،‬لكن إذا أدخلت ال عليها قلت‪( :‬ال زال ُممدٌ معا افا) فأنت ال خترب بأنه‬
‫ا‬ ‫بأنه ما زال‬
‫معا افا وإنَم تدعو له بأن يبق معا افا‪.‬‬

‫مريضا‪ ،‬وربَم قصدت‬


‫ا‬ ‫دعاء عليه بأن يبقى‬
‫ٌ‬ ‫مريضا) هذا‬
‫ا‬ ‫وعىل ذلك لو قلت‪( :‬ال زال ُممدٌ‬
‫مريضا ولكنك أخطأت فاستعملت ال مكان ما‪ ،‬وهذا من املواضع التي خيطأ‬
‫ا‬ ‫أن خترب بأنه ما زال‬
‫فيها‪ ،‬ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬
‫ِ‬
‫بجرعائك القطر‬ ‫وال زال ً‬
‫منهال‬ ‫أال يا ْاسلمي يا دار م ني عىل البِىل‬

‫يدعو أن ينزل املطر القطر بجرعائها؛ أي بساحاهتا الفسيحة‪.‬‬

‫بقي ٌ‬
‫فعل وهو‪" :‬ما دام" وهو يعمل هذا العمل برشط أن تتقدَّ مها ما املصدرية الظرفية‪،‬‬
‫املصدرية‪ :‬يعني ينسبِك منها ومن الفعل مصدر‪ ،‬الظرفية‪ :‬يعني تقدَّ ر بمعنى ظرف الزمان؛‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪245‬‬

‫ا‬
‫مهمال‪ ،‬مدَّ ة هذا الظرف‪،‬‬ ‫ا‬
‫مهمال) يعني ال أزورك مدة دوامك‬ ‫كقولك‪( :‬ال أزورك ما دمت‬
‫دوامك‪ :‬هذا املصدر‪.‬‬

‫الة والزَّ ك ِاة ما د ْمت ح ًيا [مريم‪ ]31:‬يعني مدَّ ة دوامي ح ًيا‪.‬‬
‫﴿وأوص ِان بِالص ِ‬
‫َّ‬ ‫قال تعاىل‪ْ ‎ :‬‬

‫فإن قلت‪( :‬دام خريك) فدام هنا ال نقول‪ :‬إهنا من أخوات كان؛ ألهنا مل تسبق بَم املصدرية‬
‫الظرفية‪.‬‬

‫الرش) فهل زال هنا تعمل عمل كان؟ ال مل تسبق نفي‪ ،‬وال بنهي‪ ،‬وال بدعاء‪.‬‬
‫ولو قلنا‪( :‬زال ُّ‬
‫(انفك احلبل)‪ ،‬أو ِ‬
‫(برح اخلفاء)‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وكذلك‬

‫فهذه َشوط إلعَمهلا هذا العمل‪.‬‬


‫ٍ‬
‫يشء من مسائل كان وأخواهتا‪ ،‬فتك َّلم عىل حكم‬ ‫‪ ‬ثم تك َّلم ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬عىل‬
‫توسط أخبارها وتقدُّ مها؛ يعني تك َّلم عىل حكم ترتيب اجلملة‪.‬‬
‫ُّ‬

‫يتوسط اسمها‪ ،‬وأن يتأخر خربها‪،‬‬


‫فاألصل يف كان واسمها وخربها أن تتقدَّ م كان‪ ،‬وأن َّ‬
‫يتوسط اخلرب؟ وما حكم أن يتقدَّ م‬
‫كريَم) هذا األصل‪ ،‬لكن ما حكم أن َّ‬
‫ا‬ ‫فتقول‪( :‬كان ُممدٌ‬
‫اخلرب؟‬

‫توسط اخلرب جائز‪ ،‬وإن تقدُّ م اخلرب جائز مع غري دام وليس‪ ،‬فسيتك َّلم‬
‫سيقول ابن هشام‪ :‬إن ُّ‬
‫توسط اخلرب وأنه جائز‪ ،‬وسيتك َّلم عىل تقدُّ م اخلرب وأنه جائز مع غري ليس ودام‪.‬‬
‫عىل ُّ‬

‫تأخر اخلرب فلم يذكره؛ ألنه األصل وواضح أنه جائز‪ ،‬فتك َّلم عىل ُّ‬
‫توسط اخلرب فقال‪:‬‬ ‫وأما ُّ‬
‫نحو‪( :‬فليس سواء ِ‬
‫عامل ٌ وجه ٌ‬
‫ول)"‪.‬‬ ‫"وقدْ يتو َّسط ْ‬
‫اخلرب ْ‬
‫ا‬ ‫ْ‬
‫‪246‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫توسطه بني الناسخ واسمه؛ يعني أن يأيت‬


‫بتوسط اخلرب يف هذا الباب ُّ‬
‫ُّ‬ ‫يعني ابن هشام‬
‫متوس اطا بني الناسخ واسمه‪ ،‬نحو‪:‬‬
‫الناسخ‪ ،‬ثم اخلرب‪ ،‬ثم اسم الناسخ فيكون اخلرب ي‬

‫كريَم ُممدٌ ) واحلكم أن هذا جائز‪.‬‬


‫(كان ا‬
‫كقوله تعاىل‪﴿ :‬وكان ح ًقا عل ْينا ن ْرص ا ْمل ْؤ ِمنِني [الروم‪ ]47:‬بمعنى ‪-‬واَّلل أعلم‪ -‬كان نرص‬
‫املؤمنني ح ًقا علينا‪.‬‬

‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬ل ْيس ا ْل ِ َّ‬


‫رب أ ْن تو ُّلوا وجوهك ْم [البقرة‪]177:‬؛‬

‫ليس‪ :‬هذا الفعل الناسخ‪.‬‬

‫الرب‪ :‬اسمه أو خربه؟ خربه املوصول متقدي م‪.‬‬


‫َّ‬
‫الرب توليتكم‬
‫تتأول مع الفعل بعدها بمصدر؛ يعني ليس َّ‬
‫وأن تولوا‪ :‬هذه أن املصدرية َّ‬
‫مؤخر‪.‬‬ ‫وجوهكم‪ ،‬فأن تو ُّلوا هذا اسم َّ‬
‫مؤول وهو اسم كان َّ‬

‫إذن فاآلية فيها تقديم وفيها تأخري‪ ،‬وهذا عىل قراءة محزة وحفص‪ ،‬وأما عىل قراءة ﴿ل ْيس‬
‫تقديم وتأخري‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ا ْل ِ ُّ‬
‫رب أ ْن تو ُّلوا [البقرة‪ ]177:‬وهذه قراءة بق َّية السبعة فليس فيها‬

‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬وكان ْحتته كنزٌ هلَم [الكهف‪]82:‬؛ أي كان كن ٌز حتته ثم قدَّ م اخلرب‬
‫فتوسط بني الناسخ واسمه‪.‬‬
‫وهو شبه مجلة‪َّ ،‬‬

‫ومن ذلك البيت الذي أشار إليه ابن هشام‪ ،‬وهو قول الشاعر‪:‬‬

‫ــول‬ ‫فلــيس ســواء ع ِ‬ ‫إن ج ِه ْل ِ‬ ‫س ِ‬


‫ــامل ٌ وجه ْ‬ ‫ا‬ ‫ْ‬ ‫ــت النَّــاس عنَّــا‬ ‫ــيل ْ‬
‫وعـــــــــــــــــــــــــــنهم‬
‫سواء؛ أي متساويني‪.‬‬
‫ا‬ ‫ٌ‬
‫وجهول‬ ‫أي ليس عامل ٌ‬
‫‪ ‬ثم تك َّلم ابن هشام عىل تقدُّ م اخلرب فقال‪:‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪247‬‬

‫اخلرب إالَّ خرب دام ول ْيس"‪.‬‬


‫"وقدْ يتقدَّ م ْ‬

‫ماذا يعني بتقدُّ م اخلرب يف هذا الباب؟ يعني تقدُّ مه عىل الناسخ نفسه‪ ،‬فيأيت اخلرب ا‬
‫أوال‪ ،‬ثم‬
‫وبني ابن هشام احلكم وهو أنه جائز إال‬
‫(كريَم كان ُممدٌ ) َّ‬
‫ا‬ ‫الناسخ‪ ،‬ثم اسم الناسخ‪ ،‬كأن تقول‪:‬‬
‫يأت يف ذلك شاهدٌ رصيح‪.‬‬‫يف خرب "دام" و"ليس"‪ ،‬ومل ِ‬

‫كانوا‬ ‫﴿وأنفسه ْم‬ ‫وتعاىل‪:-‬‬ ‫‪-‬س ْبحانه‬ ‫بقوله‬ ‫يستشهدون‬ ‫لكنهم‬


‫ي ْظلِمون [األعراف‪ ،]177:‬ما إعراب اآلية؟ أين الفعل الناسخ؟ كان‪ ،‬أين اسمه؟ واو اجلَمعة‬
‫"كانوا"‪ ،‬وأين خربه؟ مجلة يظلمون‪( ،‬كانوا يظلمون)‪ ،‬إذن كان اسم كان خرب كان‪.‬‬

‫لكن ما إعراب أنفسهم؟ ﴿وأنفسه ْم كانوا ي ْظلِمون مفعول به للخرب يظلمون‪ ،‬وأصل‬
‫ٌ‬
‫مفعول به للخرب‪ ،‬ثم تقدَّ م معمول اخلرب عىل‬ ‫اآلية واَّلل أعلم‪ :‬كانوا يظلمون أنفسهم‪ ،‬فأنفسهم‪:‬‬
‫ٌ‬
‫استدالل صحيح؛ ألن املتقدي م‬ ‫الناسخ نفسه‪ ،‬قالوا‪َّ :‬‬
‫فدل ذلك عىل جواز تقدُّ م اخلرب نفسه‪ ،‬وهذا‬
‫هنا املفعول به‪ ،‬واملفعول به تقدُّ مه يدل عىل تقدُّ م عامله‪ ،‬بخالف ما لو كان املتقدي م شبه مجلة فإن‬
‫تتوسع يف شبه اجلملة كَم سيأيت‪.‬‬
‫العرب َّ‬

‫إذن فتقدُّ م اخلرب عىل الناسخ نفسه جائز‪ ،‬قال‪ :‬إال مع فعلني‪" :‬دام" و"ليس"‪.‬‬

‫فمتفق عليه بني النحويني‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫أما منع تقدُّ م خرب "دام"‬

‫يصح أن‬
‫ُّ‬ ‫كثري من املحققني‪ ،‬وعىل ذلك‬ ‫ٌ‬
‫فمختلف فيه فأجازه ٌ‬ ‫وأما منع تقدُّ م خرب "ليس"‬
‫ا‬
‫(بخيال ليس زيدٌ )‪ ،‬و(متربج اة ليست هندٌ )‪ ،‬واحتَّجوا عىل ذلك بقوله ‪-‬س ْبحانه وتعاىل‪:-‬‬ ‫تقول‪:‬‬
‫ضمري مسترت تقديره‬ ‫﴿أال ي ْوم ي ْأتِ ِ‬
‫يه ْم ل ْيس م ْرصو افا عنْه ْم [هود‪ ]8:‬الناسخ‪ :‬ليس‪ ،‬واسمه‪:‬‬
‫ٌ‬
‫هو يعود إىل العذاب‪ ،‬ليس العذاب‪ ،‬مرصو افا‪ :‬هذه خرب ليس‪ ،‬عنهم‪ :‬شبه مجلة متعلقة باخلرب‪.‬‬
‫‪248‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫يه ْم ‪ :‬هذا الظرف املتقدي م عىل الناسخ نفسه؛ ﴿ي ْوم ي ْأتِ ِ‬


‫يه ْم ل ْيس م ْرصو افا‬ ‫﴿ي ْوم ي ْأتِ ِ‬

‫أيضا متع يل ٌق باخلرب مرصو افا؛ يعني ليس العذاب مرصو افا عنهم‬
‫عنْه ْم [هود‪ ]8:‬هذا الظرف ا‬
‫يوم يأتيهم‪ ،‬فتقدَّ م معمول اخلرب وهو ظرف الزمان "يوم يأتيهم" عىل الناسخ نفسه‪ ،‬قالوا‪ :‬فهذا‬
‫يدل عىل تقدُّ م اخلرب‪.‬‬

‫تتوسع يف شبه اجلمل ما ال‬


‫والذين ر ُّدوا هذا االستدالل قالوا‪ :‬إن املتقدي م شبه مجلة‪ ،‬والعرب َّ‬
‫تتوسع يف غريها‪ ،‬واَّلل أعلم‪.‬‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫مسألة أخرى‪ ،‬ولعلنا نتوقف هنا ونكمل إن شاء اَّلل‬ ‫‪ ‬ثم تك َّلم ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬عىل‬
‫وصل اَّلل وس َّلم عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله وأصحابه أمجعني‪.‬‬
‫َّ‬ ‫بعد الصالة‪ ،‬واَّلل أعلم‪،‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪249‬‬

‫الدرس السادس اجلزء الثان‪:‬‬


‫بسم اَّلل الرمحن الرحيم‪ ،‬احلمد َّلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله‬
‫وأصحابه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪...‬‬
‫‪ ‬فذكر ابن هشام مسائل أخرى يف هذا الباب يف [باب كان وأخواهتا] وهي‪ :‬مرادفتها‬
‫ملعنى صار‪ ،‬فقال ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬
‫اخل ْمسة األول بمرادف ِة صار"‪.‬‬
‫"وختت ُّص ْ‬
‫فاألصل يف هذه األفعال أن َّ‬
‫تدل عىل اتيصاف اسمها بخربها يف أزماهنا؛ فإذا قلت‪( :‬أصبح‬
‫الولد نشي اطا) فمعنى ذلك‪ :‬اتيصاف الولد بالنشاط يف زمان الصباح‪.‬‬
‫أو قلت‪( :‬أمسى الرجل متع ابا) يعني اتيصاف الرجل بالتعب يف املساء‪.‬‬
‫و(أضحت هندٌ نائم اة)؛ أي اتيصاف ٍ‬
‫هند بالنوم يف الضحى‪.‬‬
‫و(كان ُممدٌ مسافرا) يعني اتيصاف ٍ‬
‫ُممد بالسفر يف الزمان املايض مطل اقا‪.‬‬ ‫ا‬
‫هذا األصل يف معناها واستعَمالها إال أهنا كَم ذكرها ابن هشام قد تأيت بمعنى صار؛ يعني‬
‫ٍ‬
‫ارتباط بزمان؛‬ ‫التحول واالنتقال دون‬ ‫دال اة عىل مطلق‬
‫ُّ‬
‫مهَم) اتيصاف النفط باألمهية ال يتع َّلق بزمان الصباح بل يف كل‬ ‫ِ‬
‫كأن تقول‪( :‬أصبح النفط ا‬
‫مهَم) فأصبح هنا صارت بمعنى صار‪ ،‬وليست بمعنى أصبح‬ ‫ِ‬
‫األزمنة‪ ،‬واملعنى (صار النفط ا‬
‫املرتبطة بزمان الصباح‪.‬‬
‫ِ‬
‫الرمحة) متَّصف هبذا األمر يف كل زمان وليس باملساء فقط‪،‬‬ ‫فنقول‪( :‬أمسى اإلسالم دين‬
‫بمعنى صار اإلسالم دين الرمحة‪.‬‬
‫وتقول‪( :‬كان ُممدٌ عاملا ِا) ال تريد اتيصاف ُممد بالعلم يف املايض مطل اقا‪ ،‬وإنَم تريد (صار‬
‫ُممدٌ عا املا)‪.‬‬
‫‪250‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬ظ َّل و ْجهه م ْسو ًدا [النحل‪ ]58:‬اتيصاف وجهه بالسواد ليس متع يل اقا‬
‫بزمن‪ ،‬وإنَم املعنى صار وجهه مسو ًدا هبذا السبب‪.‬‬
‫وتقول‪( :‬أضحت البالد مجيل اة)؛ يعني صارت مجيل اة يف ي‬
‫كل زمان وهكذا‪.‬‬
‫فهذه اخلمسة قد تأيت بمعنى صار فتخرج عن أزماهنا ُّ‬
‫وتدل عىل مطلق االنتقال والصريورة‪.‬‬
‫وعىل ذلك يمكن أن نن يبه إىل ٍ‬
‫أمر مهم يتع َّلق باستعَمالت كان‪ ،‬ونحن ذكرنا لكان اآلن أكثر‬
‫استعَمالت أخرى‪ ،‬فنقول‪ :‬إن كان قد تأيت عىل مخسة استعَمالت‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫من استعَمل‪ ،‬وهلا‬
‫مسافرا ثم‬
‫ا‬ ‫‪ o‬االستعَمل األول‪ :‬أن تأيت بمعنى املايض املنقطع؛ كأن تقول‪( :‬كان ُممدٌ‬
‫رجع) كان هنا د َّلت عىل الزمان املايض املنقطع الذي انتهى وانقطع‪.‬‬
‫‪ o‬املعنى الثان‪ :‬وتأيت بمعنى الفعل املستمر؛ يعني بمعنى املايض واحلال واالستقبال؛‬
‫رحيَم) يعني يف املايض واحلارض واالستقبال‪ ،‬تقول‪( :‬كان‬
‫ا‬ ‫كأن تقول‪( :‬كان اَّلل‬
‫ِ‬
‫الرمحة) يعني متَّصف بذلك يف كل زمان‪.‬‬ ‫اإلسالم دين‬
‫عامل ِا) يعني‬
‫‪ o‬واملعنى الثالث‪ :‬أهنا تأيت بمعنى "صار" وهذا ذكرناه نحو‪( :‬كان ُممدٌ ا‬

‫صار عا املا‪.‬‬
‫‪ o‬واملعنى الرابع‪ :‬أهنا قد تأيت زائد اة كَم سيأيت ِذكره نحو‪( :‬ما كان أحسن ُممدا ا) يعني‬
‫ما أحسن ُممدا ا‪.‬‬
‫‪ o‬واملعنى اخلامس‪ :‬أهنا تأيت تام اة بمعنى و ِجد وسيأيت الكالم عىل ذلك؛ كقولنا‪:‬‬
‫(انقىض رمضان وكان العيد)‪.‬‬
‫استعَمالت لكان وك ُّلها أمثلتها كثرية ومستعملة بكل هذه املعان‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فهذه‬
‫ٍ‬
‫مسألة أخرى يف كان وأخواهتا وهي‪ :‬الكالم عىل نقصاهنا‬ ‫‪ ‬لننتقل مع ابن هشام إىل‬
‫ومتامها‪ ،‬فقال ابن هشام‪:‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪251‬‬

‫نحو‪﴿ :‬وإِ ْن كان ذو ع ْرس ٍة‬ ‫االستِغْناء عن ْ‬


‫اخلرب ْ‬ ‫"وغري ل ْيس وفتئ وزال بجواز التََّمم أي‪ْ :‬‬
‫فنظِر ٌة إِىل م ْيرس ٍة [البقرة‪﴿ ،]280:‬فس ْبحان اَّللَِّ ِحني متْسون و ِحني ت ْصبِحون [الروم‪،]17:‬‬
‫السَموات و ْاأل ْرض [هود‪."]107:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫﴿خالدين فيها ما دامت َّ‬
‫وختتص‬
‫ُّ‬ ‫معطوف عىل قوله‪( :‬اخلمسة) يف العبارة السابقة‪( :‬‬
‫ٌ‬ ‫قول ابن هشام‪( :‬و ْغري)‬
‫(وختتص غري ليس وفتئ وزال بجواز التَمم)‪ ،‬فذكر ابن هشا ٍم هنا أن كان‬
‫ُّ‬ ‫اخلمسة) يعني‬
‫وأخواهتا تأيت ناقصة وقد تأيت تام اة عدا ليس وفتئ وزال‪.‬‬
‫فَم معنى كوهنا ناقصة؟ وما معنى كوهنا تامة؟‬
‫ناقصا‬
‫وخرب منصوب؛ يعني أن معناها يبقى ا‬ ‫ٍ‬ ‫معنى كوهنا ناقصة‪ :‬أهنا ُمتاجة الس ٍم مرفوع‬
‫حتى يأيت منصوهبا وهو خربها املنصوب‪ ،‬فلو قلت‪( :‬كان الن ِ ْفط) وسكتت بقيت ناقصة املعنى‪،‬‬
‫كان النفط ماذا؟ (أصبح ُممدٌ ) أصبح ماذا؟ إذا أردت أن خترب عنه بيشء‪.‬‬
‫وأما كوهنا تامة‪ :‬فمعنى ذلك أهنا تكون كبقية األفعال؛ كذهب‪ ،‬وجلس‪ ،‬وقال‪ ،‬فتكون‬
‫رافع اة لفاعلها كتفي اة به فال حتتاج إىل منصوب‪.‬‬
‫ومعناها ناقص اة خيتلف عن معناها تام اة‪ ،‬وهي ناقصة فعل‪ ،‬وتامة ٌ‬
‫فعل آخر كَم ييل‪:‬‬
‫‪ -‬فكان قلنا‪ :‬إذا كانت ناقصة تدل عىل اتيصاف اسمها بخربها يف الزمان املايض وقد تكون‬
‫بمعنى صار‪.‬‬
‫‪ -‬لكن إذا كانت تامة صارت بمعنى و ِجد‪ ،‬أو حدث‪ ،‬أو حصل‪ ،‬نحو‪( :‬انقىض رمضان‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫وكان العيد) يعني انقىض رمضان وو ِجد العيد‪ ،‬أو حذف العيد‪ ،‬أو حصل العيد‪ ،‬فالعيد‬
‫اسَم لكان؛ ألن كان هنا غري ُمتاجة إىل منصوب فهي تامة‪.‬‬
‫فاعل‪ ،‬وليس ا‬
‫تقول‪( :‬انتهت احلرب وكانت اهلزيمة) يعني حصلت وو ِجدت‪.‬‬
‫‪252‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫قال تعاىل‪﴿ :‬وإِ ْن كان ذو ع ْرس ٍة اجلواب‪﴿ :‬فنظِر ٌة إِىل م ْيرس ٍة [البقرة‪ ،]280:‬يعني فإن و ِجد‬
‫ذو عرسة‪ ،‬فإن حصل ذو عرسة فذو فاعل‪.‬‬
‫تاما الدخول يف زمان الصباح‪ ،‬وال حيتاج إىل‬
‫والفعل اآلخر‪" :‬أصبح" فيكون معناه إذا كان ً‬
‫منصوب؛ كقولك‪( :‬إذا أصبح الناس ذهبوا إىل أعَمهلم)‪( ،‬إذا أصبح الناس) ما معنى أصبح‬
‫الناس؟ يعني دخلوا يف زمان الصباح فال حتتاج إىل خرب‪.‬‬
‫ومن ذلك‪( :‬أصبحنا وأصبح امللك َّللِ) أصبحنا‪ :‬يعني دخلنا يف زمان الصباح‪ ،‬وأما (أصبح‬
‫امللك َّلل) فهذه ناقصة‪ ،‬بمعنى صار امللك َّللِ‪ ،‬فامللك اسمها‪ ،‬وَّلل شبه مجلة خربها‪.‬‬
‫ومن ذلك‪" :‬أمسى" يكون معناها الدخول يف زمان املساء‪ ،‬تقول‪( :‬عندما أميس آتيك)‬
‫احلمد ِيف السمو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫َّ‬ ‫قال ‪-‬س ْبحانه وتعاىل‪﴿ :-‬فس ْبحان اَّللَِّ حني متْسون وحني ت ْصبِحون * وله ْ ْ‬
‫تسبيحا‪،‬‬
‫ا‬ ‫ض وع ِش ًيا و ِحني ت ْظ ِهرون [الروم‪﴿ ]18-17 :‬فس ْبحان اَّللَِّ ‪ :‬يعني س يبحوا اَّلل‬
‫واأل ْر ِ‬

‫﴿حني متْسون يعني حني تدخلون يف املساء‪﴿ ،‬و ِحني ت ْصبِحون حني تدخلون يف‬ ‫متى؟ ِ‬

‫الصباح‪.‬‬
‫ض وع ِش ًيا [الروم‪ ]18:‬ظرف زمان وقت العيش‪﴿ ،‬و ِحني‬ ‫احلمد ِيف السمو ِ‬
‫ات واأل ْر ِ‬ ‫َّ‬ ‫﴿وله ْ ْ‬
‫يعني حني تدخلون يف زمان الظهر‪ ،‬فتصبحون ومتسون هنا كقوله‪:‬‬ ‫[الروم‪]18:‬‬ ‫ت ْظ ِهرون‬
‫تظهرون‪.‬‬
‫"وأضحى" كذلك إذا دخلنا يف زمان الضحى‪ ،‬تقول‪( :‬إذا أضحيت تعال)‪.‬‬
‫"وبات" إذا كانت تامة تكون بمعنى نام‪ ،‬تقول‪( :‬بات الطفل) يعني نام‪.‬‬
‫التامة فتكون‬
‫حجرا)‪ ،‬أما صار َّ‬
‫ا‬ ‫"وصار" صار الناقصة تدل عىل االنتقال‪( ،‬صار الطني‬
‫بمعنى رجع؛ كقوله تعاىل‪﴿ :‬أال إِىل اَّللَِّ ت ِصري األمور [الشورى‪ ]53:‬يعني ترجع األمور‪ ،‬األمور‬
‫فاعل‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪253‬‬

‫(انفك احلبل) ٌ‬
‫فعل وفاعل‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫" َّ‬
‫انفك" تكون من االنفكاك‪،‬‬
‫" ِبرح" تكون بمعنى الرتك‪ ،‬تقول‪( :‬ما ِبرحت مكان) يعني ما تركته‪﴿ ،‬فل ْن أ ْبرح األ ْرض‬
‫حتَّى ي ْأذن ِيل أ ِِب [يوسف‪ ]80:‬يعني ال أتركها‪.‬‬
‫السموات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫و"دام" تقول‪( :‬دام عزُّ ك) بمعنى بقي‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬خالدين فيها ما دامت َّ‬
‫واأل ْرض [هود‪ ]107:‬يعني ما بقيت وهكذا‪.‬‬
‫تامة‪ ،‬فليس وفتئ واضحان‪ ،‬وأما‬
‫أما "ليس‪ ،‬وفتئ‪ ،‬وزال" فهذه ال تأيت إال ناقصة‪ ،‬ال تأيت َّ‬
‫فعل آخر‬ ‫اهلم)؟ فيكون اهلم ا‬
‫فاعال فالفعل تام‪ ،‬فيقال‪ :‬بىل ولكنه ٌ‬ ‫"زال" ليس يقال‪( :‬زال ُّ‬
‫مترصف‪ ،‬يقال‪( :‬زال‪ ،‬يزول‪ ،‬ا‬
‫زواال) أما فعلنا الناقص فهو (زال يزال) ليس‪( ،‬زال يزول)‬ ‫ي‬
‫الرش)‪ ،‬لكن فعلنا الناقص‪( :‬زال يزال)‪( :‬ما‬
‫الرش‪ ،‬يزول ُّ‬ ‫املترصف‪( :‬زال‪ ،‬يزول‪ ،‬ا‬
‫زواال)‪( :‬زال ُّ‬ ‫ي‬
‫مريضا‪ ،‬فهذا فعل وهذا‬
‫ا‬ ‫مريضا) يعني بقي أي‬
‫ا‬ ‫مريضا‪( ،‬وما يزال‬
‫ا‬ ‫مريضا) يعني بقي‬
‫ا‬ ‫زال ُممدٌ‬
‫ٌ‬
‫فعل آخر‪.‬‬
‫‪ ‬ثم تك َّلم ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬عىل خصائص كان؛ لن كان كَم ذكرنا أ ُّم الباب وأكثرها‬
‫خصتها العرب ببعض األحكام سيذكرها ابن هشام‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫ا‬
‫استعَمال‪ ،‬فلهذا َّ‬
‫احلكم األول‪ :‬زيادهتا‪.‬‬
‫واحلكم الثان‪ :‬حذف نوهنا‪.‬‬
‫واحلكم الثالث‪ :‬حذفها وحدها‪.‬‬
‫واحلكم الرابع‪ :‬حذفها مع اسمها‪.‬‬
‫‪ ‬فسيذكر ابن هشام هذه اخلصائص واحدا ا واحدا ا؛‬
‫فبدأ بالكالم عىل زيادة كان‪:‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫‪254‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ِ‬
‫زيادهتا متوسط اة؛ نحو‪( :‬ما كان أحسن زيدا ا)‪.‬‬ ‫"وكان بجواز‬
‫وختتص كان بجواز زيادهتا متوسط اة‪ ،‬فهذا الكالم‬
‫ُّ‬ ‫أيضا العطف عىل ختتص اخلمسة؛ يعني‬
‫ا‬
‫عىل زيادة كان الذي أَشنا إليه من قبل‪ ،‬فنقول اآلن‪ :‬إن كان قد تزاد برشطني‪:‬‬
‫الرشط األول‪ :‬أن تكون بلفظ املايض ال بلفظ املضارع أو األمر‪.‬‬
‫والرشط الثان‪ :‬أن تقع بني متالزمني‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ زائدة؛ ألهنا لو‬ ‫كريم) فنقول‪ :‬كان‬ ‫مثل ماذا؟ كاملبتدأ واخلرب‪ ،‬تقول‪ُ( :‬ممدٌ كان‬
‫ٌ‬
‫كريَم) والزائدة ال تعمل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كانت ناقصة لعملت‪ ،‬تقول‪ُ( :‬ممدٌ كان ا‬
‫واملتالزمان أي اضا كالفعل والفاعل‪ ،‬تقول‪( :‬ذهب كان ُممدٌ )‪ ،‬أو (مل يوجد كان مثلهم)‪.‬‬
‫ِ‬
‫السيارة) قال الشاعر‪:‬‬ ‫وأيضا كاجلار واملجرور‪ ،‬تقول‪( :‬جئت عىل كان‬
‫ا‬
‫ــوم ِة العـ ِ‬
‫ــراب‬ ‫عـــىل كـــان ا ْملسـ َّ‬ ‫ـــي أ ِِب بك ٍ‬
‫ْـــر تســـامى‬ ‫ِ‬
‫رساة بن ْ‬
‫وأيضا من املتالزمات‪ :‬الصلة واملوصول‪ ،‬تقول‪( :‬جاء الذي كان أكرمته)‪.‬‬
‫ا‬

‫كريم)‪ ،‬ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬


‫ٌ‬ ‫وكذلك الصفة واملوصوف‪ ،‬تقول‪( :‬جاء ٌ‬
‫رجل كان‬

‫ـعي كــان مشـ ِ‬


‫ـكور‬ ‫هلــم هنــاك بسـ ٍ‬ ‫يف غرف اجلنة العليا التي وجبت‬

‫التعجب بني "ما" والفعل بعدها؛ كقولك‪( :‬ما كان‬‫ُّ‬ ‫وأهم مواضع زيادة كان‪ :‬يف أسلوب‬
‫خرب‬ ‫وال‬ ‫اسم‬ ‫هلا‬ ‫ليس‬ ‫يعني‬ ‫تعمل؛‬ ‫ال‬ ‫زائدة‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫أحسن ُممدا ا)‪ ،‬و(ما كان أمجل القمر) فهي‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وال فاعل‪ ،‬ابن مالك يف األلفية قال عنها‪:‬‬
‫كــان أصـ ِ‬ ‫وقدْ تـزاد كـان ِيف ح ْش ٍ‬
‫ـح ع ْلــم مـ ْ‬
‫ـن تقــدَّ ما‬ ‫َّ‬ ‫ـو كـَم‬
‫التعجب‪ ،‬فهذه اخلاصية‬
‫ُّ‬ ‫فقال‪( :‬وقدْ تزاد كان) يعني أن زيادهتا قليلة ال تطرد إال يف أسلوب‬
‫األوىل‪.‬‬
‫اخلاصية الثانية لـ "كان"‪ :‬حذف نون كان‪ ،‬ويف ذلك قال ابن هشام‪:‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪255‬‬

‫ب مت َِّص ٌل"‪.‬‬
‫إن مل ْ ي ْلقها ساكِ ٌن وال ض ِمري ن ْص ٍ‬
‫وص اال ْ‬
‫ارعها امل ْجزو ِم ْ‬
‫"وح ْذ ِ‬
‫فن ِ‬
‫ون مض ِ‬

‫أصيل من الكلمة‪ ،‬إال‬


‫ٌّ‬ ‫حرف‬
‫ٌ‬ ‫فمن خصائصها‪ :‬أن النون التي يف آخرها قد حتذف منها مع أنه‬
‫أن الكلمة لكثرة استعَمهلا قد خت َّفف بحذف النون‪ ،‬وحلذف النون من كان مخسة َشوط‪:‬‬
‫املضارع املجزوم‪ ،‬أشار إىل ذلك ابن هشام فقال‪( :‬مض ِ‬
‫ارعها‬ ‫ِ‬ ‫الرشط األول‪ :‬كوهنا بلفظ‬
‫امل ْجزو ِم)‪ ،‬إذن فاملضارع خي ِرج املايض واألمر‪ ،‬واملجزوم خي ِرج املرفوع واملوصوف‪ ،‬فهذه ال‬
‫قائَم) ما‬
‫كريَم) ما نحذف النون‪ ،‬أو (يكون الرجل ا‬
‫حتذف منها النون‪ ،‬لو قلت‪( :‬كان الرجل ا‬
‫نحذف منها النون‪.‬‬
‫الرشط الثان‪ :‬كون اجلزم بالسكون‪ ،‬هذا الرشط مل يذكره ابن هشام‪ ،‬فلو كان اجلزم بحذف‬
‫النون (مل يكونوا) ملن حتذف النون‪.‬‬
‫إن مل ْ ي ْلقها ساكِ ٌن)‪،‬‬
‫الرشط الثالث‪ :‬أال يأيت بعدها ساكن‪ ،‬وأشار إليها ابن هشام بقوله‪ْ ( :‬‬
‫قائَم) مل حتذف النون لوقوع الساكن بعدها‪.‬‬
‫يكن الرجل ا‬
‫يعني لو قلت‪( :‬مل ْ‬
‫نصب‪ ،‬وأشار إىل ذلك ابن هشام بقوله‪( :‬وال ض ِمري‬‫ٍ‬ ‫الرشط الرابع‪ :‬أال يتصل هبا ضمري‬
‫ب مت َِّص ٌل) كأن تقول‪( :‬الصديق مل تكنْه) ما حتذف النون ملاذا؟ التيصال ضمري النصب به‪.‬‬
‫ن ْص ٍ‬

‫الرشط اخلامس‪ :‬أن يكون ذلك يف الوصل ال يف الوقف‪ ،‬وأشار إىل ذلك ابن هشام بقوله‪:‬‬
‫مسافرا)‪ ،‬لكن لو وقفت فيجب أن تعيد النون‬
‫ا‬ ‫( ا‬
‫وصال) يعني لو وصلت تقول‪( :‬مل يك ُممدٌ‬
‫فتقول‪( :‬مل يكن)‪.‬‬
‫نظر واضح ‪-‬واَّلل أعلم‪ -‬لثبوت احلذف حذف النون يف القرآن الكريم عند‬
‫ويف هذا الرشط ٌ‬
‫ونصوا‬
‫القراء عند الوقف ُّ‬ ‫ا‬
‫وصال ووق افا‪ ،‬ولو كان إعادة النون واجب اة يف الوقف ألعادها َّ‬ ‫القراء‬
‫َّ‬
‫وصال ووق افا َّ‬
‫دل ذلك عىل جواز احلذف يف الوقف ويف الوصل‪.‬‬ ‫ا‬ ‫عىل ذلك‪ ،‬فلَم حذفوها‬
‫أما الشواهد عىل ذلك‪:‬‬
‫‪256‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫رشكِني [النحل‪ ]120:‬يعني مل يكن‪.‬‬


‫قوله تعاىل‪﴿ :‬ومل ْ يك ِمن ا ْمل ْ ِ‬

‫أكن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وقوله‪﴿ :‬ومل ْ أك بغ ًيا [مريم‪ ]20:‬يعني ومل ْ‬
‫والشواهد عىل ذلك كثرية وهو جائز عىل سعة‪.‬‬
‫واخلاصية الثالثة لـ "كان"‪ :‬حذف "كان" وحدها‪ ،‬إذا قلنا‪ :‬حذف "كان" وحدها يعني‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وحدها‬‫ما الذي يبقى؟ يبقى اسمها وخربها‪ ،‬ويف ذلك يقول ابن هشام ‪-‬رمحه اَّلل‪" :-‬وح ْذفها ْ‬
‫(أما أنْت ذا نف ٍر)"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مع يو اضا عنها (ما) يف م ْثل‪َّ :‬‬
‫فكان إذا ح ِذفت وحدها فسيبقى اسمها وخربها ويكون ذلك بعد "أ ْن" املصدرية‪" ،‬أ ْن"‬
‫بفتح اهلمزة وسكون النون املصدرية الواقعة موقع املفعول ألجله؛ يعني الدالة عىل التعليل‪،‬‬
‫ٍ‬
‫أسلوب مضطرد‪.‬‬ ‫ويكون ذلك يف‬
‫(أما أنت جمتهدا ا أكرمتك)‪ ،‬األصل‪ :‬األول‬
‫(أما أنت غن ًيا تصدَّ ق)‪َّ ،‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬أن تقول‪َّ :‬‬
‫أكرمتك ملاذا؟ (أكرمتك أل ْن كنت جمتهدا ا) ما الذي حدث؟ حذفنا الم التعليل؛ ألن الالم‬
‫حرف جر‪ ،‬وحرف اجلر جيوز حذفه باضطراد قبل أ ْن وأ َّن‪ ،‬فح ِذفت الالم فقيل‪( :‬أكرمتك أ ْن‬
‫كنت جمتهدا ا)‪ ،‬ثم حذفنا "كان"‪.‬‬
‫فَم الذي بقي بعد حذف "كان"؟ (أكرمتك أ ْن كنت جمتهدا ا) حذفنا كان‪ ،‬بقي اسم كان‬
‫التاء وجمتهدا ا‪ ،‬لكن اسم كان ضمري متَّصل‪ ،‬وإذا حذفت "كان" ما يمكن أن يقوم بنفسه‪ ،‬فَمذا‬
‫ٍ‬
‫ضمري منفصل "أنت" (أكرمتك أ ْن أنْت جمتهدا ا) ثم‬ ‫تعمل به كي يقوم بنفسه؟ قلبته العرب إىل‬
‫عوضنا عن كان املحذوفة بـ "ما"‪ ،‬كان التي ح ِذفت عوضنا عنها بـ "ما" بعد "أ ْن"‪ ،‬فصار‬ ‫َّ‬
‫(أكرمتك أ ْن ما) ثم حدث إدغام بني امليم والنون‪ ،‬فقيل‪( :‬أكرمتك أ َّما أنت جمتهدا ا) فهذا‬
‫أسلوب مضطرد‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪257‬‬

‫قل‪( :‬تصدَّ ق ألن كنت غن ًيا) يعني ألنك غني تصدَّ ق‪( ،‬تصدَّ ق ألن كنت غن ًيا) ثم حذفنا‬
‫عوضنا بـ "ما"‬
‫الالم و(تصدَّ ق أن كنت غن ًيا)‪ ،‬ثم حذفنا كان (تصدَّ ق أن أنت غن ًيا)‪ ،‬ثم َّ‬
‫(تصدَّ ق أ َّما أنت غن ًيا)‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬البيت الذي أشار إليه ابن هشام وهو قول الشاعر‪:‬‬

‫الضــبع‬
‫ـإن قــومي مل ْ تــأكلهم َّ‬
‫فـ َّ‬ ‫أبــا خراشــة نأمــا أنــت ذا نفــر‬
‫فاعلم أنا قومي مل‬
‫ْ‬ ‫يقول‪ :‬يا أيا خراشة أ ْن كنت ذا ٍ‬
‫نفر كثريين‪ ،‬قومك كثريون هتدي دنا وخت يوفنا‬
‫تأكلهم الضبع؛ يعني السنني املجدبة‪ ،‬بل ما زلنا أقوياء ونستطيع أن ندافع عن أنفسنا‪ ،‬فأصل‬
‫اجلملة‪( :‬أبا خراشة ألن كنت ذا ٍ‬
‫نفر) ثم حذف الالم وهذا جائز قبل "أ ْن" و"أ َّن" فصارت‬
‫(أ ْن كنت ذا ٍ‬
‫نفر)‪ ،‬ثم حذف "كان" فانقلب الضمري املتصل إىل منفصل (أ ْن أنْت ذا نفر)‪ ،‬ثم‬
‫عوض عن كان املحذوفة بـ "ما" فقال‪( :‬أ َّما أنت ذا ٍ‬
‫نفر)‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫مضطرد كَم رأيتم‪.‬‬ ‫هذا أسلوب‬
‫واخلاصية الرابعة األخرية لـ "كان"‪ :‬حذف كان مع اسمها وبقاء خربها‪ ،‬ويف ذلك قال ابن‬
‫هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬
‫" ومع اس ِمها يف ِم ْث ِل‪( :‬إِ ْن خريا فخري)‪ ،‬و(ا ْلت ِمس ولو خامتا ِمن ح ٍ‬
‫ديد)"‪.‬‬ ‫ا ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ا‬ ‫ْ‬
‫أسلوب عرِب كثري االستعَمل‪ ،‬وهو يكثر‬
‫ٌ‬ ‫حذف كان ع اسمها وبقاء خربها املنصوب هو‬
‫بعد إِ ْن ولو الرشطيتني‪ ،‬إِ ْن بكرس اهلمزة وسكون النون‪ ،‬إِ ْن ول ْو الرشطيتني؛‬
‫رياال) يعني (أعطني ولو كان املعطى ا‬
‫رياال)‪.‬‬ ‫ولو ا‬‫كقولك‪( :‬أعطني ْ‬
‫ا‬
‫راجال) فحذفت كان‬ ‫ا‬
‫راجال)؛ يعني (تعال إن كنت راك ابا أو‬ ‫إن راك ابا أو‬
‫تقول‪( :‬تعال ْ‬
‫واسمها وأبقيت خربها املنصوب‪.‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫‪258‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ِ‬
‫قــول إذا ا‬
‫قــيال‬ ‫فــَم اعتــذارك مــن‬ ‫إن ِصدْ اقا وإِ ْن ك ِ‬
‫ـذ ابا‬ ‫قدْ ِق ْيل ما ِق ْيل ْ‬

‫يعني قد قيل ما قيل إن كان املقول صد اقا أو كذ ابا‪ ،‬وقال‪:‬‬


‫الس ْهل ْ‬
‫واجلبل‬ ‫جنوده ضاق عنْها َّ‬ ‫ال ي ْأم ِن الدَّ ْهر ذو بغ ٍْي ول ْو ملِكاـا‬
‫يعني ولو كان الباغي ملِكاا وقال‪:‬‬
‫ال ت ْقــربن الــدَّ هر آل مطــر ٍ‬
‫إن ظا املــا أبــدا ا‪ ،‬وإِ ْن م ْظ ا‬
‫لومــا‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫َّ‬
‫مظلوما‪.‬‬
‫ا‬ ‫يعني إن كانت ظا املا أو كنت‬
‫ويف احلديث‪« :‬ا ْلت ِمس ولو خامتا ِمن ح ِد ٍ‬
‫يد» يعني التمس ولو كان امللتمس خامتاا من حديد‪.‬‬ ‫ا ْ‬ ‫ْ‬
‫فخنجر) يعني املرء القاتل‬
‫ٌ‬ ‫خنجرا‬
‫ا‬ ‫ٌ‬
‫فسيف‪ ،‬وإن‬ ‫ٌ‬
‫مقتول بَم قتل به‪ ،‬إن سي افا‬ ‫ويقولون‪( :‬املرء‬
‫خنجرا‬
‫ا‬ ‫ٌ‬
‫سيف‪ ،‬وإن كان الذي قتل به‬ ‫ٌ‬
‫مقتول بَم قتل إن كان الذي قتل به سي افا فالذي يقتل به‬
‫خنجر وهكذا‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فالذي يقتل به‬
‫ويف احلديث‪« :‬ب يلغوا عنيي ول ْو آي اة» يعني ولو كان املب َّلغ آي اة‪.‬‬
‫عمل إن خريا فخري‪ ،‬وإن َشا فرش) يعني جمزي بَم ِ‬
‫عمل إن كان‬ ‫ويقولون‪( :‬املرء جمزي بَم ِ‬
‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ا‬ ‫ٌّ‬
‫َش‪.‬‬
‫َش فجزاؤه ٌّ‬
‫خري‪ ،‬وإن كان عمله ٌّ‬
‫خريا فجزاءه ٌ‬
‫عمله ا‬
‫محارا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫محارا) يعني ولو كانت الدابة ا‬
‫وتقول‪( :‬ائتني بدابة ولو ا‬
‫ِ‬
‫مضطرد وأمثلته كثرية‪ ،‬فهذا ما يتع َّلق بكان وأخواهتا‪.‬‬ ‫أسلوب‬
‫‪ ‬ثم إن ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬كالنحويني ذلك بعض احلروف النافية التي قد تعمل عمل‬
‫ٍ‬
‫أحرف نافية وهي‪" :‬ما‪ ،‬وال‪ ،‬والت"‪.‬‬ ‫كان فتنصب االسم وترفع اخلرب‪ ،‬فذكر ثالثة‬
‫فإن قلت‪ :‬ملاذا قال ابن هشام كَم سيأيت ويقول النحويني عن هذه احلروف مع أهنا تعمل‬
‫عمل "كان" فرتفع االسم وتنصب اخلرب‪ ،‬لكن يقولون‪ :‬احلروف املش َّبهة بليس‪ ،‬ما يقولون‪:‬‬
‫احلروف املش َّبهة بكان‪ ،‬مع أن كان هي أم الباب‪ ،‬فلَمذا ش َّبهوها بليس ال بكان؟‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪259‬‬

‫قالوا‪ :‬لشدَّ ة شبهها بليس؛ ألهنا تشبه ليس يف العمل واملعنى وهذا واضح‪ ،‬وأما شبهها بكان‬
‫فهو فقط يف العمل دون املعنى؛‬
‫فإن قلت‪ :‬معنى ذلك أهنا تعمل عمل كان فرتفع االسم وتنصب اخلرب؟ اجلواب‪ :‬نعم‪،‬‬
‫خيصوهنا ٍ‬
‫بباب خاص أو‬ ‫فتقول‪ :‬ملاذا ال تذكر يف أخوات كان مباَشة؟ اجلواب عن ذلك‪ :‬أهنم ُّ‬
‫ٍ‬
‫بفصل خاص الختصاصها ببعض الرشوط واألحكام‪ ،‬فأرادوا أن جيمعوا أحكامها وَشوطها‬
‫يف هذا الباب أو الفصل اخلاص هبا‪.‬‬
‫فاحلرف األول‪" :‬ما" يقولون‪ :‬ما احلجازية‪.‬‬
‫ويف ذلك قال ابن هشام‪:‬‬
‫إن وال بِم ْعمول ْ‬
‫اخلرب إالَّ‬ ‫إن تقدَّ م االسم ومل ْ ي ْسب ْق بِ ْ‬
‫جاز ييني كل ْيس ْ‬ ‫"وما النَّافِية ِعنْد ِ‬
‫احل ِ‬

‫رشا [يوسف‪."]31:‬‬ ‫اخلرب بِ َّإال ْ‬


‫نحو‪﴿ :‬ما هذا ب ا‬ ‫رورا‪ ،‬وال ا ْقرتن ْ‬
‫جم ا‬ ‫ظ ْر افا‪ْ ،‬أو ا‬
‫جارا و ْ‬
‫احلرف األول‪ :‬هو "ما النافية" هي حرف النفي املعروف املشهور‪ ،‬و"ما النافية" حرف‬
‫خمتص بالدخول عىل أحد القبيلني؛ يعني خمتَّص بالدخول عىل األسَمء‪ ،‬أو خمتص بالدخول عىل‬
‫حرف مشرتك يدخل عىل األسَمء وعىل األفعال؟‬
‫ٌ‬ ‫األفعال‪ ،‬أم أنه‬
‫ٌ‬
‫مهمل) فدخل عىل‬ ‫تقول‪ُ( :‬ممدٌ ما هيمل دروسه) فدخل عىل الفعل فتقول‪( :‬ما ُممدٌ‬
‫حرف مشرتك؟ مشرتك‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫حرف خاص خمتص أم‬
‫ٌ‬ ‫االسم‪ ،‬ومعنى ذلك أنه‬
‫والقاعدة يف إعَمل احلروف‪" :‬أن احلرف اخلاص يعمل‪ ،‬واحلرف املشرتك مهمل" هذه‬
‫اجلر تعمل؛ ألهنا خاص ٌة بالدخول عىل‬
‫القاعدة‪ ،‬هذه األصل يف احلروف‪ ،‬فلهذا حروف ي‬
‫األسَمء‪ ،‬ونواصب املضارع تعمل؛ ألهنا خاصة بالدخول عىل األفعال‪ ،‬وجوازم املضارع تعمل؛‬
‫ألهنا خاصة بالدخول عىل األفعال‪ ،‬وإِ ْن وإِ ْذما تعمل اجلز؛ ألهنا خاصة بالدخول عىل األفعال‪.‬‬
‫‪260‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫وأما هل االستفهامية ما تعمل؛ ألهنا ملا تدخل عىل األسَمء (هل ُممدٌ موجود؟) وعىل‬
‫األفعال‪( :‬هل جاء ُممد؟)؛‬
‫فاحلرف املشرتك يعني يدخل عىل األسَمء واألفعال األصل فيه ما يعمل‪.‬‬
‫واحلرف اخلاص الذي يدخل عىل األسَمء فقط أو يدخل عىل األفعال فقط األصل فيه أنه‬
‫يعمل‪.‬‬
‫و"ما" ما األصل فيها أهنا تعمل أم ال تعمل؟ األصل فيها أهنا ال تعمل؛ ألهنا مشرتكة‪،‬‬
‫ا‬
‫هامال‪ ،‬فبنو متيم وأكثر العرب‬ ‫ا‬
‫مهمال‪ ،‬أو نقول‪:‬‬ ‫وقد أبقاها أكثر العرب عىل أصلها حر افا‬
‫أبقوها حر افا ا‬
‫هامال‪ ،‬ويسموهنا "ما التميمية" فإذا وقع بعدها االسم يكون مبتدا ا؛ ألهنا مل يسبق‬
‫مسافر‪ :‬خرب‪ ،‬و"ما" حرف نفي‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫مسافر) ُممدٌ ‪ :‬مبتدأ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫بعامل لفظي‪ ،‬تقول‪( :‬ما ُممدٌ‬
‫قوة َّ‬
‫الشبه‪ ،‬فيقولون‪( :‬ما ُممدٌ‬ ‫ولكن احلجازيني هم الذي أعملوها عمل ليس بسبب َّ‬
‫ا‬
‫وبخيال‪ :‬خربها منصوب‪،‬‬ ‫ا‬
‫بخيال) فَم حجازية‪ ،‬وُممد‪ :‬اسمها مرفوع‪،‬‬ ‫افرا)‪( ،‬ما زيدٌ‬
‫مس ا‬
‫وبلغتهم نزل القرآن الكريم‪ ،‬وجاءت ما احلجازية يف موضعني رصاح اة من القرآن الكريم‪:‬‬
‫رشا [يوسف‪ ]31:‬فنصبت اخلرب‪.‬‬ ‫يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ما هذا ب ا‬
‫ويف قوله تعاىل‪﴿ :‬ما ه َّن أ َّمه ِاهتِ ْم [املجادلة‪ ]2:‬فنصبت اخلرب‪.‬‬
‫احتَمال‪ :‬يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ما ِمنْك ْم ِم ْن أح ٍد عنْه‬
‫ا‬ ‫ووردت ما احلجازية يف موض ٍع ثالث‬
‫ح ِ‬
‫اج ِزين [احلاقة‪]47:‬؛‬
‫إن قلنا‪ :‬حاجزين هي اخلرب فَم حجازية قود نصبت فعملت عمل ليس‪.‬‬
‫وإن قلنا‪ :‬أحدٌ مبتدأ ومنكم خربه‪ ،‬وحاجزين‪ :‬حال يعني ما أحدٌ منكم حالة كوهنم‬
‫نصا يف اإلعَمل‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حاجزين‪ ،‬وهذا جائز يف اإلعراب‪ ،‬فحينئذ ال تكون ا‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪261‬‬

‫القراء يف‬
‫إذن فأمهلها احلجازيون وأمهلها بنو متيم وأكثر العرب‪ ،‬ومع ذلك فقد قرأ بعض َّ‬
‫القراءات الشا َّذة؛ ﴿ما هذا ب ٌ‬
‫رش [يوسف‪﴿ ،]31:‬ما ه َّن أ َّمهاهت ْم [املجادلة‪.]2:‬‬
‫عمل باحل ْم ِل والتشبيه؟ باحلمل والتشبيه فعملها‬ ‫عمل أصيل أم ٌ‬
‫إذن فعرفنا أن عمل "ما" ٌ‬
‫ٍ‬
‫َشط واحد‪ ،‬وهو‪:‬‬ ‫ضعيف‪ ،‬وهلذا ال يعملها احلجازيون إال برشوط‪ ،‬كل هذه الرشوط تعود إىل‬
‫أن عملها ضعيف فال تعمل يف اجلملة إال إذا جاءت عىل أصلها؛ يعني اجلملة جاءت عىل‬
‫أصلها؛ يعني ما فيها تقديم وتأخري‪ ،‬ما فيها زوائد‪ ،‬ما فيها نقض للمعنى‪.‬‬
‫حينئذ ن ِ‬
‫دخل ما وتعمل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مفتوح)‪،‬‬ ‫كريم)‪( ،‬الباب‬ ‫إذا جاءت اجلملة عىل أصلها‪ُ( :‬ممدٌ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫لكن لو حذف أمر أخرج اجلملة عن أصلها فإن ما احلجازية يبطل عملها وتعود مهملة‪.‬‬
‫‪ ‬وجممل هذه الرشوط التي ذكروها أربعة َشوط‪ ،‬أشار إليها ابن هشام‪:‬‬
‫فالرشط األول‪ :‬تقدُّ م اسمها عىل خربها‪ ،‬مل ِ‬
‫تأت اجلملة عىل ترتيبها األصيل‪ ،‬االسم متقدي م‬
‫متأخر‪ ،‬قال ابن هشام‪( :‬إن تقدَّ م االسم)‪.‬‬
‫واخلرب ي‬
‫قائم) فمحمدٌ يصح‬
‫تأخر االسم وتقدَّ م اخلرب بطل عملها؛ كأن تقول‪( :‬ما ُممدٌ ٌ‬
‫طيب فإن َّ‬
‫أن يكون مبتدأ مقدَّ م‪ ،‬وُممد‪ :‬خرب متأخر‪ ،‬فَم ال تعمل ولو كانت حجازية‪ ،‬ومن ذلك قول‬
‫الشاعر‪:‬‬

‫ولكِ ْن إذا أ ْدع ْوهم فهـم هـم‬ ‫ـــــو ِمي‬


‫ْ‬ ‫ـــــذ ٌل ق‬
‫َّ‬ ‫ومـــــا خ‬
‫ــــــــــع لِ ِ‬
‫ــــــــــداٌع‪ ،‬فقدَّ م اخلرب فبطل إعَمل ما احلجازية‪.‬‬
‫يعنيلعقومي خ َّض‬ ‫فقال‪:‬ف(أ ْخ َّض ٌع ق ْو ِمي)‬
‫الرشط الثان‪ :‬أال تزاد إِ ْن قبل اسمها‪ ،‬أال تزاد والزيادة خروج عن األصل‪ ،‬أال تزاد إِ ْن قبل‬
‫إن الزائدة‪ ،‬فإن زيدت إِ ْن الزائدة بطل عملها‪ْ ،‬‬
‫وإن‬ ‫اسمها‪ ،‬قال ابن هشام‪( :‬ومل ْ يسبق بإِ ْن) يعني ْ‬
‫الزائدة جيوز أن تزاد بعد ما النافية‪.‬‬
‫‪262‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫مسافرا)‬ ‫مسافر) عند متيم‪ ،‬و(ما ُممدٌ‬ ‫مثال‪ُ( :‬ممدٌ مسافر) ِ‬


‫أدخل ما‪( :‬ما ُممدٌ‬ ‫فلو قلت ا‬
‫ا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مسافر) هذا زيادة مضطردة‬
‫ٌ‬ ‫عند احلجازيني‪ ،‬طيب ِزد إِ ْن وهي تزاد للتأكيد‪ ،‬تقول‪( :‬ما إِ ْن ُممدٌ‬
‫مسافر)‪ ،‬ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫جائزة‪( ،‬ما إِ ْن ُممدٌ‬

‫ــف ولكِـــ ْن أ ْنـــتم‬ ‫وال ِ‬


‫رصيـ ٌ‬ ‫بني غدانة مـا إِ ْن أنْـتم ذه ٌ‬
‫ـب‬
‫فعملها (ما‬
‫فعملتٌ‬ ‫أنتم ذه ابا) ثم زيدت إِ ْن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــ ْز‬
‫ذهب مبتدأ وخرب‪ ،‬دخلت ما (ما خ ْ‬
‫األصل‪ :‬أنتم ٌ‬
‫إِ ْن أنتم ٌ‬
‫ذهب)‪.‬‬

‫الرشط الثالث‪َّ :‬أال يتقدَّ م معمول خربها عىل اسمها‪.‬‬


‫الرشط األول‪ :‬أ َّملا يت َّقد اخلرب عىل االسم‪ ،‬الرشط الثالث‪ :‬ال اخلرب يف مكانه‪ ،‬لكن معمول‬
‫أيضا يف اختالف يف ترتيب اجلملة فبطل إعَمل ما‬
‫اخلرب الذي عمل فيه اخلرب تقدَّ م عىل االسم‪ ،‬ا‬
‫قال ابن هشام‪:‬‬
‫وجمرورا)‪.‬‬
‫ا‬ ‫(وال بمعمول اخلرب إال ظر افا أو ا‬
‫جارا‬
‫ٌ‬
‫مفعول به‬ ‫فإذا قلت ا‬
‫مثال‪ُ( :‬ممدٌ قارئٌ الكتاب) ُممدٌ ‪ :‬مبتدأ‪ ،‬وقارئٌ ‪ :‬اخلرب‪ ،‬والكتاب‪:‬‬
‫أدخل ما احلجازية‪( :‬ما ُممدٌ قارئاا الكتاب)‪ ،‬طب لو تقدَّ م‬‫لقارئٌ ؛ بمعنى يقرأ الكتاب‪ِ ،‬‬

‫الكتاب وهو معمول اخلرب عىل االسم فقلت‪( :‬ما الكتاب ُممدٌ قارئٌ ) لبطل عملها بسبب‬
‫اختالل الرتتيب‪.‬‬
‫وجمرورا) يعني لو كان املتقدي م شبه مجلة فإن ما يبقى عملها؛ ألن‬
‫ا‬ ‫قال‪( :‬إال ظر افا أو ا‬
‫جارا‬
‫تتوسع يف شبه اجلملة‪.‬‬
‫العرب َّ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪263‬‬

‫جالس عندي) ثم أدخلت "ما"‬ ‫ٌ‬ ‫جالس يف البيت)‪ ،‬أو (ُممدٌ‬


‫ٌ‬ ‫يعني لو قلت ا‬
‫مثال‪ُ( :‬ممدٌ‬
‫ِ‬
‫البيت ُممدٌ‬ ‫ِ‬
‫البيت)‪ ،‬لو قدَّ مت (يف البيت) ما بقي عملها تقول‪( :‬ما يف‬ ‫جالسا يف‬ ‫تقول‪( :‬ما ُممدٌ‬
‫ا‬
‫يتوسع فيها يف التقديم والتأخري‪.‬‬
‫جالسا)؛ ألن شبه اجلملة َّ‬
‫ا‬
‫بإال) كيف ِ‬
‫يقرتن‬ ‫بإال‪ ،‬قال ابن هشام‪( :‬وال اقرتن اخلرب َّ‬ ‫الرشط الرابع‪ :‬أال ِ‬
‫يقرتن خربها َّ‬
‫اخلرب َّ‬
‫بإال؟‬
‫أدخل "ما النافية" تقول‪( :‬ما ُممدٌ‬ ‫أنت تقول اآلن‪ُ( :‬ممدٌ شاعر) تثبت أو تنفي؟ تثبت‪ِ ،‬‬
‫ٌ‬
‫شاعر) أثبتت أو‬ ‫شاعرا)‪ ،‬ما معنى (ما ُممدٌ شاعرا)؟ تنفي الشعريية‪ِ ،‬‬
‫أدخل َّإال‪( :‬ما ُممدٌ َّإال‬
‫ٌ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫فإال نقضت نفي "ما"؛ ألن "ما" نفت الشاعرية‪ ،‬فلَم دخلت " َّإال"‬
‫نفيت الشاعرية؟ أثبتها َّ‬

‫أثبتت الشاعرية‪.‬‬
‫فيقولون‪ :‬األسلوب هنا أسلوب حرص ليس أسلوب نفي‪ ،‬لكن اخلالصة أن َّإال نقضت‬
‫شاعر)‪( ،‬ما ُممدٌ‬
‫ٌ‬ ‫نفي "ما" فلَم نقضت معناها نقضت عملها‪ ،‬فيجب أن تقول‪( :‬ما ُممدٌ َّإال‬
‫رسول‪ :‬مبتدأ وخرب‪ ،‬وما‪ :‬حرف نفي هامل‪َّ ،‬‬
‫وإال‪ :‬حرف حرص‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫َّإال ر ٌ‬
‫سول)؛ يعني ُممدٌ‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬وما أمرنا إِ َّال و ِ‬
‫احد ٌة [القمر‪.]50:‬‬ ‫ْ‬
‫ٍ‬
‫َشط واحد وهو أن "ما احلجازية" عملها‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن كل هذه الرشوط تعود إىل‬
‫ضعيف؛ ألنه باحلمل والتشبيه‪ ،‬فال تعمل يف اجلملة إال إذا جاءت عىل أصلها‪ ،‬فإذا َّ‬
‫اختل أصلها‬
‫ٍ‬
‫تأخري أو زيادة فإن عملها يبطل‪.‬‬ ‫بتقدي ٍم أو‬
‫احلرف الثان‪ :‬هو "ال النافية"‪.‬‬
‫واحلرف الثالث‪ :‬هو "الت"‪.‬‬
‫لكن الوقت ضاق فنؤخر ذلك إىل الدرس القادم مع أن الباقي قليل‪ ،‬لكن نؤخره إن شاء‬
‫وصل اَّلل وس َّلم عىل نبينا ُممد‪.‬‬
‫َّ‬ ‫خريا‪ ،‬واَّلل أعلم‪،‬‬
‫اَّلل‪ ،‬وجزاكم اَّلل ا‬
‫‪264‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫الدرس السابع‬

‫بسم اَّلل الرمحن الرحيم‪ ،‬احلمد َّلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله‬
‫وأصحابه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪...‬‬

‫فسالم اَّلل عليكم ورمحته وبركاته‪ ،‬وح َّياكم اَّلل وب َّياكم يف الدرس السابع من دروس َشح‬
‫الصدى] البن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ ،-‬ونحن يف ليلة األربعاء‪ ،‬السادس والعرشين‬ ‫[قطر الندى ي‬
‫وبل َّ‬
‫ٍ‬
‫وأربعَمئة وألف‪ ،‬يف جامع منرية شبييل يف حي الفالح‬ ‫من مجادى اآلخرة‪ ،‬من سنة تس ٍع وثالثني‬
‫يف مدينة الرياض‪.‬‬
‫يف الدرس املايض يا إخوان كنا تك َّلمنا عىل كان وأخواهتا وهي أول النواسخ‪ ،‬يف هذا‬
‫ظن وأخواهتا‪ ،‬لكن‬ ‫الدرس إن شاء اَّلل سنتك َّلم عىل بقية النواسخ يعني عىل َّ‬
‫إن وأخواهتا‪ ،‬وعىل َّ‬
‫يف أول الدرس سنكمل بقي اة قليلة بقيت من [باب كان وأخواهتا]‪.‬‬
‫بعد أن انتهينا من األفعال التي تعمل عمل كان‪ ،‬ذكرنا أن هناك حروف نفي تعمل عمل‬
‫كان‪ ،‬أو كَم يقولون‪ :‬تعمل عمل ليس‪ ،‬وهي‪( :‬ما‪ ،‬وال‪ ،‬والت)‪ ،‬فتك َّلمنا عىل "ما احلجازية"‬
‫وانتهينا من ذلك‪ ،‬بقي الكالم عىل "ال النافية"‪ ،‬و"الت النافية" العاملتني عمل "ليس"‪،‬‬
‫فنبدأ الدرس بالكالم عليهَم بإذن اَّلل تعاىل‪.‬‬
‫ففي "ال النافية" العاملة عمل "ليس" قال ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪" :-‬‬
‫الشع ِر بِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫رشط تنْك ِري م ْعمول ْيها ْ‬
‫نحو‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫"وكذا ال النَّافية يف ي ْ‬
‫وال وز ٌر ِممَّــا قىضــ اَّلل واقيــ اا‬ ‫ض ِ‬
‫باقيـ اا‬ ‫تعزَّ فال يش ٌء عىل األْ ْر ِ‬
‫فذكر ‪-‬ر ِمحه اَّلل تعاىل‪ -‬أن‪:‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪265‬‬

‫أيضا قد تعمل عند احلجازيني عمل "ليس" وهي تعمل عمل "ليس"‬
‫■ "ال النافية" ا‬
‫عند احلجازيني بنفس الرشوط التي ذكرناها لــ "ما احلجازية"‪.‬‬
‫إذن فللعرب فيها كذلك مذهبان‪:‬‬
‫ا‬
‫هامال فال يعملونه عمل‬ ‫وأكثر العرب ومتيم جيعلون "ال النافية" عىل أصلها حر افا‬
‫ناجح) فريفعون بعده املبتدأ وخربه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫"ليس"؛ يعني يقولون‪( :‬ال املهمل‬
‫ناجحا) فال نافي ٌة عامل ٌة‬
‫ا‬ ‫وأما احلجازيون فإهنم يعملونه عمل "ليس" فيقولون‪( :‬ال املهمل‬
‫عمل ليس‪ ،‬واملهمل‪ :‬اسمها مرفوع‪ ،‬وناج ايا‪ :‬خربها منصوب‪.‬‬
‫ناجحا)‪ ،‬ومن ذلك البيت الذي ذكره ابن هشام‪:‬‬‫ا‬ ‫ٌ‬
‫مهمل‬ ‫أيضا‪( :‬ال‬
‫ويقولون ا‬
‫وال وز ٌر ِممَّــــا قىضــــ اَّلل و ِاق ايــــا‬ ‫ضب ِ‬
‫اق ايــا‬ ‫يش ٌء عــىل ْاأل ْر ِ‬
‫تعــزَّ فــال ْ‬
‫وزر‪،‬‬
‫أيضا اسمها ٌ‬
‫ت خربها باق ايا‪ ،‬وال يف الشطر الثان ا‬
‫يش ٌء ونصب ْ‬
‫ت ْاسمها ْ‬
‫فال رفع ْ‬
‫ونصبت خربها واق ايا‪.‬‬
‫أيضا قول الشاعر‪:‬‬ ‫ومن ذلك ا‬
‫فب يوئْت ِح ْصـناا بِـالكَم ِة ح ِصـ ْينا‬ ‫ـــري‬
‫بغ ْ‬
‫ِ‬
‫رصـــتك إِ ْذ ال صـــاح ٌ‬
‫ن ْ‬
‫ل‬ ‫ِ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــاذ ٍ‬
‫احب غري خ ِ‬ ‫ِ‬ ‫خـ‬
‫فصاحب‪ :‬اسمها مرفوع‪ ،‬وغري‪ :‬خربها منصوب‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫اذ ٍل)‬ ‫فقال‪( :‬ال ص ٌ ْ‬
‫عملها عمل "ليس" احلجازيون‪،‬‬ ‫إال أن إعَمل احلجازيني إياها عمل "ليس" قليل‪ ،‬إنَم ي ِ‬

‫ومع ذلك فإن إعَمهلم إياها قليل؛ يعني ليس كإعَمهلم "ما النافية" فهي تعمل عندهم عمل‬
‫ليس باضطراد‪ ،‬أما إعَمل "ال" عند احلجازيني فهو قليل‪.‬‬
‫راسب) فهذه مهملة عند اجلميع؛ ألن نفيها انتقد‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مهمل إال‬ ‫بخالف ما لو قلت ا‬
‫مثال‪( :‬ال‬
‫ٌ‬
‫مهمل ناج ٌح) فقدَّ مت اخلرب‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫مهمل) تريد (ال‬ ‫ناجح‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫بإال كَم يف "ما احلجازية"‪ ،‬لو قلت‪( :‬ال‬
‫فأيضا بطل عمل ال عند اجلميع‪.‬‬
‫ا‬
‫‪266‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫مذكورا يف "ما‬
‫ا‬ ‫ٌ‬
‫َشط إضايف ليس‬ ‫إال أنه يشرتط يف "ال النافية" العاملة عمل ليس‬
‫نص عليه ابن هشا ٍم هنا‪ ،‬وهو كون اسمها وخربها نكرتني فقال‪:‬‬
‫احلجازية" وهو الرشط الذي َّ‬
‫ناجحا)‪.‬‬
‫ا‬ ‫ٌ‬
‫مهمل‬ ‫(برشط تنكري معمول ْيها) نحو‪( :‬ال‬
‫أيضا جيعلون عمل "ال النافية"‬ ‫ويف كالم ابن هشام السابق ويف كالم ٍ‬
‫كثري من النحويني ا‬
‫خاصا بالشعر؛ يعني من رضائر الشعر أو من رضورات الشعر‪ ،‬وهلذا قال ابن‬
‫عمل "ليس" ا‬
‫أيضا يف النثر وإن كان ا‬
‫قليال‪.‬‬ ‫آت ا‬‫الشعر) ومع ذلك نقل بعض النحويني أن هذا ِ‬
‫ِ‬ ‫هشام‪( :‬يف‬
‫النص عليها يف الكالم عىل "ال النافية للجنس" وإعَمهلا‪ ،‬وهي‪ :‬أن‬
‫وهنا مسألة ينبغي ُّ‬
‫كثريا ما حيذفون خربها‪ ،‬احلذف ليس واج ابا إال أنه كثري‪ ،‬ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬ ‫العرب ا‬
‫فأنــا ا ْبــن قــ ْي ٍ‬
‫س ال بــراح‬ ‫ــن نِ ْري ِاهنـــا‬
‫ــن صـــدَّ عـ ْ‬
‫مـ ْ‬
‫فرباح اسمها‪ ،‬واخلرب ُمذوف ونحو ذلك‪ ،‬فهذا ما يتع َّلق بإعَمل "ال‬
‫ٌ‬ ‫براح يل‪،‬‬
‫يعني ال ٌ‬
‫النافية" عمل "ليس"‪.‬‬
‫■ وأما احلرف الثالث النايف العامل عمل "ليس"‪ :‬فهو "الت النافية"‪ ،‬ويف ذلك قال ابن‬
‫هشام‪:‬‬
‫جيمع ب ْني جزنء ْهيا‪ ،‬والغالِب ح ْذف امل ْرفو ِع ن ْحو‪﴿ :‬والت ِحني‬
‫لكن يف احلني‪ ،‬وال ْ‬
‫"والت ْ‬
‫من ٍ‬
‫اص [ص‪."]3:‬‬
‫"الت" هي "ال النافية" ولكنها أنيست بالتاء شذو اذا‪ ،‬قلنا‪ :‬إن تأنيسها بالتاء شذو اذا؛ ألن‬
‫تاء التأنيث إنَم تدخل عىل األسَمء؛ كقائم وقائمة‪ ،‬إال أن التأنيث جاء شذو اذا يف بعض‬
‫احلروف؛ كــ (ال والت‪ ،‬وث َّم وث َّمت) فهذا شاذ‪ ،‬فالت هي ال ولكن أنيست بالتاء شذو اذا‬
‫فاختلف حكمها كَم ذكر ابن هشام هنا‪.‬‬
‫فإعَمهلا واجب ليس كال إعَمهلا قليل‪ ،‬بل إعَمهلا واجب ولكن برشطني ذكرمها ابن هشام‪:‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪267‬‬

‫(لكن يف احلني)‪ ،‬ما معنى اشرتط‬


‫ْ‬ ‫الرشط األول‪ :‬أن يكون اسمها احلني‪ ،‬قال ابن هشام‪:‬‬
‫كون اسمها احلني؟‬
‫قيل‪ :‬املراد هذا اللفظ بالذات‪ ،‬لفظ احلني‪.‬‬
‫عموما‪.‬‬
‫ا‬ ‫قيل‪ :‬بل املراد أسَمء الزمان‬
‫نص عىل أن "الت" ال تعمل إال يف احلني؛‬
‫بأن هذه العبارة ورادة يف كالم سيبويه‪ ،‬إذ َّ‬
‫فبعضهم ِ‬
‫فهم من ذلك أهنا ال تعمل إال يف هذا اللفظ فقط‪.‬‬
‫عموما؛ ألن احلني بمعنى الزمان‪.‬‬
‫ا‬ ‫وبعضهم ِ‬
‫فهم أن مراده أهنا تعمل يف أسَمء الزمان‬
‫وربَم كان الثان هو األقرب؛ لورود شواهد عىل إعَمل الت يف أسَمء الزمان غري لفظ احلني‬
‫كَم سيأيت‪.‬‬
‫رصح‬
‫رصح بمعموليها‪ ،‬معموالها يعني اسمها وخربها‪ ،‬فالرشط‪ :‬أال ي َّ‬
‫والرشط الثان‪ :‬أال ي َّ‬
‫هبَم بل ال بدَّ أن حيذف أحدمها‪.‬‬
‫واألكثر والغالب كَم قال ابن هشام‪( :‬حذف املرفوع) يعني حذف اسمها وبقاء خربها؛‬
‫اص [ص‪ ]3:‬الت‪ :‬حرف نفس بمعنى ليس‪ ،‬وحني‪ :‬اسم‬ ‫كقوله تعاىل‪﴿ :‬والت ِحني من ٍ‬

‫زمان بمعنى وقت‪ ،‬ومناص‪ :‬بمعنى فرار؛ يعني ليس الوقت وقت فرار؛ ﴿والت ِحني‬
‫من ٍ‬
‫اص [ص‪ ]3:‬يعني ليس الوقت وقت فرار‪ ،‬فحذف اسمها الوقت‪ ،‬وأبقى خربها املنصوب‬
‫حني مناص‪.‬‬
‫ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬
‫والبغــي مرتــع مبتغيـ ِ‬
‫ـه وخــيم‬ ‫ن ِدم البغاة والت سـاعة منْـد ٍم‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫فعمل هنا يف لفظ ساعة‪ ،‬فقال‪:‬‬‫وهذا من الشواهد عىل أن "الت" تعمل يف غري لفظ احلني‪ِ ،‬‬

‫(ن ِدم البغاة والت ساعة منْد ٍم)؛ أي ندم البغاة وليس الوقت وقت ندم‪ ،‬وليست الساعة هذه‬
‫ساعة ندم‪.‬‬
‫‪268‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫وقد يكون املحذوف اخلرب املنصوب فيبقى االسم املرفوع وهذا قليل‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬القراءة‬
‫اص [ص‪﴿ ،]3:‬والت ِحني يعني اسمها‪ ،‬واخلرب‬ ‫الواردة يف اآلية السابقة‪﴿ :‬والت ِحني من ٍ‬
‫مناص هلم‪ ،‬يعني ليس وقت ٍ‬
‫فرار هلم‪ ،‬فحذف اخلرب وهو "هلم"‬ ‫ٍ‬ ‫ُمذوف يعني والت حني‬
‫ورصح باالسم وهو "حني"‪ ،‬فهذا ما يتع َّلق ببقية باب كان وأخواهتا‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ ‬لننتقل إىل الناسخ الثان وهو‪ :‬إن وأخواهتا وما يعمل عملها‪ ،‬وقد ذكر فيه ابن هشام ‪-‬‬
‫باعا عىل ترتيب ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل تعاىل‪.-‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رمحه اَّلل‪ -‬مسائل عدَّ ة سنأيت عليها ت ا‬
‫فأول مسألة ذكرها‪ :‬الكالم عىل ألفاظ هذا الباب ومعانيها‪ ،‬فقال ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪( :-‬الثان)‬
‫يعني الناسخ الثان‪.‬‬
‫تشبِ ِيه أو ال َّظ ين‪ ،‬ول ْيت لِلتَّمنيي‪ ،‬ولع ْل‬
‫اك‪ ،‬وكأ َّن لِ َّل ْ‬
‫يد‪ ،‬ولكِن لِالستِدْ ر ِ‬
‫َّ ْ‬
‫"ال َّث ِان إِ َّن وأ َّن لِلت َّْأكِ ِ‬

‫يل"‪.‬‬ ‫اق أو ال َّت ْعلِ ِ‬


‫إل ْشف ِ‬ ‫لِ َّ‬
‫لرت يج ِي أو ا ِ‬

‫وبني معانيها؛‬
‫فذكر أن هذا الباب يتكون يف األصل من ستة أحرف ذكرها َّ‬
‫وأن)‪ ،‬السؤال‪ :‬ما معنامها؟ اجلواب من كالم ابن هشام‪:‬‬
‫إن َّ‬
‫فاحلرف األول واحلرف الثان‪َّ ( :‬‬
‫كثريا ما يذكر يف الكتب‬
‫معنامها‪ :‬التأكيد أو التوكيد‪ ،‬طب ما معنى التأكيد أو التوكيد؟ هذا ا‬
‫يقول‪ :‬معنى هذه الكلمة التوكيد أو التأكيد؟‬
‫فنقول‪ :‬التوكيد أو التأكيد نوعان‪:‬‬
‫‪ -‬هناك توكيدٌ بالغي‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك توكيدٌ نحوي‪.‬‬
‫فالتوكيد النحوي هو الذي يدرس يف [باب التوكيد] من التوابع وسيأيت‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫لفظي بتكرار اللفظ؛ كـ (جاء ُممدٌ ُممدٌ )‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫‪ -‬إما‬
‫َّفس والعني؛ كقولك‪( :‬جاء ُممدٌ نفسه)‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بألفاظ معينة؛ كالن ِ‬ ‫‪ -‬أو معنوي‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪269‬‬

‫هذا يسمى التأكيد املعنوي‪.‬‬


‫وأما التأكيد البالغي فهو أشمل من ذلك‪ ،‬فيشمل التوكيد النحوي الذي َشحناه ويشمل‬
‫ٍ‬
‫كلمة معنى؛‬ ‫غريه عىل معنى أن األصل أن يكون لكل‬
‫فإذا ذكرت هذه الكلمة ف ِهم هذا املعنى‪.‬‬
‫وإذا حذفت هذه الكلمة ذهب معها معناها‪.‬‬
‫حارض) خت ِرب عن ُممد باحلضور‪ ،‬فإذا قلت‪( :‬هل‬
‫ٌ‬ ‫هذا األصل يف الكالم‪ ،‬فإذا قلت‪ُ( :‬ممدٌ‬
‫حارض؟) نفس املعنى السابق أو اختلف؟ اختلف‪ ،‬أدخلت معنى االستفهام؛ (هل ُممدٌ‬
‫ٌ‬ ‫ُممدٌ‬
‫حارض) يذهب االستفهام‪ ،‬هذا األصل أن كل كلمة هلا معنى؛‬
‫ٌ‬ ‫حارض؟) احذف هل‪ُ( :‬ممدٌ‬
‫ٌ‬
‫‪ -‬إذا ذكرت هذه الكلمة ف ِهم هذا املعنى‪.‬‬
‫‪ -‬وإذا حذفت ذهب معها هذا املعنى‪.‬‬
‫تقوي املعنى املفهوم قبل ِذكرها‪ ،‬ال‬ ‫ٍ‬
‫بمعان جديدة وإنَم ي‬ ‫إال أن هناك ألفا اظا يف اللغة ال تأيت‬
‫تقوي وحت يقق وتؤكيد املعنى‬ ‫يتغري هو املعنى السابق ا‬
‫إمجاال‪ ،‬ولكنها ي‬ ‫تأيت بمعناى جديد‪ ،‬املعنى ما َّ‬
‫حارض) يعني أخربنا عن ُممد باحلضور‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫السابق قبل ِذكرها؛ كاملثال السابق (ُممدٌ‬
‫حارض) مل نأيت بمعناى جديد‪ ،‬هو نفس املعنى السابق اإلخبار عن ُممد‬
‫ٌ‬ ‫(إن ُممدا ا‬
‫َّ‬
‫باحلضور‪ ،‬لكن قو َّينا هذا املعنى وأكدناه وح َّققناه‪.‬‬
‫حارض) أثبت احلضور أم نفيت احلضور عن‬
‫ٌ‬ ‫حارض)‪( :‬ليت ُممدا ا‬
‫ٌ‬ ‫لكن لو قلت يف (ُممدٌ‬
‫حارض‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫حارض) يعني ليس‬
‫ٌ‬ ‫ُممد؟ نفيت‪ ،‬تنفي احلضور عن ُممد وتتمناه تقول‪( :‬ليت ُممدا ا‬
‫تغري املعنى والعكس‪،‬‬
‫حارض) َّ‬
‫ٌ‬ ‫فدخل معنى التمنيي الدال عىل النفي‪ ،‬وإذا حذفت ليت (ُممدٌ‬
‫صار إثبات احلضور وذهب معنى التمنيي‪ ،‬فليت ليست للتوكيد‪" ،‬ليت" هلا معناى خاص هبا‪.‬‬
‫‪270‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫وأن" فليس هلَم معناى خاص يأيت معهَم ويذهب بزواهلَم‪ ،‬وإنَم املعنى هو‬
‫إن َّ‬
‫بخالف " َّ‬
‫املعنى قبل دخوهلَم‪ ،‬فيدخالن لتقوية املعنى السابق وتأكيده وحتقيقه‪ ،‬فهذا هو املراد بالتأكيد يف‬
‫وأن)‪.‬‬
‫(إن َّ‬
‫كل ما يقال فيه‪ :‬إن معناه وفائدته التوكيد كــ َّ‬
‫حارض) ثم نقول‪( :‬ملحمدٌ‬
‫ٌ‬ ‫وكذلك "الم التوكيد" أو "الم االبتداء" كَم يف قولنا‪ُ( :‬ممدٌ‬
‫أيضا هذا حرف توكيد وهكذا؛ فهذا املراد بالتأكيد‪.‬‬
‫حارض) ا‬
‫ٌ‬
‫خالف بني‬
‫ٌ‬ ‫حرف واحد؟‬
‫ٌ‬ ‫وأن هل مها حرفان أم‬ ‫أيضا يتع َّلق َّ‬
‫بإن َّ‬ ‫ٌ‬
‫سؤال آخر ا‬ ‫هناك‬
‫النحويني؛‬
‫حرف واحد تفتح مهزته يف مواضع وتكرس يف مواضع‪ ،‬وعىل ذلك أكثر املتقدي مني‬
‫ٌ‬ ‫فقيل‪:‬‬
‫فلهذا يعدُّ ون أحرف هذا الباب مخسة‪ ،‬ويسمون الباب [باب األحرف اخلمسة] كَم ذكر‬
‫سيبويه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬مها حرفان ا‬
‫أخذا بالظاهر‪ ،‬فلهذا يعدُّ ون أحرف هذا الباب ستة‪.‬‬
‫وأن‪.‬‬
‫إن َّ‬ ‫واخلالف هنا ليس خال افا ا‬
‫كبريا‪ ،‬انتهينا من َّ‬
‫لكن"‪ ،‬ما معناها؟ ذكر ابن هشام أن معناها االستدراك‪،‬‬
‫ننتقل إىل احلرف الثالث وهو‪َّ " :‬‬
‫توه ٍم يتو َّلد من كال ٍم سابق‪ ،‬يعني ال بدَّ أن يكون هناك كال ٌم‬
‫ما معنى االستدراك؟ هو رفع ُّ‬
‫التوهم‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫لكن لدفع هذا‬ ‫سابق‪ ،‬هذا الكالم السابق قد يتو َّلد منه ُّ‬
‫توهم فتأيت َّ‬
‫شجاع) فيتبادر وي ِ‬
‫رسع إىل الذهن بَم أنه شجاع أنه كريم؛ ألن‬ ‫ٌ‬ ‫مثال ذلك‪ :‬أن تقول‪ُ( :‬ممدٌ‬
‫ِ‬
‫فتستدرك وتقول‪ُ( :‬ممدٌ شجاع لكنه بخيل)‪ ،‬فاستدركت لتدفع‬ ‫األصل يف ُّ‬
‫الشجعان الكرم‪،‬‬
‫التوهم الذي قد يفهم من الكالم السابق‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ذكي) قد يفهم من ذلك أنه‬
‫ٌّ‬ ‫ذكي لكنه كسول)‪ُ( ،‬ممدٌ‬
‫ٌّ‬ ‫فتقول‪ُ( :‬ممدٌ جمتهدٌ ) أو (ُممدٌ‬
‫جمتهد‪ ،‬بَم أنه ذكي فهو جمتهد‪ ،‬فتقول‪( :‬لكنه كسول) يعني مل ِ‬
‫يستفد من ذكائه وهكذا‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪271‬‬

‫كأن" ما معناها؟ ذكر ابن هشام هلا معنيني؛ ومها‪ :‬التشبيه والظن؛‬
‫واحلرف الرابع‪َّ " :‬‬
‫قمر)‪.‬‬
‫(كأن زيدا ا أشدٌ )‪ ،‬و(كأن هندا ا ٌ‬
‫َّ‬ ‫أما التشبيه فواضح؛ كأن تقول‪:‬‬
‫مسافر) أنت هنا ال تريد حقيقة التشبيه بالسفر‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وأما الظن قالوا‪ :‬مثل أن يقال‪( :‬كأن زيدا ا‬
‫مسافر)‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وإنَم تبدي عدم التأكُّد من سفره‪ ،‬فتقول‪( :‬كأن زيدا ا‬
‫لكن" والذي عليه أكثر النحويني‪:‬‬ ‫وهذا املعنى وهو الظن خمتل ٌ‬
‫ف يف إثباته هلذا احلرف " َّ‬
‫مسافر) أنت تش يبهه‬
‫ٌ‬ ‫(كأن زيدا ا‬
‫َّ‬ ‫عدم إثبات هذا املعنى وإرجاعه إىل معنى الظن‪ ،‬وإذا قلت‪:‬‬
‫باملسافر لكن من باب الظن ال من باب اليقني؛ يعني أن التشبيه‪:‬‬
‫تشبيها متأكَّدا ا منه؛ (كأن زيدا ا أسدٌ )‪.‬‬
‫ا‬ ‫قد يكون‬
‫مسافر)‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫متأكد منه‪ ،‬فتقول‪( :‬كأن زيدا ا‬ ‫تشبيها غري‬ ‫وقد يكون التشبيه‬
‫ٌ‬ ‫ا‬
‫فيعيدون الجميع إلى التشبيه مع ا ِّتفاقهم على َّ‬
‫صحة جميع هذه األمثلة واألساليب‪.‬‬
‫ثم ننتقل إىل احلرف اخلامس وهو‪" :‬ليت"‪ ،‬فَمذا ذكر ابن هشام يف معناها؟ قال‪ :‬معناها‬
‫التمنيي‪ ،‬وهنا لبس وقع فيه بعض املعارصين وهو عدم التفريق بني التمنيي بلفظ التمنيي‪ ،‬وبني‬
‫التمنيي بلفظ ليت؛‬
‫التمنيي بلفظ التمنيي أن تقول‪ :‬أمتنَّى كذا (ُممد يتمنَّى كذا)‪.‬‬
‫حي)‪.‬‬
‫وأما التمنيي بليت فكأن تقول‪( :‬ليت أخي ٌّ‬
‫فالتمنيي بلفظ التمنيي يكون لطلب اليشء ممكناا كان أو غري ممكن‪ ،‬تقول‪( :‬أمتنَّى لك اخلري)‪،‬‬
‫و(أمتنَّى اجلنَّة)‪ ،‬و(إذا متنَّى اإلنسان عىل ر يبه فليعظِم األمنية)‪ ،‬وواضح أن هذه األشياء يف األمور‬
‫املمكنة‪.‬‬
‫وأما إذا كان التمنيي بــ "ليت" فهو الذي يكون يف طلب األشياء املستحيلة أو العسرية؛‬
‫حي)‪.‬‬
‫فاملستحيلة كقولك‪( :‬ليت الشباب عائدٌ )‪ ،‬و(ليت ُممدا ا ٌّ‬
‫‪272‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ماال فأنفق‬ ‫ِ‬


‫املغرتب)‪ ،‬أو (ليت يل ا‬ ‫واألشياء العسرية كأن تقول ا‬
‫مثال‪( :‬ليتني أسافر إىل أخي‬
‫ٍ‬
‫بطرق سهلة‪.‬‬ ‫عىل املحتاجني)‪ ،‬ونحو ذلك من األشياء العسرية التي ال تأيت‬
‫ا‬
‫مستحيال‬ ‫جالس) وهو واقف؛ ألن جلوسه ليس صع ابا وال‬
‫ٌ‬ ‫لكن ما تقول ا‬
‫مثال‪( :‬ليت ُممدا ا‬
‫ونحو ذاك‪ ،‬فننتبه إىل هذا؛ ألنه انترش مقطع يقول‪ :‬إن متنيي املمكن خطأ وحلن‪ ،‬وال تقل‪( :‬أمتنَّى‬
‫لك اخلري)‪ ،‬ولكن استعمل يف ذلك الرجاء أرجو‪ ،‬وهذا ليس بصحيح‪.‬‬
‫أما الرجاء فهو الذي ال يكون إال يف املمكنات‪( ،‬أرجو لك اخلري)‪( ،‬أرجو أن يزورنا ُممد)‬
‫وال يكون يف املستحيل‪ ،‬ال تقول‪( :‬أرجو أن حييا أخي)‪ ،‬أو (أرجو أن يعود الشباب)‪ ،‬الرجاء ال‬
‫يكون إال يف املمكن‪ ،‬ال يكون يف املستحيل‪.‬‬
‫ثم ننتقل إىل احلرف السادس ‪-‬وهو األخري‪َّ " :-‬‬
‫لعل"‪ ،‬وذكر ابن هشام له ثالثة معان‬
‫وهي‪ :‬الرتجي‪ ،‬واإلشفاق‪ ،‬والتعليل؛‬
‫َّ‬
‫و(لعل املجاهد ينترص)‪،‬‬ ‫فالرتجي‪ :‬يكون يف األمور املحبوبة؛ كقولك‪َّ :‬‬
‫(لعل اَّلل يرمحنا)‪،‬‬ ‫ي‬
‫َّ‬
‫و(لعل االختبار سهل)‪.‬‬ ‫َّ‬
‫و(لعل الغداء جاهز)‪،‬‬ ‫َّ‬
‫و(لعل زيدا ا ينجح)‪،‬‬
‫َّ‬
‫(لعل‬ ‫َّ‬
‫(لعل العدو قادم)‪ ،‬أو‬ ‫واإلشفاق‪ :‬يف األمور املكروهة غري املحبوبة؛ كقولك‪:‬‬
‫صعب)‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫االختبار‬
‫وأما التعليل‪ :‬فم َّثلوا له بنحو قولك‪( :‬جئتك لع َّلك ترشح يل) يعني جئتك كي ترشح يل‪.‬‬
‫أيضا‪ ،‬واجلمهور ال يثبتونه‬ ‫ٌ‬
‫خمتلف فيه ا‬ ‫وإثبات هذا املعنى معنى التعليل لــ " َّ‬
‫لعل"‬
‫الرتجي أو اإلشفاق‪ ،‬ويف هذا املثال‪( :‬جئتك لع َّلك ترشح يل) يقولون‪ :‬هذا‬
‫ي‬ ‫ويعيدونه إىل معنى‬
‫للرتجي؛ يعني جئتك رجاء أن ترشح يل‪.‬‬
‫ي‬
‫لعل" للتعليل‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬فقوال له ق ْو اال ل ييناا لع َّله يتذكَّر أ ْو‬
‫ومما استدلوا به عىل جميء " َّ‬
‫ْ‬
‫خيشى [طه‪ ]44:‬قالوا‪ :‬بمعنى كي يتذكَّر‪ ،‬واجلمهور محلوا ذلك عىل الرجاء قالوا‪ :‬املعنى‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪273‬‬

‫فقوال له ا‬
‫قوال ل ييناا رجاء أن يتذكَّر أو خيشى‪ ،‬فليس هناك شاهد قاطع عىل معنى التعليل‪ ،‬وإن‬
‫كان هناك تقارب بني معنى الرجاء ومعنى التعليل‪ ،‬ولكنه ليس معناى مستقل بنفسه‪.‬‬
‫فهذه املسألة األوىل يف هذا الباب‪.‬‬
‫‪ ‬لننتقل إىل املسألة الثانية؛ وهي الكالم عىل عمل هذه األحرف ويف ذلك يقول ابن هشام‪:‬‬
‫"فين ِْص ْبن امل ْبتدأ اس اَم هل نن‪ ،‬وي ْرف ْعن ْ‬
‫اخلرب خرب اا هل َّن"‪.‬‬
‫احلا م ْرس ٌل ِم ْن‬
‫هذا واضح؛ كقوله تعاىل‪﴿ :‬إِ َّن اَّللَّ غفور ر ِحيم [النور‪﴿ ،]5:‬أتعلمون أ َّن ص اِ‬
‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ر يب ِه [األعراف‪ ]75:‬فتدخل عىل اجلملة فتنسخ العامل السابق وهو االبتداء‪ ،‬ثم تعمل هي‬
‫خربا هلا‪.‬‬
‫سمى ا‬‫اسَم هلا‪ ،‬وترفع ما كان خرب املبتدأ وي َّ‬
‫فتنصب املبتدأ ويسمى ا‬
‫مسألة أخرى‪ :‬وهي زيادة ما بعد هذه األحرف‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ‬ثم انتقل إىل‬
‫قال فيه ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬
‫احدٌ [النساء‪ ]171:‬إِ َّال ل ْيت فيجوز فيها‬ ‫‪" :‬إِ ْن مل ت ْق ِرت ْن ِهبن ما احلرفِية‪ ،‬نحو‪﴿ :‬إِنََّم اَّللَّ إِله و ِ‬
‫ٌ‬ ‫ْ َّ ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫كإن املكْسور ِة خم َّفف اة"‪.‬‬ ‫ان‪ِ ،‬‬‫األ ْمر ِ‬

‫قائم)‬
‫(إن ُممدا ا ٌ‬
‫الكالم هنا عىل هذه األحرف إذا زيدت بعدها ما احلرفية؛ يعني لو قلت‪َّ :‬‬
‫قائم) فسيختلف احلكم‪ ،‬ما الذي‬ ‫(إنَم زيدٌ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫لوجب اإلعَمل‪ ،‬وإذا زدت بعدها ما فقلت‪َّ :‬‬
‫اختلف؟ هو ما ذكره ابن هشام هنا من أن عملها يبطل‪ ،‬يلغى‪ ،‬يزول؛ يعني تعود أحر افا مهملة‬
‫وخرب مرفوع‪.‬‬ ‫مبتدأ مرفوع‬‫ٌ‬ ‫ال عمل هلا‪ ،‬وما بعدها‬
‫ٌ‬
‫خرب مرفوع‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يف قوله تعاىل‪﴿ :‬أنََّم إهلك ْم إل ٌه واحدٌ [الكهف‪ ،]110:‬إهلكم‪ :‬مبتدأ مرفوع‪ ،‬إل ٌه‪ٌ :‬‬
‫إن وهذه ما الزائدة احلرفية التي ك َّفت َّ‬
‫إن عن العمل‪ ،‬واملعربون خيترصون ذلك‬ ‫وإنَم هذه َّ‬
‫كاف ومكفوف‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬إنَم ٌ‬
‫‪274‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ومن ذلك‪ :‬قوله‪﴿ :‬إِنََّم إِهلكم اَّللَّ [طه‪ ،]98:‬وتقول‪( :‬لع َّلَم الغداء جاهزٌ )‪ ،‬وتقول‪( :‬كأنَم‬
‫زيدٌ أسدٌ ) وهكذا‪.‬‬
‫قال‪( :‬إِ َّال ليت) فإذا دخلت عليها ما الزائدة فقلت‪( :‬ليتَم) جاز فيها اإلعَمل وهو األكثر‪،‬‬
‫وجاز فيها اإلمهال؛ ألهنَم مسموعان عن العرب كَم يف قول الشاعر‪:‬‬
‫إِىل محامتِنــا‪ ،‬أو نِصــفه فق ِ‬
‫ــد‬ ‫قالت‪ :‬أال ل ْيتَم هذا احلَمم لنـا‬
‫ْ‬

‫وجاء يف رواية‪:‬‬
‫إِىل محامتِنــا‪ ،‬أو نِصــفه فق ِ‬
‫ــد‬ ‫قالت‪ :‬أال ل ْيتَم هذا احلَمم لنـا‬
‫ْ‬
‫فليتَم اتصلت هبا "ما" الزائدة وهذا اسمها يف ُمل نصب‪ ،‬واحلَممة‪ :‬بدل من هذا‬
‫منصوب‪ ،‬ولنا‪ :‬اخلرب‪ ،‬األصل‪( :‬احلَمم لنا)‪ ،‬ثم دخل اسم اإلشارة‪( :‬هذا احلَمم لنا)‪ ،‬ثم دخلت‬
‫ليت‪( :‬ليت هذا احلَمم لنا)‪ ،‬ثم زيدت ما (ليتَم هذا احلَمم لنا) فإذا أدخلت ما‪:‬‬
‫جاز اإلعَمل؛ (ليتَم هذا احلَمم لنا)‪.‬‬
‫واإلمهال؛ (ليتَم هذا احلَمم لنا)‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬ملاذا بطل عملها عندما زيدت بعدها ما احلرفية؟ ملاذا أبطل العرب عملها‬
‫حينئذ؟‬
‫اجلواب عن ذلك‪ :‬أن هذه األحرف إذا زيد بعدها ما احلرفية يزول اختصاصها باألسَمء‪ ،‬ما‬
‫أيضا؛‬
‫معنى يزول اختصاصها باألسَمء؟ تدخل عىل األسَمء وتدخل عىل األفعال ا‬
‫قائم) فتدخل االسم‪.‬‬
‫تقول‪( :‬إنَم ُممدٌ ٌ‬
‫وتقول‪( :‬إنَم قام ُممدٌ ) فتدخل عىل الفعل‪.‬‬
‫(إن قام‬
‫قائم)‪ ،‬ما تقول‪َّ :‬‬ ‫أما إذا مل تزد بعدها "ما احلرفية" فإهنا خمتَّص ٌة باألسَمء َّ‬
‫(إن زيدا ا ٌ‬
‫زيدٌ ) وقد ذكرنا من قبل يف أكثر من مناسبة أن األصل يف إعَمل احلروف أن ينظر إىل‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪275‬‬

‫َّصة بالدخول عىل األسَمء‪ ،‬أو خمت ا‬


‫َّصة بالدخول عىل األفعال فاألصل‬ ‫اختصاصها؛ فإن كانت خمت ا‬
‫فيها أن تعمل؛ كحروف اجلر خاصة بالدخول عىل األسَمء عملت اجلر يف األسَمء‪ ،‬ومصل‬
‫نواصب املضارع خاصة بالدخول عىل املضارع فعملت النصب‪.‬‬
‫وإن كانت مشرتكة تدخل عىل القبيلني األسَمء واألفعال فاألصل فيها أهنا ما تعمل تكون‬
‫قائم؟)‪( ،‬هل قام ُممدٌ ؟)‪.‬‬
‫مهملة مثل‪ :‬هل (هل ُممدٌ ٌ‬
‫حرف مشرتك يدخل‬
‫ٌ‬ ‫وهلذا قلنا يف "ما احلجازية النافية" األصل فيها أهنا ما تعمل؛ ألهنا‬
‫عىل األسَمء واألفعال‪ ،‬وهكذا أبقاها أكثر العرب‪ ،‬احلجازيون هم الذين أعملوها خالف‬
‫األصل‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬عندما بطل اختصاصها باألسَمء بطل إعَمهلا هذا مقبول‪.‬‬
‫وليت ملاذا بقي فيها اإلعَمل وهو األكثر مع دخول ما الزائدة عليها؟‬
‫اجلواب عن ذلك‪ :‬لعدم زوال اختصاصها باألسَمء‪ ،‬ليت ولو دخلت عليها ما ال يزول‬
‫قائم)‪ ،‬وال تقول‪( :‬ليتَم قام زيدٌ ) ال‬
‫قائم) أو (ليتَم زيدا ا ٌ‬
‫اختصاصها باألسَمء‪ ،‬تقول‪( :‬ليت زيدا ا ٌ‬
‫تدخل عىل األفعال حتى ولو زيدت ما بعدها‪ ،‬فلهذا بقي عملها‪.‬‬
‫نظرا إىل زيادة ما احلرفية‪ ،‬قال ‪-‬س ْبحانه وتعاىل‪-‬‬‫ملاذا أمهلت مع بقاء اختصاصها باألسَمء؟ ا‬
‫ِ‬
‫يل [األنبياء‪ ]108:‬فدخلت عىل فعل‪﴿ ،‬كأنََّم يساقون إِىل ا ْمل ْوت [األنفال‪]6:‬‬
‫‪﴿ :‬ق ْل إِنََّم يوحى إِ َّ‬
‫فدخلت عىل فعل وهكذا‪.‬‬
‫وهنا تنبيه‪" :‬ما" التي تبطِل عمل َّ‬
‫إن وأخواهتا هي ما احلرفية الزائدة‪ ،‬والزائد ما كان‬
‫ا‬
‫موصوال بمعنى‬ ‫اسَم‬ ‫سواء‪ ،‬فإذا كانت ما هذه ليست زائدة بل كانت ا‬
‫مثال ا‬ ‫ا‬ ‫دخوله وخروجه‬
‫الذي‪ ،‬أو كانت مصدرية ينسبِك منها ومما بعدها مصدر‪ ،‬فهل يبقى عمل َّ‬
‫إن وأخواهتا مل يزول؟‬
‫طب اعا سيبقى‪.‬‬
‫‪276‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫وحق اخلرب‪،‬‬
‫إن وما بمعنى الذي‪ ،‬وتقوله صلة املوصول‪ٌّ ،‬‬
‫حق)؛ أي َّ‬
‫(إن ما تقوله ٌّ‬
‫كأن تقول‪َّ :‬‬
‫حق) لكن استعملنا ما املوصولة‪.‬‬ ‫(إن الذي تقوله ٌّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫وكَم يف قوله تعاىل‪﴿ :‬إنََّم ِجئْت ْم بِه ي‬
‫الس ْحر [يونس‪ ]81:‬يعني إن الذي جئتم به السحر‪.‬‬
‫صواب)‬
‫ٌ‬ ‫صواب) ما هذه ليست زائدة ما يمكن أن نحذفها (إن تفعل‬
‫ٌ‬ ‫فإذا قلنا‪( :‬إنَم تفعل‬
‫فليست زائدة‪ ،‬لكن هل هي موصولة بمعنى الذي أو مصدرية؟‬
‫صواب) وحذفنا العائد‪ ،‬ودرسنا يف األسَمء‬
‫ٌ‬ ‫موصولة يكون املعنى (إن الذي تفعله‬
‫املوصولة أن العائد جيوز أن حيذف‪.‬‬
‫وإن قلت‪ :‬ما مصدرية يعني ينسبِك منها ومن الفعل بعدها مصدر‪ ،‬والتقدير‪( :‬إن فعلك‬
‫صواب)‪.‬‬
‫ٌ‬
‫فأي املعنيني املراد أم كالمها ِ‬
‫ُمتمل؟ كالمها‪ ،‬هنا حتتمل املصدرية واملوصولية؛ ومن ذلك‬ ‫ٌّ‬
‫ِ‬
‫قوله تعاىل‪﴿ :‬إِنََّم صنعوا ك ْيد ساح ٍر [طه‪]69:‬؛‬

‫ٍ‬
‫ساحر‪.‬‬ ‫حتتمل املوصولية‪ :‬يعني إن الذي صنعوه كيد‬
‫ٍ‬
‫ساحر‪.‬‬ ‫وحتتمل املصدرية‪ :‬يعني إن صنعهم كيد‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـون‬ ‫ولك َّن ما ي ْقىضـ فس ْ‬
‫ـوف يك ْ‬ ‫فــواَّللَِّ مــا فــار ْقتك ْم قاليــا لكـ ْ‬
‫ـم‬
‫(فلكن القضاء‬
‫َّ‬ ‫مصدرية أو موصولة؟ بل حتتملهَم‪( ،‬ولكِ َّن ا َّلذي ي ْقىض فس ْوف يك ْون) أو‬
‫سوف يكون) وهكذا‪.‬‬
‫بنون‬ ‫ٍ‬
‫مسألة هلا ذيول‪ ،‬وهي‪ :‬الكالم عىل ختفيف األحرف املختومة ٍ‬ ‫‪ ‬لينتقل ابن هشام إىل‬
‫مشدَّ دة‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪277‬‬

‫وكأن" هذه األربعة‬


‫َّ‬ ‫ولكن‬
‫َّ‬ ‫وأن‪،‬‬
‫إن َّ‬ ‫ما األحرف املختومة ب ٍ‬
‫نون مشدَّ دة يف هذا الباب؟ " َّ‬
‫فيتغري حكمها‪ ،‬سيتك َّلم عليها حر افا‬
‫َّ‬ ‫كلها قد خت َّفف‪ ،‬النون املشدَّ دة خت َّفف وتكون ٌ‬
‫نون ساكنة‬
‫حر افا؛‬
‫إن" إذا خ يففت فقال تب اعا للمسألة السابقة زيادة ما فقل‪:‬‬ ‫فبدأ بـ " َّ‬
‫احدٌ [النساء‪ ]171:‬إِالَّ ل ْيت فيجوز فيها‬ ‫"إِ ْن مل ت ْق ِرت ْن ِهبن ما احلرفِية‪ ،‬نحو‪﴿ :‬إِنََّم اَّللَّ إِله و ِ‬
‫ٌ‬ ‫ْ َّ ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫كإن املكْسور ِة خم َّفف اة"‪.‬‬ ‫ان‪ِ ،‬‬ ‫األ ْمر ِ‬

‫إن بسكون النون‪ ،‬فبعد أن ذكر ابن هشام جواز اإلعَمل‬ ‫فإذا خ َّففنا َّ‬
‫إن فَمذا نقول؟ نقول‪ْ :‬‬
‫أيضا يف إِ ْن املخففة من َّ‬
‫إن املشدَّ دة؛ يعني جيوز فيها‬ ‫واإلمهال يف ليتَم قال‪ :‬إن هذا احلكم ٍ‬
‫جار ا‬
‫اإلعَمل‪ ،‬وجيوز فيها اإلمهال‪َّ ،‬إال أن اإلمهال أكثر‪.‬‬
‫يعني عكس ليتَم‪ ،‬ليتَم جيوز فيها اإلعَمل واإلمهال واإلعَمل أكثر‪.‬‬
‫وإن املخ َّففة من َّ‬
‫إن جيوز فيها اإلعَمل واإلمهال واإلمهال أكثر‪.‬‬ ‫ْ‬
‫قائم) باإلمهال؛‬
‫و(إن زيدٌ ٌ‬
‫قائم) باإلعَمل‪ْ ،‬‬
‫(إن زيدا ا ٌ‬
‫فتقول‪ْ :‬‬
‫قائم)‪.‬‬
‫(إن زيدا ا ٌ‬
‫فإذا أعملت فاملنصوب اسمها واملرفوع خربها ْ‬
‫ٌ‬
‫مبتدأ مرفوع‬ ‫قائم) فهي حرف مهمل ال يعمل شيئاا وما بعدها‬
‫ٌ‬ ‫(إن زيدٌ‬
‫وإن أمهلت‪ْ :‬‬
‫وخربه‪.‬‬
‫س َّملا عل ْيها حافِ ٌظ [الطارق‪ ،]4:‬وقال تعاىل‪﴿ :‬وإِ ْن ك ًال َّملا ليو يفينَّه ْم‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬إِ ْن ك ُّل ن ْف ٍ‬

‫حفص ﴿وإِ َّن ك ًال َّملا ليو يفينَّه ْم ر ُّبك‬


‫ٌ‬ ‫هذه قراءة اجلمهور‪ ،‬وقرأ‬ ‫[هود‪]111:‬‬ ‫ر ُّبك أ ْعَمهل ْم‬
‫إن َّ‬
‫كال‬ ‫فإن َّ‬
‫كال هذه مشدَّ دة وعاملة ال إشكال فيها‪ ،‬وعىل قراءة اجلمهور‪ْ :‬‬ ‫أ ْعَمهل ْم [هود‪َّ ،]111:‬‬
‫خم َّففة عاملة عىل هذا الوجه‪.‬‬
‫‪278‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫فإن األكثر فيها يف‬ ‫إن خ يففت فقيل‪ْ :‬‬


‫إن فمع جواز اإلعَمل واإلمهال واإلمهال أكثر َّ‬ ‫إال أهنا ْ‬
‫اللغة أال يليها إال ٌ‬
‫فعل ناسخ‪ ،‬األفعال الناسخة معروفة‪ :‬كان وأخواهتا‪ ،‬وكاد وأخواهتا‪ ،‬وإن مل‬
‫يتك َّلم ابن هشام عىل كاد وأخواهتا أفعال املقاربة‪.‬‬
‫اش ِعني [البقرة‪ ]45:‬يعني الصالة‪ ،‬ويف قوله‪﴿ :‬وإِ ْن‬
‫اخل ِ‬
‫كقوله تعاىل‪﴿ :‬وإِ َّهنا لكبِري ٌة إِ َّال عىل ْ‬

‫إن‬‫إن كانت يعني َّإهنا كانت‪ ،‬لكن خ َّفف ْ‬ ‫اس ِقني [األعراف‪ ]102:‬والتقدير‪ْ :‬‬ ‫وجدْ نا أكْثرهم لف ِ‬
‫ْ‬
‫يعني إنا وجدنا أكثرهم‬ ‫وجعل الفعل الناسخ وال ايا هلا مباَشةا‪ ،‬وكذلك ﴿إِ ْن وجدْ نا‬
‫لفاسقني‪.‬‬
‫ذكرنا أهنا إن أعملت فاملنصوب اسمها واملرفوع خربها‪.‬‬
‫وإن أمهلت فليس هلا اسم وال خرب‪ ،‬بل ما يقع بعدها يكون مجلة اسمية مكونة من مبتدأٍ‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫وخرب مرفوع‪.‬‬ ‫مرفوع‬
‫ٍ‬
‫بحروف أخرى؟ فاجلواب‪ :‬نعم‪ ،‬تشتبه بَمذا؟‬ ‫إن املخ َّففة من َّ‬
‫إن املشدَّ دة تشتبه‬ ‫فإن قلت‪ْ :‬‬
‫ٌ‬
‫بخيل) بمعنى ما زيدٌ‬ ‫(إن زيدٌ‬
‫بإن النافية ْ‬ ‫إن الرشطية"‪( ،‬إِ ْن جتتهد تنجح)‪ ،‬ا‬
‫وأيضا‪ْ :‬‬ ‫تشتبه بـ " ْ‬
‫فإن هذا اللفظ قد يأيت حرف َشط‪ ،‬وقد يأيت حر افا ناف ايا‪ ،‬وقد يأيت حر افا ناسخا ا خم َّف افا من‬ ‫ٌ‬
‫بخيل‪ْ ،‬‬
‫فرق بينها املعنى‪.‬‬
‫إن الثقيلة‪ ،‬والذي ي ي‬
‫َّ‬
‫كرمك)‪ .‬لكن اللبس‬ ‫بإن املخ َّففة (إِ ْن جتتهد تنجح)‪ْ ،‬‬
‫(إن تأيت أ ِ‬ ‫فالرشطية واضحة ال تلتبٍس ْ‬
‫قد حيدث بني املخ َّففة والنافية؛ ألن املخ َّففة أصلها املث َّقلة‪ ،‬واملث َّقلة يف قولك‪َّ :‬‬
‫(إن ُممدا ا قائم)‬
‫قائم) تنفي‪ ،‬فقد حيدث اللبس بينهَم‪ ،‬فإن ف ِهم املعنى‪ ،‬إن ف يرق بينهَم‬
‫(إن ُممدٌ ٌ‬
‫وإن النافية ْ‬
‫تثبت‪ْ ،‬‬
‫باملعنى فال إشكال؛‬
‫كريَم)؟‬
‫حاتم ا‬
‫ٌ‬ ‫كريم) أو (ليس‬
‫ٌ‬ ‫(إن حامتاا‬
‫كريم) هنا تثبت أو تنفي؟ َّ‬
‫ٌ‬ ‫حاتم‬
‫ٌ‬ ‫(إن‬
‫كأن تقول‪ْ :‬‬
‫إن املخ َّففة من َّ‬
‫إن‪.‬‬ ‫تثبت هذه ْ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪279‬‬

‫حاتم بخي ٌل) هذه ْ‬


‫إن النافية‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫(إن‬
‫لو قلت‪ْ :‬‬
‫إن زائدة‪ ،‬وهي الواقعة بعد "ما النافية"‪ :‬وتكلمنا عليها يف‬‫إن غري ما ذكِر‪ ،‬قد تأيت ْ‬
‫وقد تأيت ْ‬
‫إن ُممدٌ‬ ‫ا‬
‫بخيال)‪( ،‬ما ْ‬ ‫"ما احلجازية" وزيادهتا مضطردة بعد ما احلجازية‪ ،‬تقول‪( :‬ما ُممدٌ‬
‫أيضا‪ ،‬الذي قد يلتبس‬
‫فإن هنا زائدة‪ ،‬والزائدة ال تلتبس ا‬
‫ب) ْ‬ ‫بخيل)‪( ،‬بنِي غدانة ما ْ‬
‫إن أنْتم ذه ٌ‬ ‫ٌ‬
‫املخ َّففة والنافية‪.‬‬
‫ناجح) أنا أثبت أو أنفي اآلن؟ ما تستطيع أن تعرف هذا املعنى قد‬
‫ٌ‬ ‫(إن أخي‬
‫يعني لو قلت‪ْ :‬‬
‫أيضا ما أدري يعني‬
‫مغلق) أثبت أو أنفي؟ ا‬
‫ٌ‬ ‫(إن الباب‬
‫ناجحا‪ْ ،‬‬
‫ا‬ ‫ناجحا وقد يكون ليس‬
‫ا‬ ‫يكون‬
‫إن املخ َّففة‪ ،‬فيجب أن تأيت بالالم‬
‫حدث لبس‪ ،‬إن حدث لبس بينهَم فيجب أن تأيت بالالم يف خرب ْ‬
‫إن املخففة؛‬
‫بعد اخلرب‪ ،‬أن تأيت بالالم مع اخلرب بعد ْ‬
‫لناجح) ِ‬
‫أعرف أنك تثبت‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫(إن أخي‬
‫إن املخففة تقول‪ْ :‬‬
‫فإذا أردت ْ‬
‫ناجح) من دون الالم عرفت أنك تنفي‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫(إن أخي‬
‫وإذا قلت‪ْ :‬‬
‫مغلق) تنفي‪ ،‬وسيتك َّلم ابن هشام عىل هذه املسألة قري ابا‪.‬‬
‫(إن الباب ٌ‬‫(إن الباب ملغل ٌق) تثبت‪ْ ،‬‬
‫ْ‬
‫لكن"‪ ،‬فقال‪" :‬فأ َّما لكِ َّن خم َّفف اة فت ْهمل"‪،‬‬
‫‪ ‬لننتقل مع ابن هشام إىل الكالم عىل ختفيف " َّ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ من حيث اإلعَمل واإلمهال كَم قال ابن‬ ‫لكن املشدَّ دة إذا خ يففت قيل فيها‪ْ :‬‬
‫لكن‪ ،‬وحكمها‬ ‫َّ‬
‫هشام‪ :‬وجوب اإلمهال‪.‬‬
‫لكن ُممدٌ مل جييء)‪ ،‬جاء زيدٌ لكن مل جييء ُممدٌ ‪ ،‬واضح أن اختصاصها‬
‫ْ‬ ‫نحو‪( :‬جاء زيدٌ‬
‫لكن زيدٌ مل جييء لكن مل جييء زيدٌ فلهذا بطل إعَمهلا‪.‬‬‫زال‪ْ ،‬‬
‫اسخون ِيف‬ ‫قال تعاىل‪﴿ :‬ولكِن كانوا هم ال َّظاملِني [الزخرف‪﴿ ،]76:‬لكِ ِن الر ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ولكن إذا خ يففت بطل عملها وأما‬
‫ْ‬ ‫ا ْل ِع ْل ِم [النساء‪﴿ ،]162:‬لكِ ِن اَّللَّ ي ْشهد [النساء‪ ]166:‬وهكذا‪،‬‬
‫معناها فيبقى املعنى وهو الداللة عىل االستدراك‪ ،‬املعنى يبقى لكن إعَمهلا يذهب؛ يعني‪:‬‬
‫‪280‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫إن جاءت بعدها مجلة إسمية مبتدأ وخرب‪.‬‬


‫وإن كانت مجلة فعلية فعل وفاعل‪.‬‬
‫وهي ليس هلا عمل وإنَم فقط تدل عىل معنى االستدراك‪.‬‬
‫أن‪ ،‬وفيها يقول ابن هشام‪:‬‬
‫‪ ‬ثم ننتقل إىل ختفيف َّ‬
‫مجل اة‬ ‫ورة ح ْذف اسمها ض ِمري َّ‬
‫الش ْأ ِن‪ ،‬وك ْون خ ِربها ْ‬ ‫الرض ِ‬
‫"وأ َّما أ ْن فت ْعمل‪ ،‬وجيِب يف غ ْ ِري َّ‬
‫اء بـ (قدْ ) أ ْو تن ِْف ٍ‬
‫يس أ ْو ن ْفي أ ْو ل ْو"‪.‬‬ ‫غري دع ٍ‬
‫ف ِْ‬‫ت بِ ِفع ٍل مترص ٍ‬
‫ي‬
‫م ْفصول اة ْ ِ‬
‫إن بدئ ْ ْ‬
‫أن إذا خ يففت يقال فيها‪ْ " :‬‬
‫أن"‪ ،‬ما‬ ‫أن املخففة فيه يشء من التفصيل‪َّ :‬‬
‫أن الكالم عىل ْ‬
‫واضح َّ‬
‫حكمها من حيث اإلعَمل واإلمهال؟ وجوب اإلعَمل‪.‬‬
‫أن‬
‫قائم‪ ،‬وال تقول‪( :‬علمت ْ‬
‫أن الشأن زيدٌ ٌ‬
‫قائم) تريد علمت َّ‬ ‫كأن تقول‪( :‬علِ ْمت ْ‬
‫أن زيدٌ ٌ‬
‫قائم)‪.‬‬
‫زيدا ا ٌ‬
‫أن الشأن قام زيدٌ ‪.‬‬ ‫وتقول‪( :‬علِ ْمت ْ‬
‫أن قام زيدٌ ) يعني علمت َّ‬
‫أن الشأن قد قمت‪ ،‬أو علمت أنَّك قد ق ْمت‪.‬‬ ‫أن قدْ ق ْمت) يعني علمت َّ‬‫وتقول‪( :‬علِ ْمت ْ‬
‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬علِم أ ْن سيكون ِمنْك ْم م ْرىض [املزمل‪ ]20:‬يعني علِم أنه سيكون‬
‫منكم مرىض‪ ،‬اهلاء يعود إىل الشأن‪ ،‬يعني علِم أن الشأن الذي أنتم فيه شأنكم سيكون منكم‬
‫مرىض‪ ،‬أو علِم أنكم سيكون منكم مرىض‪ ،‬فالكاف يعود إىل املخاطبني‪.‬‬
‫ِ‬
‫يا‬ ‫‪]105-104‬‬ ‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬أ ْن يا إِ ْبراهيم * قدْ صدَّ ْقت ُّ‬
‫الرؤْ يا [الصافات‪:‬‬

‫أن قدْ صدَّ قت الرؤيا؛ يعني أنه قد صدَّ قت الرؤيا‪ ،‬اهلاء يعود إىل الشأن‪ ،‬أن‬
‫إبراهيم‪ :‬نداء يعني ْ‬
‫شأنك قد صدَّ قة الرؤيا‪ ،‬أو نعيد الضمري إليه أنك قد صدَّ قت الرؤيا‪.‬‬
‫أن إذا خ يففت وجب إعَمهلا بأربعة َشوط ذكرها‬
‫حرر املسألة فنقول‪ْ :‬‬
‫■ بعد هذه األمثلة ن ي‬
‫ابن هشام‪:‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪281‬‬

‫رصح به إال يف رضورة الشعر؛ كقول الشاعر‪:‬‬


‫الرشط األول‪ :‬حذف اسمها فال ي َّ‬
‫وأنْك هنـاك تكـون الـ يثَمال‬ ‫ـث م ِر ٌ‬
‫يـع‬ ‫بِأنْك ربِ ٌ‬
‫يـع وغ ْي ٌ‬
‫ورصح باسمها‪ ،‬هذا من رضائر الشعر‪.‬‬ ‫ربيع‪ ،‬فخ َّفف َّ‬
‫أن وأعملها َّ‬ ‫يع) يعني بأنك ٌ‬ ‫(بِأنْك ربِ ٌ‬
‫ضمريا عائدا ا عىل معنى الشأن أو‬ ‫الرشط الثان‪ :‬كون اسمها املحذوف ضمري ٍ‬
‫شأن؛ يعني‬
‫ا‬
‫اسم ظاهر‪ ،‬مع أن األكثر أن‬
‫ضمريا عائدا ا إىل ٌ‬
‫ا‬ ‫كثري من النحوين أن يكون اسمها‬
‫األمر‪ ،‬وأجاز ٌ‬
‫ضمريا عائدا ا عىل الشأن املفهوم‪ ،‬لكن قد يعود إىل اس ٍم‬
‫ا‬ ‫يكون عائدا ا عىل ضمري الشأن‪ ،‬أن يكون‬
‫ظاهر‪.‬‬
‫مثال ذلك‪﴿ :‬ون ْعلم أ ْن قدْ صد ْقتنا [املائدة‪ ]113:‬التقدير‪ :‬ونعلم أنَّه قدْ صدقتنا‪ ،‬اهلاء تعود‬
‫إىل ماذا؟ إىل الشأن؛ يعني ونعلم أن شأن األمر احلقيقة قد صدقتنا‪ ،‬هذا يسمى ضمري الشأن‪.‬‬
‫جوز ذلك أن نجعل الضمري عائدا ا إىل اس ٍم ظاهر؛ يعني ونعلم أنك قد‬‫وجيوز عند من َّ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ إىل رسوهلم الذي خياطبونه‪.‬‬ ‫صدقتنا‪ ،‬فالكاف تعود‬
‫ومن ذلك‪ :‬األمثلة السابقة التي كنا نجعل التأويل فيها بضمري الشأن أو ضمري يعود إىل‬
‫اس ٍم رصيح كَم يف قوله‪:‬‬
‫[املزمل‪ ]20:‬يعني علِم أنه سيكون يعني الشأن‪ ،‬أو علِم‬ ‫﴿علِم أ ْن سيكون ِمنْك ْم م ْرىض‬
‫أنكم أهيا املخاطبون سيكون منكم‪.‬‬
‫ِ‬
‫[الصافات‪ ]105-104 :‬يعني أن الشأن أنَّه قد صدَّ قت‬ ‫﴿أ ْن يا إِ ْبراهيم * قدْ صدَّ ْقت ُّ‬
‫الرؤْ يا‬
‫الرؤيا‪ ،‬أو أنك قد صدَّ قت الرؤيا‪ ،‬فهذا الرشط الثان‪.‬‬
‫الرشط الثالث‪ :‬كون خربها مجل اة ال مفر ادا‪ ،‬فاخلرب ال يكون هنا إال مجل اة‪.‬‬
‫دعائي؛‬ ‫بفعل مترص ٍ‬
‫ف غري‬ ‫ٍ‬ ‫والرشط الرابع‪ :‬أن اخلرب اجلملة إن بدئ‬
‫ن‬ ‫ي‬
‫مترصف‪ :‬يعني ليس جامدا ا‪ ،‬مثل‪ :‬نِ ْعم‪ ،‬وبِئس‪ ،‬وليس‪.‬‬‫ي‬ ‫فعل‬
‫غري دعائي‪ :‬يعني ال يقصد به الدعاء إنَم يقصد به اإلخبار‪.‬‬
‫‪282‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫أن املخففة‬ ‫بفعل مترص ٍ‬


‫ف غري دعائي وجب أن يفصل بيها وبني ْ‬ ‫ٍ‬ ‫مجلة اخلرب إذا بدئت‬
‫ي‬
‫بفاصل نحو‪:‬‬
‫قدْ ؛ ﴿ن ْعلم أ ْن قدْ صد ْقتنا [املائدة‪ ،]113:‬ما يقال‪ :‬ونعلم ْ‬
‫أن صدقتنا‪.‬‬
‫أو حرف تنفيس؛ ﴿علِم أ ْن سيكون ِمنْك ْم م ْرىض [املزمل‪.]20:‬‬
‫ِ‬
‫وحسبوا أال تكون ثم حدث‬ ‫أو حرف نفي؛ ﴿وح ِسبوا أ َّال تكون فِتْن ٌة [املائدة‪ ]71:‬الرتكيب‪:‬‬
‫إضغام " َّأال"‪ ،‬ويف قوله‪﴿ :‬علِم أ ْن ل ْن ْحتصوه [املزمل‪.]20:‬‬
‫أو لو‪ ،‬أو يكون الفاصل لو؛ كقوله‪﴿ :‬أ ْن ل ْو نشاء أص ْبناه ْم [األعراف‪ ]100:‬إذن‪:‬‬
‫أن‪.‬‬
‫مترصف غري دعائي فال بدَّ أن تفصل عن ْ‬
‫ي‬ ‫ٍ‬
‫بفعل‬ ‫إذا كانت اجلملة مبدوءة‬
‫مترص افا غري دعائي يعني لو كان الفعل جامدا ا‪ ،‬أو كان الفعل دعائ ًيا‪ ،‬أو‬
‫ي‬ ‫فإذا مل يكن الفعل‬
‫كانت اجلملة اسمية‪ ،‬فال يشرتط الفصل‪ ،‬فإذا كانت اسمية؛‬
‫احل ْمد َّللَِّ ر يب ا ْلعاملِني [يونس‪ ،]10:‬وآخر دعواهم أنَّه‬ ‫فكقوله تعاىل‪﴿ :‬و ِ‬
‫آخر د ْعواه ْم أ ِن ْ‬

‫أن ضمري الشأن ح ِذف ثم خ يففت ْ‬


‫أن‪.‬‬ ‫احلمد َّلل رب العاملني‪ ،‬اسم َّ‬
‫ان إِ َّال ما سعى [النجم‪ْ ]39:‬‬
‫أن ليس‪ :‬يعني أنه ليس‪.‬‬ ‫وكقوله تعاىل‪﴿ :‬وأ ْن ل ْيس لِ ِ‬
‫إلنس ِ‬

‫اخل ِامسة أ ْن غ ِضب اَّللَِّ عل ْيها [النور‪ ]9:‬عىل قراءة‪ ،‬يعني واخلامسة أنَّه‬
‫ويف قوله تعاىل‪﴿ :‬و ْ‬
‫ِ‬
‫غضب اَّلل عليها‪.‬‬
‫حب‬ ‫أن قد تشتبِه ْ‬
‫بأن املصدرية الناصبة للمضارع (أ ُّ‬ ‫أن املخ َّففة التي يقال فيها‪ْ :‬‬
‫فإن قلت‪ :‬يف َّ‬
‫ٍ‬
‫بلفظ واحد‪ ،‬والتفريق بينهَم أن يقال‪:‬‬ ‫أن جتتهد) وكالمها‬
‫احل ْمد َّللَِّ ر يب ا ْلعاملِني [يونس‪ ،]10:‬فهي ال‬
‫أن داخل اة عىل اس ٍم كَم يف قوله‪﴿ :‬أ ْن ْ‬
‫إذا كانت ْ‬
‫شك املخ َّففة من الثقيلة‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪283‬‬

‫وإن كانت داخل اة عىل فعل فهي التي ينبغي أن َّ‬


‫نتأمل فيها‪ ،‬وقد سبق أن ذكرنا يف نواصب‬
‫الفعل املضارع عندما تك َّلمنا عىل ْ‬
‫أن‪ ،‬قلنا هناك‪:‬‬
‫أن إذا سبِقت بعل ٍم فهي املخ َّففة من الثقيلة قط اعا (علِمت ْ‬
‫أن قد ذهب زيد) يعني علمت أنَّه‬ ‫ْ‬
‫أن سيذهب زيد) يعني علمت أنه سيذهب زيد‪.‬‬ ‫قد ذهب زيد‪( ،‬علِ ْمت ْ‬
‫فإن سبِقت بظن فتحتمل أن تكون املخ َّففة من الثقيلة‪ ،‬وأن تكون املصدرية الناصبة؛ كأن‬
‫تقول‪( :‬ظننت أن يذهب زيد) فيمكن أن تكون املخ َّففة من الثقيلة‪ ،‬فاملعنى والتقدير‪( :‬ظننت‬
‫أنه يذهب زيد فرتفع)‪ ،‬أنه يذهب زيد يعني (ظننت أن يذهب زيد)‪.‬‬
‫فتنصب (ظننت أن يذهب زيد) والتقدير واملعنى (ظننت‬‫وإن كانت املصدرية الناصبة ِ‬

‫ذهاب زيد)‪.‬‬
‫أن تذهب)‪ ،‬أو (جيب‬
‫حب ْ‬
‫فإن مل تسبق بعلم وال بظن فهي املصدرية الناصبة؛ كقولك‪( :‬أ ُّ‬
‫أن تذهب)‪ ،‬أو (يعجبني أن جتتهد)‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فهذا قلناه من قبل ونؤكد عليه اآلن‪.‬‬
‫كأن"‪ ،‬وفيه يقول ابن هشام‪:‬‬ ‫‪ ‬ثم ننتقل إىل الكالم عىل ختفيف " َّ‬
‫"و َّأما كأ َّن فت ْعمل وي ِق ُّل ِذكْر اسمها وي ْفصل ا ْل ِف ْعل ِمنْها بِـ (ملْ) أ ْو (قدْ )"‪.‬‬
‫حينئذ من حيث اإلعَمل واإلمهال؟ قال‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫فكأن إذا خ يففت قيل فيها‪" :‬كأ ْن"‪ ،‬وما حكمها‬
‫جيب إعَمهلا‪ ،‬فإعَمهلا واجب‪ ،‬فإذا خ َّففتها وأعملتها كان هلا استعَمالن‪:‬‬
‫ظـاهرا‪،‬‬
‫ا‬ ‫اسـَم‬ ‫ٌ‬
‫استعَمل قليل لكنه وار ٌد وجـائز‪ ،‬وهـو‪ :‬ان يكـون اسـمها ا‬ ‫االستعَمل األول‪:‬‬
‫قمر)‪ ،‬ومـن ذلـك قـول‬
‫و(كأن هندا ا ٌ‬
‫ْ‬ ‫(كأن زيدا ا أسدٌ )‪،‬‬
‫ْ‬ ‫وخربها مفرد أو مجلة‪ ،‬فيجوز أن تقول‪:‬‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫ِ‬
‫ــــان‬ ‫كــــأن ثدي ْيــــه ح َّق‬
‫ْ‬ ‫ــر‬ ‫رشـ ِ‬
‫ــق الن َّْحـ ِ‬ ‫وصـــدْ ٍر م ْ ِ‬
‫ٌ‬
‫استعَمل جائز لكنه قليل‪.‬‬ ‫فنصب االسم ثدييه‪ ،‬ورفع اخلرب ح َّقان‪ ،‬فهذا‬
‫‪284‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫أن‬
‫كأن فهو االستعَمل األكثر يف اللغة‪ :‬أن جتعلها ك ْ‬
‫أما االستعَمل الثان‪ :‬عند ختفيف ْ‬
‫املخففة‪ ،‬يعني جتعل اسمها ضمري ٍ‬
‫شأن ُمذو افا‪ ،‬وجتعل خربها مجلة‪ ،‬إال َّ‬
‫أن خرب اجلملة يفصل‬
‫بلم أو قدْ ؛‬
‫كَم قال ابن هشام ْ‬
‫يذهب زيدٌ ) املعنى كأنه مل يذهب زيد‪ ،‬ثم خ َّفف ْ‬
‫كأن وحذفت اسمها‬ ‫ْ‬ ‫(كأن مل‬
‫ْ‬ ‫كأن تقول‪:‬‬
‫كأن الشأن مل يذهب زيدٌ ‪.‬‬
‫الذي هو ضمري شأن؛ يعني َّ‬
‫ويف قوله تعاىل‪﴿ :‬كأ ْن مل ْ تغْن بِاأل ْم ِ‬
‫س [يونس‪ ]24:‬يعني كأنه مل تغن باألمس‪.‬‬
‫(كأن قد ذهب زيدٌ ) يعني كأنه قد ذهب زيدٌ ‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ْ‬ ‫وتقول يف الفصل بقدْ ‪:‬‬

‫فم ْحـــذورها كـــأن قـــدْ أ َّملـــا‬ ‫ال هيولنَّك اصطِالء لظى احل ْر ِ‬
‫ب‬
‫يعني كأنه قد أملَّ‪.‬‬
‫كأن املشدَّ دة لكن هذا قليل‪.‬‬
‫فاالستعَمل القليل‪ :‬أن تعمل َّ‬
‫كأن املخففة فيكون اسمها ضمري ٍ‬
‫شأن ُمذو افا‪ ،‬ويكون خربها‬ ‫واالستعَمل الكثري‪ :‬أن تكون ْ‬
‫مجلة‪.‬‬
‫أن‪:‬‬
‫ولكن‪ ،‬وخالصته َّ‬
‫َّ‬ ‫وكأن‬
‫َّ‬ ‫وأن‪،‬‬
‫إن َّ‬
‫فهذا الكالم عىل ختفيف َّ‬
‫إن إذا خ يففت جاز إمهاهلا وهو األكثر‪ ،‬وجاز إعَمهلا وهو قليل‪.‬‬
‫َّ‬
‫وأن إذا خ يففت وجب إعَمهلا لكن يكون اسمها ضمري ٍ‬
‫شأن ُمذو افا‪ ،‬ويكون خربها مجلة‬ ‫َّ‬
‫مفصولة‪ ،‬أو غري مفصولة عىل التفصيل‪.‬‬
‫وكأن إذا خ يففت جاز فيها استعَمالت‪:‬‬
‫َّ‬
‫كأن املشدَّ دة وهذا قليل‪.‬‬
‫أن تكون َّ‬
‫أن‪.‬‬
‫واالستعَمل الثان‪ :‬أن تكون كأن املخففة من َّ‬
‫لكن إذا خ يففت فإهنا هتمل‪.‬‬
‫وأما َّ‬
‫َّ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪285‬‬

‫ولكن‪.‬‬
‫َّ‬ ‫وكأن‬
‫َّ‬ ‫وأن‪،‬‬
‫إن َّ‬
‫فهذا اخلالصة يف ختفيف َّ‬
‫ٍ‬
‫مسألة أخرى يف هذا الباب‪ ،‬وهي‪ :‬مسألة الكالم عىل حكم توسيط اخلرب يف‬ ‫‪ ‬لننتقل إىل‬
‫هذا الباب‪.‬‬
‫ما حكم توسيط اخلرب يف هذا الباب؟ قال فيه ابن هشام‪:‬‬
‫جمرور اا ن ْحو‪﴿ :‬إِ َّن ِيف ذلِك ل ِع ْرب اة [آل عمران‪﴿ ،]13:‬إِ َّن‬
‫"وال يتو َّسط خربه َّن إالَّ ظ ْرف اا أ ْو ْ‬
‫لد ْينا أنْك ااال [املزمل‪."]12:‬‬
‫إذن فيجب يف هذا الباب التزام األصل يف ترتيب اجلملة‪ ،‬فيأيت احلرف الناسخ ا‬
‫أوال‪ ،‬ثم‬
‫توسعت يف شبه اجلملة‪ :‬الظرف واجلار واملجرور فأجازت يف‬
‫اسمه‪ ،‬ثم خربه‪ ،‬إال أن العرب َّ‬
‫اخلرب يف هذا الباب إذا كان شبه مجلة أن يتقدَّ م‪.‬‬
‫كريم ُممدا ا)‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫(إن‬
‫كريم) مل جيزْ التوسيط‪ ،‬فال تقول‪َّ :‬‬
‫ٌ‬ ‫(إن ُممدا ا‬
‫فإذا قلت‪َّ :‬‬
‫ِ‬
‫البيت ُممدا )‪.‬‬ ‫(إن يف‬
‫(إن ُممدا ا يف البيت) جاز التوسيط فتقول‪َّ :‬‬
‫وإذا قلت‪َّ :‬‬
‫ومن ذلك قوله‪﴿ :‬إِ َّن ِيف ذلِك ل ِع ْرب اة [آل عمران‪ ]13:‬األصل واَّلل أعلم‪ :‬إن عرب اة يف ذلك‪،‬‬
‫ا‬
‫أنكاال لدينا‪.‬‬ ‫وكقوله‪﴿ :‬إِ َّن لد ْينا أنْك ااال [املزمل‪]12:‬؛ أي َّ‬
‫إن‬
‫إن‬
‫التوسط هنا مع َّ‬
‫ُّ‬ ‫التوسط جائز‪ ،‬فلَمذا امتنع‬
‫ُّ‬ ‫فإن قلت‪ :‬سبق يف باب كان وأخواهتا أن‬
‫وأخواهتا؟‬
‫إن وأخواهتا ضعيف‪ ،‬ألن عملها باحلمل والتشبيه‪ ،‬ش يبهت باألفعال‬
‫فاجلواب‪ :‬ألن عمل َّ‬
‫جوزوا‬
‫أصل يف العمل‪ ،‬إال أن العرب َّ‬ ‫بخالف كان وأخواهتا فهي أفعال‪ ،‬والفعل كَم ِ‬
‫نعرف ٌ‬
‫يتوسعون يف غريها‪.‬‬
‫يتوسعون يف شبه اجلملة ما ال َّ‬
‫توسيط اخلرب إذا كان شبه مجلة؛ ألهنم َّ‬
‫التوسط‪ ،‬طيب‬
‫ُّ‬ ‫فالتوسط تو ُّسط اخلرب يف هذا الباب ممنوع إال إذا كان شبه مجلة‪ ،‬هذا‬
‫ُّ‬ ‫إذن‬
‫التقدُّ م؛ تقدُّ م اخلرب عىل الناسخ نفسه‪ ،‬ال َّ‬
‫شك أنه أشدُّ من اعا‪ ،‬اخلرب ال يتقدَّ م عىل الناسخ أبدا ا‪ ،‬ال‬
‫‪286‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫إن ُممدا ا) كَم جاز ذلك يف كان وأخواهتا‪ ،‬فتقول‪( :‬كان ُممدٌ‬
‫(كريم َّ‬
‫ٌ‬ ‫كريم)‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫(إن ُممدا ا‬
‫تقول يف َّ‬
‫إن وأخواهتا حروف وعملها‬ ‫ٌ‬
‫أصل يف العمل‪ ،‬لكن َّ‬ ‫و(كريَم كان ُممدٌ ) هذه أفعال‪،‬‬
‫ا‬ ‫كريَم)‬
‫ا‬
‫ضعيف؛ ألنه بالتشبيه فلم جي ْز فيها ما جاز هناك‪.‬‬
‫إن‬ ‫ٍ‬
‫مسألة أخرى يف هذا الباب وهي‪ :‬مسألة الكالم عىل كرس مهزة َّ‬ ‫ثم انتقل ابن هشام إىل‬
‫وفتحها فقال‪:‬‬
‫إن يف االْبتِداء ن ْحو‪﴿ :‬إِنَّا أنْز ْلناه ِيف ل ْيل ِة ا ْلقدْ ِر [القدر‪ ،]1:‬وب ْعد ا ْلقسم ن ْحو‪﴿ :‬حم‬
‫"وتكْرس َّ‬
‫ٍ‬
‫القول‪ -‬نحو‪﴿ :‬قال إِ ين‬ ‫ِ‬
‫والقول ‪-‬يعني وبعد‬ ‫ني * إِنَّا أنْز ْلناه [الدخان‪،]3-1:‬‬ ‫* وا ْلكِت ِ‬
‫اب ا ْملبِ ِ‬

‫ال ِم ن ْحو‪﴿ :‬واَّللَّ ي ْعلم إِنَّك لرسوله [املنافقون‪."]1:‬‬


‫ع ْبد اَّللَِّ [مريم‪ ،]30:‬وق ْبل ال َّ‬
‫حرف واحد‪ ،‬ولعل هذا هو الذي‬
‫ٌ‬ ‫وأن"‬
‫إن‪َّ ،‬‬
‫أن " َّ‬
‫كثريا من العلَمء يرون َّ‬
‫ذكرنا من قبل أن ا‬
‫حرف‬
‫ٌ‬ ‫قر به اجلميع؛ فمن جعلها حرفني أخذ فقط بالظاهر‪ ،‬وإال فهو ال ينكر أهنَم يف األصل‬
‫ي ُّ‬
‫واحد‪ ،‬فهذا احلرف‪:‬‬
‫إن"‪.‬‬
‫يأيت يف مواضع مكسور اهلمزة " َّ‬
‫أن"‪.‬‬
‫ويأيت يف مواضع مفتوح اهلمزة " َّ‬
‫ولذلك قاعدة‪ ،‬فنفهم القاعدة فإذا فهمناها ثم ط َّبقناها سنخرج بمواضع كثرية‪ ،‬ا‬
‫فبدال من‬
‫تت ُّبع هذه املواضع نفهم القاعدة فهذا أفضل لنا وأكثر راحة‪.‬‬
‫إن تفتح إذا انسبك منها ومن معموليها‬
‫إن" وفتحها تقول‪" :‬مهزة َّ‬
‫القاعدة يف كرس مهزة " َّ‬
‫مصدر"؛ يعني‪:‬‬
‫مصدرا مأخو اذا من اخلرب‪،‬‬
‫ا‬ ‫أن واسمها وخربها وتضع مكان اجلميع‬
‫صح وجاز أن حتذف َّ‬
‫َّ‬
‫فأن تكون مفتوحة‪.‬‬
‫َّ‬
‫فإن تكون مكسورة اهلمزة‪.‬‬
‫وإذا مل يصح ذلك يعني يفسد املعنى لو فعلت ذلك َّ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪287‬‬

‫ويف ذلك يقول ابن مالك ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬يف األلفية‪:‬‬
‫مسدَّ ها و ِىف ِسوى ذاك اك ِ ِ‬
‫ْرسـ‬ ‫مهز إِ َّن ا ْفت ْح لِسـدي م ْصــد ِر‬
‫و ْ‬
‫حب اجتهادك فتفتح‪.‬‬
‫حب أنك جمتهد) يعني أ ُّ‬
‫فإذا قلت‪( :‬أ ُّ‬
‫اجلو معتدل) يعني يعجبني اعتدال اجلو‪،‬‬
‫إن َّ‬‫اجلو معتدل) أو (يعجبني َّ‬
‫طب (يعجبني أن َّ‬
‫أن اجلو معتدل‪.‬‬
‫إذن يعجبني َّ‬
‫(من األدب أنك تستأذن أو َّ‬
‫إنك تستأذن؟) من األدب أنك تستأذن؛ ألن املعنى من األدب‬
‫استئذانك‪.‬‬
‫أن الطالب يبكير)‪ ،‬تفتح؛ ألن التقدير‪ :‬الواجب تبكري الطالب‪.‬‬
‫(الواجب َّ‬
‫إن كمجتهد باجتهادك؟ هل املعنى واحد؟ ال‪ ،‬اجتهادك‬
‫فلو قلت‪( :‬إنك جمتهد) هل تقدي م َّ‬
‫ما باله؟ فسد املعنى‪.‬‬
‫لو قلت‪( :‬جاء الذي إنَّه كريم) هل تقول‪ :‬التقدير واملعنى جاء الذي كرمه؟ ال إذن تكرس‬
‫(جاء الذي إنَّه كريم)‪.‬‬
‫رحيم وتضع مكاهنا رمحة اَّلل؟ (واَّلل رمحة اَّلل)؟ إذن‬
‫ٌ‬ ‫إن اَّلل‬
‫رحيم) هل حتذف َّ‬
‫ٌ‬ ‫إن اَّلل‬
‫(واَّللِ َّ‬
‫رحيم)‪.‬‬ ‫إن اَّلل‬ ‫ِ‬
‫تكرس (واَّللِ َّ‬
‫ٌ‬
‫بتطبيق هذه القاعدة نقول‪:‬‬
‫مصدر رصيح‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫حل ُم ُّلها‬
‫إن إذا َّ‬
‫‪ -‬تفتح مهزة َّ‬
‫مصدر رصيح‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪ -‬وتكرس إذا مل حيِل ُملها‬
‫َّ‬
‫وصل اَّلل‬ ‫فنخرج من ذلك بمواضع سنذكرها ونتتبعها إن شاء اَّلل بعد الصالة واَّلل أعلم‪،‬‬
‫وس َّلم عىل نبينا ُممد‪.‬‬
‫‪288‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫الدرس السابع (اجلزء الثان)‪:‬‬


‫صيل وس يلم عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله وأصحابه أمجعني‪ ،‬أما‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬اللهم َّ‬
‫بعد‪...‬‬
‫مصدر ُم َّلها فتفتح‪ ،‬وإذا مل حيل‬
‫ٌ‬ ‫إن وفتحها‪ ،‬فإذا َّ‬
‫حل‬ ‫فقد ذكرنا القاعدة يف كرس مهزة َّ‬
‫مصدر ُم َّلها فإهنا تكرس‪ ،‬يف تطبيق هذه القاعدة نجد أن من أهم وأشهر مواضع كرس مهزة َّ‬
‫إن‬ ‫ٌ‬
‫املواضع التي ذكرها ابن هشام‪:‬‬
‫إن يف ابتداء اجلملة فإهنا تكرس‪ ،‬كَم يف قوله‬ ‫فاملوضع األول‪ :‬يف االبتداء‪ ،‬متى ما وقعت َّ‬
‫تعاىل‪﴿ :‬إِنَّا أنز ْلناه ِيف ل ْيل ِة ا ْلقدْ ِر [القدر‪ ،]1:‬وكقولك‪َّ :‬‬
‫(إن ُممدا ا قائم)‪.‬‬
‫واملوضع الثان‪ :‬بعد القسم كَم يف قوله‪﴿ :‬حم * وا ْلكِت ِ‬
‫اب ا ْملبِ ِ‬
‫ني * إِنَّا‬
‫إلنسان ل ِفي خ ْ ٍ‬
‫رس [العرص‪،]2-1 :‬‬ ‫رص * إِ َّن ا ِ‬
‫أنْز ْلناه [الدخان‪ ،]3-1:‬وكَم يف قوله‪﴿ :‬وا ْلع ْ ِ‬

‫وكَم يف قولك‪( :‬واَّللِ إن العلم نافع)‪.‬‬


‫واملوضع الثالث‪ :‬بعد القول كَم يف قوله‪﴿ :‬قال إِ ين ع ْبد اَّللَِّ [مريم‪ ،]30:‬ويف قولك‪( :‬قال‬
‫إن األستاذ حارض)‪.‬‬
‫ُممدٌ ‪َّ :‬‬
‫واملوضع الرابع‪ :‬قبل الالم وهي الالم التي سنتكلم عليها بعد قليل كَم يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫جلالس) ولوا هذه الالم‬
‫ٌ‬ ‫﴿واَّللَّ ي ْعلم إِنَّك لرسوله [املنافقون‪ ،]1:‬وكقولك‪( :‬علمت َّ‬
‫إن ُممدا ا‬
‫أن ُممدا ا جالس)؛ أي علمت جلوس ُممد‪ ،‬لكن مع الالم‬ ‫أن فقلت‪( :‬علمت َّ‬ ‫لفتِحت مهزة َّ‬
‫إن ُممدا ا جلالس)‪.‬‬
‫إن الكرس (علمت َّ‬
‫يمتنع هذا التقدير فيجب يف َّ‬
‫إن‪ ،‬قال ابن‬
‫‪ ‬املسألة التالية هي الكالم عىل هذه الالم‪ ،‬املسألة يف حكم دخول الالم بعد َّ‬
‫هشا ٍم يف ذلك‪:‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪289‬‬

‫إن املكْسورة‪ ،‬أو اسمها‪ْ ،‬أو ما توسط ِم ْن م ْعم ِ‬


‫ول‬ ‫"وجيوز دخول الالَّم عىل ما تأ َّخر ِم ْن خ ِرب َّ‬
‫َّ‬
‫اخل ِرب ِ‬
‫أو ا ْلف ْص ِل"‪.‬‬
‫كريم) ثم‬
‫ٌ‬ ‫الالم هذه هي الم االبتداء التي تدخل يف األصل عىل املبتدأ كَم يف قولك‪ُ( :‬ممدٌ‬
‫كريم) كَم يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ألنْت ْم‬ ‫ت ِ‬
‫دخل الم االبتداء عىل املبتدأ للتأكيد والتقوية فتقول‪( :‬ملحمدٌ‬
‫ٌ‬
‫أشدُّ ر ْهب اة [احلرش‪]13:‬؛ أي أنتم أشدُّ ثم دخلت الالم للتأكيد‪ ،‬فالالم حرف توكيد‪.‬‬
‫كريم) ثم أردت أن‬
‫ٌ‬ ‫و(إن) كَم سبق حرف توكيد‪ ،‬فلو كانت اجلملة يف األصل‪ُ( :‬ممدٌ‬
‫َّ‬
‫(إن) وبـ (الالم) م اعا فَمذا ستفعل؟ لن تستطيع أن تأيت باحلرفني يف أول اجلملة م اعا؛‬
‫تؤكدها بـ َّ‬
‫ألنه ال جيتمع حرفان بمعناى واحد‪ ،‬قد جيتمع حرفان عىل أكثر من معنى مايش‪ ،‬كَم يف قولك‪:‬‬
‫إن وملْ‪ ،‬لكن حرفان عىل معناى واحد ما جيتمعان‪.‬‬
‫تذهب عاقبتك) فاجتمعت ْ‬
‫ْ‬ ‫(إن مل ْ‬
‫طيب ماذا صنعت العرب؟ ح َّلت املشكلة وفصلت بينهَم‪ ،‬فتجعل َّ‬
‫(إن) عىل أصلها يف أول‬
‫كريم) طيب و(الالم)؟ اللتم تزحلقها إىل داخل اجلملة؛ يعني تزحلقها‬
‫ٌ‬ ‫(إن ُممدا ا‬
‫اجلملة‪َّ :‬‬
‫(إن) وبينها‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫فاصل واحد بني َّ‬ ‫بحيث يفصل‬
‫كريم) زحلِق الالم بحيث يفصل فاصل واحد بني َّ‬
‫(إن) و(الالم)‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫(إن ملحمدٌ‬
‫األصل‪َّ :‬‬
‫لكريم) خالص االسم فصل هنا‪ ،‬ودخلت الالم عىل اخلرب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫تقول‪( :‬إن ُممدا ا‬
‫وجمرورا أو ظر افا فقلت‪َّ :‬‬
‫(إن يف‬ ‫ا‬ ‫جارا‬
‫طيب‪ :‬لو أنك قدَّ مت اخلرب يف هذا الباب كَم لو كان ا‬
‫ِ‬
‫البيت ُممدا ا) ثم أردت أن تدخل الالم فزحلقتها‪ ،‬ما الذي سيفصل بينهَم؟ اخلرب‪ ،‬إذن ستدخل‬
‫ٌ‬
‫فاصل واحد‬ ‫(إن يف البيت ملحمدا ا) واملراد واحد أن يفصل‬
‫إن املؤخر‪ ،‬فتقول‪َّ :‬‬
‫الالم عىل اسم َّ‬
‫إن والالم‪.‬‬
‫بني َّ‬
‫‪290‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫(إن‬ ‫البيت) ثم أردت أن ت ِ‬


‫دخل الالم ماذا تقول؟ َّ‬ ‫ِ‬ ‫جالس يف‬ ‫(إن ُممدا ا‬
‫طيب‪ :‬لو قلت‪َّ :‬‬
‫ٌ‬
‫البيت) دخلت عىل ماذا؟ عىل اخلرب‪ ،‬طيب قولنا‪( :‬يف البيت)؟ معمول اخلرب‬‫ِ‬ ‫جلالس يف‬ ‫ُممدا ا‬
‫ٌ‬
‫جالس يف البيت) هذا معمول اخلرب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫(إن ُممدا ا‬
‫َّ‬
‫جالس)‪ ،‬فإذا‬
‫ٌ‬ ‫(إن ُممدا ا يف البيت‬
‫طيب‪ :‬معمول اخلرب جيوز أن يتقدَّ م عىل اخلرب‪ ،‬تقول‪َّ :‬‬
‫جالس) ثم أدخلت (الالم) فستقول‪:‬‬ ‫ِ‬
‫البيت‬ ‫(إن ُممدا ا يف‬
‫قدَّ مت معمول اخلرب عىل اخلرب فقلت‪َّ :‬‬
‫ٌ‬
‫جالس)؛ ألنك ستفصل بينهَم بفاصل‪ ،‬فيدخل (الالم) عىل معمول اخلرب‬ ‫ِ‬
‫البيت‬ ‫(إن ُممدا ا لفي‬
‫َّ‬
‫ٌ‬
‫املتقدي م‪.‬‬
‫ضمري يقع بني متالزمني كاملبتدأ واخلرب أو مع أصلهَم املبتدأ‬
‫ٌ‬ ‫فإذا أتيت بضمري الفصل وهو‬
‫(إن ُممدا ا هو القائم) ثم أدخلت (الالم) ستزحلقها بحيث‬
‫إن‪ ،‬لو قلت‪َّ :‬‬
‫إن وخرب َّ‬
‫واخلرب كاسم َّ‬
‫(إن ُممدا ا هلو القائم)‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫فاصل واحد فتقول‪َّ :‬‬ ‫يفصل‬
‫هيمكم وهو أن حترصوا عىل معرفة القاعدة‪ ،‬وط يبقوها أنتم كَم‬
‫إذن قاعدة واحدة وهذا أمر ُّ‬
‫أهم املواضع‪ ،‬فإذا‬
‫يط يبقها النحويون فستخرجون بمواضع كثرية‪ ،‬والنحويون غال ابا يذكرون َّ‬
‫عرفت القاعدة ال حتتاج إىل أن حتفظ كل هذه املواضع‪.‬‬
‫(إن) فإهنا‪:‬‬
‫فقال ابن هشام‪ :‬إن الالم إذا دخلت بعد َّ‬
‫(إن يف البيت‬
‫قائم)‪ ،‬أو باسمها املؤخر؛ ألن اخلرب سيفصل َّ‬
‫(إن ُممدا ا ل ٌ‬
‫تتصل بخربها املؤخر َّ‬
‫ملحمدا ا)‪.‬‬
‫(إن ُممدا ا يف‬
‫توسط بني اخلرب واالسم‪ ،‬تقدَّ م عىل اخلرب َّ‬
‫توسط؛ يعني َّ‬
‫أو بمعمول اخلرب إذا َّ‬
‫جالس)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫البيت‬ ‫(إن ُممدا ا لفي‬
‫جالس)‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫البيت‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أو عىل ضمري الفصل‪.‬‬
‫فالقاعدة واحدة‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪291‬‬

‫إن‪ ،‬لكن ذكره هنا؛ ألنه متع يل ٌق ا‬


‫أيضا بالالم‬ ‫حكَم يتع َّلق بتخفيف َّ‬
‫ا‬ ‫‪ ‬ثم ذكر ابن هشام‬
‫فقال‪:‬‬
‫ت ومل ْ ي ْظه ِر امل ْعنى"‬ ‫إن ْ ِ‬
‫امهل ْ‬ ‫"وجيِب مع املخ َّفف ِة ْ‬
‫يعني جيب الالم مع املخ َّففة ْ‬
‫إن أمهلت ومل يظهر املعنى‪ ،‬ذكرنا هذه املسألة من قبل‪ ،‬فقد‬
‫إن جيوز أن خت َّفف‪ ،‬فإذا خففت جاز فيها اإلعَمل واإلمهال‪ ،‬واإلمهال هو‬
‫أن َّ‬
‫ذكرنا من قبل َّ‬
‫األكثر‪.‬‬
‫بإن‬
‫قائم) هنا ما يف أي إشكال وال التباس ْ‬ ‫فإن أ ِ‬
‫عملت وهذا جائ ٌز ٌ‬
‫(إن زيدا ا ٌ‬
‫قليل قلت‪ْ :‬‬
‫عملت فنصبت اسمها‪ ،‬فال تلتبِس بإن النافية‪ ،‬ما حتتاج إىل أن تؤكدها بيشء‪ ،‬ولو‬‫النافية؛ ألهنا ِ‬

‫و(إن زيدا ا‬
‫ْ‬ ‫قائم)‪،‬‬
‫(إن زيدا ا ٌ‬
‫شئت أن تؤكدها بالالم فهذا جائز؛ ألن دخول الالم جائز فتقول‪ْ :‬‬
‫لقائم)‪.‬‬
‫ٌ‬
‫إن َّ‬
‫دل املعنى عىل أهنا‬ ‫بإن النافية‪ ،‬فنقول‪ْ :‬‬ ‫ٍ‬
‫فحينئذ قد تلتبِس ْ‬ ‫وإن أمهلتها فارتفع االسم بعدها‬
‫إن؛ ألنك تثبت الكرم‬
‫ريم) تريد َّ‬
‫حاتم ك ٌ‬
‫ٌ‬ ‫(إن‬
‫إن النافية فالالم ال جتب؛ كأن تقول‪ْ :‬‬
‫إن املخففة أو ْ‬
‫ْ‬
‫رجيم) واضح أنك تثبت ما تنفي‪ ،‬قال‬
‫ٌ‬ ‫(إن الشيطان‬
‫عظيم) تثبت‪ْ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫(إن اَّلل‬
‫حلاتم‪ ،‬أو تقول‪ْ :‬‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ـن ِ‬ ‫ِ‬ ‫أنــا ابــن أبـ ِ‬
‫املعـادن‬ ‫كانت كرام‬
‫ْ‬ ‫مالك‬ ‫وإن‬
‫ْ‬ ‫آل‬ ‫الض ـ ْي ِم مـ ْ‬
‫ـاة َّ‬ ‫ْ‬
‫يفخمرالِبقومه‪ ،‬إذن هو يثبت هلم أهنم ٍ ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــكام املعادن أو ينفي؟ يثبت فال نحتاج هنا إىل الالم‪ ،‬ال‬
‫كر‬
‫إن املخ َّففة ْ‬
‫بإن الناهية وجب أن تأيت‬ ‫جتب‪ ،‬ولو أتى بالالم جلاز‪ ،‬فإذا مل َّ‬
‫يدل املعنى والتبست ْ‬
‫إن املخففة‪.‬‬
‫بالالم مع ْ‬
‫مسافر) احتمل املعنيني‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫(إن زيدٌ‬
‫ملسافر)؛ ألنك لو حذفت الالم ْ‬
‫ٌ‬ ‫(إن زيدٌ‬
‫تقول‪ْ :‬‬
‫‪292‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫إن‪ ،‬وال تأيت‬


‫لكثري) إذا أردت اإلثبات املخففة من َّ‬
‫ٌ‬ ‫(إن العمل‬
‫كثري) تأيت بالالم ْ‬
‫(إن العمل ٌ‬
‫ْ‬
‫كثريا)‪.‬‬
‫كثري) إذا أردت النافية تقول‪( :‬ليس العمل ا‬
‫(إن العمل ٌ‬
‫بالالم ْ‬
‫إن وأخواهتا‪ ،‬احلروف اخلمسة أو الستة‪.‬‬‫فهذا كل ما يتع َّلق باب َّ‬
‫إن وأخواهتا؛ فلهذا‬
‫لحق هبا ابن هشام الكالم عىل ال النافية للجنس؛ ألهنا تعمل عمل َّ‬‫‪ ‬لي ِ‬

‫قال‪" :‬و ِم ْثل إِ َّن ال النَّافِية ل ْل ِ‬


‫جن ِ‬
‫ْس"‪.‬‬
‫إن‪ ،‬كريم‪ :‬اسمها‪ ،‬مذمو ٌم‪:‬‬ ‫كقولك‪( :‬ال كريم مذمو ٌم) ال‪ :‬نافي ٌة للجنس عامل ٌة عمل َّ‬
‫ٍ‬
‫طالب عل ٍم‬ ‫ِ‬
‫الفصل)‪( ،‬ال‬ ‫ِ‬
‫البيت)‪( ،‬ال ط َّالب يف‬ ‫اب)‪( ،‬ال رجل يف‬ ‫خربها‪( ،‬ال مؤمن َّ‬
‫كذ ٌ‬
‫مهمالت)‬
‫ٌ‬ ‫متكرب)‪( ،‬ال مع يلمني متأخرون اليوم)‪( ،‬ال والدين يرضيان بذلك)‪( ،‬ال مع يل ِ‬
‫َمت‬ ‫يٌ‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫إن؟ واجلواب‪:‬‬
‫إن‪ ،‬والسؤال‪ :‬ملاذا مل جتعل من أخوات َّ‬
‫إذن فال النافية للجنس تعمل عمل َّ‬
‫ٍ‬
‫خاص هبا‬ ‫ألهنا ختتص برشوط وأحكام فأراد النحويون أن جيمعوا َشوطها وأحكامها يف ٍ‬
‫باب‬
‫إن‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫خاص هبا‪ ،‬وإال فإهنا تعمل عمل َّ‬ ‫ٍ‬
‫فصل‬ ‫أو‬
‫كَم قلنا يف احلروف العاملة عمل ليس‪ ،‬هي عامل ٌة عمل كان‪ ،‬لكن مل جيعلوها من أخوات‬
‫ٍ‬
‫خاصة هبا لذلك‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫فصول‬ ‫وأحكاما وتفاصيل فجعلوها يف‬ ‫كان؛ ألن هلا َشو اطا‬
‫ا‬
‫إن ولكن برشوط‪ ،‬بأربعة َشوط‪:‬‬
‫وال النافية للجني تعمل عمل َّ‬
‫ِ‬
‫املعارف‪.‬‬ ‫الرشط األول‪ :‬كون اسمها وخربها نكرتني‪ ،‬ال تعمل يف‬
‫الرشط الثان‪ :‬أن تتصل باسمها ال يفصل بينهَم فاصل‪.‬‬
‫تتكرر ال‪ ،‬عن تكررت (ال) اختلف حكمها‪.‬‬
‫الرشط الثالث‪ :‬أال َّ‬
‫الرشط الرابع‪ :‬أال يدخل عليها حرف جر‪ ،‬فإن دخل عليها حرف جر اختلف حكمها‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪293‬‬

‫إن‪ ،‬وابن هشام سيذكر هذه الرشوط‪ ،‬بل سيذكر ثالث اة من‬
‫هذه أربعة َشوط إلعَمهلا عمل َّ‬
‫هذه الرشوط‪ ،‬ويف أثناء هذه الرشوط سيذكر مسائل أخرى‪ ،‬ويف هذه املسائل األخرى سيذكر‬
‫يف أثنائها مسائل أخرى‪ ،‬فصار كالمه غاي اة يف الغموض والتعقيد‪ ،‬وهو أراد أن يضغط الكالم‬
‫يف هذا املتن؛ فنح يلل هذه املسائل ونأخذ من كالم ابن هشام ما ُّ‬
‫يدل عليها‪ ،‬ونتبع كالم ابن‬
‫هشام‪.‬‬
‫مسألة يف ال النافية للجنس وهو حكم اسمها‪ ،‬قال ابن هشام‪" :‬وإِ ْن‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ‬فانتقل للكالم عىل‬
‫اف وال ِش ْبهه بنِي عىل ا ْلفتْحِ يف ن ْح ِو‪( :‬ال رجل) و(ال ِرجال)‪ ،‬وعل ْي ِه أ ْو عىل‬‫كان اسمها غري مض ٍ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ني) و(ال م ْسلِمني)"‪.‬‬ ‫ت)‪ ،‬وعىل ا ْلي ِ‬
‫اء يف ن ْح ِو‪( :‬ال رجل ْ ِ‬ ‫رس يف نح ِو‪( :‬ال مسلَِم ٍ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ا ْلك ْ ِ‬

‫فاسم ال النافية للجنس له حالتان‪:‬‬


‫احلالة األوىل‪ :‬أن يكون مفر ادا‪.‬‬
‫واحلالة األخرى‪ :‬أن يكون مضا افا أو ا‬
‫شبيها باملضاف‪.‬‬
‫ولكل ٍ‬
‫حال حكمها؛‬
‫احلالة األوىل‪ :‬أن يكون مفر ادا‪ ،‬طيب‪ :‬ما معنى مفر ادا؟ قلنا‪ :‬هذا املصطلح النحوي له أكثر‬
‫من استعَمل‪ ،‬ويعرف االستعَمل املراد بمعرفة مقابله‪ ،‬هنا االسم املفرد قوبِل بَمذا؟ باملضاف‬
‫والشبيه باملضاف‪.‬‬
‫إذن املراد باالسم املفرد هنا‪ :‬ما ليس مضا افا وال ا‬
‫شبيها باملضاف؛‬
‫فــ (رجل) مفرد‪ ،‬و(رجال) مفرد؛ ألنه ليس مضا افا وال ا‬
‫شبيها باملضاف‪.‬‬
‫و(رجلني) مفرد؛ ألنه ليس مضا افا وال ا‬
‫شبيها باملضاف‪.‬‬
‫و(رجل علم) ليس مفر ادا هذا مضاف‪.‬‬
‫مسجد) هذا مضاف‪.‬‬‫ٍ‬ ‫و(إمام‬
‫‪294‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫و(حسن وجهه) شبيه باملضاف‪.‬‬


‫ٌ‬
‫طيب‪ :‬املضاف معروف‪ ،‬الرتكيب اإلضايف هو املكون من مضاف ومضاف إليه؛ كـ (إمام‬
‫ٍ‬
‫فضل)‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مسجد)‪ ،‬و(كتاب علمٍ)‪ ،‬و(شيخ‬

‫وأما الشبيه باملضاف هو االسم الذي تع َّلق به ٌ‬


‫يشء بعده ال عىل سبيل اإلضافة‪ ،‬اسم لكن‬

‫يشء بعده‪ ،‬هذا التع ُّلق بينهَم ال عىل سبيل اإلضافة؛ كأن تقول‪( :‬ال ا‬
‫قبيحا فعله مذموم)‪،‬‬ ‫تع َّلق به ٌ‬
‫قبيح فعله‪ ،‬وفعله ليس مضا افا إليه‪ ،‬هنا فاعل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قبيح فعله؟ ٌ‬
‫من املذموم؟ القبيح أم ٌ‬
‫ِ‬
‫املسجد‬ ‫جالسا يف‬ ‫ِ‬
‫الكتب ناد ٌم)‪( ،‬ال‬ ‫حارض)‪( ،‬ال قارئاا يف‬ ‫مثال‪( :‬ال طال اعا ا‬
‫جبال‬ ‫لو قلت ا‬
‫ا‬ ‫ٌ‬
‫جالس يف املسجد‪ ،‬إذن يف املسجد متع يلقة بجالس‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫جالس يف املسجد ليس جالس‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫خارس)‬
‫ٌ‬
‫وجالس متع يلقة باملسجد‪ ،‬والعالقة بينهَم ليست عالقة إضافة‪ ،‬تقول‪ :‬هذا شبيه باملضاف‪ ،‬ليس‬
‫مضا افا‪ ،‬شبيه باملضاف‪.‬‬
‫اسَم لـ(ال‬
‫عرفنا املفرد‪ ،‬وعرفنا املضاف‪ ،‬وعرفنا الشبيه باملضاف‪ ،‬ما أحكامها إذا وقعت ا‬
‫النافية للجنس)؟‬
‫ٍ‬
‫حينئذ عىل الفتح أو‬ ‫اسَم مفر ادا فإنه يبنى‬
‫أما احلالة األوىل‪ :‬إذا كان اسم "ال النافية للجنس" ا‬
‫ما ينوب عنه؛‬
‫ِ‬
‫الفصل)‪( ،‬ال تفاحة يف‬ ‫ِ‬
‫البيت)‪( ،‬ال طالب يف‬ ‫يبنى عىل الفتح يف قولك‪( :‬ال رجل يف‬
‫ِ‬
‫املجلس)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الفصل)‪( ،‬ال رجال يف‬ ‫طالب يف‬ ‫ِ‬
‫املكتبة)‪ ،‬أو (ال َّ‬ ‫الشجرة)‪( ،‬ال كتاب يف‬
‫ٍ‬
‫مذكر سا املا فيبنى عىل الياء عالمة النصب‪ ،‬تقول‪( :‬ال مصلني يف‬ ‫وإذا كان مثناى أو مجع‬
‫املسجد)‪( ،‬ال مع يلمني متأخرون)‪.‬‬
‫ِ‬
‫معلَمت‬ ‫ٍ‬
‫مؤنث سا املا ما عالمة نصبه؟ الكرسة‪ ،‬يبنى عىل الكرس يف األكثر (ال‬ ‫وإن كان مجع‬
‫املعرض)‪( ،‬ال ك ِ‬
‫تيبات عندي)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫سيارات يف ِ‬ ‫متأخرات)‪( ،‬ال‬
‫ٌ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪295‬‬

‫ِ‬
‫مسلَمت‬ ‫وجاء يف السَمع بناء مجاع املؤنث السامل عىل الفتح‪ ،‬هذا أمر سَمعي‪ ،‬فيقولون‪( :‬ال‬
‫متأخرات هذا اليوم)‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫معلَمت‬ ‫ِ‬
‫معلَمت وال‬ ‫وال مسلَمت يفعلن ذلك)‪( ،‬ال‬
‫ِ‬
‫البيت)؟ نقول‪:‬‬ ‫إذن فاملفرد يبنى عىل الفتح أو ما ينوب منابه‪ ،‬يعني كيف ن ِ‬
‫عرب (ال رجل يف‬
‫مبني‬ ‫ٍ‬
‫نصب ٌّ‬ ‫منصوب يف ُمل‬
‫ٌ‬ ‫رجل‪ :‬اسم ال النافية للجنس‪ ،‬ثم نعربه إعراب املبنيات فنقول‪:‬‬
‫عىل الفتح‪.‬‬
‫منصوب يف ُمل‬
‫ٌ‬ ‫وإذا قلت‪( :‬ال مصلني يف املسجد) نقول مصلني‪ :‬اسم ال النافية للجنس‬
‫مبني عىل الياء‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫نصب ٌّ‬
‫واحلالة الثانية‪ :‬إذا كان مضا افا أو ا‬
‫شبيها باملضاف فإنه ينصب‪ ،‬يكون منصو ابا‪ ،‬منصوب كَم‬
‫سبق يف الكالم عىل باب املعرب واملبني‪ ،‬منصوب هذا مصطلح خاص باملعربات؛ يعني أنه‬
‫ٍ‬
‫حينئذ معر ابا باق ايا عىل إعرابه‪.‬‬ ‫يكون‬
‫متكرب) طالب‪ :‬اسم ال النافية للجنس منصوب وعالمة نصبه‬
‫يٌ‬ ‫فنقول‪( :‬ال طالب عل ٍم‬
‫ومتكرب‪ :‬خرب ال النافية للجنس مرفوع وعالمة رفعه‬
‫ٌ‬ ‫الفتحة وهو مضاف‪ ،‬وعلمٍ‪ :‬مضاف إليه‪،‬‬
‫الضمة‪.‬‬
‫جالسا‪ :‬اسم ال النافية للجنس منصوب وعالمة‬ ‫خارس)‬ ‫ِ‬
‫املسجد‬ ‫جالسا يف‬ ‫أو تقول‪( :‬ال‬
‫ا‬ ‫ٌ‬ ‫ا‬
‫وخارس‪ :‬خرب ال مرفوع‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫بجالسا‪،‬‬
‫ا‬ ‫نصبه الفتحة‪ ،‬ويف املسجد‪ :‬جار وجمرور متعلق‬
‫الطال ِ‬
‫ب عندي) مخس اة ومخسني‪ :‬نصبت‪ ،‬اسم ال منصوب وعالمة‬ ‫(ال مخس اة ومخسني من َّ‬
‫نصبه الفتحة‪ ،‬ومخسني‪ :‬معطوف عليه‪.‬‬
‫رابح)‪( ،‬ال ا‬
‫باذال علمه ناد ٌم)‪ ،‬وهكذا؛‬ ‫ِ‬
‫للناس ٌ‬ ‫خائن)‪( ،‬ال ً‬
‫غاشا‬ ‫ٌ‬ ‫(ال طال ابا للعل ِم‬
‫فإذا كان مضا افا أو ا‬
‫شبيها باملضاف سيكون منصوب‪ ،‬طب اعا‬
‫إذا كان مضا افا سينصب بال تنوين؛ ألن التنوين ال جياء مع اإلضافة‪.‬‬
‫‪296‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫سينون‪.‬‬
‫وإذا كان شبي اها باملضاف فإنه َّ‬
‫وهنا تنبيه‪ :‬وهو أن كون اسم ال النافية للجنس املفرد مبن ًيا عىل الفتح أو ما ينوب منابه‪ ،‬هذا‬
‫ٍ‬
‫حينئذ مبني عىل الفتح أو ما ينوب منابه‪،‬‬ ‫قول مجهور النحويني‪ ،‬يرون أن اسم ال النافية للجنس‬
‫والسبب الذي جعلهم يقولون ذلك‪ :‬أن اسم ال النافية للجنس املفرد ال ي َّنون مع أنه يف األصل‬
‫مرصوف‪ ،‬تقول‪( :‬ال رجل يف الدار)‪ ،‬ال تقول‪( :‬ال ا‬
‫رجال)‪ ،‬ملاذا مل ي َّنون؟‬
‫قالوا‪ :‬ألنه مبني‪ ،‬طيب كيف حدث فيه البناء؟ قالوا‪ :‬تركَّب مع ال النافية للجنس تركُّب‬
‫األعداد املركبة‪ ،‬تركُّب مخسة عرش‪ ،‬يعني ركَّبت الكلمتني بحيث يكونان كلم اة واحدة فبني عىل‬
‫الفتح كَم يف مخسة عرش ركَّبتهَم فبني عىل الفتح‪.‬‬
‫دائَم؛‬
‫منصوب ا‬
‫ٌ‬ ‫معرب‬
‫ٌ‬ ‫إن اسم ال النافية للجنس‬
‫وقال بعض املحققني من النحويني‪َّ :‬‬
‫فإن كان مضا افا أو ا‬
‫شبيها باملضاف فهذا اتيفاق‪.‬‬
‫معرب منصوب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أيضا‬
‫وإن كان مفر ادا فهو ا‬
‫ٍ‬
‫لسبب آخر وهو‪ :‬طلب التفريق يف املعنى‪ ،‬ليعرف أن ال عاملة‬ ‫وإنَم مل ي َّنون ال ألنه مبني وإنَم‬
‫عمل ال النافية للجنس‪ ،‬وذلك أن ال النافية للجنس هي ال النافية املعروفة التي تدخل عىل‬
‫األفعال وعىل األسَمء؛‬
‫حرف مهمل هامل با يتفاق‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫تدخل عىل األفعال؛ كقولك‪ُ( :‬ممدٌ ال هيمل دروسه) فهي‬
‫ِ‬
‫البيت)‪.‬‬ ‫وتدخل عىل األسَمء؛ كقولك‪( :‬ال ٌ‬
‫رجل يف‬
‫فإن دخلت ال النافية عىل االسم؛ كقولك‪( :‬ال رجل يف البيت) هي نفت‪ ،‬لكن ماذا نفت؟‬
‫ما معنى (ال رجل يف البيت)؟ حيتمل أمرين‪:‬‬
‫أهنا نفت اجلنس؛ يعني ال أحد من هذا اجلنس يف البيت‪( ،‬ال رجل يف البيت) هذا البيت‬
‫ليس فيه أحد من جنس الرجال ال واحد وال أكثر؛ (ال رجل يف البيت)‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪297‬‬

‫وحيتمل أهنا نفت الوحدة‪ ،‬ال رجل واحد‪ ،‬فهذا البيت ما فيه رجل بل فيه رجالن أو رجال‪.‬‬
‫النفي هنا ُمتمل للمعنيني‪ ،‬فأرادت العرب أن مت ييز نفي اجلنس عن نفي الوحدة‪ ،‬فإذا أرادوا‬
‫إن‬
‫إن فقالوا‪( :‬ال رجل يف البيت)‪ ،‬فإذا أعملتها عمل َّ‬
‫النص عىل نفي اجلنس أعملوها عمل َّ‬
‫صارت نافي اة للجنس؛ يعني صارت ً‬
‫نصا يف نفي اجلنس وال حتتمل نفي الوحدة‪.‬‬
‫فعىل ذلك لو قلت‪( :‬ال رجل يف البيت)‪ ،‬هل يصح أن تقول‪( :‬ال رجل يف البيت بل فيه‬
‫رجال)؟ ال؛ ألن (ال رجل يف البيت) نفي مجيع اجلنس‪ ،‬ال واحد وال اثنني وال أكثر‪.‬‬
‫ٌ‬
‫رجل‪ :‬مبتدأ‪ ،‬ويف‬ ‫ٌ‬
‫رجل يف البيت)‬ ‫وإذا مل تعملها أبقيتها حر افا ا‬
‫هامال‪ ،‬فإنك ستقول‪( :‬ال‬
‫البيت‪ :‬خرب‪ ،‬وال‪ :‬حرف نفي هامل‪ ،‬وماذا يكون معنى نفيها؟ حيتمل املعنيني؛ فقالوا‪ :‬ال النافية‬
‫للجنس يعني ال الناصة عىل نفي اجلنس فقصدت العرب إىل ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬ثم قال ابن هشا ٍم ‪-‬رمحه اَّلل‪:-‬‬
‫وت)‪ ،‬و(ال ِع ْ ِ‬
‫رشين‬ ‫احب ِع ْل ٍم ممْق ٌ‬
‫ات املت َِّصل ِة ِهبا نحو‪( :‬ال ص ِ‬
‫ْ‬
‫"لكِن عملها خاص بِالنَّكِر ِ‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫مها ِعن ِْدي)"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫د ْر ا‬
‫إن‪:‬‬
‫نص عىل َشطني من َشوط إعَمل ال عمل َّ‬
‫يف كالمه هذا ٌّ‬
‫الرشط األول‪ :‬أهنا ال تعمل إال يف النكرات‪ ،‬فهي ال تعمل يف املعارف‪.‬‬
‫والرشط الثان‪ :‬أن تتصل باسمها فال يفصل بينهَم بفاصل‪.‬‬
‫إذن انخرم الرشط األول؟ يعني لو دخلت عىل معرفة‪ ،‬لو كان اسمها معرفة فهل تعمل أو‬
‫كرر‪.‬‬
‫وأيضا جيب أن ت َّ‬
‫هتمل؟ طب اعا ستهمل لفقد هذا الرشط‪ ،‬ا‬
‫ِ‬
‫البيت وال‬ ‫فإذا كان اسمها معرفة وجب إمهاهلا ووجب تكرارها‪ ،‬فتقول‪( :‬ال ُممدٌ يف‬
‫ِ‬
‫البيت وال‬ ‫كرر؛ (ال ُممدٌ يف‬ ‫ِ‬
‫خالدٌ )‪ ،‬وال يصح أن تقول‪( :‬ال ُممدٌ يف البيت)‪ ،‬ال بد أن هتمل وت َّ‬
‫خالدٌ ) ُممدٌ ‪ :‬مبتدأ‪ ،‬ويف البيت‪ :‬خرب‪ ،‬وال‪ :‬نافية‪.‬‬
‫‪298‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫فإن قلت‪ :‬أنا أريد أن أنفي ُممدا ا فقط‪ ،‬ما يل عالقة بخالد فنقول‪ :‬تستعمل ناف ايا آخر؛‬
‫ِ‬
‫البيت ُممدٌ ) ليس نفيها مطلق يف النكرات واملعارف‪ ،‬أما (ال) فلها‬ ‫كليس‪ ،‬تقول‪( :‬ليس يف‬
‫استعَمل معني؛‬
‫إما أن تنفي هبا النكرة‪.‬‬
‫كرر‪.‬‬
‫وإما أن تنفي هبا املعرفة فتهمل وت َّ‬
‫وكذلك يف الرشط الثان‪ :‬لو انخرم‪ ،‬فصل فاصل بينها وبني اسمها كَم لو قلت‪( :‬ال يف‬
‫رجل) ففصلت باخلرب‪ ،‬فيجب‬ ‫ِ‬
‫البيت ٌ‬ ‫رجل) ما قلت‪( :‬ال ا‬
‫رجال يف البيت) قلت‪( :‬ال يف‬ ‫ِ‬
‫البيت ٌ‬
‫رجل وال امرأةٌ) فإن أردت أن تنفي واحدا ا‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫البيت‬ ‫كرر فتقول‪( :‬ال يف‬‫أن هتمل وجيب أن ت َّ‬
‫رجل) وفال هلا استعَمل خاص‪.‬‬ ‫ِ‬
‫البيت ٌ‬ ‫تستعمل ناف ايا آخر تقول‪( :‬ليس يف‬
‫‪ ‬ثم قال بن هشا ٍم ‪-‬رمحه اَّلل‪" :-‬ولك يف ن ْح ِو‪( :‬ال ح ْول وال ق َّوة) فتْح األ َّو ِل‪ ،‬ويف ال َّث ِان‬

‫ا ْلفتْح والن َّْصب و َّ‬


‫الر ْفع" ثم قال بعد ذلك‪" :‬ور ْفعه في ْمتنع الن َّْصب"‪.‬‬
‫ِ‬
‫البيت) فإن تكررت ال‬ ‫هذا الكالم إشار ٌة إىل الرشط الثالث‪ :‬وهو أال تتكرر ال‪( ،‬ال رجل يف‬
‫(ال رجل وال امرأة يف البيت)‪( ،‬ال قلم وال مسطرة عندي) فيختلف حكمها‪ ،‬وجيوز فيها مخسة‬
‫أوجه‪ ،‬جيوز إعَمهلا وجيوز إمهاهلا ويرتتب عىل ذلك مخسة أوجه ذكرها ابن هشام‪.‬‬
‫قال‪ :‬لك يف األول فتح األول‪ ،‬أن تفتح األول‪ ،‬تفتح يعني أن ال عاملة وهو اسمها مبني عىل‬
‫الفتح؛ (ال حول)‪.‬‬
‫فإذا فتحته‪ ،‬بنيته عىل الفتح‪ ،‬أعملتها فبنيته عىل الفتح فقتل‪( :‬ال حول) ماذا لك يف الثان؟‬
‫ٍ‬
‫قال‪( :‬ويف ال َّث ِان) يعني ولك يف الثان حينئذ (ا ْلفتْح‪ ،‬والن َّْصب‪ ،‬و َّ‬
‫الر ْفع) إذن لك أن تقول‪:‬‬
‫(ال حول وال قوة)‪ ،‬وتقول‪( :‬ال حول وال قوةٌ)‪ ،‬وتقول‪( :‬ال حول وال قوةا) ثالثة أوجه؛‬
‫إن‪.‬‬
‫إن قلت‪( :‬ال حول وال قوة) فقد أعملت ال يف املوضعني عمل َّ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪299‬‬

‫إن والثانية مهملة‪ ،‬فاالسم املرفوع‬


‫وإن قلت‪( :‬ال حول وال قوةٌ) فال األوىل عاملة عمل َّ‬
‫بعدها مبتدأ‪.‬‬
‫إن و(حول) اسمها‪( ،‬وال قوةا) الواو‪:‬‬
‫وإن قلت‪( :‬ال حول وال قوةا) فال األوىل عاملة عمل َّ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ زائدة‪ ،‬وقوة‪ :‬معطوفة بالواو عىل ماذا ُمل أو لفظ حول؟ عىل ُم يله‪،‬‬ ‫حرف عطف‪ ،‬وال‬
‫ولفظه البناء عىل الفتح‪ ،‬لكن ُم ُّله النصب؛ ألن اسم ال النافية للجنس حكمه النصب كـ َّ‬
‫(إن)‪،‬‬
‫فعطفته عىل ُمل اسم ال النافية للجنس فنصبته‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ لك يف الثان الفتح والنصب‬ ‫ثالثة أوجه ذكرها ابن هشام بقوله‪ :‬لك فتح األول‪،‬‬
‫والرفع‪ ،‬ثم قال‪( :‬ولك رفعه) فيمتنع النصب‪ ،‬لك رفع األول‪( :‬ال ٌ‬
‫حول) طيب إذا رفعت‬
‫األول ماذا لك يف الثان؟ قال‪ :‬لك الفتح ولك الرفع لكن يمتنع النصب؛ يعني إذا رفعت؛‬
‫إما أن تقول‪( :‬ال ٌ‬
‫حول وال قوةٌ)‪.‬‬
‫أو تقول‪( :‬ال ٌ‬
‫حول وال قوة)‪.‬‬
‫حول وال قوةٌ) أمهلت ال يف املوضعني‪ ،‬وإذا قلت‪( :‬ال ٌ‬
‫حول وال قوة) أمهلت األول‬ ‫(ال ٌ‬
‫وأعملت الثان‪ ،‬وكل ذلك وارد يف الكالم الفصيح‪ ،‬ووارد يف قراءات القرآن الكريم‪.‬‬
‫ِ‬
‫البيت)‪( ،‬ال‬ ‫وهنا مسألة‪ :‬هذا الكالم عىل (ال) إذا تكررت‪ ،‬فقلت‪( :‬ال رجل وال امرأة يف‬
‫حول وال قوة إال باَّلل)‪.‬‬
‫طيب لو عطفت لكن دون تكرار (ال)‪ ،‬قلت‪( :‬ال رجل وامرأة يف البيت)‪( ،‬ال قلم وكتاب‬
‫يف املكتبة) إذا عطفت دون تكرار ال‪ ،‬نفس احلكم جيوز فيه األوجه اخلمسة أو خيتلف احلكم؟‬
‫ت غ ْري م ْفرد ٍة ْامتنع ا ْلفتح"‪.‬‬
‫الص ِفة‪ ،‬أ ْو كان ْ‬ ‫ِ‬
‫قال ابن هشام‪" :‬وإِ ْن مل ْ تك َّر ْر ال‪ ،‬أ ْو فصلت ي‬
‫(إن) فتقول‪( :‬ال رجل)‪،‬‬
‫يعني األول ليس لك فيه إال الفتح؛ ألن (ال) عاملة عمل َّ‬
‫واملعطوف لك فيه الرفع‪ ،‬ولك فيه النصب‪ ،‬ويمتنع الفتح؛‬
‫‪300‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫لك النصب وهو األكثر فتقول‪( :‬ال رجل وامرأ اة يف البيت)‪.‬‬


‫ولك الرفع‪( :‬ال رجل وامرأ ٌة يف البيت)‪.‬‬
‫ويمتنع الفتح ال تقول‪( :‬ال رجل وال امرأة يف البيت)‪.‬‬
‫أما النصب‪ :‬فسبق خترجيه أنه معطوف عىل ُمل اسم ال‪.‬‬
‫معطوف عىل ُمل اسم‬
‫ٌ‬ ‫معطوف عىل ماذا؟‬
‫ٌ‬ ‫وأما الرفع‪( :‬ال رجل وامرأةٌ) فهو معطوف لكن‬
‫(ال) قبل دخول (ال)‪ ،‬طب اعا هذا مل جيزْ إال ألن العرب تك َّلمت به‪ ،‬لو مل تتك َّلم به ما جاز‪.‬‬
‫وامتنع الفتح؛ يعني البناء عىل الفتح‪ ،‬ما تقول‪( :‬ال رجل وامرأة) ملاذا امتنع الفتح؟ ألن‬
‫البناء عىل الفتح كَم سبق كان بسبب الرتكيب‪ ،‬تركيب مخسة عرش (ال رجل) ركَّبنا ال ورجل‬
‫فصارت ككلمة واحدة (ال رجل)‪.‬‬
‫طيب‪( :‬ال رجل وامرأة) عندك الواو كلمة‪ ،‬وعندك امرأة كلمة‪ ،‬لو قلنا‪( :‬ال رجل) كلمة‬
‫واحدة؛ ألهنا يف حكم الكلمة الواحدة بسبب الرتكيب‪ ،‬لكن عندك الواو وعندك امرأة‪ ،‬صارت‬
‫ٍ‬
‫حينئذ عىل الفتح؛‬ ‫ثالث كلَمت وال حيدث تركيب بني ثالث كلَمت‪ ،‬فال يصح أن تبنى‬
‫إما النصب وهو األكثر‪.‬‬
‫أو الرفع وهو جائز‪.‬‬
‫وخري يف احلقد)‪( ،‬ال قلم وكتا ابا يف املكتبة)‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وخريا يف احلقد)‪ ،‬أو (ال فائدة‬
‫ا‬ ‫تقول‪( :‬ال فائدة‬
‫وكتاب يف املكتبة) وهكذا‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أو (ال قلم‬
‫إىل هنا ذكر ابن هشام ثالثة الرشوط األوىل‪.‬‬
‫وأما الرشط الرابع‪ :‬وهو أال تبق بحرف جر فلم يذكر هذا الرشط‪ ،‬فإن سبقت ال بحرف‬
‫جر فإن عملها يبطل‪ ،‬وما بعدها جير بحرف اجلر‪ ،‬فتقول‪( :‬جئت بال ٍ‬
‫زاد) ال تقول‪( :‬جئت بال‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪301‬‬

‫زاد) فتقول‪( :‬ال) نافية لكن هاملة ليس هلا عمل‪ ،‬والباء جرت ٍ‬
‫زاد‪.‬‬ ‫زاد) ال جيوز؛ (جئت بال ٍ‬
‫َّ‬
‫وتقول‪( :‬غضبت من ال ٍ‬
‫يشء) وهكذا‪.‬‬
‫‪ ‬ثم ننتقل إىل مسألة أخرى وهي‪ :‬حكم نعت اسم ال النافية للجنس‪ ،‬وهي آخر مسألة يف‬
‫الباب؛ نعت اسم ال النافية للجنس‪.‬‬
‫هذه املسألة يف احلقيقة ِيرد عليها استعَمل كثري‪ ،‬ويسأل عنها بكثرة؛ ألهنا بالفعل حيتاج إليها؛‬
‫يعني لو قلت ا‬
‫مثال‪( :‬ال بضاعة عندنا) قد تنعت بضاعة تقول‪( :‬ال بضاعة جديدة عندنا)‪ ،‬طيب‬
‫كيف ت ِ‬
‫عرب النعت؟ نعت اسم ال النافية للجنس‪ ،‬الكالم عىل نعت اسم ال النافية للجنس ما‬
‫حكمه؟ ما إعرابه؟‬
‫قال ابن هشام‪" :‬ولك يف ن ْح ِو‪( :‬ال ح ْول وال ق َّوة) فتْح األ َّو ِل‪ ،‬ويف ال َّث ِان‪ :‬ا ْلفتْح‪ ،‬والن َّْصب‪،‬‬
‫يف‪ ،‬ظري افا‪ ،‬ظريف) ور ْفعه في ْمتنع الن َّْصب‪ ،‬وإِ ْن مل ْ تك َّر ْر‬ ‫الصف ِة يف ن ْحو‪( :‬ال رجل ظ ِر ٌ‬ ‫الر ْفع؛ ك ي‬
‫و َّ‬
‫ت غ ْري م ْفرد ٍة؛ ْامتنع ا ْلفتح"‪.‬‬
‫الص ِفة‪ ،‬أ ْو كان ْ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ ،‬أ ْو فصلت ي‬
‫فنعت ال النافية للجنس له حالتان‪:‬‬
‫ا‬
‫متصال؛‬ ‫احلالة األوىل‪ :‬أن يكون مفر ادا‬
‫مفر ادا‪ :‬عرفناه ليس مضا افا وال ا‬
‫شبيها باملضاف‪.‬‬
‫ا‬
‫مفصوال عن موصوفه بفاصل‪.‬‬ ‫ا‬
‫متصال‪ :‬يعني ليس‬
‫ملحة يل)‪،‬‬
‫كأن تقول‪( :‬ال رجل كريم يف البيت)‪( ،‬ال بضاعة جديدة عندنا)‪( ،‬ال حاجة َّ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ ثالثة أوجه‪ :‬النصب‪ ،‬والرفع‪ ،‬والفتح؛‬ ‫وهكذا (ال قلم مجيل عندي) فيجوز يف النعت‬
‫كريَم يف الدار)‪( ،‬ال بضاعة جديد اة عندنا)‪ ،‬وعرفنا أن‬
‫جيوز لك النصب فتقول‪( :‬ال رجل ا‬
‫هذا مراعاة ملحل اسم ال النافية للجنس‪.‬‬
‫‪302‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫كريم عندنا)‪( ،‬ال بضاعة جديد ٌة عندنا)‪ ،‬وهذا مراعا ٌة ملحل اسم‬
‫ٌ‬ ‫وجيوز يف الرفع‪( :‬ال رجل‬
‫(ال) النافية للجنس قبل دخول (ال)‪.‬‬
‫وجيوز فيه الفتح؛ يعني البناء عىل الفتح فتقول‪( :‬ال رجل كريم عندنا)‪( ،‬ال بضاعة جديدة‬
‫عندنا)‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كلمة واحدة‪،‬‬ ‫فَم ختريج البناء عىل الفتح؟ قالوا‪( :‬ال رجل) تركَّبت فصارت يف حكم‬
‫أيضا بينهَم تركيب مخسة عرش فبني عىل الفتح‪ ،‬طب اعا هذا ختريج‬
‫والنعت كلمة واحدة فركَّبوا ا‬
‫لكالم العرب‪.‬‬
‫احلالة الثانية أو احلالة األخرى لنعت (ال) النافية للجنس‪ :‬أال يكون مفر ادا‪ ،‬أو أن يكون‬
‫ا‬
‫مفصوال؛ يعني خالف احلالة األوىل‪.‬‬
‫أن يكون غري مفرد؛ مضا افا‪.‬‬
‫ا‬
‫مفصوال؛ بني النعت واملنعوت فاصل‪.‬‬ ‫أو يكون‬
‫ٍ‬
‫حينئذ لك يف النعت النصب والرفع ويمتنع البناء عىل الفتح‪ ،‬فتقول‪( :‬ال رجل طالب عل ٍم‬
‫يف البيت) طالب عل ٍم نعت لرجل‪ ،‬فلك أن تقول‪( :‬ال رجل طالب علمٍ)‪ ،‬أو (ال رجل طالب‬
‫علمٍ) (طالب علمٍ)‪ :‬نعت منصوب‪ ،‬طالب علمٍ‪ :‬نعت مرفوع‪ ،‬لكن ليس لك أن تقول‪ :‬أنه‬
‫مبني عىل الفتح؛ ألن طالب علم كلمتان‪ ،‬و(ال رجل) يف قوة كلمة واحدة وال يكون الرتكيب‬
‫بني ثالث كلَمت‪ ،‬لكن لك النصب مراعا اة للمحل‪ ،‬ولك الرفع مراعا اة للمحل قبل ال‪.‬‬
‫أو الفصل بينهَم بفاصل‪ :‬كأن تقول‪( :‬ال رجل يف البيت كريم) يف البيت‪ :‬خرب‪ ،‬وكريم‪:‬‬
‫أيضا لك النصب والرفع‪( :‬ال رجل يف البيت‬
‫نعت‪ ،‬لكن فصلت باخلرب بني النعت واملنعوت‪ ،‬ا‬
‫كريم) عىل التأويلني السابقني‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫كريَم)‪( ،‬ال رجل يف البيت‬
‫ا‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪303‬‬

‫عىل ذلك نخلص عىل أن يف نحو قولنا‪( :‬ال بضاعة عندنا) لك وج ٌه واحد فقط‪( :‬ال بضاعة‬
‫ٍ‬
‫بمفرد متصل (ال بضاعة جديدة عندنا) جاز لك ثالثة أوجه‪:‬‬ ‫عندنا) فإن نعت‬
‫‪( -‬ال بضاعة جديدة عندنا)‪.‬‬
‫‪( -‬ال بضاعة جديد اة عندنا)‪.‬‬
‫‪( -‬ال بضاعة جديد ٌة عندنا)‪.‬‬
‫فإن فصلت؛ كأن تقول‪( :‬ال بضاعة اليوم جديدة عندنا) امتنع الفتح وبقي لك النصب‬
‫والرفع؛ يعني وجهان‪:‬‬
‫‪( -‬ال بضاعة اليوم جديدةا)‪.‬‬
‫‪( -‬ال بضاعة اليوم جديد ٌة عندنا)‪.‬‬
‫إن وأخواهتا وما يعمل عملها‪ِ ،‬‬
‫لنقف هنا ونكمل إن‬ ‫فهذا ما يتع َّلق بالناسخ الثان وهو‪َّ :‬‬
‫وصل اَّلل وس َّلم عىل نبينا ُممد‪.‬‬
‫َّ‬ ‫شاء اَّلل يف الدرس القادم من ظننت وأخواهتا‪ ،‬واَّلل أعلم‪،‬‬
‫‪304‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫الدرس الثامن‬

‫والسالم عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله‬


‫والصالة َّ‬
‫بسم اَّلل الرمحن الرحيم‪ ،‬واحلمد َّلل رب العاملني‪َّ ،‬‬
‫وأصحابه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪...‬‬
‫فسالم اَّلل عليكم ورمحته وبركاته‪ ،‬وح َّياكم اَّلل وب َّياكم يف الدرس الثامن من دروس َشح‬
‫الصدى] البن هشام ‪-‬عليه ر ِمحة اَّلل‪ ،-‬نحن يف ليلة األربعاء‪ ،‬الرابع من شهر‬ ‫[قطر الندى ي‬
‫وبل َّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫رجب‪ ،‬من سنة تس ٍع وثالثني وأربعَمئة وألف من هجرة احلبيب املصطفى ‪-‬عل ْيه َّ‬
‫الصالة‬
‫السال ِم‪ ،-‬يف جامع منرية شبييل يف حي الفالح يف مدينة الرياض‪.‬‬
‫و َّ‬
‫يف الدرس املايض كنا تك َّلمنا عىل الناسخ الثان الذي ينصب املبتدأ ويرفع اخلرب‪ ،‬ويشمل‪:‬‬

‫إن وأخواهتا‪ ،‬وال النافية للجنس‪ ،‬والليلة إن شاء اَّلل سنتك َّلم عىل الناسخ الثالث وهو‪َّ :‬‬
‫ظن‬ ‫َّ‬
‫وأخواهتا‪ ،‬وهبذا تكون قد انتهينا من اجلملة االسمية وصورها‪ ،‬لننتقل بعد ذلك إىل اجلملة‬
‫الفعلية بصورتيها املمثلتني يف [باب الفاعل ونائب الفاعل] فنسأل اَّلل أن يوفقنا ملا حيبه ويرضاه‪.‬‬
‫‪ ‬فنبدأ تب اعا البن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬بالكالم عىل الناسخ الثالث‪ :‬ويف ذلك يقول‪:‬‬
‫"الثالث‪ :‬ظ َّن ورأى‪ ،‬وح ِسب ودرى‪ ،‬وخال وزعم‪ ،‬ووجد وعلم القلبيات"‪.‬‬
‫فقوله ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪( :-‬الثالث) أي الثالث من النواسخ؛ ألن‪:‬‬
‫األول‪ :‬كان وأخواهتا وما يعمل عملها‪.‬‬
‫والثان‪ :‬إن وأخواهتا وما يعمل عملها‪.‬‬
‫وهذا هو الثالث‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪305‬‬

‫أفعال كثرية إال أن ابن هشام ذكر أهم هذه‬ ‫ٌ‬ ‫[ظن وأخواهتا]‪ :‬يف احلقيقة‬
‫َّ‬ ‫وهذا الباب‬
‫أفعاال أخر‪ ،‬كَم أنه أمهل ِذكر هذه األفعال مرتَّب اة‪ ،‬فخلط بني أفعال الظن وأفعال‬
‫األفعال‪ ،‬وأهل ا‬

‫اليقني‪ ،‬ومل يذكر شيئاا من أفعال التصيري‪.‬‬


‫صري؛‬ ‫ِ‬
‫ظن وأخواهتا كثرةٌ] وهي بمعنى ظ َّن أو علم أو َّ‬
‫فلهذا نقول‪ :‬أفعال هذا الباب [باب َّ‬
‫يعني أهنا ٌ‬
‫أفعال؛‬
‫إما أن تكون بمعنى الظن‪.‬‬
‫أو بمعنى العلم‪.‬‬
‫أو بمعنى التصيري‪.‬‬
‫فمن أفعال الظن‪:‬‬
‫ظن" نحو‪( :‬ظننت الفرج قري ابا)‪.‬‬
‫الفعل " َّ‬
‫حسب" وهو بمعنى ظن؛ كقولك‪ِ :‬‬
‫(حسبتك صدي اقا)‪.‬‬ ‫والفعل " ِ‬
‫َّ‬
‫ظن؛ تقول‪( :‬خال املهمل النجاح ه ييناا)‪.‬‬
‫والفعل "خال" وهو بمعنى َّ‬
‫مفتوحا)‪ ،‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫ا‬ ‫و"زعم"؛ كقولك‪( :‬زعم احلارس الباب‬
‫الش ـيخ مــن يـ ِ‬
‫ـد ُّب دبِيبــا‬ ‫زعمتْنِي ش ْيخا ا ول ْست بِشـ ْيخٍ‬
‫ْ‬ ‫إ َّنــَم َّ ْ‬
‫أي ظنَّتني شيخا ا‪.‬‬
‫فهذه األفعال كلها من أفعال الظن‪ ،‬وأما األفعال التي بمعنى العلم؛ أي اليقني فمنها‪:‬‬
‫الفعل "علِم"؛ كقولك‪( :‬يعلم املسلم الصدق منج ايا)‪ ،‬ومن ذلك قوله ‪-‬س ْبحانه وتعاىل‪:-‬‬
‫ات [املمتحنة‪ ]10:‬يعني وقع يف قلوبكم هذا األمر وعلمتموه علم‬ ‫﴿فإِ ْن علِمتموهن م ْؤ ِمن ٍ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬
‫اليقني‪.‬‬
‫‪306‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ومن ذلك الفعل‪" :‬رأى" إذا كان بمعنى علِم؛ كقولك‪( :‬رأيت العلم ناف اعا) بمعنى علمته‬
‫ناف اعا‪ ،‬ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬
‫ُماولـــ اة وأكثـــرهم جنـــو ادا‬ ‫ــل ٍ‬
‫يشء‬ ‫رأيــت اَّلل أكْــرب ك ن‬

‫أي علمت اَّلل ‪-‬عزَّ وج َّل‪ -‬أكرب كل يشء‪.‬‬


‫عظيَم)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ومن ذلك‪" :‬درى" بمعنى علم‪ ،‬تقول‪( :‬دريت اإلسالم ا‬
‫ومن ذلك‪" :‬وجد" بمعنى علِم؛ كقولك‪( :‬وجد الوالد االبن صاد اقا)‪ ،‬ومن ذلك قوله‬
‫تعاىل‪﴿ :‬إِنَّا وجدْ ناه صابِ ارا [ص‪.]44:‬‬
‫ومن ذلك الفعل‪" :‬عدَّ " بمعنى علِم نحو‪( :‬يعدُّ املؤمن الصالح مفتاح النجاح)‪.‬‬
‫حائرا)‪.‬‬
‫ومن ذلك‪" :‬ألفى" نحو‪( :‬ألفيتني ا‬
‫فهذه األفعال كلها تدل عىل العلم واليقني‪.‬‬
‫والنوع الثالث من أنواع هذا الباب‪ :‬أنواع التصيري وهي األفعال التي تدل عىل التصيري؛‬
‫يعني التحول واالنتقال من ٍ‬
‫حالة إىل أخرى؛ فمن ذلك‪:‬‬ ‫ُّ‬
‫(صري الصلصال لعبتني)‪.‬‬
‫صري" كقولك‪ :‬ي‬
‫الفعل‪َّ " :‬‬
‫ورا [الفرقان‪]23:‬؛‬ ‫صري؛ كقوله تعاىل‪﴿ :‬فجع ْلناه هب ا‬
‫اء منْث ا‬ ‫ومن ذلك‪" :‬جعل" بمعنى َّ‬
‫صريناه‪.‬‬
‫أي َّ‬
‫اهيم خلِ ايال [النساء‪.]125:‬‬
‫وختذ"؛ كقوله تعاىل‪﴿ :‬و َّاختذ اَّللَّ إِبر ِ‬
‫ْ‬
‫ومن ذلك‪َّ " :‬اختذ ِ‬

‫فهذه من أشهر األفعال التي تدخل يف هذا الباب‪ ،‬وفيها تنبي ٌه مهم ن َّبه عليه ابن هشام‪ ،‬وقد‬
‫ق َّيد ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬أفعال الظن والعلم يف هذا الباب بكوهنا قلبيات‪ ،‬قال‪( :‬القلبيات)‬
‫ٍ‬
‫حينئذ من هذا الباب‪.‬‬ ‫خرج ما كان منها باجلوارح واحلواس‪ ،‬فال تكون‬‫لي ِ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪307‬‬

‫نحو‪" :‬رأى" إذا قلت‪( :‬رأيت زيدا ا) بمعنى أبرصته بعيني‪ ،‬هذا ليس ا‬
‫فعال قلب ًيا‪ ،‬هذا من‬
‫ا‬
‫مفعوال‬ ‫أفعال اجلوارح واحلواس فال يكون من هذا الباب‪ ،‬فال ينصب مفعولني‪ ،‬بل ينصب‬
‫واحدا ا؛ (رأيت زيدا ا) بمعنى أبرصته وشاهدته‪.‬‬
‫ويف قولك‪( :‬وجد الضائع) بمعنى عثرت عليها‪.‬‬
‫ويف قولك‪( :‬علمت اخلرب) بمعنى عرفته‪.‬‬
‫فهذه ال تدخل يف هذا الباب‪.‬‬
‫أيضا مهم يتع َّلق بأسلوب نصب املفعولني يف هذا الباب‪ :‬فجميع األمثلة‬
‫وهنا تنبي ٌه آخر ا‬
‫كريَم) إال أن‬
‫السابقة كَم رأيتم نصبت هذه األفعال مفعولني أول وثان ًيا؛ كقولك‪( :‬ظننت ُممدا ا ا‬
‫األكثر يف اللغة يف بعض هذه األفعال أال ِ‬
‫تنصب املفعولني لف اظا‪ ،‬وإنَم األكثر فيها أن تدخل عىل‬
‫أن الصدق منجاةٌ)‪ ،‬و(ظننت أن الفرج قريب)‪،‬‬
‫أن ومعموليها اسمها وخربها؛ نحو‪( :‬علمت َّ‬
‫َّ‬
‫هني)‪ ،‬و(ووجد األب أن الولد صادق)‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫و(خال املهمل أن النجاح ي‬
‫(أن) ومعموليها قد سدَّ ت مسدَّ املفعولني‪ ،‬فجاء يف‬
‫إن َّ‬
‫فيبقى عملها إال أننا سنقول‪َّ :‬‬
‫االستعَمل هذان الوجهان‪ :‬أن تقول‪:‬‬
‫كريم)‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫(ظننت أن ُممدا ا‬
‫كريَم)‪.‬‬
‫و(ظننت ُممدا ا ا‬
‫أن‬
‫كالمها وارد وفصيح وكثري إال أن األكثر يف بعض هذه األفعال أن تدخل عىل َّ‬
‫ومعموليها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مسألة يف هذا الباب وهي تتع َّلق بالكالم عىل عمل هذه‬ ‫‪ ‬ثم انتقل ابن هشام إىل ِذكر‬
‫األفعال‪ ،‬فقال ابن هشام‪:‬‬
‫كل ٍ‬
‫يشء)"‪.‬‬ ‫"فتنصبهَم مفعول ْ ِ‬
‫ني‪ ،‬نحو‪( :‬رأيت اَّلل أكرب ي‬
‫‪308‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ا‬
‫مفعوال به ثان ايا‬ ‫ا‬
‫مفعوال به أول‪ ،‬وتنصب اخلرب ويعرب‬ ‫فهذه األفعال تنصب املبتدأ ويعرب‬
‫وهي ال تدخل عىل املبتدأ واخلرب حتى تستويف فاعلها؛ فبذلك ختالف الناسخني السابقني‪ ،‬فال‬
‫ظن عىل اجلملة االسمية حتى تستويف فاعلها‪.‬‬
‫تدخل َّ‬
‫ظن ال بدَّ أن تأيت معها‬ ‫ِ‬
‫مفتوح) مبتدأ وخرب‪ ،‬ثم أردت أن تدخل علم أو َّ‬
‫ٌ‬ ‫فإذا قلت‪( :‬الباب‬
‫مفتوحا)‬
‫ا‬ ‫مفتوحا)‪ ،‬أو (علِم ُممدٌ الباب‬
‫ا‬ ‫(ظن احلارس الباب‬
‫مع هذه األفعال بفاعلها‪ ،‬فتقول‪َّ :‬‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫خربا هلذه األفعال‬
‫اسَم هلذه األفعال‪ ،‬واملفعول الثان ا‬
‫فإن قلت‪ :‬ملاذا مل يكن املنصوب األول ا‬
‫كَم كان يف "كان وأخواهتا"؟‬
‫فاجلواب عن ذلك‪ :‬أن هذه األفعال هي ٌ‬
‫أفعال تام ٌة حقيقية؛ يعني هلا حدث‪َّ ،‬‬
‫فظن فعل مثل‬
‫ظن يعني فعل الظن‪ ،‬إذن فهذا الفعل فيه حدث وهو الظن‪ ،‬ويدل عىل زمن‬
‫جلس وذهب‪َّ ،‬‬
‫كبقية األفعال‪ ،‬حدث ويدل عىل زمن‪.‬‬
‫ٌ‬
‫أفعال تدل عىل الزمان‪ ،‬لكن ما تدل عىل أحداث‪ ،‬فإذا قلت‪:‬‬ ‫بخالف كان وأخواهتا فهي‬
‫كريَم)؟ اتيصاف ُممد بالكرم لكن وقت امليض‪( ،‬أصبح‬
‫ا‬ ‫كريَم) ما معنى (كان ُممدٌ‬
‫ا‬ ‫(كان ُممدٌ‬
‫ُممدٌ نشي اطا) يعني اإلخبار عن ُممد بالنشاط لكن وقت الصباح‪ ،‬إذن فهي أفعال تدل عىل‬
‫الزمان لكن ما فيها أحداث‪ ،‬ما يف حدث‪.‬‬
‫الظن بل هي حتتاج عىل‬ ‫(ظن) يعني فعل‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫بخالف هذه األفعال (علم) يعني فعل العلم‪َّ ،‬‬
‫ا‬
‫مفعوال‬ ‫فاعل‪ ،‬من الذي فعل هذا احلدث؟ فإذا كانت هكذا وهلا فاعل فاملنصوب بعدها يكون‬
‫وخربا‪.‬‬
‫ا‬ ‫اسَم‬
‫به وليس ا‬
‫فإذا قلت‪( :‬ظننت الفرج قري ابا) فسنقول‪:‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪309‬‬

‫فعل‬ ‫ٍ‬
‫ماض سيعرب إعراب األفعال املاضية وسبق الكالم عىل إعراهبا‪ ،‬فهو ٌ‬ ‫ظن‪ :‬هذا ٌ‬
‫فعل‬ ‫َّ‬
‫مبني عىل الفتح املقدَّ ر ال َّ‬
‫ُمل له من اإلعراب‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ماض ٌّ‬
‫والتاء يف (ظننت) فاعل يف ُمل رفع مبني عىل الضم‪.‬‬
‫منصوب وعالمة نصبه الفتحة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مفعول به أول‬ ‫والفرج‪:‬‬
‫مفعول به ٍ‬
‫ثان منصوب وعالمة نصبه الفتحة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وقري ابا‪:‬‬
‫وهكذا يف بقية األمثلة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مسألة أخرى يف هذا الباب؛ وهي‪ :‬الكالم عىل إلغاء هذه األفعال‪،‬‬ ‫‪ ‬ثم انتقل ابن هشام إىل‬
‫إلغاء عملها فقال‪:‬‬
‫ٍ‬
‫وبمساواة إن توسطن نحو‪:‬‬ ‫تأخرن‪ ،‬نحو‪( :‬القوم يف أثري ظننت)‪،‬‬
‫"ويلغ ْني برجحان إن ْ‬
‫األراجيز ِخلت اللؤم واخلور)"‪.‬‬
‫ِ‬ ‫(ويف‬
‫فهذه املسألة تتعلق بإلغاء عمل هذه األفعال‪ ،‬املراد بإلغاء عملها يعني إبطاء عمل هذه‬
‫األفعال يف اللفظ واملحل؛ يعني خالص هذه األفعال تكون مهملة ليس هلا عمل ال يف اللفظ وال‬
‫توسطت بني املفعولني‪ ،‬أو تأخرت بعد املفعولني‪.‬‬
‫يف املحل‪ ،‬وذلك إذا َّ‬
‫إذن هلا حالتان‪:‬‬
‫احلالة األوىل‪ :‬إذا تأخرت‪ ،‬ما معنى تأخرت؟ يعني تقدَّ م املفعوالن وتأخر الفعل الذي من‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ‪:‬‬ ‫قائم ظننت)‬
‫هذا الباب؛ كقولك‪ُ( :‬ممدٌ ٌ‬
‫قائم‪ :‬مبتدأ وخرب‬
‫قائم ظننت)‪ ،‬فمحمدٌ ٌ‬
‫جيوز لك اإلبطال‪ ،‬اإلمهال‪ ،‬اإللغاء‪ ،‬فتقول‪ُ( :‬ممدٌ ٌ‬
‫وفاعل وهو ٌ‬
‫فعل ملغى‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫مرفوعان‪ ،‬وظننت‪ٌ :‬‬
‫فعل‬
‫قائَم ظننت) فظننت‪ٌ :‬‬
‫فعل وفاعل وهو عامل‪ ،‬وُممدا ا‪:‬‬ ‫وجيوز لك اإلعَمل فتقول‪ُ( :‬ممدٌ ا‬
‫مفعول به ٍ‬
‫ثان مقدَّ م‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وقائَم‪:‬‬ ‫ٌ‬
‫مفعول به أول مقدَّ م‪ ،‬ا‬
‫‪310‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫بتأخره‪ ،‬ومن ذلك قول‬


‫كثريا ُّ‬
‫واألفضل من اإلعَمل واإللغاء هو اإللغاء؛ ألن الفعل ضعف ا‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫مــا قــدْ ظننْــت فقــدْ ظ ِفـ ْـرت‬ ‫الق ْوم يف أث ِري ظننْت فإِن يك ْن‬
‫صحيحا فإهنم‬ ‫الشاعر واثق من قوته وشجاعته فيقول‪ :‬أظنُّهوخيف أثري فإن كان ظنيي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــابوا ا‬
‫إيل وسأقتلهم فأنا سأظفر وهو سيخيبون‪ ،‬وإن كان ظنيي ليس هو صحيح فقد نجو؛‬
‫سيصلون ن‬
‫فالفعل‪( :‬ظننْت) ومفعواله‪( :‬الق ْوم يف أث ِري) وأمهل فلهذا رفع وقال‪( :‬الق ْوم) مبتدأ مرفوع‪،‬‬
‫(يف أث ِري) اخلرب‪ ،‬ولو أعمل جلاز فيقول‪( :‬الق ْوم يف أث ِري ظننْت)‪.‬‬
‫يقولون من حيث املعنى والبالغة‪ :‬إذا ألغيت فأنت أردت أن تبني الكالم عىل اإلخبار‪،‬‬
‫قائم)‪ ،‬ثم طرأ لك بعد ذلك الظن فقلت‪( :‬ظننت)‪ ،‬وإن أعملت فأنت قد‬
‫ٌ‬ ‫فتقول‪ُ( :‬ممدٌ‬
‫ابتدأت الكالم بالظن إال أنك قدَّ مت املفعولني‪ ،‬فلهذا يف الكالم يف االرجتال‪:‬‬
‫قائَم ظننت)؛ ألن الكالم واحد‪.‬‬
‫إذا أعملت تقول‪ُ( :‬ممدا ا ا‬
‫قائَم ظننت) يعني تسكت سكتة خفيفة؛ ألنك أردت أن تقول‪:‬‬
‫وإذا ألغيت فتقول‪ُ( :‬ممدٌ ا‬
‫قائم) ثم بدا لك الظن فقلت‪( :‬ظننت)‪.‬‬
‫(ُممدٌ ٌ‬
‫قائَم)؛‬
‫واحلالة األخرى‪ :‬أن تتوسط هذه األفعال بني املفعولني؛ كأن تقول‪ُ( :‬ممدٌ ظننت ا‬
‫قائَم)‪.‬‬
‫فلك اإلعَمل‪ُ( :‬ممدا ا ظننت ا‬
‫قائم)‪.‬‬
‫ولك اإلمهال‪ُ( :‬ممدا ا ظننت ٌ‬
‫وقائم‪ :‬خرب‪ ،‬وظننت‪ٌ :‬‬
‫فعل وفاعل ملغاى بينهَم‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫فإذا أمهلت فمحمدٌ ‪ :‬مبتدأ‪،‬‬
‫ٌ‬
‫مفعول به أول مقدَّ م‪،‬‬ ‫قائَم)‪ ،‬فظننت‪ٌ :‬‬
‫فعل وفاعل‪ ،‬وُممدا ا‪:‬‬ ‫وإذا أعملت (ُممدا ا ظننت ا‬
‫مفعول به ٍ‬
‫ثان مؤخر‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وقائَم‪:‬‬
‫ا‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪311‬‬

‫ٍ‬
‫بمساواة)؛ يعني أن اإلعَمل‬ ‫فاإلعَمل واإلمهال جائزان‪ ،‬وأهيَم أوىل؟ قال ابن هشام‪( :‬‬
‫واإلمهال متساويان هنا‪ ،‬ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬
‫ويف األراجيـــز ِخلـــت اللـــؤم‬ ‫أبِاألراجيز يابن اللـؤ ِم ت ِ‬
‫وعـد ِن‬
‫ِ‬
‫بينهَم ألغى‬ ‫يعني خ ْلت اللؤم واخلور يف األراجيز‪ ،‬فلَم قدَّ م املفعول الثان َّ‬
‫ووسط الفعل‬
‫واخلــــــــــــــــــــــــــــــور‬
‫وأمهل‪ ،‬ولو أعمل جلاز‪ ،‬وقول الشاعر‪( :‬أبِاألراجيز) فيه روايتان‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬بكرس الباء (أبِاألراجيز يابن اللؤ ِم ت ِ‬
‫وعد ِن) يعني بابن اللؤم أتوعدن باألراجيز؟‬
‫شاعرا‪.‬‬
‫ا‬ ‫جمرد راجز ولست‬
‫يعني حيتقر بحر الرجز ويقول‪ :‬أنت َّ‬
‫والرواية الثانية‪ :‬بفتح الباء (أباألراجري) يعني يقول له‪ :‬يا أبا األراجيز‪ ،‬يا أبا اللؤم‬
‫أتوعدن؟‬
‫واملعنيان مستقيَمن‪.‬‬
‫وقال بعض النحويني‪ :‬إن هذه األفعال إذا توسطت فإعَمهلا أوىل؛ ألن اإلعَمل فيها هو‬
‫األصل‪.‬‬
‫ُ‬
‫(ظننت‬ ‫وبقيت حال ٌة ثالث ٌة معلوم ٌة‪ :‬وهي إذا تقدَّ مت هذه األفعال وتأخر املفعوالن؛ كقولك‪:‬‬
‫محمدًا قائ ًما) فهذه ليس فيها إال اإلعَمل‪.‬‬
‫فاخلالصة‪ :‬أن هذه األفعال‪:‬‬
‫(ظننت محمدًا قائ ًما)‪.‬‬
‫ُ‬ ‫إذا تقدَّ مت فيجب إعَمهلا‬
‫ظننت‬
‫ٌ‬ ‫توسطت جاز إعَمهلا واإلعَمل أفضل وقيل‪ :‬عىل السواء (ُممدٌ ‪-‬أو ُممدا ا‪-‬‬
‫وإذا َّ‬
‫قائَم‪.)-‬‬
‫قائم ‪-‬أو ا‬
‫ٌ‬
‫قائم ظننت)‪.‬‬
‫وإن تأخرت فاإلمهال أوىل؛ كـ (ُممدٌ ٌ‬
‫فإن قلت‪ :‬ملاذا جاز اإلمهال فيها مع أن األصل فيها اإلعَمل؟‬
‫‪312‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫فاجلواب عن ذلك‪ :‬أن األصل يف العامل أن يتقدَّ م عىل معموله؛ الفعل‪ ،‬الفاعل‪ ،‬ثم املفعول‬
‫ٍ‬
‫حينئذ؛ ألنه انتقل عن أصله؛ فلهذا‬ ‫دليل عىل ضعفه‬ ‫به‪ ،‬فإن تأخر الفعل عن املفعول به فهذا ٌ‬
‫جاز فيه اإللغاء‪ ،‬وكلَم ابتعد عن أصله زاد ضعفه؛‬
‫توسط كان اإلعَمل عىل السواء أو اإلعَمل أوىل‪.‬‬
‫فإن َّ‬
‫وإن تأخر كان اإلمهال أوىل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ملفعول به واحد؛ كـ (أكرمت زيدا ا)‪ ،‬و(أكلت‬ ‫أيضا يقال يف الفعل الذي يتعدَّ ى‬
‫وهذا ا‬
‫الطعام)‪،‬‬
‫فإن الفعل إذا تقدَّ م وجب أن يعمل وأن ِ‬
‫ينصب املفعول به؛ كـ (أكرمت زيدا ا)‪ ،‬و(أكلت‬
‫الطعام)‪.‬‬

‫إذا كان الفاعل مذك اَّرا يذكيرون الفعل (ذهب ٌ‬


‫رجل)‪.‬‬
‫وإذا كان الفاعل مؤ ين اثا يؤنيثون الفعل؛ يعني يصلون به تاء تأنيث فيقولون‪( :‬ذهبت امرأةٌ)‪.‬‬
‫إذن يم ييزون بني الفاعل املذكَّر والفاعل املؤنَّث‪ ،‬وهذه التاء التي اتصلت بالفعل مع الفاعل‬
‫ضمريا هي حرف تأنيث‪ ،‬والفاعل هو االسم‬
‫ا‬ ‫املؤنث (ذهبت امرأةٌ) ليست الفاعل‪ ،‬ليست‬
‫الظاهر (امرأةٌ)‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬هذه اللغة لغة أكلون الرباغيث جعلوا املثنَّى واجلمع كاملؤنَّث عند مجهور العرب؛‬
‫فإذا كان الفاعل مثنًى جعلوا يف الفعل حر افا يدل عىل أنه مثنى (قاما رجالن)‪.‬‬
‫ٌ‬
‫رجال)‪ ،‬أو‬ ‫وإذا كان الفاعل مج اعا جعلوا يف الفعل حر افا يدل عىل أن الفاعل مجع (قاموا‬
‫نساء)‪.‬‬
‫(قمن ٌ‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪313‬‬

‫ون فِيك ْم مالئِك ٌة بِال َّل ْي ِل ومالئِك ٌة ِيف النَّه ِ‬


‫ار» فهذا ما جاء يف بعض‬ ‫وأما احلديث‪« :‬يتعاقب ْ‬
‫بألفاظ أخرى؛‬ ‫ٍ‬ ‫ألفاظه‪ ،‬وجاء احلديث عند البخاري ومسلم وغريمها‬
‫ار»‪.‬‬ ‫ون فِيك ْم مالئِك ٌة بِال َّل ْي ِل ومالئِك ٌة بِالنَّه ِ‬
‫فجاء بلفظ‪« :‬ا ْملالئِك ٌة يتعاقب ْ‬
‫ون فِيك ْم مال ِئك ٌة بِال َّل ْي ِل ومالئِك ٌة بِالنَّه ِ‬
‫ار»‪.‬‬ ‫وجاء بلفظ‪« :‬إِ َّن َّللِ مالئِك اة يتعاقب ْ‬
‫ِ‬ ‫فيظهر أن هذا اللفظ «يتعاقب ْ ِ‬
‫ترصف الرواة‪ ،‬ونحن نعرف أن الرواة‬ ‫ون فيك ْم مالئك ٌة» من ُّ‬
‫كثري من األحاديث عىل مذهب مجاهري املحدي ثني الذين جييزون تغيري ألفاظ‬ ‫ترصفوا يف ألفاظ ٍ‬
‫َّ‬
‫صحيحا‪.‬‬
‫ا‬ ‫احلديث متى ما بقي املعنى‬
‫خم ِر ِج َّي ه ْم» قاله ‪-‬‬
‫أيضا جاء قوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪« :-‬أو ْ‬ ‫قالوا‪ :‬وعىل هذه اللغة ا‬
‫عليه الصالة والسالم‪ -‬لورقة بن نوفل حينَم قال له ورقة‪" :‬يا ل ْيتنِي أكون ح ًيا إِ ْذ ْ‬
‫خي ِرجك‬
‫خم ِر ِج َّي ه ْم؟» رواه البخاري‪.‬‬
‫ق ْومك" فقال ‪-‬عليه الصالة والسالم‪« -‬أو ْ‬
‫خم ِر ِج َّي ه ْم؟» اهلمزة لالستفهام‪ ،‬والواو بعد اهلمزة «أو» هذه واو العطف‪،‬‬
‫فقوله‪« :‬أو ْ‬
‫مذكرا سا املا فصار‬
‫ا‬ ‫(خمرج) الذي مجِع مجع‬
‫خم ِر ِج َّي» نح يللها تتكون من اسم الفاعل ِ‬‫وقوله‪ْ « :‬‬
‫(خمرجون)‪ ،‬ثم هذا االسم مجع املذكر السامل (خمرجون) أضيف إىل ياء املتك يلم‪ ،‬مجع مذكر سامل‬
‫ِ‬
‫ستحذف نون اجلمع كَم حتذف التنوين يف املفرد‪ ،‬إذن نحذف النون‬ ‫(خمرجون) أضيف‪ ،‬اإلضافة‬
‫من (خمرجون) تصري (خمرجوا) ثم نضيف ياء املتك يلم فكان األصل (خمرجوي) فاجتمعت الواو‬
‫خم ِر ِج َّي»‪.‬‬
‫ياء وإدغام الياء يف الياء‪ ،‬فقيل‪« :‬أو ْ‬
‫والياء يف كلمة والواو ساكنة‪ ،‬فوجب قلب الواو ا‬
‫خم ِر ِج َّي» الياء األوىل هي واو اجلمع (خمرجو)‪ ،‬والياء الثانية‪ :‬ياء‬
‫إذن الياء املشدَّ دة يف « ْ‬
‫املتك يلم‪.‬‬
‫خم ِر ِج َّي ه ْم؟» (هم) فاعل‪ ،‬ما الذي رفعه؟ رفعه اسم الفاعل (خمرجون)؛‬
‫طيب‪ :‬وهم «أو ْ‬
‫اسم يعمل عمل الفعل‪ ،‬ما فعله (خمرجون)؟ فعله (خيرجون‪ ،‬خمرجون) مأخوذة من ماذا؟‬
‫ألنه ٌ‬
‫‪314‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫من (خي ِرج) وال من (خيرجون)؟ مأخوذة من (خيرجون)‪ ،‬إذن فالفاعل هم‪ ،‬والذي رفعه‬
‫خمرجون من خيرجون فهذا العامل الذي رفع الفاعل اتصل به حرف مجعٍ‪ ،‬فصار عىل لغة‬
‫(أكلون الرباغيث)‪.‬‬
‫ولو جاء عىل لغة مجهور العرب لكان يقول‪( :‬أو خمرجي هم؟) من دون تشديد‪ ،‬نح يلل (أو‬
‫خم ِر ِجي) اهلمزة استفهام‪ ،‬والواو عطف‪( ،‬خمرجي) تتكون من اسم الفاعل ِ‬
‫خمرج أضيف إىل ياء‬ ‫ْ‬
‫خمرج مأخوذة من أي فعل؟ مأخوذة من خي ِرج‪ ،‬خي ِرج والفاعل هم‪ ،‬فالعامل‬ ‫ِ‬
‫(خمرجي)‪ِ ،‬‬ ‫املتك يلم‬
‫َّ‬
‫اتصل به حرف مجع يدل عىل هذا الفاعل املجموع؟ ال‪ ،‬إذن فهذا عىل لغة اجلمهور‪.‬‬ ‫هنا‬
‫خم ِر ِج َّي ه ْم؟» ليس‬
‫ومع ذلك نقول‪ :‬إن هذا احلديث عىل رواية البخاري وهي املشهورة «أو ْ‬
‫خرب مقدَّ م‪ ،‬واخلرب جيوز أن يتقدَّ م وأن يتأخر إذا‬ ‫ٌ‬
‫وخمرجي‪ٌ :‬‬
‫َّ‬ ‫مبتدأ مؤخر‪،‬‬ ‫عىل هذه اللغة‪ ،‬بل هم‪:‬‬
‫وخمرجي‪ :‬خرب‪ ،‬واألصل كَم عرفنا (خمرجون) ثم‬
‫َّ‬ ‫خمرجي؟ فهم‪ :‬مبتدأ‪،‬‬
‫َّ‬ ‫مل يمنع مانع؛ يعني أهم‬
‫قلِبت الواو عالمة الرفع إىل ياء للسبب الذي َشحناه قبل قليل‪.‬‬
‫فاخلالصة‪ :‬أن هذين احلديثني ليسا عىل هذه اللغة‪ ،‬وهذه اللغة ليست ضعيفة‪ ،‬ولكنها‬
‫يشء عىل‬
‫قليلة‪ ،‬والذي ينبغي أن يكون الكالم والقياس عىل لغة اجلمهور الكثرى‪ ،‬لكن لو جاء ٌ‬
‫هذه اللغة أو تك َّلم هبا أحد فال يصل األمر إىل حد اخلطأ‪ ،‬وإنَم يقال‪ :‬إن هذا قليل‪.‬‬
‫أما ما يتع َّلق ببيان الواقع الذي حدث فنقول‪ :‬إن هذين احلديثني ليسا عىل هذه اللغة‪ ،‬وهذا‬
‫ال يعني أن هذه اللغة ضعيفة وغري موجودة‪ ،‬ولكن نقول‪ :‬هذا احلديث ليس عىل هذه اللغة‪،‬‬
‫حتى إن بعضهم ا َّدعى وجود هذه اللغة يف القرآن الكريم‪.‬‬
‫واستدل عىل ذلك بقوله ‪-‬سبحانه وتعاىل‪﴿ :-‬ث َّم عموا وص ُّموا كثِ ٌري ِمنْه ْم [املائدة‪،]71:‬‬
‫َّ‬
‫اتصل هبَم حرف مجع وهذا ليس بصحيح؛ ألن هذه‬ ‫وصموا‬
‫ُّ‬ ‫كثري‪ ،‬وعموا‬
‫وقال‪ :‬إن الفاعل ٌ‬
‫يشء يدل عىل هذا الفاعل‪ ،‬أما الذي يف‬
‫ٌ‬ ‫اللغة إنَم تتحقق بكون الظاهر هو الفاعل‪ ،‬ومل يتقدَّ م‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪315‬‬

‫هذه اآلية فإن الكالم يف ٍ‬


‫آيات متقدي مات كان عن هؤالء‪ ،‬وما زال اخلطاب وما زال الكالم يتواىل‬
‫عنهم‪ ،‬واألفعال تتواىل عنهم‪ ،‬وفاعل هذه األفعال ضَمئر تعود إليهم‪.‬‬
‫فكثري ليس هو‬
‫ٌ‬ ‫ثم قال‪﴿ :‬ث َّم عموا يعني هم ﴿وص ُّموا يعني هم‪ ،‬ثم قال‪﴿ :‬كثِ ٌري‬
‫وكثري‪ :‬بدل بعض من كل‬
‫ٌ‬ ‫وصموا العائدة إىل هؤالء‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫الفاعل‪ ،‬وإنَم الفاعل واو اجلَمعة يف عمو‬
‫من الواو‪ ،‬والبدل جيوز أن يبدل الظاهر من الضمري باتيفاق يف مثل ذلك‪.‬‬
‫رسوا الن َّْجوى ا َّل ِذين ظلموا ه ْل هذا إِ َّال‬
‫وقالوا‪ :‬من ذلك قوله ‪-‬س ْبحانه وتعاىل‪ :-‬ثم ﴿أ ُّ‬
‫وأرسوا‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫رسوا الن َّْجوى ا َّل ِذين ظلموا فالذين‪ :‬هو الفاعل‪،‬‬ ‫ب ِ‬
‫رش م ْثلك ْم [األنبياء‪ ]3:‬قالوا‪﴿ :‬أ ُّ‬
‫ٌ‬
‫اتصل هبا حرف يدل عىل هذا الفاعل املجموع‪.‬‬
‫رسوا الن َّْجوى ا َّل ِذين ظلموا ه ْل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فلهذا جتد من يرى هذا املعنى يصل وال يقف‪ ،‬فيقول‪﴿ :‬أ ُّ‬
‫رش ِم ْثلك ْم [األنبياء‪ ،]3:‬وهذا ال يلزم يف اآلية‪ ،‬بل الظاهر أن الواو تعود ا‬
‫أيضا إىل‬ ‫هذا إِ َّال ب ٌ‬
‫رسوا‬
‫ثم ﴿أ ُّ‬ ‫أيضا ما زالت تتكلم عنهم‪ ،‬ثم قالت عنهم‪َّ :‬‬
‫املتحدَّ ث عنهم من قبل‪ ،‬فاآليات ا‬
‫ِ‬
‫الن َّْجوى [األنبياء‪ ]3:‬فهنا الوقف‪ ،‬ثم ابتدأت ﴿ا َّلذين ظلموا ه ْل هذا إِ َّال ب ٌ‬
‫رش‬
‫دل عليه الكالم؛ أي قال‬‫لفعل ُمذوف َّ‬‫ٍ‬ ‫ِم ْثلك ْم [األنبياء‪ ]3:‬عىل أن ﴿ا َّل ِذين ظلموا ‪ٌ :‬‬
‫فاعل‬
‫رش ِم ْثلك ْم [األنبياء‪ ]3:‬مقول‪،‬‬
‫برش مثلكم‪ ،‬بداللة أن ﴿ه ْل هذا إِ َّال ب ٌ‬
‫الذين ظلموا هل هذا إال ٌ‬
‫فأين فعل القول؟ مقدَّ ر‪.‬‬
‫رسوا الن َّْجوى [األنبياء‪ ،]3:‬ثم يبدأ ﴿ا َّل ِذين‬ ‫وعىل هذا املعنى يكون الوقف عىل ث َّم ﴿أ ُّ‬
‫تقف عىل ﴿ا َّل ِذين‬ ‫ظلموا ه ْل هذا إِ َّال برش ِم ْثلكم [األنبياء‪ ]3:‬وعليه ال يصح أن ِ‬
‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫رش ِم ْثلك ْم [األنبياء‪.]3:‬‬
‫ظلموا [األنبياء‪ ]3:‬ثم تبتدئ بقولك‪﴿ :‬ه ْل هذا إِ َّال ب ٌ‬
‫يشء من القرآن الكريم‪ ،‬أو هذين احلديثني عىل هذه اللغة القليلة‪.‬‬
‫واخلالصة‪ :‬أنه ال يثبت ٌ‬
‫‪316‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ ‬ثم انتقل ابن هشام إىل الكالم عىل احلكم الرابع‪:‬‬


‫وهو تذكري الفعل وتأنيثه‪ ،‬وفيه يقول ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬
‫الش ْمس) ‪ ،‬وجيوز‬ ‫ت َّ‬‫ت ِهنْدٌ )‪ ،‬و(طلع ِ‬ ‫يث إِ ْن كان مؤن اثا كـ (قام ْ‬‫"وت ْلحقه عالمة ْتأنِ ٍ‬

‫اه ِر ن ْحو‪﴿ :‬قدْ جاءتْك ْم م ْو ِعظ ٌة ِم ْن ر يبك ْم [يونس‪ ،]57:‬و ِيف‬‫يث الظ ِ‬
‫ازي الت َّْأن ِ ِ‬ ‫الو ْجه ِ‬
‫ان يف جم ِ ي‬
‫اب نِعم وبِئْس نحو‪( :‬نِعم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫احلقيق يي املنْفص ِل ن ْحو‪( :‬حرضت القايض ْامرأةٌ)‪ ،‬واملتَّص ِل يف ب ِ ْ‬
‫حيحِ‬‫ت ْاألعراب [احلجرات‪ ]14:‬إال مجعي التَّص ِ‬ ‫املرأة ِهنْدٌ )‪ ،‬ويف اجلم ِع نحو‪﴿ :‬قال ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ت ِ‬
‫اهلنْدات)"‪.‬‬ ‫فكم ْفردهيَِم نحو‪( :‬قام ال َّزيدون)‪ ،‬و(قام ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫وصىل اَّلل وس َّلم عىل نبينا ُممد وعىل آله‬
‫َّ‬ ‫ونكمل إن شاء اَّلل بعد الصالة‪ ،‬واَّلل أعلم‪،‬‬
‫وأصحابه أمجعني‪.‬‬
‫الدرس الثامن (اجلزء الثان)‪:‬‬
‫والسالم عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله‬
‫والصالة َّ‬
‫بسم اَّلل الرمحن الرحيم‪ ،‬احلمد َّلل رب العاملني‪َّ ،‬‬
‫وأصحابه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪...‬‬
‫فقد توقفنا عند احلكم الرابع من أحكام الفاعل وهو الكالم عىل تذكري الفعل وتأنيثه‪ ،‬وقرأنا‬
‫ما قاله ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل تعاىل‪.-‬‬
‫وتسمح؛ ألن التذكري‬
‫ُّ‬ ‫جتوزٌ‬
‫أيضا ُّ‬
‫أيضا‪ :‬إن التعبري بالتذكري وبالتأنيث مع الفعل ا‬
‫ونقول هنا ا‬
‫ٍ‬
‫بتذكري وال تأنيث‪ ،‬إنَم نريد بالتأنيث أن‬ ‫والتأنيث من أوصاف األسَمء‪ ،‬واألفعال ال توصف‬
‫يتصل بالفعل حرف تأنيث‪.‬‬
‫واتصال حرف التأنيث بالفعل يكون بـ‪:‬‬
‫َّ‬
‫و(صىل‬ ‫‪ -‬اتصال تاء التأنيث الساكنة بآخر الفعل املايض؛ كــ (ذهب وذهبت)‪،‬‬
‫وص َّلت)‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪317‬‬

‫‪ -‬أو اتصال تاء التأنيث املتحركة بأول املضارع؛ كــ (يذهب الرجل‪ ،‬وتذهب املرأة)‪.‬‬
‫سواء كان الفاعل املذكر حقيقي‬
‫ا‬ ‫فإذا كان الفاعل مذك اَّرا فالفعل جيب تذكريه عىل كل حال‪،‬‬
‫ا‬
‫متصال‪ ،‬فالفعل مع الفاعل املذكر ليس فيه إال التذكري‪،‬‬ ‫ا‬
‫مفصوال أو‬ ‫جمازي التذكري‬
‫َّ‬ ‫التذكري أو‬
‫فلهذا ال يتك َّلم عليه النحويني‪ ،‬وإنَم يتكلمون عىل الفاعل املؤنث؛ ألنه الذي فيه تفصيل‪.‬‬
‫فإذا كان الفاعل مؤن اثا فاألصل يف فعله أن يؤنث نحو‪( :‬ذهبت هندٌ )‪ ،‬و(انطلقت الناقة)‬
‫وهذا قول ابن هشام‪( :‬وت ْلحقه) أي العامل يف الفاعل "وت ْلحقه عالمة ْتأنِ ٍ‬
‫يث إِ ْن كان مؤن اثا كـ‬
‫الش ْمس)"؛ فم َّثل هبند حلقيقي التأنيث وهو ما كان من اإلنسان‬
‫ت َّ‬‫ت ِهنْدٌ )‪ ،‬و(طلع ِ‬
‫(قام ْ‬
‫واحليوان‪ ،‬وبالشمس ملجازي التأنيث وهو ما كان مؤن اثا من غري اإلنسان واحليوان‪.‬‬
‫ا‬
‫تفصيال عىل حالتني‪:‬‬ ‫إال أن يف تأنيث فعل الفاعل مؤنث‬
‫فاحلالة األوىل‪ :‬وجوب تأنيثه‪.‬‬
‫واحلالة األخرى‪ :‬جواز تأنيثه‪.‬‬
‫فاحلالة األوىل وهي‪ :‬وجوب تأنيث الفعل يكون يف موضعني مل ينص عليهَم املصنيف ولكنهَم‬
‫فهَم من خالف املواضع التي ذكرها للجواز‪ ،‬وهذان املوضعان مها‪:‬‬
‫يفهَمن ا‬
‫ا‬
‫متصال‪ ،‬أن يكون هذا الفاعل‬ ‫ظاهرا حقيقي التأنيث‬
‫ا‬ ‫اسَم‬
‫األول‪ :‬أن يكون الفاعل املؤنث ا‬
‫ا‬
‫ومتصال بالفعل نحو‪( :‬ذهبت هندٌ ) و(انزلقت الناقة)‪ ،‬و(جاءت املعلمة)‪،‬‬ ‫ظاهرا‬
‫ا‬ ‫اسَم‬
‫املؤنث ا‬
‫وعرفنا أن املراد بحقيقي التأنيث ما كان من اإلنسان واحليوان‪.‬‬
‫ضمريا‬
‫ا‬ ‫ضمريا‪ ،‬أن يكون الفاعل املؤنث‬
‫ا‬ ‫واملوضع الثان لوجوب التأنيث‪ :‬أن يكون الفاعل‬
‫جمازي‬ ‫ٍ‬
‫مؤنث‬ ‫ٍ‬
‫مؤنث حقيقي التأنيث؛ كـ (هندٌ سافرت)‪ ،‬أو عاد إىل‬ ‫سواء عاد إىل‬ ‫مسترتا‪،‬‬
‫ي‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫ضمريا كان تأنيث الفعل معه واج ابا‪.‬‬
‫ا‬ ‫التأنيث كـ (الشمس طلعت) فمتى ما كان الفاعل املؤنث‬
‫نص عليها املؤ يلف‪:‬‬
‫■ وأما تأنيث لفعل للفاعل املؤنث جوازاا ففي أربع مسائل َّ‬
‫‪318‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ظاهرا جمازي التأنيث‪ ،‬نحو‪( :‬طلعت الشمس)‪ ،‬و(طلع‬


‫ا‬ ‫اسَم‬
‫املسألة األوىل‪ :‬أن يكون املؤنث ا‬
‫و(أخصبت األرض)‪ ،‬و(أخصب األرض)‪ ،‬ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬قدْ جاءتْك ْم‬ ‫ْ‬ ‫الشمس)‪،‬‬
‫م ْو ِعظ ٌة ِم ْن ر يبك ْم [يونس‪ ]57:‬يف سورة يونس‪.‬‬
‫وجاء التذكري يف قوله تعاىل‪ :‬قدْ ﴿جاءه م ْو ِعظ ٌة ِم ْن ر يب ِه [البقرة‪ ]275:‬يف سورة البقرة‪ ،‬إال‬
‫أن التأنيث هو األكثر والتذكري جائز‪.‬‬
‫ٌ‬
‫مفصول عن‬ ‫ظاهرا حقيقي التأنيث لكنه‬
‫ا‬ ‫اسَم‬
‫النوع الثان جلواز التأنيث‪ :‬أن يكون الفاعل ا‬
‫الفعل بأي فاصل؛ كأن تقول‪( :‬حرض القايض امرأةٌ) ففصلنا بني الفاعل امرأ ٌة والفعل حرضت‬
‫باملفعول به‪ ،‬فنقول‪( :‬حرضت أو حرض)‪.‬‬
‫أو نقول‪( :‬ذهبت اليوم هندٌ ) أو (ذهب اليوم هندٌ ) أو (جلس عندي امرأةٌ)‪ ،‬أو (جلست‬
‫ٍ‬
‫حينئذ تذكري الفعل‪ ،‬نحو‪( :‬ما‬ ‫عندي امرأةٌ) وهكذا‪ ،‬إال إن كان الفاصل كلمة َّ‬
‫(إال) فالواجب‬
‫قام إال هندٌ ) وال يقال‪( :‬ما قامت إال هندٌ )‪ ،‬قالوا‪ :‬ألن الفاعل يف املعنى أحدٌ ‪ ،‬وهندٌ يف املعنى‬
‫ٌ‬
‫بدل من هذا الفاعل‪.‬‬
‫ذكرا‪ ،‬والفعل جيب تذكريه مع الفاعل‬
‫أي (ما قام أحدٌ إال هندٌ ) فصار الفاعل يف املعنى م ا‬
‫املفرغ أو‬ ‫ِ‬
‫املذكر‪ ،‬إال أنه حذف يف هذا األسلوب وهو من أساليب االستثناء ويسمى االستثناء َّ‬
‫وسينص‬
‫ُّ‬ ‫الناقص‪ ،‬فال تقول‪( :‬ما قامت إال هندٌ )‪ ،‬ولكن (ما قام إال هندٌ ) هلذا التعليل السابق‬
‫مر اة أخرى‪.‬‬
‫ابن هشام عىل هذا احلكم‪ ،‬ونذكير باحلكم َّ‬
‫واملوضع الثالث جلواز التأنيث‪ :‬أن يكون العامل نِعم أو بئس يف املدح والذم‪ ،‬تقول‪( :‬نعمت‬
‫املرأة فاطمة)‪ ،‬و(نِعم املرأة فاطمة)‪ ،‬وإما جاز الوجهان؛ ألن املراد بالفاعل املرأة هنا اجلنس‪،‬‬
‫وليست مرأ اة معينة‪ ،‬ليست كقولك‪( :‬جاءت امرأةٌ) فالفاعل امرأةٌ؛ يعني واحدة من النساء‪،‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪319‬‬

‫هذه املرأة هي التي جاءت وإنَم املراد اجلنس (نِعم املرأة فاطمة) يعني ِ‬
‫نعم من هذا اجلنس‬
‫فاطمة‪ ،‬وهلذا جاز التذكري (نِعم املرأة)‪ ،‬والتأنيث (نعمت املرأة)‪.‬‬
‫سواء أكان مج اعا ملؤنث أم كان مج اعا‬
‫ٌ‬ ‫املوضع الرابع جلواز التأنيث‪ :‬أن يكون الفاعل مج اعا‬
‫ملذكر؛‬
‫العَمل)‪ ،‬وتقول‪( :‬قال العلَمء)‪ ،‬أو‬
‫العَمل) أو (بدأت َّ‬
‫‪ -‬فجمع املذكر كقولك‪( :‬بدأ َّ‬
‫(قالت العلَمء)‪ ،‬قال سبحانه‪﴿ :‬قال ِ‬
‫ت ْاأل ْعراب [احلجرات‪.]14:‬‬
‫‪ -‬ومجع املؤنث كأن تقول‪( :‬جاءت الفواطم) أو (جاء الفواطم)‪.‬‬
‫العَمل)‪ ،‬أو (جاء مجع‬ ‫ٍ‬
‫قالوا‪ :‬التذكري حينئذ يكون عىل معنى اجلمع؛ يعني (جاء مجع َّ‬
‫العَمل)‪ ،‬أو (جاءت مجاعة الفواطم)‬
‫الفواطم)‪ ،‬والتأنيث عىل معنى اجلَمعة؛ أي (جاءت مجاعة َّ‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫إن ابن هشا ٍم كَم سمعتم استثنى من اجلمع مجعي التصحيح‪ ،‬يعني اجلمع السامل‬
‫‪ ‬ثم َّ‬
‫الصحيح فقال‪:‬‬
‫ت ِ‬
‫اهلنْدات)"‪.‬‬ ‫حيحِ فكم ْفردهيَِم نحو‪( :‬قام الزَّ يدون)‪ ،‬و(قام ِ‬
‫"إال مجعي التَّص ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫حيحِ ) مجع املذكر السامل ومجع املؤنث السامل‪ ،‬فَم حكمهَم؟ يقول‪ :‬حكم‬ ‫املراد بـ (مجعي التَّص ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫مجع املذكر السامل كحكم مفرده‪ ،‬وحكم مجع املؤنث السامل كحكم مفرده‪.‬‬
‫أيضا مع مجعه‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫فننظر يف املفرد؛ فإن وجب معه تأنيث الفعل فيجب أن تؤنث الفعل ا‬
‫(جاءت املعلمة)‪ ،‬طيب واملع يلَمت؟ جيب فيه التأنيث (جاءت املع يلَمت)‪.‬‬
‫(انطلقت وانطلق سيارةٌ) كذلك السيارات‬
‫ْ‬ ‫(انطلقت سيارةٌ) ما حكم التأنيث؟ جائز‪،‬‬
‫(انطلقت السيارات) أو (انطلق السيارات)‪.‬‬
‫ْ‬
‫و(ُممدٌ ) جيب معه التذكري (جاء ُممدٌ )‪ ،‬وكذلك املحمدون (جاء املحمدون)؛‬
‫‪320‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫دائَم مذكر‪ ،‬والفعل معه‬


‫‪ -‬فجمع املذكر السامل ليس يف فعله إال التذكري؛ ألن مفرده ا‬
‫واجب التذكري‪.‬‬
‫‪ -‬ومجع املؤنث السامل نط يبق عىل اجلمع ما ذكرناه قبل قليل يف املفرد‪ ،‬فتقول‪( :‬جاءت‬
‫املع يلَمت) بالتأنيث وجو ابا‪ ،‬لكن (جاءت اليوم املع يلَمت) جاز التذكري والتأنيث‬
‫لوجود الفاصل وهكذا‪.‬‬
‫‪ ‬ثم انتقل ابن هشام إىل احلكم اخلامس من أحكام الفاعل‪ ،‬وهو‪ِ :‬ذكر الفاعل وحذفه‬
‫فقال‪:‬‬
‫وف كح ْذفِ ِه يف نحو‪﴿ :‬أ ْو‬
‫ُمذ ٌ‬ ‫اعل مذك ٌَّر ْ‬ ‫ت إالَّ ِهنْد)؛ أل َّن ا ْلف ِ‬‫"وإِنََّم ْامتنع ِيف النَّ ْثر (ما قام ْ‬
‫إِ ْطعا ٌم ِيف ي ْو ٍم ِذي م ْسغب ٍة * يتِ ايَم [البلد‪﴿ ،]15-14 :‬وق ِيض ْاأل ْمر [البقرة‪ ،]210:‬و﴿أ ْس ِم ْع‬
‫رص [مريم‪ ،]38:‬وي ْمتنِع ِيف غ ْ ِري ِه َّن"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ِهبِ ْم وأ ْب ْ‬
‫رصح به؛ ألنه عمدة‪ ،‬إال أن العرب قد حتذف‬
‫فذكر أن األصل يف الفاعل أن يذكر وأن ي َّ‬
‫لفظي‪ ،‬وهنا ذكر املصنيف ‪-‬رمحه اَّلل‪ -‬أربعة مواضع حيذف فيها‬
‫ٍّ‬ ‫بالغي أو‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫لغرض‬ ‫الفاعل‬
‫الفاعل‪:‬‬

‫املوضع األول‪ :‬إذا وقع قبل َّإال كَم يف املثال السابق‪( :‬ما قام إال هندٌ ) فالفاعل يف املعنى ٌ‬
‫اسم‬
‫عام كأحدٌ ‪ ،‬وهندٌ ٌ‬
‫بدل منه يف املعنى‪ ،‬وهذا يدرس يف [باب االستثناء] ويسمى االستثناء الناقص‬
‫املفرغ‪ ،‬ولذا جيب تذكري الفعل؛ ألن الفاعل يف املعنى مذكر‪.‬‬ ‫أو َّ‬
‫ت إالَّ ِهنْد)" يعني أنه جاء يف الشعر التذكري‬
‫قال ابن هشام‪" :‬وإِنََّم ْامتنع ِيف النَّ ْثر (ما قام ْ‬
‫شاعر‪( :‬ما قامت إال هندٌ ) جلاز ذلك‬
‫ٌ‬ ‫والتأنيث‪ ،‬ففي الشعر تقول‪( :‬ما قام إال هندٌ )‪ ،‬ولو قال‬
‫وكان من رضائر الشعر اجلائزة‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪321‬‬

‫املوضع الثان حلذف الفاعل‪ :‬هو فاعل املصدر‪ ،‬قلنا يف موضعني سابقني يف هذا الدرس‪ :‬إن‬
‫إكرام املسلم اجلار)؛ يعني أن ي ِ‬
‫كرم‬ ‫ٌ‬ ‫املصدر قد يعمل عمل فعله‪ ،‬كقولك‪( :‬من ُماسن اإلسالم‪:‬‬
‫املسلم اجلار‪.‬‬
‫طيب‪ :‬املصدر له أحكام عندما نصل إىل دراسة عمله‪ ،‬من هذه األحكام ما ذكرناه قبل قليل‬
‫من أن املصدر جيوز أن يضاف إىل فاعله؛ (إكرام املسل ِم اجلار)‪ ،‬ومن أحكامه‪ :‬أن فاعله جيوز أن‬
‫اجلار) طيب أين الفاعل؟ ما ذكِر‪ ،‬عرفنا املصدر‬
‫ِ‬ ‫حيذف فتقول‪( :‬من ُماسن اإلسالم‪ :‬إكرام‬
‫املفعول به وحذفنا الفاعل‪ ،‬هذا جائز مع املصدر‪.‬‬
‫ك رقب ٍة * أ ْو إِ ْطعا ٌم ِيف ي ْو ٍم ِذي‬
‫قال‪ :‬ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬وما أ ْدراك ما ا ْلعقبة * ف ُّ‬
‫م ْسغب ٍة [البلد‪ ]14-12 :‬تقول‪﴿ :‬وما أ ْدراك ما ا ْلعقبة [البلد‪ ]12:‬طيب ما العقبة؟ يقول‪:‬‬
‫ك رقب ٍة [البلد‪ ]13:‬هذا‬ ‫ك رقب ٍة [البلد‪ ]13:‬العقبة‪ :‬هذا املبتدأ املحذوف‪﴿ ،‬ف ُّ‬ ‫﴿ا ْلعقبة * ف ُّ‬
‫معطوف عىل اخلرب؛ يعني‬
‫ٌ‬ ‫ك رقب ٍة * أ ْو إِ ْطعا ٌم [البلد‪]14-12 :‬‬
‫خرب العقبة‪﴿ ،‬ا ْلعقبة * ف ُّ‬
‫العقبة جتاوز العقبة يكون بفك الرقبة أو باإلطعام‪ ،‬العقبة إطعا ٌم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رصحنا بالفعل‬ ‫﴿يف ي ْو ٍم ذي م ْسغبة * يت ايَم [البلد‪ ]15-14 :‬يعني إطعا ٌم ا‬
‫يتيَم؛ يعني لو َّ‬
‫طعم) لوجب الفاعل‪ ،‬نقول‪ :‬الفاعل مسترت‬ ‫(أن ت ِ‬
‫رصحنا بالفعل ْ‬ ‫ِ‬
‫يتيَم)‪ ،‬ولو َّ‬
‫نقول‪( :‬أن تطعم ا‬
‫(أن تطعموا) الفاعل واو اجلَمعة‪ ،‬ما يمكن أن حيذف مع الفعل‪ ،‬لكن عندما جاء‬
‫يعني أنت أو ْ‬
‫يتيَم‪ ،‬يمكن‬
‫مصدرا (إطعا ٌم) جاز أن يذكر‪ ،‬وجاز أن حيذف الفاعل؛ أو إطعا ٌم ا‬
‫ا‬ ‫العامل يف الفاعل‬
‫يتيَم) فذكر الفاعل وأضافه للمصدر‪.‬‬
‫أن يذكر الفاعل تقول‪( :‬أو إطعامكم ا‬
‫والباب الثالث أو املوضع الثالث حلذف الفاعل‪ :‬يف باب النائب عن الفاعل؛ كقوله تعاىل‪:‬‬
‫﴿وق ِيض ْاأل ْمر [البقرة‪]210:‬؛ أي قىض اَّلل األمر‪ ،‬وهذا مشهور ومرشوح يف نائب الفاعل‪.‬‬
‫‪322‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫التعجب عند وجود ما ُّ‬


‫يدل عليه؛ كقوله‬ ‫املوضع الرابع حلذف الفاعل‪ :‬هو فاعل ِ‬
‫أفعل يف‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التعجب أن له صيغتني‪( :‬ما أفعله! ما‬
‫ُّ‬ ‫رص [مريم‪ ]38:‬سيأيت يف‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬أ ْسم ْع ِهبِ ْم وأ ْب ْ‬
‫ٍ‬
‫ماض جاء عىل صيغة األمر‪.‬‬ ‫وأفعل‪ٌ :‬‬
‫فعل‬ ‫ماض‪ِ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وأحسن به)‪ ،‬وأفعل‪ٌ :‬‬
‫فعل‬ ‫أحسنه! وأفعل به‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ماض فاعله مسترت تقديره هو يعود إىل‬ ‫فإذا قلت‪( :‬ما أحسن زيدا ا) فَم‪ :‬مبتدأ‪ ،‬وأحسن‪ٌ :‬‬
‫فعل‬
‫يشء أحسن هو زيدا ا‪.‬‬
‫ما‪ ،‬وزيدا ا‪ :‬مفعول به؛ يعني ٌ‬
‫فأحسن‪ :‬هذا فعل مايض حسن لكن‬ ‫ِ‬ ‫وإذا قلت‪( :‬أحسن ٍ‬
‫بزيد) يكون املعنى (حسن زيدٌ )‪،‬‬
‫جاء عىل صيغة األمر‪ ،‬وزيدٌ ‪ :‬الفاعل‪ ،‬لكن جر بالباء الزائدة‪ٍ ،‬‬
‫بزيد‪ ،‬فزيدٌ ‪ :‬فاعل مرفوع ً‬
‫ُمال‬ ‫َّ‬
‫جمرور لف اظا بالباء الزائدة‪.‬‬
‫ففي قوله تعاىل‪﴿ :‬أس ِمع ِهبِم [مريم‪ ]38:‬أين فاعل ِ‬
‫أسمع؟ الضمري هم املجرور بالباء‬ ‫ْ ْ ْ‬
‫(هبم)‪﴿ ،‬أس ِمع ِهبِم وأب ِرص [مريم‪ ]38:‬أين فاعل ِ‬
‫أبرص؟ ُمذوف بداللة الفاعل السابق عليه‪.‬‬ ‫ْ ْ ْ ْ ْ‬
‫ثم قال املصنيف‪" :‬وي ْمتنِع ِيف غ ْ ِري ِه َّن"‪ .‬يعني الفاعل ال حيذف يف غري هذه املواضع؛ ألن‬
‫الفاعل عمدة‪.‬‬
‫‪ ‬ثم انتقل ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬إىل احلكم السادس؛ وهو تقدُّ م الفاعل وتأخره فقال‪:‬‬
‫تأخر جوازا ا ن ْحو‪﴿ :‬ولقدْ جاء آل فِ ْرع ْون‬
‫"واأل ْصل أ ْن ي ِيل ع ِامله‪ ،‬وقدْ ي ُّ‬
‫النُّذر [القمر‪( ،]41:‬وكَم أتى ربه موسى عىل قد ٍر)‪ .‬ووجوبا نحو‪﴿ :‬وإِ ِذ ابتىل إِبر ِ‬
‫اهيم‬ ‫ْ ْ‬ ‫ا ْ‬ ‫َّ‬
‫ر ُّبه [البقرة‪ ]124:‬و(رضبنِي ز ْيدٌ )"‪.‬‬
‫فاألصل يف الفاعل‪ :‬أن يقع بعد عامله‪ ،‬قالوا‪ :‬ألن الفاعل كاجلزء من الفعل‪ ،‬ألن الفعل ال‬
‫يقع إال بفاعل‪ ،‬فالفعل والفاعل مرتابطان تراب اطا جعلهَم كاليشء الواحد‪ ،‬فلهذا جتد أن الفاعل‬
‫قد يسترت ويدخل يف الفعل كالفاعل املسترت‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪323‬‬

‫وجتد أن الفاعل قد يؤثر يف الفعل كَم يف (رضب‪ ،‬ورضبت) فيكين الفعل التصال الفاعل به‪،‬‬
‫فصارت رضبت كأهنا كلمة مكونة من أربعة أحرف‪ ،‬واألصل فيها كَم َشحنا من قبل‪( :‬ض ر‬
‫متحركات‪ ،‬وهذا ي يقل الكلمة‬
‫ي‬ ‫ب ت) رضبت فصارت كأهنا كلمة واحدة مكونة من أربع‬
‫كثريا‪ ،‬فسكَّنوها وخ َّففوها فقالوا‪( :‬رضبت)‪.‬‬
‫ا‬
‫لكن يف (رضبك) الكاف فاعل أو مفعول به؟ مفعول به؛ ألن املفعول به يف حكم االنفصال‪،‬‬
‫فلهذا عندما اتصل برضب صارت أربع متحركات (ض‪ ،‬ر‪ ،‬ب‪ ،‬ك) مل يس يبب ا‬
‫ثقال؛ ألهنا يف‬
‫نفس العرِب يشء منفصل عن الفعل‪ ،‬لكن الفاعل يف نفس العرِب يشء متصل بالفعل‪ ،‬فصار‬
‫األصل يف الفاعل أن يتقدَّ م‪ ،‬واألصل يف املفعول به أن يتأخر‪ ،‬وهذا قول املصنيف‪( :‬واأل ْصل أ ْن‬
‫ي ِيل ع ِامله)‪.‬‬
‫تأخر الفاعل أين سيكون‬
‫يتأخر عن املفعول به‪ ،‬إذا ُّ‬
‫‪ ‬ثم ذكر املصنيف أن الفاعل مع ذلك قد ُّ‬
‫تأخر الفاعل يعني تقدَّ م املفعول‬
‫املفعول به؟ سيكون املفعول به متقدي اما عىل الفاعل‪ ،‬فإذا قلنا‪ُّ :‬‬
‫وتأخر الفاعل يكون عىل حالتني‪:‬‬ ‫به‪ ،‬وذلك يف حالتني‪ِ ،‬‬
‫أقصد تقدُّ م املفعول به ُّ‬
‫التأخر اجلائز‪.‬‬
‫التأخر جائزا ا ُّ‬
‫‪ -‬إما أن يكون هذا ُّ‬
‫التأخر الواجب‪.‬‬
‫التأخر واج ابا ُّ‬
‫‪ -‬وإما أن يكون هذا ُّ‬
‫تأخر الفاعل عن املفعول به جائزاا؟‬
‫أخر اجلائز‪ :‬متى يكون ُّ‬
‫نبدأ بالت ُّ‬
‫لتأخر املفعول به؛ كقوله تعاىل‪﴿ :‬ولقدْ‬
‫موجب ُّ‬
‫ٌ‬ ‫إذا مل يكن هناك موجب لتقدُّ م الفاعل‪ ،‬أو‬
‫جاء آل فِ ْرع ْون النُّذر [القمر‪ ]41:‬يعني جاءت النذر آل فرعون‪ ،‬ويف قولك‪( :‬أكرم اإلسالم‬
‫اجلار)‪ ،‬و(أكرم اجلار اإلسالم) وهكذا‪ ،‬ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬
‫كَم أتى ر َّبه موسـى عـىل قـد ِر‬ ‫ت له قـد ارا‬ ‫جاء ِْ‬
‫اخلالفة أ ْو كان ْ‬
‫التأخر‪.‬‬ ‫أخر الفاعل لعدم ِ‬
‫املوجب للتقدُّ م أو ُّ‬ ‫أي كَم أتى موسى ر َّبه ثم َّ‬
‫‪324‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫لتأخر الفاعل‪،‬‬
‫موجب ُّ‬
‫ٌ‬ ‫تأخر الواجب‪ ،‬وذلك عندما يوجد‬
‫للتأخر‪ :‬فهي ُّ‬
‫ُّ‬ ‫أما احلالة الثانية‬
‫وذلك يف ثالث مسائل ذكر منها ابن هشام مسألتني‪ ،‬ونحن سنضيف ثالثة‪:‬‬
‫لتأخر الفاعل وجو ابا‪ :‬أن يتصل بالفاعل ضمري املفعول‪ ،‬أن يتصل بالفاعل‬
‫فاملوضع األول ُّ‬
‫ضمري يعود إىل املفعول به؛ كقولك‪( :‬قرأ الكتاب صاحبه) أين الفاعل القارئ؟ صاحبه‪،‬‬
‫ٌ‬
‫واملقروء املفعول به‪ :‬الكتاب اتصل بالفاعل صاحبه ضمري‪ ،‬يعود إىل ماذا؟ إىل املفعول به‪ ،‬ملاذا‬
‫تأخر الفاعل واج ابا؟ ألن تقدُّ م الفاعل فتقول‪( :‬قرأ صاحبه الكتاب) سيؤدي إىل كون‬
‫كان ُّ‬
‫متأخر لف اظا ورتبة‪ ،‬وهذا ال جيوز إال يف مواضع معينة‪.‬‬
‫الضمري عائدا ا إىل ُّ‬
‫فتأخر‬ ‫أيضا‪ :‬قوله ‪-‬سبحانه وتعاىل‪﴿ :-‬وإِ ِذ ابتىل إِبر ِ‬
‫اهيم ر ُّبه [البقرة‪ُّ ]124:‬‬ ‫ومن ذلك ا‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الفاعل وجو ابا لذلك‪.‬‬
‫طيب‪ :‬لو حدث العكس؛ يعني اتصل باملفعول به ضمري يعود إىل الفاعل؛ كأن تقول‪( :‬أكرم‬
‫زيدٌ صاحبه) اهلاء يف صاحبه متصلة بمفعول به وقد عادت إىل الفاعل‪ ،‬الضمري هنا عائد إىل‬
‫متقدي م ال إشكال‪.‬‬
‫طيب‪ :‬هل جيوز أن تقدي م املفعول به يف هذه احلالة فتقول‪( :‬أكرم صاحبه زيدٌ )؟ اجلواب‪ :‬نعم‬
‫متأخر لف اظا‪،‬‬
‫جيوز‪ ،‬طيب والضمري املتقدي م هذا أال يكون عائدا ا إىل متأخر؟ يكون عائدا ا عىل ُّ‬
‫متقدي ٍم رتبة‪.‬‬
‫املتأخر هو يف الرتبة‬
‫ُّ‬ ‫متأخر لف اظا يعني يف اللفظ هو متأخر‪ ،‬لكن زيد أو ُممد هذا الفاعل‬
‫ُّ‬
‫متقدي م؛ ألن الفاعل يف الرتبة متقدي م عىل املفعول به‪ ،‬فهو يف نفس العرِب الفاعل متقدي م‪ ،‬فلهذا‬
‫جاز وقد جاء عليه بعض األمثلة والشواهد‪.‬‬
‫ضمريا‬
‫ا‬ ‫تأخر الفاعل‪ :‬أن يكون املفعول به‬
‫واملوضع الثان الذي ذكره ابن هشام لوجوب ُّ‬
‫يتأخر الفاعل‪ ،‬وملاذا‬ ‫ا‬
‫متصال بالفعل‪ ،‬نحو‪( :‬أكرمني زيدٌ ) فيجب أن يتقدَّ م املفعول به‪ ،‬وجيب أن ُّ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪325‬‬

‫تأخر املفعول‬
‫تأخر املفعول به‪ ،‬وإذا ُّ‬
‫تأخر الفاعل هنا واج ابا؟ ألن تقديم الفاعل سيؤدي إىل ُّ‬
‫كان ُّ‬
‫به وهو ضمري سينقلب من متصل إىل منفصل‪ ،‬فتقول‪( :‬أكرم زيدٌ إياي)‪.‬‬
‫والقاعدة يف الضَمئر كَم سبقت‪" :‬أنه ال جيوز العدول عن الضمري املتصل إىل الضمري‬
‫املنفصل متى ما أمكن الضمري املتصل"‪ ،‬إذا أمكن الضمري املتصل ال جيوز العدول عنه إىل‬
‫الضمري املنفصل‪.‬‬
‫تأخر الفاعل ‪-‬وهو زدناه عىل ما قاله ابن هشام‪ :-‬أن حيرص الفاعل‪،‬‬
‫املوضع الثالث لوجوب ُّ‬
‫سواء بـ َّ‬
‫(إال) أو بـ (إنََّم) نحو‪( :‬إنَم ينفع املرء العمل الصالح)‪ ،‬قال‬ ‫ا‬ ‫ُمصورا‬
‫ا‬ ‫إذا كان الفاعل‬
‫عل‬ ‫ٌ‬
‫مفعول به‪ ،‬والعلَمء‪ :‬فا ٌ‬ ‫اد ِه ا ْلعلَمء [فاطر‪ ،]28:‬واسم اَّلل‪:‬‬
‫خيشى اَّللَّ ِمن ِعب ِ‬
‫ْ‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬إِنََّم ْ‬
‫مؤخر وجو ابا؛ ألنه املحصور‪.‬‬
‫ٌ‬
‫‪ ‬ثم ذكر املصنيف عكس املسألة السابقة وهي‪ :‬تأخري املفعول به وجو ابا عكس املسألة‬
‫السابقة‪ ،‬املسألة السابقة‪ :‬وجوب تأخري الفاعل‪ ،‬إذن هذه املسألة وجوب تقديم الفاعل‬
‫ووجوب تأخري املفعول به‪.‬‬
‫فقال ابن هشام‪:‬‬
‫ول كـ (رض ْبت ز ْيدا ا)‪ ،‬و(ما أ ْحسن ز ْيدا ا)‪ ،‬و(رضب موسى ِعيسى)‪،‬‬
‫"وقدْ جيِب ت ْأ ِخري امل ْفع ِ‬

‫ت الصغْرى الك ْربى)"‪.‬‬ ‫الف‪( :‬أرضع ِ‬‫بخ ِ‬‫ِ‬


‫ْ‬
‫يتأخر‬
‫نعم تقدَّ م فيَم مىض أن األصل من حيث الرتتيب ترتيب اجلملة أن يتقدَّ م الفاعل وأن ُّ‬
‫ويتأخر املفعول به وجو ابا‬
‫ُّ‬ ‫املفعول به‪ ،‬هذا األصل‪ ،‬وقد جيب هذا األصل فيتقدَّ م الفاعل وجو ابا‬
‫يف مواضع‪ ،‬ذكر منها ابن هشام كَم رأيتم هنا كم مسألة؟ مسألتني وسنضيف إليها ثالثة‪:‬‬
‫‪326‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ظاهرا‪ ،‬إذا كان الفاعل هو‬


‫ا‬ ‫اسَم‬ ‫ا‬
‫متصال‪ ،‬واملفعول به ا‬ ‫ضمريا‬
‫ا‬ ‫فاملسألة األوىل‪ :‬إذا كان الفاعل‬
‫اسم ظاهر؛ كـ (أكرمت زيدا ا) ملاذا كان تقديم الفاعل واج ابا؟ ألن‬
‫الضمري املتصل واملفعول به ٌ‬
‫تقديم املفعول به سيؤدي إىل فصل الضمري وقلبه إىل منفصل‪ ،‬وهذا ممتنع كَم َشحنا قبل قليل‪.‬‬
‫املوضع الثان لوجوب تقديم الفاعل وتأخري املفعول به‪ :‬إذا خيف التباس أحدمها باآلخر‪،‬‬
‫يعني مل يعرف الفاعل من املفعول به إال بالتزام الرتتيب‪ ،‬وذلك إذا خفي اإلعراب فيهَم‪ ،‬ومل‬
‫توجد قرينة تبني الفاعل من املفعول به‪ ،‬خفي اإلعراب؛‬
‫‪ -‬إما بالبناء‪.‬‬
‫‪ -‬وإما بعالمات اإلعراب املقدَّ رة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ أن تقدي م الفاعل‬ ‫ِ‬
‫هؤالء) فيجب‬ ‫ِ‬
‫سيبويه‬ ‫كقولك‪( :‬أكرم موسى عيسى)‪ ،‬أو (رضب‬
‫وأن تؤخر املفعول به‪ ،‬فإن وجدت قرين ٌة لفظي ٌة أو معنوي ٌة ت يٌبني الفاعل من املفعول به كان‬
‫ٍ‬
‫حينئذ جائزا ا؛‬ ‫التقديم والتأخري‬
‫‪ -‬فالقرينة اللفظية كأن تقول‪( :‬أكرمت موسى سلمى) فالفاعل سلمى وإن تأخرت‬
‫لوجود تاء التأنيث‪.‬‬
‫‪ -‬والقرينة املعنوية كقوهلم‪( :‬أرضعت الصغرى الكربى) من الفاعلة املرضعة؟ الكربى‬
‫رضع الصغرى وال يعقل العكس‪.‬‬ ‫ولو تأخرت؛ ألهنا التي يعقل أن ت ِ‬

‫واملوضع الثالث لوجوب تقديم الفاعل وتأخري املفعول به وهو الذي أضفناه‪ :‬أن يكون‬
‫ُمصورا بـ (إنَم) أو بـ َّ‬
‫(إال)؛ نحو‪( :‬إنَم يقول املسلم الصدق)‪ ،‬أو (ما يقول املسلم‬ ‫ا‬ ‫املفعول به‬
‫دائَم جيب أن يقدَّ م‪.‬‬
‫إال الصدق) وهكذا‪ ،‬فعرفنا من املوضع الثالث هنا وهناك أن املحصور ا‬
‫‪ ‬ثم ذكر املصنيف تقديم املفعول به عىل الفاعل نفسه‪ ،‬بعد أن انتهى من الكالم عىل ترتيب‬
‫يتأخر وجو ابا‪ ،‬ثم ذكر أن الفاعل يتقدَّ م عىل املفعول به‬
‫الفاعل مع املفعول به فذكر أن الفاعل ُّ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪327‬‬

‫أيضا تتعلق برتتيب اجلملة؛ وهي‪ :‬تقدُّ م املفعول به عىل الفعل‬


‫وجو ابا‪ ،‬انتقل إىل مسألة أخرى ا‬
‫نفسه‪.‬‬
‫فقال‪" :‬وقدْ يتقدَّ م عىل الع ِام ِل جوازا ا ن ْحو‪﴿ :‬ف ِري اقا هدى وف ِري اقا [األعراف‪ ،]30:‬ووجو ابا‬
‫ن ْحو‪﴿ :‬أ ًيا ما تدْ عوا [اإلرساء‪."]110:‬‬
‫فلَم ذكر املصنيف ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬تقدُّ م املفعول عىل الفاعل وتأخره عنه ذكر هنا تقدُّ م املفعول به‬
‫عىل الفعل نفسه‪ ،‬وذكر أنه نوعان‪:‬‬
‫‪ -‬تقدُّ م جائز‪.‬‬
‫‪ -‬وتقدُّ م واجب‪.‬‬
‫فالتقدُّ م اجلائز‪ :‬هو ما خال من موجب التقديم أو التأخري نحو‪( :‬كتب الطالب الواجب)‪ ،‬أو‬
‫(الواجب كتب الطالب)‪ ،‬وتقول‪( :‬أكرمت زيدا ا) أو (زيدا ا أكرمت)‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪﴿ :‬ف ِري اقا‬
‫هدى [األعراف‪ ،]30:‬أو يف اللغة (هدى فري اقا)‪ ،‬فهذا جائز؛ ألنه ال موجب لتقدي ٍم أو تأخري‪.‬‬
‫أما تقديم املفعول به عىل الفعل نفسه وجو ابا‪ :‬فلذلك مواضع ذكر ابن هشام منها موض اعا‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ جيب أن يتقدَّ م وهو‬ ‫واحدا ا وهو‪ :‬إذا كان املفعول به لف اظا من األلفاظ التي هلا الصدارة‪،‬‬
‫ٌ‬
‫مفعول به؛ ألن جوابك‬ ‫ب؟) فمن‪ :‬اسم استفهام‪ ،‬وإعرابه هنا‬ ‫ٌ‬
‫مفعول به؛ كقولك‪( :‬من حت ُّ‬
‫ب ُممدا ا) فمحمدا ا هو املجهول املسؤول عنه فهو يقابل‬ ‫ِ‬
‫الكامل عىل هذا السؤال أن تقول‪( :‬أح ُّ‬
‫ا‬
‫مفعوال به مقدَّ اما وجو ابا‪.‬‬ ‫من‪ ،‬فتكون من‪:‬‬
‫فأي‪:‬‬ ‫ات ا َِّ ِ‬ ‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬فأي آي ِ‬
‫َّلل تنكرون [غافر‪ ]81:‬استفهام استنكاري‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫ٌ‬
‫مفعول به مقدَّ م‪ ،‬وفعله الذي نصبه تنكرون‪.‬‬
‫‪328‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬أ ًيا َّما تدْ عوا فله األ ْسَمء ْ‬
‫احل ْسنى [اإلرساء‪ ،]110:‬أ ًيا‪ :‬هذا اسم‬
‫أي اس ٍم من أسَمء اَّلل ‪-‬عزَّ وج َّل‪ -‬احلسنى تدعونه هبا فله األسَمء احلسنى‪ ،‬فأ ًيا‪ :‬هذا‬
‫َشط‪َّ ،‬‬
‫أي اس ٍم فتقدَّ م وجو ابا‪.‬‬ ‫ا‬
‫مفعوال به فتقدَّ م وجو ابا‪ ،‬أي تدعون َّ‬ ‫اسم َشط وقع‬
‫‪ ‬ثم انتقل ابن هشام إىل آخر مسألة يف هذا الباب [باب الفاعل]‪ ،‬وهو الكالم عىل فاعل‬
‫نِعم وبئس يف املدح والذم‪ ،‬فقال ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬
‫اجلن ِْس َّي ِة ن ْحو‪﴿ :‬نِ ْعم‬
‫ف بِـ (أل) ِ‬ ‫الفعل نِعم أو بِئْس‪ ،‬فا ْلف ِ‬
‫اعل إِ َّما مع َّر ٌ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫"وإذا كان ِ‬

‫ضمري‬
‫ٌ‬ ‫اف مل ِا ِهي فِ ِيه ن ْحو‪﴿ :‬ولن ِ ْعم دار ا ْملت َِّقني [النحل‪ ،]30:‬أ ْو‬
‫ا ْلع ْبد [ص‪ ،]30:‬أ ْو مض ٌ‬
‫وص ن ْحو‪﴿ :‬بِئْس لِل َّظاملِني بد اال [الكهف‪"]50:‬‬ ‫ييز مطابِ ٍق لِ ْلمخْ ص ِ‬‫رس بِت ْم ٍ‬
‫رت مف َّ ٌ‬
‫ِ‬
‫م ْست ٌ‬
‫ٍ‬
‫خاص به‪ ،‬ولو أنه فعل‬ ‫خص يف هذه الفقرة فاعل نِعم وبئس بكال ٍم‬ ‫فابن هشام ‪-‬رمحه اَّلل‪َّ -‬‬
‫خاصا لنعم وبئس‪،‬‬
‫التعجب وغريه من األساليب اخلاصة فجعل با ابا ا‬ ‫ُّ‬ ‫مع نِعم وبئس ما فعله مع‬
‫ومجع فيه أحكامهَم لكان أفضل‪ ،‬إال أن ابن هشام وزَّ ع وشتَّت أحكام نعم وبئس يف هذا‬
‫ٍ‬
‫أبواب أخرى‪،‬‬ ‫بعضا آخر يف‬
‫الكتاب‪ ،‬ذكر بعضها هنا يف الفاعل‪ ،‬وذكر بعضها يف التمييز‪ ،‬وذكر ا‬
‫ولعله كان يرى أن ذلك أسهل‪.‬‬
‫اسَم‪ ،‬وقلنا‪ :‬يكون من مجيع األسَمء‪ ،‬ثم قال‬
‫فالكالم هنا عىل أن الفاعل كَم سبق ال يكون إال ا‬
‫هنا‪َّ :‬إال فاعل نعم وبئس فهو ض ييق‪ ،‬ال يكون من مجيع األسَمء‪ ،‬بل ال يكون إال أحد ثالثة أسَمء‬
‫فقط‪:‬‬
‫اسَم مقرتناا بأل اجلنسية‪ ،‬نحو‪( :‬نِ ْعم الرجل زيدٌ )‪ ،‬و(بئست املرأة هندٌ )‪،‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون ا‬
‫و(بئس الرجل البخيل)‪ ،‬و(نِ ْعم اخللق الوفاء بالعهد)‪ ،‬و(بئس اخللق خ ْلف الوعد) وهكذا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬ن ْعم ا ْلع ْبد [ص‪ ]30:‬يعني نعم العبد هنا‪ ،‬فنعم‪ :‬فعل‪ ،‬والعبد‪ :‬فاعل وهو ٌ‬
‫اسم‬
‫كَم ترون ِ‬
‫مقرتن بأل اجلنسية‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪329‬‬

‫اسَم مضا افا ملا اقرتن بـ (أل) اجلنسية‪ ،‬نحو‪( :‬نِعم‬ ‫ِ‬
‫النوع الثان من فاعل نعم وبئس‪ :‬أن يكون ا‬
‫ايضا قوله تعاىل‪﴿ :‬ولن ِ ْعم دار‬
‫صديق الرجل زيدٌ )‪ ،‬و(نعم خ ْلق املسل ِم الصدق)‪ ،‬ومن ذلك ا‬
‫مضاف إليه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ا ْملت َِّقني [النحل‪ ،]30:‬فنِعم‪ :‬فعل‪ ،‬ودار‪ :‬فاعل وهو مضاف‪ ،‬واملتقني‪:‬‬
‫وواضح أن هذا النوع عائدٌ إىل النوع السابق‪.‬‬
‫مسترتا وجو ابا يعود عىل ٍ‬
‫متييز بعده‬ ‫ا‬ ‫ضمريا‬
‫ا‬ ‫النوع الثالث من أنواع فاعل نِعم وبئس‪ :‬أن يكون‬
‫فرس ما فيه من الغموض واإلهبام‪ ،‬نحو‪( :‬نعم صدي اقا ُممدٌ )‪( ،‬نعم ا‬
‫رجال زيدٌ )‪ ،‬إذا قلت‪:‬‬ ‫ي ي‬
‫رجال زيدٌ ) زيدٌ هذا املخصوص باملدح وسيأيت إعرابه‪ ،‬ونِعم‪ :‬فعل‪ ،‬أين فاعله؟ لو قلت‪:‬‬
‫(نعم ا‬
‫(نعم الرجل زيدٌ ) فنعم‪ :‬فعل‪ ،‬والرجل‪ :‬فاعل‪ ،‬وزيدٌ ‪ :‬خمصوص باملدح‪.‬‬
‫ضمري مسترت تقديره (هو)‪ ،‬هذا‬
‫ٌ‬ ‫رجال) أين فاعل نِعم؟ يقول‪:‬‬
‫لكن يف هذا األسلوب‪( :‬نعم ا‬
‫فرس هذا الضمري‬ ‫الضمري املسترت يعود إىل ماذا؟ يعود إىل ٍ‬
‫متييز بعده‪ ،‬هذا التمييز هو الذي ي ي‬
‫ويرفع ما فيه من إهبام وغموض‪ ،‬وهذه من املواضع القليلة النادرة التي يعود فيها الضمري إىل‬
‫رجال) هو يعود إىل الرجل؛ يعني (نعم الرجل ا‬
‫رجال زيدٌ )‪.‬‬ ‫متأخر لف اظا ورتبة؛ يعني (نِعم هو ا‬
‫ُّ‬
‫إذن فاخلالصة‪ :‬أن فاعل نِعم وبئس ضيق‪ ،‬وال يكون إال مقرتناا بـ (أل) اجلنسية كـ (نِعم‬
‫رجال زيدٌ )‪( ،‬نعم اخللق الصدق) اجعله‬ ‫ضمريا عائدا ا إىل ٍ‬
‫متييز بعده كـ (نعم ا‬ ‫ا‬ ‫الرجل زيدٌ )‪ ،‬أو‬
‫من األسلوب الثان‪( :‬نعم خل اقا الصدق)‪ ،‬وهكذا تستطيع أن جتعل كل مثال من النوع األول أو‬
‫النوع الثان‪ ،‬فهذا ما يتع َّلق بالفاعل‪ ،‬وَشح ما قاله ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل تعاىل‪.-‬‬
‫‪ ‬دعونا نع يقب بأشياء رسيعة بَم بقي من الوقت‪:‬‬
‫مسهل‪ :‬يقولون‪ :‬الفاعل هو جواب‬
‫مقر ٌب ي‬
‫■ هناك ضابط يذكرونه يف باب الفاعل وهو ي‬
‫قولنا‪ :‬من الذي أسنِد إليه الفعل؟ أو من الذي فعل الفعل؟‬
‫‪330‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫(صىل) أسنِد إىل‬


‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫بصالة خاشعة)‪ ،‬فالفعل‪:‬‬ ‫َّ‬
‫(صىل باملسلمني هذا اليوم اإلمام‬ ‫فإذا قلت‪:‬‬
‫اإلمام فهو الفاعل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫سيارات خمتلفة) فيسافر أسندته إىل إخوان‪ ،‬فهو‬ ‫ولو قلت‪( :‬يسافر منذ الصباح إخوان عىل‬
‫الفاعل وهكذا‪.‬‬
‫فعل ٌ‬
‫فاعل بعده فإن ظهر وإال‬ ‫■ وهناك قاعد ٌة عامة يضبط هبا هذا الباب وهي تقول‪" :‬لكل ٍ‬
‫فهو ضمري مسترت" كَم قال ابن ٍ‬
‫مالك يف األلفية‪:‬‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ـل ف ِ‬
‫ـل فِ ْعـ ٍ‬
‫لِكـ ي‬
‫رت‬ ‫ف ْهــــو وإِ َّال فضمـ ٌ‬
‫ـــري ْاســــت ْ‬ ‫ـل ف ـإِ ْن ظهـ ْ‬
‫ــر‬ ‫اعـ ٌ‬
‫اع ٌل) أي فعل مايض أو مضارع أو أمر ال بدَّ له من فاعل‪ ،‬وهذا الفاعل بعد‬ ‫(لِك يل فِع ٍل ف ِ‬
‫ْ‬
‫الفعل‪( :‬لِك يل فِ ْع ٍل فا ِع ٌل) بعده‪ ،‬طيب؛‬
‫‪ -‬فإن ظهر يف الكالم كـ (ذهب ُممدٌ )‪ ،‬أو (ذهبت)‪ ،‬أو (ذهبوا)‪ ،‬أو (اذهبوا) فالفاعل‬
‫هذا الظاهر‪.‬‬
‫ضمري مسترت‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪ -‬وإن مل يظهر يف الكالم مثل‪ُ( :‬ممدٌ ذهب)‪ ،‬أو (اذهب) فالفاعل‬
‫ٌ‬
‫ضابط للفاعل بحسب فعله‪ ،‬ضابط الفاعل بحسب فعله‪ :‬نعم الفاعل‬ ‫أيضا‬
‫■ وهناك ا‬
‫ٍ‬
‫ماض؛‬ ‫ٌ‬
‫وفعل‬ ‫ٌ‬
‫وفعل مضارع‪،‬‬ ‫بحسب فعله منضبط؛ ألن األفعال كَم نعرف ثالثة‪ :‬فعل أمر‪،‬‬
‫أما فعل األمر‪ :‬فهو ينقسم القسمة السداسية املشهورة‪ ،‬فأنت تقول يف الذهاب للواحد‪:‬‬
‫(اذهب)‪ ،‬وللواحدة‪( :‬اذهبي)‪ ،‬ولالثنني يف املذكر‪( :‬اذهبا)‪ ،‬ويف املؤنث‪( :‬اذهبا) (يا ُممدان‬
‫اذهبا)‪ ،‬و(يا هندان اذهبا)‪ ،‬وجلمع الذكور‪( :‬اذهبوا)‪ ،‬وجلمع اإلناث‪( :‬اذهبن)‪ ،‬وال يكون‬
‫فاعل فعل األمر غري ذلك‪.‬‬
‫مسترتا تقديره أنت‪( ،‬اذهب) أي أنت‪.‬‬
‫ا‬ ‫‪ -‬ففاعل أمر الواحد ال يكون إال‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪331‬‬

‫ظاهرا‪ ،‬مثل‪ُ :‬ممد‬


‫ا‬ ‫اسَم‬
‫‪ -‬وفاعل الواحدة ال يكون إال ياء املخاطبة (اذهبي) ال يكون ا‬
‫مسترتا‪ ،‬ما‬
‫ا‬ ‫ضمريا‬
‫ا‬ ‫ضمريا بارزا ا غري ياء املخاطبة‪ ،‬وال هو‬
‫ا‬ ‫اذهب ُممد‪ ،‬وال يكون‬
‫يكون إال ياء املخاطبة‪.‬‬
‫‪ -‬وفاعل فعل األمر للمثنى املذكر واملؤنث ال يكون إال ألف اثنني (اذهبا)‪.‬‬
‫‪ -‬وفاعل األمر جلمع الذكور واو اجلَمعة (اذهبوا)‪.‬‬
‫‪ -‬وفاعل األمر جلمع اإلناث نون النسوة (ذاهبن)‪.‬‬
‫‪ -‬ففاعل فعل األمر منضبط؛ ألنه ال حيتمل غري ذلك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بحرف من أحرف املضارعة‬ ‫‪ ‬ثم ننتقل إىل الفعل املضارع وهو كَم تعلمون ال بدَّ أن يبدأ‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪ -‬اهلمزة للمتكلم (أذهب)‪.‬‬
‫‪ -‬والنون للمتكلمني (نذهب)‪.‬‬
‫‪ -‬والتاء للمخاطب (تذهب)‪.‬‬
‫‪ -‬والياء للغائب (يذهب)‪.‬‬
‫مسترتا تقديره (أنا)‪،‬‬
‫ا‬ ‫ضمريا‬
‫ا‬ ‫مبدوء هبمزة املتك يلم فال يكون فاعله إال‬
‫ا‬ ‫فإن كان املضارع‬
‫(أذهب) يعني أنا‪( ،‬أحبك) أي أنا‪( ،‬أستمع إليك)؛ أي أنا‪.‬‬
‫مسترتا تقديره (نحن)؛‬
‫ا‬ ‫ضمريا‬
‫ا‬ ‫مبدوء بنون املتكلمني فال يكون فاعله إال‬
‫ا‬ ‫وإن كان املضارع‬
‫﴿إِ َّياك ن ْعبد [الفاحتة‪ ]5:‬نحن‪( ،‬لن نربح األرض) نحن‪.‬‬
‫ليبقى من الفعل املضارع‪ :‬املضارع املبدوء بالتاء (تذهب)‪ ،‬واملضارع املبدوء بالياء (يذهب)‪،‬‬
‫أيضا الفعل املايض (ذهب) فهذه الثالثة هي التي حيتمل فاعلها وحيتمل؛‬
‫ويبقى ا‬
‫ظاهرا؛ كـ (يذهب ُممدٌ )‪ ،‬و(تذهب هندٌ )‪ ،‬و(ذهب ُممدٌ )‪.‬‬
‫ا‬ ‫‪ -‬حيتمل أن يكون‬
‫‪332‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ضمريا بارزا ا؛ كـ (يذهبون)‪ ،‬و(تذهبون)‪ ،‬و(ذهبت)‪.‬‬


‫ا‬ ‫‪ -‬وحيتمل أن يكون‬
‫مسترتا؛ كـ (ُممدٌ يذهب)‪ ،‬و(هندٌ تذهب)‪ ،‬و(ُممدٌ‬
‫ا‬ ‫ضمريا‬
‫ا‬ ‫‪ -‬وحيتمل أن يكون‬
‫ذهب)‪.‬‬
‫معنى ذلك أن هذه الثالثة هي التي تبحث عن فاعلها‪ ،‬وما قبل ذلك فاعلها منضبط ال حيتمل‬
‫غري ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬لنختم الكالم عىل الفاعل بضابط إعراب ضَمئر توان‪:‬‬
‫ضَمئر توان التي سبق أن ذكرناها يف الضَمئر املتصلة‪ ،‬والضَمئر املتصلة تسعة؛‬
‫‪ -‬منها مخس ٌة للرفع وهي ضَمئر توان‪.‬‬
‫‪ -‬وثالث ٌة للنصب واجلر وهي ضَمئر هيك‪.‬‬
‫وجرا‪.‬‬
‫‪ -‬والتاسع (نا) املتكلمني يأيت رف اعا ونص ابا ً‬
‫َشحنا ذلك‪ ،‬واملراد بضَمئر توان‪:‬‬
‫‪ -‬التاء تاء املتك يلم كـ (ذهبت)‪.‬‬
‫‪ -‬والواو واو اجلَمعة كـ (ذهبوا‪ ،‬ويذهبون‪ ،‬واذهبوا)‪.‬‬
‫‪ -‬واأللف ألف االثنني كـ (ذهب‪ ،‬ويذهبان‪ ،‬واذهبا)‪.‬‬
‫‪ -‬والنون نون النسوة؛ كـ (ذهبن‪ ،‬ويذهبن‪ ،‬واذهبن)‪.‬‬
‫‪ -‬والياء ياء املخاطبة؛ كـ (تذهبني واذهبي)‪.‬‬
‫هذه الضَمئر عىل كثرهتا الكاثرة ال تكون إال رف اعا فلهذا يسموهنا ضَمئر الرفع املتصلة‪ ،‬ورفع‬
‫األسَمء كَم سبق يف نحو املبتدئني يكون يف كم موضع؟ يف سبعة مواضع‪:‬‬
‫‪ -‬يف املبتدأ وخربه‪.‬‬
‫‪ -‬والفاعل ونائبه‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪333‬‬

‫‪ -‬واسم كان وأخواهتا‪.‬‬


‫إن وأخواهتا‪.‬‬
‫‪ -‬وخرب َّ‬
‫‪ -‬والتابع للمرفوع‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ثالثة من هذه السبعة فقط؛ يعني أن‬ ‫فهي سبعة‪ ،‬ومع ذلك فضَمئر التوان ال تأيت إال يف‬
‫إعراب توان منحرص يف ثالثة مواضع‪:‬‬
‫اسَم لكان وأخواهتا يف ُمل رفع ك‪( ،‬كنت‪ ،‬وكانوا)‪.‬‬
‫األول‪ :‬أن تتصل بكان وأخواهتا فتكون ا‬
‫(رضبوا‪ِ ،‬‬
‫ورضبت)‪.‬‬ ‫مبني للمجهول‪ ،‬فتكون نائ ابا لفاعله؛ كـ ِ‬ ‫ٍ‬
‫بفعل ٍّ‬ ‫والثان‪ :‬أن تتصل‬
‫والثالث‪ :‬أن تكون ا‬
‫فاعال فيَم سوى ذلك كـ (ذهبت‪ ،‬وذهبوا)‪.‬‬
‫وصل اَّلل وس َّلم عىل نبينا ُممد‪ ،‬والسالم عليكم ورمحة اَّلل وبركاته‪.‬‬
‫َّ‬ ‫واَّلل أعلم‪،‬‬
‫‪334‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫الدرس التاسع‬
‫بسم اَّلل الرمحن الرحيم‬

‫احلمد َّلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل نبينا ُممد وعىل آله وأصحابه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪،‬‬
‫فسالم اَّلل عليكم ورمحته وبركاته‪ ،‬حياكم اَّلل وب نياكم يف هذا الدرس‪ ،‬الدرس التاسع من‬
‫وبل الصدى البن هشام رمحه اَّلل‪ ،‬ونحن يف ليلة األربعاء احلادي عرش‬‫دروس َشح قطر الندى ن‬
‫ٍ‬
‫وأربعَمئة وألف يف جامع منرية شبييل بحي الفالح يف‬ ‫من شهر رجب من سنة تس ٍع وثالثني‬
‫مدينة الرياض‪ ،‬وقد تكلمنا يف الدرس املايض عىل باب ظن وأخواهتا وعىل باب الفاعل‪.‬‬

‫سنتكلم يف هذه الليلة بإذن اَّلل تعاىل عىل نائب الفاعل‪ ،‬ثم ندخل بعد ذلك عىل االشتغال‬
‫أيضا يف املفاعيل اخلمسة فعلنا بإذن اَّلل تعاىل‪ ،‬إ اذا فبداية هذا‬
‫والتنازع‪ ،‬وإن استطعنا أن ندخل ا‬
‫الدرس سيكون من باب نائب الفاعل‪.‬‬

‫بعد انتهى ابن هشام رمحه اَّلل من الكالم عىل الفاعل الذي يمثل الصورة األصلية للجملة‬
‫مبني للمجهول‪،‬‬
‫فعل ٍ‬‫الفعلية‪ ،‬انتقل إىل الصورة األخرى للجملة الفعلية وهي املكونة من‪ٍ :‬‬

‫ونائب فاعله‪ ،‬لندرسها يف هذا الباب باب نائب الفاعل‪.‬‬

‫وابن هشام يف هذا الباب قال‪:‬‬

‫(باب النائب عن الفاعل)‬

‫يسمى نائب الفاعل‪ ،‬ويسمى املفعول الذي مل يسم فاعله‪ ،‬فالتعبري األول اشتهر عند‬
‫مشاحة يف االصطالح‪،‬‬
‫ن‬ ‫املتأخرين‪ ،‬والتعبري الثان اشتهر عند املتقدمني‪ ،‬وكالمها اصطالح وال‬
‫فضلون األول‪ :‬نائب الفاعل الختصاره‪.‬‬
‫إال أن أغلب املتأخرين ي ن‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪335‬‬

‫يعرف نائب الفاعل‪ ،‬فنقول‪ :‬نائب الفاعل‪:‬‬


‫وابن هشام بدأ مباَش اة بأحكام نائب الفاعل ومل ن‬
‫هو ما ناب عن الفاعل بعد حذفه‪ ،‬فإذا قلنا ا‬
‫مثال‪ :‬فتح احلارس الباب‪ ،‬فهذا الفعل قد ذكر فاعله‬
‫ٍ‬
‫ألسباب خمتلفة‪ ،‬كأن جتهله‪ ،‬أو تعرفه‬ ‫وهو احلارس‪ ،‬ثم أن العرب قد حتذف الفاعل وال تذكره‬
‫تعظيَم له ألنه بلغ‬
‫ا‬ ‫احتقارا له‪ ،‬أو‬
‫ا‬ ‫ترصح باسمه خو افا عليه من األذى‪ ،‬أو خو افا منه‪ ،‬أو‬
‫ولكن ال ن‬
‫من املعرفة حدا ا ال لبس فيها‪.‬‬

‫ٍ‬
‫لسبب من هذه األسباب‪ ،‬فإذا حذفت الفاعل‬ ‫واخلالصة‪ :‬أن العرب قد حتذف الفاعل‬
‫ٍ‬
‫بنائب عن‬ ‫والفاعل عمدة اجلملة الفعلية ال تقوم وال تستقيم إال بالفاعل‪ ،‬احتاجت إىل أن تأيت‬
‫هذا الفاعل لتقيم اجلملة الفعلية‪ ،‬فتأيت باملفعول به وتضعه مكان الفاعل وتعطيه مجيع أحكام‬
‫ا‬
‫وتأنيث‪ ،‬وكونه جيب أن‬ ‫تذكريا‬
‫ا‬ ‫الفاعل‪ :‬من رفعٍ‪ ،‬وكونه عمدة‪ ،‬وكونه الذي يؤثر يف الفعل‬
‫يتأخر عن فعله‪ ،‬وغري ذلك من أحكام الفاعل‪.‬‬

‫إ اذا فالعرب إذا حذفت الفاعل (كاحلارس) يف قولنا‪( :‬فتح احلارس الباب) فإهنا ستعمل‬
‫عملني‪:‬‬

‫األول‪ :‬قبل الفاعل املحذوف‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫والثان‪ :‬بعد الفاعل املحذوف‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫مبني للمعلوم إىل‬


‫فعل ٍ‬‫أما العمل األول الذي قبل الفاعل املحذوف‪ :‬فهو أن تقلب الفعل من ٍ‬

‫مبني للمجهول‪ ،‬تعيد صياغته‪ ،‬وسيذكر ابن هشام كيفية بناء الفعل للمجهول‪.‬‬
‫فعل ٍ‬‫ٍ‬

‫والعمل اآلخر الذي تعمله بعد الفاعل املحذوف‪ :‬أهنا تأيت بنائب عن الفاعل‪ ،‬وتضعه مكان‬
‫الفاعل‪ ،‬وتعطيه أحكام الفاعل‪ ،‬وسيذكر ابن هشام األشياء التي تنوب عن الفاعل بعد حذفه‪.‬‬
‫‪336‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫وإن قيل‪ :‬املبتدأ حيذف وال حيتاج إىل نائب‪ ،‬وخربه حيذف وال حيتاج إىل نائب‪ ،‬واملفعول بعد‬
‫حيذف وال حيتاج إىل نائب‪ ،‬ومجيع أركان اجلملة وفضالهتا يمكن أن حتذف متى ما ن‬
‫دل عليها‬
‫دليل وال حتتاج إىل نائب‪ ،‬إال الفاعل‪ ،‬فإنه إذا حذف وجب أن ينوب عنه نائب‪.‬‬

‫فعل ا‬
‫عقال وال لغ اة إال‬ ‫واجلواب عن ذلك‪ :‬ألنه عمدة اجلملة الفعلية‪ ،‬فال يمكن أن يستقيم ٌ‬
‫يشء يقيم أود اجلملة الفعلية بعد حذف الفاعل‪ ،‬ومن‬
‫ٌ‬ ‫بفاعل‪ ،‬وهلذا احتجنا إىل أن ننوب عنه‬
‫هذا يعلم أن قول بعض املعارصين‪ :‬نائب مفعول مطلق‪ ،‬أو نائب ظرف زمان‪ ،‬أو نائب ظرف‬
‫مكان‪ ،‬كل ذلك من اخرتاعاهتم وليست من كالم النحويني‪ ،‬فليس هناك يف النحو من نائب إال‬
‫نائب الفاعل‪ ،‬ملا سبق َشحه قبل قليل‪.‬‬

‫فبدأ ابن هشام رمحه اَّلل بذكر أحكام نائب الفاعل فقال‪:‬‬

‫ٌ‬
‫مفعول به)‬ ‫حيذف الفاعل فينوب عنه يف أحكامه ك يلها‬
‫( ْ‬

‫يريد أن نائب الفاعل يأخذ مجيع أحكام الفاعل التي ذكرناها من قبل يف باب الفاعل‪ ،‬نحو‪:‬‬

‫‪ -‬الرفع‪ ،‬فنقول‪ :‬فتح الباب‪.‬‬

‫مثنى أو مج اعا‪ ،‬فإن فعله يلزم‬


‫‪ -‬ومن توحيد الفعل معه مهَم كان نائب الفاعل مفر ادا أو ا‬
‫ٌ‬
‫رجل‪ ،‬ورضب رجالن‪ ،‬ورضب‬ ‫التوحيد كَم سبق يف باب الفاعل‪ ،‬فتقول‪ :‬رضب‬
‫ٌ‬
‫رجال‪ ،‬إال عىل لغة أكلون الرباغيث‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫رجال‪ ،‬وال تقول‪ :‬رضبا رجالن‪ ،‬ورضبوا‬

‫‪ -‬وكذلك من تأنيث الفعل وتذكريه له‪ ،‬فيكون نائب الفاعل هو الذي يتحكم يف الفعل‬

‫تذكريا وتأني اثا‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬رسق اللص السيارة‪ ،‬ذكنرت الفعل ألن الفاعل مذكر‪ ،‬فإذا‬
‫ا‬
‫حذفت الفاعل (اللص) وبنيت للمجهول قلت‪ :‬رسقت السيارة‪ ،‬فأنثت الفعل‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬ ‫وتذكريا‬ ‫(رسقت) ألن نائب الفاعل (السيارة) هو الذي سيؤثر يف الفعل تأني اثا‬
‫ا‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪337‬‬

‫‪ -‬وكذلك يأخذ حكم الفاعل من حيث وجوب التأخري ووجوب تقديم الفعل عليه‪،‬‬

‫فال جيوز أن يتقدم نائب الفاعل عن الفعل كالفاعل‪ ،‬فنقول‪ُ :‬ممدٌ رضب زيدا ا‪ ،‬فإذا‬

‫أردت أن تبني للمجهول قلت‪ :‬زيدٌ رضب‪:‬‬

‫‪ ‬زيدٌ ‪ :‬مبتدأ‪ ،‬وليس نائب فاعل‪.‬‬

‫مسترت بعده تقديره هو‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫ضمري‬
‫ٌ‬ ‫مبني للمجهول‪ ،‬ونائب فاعله‬
‫فعل ٌ‬‫‪ ‬ورضب‪ٌ :‬‬

‫ونص ابن هشا ٍم فيَم قرأناه عىل أن الذي ينوب عن الفاعل بعد حذفه هو املفعول به‪ ،‬ومعنى‬
‫ٌ‬
‫مفعول به فهو الذي‬ ‫ذلك‪ :‬أن األصل يف النيابة عن الفاعل للمفعول به‪ ،‬فإذا وجد يف اجلملة‬
‫ينوب‪ ،‬وال ينوب غريه عن الفاعل مع وجوده‪ ،‬هذا قول مجهور النحويني‪.‬‬

‫وأجاز الكوفيون أن ينوب غري املفعول به مع وجود املفعول به‪ ،‬وهلذا جيوز عندهم أن تقول‪:‬‬
‫زيد‪ ،‬ثم تبني للمجهول فتقول‪ :‬أخذ الكتاب من ٍ‬
‫زيد‪ ،‬أو أخذ الكتاب‬ ‫أخذ ُممدٌ الكتاب من ٍ‬
‫زيد؛ عىل أن اجلار واملجرور (من ٍ‬
‫زيد) هو نائب الفاعل‪ ،‬أو أخذ ُممدٌ الكتاب اليوم‪ ،‬ثم‬ ‫من ٍ‬

‫تقول يف البناء للمجهول‪ :‬أخذ الكتاب اليوم‪ ،‬أو أخذ الكتاب اليوم‪ ،‬فتجعل الظرف نائب‬
‫الفاعل‪.‬‬

‫فهذه من مسائل اخلالف بني البرصيني والكوفيني‪.‬‬

‫أيضا مسألة يف النيابة؛ وهي‪ :‬عند وجود مفعولني‪ ،‬فَم الذي ينوب منهَم عن الفاعل بعد‬
‫وهنا ا‬
‫حذفه؟ هل هو األول أم الثان؟ أم جيوز أن ينوب أحدمها؟‬

‫اجلواب‪ :‬أن األفضل أن ينوب املفعول األول عن الفاعل‪ ،‬وجيوز أن ينوب الثان‪ ،‬إ اذا فمن‬
‫حيث اجلواز جيوز أن ينوب أحدمها‪ ،‬لكن األفضل أن ينوب األول‪.‬‬
‫‪338‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫مفتوحا‪( ،‬الباب)‪ :‬مفعول أول‪ ،‬و(مفتوح)‪ :‬املفعول‬


‫ا‬ ‫مثال ذلك‪ :‬لو قلت‪ :‬علم ُممدٌ الباب‬
‫مفتوحا‪ ،‬وجيوز أن تقال‪ :‬علم‬
‫ا‬ ‫الثان‪ ،‬فإذا بنيت للمجهول كان األفضل أن تقول‪ :‬علم الباب‬
‫مفتوح‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الباب‬

‫وكذلك يف األفعال التي تنصب مفعولني ليس أصلهَم املبتدأ واخلرب‪ ،‬أفعال اإلعطاء واملنح‪،‬‬
‫كقوله‪ :‬أعطى ُممدٌ الفقري ا‬
‫رياال‪ ،‬فإذا بنيت للمجهول فاألفضل أن تنيب األول فتقول‪ :‬أعطي‬
‫ا‬
‫و(رياال)‪ :‬املفعول الثان‪ ،‬وجيوز أن تقال‪ :‬أعطي الفقري‬ ‫الفقري ا‬
‫رياال‪( ،‬الفقري)‪ :‬نائب الفاعل‪،‬‬
‫ٌ‬
‫و(ريال)‪ :‬نائب الفاعل‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫ريال‪ ،‬فـ(الفقري)‪ :‬مفعول أول‪،‬‬

‫ثم قال ابن هشا ٍم رمحه اَّلل‪:‬‬

‫رصف من ظرف‪ ،‬أو جمرور‪ ،‬أو مصدر)‬


‫(فإن مل يوجدْ فَم اختص وت َّ‬

‫ففي كالمه هذا مسائل‪:‬‬

‫املسألة األوىل‪ :‬أنه ال ينوب أحد هذه الثالثة مع وجود املفعول به‪ ،‬وهذا قوله‪( :‬فإن مل يوجدْ )‬
‫فاشرتط‪ ،‬وسبق ذكر خالف الكوفيني يف ذلك‪.‬‬

‫خمتصا مترص افا‪،‬‬


‫املسألة الثان يف كالمه‪ :‬أنه اشرتط يف الظرف لكي ينوب عن الفاعل أن يكون ا‬
‫رصف من ظرف) فَم معنى كونه مترص افا؟ وما معنى كونه ا‬
‫خمتصا؟‬ ‫قال‪( :‬فَم اختص وت َّ‬
‫ٍ‬
‫ظرف‪ ،‬جيوز أن يقع يف الكالم ظر افا‪ ،‬ينتصب‬ ‫فمعنى كونه مترص افا‪ :‬أنه يأيت ظر افا ويأيت غري‬
‫خربا أو ا‬
‫فاعال أو غري ذلك‪ ،‬يسمى‬ ‫عىل الظرفية‪ ،‬وجيوز أن خيرج عن الظرفية فيقع مبتدأ أو ا‬
‫يوما‪ ،‬أو جئت يوم‬
‫الظرف املترصف‪ ،‬مثل كلمة‪ :‬يوم‪ ،‬يمكن أن يقع ظرف زمان فتقول‪ :‬مشيت ا‬
‫ٌ‬
‫مبارك‪ :‬مبتدأ‪ ،‬أو مىض اليوم بَم فيه‪ :‬فاعل‪،‬‬ ‫اخلميس‪ ،‬وجيوز أن خيرج عن الظرفية فتقول‪ :‬اليوم‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪339‬‬

‫وهذا أغلب أسَمء الزمان‪ ،‬هي مترصفة‪ ،‬قلنا مثل‪ :‬يوم‪ ،‬وشهر‪ ،‬وساعة‪ ،‬ودقيقة‪ ،‬ومدة‪،‬‬
‫وصباح‪ ،‬ومساء‪ ،‬وليل‪ ،‬وهنار‪.‬‬

‫ظروف قليلة‬
‫ٌ‬ ‫ويقابلها الظروف غري املترصفة‪ :‬يعني التي ال خترج عن الظرفية الزمانية‪ ،‬وهذه‬
‫ذكر يف ظرف الزمان وظرف املكان‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫لزمت االنتصاب عىل الظرفية الزمانية‪ ،‬وقد يأيت هلا ٌ‬
‫لدى‪ ،‬وعند‪ ،‬وإذا‪ ،‬وإذ‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫إضافة أو علنية أو أي‬ ‫بوصف أو‬ ‫خمتصا‪ :‬أي ليس مطل اقا‪ ،‬بل ٌ‬
‫خمتص‬ ‫وأما معنى كون الظرف ا‬
‫وقت‪ ،‬أو صيم‬
‫قيد خيصصه ويق نيده وخيرجه من اإلهبام والعموم‪ ،‬فال يصح أن تقول‪ :‬صيم ٌ‬
‫(وقت) هذا زمن مطلق‪ ،‬والسبب يف ذلك‪ :‬عدم الفائدة؛ ألنه معلوم أن هناك وقتاا من‬
‫ٌ‬ ‫زمن؛ ألن‬
‫ٌ‬
‫األوقات صيم فيه‪ ،‬فَم الفائدة من أن خترب عن ذلك؟ ما فيه فائدة‪.‬‬

‫لكن لو ختصص‪:‬‬

‫ٌ‬
‫طويل‪ ،‬أو نحو ذلك مما يدل عىل‬ ‫وقت‬ ‫‪ -‬بإضافة‪ ،‬ا‬
‫مثال‪ :‬وقت الصيف‪ ،‬أو بصفة كـ‪ٌ :‬‬
‫ٌ‬
‫طويل‪ ،‬أو صيم وقت‬ ‫وقت‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ تأيت الفائدة‪ ،‬فتقول‪ :‬صيم‬ ‫التقييد والتخصيص‬

‫الصيف‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫‪ -‬أو كان الزمن اسم علم‪ ،‬كـ‪ :‬صيم رمضان‪ ،‬أو صيم املحرم‪.‬‬

‫‪ -‬أو ختصص بـ(ال) التي تنقله من التذكري إىل التعريف‪ ،‬فتقول‪ :‬صيم اليوم‪ ،‬يعني الذي‬

‫نحن فيه‪ ،‬فتخصص بذلك‪.‬‬

‫فاخلالصة‪ :‬أن الظرف لكي يفع نائب فاعل ال بد أن يكون مترص افا؛ يعني يمكن أن خيرج عن‬
‫وخمتصا؛ غري مطلق‪.‬‬
‫ا‬ ‫الظرفية فينتقل إىل نائب فاعل‪،‬‬
‫‪340‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫خمتصا‬
‫أيضا اشرتط ابن هشام يف املصدر لكي ينوب عن الفاعل أن يكون ا‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬ا‬
‫مترص افا؟‬
‫ن‬ ‫خمتصا‬ ‫مترص افا ا‬
‫أيضا‪ ،‬فَم معنى كونه ا‬
‫ٍ‬
‫مطلق‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مفعول‬ ‫ا‬
‫مفعوال مطل اقا وغري‬ ‫أما كونه مترص افا‪ :‬فيعني أن يكون املصدر جيوز أن يأيت‬
‫جيوز أن ينتصب عىل املفعولية املطلقة وجيوز أن خيرج عنها إىل أبواب النحو األخرى‪ ،‬فيخرج‬
‫جلوسا)‬
‫ا‬ ‫جلوس‪ ،‬وقيا ٌم‪ ،‬وصيا ٌم‪ ،‬فتقول‪( :‬جلس زيدٌ‬
‫ٌ‬ ‫مما خيرج إليه إىل نائب الفاعل‪ ،‬نحو‪:‬‬
‫ا‬
‫مفعوال مطل اقا‪ ،‬وتقول‪( :‬اجللوس يف املسجد راح ٌة للنفس) فيكون مبتدأ‪.‬‬ ‫فينتصب‬

‫بخالف املصادر التي ال خترج عن املفعول املطلق‪ ،‬وهي مصادر قليلة مل تستعملها العرب إال‬
‫منتصب اة عىل املفعولية املطلقة‪ ،‬كـ‪ :‬سبحان اَّلل‪ ،‬ومعاذ اَّلل‪ ،‬أو عياذ اَّلل‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فهذه ال‬
‫خترج عن املفعولية املطلقة فكيف ستجعلها نائب فاعل؟ ال يصح‪.‬‬
‫ٍ‬
‫إضافة أو (ال) وغري‬ ‫ٍ‬
‫بوصف أو‬ ‫خمتصا‪ :‬يعني أال يكون مطل اقا‪ ،‬بل خيتص‬
‫وأما كون املصدر ا‬
‫جلوس‬
‫ٌ‬ ‫جلوس؛ ألنه ال فائدة منه‪ ،‬لكن يصح أن تقول‪ :‬جلس‬
‫ٌ‬ ‫ذلك‪ ،‬فال يصح أن تقول‪ :‬جلس‬
‫جلوس مؤدب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫طويل‪ ،‬أو جلس‬

‫فمعنى االختصاص والترصف يف املصدر يشبه معنى االختصاص والترصف يف الظرف‪.‬‬

‫أيضا يف اجلار واملجرور لكي ينوب عن نائب‬


‫واملسألة الرابعة يف كالم ابن هشام‪ :‬أنه اشرتط ا‬

‫مترص افا وما معنى كونه ا‬


‫خمتصا؟‬ ‫ن‬ ‫أيضا‪ ،‬فَم معنى كونه‬ ‫الفاعل أن يكون مترص افا ا‬
‫خمتصا ا‬

‫أما معنى كونه مترص افا‪ :‬فيعني أن حرف اجلر ال يكون من احلروف التي تلتزم طريق اة واحدة‬
‫جيران إال أسَمء الزمان‪ ،‬أو (رب) التي ال جتر إال‬
‫وال خترج عنها‪ ،‬نحو‪( :‬منذ ومذ) اللذان ال ن‬
‫النكرة‪ ،‬بل يكون من حروف اجلر التي جتر كل األسَمء مترصفة‪ ،‬جتر أسَمء الزمان وغري أسَمء‬
‫الزمان‪ ،‬مثل‪ :‬من وإىل وعن وعىل وهي أكثر حروف اجلر‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪341‬‬

‫ٍ‬
‫إضافة أو‬ ‫ٍ‬
‫بوصف أو‬ ‫خمتصا‪ :‬فيعني أال يكون مطل اقا منك انرا‪ ،‬بل يتخصص‬
‫وأما كون املجرور ا‬
‫ٍ‬
‫حديقة؛ لعدم الفائدة‪ ،‬ألننا نعلم أن هناك‬ ‫ٍ‬
‫مسجد‪ ،‬أو أكل يف‬ ‫(ال) فال يصح أن تقول‪ :‬جلس يف‬
‫أكال حدث يف حديقة‪ ،‬فال تقع الفائدة إ اذا هبذا الكالم‪ ،‬لكن‬
‫جلوس حدث يف مسجد‪ ،‬وأن ا‬
‫ٍ‬
‫مجيلة‪ ،‬أو جلس باحلديقة‪ ،‬يعني احلديقة املعروفة بيني‬ ‫ٍ‬
‫حديقة‬ ‫يصح أن تقول ا‬
‫مثال‪ :‬جلس يف‬
‫ٍ‬
‫بيشء كاإلضافة أو الصفة‪.‬‬ ‫وبني املتكلم‪ ،‬أو جلس يف حديقة احلي‪ ،‬فتخصص املجرور‬

‫فبذلك ذكر ابن هشام أن ما ينوب عن الفاعل بعد حذفه أربعة أشياء‪:‬‬

‫‪ -‬األول‪ :‬املفعول به‪ ،‬وال ينوب غريه مع وجوده‪.‬‬


‫ا‬
‫مترصفة‬ ‫‪ -‬الثان والثالث والرابع‪ :‬الظرف واملصدر واجلار واملجرور‪ ،‬برشط أن تكون‬

‫خمتص اة‪.‬‬

‫وهذه الثالثة لو اجتمعت جلاز لك أن تنيب أهيا شئت تقدمت أو تأخرت‪ ،‬فلك أن تقول‪:‬‬
‫ا‬
‫طويال يوم اخلميس‪ ،‬ثم تبني للمجهول فتقول‪:‬‬ ‫جلوسا‬
‫ا‬ ‫جلس ُممدٌ عىل الكريس‬

‫ا‬
‫طويال يوم اخلميس‪ ،‬فجعلت اجلار واملجرور نائب‬ ‫جلوسا‬
‫ا‬ ‫‪ ‬جلس عىل الكريس‬

‫الفاعل‪.‬‬
‫ٌ‬
‫طويل يوم اخلميس‪ ،‬فأنبت املصدر‪.‬‬ ‫جلوس‬
‫ٌ‬ ‫‪ ‬أو تقول‪ :‬جلس عىل الكريس‬
‫ا‬
‫طويال يوم اخلميس فأنبت الظرف‪.‬‬ ‫جلوس‬
‫ا‬ ‫‪ ‬أو تقول‪ :‬جلس عىل الكريس‬

‫قالوا‪ :‬األفضل أن جتعل نائب الفاعل هو املتقدم‪ ،‬ان تقدن م نائب الفاعل من هذه الثالث إذا‬
‫ِ‬
‫اجتمعت‪ ،‬ومع ذلك ليس هذا برشط‪ ،‬قال سبحانه وتعاىل‪﴿ :‬فإِذا نفخ ِيف ُّ‬
‫الص ِ‬
‫ور ن ْفخ ٌة‬
‫و ِ‬
‫احدة [احلاقة‪ ]13:‬األصل واَّلل أعلم‪ :‬فإذا نفخ امللك يف الصور نفخ اة واحدةا‪ ،‬فـ(يف الصور)‬
‫ٌ‬
‫مفعول مطلق‪ ،‬ثم بني للمجهول فقيل‪ :‬نفخ‪ ،‬وما الذي أنيب نائب‬ ‫جار وجمرور‪ ،‬و(نفخة)‬
‫‪342‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫للفاعل؟ املفعول املطلق‪ :‬نفخ نفخ ٌة‪ ،‬ومع ذلك كان متأخر‪ ،‬فتقديمه عند من قام به من باب‬
‫األحسن‪.‬‬

‫ثم ذكر ابن هشام رمحه اَّلل كيفية بناء الفعل للمجهول‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫ثان تع يلم‪ ،‬وثالث انْطلِق‪ ،‬وي ْفتح ما قبل اآلخر يف‬


‫(ويضم أول الفعل مطلق اا‪ ،‬ويشاركه ِ‬

‫والضم خملص اا)‬


‫ُّ‬ ‫خملص اا ومش ن اَم ض ن اَم‬
‫املضارع‪ ،‬ويكْرس يف املايض‪ ،‬ولك يف نحو قال وباع الكرس ْ‬

‫فذكر ابن هشا ٍم هنا طريقة صياغة الفعل للمجهول‪ ،‬وهذه املسألة يف احلقيقة من مسائل‬
‫الرصف؛ ألهنا كَم ترون تتعلق ببنية الكلمة‪ ،‬كل ما يتعلق ببنية الكلمة وتغرياهتا رصف‪ ،‬لكن‬
‫يذكرها النحويون يف هذا الباب للحاجة إليها‪.‬‬

‫فقاعدة بناء الفعل املجهول‪ :‬أن األمر ال ينبى للمجهول‪ ،‬فانتهينا منه‪ ،‬وأما املايض واملضارع‬
‫فإذا بنيتهَم للمجهول فيجب أن تضم احلرف األول منهَم‪ ،‬ثم تكرس ما قبل آخر املايض‪ ،‬وتفتح‬
‫ما قبل آخر املضارع‪ ،‬نقول‪ :‬هذه القاعدة العامة التي جيب أن تطبق عىل مجيع األفعال‪ ،‬فنقول‪:‬‬

‫‪ -‬يفتح‪ :‬يفتح‪.‬‬ ‫‪ -‬أخذ‪ :‬أ ِخذ‪.‬‬


‫‪ -‬ي ِ‬
‫دحرج‪ :‬يدحرج‪.‬‬ ‫‪ -‬دحرج‪ :‬د ِ‬
‫حرج‪.‬‬
‫‪ -‬ينطلق‪ :‬ينطلق‪.‬‬ ‫‪ -‬أكرم‪ :‬أ ِ‬
‫كرم‪.‬‬
‫‪ -‬يستخرج‪ :‬يستخرج‬
‫إ اذا فهذه هي القاعدة العامة‪.‬‬

‫وبعد هذه القاعدة العامة هناك قواعد خاصة لبعض األفعال‪ ،‬ومعنى كون أن هذه األفعال هلا‬
‫قواعد خاصة يعني باإلضافة إىل القاعدة العامة‪ ،‬نطبق القاعدة العامة عىل هذه األفعال ونضيف‬
‫إليها قواعد خاصة هبذه األفعال‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪343‬‬

‫فمن األفعال التي هلا قاعد ٌة خاصة‪ :‬املايض املبدوء ٍ‬


‫بتاء زائدة‪ ،‬وم نثل له ابن هشام بـ‪ :‬تع نلم‪،‬‬
‫مبدوء ٍ‬
‫بتاء زائدة‪ ،‬وقاعدته‬ ‫ٍ‬ ‫وخترج‪ ،‬وكذلك جتاهل‪ ،‬وختاصم‪ ،‬كل ٍ‬
‫فعل‬ ‫وتفهم‪ ،‬ن‬‫تكرس‪ ،‬ن‬‫وكذلك ن‬
‫اخلاصة‪ :‬أنك تضم احلرف الثان مع ضم أوله وكرس ما قبل آخره‪ ،‬فتقول يف‪:‬‬

‫‪ -‬تع نلم‪ :‬تع يلم‪.‬‬


‫‪ -‬خترج‪ :‬خت يرج‪.‬‬
‫‪ -‬جتاهل‪ :‬ستضم األول (التاء)‪ ،‬وتكرس ما قبل اآلخر (اهلاء)‪ ،‬ثم تضم احلرف الثان‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ بعد ضم‪ ،‬فنقلبها‬ ‫وهو (اجليم)‪ ،‬واأللف التي بعد اجليم يف (جتاهل) ستقع‬
‫إىل واو للمناسبة‪ ،‬فتقول العرب‪ :‬جت ِ‬
‫وهل‪.‬‬
‫وصم‪.‬‬‫‪ -‬ويف ختاصم‪ :‬خت ِ‬

‫ومما له قاعد ٌة خاصة‪ :‬الفعل املبدوء هبمزة الوصل‪ ،‬كاألفعال التي عىل صيغة استفعل‪:‬‬
‫استفهم‪ ،‬واستخرج‪ ،‬واستغفر‪ ،‬أو عىل صيغة انفعل‪ ،‬مثل‪ :‬انطلق‪ ،‬انكرس‪ ،‬أو عىل صيغة افتعل‪:‬‬
‫مثل افتتح‪ ،‬وانترص‪ ،‬وقاعدهتا اخلاصة‪ :‬أنك تضم احلرف الثالث مع ضم األول وكرس ما قبل‬
‫اآلخر‪ ،‬فتقول يف‪:‬‬

‫‪ -‬استخرج‪ :‬استخْ ِرج‪.‬‬

‫‪ -‬انطلق‪ :‬أنطلِق‪.‬‬
‫‪ -‬استغفر‪ :‬است ِ‬
‫غفر‪.‬‬

‫‪ -‬وقد م نثل له ابن هشام بقوله‪( :‬وثالث انْطلِق)‪.‬‬

‫ن‬
‫املعتل العني كـ‪ :‬قال‪ ،‬وقام‪،‬‬ ‫ن‬
‫املعتل العني‪ ،‬الثالثي األجوف‬ ‫ومما له قاعدة خاصة‪ :‬الثالثي‬
‫ٍ‬
‫لغات للعرب‪:‬‬ ‫وباع‪ ،‬وصام‪ ،‬وقاعدته اخلاصة‪ :‬أن فيه ثالث‬
‫‪344‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ -‬اللغة األوىل‪ :‬وهي الفصحى الكثرى‪ :‬أن تكرس أوله وتقلب األلف إىل ياء‪ ،‬فتقول يف‬
‫قال‪ :‬قيل‪ ،‬ويف باع‪ :‬بيع‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬و ِغيض ا ْملاء [هود‪﴿ ،]44:‬و ِجيء ي ْومئِ ٍذ‬
‫بِجهنَّم [الفجر‪.]23:‬‬

‫‪ -‬اللغة الثانية‪ :‬أن تضم األول وتقلب األلف إىل واو‪ ،‬فتقول يف قال‪ :‬قول‪ ،‬ويف باع‪ :‬بوع‪،‬‬
‫تقول‪ :‬قال ُممدٌ احلق‪ :‬قول احلق‪ ،‬وباع ُممدٌ البيت‪ :‬بوع البيت‪ ،‬وهذه لغ ٌة قليلة‪ ،‬ومن‬
‫ذلك قول شاعرهم‪:‬‬

‫ليت شبا ابا بوع فاشرتيت‬ ‫يشء‬


‫ٌ‬ ‫ليت وهل تنفع‬
‫ليت‬

‫‪ -‬واللغة الثالثة‪ :‬وهي ٌ‬


‫لغة فصيحة وواردة يف بعض قراءات القرآن‪ ،‬وهي كرس أوله مع‬
‫ضَم‪ ،‬يعني‪ :‬أن نجعل حركة األول حرك اة بني الكرس والضم‪ ،‬كرسة‬
‫إشَمم هذا الكرس ا‬
‫مشمة ضَم‪ ،‬جعلتها كرسة تشم الضمة‪ ،‬فتنقلب الواو إىل ٍ‬
‫ياء غري خالصة‪ ،‬قالوا‪ :‬إذا‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫أردت أن تنطق بذلك فإنك تذم الشفتني كهيئة الناطق بالضم‪ ،‬ولكن تنطق الكرس‪،‬‬
‫فتقول يف بناء قال للمجهول‪ :‬قيل احلق‪ ،‬ويف باع‪ :‬بيع احلق‪.‬‬

‫فهذه من األصوات التي فردت هبا بعض القبائل العربية‪ ،‬واخللط بني احلركات موجود يف‬
‫أيضا يف اإلمالة وهي لغة فصيحة لقبائل كثرية‬ ‫ٍ‬
‫عدد من لغويات العرب‪ ،‬كهذه اللغة‪ ،‬وموجود ا‬
‫ومقروء به يف القراءات السبعية‪ ،‬اإلمالة‪ :‬أن متيل الفتحة إىل الكرسة‪ ،‬جتعل‬
‫ٌ‬ ‫من قبائل العرب‪،‬‬
‫احلركة بني الفتحة والكرسة‪ ،‬فتقول ا‬
‫مثال يف الضحى‪ :‬الضحى (نطقها الشيخ بإمالة)‪.‬‬

‫أيضا خيلطون بني‬


‫وجتد نحو ذلك يف عاميات الناس اليوم‪ ،‬يف داخل اجلزيرة وخارجها‪ ،‬فهم ا‬
‫هذه احلركات‪ ،‬وأحياناا ال خيلصوهنا‪ ،‬فليست هي فتح اة وال كرسة‪ ،‬ليست ضم اة وال كرسة‪،‬‬
‫ت بالفتح‪ ،‬وال بِ ٌ‬
‫يت‬ ‫بينها‪ ،‬كَم تقول العامة عندنا اليوم يف كلمة بيت وزيت‪ ،‬فال هم يقولون‪ :‬ب ْي ٌ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪345‬‬

‫بالكرس‪ ،‬وإنَم يقولون‪ :‬بيت‪ ،‬بينهَم‪ ،‬وهذه إمالة‪ ،‬إمالة الفتحة إىل الكرسة‪ ،‬فاملراد من ذلك أن‬
‫بعضا هذا موجود يف لغات العرب‪ ،‬ومن ذلك هذه اللغة‪.‬‬
‫اخللط بني احلركات وإشَمم بعضها ا‬

‫ن‬
‫املعتل العني كـ‪ :‬قام‪ ،‬وصام‪ ،‬وقال‪ ،‬وباع‪ ،‬لك فيه ثالث لغات‬ ‫فاخلالصة‪ :‬أن املايض الثالثي‬
‫خملص اا) هذه اللغة الفصحى‪( ،‬ومش ن اَم‬
‫عرب عنها ابن هشام بقوله‪( :‬ولك يف نحو قال وباع الكرس ْ‬
‫ن‬
‫والضم خملص اا) وهذه اللغة القليلة‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ض ن اَم) ضمة صحيحة‪( ،‬‬

‫هبذا نكون قد انتيهنا من الكالم عىل نائب الفاعل‪ ،‬لينتقل بعد ذلك إىل باب االشتغال‪.‬‬

‫قال ابن هشا ٍم رمحه اَّلل‪:‬‬

‫(باب االشتغال)‬

‫يعرف ابن هشا ٍم االشتغال‪ ،‬وهذا الباب من األبواب التي ال تذكر يف كتب املبتدئني‪،‬‬
‫أيضا مل ن‬
‫ا‬
‫باب جديد عىل املتوسطني‪ ،‬ولفهم االشتغال دعونا ننظر يف هذه األمثلة‪:‬‬
‫فهو ٌ‬

‫ٌ‬
‫ومفعول به مؤخر‪.‬‬ ‫‪ -‬فإذا قلنا‪ :‬أكرمت زيدا ا‪ ،‬فال إشكال يف هذه العبارة‪ٌ :‬‬
‫فعل وفاعل‬

‫ٌ‬
‫وفعل وفاعل‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫مفعول به مقدن م‬ ‫‪ -‬فإذا قلت‪ :‬زيدا ا أكرت‪ ،‬فال إشكال يف هذه العبارة‪:‬‬

‫‪ -‬وإذا قلت‪ :‬زيدٌ أكرمته‪ ،‬فال إشكال يف هذه العبارة‪ ،‬فزيدٌ ‪ :‬مبتدأ مرفوع‪ ،‬وأكرمته‪ :‬مجلة‬
‫فعلية مكونة من فعل وفاعل ومفعول به‪ ،‬واجلملة الفعلية خرب املبتدأ‪.‬‬

‫‪ -‬حتى نقول‪ :‬زيدا ا أكرمته‪ ،‬بنصب (زيدا ا)‪ ،‬فكيف يكون إعراب (زيدا ا) يف مثل هذا‬
‫األسلوب؟ هنا يأيت اإلشكال؛ فـ(زيدا ا أكرمته) أكرمته‪ :‬هذا الفعل قد استوىف مفعوله‬
‫وهو اهلاء‪ ،‬اهلاء العائدة عىل زيد‪ ،‬لكن هذا الفعل استوىف مفعوله وانتهى‪ ،‬فَم الذي‬
‫نصب زيدا ا املتقدم؟‬
‫‪346‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫منصوب عىل االشتغال‪ ،‬يعنون به‬


‫ٌ‬ ‫ن‬
‫حل النحويون هذا اإلشكال بأن قالوا‪ :‬إن (زيدا ا) املتقدم‬
‫ُمذوف من جنس املذكور‪ ،‬خيترصون ذلك فيقولون‪ :‬منصوب عىل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لفعل‬ ‫ٌ‬
‫مفعول به‬ ‫أنه‬
‫االشتغال‪ ،‬ويسمون هذا األسلوب‪ :‬أسلوب االشتغال‪.‬‬

‫سموه أسلوب االشتغال ألن الفعل املذكور ‪-‬وهو (أكرم) يف هذا املثال‪ -‬اشتغل عن نصب‬
‫ن‬
‫االسم الظاهر املتقدم وهو (زيدا ا)‪ ،‬اشتغل عن نصبه بَمذا؟ بنصب ضمريه‪ ،‬فهذا الفعل يسمونه‬
‫ِ‬
‫املشتغل‪ ،‬والضمري الذي نصبه الفعل يسمونه مشتغل به أو املشغول به‪ ،‬واالسم‬ ‫املشغول أو‬
‫املنصوب املتقدم (زيدا ا) يسمونه املشغول عنه أو املشتغل عنه‪ ،‬واألسلوب يسمى أسلوب‬
‫االشتغال‪.‬‬

‫إ اذا أسلوب االشتغال له ثالثة أركان وهي هذه املذكورة‪ ،‬ويعدن ون أسلوب االشتغال كَم‬
‫فهمناه اآلن من أساليب اإلجياز واملبالغة‪ ،‬من أساليب اإلجياز؛ ألن فيه حذ افا ن‬
‫دل عليه املذكور‪،‬‬
‫ومن أساليب املبالغة؛ ألن قولك‪ :‬زيدا ا أكرمته بمعنى أكرمت زيدا ا أكرمته‪ ،‬فكررت إكرام زيد‬
‫مرتني‪ ،‬فهذا أقوى من قولك‪ :‬أكرمت زيدا ا‪ ،‬أو زيدا ا أكرمت‪.‬‬

‫كثري يف القرآن الكريم‪،‬‬


‫وهذا األسلوب أسلوب االشتغال يف احلقيقة كثري يف اللغة‪ ،‬بل هو ٌ‬
‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬واألنْعام خلقها [النحل‪﴿ ،]5:‬واأل ْرض وضعها [الرمحن‪،]10:‬‬
‫وقال‪﴿ :‬أبرشا منَّا و ِ‬
‫احدا ا َّن َّتبِعه [القمر‪ ]24:‬يعني واَّلل أعلم‪ :‬وخلق األنعام خلقها‪ ،‬ووضع‬ ‫ا ي‬
‫برشا مننا واحدا ا نتبعه‪ ،‬وقال تعاىل‪﴿ :‬جنَّات عدْ ٌن‬
‫ا‬ ‫األرض وضعها‪ ،‬أنتبع‬
‫القراء العرشة بالرفع‪ ،‬وجاء يف بعض قراءات الشواذ‪:‬‬
‫يدْ خلوهنا [الرعد‪ ]23:‬هذه قراءة ن‬
‫﴿جن ِ‬
‫َّات عدْ ٍن يدْ خلوهنا [الرعد‪ ]23:‬بالنصب عىل االشتغال‪.‬‬

‫دل عليه املذكور‪.‬‬ ‫ٍ‬


‫بفعل ُمذوف من جنس املذكور‪ ،‬ن‬ ‫منصوب‬
‫ٌ‬ ‫إ اذا فاملنصوب عىل االشتغال‬

‫ثم نقرأ ما قاله ابن هشام إذ قال رمحه اَّلل‪:‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪347‬‬

‫"جيوز يف نحو (زيد اا رضبته) أو (رضبت أخاه) أو (مررت به)‪ :‬رفع ٍ‬


‫زيد باالبتداء؛ فاجلملة‬
‫احلذف؛ فال موضع للجملة‬‫ِ‬ ‫خرب‪ ،‬ونصبه بإضَمر (رضبت) و (أهنْت) و (جاوزت) واجبة‬ ‫بعده ٌ‬
‫بعده"‬

‫هنا مسألة يف كالم ابن هشام؛ إذ ذكر رمحه اَّلل أنه جيوز يف املشغول عنه وجهان‪ ،‬هذا االسم‬
‫املتقدم املنصوب قد جيوز فيه وجهان من حيث اإلمجال‪:‬‬

‫‪ -‬األول‪ :‬رفعه عىل أنه مبتدأ‪ ،‬فنقول ماذا؟ زيدٌ أكرمته‪ ،‬فكيف يكون اإلعراب والكالم؟‬
‫حينئذ مكون من ماذا؟ من مبتدأٍ‬
‫ٍ‬ ‫خربا‪ ،‬فالكالم هنا‬
‫زيدٌ ‪ :‬مبتدأ‪ ،‬وأكرمته‪ :‬مجلة وقعت ا‬
‫ٍ‬
‫ومجلة خربية‪ ،‬إ اذا فالكالم مكون من مجلة أو مكون من مجلتني؟ مكون من مجلة واحدة‪،‬‬
‫من مبتدأ وخرب إال أن اخلرب مجلة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ يكون‬ ‫أيضا‪ :‬نصبه عىل االشتغال‪ ،‬فنقول‪ :‬زيدا ا أكرمته‪،‬‬
‫‪ -‬وجيوز يف املشغول عنه ا‬
‫الكالم مكون من مجلة أم مجلتني؟ من مجلتني‪ ،‬والتقدير‪ :‬أكرمت زيدا ا أكرمته‪ ،‬طيب فَم‬
‫إعراب اجلملة الثانية (أكرمته)؟ أما اجلملة األوىل (أكرمت زيدا ا) التي حذفنا منها‬
‫مفرسة هلذا‬
‫رصحنا بالفعل فيها‪ :‬فهي ن‬
‫الفعل‪ :‬فهي ابتدائية‪ ،‬وأما (أكرمته) التي ن‬
‫املفرسة ال ُمل هلا من اإلعراب‪.‬‬
‫املحذوف‪ ،‬واجلمل ن‬

‫سواء أكان‬
‫ٌ‬ ‫أيضا يف كالم ابن هشام؛ إذ ذكر أنه يصح االشتغال مع الفعل‬
‫وهنا مسألة أخرى ا‬
‫هذا الفعل‪:‬‬

‫‪ ‬متعد ايا بنفسه إىل الضمري‪ :‬كمثالنا‪ :‬زيدا ا أكرمته‪ ،‬فاهلاء يف (أكرمته) نصبه الفعل‬
‫مباَشةا؛ ألنه ٍ‬
‫متعد ينصب مفعوله‪.‬‬
‫‪348‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ ‬أم كان هذا الفعل متعد ايا إىل اس ٍم مضاف إىل ضمري املشغول عنه املتقدم‪ :‬ويسمى‪:‬‬
‫ٍ‬
‫ضمري‬ ‫السببي‪ ،‬نحو‪ :‬زيدا ا أكرمت أخاه‪ ،‬اإلكرام وقع عىل األخ‪ ،‬لكن األخ مضاف إىل‬
‫ٍ‬
‫حينئذ النصب عىل االشتغال ولو كانت العالقة هنا‬ ‫يعود عىل املشغول عنه‪ ،‬فيصح‬
‫سببية وليست مباَشة‪.‬‬

‫الزما؛ ال ينصب ضمري املشغول عنه مباَشةا‪ :‬كقولك‪ :‬زيدا ا مررت به‪،‬‬ ‫‪ ‬أم كان الفعل ا‬
‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬وال َّظاملِني أعدَّ هل ْم عذا ابا ألِ ايَم [اإلنسان‪.]31:‬‬

‫وتقدير الفعل الناصب هلذا املشغول عنه يكون بحسب املعنى‪:‬‬

‫‪ -‬ففي (زيدا ا أكرمته) مقدن ر من لفظ املذكور‪ :‬أكرمت زيدا ا أكرمته‪.‬‬

‫‪ -‬ويف (زيدا ا رضبت أخاه) ال نقدن ر رضبت زيدا ا؛ ألنك ما رضبته‪ ،‬وإنَم نقدن ر نحو‪ :‬أهنت‬
‫زيدا ا رضبت أخاه؛ ألن رضب األخ إهان اة له‪.‬‬

‫‪ -‬ويف (زيدا ا مررت به) ما نقدن ر مررت؛ ألن مررت ال تنصب زيدا ا‪ ،‬ألنه الزم‪ ،‬وإنَم نقدن ر‬
‫متعد ايا بمعناه مثل‪ :‬جاوزت زيدا ا مررت به‪.‬‬

‫وكل هذا يب نينه ابن هشام بقوله‪( :‬جيوز يف نحو (زيد اا رضبته) أو (رضبت أخاه) أو (مررت‬
‫خرب‪ ،‬ونصبه بإضَمر (رضبت) و (أهنْت) و (جاوزت)‬ ‫ه‬‫بعد‬ ‫فاجلملة‬ ‫باالبتداء؛‬ ‫به)‪ :‬رفع ٍ‬
‫زيد‬
‫ٌ‬
‫احلذف) وسيذكر ابن هشام بعيد قليل أن املشغول عنه املتقدم‪ :‬زيدا ا أكرمته‪ ،‬قد جيب فيه‬‫ِ‬ ‫واجبة‬
‫النصب عىل االشتغال‪ ،‬وقد جيب فيه الرفع عىل االبتداء‪ ،‬وقد جيوز الوجهان جوازاا مستو ايا أو‬
‫جوازا ا مع ترجيح النصب‪ ،‬فهو يتكلم اآلن هنا عن جواز النصب والرفع باإلمجال‪.‬‬

‫فبدأ بالتفصيل فذكر وجهان‪ :‬النصب؛ يعني جواز انتصاب املشغول عنه عىل االشتغال‬
‫وجواز رفعه عىل االبتداء‪ ،‬إال أن نصبه أرجح‪ ،‬فقال‪( :‬ويرتجح النصب يف ِ‬
‫نحو (زيد اا ْ ِ‬
‫ارض ْبه)‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪349‬‬

‫ارقة فا ْقطعو ْا أ ْي ِدهيَم متأ َّو ٌل‪ ،‬ويف ِ‬


‫نحو ﴿واألنْعام خلقها‬ ‫الس ِ‬ ‫الس ِ‬
‫ارق و َّ‬ ‫ب‪ ،‬ونحو ﴿و َّ‬‫لِ ْل َّطل ِ‬
‫ونحو ﴿أبرشا منَّا و ِ‬
‫احدا ا َّن َّتبِعه ‪ ،‬و (ما زيد اا رأيته) لغلبة الفعل) فذكر رمحه‬ ‫ِ‬ ‫لك ْم للتناسب‪،‬‬
‫ا ي‬
‫يرجح‬ ‫اَّلل أن املشغول عنه قد جيوز فيه الرفع والنصب والنصب أرجح متى ما وجد م ِ‬
‫رج ٌح ن‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ‬ ‫كون اجلملة مجل اة فعلية‪ ،‬فيقدن ر فع اال ناص ابا هلذا املشغول وننصب به هذا املشغول به‪،‬‬
‫يكون نصبه أرجح من رفعه‪ ،‬وذكر ابن هشا ٍم لذلك ثالثة مواضع‪:‬‬

‫فعال طلب ايا‪ ،‬سبق أن َشحنا املراد بالطلب‪ :‬ما ن‬


‫دل عىل‬ ‫املوضع األول‪ :‬كون الفعل املشغول ا‬
‫طلب الفعل كـ‪ :‬اذهب‪ ،‬أو طلب تركه كـ‪ :‬ال تذهب‪ ،‬أو طلب اجلواب كاالستفهام‪ ،‬أو طلب‬
‫الفعل عىل سبيل التمني كـ‪ :‬ليتك تأيت‪ ،‬أو سبيل الرجاء‪ :‬لعله يأيت‪ ،‬أو التحضيض أو العرض‬
‫إىل أساليب الطلب الثَمنية التي ذكرناها من قبل يف إعراب الفعل املضارع‪ ،‬وذكر لذلك أن‬
‫تقول‪ :‬زيدا ا أكرمه‪ ،‬أو زيدا ا ال هتنه‪ ،‬فالفعل املشغول هنا ٌ‬
‫فعل طلبي‪ ،‬فكان األرجح أن ننصب‬
‫ٍ‬
‫بفعل من جنس املذكور‪ ،‬كمثال ابن هشام‪ :‬زيدا ا ارضبه‪.‬‬ ‫هذا االسم املتقدم‬

‫ارقة فا ْقطعو ْا أ ْي ِدهيَم [املائدة‪ ،]38:‬جاء الفعل يف‬


‫الس ِ‬ ‫الس ِ‬
‫ارق و َّ‬ ‫فإن قيل قوله تعاىل‪﴿ :‬و َّ‬
‫الس ِ‬
‫ارق‬ ‫مرفوعا‪﴿ :‬و َّ‬
‫ا‬ ‫فعال طلب ايا‪ ،‬فعل أمر‪ ،‬ومع ذلك جاء االسم املتقدم‬ ‫ا‬ ‫اآلية‪﴿ :‬فا ْقطعو ْا‬
‫القراء السبعة‪ ،‬فكيف كان ذلك؟ اجلواب عن ذلك ما ذكره ابن هشام من أن‬ ‫الس ِ‬
‫ارقة باتفاق ن‬ ‫و َّ‬
‫يف اآلية ليس مبتدأ خربه‬ ‫الس ِ‬
‫ارق‬ ‫تأولة –يعني ليست عىل ظاهرها‪ -‬فـ﴿ َّ‬
‫هذه اآلية م ن‬
‫خرب ملبتدأ ُمذوف‪ ،‬والتقدير‪ :‬مما يتىل عليكم حكم السارق‬ ‫﴿فا ْقطعو ْا ‪ ،‬بل ﴿ َّ ِ‬
‫السارق ‪ٌ :‬‬
‫والسارقة‪ ،‬ثم ابتدأ فقال‪﴿ :‬فا ْقطعو ْا أي ِدهيَم ‪ ،‬وهذا وارد يف القرآن يف ٍ‬
‫آيات عدة‪ ،‬كقوله تعاىل‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫﴿سور ٌة أنز ْلناها [النور‪ ]1:‬يعني مما يتىل عليكم سورةٌ‪.‬‬

‫واملوضع الثان مما جيوز فيه الرفع والنضب والنصب أرجح‪ :‬كون االسم املشغول عنه‬
‫مسبوق بجملة فعلية‪ ،‬فنقول‪ :‬إن الراجح فيه النصب؛ ألن النصب سيجعل مجلته مجل اة فعلية‬
‫‪350‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬
‫معطوفة عىل ٍ‬
‫مجلة فعلية فيحدث التناسب بني اجلملتني‪ ،‬وأما لو رفعنا املشغول عنه لصارت‬
‫مجلته مجل اة إسمية معطوفة عىل هذه اجلملة الفعلية املتقدمة وهذا خالف األفضل‪ ،‬ومن ذلك أن‬
‫تقول‪ :‬أكرمت زيدا ا وخالدا ا دعوته‪ ،‬فـ(أكرمت زيدا ا) مجل اة فعلية متقدمة‪ ،‬و(خالدا ا دعوته)‬
‫أسلوب اشتغال‪ ،‬فإن نصبت كان التقدير‪ :‬أكرمت زيدا ا ودعوت خالدا ا‪ ،‬فحدث التناسب بني‬
‫اجلملتني الفعلتني‪ ،‬وإن رفعت فقلت‪ :‬أكرمت زيدا ا وخالدٌ دعوته‪ ،‬فقد عطفت إسمية عىل‬
‫فعلية فذهب التناسب‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫إلنسان من ُّن ْطفة فإِذا هو خص ٌ‬
‫يم ُّمبِني (‪ )4‬واألنْعام‬ ‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬خلق ا ِ‬
‫ٍ‬
‫بفعل ُمذوف‪ ،‬فصار تقدير اآلية واَّلل أعلم‪ :‬خلق‬ ‫خلقها [النحل‪ ]5-4:‬فنصب ﴿واألنْعام‬
‫اإلنسان من نطفة وخلق األنعام‪ ،‬فعطف مجلة فعلية عىل مجلة فعلية فحصل التناسب‪ ،‬وهذا‬
‫مثال ابن هشام‪.‬‬
‫املوضع الثالث جلواز الرفع والنصب والنصب أرجح‪ :‬أن يقع االسم املتقدم بعد ٍ‬
‫أداة يغلب‬
‫اسَم‪،‬‬ ‫أن يلها ٍ‬
‫فعل‪ ،‬هناك أدوات يقع بعدها الفعل واالسم‪ ،‬وهناك أدوات ال يقع بعدها إال ا‬
‫وهناك أدوات ال يقع بعدها إال ا‬
‫فعال‪ ،‬وهناك أدوات يقع بعدها الفعل واالسم‪ ،‬لكن وقوع‬
‫أدوات تقع بعدها األسَمء واألفعال إال أن األكثر وقوع‬
‫ٌ‬ ‫الفعل بعدها أكثر وأغلب‪ ،‬إن هناك‬
‫األفعال بعدها‪ ،‬من ذلك‪ :‬مهزة االستفهام‪ ،‬وما النافية‪ ،‬فهمزة االستفهام وقوع الفعل بعدها‬
‫أكثر‪ ،‬فقولك‪ :‬أحرض ُممدٌ ؟ أكثر من قوهلم‪ :‬أُممدٌ حرض؟ وكذلك ما النافية‪ :‬وقوع الفعل‬
‫بعدها أكثر‪ ،‬فقوهلم‪ :‬ما حرض ُممدٌ أكثر من‪ :‬ما ُممدٌ حرض‪.‬‬

‫فإذا وقع هذا االسم املشغول عنه بعد مهزة استفهام أو ما نافية فاألفضل أن ننصبه؛ لكي‬
‫يكون التايل هلمزة االستفهام وملا النافية فعل‪ ،‬مثال ذلك أن تقول‪ :‬أزيدا ا أكرمته؟ فإذا نصبت‬
‫زيدا ا كان التقدير‪ :‬أأكرمت زيدا ا‪ ،‬ولو رفعت وقلت‪ :‬أزيدٌ أكرمته فقد وقعت االسم بعد اهلمزة‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪351‬‬

‫وهذا جائز‪ ،‬لكنه أقل من وقوع الفعل بعدها‪ ،‬وكقولك‪ :‬ما زيدا ا أكرمته‪ ،‬فإذا نصبت كان‬
‫التقدير‪ :‬ما أكرمت زيدا ا‪ ،‬وهذا الكثري‪ ،‬وإذا رفعت‪ :‬ما زيدٌ أكرمته ألوقعت االسم بعد ما عىل‬
‫القليل وهو جائز‪ ،‬وم نثل ابن هشام لذلك بقوله تعاىل‪﴿ :‬أبرشا منَّا و ِ‬
‫احدا ا َّن َّتبِعه [القمر‪]24:‬‬ ‫ا ي‬
‫برشا‪ ،‬فجاءت اآلية عىل األكثر يف اللغة‪.‬‬
‫برشا‪ ،‬يعني‪ :‬أنتبع ا‬
‫فنصب ا‬
‫ثم ذكر ابن هشا ٍم رمحه اَّلل بعد ذلك‪ :‬مواضع وجوب النصب عىل االشتغال‪ ،‬املواضع التي‬
‫جيب فيها أن ننصب االسم املتقدم عىل االشتغال‪ ،‬فقال‪( :‬وجيب يف نحو (إِ ْن زيد اا ل ِقيته‬
‫فأكرمه)‪ ،‬و (ه َّال زيد اا أكرمته) لوجوبه) يعني رمحه اَّلل‪ :‬جيب نصب املشغول عنه إذا وقع بعد‬
‫ْ‬
‫أداة جيب أن يقع بعدها فعل‪ ،‬فهناك أدوات ال تقع بعدها إال األفعال؛ كأدوات الرشط‪ ،‬ن‬
‫وهال‬ ‫ٍ‬

‫التحضيضية‪ ،‬فأنت تقول ا‬


‫مثال يف الرشط‪ :‬إن ذهب ُممدٌ أذهب‪ ،‬فتوقع بعد أدوات الرشط‬
‫ذاهب أذهب؛ ألن الرشط ال يرتبط ا‬
‫عقال إال باألفعال‪ ،‬إذا وقع‬ ‫ٌ‬ ‫الفعل‪ ،‬وال تقول‪ :‬إن ُممدٌ‬
‫الفعل األول وقع الثان‪ ،‬وال يرتبط بالذوات‪.‬‬

‫فإذا وقع املشغول عنه بعد أداة َشط وجب نصبه ليكون فع اال مقدر واقع بعد أداة َشط‪،‬‬
‫كقولك‪ :‬إن زيدا ا أكرمته أكرمك‪ ،‬يعني‪ :‬إن أكرمت زيدا ا‪ ،‬وكذلك ن‬
‫هال التحضيضية‪ ،‬تقول‪:‬‬
‫هال زيدا ا أكرمته‪ ،‬يعني‪ :‬ن‬
‫هال أكرمت زيدا ا‪.‬‬ ‫هال ذهبت‪ ،‬هال اجتهدت‪ ،‬ثم تقول‪ :‬ن‬

‫ثم ذكر ابن هشا ٍم مواضع وجوب رفع االسم املتقدم‪ ،‬طب اعا رفعه عىل االبتداء‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫عمرو) المتناعه)‬
‫(خرجت فإذا زيدٌ يرضبه ٌ‬
‫ْ‬ ‫(وجيب الرفع يف نحو‬
‫يعني المتناع الفعل هنا‪ ،‬يعني أنه جيب رفع املشغول عنه املتقدم إذا وقع بعد ٍ‬
‫أداة ال يقع‬
‫اسَم‪ ،‬كـ‪ :‬إذا الفجائية‪ ،‬تقول‪ :‬ذهبت إىل املدرسة فإذا الدرس يرشحه األستاذ‪ ،‬تقول‪:‬‬
‫بعدها إال ا‬
‫فإذا الدرس يرشحه األستاذ‪ ،‬الدرس‪ :‬ترفعه فيكون مبتدأ‪ ،‬فيقع االسم بعد إذا الفجائية‪ ،‬ولو‬
‫‪352‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫نصبت‪ :‬فإذا الدرس يرشحه األستاذ لكان التقدير‪ :‬فإذا يرشح األستاذ الدرس‪ ،‬فأوقعت الفعل‬
‫بعد إذا الفجائية وهذا ال جيوز‪.‬‬

‫أيضا جيب رفع االسم املتقدم إذا وقع بعده ٌ‬


‫لفظ من األلفاظ التي هلا الصدارة‪ ،‬إذا وقع بعد‬ ‫ا‬
‫هذا االسم ٌ‬
‫لفظ من األلفاظ التي هلا الصدارة كأسَمء االستفهام‪ ،‬لو قلت‪ :‬زيدٌ هل أكرمته؟‬
‫خربا‪ ،‬فيصح‪ ،‬لكن لو نصبت فقلت‪ :‬زيدا ا هل‬
‫فـ(زيدٌ )‪ :‬مبتدأ‪ ،‬و(هل أكرمته)‪ :‬مجلة واقعة ا‬
‫أكرمته؟ جلعلت زيدا ا مفعول به‪ ،‬ما الذي فعله؟ ما الذي نصبه؟ فعل ُمذوف‪ ،‬طيب هذا الفعل‬
‫حرف له‬
‫ٌ‬ ‫املحذوف ما الذي ن‬
‫دل عليه؟ الفعل املذكور بعد حرف االستفهام‪ ،‬حرف االستفهام‬
‫الصدارة‪ ،‬ملاذا له الصدارة؟ يعني ال يتخطاه يشء‪ ،‬ال ما قبله إىل ما بعده‪ ،‬وال ما بعده إىل ما قبله‪،‬‬
‫دل عىل ٍ‬
‫يشء قبله‪،‬‬ ‫حرف له الصدارة‪ ،‬هو أول اجلملة‪ ،‬فلو نصبت لكان معنى ذلك أن ما بعده ن‬
‫أيضا هلا الصدارة‪،‬‬
‫يتقدن مه‪ ،‬فهذا ال يصح‪ ،‬فيجب الرفع‪ :‬زيدٌ هل أكرمته‪ ،‬أو أدوات الرشط ا‬
‫تقول‪ :‬زيدٌ إن أكرمته أكرمك‪ ،‬الكتاب من يستعره فليحافظ عليه‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫ثم ذكر ابن هشا ٍم بعد ذلك‪ :‬مواضع استواء الرفع والنصب‪ ،‬كالمها جائزان عىل وجه‬
‫االستواء‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫أكرمته) للتكافؤ)‬
‫وعمرو ْ‬
‫ٌ‬ ‫نحو (زيدٌ قام أبوه‬ ‫ِ‬
‫ويستويان يف ِ‬ ‫(‬

‫مرجح‪،‬‬ ‫يعني أنه يستوي يف االسم املتقدم النصب والرفع إذا كان ٍ‬
‫لكل من النصب والرفع ن‬
‫هناك مرجح يرجح النصب‪ ،‬وهناك مرجح يرجح الرفع‪ ،‬فكالمها جائز عىل ٍ‬
‫حد سواء‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫لتكافؤمها‪ ،‬نحو‪ :‬زيدٌ قام أبوه وخالدٌ أكرمته‪ ،‬فجملة (خالدٌ أكرمته) تقدن مته مجلة وهي‪( :‬زيدٌ‬
‫قام أبوه) اجلملة املتقدمة (زيدٌ قام أبوه) إسمية أم فعلية لكي ننظر للتَمثل؟‬

‫يرجح أن‬ ‫ٍ‬


‫‪ -‬إن نظرت إىل اجلملة الكربى (زيدٌ قام أبوه) فإسمية‪ ،‬فنقول حينئذ هذا ن‬
‫نقول‪ :‬خالدٌ أكرمته‪ ،‬فتكون إسمية معطوفة عىل إسمية‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪353‬‬

‫يرتجح النصب‬ ‫ٍ‬


‫‪ -‬وإن نظرنا إىل اجلملة الصغرى مجلة اخلرب (قام أبوه) ففعلية‪ ،‬فحينئذ ن‬
‫جلملة االشتغال (خالدا ا أكرمته) لتكون معطوفة عىل هذه اجلملة الفعلية‪.‬‬

‫ثم ن نبه ابن هشام يف آخر الباب إىل عبارتني ليستا من االشتغال‪ ،‬وقد يسبق إىل الذهن أهنَم من‬
‫يش ٍء فعلوه ِيف ال ُّزبر و(أز ْيدٌ ذهب به)) يعني رمحه‬
‫باب االشتغال‪ ،‬فقال‪( :‬وليس منها ﴿وك ُّل ْ‬
‫اَّلل أن هاتني العبارتني ال ينطبق عليهَم تعريف االشتغال‪ ،‬فلهذا ال يصح النصب يف االسم‬
‫املتقدم فيهَم‪ ،‬بل يرفعان عىل االبتداء‪ ،‬وننظر فيهَم‪:‬‬

‫مبتدأ‪،‬‬ ‫يش ٍء‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬


‫يشء فعلوه يف الزُّ بر [القمر‪﴿ :]52:‬وك ُّل ْ‬ ‫‪ -‬أما اآلية‪﴿ :‬وك ُّل ْ‬
‫يش ٍء فعلوه طيب‬ ‫ٍ‬
‫يشء ‪﴿ ،‬وك ُّل ْ‬
‫نعت لقوله‪﴿ :‬وك ُّل ْ‬
‫و﴿فعلوه هذه مجلة فعلية ٌ‬
‫ٍ‬
‫يشء فعله هؤالء ما له؟ ﴿ ِيف الزُّ بر يعني مكتوب ومسجل يف الزبر‪،‬‬ ‫أين اخلرب؟ كل‬
‫فهذا هو املعنى‪.‬‬

‫يش ٍء‬
‫فلو جعلت اآلية عىل االشتغال وس نلطت الفعل ﴿فعلوه عىل االسم املتقدم ﴿وك ُّل ْ‬
‫لكان املعنى‪ :‬أن هؤالء فعلوا يف الزبر كل يشء‪ ،‬فصاروا هم الذين فعلوا يف الزبر كل يشء‪،‬‬
‫سجلوه وأثبتوه‬ ‫ٍ‬
‫وليس املعنى عىل ذلك‪ ،‬وإنَم املعنى أن كل يشء فعله هؤالء فإن املالئكة الكرام ن‬
‫وق نيدوه يف الزبر‪ ،‬وليس املعنى أن هؤالء فعلوا كل يشء يف الزبر‪ ،‬فاملعنى خيتلف‪.‬‬

‫فأيضا ال يتسلط الفعل املتأخر وهو (ذهب) عىل االسم‬


‫‪ -‬وأما عبارة (أزيدٌ ذهب به)‪ :‬ا‬
‫مبني للمجهول‪ ،‬ولو س نلطته عليه‬
‫املتقدم؛ وهلذا ال يصح االشتغال؛ ألن الفعل املتأخر ٌ‬
‫لرفعه عىل أنه نائب فاعل ومل ينصبه عىل أنه مفعول به‪.‬‬

‫وهلذا ن نبه ابن هشام عىل هذين املثالني وأهنَم ليسا من االشتغال‪.‬‬
‫‪354‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫بعد أن انتهى ابن هشام من الكالم عن باب االشتغال انتقل إىل أخيه‪ ،‬وهو‪ :‬باب التنازع‪،‬‬
‫فقال رمحه اَّلل‪:‬‬

‫باب يف التنازع)‬
‫( ٌ‬

‫يعرفه ابن هشام‪ ،‬وهذا الباب مما مل يذكر يف كتب املبتدئني‪ ،‬فهو جديدٌ عىل‬
‫أيضا مل ن‬
‫ا‬
‫أيضا مشكلة ح نلها النحويون يف هذا الباب‪ ،‬ولكي نفهمها نبدأ من أول‬
‫املتوسطني‪ ،‬وهو ا‬
‫املشكلة‪ ،‬فنقول‪:‬‬

‫‪ -‬جاء ُممدٌ ‪ ،‬هذه العبارة ال إشكال فيها‪ٌ :‬‬


‫فعل وفاعل‪.‬‬

‫أيضا ال إشكال فيها‪( :‬جاء ُممدٌ ) ٌ‬


‫فعل وفاعل‪ ،‬و(الواو)‪:‬‬ ‫‪ -‬طيب جاء ُممدٌ وجلس‪ ،‬ا‬
‫حرف عطف‪ ،‬و(جلس) فعل مايض وفاعله مسترت‪ ،‬يعني جاء ُممدٌ وجلس هو –‬
‫يعود إىل ُممد‪.-‬‬

‫أيضا ال إشكال يف اجلملة‪ُ( :‬ممدٌ ) مبتدأ‪( ،‬جاء) فعل‬


‫‪ -‬فإذا قلنا‪ُ :‬ممدٌ جاء وجلس‪ ،‬ا‬
‫والفاعل مسترت هو‪( ،‬وجلس) فعل مايض والفاعل مسترت بعده‪.‬‬

‫‪ -‬حتى نقول‪ :‬جاء وجلس ُممدٌ ‪ ،‬فنقدن م الفعلني ونؤخر االسم‪ ،‬جاء وجلس ُممدٌ ‪:‬‬
‫(جاء) فعل مايض‪ ،‬و(الواو) حرف عطف‪( ،‬جلس) فعل مايض‪ُ( ،‬ممدٌ ) فاعل‪ ،‬فاعل‬
‫ألهيَم؟ ال يمكن أن نقول‪ :‬إنه فاعل لكليهَم؛ ألن كل ٍ‬
‫فعل له فاعله‪ ،‬هذا يسمونه‬
‫ٍ‬
‫واحد من هذين‬ ‫التنازع؛ ألنه تقدن م عامالن (جاء وجلس) وتأخر معمول‪ ،‬وكل‬
‫العاملني املتقدمني يطلب هذا املعمول‪.‬‬

‫ٌ‬
‫معمول أو أكثر‪ ،‬فيكون‬ ‫نعرفه لقلنا‪ :‬أن يتقدم عامالن أو أكثر‪ ،‬ويتأخر‬
‫فالتنازع لو أردنا أن ن‬
‫ٍ‬
‫عامل من املتقدم طال ابا هلذا املعمول املتأخر‪.‬‬ ‫كل‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪355‬‬

‫صور كثرية‪ ،‬من هذه الصور‪:‬‬


‫ٌ‬ ‫وللتنازع ‪-‬بعد أن عرفنا معناه‪-‬‬

‫‪ -‬ما سبق‪ :‬جاء وجلس زيدٌ ‪ ،‬فعالن متقدمان يتنازعان يف فاعل‪ ،‬يتنازعان يف اس ٍم ٍ‬
‫كل‬
‫منهَم يطلبه ا‬
‫فاعال‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واحد من هذين الفعلني‬ ‫‪ -‬وتقول‪ :‬رأيت وأكرمت زيدا ا‪ ،‬تقدم فعالن وتأخر اسم‪ ،‬وكل‬
‫ٌ‬
‫مفعول به‪.‬‬ ‫يطلب هذا االسم‬
‫ِ ِ‬ ‫‪ -‬ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬آت ِ‬
‫ون أ ْف ِر ْغ عل ْيه ق ْط ارا [الكهف‪ ]26:‬يعني آتون ا‬
‫قطرا أفرغ‬
‫ون أ ْف ِر ْغ عل ْي ِه وأخر املتنازع فيه ﴿ ِق ْط ارا ‪.‬‬
‫قطرا‪ ،‬تقدم الفعلني ﴿آت ِ‬
‫عليه ا‬
‫ِ‬
‫اخلميس‪ ،‬فـ(سافرت وصمت) فعالن‬ ‫‪ -‬ومن ذلك أن تقول‪ :‬سافرت وصمت يوم‬
‫تنازعا ظرف الزمان (يوم اخلميس)‪.‬‬

‫‪ -‬ومن ذلك قوله عليه الصالة والسالم‪« :‬كَم صليت وباركت وترمحت عىل إبراهيم»‬
‫ٍ‬
‫أفعال متقدمة تنازعت عىل اجلار واملجرور‪.‬‬ ‫فهذه ثالثة‬

‫‪ -‬وتقول‪ :‬استعرت وقرأت كتا ابا يوم اخلميس‪ ،‬تقدم فعالن وتنازعا عىل ماذا؟ عىل‬
‫ا‬
‫مفعوال به‪ ،‬وكالمها يطلب‬ ‫ٌ‬
‫مفعول به وعىل ظرف زمان‪ ،‬يعني كالمها يطلب (كتا ابا)‬
‫(يوم اخلميس) ظرف زمان‪.‬‬

‫وحتمدون وتكربون دبر كل صالة‬


‫ن‬ ‫‪ -‬ومن ذلك قوله عليه الصالة والسالم‪« :‬تس نبحون‬
‫ثال اثا وثالثني» ثالثة أفعال‪ ،‬ماذا تنازعت؟ تنازعت «دبر كل صالة» ظرف زمان‪،‬‬
‫وتنازعت «ثال اثا وثالثني» مفعول مطلق‪.‬‬
‫‪356‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ -‬وآخر صورة أن نقول‪ :‬أكرمت وأكرمني زيدٌ ‪ ،‬أو أكرمني وأكرمت زيدٌ ‪ ،‬فتقدم فعالن‬
‫فاعال‪ ،‬و(أكرمت) يطلب زيدا ا مفع ا‬
‫وال به‪ ،‬فهذه‬ ‫وتأخر اسم‪ ،‬فـ(أكرمني) يطلب زيدا ا ا‬
‫أيضا تدخل يف صورة التنازع‪.‬‬
‫الصورة ا‬

‫ونكمل إن شاء اَّلل بعد الصالة‪ ،‬واَّلل أعلم‪ ،‬وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ُممد‪.‬‬

‫الدرس التاسع (اجلزء الثان)‪:‬‬

‫بسم اَّلل الرمحن الرحيم‪ ،‬اللهم صيل وسلم عىل نبينا ُممد وعىل آله وأصحابه أمجعني‪ ،‬أما‬
‫بعد‪...‬‬
‫ٍ‬
‫واحد من‬ ‫فقد عرفنا أن التنازع حيدث بأن يتقدم عامالن وأن يتأخر معمول‪ ،‬ثم إن كل‬
‫صور خمتلفة‪ ،‬ذكرنا بعضها قبل الصالة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫العاملني املتقدمني يطلب هذا املعمول املتأخر‪ ،‬ولذلك‬

‫ثم ذكر ابن هشا ٍم رمحه اَّلل تعاىل شيئاا من أحكام هذا الباب فقال‪:‬‬

‫(جيوز يف نحو (رضبني‪ ،‬ورض ْبت زيد اا) إعَمل األول ‪ -‬واختاره الكوفيون ‪ -‬فيضمر يف الثان‬
‫كل ما حيتاجه‪ ،‬أو الثان ‪ -‬واختاره البرصيون ‪ -‬فيضمر يف األول مرفوعه فقط‪ ،‬نحو (جف ْو ِن ومل‬
‫أجف ِ‬
‫األخالء)‬ ‫ْ‬
‫فذكر رمحه اَّلل تعاىل أنه جيوز أن ت ِ‬
‫عمل أي العاملني املتقدمني شئت يف املعمول املتأخر‪ ،‬فلك‬
‫متفق عليه بني النحويني‪ ،‬وإنَم اخلالف‬
‫عمل الثان‪ ،‬وهذا اجلواز ٌ‬ ‫عمل األول‪ ،‬ولك أن ت ِ‬ ‫أن ت ِ‬

‫بينهم يف املختار‪ ،‬فالكوفيون اختاروا إعَمل األول؛ قالوا‪ :‬لتقدمه‪ ،‬والبرصيون اختاروا إعَمل‬
‫الثان؛ قالوا‪ :‬لقربه من املعمول‪ ،‬وأكثر شواهد اللغة جاءت عىل اختيار البرصيني‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪357‬‬

‫فإذا أعملت أحدمها يف املتأخر‪ ،‬فَمذا تعمل يف العامل اآلخر؟ يعني إذا قلت‪ :‬جاء وجلس‬
‫فاعال لألول (جاء) فأين فاعل الثان (جلس)؟ وإن جعلت (زيدٌ ) ا‬
‫فاعال‬ ‫زيدٌ ‪ ،‬فجعلت (زيدٌ ) ا‬
‫للثان (جلس) فأين فاعل األول (جاء)؟ ذكر ابن هشام فيَم قرأناه أنك إذا أعملت أحدمها فإن‬
‫ضمريا وجتعل الثان ا‬
‫عامال يف هذا الضمري العائد عىل االسم املتأخر‪،‬‬ ‫م‬ ‫تقدن‬ ‫يعني‬ ‫الثان؛‬ ‫يف‬ ‫ر‬ ‫ت ِ‬
‫ضم‬
‫ا‬
‫ضمري ٍ‬
‫عائد إىل هذا املذكور املتأخر‪ ،‬فتقول‬ ‫ٍ‬ ‫فإذا أعملت أحد الفعلني فيجب أن تعمل اآلخر يف‬
‫ضمري مسترت يعود إىل زيد‪ ،‬وإذا قلت‬
‫ٌ‬ ‫يف‪ :‬جاء وجلس زيدٌ ‪( ،‬زيدٌ ) فاعل جاء‪ ،‬و(جلس) فاعله‬
‫ضمري مسترت يعود إىل (زيد)‪ ،‬فيكون هذا املوضع من‬ ‫ٌ‬ ‫فاعال لـ(جلس) ففاعل جاء‬ ‫(زيدٌ ) ا‬
‫ٍ‬
‫متأخر يف اللفظ والرتبة‪ ،‬والضمري يعود عىل متأخر يف‬ ‫املواضع النادرة التي يعود فيها الضمري إىل‬
‫اللفظ والرتبة يف مواضع قليلة‪ ،‬منها هذا املوضع‪.‬‬

‫إال أن النحويني اختلفوا يف تفاصيل ذلك؛ ألن العامل الذي مل تعمله إما أن يطلب شيئاا يرفعه‬
‫ا‬
‫مفعوال‬ ‫ا‬
‫مفعوال به أو ظرف زمان أو‬ ‫كأن يطلب ا‬
‫فاعال‪ ،‬وإما أن يطلب شيئاا ينصبه كأن يطلب‬
‫مطل اقا أو غري ذلك‪ ،‬فهنا اختلف النحويون يف مثل هذه التفاصيل‪:‬‬

‫سواء‬
‫ٌ‬ ‫فعىل اختيار الكوفيني الذي يعملون األول‪ :‬فإهنم يضمرون يف الثان كل ما حيتاج إليه‪،‬‬
‫ا‬
‫مفعوال به‪ ،‬وهذا الضمري‬ ‫كان ضمري رفع كأن يطلب ا‬
‫فاعال‪ ،‬أو كان ضمري نصب كأن يطلب‬
‫الذي تقدن ره إن كان ضمري رف ٍع للمفرد فإنه سيسترت ألن ضمري رفع املفرد يسترت‪ ،‬وإن كان غري‬
‫ذلك سيظهر‪.‬‬

‫ضمري‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫فاعل لـ(جاء)‪ ،‬و(جلس) فاعله‬ ‫‪ -‬يعني لو قلت‪ :‬جاء وجلس ُممدٌ ؛ فـ(ُممدٌ )‬

‫مسترت فيه؛ ألن ضمري املفرد املرفوع يسترت‪.‬‬


‫ٌ‬
‫مفعول به لـ(رأيت)‪ ،‬فأين مفعول‬ ‫‪ -‬لكن لو قلت‪ :‬رأيت وأكرمت زيدا ا‪ ،‬فـ(زيدا ا)‬

‫(أكرمت)؟ يضمرونه‪ ،‬يعني يذكرونه عىل شكل ضمري‪ ،‬فيقول الكوفيون‪ :‬رأيت‬
‫‪358‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ا‬
‫مفعوال لألول والثان يضمرون فيه ما حيتاج إليه‪،‬‬ ‫وأكرمته زيدا ا‪ ،‬فيجعلون (زيدا ا) الظاهر‬

‫يعني جيعلون ما حيتاج إليه عىل شكل ضمري‪ ،‬ومثال ذلك لو قلت‪ :‬أكرمني وأكرمت‬

‫زيدٌ ‪ ،‬فيجعلون (زيدٌ ) فاعل لـ(أكرمني)‪ ،‬طيب ومفعول (أكرمت)؟ يضمرونه فيقولون‪:‬‬

‫أكرمني وأكرمته زيدٌ ‪.‬‬

‫‪ -‬ولو عكست املثال اآلخر وقلت‪ :‬أكرمت وأكرمني‪ ،‬لكان الكوفيون يقولون‪ :‬أكرمت‬

‫وأكرمني زيدٌ أو زيدا ا؟ يعملون األول‪ :‬زيدا ا‪ ،‬أكرمت وأكرمني زيدا ا‪ ،‬فـ(زيدا ا) مفعول به‬

‫لألول‪ ،‬والثان يضمرون فيه فاعله‪ ،‬ضمري مسترت‪.‬‬


‫‪ -‬طيب لو قلنا ا‬
‫مثال‪ :‬جاء وجلس الرجال‪( ،‬الرجال) عند الكوفيني‪ٌ :‬‬
‫فاعل لـ(جاء) طيب‬

‫أين فاعل الثان؟ يضمرونه‪ ،‬ماذا يقولون؟ جاء وجلسوا الرجال‪ ،‬يضمرون فيه ما حيتاج‬

‫إليه من ضمري رفع ومن ضمري نصب‪ ،‬هذا مذهب الكوفيني‪.‬‬

‫وأما مذهب البرصيني فإهنم يعملون الثان‪ :‬طيب واألول؟ يضمرون ما حيتاج إليه من ضمري‬
‫رفع دون ضمري النصب‪ ،‬إذا احتاج إىل ضمري رفع أضمروه له‪ ،‬أما إذا احتاج إىل ضمري نصب‬
‫فإهنم ال يظهرونه بل حيذفونه‪ ،‬فلهذا يف‪:‬‬

‫‪ -‬جاء وجلس زيدٌ ‪( :‬زيدٌ ) ٌ‬


‫فاعل للثان‪ ،‬و(جاء) فاعله مسترت يعود إىل (زيد)‪.‬‬

‫‪ -‬ولو قلت‪ :‬جاء وجلس الرجال‪ ،‬فإن البرصيني ماذا يقولون؟ جاءوا وجلس ارجال‪،‬‬

‫فيضمرون يف األول ضمري الرفع‪.‬‬

‫‪ -‬لكن لو قلت‪ :‬أكرمني وأكرمت زيد‪ ،‬لقال البرصيون‪ :‬أكرمني وأكرمت زيدا ا‪ ،‬فيعملون‬

‫الثان‪ :‬أكرمني وأكرمت زيدا ا‪ ،‬أين فاعل (أكرمني)؟ مسترت‪ ،‬ضمري مسترت‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪359‬‬

‫‪ -‬لكن لو قالوا‪ :‬أكرمت وأكرمني‪ ،‬لكانوا يقولون ماذا؟ أكرمت وأكرمني زيدٌ ‪( ،‬زيدٌ )‬

‫فاعل (أكرمني)‪ ،‬أين مفعول أكرمت؟ ال يضمرونه‪ ،‬يقولون‪ :‬أكرمت وأكرمني زيدٌ ‪ ،‬أما‬

‫ضمريا فيقولون‪ :‬أكرمته وأكرمني زيدٌ ‪.‬‬


‫ا‬ ‫الكوفيون فيضمرونه‪ ،‬يظهرونه‬

‫فهذا مما يرتتب عىل اخلالف املذكور‪.‬‬

‫ومن األمثلة عىل ذلك ما ذكره ابن هشام من قول الشاعر‪:‬‬

‫لغري مجيل من خلييل مهمل‬ ‫جفون ومل أجف األخالء إنني‬

‫فـ(جفون) فعل‪ ،‬و(مل أجف) فعل آخر‪ ،‬و(األخالء) متنازع فيه‪ ،‬ما الذي عمل يف‬
‫(األخالء)؟ األول أم الثان؟ (جفون ومل أجف األخالء) عمل فيه األول أم الثان؟ الثان عىل‬
‫مذهب البرصيني‪ ،‬طيب واألول؟ أضمروا فيه ما حيتاج إليه من ضمري رفع (جفون)‪.‬‬

‫ولو جاء البيت عىل اختيار الكوفيني لكان يقال ماذا؟ جفان ومل أجفهم األخالء‪ ،‬جفان ثم‬
‫(األخالء) فاعله‪ ،‬ثم يضمرون لـ(أجف) ما حيتاجه من ضمري نصب مفعول به‪ ،‬جفان ومل‬
‫أجفهم األخالء‪.‬‬
‫ثم نبه ابن هشام إىل ٍ‬
‫بيت قد يظن أنه من التنازع وليس هو من التنازع فقال‪:‬‬ ‫ن‬

‫(وليس منه (كفان ‪ -‬ومل ْ أطلب ‪ٌ -‬‬


‫قليل من املال) لفساد املعنى)‬

‫يعني أنه ليس من التنازع قول أمرئ القيس‪:‬‬

‫كفان ومل أطلب ٌ‬


‫قليل من املال‬ ‫ولو أن ما أسعى ألدنى معيشة‬

‫ٌ‬
‫(قليل)‬ ‫فـ(كفان) فعل‪ ،‬و(مل أطلب) فعل‪ ،‬وقد تقدما‪ ،‬لكنهَم مل يتنازعا عىل (قليل)‪ ،‬فإن‬
‫ا‬
‫مفعوال به لـ(أطلب)‪:‬‬ ‫فاعل (كفان)‪ :‬كفان ٌ‬
‫قليل من املال‪ ،‬وال يصح من حيث املعنى أن جتعله‬
‫ومل أطلب ا‬
‫قليال من املال ليصح التنازع‪ ،‬والذي أفسد ذلك من حيث املعنى أن الشاعر يقول‪ :‬لو‬
‫‪360‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫كنت أسعى ألدنى معيشة كفان ٌ‬


‫قليل من املال‪ ،‬ومل أطلب امللك‪ ،‬فهو قال هذا البيت من قصيدة‬
‫عندما ذهب ملك أبيه‪ ،‬ثم ذهب بني القبائل يطلب منهم أن يساعدوه عىل استعادة ملك أبيه‪،‬‬
‫فلم يساعدوه‪ ،‬ثم ذهب إىل قيرص الروم‪ ،‬فقال يف الطريق قصائد كثرية منها هذا البيت‪ ،‬ويدل‬
‫عىل أن مفعول (أطلب امللك) ما ذكره يف البيت التايل من قوله‪:‬‬

‫وقد يدرك املجد املؤثل أمثايل‬ ‫ٍ‬


‫مؤثل‬ ‫ولكنَم أسعى ٍ‬
‫ملجد‬

‫ا‬
‫مفعوال لـ(أطلب)‪ ،‬فبهذا انتهى الكالم‬ ‫متنازعا عليه‪ ،‬ألنه يف املعنى ليس‬
‫ا‬ ‫ٌ‬
‫فـ(قليل) ليس‬ ‫إ اذا‬
‫عىل باب االشتغال والتنازع‪.‬‬

‫باب) يعني باب‬


‫ليدخل ابن هشام بعد ذلك للكالم عىل املفاعيل اخلمسة‪ ،‬فقال ابن هشام‪ٌ ( :‬‬
‫املفاعيل اخلمسة‪ ،‬سيذكرها با ابا با ابا‪ ،‬وسيتوسع يف املفعول به ويدخل فيه املنادى‪ ،‬وتوابع املنادى‬
‫تقييمها االستغاثة‪ ،‬فقال ابن هشام‪( :‬املفعول منصوب) يعني أن احلكم اإلعراِب للمفعول‬
‫النصب‪ ،‬وأراد باملفعول جنس املفاعيل‪ ،‬ويريد باملنصوب أن حكمها النصب إن كانت معربة‪،‬‬
‫وإن كانت مبني اة قيل‪ :‬يف ُمل نصب وسبق ذلك‪.‬‬

‫قال ابن هشام‪( :‬وهو مخسة) يعني أن املفاعيل مخسة‪:‬‬

‫‪ -‬فاألول‪ :‬املفعول به‪ :‬وهو املراد عن اإلطالق إذا قال النحويون‪ :‬مفعول‪.‬‬

‫‪ -‬والثان‪ :‬املفعول املطلق‪ ،‬وهو املفعول احلقيقي للفعل‪ ،‬فمهَم قلت‪ :‬جلست فيعني ذلك‬

‫قياما‪ ،‬فاملفعول املطلق هو‬


‫أنت فعلت اجللوس‪ ،‬ومهَم قلت‪ :‬قمت يعني أنك قمت ا‬
‫املفعول احلقيقي للفعل‪.‬‬

‫‪ -‬والثالث‪ :‬املفعول له‪ ،‬ويقال‪ :‬ألجله أو من أجله‪.‬‬

‫‪ -‬والرابع‪ :‬املفعول فيه؛ وهو ظرف الزمان وظرف املكان‪.‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪361‬‬

‫‪ -‬واخلامس‪ :‬املفعول معه‪.‬‬

‫تباعا هبذا الرتتيب عند ابن هشا ٍم رمحه اَّلل‪ ،‬قال ابن هشام‪( :‬املفعول به‪ ،‬وهو ما وقع‬
‫وستأيت ا‬
‫عليه فعل الفاعل كـ (رضبت زيد اا)) ن‬
‫عرف املفعول به‪ ،‬وسبق الكالم يف َشح املبتدئني عىل‬
‫َشح املفعول به‪ ،‬وليس فيه زيادة‪.‬‬

‫لكن من ضوابط املفعول به‪ :‬أن أن ضَمئر هيك‪ ،‬وهي الضَمئر املتصلة اخلاصة بالنصب‬
‫واجلر؛ وهي‪ :‬ياء املتكلم‪ ،‬وكاف اخلطاب‪ ،‬وهاء الغيبة‪ ،‬هذه الثالثة اخلاصة بالنصب واجلر‪:‬‬

‫جرا‪ :‬إذا اتصلت بحرف جر‪ ،‬نحو‪ :‬يل‪ -‬ولك‪ -‬وله‪ ،‬أو اتصلت باس ٍم فهي‬
‫‪ -‬ال تكون إال ا‬
‫مضاف إليه يف ُمل جر نحو‪ :‬كتاِب‪ -‬وكتابك‪ -‬وكتابه‪.‬‬
‫ٌ‬

‫ٍ‬
‫بفعل ناسخ‬ ‫‪ -‬وتكون نص ابا‪ :‬إذا اتصلت بإن وأخواهتا كـ‪ :‬إن‪ -‬وإنك‪ -‬وإنه‪ ،‬أو اتصلت‬
‫ٍ‬
‫بفعل تام فتكون‬ ‫فتكون خربه املقدم‪ ،‬نحو‪ :‬الصديق كنْه‪ -‬أو الصديق كنْته‪ ،‬أو اتصلت‬

‫مفعول به كـ‪ :‬أكرمني‪ -‬وأكرمك‪ -‬وأكرمه‪.‬‬

‫ٌ‬
‫مفعول به‪ ،‬فدخلت يف هذا الباب‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بفعل تام فهي‬ ‫فتبني من ذلك أن هيك متى ما اتصلت‬
‫ن‬

‫ومن ضوابط املفعول به‪ :‬أن ضَمئر النصب املنفصلة وهي‪ :‬إياي وأخواته‪ :‬إياي‪ -‬وإياك‪-‬‬
‫ا‬
‫ومفعوال به‬ ‫خربا لكان وأخواهتا‪ ،‬نحو‪ :‬ما كان الناجح إال إياك‪،‬‬
‫وإياه‪ ،‬هذه ال تكون إال شيئني‪ :‬ا‬
‫وهو األكثر‪ ،‬نحو‪ :‬ما أكرمت إال إياك‪﴿ ،‬أمر أالَّ ت ْعبدو ْا إِالَّ إِ َّياه [يوسف‪﴿ ،]40:‬إِ َّياك‬
‫أيضا من ضوابط املفعول به‪.‬‬
‫ن ْعبد [الفاحتة‪ ]5:‬فهذا ا‬

‫ٌ‬
‫داخل يف باب املفعول به‪ ،‬وهذا‬ ‫ثم قال ابن هشا ٍم رمحه اَّلل‪( :‬ومنه املنادى) فذكر أن املنادى‬
‫ٍ‬
‫لفعل مقدر ناب حرف النداء مناب هذا‬ ‫ٌ‬
‫مفعول به منصوب‬ ‫صحيح؛ ألن املنادى يف احلقيقة‬
‫الفعل‪ ،‬فأنت إذا قلت‪ :‬يا ُممد‪ ،‬فالتقدير‪ :‬أنادي ُممدا ا‪ ،‬أو أدعو ُممدا ا‪ ،‬ثم إن حرف النداء (يا)‬
‫‪362‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ناب مناب هذا الفعل‪ ،‬فلهذا نقول‪ :‬إن املنادى كله بجميع أحواله وصوره حكمه النصب‪ ،‬إال‬
‫أن بعضه مبني فيكـــون يف ُمـــل نصــب‪ ،‬وبعضه معرب فيكــون منصــو ابا‪.‬‬

‫فصل ابن هشا ٍم يف املنادى فقال‪:‬‬


‫ثم ن‬

‫(وإنَم ينْصب مضاف اا كـ (يا عبد اَّلل)‪ ،‬أو شبيه اا باملضاف كـ (يا حسن اا وجهه) و (يا طالع اا‬
‫ال خذ بيدي)‪ ،‬واملفرد‬ ‫ٍ‬
‫مقصودة كقول األعمى‪( :‬يا رج ا‬ ‫ا‬
‫جبال) و (يا رفيق اا بالعباد)‪ ،‬أو نكر اة غري‬
‫زيدان‪ ،‬ويا زيدون) و (يا رجل) مل ِع َّ ٍ‬
‫ني)‬ ‫ِ‬ ‫املعرفة ي ْبنى عىل ما ي ْرفع به‪ ،‬كـ (يا زيد‪ ،‬ويا‬

‫فذكر ابن هشا ٍم هنا إعراب املنادى‪ ،‬وقد َشحنا ذلك من قبل‪ ،‬فقلنا حينذاك‪ :‬إن املنادى عىل‬
‫نوعني‪:‬‬

‫‪ -‬األول‪ :‬أن يكون املنادى كلم اة واحدة‪ ،‬واملراد هبا ن‬


‫معني‪ ،‬فهذا يبنى عىل ما يرفع به‪ ،‬وهذا‬

‫يشمل املعرفة املفردة نحو‪ :‬يا ُممد‪ ،‬يا اَّلل‪ ،‬يا زيد‪ ،‬يا ُممدان‪ ،‬يا ُممدون‪ ،‬فقوله‪ :‬يا‬

‫معني‪ ،‬كذلك‪ :‬يا اَّلل‪ ،‬كذلك يا ُممدان؛ فـ(ُممدان) كلمة‬


‫ُممد‪ ،‬املنادى كلمة واملراد هبا ن‬
‫واحدة واملراد هبا معني؛ وهلذا تبنى عىل ما ترفع به‪ ،‬ومن ذلك‪﴿ :‬يا م ْريم ‪﴿ ،‬يا نوح ‪،‬‬

‫اهيم ‪ ،‬ومن ذلك قوله‪﴿ :‬يوسف أ ْع ِر ْض ع ْن هـذا [يوسف‪ ]29:‬يعني‪ :‬يا‬ ‫﴿يا إِبر ِ‬
‫ْ‬
‫يوسف لكن حذف حرف النداء‪.‬‬

‫وكيف نعرب هذا النوع؟ نعربه إعراب املبنيات‪ ،‬فنقول‪ :‬يا ُممد‪:‬‬

‫‪ ‬يا‪ :‬حرف نداء‪ ،‬فنعربه إعراب احلروف‪ :‬حرف نداء مبني عىل السكون ال ُمل له من‬

‫اإلعراب‪.‬‬

‫‪ُ ‬ممد‪ :‬منادى‪ ،‬منصوب أم يف ُمل نصب؟ يف ُمل نصب مبني عىل الضم‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪363‬‬

‫مبني عىل األلف‪ ،‬وهكذا‪.‬‬


‫‪ ‬يا ُممدان‪ :‬منادى يف ُمل نصب ٌ‬
‫لرجل معني‪ :‬يا رجل ِ‬
‫اتق اَّلل‪ ،‬وكقولك‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا‪ :‬النكرة املقصودة‪ ،‬كقولك‬
‫ويشمل هذا النوع ا‬
‫ٍ‬
‫لطالب يعبث بقلمه‪ :‬يا طالب دع القلم‪ ،‬وكقولك للطالب‪ :‬يا طالب انتبهوا‪ ،‬وكقولك‬
‫للمسلمني‪ :‬يا مسلمون احتدوا‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬يا ِجبال أ يو ِِب معه [سبأ‪ ]10:‬هذا كله مبني عىل ما‬
‫معني‪ ،‬املراد هبا قد يكون مفرد معني‪ :‬يا ُممد‪ ،‬يا‬
‫يرفع به؛ ألن املنادى كلمة واحدة واملراد هبا ن‬
‫رجل‪ ،‬وقد يكون املراد جمموعة معينة مثل‪ :‬يا ُممدون‪ ،‬أو يا طالب‪.‬‬

‫منصوب‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫معرب‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬النوع الثان من املنادى‪ :‬قلنا‪ :‬سوى ما سبق‪ ،‬سوى النوع األول‪ ،‬وهو‬
‫مكون من كلمتني‪ ،‬فخرج من النوع‬ ‫ٍ‬
‫فيشمل املضاف‪ ،‬نحو‪ :‬يا رسول اَّلل؛ ألن املنادى حينئذ ن‬
‫األول فدخل يف الثان‪ ،‬يا عبد اَّلل‪ ،‬يا حارس املدرسة‪ ،‬يا صديقي‪ ،‬يا راكب السيارة‪ ،‬يا عبادي‪.‬‬

‫أيضا الشبيه باملضاف‪ ،‬واملراد بالشبيه باملضاف‪ :‬كل اس ٍم تعلق به ما بعده عىل غري‬
‫ويشمل ا‬
‫يشء بعده‪ ،‬لكن هذا الذي بعده مل يتعلق به عىل سبيل اإلضافة‪:‬‬
‫طريق اإلضافة‪ ،‬اسم تعلق به ٌ‬
‫ٍ‬
‫سبيل آخر‪ ،‬كقوله‪ :‬يا حسناا وجهه تعال‪ ،‬أنت تنادي حسناا‬ ‫مضاف ومضاف إليه‪ ،‬لكن عىل‬
‫وجهه‪ ،‬إ اذا أكثر من كلمة‪ ،‬طيب (وجهه) متعلقة بـ(حسناا)؛ ألن (وجهه) فاعل (حسناا)‪،‬‬
‫طاهرا قلبه‪،‬‬
‫ا‬ ‫فالتعلق بينهَم ال عىل سبيل اإلضافة‪ ،‬فنقول‪ :‬شبيه باملضاف‪ ،‬أو يا ا‬
‫مجيال فعله‪ ،‬أو يا‬

‫مكرما أباه‪ ،‬أو يا قارئاا الكتاب‪ ،‬أو يا رفي اقا بالعباد‪ ،‬أو يا ا‬
‫رحيَم بنا‪ ،‬أو يا قارئاا للكتب‪.‬‬ ‫ا‬ ‫أو يا‬

‫أيضا النكرة غري املقصودة؛ ألنك ال تريد هبا معني‪ ،‬كقول اخلطيب‪ :‬يا ا‬
‫غافال اذكر‬ ‫ويشمل ا‬
‫حجك‪ ،‬وهذا حيدث عند الشعراء عند قوهلم‪:‬‬
‫حاجا اضبط ن‬
‫اَّلل‪ ،‬يا ا‬

‫هديت أمري املؤمنني رسائيل‬ ‫أيا راكِب اا إِ َّما عر ْضت فب يلغ نن‬

‫فالشاعر ال يريد مرا ادا معيناا وإنَم يريد أي راكب حيمل عنه هذه الرسالة‪.‬‬
‫‪364‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫يزيد بن ع ْب ِد اَّلل ما أنا قائل‬ ‫أيا راكِب اا نإما عر ْضت فب يلغ ْن‬

‫ٍ‬
‫شمس وهاشم‬ ‫بني عمنا من عبد‬ ‫أيا راكِب اا نإما عر ْضت فب يلغ ْن‬
‫أن ال ِ‬
‫تالقيا‬ ‫نداماي من ن ْجران ْ‬ ‫أيا راكِب اا نإما عر ْضت فب يلغ ْن‬

‫هذا من أشعار خمتلفة‪ ،‬فَم ذكره ابن هشام يعود إىل هذين النوعني اللذين َشحنامها من قبل‪،‬‬
‫فإذا ناديت اَّلل عز وجل باسمه الغفار فإنك تقول‪ :‬يا غفار اغفر يل‪ ،‬وإذا ناديته بـ‪ :‬غفار الذنوب‬
‫غفارا‬
‫غفارا للذنوب‪ ،‬فإنك تنصب‪ :‬يا ا‬
‫فإنك تنصب‪ :‬يا غفار الذنوب اغفر يل‪ ،‬وإذا ناديته بـ‪ :‬ا‬
‫للذنوب‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬يا غفار الذنوب نقول‪:‬‬

‫‪ ‬غفار‪ :‬منادى منصوب وعالمة نصبه الفتح‪.‬‬

‫‪ ‬والذنوب‪ :‬مضاف إليه جمرور‪.‬‬

‫وإذا قلت‪ :‬يا غف اارا للذنوب‪ ،‬تكون‪:‬‬

‫غفارا‪ :‬منادى منصوب وعالمة نصبه الفتحة‪.‬‬


‫ا‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬للذنوب‪ :‬جار وجمرور‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫ثم بدأ ابن هشام رمحه اَّلل يذكر بعض أحكام ومسائل املنادى‪ ،‬فلعلنا نقف هنا ونكمل إن‬
‫شاء اَّلل يف الدرس القادم‪ ،‬واَّلل أعلم‪ ،‬وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ُممد وعىل آله وأصحابه‬
‫أمجعني‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪365‬‬

‫الدرس العاَش‬

‫بسم اَّلل الرمحن الرحيم‪ ،‬احلمد َّلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل نبينا ُممد وعىل‬
‫آله وأصحابه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪ ،‬فسالم اَّلل عليكم ورمحته وبركاته‪ ،‬حياكم اَّلل وب نياكم يف هذا‬
‫الدرس العاَش من دروس َشح "قطر الندى وبل الصدى" البن هشا ٍم األنصاري عليه رمحة‬
‫اَّلل‪ ،‬نحن يف ليلة األربعاء السابع عرش من شهر رجب من سنة تس ٍع وثالثني وأربعَمئة وألف يف‬
‫جامع منرية شبييل بحي الفالح يف مدينة الرياض‪.‬‬

‫يف الدرس املايض كنا قد تكلمنا عىل نائب الفاعل‪ ،‬ثم كنا قد بدأنا باألسَمء املنصوبة‪ ،‬فقرأنا‬
‫وَشحنا املفعول به‪ ،‬وذكر ابن هشام أنه يدخل يف املفعول به املنادى‪ ،‬فبدأ بالكالم عن املنادى‬
‫وبني حاالته وَشحنا ذلك‪ ،‬لكننا مل نكمل الكالم عىل باب املنادى‪ ،‬فنبدأ هذا الدرس إن شاء‬
‫ن‬
‫اَّلل تعاىل بإكَمل الكالم عىل باب املنادى‪ ،‬ثم نتكلم عىل لواحق النداء وهي‪ :‬الرتخيم واالستغاثة‬
‫والندبة‪ ،‬ثم نرشح ما تيرس بعد ذلك من األسَمء املنصوبة‪.‬‬

‫ٌ‬
‫داخل يف املفعول به ألن املعنى (يا ُممد)‪ :‬أدعو‬ ‫فبعد أن نبني ابن هشا ٍم رمحه اَّلل تعاىل أن املنادى‬
‫ٍ‬
‫حالة‬ ‫ُممدا ا‪ ،‬فلهذا قلنا‪ :‬إن املنادى كله حكمه النصب‪ ،‬إال أنه يف ٍ‬
‫حالة يبنى عىل ما يرفع به ويف‬
‫أخرى يبقى معر ابا منصو ابا‪.‬‬

‫ثم بدأ ابن هشام بذكر بعض املسائل واألحكام يف هذا الباب‪ ،‬فقال رمحه اَّلل‪:‬‬

‫( ٌ‬
‫فصل‪ :‬وتقول‪( :‬يا غالم) بالثالث وبالياء فتح اا وإسكان اا وباأللف)‬
‫‪366‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫تكلم هنا عىل نداء االسم املضاف إىل ياء املتكلم‪ ،‬كـ‪ :‬صديقي‪ ،‬وغالمي‪ ،‬ورِب‪ ،‬ونحو ذلك‬
‫ٌ‬
‫فثالث منها بإثبات‬ ‫من األسَمء املضافة إىل ياء املتكلم‪ ،‬فذكر أن فيها عن العرب ست لغات‪:‬‬
‫ٌ‬
‫وثالث منها بحذف الياء‪:‬‬ ‫الياء‪،‬‬
‫‪ -‬فاللغة األوىل‪ :‬أن تقول‪ :‬يا صديقي تعال‪ ،‬بإثبات الياء ساكن اة‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬يا ِعب ِ‬
‫ادي ال‬

‫ف عل ْيكم [الزخرف‪ ]68:‬وهذه قراءة أكثر السبعة‪.‬‬


‫خ ْو ٌ‬

‫ادي ا َّل ِذين‬


‫‪ -‬واللغة الثانية‪ :‬يا صديقي تعال‪ ،‬بإثبات الياء مفتوح اة‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬يا ِعب ِ‬

‫أ ْرسفوا عىل أنف ِس ِه ْم [الزمر‪.]53:‬‬


‫صديق تعال‪ ،‬بحذف الياء واالكتفاء بالكرسة قبلها‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬يا ِعب ِ‬
‫اد‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬واللغة الثالثة‪ :‬يا‬

‫ف عل ْيكم يف قراءة بعض السبعة‪.‬‬ ‫فاتَّقون [الزمر‪ ،]16:‬وقال تعاىل‪﴿ :‬يا ِعب ِ‬
‫اد ال خ ْو ٌ‬

‫فتحا وقلب الياء أل افا‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬يا‬


‫‪ -‬واللغة الرابعة‪ :‬يا صديق تعاىل‪ ،‬بقلب الكرس ا‬
‫ح ْرستى عىل ما ف َّرطت [الزمر‪ ،]56:‬وقال‪﴿ :‬يا أسفى عىل يوسف [يوسف‪،]84:‬‬

‫وتقول العرب‪ :‬يا عجبى منك‪ ،‬وأكثر ما جاءت هذه اللغة يف أسَمء اجلنس؛ كاحلرسة‬

‫واألسف والعجب ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪ -‬اللغة اخلامسة‪ :‬أن تقول‪ :‬يا صديق تعال‪ ،‬بحذف األلف من اللغة السابقة‪ ،‬واالكتفاء‬

‫بالفتح قبلها‪.‬‬

‫‪ -‬واللغة السادسة‪ :‬أن تقول‪ :‬يا صديق تعال‪ ،‬بحذف الياء وجعل ضمة البناء عىل آخر‬
‫احكم بِ ْ‬
‫احل يق [األنبياء‪ ]112:‬يف قراءة بعضهم‪،‬‬ ‫االسم‪ ،‬قال سبحانه وتعاىل‪﴿ :‬قال ر ُّب ْ‬
‫وقالت العرب‪ :‬يا أ ُّم ال تفعيل؛ يريد يا أمي‪.‬‬

‫فهذه ست لغات جاءت عن العرب‪ ،‬إال أن أفصحها وأكثرها يف االستعَمل‪:‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪367‬‬

‫رب إن أسألك‪.‬‬ ‫ِ‬


‫صديق تعال‪ ،‬يا ي‬ ‫‪ -‬حذف الياء واالكتفاء بالكرس قبلها‪ :‬يا‬

‫‪ -‬ثم إثبات الياء‪ :‬ساكن اة ومفتوح اة‪ ،‬فتقول‪ :‬يا رِب إن أسألك‪ ،‬ويا رِب إن أسألك‪.‬‬

‫‪ -‬وبعد ذلك قلب الياء أل افا‪ :‬يا ربا إن أسألك‪.‬‬

‫‪ -‬ثم االكتفاء بالفتحة وحذف األلف‪ :‬يا رب إن أسألك‪.‬‬

‫رب إن أسألك‪.‬‬
‫‪ -‬ثم حذف الياء وضم ما قبلها‪ :‬يا ُّ‬
‫وقول ابن هشام‪( :‬يا غالم بالثالث) يعني‪ :‬يا غالمِ‪ ،‬ويا غالم‪ ،‬ويا غالم بالفتح والضم‬
‫والكرس‪ ،‬وقوله‪( :‬وبالياء فتح اا وإسكان اا وباأللف) يعني يا صديقي تعال‪ ،‬ويا صديقي تعال‪ ،‬ويا‬
‫صديق تعال‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مسألة أخرى فقال‪:‬‬ ‫ثم انتقل ابن هشام إىل‬
‫ِ‬
‫لألولني‬ ‫رس‪ ،‬وإِحلاق األلف أو الياء‬
‫عم) بِفتْحٍ وك ْ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(و (يا أبت‪ ،‬ويا أ َّمت‪ ،‬ويا ابن أ يم‪ ،‬ويا ابن ي‬
‫ٌ‬
‫ضعيف)‬ ‫قبيح‪ ،‬وليئخر ْي ِن‬
‫ٌ‬
‫تكلم ابن هشا ٍم هنا عىل مسألتني‪ :‬املسألة األوىل‪ :‬إذا كان املضاف إىل ياء املتكلم لفظ ٍ‬
‫أب أو أمٍ؛‬
‫حينئذ عرش لغات‪ ،‬وهذه عادة العرب أن اليشء إذا كثر‬‫ٍ‬ ‫يعني‪ :‬يا أِب ويا أمي‪ ،‬فذكر أنه جيوز فيه‬
‫يف كالمها كثر ترصفها فيه‪ ،‬فهذه اللغات العرش منها الست السابقة‪ :‬يا أِب تعال‪ ،‬يا أِب تعال‪ ،‬يا‬
‫وأربع أخرى‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫أب تعال‪ ،‬ويا أب تعال‪ ،‬ويا أبا تعال‪ ،‬ويا أب تعال‪،‬‬

‫تعايل‪ ،‬بحذف ياء املتكلم وتعويضها بتاء تأنيث‬ ‫أمي‬ ‫ِ‬


‫ن‬ ‫‪ -‬السابعة‪ :‬تقول‪ :‬يا أبت تعال ويا َّ‬
‫مكسورة‪ ،‬قال سبحانه‪﴿ :‬إِ ْذ قال ألبِ ِيه يا أب ِ‬
‫ت ِمل ت ْعبد [مريم‪ ]42:‬عىل قراءة السبعة عدا‬

‫ابن عامر‪.‬‬
‫‪368‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫تعايل‪ ،‬بحذف ياء املتكلم وتعويضها بتاء تأنيث‬ ‫ن‬ ‫أمي‬


‫‪ -‬واللغة الثامنة‪ :‬يا أبت تعال ويا َّ‬
‫مفتوحة‪ ،‬ومن ذلك قراءة ابن عامر‪﴿ :‬إِ ْذ قال ألبِ ِيه يا أبت ِمل ت ْعبد ‪.‬‬

‫تعايل‪ ،‬فيكون قد مجع يف هذه اللغة بني ياء املتكلم‬


‫ن‬ ‫‪ -‬واللغة التاسعة‪ :‬يا أبتي تعال ويا أمتي‬

‫واملعوض عنه‪.‬‬
‫ن‬ ‫وبني تاء التأنيث التي هي ٌ‬
‫عوض عن ياء املتكلم‪ ،‬يعني مجع بني العوض‬

‫تعايل‪ ،‬فالتاء عوض عن ياء املتكلم واأللف منقلبة‬


‫ن‬ ‫‪ -‬واللغة العاَشة‪ :‬يا أبتا تعال ويا أمتا‬

‫مجع بني العوض واملعوض عنه‪.‬‬


‫أيضا ٌ‬
‫عن ياء املتكلم‪ ،‬ففيها ا‬

‫وهلذا قال ابن هشام‪ :‬واللغتان األخريتان؛ يعني يا أبتا ويا أبتي قبيحتان‪ ،‬ملاذا؟ ألن فيهَم اجلمع‬
‫بني العوض؛ وهو تاء التأنيث واملعوض عنه وهو ياء املتكلم‪ ،‬والقاعدة واألصل أنه ال جيمع‬
‫بينهَم‪ ،‬وقبحهَم الذي ذكره ابن هشام يف النثر‪ ،‬أما يف الشعر فجاء ذلك عن العرب يف عدة‬
‫أشعار؛ كقول الشاعر‪:‬‬

‫يا أبتا ع َّلك أ ْو عساكا‬ ‫تقول بنتي قد أنى إناكا‬

‫ويقول اآلخر‪:‬‬
‫فإنَّا ٍ‬
‫بخري إذا مل ت ِر ْم‬ ‫يا أبتِي فال ِر ْمت ِمن ِعن ِْدنا‬

‫ويقول اآلخر‪:‬‬

‫يش ما د ْمت عائِش‬


‫لنا أم ٌل ِيف الع ِ‬ ‫يا أبتِي ال ِزلت فِينا فإِنََّم‬

‫فهذه املسألة األوىل‪ :‬إذا كان املضاف إليه ياء املتكلم لفظ ٍ‬
‫أب أو أمٍ‪ ،‬املسألة األخرى يف كالم ابن‬
‫اسَم إىل اس ٍم‬
‫هشا ٍم السابق‪ :‬االسم املضاف إليه ياء املتكلم إذا أضيف إىل اسمٍ‪ ،‬لو أضفت ا‬
‫مضاف إليه ياء املتكلم‪ ،‬كأن تقول‪ :‬صديق صديقي‪ ،‬أو ابن صديقي‪ ،‬أو ابن أخي‪ ،‬ففي هذه‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪369‬‬

‫املسألة ال جيوز إال إثبات الياء ساكن اة أو مفتوح اة‪ ،‬نحو‪ :‬يا ابن أخي تعال‪ ،‬أو يا ابن أخي تعال‪،‬‬
‫وال جتوز اللغات األخرى يف ذلك‪.‬‬

‫إال إذا كان املنادى يف هذه املسألة لفظ‪ :‬ابن أمي‪ ،‬أو ابن عمي‪ ،‬أو ابنة أمي‪ ،‬أو ابنة عمي‪ ،‬فإن‬
‫ٍ‬
‫لغات عن العرب‪:‬‬ ‫هذه األلفاظ لكثرة استعَمهلا عند العرب ترصفوا فيها‪ ،‬فجاء فيها أربع‬

‫‪ -‬األوىل‪ :‬حذف الياء وكرس ما قبلها‪ ،‬فتقول‪ :‬يا ابن أ ِم تعال‪ ،‬يا ابن ع ِم تعال‪.‬‬

‫‪ -‬واللغة الثانية‪ :‬حذف الياء وفتح ما قبلها‪ ،‬فتقول‪ :‬يا ابن أم تعال‪ ،‬ويا ابن عم تعال‪.‬‬

‫وقد قرأ السبعة كلهم هبَم هاتني اللغتني يف قوله تعاىل‪﴿ :‬قال ا ْبن أ َّم إِ َّن ا ْلق ْوم‬
‫ون [األعراف‪﴿ ،]150:‬قال يا ا ْبن أ َّم ال ت ْأخ ْذ بِلِ ْحيتِي [طه‪.]94:‬‬
‫ْاست ْضعف ِ‬

‫‪ -‬اللغة الثالثة والرابعة‪ :‬إثبات الياء ساكن اة ومفتوح اة‪ ،‬تقول‪ :‬يا ابن أمي تعال‪ ،‬ويا ابن عمي‬

‫تعال‪ ،‬ويا ابن أمي تعال‪ ،‬ويا ابن عمي تعال‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ٍ‬
‫شديد‬ ‫ٍ‬
‫لدهر‬ ‫أنت خ نلفتني‬ ‫يا ْبن أ يمي ويا شق ييق ن ْف ِيس‬

‫وقال اآلخر‪:‬‬

‫منك يوم اا م ْضج ِعي‬


‫فليس خيلو ِ‬ ‫ومي و ْاهج ِعي‬
‫يابنة عَم ال تل ِ‬
‫ْ َّ‬
‫واللغتان األخريتان‪ :‬إثبات الياء مفتوح اة وساكن اة كَم قال ابن هشام قليلتان يف االستعَمل‪ ،‬فلهذا‬
‫مل يأتيا عن العرب إال يف األشعار‪.‬‬

‫ٌ‬
‫استعَمل كثري يف كالم العرب‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫مسألة مهمة يف هذا الباب‪ ،‬وهلا‬ ‫ثم انتقل ابن هشام إىل‬
‫معطوف أو ٌ‬
‫بدل أو توكيد أو عطف نسق أو عطف‬ ‫ٌ‬ ‫نعت أو‬
‫حكم توابع املنادى‪ ،‬املنادى إذا تبعه ٌ‬
‫بيان فَم حكم هذا التابع‪ ،‬فقال ابن هشام‪:‬‬
‫‪370‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ِ‬
‫املقرون بأل‬ ‫وتأكيده وبيانِه ونس ِقه‬
‫ِ‬ ‫املبني‬
‫ي‬
‫فرد أو أ ِضيف مقرون اا بأل ِمن ِ‬
‫نعت‬ ‫ْ‬ ‫فصل‪ :‬وجيري ما أ ِ‬
‫( ٌ‬

‫عىل لفظه أو ُمله‪ ،‬وما أضيف جمرد اا عىل ُمله‪ ،‬ون ْعت ٍّ‬
‫أي عىل لفظه‪ ،‬والبدل واملنسوق املج َّرد‬
‫ي‬
‫املستقل مطلق اا)‬ ‫كاملنادى‬

‫فهذا الفصل كَم ذكرنا يف أحكام تابع املنادى‪.‬‬

‫والسبب يف اختالف أحكام تابع املنادى معلوم أن التوابع تتبع ما قبلها يف اإلعراب‪ ،‬فتابع‬
‫املنادى فيه إشكال‪ ،‬وذلك أن املنادى كَم عرفنا عىل نوعني‪ :‬فهو إما أن يبقى معر ابا منصو ابا‪ ،‬وإما‬
‫أن يبنى عىل ما يرفع به‪ ،‬واجلميع حكمه النصب‪ ،‬فإذا بقي معر ابا منصو ابا كقولك‪ :‬يا عبد اَّلل‪،‬‬
‫فهو منصوب اللفظ ومنصوب املحل؛ منصوب اللفظ ألنه معربو ومنصوب املحل ألن حكمه‬
‫النصب‪.‬‬

‫وإذا بني عىل ما يرفع به كقولك‪( :‬يا ُممد) فإن لفظه خالف ُمله‪ ،‬فمحله النصب‪ ،‬ولفظه هنا‬
‫ليس لفظ املنصوب وإنَم جاء يف الشكل عىل لفظ املرفوع‪ ،‬مضموم‪ ،‬فهذا املنادى املبني عىل‬
‫الضم (يا ُممد) لو أتبعته بتاب ٍع من التوابع هل ستتبعه عىل ُمله فتنصب؟ أم تتبعه عىل لفظه‬
‫فرتفع؟ هذا الذي سبب هذا اإلشكال‪ ،‬واختلفت أحكامه يف اللغة تب اعا لكالم العرب يف ذلك‪.‬‬

‫وخالصة املسألة‪ :‬أن التوابع كَم نعرف مخسة؛ وهي‪ :‬النعت‪ ،‬والتوكيد‪ ،‬وعطف البيان‪ ،‬وعطف‬
‫النسق‪ ،‬والبدل‪:‬‬

‫املجرد من (ال)‪ :‬فيعامالن معاملة املنادى املستقل‪ ،‬يعني كَم لو أن‬


‫ن‬ ‫فنقول‪ :‬أما البدل واملنسوق‬
‫حرف النداء دخل عليهَم مباَشة‪ ،‬البدل معروف البدل‪ ،‬واملنسوق املجرد من (ال) ما املراد‬
‫باملنسوق؟ يعني املعطوف عطف نسق‪ ،‬املعطوف بحرف من حروف النسق‪ ،‬املجرد من (ال)‪:‬‬
‫ليس فيه (ال)‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪371‬‬

‫فالبدل كأن تقول‪ :‬يا عمر الفاروق‪ ،‬يا هرون الرشيد‪ ،‬يا أبا ٍ‬
‫بكر الصديق‪ ،‬يا عثَمن ذا النورين‪،‬‬
‫ويا عيل أبا احلسنني‪ ،‬هذه كلها أمثلة عىل بدل كل من كل‪ ،‬فعندما نقول‪:‬‬

‫‪( ‬يا عمر) هذا منادى مبني عىل الضم؛ ألنه مفر ٌد معني‪.‬‬

‫‪( ‬الفاروق) بدل؛ ألن املراد بالفاروق هنا أنه لقب لعمر‪ ،‬يعني علم عليه وليس نعتاا‬

‫منعوته‪ ،‬وإنَم لقب‪ ،‬اسم له‪.‬‬

‫فنقول‪ :‬يا عمر الفاروق‪ ،‬ليس لك إال ذلك‪ ،‬كَم لو أن النداء دخل عىل (الفاروق) مباَشة‪،‬‬
‫تقول‪ :‬يا أهيا الفاروق‪ ،‬ليس لك إال هذا‪ ،‬وكذلك يا هارون الرشيد‪.‬‬

‫وكذلك يا أبا ٍ‬
‫بكر الصديق‪:‬‬

‫‪ ‬فـ(يا أبا ٍ‬
‫بكر) نصبناه؛ ألنه منادى مضاف‪ ،‬فحكمه النصب‪ ،‬منادى منصوب وعالمة‬
‫نصبه األلف (يا أبا ٍ‬
‫بكر)‪.‬‬

‫‪( ‬الصديق) فرتفعه؛ ألنك لو ناديته مباَشة مل يكن فيه إال هذا‪ ،‬تقول‪ :‬يا أهيا الصديق‪.‬‬

‫وإذا قلت‪ :‬يا عثَمن ذا النوريني‪ ،‬فتقول‪:‬‬

‫معني‪.‬‬
‫‪( ‬يا عثَمن) فتبني عىل الضم ألنه مفر ٌد ن‬
‫‪ ‬و(ذا النوريني) ستنصبه باأللف ألنه مضاف‪ ،‬كَم لو قلت‪ :‬يا عثَمن يا ذا النوريني‪.‬‬

‫وكذلك يا عيل أبا احلسنني‪.‬‬

‫وأما املنسوق املجرد من (ال) فكقولك‪ :‬يا خالد وُممد تعاال‪ ،‬ويا ُممد وعبد اَّللِ تعاال‪ ،‬ويا عبد‬
‫اَّلل وخالد‪ ،‬ويا عبد اَّلل وعبد الرمحن‪.‬‬

‫فقولك‪ :‬يا ُممد وخالد‪:‬‬

‫‪( ‬يا ُممد) منادى مفرد معني بني عىل الضم‪.‬‬


‫‪372‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ ‬و(خالد) ليس فيه إال الرفع؛ ألنك لو ناديته مباَشة كنت تقول‪ :‬يا ُممد ويا خالد‪.‬‬

‫ويا ُممد وعبد اَّلل‪:‬‬

‫‪( ‬يا ُممد) تبني عىل الضم‪.‬‬

‫‪( ‬وعبد اَّلل) تنصب‪ ،‬كأنك قلت‪ :‬يا ُممد ويا عبد اَّلل‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫إ اذا فهذا حكم البدل وحكم املنسوق املجرد من (ال)‪ ،‬فَمذا بقي من التوابع بعدمها؟ بقي‪:‬‬
‫النعت‪ ،‬والتوكيد‪ ،‬وعطف البيان‪ ،‬واملنسوق املقرون بـ(ال)‪.‬‬

‫فهذه فيها تفصيل‪ ،‬هلا ثالثة أحوال‪:‬‬

‫شبيها باملضاف‪ ،‬أو‬


‫ا‬ ‫احلالة األوىل‪ :‬إن كان املنادى منصو ابا‪ ،‬يعني من النوع الثان‪ :‬مضا افا‪ ،‬أو‬
‫نكرة غري مقصودة‪ ،‬إن كان املنادى منصو ابا‪ :‬فليس فيها سوى النصب؛ ألنك لو أتبعته للمحل‬
‫فمحله النصب‪ ،‬ولو أتبعته اللفظ فلفظه منصوب‪ ،‬فليس فيه إال النصب‪ ،‬تقول‪ :‬يا عبد اَّلل‬
‫والضحاك تعاال‪ ،‬يا قومي أمجعني (توكيد معنوي)‪ ،‬يا معلمي الكريم‪،‬‬
‫ن‬ ‫الفاضل‪ ،‬يا عبد اَّلل‬
‫أساتذيت الفضالء‪ ،‬فهذه احلالة األوىل‪ :‬إذا كان املنادى منصو ابا‪.‬‬

‫احلالة الثانية‪ :‬عكس األوىل‪ ،‬إذا كانت التوابع مضاف اة‪ ،‬فليس فيها سوى النصب ا‬
‫أيضا‪ ،‬كقولك‪:‬‬
‫يا ُممد صاحب ٍ‬
‫خالد تعال‪:‬‬

‫‪( ‬يا ُممد) منادى مبني عىل الضم‪.‬‬


‫ٍ‬
‫خالد) هذا نعت‪ ،‬لكن ليس لك إال أن تتبعه عىل ُمل ُممد‪ ،‬وليس لك أن‬ ‫‪( ‬صاحب‬
‫تتبعه عىل لفظ ُممد؛ ألن التابع (صاحب ٍ‬
‫ُممد) مضاف‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪373‬‬

‫وتقول‪ :‬يا ُممد أبا عبد اَّلل‪ ،‬عىل أن (أبا عبد اَّلل) عطف بيان وليس ا‬
‫بدال‪ ،‬البدل سبق حكمه‪،‬‬
‫دائَم حكمه النعت‪ ،‬فستقول‪ :‬يا ُممد أبا عبد اَّلل؛ ألن‬
‫لكن لو كان عطف بيان‪ ،‬وعطف البيان ا‬
‫التابع هنا مضاف‪.‬‬

‫وتقول‪ :‬يا متيم ك َّلهم‪ ،‬أو يا متيم ك َّلكم‪ ،‬هذا توكيد معنوي لكنه مضاف‪ ،‬فليس فيه إال النصب‪.‬‬

‫وتقول‪ :‬يا ُممد وأبا عبد اَّلل؛ هذا منسوق لكنه مضاف‪ ،‬قال سبحانه وتعاىل‪﴿ :‬ق ِل ال َّله َّم فاطِر‬
‫ض [الزمر‪﴿ ]46:‬ال َّله َّم يعني يا اَّلل‪ ،‬إ اذا اللهم نداء َّلل عز وجل‪،‬‬ ‫السَمو ِ‬
‫ات واأل ْر ِ‬ ‫َّ‬
‫﴿ال َّله َّم ‪ :‬اَّلل‪ :‬هذا منادى مبني عىل الضم‪ ،‬وامليم‪ :‬عوض من ياء النداء املحذوفة‪﴿ ،‬فاطِر‬
‫ات هذا نعت لكنه منصوب؛ ألنه مضاف‪.‬‬ ‫السَمو ِ‬
‫َّ‬

‫احلالة الثالثة وهي التي بقيت‪ :‬أن يكون املنادى مبن ايا والتوابع مفردة‪ ،‬أن يكون املنادى مبن ايا ليس‬
‫منصو ابا‪ ،‬والتوابع مفردة ليست مضافة‪ ،‬فهذه جيوز لك فيها النصب والرفع‪ ،‬جيوز لك فيها‬
‫النصب تب اعا للمحل‪ ،‬وجيوز لك فيها الرفع تب اعا للفظ‪ ،‬تقول‪ :‬يا ُممد الفاضل أو الفاضل‪ ،‬ويا‬
‫والضحاك تعاال‪ ،‬ويا متيم أمجعني ويا متيم أمجعون‪ ،‬وتقول‪ :‬يا‬
‫ن‬ ‫والضحاك تعاال أو يا ُممد‬
‫ن‬ ‫ُممد‬
‫عمر الفاروق والفاروق إذا أردته عطف بيان‪ ،‬وسيأيت بيان الفرق بني البدل وعطف البيان إن‬
‫شاء اَّلل يف التوابع‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬يا ِجبال أ يو ِِب معه وال َّط ْري [سبأ‪ ]10:‬فنصب يف قراءة العرشة‪،‬‬
‫وقرأ يف الشواذ‪﴿ :‬وال َّط ْري بالرفع‪.‬‬

‫إذا فاخلالصة يف توابع املنادى‪ :‬أنه جيوز لك يف التوابع النصب والرفع‪ ،‬هذا األصل فيها‪ ،‬إال إن‬
‫منع مانع‪ ،‬فَم املانع الذي يمنع؟ إما أن تكون التوابع مضافة‪ ،‬واملضاف يف باب النداء ليس فيه‬
‫إال النصب‪ ،‬أو يكون املنادى نفسه منصو ابا فيكون لفظه نصب وُمله نصب‪ ،‬فليس لك يف التابع‬
‫ٍ‬
‫حينئذ إال النصب‪ ،‬والتفصيل سبق يف كالمنا آن افا‪.‬‬

‫وقال ابن هشام يف كالمه فيَم قرأناه‪:‬‬


‫‪374‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫أي عىل لفظه)‬


‫(ون ْعت ٍّ‬

‫يعني أن نعت (أي) يف النداء ليس فيه إال الرفع وال جيوز نصبه‪ ،‬كقولك‪ :‬يا أهيا الرجل‪ ،‬وال‬
‫جيوز (يا أهيا الرجل) التفاق املسموع عىل ذلك‪﴿ ،‬يا أ ُّهيا النَّبِ ُّي ‪﴿ ،‬يا أ ُّهيا النَّاس فإن قلت‪:‬‬
‫ما إعراب تابع (أي) يف النداء؟ إن قلت‪ :‬يا أهيا الرجل‪:‬‬

‫‪( ‬أي)‪ :‬هذا منادى مبني عىل الضم؛ ألنه نكرة مقصودة‪.‬‬

‫‪( ‬ها)‪ :‬حرف تنبيه مبني عىل السكون ال ُمل له من اإلعراب‪.‬‬

‫فَم إعراب التابع (الرجل)؟ فاجلواب عىل قولني مذكورين يف كتب النحو‪:‬‬

‫‪ -‬األول‪ :‬أنه نعت مطلق‪ ،‬وهذا املشهور يف كالم املتقدمني‪.‬‬

‫‪ -‬والقول الثان‪ :‬التفصيل؛ فإن كان جامدا ا فهو عطف بيان‪ ،‬وإن كان مشت اقا فهو نعت‪،‬‬

‫ٌ‬
‫عطف‬ ‫إجراء لقاعدة النعت وعطف البيان‪ ،‬فإن قلت‪ :‬يا أهيا املجتهد فـ(املجتهد)‬
‫ا‬
‫لـ(أي)‪ ،‬وإذا قلت‪ :‬يا أهيا الرجل فـ(الرجل) عطف بيان من (أي)؛ ألن عطف البيان هو‬

‫النعت‪ ،‬إال أن النعت باملشتق وعطف البيان باجلامد‪.‬‬


‫ٍ‬
‫أخرية يف باب النداء‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫مسألة‬ ‫ثم قال ابن هشام يف‬

‫(ولك يف نحو (يا زيد زيد ا ْلي ْعمالت) فتحهَم أو ُّ‬


‫ضم األول)‬

‫يعني رمحه اَّلل أن هذا األسلوب وهو‪ :‬إذا تكرر املنادى املفرد‪ ،‬كقول العرب‪ :‬يا زيد زيد‬
‫اليعمالت‪ ،‬ويا سعد سعد األوس‪ ،‬وكقولنا‪ :‬يا طلب طالب العلم‪ ،‬يا جامعة جامعة اإلمام‪،‬‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬فلك فيه وجهان واردان عن العرب‪:‬‬

‫‪ -‬أما الثان منهَم (زيد اليعمالت)‪ :‬فليس فيه سوى النصب؛ ألنه مضاف‪.‬‬

‫‪ -‬وأما األول‪ :‬فهو الذي فيه الوجهان اجلائزان‪ ،‬ومها‪ :‬الضم والفتح‪:‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪375‬‬

‫‪ ‬فالضم‪ :‬يا زيد زيد اليعمالت‪ ،‬فـ(يا زيد) عىل األصل‪ :‬منادى مبني عىل الضم ألنه‬

‫مفرد معني‪.‬‬

‫‪ ‬و(زيد اليعمالت) بالنصب‪:‬‬

‫‪ ‬إما ألنه منادى وحرف النداء ُمذوف‪ ،‬يعني يا زيد اليعمالت‪.‬‬

‫‪ ‬أو أنه عطف بيان عىل (يا زيد)‪.‬‬


‫مفعول به عىل ٍ‬
‫فعل ُمذوف تقديره‪ :‬يا زيد أعني زيد اليعمالت‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪ ‬أو‬

‫‪ -‬والوجه الثان‪ :‬الفتح‪ ،‬تقول‪ :‬يا زيد زيد اليعمالت‪ ،‬عىل أن األصل‪ :‬يا زيد اليعمالت يا‬

‫زيد اليعمالت‪ ،‬ثم حذفت املضاف إليه األول؛ لداللة املضاف إليه الثان‪.‬‬

‫فهذان الوجهان اجلائزان يف هذه املسألة التي ذكرها ابن هشام‪ ،‬وأما هذا الشاهد‪( :‬يا زيد زيد‬
‫جزء من رجز لعبد اَّلل بن رواحة ريض اَّلل عنه‪ ،‬يقول فيه‪:‬‬
‫اليعمالت) فهو ٌ‬

‫تطاول ال َّل ْيل عل ْيك فان ِْز ِل‬ ‫الذ َّب ِل‬
‫ت ُّ‬‫يا زيد زيد ا ْليعمال ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ‬

‫واليعمالت‪ :‬مجع يعملة‪ ،‬وهي الناقة القوية‪ ،‬هبذا الضبط‪ :‬يعملة‪ ،‬ومثل هذا األسلوب قول‬
‫جرير هيجو عمر بن جلى التيمي‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫ال ي ْلقينَّك ْم ِيف س ْو ٍأة عمر‬ ‫ي ال أبا‬ ‫ِ‬


‫يا ت ْيم عد ن‬
‫لكم‬

‫ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬

‫اخلزْر ِج يني‬
‫ْ‬ ‫س ْعد‬ ‫ويا س ْعد‬ ‫يا س ْعد س ْعد األ ْو ِ‬
‫س ك ْن أنْت‬
‫ف‬‫ار ِ‬
‫ا ْلغط ِ‬ ‫ِ‬
‫ارصا‬
‫ن ا‬
‫فهذا ما يتعلق بباب النداء‪ ،‬قرأناه وَشحناه من قطر الندى‪.‬‬
‫‪376‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ليذكر ابن هشام بعد ذلك شيئاا من لواحق النداء‪ ،‬ولواحق النداء متعددة‪ ،‬أشهرها ما ذكره ابن‬
‫هشام وهي‪ :‬الرتخيم‪ ،‬واالستغاثة والندبة‪ ،‬فبدأ ابن هشام بالكالم عىل الرتخيم‪ ،‬فقال رمحه اَّلل‬
‫تعاىل‪:‬‬
‫ِ‬
‫املعرفة‪ ،‬وهو حذف آخره ختفي افا)‬ ‫فصل‪ :‬وجيوز ت ْر ِخيم املنادى‬
‫( ٌ‬
‫فالرتخيم كَم ذكر ابن هشام هو‪ :‬حذف آخر املنادى ختفي افا‪ ،‬فتقول يف (يا مالك تعال)‪ :‬يا ِ‬
‫مال‬
‫تعال‪ ،‬فتحذف احلرف األخري‪ ،‬وتقول يف (يا سعاد تعايل)‪ :‬يا سعا تعايل‪ ،‬فتحذف احلرف‬
‫األخري‪.‬‬

‫فقوله‪( :‬حذف آخره) يدل عىل أن املحذوف للرتخيم ال يكون إال يف آخر املنادى‪ ،‬واألغلب أن‬
‫سنفصل املسألة‪ ،‬كقولك‪ :‬يا‬
‫ن‬ ‫يكون حر افا واحدا ا كَم م نثلنا قبل قليل‪ ،‬وقد يكون حرفني كَم‬
‫منصو يف (يا منصور)‪.‬‬

‫خاص يف املنادى دون غريه‪ ،‬فال جيوز يف غري النداء أن تقول‪:‬‬


‫وقوله‪( :‬املنادى) يعني أن الرتخيم ٌ‬
‫جاء ِ‬
‫مال تريد (جاء ٌ‬
‫مالك)‪ ،‬إال يف ذروة الشعر‪.‬‬

‫وقوله‪( :‬ختفي افا) هذا بيان لغرض الرتخيم‪ ،‬فائدة الرتخيم‪ ،‬واحلقيقة أن التخفيف هو أهم فوائد‬
‫ٌ‬
‫غرض كثري يف الرتخيم‪،‬‬ ‫ا‬
‫أغراضا وفوائد أخرى‪ ،‬كالتحبب؛ وهو‬ ‫وأغراض الرتخيم‪ ،‬لكن له‬
‫خاص اة عند نداء الزوجة واألوالد‪ ،‬فيكون الغرض من ذلك التحبب كَم جاء يف احلديث أنه‬
‫يرخم اسم عائشة فيقول‪ :‬يا عائش تعايل‪ ،‬يقول‪ :‬يا عائش‪ ،‬ال يقول‪:‬‬
‫عليه الصالة والسالم كان ن‬
‫يا عائشة‪.‬‬

‫وقد يكون من األغراض‪ :‬الداللة عىل الضعف كأنه عاجزٌ عن إكَمل لفظ املنادى‪ ،‬ويم نثلنا لذلك‬
‫ض عل ْينا ر ُّبك [الزخرف‪ ،]77:‬وقراءة اجلمهور‪﴿ :‬يا‬ ‫ال لِي ْق ِ‬
‫قراءة ابن مسعود‪﴿ :‬وناد ْوا يا م ِ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪377‬‬

‫مالِك بال ترخيم‪ ،‬قال ابن عباس‪ :‬ما كان أشغل أهل النار عن الرتخيم‪ ،‬وع نللوا هذه القراءة‬
‫بأهنا تدل عىل ضعف أهل النار عن إكَمل اسم مالك‪.‬‬

‫خاص باملنادى‪ ،‬لكن هل كل املنادى‬


‫هنا مسألة مهمة أشار إليها ابن هشام‪ ،‬عرفنا أن الرتخيم ٌ‬
‫رخم من املنادى إال شيئان فقط‪ ،‬ما مها؟ األول‪ :‬العلم‪ ،‬والثان‪ :‬النكرة‬
‫رخم؟ اجلواب‪ :‬ال‪ ،‬ال ي ن‬
‫ي َّ‬
‫يرخم مطل اقا‪ ،‬الضَمئر‪ ،‬أسَمء اإلشارة‪ ،‬األسَمء املوصولة‪ ،‬املعرف‬
‫املقصودة‪ ،‬طيب وغريمها؟ ال ن‬
‫رخم‪.‬‬
‫بـ(ال)‪ ،‬النكرة غري املقصودة‪ ،‬هذه كلها ال ت ن‬

‫رخم يف حالة واحدة‪ :‬إذا كانت خمتوم اة بتاء‬


‫واخلالصة يف باب الرتخيم‪ :‬أن النكرة املقصودة ت ن‬
‫تأنيث‪ ،‬فرتخيمها يكون بحذف تاء التأنيث‪ ،‬مثال ذلك أن تنادي ا‬
‫مثال‪ :‬يا جارية‪ ،‬تنادي اجلارية‪،‬‬
‫فتقول‪ :‬يا جارية تعايل أو يا جاري تعايل‪ ،‬ويم نثلون لذلك بأن تنادي ثبتاا من الناس –يعني‬
‫جمموعة من الناس‪ -‬فتقول‪ :‬يا ثبت تعالوا أو يا ثب تعالوا‪ ،‬فهذا نداء النكرة املقفودة بالرتخيم‪.‬‬

‫وأما نداء العلم –وهو األكثر‪ ،-‬فنداء العلم له حالتان‪:‬‬

‫خمتوما بتاء التأنيث‪ ،‬فرتخيمه يكون بحذف تاء الرتخيم مطل اقا‪ ،‬يعني‬
‫ا‬ ‫‪ -‬األوىل‪ :‬أن يكون‬

‫جيوز عىل كل حال‪ ،‬فتقول يف طلحة‪ :‬يا طلح تعال‪ ،‬ويف معاوية‪ :‬يا معاوي تعال‪ ،‬ويف‬

‫فاطمة‪ :‬يا فاطم تعايل‪.‬‬

‫مضموما غري ثالثي‪ ،‬برشط أن يكون‬


‫ا‬ ‫‪ -‬وإذا مل يكن فيه تاء التأنيث‪ :‬فري نخم برشط أن يكون‬

‫مبني عىل الواو‪:‬‬


‫مضموما‪ :‬يعني مبني عىل الضم‪ ،‬لو كان مبن ايا عىل األلف‪ :‬يا ُممدان‪ ،‬أو ٌ‬
‫ا‬
‫مضموما؛ يا مالك‪ ،‬يا حارث‪ ،‬وأن يكون غري‬
‫ا‬ ‫رخم‪ ،‬ال بد أن يكون‬
‫يا ُممدون‪ ،‬هذا ال ي ن‬

‫رخم؛ ألن‬
‫ثالثي‪ ،‬فلو كان ثالث ايا نحو‪ :‬يا بكر‪ ،‬ويا زيد‪ ،‬ويا هند‪ ،‬ويا دعد‪ ،‬فهذا ال ي ن‬

‫رخم مطل اقا بحذف آخره‪ ،‬فتقول يف (يا‬


‫الرتخيم سيجحف به‪ ،‬أما غري الثالثي فإنه ي ن‬
‫‪378‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫مالك)‪ :‬يا ِ‬
‫مال تعال‪ ،‬ويف (يا زينب)‪ :‬يا زين تعايل‪ ،‬ويف (يا كَمل)‪ :‬يا كَم تعال‪ ،‬ويف (يا‬

‫سعاد)‪ :‬يا سعا تعايل‪.‬‬

‫فهذه خالصة الرتخيم التي سيذكرها ابن هشا ٍم فيقول‪:‬‬

‫(فذو التاء مطلق اا كـ (يا طلح) و (يا ثب)‬

‫يقول‪ :‬العلم والنكرة املقصودة متى كان فيهَم تاء التأنيث فإن ترخيمهَم جائزٌ مطل اقا بال َشط‪،‬‬
‫علَم كان أو نكر اة مقصودة‪ ،‬ثالث ايا كان أو أكثر‪ ،‬فتقول يف طلحة‪ :‬يا طلح‪ ،‬ويف محزة‪ :‬يا محز‪ ،‬ويف‬
‫ا‬
‫ثبة –بمعنى مجاعة‪ :-‬يا ثب تعالوا‪ ،‬ويف هبة –اسم امرأة‪ -‬تقول‪ :‬يا هب تعايل‪ ،‬مع أنه سيبقى‬
‫عىل حرفني‪ ،‬فذو التاء جيوز ترخيمه مطل اقا‪ ،‬وهذا كثري يف كالم العرب‪:‬‬

‫رص ِمي فأ ْمج ِيل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫وإِ ْن كنْت قدْ أزم ْعت ْ‬ ‫أفـاطِــــم م ْ‬
‫ــهــــ ا‬
‫ال بـ ْعــــض هــــذا‬
‫التَّـد ُّلل‬
‫اهلزبر أخ ِ‬
‫اك بِ ْشـرا‬ ‫ِ‬ ‫ت بِب ْط ِن خـب ٍ‬
‫أفاطِم لو ش ِهدْ ِ‬
‫وقدْ القى ْ‬ ‫ـت‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬

‫ثم قال ابن هشام‪:‬‬


‫ٍ‬
‫أحرف ك(يا جعف)‬ ‫(وغريه برشط ض يمه‪ ،‬وعل ِم َّيتِه‪ ،‬وجماوزته ثالثة‬

‫رخم إال بثالث َشوط‪:‬‬


‫غريه يقصد‪ :‬غري املختوم بتاء تأنيث‪ ،‬فغري املختوم بتاء تأنيث ال ي ن‬

‫‪ -‬الرشط األول‪ :‬أن يكون منادى مبني عىل الضم‪ ،‬هذا ماذا خيرج؟ املنصوب‪ ،‬املبني عىل‬

‫الضم خيرج املنادى املنصوب‪ ،‬مثل‪ :‬يا عبد اَّلل‪ ،‬وخيرج املنادى املبني عىل األلف‪ ،‬كـ‪ :‬يا‬

‫ُممدان‪ ،‬واملبني عىل الواو‪ ،‬كـ‪ :‬يا ُممدٌ ‪.‬‬

‫علَم‪ ،‬وهذا خيرج النكرة املقصودة‪ ،‬مثل‪ :‬يا رجل ويا رجال‪ ،‬بَم‬
‫‪ -‬الرشط الثان‪ :‬أن يكون ا‬
‫رخم‪.‬‬
‫أنه ليس فيه تاء التأنيث هذا ما ي ن‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪379‬‬

‫‪ -‬الرشط الثالث‪ :‬أن يكون أكثر من ثالثة أحرف‪ ،‬يعني عىل أربع أو مخسة أو ستة أحرف‪،‬‬

‫وهذا خيرج الثالثي‪ ،‬كـ‪ :‬يا زيد‪ ،‬ويا بكر‪ ،‬ويا هند‪ ،‬وال تؤخر‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬يا جعفر تقول‪:‬‬
‫حار تعال‪ ،‬ويا سالك‪ :‬يا ِ‬
‫سال تعال‪ ،‬ويا كَمل‪ :‬يا كَم تعال‪،‬‬ ‫يا جعف تعال‪ ،‬يا حارث‪ :‬يا ِ‬

‫ويا زينب‪ :‬يا زين تعايل‪ ،‬ويا حنان –اسم امرأة‪ :-‬يا حنا تعايل‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫ثم قال ابن هشام‪:‬‬

‫ك(يا جعف) ض اَم وفتح اا)‬

‫ذكر أن يف الرتخيم لغتني‪:‬‬

‫‪ -‬اللغة األوىل‪ :‬يسموهنا‪ :‬لغة من ال ينتظر‪ ،‬وذلك بحذف آخر املنادى‪ ،‬ونقل حركة البناء‬

‫إىل ما قبله‪ ،‬فتقول يف (يا حارث)‪ :‬نحذف الثاء‪ ،‬ثم ننقل الضمة التي عىل الثاء إىل الراء‬

‫التي قبلها‪ ،‬فنقول‪ :‬يا حار تعال‪ ،‬ويف (يا زينب) نقول‪ :‬يا زين تعايل‪.‬‬

‫‪ -‬واللغة األخرى‪ :‬يسموهنا‪ :‬لغة من ينظر‪ ،‬وهي األكثر يف كالم العرب‪ ،‬تكون بحذف‬

‫اآلخر وإبقاء ما قبله عىل حاله‪ ،‬يعني كأن احلرف األخري موجود‪ ،‬فتقول يف (يا حارث)‪:‬‬
‫حار تعال‪ ،‬ويف (يا زينب)‪ :‬يا زين تعايل‪ ،‬نقول‪ :‬لغة من ينتظر؛ ألنك إذا قلت‪ :‬يا ِ‬
‫حار‬ ‫يا ِ‬

‫فاملستمع ما زال ينتظر الثاء‪ ،‬لكن إن قلت‪ :‬يا حار وهو يعلم أنك تنادي رجل اسمه‬
‫حارث‪ ،‬إذا قلت‪ :‬يا حار علم مباَش اة أنك ن‬
‫رمخت‪ ،‬فال ينتظر الثاء‪.‬‬

‫فنقول يف (يا عائشة)‪:‬‬

‫‪ -‬وعىل األخرى‪ :‬يا عائش‪.‬‬ ‫‪ -‬عىل اللغة األكثر‪ :‬يا عائش تعايل‪.‬‬

‫ونقول يف (يا هرقل)‪:‬‬


‫‪380‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ -‬وعىل األخرى‪ :‬يا هرق تعال‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫‪ -‬عىل األكثر‪ :‬هرق تعال‪.‬‬

‫ثم قال ابن هشام‪:‬‬


‫ِ‬
‫حرفان)‬ ‫ٍ‬
‫ومسكني)‬ ‫ٍ‬
‫ومنصور‬ ‫(وحيذف من نحو (سليَمن‬

‫ذكر ابن هشام أن األصل يف الرتخيم أن نحذف احلرف األخري فقط‪ ،‬لكن قد حيذف حرفان إذا‬
‫كانا ما قبل اآلخر حرف ٍ‬
‫مد قبله أكثر من حرفني‪ ،‬إذا كان املنادى قبل آخر حرف مد (ألف‪ ،‬أو‬
‫نرخم؟ بحذف‬ ‫ٍ‬
‫فحينئذ كيف ن‬ ‫واو‪ ،‬أو ياء)‪ ،‬وحرف املد مسبوق بأكثر من حرفني‪ :‬ثالثة أو أكثر‪،‬‬
‫احلرف األخري وبحذف حرف املد م اعا‪.‬‬

‫نرخم بحذف النون واأللف فنقول‪:‬‬


‫مثل‪( :‬يا سلَمن) ن‬

‫‪ -‬وعىل األخرى‪ :‬يا سلم تعال‪.‬‬ ‫‪ -‬عىل اللغة األكثر‪ :‬يا سلم تعال‪.‬‬

‫ومثل‪( :‬يا مسكني) نريد به اسم رجل علم‪ ،‬ال نريد به نكرة مقصودة‪ ،‬مسكني من املساكني‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪:‬‬ ‫رخم‪ ،‬لكن اسم رجل‪ ،‬فنقول‬
‫هذا ال ي ن‬

‫– وعىل األخرى‪ :‬يا مسك تعال‪.‬‬ ‫ِ‬


‫مسك تعال‪.‬‬ ‫‪ -‬عىل اللغة الكثرية‪ :‬يا‬

‫ويف (يا منصور) سنحذف الراء والواو‪ ،‬فنقول‪:‬‬

‫أيضا‬
‫‪ -‬وعىل اللغة األخرى‪ :‬يا منص تعال ا‬ ‫‪ -‬عىل اللغة الكثرية‪ :‬يا منص تعال‪.‬‬

‫فاتفقت اللغتان هنا ألن ما قبل حرف املد مضموم‪ ،‬ومن ذلك عثَمن ومروان وُممود‪ ،‬لكن‬
‫رخم بحذف احلرف األخري قط دون املد؛ ألن ما قبل املد حرفني‪ ،‬فلو‬
‫(كَمل) كيف ننرمخه؟ ي ن‬
‫حذفنا احلرف األخري واملد أجحفنا الكلمة‪ ،‬نقول‪ :‬يا كَم تعال‪ ،‬و(سعاد)‪ :‬يا سعا تعايل‪،‬‬
‫و(سعيد)‪ :‬يا سعي تعال‪.‬‬

‫من الشواهد عىل ذلك قول الفرزدق‪:‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪381‬‬

‫ورهبا مل ييأس‬
‫ت ْرجو احلباء ن‬ ‫يا م ْرو إِ َّن مطِ َّيتِي ْ‬
‫ُمبوس ٌة‬

‫وقول اآلخر‪:‬‬

‫غريي ا َّلذي كان يذكر‬


‫أهذا امل ُّ‬ ‫ِقفي فاِنظري أسَمء هل ت ِ‬
‫عرفينه‬

‫رخم بحذف اهلمزة واأللف‪ ،‬فحذف حرفني‪.‬‬


‫رخم‪ ،‬طب اعا ن‬
‫يريد‪( :‬يا أسَمء) لكنه ن‬

‫ثم قال ابن هشام‪:‬‬

‫(ومن نحو م ْع ِد ْيك ِرب الكلمة الثانية) هذا معطوف عىل قوله‪( :‬وحيذف من نحو (سليَمن))‬
‫يعني حيذف من نحو (سلَمن) حرفان‪ ،‬وحيذف من نحو (معديكرب) الكلمة الثانية‪ ،‬يعني أن‬
‫املركنب املزجي عند ترخيمه يكون ترخيمه بحذف الكلمة الثانية كلها‪:‬‬

‫ونرخم نقول‪ :‬يا معدي تعال‪ ،‬عىل اللغتني‪.‬‬ ‫‪ -‬فعندما ننادي ا‬


‫رجال اسمه (معديكرب) ن‬
‫آت ِ‬
‫إليك‪.‬‬ ‫آت ِ‬
‫إليك‪ ،‬أو يا حرض إن ٌ‬ ‫‪ -‬وعندما ننرخم (يا حرض موت) سنقول‪ :‬يا حرض إن ٌ‬

‫‪ -‬ويف (بعلبك) نقول‪ :‬يا بعل‪ ،‬ويا بعل‪ ،‬ويف (خالويه) نقول‪ :‬يا خال ويا خال‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫وهنا تنبيه‪ :‬ملاذا مل يتكلم ابن هشام عىل ترخيم املركب اإلضايف؟ بينَم تكلم عىل املركب املزجي؟‬
‫خاص بالعلم املضموم‪ ،‬أما العلم‬ ‫رخم ا‬
‫أصال؛ ألن الرتخيم كَم عرفنا ٌ‬ ‫أما املركب اإلضايف فال ي ن‬
‫ولو كان مضا افا مرك ابا إضاف ايا كـ عبد اَّلل‪ -‬فهذا منصوب‪ ،‬ال يضم‪.‬‬

‫طيب واملركب املزجي؟ املركب املزجي ال‪ ،‬عند ندائه سيضم‪ ،‬ستقول‪ :‬يا معديكرب تعال‪ ،‬يا‬
‫حرضموت؛ ألن املركب املزجي جيب عىل الكلمتني يف حكم الكلمة الواحدة‪ ،‬بخالف املركب‬
‫اإلضايف فكل كلمة تبقى عىل قوهتا وانفرادها‪ ،‬لكن نضيف إحدامها إىل األخرى‪.‬‬

‫أيضا من‬
‫فهذا ما يتعلق بباب الرتخيم‪ ،‬لينتقل ابن هشام رمحه اَّلل إىل االستغاثة والندبة‪ ،‬ومها ا‬
‫توابع النداء‪.‬‬
‫‪382‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫فبدأ ابن هشام رمحه اَّلل بالكالم عىل االستغاثة فقال‪:‬‬


‫ِ‬
‫املعطوف الذي‬ ‫( ٌ‬
‫فصل‪ :‬ويقول املستغيث‪( :‬يالـله للمسلمني) بفتح الم املستغاث به‪ ،‬إال يف الم‬
‫للعجب العجي ِ‬
‫ب)‬ ‫ِ‬ ‫مل يتكرر معه (يا)‪ ،‬نحو (يا زيد ٍ‬
‫لعمرو) و (يا قو ِم‬

‫أسلوب االستغاثة هو‪ :‬نداء من خي نلص من شدة أو يعني عىل دفعها‪ ،‬وجدت شدة أو مصيبة‬
‫ٍ‬
‫شخص ما‪ ،‬فأردت من آخر أن يساعده‪ ،‬إما أن خي نلصه من هذه الشدة أو يعينه عىل‬ ‫نزلت عىل‬
‫دفعها‪ ،‬فإذا أردت األسلوب املعتاد غري املباَش‪ ،‬فتقول‪ :‬يا ُممد ساعد خالدا ا‪ ،‬أو يا ُممد أغث‬
‫خالدا ا‪ ،‬هذا أسلوب يعني عام‪ ،‬ليس له حكم وأسلوب خاص يف اللغة‪.‬‬

‫وسَمه النحويني‪ :‬أسلوب‬ ‫ٍ‬


‫ألسلوب خاص مطرد وارد عن العرب‪ ،‬ن‬ ‫إنَم هذا الباب معقو ٌد‬
‫عرفناها قبل قليل‪ ،‬ومن الواضح أهنا غري االستغاثة اخلاصة باَّلل سبحانه وتعاىل‬
‫االستغاثة‪ ،‬كَم ن‬
‫يف العقيدة‪ ،‬مما ال يستطيع عليه غري اَّلل‪ ،‬لكنهم سموا هذه باالستغاثة يعني املعاونة واملساعدة‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬كقول عمر بن اخلطاب ريض اَّلل عنه عندما طعن‪ :‬يا َّلل للمسلمني‪ ،‬يعني‪ :‬يا اَّلل‬
‫يأت عىل هذا األسلوب‬ ‫أغث املسلمني‪ ،‬لو قال‪ :‬يا اَّلل أغث املسلمني هذا كالم معتاد‪ ،‬ومل ِ‬
‫ٍ‬
‫خلالد‪ ،‬يعني يا زيد أغث خالدا ا‪:‬‬ ‫اخلاص باالستغاثة‪ ،‬وتقول‪ :‬يا ٍ‬
‫لزيد‬

‫‪ ‬يا‪ :‬حرف استغاثة‪.‬‬

‫‪ ‬اَّلل‪ :‬املستغاث به‪.‬‬

‫‪ ‬املسلمني‪ :‬املستغاث له‪.‬‬

‫فأركان االستغاثة ثالثة‪:‬‬

‫‪ -‬حرف االستغاثة وهو (يا) خاص اة دون بقية أحرف النداء‪.‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪383‬‬

‫ٍ‬
‫خلالد‪،‬‬ ‫‪ -‬والركن الثالث‪( :‬املستغاث له) ويكون جمرورا بال ٍم مكسورة (لِلمسلمني)‪ ،‬يا لِ ٍ‬
‫زيد‬ ‫ا‬
‫جمرورا بال ٍم مكسورة‪.‬‬
‫ا‬ ‫دائَم يكون‬
‫فاملستغاث له ا‬
‫‪ -‬بقي الركن الثان وهو‪ :‬املستغاث به‪ ،‬وله ثالثة استعَمالت‪:‬‬

‫جره بال ٍم مفتوحة‪ ،‬وهذا هو األكثر‪ ،‬نحو‪ :‬يا َّلل للمسلمني‪ ،‬يا‬
‫‪ ‬االستعَمل األول‪ :‬ن‬
‫ٍ‬
‫خلالد‪.‬‬ ‫ل ٍ‬
‫زيد‬
‫ٍ‬
‫خلالد‪ ،‬نحذف‬ ‫‪ ‬االستعَمل الثان‪ :‬حذف الالم وزيادة ٍ‬
‫ألف يف آخره‪ ،‬فنقول‪ :‬يا زيدا‬
‫ٍ‬
‫خلالد‪ ،‬كقول الشاعر‪:‬‬ ‫الالم ونأيت بألف آخر املنادى املستغاث به‪ ،‬فنقول‪ :‬يا زيدا‬
‫و ِغناى ب ْعد فاق ٍة وهو ِ‬
‫ان‬ ‫يا ي ِزيدا آلم ٍل نيل ِعز‬
‫يعني يا يزيد أغث ا‬
‫آمال‪.‬‬
‫ٍ‬
‫خلالد‪ ،‬وهذا‬ ‫‪ ‬األسلوب الثالث‪ :‬حذف الالم ومعاملته معاملة املنادى‪ ،‬فنقول‪ :‬يا زيد‬

‫أقلها‪ ،‬ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬

‫وللغفالت ت ْع ِرض لألريب‬ ‫ج ِ‬


‫يب‬ ‫أال يا قو ِم لِلعج ِ‬
‫ب الع ِ‬

‫أسلوب خاص‪ ،‬وهي أن تنادي من تطلب منه أن يغيث غريه فيخلصه من الشدة‬
‫ٌ‬ ‫إ اذا فاالستغاثة‬
‫جمرورا بال ٍم مفتوحة‪ ،‬وله أسلوبان آخران‬
‫ا‬ ‫أو يدفعها عنه‪ ،‬وأشهر أساليبها‪ :‬أن تأيت باملستغاث به‬
‫أقل من ذلك‪.‬‬

‫ثم ذكر ابن هشا ٍم الندبة‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫(والنادب‪( :‬وا زيدا‪ ،‬وا أمري املؤمنينا‪ ،‬وا رأسا) ولك إحلاق اهلاء وقف اا)‬

‫معطوف عىل قوله‪( :‬املستغيث) يف قوله‪( :‬ويقول املستغيث) يعني يقول‬


‫ٌ‬ ‫قوله‪( :‬والنادب)‬
‫املستغيث‪ :‬كذا وكذا‪ ،‬ويقول النادب‪ :‬كذا وكذا‪ ،‬لكنه اخترص‪.‬‬
‫‪384‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫املتفجع عليه كميت أو إنسان‬


‫ن‬ ‫املتوجع منه‪،‬‬
‫ن‬ ‫املتفجع عليه‪ ،‬أو‬
‫ن‬ ‫أسلوب الندبة املراد به‪ :‬هو نداء‬
‫مثال من العقالء أو غري العقالء‪ ،‬لو أصيب الدين ا‬
‫مثال أو اللغة‬ ‫أصيب بمصيبة أو نحو ذلك‪ ،‬ا‬
‫املتوجع منه الذي يؤملك‪:‬‬
‫ن‬ ‫العربية أو بيتك أو نحو ذلك أو سيارتك‪ ،‬فتتوجع عىل ذلك‪ ،‬أو‬
‫تفجع عليه نحو‪ :‬واإسالماه‪،‬‬
‫رأسك‪ ،‬ظهرك‪ ،‬نحو ذلك‪ ،‬فنداء هذين الشيئني يسمونه ندبة‪ ،‬فامل ن‬
‫وكقول جرير لعمر بن عبد العزيز بعد وفاته‪:‬‬

‫وق ْمت فِ ِيه بِأ ْم ِر اَّللَِّ يا عمرا‬ ‫ربت له‬


‫اصط ْ‬
‫ِ‬
‫محلت أ ْم ارا عظ ايَم ف ْ‬

‫ينبده‪ ،‬ال يناديه‪.‬‬

‫واملتوجع منه كقولك‪ :‬وارأساه‪ ،‬واظهراه إذا آملك‪ ،‬إ اذا فأسلوب الندبة ركنان‪:‬‬

‫‪ -‬األول‪ :‬حرف الندبة‪ ،‬ومها حرفان‪ :‬األول‪( :‬وا) وهو األكثر واألشهر‪ ،‬والثان‪( :‬يا)‬

‫برشط عدم اإللباس بالنداء املعتاد‪.‬‬

‫‪ -‬والركن الثان‪ :‬املندوب‪ ،‬وجيوز فيه استعَمالن‪:‬‬

‫‪ ‬االستعَمل األول‪ :‬كاملنادى املعتاد وهذا قليل‪ ،‬كأن تقول‪ :‬واعمر‪ ،‬وارأس‪ ،‬واإسالم‪.‬‬
‫‪ ‬واآلخر وهو األكثر واألشهر‪ :‬زيادة ٍ‬
‫ألف يف آخره‪ ،‬تقول‪ :‬واعمرا‪ ،‬واإسالما‪،‬‬

‫واظهرا‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫ثم قال ابن هشام‪:‬‬

‫(ولك إحلاق اهلاء وقف اا)‬

‫هاء بعد ألف الندبة عند الوقف دون الوصل‪،‬‬


‫يعني‪ :‬جيوز إذا وقفت عىل املندوب أن تلحق ا‬
‫فتقول‪ :‬واعمرا أو واعمراه‪ ،‬واإسالما أو واإسالماه‪ ،‬واظهرا أو واظهراه‪ ،‬هذه اهلاء يسموهنا‬
‫الوقف‪ ،‬وهي هاء ساكنة‪ ،‬والغرض منها والفائدة منها إظهار األلف قبلها‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪385‬‬

‫وعند الوصل جيب حذف اهلاء‪ ،‬فتقول‪ :‬يا عمرا رمحك اَّلل‪ ،‬لكن يف الشعر جيوز أن تثبت هذه‬
‫اهلاء وتضم‪ ،‬كقول الشاعر‪:‬‬

‫بج ْسمي وحايل ِعنده سقم‬


‫وم ْن ِ‬ ‫واح نر ق ْلباه مم ن ْن ق ْلبه شبِم‬

‫والندبة‪ :‬ألف الندبة قد تلحق آخر ملنادى املضموم‪ ،‬كقوله‪ :‬يا عمرا‪ ،‬أو املنصوب املضاف‬
‫ٍ‬
‫ُممد‪ ،‬تقول‪ :‬يا صديق ُممداه‪ ،‬أو ندبة أمري املؤمنني‪ :‬يا أمري‬ ‫كقولك ا‬
‫مثال يف ندبة صديق‬
‫املؤمنينا‪ ،‬وقد تلحق الصفة فتقول‪ :‬يا ُممد الفاضال‪ ،‬أو يا ُممد الفاضاله‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فهي‬
‫نداء معتا ادا وإنَم هو نداء ندبة‪.‬‬
‫ألف وهاء عند الوقف‪ ،‬لبيان أن النداء ليس ا‬
‫فهذا ما يتعلق بالنداء وبلواحقه‪ ،‬وبه ينتهي الكالم عن املفعول به‪ ،‬فبعد أن انتهى ابن هشام رمحه‬
‫اَّلل من الكالم عن املفعول به وأدخل فيه املنادى انتقل إىل املفعول الثان وهو‪ :‬املفعول املطلق‪.‬‬

‫قال رمحه اَّلل‪:‬‬

‫(واملفعول املطلق‪ ،‬وهو املصدر الف ْضلة املس يلط عليه ٌ‬


‫عامل من لفظه ك(رض ْبت رض ابا)‪ ،‬أو من‬
‫جلوسا)‬
‫ا‬ ‫معناه ك(قعدت‬

‫سبق يف َشح املبتدأين َشح املفعول املطلق‪ ،‬وأنه من أوضح األبواب‪ ،‬وله عالق ٌة قوي ٌة باللفظ؛‬
‫مصدرا ومنصو ابا‪ ،‬وأن يسبق‬‫ا‬ ‫ألنه املصدر املنصوب بعد فعله‪ ،‬فبان من الرشح أنه ال يكون إال‬
‫بفعله‪ ،‬واألمثلة عىل ذلك كثرية كقوله سبحانه‪﴿ :‬وك َّلم اَّللن موسى تكْلِ ايَم [النساء‪،]164:‬‬
‫ال [املزمل‪﴿ ،]4:‬وقولوا ق ْوالا س ِديدا ا [األحزاب‪﴿ ،]70:‬وف َّض ْلناه ْم عىل‬
‫﴿ورت ِيل ا ْلق ْرآن ت ْرتِي ا‬
‫اهلِ َّي ِة األوىل [األحزاب‪،]33:‬‬
‫اجل ِ‬
‫ربج ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫كثري يمم َّ ْن خل ْقنا ت ْفضيال [اإلرساء‪﴿ ،]70:‬وال ت َّ‬
‫رب ْجن ت ُّ‬
‫وكقول الشاعر‪:‬‬
‫ِ‬
‫الوجد تستعر استعارا‪.‬‬ ‫ونار‬ ‫ات تنه ِمر ْ ِ‬
‫اهنَمرا‬ ‫د ِع العرب ِ‬
‫‪386‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫كثري يف كالم العرب‪.‬‬


‫وهو ٌ‬
‫ون نبه ابن هشام يف التعريف إىل أن الفعل الذي ينصب ملفعول املطلق قد يكون من لفظه كأكثر ما‬
‫سبق‪ ،‬وقد يكون من معناه؛ يعني أن معنى الفعل ومعنى املفعول املطلق يف اإلمجال واحد‪،‬‬
‫جلوسا‪ ،‬أو قمت وقو افا‪ ،‬فمعنى اجللوس والقعود يف اإلمجال واحد وإن كان‬
‫ا‬ ‫كقولك‪ :‬قعدت‬
‫(كالما) ليس مصدر (تكلمت) ليس‬ ‫ا‬ ‫كالما‪ ،‬فإن‬
‫ا‬ ‫خيتلف يف التفصيل‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬تكلمت‬
‫تكليَم‪ ،‬مثل‬
‫ا‬ ‫كقوله تعاىل‪﴿ :‬وك َّلم اَّللن موسى تكْلِ ايَم ‪ ،‬فالتكليم مصدر ك نلم‪ :‬ك نلم‪-‬يك نلم‪-‬‬

‫ح نطم حي نطم حت ا‬
‫طيَم‪ ،‬أما (الكالم) فهو اسم مصدر؛ ألنه ال يوافق الفعل يف احلروف‪ ،‬فنقول‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪ :‬إن الفعل الذي نصبه ليس فعله‪ ،‬ليس من لفظه ولكن من معناه؛ ألن التكلم والكالم من‬
‫معنى واحد‪.‬‬

‫ا‬
‫اغتساال الذي نصب‬ ‫ا‬
‫اغتساال‪ ،‬فاغتسلت‬ ‫ا‬
‫غسال‪ ،‬بخالف اغتسلت‬ ‫وكذلك‪ :‬اغتسلت‬
‫ا‬
‫(غسال) فعله (غسل) ال (اغتسل)‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫ا‬
‫(اغتساال) فعله (اغتسل)‪ ،‬ولكن اغتسلت ا‬
‫غسال‬
‫قوله تعاىل‪﴿ :‬واَّللَّ أنبتكم يمن األ ْر ِ‬
‫ض نباتاا [نوح‪ ،]17:‬ولو أتى بمصدر الفعل املذكور لكان‬
‫يقال يف الكالم‪ :‬أنبتكم إنباتاا‪ ،‬لكنه قال‪ :‬أنبتكم نباتاا‪ ،‬مع أن النبات مصدر (نبت‪ :‬نباتاا) ألن‬
‫النبات واإلنبات بمعنى واحد‪.‬‬

‫وأنبه هنا إىل أن املفعول املطلق هو مفعول الفعل احلقيقي‪ ،‬وبقية املفاعيل ليست مفاعليه‬
‫ٌ‬
‫مفعول به‪ :‬يعني وقع الفعل عليه‪ ،‬يعني‬ ‫احلقيقية‪ ،‬فلهذا جتد أننا يف كل املفاعيل نق نيدها‪ ،‬هذا‬
‫ٌ‬
‫مفعول فيه‪ :‬يف زمانه أو يف مكانه‪،‬‬ ‫يشء آخر‪ ،‬فاملفعول به وقع عليه‪ ،‬أو‬
‫الفعل يشء واملفعول به ٌ‬
‫يعني هذا زمان أو مكان والفعل يشء‪ ،‬فالفعل يشء والزمان واملكان يشء آخر‪ ،‬وهكذا‪ ،‬أما‬
‫جلوسا‪:‬‬
‫ا‬ ‫املفعول املطلق فهو املفعول احلقيقي للفعل‪ ،‬ألنه هو الفعل‪ ،‬فقولك‪ :‬جلست‬
‫(اجللوس) هو معنى جلست‪ ،‬فأنت إذا قلت‪( :‬جلست) يعني ماذا فعلت؟ اجللوس‪ ،‬مهَم‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪387‬‬

‫قلت‪( :‬حفظت) يعني فعلت احلفظ‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فمهَم قلت‪( :‬حفظت) يعني أنك حفظت حف اظا‪،‬‬
‫جلوسا‪ ،‬حفظت حف اظا يعني فعلت حف اظا‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ا‬ ‫ما حفظت ا‬
‫أكال أو حفظت‬

‫ثم ذكر ابن هشام شيئاا من أحكام هذا الباب فقال‪:‬‬

‫اجلِدوه ْم ثَمنِني ج ْلد اة ‪﴿ ،‬فال متِيلو ْا ك َّل ا ْمل ْي ِل ‪،‬‬


‫(وقد ينوب عنه غريه ك(رضبته سوط اا)‪ ﴿ ،‬ف ْ‬
‫﴿ول ْو تق َّول عل ْينا ب ْعض األق ِ‬
‫اويل‬

‫مصدرا‪ ،‬وذكر ابن هشا ٍم هنا أن املصدر قد‬


‫ا‬ ‫سبق يف التعريف أن املفعول املطلق ال يكون إال‬
‫ينوب عنه غريه يف االنتصاب عىل املفعول املطلق‪ ،‬وهذا النائب عن املصدر ال بد أن يكون بينه‬
‫وبني املصدر عالق ٌة ومناسبة‪ ،‬وأشهر األشياء التي تنوب عن املصدر يف االنتصاب عىل املفعول‬
‫فـ(انتظارا)‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫طويال‪،‬‬ ‫انتظارا‬
‫ا‬ ‫املطلق أربعة أشياء‪ :‬األول‪ :‬صفته‪ ،‬فأنت إذا قلت ا‬
‫مثال‪ :‬انتظرت‬
‫ا‬
‫و(طويال) صفة املصدر‪ ،‬ثم جيوز لك يف‬ ‫ا‬
‫مفعوال مطل اقا‪،‬‬ ‫مصدر (انتظر)‪ ،‬وقد انتصب هنا‬
‫ا‬
‫طويال‪ ،‬فحذفت املصدر وأقمت صفته مقامه فأخذت إعرابه فانتصب‬ ‫الكالم أن تقول‪ :‬انتظرته‬
‫ا‬
‫مفعوال مطلق‪ ،‬وال نقول‪ :‬صفة؛‬ ‫ا‬
‫(طويال(‬ ‫عىل املفعول املطلق‪ ،‬وعىل ذلك نقول يف اإلعراب‪:‬‬
‫ألن املوصوف إذا حذف أخذت الصفة حكمه وإعرابه‪.‬‬

‫وهذا احلكم يف كل األبواب ليس هنا فقط‪ ،‬يف املفعول به يقول‪﴿ :‬و ْاسأ ِل‬
‫ا ْلق ْرية [يوسف‪ ،]82:‬ما إعراب ﴿ا ْلق ْرية ؟ مفعول به‪ ،‬مع أن املعنى والتقدير‪ :‬اسأل أهل‬
‫مضاف إليه‪ ،‬ثم حذفنا املضاف وقام املضاف إليه مقامه‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫القرية‪ ،‬أهل‪ :‬مفعول به‪ ،‬والقرية‪:‬‬
‫ات ؟ مفعول مطلق‪ ،‬وال‬ ‫ات [سبأ‪ ]11:‬ما إعراب ﴿سابِغ ٍ‬‫وكقوله تعاىل‪﴿ :‬أ ِن اعم ْل سابِغ ٍ‬
‫ْ‬
‫ٍ‬
‫سابغات‪ ،‬مع إن هذا هو املعنى‪ ،‬لكن‬ ‫دروعا‬ ‫نقول‪ :‬صفة ملفعول مطلق ُمذوف والتقدير‪ :‬اعمل‬
‫ا‬
‫حذف املفعول املطلق وقام النعت –الصفة‪ -‬أخذت مقامه‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫‪388‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫دائَم‪ ،‬يعني‪ :‬اجلس‬


‫ومن ذلك أن تقول‪ :‬رضبته شديدا ا‪ ،‬تعني‪ :‬رض ابا شديدا ا‪ ،‬وتقول‪ :‬اجلس هنا ا‬
‫قوال أحسن القول‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫دائَم‪ ،‬وتقول‪ :‬قلت له أحسن القول‪ ،‬يعني‪ :‬قلت له ا‬ ‫جلوسا ا‬
‫ا‬ ‫هنا‬
‫﴿وا ْذكروا اَّللَّ كثِ اريا َّلع َّلك ْم ت ْفلِحون [اجلمعة‪﴿ ]10:‬كثِ اريا ‪ :‬هذا مفعول مطلق‪ ،‬وكان يف‬
‫رصح به يف قوله تعاىل‪﴿ :‬يا أ ُّهيا ا َّل ِذين آمنوا ا ْذكروا اَّللَّ ِذك اْرا‬
‫األصل صفة ملفعول مطلق‪ ،‬وقد ي‬
‫كثِ اريا [األحزاب‪ ،]41:‬وهكذا‪.‬‬

‫الثان مما ينوب عن املصدر يف االنتصاب عىل املفعول املطلق‪ :‬كلمة (كل) و(بعض) املضافتني‬
‫ٍ‬
‫انتظار‪ ،‬فـ(بعض) مفعول مطلق وهو مضاف‪ ،‬و(انتظار)‪:‬‬ ‫إىل املصدر‪ ،‬كقولك‪ :‬انتظرته بعض‬
‫مضاف إليه‪ ،‬وتقول‪ :‬صربت عليه كل الصرب‪ ،‬ومثال ابن هشام‪﴿ :‬فال متِيلو ْا ك َّل‬
‫ٌ‬
‫ا ْمل ْي ِل [النساء‪﴿ ،]129:‬ول ْو تق َّول عل ْينا ب ْعض األق ِ‬
‫اويل [احلاقة‪.]44:‬‬

‫والثالث مما ينوب عن املصدر يف االنتصاب عىل املفعول املطلق‪ :‬عدده املضاف إىل املصدر‪ ،‬كأن‬
‫تقول‪ :‬رضبته مخسني رضب اة‪ ،‬عدده املميز باملصدر‪ ،‬كقولك‪ :‬رضبته مخسني رضب اة‪ ،‬املصدر‪:‬‬
‫رضبته رضب اة‪ ،‬لكن هنا جاء العدد فوقع موقع املفعول املطلق‪( ،‬رضبته مخسني) ثم م نيزته‬
‫بـ(رضبة) فصار فيه عالقة ومناسبة بني املصدر وبني ما ناب يف االنتصاب عن املفعول املطلق‪،‬‬
‫اجلِدوه ْم ثَمنِني ج ْلد اة [النور‪ ]4:‬وهذا الذي م نثل لنا به ابن هشام هلذه املسألة‪.‬‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬ف ْ‬

‫والرابع مما ينوب عن املصدر يف االنتصاب عىل املفعول املطلق‪ :‬آلته‪ ،‬اآللة التي يعمل هبا‬
‫سوط‪ ،‬ثم حذفت املصدر وأقمت آلته‬ ‫ٍ‬ ‫العمل‪ ،‬كقولك‪ :‬رضبته سو اطا‪ ،‬فاألصل‪ :‬رضبته رضب‬
‫مكانه فانتصب انتصابه‪ ،‬وكقول الناس اليوم‪ :‬رضبته ك افا‪ ،‬ويمكن أن نقيس عىل ذلك من‬
‫يقول‪ :‬قتلته سي افا‪ ،‬وما إىل ذلك‪.‬‬

‫وهنا تنبيه‪ :‬وهو أن بعض املعارصين يسمي ما ينوب عن املصدر يف االنتصاب عىل املفعول‬
‫املطلق‪ :‬نائب مفعول مطلق‪ ،‬وهذا ليس بصحيح‪ ،‬وال يذكره أحدٌ من النحويني‪ ،‬ليس يف النحو‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪389‬‬

‫يشء اسمه نائب مفعول مطلق‪ ،‬وإنَم هو من األمور التي ارتأى بعض املعارصين أنه أسهل‪،‬‬
‫لكنه جيعل الطالب ال يفهم حقيقة املسألة‪ ،‬وهو أن هذا النائب مل ينب عن املفعول املطلق وإنَم‬
‫ناب عن املصدر‪ ،‬فانتصب مباَش اة باملفعولية املطلقة فناب عن املفعول املطلق‪ ،‬فليس هناك‬
‫نائب يف النحو إال نائب الفاعل‪.‬‬

‫ثم نبه ابن هشام عىل شاهد قد يظن أنه من هذه املسألة‪ ،‬فقال‪( :‬وليس منه ﴿وكال ِمنْها‬
‫رغد اا [البقرة‪ )]35:‬يعني ليس مما ناب عن املصدر يف االنتصاب عىل املفعولية املطلقة هذه‬
‫اآلية؛ ألنه يرى أن التقدير ليس‪ :‬وكال منها ا‬
‫أكال رغدا ا‪ ،‬ثم حذفنا املصدر وأقمنا الصفة مكانه‪،‬‬
‫ولكنه يرى أن ﴿رغد اا ‪ :‬حال‪ ،‬حال من مصدر الفعل ﴿وكال يعني‪ :‬كال من اجلنة ا‬
‫أكال حال‬
‫كونه رغدا ا‪.‬‬

‫ا‬
‫تعليال معنو ايا‪،‬‬ ‫متابع لسيبويه وكثري من النحويني يف تعليلهم هذا اإلعراب‬
‫ٌ‬ ‫وهو يف هذا‬
‫كثريا من املحققني أجازوا يف اآلية الوجهني‪ :‬أن تكون ا‬
‫حاال من مصدر الفعل املذكور‪،‬‬ ‫ولكن ا‬
‫وهذا أقوى يف املعنى‪ ،‬وجيوز أن تكون صف اة نابت عن املصدر يف االنتصاب عىل املفعولية املطلقة‬
‫بمعنى‪ :‬وكال منها ا‬
‫أكال رغدا ا‪.‬‬

‫فهذا ما يتعلق باملفعول املطلق‪ ،‬ثم انتقل بعده إىل املفعول له‪ ،‬فقال رمحه اَّلل‪:‬‬

‫ك(قمت إجالالا لك)‬ ‫(واملفعول له‪ :‬وهو املصدر املع يلل ِحلد ٍ‬
‫ث شاركه وقت اا وفاعالا‪،‬‬
‫ْ‬

‫أيضا من قبل‪،‬‬
‫أيضا‪ :‬املفعول من أجله‪ ،‬ويسمى املفعول ألجله‪ ،‬وسبق َشحه ا‬
‫املفعول له يسمى ا‬
‫إال أن ابن هشام يف هذا التعريف كَم سمعنا زاد قيو ادا حيتاج إىل أن نرشحها؛ إذ قال‪( :‬وهو‬
‫ال) فالنحويون يشرتطون يف املفعول ألجله أربعة‬ ‫املصدر املع يلل ِحلد ٍ‬
‫ث شاركه وقت اا وفاع ا‬
‫َشوط‪:‬‬
‫‪390‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫مصدرا‪.‬‬
‫ا‬ ‫‪ -‬الرشط األول‪ :‬أن يكون‬
‫معلال؛ يعني ا‬
‫داال عىل التعليل‪ ،‬وهذا واضح‪.‬‬ ‫‪ -‬والرشط الثان‪ :‬أن يكون ا‬

‫‪ -‬والرشط الثالث‪ :‬أن يشارك احلدث الذي علله يف الوقت‪ ،‬يعني يكون وقتهَم واحدا ا‪،‬‬

‫كالمها يف املايض أو كالمها يف احلال أو كالمها يف االستقبال‪.‬‬

‫‪ -‬والرشط الرابع‪ :‬أن يشارك احلدث الذي علله يف الفاعل‪ ،‬فيكون فاعلهَم واحدا ا ال خمتل افا‪.‬‬

‫احرتاما لك‪ ،‬فاملجيء حدث يف املايض‪ ،‬واحرتامك له حدث يف الزمن املايض‪،‬‬


‫ا‬ ‫نحو‪ :‬جئت‬
‫ِ‬
‫واملحرتم أنا‪ ،‬فأنا الفاعل هلَم‪.‬‬ ‫واجلائي أنا‬

‫بخالف قولك‪:‬‬

‫‪ -‬جئتك للعسل‪ ،‬فال جيوز هنا أن تنصب وتقول‪ :‬جئتك العسل؛ ألن العسل اسم وليس‬

‫مصدرا‪.‬‬
‫ا‬
‫‪ -‬وال تقول‪ :‬جئتك اليوم إكرامك غدا ا؛ ألن املجيء زمانه اليوم واإلكرام غدا ا‪ ،‬فتقول‪:‬‬

‫وترصح هبا‪.‬‬
‫ن‬ ‫جئتك اليوم إلكرامك غدا ا‪ ،‬فتجر بالالم‬

‫‪ -‬وال تقول‪ :‬جئتك حب ولدي إياك‪ ،‬وإنَم تقول‪ :‬جئتك حلب ولدي إياك؛ ألن اجلائي أنا‬

‫والذي فعل املفعول ألجله وهو احلب‪ :‬ولدي‪ ،‬فاختلفا يف الفاعل‪.‬‬

‫وسيرشح ابن هشام ذلك إن شاء اَّلل‪ ،‬ونقرأه بعد الصالة‪ ،‬واَّلل أعلم وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا‬
‫ُممد وعىل آله وأصحابه أمجعني‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪391‬‬

‫الدرس العاَش (اجلزء الثان)‪:‬‬

‫والسالم عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله‬


‫والصالة َّ‬
‫بسم اَّلل الرمحن الرحيم‪ ،‬احلمد َّلل رب العاملني‪َّ ،‬‬
‫وأصحابه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪...‬‬

‫فقد بدأنا بباب املفعول له‪ ،‬وقرأنا تعريفه عند ابن هشام وَشحناه‪ ،‬وعرفنا من التعريف أن‬
‫صح أن ينتصب املفعول له عىل‬
‫النحويني يشرتطون يف املفعول له أربعة َشوط‪ ،‬فإذا توافرت َّ‬
‫املفعولية ألجله‪.‬‬

‫‪ ‬فإذا انتفت هذه الرشوط أو بعضها‪ ،‬فكيف يكون احلكم؟ َّبني ذلك ابن هشا ٍم فقال‪:‬‬

‫يل‪ ،‬ن ْحو‪﴿ :‬خلق لك ْم [البقرة‪( ،"]29:‬وإِ ين‬ ‫ف ال َّت ْعلِ ِ‬


‫"فإِ ْن فقد املع يلل َش اطا جر بِحر ِ‬
‫َّ ْ‬ ‫ْ‬
‫ت لِن ْو ٍم ثِياهبا)"‪.‬‬
‫اك ِهزَّ ٌة)‪( ،‬وفجئْت وقدْ ن َّض ْ‬‫ون لِ ِذكْر ِ‬‫لت ْعر ِ‬

‫يعني أن االسم إذا فقد َش اطا من هذه الرشوط األربعة التي ذكِرت يف التعريف فال جيوز أن‬
‫بحرف من أحرف‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ أن جير‬ ‫مفعول له‪ ،‬وإن َّ‬
‫دل عىل التعليل‪ ،‬بل الواجب‬ ‫ٌ‬ ‫ينتصب عىل أنه‬
‫التعليل وأشهرها الالم‪.‬‬

‫ض‬‫فمثال الفاقد لرشط املصدرية‪ :‬قوله ‪-‬س ْبحانه وتعاىل‪﴿ :-‬هو ا َّل ِذي خلق لك ْم ما ِيف األ ْر ِ‬

‫يصح أن ينتصبوا‬ ‫مجِيعا [البقرة‪ ]29:‬فاملخاطبون ع َّلة خلق اَّلل ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ ،-‬ومع ذلك مل ِ‬
‫ْ‬ ‫ا‬
‫ا‬
‫مفعوال له؛ ألهنم ليسوا بمصدر بل ضمري‪.‬‬

‫وم َّثلنا لذلك من قبل؛ كأن تقول‪( :‬جئتك السمن)‪ ،‬أو (جئتك العسل) فال يصح؛ ألن‬
‫العسل)‪ ،‬أو بـ ِ‬
‫(م ْن)‬ ‫ِ‬ ‫جترها بالالم؛ (جئتك‬
‫أسَمء غري مصادر‪ ،‬فيجب أن ُّ‬
‫ٌ‬ ‫السمن والعسل‬
‫ِ‬
‫العسل)‪.‬‬ ‫(جئتك من ِ‬
‫أجل‬
‫‪392‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ومثال الفاقد الحتاد الزمان‪ :‬كأن تقول َّ‬


‫للطالب‪( :‬استذكروا للنجاحِ ) فالنجاح مصدر وهو‬
‫ٌ‬
‫مشارك له يف الوقت‪ ،‬بل االستذكار‬ ‫ع َّل ٌة لالستذكار‪ ،‬ولكن زمانه ليس زمان االستذكار‪ ،‬وال‬
‫جتره بالالم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫زمانه قبل زمان النجاح‪ ،‬فال يصح حينئذ أن ينتصب بل ُّ‬

‫وكقول الشاعر‪:‬‬

‫الس ْ ِرت َّإال لِ ْبسة املتف يض ِ‬


‫ــل‬ ‫ت لِن ْو ٍم ثِياهبـا‬
‫لـدى ي‬ ‫ف ِ‬
‫جئْت وقدْ ن َّض ْ‬
‫فالنوم ع َّلة النض‪ ،‬وهو نزع الثياب‪ ،‬ولكن زمان النوم وزمان النض خمتلف‪ُّ ،‬‬
‫فنض الثياب‬
‫ٌ‬
‫مفعول له‪ ،‬وإنَم جير بحرف تعليل‪.‬‬ ‫حينئذ أن ِ‬
‫ينتصب عىل أنه‬ ‫ٍ‬ ‫يكون قبل النوم‪ ،‬فال يصح‬

‫ومثال الفاقد الحتاد الفاعل‪ :‬كأن يقول األستاذ َّ‬


‫للطالب‪َ( :‬شحت للنجاحِ )‪ ،‬أو (َشحت‬
‫للفهمِ) فالفهم والنجاح مصدران‪ ،‬ولكن الفاعل خمتلف‪ ،‬فالفعل (َشحت) فاعله املتك يلم‬
‫ٍ‬
‫حينئذ أن‬ ‫األستاذ‪ ،‬والنجاح والفهم فاعلهَم َّ‬
‫الطالب؛ يعني لتفهموا‪ ،‬أو لتنجحوا؛ فال يصح‬
‫ِ‬
‫ينتصب عىل أنه مفعو ٌل له‪.‬‬

‫وكقول الشاعر الذي ذكره ابن هشام‪:‬‬

‫كــَم انْــتفض ا ْلع ْصــفور ب َّللــه‬ ‫اك ِهــزَّ ٌة‬


‫ــذكْر ِ‬
‫ون لِ ِ‬
‫وإِ ين لت ْعــر ِ‬
‫فالذكرى يعني التذكُّر‪ ،‬ع َّلة العرو يعني اإلصابة‪ ،‬يقول‪ :‬إن تصيبني إذا تذكَّرت ِ‬
‫ك ه َّزةٌ‪،‬‬ ‫ا ْلق ْطــــــــــــــــــــــــــر‬
‫فالتذكُّر الذكرى ع َّل ٌة للعرو‪ ،‬ولكن الفاعل خمتلف‪ ،‬ففاعل الذكرى للتذكُّر املتك يلم‪ ،‬أقول‪ :‬أنا‬
‫حينئذ أن ِ‬
‫ينتصب بل جير‬ ‫ٍ‬ ‫إذا تذكَّرتك‪ ،‬وفاعل العرو اإلصابة‪ِ ،‬‬
‫اهلزَّة هي التي تعروه‪ ،‬فال يصح‬
‫بحرف تعليل‪.‬‬

‫فهذا ما يتع َّلق بباب املفعول له‪.‬‬

‫أيضا بظرف‬ ‫ٍ‬


‫مفعول آخر وهو املفعول فيه‪ :‬واملفعول فيه كَم َشحنا هو املشهور ا‬ ‫‪ ‬لينتقل إىل‬
‫الزمان وظرف املكان‪ ،‬فقال ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪393‬‬

‫"وامل ْفعول فِ ِيه‪ ،‬وهو ما س يلط عل ْيه ع ِام ٌل عىل م ْعنى (يف) ِمن ْاسم ز ِ‬
‫مان كـ (ص ْمت ي ْوم‬
‫وعا)"‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أسب ا‬
‫اخلميس) أ ْو (حيناا)‪ ،‬أ ْو ( ْ‬

‫واملفعول فيه‪:‬‬

‫‪ -‬يشمل املفعول يف زمانه ويسمى ظرف الزمان‪.‬‬

‫سمى ظرف املكان‪.‬‬


‫‪ -‬ويشمل املفعول يف مكانه وي َّ‬

‫املسمى ظرف الزمان‪ ،‬وقد َشحنا‬


‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫تعريف من ابن هشام للمفعول يف زمانه‬ ‫والذي قرأناه هو‬
‫من قبل املفعول فيه بقسميه‪ :‬ظرف الزمان‪ ،‬وظرف املكان‪ ،‬وعندما قرأنا التعريف وجدنا أن ابن‬
‫هشام مل ِيزد شيئاا عىل ما ِ‬
‫َشح يف نحو املبتدئني‪.‬‬

‫إال أن متثيل ابن هشام هبذه األمثلة الثالثة مقصود كَم سيأيت؛‬

‫مبهَم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫خمتص باإلضافة؛ يعني ليس ا‬
‫ٍ‬
‫زمان‬ ‫‪ -‬فتمثيله بــ (ص ْمت ي ْوم اخل ِميس) ٌ‬
‫متثيل السم‬

‫‪ -‬ومتثيله لـ ( ِحيناا) يريد (ص ْمت حيناا)‪ ،‬متثيله السم الزمان املبهم ( ِحيناا) مل خي يصص ال‬
‫بوصف وال بإضافة‪.‬‬

‫املخصص واملق َّيد بالعدد‪.‬‬


‫َّ‬ ‫أسبوعا) ٌ‬
‫متثيل السم الزمان‬ ‫ا‬ ‫وعا) أي (صمت‬
‫أسب ا‬
‫‪ -‬ومتثيله بـ ( ْ‬

‫يصح أن يقع ظرف زمان إذا كان بمعنى (يف)‬


‫ُّ‬ ‫يريد أن يقول‪ :‬إن اسم الزمان بكل أنواعه‬
‫خمتصا بإضافة‪ ،‬أو وصف‪ ،‬أو بعدد‪.‬‬
‫مبهَم‪ ،‬أم كان ا‬
‫سواء أكان ا‬
‫ٌ‬

‫بخالف ظرف املكان الذي سيأيت فإنه أضيق؛ ألنه ال يكون إال باسم املكان املبهم دون اسم‬
‫املكان املحدود كَم سيأيت‪.‬‬
‫‪394‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ ‬ثم ذكر ابن هشام ظرف املكان فقال‪" :‬أ ِو ْاس ِم م ٍ‬


‫كان م ْبهم" عط افا عىل التعريف السابق؛‬
‫أي أن ظرف املكان ال يكون إال مبهَم؛ ألنه قال‪ْ ( :‬اس ِم م ٍ‬
‫كان م ْبهم)‪ ،‬واملراد باملبهم هو الذي ال‬ ‫ا‬
‫ٍ‬
‫بعدد معروف‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بحدود معروفة‪ ،‬أو‬ ‫خيتص‬
‫ُّ‬
‫فال يصح أن تقول‪( :‬جلست بيتاا)؛ يعني يف ٍ‬
‫بيت‪ ،‬أو (صليت مسجدا ا) يعني يف مسجد‪ ،‬أو‬
‫شارعا) يعني يف شارع؛ ألن هذه ليست مبهمة بل‬
‫ا‬ ‫(درست جامع اة) يعني يف جامعة‪ ،‬أو (مشيت‬
‫ُمدودة‪ُ ،‬مدودة يعني هلا حدود‪ ،‬فاملسجد معروف‪ ،‬هذا املسجد له حدود‪ ،‬والشارع معروف‬
‫حدوده معروفة‪ ،‬والبيت وهكذا‪.‬‬

‫أما ظرف الزمان املبهم فهو الذي ليس له حدود‪ ،‬لو سألتك عنه ما تستطيع أن حتدي ده؛‬
‫كقولنا‪( :‬أمام) أين األمام؟ ما تستطيع أن حتدي ده؛ ألنه خمتلف نسبي‪ ،‬بخالف املسجد‪ ،‬املسجد‬
‫معروف‪ ،‬هو املكان الذي حدي د وع يني إلقامة الصالة فيه ا‬
‫مثال‪ ،‬البيت الذي يبيت فيه اإلنسان‪،‬‬
‫وهكذا‪.‬‬

‫ُمصور‬ ‫‪ ‬ثم ذكر ابن هشام أن اسم املكان املبهم الذي جيوز أن ِ‬
‫ينتصب عىل الظرفية املكانية‬
‫ٌ‬
‫يف ثالثة أشياء فقال‪:‬‬
‫ني) وعك ِْس ِهن ونح ِو ِهن كـ ِ‬
‫(عنْد‪،‬‬ ‫ت كــ (األمام‪ ،‬والف ْو ِق‪ ،‬والي ِم ِ‬‫الس ُّ‬ ‫"وهو ِ‬
‫َّ ْ َّ‬ ‫اجلهات ي‬
‫اد ِير كـ (الف ْرسخِ )‪ ،‬وما ِصيغ ِم ْن م ْصد ِر ع ِاملِ ِه كـ (قعدْ ت م ْقعد ز ْي ٍد)"‪.‬‬
‫ولدى)‪ ،‬واملق ِ‬

‫منحرص يف هذه‬
‫ٌ‬ ‫فذكر ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬أن اسم املكان املبهم الذي يصح أن يقع ظرف مكان‬
‫األشياء الثالثة‪.‬‬

‫فاألول‪ :‬اجلهات الست‪ ،‬واملراد هبا‪ :‬اجلهات الستة النسبية وليست اجلغرافية‪ ،‬النسبية‪ :‬يعني‬
‫(أمام‪ ،‬وخلف‪ ،‬وفوق‪ ،‬وحتت‪ ،‬ويمني‪ ،‬ويسار)‪ ،‬أسَمء اجلهات النسبية؛ ألهنا ختتلف بالنسبة إىل‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪395‬‬

‫املضاف إليه‪( ،‬أمام زيد) خيتلف عن (أمام عمر) وهكذا‪ ،‬بخالف اجلهات اجلغرافية؛ فالشَمل‬
‫دائَم اجتاهه واحد‪ ،‬واجلنوب والرشق والغرب وهكذا‪.‬‬
‫ا‬
‫مكان مبهم‪ ،‬مثل‪ِ :‬‬
‫(عنْد) ختتلف باختالف املضاف إليه؛‬ ‫ٍ‬ ‫وما يف معناها‪ :‬يعني كل ما َّ‬
‫دل عىل‬
‫(عند ُممد) خيتلف (عند زيد) خيتلف (عند املسجد)‪.‬‬
‫ِ‬
‫القرية)‪،‬‬ ‫كذلك (لدى)‪ ،‬وكذلك (قبل‪ ،‬وبعد) إذا أضيافا إىل مكان؛ كقولك‪( :‬أنتظرك قبل‬
‫أو (أنتظرك بعد املسجد) وهكذا‪.‬‬

‫فتقول يف اجلهات النسبية‪( :‬جلست أمام األستاذ)‪ ،‬و(صليت خلف اإلمام)‪ ،‬و(اسرتحت‬
‫حتت الشجرة)‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫األمر الثان من أسَمء املكان املبهمة‪ :‬املقادير‪ ،‬ما َّ‬


‫دل عىل مقدار؛ كـ (سافرت ا‬
‫ميال)‪ ،‬أو‬
‫شربا) فهذه مقادير يصح أن تنتصب عىل الظرفية املكانية؛ ألهنا‬
‫(مشيت فرسخا ا)‪ ،‬أو (تقدَّ م ا‬
‫مبهمة‪ ،‬فإن امليل وإن كان معروف املقدار لكنه غري معروف املكان‪ ،‬ونحن نسأل عن اإلهبام‬
‫املكان‪ ،‬أين مكان امليل؟ خيتلف‪ ،‬أمر نسبي‪ ،‬ميلك الذي مشيته خيتلف عن مييل وهكذا‪.‬‬

‫والثالث من أسَمء املكان املبهمة‪ :‬ما صيغ من مصدر عامله؛ يعني اسم املكان الذي صيغ من‬
‫الفعل الواقع فيه‪ ،‬فهذا يدرس يف الرصف‪ ،‬اسم املكان‪ ،‬واسم الزمان‪ ،‬فاملكان الذي يفعل فيه‬
‫اجللوس نسميه من هذا الفعل (جملِس)‪( ،‬جملِس) اسم مكان للجلوس‪ ،‬واملكان الذي يفعل فيه‬
‫ِ‬
‫(موقف) وهكذا‪ ،‬اسم مكان‪.‬‬ ‫القعود نسميه (مقعد)‪ ،‬واملكان الذي يفعل فيه الوقوف نسميه‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ يكون من األسَمء‬ ‫فإذا أتيت باسم املكان هذا والذي وقع فيه فعله وليس شيئاا آخر‪،‬‬
‫املبهمة التي يصح أن تنتصب عىل الظرفية املكانية‪.‬‬
‫‪396‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫زيد) عىل أن جملِس اسم مكان؟‬


‫زيد) ما معنى‪( :‬جلست جملِس ٍ‬
‫كقولك‪( :‬جلست جملِس ٍ‬

‫مصدرا ميم ًيا‬


‫ا‬ ‫يعني جلست يف املكان الذي جلس فيه زيد‪ ،‬ليس (جلست جلوس زيد)‪ ،‬ليس‬
‫بمعنى املصدر‪ ،‬وإنَم اسم مكان‪.‬‬
‫ٍ‬
‫عمرو) يعني قعدت يف املكان الذي قعد فيه عمرو‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬وأنَّا كنَّا‬ ‫أو (قعدت مقعد‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ن ْقعد منْها مقاعد ل َّ‬
‫لس ْم ِع [اجلن‪ ]9:‬يعني يف مقاعد‪.‬‬

‫فهذا ما يتع َّلق باملفعول فيه بنوعيه‪.‬‬

‫‪ ‬ثم انتقل ابن هشام إىل املفعول معه فقال‪:‬‬

‫"وامل ْفعول معه‪ ،‬وهو ْاس ٌم ف ْضل ٌة ب ْعد و ٍاو أ ِريد ِهبا ال َّتن ِْصيص عىل امل ِع َّي ِة‪ ،‬م ْسبوق ٍة بِف ْع ٍل أ ْو ما‬
‫(رست والنييل)‪ ،‬و(أنا سائِ ٌر والنييل)"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فيه حروفه وم ْعناه كـ ْ‬
‫ِ ِ‬

‫وسبق الكالم عىل َشح املفعول معه‪ ،‬إال أن ابن هشا ٍم هنا زاد يف التعريف قيو ادا حتتاج إىل‬
‫َشحٍ وتعليق‪ ،‬فقوله‪ْ ( :‬اس ٌم) خي ِرج الفعل حتى ولو وقع هذا الفعل بعد واو املع َّية؛ كقوهلم‪( :‬ال‬
‫ا‬
‫مفعوال معه‪.‬‬ ‫تأكل السمك وترشب اللبن)؛ يعني مع َشبِك اللبن‪ ،‬فالفعل هنا ال يسمى‬

‫وقوله‪( :‬ف ْضل ٌة) يعني ال عمدة‪ ،‬وهذا خي ِرج نحو قوهلم‪( :‬اختصم زيدٌ وخالدٌ ) فخالد وقع‬
‫بعد واو بمعنى (مع)؛ يعني اختصم زيد مع خالد‪.‬‬

‫لكن (خالد) الواقع بعد هذه (الواو) عمدة؛ ألن الفعل اختصم يدل عىل مفاعلة‪ ،‬واملفاعلة ال‬
‫تقع إال من طرفني فأكثر‪ ،‬فاملعطوف واملعطوف عليه هنا عمدة؛ ألن الفعل حيتاج إىل طرفني‪،‬‬
‫فال يصح أن تقول‪( :‬اختصم زيدٌ ) وتسكت؛ كقولك‪( :‬ذهب زيدٌ )‪ ،‬و(نجح زيدٌ )‪.‬‬
‫ٍ‬
‫خالد) فهذا ال يعدُّ‬ ‫وقوله‪( :‬ب ْعد و ٍاو) خي ِرج ما بعد كلمة (مع)؛ كقولك‪( :‬جاء زيدٌ مع‬
‫ا‬
‫مفعوال معه‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪397‬‬

‫وقوله‪:‬‬

‫(أ ِريد ِهبا ال َّتن ِْصيص عىل امل ِع َّي ِة)‬

‫لي ِ‬
‫خرج نحو قولنا‪( :‬جاء زيدٌ وخالدٌ ) واو العطف‪ ،‬فإن واو العطف يقولون‪ :‬تدل عىل مطلق‬
‫الترشيك؛‬

‫أن املعطوف بعد املعطوف عليه‪.‬‬


‫‪ -‬وال تقتيض َّ‬

‫‪ -‬وال أن املعطوف قبل املعطوف عليه‪.‬‬

‫‪ -‬وال أن املعطوف مع املعطوف عليه‪.‬‬


‫ال تقتيض شيئاا من ذلك‪ ،‬بل قد يكونا فعل الفعل يف ٍ‬
‫وقت واحد (جاء زيدٌ وخالدٌ ) يعني‬
‫م اعا‪ ،‬فتقول‪( :‬جاء زيدٌ وخالدٌ )‪.‬‬

‫قد جييء زيدٌ وبعد مدَّ ة جييء خالد‪ ،‬فتقول‪( :‬جاء زيدٌ وخالدٌ ) أو العكس‪ ،‬يكون املعطوف‬
‫خالد هو الذي جاء ا‬
‫أوال‪ ،‬ثم جاء زيد فتقول‪( :‬جاء زيدٌ وخالدٌ ) فهذه العبارة صاحل ٌة لكل هذه‬
‫نصا يف املع َّية‪ ،‬وكان األكثر فيها أن األول قبل الثان لكن ال تقتضيه‪ ،‬ال تقتيض‬
‫املعان‪ ،‬فليست ً‬
‫نصا يف املع َّية‪.‬‬
‫هذا املعنى؛ فلهذا اشرتط أن تكون ً‬

‫ثم قال‪:‬‬

‫(م ْسبوق ٍة بِف ْع ٍل أ ْو ما فِ ِيه حروفه وم ْعناه)‬


‫(كل ِ‬
‫عاملٍ‬ ‫جندي وسالحه)‪ُّ ،‬‬
‫ٍّ‬ ‫(كل‬ ‫ٍ‬
‫رجل وضيعته) هذا األسلوب‪ُّ ،‬‬ ‫لي ِ‬
‫خرج نحو قوهلم‪ُّ :‬‬
‫(كل‬
‫ٍ‬
‫رجل مع ضيعته)‪ ،‬واخلرب كَم‬ ‫أيضا واو مع َّية‪ ،‬ونص يف املع َّية؛ يعني ُّ‬
‫(كل‬ ‫وطريقته) فالواو هنا ا‬
‫ٍ‬
‫رجل‬ ‫درسنا يف املبتدأ واخلرب ُمذوف وجو ابا يقدَّ ر بَم يدل عىل االقرتان والتالزم؛ يعني ُّ‬
‫(كل‬
‫‪398‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ٍ‬
‫بفعل‪،‬‬ ‫وضيعته) مقرتنان أو متالزمان‪ ،‬لكن (وضيعته) مسبوقة بمضاف ومضاف إليه‪ ،‬مل تسبق‬
‫وال بَم فيه معنى الفعل‪ ،‬والذي فيه معنى الفعل هي األسَمء العاملة عمل الفعل وستأيت‪.‬‬
‫والذي اجتمعت فيه الرشوط؛ كقولك‪ِ :‬‬
‫(رست والنييل) يعني فعلت هذا الفعل بصحبة‬
‫(رسيت والقمر)‪ ،‬أو (مشيت والصحراء)‪ ،‬أو (متشيت والشاطئ) فهذا املفعول معه‬
‫النيل‪ ،‬أو ْ‬
‫وقع بعد واو‪ ،‬هذه الواو نص يف املع َّية‪ ،‬وقد سبقت بفعل‪ ،‬أو بَم فيه معنى الفعل؛ كقولك‪( :‬أنا‬
‫سائر) ونحو ذلك‪.‬‬
‫ٌ‬

‫‪ ‬ثم َّبني ابن هشام حاالت االسم الواقع بعد الواو؛ ألن الواو هذه حيتمل أن تكون واو‬
‫فبني متى جيب أن تكون للمع َّية‪ ،‬ومتى جيب أن تكون‬
‫واوا عاطفة‪َّ ،‬‬
‫مع َّية‪ ،‬وحيتمل أن تكون ا‬
‫عاطفة‪ ،‬ومتى جيوز األمران‪ ،‬فقال‪" :‬وقدْ جيِب الن َّْصب"؛ يعني عىل أن الواو للمع َّية‪ ،‬وما بعدها‬
‫ٌ‬
‫مفعول معه‪.‬‬

‫"وقدْ جيِب الن َّْصب؛ كق ْولِك‪( :‬ال تنْه ع ِن خلِ ٍق وإتيانه)‪ ،‬و ِمنْه‪( :‬ق ْمت وز ْيدا ا)‪( ،‬مر ْرت بِك‬
‫نح ِو ق ْولِك‪( :‬ك ْن أنْت وز ْيدا ا كاألخِ )‪ ،‬وي ْضعف ِيف ن ْح ِو‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وز ْيدا ا) عىل األص يح فيهَم‪ ،‬ويرت َّجح يف ْ‬
‫(قام ز ْيدٌ وع ْم ٌرو)"‪.‬‬

‫فبني حاالت االسم بعد الواو؛‬


‫َّ‬
‫ٌ‬
‫مفعول معه‪.‬‬ ‫‪ ‬فقد جيب أن ِ‬
‫تنصب هذا االسم عىل أنه‬

‫‪ ‬وقد جيوز فيه االنتصاب عىل املفعول معه‪ ،‬وأن يكون معطو افا عىل ما قبله‪.‬‬

‫‪ ‬وقد يكون العطف هو األفضل واألحسن‪ ،‬والنصب عىل املفعول معه ضعيف‪.‬‬

‫سواء كان هذا‬


‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫موجب له‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫مفعول معه‪ ،‬وذلك عند وجود‬ ‫فبدأ بوجوب النصب عىل أنه‬
‫ِ‬
‫املوجب معنو ًيا أم كان لفظ ًيا؛‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪399‬‬

‫ِ‬
‫فاملوجب املعنوي نحو‪( :‬ال تنْه ع ِن القبِيحِ وإتيانه)‪( ،‬ال تنْه عن القبيحِ ) ينهاك (ال تنْه ع ِن‬
‫القبِيحِ وإتيانه) الواو للمع َّية‪ ،‬وإتيانه‪ :‬مفعول معه‪ ،‬يعني ال تنه عن القبيح مع إتيانك إياه‪،‬‬
‫يستقيم هذا املعنى إذن مفعول معه‪ ،‬والواو للمع َّية بمعنى (مع)‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ (ال تنْه ع ِن‬ ‫لكن ما يصح أن نجعل الواو عاطفة لفساد املعنى؛ ألن املعنى سيكون‬
‫القبِيحِ وال تنْه عن إتي ِ‬
‫ان القبيح) هذا ال يصح‪ ،‬فال يصح أن تكون الواو عاطفة؛ ألن العاطفة‬
‫رشك‪ ،‬جتعل ما بعدها يف حكم ما قبلها‪.‬‬
‫ت ي‬
‫واملوجب اللفظي نحو‪( :‬قمت وزيدا ا)‪ ،‬و(مررت بك وزيدا ا) فــ (قمت وزيدا ا) التاء يف‬
‫قمت‪ :‬فاعل‪ ،‬الفعل (قام)‪ ،‬والفاعل هنا ضمري رفع متصل‪ ،‬ويذكرون يف باب العطف أن‬
‫ضمري الرفع املتصل ال حيسن العطف عليه دون فصل؛‬

‫‪ ‬فالبرصيون جييبون الفصل‪ ،‬فتقول‪( :‬قمت أنا وزيدٌ )‪ ،‬أو (قمت اليوم وزيدٌ ) أي‬
‫فاصل‪ ،‬وال تقول‪( :‬قمت وزيدٌ )‪.‬‬

‫‪ ‬والكوفيون ال جييبون ذلك‪ ،‬وإنَم يقدي مونه‪.‬‬


‫ٍ‬
‫حينئذ جيب أن تنصب زيدا ا عىل أنه‬ ‫فعند البرصيني لو مل ِ‬
‫تأت بالفاصل وقلت‪( :‬قمت وزيدا ا)‬
‫مفعول معه؛ ألن العطف ممتنع‪.‬‬

‫وعند الكوفيني‪ :‬جيوز الوجهان‪.‬‬

‫ويف قولك‪( :‬مررت بك وزيدا ا) (بك) الباء حرف جر‪ ،‬والكاف يف ُمل جر بالباء‪ ،‬ويف باب‬
‫ا‬
‫متصال وجب أن تعيد اجلار مع‬ ‫جر‬
‫أيضا يذكرون إذا كان املعطوف عليه ضمري ٍّ‬
‫العطف ا‬
‫بزيد)‪( ،‬س َّلمت عليك وعىل ٍ‬
‫زيد)‪ ،‬و﴿وعل ْيها وعىل‬ ‫املعطوف‪ ،‬فتقول‪( :‬مرتت بك و ٍ‬
‫‪400‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬
‫ٍ‬
‫وزيد) هذا ال جيوز‬ ‫ك [املؤمنون‪ ]22:‬بس ما تقول‪( :‬عليها والف ْل ِ‬
‫ك)‪( ،‬س َّلمت عليك‬ ‫ا ْلف ْل ِ‬

‫عند البرصيني‪ ،‬والكوفيون ال جيبونه وإنَم يقدي مونه‪.‬‬

‫فعىل قول البرصيني لو قلت‪( :‬مررت بك وزيدا ا) لنصبت عىل أنه مفعول معه‪ ،‬وال جيوز أن‬
‫جتعل الواو عاطفة وجتر‪( ،‬س َّلمت ومررت بك ٍ‬
‫وزيد) فهذا موجب لفظي‪.‬‬

‫وعند الكوفيني جيوز الوجهان‪.‬‬

‫فلهذا قال ابن هشام‪( :‬عىل األص يح فِيهَم) يعني فيه خالف‪ ،‬وابن هشام يتابع يف ذلك‬
‫اجلمهور‪.‬‬

‫فهذه احلالة األوىل‪:‬‬

‫لفظي لذلك‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫معنوي أو‬
‫ٌّ‬ ‫موجب‬
‫ٌ‬ ‫وجوب نصب االسم بعد الواو إذا كان هناك‬

‫احلالة الثانية‪:‬‬

‫ترجح النصب؛ يعني أنه جيوز يف هذا االسم بعد الواو أن جتعل الواو للمع َّية فتنصب االسم‬
‫ُّ‬
‫بعدها‪ ،‬وأن جتعل الواو عاطفة فتجعل االسم معطو افا عىل ما قبلها‪.‬‬

‫وذلك يف نحو‪( :‬ك ْن أنْت وز ْيدا ا كاألخِ ) هذه املسألة بالغية؛ يعني إذا كنت ختاطب إنساناا بينه‬
‫(كن أنت وزيدا ا) هذا الذي ختتلف معه كاألخ‪ ،‬كالمك اآلن‬
‫وبني آخر خالف‪ ،‬فتقول له‪ْ :‬‬
‫موج ٌه هلذا املخاطب؛ ألنه هو الذي عندك‬
‫موجه له ولزيد؟ األصل أنه َّ‬
‫موجه هلذا املخاطب‪ ،‬أم َّ‬
‫موج اها لزيد الواقع بعد الواو‪.‬‬
‫وختاطبه‪ ،‬وزيد غري موجود‪ ،‬فكالمك ليس َّ‬
‫ا‬
‫مفعوال معه؛ يعني‬ ‫(كن أنت وزيدا ا) فتجعل زيدا ا‬
‫(كن أنت) هذا اخلطاب له‪ْ ،‬‬
‫إذن فتقول‪ْ :‬‬
‫افعل معه كَم تفعل مع األخ‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪401‬‬

‫ٍ‬
‫حينئذ جتعل الواو‬ ‫وجه الكالم إليهَم‪،‬‬‫وجهت كالمك له ولزيد كالمها موجود‪ ،‬وت ي‬ ‫لكن لو َّ‬
‫(كن أنت وزيدٌ )‬ ‫ِ‬
‫موج ٌه إليهَم‪ ،‬فتقول‪ْ :‬‬
‫عاطفة‪ ،‬وتعطف ما قبلها عىل ما بعدها؛ ألن الكالم َّ‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ ستقول‪( :‬كاألخوين)‪( ،‬ك ْن أنْت وز ْيدٌ كاألخ ِ‬
‫وين)؛ ألن اخلرب سيوافق املبتدأ‪،‬‬
‫(كاألخوين) هو اخلرب‪ ،‬اسم كن الضمري املسترت‪ ،‬و(أنت) توكيدٌ له فاصل‪.‬‬

‫أيضا قول الشاعر وهو مثله‪:‬‬


‫ومن ذلك ا‬
‫ـني ِمــن ال يطحـ ِ‬
‫ـال‬ ‫مكــان الك ْليتـ ْ ِ‬ ‫بــيكم‬ ‫فكونــوا أنــتم وبنِــي أ‬
‫ْ‬
‫حدث خالف بينهم‪ ،‬فالشاعر يقول هذه القصيدة هلؤالء املخاطبني‪:‬‬
‫ـني ِمــن ال يطحـ ِ‬
‫ـال‬ ‫فكونــوا أنــتم وبنِــي أ‬
‫مكــان الك ْليتـ ْ ِ‬
‫بــيكم‬
‫ْ‬
‫بعضا كاحلال بني الطحال والكليتني‪ ،‬فهو‬
‫يعني كونوا معهم متفامهني ويقرتب بعضكم ا‬
‫موج اها‬
‫فوجه األمر إليهم (فكونوا أنتم)‪ ،‬وبنوا أبيهم ليسوا موجودين‪ ،‬وليس الكالم َّ‬
‫خياطبهم َّ‬
‫بيكم)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫إليهم‪ ،‬فنصبهم عىل أنه مفعول معه؛ كونوا أنتم مع بني أبيكم‪( ،‬كونوا أنتم وبني أ ْ‬

‫موجه إليهم مجي اعا لكان جيعل الواو عاطفة ويعطِف ما‬
‫فهذا لو كانوا موجودين‪ ،‬وكان الكالم َّ‬
‫بعدها عىل ما قبلها‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫ـني ِمــن ال يطحـ ِ‬
‫ـال‬ ‫مكــان الك ْليتـ ْ ِ‬ ‫بــيكم‬ ‫فكونــوا أنــتم وبنــو أ‬
‫ْ‬
‫وضمها‬
‫ُّ‬ ‫بضم الكاف وكرسها‪ ،‬كِلية خطأ‪ ،‬والطِحال بكرس الطاء‪،‬‬ ‫والكليتني مثنَّى كلية وهي ي‬
‫خطأ‪ ،‬فبعض الناس يعكس فيقول‪( :‬كِ ْلية وطحال)‪ ،‬والصواب‪( :‬ك ْلية وطِحال)‪ ،‬وجيوز يف‬
‫(ك ْلية وك ْلوة)‪ ،‬فاملشهور كلية وأهل اليمن يقولون‪( :‬ك ْلوة)‪.‬‬

‫واحلالة الثالثة لالسم بعد الواو‪:‬‬


‫‪402‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ترجح الرفع‪ ،‬وذلك إذا أمكن دون ضعف‪ ،‬دون مانع‪ ،‬نحو‪( :‬جاء زيدٌ وخالدٌ ) يعني أن هذا‬
‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫واحد منهَم فعل‬ ‫فعل املجيء‪ ،‬وهذا فعل املجيء‪ ،‬فَمذا ستقول؟ (جاء زيدٌ وخالدٌ )؛ ألن كل‬
‫املجيء‪.‬‬

‫ولو جاءا م اعا جلاز لك أن تقول‪( :‬جاء زيدٌ وخالدا ا) جيوز أن تقول‪( :‬جاء زيدٌ وخالدا ا)؛ ألن‬
‫زيدا ا جاء مع خالد‪ ،‬لكن هذا خالف ظاهر الكالم وال حاجة إليه‪ ،‬بل األفضل أن تسنِد الفعل‬
‫إليهَم؛ ألهنَم قصدا هذا الفعل وفعله‪ ،‬فتقول‪( :‬جاء زيدٌ وخالدٌ ) فلهذا يكون الذي يرجح هنا‬
‫الرفع‪ ،‬ولو نصبت مل يكن خ اطا‪.‬‬
‫هبذا يكون ابن هشام قد انتهى من املفاعيل اخلمسة‪ ،‬إال أنه مل ِ‬
‫ينته من األسَمء املنصوبة؛ ألنه‬
‫ٍ‬
‫أسَمء منصوبة‬ ‫بدأ باألسَمء املنصوبة‪ ،‬فذكر يف أوهلا املفاعيل اخلمسة؛ ليبق له الكالم عىل ثالثة‬
‫وهي‪ :‬احلال‪ ،‬والتمييز‪ ،‬واملستثنى‪.‬‬

‫‪ ‬فانتقل إىل احلال فقال‪:‬‬

‫ف فضل ٌة يقع يف جو ِ‬
‫اب ك ْيف‪ :‬كـ (رض ْبت ال يل َّص مكْتو افا)"‪.‬‬ ‫وص ٌ‬ ‫" ْ‬
‫احلال‪ْ :‬‬

‫َشحا واف ايا‪ ،‬وذكرنا العالقة بني احلال وبني النعت‪.‬‬


‫ويف َشح املبتدئني َشحنا احلال ا‬
‫ٍ‬
‫حدث وصاحبه‪ ،‬وهذا يشمل اسم الفاعل‪،‬‬ ‫اسم يدل عىل‬ ‫وص ٌ‬
‫ف)؛ أي ٌ‬ ‫وقول ابن هشام‪ْ ( :‬‬
‫واسم املفعول‪ ،‬والصفة املش َّبهة‪ ،‬وصيغ املبالغة‪ ،‬واسم التفضيل‪.‬‬

‫أيضا‬ ‫ٌ‬
‫فضاحك هذا ا‬ ‫ٌ‬
‫ضاحك)‬ ‫وقوله‪( :‬فضل ٌة) يعني ليس عمدة‪ ،‬لي ِ‬
‫خرج اخلرب‪ ،‬لو قلت‪( :‬زيدٌ‬
‫وصف‪ ،‬وي يبني حالة ُممد‪ ،‬لكنه عمدة؛ ألنه خرب‪.‬‬

‫بيان لفائدة احلال ووظيفته‪ ،‬فاحلال ت يبني احلالة واهليئة التي هي‬ ‫وقوله‪( :‬يف جو ِ‬
‫اب ك ْيف) هذا ٌ‬
‫جواب لكيف فعل الفاعل الفعل‪ ،‬أو فعل املفعول به الفعل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫يف احلقيقة‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪403‬‬

‫‪ ‬ثم قال ابن هشام‪:‬‬

‫وَشطها ال َّتنْكِري"‪.‬‬
‫" ْ‬
‫سبق يف َشح املبتدئني أن الفرق بني النعت واحلال‪:‬‬

‫‪ -‬أن النعت يوافق املنعوت يف التعريف أو يف التنكري‪.‬‬

‫أيضا صفة لصاحبها‪ ،‬إال أن احلال ختالف صاحبها يف التعريف‬


‫‪ -‬وأما احلال فهو ا‬
‫والتنكري‪ ،‬فهي نكرة وصاحبها معرفة‪.‬‬

‫فإذا قلنا‪( :‬جاء الرجل ثم أردنا أن نصفه بالضحك) فإن جعلناه مثل الرجل يف التعريف‬
‫ٌ‬
‫ضاحك) فنقول‪ :‬نعت‪.‬‬ ‫(جاء الرجل الضاحك)‪ ،‬أو يف التنكري (جاء ٌ‬
‫رجل‬

‫وإن ختالفا؛ يعني الوصف واملوصوف‪ ،‬والتعريف والتنكري‪ ،‬فقلت‪( :‬جاء الرجل ضاحكاا)‬
‫صار الوصف ا‬
‫حاال‪ ،‬وهلذا يشرتط يف احلال أن تكون نكرة‪ ،‬ويشرتط يف صاحب احلال كَم سيأيت‬
‫التعريف لتحدث هذه املخالفة‪.‬‬

‫‪ ‬فلهذا قال ابن هشا ٍم بعد ذلك‪:‬‬


‫احبِها ال َّتع ِريف‪ ،‬أو التَّخْ ِصيص‪ ،‬أو ال َّتع ِميم‪ ،‬أو الت ِ‬
‫َّأخري نحو‪﴿ :‬خ َّش اعا أ ْبصاره ْم‬ ‫"وص ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫لسائِلِني [فصلت‪﴿ ،]10:‬وما أ ْهلكْنا ِم ْن ق ْري ٍة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫خيرجون [القمر‪ِ ،]7:‬‬
‫﴿يف أ ْربعة أ َّيا ٍم سو ااء ل َّ‬ ‫ْ‬
‫إِ َّال هلا م ِ‬
‫نذرون [الشعراء‪."]208:‬‬

‫َشطها) يعني َشط احلال التنكري‪ ،‬وَشط‬ ‫قوله‪( :‬ص ِ‬


‫احبِها)‬
‫معطوف عىل اهلاء يف قوله‪( :‬و ْ‬
‫ٌ‬
‫صاحبها التعريف‪ ،‬واملراد بصاحب احلال‪ :‬هو من جاءت احلال مب يين اة هليئته وحالته؛ يعني هو‬
‫املوصوف باحلال‪.‬‬
‫‪404‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫فإذا قلت‪( :‬جاء ُممدٌ ضاحكاا) فضاحكاا احلال‪ ،‬وصاحب احلال‪ُ :‬ممد؛ ألن ضاحكاا ب َّينت‬
‫حاالت ُممد‪.‬‬

‫فبني ابن هشام أن صاحب احلال األصل فيه أن يكون معرف اة‪ ،‬وهذا هو األكثر واألصل؛‬
‫َّ‬
‫فقولك‪( :‬جاء ُممدٌ ضاحكاا)‪ ،‬و(جاء الرجل خائ افا)‪ ،‬ويف قوله تعاىل‪﴿ :‬خ َّش اعا أ ْبصاره ْم‬
‫خش اعا أبصارهم‪ ،‬خيرجون حالة كوهنم َّ‬
‫خش اعا أبصارهم‪.‬‬ ‫ْ‬
‫خيرجون [القمر‪ ]7:‬يعني خيرجون َّ‬

‫ولذلك لو جاءت احلال يف بعض كالم العرب معرف اة فإننا ي‬


‫نؤوهلا بالنكرة؛ كقوهلم‪( :‬ادخلوا‬
‫األول فاألول) يعني ادخلوا مرتَّبني‪ ،‬وكقول العرب‪( :‬أرسلها ِ‬
‫العراك) يعني اإلبل‪ ،‬يعني‬
‫أرسلها معرتك اة‪ ،‬ويف قوهلم‪( :‬ذهب وحده) يعني ذهب منفر ادا وهكذا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ جيب أن يكون نكر اة قريب اة من‬ ‫وقد يكون صاحب احلال غري معرفة؛ يعني نكرة‪ ،‬لكن‬
‫املعرفة؛‬

‫‪ ‬إما أن يكون نكر اة خاصة‪.‬‬

‫عامة‪.‬‬
‫‪ ‬أو نكر اة َّ‬

‫‪ ‬أو نكر اة متأخر اة عن احلال‪.‬‬

‫فيكون نكر اة خاصة‪:‬‬

‫طالب جمتهدٌ‬
‫ٌ‬ ‫قرهبا للتعريف؛ كأن تقول‪( :‬جاء‬
‫يعني خ يصصت بوصف أو بإضافة‪ ،‬وهذا ي ي‬
‫ختصص بالوصف جمتهدٌ ‪ ،‬أو تقول‪:‬‬
‫وطالب‪ :‬صاحب احلال‪ ،‬وقد َّ‬
‫ٌ‬ ‫ضاحكاا) فضاحكاا‪ :‬حال‪،‬‬
‫(جاء طالب عل ٍم ضاحكاا) فهذا جيوز‪.‬‬

‫لسائِلِني [فصلت‪ ]10:‬فسوا اء هذا مصدر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومن ذلك قوله تعاىل‪ِ :‬‬
‫﴿يف أ ْربعة أ َّيا ٍم سو ااء ل َّ‬
‫بمعنى مستوي اة؛ يعني يف أربعة أيا ٍم حالة كوهنا مستوي اة للسائلني‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪405‬‬

‫ومثال النكرة العامة‪:‬‬

‫طالب إال ضاحكاا) فاحلرص والقرص هنا جعل النكرة عامة‪ ،‬تع ُّم مجيع‬
‫ٌ‬ ‫أن تقول‪( :‬ما جاء‬
‫قرهبا للتعريف‪.‬‬
‫أيضا ي ي‬ ‫الطالب‪ ،‬يعني كأنك قلت‪َّ :‬‬
‫الطالب‪ ،‬فهذا ا‬ ‫َّ‬

‫نذرون [الشعراء‪ ،]208:‬احلال‪﴿ :‬هلا‬ ‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬وما أهلكْنا ِمن قري ٍة إِ َّال هلا م ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫نذرون وهذه اجلملة االسمية‬ ‫نذرون مجلة اسمية‪ ،‬منذرون‪ :‬مبتدأ‪ ،‬هلا‪ :‬خرب مقدَّ م ﴿هلا م ِ‬ ‫م ِ‬

‫قرية‪﴿ ،‬وما أ ْهلكْنا ِم ْن ق ْري ٍة إِ َّال يف هذه احلالة أن هلا منذرين‪.‬‬


‫حاال من ٍ‬
‫وقعت ا‬

‫ومثال النكرة املتأخرة عن احلال‪:‬‬

‫طالب) فإذا تقدَّ مت احلال عىل صاحبها النكرة جاز يف صاحبها أن‬
‫ٌ‬ ‫كأن تقول‪( :‬جاء ضاحكاا‬
‫رجل) لكن ما تقول‪( :‬جاء ٌ‬
‫رجل خائ افا)‪.‬‬ ‫يكون نكرةا‪( ،‬جاء خائ افا ٌ‬

‫ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬

‫يلـــــوح كأنَّـــــــه خـــــلل‬ ‫وح اشــــا طلــــل‬‫لـِمـــــية م ِ‬


‫َّ‬
‫فصح بذلك كون‬ ‫وموحشا حال‪ ،‬لكنه قدَّ م قال‪( :‬لـِمـية م ِ‬
‫وح اشا طلل)‬ ‫ا‬ ‫يعني مل َّية ٌ‬
‫طلل‪،‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫صاحب احلال نكرة‪.‬‬

‫فهذا ما يتع َّلق باحلال‪ ،‬ليبق لنا من األسَمء املنصوبة التمييز‪ ،‬واملستثنى‪ ،‬وسنرجئهَم إن شاء‬
‫وصل اَّلل وس َّلم عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله وأصحابه أمجعني‪.‬‬
‫َّ‬ ‫اَّلل إىل الدرس القادم‪ ،‬واَّلل أعلم‪،‬‬
‫‪406‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫الدرس احلادي عرش‬

‫والسالم عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله‬


‫والصالة َّ‬
‫بسم اَّلل الرمحن الرحيم‪ ،‬احلمد َّلل رب العاملني‪َّ ،‬‬
‫وأصحابه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪...‬‬

‫فسالم اَّلل عليكم ورمحته وبركاته‪ ،‬وح َّياكم اَّلل وب َّياكم يف الدرس احلادي عرش من دروس‬
‫الصدى] البن هشا ٍم األنصاري ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ ،-‬نحن يف ليلة األربعاء‪،‬‬ ‫َشح [قطر الندى ي‬
‫وبل َّ‬
‫ٍ‬
‫وأربعَمئة وألف‪ ،‬يف جامع منرية‬ ‫اخلامس والعرشين من شهر رجب‪ ،‬من سنة تس ٍع وثالثني‬
‫ُّ‬
‫الشبييل يف حي الفالح يف مدينة الرياض‪.‬‬

‫أيضا وهو من املنصوبات‪ ،‬يف هذا‬


‫يف الدرس املايض كنا تكلمنا عىل بقية املفاعيل‪ ،‬وعىل احلال ا‬
‫الدرس إن شاء اَّلل تعاىل سنتكلم عىل بقية املنصوبات‪ ،‬ويشمل ذلك التمييز واملستثنى‪ ،‬ثم‬
‫نتك َّلم عىل املخفوضات؛ أي املجرورات‪ ،‬ثم نتكلم عىل األسَمء العاملة عمل فعلها‪.‬‬

‫فنستعني باَّلل ونبدأ ببقية املنصوبات مبتدئني بالتمييز‪ ،‬فَم زال ابن هشا ٍم يذكر األسَمء‬
‫املنصوبة‪ ،‬وذكر املفاعيل اخلمسة‪ ،‬ثم ذكر احلال‪.‬‬

‫‪ ‬واآلن يذكر التمييز فقال‪:‬‬


‫"والتميِيز‪ ،‬وهو اسم ف ْضل ٌة نكِر ٌة ج ِامدٌ مفرس ملا انبهم ِمن الذ ِ‬
‫وات"‪.‬‬ ‫يٌ‬ ‫ْ ٌ‬ ‫ْ‬

‫وقد سبق لنا أن َشحنا التمييز بأوضح مما هنا‪ ،‬إال أن ابن هشام يف التعريف زاد قيو ادا‪،‬‬
‫ونقص أشياء‪ ،‬فنتك َّلم عىل ما زاده ابن هشام‪:‬‬

‫ابن هشا ٍم قال‪ْ ( :‬اس ٌم)؛ أي أن التمييز ال يكون إال من األسَمء‪ ،‬ال يكون ا‬
‫فعال وال حر افا‪ ،‬وال‬
‫مجل اة وال شبه مجلة‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪407‬‬

‫قال‪( :‬ف ْضل ٌة) يعني ال يكون عمدة‪.‬‬

‫وقال‪( :‬نكِر ٌة) فهو ال يكون معرفة‪.‬‬


‫ٍ‬
‫بوصف‪ ،‬وهذا مما خيالف فيه التمييز‬ ‫ٍ‬
‫بمشتق ا‬
‫فضال عن أن يكون‬ ‫وقال‪( :‬ج ِامدٌ ) فهو ال يكون‬
‫ث‬‫وصف‪ ،‬وعرفنا املراد بالوصف وهو االسم الدال عىل حد ٍ‬
‫ٌ‬ ‫واحلال‪ ،‬فاحلال كَم سبق يف تعريفه‬
‫وصاحبه؛ أي اسم فاعل‪ ،‬ويدخل فيه صيغ املبالغة‪ ،‬ويشمل اسم املفعول والصفة املش َّبهة‪،‬‬
‫واسم التفضيل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مشتقات من‬ ‫أما التمييز فال يكون إال باألسَمء اجلامدة؛ يعني التي مل تؤخذ من غريها‪ ،‬ليست‬
‫غريها‪ ،‬فيكون بكلمة رجل‪ ،‬وبأسَمء األجناس؛ كـأسَمء احليوانات‪ ،‬وكلمة (باب‪ ،‬وبيت‪،‬‬
‫قلم)‪ ،‬وهكذا من أسَمء األجناس اجلامدة‪.‬‬

‫لكنه ال يكون باألوصاف‪ ،‬ما يكون باسم فاعل؛ كــ (قائم‪ ،‬أو جالس‪ ،‬أو ضاحك‪ ،‬أو‬
‫(مجيل‪ ،‬وقبيحٍ ‪ ،‬وحس ٍن‪ ،‬وبطل) وهكذا‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بصفة مش َّبهة كــ‬ ‫منطلق)‪ ،‬أو‬
‫ثم بني وظيفته النحوية فقال‪( :‬مفرس ملا انبهم ِمن الذ ِ‬
‫وات) فهذه وظيفة التمييز وفائدته‪ ،‬إال‬ ‫يٌ‬ ‫َّ‬
‫أيضا مب ييناا ملا‬
‫أن ابن هشام نقص من التعريف أن التمييز كَم يأيت مب ييناا ملا انبهم من الذوات‪ ،‬يأيت ا‬
‫انبهم من النِسب‪ ،‬وإن كان سيذكر ذلك يف آخر الباب‪ ،‬لكن ينبغي أن يذكر ذلك يف التعريف؛‬
‫ألن التمييز يرفع إهبام الذوات‪ ،‬ويرفع إهبام النسبة‪.‬‬

‫وعىل ذلك فالتمييز نوعان‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬متييز ذات أو مفرد‪.‬‬

‫والنوع الثان‪ :‬متييز نسبة أو مجلة‪.‬‬


‫‪408‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫مهَم‪ ،‬وضاب اطا مفيدا ا وهو‪ :‬أن التمييز يكون عىل معنى‬
‫ونقص ابن هشام من التعريف قيدا ا ا‬
‫ٍ‬
‫بطريقة معينة‪ ،‬وهي أن يكون عىل تقدير‬ ‫اسم نكرة يرفع اإلهبام لكن يرفعه‬ ‫ِ‬
‫(م ْن)‪ ،‬يعني أنه ٌ‬
‫حرف اجلر ِ‬
‫(م ْن) كَم َشحنا يف َشح املبتدئني‪.‬‬

‫فرجال‪ :‬متييز؛ ألنه رفع إهبام عرشين عىل معنى ِم ْن؛ ألن‬
‫ا‬ ‫فإذا قلت‪( :‬جاء مخسون ا‬
‫رجال)‬
‫قلَم) يعني مخسني من األقالم‪.‬‬
‫املعنى جاء عرشون من الرجال‪ ،‬كذلك (اشرتيت مخسني ا‬
‫وهلذا يمكن أن تقدي ر ِ‬
‫(م ْن) يف التمييز مطل اقا؛‬
‫‪ ‬إن كان التمييز ذات مفرد قدَّ رت ِ‬
‫(م ْن)‪.‬‬
‫‪ ‬وإن كان متييز نسبة قدَّ رت ِ‬
‫(م ْن جهة)‪.‬‬

‫كقولك‪( :‬طاب زيدٌ خل اقا) يعني طاب زيدٌ من جهة اخللق‪ ،‬وهكذا كَم َشحنا يف َشح‬
‫املبتدئني‪.‬‬

‫‪ ‬فبدأ ابن هشا ٍم بالكالم عىل متييز املفرد الذات فقالت‪:‬‬

‫يب نخْ اال)‪ ،‬و(صا ٍع مت ْ ارا)‪ ،‬و(منو ْي ِن عس اال)‪ ،‬وا ْلعد ِد‬ ‫وع ِه بعد املق ِ‬
‫ادير‪ ،‬كــ (ج ْر ٍ‬ ‫ْ‬
‫"وأكْثر وق ِ‬

‫ن ْحو‪﴿ :‬أحد عرش ك ْوك ابا [يوسف‪ ]4:‬إِىل تِ ْس ٍع وتِ ْس ِعني"‪.‬‬

‫فذكر ابن هشام أن متييز املفرد الذات يكثر وقوعه يف مواضع مضطردة‪ ،‬فذكر منها موضعني‪:‬‬

‫املوضع األول‪ :‬كل اس ٍم منصوب بعدما يدل عىل مقدار‪ ،‬والتمييز يأيت بعد املقادير‪ ،‬واملراد‬
‫سواء‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫مقدار‬ ‫كل ما َّ‬
‫دل عىل‬ ‫باملقادير‪ُّ :‬‬

‫‪ -‬أكان هذا املقدار مساحة يقاس بالطول‪.‬‬

‫حجَم يقاس بالثِقل‪.‬‬


‫‪ -‬أو كان ا‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪409‬‬

‫‪ -‬أو كان ا‬
‫كيال يقاس بحجمه وغري ذلك‪.‬‬

‫صاعا من مت ٍر‪ ،‬و(هذا‬


‫ا‬ ‫مترا)؛ يعني‬
‫صاعا ا‬
‫ا‬ ‫فاملقدار‪ :‬كل ما َّ‬
‫دل عىل مقدار؛ كقولك‪( :‬اشرتيت‬
‫تفاحا) فَم ذكره ابن‬
‫كيل ا‬‫قَمش‪ ،‬و(تصدَّ ق بصا ٍع ب ًرا)‪ ،‬و(أحتاج إىل ٍ‬
‫ٍ‬ ‫شرب من‬ ‫شرب ا‬
‫قَمشا)؛ أي ٌ‬ ‫ٌ‬
‫هشام من (اجلريب واملنى) فهي مقادير قديمة‪ ،‬فقوله‪( :‬منوين) بتثنية منى‪.‬‬

‫واملوضع الثان للتمييز‪ :‬كل اس ٍم منصوب بعد عدد‪ ،‬فهذا ا‬


‫أيضا من املواضع املضطردة‬
‫اجلِدوه ْم‬ ‫للتمييز‪ ،‬نحو‪( :‬جاء عرشون ا‬
‫رجال)‪ ،‬و﴿رأ ْيت أحد عرش ك ْوك ابا [يوسف‪﴿ ،]4:‬ف ْ‬
‫ثَمنِني ج ْلد اة [النور‪﴿ ،]4:‬له تِ ْس ٌع وتِ ْسعون ن ْعج اة [ص‪ ]23:‬وهكذا‪.‬‬

‫‪ ‬وهنا استدرج ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬إىل الكالم عىل متييز (ك ْم)‪ ،‬ومتييز العدد فقال‪:‬‬
‫ِ‬ ‫االس ْت ْفه ِامية ن ْح ِو‪( :‬ك ْم ع ْبدا ا ملك ْ‬ ‫ِ‬
‫رور مفر ٌد‬ ‫فأما متْيِيز اخلربية فم ْج ٌ‬ ‫ت)‪َّ ،‬‬ ‫"ومنْه متْييز (ك ْم) ْ‬
‫االستِ ْفه ِام َّية ا ْمل ْجر ِور ِة‬ ‫ِ‬
‫ييز العرشة وما دوهنا‪ ،‬ولك يف متْيِ ْي ِز ْ‬ ‫وع كت ْم ِ‬‫جمم ٌ‬
‫كتميي ْز ِ‬
‫املائة وما ف ْوقها‪ ،‬أو ْ‬ ‫ْ‬
‫ب"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫باحلرف ج ٌر ون ْص ٌ‬ ‫ْ‬

‫أحكاما متداخلة َّخلص فيها متييز (كم) بنوعيها اخلربية واالستفهامية‪،‬‬


‫ا‬ ‫فذكر يف هذه األسطر‬
‫ومتييز األعداد‪ ،‬فتك َّلم عىل متييز (كم)‪ ،‬وتك َّلم عىل متييز األعداد‪.‬‬

‫إذن تك َّلم عىل مسألتني‪:‬‬

‫املسألة األوىل‪ :‬متييز (كم)‪.‬‬

‫والثانية‪ :‬متييز العدد‪.‬‬

‫فنفصل بينهَم للتوضيح‪ ،‬فنبدأ بتمييز (كم)‪( ،‬كم) نوعان‪:‬‬

‫‪ -‬استفهامي ٌة‪.‬‬
‫‪410‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ -‬وخربية‪.‬‬

‫فالنوع األول‪( :‬كم) االستفهامية‪ ،‬وهي التي يستفهم هبا عن العدد‪ ،‬فلهذا حتتاج إىل جواب‪،‬‬
‫(كم طال ابا نجح؟) تسأل‪ ،‬فتحتاج إىل جواب‪ ،‬فهذه متييزها‬ ‫ا‬
‫رجال عندك؟)‪ْ ،‬‬ ‫(كم‬
‫تقول‪ْ :‬‬
‫منصوب كالتمييز بعد األعداد؛ ألهنا للسؤال عن األعداد‪ ،‬نحو‪( :‬كم ا‬
‫رجال عندك؟)‪ ،‬و(كم‬
‫طال ابا يف املدرسة؟)‪ ،‬و(كم جند ًيا يف املعركة؟)‪.‬‬

‫اجلر والنصب‪ ،‬نحو‪( :‬بكم‬


‫فإذا ج َّرت (كم) االستفهامية بحرف جر‪ ،‬جاز يف التمييز بعدها ُّ‬
‫رياال اشرتيت هذا؟) و(إىل كم ٍ‬
‫ريال حتتاج؟)‪ ،‬و(إىل كم ا‬
‫رياال‬ ‫ٍ‬
‫ريال اشرتيت هذا؟)‪ ،‬و(بكم ا‬
‫ٍ‬
‫سيارة ستسافرون؟)‪ ،‬و(عىل كم سيار اة ستسافرون؟)؛ فهذه (كم)‬ ‫حتتاج؟)‪ ،‬و(عىل كم‬
‫االستفهامية‪.‬‬

‫وأما النوع الثان من (كم)‪ :‬فهي (كم) اخلربية‪ ،‬و(كم) يراد هبا التكثري‪ ،‬وال يراد هبا‬
‫مر ٍة هنيتك عن‬ ‫ٍ‬
‫(كم مرة قلت لك كذا وكذا)‪( ،‬كم َّ‬ ‫االستفهام وال حتتاج إىل جواب؛ كقولك‪ْ :‬‬
‫ٍ‬
‫مرات كثرية‪ ،‬فأنت ال تسأله وال تريد منه أن جييب‪ ،‬وإنَم تقول‪:‬‬ ‫هذا؟) يعني أن هنيتك عن ذلك‬
‫كثريا‪ ،‬فهي (كم) اخلربية الدالة عىل التكثري‪.‬‬
‫إنك هنيته عن ذلك ا‬
‫هذه متيزها جمرور‪ ،‬ليس منصو ابا‪ ،‬متيزها جمرور‪ ،‬وجيوز أن يكون مفر ادا‪ ،‬وجيوز أن يكون‬
‫درست َّ‬
‫طال ابا كثريين‪ ،‬تريد أن تقول ذلك‪،‬‬ ‫درسته؟)؛ أي أنك َّ‬ ‫ٍ‬
‫طالب َّ‬ ‫(كم‬
‫جمموعا‪ ،‬فتقول‪ْ :‬‬
‫ا‬
‫درستهم)‪ ،‬والتمييز جمرور ولك فيه اإلفراد‬ ‫طال ٍ‬
‫ب َّ‬ ‫درسته؟) أو (كم َّ‬ ‫ٍ‬
‫طالب َّ‬ ‫فتقول‪( :‬كم‬
‫واجلمع‪.‬‬
‫ٍ‬
‫أخوة‬ ‫كتاب قرأته؟) و(كم ٍ‬
‫كتب قرأهتا؟)‪ ،‬و(كم أخٍ لك مل تلده أمك)‪ ،‬و(كم‬ ‫ٍ‬ ‫(كم‬
‫وتقول‪ْ :‬‬
‫لك مل تلدهم أ ُّمك)‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪411‬‬

‫ٍ‬
‫رجل)‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫كتاب قرأته) فهو كتمييز املئة‪( :‬جاءن مئة‬ ‫جمرورا مفر ادا؛ (كم‬
‫ا‬ ‫‪ -‬فإذا كان متيزها‬

‫جمموعا (كم ٍ‬
‫كتب قرأهتا) فهي كتمييز األعداد املفردة من‬ ‫ا‬ ‫جمرورا‬
‫ا‬ ‫‪ -‬وإذا كان متييزها‬
‫ٍ‬
‫رجال)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫(جاء ِن مخسة‬ ‫ثالثة إىل عرشة‪ ،‬تقول‪:‬‬

‫وهذا الذي أشار إليه ابن هشام بقوله‪:‬‬

‫ييز العرش ِة وما‬


‫وع كت ْم ِ‬
‫جمم ٌ‬
‫ربية فمجرور مفرد كتميي ْز ِ‬
‫املائة وما ف ْوقها‪ ،‬أو ْ‬ ‫ٌ ْ‬ ‫ْ ٌ‬
‫(فأما متيِيز اخل ِ‬
‫َّ ْ‬
‫دوهنا)‪.‬‬

‫فهذا الكالم عىل املسألة األوىل‪ :‬متييز (كم)‪.‬‬

‫أما املسألة الثانية‪ :‬متييز األعداد‪ ،‬فذكرها ابن هشام‪ ،‬وخالصتها أن‪:‬‬
‫ِ‬
‫اثنان) فهَم‬ ‫ِ‬
‫رجال‬ ‫ٌ‬
‫رجل واحدٌ )‪ ،‬و(جاءن‬ ‫الواحد واالثنان‪ :‬ال متييز هلَم‪ ،‬تقول‪( :‬جاءن‬
‫يوصف هبَم وال حيتاجان إىل متييز‪.‬‬
‫ٍ‬
‫رجال)‪،‬‬ ‫جمرور جمموع‪ ،‬تقول‪( :‬جاء ِن ثالثة‬ ‫بعد ذلك من الثالثة إىل العرشة‪ :‬متيزها كَم سبق‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫رجال)‪.‬‬ ‫و(أكرمت عرشة‬

‫تسعة وتسعني‪ :‬هذه متيزها مفر ٌد منصوب‪﴿ ،‬رأ ْيت أحد عرش‬ ‫ٍ‬ ‫بعد ذلك من أحد عرش إىل‬
‫ك ْوك ابا [يوسف‪ ،]4:‬و﴿له تِ ْس ٌع وتِ ْسعون ن ْعج اة [ص‪ .]23:‬ومن ذلك ألفاظ العقود فهي‬
‫رجال)‪ ،‬و﴿ثَمنِني ج ْلد اة [النور‪.]4:‬‬
‫داخل ٌة يف هذا املحدود (جاءن عرشون ا‬

‫ٍ‬
‫رجل وألف‬ ‫بعد التسعة والتسعني املئة واأللف‪ :‬فهذان متيزمها مفر ٌد جمرور‪( ،‬جاءن مئة‬
‫ٍ‬
‫امرأة)‪.‬‬

‫فهذا ما يتع َّلق بتمييز العدد‪.‬‬


‫‪412‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ ‬ثم تك َّلم ابن هشا ٍم بعد ذلك عىل متييز النسبة النوع الثان فقال‪:‬‬

‫الر ْأس ش ْي ابا [مريم‪﴿ ،]4:‬وف َّج ْرنا‬ ‫ِ‬


‫فرسا للن ْيسبة ُم َّو ًال كـ ﴿و ْاشتعل َّ‬
‫"ويكون الت َّْمييز م ي ا‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ْاأل ْرض عيوناا [القمر‪﴿ ،]12:‬أنا أكْثر منْك م ااال [الكهف‪ ،]34:‬أ ْو غ ْري ُم َّول ن ْحو‪ْ :‬‬
‫(امتأل‬
‫اء)"‪.‬‬
‫اإلناء م ا‬

‫إهباما‬
‫فهذا الكالم عىل متييز النسبة التي قلنا‪ :‬إنك تقدي ر قبلها من جهة‪ ،‬فالتمييز هنا مل يرفع ا‬
‫واق اعا يف اس ٍم مفرد كَم يف متييز املفرد الذات‪ ،‬كَم يف قولك‪( :‬جاءن عرشين ا‬
‫رجال)‪ ،‬والتمييز يف‬
‫شعريا)؛‬
‫ا‬ ‫ٍ‬
‫زبيب‪،‬‬ ‫عرشون؛ ألن كلمة (عرشون) حتتمل‪ ،‬أو (تصدَّ ق بصاعٍ) بصا ٍع ماذا؟ (ب ٍّر‪،‬‬
‫فاإلهبام هنا يف اس ٍم مفرد‪ ،‬فس يمي متييز مفرد أو ذات‪.‬‬

‫أما متييز النسبة فكقولك‪( :‬طاب زيدٌ ) فطاب‪ :‬الفعل طاب معروف الطيبة‪ ،‬وزيدٌ رجل‬
‫معروف‪ ،‬فال إهبام يف الفعل‪ ،‬وال يف االسم‪ ،‬وإنَم اإلهبام يف اجلهة التي نسبت الفعل منها إىل‬
‫زيد‪ ،‬زيد طاب من أي جهة؟ هل طاب من جهة النسب‪ ،‬من جهة العلم‪ ،‬من جهة اخللق؟‬
‫طاب من أي جهة؟‬

‫إذن فاإلهبام هنا من اجلهة التي ن ِسب الفعل منها إىل االسم‪ ،‬فيأيت التمييز رف اعا هلذا اإلهبام‬
‫ا‬
‫(عمال)‪ ،‬أو‬ ‫الواقع يف النسبة‪ ،‬فتقول‪( :‬طاب زيدٌ خل اقا) يعني من جهة اخللق‪ ،‬أو ا‬
‫(علَم)‪ ،‬أو‬
‫(نفسا) وهكذا‪.‬‬
‫(نس ابا)‪ ،‬أو ا‬

‫وذكر ابن هشام أن متييز النسبة يكون عىل نوعني‪:‬‬

‫ُمو اال‪.‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون َّ‬

‫ُمو اال‪.‬‬
‫واآلخر‪ :‬أال يكون َّ‬

‫ُمو اال وهذا هو األغلب‪ ،‬وهو‪:‬‬


‫فالنوع األول‪ :‬أن يكون َّ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪413‬‬

‫إما أن يكون ُمو اال عن الفاعل؛ كـ (طاب زيدٌ نفسا)‪ ،‬فاألصل‪ :‬طابت نفس ٍ‬
‫زيد‪ ،‬فالنفس‬ ‫ا‬ ‫َّ‬
‫نفسا)‪ ،‬و(تص َّبب زيدٌ عر اقا)‬
‫فاعل‪ ،‬ثم حولت النفس من الفاعل إىل التمييز‪ ،‬تقول‪( :‬طاب زيدٌ ا‬
‫الر ْأس‬ ‫ٍ‬ ‫األصل تصبب عرق ٍ‬
‫فاعل إىل متييز‪ ،‬وكذلك‪﴿ :‬و ْاشتعل َّ‬ ‫زيد‪ ،‬ثم حولته من‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫فاعل إىل متييز‪ ،‬فنسميه متييز‬ ‫ش ْي ابا [مريم‪]4:‬؛ أي اشتعل شيب الرأس‪ ،‬ثم حولت الشيب من‬
‫ُمول من الفاعل‪.‬‬
‫َّ‬

‫شجرا)؛ أي زرعت شجر‬ ‫ٍ‬


‫مفعول به وهو أقل‪ ،‬نحو‪( :‬زرعت األرض‬ ‫أو يكون التحويل من‬
‫ا‬
‫ٍ‬
‫مفعول به إىل متييز‪ ،‬يف قوله تعاىل‪﴿ :‬وف َّج ْرنا ْاأل ْرض‬ ‫حولته ‪-‬حولت الشجر‪ -‬من‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬ثم َّ‬
‫عيوناا [القمر‪ ]12:‬يعني فجرنا عيون األرض‪.‬‬
‫أو يكون التحويل عن املبتدأ‪ ،‬نحو‪ُ( :‬ممدٌ أحسن من ٍ‬
‫زيد خل اقا)‪ ،‬األصل‪ :‬خلق ُممد‬
‫أحسن من خلق زيد‪ ،‬ثم حولنا اخللق من مبتدأ إىل متييز‪ ،‬فقلنا‪ُ( :‬ممدٌ أحسن من ٍ‬
‫زيد خل اقا)‪،‬‬
‫فحولت الوجه من مبتدأ إىل‬
‫وجها)؛ يعني وجهه أمجل من وجهك‪َّ ،‬‬ ‫وتقول‪( :‬هو أمجل منك ا‬
‫متييز‪ ،‬ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬أنا أكْثر ِمنْك م ااال [الكهف‪ ]34:‬يعني مايل أكثر من مالك‪.‬‬

‫ُمو اال عن‬


‫املحول‪ ،‬وهذا قليل جدً ا فال يكون َّ‬
‫َّ‬ ‫والنوع الثان من متييز النسبة‪ :‬متييز النسبة غري‬
‫ا‬
‫رجاال)؛ يعني ضاق القرص من الرجال‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مفعول به‪ ،‬أو مبتدأ‪ ،‬نحو‪( :‬ضاق القرص‬ ‫فاعل‪ ،‬أو‬
‫فاعال (امتأل ماء اإلناء) ما قبِل‪،‬‬
‫ماء ا‬‫ماء) امتأل اإلناء من املاء‪ ،‬فلو أردت أن جتعل ا‬
‫و(امتأل اإلناء ا‬
‫ُمو اال‪.‬‬ ‫ا‬
‫مفعوال به‪ ،‬أو مبتدأ ما يقبل ذلك فليس َّ‬ ‫أو‬

‫‪ ‬ثم قال ابن هشام فائد اة تتعلق بالتمييز وباحلال الذي تك َّلم عليه من قبل فقال‪:‬‬

‫ان‬ ‫ض م ْف ِس ِدين [البقرة‪ ،]60:‬وقوله‪ِ :‬‬


‫(م ْن خ ْ ِري أ ْدي ِ‬ ‫ان ن ْحو‪﴿ :‬وال ت ْعث ْوا ِيف ْاأل ْر ِ‬ ‫"وقدْ يؤكيد ِ‬
‫ْ‬
‫ومنْه‪( :‬بِئْس ا ْلف ْحل ف ْحلهم ف ْح اال) خال افا لسيبويه"‪.‬‬ ‫ا ْل ِربية ِديناا) ِ‬
‫ي‬
‫‪414‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫قوله‪( :‬يؤكيد ِ‬
‫ان) يعود إىل ماذا؟ إىل احلال وإىل التمييز؛‬

‫فاحلال تأيت مؤسسة أو كاشفة‪ ،‬وهذا الذي سبق‪ ،‬واملراد باحلال املؤسسة والكاشفة هي التي‬
‫تأيت بمعناى جديد ال يعرف إال بالنطق هبا‪ ،‬فلو حذفت احلال ذهب هذا املعنى؛ كقولك‪( :‬جاء‬
‫زيدٌ ضاحكاا)‪ ،‬لو أنت ما قلت‪( :‬ضاحكاا) هل كنت ِ‬
‫تعرف حالة زيد وقت املجيء؟ ال‪ ،‬فالذي‬
‫َّبني لك حالة زيد وقت املجيء قول‪( :‬ضاحكاا) هذه حال مؤسسة؛ يعني أتت بمعناى جديد‪،‬‬
‫كشفت لك املعنى‪ ،‬نقول‪ :‬مؤسسة أو كاشفة‪.‬‬

‫مفهوما قبل‬
‫ا‬ ‫وتأيت احلال مؤكيدة‪ ،‬وَشحنا معنى التأكيد من قبل‪ ،‬واملراد به أهنا تؤكد معناى‬
‫دخوهلا؛ يعني معناها معروف قبل النطق هبا‪ ،‬ما فائدهتا إذا كان املعنى معروف قبل النطق هبا؟‬
‫تؤكد هذا املعنى املعروف وتقويه‪ ،‬نحو‪﴿ :‬ث َّم و َّل ْيت ْم مدْ بِ ِرين [التوبة‪﴿ ،]25:‬و َّل ْيت ْم ‪ :‬الذي‬
‫ي ي‬
‫ويل عنك يكون قد أعطاك دبره‪ ،‬فمدبرين‪ :‬حال لكنه حال مؤكيدة‪ ،‬هذا معروف من قوله‪:‬‬
‫﴿و َّل ْيت ْم ‪.‬‬

‫قال‪﴿ :‬وي ْوم أ ْبعث ح ًيا [مريم‪ ]33:‬أبعث حالة كون ح ًيا‪ ،‬أبعث‪ ،‬البعث هو نرش املوتى‬
‫أحياء‪ ،‬وقوله‪( :‬أبعث) َّ‬
‫دل عىل أهنم أحياء‪.‬‬ ‫ا‬
‫نقول‪﴿ :‬فتبسم ض ِ‬
‫احكاا [النمل‪ ،]19:‬ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬وال ت ْعث ْوا ِيف ْاأل ْر ِ‬
‫ض‬ ‫َّ‬
‫م ْف ِس ِدين [البقرة‪ ]60:‬تعثوا‪ :‬يدل عىل أهنم مفسدون‪ ،‬فقوله‪﴿ :‬م ْف ِس ِدين حال لكن حال‬
‫مؤكدة‪.‬‬

‫وكذلك التمييز‪ ،‬التمييز‪:‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪415‬‬

‫مؤس اسا كاش افا كاألمثلة السابقة‪ ،‬فإذا قلت‪( :‬جاء عرشون) ال تعرف ما هم حتى أقول‪:‬‬
‫يأيت ي‬
‫قلَم) هذه حال‬ ‫(مهندسا‪ ،‬أو ا‬
‫رجال)‪ ،‬أو (اشرتيت عرشين) ما تعرف حتى أقول‪( :‬بقر اة أو ا‬ ‫ا‬
‫مؤسسة أو كاشفة‪.‬‬
‫ي‬

‫يوما من قويل‪:‬‬
‫يوما) ثالثون‪ :‬معروف أهنا ا‬ ‫ِ‬
‫الشهر ثالثون ا‬ ‫وقد تكون احلال مؤكيدة نحو‪( :‬أيام‬
‫فيوما هنا‬ ‫(أيام الشهر)‪ ،‬فلن تكون أيام الشهر ثالثون سن اة‪ ،‬أو ثالثون ساع اة‪ ،‬أكيد ثالثون ا‬
‫يوما‪ ،‬ا‬
‫متييز مؤكيد‪.‬‬

‫فشهرا‬
‫ا‬ ‫ور ِعنْد اَّللَِّ ا ْثنا عرش ش ْه ارا [التوبة‪]36:‬‬ ‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬إِ َّن ِعدَّ ة ُّ‬
‫الشه ِ‬

‫ور [التوبة‪.]36:‬‬ ‫الشه ِ‬ ‫معروف من قوله‪ِ :‬‬


‫﴿عدَّ ة ُّ‬

‫الصالة‬ ‫ِ‬
‫قال ابن هشام‪ :‬ومن ذلك قول أِب طالب يف القصيدة التي مدح فيها النبي ‪-‬عل ْيه َّ‬
‫السال ِم‪:-‬‬
‫و َّ‬

‫ـة ِدينــا‬
‫الربيـ ِ‬ ‫ـري أديـ ِ‬
‫ـان ِ َّ‬ ‫ـن خـ ِ‬ ‫ِ‬
‫مـ ْ‬
‫ٍ‬
‫ُممـد‬ ‫ولقدْ علمت بـأ َّن ديـن‬
‫الرب َّي ِة)‪.‬‬ ‫دل عليه قوله‪( :‬أديان) ( ِم ْن ِ‬
‫خري أ ِ‬
‫ديان ِ‬ ‫فقوله‪( :‬ديناا) متييز مؤكد؛ ألنه َّ‬

‫أيضا كَم ذكر ابن هشام‪ :‬قول الشاعر‪:‬‬


‫ومن ذلك ا‬

‫زالء ِمنْطِيـــق‬
‫فحـــ اال وأمهـــم َّ‬ ‫وال َّتغلِب ُّيون بِئس الفحل فحلهم‬
‫فهذا يف أسلوب املدح والذم بــ (نعم‪ ،‬وبئس) هذا الباب الذي َّفرقه ابن هشام يف كتابه ومل‬
‫خاصا‪ ،‬فهذا حكم من أحكامه‪.‬‬
‫جيعل له با ابا ً‬

‫وخمصوصا باملدح أو الذم‪ ،‬فتقول‪( :‬نِعم الرجل زيدٌ )‬


‫ا‬ ‫فمن أحكام (بئس ونِعم) أن هلا ا‬
‫فاعال‬
‫أين فاعل (نِ ْعم)؟ الرجل؛‬
‫‪416‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫معر افا بــ (أل)؛ (نِ ْعم الرجل)‪ ،‬أو مضا افا ملا فيه (أل) (نِ ْعم صديق‬
‫‪ -‬إما أن تأيت بالفاعل َّ‬
‫ِ‬
‫الرجل زيدٌ )‪.‬‬

‫‪ -‬وإما أن تأيت به منصو ابا فيكون متييزا ا‪ ،‬وإما أن تأيت به نكر اة منصوبة فيكون متيي ازا؛ (نِ ْعم‬
‫رجال)‪.‬‬‫حينئذ ضمري مسترت؛ (نِ ْعم هو ا‬ ‫ٍ‬ ‫ا‬
‫رجال زيدٌ ) والفاعل‬

‫وهل لك أن جتمع بني الفاعل الظاهر وبني التمييز؟ فتقول‪( :‬نِ ْعم الرجل ا‬
‫رجال زيدٌ )؟ هذه‬
‫املسألة التي فيها خالف‪ ،‬فالبرصيون وعىل رأسهم سيبويه منعوا ذلك‪ ،‬قالوا‪:‬‬

‫‪ ‬إما أن تقول‪( :‬نِ ْعم الرجل زيدٌ )‪.‬‬

‫‪ ‬أو تقول‪( :‬نِ ْعم ا‬


‫رجال زيدٌ )‪.‬‬

‫لكن ما جتمع بني الفاعل الظاهر والتمييز‪ ،‬فتقول‪( :‬نِ ْعم الرجل ا‬
‫رجال زيدٌ )‪.‬‬

‫إال أنه جاء عن العرب هذا البيت‪( :‬بِئس الفحل فحلهم ف ْح اال) كان يكفي أن تقول‪( :‬بِئس‬
‫الفحل فحلهم)‪ ،‬لكنه قال‪( :‬بِئس الفحل ف ْح اال فحلهم) فجمع بني الفاعل الظاهر وبني‬
‫ٍ‬
‫حينئذ من التمييز املؤكيد‪.‬‬ ‫التمييز؛ فابن هشام قال‪ :‬هذا جائز‪ ،‬ويكون التمييز‬

‫هذا ما يتع َّلق بباب التمييز‪.‬‬

‫‪ ‬لينتقل ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬إىل الباب األخري من األسَمء املنصوبة وهو‪ :‬املستثنى بــ‬
‫َّ‬
‫(إال) [باب املستثنى]‪ ،‬هذا باب االستثناء‪ ،‬وقد َشحناه من قبل‪ ،‬فسنركيز عىل ما زاده ابن هشام‬

‫يف هذا الباب‪ ،‬وسنجد أن ابن هشام مل ِيزد ا‬


‫كثريا يف هذا الباب‪.‬‬

‫فقال ابن هشام‪" :‬وامل ْست ْثنى بـ (إِ َّال)" وقد ذكرنا من قبل تعريف االستثناء وأدواته‪،‬‬
‫وأركانه‪ :‬املستثنى‪ ،‬وأداة االستثناء‪ ،‬واملستثنى منه‪ ،‬إال أن ابن هشام هنا زاد ِذكر االستثناء‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪417‬‬

‫املنقطع‪ ،‬وزاد حكم املستثنى إذا تقدَّ م عىل املستثنى منه‪ ،‬وزاد االستثناء بــ (ليس‪ ،‬وال يكون)‬
‫كرر ما يف كتب املبتدئني‪.‬‬
‫زاد هذه املسائل فقط‪ ،‬ما سوى ذلك َّ‬

‫فلهذا سنركيز عىل هذه املسائل الثالث‪:‬‬

‫املسألة األوىل‪ :‬االستثناء املنقطع‪.‬‬

‫والثانية‪ :‬حكم املستثنى إذا تقدَّ م عىل املستثنى منه‪.‬‬

‫والثالثة‪ :‬االستثناء بــ (ليس‪ ،‬وال يكون)‪.‬‬

‫وسوى) ومها اسَمن‪،‬‬


‫ا‬ ‫و(غري‬
‫ٌ‬ ‫حرف باتفاق‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫فأدوات االستثناء كَم سبق هي‪َّ :‬‬
‫(إال) وهي‬
‫جر ما بعدها ونصب ما بعدها؛‬
‫و(خال وعدا‪ ،‬وحاشا) وهذه الثالثة جاء فيها عن العرب ُّ‬

‫‪ -‬فإن ج َّر ما بعدها فهي حروف جر‪.‬‬

‫‪ -‬وإن ن ِصب ما بعدها فهي ٌ‬


‫أفعال ماضية‪.‬‬

‫وزاد ابن هشام يف أدوات االستثناء كَم قلنا أداتني ومها‪( :‬ليس‪ ،‬وال يكون) وسيأيت الكالم‬
‫عليهَم‪.‬‬

‫ويف حكم املستثنى‪ :‬ذكرنا أن االستثناء يأيت عىل ثالثة أحوال‪:‬‬

‫تاما موج ابا‪ ،‬فاملستثنى جيب نصبه؛ كـ (جاء الرجال َّإال خالدا ا)‪.‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون االستثناء ا‬

‫واحلالة الثانية ‪ :‬االستثناء التام غري املوجب املسبوق بنفي‪ ،‬أو هني‪ ،‬أو استفهام‪ ،‬فهذا جيوز يف‬
‫املستثنى فيه النصب عىل االستثناء واإلبدال من املستثنى منه وهذا هو األكثر‪ ،‬نحو‪( :‬ما جاء‬
‫الرجال َّإال خالدٌ ) عىل البدلية‪ ،‬أو (ما جاء الرجال َّإال خالدا ا) عىل االستثناء‪.‬‬
‫‪418‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬
‫ٍ‬
‫حينئذ يعرب‬ ‫واحلالة الثالثة يف االستثناء الناقص‪ :‬وذلك إذا مل يذكر املستثنى منه‪ ،‬فاملستثنى‬
‫بحسب ما قبل َّ‬
‫(إال)؛‬

‫فاعال يف نحو‪( :‬ما جاء َّإال خالدٌ )‪.‬‬


‫‪ -‬فقد يكون ا‬

‫مفعوال به‪( :‬فَم أكرمت َّإال خالدا ا)‪.‬‬


‫ا‬ ‫‪ -‬أو‬

‫صباحا)‪.‬‬
‫ا‬ ‫‪ -‬وقد يكون ظرف زمان كـ (ما جاء خالدٌ َّإال‬

‫مفعوال ألجله‪( :‬ما جاء خالدٌ َّإال ح ًبا لك)‪.‬‬


‫ا‬ ‫‪ -‬أو‬

‫وغري ذلك‪.‬‬

‫‪ ‬ثم ذكر ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل تعاىل‪ -‬حكم االستثناء املنقطع‪ ،‬لكن نقرأ ما قاله يف هذه‬
‫ب"‬‫احلاالت التي سبق َشحها فقال‪" :‬وامل ْست ْثنى بـ (إِال) ِم ْن كالم تا ٍّم موج ٍ‬

‫يعني جيب نصبه؛ ألنه من األسَمء املنصوبة‪.‬‬

‫رشبوا ِمنْه إِ َّال قلِ ايال ِمنْه ْم [البقرة‪ ،]249:‬فإِ ْن ف ِقد اإلجياب" يعني بذلك‬ ‫نحو‪﴿ :‬ف ِ‬ ‫قال‪ْ :‬‬
‫ِ‬
‫نحو‪﴿ :‬ما‬ ‫احلالة الثانية االستثناء التام غري املوجب‪ ،‬قال يف احلكم‪" :‬تر َّجح البدل يف املتَّص ِل ْ‬
‫يل ِمنْهم [النساء‪ ،]66:‬والنَّصب يف املنْقطِع ِعنْد بنِي متِيم‪ ،‬ووجب ِعنْد ِ‬
‫احلج ِ‬
‫از ييني‬ ‫فعلوه إِ َّال قلِ ٌ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫نحو‪﴿ :‬ما هل ْم بِ ِه ِم ْن ِع ْل ٍم إِ َّال اتيباع ال َّظ ين [النساء‪ ]157:‬ما مل يتقدَّ ْم فِ ِ‬
‫يهَم"‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ْ‬
‫نحو ق ْولِ ِه‪:‬‬ ‫يعني يتقدَّ م املستثنى عىل املستثنى منه‪" .‬ما مل يتقدَّ ْم فِ ِ‬
‫يهَم فالن َّْصب" يعني جيب‪ْ ،‬‬ ‫ْ‬
‫ـذهب‬ ‫وما ِيل إِال م ْذهب ْ‬
‫احل يق م ْ‬ ‫ومـــا ِيل إِال آل أ ْمحـــد ِشـــيع ٌة‬
‫ب العو ِام ِل‬
‫" ْأو ف ِقد التََّمم" يعني احلالة الثالثة لالستثناء الناقص‪ْ " ،‬أو ف ِقد التََّمم فعىل حس ِ‬

‫احد ٌة [القمر‪ ]50:‬ويس َّمى مف َّر اغا"‪.‬‬ ‫نحو‪﴿ :‬وما أمرنا إِ َّال و ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪419‬‬

‫فهذا ما قاله يف االستثناء بــ َّ‬


‫(إال)‪ ،‬وزاد فيه كَم قلنا‪ :‬الكالم عىل االستثناء املنقطع‪ ،‬فَم املراد‬
‫باالستثناء املنقطع واملتصل؟‬

‫االستثناء املتصل‪ :‬ما كان املستثنى من جنس املستثنى منه؛ كقولك‪( :‬ما جاء الرجال إال‬
‫خالدٌ ) فخالدٌ من الرجال‪ ،‬فهذا متصل وهو الذي تك َّلمنا عىل حكمه يف احلاالت الثالث‬
‫السابقة‪.‬‬

‫واملراد باالستثناء املنقطع‪ :‬ما مل يكن املستثنى من جنس املستثنى منه‪ ،‬وهذا وار ٌد عن العرب؛‬

‫كقولك‪( :‬جاء القوم َّإال ا‬


‫محارا) فاحليوانات ال تعدُّ من القوم‪ ،‬فإذا قال العرب نحو ذلك فنقول‪:‬‬
‫إن االستثناء منقطع؛ ألن احلَمر ليس من القوم إال أنه أسلوب‪.‬‬

‫فصله ابن هشام فقال‪:‬‬ ‫ٍ‬


‫فَم احلكم املستثنى حينئذ يف هذا االستثناء املنقطع؟ َّ‬

‫محارا) فهو يف ذلك كاملتصل‪ ،‬التام املوجب‬


‫يف التام املوجب جيب نصبه؛ نحو‪( :‬جاء القوم إال ا‬
‫املستثنى منه واجب النصب متصل‪ ،‬واآلن يف املنقطع‪.‬‬

‫ويف التام غري املوجب؟ يف التام الذي سبِق بنفي أو هني أو استفهام‪ ،‬قال ابن هشام‪ :‬لك يف‬
‫املستثنى يف االستثناء املنقطع تفصيل‪:‬‬

‫أيضا عىل كل حال‪ ،‬فال يقال عندهم إال (ما جاء‬


‫‪ -‬فعند احلجازيني جيب فيه النصب ا‬

‫القوم َّإال ا‬
‫محارا) بالنصب‪.‬‬

‫‪ -‬وعند بني متيم جيوز نصبه وجيوز إبداله من املستثنى منه‪.‬‬

‫فهو يف ذلك عند بني متيم كاملتصل يف االستثناء التام غري املوجب‪ ،‬إال أن املستثنى يف‬
‫محارا) هذا هو‬
‫يرتجح فيه النصب‪ ،‬فتقول‪( :‬ما جاء القوم إال ا‬
‫االستثناء املنقطع عند بني متيم َّ‬
‫‪420‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫محار) عىل أنه بدل‪ ،‬وهذا جائزٌ مرجوح‪ ،‬وأما يف االستثناء املتصل‬
‫األرجح‪ ،‬و(ما جاء القوم إال ٌ‬
‫كَم سبق فيجوز الوجهان إال أن الراجح البدلية‪.‬‬

‫املفرغ‪ ،‬هل يقع فيه االستثناء املنقطع؟ طب اعا ال يقع؛ ألن املنقطع ما‬
‫بقي االستثناء الناقص َّ‬
‫املفرغ الناقص ما يف مستثنى منه ا‬
‫أصال‪ ،‬تقول‪( :‬ما‬ ‫كان املستثنى من غري جنس املستثنى منه‪ ،‬ويف َّ‬
‫ٍ‬
‫ا‬
‫متصال؛ فهذا هو الكالم عىل االستثناء‬ ‫وحينئذ ال يكون منقط اعا وال‬ ‫جاء َّإال ٌ‬
‫محار) فهو فاعل‪،‬‬
‫املنقطع‪.‬‬

‫فخالصته‪ :‬أن التمييز املنقطع واجب النصب‪:‬‬

‫عند احلجازيني عىل كل حال‪ ،‬يف التام املوجب ويف التام غري املوجب‪.‬‬

‫رجحون نصبه يف التام غري املوجب‪.‬‬


‫وأما بنو متيم فيجيبون نصبه يف التام املوجب‪ ،‬وي ي‬

‫ومما جاء من االستثناء املنقطع غري ما سبق من قول العرب‪( :‬جاء القوم َّإال ا‬
‫محارا)‪ ،‬قوله ‪-‬‬
‫س ْبحانه وتعاىل‪﴿ :-‬ما هل ْم بِ ِه ِم ْن ِع ْل ٍم إِ َّال اتيباع ال َّظ ين [النساء‪ ]157:‬فاستثنى اتيباع الظن من‬
‫علم؟ اجلواب‪ :‬ال‪ ،‬ومع ذلك استثناء بـ َّ‬
‫(إال) فقالوا‪ :‬إن االستثناء‬ ‫العلم‪ ،‬وهل اتباع الظن ٌ‬
‫تام‬
‫منقطع؛ ألن اتباع الظن ليس من جنس العلم‪ ،‬فلهذا وجب النصب فيه مع أن االستثناء ٌ‬
‫ُمال جمرور لف اظا‬
‫مرفوعا؛ ألن عل ٍم مبتدأ مرفوع ً‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫متصال لكان األرجح أن يكون‬ ‫منفي‪ ،‬ولو كان‬
‫(من) الزائدة؛ يعني ما هلم علم‪ ،‬لكن جر بــ ِ‬
‫(م ْن) الزائدة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫بــ ْ‬

‫ومن ذلك قوله ‪-‬س ْبحانه وتعاىل‪﴿ :-‬فسجد ا ْملالئِكة ك ُّله ْم أ ْمجعون * إِ َّال إِ ْبلِيس [احلجر‪:‬‬
‫ٍ‬
‫خالف معروف يف إبليس؛‬ ‫‪ ]31-30‬عىل‬

‫‪ -‬فمن قال‪ :‬إن إبليس ليس من املالئكة بل هو من اجلن للترصيح بذلك يف آية‬
‫ٍ‬
‫حينئذ منقطع‪.‬‬ ‫الكهف‪ ،‬فاالستثناء‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪421‬‬

‫ٍ‬
‫حينئذ متصل‪.‬‬ ‫‪ -‬ومن قال إنه من املالئكة ولكنه عصا فاالستثناء‬

‫واالستثناء واجب النصب عىل كل حال؛ ألن االستثناء تا ٌّم موجب‪.‬‬

‫ومن ذلك مما يمكن أن يذكر يف االستثناء املتصل واالستثناء املنقطع‪ :‬قوله ‪-‬س ْبحانه وتعاىل‪-‬‬
‫ض ا ْلغ ْيب إِ َّال اَّللَّ [النمل‪ ]65:‬فاَّلل مستثناى بــ َّ‬
‫(إال)‪،‬‬ ‫‪﴿ :‬ق ْل ال يعلم من ِيف السمو ِ‬
‫ات واأل ْر ِ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ض ‪ ،‬هل االستثناء هنا متصل أم منقطع؟‬ ‫ات واأل ْر ِ‬ ‫وأين املستثنى منه؟ ﴿من ِيف السمو ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬

‫متصال فاالستثناء تا ٌّم منفي ﴿ال ي ْعلم ‪ ،‬واالستثناء يف التام املنفي الراجح فيه‪:‬‬ ‫ا‬ ‫إن كان‬
‫ات ؛ ألن م ْن فاعل ليعلم‪ ،‬وعىل هذا جاءت اآلية‪:‬‬ ‫البدلية‪ ،‬فلهذا يرفع ﴿ال يعلم من ِيف السمو ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ٍ‬ ‫﴿ق ْل ال يعلم من ِيف السمو ِ‬
‫باستثناء تا ٍّم‬ ‫ض ا ْلغ ْيب إِ َّال اَّللَّ باتفاق َّ‬
‫القراء؛ ألنه مستثناى‬ ‫ات واأل ْر ِ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫منفي‪ ،‬فجاءت اآلية عىل الراجح يف اللغة‪.‬‬

‫ومن قال‪ :‬إن االستثناء منقطع‪ ،‬وهؤالء من نفوا علو اَّلل يف السَمء‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن االستثناء‬
‫ٍ‬
‫حينئذ؟‬ ‫منقطع‪ ،‬فإذا قلنا‪ :‬إنه منقطع ما حكم املستثنى‬

‫عند احلجازيني واجب النصب‪ ،‬والقرآن نزل يف جممله وأغلبه عىل لغة احلجازيني‪ ،‬فكان‬
‫مرفوعا‪ ،‬قالوا‪ :‬هذا عىل لغة التميميني‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ يف اسم اَّلل أن يكون منصو ابا‪ ،‬ولكنه جاء‬ ‫الواجب‬
‫ا‬
‫هذا مما جاء عىل لغة غري احلجازيني‪.‬‬

‫طيب ننظر يف لغة التميميني‪ :‬التميميون يف املنقطع يف التام املنفي جيوز الوجهان‪ ،‬والراجح‬
‫تتخرج عىل قوهلم إال عىل لغة غري‬
‫َّ‬ ‫النصب‪ ،‬واإلبدال مرجوح؛ يعني معنى ذلك أن اآلية ال‬
‫احلجازيني التميميني‪ ،‬وعىل الوجه املرجوح‪ ،‬فلهذا طال كالمهم جدً ا عىل هذه اآلية‪ ،‬وُماولة‬
‫خترجيها وتك َّلفوا أوج اه كثرية يف ُماولة خترجيها؛ ألنه من أقوى األدلة عىل علو اَّلل ‪-‬ع َّز وج َّل‪-‬‬
‫وكونه يف السَمء‪.‬‬
‫‪422‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫وأيضا ذكر ابن هشام مسأل اة زائدة وهي‪ :‬حكم املستثنى إذا تقدَّ م عىل املستثنى منه‪ ،‬فقال‪:‬‬‫‪ ‬ا‬
‫يهَم فالن َّْصب) يعني أن املستثنى إذا تقدَّ م عىل املستثنى منه فحكمه وجوب النصب‬‫(ما مل يتقدَّ ْم فِ ِ‬
‫ْ‬
‫عىل كل حال يف االستثناء التام املوجب‪ ،‬ويف االستثناء التام غري املوجب‪ ،‬ويف املتصل‪ ،‬ويف‬
‫املنقطع‪.‬‬

‫(الطالب َّإال املهمل‬


‫َّ‬ ‫فمتى ما تقدَّ م املستثنى عىل املستثنى منه وجب فيه النصب؛ كقولك‪:‬‬
‫(الطالب َّإال املهمل نجحوا) فــ َّ‬
‫(إال املهمل) هذا مستثنى من فاعل (نجحوا)؛‬ ‫َّ‬ ‫ناجحون)‪ ،‬أو‬
‫الطالب نجحوا َّإال املهمل‪ ،‬فاملهمل مستثناى من فاعل نجحوا‪ ،‬طيب قدي م املستثنى عىل‬
‫يعني َّ‬
‫(الطالب َّإال املهمل نجحوا) فيجب فيه النصب‪.‬‬
‫َّ‬ ‫املستثنى منه‪:‬‬

‫نارص َّإال اَّلل)؛‬


‫ٌ‬ ‫نارص َّإال اَّلل) عىل النصب‪ ،‬وإذا أبدلت وهو األكثر (ليس يل‬
‫ٌ‬ ‫تقول‪( :‬ليس يل‬
‫نارص)‬
‫ٌ‬ ‫ألن االستثناء تا ٌّم منفي‪ ،‬طيب قدي م املستثنى عىل املستثنى منه تقول‪( :‬ليس يل َّإال اَّلل‬
‫حينئذ النصب‪.‬‬‫ٍ‬ ‫فيجب‬

‫وتقول‪( :‬سافر إخوتك َّإال خالدا ا) قدي م (سافر َّإال خالدا ا إخوتك)‪( ،‬ما سافر إخوتك َّإال‬
‫(إال خالدا ا) باالستثناء‪ ،‬طيب قدي م املستثنى‪( :‬ما سافر َّإال خالدا ا إخوتك) جيب‬
‫خالدٌ ) باإلبدال َّ‬

‫فيه النصب؛ ألنه تقدَّ م‪.‬‬

‫ومن ذلك قول الكم ْيت‪:‬‬

‫احلـق م ْ‬
‫ـذهب‬ ‫ي‬ ‫وما ِيل إِ َّال مذهب‬ ‫ومــــا يل إِ َّال آل أمحــــد ِشــــيع ٌة‬
‫تام‬ ‫مذهب َّإال مذهب ي‬
‫احلق) فاالستثناء هنا ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫فأصل الكالم‪( :‬ما يل شيع ٌة َّإال آل أمحد‪ ،‬وما يل‬
‫منفي‪ ،‬فاألرجح فيه اإلبدال فنرفع؛‬

‫ـق‬ ‫ـذهب إِ َّال مـ ْ‬


‫ـذهب احلـ ي‬ ‫ومــا ِيل مـ ٌ‬ ‫ومــــا يل ِشــــيع ٌة إِ َّال آل أمحــــد‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪423‬‬

‫فلَم قدَّ م املستثنى عىل املستثنى منه نصبه وجو ابا فقال‪:‬‬

‫احلـق م ْ‬
‫ـذهب‬ ‫ي‬ ‫وما ِيل إِ َّال مذهب‬ ‫ومــــا يل إِ َّال آل أمحــــد ِشــــيع ٌة‬

‫‪ ‬واملسألة الثالثة األخرية التي زادها ابن هشام يف هذا الباب‪:‬‬

‫االستثناء بـ (ليس وال يكون)‪.‬‬

‫االستثناء بـ (ليس وال يكون) معلو ٌم أن (ليس وال يكون) من األفعال الناقصة‪ ،‬وسبق‬
‫الكالم عليها يف باب كان وأخواهتا‪ ،‬وعرفنا أهنا ترفع املبتدأ وتنصب اخلرب‪ ،‬وإذا كان هذان‬
‫ٍ‬
‫حينئذ سيعمالن عملهَم يف األفعال الناقصة‪ ،‬وال‬ ‫استثناء فإهنَم‬ ‫الفعالن (ليس وال يكون)‬
‫ا‬
‫استثناء إال إذا كانا بمعنى َّ‬
‫(إال)‪.‬‬ ‫ا‬ ‫يكونان‬

‫نحو‪( :‬جاء القوم ليس زيدا ا)‪ ،‬و(جاء القوم ال يكون زيدا ا) كيف يكون اإلعراب يف (جاء‬
‫القوم ليس زيدا ا)‪ ،‬أو (جاء القوم ال يكون زيدا ا)؟ زيدا ا سيكون خرب لـ (ليس وال يكون)‪ ،‬فأين‬
‫ضمري عائدٌ عىل بعض املفهوم؛ يعني جاء القوم ليس بعضهم زيدا ا‪ ،‬أو‬
‫ٌ‬ ‫اسم (ليس وال يكون)؟‬
‫جاء القوم ال يكون بعضهم زيدا ا‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫استثناء مطل اقا إذا كانت بمعنى َّ‬


‫(إال)‪.‬‬ ‫ا‬ ‫‪ -‬فـ (ليس) تقع‬

‫استثناء إال بأن تسبق بــ (ال)‪( :‬ال يكون)؛ يعني لو مل تسبق بـ‬
‫ا‬ ‫‪ -‬وأما يكون فال تقع‬
‫غري‪.‬‬
‫استثناء؛ ألن هذا أسلوب ال ي َّ‬
‫ا‬ ‫(ال)‪ ،‬لو سبِقت بـ (ما) ال تكون‬

‫هذا ما يتع َّلق باالستثناء وهو آخر األسَمء املنصوبة التي ذكرها ابن هشام‪ ،‬وبذلك نكون قد‬
‫انتهينا من األسَمء املنصوبة‪.‬‬
‫‪424‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫عرب بمصطلح اخلفض‪ ،‬ويقال‪ :‬املجرورات‪،‬‬


‫‪ ‬لينتقل إىل باب املخفوضات‪ ،‬ابن هشام هنا َّ‬
‫مشهور مستعمل عند البرصيني املتقدي مني‪ ،‬إال أن‬
‫ٌ‬ ‫مصطلح‬
‫ٌ‬ ‫ويستعمل مصطلح اجلر‪ ،‬وكالمها‬
‫استعَمهلم للجر أكثر‪ ،‬وأما الكوفيون فيستعملون اخلفض‪ ،‬ومعنامها واحد‪.‬‬

‫فابن هشام يريد يف هذا الباب أن يذكر األسَمء املجرورة؛ يعني املواضع التي يكون حكم‬
‫االسم فيها اجلر‪ ،‬وسيذكر أهنَم اسَمن موضعان‪:‬‬
‫األول‪ :‬االسم املجرور بحرف جر؛ يعني االسم إذا سبِق بح ٍ‬
‫رف من حروف اجلر‪.‬‬

‫والثان‪ :‬املضاف إليه؛ يعني االسم الذي إذا وقع مضا افا إليه‪.‬‬

‫بدأ باالسم املجرور بحرف جر فقال‪:‬‬

‫ف م ْشرت ٍك وهو‪ِ ( :‬م ْن‪ ،‬وإِىل‪ ،‬وع ْن‪ ،‬وعىل‪ ،‬و ِيف‪ ،‬وا َّلالم‪ ،‬وا ْلباء‬ ‫االسم إِما بِحر ٍ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫خيفض ْ َّ‬ ‫" ْ‬
‫خمتص بال َّظ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اه ِر‪ :‬وهو‪( ،‬ر َّب‪ ،‬وم ْذ‪ ،‬ومنْذ‪ ،‬والكاف‪ ،‬وحتَّى‪ ،‬وواو القس ِم‬ ‫ل ْلقسم) وغ ْ ِريه‪ ،‬أ ْو ْ ٍّ‬
‫وتاؤه)"‪.‬‬

‫فذكر ابن هشام كم حرف؟ أربعة عرش حر افا من حروف اجلر‪ ،‬وذكر أهنا عىل نوعني‪:‬‬

‫جير األسَمء الظاهرة‪ ،‬وما جير األسَمء املضمرة‬ ‫جير الظاهر واملضمر؛ يعني ما ُّ‬ ‫النوع األول‪ :‬ما ُّ‬
‫يعني الضَمئر‪ ،‬وهي سبعة أحرف‪ِ ( :‬م ْن‪ ،‬وإِىل‪ ،‬وع ْن‪ ،‬وعىل‪ ،‬و ِيف‪ ،‬وا َّلالم‪ ،‬وا ْلباء) التي تدل عىل‬
‫ا ْلقسم والتي ال تدل عىل القسم‪.‬‬

‫ألفعلن كذا‬ ‫ِ‬


‫باحلقيبة)‪ ،‬وتقول‪( :‬باَّللِ‬ ‫ِ‬
‫املسجد)‪ ،‬وتقول‪( :‬الكتاب‬ ‫ِ‬
‫البيت إىل‬ ‫تقول‪( :‬ذهبت من‬
‫َّ‬
‫وكذا) فدخلت عىل الظاهر‪.‬‬

‫وتدخل عىل الضمري فتقول‪( :‬ذهبت منك إليك)‪ ،‬وتقول‪( :‬الكتاب ِبه فوائد كثرية) وهكذا‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪425‬‬

‫جر الظاهر دون املضمر‪ ،‬احلروف التي جتر األسَمء الظاهرة‬


‫والنوع الثان‪ :‬حروف اجلر التي ُّ‬
‫لكنها ال جتر الضَمئر‪ ،‬وهي سبعة أحرف‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫جتر إال النكرات دون املعارف؛ (ر َّب أخٍ لك مل تلده أمك)‪،‬‬


‫احلرف األول‪( :‬ر َّب) وهي ال ُّ‬
‫ِ‬
‫صامه إال اجلوع والتعب)‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫كتاب قرأته البارحة)‪( ،‬ر َّب صائ ٍم ليس له من‬ ‫(ر َّب‬

‫واحلرف الثان والثالث‪( :‬منْذ‪ ،‬وم ْذ) وال َّ‬


‫جيران إال أسَمء الزمان فقط‪( ،‬انتظرته منذ‬
‫يومني)‪ ،‬أو (رأيته منذ سنة)‪.‬‬

‫ِ‬
‫كالقمر)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كاألسد)‪ ،‬و(هندٌ‬ ‫واحلرف الرابع‪( :‬الكاف) وهي جتر املش َّبه به‪ ،‬تقول‪( :‬زيدٌ‬

‫جتر الغاية؛ ﴿حتَّى م ْطل ِع ا ْلف ْج ِر [القدر‪ ،]5:‬و(سهرت‬


‫واحلرف اخلامس‪( :‬حتَّى) وهي ُّ‬
‫ِ‬
‫الفجر)‪.‬‬ ‫حتى‬

‫بجر املقسم به‪ ،‬تقول‪( :‬واَّللِ‬


‫واحلرف السادس والسابع‪( :‬الواو‪ ،‬والتاء) ومها خاصان ي‬
‫ألفعلن كذا وكذا)‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ألفعلن كذا وكذا)‪ ،‬و(تاَّللِ‬
‫َّ‬

‫جتر الظاهر دون املضمر‪.‬‬


‫جتر الظاهر واملضمر‪ ،‬وسبعة أحرف ُّ‬
‫فسبعة أحرف ُّ‬

‫وهنا ننبه إىل أننا ذكرنا قبل قليل يف باب االستثناء‪( :‬عدا‪ ،‬وخال‪ ،‬وحاشا) وقلنا‪ :‬إهنا قد تأيت‬
‫انجر ما بعدها‪ ،‬فعىل ذلك تدخل يف حروف اجلر‪ ،‬فتكون حروف اجلر معها‬
‫حروف جر‪ ،‬إذا َّ‬
‫سبعة عرش حر افا‪.‬‬

‫خمتلف فيها‪ ،‬وهي‪َّ :‬‬


‫(لعل‪ ،‬ومتى‪ ،‬ولوال) فيكون جمموع حروف اجلر‬ ‫ٌ‬ ‫جر‬
‫وهناك ثالثة أحرف ٍّ‬
‫املتفق عليه واملختلف فيه عرشون حر افا‪.‬‬
‫‪426‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫أيضا إىل أن حلروف اجلر معان عدَّ ة‪ ،‬فبعضها أكثر من بعض يف هذه املعان‪ ،‬وقد اعتنت‬
‫وننبه ا‬
‫كتب مفردة ببيان هذه املعان من أفضلها كتاب‪( :‬اجلنى الدان يف حروف املعان) للمرادي‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وكذلك‪( :‬مغني اللبيب) يف قسمه األول البن هشام‪.‬‬

‫خاصا‪ ،‬وكذلك كتب‬ ‫وأيضا هتتم كثريا ِ‬


‫بذكر معان حروف اجلر كتب البالغة‪ ،‬فت ِ‬
‫فرد هلا با ابا ً‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫خاصا‪ ،‬ويطيل األصوليون الكالم يف‬ ‫أيضا ا‬
‫فصال ا‬ ‫أصول الفقه يف الكالم عىل الداللة فت ِ‬
‫فرد هلا ا‬
‫ذلك؛ ألثر هذه املعان يف االستدالل‪.‬‬

‫معنوي وليس نحو ًيا‪ ،‬فلهذا ال يذكره‬


‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫مبحث‬ ‫واحلقيقة أن الكالم عىل معان حروف اجلر‬
‫قديَم‪ ،‬وإنَم أكثر ابن مالك ومتابعوه الكالم عليها بعد أن اختلط النحو بغريه من‬
‫النحويون ا‬
‫العلوم‪.‬‬

‫فهذا هو املوضع األول‪ ،‬والنوع األول من األسَمء املجرورة‪ :‬االسم املجرور بحرف جر‪.‬‬

‫وأما النوع الثان واملوضع الثان‪ :‬فهو االسم الواقع مضا افا إليه‪ ،‬االسم املجرور باإلضافة‪،‬‬
‫وفيه يقول ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬
‫"أو بِإضاف ٍة إِىل اسم عىل معنى (ا َّلالم) كــ (غال ِم زي ٍد)‪ ،‬أو ( ِمن) كـ (خاتِ ِم ح ِد ٍ‬
‫يد)‪ ،‬أ ْو ( ِيف)‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫كـ ﴿مكْر ال َّل ْي ِل [سبأ‪"]33:‬‬

‫وسبق الكالم عىل َشح اإلضافة‪ ،‬وسبق الكالم أهنا تأيت عىل معنى هذه احلروف الثالثة‪،‬‬
‫فاإلضافة ميزهتا يف العربية أهنا جتعل االسمني دالني عىل يش ٍء واحد؛ ألن اإلضافة خاص ٌة‬
‫باألسَمء‪ ،‬ال تقع بني األفعال أو احلروف أو املختلفني‪ ،‬بل تقع بني اسمني‪.‬‬

‫واألصل يف األسَمء‪ :‬أن َّ‬


‫كل اس ٍم يدل عىل َّ‬
‫مسَمه؛ فإذا قلت‪( :‬سيارة) فهذا االسم يدل عىل‬
‫هذه الدابة التي تسري من حديد‪ ،‬وإذا قلت‪( :‬األستاذ) فاألستاذ هذا الرجل الذي يرشح‪ ،‬كل‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪427‬‬

‫ٍ‬
‫يشء واحد ال شيئني؟ باإلضافة‪ ،‬تقول‪( :‬سيارة‬ ‫اسم له مسَمه‪ ،‬فكيف جتعل اسمني يدالن عىل‬
‫ٍ‬
‫يشء واحد وهو املضاف‪( ،‬سيارة)‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األستاذ) دالني عىل‬ ‫ِ‬
‫األستاذ) فصار هذان االسَمن‪( :‬سيارة‬
‫مضاف إليه يراد من هذه اإلضافة فائدة‪ ،‬وسيأيت ِذكر فوائد اإلضافة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫(األستاذ) فهو‬ ‫أما‬

‫نتبني اإلضافة نقول‪ :‬اإلضافة كل اسمني يمكن أن تقدي ر بينهَم (الالم)‪ ،‬وهذا‬ ‫أيضا يمكن أن َّ‬‫ا‬
‫قلم‬ ‫ِ‬
‫هو األكثر‪ ،‬أو (م ْن)‪ ،‬أو (يف)؛ كـ (سيارة األستاذ) سيار ٌة لألستاذ‪ ،‬و(قلم الطالب) ٌ‬
‫ٍ‬
‫حديد)‬ ‫باب من خشب‪ ،‬و(نافذة‬ ‫ِ‬
‫باب للمسجد‪ ،‬أو (باب خشب) ٌ‬ ‫للطالب‪ ،‬و(باب املسجد) ٌ‬
‫سهر يف الليل‪ ،‬و(صالة الليل) صال ٌة يف الليل‪ ،‬و(نوم العرص)‬ ‫ٍ‬
‫نافذ ٌة من حديد‪ ،‬أو (سهر الليل) ٌ‬
‫مكر يف الليل والنهار‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ار [سبأ‪]33:‬؛ أي ٌ‬ ‫نو ٌم يف العرص‪﴿ ،‬ب ْل مكْر ال َّل ْي ِل والنَّه ِ‬

‫فهذا سبق َشحه‪ ،‬وهذا مراد ابن هشام هنا‪.‬‬

‫‪ ‬ثم قال ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬

‫ف إِىل م ْعمولِ ِه كـ (بالِغ‬ ‫يف‪ ،‬أ ِو التَّخْ ِصيص‪ ،‬أو بإضاف ِة الوص ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫"وتسمى معنوي اة؛ ألهنا لِلتع ِر ِ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َّ‬ ‫َّ‬
‫يف"‪.‬‬ ‫ور الدَّ ِار‪ ،‬وحس ِن الوج ِه)‪ .‬وتسمى ل ْفظِي اة؛ ألهنا مل ِجر ِد التَّخْ ِف ِ‬
‫الك ْعب ِة‪ ،‬وم ْعم ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬

‫فذكر هنا نوعي اإلضافة ومها‪:‬‬

‫‪ -‬اإلضافة املعنوية‪.‬‬

‫‪ -‬واإلضافة اللفظية‪.‬‬

‫ِ‬
‫(كتاب‬ ‫فالنوع األول‪ :‬املعنوية وتسمى احلقيقية وهي خالف اللفظية التي سيأيت َشحها؛ كـ‬
‫ُممد‪ ،‬وأخي‪ ،‬ور ُّبنا)‪ ،‬وكذلك (صديق ُممد)؛‬

‫‪ -‬سميت حقيقي اة؛ لعدم وجود فاصل بني املضاف واملضاف إليه‪.‬‬
‫‪428‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ -‬وسميت معنوي اة؛ ألن فائدهتا معنوية وهي تعريف املضاف أو ختصيصه‪ ،‬إكساب‬
‫املضاف التعريف‪ ،‬إذا كانت اإلضافة إىل معرفة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ُممد)‪ ،‬أو (قلم‬ ‫معر افا باإلضافة؛ (قلم‬
‫قلم‪ :‬إذا أضفناه إىل معرفة يكتسب التعريف فيكون َّ‬
‫ِ‬
‫الطالب) صار معرفة‪ ،‬اكتسب التعريف‪.‬‬ ‫هذا)‪ ،‬أو (قلم‬

‫ٍ‬
‫طالب)‪ ،‬والتخصيص كَم َشحناه‬ ‫ويكتسب التخصيص إذا أضيف إىل نكرة؛ كقولك‪( :‬قلم‬
‫و(قلم) عام يشمل كل األقالم‪ ،‬وأما (قلمي) فتعيني لقل ٍم واحد‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫من قبل تضيق دائرة التنكري‪،‬‬
‫فالتنكري عكس التعريف‪.‬‬

‫الطالب‪( ،‬قلم‬ ‫ٍ‬


‫طالب) ضيقنا دائرة التنكري وأخرجنا أقالم غري َّ‬ ‫(قلم‬
‫وأما التخصيص فبينهَم‪ٌ :‬‬
‫ٍ‬
‫طالب) فض َّيقنا دائرة التنكري‪ ،‬فالتخصيص تضييق دائرة التنكري‪ ،‬وهذا ال شك أنه فائدة‪،‬‬
‫تنكريا وليس تعري افا‪ ،‬ولكنه أفضل ا‬
‫حاال من التنكري‪.‬‬ ‫ا‬ ‫فالتخصيص ليس‬
‫وهذه اإلضافة احلقيقية املعنوية هي التي تكون بمعنى (الالم‪ ،‬ويف‪ِ ،‬‬
‫وم ْن) التي َشحناها قبل‬
‫قليل‪.‬‬

‫وأما النوع الثان من اإلضافة‪ :‬فهي اإلضافة اللفظية وتسمى غري احلقيقية؛ يعني هي يف‬
‫ٍ‬
‫فاصل يف‬ ‫الشكل إضافة‪ ،‬يف اللفظ إضافة‪ ،‬ولكن يف احلقيقية ليست إضافة‪ ،‬ملاذا؟ لوجود‬
‫احلقيقة بني املضاف واملضاف إليه‪.‬‬

‫ِ‬
‫ونعرف اإلضافة اللفظية بأهنا اإلضافة التي يكون فيها املضاف بمعنى ٍ‬
‫فعل مضار ٍع‪ ،‬يعني أنه‬
‫يمكن أن جتعل مكان املضاف فعله املضارع الواقع يف زمان احلال‪ ،‬أو يف زمان االستقبال‪ ،‬دون‬
‫زمان امل ِيض‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪429‬‬

‫مكرم ٍ‬
‫زيد) ولك‬ ‫كرم زيدا ا‪ ،‬فإذا أضفت قلت‪( :‬هذا ِ‬
‫مكرم زيد) تريد هذا ي ِ‬
‫كأن تقول‪( :‬هذا ِ‬
‫كرم فتقول‪( :‬هذا ِ‬
‫مكر ٌم‬ ‫مكرم عمل الفعل ي ِ‬
‫عمل ِ‬ ‫أال تضيف؛ ألن اإلضافة ليست حقيقية‪ ،‬فت ِ‬

‫زيدا ا)‪ ،‬كَم تقول‪( :‬هذا ي ِ‬


‫كرم زيدا ا)‪ ،‬وسيأيت ذلك بعد قليل يف إعَمل اسم الفاعل عمل فعله‪.‬‬

‫ا‬
‫مفعوال به‪ ،‬أين‬ ‫كرم زيدا ا) هذا‪ :‬مبتدأ‪ ،‬وي ِ‬
‫كرم‪ :‬فعل مضارع‪ ،‬وزيدا ا‪:‬‬ ‫األصل‪ :‬الفعل‪( ،‬هذا ي ِ‬

‫كرم؟ مسترت تقديره (هو) يعود إىل زيد‪ ،‬اقلِب هذا الفعل إىل اسم فاعل‪ ،‬تقول‪( :‬هذا‬ ‫فاعل ي ِ‬
‫ِ‬
‫مكرم زيد)‪.‬‬

‫اسم خالص؟ خالص يعني ال يشبه‬


‫فعل مضارع؟ ال‪ ،‬طيب هل هو ٌ‬ ‫ِ‬
‫(مكرم) هل هو ٌ‬ ‫طيب‬
‫اسم مأخو ٌذ من الفعل فلهذا يشبه الفعل‪ ،‬معناه معنى الفعل‪ ،‬وهلذا قد يعمل‬
‫الفعل؟ ال‪ ،‬هذا ٌ‬
‫عمل الفعل كَم يأيت‪ ،‬فيجوز أن تعمله كالفعل‪ ،‬فتقول‪( :‬هذا ِ‬
‫مكر ٌم زيدا ا) فزيدا ا‪ :‬مفعول به‬
‫مكرم؛ ألنه ِ‬
‫عمل عمل الفعل‪ ،‬ما معنى عمل عمل الفعل؟ يعني‬ ‫منصوب‪ ،‬ما الذي نصبه؟ ِ ٌ‬
‫ا‬
‫ومفعوال به‪ ،‬فاملفعول به زيدا ا‪ ،‬والفاعل‪ :‬مسترت تقديره هو يعود إىل هذا‪( ،‬هذا‬ ‫طلب ا‬
‫فاعال‬
‫ِ‬
‫مكر ٌم هو زيدا ا)‪.‬‬

‫لك أن تضيف هنا‪ ،‬واإلضافة كَم سيأيت فائدهتا فقط التخ ُّفف من التنوين‪ ،‬فتقول‪( :‬هذا‬
‫مكرم ٍ‬
‫زيد) فأختلص من التنوين‪ ،‬خت َّففنا منه‪.‬‬ ‫ِ‬

‫مكرم يبقى اسم فاعل مأخوذ من الفعل (ي ِ‬


‫كرم) فهو ُمتاج‬ ‫مكرم ٍ‬
‫زيد) ِ‬ ‫إذا أضفنا وقلنا‪( :‬هذا ِ‬

‫إىل فاعل ومفعول به؛‬


‫ٍ‬
‫مضاف إليه‪ ،‬فلهذا سنقول‪ :‬إن اسم الفاعل جيوز أن يضاف إىل‬ ‫حتول إىل‬
‫أما املفعول به‪ :‬فقد َّ‬
‫(مكرم ٍ‬
‫زيد) أضفته للمفعول به‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫مفعوله‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫‪430‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫طيب والفاعل‪ :‬مسترت تقديره (هو) يعود إىل هذا‪ ،‬طيب أين هذا الفاعل؟ ستقدي ره بني ِ‬
‫مكرم‬
‫وزيد؛ يعني بني املضاف واملضاف إليه‪.‬‬

‫ٌ‬
‫فاصل بني املضاف واملضاف‬ ‫فلهذا نقول‪ :‬إضافة لفظية غري حقيقية؛ ألن هذا الفاعل املسترت‬
‫إليه‪ ،‬فهي إضافة جمرد إضافة يف اللفظ يف الظاهر وليست إضاف اة حقيقية‪.‬‬

‫عرفها تعري افا علم ًيا يضبطها‪،‬‬


‫بعد أن َشحنا هذه اإلضافة اللفظية غري احلقيقية‪ ،‬نريد أن ن ي‬
‫ف إِىل م ْعمولِ ِه‪ ،‬إذا كان املضاف‬
‫وهي كَم قال ابن هشام‪ :‬اإلضافة اللفظية هي‪ :‬إضاف ِة الوص ِ‬
‫ْ‬
‫وص افا مضا افا إىل معموله‪ ،‬فنقول‪ :‬إن اإلضافة لفظية‪ ،‬وإال فإن اإلضافة معنوية‪.‬‬

‫مرة‪ ،‬الوصف يعني اسم الفاعل‪ ،‬ويدخل فيه صيغ‬


‫ما املراد بالوصف؟ َشحناه أكثر من َّ‬
‫املبالغة‪ ،‬واسم املفعول‪ ،‬والصفة املش َّبهة‪.‬‬

‫ِ‬
‫اللص)‪،‬‬ ‫مكرم ٍ‬
‫زيد)‪( ،‬هذا ضارب‬ ‫إذا أضفناه إىل معمولة؛ يعني مفعول به كقولك‪( :‬هذا ِ‬
‫ِ‬
‫املسجد)‪ ،‬أضفناه ملعموله‪ ،‬فنقول‪ :‬إن اإلضافة‬ ‫(هذا شارب العصري)‪( ،‬هذا بان‬
‫لفظية‪ ،‬والفاعل بينهَم مسترت مقدَّ ر‪.‬‬

‫فإن مل يضف إىل معمولة فاإلضافة لفظية أو معنوية؟ معنوية حقيقية‪ ،‬مثال ذلك‪:‬‬
‫ِ‬
‫الرسالة) الرسالة مفعول‬ ‫(كاتِب)‪ ،‬هذا وصف اسم فاعل‪ ،‬فإذا قلت‪( :‬هذا كاتب‬
‫الكتابة أم ال؟ مفعول الرسالة‪ ،‬هذه إضافة لفظية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫املدرسة) هذا‬ ‫ِ‬
‫املدرسة) الرجل يعمل كات ابا يف املدرسة‪ ،‬قلت‪( :‬هذا كاتب‬ ‫طيب (هذا كاتب‬
‫ِ‬
‫املدرسة)‬ ‫املدرسة معمول الكتابة؟ الكتابة تقع عىل املدرسة؟ ال‪ ،‬فاإلضافة هنا يف قولك‪( :‬كاتب‬
‫لفظية أم حقيقية؟ حقيقي ٌة معنوية‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪431‬‬

‫طيب (قايض) هذا اسم فاعل‪ ،‬إذا قلت‪( :‬قايض البلد) (هذا قايض ِ‬
‫البلد) هل قايض أضيف‬
‫أيضا حقيقية‪.‬‬
‫إىل معموله؟ هل القايض يقيض البلد؟ ال فاإلضافة هنا ا‬

‫اإلضافة اللفظية‪ :‬إضافة اللفظ إىل معموله؛ يعني إىل مفعوله‪.‬‬

‫ِ‬
‫القلب) طاهر هذا وصف‪ ،‬القلب‪ :‬هذا معموله؛ ألنه‬ ‫من ذلك أن تقول‪( :‬جاء ٌ‬
‫رجل طاهر‬
‫ِ‬
‫القلب أضفناه إىل الفاعل‪ ،‬فاإلضافة لفظية أو‬ ‫فاعله‪ ،‬طهر ق ْلبه‪ :‬فعل وفاعل‪ ،‬ثم أضفنا طاهر‬
‫معنوية؟ لفظية‪.‬‬
‫طيب‪ُ( :‬ممدٌ مكسور ِ‬
‫اليد) يعني مكسور ٌة يده‪ ،‬فيده نائب فاعل؛ ألن مكسورة اسم مفعول‬
‫يعمل عمل الفعل املبني للمجهول‪ ،‬ثم أضفنا اسم املفعول لنائب الفاعل فقلنا‪ :‬مكسور ِ‬
‫اليد‪.‬‬

‫ٌ‬
‫طويل شعره‪ ،‬الشعر‪ :‬هو الفاعل‬ ‫ِ‬
‫الشعر) يعني طال شعره‪،‬‬ ‫ومثل ذلك‪( :‬جاء ٌ‬
‫رجل طويل‬
‫ِ‬
‫الشعر)‪.‬‬ ‫الذي يطول‪ ،‬ثم أضفناه للفاعل؛ (طويل‬

‫فإن قلت‪ :‬عرفنا اإلضافة اللفظية فَم فائدهتا؟‬

‫ختصيصا‪ ،‬يعني أن املضاف يبقى نكر اة ال يستفيد تعري افا وال‬


‫ا‬ ‫قلنا‪ :‬ال تفيد تعري افا وال تفيد‬
‫ختصيصا‪ ،‬طيب ما فائدهتا؟ قال ابن هشام‪ :‬التخ ُّفف من التنوين‪ ،‬فبدل من أن تقول‪( :‬جاء‬
‫ا‬
‫(حسن وجهه‪:‬‬ ‫الشعر)‪( ،‬مكسور ٌة يده‪ :‬مكسور ِ‬
‫اليد)‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫طويل شعره) تقول‪( :‬طويل‬‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫رجل‬
‫ٌ‬
‫وجه)‪( ،‬هذا ضارب زيدا ا‪ :‬ضارب ٍ‬
‫زيد)‪.‬‬ ‫حسن ال ِ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫القلب‪ :‬نعت لرجل‪ ،‬ورجل‪ :‬نكرة‪ ،‬كيف‬ ‫ِ‬
‫القلب) طاهر‬ ‫ولذا جتد أنه يقال‪( :‬جاء ٌ‬
‫رجل طاهر‬
‫ِ‬
‫القلب) نكرة؟‬ ‫ِ‬
‫القلب) نكرة‪ ،‬كيف كان (طاهر‬ ‫ِ‬
‫القلب)؟ ألن (طاهر‬ ‫نعتنا النكرة بقولنا‪( :‬طاهر‬
‫ختصيصا‪.‬‬
‫ا‬ ‫ألن إضافته لفظية ال تفيد تعري افا وال‬
‫‪432‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ِ‬
‫القلب) ماذا‬ ‫فلو قلت‪( :‬جاء ُممدٌ ) فجعلت املوصوف معرفة‪ ،‬ثم أردت أنه تصفه بـ (طاهر‬
‫ِ‬
‫القلب) نكرة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫القلب)؛ ألن (طاهر‬ ‫عرب بـ (أل)‪( ،‬جاء ُممدٌ الطاهر‬
‫تقول؟ (جاء ُممدٌ ) ست ي‬
‫ِ‬
‫القلب) وهذا سيأيت بعد قليل‪ ،‬دخول (أل) عىل اإلضافة‬ ‫عرف بــ (أل)‪( :‬الطاهر‬
‫فال بد أن ت ي‬
‫اللفظية؛ ألن اإلضافة اللفظية نكرة‪ ،‬فتدخل عليها (أل)‪.‬‬

‫من الشواهد عىل اإلضافة اللفظية‪:‬‬

‫﴿حيكم بِ ِه ذوا عدْ ٍل ِمنْك ْم هدْ ايا بالِغ ا ْلك ْعب ِة [املائدة‪﴿ ]95:‬بالِغ‬
‫◙ قوله ‪-‬س ْبحانه وتعاىل‪ْ :-‬‬
‫ا ْلك ْعب ِة األصل لغو ًيا (بالغاا الكعبة) وأصله‪( :‬يبلغ الكعبة)‪ ،‬األصل األول فعل مضارع‪،‬‬
‫ِ‬
‫الكعبة)‪،‬‬ ‫(يبلغ الكعبة) ثم نحوله إىل اسم فاعل‪( :‬بالغاا الكعبة)‪ ،‬ثم نضيف للتخفيف (بالغ‬
‫الكعبة) ما إعرابه؟ نعت هلد ًيا‪﴿ ،‬هدْ ايا بالِغ ا ْلك ْعب ِة هد ًيا نكرة‪ ،‬و﴿بالِغ ا ْلك ْعب ِة ‪ :‬نكرة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫(بالغ‬

‫اب من ِ ٍري * ث ِان ِع ْط ِف ِه‬


‫ادل ِيف اَّللَِّ بِغ ْ ِري ِع ْل ٍم وال هدا ى وال كِت ٍ‬
‫َّاس من جي ِ‬ ‫ِ‬
‫◙ قال تعاىل‪﴿ :‬ومن الن ِ ْ‬
‫َّلل [احلج‪ ]9-8 :‬هذا الذي جيادل بغري علم‪ ،‬جيادل بغري علم حالة كونه ثان‬ ‫لِي ِض َّل ع ْن سبِ ِ‬
‫يل ا َِّ‬
‫عطفه‪ ،‬فثان عطفه‪ :‬حال‪ ،‬طيب ثان أضيفت إىل عطفه‪ ،‬لكن مل تتناسب التعريف‪ ،‬فلهذا‬
‫انتصبت عىل احلالة واحلال كَم عرفنا مالز ٌم للتنكري‪.‬‬
‫◙ قال تعاىل‪﴿ :‬رب اجع ْلنِي م ِقيم الص ِ‬
‫الة [إبراهيم‪ ]40:‬إضافة لفظية؛ يعني أقيم الصالة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ي ْ‬

‫ك‪ ،‬ونافِخِ ا ْلكِ ِري» حيمل املسك وينفخ‬


‫وء‪ :‬كح ِام ِل امل ِس ِ‬
‫ْ‬
‫يس الس ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالحِ واجلل ِ ُّ‬
‫ِ‬
‫◙ «مثل اجلليس َّ‬
‫الكري‪ ،‬ثم أضفنا الوصف إىل معموله فصارت اإلضافة لفظية‪.‬‬

‫ممسكات رمحته؛ يعني يمسكن رمحته‪ ،‬فاملعنى‬


‫ٌ‬ ‫◙ ﴿ه ْل ه َّن مم ْ ِسكات ر ْمحتِ ِه [الزمر‪ ]38:‬يعني‬
‫عىل الفعل‪.‬‬

‫◙ قالت اخلنساء يف رثاء أخيها صخر‪:‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪433‬‬

‫ــرار‬ ‫ــهاد أن ِْديــة للج ِ‬


‫ــيش ج َّ‬ ‫ش ن‬ ‫أوديـ ٍ‬
‫ــة‬ ‫ــة هبـــاط ِ‬
‫ن‬
‫ألويـ ٍ‬
‫محـــال ِ‬
‫ن‬
‫مح ٌال ألوي اة‪ ،‬واألصل حيمل ألوي اة‪ ،‬فاإلضافة لفظية‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬محال ِ ٍ‬
‫ألوية) يعني َّ‬ ‫َّ‬

‫ملا نن يبه عليه هنا مما قد يلتبس عىل بعض َّ‬


‫الطالب‪ :‬أن الوصف وعرفنا املراد بالوصف ال يبقى‬
‫وص افا إال إذا كان بمعنى الفعل املضارع‪ ،‬وقد ينتقل يف ٍ‬
‫كثري من األساليب واملعان إىل اس ٍم‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ يأخذ حكم االسم اخلالص‪ ،‬فتكون إضافته معنوية؛ ألن‬ ‫خالص ليس عىل معنى الفعل‪،‬‬
‫دائَم مرتبطة باملعنى‪.‬‬
‫اللغة ا‬
‫ُمتلِ ٍم» وكذلك‪:‬‬
‫ب عىل ك يل ْ‬
‫اج ٌ‬
‫مثال ذلك‪ :‬قوله ‪-‬علي ِه الصالة والسال ِم‪« :-‬غسل اجلم ِ‬
‫عة و ِ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َّ‬
‫ض» حائض‪ :‬هذا يف األصل اسم فاعل‪ ،‬أليس كذلك؟ هل هنا‬ ‫اجب ٌة عىل ك يل حائِ ٍ‬
‫الصالة و ِ‬
‫« َّ‬
‫خالصا؟‬
‫ا‬ ‫اسم‬
‫وصف أو صار ٌ‬
‫ٍ‬
‫امرأة حتيض‪،‬‬ ‫إن كانت وص افا فهي بمعنى الفعل املضارع حتيض؛ يعني الصالة جتب عىل كل‬
‫هل املرأة التي حتيض جتب عليها الصالة؟ ال‪ ،‬املرأة التي يف حالة احليض التي حتيض اآلن‪،‬‬
‫حتيض يعني تفعل احليض‪ ،‬هل جتب عليها الصالة؟ ما جتب عليها الصالة‪ ،‬انعكس املعنى‪،‬‬
‫ٍ‬
‫املراد‪ :‬الصالة واجب ٌة عىل كل امرأة وصلت حدَّ احليض‪ ،‬فصار احليض ا‬
‫اسَم هلا‪ ،‬بلغت حدَّ‬
‫احليض‪ ،‬وليس املعنى التي حتيض‪.‬‬

‫واجب عىل من‬


‫ٌ‬ ‫ُمتلِ ٍم» ليس املعنى أن غسل اجلمعة‬
‫ب عىل ك يل ْ‬
‫اج ٌ‬
‫وكذلك‪« :‬غسل اجلم ِ‬
‫عة و ِ‬

‫حيتلِم‪ ،‬هذا الذي حيتلم جيب عليه أن يغتسل للجمعة‪ ،‬ال؛ ألن املحتلم جيب عليه الغسل‬
‫واجب عىل كل من وصل حدَّ االحتالم‪ ،‬فصار‬ ‫ٌ‬ ‫للجمعة وغري اجلمعة‪ ،‬وإنَم املراد غسل اجلمعة‬
‫ُمتلَم‪ُ ،‬متلِم‪ :‬يعني وصل حدَّ االحتالم‪ ،‬وليس املعنى حيتلِم‪.‬‬
‫يسمى ا‬
‫‪434‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫وهكذا كلمة (الطالب) يف األصل اسم فاعل‪ ،‬فإذا كانت بمعنى يطلب فهو وصف‪ ،‬وإذا‬
‫سواء كان‬
‫ٌ‬ ‫اسَم هلذا الشخص أو هلذا اإلنسان فهي اسم خالص‪ ،‬يكتسب هذا االسم‬
‫كانت ا‬
‫مسافرا‪ ،‬أو كان يلعب‪.‬‬
‫ا‬ ‫نائَم‪ ،‬أو كان‬
‫يطلب العلم أو كان ا‬
‫احلق ال خييب) هنا وصف؛ يعني التي يطلب احلق ال خييب‪ ،‬هذا وصف‪،‬‬
‫فقولك‪( :‬طالب ي‬
‫احلق)؛ يعني الذي يطلب احلق‪.‬‬
‫واإلضافة لفظية (طالب ي‬

‫لكن لو قلت‪( :‬نام الطالب)‪ ،‬أو (الطالب يلعب) هل الطالب هنا بمعنى يطلب؟ ال‪ ،‬وإنَم‬
‫سواء كان يطلب‪ ،‬أو يف‬
‫ٌ‬ ‫اسَم له‪ ،‬فصار يسمى بالطالب‬
‫الذي اكتسب هذه الصفة حتى صارت ا‬
‫اسَم وليس وص افا بمعنى الفعل املضارع‪.‬‬
‫غري زمن الطلب‪ ،‬فصار الطالب ا‬
‫وصل اَّلل وس َّلم عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله‬
‫َّ‬ ‫نكمل إن شاء اَّلل بعد الصالة‪ ،‬واَّلل أعلم‪،‬‬
‫وأصحابه أمجعني‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪435‬‬

‫الدرس احلادي عرش (اجلزء الثان)‪:‬‬

‫بسم اَّلل الرمحن الرحيم‬

‫احلمد َّلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل نبينا ُممد وعىل آله وأصحابه أمجعني‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫فبعد أن ذكر ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬نوعي اإلضافة ذكر شيئاا من أحكامها فقال‪:‬‬

‫"وال جتامع اإلضافة تنويناا‪ ،‬وال نوناا تالي اة لإلعراب مطل اقا"‬

‫فذكر أنه جيب عند اإلضافة حذف التنوين‪ ،‬وكذلك حذف نون التثنية‪ ،‬ونون مجع املذكر‬
‫قلم)‪ ،‬فإذا أردت‬
‫حكم مطلق ال يستثنى منه يشء؛ فلهذا تقول يف التنكري‪( :‬هذا ٌ‬
‫ٌ‬ ‫السامل‪ ،‬وأن هذا‬
‫ٍ‬
‫طالب)‪ ،‬وكذلك يف التثنية تقول‪:‬‬ ‫أن تضيف ال بد أن حتذف التنوين‪ ،‬فتقول‪( :‬قلم ٍ‬
‫ُممد)‪( ،‬قلم‬
‫ُممد)‪ ،‬وتقول‪( :‬معلمون) فإذا أردت أن‬ ‫(قلَمن)‪ ،‬فإذا أضفت حذفت نون التثنية‪ ،‬فقلت‪( :‬قلَم ٍ‬

‫الة [احلج‪،]35:‬‬‫يمي الص ِ‬


‫ُممد)‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬واملْ ِق ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تضيف حذفت النون‪ ،‬فتقول‪( :‬معلمو‬
‫َّ‬
‫وقال‪﴿ :‬إِنَّا م ْر ِسلوا النَّاق ِة [القمر‪ ]27:‬واألصل‪( :‬إنا مرسلون الناقة)‪ ،‬ثم أضاف فحذف‬
‫اب [الصافات‪]38:‬؛ أي‬ ‫النون ﴿م ْر ِسلوا النَّاق ِة [القمر‪ ،]27:‬وقال‪﴿ :‬إِنَّك ْم لذائِقوا ا ْلعذ ِ‬

‫اب [الصافات‪.]38:‬‬ ‫لذائقون العذاب‪ ،‬ثم حذف النون وأضاف‪ ،‬فقال‪﴿ :‬لذائِقوا ا ْلعذ ِ‬

‫ثم قال ابن هشام‪:‬‬


‫"وال (ال) إال يف نحو (الضارب زيد) و(الضارب ٍ‬
‫زيد)‪ ،‬و(الضارب الرجل)‪ ،‬و(الضارب‬
‫رأس اجلان) و(الرجل الضارب غالمه)"‪.‬‬
‫‪436‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫معطوف عىل التنوين‪ ،‬والتقدير (وال جتامع اإلضافة (ال) إال يف هذه‬
‫ٌ‬ ‫وقوله‪" :‬وال (ال)" هذا‬
‫املواضع املذكورة‪ ،‬فذكر ابن هشام أن (ال) ال جتامع اإلضافة؛ يعني اإلضافة املعنوية‪ ،‬واإلضافة‬
‫املعنوية ال جتامع (ال) مطل اقا‪ ،‬بل جيب حذف (ال) من املضاف‪ ،‬فتقول يف (القلم)‪( :‬قلم‬
‫الطالب) أو (قلم ٍ‬
‫ُممد)‪ ،‬وال تدخل (ال) عىل املضاف بحال‪.‬‬

‫وأما يف اإلضافة اللفظية‪ :‬فإن (ال) قد تدخلها وجتامعها؛ ألن إضافتها كَم علمنا إضاف ٌة غري‬
‫حقيقية‪ ،‬إضاف ٌة يف جمرد الشكل واللفظ؛ فلهذا جامعتها (ال) يف اللغة يف مواضع م َّثل هلا ابن‬
‫هشام‪.‬‬

‫وخالصتها‪ :‬أن (ال) جتامع اإلضافة اللفظية يف موضعني‪:‬‬

‫‪ ‬األول‪ :‬إذا كان املضاف يف اإلضافة اللفظية مثنًى أو مج اعا‪ ،‬فلك أن تقول‪( :‬جاء املكرم‬
‫ِ‬
‫الصالة)‪ ،‬وتقول‪( :‬املقيمو الصالة‬ ‫زيد)‪ ،‬و(هؤالء املقيمو‬‫زيد)‪ ،‬أو (جاء املكرم ٍ‬

‫مفلحون)‪ ،‬و(الفامها الدرس ناجحان)‪.‬‬


‫وقولك‪( :‬جاء املكرم زيد) أضفت (املكرم) إىل ٍ‬
‫(زيد) وأدخلت (ال) يف املضاف‪ ،‬فجمعت‬
‫جمموع أو مثنى‪ ،‬فمتى ما كان املضاف يف اإلضافة اللفظية مثنًى أو‬
‫ٌ‬ ‫(ال) اإلضافة؛ ألن املضاف‬
‫جمموعا جاز لك إدخال (ال) عليه عند التعريف‪.‬‬
‫ا‬

‫‪ ‬واملوضع الثان الذي جتامع يف (ال) اإلضافة اللفظية‪ :‬إذا كان يف املضاف إليه (ال)‪ ،‬إما أن‬
‫ِ‬
‫الرجل)‪( ،‬جاء املكرم‬ ‫تكون (ال) يف املضاف إليه مباَشة كقولك‪( :‬جاء الضارب‬
‫ِ‬
‫(األستاذ) مضاف إليه‪ ،‬واإلضافة‬ ‫ِ‬
‫األستاذ) (مكرم) مضاف‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األستاذ)‪ ،‬فاألصل (مكرم‬
‫ِ‬
‫األستاذ)‪.‬‬ ‫لفظية‪ ،‬ثم أدخلت (ال) عىل املضاف‪ ،‬فقلت‪( :‬املكرم‬
‫ِ‬
‫األستاذ)‪ ،‬و(جاء‬ ‫ِ‬
‫صديق‬ ‫أو يكون املضاف مضا افا إىل ما فيه (ال) كقولك‪( :‬جاء املكرم‬
‫الرجل) (م ِ‬
‫كرم)‪ ،‬واملضاف إليه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صديق‬ ‫ِ‬
‫الرجل)‪ ،‬املضاف يف قولك‪( :‬املكرم‬ ‫الضارب رأس‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪437‬‬

‫(صديق) ثم إن (صديق) مضاف إىل الرجل الذي فيه (ال)‪ ،‬فصح أن املضاف إليه فيه (ال)‪ ،‬أو‬
‫التبس بَم فيه (ال)‪ ،‬فعىل هذا جيوز أن جتامع اإلضافة اللفظية (ال)‪.‬‬

‫صديق ِه)‪ ،‬ف(املكرم) ٌ‬


‫نعت للرجل وهو‬ ‫ِ‬ ‫أيضا‪ :‬أن تقول‪( :‬جاء الرجل املكرم‬ ‫ومن ذلك ا‬
‫مضاف إليه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫و(صديق ِه)‬
‫ِ‬ ‫مضاف‪،‬‬

‫جوز دخول (ال) عىل اإلضافة اللفظية؟‬


‫فَم الذي َّ‬

‫هل يف املضاف إليه (ال) (صديقه)‪( ،‬صديقه ما فيه (ال) لكن فيه ضمري‪ ،‬وهذا الضمري يف‬
‫ملتبس ب(ال)‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫صديقه) يعود إىل ماذا؟ يعود إىل الرجل) إىل ما فيه (ال)‪ ،‬فصح أن املضاف إليه‬
‫فلهذا نقول يف املوضع الثان‪ :‬أن يكون املضاف إليه ب(ال)‪ ،‬أو ملتبسا بَم فيه (ال) بأي ٍ‬
‫حالة‬ ‫ا‬
‫من األحوال‪.‬‬
‫ِ‬
‫قيمته) فصح أن تضيف‪ ،‬وأن تدخل‬ ‫ِ‬
‫قيمته يطلبه) (العارف‬ ‫ٌ‬
‫َشيف‪ ،‬والعارف‬ ‫نقول‪( :‬العلم‬
‫(ال)؛ ألن املضاف إليه (قيمته) متصل بضمري‪ ،‬هذا الضمري يعود إىل (العلم)‪ ،‬إىل ما فيه (ال)؛‬
‫ِ‬
‫الشعر) ألن‬ ‫نعرف (جاء الرجل الطويل‬ ‫ِ‬
‫الشعر) ثم ي‬ ‫ٌ‬
‫رجل طويل‬ ‫وهلذا يصح أن نقول‪( :‬جاء‬
‫املضاف إليه فيه (ال)‪ ،‬و(كثري ِ‬
‫اخلري) و(الكثري اخلري) وهكذا‪.‬‬
‫لكن لو قلت‪( :‬جاء مكرم ٍ‬
‫زيد) هذه إضاف ٌة لفظية‪ ،‬فهل جتامعها (ال)؟ فتقول‪( :‬جاء املكرم‬
‫ٍ‬
‫زيد)‪ ،‬هل هذا املثال من املوضع األول؟ املضاف مثنًى أو جمموع؟‬

‫ال‪.‬‬

‫طيب‪ ،‬هل هو من املوضع الثان املضاف إليه ب(ال) أو ملتبس بَم فيه (ال)؟‬

‫زيد) فإذا‬‫دخل (ال) إما أن تضيف‪ ،‬فتقول‪( :‬جاء مكرم ٍ‬ ‫ال‪ ،‬إذن ما يصح‪ ،‬ال يصح هنا أن ت ِ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ اإلعَمل والنصب‪ ،‬فتقول‪( :‬جاء املكرم زيدا ا) فَم‬ ‫أدخلت (ال) امتنعت اإلضافة‪ ،‬ووجب‬
‫‪438‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫تصح اإلضافة هنا؛ ألن اإلضافة ستؤدي إىل أن جتتمع اإلضافة ب(ال) يف غري هذين املوضعني‪،‬‬
‫فال يصح‪.‬‬

‫فذكر بذلك ابن هشام املوضع الثان جلر االسم وهو االسم املجرور باإلضافة‪ ،‬فبهذا انتهى‬
‫كالمه عىل األسَمء املجرورات‪.‬‬

‫‪ ‬لينتقل إىل ٍ‬
‫باب آخر جديد بعد أن انتهى من املنصوبات واملجرورات وهو باب األسَمء‬
‫العاملة عمل فعلها‪.‬‬
‫فقال‪:‬‬

‫باب يعمل عمل فعله سبع ٌة"‬


‫" ٌ‬
‫هذه األبواب السبعة هي ا‬
‫إمجاال‪:‬‬

‫‪ ‬هي اسم الفعل‪.‬‬


‫‪ ‬واملصدر‪.‬‬
‫‪ ‬واسم الفاعل‪.‬‬
‫‪ ‬واملثال‪ ،‬كَم قال ابن هشام‪ ،‬ويريد صيغ املبالغة‪.‬‬
‫‪ ‬واسم املفعول‪.‬‬
‫‪ ‬والصفة املشبهة‪.‬‬
‫‪ ‬واسم التفضيل‪.‬‬
‫سمعتم هذه األبواب السبعة وعلمتم أهنا األوصاف باإلضافة إىل املصدر واسم الفعل‪،‬‬
‫األوصاف‪ ،‬اسم الفاعل‪ ،‬وصيغ املبالغة‪ ،‬واسم املفعول‪ ،‬والصفة املشبهة‪ ،‬واسم التفضيل‪ ،‬هذه‬
‫األوصاف‪ ،‬باإلضافة إىل املصدر واسم الفعل‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪439‬‬

‫هذه أسَمء‪ ،‬وكلها قد تعمل عمل فعلها‪ ،‬وذلك أن األصل يف العمل الفعل‪ ،‬الفعل هو األصل‬
‫يف العمل‪ ،‬ثم إن هذا الفعل يصح أن يؤخذ منه وصف‪ ،‬إما أن تصف به من فعله‪ ،‬وإما أن تصف‬
‫به من وقع عليه‪ ،‬فإذا وصفت به من فعله فهو اسم الفاعل‪ ،‬أو صيغ املبالغة‪ ،‬أو الصفة املشبهة‪،‬‬
‫هذه تطلق عىل من فعل الفعل‪.‬‬

‫وأما الذي يطلق عىل من وقع عليه فهو اسم مفعول‪ ،‬باإلضافة إىل املصدر الذي هو أصل‬
‫اسم يف اللفظ‪ٌ ،‬‬
‫وفعل يف املعنى‪.‬‬ ‫الفعل‪ ،‬باإلضافة إىل اسم الفعل؛ ألنه ٌ‬

‫وقولنا‪ :‬إهنا تعمل عمل فعلها‪ ،‬ما معنى ذلك؟‬

‫ا‬
‫مفعوال به‪ ،‬فمعنى ذلك أهنا‬ ‫الزما وهو الذي يرفع ا‬
‫فاعال‪ ،‬وجير‬ ‫معنى ذلك‪ :‬أن فعلها إذا كان ا‬
‫ا‬
‫مفعوال به‪ ،‬فمعنى ذلك أهنا‬ ‫سرتفع ا‬
‫فاعال‪ ،‬وإذا كان فعله متعد ايا؛ يعني يرفع فاعل‪ ،‬وينصب‬
‫فاعال؛ ألن الفعل ال بد أن يرفع ا‬
‫فاعال‪،‬‬ ‫ا‬
‫مفعوال به‪ ،‬وكلها جيب أن ترفع ا‬ ‫سرتفع ا‬
‫فاعال وتنصب‬
‫فكلها جيب أن ترفع ا‬
‫فاعال سوى املصدر‪ ،‬املصدر ال جيوز فيه ذلك‪ ،‬قد حيذف فاعله كَم سيأيت‪.‬‬

‫ا‬
‫مفعوال به‪.‬‬ ‫وكلها تنصب املفعول به جوازا ا ال وجو ابا‪ ،‬الفعل املتعدي جيب أن ينصب‬

‫طيب‪ ،‬وهذه األسَمء التي أخذت منه قد تعمل عمل فعله‪ ،‬لكن ال جيب‪ ،‬قد تنصب املفعول به‬
‫ا‬
‫مفعوال به‪.‬‬ ‫جوازا ا ال وجو ابا برشوط إال اسم الفعل‪ ،‬فهذا جيب أن ينصب‬

‫فاخلالصة‪ :‬أن هذه األسَمء السبعة التي تعمل عمل فعلها كلها هلا فاعل وجو ابا إال املصدر‪،‬‬
‫فقد حيذف فاعله‪ ،‬وكلها قد تنصب املفعول به جوازا ا إال اسم الفعل‪ ،‬فهذا جيب أن ينصب‬
‫مفعوله‪ ،‬فهذه خالصتها‪.‬‬

‫أما تفصيلها‪ :‬وقد ذكرها ابن هشام مبتدئاا باسم الفعل فقال‪:‬‬

‫"اسم الفعل ك(هيهات‪ ،‬وصه‪ ،‬ويي) بمعنى (بعد‪ ،‬واسكت‪ ،‬وأعجب)"‪.‬‬


‫‪440‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫أسَمء سَمعية لفظها اسم؛‬


‫ٌ‬ ‫‪ ‬االسم األول الذي يعمل عمل فعله اسم الفعل‪ :‬أسَمء األفعال‬
‫ٍ‬
‫(صه)‪،‬‬ ‫ألنه يقبل شيئاا من العالمات املميزة لالسم كالتنوين‪ ،‬واإلسناد‪ ،‬فتقول يف (صه)‪:‬‬
‫(أف)؛ وهلذا حكمنا عىل الباب كله أسَمء‪ ،‬إال أن معناها معنى الفعل‪ ،‬وهلذا‬
‫ويف (أف)‪ٍّ :‬‬
‫سموها اسم فعل‪ ،‬وهذه كثرية وهي قد تكون بمعنى فعل األمر والفعل املضارع والفعل‬
‫املايض‪.‬‬
‫‪ -‬والتي بمعنى فعل األمر‪ :‬هي األكثر يف هذا الباب ك(صه) بمعنى اسكت‪ ،‬و(مه) بمعنى‬
‫ِ‬
‫و(دراك) بمعنى (أدرك)‪ ،‬و(كخ)‬ ‫ِ‬
‫و(نزال) بمعنى (انزل)‬ ‫(انكفف)‪ ،‬و(آمي) بمعنى (استجب)‪،‬‬
‫و(حي) بمعنى (أقبل)‪.‬‬
‫َّ‬ ‫بمعنى (اترك أو دع)‪،‬‬

‫‪ -‬وقد تكون بمعنى الفعل املايض‪ :‬ك(شتان) بمعنى (افرتق)‪ ،‬و(هيهات) بمعنى (بعد)‪.‬‬

‫‪ -‬وقد تكون بمعنى الفعل املضارع‪ :‬ك(أف) بمعنى (تضجر)‪ ،‬و(آه) بمعنى (أتأمل أو أحترس)‪،‬‬
‫و(وي) بمعنى (أتعجب أو أعجب)‪.‬‬

‫فهذه أسَمء األفعال وهي عىل نوعني‪:‬‬

‫‪ ‬مرجتلة‪.‬‬
‫‪ ‬ومنقولة‪.‬‬
‫ما معنى مرجتلة؟‬

‫يعني مل تستعمل يف اللغة إال اسم فعل منذ أن وضعت وضعت اسم فعل‪ ،‬فلم تستعمل من قبل‬
‫يف ٍ‬
‫باب آخر‪ ،‬كجميع األمثلة السابقة‪.‬‬

‫باب آخر من أبواب اللغة وج ِعلت اسم فعل‪ ،‬وهي قد‬


‫والنوع الثان املنقولة‪ :‬يعني نقلت من ٍ‬

‫تنقل من اجلار واملجرور‪ ،‬وقد تنقل من الظرف‪ ،‬فاملنقول من اجلار واملجرور كقوهلم‪( :‬عليك‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪441‬‬

‫وجمرورا‪ ،‬ليس املعنى أن (زيد‬


‫ا‬ ‫جارا‬
‫زيدا ا) بمعنى (الزم زيدا ا)‪ ،‬ف(عليك) يف (عليك زيدا ا) ليس ً‬
‫عليك) وإنَم املعنى (الزم عليك زيدا ا)‪( ،‬عليك الصالة) يعني (الزم الصالة)‪ ،‬وكقوهلم‪( :‬دونك‬
‫الكتاب) يعني (خذ الكتاب)‪( ،‬دونك املال) يعني (خذ املال) ومن ذلك (مكانك) يعني (اثبت)‬
‫وهكذا‪.‬‬

‫اسم الفعل‪ ،‬طيب ما حكم إعَمله؟‬

‫الزما فهو مثله يرفع ا‬


‫فاعال فقط‪ ،‬وال حيتاج‬ ‫عمل الفعل واجب‪ ،‬عمله واجب‪ ،‬فإن كان فعله ا‬
‫ٍ‬
‫مفعول به‪ ،‬نحو (هيهات) بمعنى (بعد)‪ ،‬فكَم تقول‪( :‬بعد النَّجاح عن الكسول)‪ ،‬تقول‪:‬‬ ‫إىل‬
‫(هيهات النجاح عن الكسول)‪ ،‬فتقول‪( :‬النجاح) فاعل‪.‬‬

‫قال الشاعر‪:‬‬

‫وهيهات ٌّ‬
‫خل بالعقيق نواصله"‬ ‫"هيهات العقيق ومن به‬

‫(هيهات العقيق) يعني (بعد العقيق) ٌ‬


‫فعل وفاعل‪ ،‬وتقول‪( :‬صه) فتقول‪ :‬فاعله مسترت تقديره‬
‫ِ‬
‫(نزال) فاعله مسترت تقديره أنت‬ ‫أنت‪ ،‬كَم تقول يف (اسكت)‪ :‬فاعله مسترت تقديره أنت‪ ،‬وكذلك‬
‫مثل (انزل)‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫ا‬
‫مفعوال به‪ ،‬كقولك‪:‬‬ ‫وإن كان االسم بمعنى ٍ‬
‫فعل متعدٍّ ‪ :‬فهو يعمل مثله‪ ،‬سريفع ا‬
‫فاعال وينصب‬
‫ِ‬
‫ف(دراك) فاعله‬ ‫ِ‬
‫(دراك املوعد يا ُممد)‪ ،‬كقولك‪( :‬أدرك املوعد يا ُممد)‪،‬‬ ‫ِ‬
‫(دراك املوعد) تقول‪:‬‬
‫مسترت تقديره أنت‪ ،‬و(املوعد) مفعول به‪ ،‬وتقول‪( :‬عليك زيدا ا) مثل (الزم زيدا ا)‪ ،‬ف(زيدا ا‬
‫مفعول به نصبه عليك‪ ،‬وفاعله مسترت تقديره أنت‪( ،‬الزم أنت زيدا ا‪ ،‬وعليك أنت زيدا ا) وهكذا‪.‬‬

‫فاسم الفعل قلنا‪ :‬جيب أن يعمل؛ فلهذا قلنا يف اخلالصة‪ :‬هو الوحيد الذي جيب أن ينصب‬
‫ا‬
‫مفعوال به إذا كان فعله متعد ايا‪.‬‬
‫‪442‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ذكر ابن هشام بعض أحكامه فقال‪:‬‬

‫"وال حيذف‪ ،‬وال يتأخر عن معموله‪ ،‬وكتاب اَّلل عليكم متأول"‬

‫حكم من أحكام اسم الفعل‪ ،‬وهذا احلكم يتعلق بكون عمله ضعي افا‪ ،‬فإن اسم الفعل‬
‫ٌ‬ ‫فذكر‬
‫وتشبيها له عىل الفعل‪ ،‬يعمل باحلمل والتشبيه‪ ،‬إذن فعمله‬
‫ا‬ ‫يعمل‪ ،‬لكن يعمل أصالة أو ا‬
‫محال‬
‫ضعيف‪ ،‬ليس قو ًيا‪ ،‬وهلذا هو يعمل عمل الفعل‪ ،‬لكن ال يأخذ مجيع أحكام الفعل‪ ،‬فالفعل هو‬
‫متأخرا (زيدا ا أكرمت)‪ ،‬نقول‪:‬‬
‫ا‬ ‫متقدما (أكرمت زيدا ا)‪ ،‬ويعمل‬
‫ا‬ ‫األصل يف العمل‪ ،‬فلهذا يعمل‬
‫(زيدا ا) مفعول به‪ ،‬ما الذي نصبه؟ نصبه (أكرمت) املتأخر‪ ،‬وتقول‪( :‬من أكرمت؟) فتقول يف‬
‫اجلواب‪( :‬زيدا ا)‪( ،‬زيدا ا) مفعول به‪ ،‬ما الذي نصبه؟ ٌ‬
‫فعل ُمذوف تقديره (أكرمت)‪ ،‬فالفعل‬
‫ومتأخرا‪.‬‬
‫ا‬ ‫متقدما‬
‫ا‬ ‫عمل وهو ُمذوف‪ ،‬فالفعل قوي يعمل ُمذو افا ويعمل‬

‫مذكورا؛ وهلذا ال حيذف‪ ،‬ال يمكن أن تقول‪:‬‬


‫ا‬ ‫متقدما‬
‫ا‬ ‫بخالف اسم الفعل‪ ،‬فهو ضعيف يعمل‬
‫متأخرا تقول‪( :‬عليك زيدا ا) طيب ما‬
‫ا‬ ‫منصوب إنه منصوب باسم فعل ُمذوف‪ ،‬وال يعمل‬ ‫ٍ‬ ‫عن‬
‫ِ‬
‫(دراك املوعد) لكن ما تقول‪( :‬املوعد‬ ‫جيوز أن تقول‪( :‬زيدا ا عليك) يعني (زيدا ا الزم)‪ ،‬تقول‪:‬‬
‫ِ‬
‫دراك) فإذا أردت ذلك تقول‪( :‬أدرك املوعد) أو (املوعد أدرك)‪.‬‬

‫وأجاز بعض النحويني كالكسائي عمله وهو متأخر‪ :‬فيجيزون زيدا ا عليك‪ ،‬وحيتجون بقوله‬
‫تعاىل‪﴿ :‬كِتاب اَّللَِّ عل ْيك ْم [النساء‪ ،]24:‬قالوا‪ :‬املعنى (الزموا كتاب اَّلل‪ ،‬عليكم كتاب اَّلل) ثم‬
‫وأخر اسم الفعل‪ ،‬فقال‪﴿ :‬كِتاب اَّللَِّ عل ْيك ْم [النساء‪.]24:‬‬ ‫قدم املفعول به َّ‬

‫مصدر لكتب يكتب كتاب اة وكتا ابا‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫واجلمهور‪ :‬عىل أن ﴿كِتاب اَّللَِّ [النساء‪ ]24:‬يف اآلية‬
‫مصدر لكتب يكتب‬
‫ٌ‬ ‫اسم ملا أنزله اَّلل ‪-‬س ْبحانه وتعاىل‪ ،-‬وإنَم‬
‫وليس املراد به كتاب اَّلل الذي هو ٌ‬
‫كتاب اة‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪443‬‬

‫ا‬
‫مفعوال مطل اقا ناصبه ٌ‬
‫فعل ُمذوف؛ ألن املفعول املطلق يكثر‬ ‫مصدرا فهم يعربونه‬
‫ا‬ ‫فإذا كان‬
‫حذف فعله‪ ،‬والتقدير (كتب اَّلل هذا عليكم كتا ابا)‪( ،‬كتب اَّلل ذلك عليكم كتا ابا)؛ يعني (كتبه‬
‫كتا ابا عليكم)‪﴿ ،‬كِتاب اَّللَِّ عل ْيك ْم [النساء‪ ]24:‬يعني (كتبه كتا ابا عليكم)‪.‬‬

‫وهذا هو املوافق للمعنى واَّلل أعلم‪ ،‬فإن ذكر يف اآلية السابقة املحرمات من النساء فقال‪:‬‬
‫ت عل ْيك ْم أ َّمهاتك ْم وبناتك ْم [النساء‪ ]23:‬إىل آخره‪ ،‬ثم قال‪﴿ :‬كِتاب اَّللَِّ‬ ‫﴿ح يرم ْ‬
‫عل ْيك ْم [النساء‪]24:‬؛ يعني كتِب ذلك التحريم كتا ابا عليكم)‪.‬‬

‫وهذا معنى قول ابن هشام‪﴿" :‬كِتاب اَّللَِّ عل ْيك ْم [النساء‪ ]24:‬متأول" يعني ليس عىل ما‬
‫ا‬
‫مفعوال به هلذا اسم‬ ‫ا‬
‫مفعوال مطل اقا‪ ،‬وليس‬ ‫قال هؤالء‪ ،‬بل هو خمرج عىل تأويل آخر وهو كونه‬
‫الفعل املتأخر‪.‬‬

‫جار وجمرور عىل أصله‪.‬‬


‫فإذا قلنا‪ :‬إنه مفعول مطلق فعليكم ٌّ‬

‫ثم قال ابن هشام‪:‬‬

‫"وال يربز ضمريه"‬

‫ضمريا بار ازا‬


‫ا‬ ‫نعم‪ ،‬اسم الفعل يعمل عمل فعله؛ فلهذا يرفع فاعله‪ ،‬إال أن فاعله يربز‪ ،‬ال يكون‬
‫كالفعل‪ ،‬فالفعل تقول للواحد (اذهب) وتقول للواحدة‪( :‬اذهبي) وتقول لالثنني‪( :‬اذهبا)‪،‬‬
‫وتقول للجمع املذكر (اذهبوا)‪ ،‬واجلمع املؤنث (اذهبن) فيربز ضمريه‪ ،‬يربز فاعله يف غري املفرد‬
‫الواحد‪.‬‬

‫لكن اسم الفعل ال‪ ،‬ال يربز فاعله أبدا ا‪ ،‬بل يلزم لف اظا واحدا ا‪ ،‬فتقول للواحد‪( :‬صه)‪ ،‬وللمؤنث‬
‫(صه)‪ ،‬ولالثنني (يا ُممدان صه)‪ ،‬وللجمع‪( :‬يا ُممدون صه)‪ ،‬و(يا هندان صه) فال يربز‬
‫‪444‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫فعال‪ ،‬لو كان ا‬


‫فعال لربز ضمريه كالفعل‪ ،‬وهذا من‬ ‫ضمريه‪ ،‬وهذا مما خيالف فيه الفعل؛ ألنه ليس ا‬
‫اسم‪.‬‬ ‫األدلة عىل أنه ليس ا‬
‫فعال بل ٌ‬

‫ثم قال ابن هشام‪:‬‬

‫"وجيزم املضارع يف جواب الطلب منه نحو (مكانك حتمدي أو تسرتحيي) وال ينصب"‪.‬‬

‫أيضا من أحكام اسم الفعل‪ :‬أنه جيزم املضارع إذا وقع يف جوابه‪ ،‬فهو يف كفعل األمر‪ ،‬وذلك أن‬
‫ا‬
‫الفعل املضارع جيزم إذا سبق بلم أو َّملا‪ ،‬أو الم األمر‪ ،‬أو ا الناهية‪ ،‬أو أدوات الرشط اجلازمة‪ ،‬أو‬
‫سبِق بطلب ومل يقرتن بالفاء أو الواو‪.‬‬

‫كقولك‪( :‬اجتهد تنجح يا ُممد)‪( ،‬تعاىل أكرمك)‪﴿ ،‬ق ْل تعال ْوا أتْل ما ح َّرم [األنعام‪]151:‬‬
‫فأنت إذا قلت‪( :‬اجتهد تنجح) (تنجح) فعل مضارع جمزوم؛ ألنه وقع يف جواب الطلب‪.‬‬

‫والطلب كَم سبق َشحه ثَمنية أشياء‪:‬‬

‫‪ ‬األمر‪.‬‬
‫‪ ‬والنهي‪.‬‬
‫‪ ‬واالستفهام‪.‬‬
‫‪ ‬والدعاء‪.‬‬
‫‪ ‬والعرض‪.‬‬
‫‪ ‬والتحضيض‪.‬‬
‫‪ ‬والرتجي‪.‬‬
‫‪ ‬والتمني‬
‫فإذا سبق املضارع بطلب ومل يقرتن بالفاء أو الواو‪ ،‬فإنه ينجزم‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪445‬‬

‫طيب‪ ،‬يقول ابن هشام‪:‬‬

‫أيضا ينجزم املضارع يف جواز اسم الفعل‪ ،‬فهو مثل فعله األمر"‪.‬‬
‫" ا‬
‫ِ‬
‫(نزال أكرمك)‪ ،‬فتجزم‬ ‫ِ‬
‫(نزال) تقول‪:‬‬ ‫فلو قلت ا‬
‫مثال‪( :‬انزل أكرمك) هذا فعل أمر‪ ،‬لو قلت‪:‬‬
‫مضارعا‪.‬‬
‫ا‬ ‫جوابه إذا كان‬

‫ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬

‫وأخذي احلمد بالثمن الربيحِ "‬ ‫"أبت يل عفتي وأبى بالئي‬

‫ورضِب هامة البطل املشيحِ "‬ ‫"وإقحامي عىل املكروه نفيس‬

‫حتمدي أو تسرتحيِي"‬
‫مكانك ِ‬
‫ِ‬ ‫"وقويل كلَم جشأت وجاشت‬
‫ِ‬
‫(حتمدي) هذا اجلواب (اثبتي) طيب واجلواب؛ يعني‬ ‫(اثبتي)‬
‫ِ‬ ‫(مكانك) اسم فعل بمعنى‬
‫ِ‬
‫ف(حتمدي) فعل مضارع جمزوم‪ ،‬وقد‬ ‫اجلزاء املرتتب عىل ذلك أنك حتمدين (مكانك ِ‬
‫حتمدي)‬
‫ِ‬
‫(مكانك) فانجزم‪.‬‬ ‫وقع جوا ابا السم ٍ‬
‫فعل‬

‫طيب‪ ،‬لو جاء جواب الطلب بعد اسم الفعل مقروناا بالفاء أو الواو‪ ،‬يقول‪ :‬ال ينتصب بل‬
‫يرتفع‪ ،‬وذلك أنه سبق يف َشح إعراب الفعل املضارع‪ :‬الفعل املضارع ينتصب بعد فاء السببية‬
‫وواو املعية املسبوقتني بطلب أو نفي‪ ،‬لو قلت‪( :‬اجتهد فتنجح)‪( ،‬اجتهد وتنجح) هنا اجلواب‬
‫مقرتن وال غري مقرتن بالفاء والواو؟ يقرتن‪ ،‬إذا اقرتن ينتصب‪ ،‬وإذا مل يقرتن ينجزم‪( ،‬اجتهد‬
‫تنجح)‪( ،‬اجتهد فتنجح)‪( ،‬اجتهد وتنجح)‪.‬‬

‫يقول ابن هشام‪:‬‬

‫"أما اجلواب السم الفعل غري املقرتن بالفاء والواو فإنه ينجزم"‬
‫‪446‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ِ‬
‫(نزال أكرمك)‪.‬‬ ‫تقول‪( :‬صه أكرمك)‪،‬‬

‫لكن إذا اقرتن بالفاء أو بالواو هنا ال يأخذ حكم الفعل‪ ،‬ال ينتصب‪ ،‬بل يرتفع‪ ،‬تقول ا‬
‫مثال‪:‬‬
‫(نزال فأكرمك)‪( ،‬صه‪ ،‬فأسمع ما تقول)‪ ،‬وذلك؛ ألن األصل عدم اجلزم‪ ،‬وعدم النصب يف‬ ‫ِ‬

‫يشء عن‬ ‫ِ‬


‫جواب اسم الفعل‪ ،‬إال أنه جاء يف السَمع اجلزم كهذا البيت‪ ،‬فحكمنا بجوازه‪ ،‬ومل يأت ٌ‬
‫مرفوعا‪.‬‬
‫ا‬ ‫العرب يف نصبه بعد الفاء والواو فأبقيناه عىل األصل‬

‫فهذا االسم األول من األسَمء التي تعمل عمل فعلها‪.‬‬

‫وأما االسم الثان الذي يعمل عمل فعله فهو مصدر‪ ،‬وفيه قال ابن هشام‪:‬‬

‫ٍ‬
‫كرضب وإكرا ام"‬ ‫"واملصدر‬

‫املصدر‪ :‬سبق تعريفه عندما تكلمنا عىل املفعول املطلق‪.‬‬

‫فإن شئنا أن نعرفه تعري افا تعليم ًيا قلنا‪ :‬املصدر هو الترصيف الثالث للفعل‪ ،‬فإذا رصفت الفعل‬
‫مضارع‪ ،‬والثالث مصدر‪ ،‬ك(رضب يرضب رض ابا)‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫ماض‪ ،‬والثان‬ ‫ثالثة ترصيفات‪ ،‬فاألول‬
‫إخراجا)‪ ،‬و(استخرج يستخرج‬
‫ا‬ ‫خروجا) و(أخرج خيرج‬
‫ا‬ ‫إكراما)‪ ،‬و(خرج خيرج‬
‫ا‬ ‫و(أكرم يكرم‬
‫خترجا) وهكذا‪.‬‬
‫استخراجا)‪ ،‬و(خترج يتخرج ا‬
‫ا‬

‫وإذا أردنا أن نعرف املصدر تعري افا علم ًيا‪ :‬فاملصدر هو االسم الدال عىل جمرد احلدث‪ ،‬وذلك‬
‫أن احلدث وهو يف املعنى اللغوي الفعل يعني اجللوس‪ ،‬اجللوس هذا هو احلديث‪.‬‬

‫طيب‪ ،‬فإذا جاءت الكلمة دال اة عىل هذا احلدث وزمانه مثل‪( :‬جلس) دالة عىل اجللوس‪،‬‬
‫وزمانه وهو امليض‪ ،‬أو (جيلس) دالة عىل احلدث (اجللوس) وزمانه وهو احلال أو االستقبال‪ ،‬أو‬
‫(اجلس) دال اة عىل احلدث (اجللوس) وزمانه هو االستقبال‪.‬‬

‫فالكلمة التي تدل عىل احلدث وزمانه ماذا تسمى يف اصطالح النحويني؟‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪447‬‬

‫تسمى ا‬
‫فعال‪ ،‬فالفعل كل كلمة دلت عىل احلدث وزمانه‪.‬‬

‫سواء كان صاحبه فاعله أو مفعوله هذا يسمى‬


‫ٌ‬ ‫طيب الكلمة التي تدل عىل احلدث وصاحبه‬
‫(جالس) دالة عىل احلدث وهو اجللوس وعىل من فعله‪ ،‬لو قلت‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫(جالس) نقول‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫الوصف‪ :‬مثل‬
‫(ضارب) د َّلت عىل احلدث وهو الرضب ومن فعله‪ ،‬عىل احلدث ومن فعله‪ ،‬لو قلت‪:‬‬
‫ٌ‬
‫(مرضوب) دلت عىل احلدث الرضب ومفعوله‪ ،‬من وقع عليه‪ ،‬فالكلمة التي تدل عىل احلدث‬
‫ٌ‬
‫وصاحبه تسمى الوصف‪.‬‬
‫ٍ‬
‫داللة عىل صاحبه تدل‬ ‫طيب‪ ،‬الكلمة التي تدل عىل احلدث فقط دون داللة عىل زمانه‪ ،‬ودون‬
‫عىل جمرد احلدث فقط تسمى املصدر‪:‬‬

‫املصدر الكلمة التي تدل عىل جمرد احلدث دون داللة عىل زمان أو صاحبه مثل (جلوس) إذا‬
‫قلت‪( :‬جلوس) دلت عىل احلدث (اجللوس)‪ ،‬لكن ما د َّلت عىل زمانه‪ ،‬وال دلت عىل صاحبه‪،‬‬
‫مثل (رضب) تدل عىل احلدث (الرضب)‪ ،‬لكن ما دلت عىل زمانه‪ ،‬وال دلت عىل صاحبه‪،‬‬
‫وهكذا‪.‬‬

‫فهذا تعريف املصدر تعري افا علم ًيا وتعليم ًيا‪.‬‬

‫طيب‪ ،‬ما حكم إعَمل عمل الفعل؟‬

‫يذكر ابن هشام أن إعَمله جائز برشط‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫حل ُمله ٌ‬
‫فعل من (أن) و(ما)"‬ ‫"إن َّ‬

‫سواء مع (أن)‪ ،‬أو مع (ما)‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫إذن فاملصدر جيوز أن يعمل عم فعله برشط وهو أن حيل ُمله فعله‬

‫يعني اخلالصة‪ :‬أن املصدر إذا حل فعله ُمله فإنه يعمل‪ ،‬وإذا مل حيل فعله ُمله فإنه ال يعمل‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ ب(أن) وفعله‪ ،‬أو (ما) وفعله‪.‬‬ ‫ستؤوله‬ ‫وإذا حل فعله ُمله فإنك‬
‫ي‬
‫‪448‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫فتقول ا‬
‫مثال‪( :‬يعجبني رضبك زيدا ا) يعني (يعجبني أن ترضب زيدا ا)‪( ،‬تعجبني قراءتك‬
‫القرآن) يعني (يعجبني أن تقرأ القرآن)‪( ،‬يعجبني طلبك العلم) يعني (يعجبني أن تطلب‬
‫العلم)‪﴿ ،‬ول ْوال د ْفع اَّللَِّ النَّاس [احلج‪ ]40:‬يعني (ولوال أن يدفع اَّلل الناس) وهكذا‪.‬‬
‫مثال‪( :‬نظرت) أو (أعجبني أكل ٍ‬
‫زيد)‪( ،‬أعجبني ميش زيد) أنت ال تريد أن‬ ‫لكن لو قلت ا‬
‫تقول‪( :‬يعجبني أن يميش يف زيد) ولكن امليش نفسه هذا يعجبك‪.‬‬

‫وملاذا جعل يف التقدير حرفني (أن) و(ما)؟‬

‫قالوا‪ :‬إن (أن) تقدر مع املايض واملستقبل‪ ،‬و(ما) تقدر مع احلال؛ ألن (ما) إذا قدرهتا‪ ،‬فهي‬
‫تقدر مع احلال التي تقع يف زمن التكلم‪ ،‬فإذا قلت‪( :‬أعجبني َشحك الدرس)‪ ،‬طيب‪ ،‬إن كان‬
‫الرشح خلص‪ ،‬فاملعنى (أعجبني أن َشحت الدرس)‪ ،‬وإذا كان املعنى يف االستقبال فتقول‪:‬‬
‫(يعجبني َشحك الدرس) يعني (يعجبني أن ترشح الدرس)‪.‬‬

‫وإذا كان كالمك هذا له وهو يرشح‪ ،‬فالتقدير (يعجبني ما ترشح الدرس) يعني (َشحك‬
‫الدرس)‪.‬‬

‫ت عل ْي ِهم األ ْرض بَِم رحب ْ‬


‫ت [التوبة‪]118:‬؛ يعني ضاقت عليهم برحبِها‪،‬‬ ‫نحو ﴿ضاق ْ‬
‫ف(ما) والفعل تأول هنا بمصدر‪.‬‬
‫طيب‪ ،‬فإذا نظرنا إىل قولك‪( :‬عجبت من أكل ٍ‬
‫زيد اخلبزة)‪ ،‬املصدر (أكل) وهل هنا بمعنى‬
‫الفعل؟‬

‫نعم‪( ،‬يعجبني أن يأكل زيدٌ اخلبزة)‪.‬‬

‫طيب‪( ،‬اخلبزة) فاعل أو مفعول؟‬


‫ٍ‬
‫مفعول به‪ ،‬املأكول‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪449‬‬

‫طيب‪ ،‬وأين الفاعل اآلكل؟‬


‫(زيد)‪ ،‬لكن يقول‪( :‬يعجبني أكل ٍ‬
‫زيد اخلبزة) (اخلبزة) مفعول به‪ ،‬وبقيت عىل نصبها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫و(زيد) الفاعل جررناه باإلضافة‪ ،‬سنعرف أن من أحكام املصدر جيوز أن يضاف إىل‬ ‫طيب‪،‬‬
‫الفاعل‪ ،‬هذا فاعله لكن مضاف إليه‪.‬‬
‫ِ‬
‫اخلبزة زيدٌ )؛ يعني (يعجبني أن يأكل اخلبزة زيدٌ ) فزيدٌ ) فاعل‪ ،‬وبقي‬ ‫وتقول‪( :‬يعجبني أكل‬
‫ٍ‬
‫مفعول به‪ ،‬وأضيف املصدر إليه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫و(اخلبزة)‬ ‫مرفوعا‪،‬‬
‫ا‬

‫إذن فاملصدر جيوز أن يضاف للفاعل‪ ،‬وجيوز أن يضاف للمفعول به‪ ،‬وأهيَم أكثر يف اللغة‬
‫وأحسن؟‬

‫أن يضاف إىل الفاعل (يعجبني أكل زيد اخلبزة) أو يضاف للمفعول به (يعجبني أكل اخلبزة‬
‫زيدٌ )؟‬

‫ال شك أن األكثر أن يضاف إىل الفاعل‪ ،‬وينصب إىل املفعول به‪.‬‬

‫والثان جائز وارد ولكنه األقل‪.‬‬

‫وتقول‪( :‬عجبت من عقوق الولد أباه)؛ يعني (عجبت من أن يع َّق الولد أباه)‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬أ ْو‬
‫إِ ْطعا ٌم ِيف ي ْو ٍم ِذي م ْسغب ٍة * يتِ ايَم [البلد‪﴿ ،]15:14‬وما أ ْدراك ما ا ْلعقبة [البلد‪]12:‬‬

‫طيب‪ ،‬ما العقبة؟‬

‫ك رقب ٍة [البلد‪﴿ ،]12:‬أ ْو إِ ْطعا ٌم ِيف ي ْو ٍم ِذي م ْسغب ٍة * يتِ ايَم‬


‫يقول‪﴿ :‬ا ْلعقبة * ف ُّ‬
‫[البلد‪ ]15:14‬املعنى واَّلل أعلم‪ :‬العقبة أن تفك رقبة‪ ،‬وأن تطعم يتيَم‪ ،‬العقبة فك ٍ‬
‫رقبة وإطعا ٌم‬ ‫ا‬
‫يتيَم‪.‬‬
‫(يتيَم) مفعول به‪ ،‬ما الذي نصبه؟ املصدر (إطعا ٌم) أن تطعم ا‬
‫يتيَم) ا‬
‫ا‬
‫‪450‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫قال الشاعر‪:‬‬

‫أزلنا هامهن عن املقيل"‬ ‫ٍ‬


‫برضب بالسيوف رؤوس قو ٍم‬ ‫"‬

‫ٍ‬
‫(برضب بالسيوف رؤوس قومٍ) يعني بأن نرضب رؤوس قو ٍم بالسيوف‪.‬‬ ‫فقال‪:‬‬

‫وقال الشاعر‪:‬‬

‫وأخذي احلمد بالثمن الربيحِ "‬ ‫"أبت يل عفتي وأبى بالئي‬

‫ورضِب هامة البطل املشيح"‬ ‫"وإقحامي عىل املكروه نفيس‬

‫أين املصدر؟‬

‫يف ثالثة مصادر عملت‪:‬‬

‫األول‪( :‬أخذي)‪ ،‬قال‪( :‬أخذي احلمد)‪( ،‬احلمد) مفعول به‪ ،‬وقد أضيف إىل فاعله املتكلم‬
‫(أخذي) ياء املتكلم هذه فاعل‪ ،‬و(احلمد) مفعول به‪.‬‬
‫قال‪( :‬وإقحامي نفيس) يعني (وأن ِ‬
‫أقحم نفيس) فإقحامي أضيفت إىل الفاعل ياء املتكلم‪،‬‬
‫و(نفيس) مفعول به‪ ،‬و(رضِب هامة) يعني أن أرضب هامة‪ ،‬فأضاف رضب إىل الفاعل ياء‬
‫املتكلم‪ ،‬ونصب املفعول به‪.‬‬

‫ثم ذكر ابن هشام شيئاا من أحكام املصدر سنرجئها إن شاء اَّلل إىل الدرس القادم‪ ،‬ونأمل أننا يف‬
‫الدرس القادم إن شاء نطيله ا‬
‫قليال؛ لكي ننتهي من الكتاب‪ ،‬فبقي من الكتاب قليل‪ ،‬واَّلل أعلم‪،‬‬
‫وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله وأصحابه أمجعني‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪451‬‬

‫الدرس الثان عرش‬

‫بسم اَّلل الرمحن الرحيم‬

‫احلمد َّلل رب العاملني والصالة والسالم عىل نبينا ُممد وعىل آله وأصحابه أمجعني‪.‬‬

‫أما بعد‪...‬‬

‫فسالم اَّلل عليكم ورمحته وبركاته‪ ،‬وحياكم اَّلل وب َّياكم يف هذا الدرس الثان عرش من دروس‬
‫َشح قطر الندي وبل الصدى البن هشام األنصاري –عليه رمحة اَّلل‪.-‬‬

‫نحن يف ليلة األربعاء الثان من شهر شعبان لسنة ‪1439‬ه يف جامع منرية الشبييل يف حي‬
‫الفالح يف مدينة الرياض‪.‬‬

‫يف الدرس املايض كنا تكلمنا عىل بقية املنصوبات‪ ،‬ثم تكلمنا عىل املخفوضات املجرورات‪،‬‬
‫وبدأنا بالكالم عىل األسَمء العاملة عمل فعلها‪ ،‬فتكلمنا عىل إعَمل اسم الفعل‪ ،‬وعىل إعَمل‬
‫املصدر‪.‬‬

‫يف هذا الدرس إن شاء اَّلل تعاىل سنتكلم عىل بقية الكالم عىل إعَمل املصدر‪ ،‬وبقية األسَمء‬
‫العاملة عمل فعلها‪ ،‬ثم نتكلم بعد ذلك عىل التوابع‪.‬‬

‫فنبدأ من حيث توقفنا يف أثناء الكالم عىل إعَمل اسم الفعل عمل فعله‪:‬‬

‫أسَمء تعمل عمل فعلها‪ ،‬فبدأ بذكرها واحدا ا‬


‫ا‬ ‫فقد ذكر ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل تعاىل‪ -‬أن هناك‬
‫واحدا ا‪ ،‬فذكر اسم الفعل‪ ،‬وقرأنا ما قاله فيه وَشحناه‪ ،‬ثم انتقل إىل الكالم عىل املصدر‪ ،‬فذكرنا‬
‫َشط إعَمله عمل فعله‪ ،‬وهو أن يقع وأن حيل ُمله (أن) والفعل‪ ،‬أو (ما) والفعل‪.‬‬
‫‪452‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ثم ذكر َشو اطا أخرى إلعَمل املصدر فقال ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬

‫ا‬
‫مفصوال‬ ‫مضمرا‪ ،‬وال ُمدو ادا‪ ،‬وال منعوتاا قبل العمل‪ ،‬وال ُمذو افا‪ ،‬وال‬
‫ا‬ ‫مصغرا وال‬
‫ا‬ ‫"ومل يكن‬
‫مؤخرا عنه"‬
‫ا‬ ‫من املعمول‪ ،‬وال‬

‫فهذه كلها موانع متنع من عمل املصدر عمل فعله؛ ألن املصدر عمله ضعيف؛ ألنه ال يعمل‬
‫باألصالة‪ ،‬وإنَم يعمل بالتشبيه واحلمل عىل فعله‪ ،‬فال يعمل عمل فعله إال إذا كان بمعنى فعله؛‬
‫يعني بمعنى (أن) والفعل‪ ،‬أو (ما) والفعل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ سيبطل عمله‪ ،‬بل لن يعمل عمل‬ ‫يشء يبعده عن شبه الفعل‪ ،‬فإنه‬ ‫لكن إذا صار فيه‬
‫ٌ‬
‫فعله‪ ،‬فهذه األشياء املذكورة كلها لو تأملنا فيها لوجدنا أهنا تبعد املصدر عن شبه الفعل‪.‬‬

‫مصغرا؛ ألن التصغري من خصائص األسَمء‪ ،‬فال يصح أن يقال‪:‬‬


‫ا‬ ‫‪ -‬فاملصدر ال يعمل إذا كان‬
‫خري)‪ ،‬أو (يعجبني َشحيك الدرس)‪.‬‬
‫(صنيعك املعروف ٌ‬
‫ضمريا؛ ألن الضَمئر من األسَمء املخصوصة‪ ،‬فال جيوز أن تقول‪:‬‬
‫ا‬ ‫‪ -‬وال يعمل إذا كان‬
‫ٌ‬
‫خفيف) تريد أن تقول‪( :‬رضبك زيدا ا مؤمل ٌ ورضبك خالدا ا‬ ‫(رضبك زيدا ا مؤمل ٌ وهو خالدا ا‬
‫ٍ‬
‫حينئذ وال يصح‪.‬‬ ‫خفيف)‪ ،‬فكنيت عنه بالضمري‪ ،‬فإنه ال يعمل‬ ‫ٌ‬

‫فإذا أردت أن تعمله فترصح باملصدر‪.‬‬

‫‪ -‬وكذلك ال يعمل إذا كان ُمدو ادا؛ يعني ُمدو ادا بعدد معني‪ ،‬وذلك بأن يكون اسم م َّرة‪،‬‬
‫مرات حدوث الفعل‪ ،‬كقولك‪( :‬رضب ٌة‪َ ،‬شب ٌة‪ ،‬وأكل ٌة) ونحو ذلك‪ ،‬فال‬
‫اسم م َّرة هو الدال عىل َّ‬
‫جيوز أن تقول‪( :‬يعجبني رضبتك زيدا ا) تريد (رضبك زيدا ا رضب اة واحدة)‪.‬‬

‫‪ -‬وال يعمل منعوتاا قبل العمل‪ ،‬فال يصح أن تقول‪( :‬يعجبني رضبك الشديد زيدا ا) ألن‬
‫الفعل ال ينعت‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪453‬‬

‫‪ -‬وال يعمل ُمذو افا؛ ألن عمله كَم عرفنا ضعيف‪ ،‬والضعيف ال يعمل ُمذو افا‪.‬‬

‫مفصوال عن املعمول؛ إذا ف ِصل بينه وبني املفعول به بفاصل فإنه ال يعمل‪ ،‬فال‬
‫ا‬ ‫‪ -‬وال يعمل‬
‫يصح أن تقول‪( :‬يعجبني َشحك يف هذا الفصل الدرس) ففصلت بني املصدر (َشحك) وبني‬
‫املفعول به (الدرس) بشبه اجلملة‪.‬‬

‫مؤخرا عن املعمول؛ يعني أن تؤخره وأن تقدم عليه املفعول به‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫ا‬ ‫‪ -‬وال يعمل‬
‫(يعجبني الدرس َشحك) تعني (يعجبني َشحك الدرس)‪.‬‬

‫مؤخرا مع الرصيح‪ ،‬مع املفعول به الرصيح هذا متفق عليه‪ ،‬ولكن اختلفوا‬
‫ا‬ ‫وكونه ال يعمل‬
‫فكثري من املحققني جييزون ذلك‪ ،‬فيجيزون أن تقول‪( :‬يعجبني‬
‫ٌ‬ ‫يف عمله يف شبه اجلملة املتقدمة‪،‬‬
‫ِ‬
‫املسجد جلوسك) عىل أن (يف املسجد) متعلق بجلوسك‪،‬‬ ‫جلوسك يف املسجد) و(يعجبني يف‬
‫وهكذا‪ ،‬أو (يعجبني سفرك اليوم‪ ،‬ويعجبني اليوم سفرك)؛ يعني أن تسافر يف هذا اليوم‪.‬‬

‫ثم ذكر ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬حاالت إعَمل املصدر‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫"وإعَمله مضا افا أكثر نحو﴿ول ْوال د ْفع اَّللَِّ النَّاس [البقرة‪ ،]251:‬وقول الشاعر‪" :‬أال َّ‬
‫إن‬
‫بني" ومنوناا أقيس نحو ﴿أ ْو إِ ْطعا ٌم ِيف ي ْو ٍم ِذي م ْسغب ٍة (‪ )14‬يتِ ايَم‬
‫ظلم نفسه املرء ي ٌ‬
‫(‪[ )15‬البلد‪ ،]15:14‬و(ال) شا ٌّذ نحو "وكيف التوقي ظهر ما أنت راكبه"‬

‫فذكر ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ :-‬أن املصدر له ثالثة استعَمالت‪ ،‬ثالثة أحوال‪:‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ‬ ‫‪ ‬االستعَمل األول‪ :‬أن يكون مضا افا أن يعمل وهو مضاف وهذا هو األكثر فيه‪،‬‬
‫يضاف إىل فاعله أو إىل مفعوله‪ ،‬أم جيوز الوجهان؟‬
‫‪454‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ ينصب مفعوله وهذا هو األكثر كقولك‪:‬‬ ‫جيوز الوجهان أن تضيفه إىل فاعله‪،‬‬
‫(يعجبني َشح األستاذ الدرس) يعني (أن يرشح األستاذ الدرس)‪ ،‬فحولت (أن يرشح) إىل‬
‫مصدر (الرشح) وأضفته إىل الفاعل (األستاذ) فقلت‪( :‬يعجبني َشح األستاذ الدرس)‪،‬‬
‫وكاآلية ﴿ول ْوال د ْفع اَّللَِّ النَّاس [البقرة‪ ]251:‬يعني (لوال أن يدفع اَّلل الناس)‪.‬‬

‫وجيوز أن تضيفه إىل املفعول به‪ ،‬فينجر باإلضافة‪ ،‬ويرفع بعد ذلك الفاعل‪ ،‬وهذا قليل‪ ،‬وإن‬
‫ِ‬
‫الدرس األستاذ)؛ يعني (يعجبني أن يرشح‬ ‫كان جائزا ا أو ورا ادا‪ ،‬كأن تقول‪( :‬يعجبني َشح‬
‫الدرس األستاذ)‪ ،‬ثم تقلب الفعل إىل مصدر (يعجبني َشح) وتضيفه إىل املفعول به الدرس)‬
‫ِ‬
‫الدرس األستاذ)‪.‬‬ ‫مرفوعا (يعجبني َشح‬
‫ا‬ ‫ِ‬
‫الدرس) ويبقى الفاعل‬ ‫(يعجبني َشح‬

‫مهم) ثم نقلب الفعل (أن يأكل) إىل‬


‫مثال ذلك‪ :‬كأن تقول‪( :‬أن يأكل الطالب اإلفطار ٌّ‬
‫ِ‬
‫الطالب‬ ‫املصدر فنقول‪( :‬أكل) فإن أضفته للفاعل وهذا األكثر‪ ،‬فإنك ستقول ماذا؟ (أكل‬
‫مهم) فكالمها‬ ‫ِ‬
‫اإلفطار الطالب ٌّ‬ ‫مهم) وإن أضفته إىل املفعول به كنت ستقول‪( :‬أكل‬
‫اإلفطار ٌّ‬
‫وارد وجائز‪.‬‬

‫قلنا‪ :‬من األول قوله تعاىل ﴿ول ْوال د ْفع اَّللَِّ النَّاس [البقرة‪ ،]251:‬ومن الثان؛ أي إضافة‬
‫ت م ِن ْاستطاع إِل ْي ِه سبِ ايال [آل‬
‫َّاس ِحج ا ْلبي ِ‬
‫املصدر إىل املفعول به قوله تعاىل‪﴿ :‬وَّللَِّ عىل الن ِ ُّ ْ‬
‫حيج‬
‫حيج البيت املستطيع)‪َّ( ،‬لل عىل الناس أن َّ‬
‫عمران‪ ]97:‬املعنى واَّلل أعلم (َّلل عىل الناس أن َّ‬
‫سبيال) يعني (املستطيع)‪ ،‬إذن (البيت) مفعول به ل(حج)؛ ألنه‬ ‫ا‬ ‫البيت من يستطيع إليه‬
‫َّاس ِح ُّج‬
‫املحجوج‪ ،‬و(من) فاعل‪ ،‬ثم أضاف املصدر إىل (البيت) إىل املفعول به ﴿وَّللَِّ عىل الن ِ‬

‫احلاء وكرسها قراءتان‪.‬‬‫ِ‬ ‫ت [آل عمران‪ ،]97:‬ثم أبقى الفاعل عىل حاله‪ ،‬ويف (احلج) فتح‬‫ا ْلبي ِ‬
‫ْ‬

‫وقال الشاعر‪:‬‬

‫هوى يغلب العقل"‬


‫إذا مل يصنها عن ا‬ ‫إن ظلم نفسه املرء ب ييناا‬
‫"أال َّ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪455‬‬

‫(أال إن ظلم) (ظلم) هذا مصدر بمعنى أن يظلم؛ يعني (أن يظلم املرء نفسه)‪( ،‬أن يظلم‬
‫املرء) فاعل‪( ،‬نفسه) مفعول به‪ ،‬ثم قلب الفعل إىل مصدر (ظلم) وأضافه إىل الفاعل أم إىل‬
‫مرفوعا (املرء) هذا عىل‬
‫ا‬ ‫املفعول به؟ أضافه إىل املفعول به (أال إن ظلم نفسه) وأبقى الفاعل‬
‫اجلائز القليل‪.‬‬

‫‪ ‬واالستعَمل الثان واحلالة الثانية إلعَمل املصدر‪ :‬أن يعمل منوناا‪:‬‬


‫َشح األستاذ الدرس)؛‬
‫ٌ‬ ‫وهذا كثري‪ ،‬ليس أكثر‪ ،‬كثري‪ ،‬وهو األقيس‪ ،‬كأن تقول‪( :‬يعجبي‬
‫يعني (يعجبني أن يرشح األستاذ الدرس) ثم قلبت الفعل إىل مصدر‪ ،‬إما أن تضيفه للفاعل أو‬
‫ٍ‬
‫حينئذ يبقى الفاعل مرفو اعا‪،‬‬ ‫(َشح)‬ ‫للمفعول‪ ،‬أو املفعول به‪ ،‬وهذه احلالة األوىل‪ ،‬وإما أن تنونه‬
‫ٌ‬
‫ويبقى املفعول به منصو ابا هذا من حيث القياس هو األقيس‪ ،‬لكن من حيث االستعَمل‪ ،‬قلنا‪:‬‬
‫هو أقل من املصدر العامل املضاف‪.‬‬

‫ك رقب ٍة [البلد‪]13:12‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬وما أ ْدراك ما ا ْلعقبة * ف ُّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف(يتيَم)‬
‫ا‬ ‫﴿أ ْو إِ ْطعا ٌم يف ي ْو ٍم ذي م ْسغبة * يت ايَم [البلد‪ ]15:14‬يعني (أو إطعا ٌم ا‬
‫يتيَم)‪،‬‬
‫مفعول به نصبه إطعا ٌم‪.‬‬

‫‪ ‬احلالة الثالثة أو االستعَمل الثالث للمصدر العامل أن يعمل معر افا ب(ال)‪:‬‬
‫وهذه احلالة قليلة‪ ،‬وابن هشام كَم سمعتم حكم عليها بالشذوذ‪ ،‬نعم‪ ،‬هذه احلالة قليلة قل اة‬
‫جعلت بعض النحويني حيكم عليها بالشذوذ‪ ،‬ولكن النحويني ال يمنعون من القياس عليها مع‬
‫قلتها‪.‬‬

‫ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬

‫فقريا"‬ ‫ِ‬
‫ومن ترك بعض الصاحلني ا‬ ‫الرزق امليسء إهله‬ ‫"عجبت من‬
‫‪456‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫(الرزق) هذا املصدر بمعنى (أن يرزق)‪ ،‬والفاعل (اإلله) واملفعول به (امليسء) يعني‬
‫فقريا) وَّلل ‪-‬‬
‫(عجبت أن يرزق امليسء إهله) هو يتعجب من ذلك‪( ،‬ومن ترك بعض الصاحلني ا‬
‫ع َّز وجل‪-‬حكم ٌة يف كل ما يفعل‪ ،‬فقلب الفعل (أن يرزق) إىل املصدر‪َّ ،‬‬
‫وعرفه ب(ال) (عجبت‬
‫ِ‬
‫الرزق) وأضافه إىل (امليسء)‪( ،‬عجبت من الرزق امليسء إهله)‪.‬‬ ‫من‬

‫قال‪" :‬وكيف التوقي ظهر ما أنت راكبه" وهذا البيت الذي ذكره ابن هشام وهو بيت‬
‫غريب غري مشهور‪.‬‬

‫والشاهد يف قوله‪( :‬التو يقي ظهر) يعني (كيف أن تتوقى ظهر ما أنت راكبه؟) (كيف أن‬
‫تتوقى ظهر؟) مفعول به‪ ،‬ثم قلب الفعل إىل مصدر‪ ،‬فقال‪( :‬كيف التوقي ظهر ما أنت راكبه)‪.‬‬

‫واخلالصة‪ :‬أن املصدر العامل يعمل مضا افا وهذا هو األكثر‪ ،‬ويعمل منوناا وهذا هو األقيس‪،‬‬
‫ولكنه أقل يف االستعَمل‪ ،‬ويعمل معر افا ب(ال) وهذا قليل‪.‬‬

‫‪ ‬ثم انتقل ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬إىل الكالم عىل االسم الثالث العامل عمل فعله‪ ،‬وهو اسم الفاعل‪:‬‬
‫ويدخل يف حكمه صيغ املبالغة التي سَمها ابن هشام املثال واسم املفعول‪ ،‬فبدأ ابن هشام‬
‫بالكالم عىل إعَمل اسم الفاعل فقال‪:‬‬

‫ِ‬
‫ومكرم)"‬ ‫ٍ‬
‫ك(ضارب‬ ‫"واسم الفاعل‬
‫ٍ‬
‫حدث وفاعله‪ ،‬وتكلمنا من قبل عىل تعريف الوصف‪ ،‬وقلنا‪:‬‬ ‫اسم يدل عىل‬
‫اسم الفاعل‪ :‬هو ٌ‬
‫حدث وصاحبه‪ ،‬حدث يعني الفعل الذي يفعل‪ ،‬وصاحبه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫إن الوصف‪ :‬كل اس ٍم َّ‬
‫دل عىل‬
‫وصاحبه‪:‬‬

‫إما أن يكون فاعله الذي فعله‪ ،‬وهذا اسم الفاعل ك(جالس) يدل عىل اجللوس ومن فعله‪.‬‬

‫وصيغ املبالغة ك(جالس)‪.‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪457‬‬

‫والصفة املشبهة ك(شجاع) تدل عىل الشجاعة ومن يفعلها‪.‬‬

‫اسم مفعول ك(مرضوب) تدل عىل الرضب‬


‫وأما أن يكون صاحب احلدث مفعوله‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫ومن وقع عليه‪.‬‬

‫وكذلك اسم التفضيل كقولك‪ُ( :‬ممدٌ أرسع من زيد) ف(أرسع) تدل عىل الرسعة ومن‬
‫ٍ‬
‫حدث وصاحبه‪.‬‬ ‫اسم تدل عىل‬
‫يفعلها‪ ،‬فهذه هي األوصاف جيمعها أهنا ٌ‬

‫ومنها اسم الفاعل وهو األصل يف الداللة عىل من فعل الفعل‪ ،‬ثم يأيت بعد ذلك صيغ املبالغة‬
‫ٍ‬
‫بأوزان معينة سيأيت ذكرها‪ ،‬أو‬ ‫فخصته العرب‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫فاعل إال أن فاعله فعل الفعل بكثرة‪،‬‬ ‫وهي اسم‬
‫الصفة املشبهة وهي اسم الفاعل إذا مل تكن عىل صيغة اسم الفاعل‪ ،‬وسيأيت ذكرها بعد قليل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حدث وفاعله‪ ،‬وله صياغ ٌة قياسية‪ ،‬فهو يصاغ من الثالثي‬ ‫اسم يدل عىل‬
‫إذن‪ ،‬فاسم الفاعل ٌ‬
‫ٍ‬
‫و(آكل)‬ ‫و(شارب) من ِ‬
‫(َشب)‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫و(جالس) من (جلس)‬ ‫عىل وزن فا ٍ‬
‫عل ك(قائمٍ) من (قام)‪،‬‬
‫من (أكل)‪.‬‬

‫ميَم مضمومة وكرس ما‬


‫ويصاغ من غري الثالثي عىل هيئة املضارع مع قلب حرف املضارعة ا‬
‫ِ‬
‫و(مكرم) من (أكرم) و(منطلق) من (انطلق)‬ ‫قبل اآلخر‪ :‬ك(مدحرج) من (دحرج)‪،‬‬
‫و(مستخرج) من (استخرج)‪.‬‬

‫لفظي يذكرونه وهو‪ :‬أن الفاعل يستخرج بقوله‪( :‬فعل فهو فاعل)‪ ،‬تقول‪:‬‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫ضابط‬ ‫وله‬
‫(رضب فهو ضارب)‪ ،‬و(َشب فهو شارب)‪ ،‬و(أقبل فهو مقبل)‪ ،‬و(استغفر فهو مستغفر)‪،‬‬
‫و(افتتح فهو مفتتح) وهكذا‪.‬‬

‫قال ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬يف بيان عمله‪:‬‬


‫‪458‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫نفي‬ ‫ا‬
‫استقباال‪ ،‬واعتَمده عىل ٍ‬ ‫"فإن كان ب(ال) عمل مطل اقا‪ ،‬أو جمر ادا فبرشطني‪ :‬كونه ا‬
‫حاال أو‬
‫أو استفهامٍ‪ ،‬أو ٍ‬
‫خمرب عنه‪ ،‬أو موصوف"‬

‫‪ -‬فذكر أن اسم الفاعل له حالتان‪:‬‬


‫ٍ‬
‫فحينئذ يعمل عمل فعله بال َشط؛ يعني ال يشرتط فيه‬ ‫‪ ‬احلالة األوىل‪ :‬أن يقرتن ب(ال)‬
‫الرشطان اآلتيان بعد قليل‪ ،‬فيجوز أن تقول‪( :‬جاء املكرم زيدا ا)‪ ،‬و(جاء املكرم أباه)‪،‬‬
‫و(جاء املكرم الطالب)‪ ،‬تريد (جاء الذي أكرم زيدا ا)‪ ،‬أو (جاء الذي ي ِ‬
‫كرم زيدا ا)‪،‬‬
‫سواء كان بمعنى املايض أو احلال أو االستقبال‪ ،‬ومعتمدا ا وغري معتمد‪.‬‬
‫ٌ‬
‫وسبق يف باب اإلضافة ونؤكد عليه هنا‪ :‬أن األسَمء العاملة عمل فعلها‪ ،‬أن اسم الفاعل إذا‬
‫عمل فإن عمله جائز وليس بواجب؛ يعني جيوز أن تعمله عمل فعله‪ ،‬فتنصب مفعوله‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫ِ‬
‫الطالب)‬ ‫(جاء املكرم الطالب)‪ ،‬وجيوز أال تعمله عمل فعله فتضيفه‪ ،‬فتقول‪( :‬جاء املكرم‬
‫فيجوز لك الوجهان أن تعمله‪ ،‬وأن تضيفه‪.‬‬

‫فإن أعملته فتنتبه إىل َشوط إعَمله‪ ،‬هل هي متوافرة أم ال‪ ،‬وإن أضفته فتنتبه إىل َشوط‬
‫ٍ‬
‫حينئذ ال يضاف إال يف ثالثة‬ ‫ِ‬
‫(املكرم)‬ ‫اإلضافة املذكورة يف باب اإلضافة‪ ،‬كأن يكون فيه (ال)‬
‫أحوال؛ يعني ال جتتمع اإلضافة‪ ،‬و(ال) يف اإلضافة اللفظية إال يف ثالثة أحوال‪ ،‬فال بد أن تكون‬
‫ِ‬
‫الطالب)؛‬ ‫واحدة من هذه األحوال الثالثة‪ ،‬فلك أن تقول يف (جاء املكرم الطالب)‪( :‬جاء املكرم‬
‫ألن اإلضافة جائزة واإلعَمل جائز‪.‬‬
‫لكن (جاء املكرم زيدا ا) لك أن ت ِ‬
‫عمل (جاء املكرم زيدا ا) ألن اسم الفاعل ب(ال) وعمله‬
‫اجلائز مطل اقا‪ ،‬لكن ليس لك اإلضافة‪ ،‬ال تقل‪( :‬جاء املكرم ٍ‬
‫زيد)؛ ألن اإلضافة هنا مجعت (ال)‪.‬‬

‫و(ال) ال جتامع باإلضافة اللفظية إال يف ثالثة أحوال سبقت‪:‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪459‬‬

‫ِ‬
‫(املكرم)‪.‬‬ ‫جمموعا‪ ،‬واملضاف هنا مفرد‬
‫ا‬ ‫‪ ‬أن يكون املضاف مثنًى أو‬
‫‪ ‬أو يكون املضاف إليه ب(ال)‪ ،‬واملضاف إليه هنا علم‪.‬‬
‫‪ ‬أو يكون مضا افا إىل الضمري ٍ‬
‫عائد إىل ما فيه (ال)‪.‬‬
‫وال يتحقق يشء من ذلك يف قولنا‪( :‬جاء املكرم ٍ‬
‫زيد)‪ ،‬فال جتوز اإلضافة‪ ،‬بل جيب اإلعَمل‪.‬‬ ‫ٌ‬

‫‪ -‬واحلالة الثانية من إعَمل اسم الفاعل أن يكون منوناا‪:‬‬

‫فيعمل عمل فعله برشطني‪:‬‬

‫‪ ‬الرشط األول‪ :‬كون زمانه احلال أو االستقبال؛ يعني أال يكون زمانه املايض‪ ،‬يعني أن‬
‫يكون اسم الفاعل بمعنى (يفعل) ليس بمعنى (فعل وانتهى) بل بمعنى يفعل اآلن‪،‬‬
‫أو يفعله يف املستقبل‪.‬‬
‫يشء متقدم عىل استفها ٍم أو نفي‪ ،‬أو عىل ٍ‬
‫خمرب‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ‬والرشط الثان‪ :‬أن يكون معتمدا ا عىل‬
‫ٍ‬
‫موصوف كأن تقول‪( :‬ما مكر ٌم أباه ناد ٌم) (ما) نافية‪( ،‬مكر ٌم)‬ ‫عنه؛ يعني مبتدأ‪ ،‬أو‬
‫مبتدأ‪( ،‬ناد ٌم) خربه‪ ،‬و(أباه) مفعول به نصبه (مكر ٌم) (ما مكر ٌم أباه ناد ٌم)‪ ،‬ف(مكر ٌم)‬
‫عمل عمل الفعل (ي ِ‬
‫كرم)؛ يعني الذي يكرم أباه ليس بنادم‪.‬‬
‫وتقول‪( :‬أمكرم أباه عندكم؟)‪ ،‬فاعتمد عىل استفهام‪ ،‬ويف األوىل اعتمد عىل نفي‪ ،‬وتقول‪:‬‬
‫(ُممدٌ مكر ٌم أباه) فمكر ٌم اعتمد عىل املبتدأ؛ يعني خرب اعتمد عىل املبتدأ‪ ،‬وتقول‪( :‬جاء ٌ‬
‫رجل‬
‫ٍ‬
‫موصوف متقدم؛ يعني‬ ‫مكر ٌم أباه)‪ ،‬و(مكر ٌم) اعتمد عىل املوصوف؛ يعني وصف‪ ،‬اعتمد عىل‬
‫أن اسم الفاعل املنون ال يعمل إذا كان بمعنى املايض‪ ،‬وال يعمل إذا وقع يف أول اجلملة‪ ،‬غري‬
‫أعملت (مكر ٌم) يف (أباه)‬
‫ا‬ ‫ٍ‬
‫معتمد عىل متقدم؛ يعني ال جيوز أن تقول‪( :‬مكر ٌم أباه عندنا)؛ ألنك‬
‫نفي أو استفهام‪ ،‬أو عىل مبتدأ‪ ،‬أو عىل موصوف‪.‬‬ ‫ومل يعتمد عىل ٍ‬
‫يشء متقدم‪ ،‬لكن لو اعتمد عىل ٍ‬
‫‪460‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ٌ‬
‫وصف‪ ،‬إال‬ ‫وقوله‪" :‬موصوف" تشمل النعت‪ ،‬وتشمل احلال‪ ،‬فكالمها كَم سبق يف َشحهَم‬
‫ٌ‬
‫وصف خالف املوصوف يف‬ ‫ٌ‬
‫وصف وافق املوصوف يف التعريف والتنكري‪ ،‬واحلال‬ ‫أن النعت‬
‫التعريف والتنكري‪.‬‬

‫فلك يف النعت أن تقول‪( :‬جاء ٌ‬


‫رجل مكر ٌم أباه)‪ ،‬ولك يف احلال أن تقول‪( :‬أكرمت ُممدا ا‬
‫(مكرما أباه)‪.‬‬
‫ا‬ ‫مكرما أباه)؛ يعني حالة كونه‬
‫ا‬

‫ومع ذلك فإن اسم الفاعل مع توافر َشوطه عمله جائز ال واجب‪ ،‬إذا جازت معه اإلضافة‪،‬‬
‫احلق‬
‫طالب َّ‬
‫ٌ‬ ‫شارب العصري عندنا)‪ ،‬و(هل‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫العصري عندنا)‪ ،‬أو (ما‬ ‫فلك أن تقول‪( :‬ما شارب‬
‫ضائع؟) وهكذا‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫احلق‬
‫ضائع؟)‪( ،‬وهل طالب ي‬
‫ٌ‬

‫َشط من َشوط اإلعَمل؛ يعني مل يكن اسم الفاعل مقروناا ب(ال) وكان منوناا مل‬‫ٌ‬ ‫أما إذا اختل‬
‫مثال‪( :‬جاء ضارب ٍ‬
‫زيد‬ ‫حينئذ ال يعمل‪ ،‬بل يضاف‪ ،‬فتقول ا‬ ‫ٍ‬ ‫تتوافر فيه الرشوط املذكورة‪ ،‬فإنه‬
‫ِ‬
‫أمس)‪ ،‬هنا (ضارب) بمعنى (رضبه) يف الزمان املايض‪ ،‬وليس املعنى يرضبه أو سيرضبه؛ وهلذا‬
‫ِ‬
‫أمس)؛ ألن املعنى‬ ‫ضارب زيدا ا‬ ‫زيد أمس) وال جيوز (جاء‬ ‫ال يعمل‪ ،‬تقول‪( :‬جاء ضارب ٍ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫أمس؟ الذي رضبه‪ ،‬أو أن تقول عن إنسان رضب زيد‬ ‫متناقض‪ ،‬كيف جاء الذي يرضب زيدا ا‬
‫تقول‪( :‬ضارب زيد خائف)؛ يعني (هذا الرجل رضب زيد‪ ،‬فلهذا هو خائف من أن يعاقب)‪،‬‬
‫ٌ‬
‫خائف) يعني الذي رضبه خائف‪.‬‬ ‫فتقول‪( :‬ضارب زيد‬

‫فلهذا جرت مسأل ٌة مشهورة بني الكسائي وبني ُممد بن احلسن –إن مل ختونني الذاكرة‪ -‬يف‬
‫املجلس الرشيد عندما سأل الكسائي ُممد بن احلسن‪ :‬من تأخذ من رجلني قال‪ :‬أحدمها‪ ،‬أنا‬
‫قاتل زيدا ا‪ ،‬وقال اآلخر‪ :‬أنا قاتل ٍ‬
‫زيد‪ ،‬من الذي تأخذه بقتل زيد؟‬ ‫ٌ‬
‫واجلواب عن ذلك‪ :‬أن من أضاف فقال‪( :‬أنا قاتل ٍ‬
‫زيد) هذا عىل معنى املايض؛ يعني قتله‪،‬‬
‫فهذا الذي قتله‪ ،‬وأما الذي َّنون فقال‪( :‬أنا ٌ‬
‫قاتل زيدا ا) فهذا عىل معنى احلال أو االستقبال؛ يعني‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪461‬‬

‫ما قتله‪ ،‬ولكنه هيدد بأنه سيفعل سيقتله؛ يعني أنا أقتل زيدا ا‪ ،‬أو أنا سأقتل زيدا ا‪ ،‬إذن ما قتله ولكنه‬
‫سيقتله‪ .‬فهذا الفرق بني العبارتني‪ ،‬فاسم الفاعل ال يعمل إال معنى احلال أو االستقبال‪.‬‬

‫ثم قال ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬

‫اس ٌط ِذراع ْي ِه [الكهف‪ ]18:‬عىل حكاية احلال خال افا للكسائي"‬


‫"و﴿ب ِ‬

‫الكسائي إمام أهل الكوفة خالف البرصيني والكوفيني يف إعَمل اسم الفاعل املايض‪ ،‬إذ قلنا‬
‫قبل قليل‪ :‬إن اسم الفاعل املايض ال يعمل باتفاق البرصيني والكوفيني إال الكسائي فقد أجاز‬
‫ٍ‬
‫ماض؛ نعم‪ ،‬ليس هذا األصل‪ ،‬وليس هذا األكثر لكنه جيوز عنده‪ ،‬واحتج عىل ذلك‬ ‫إعَمله وهو‬
‫اس ٌط ِذراع ْي ِه [الكهف‪ ]18:‬فقال‪" :‬إن هذه القصة حديث يف املايض‪،‬‬
‫هبذه اآلية ﴿وك ْلبهم ب ِ‬
‫ْ‬
‫﴿وك ْلبه ْم [الكهف‪ ]18:‬بسط ذراعيه أم أنه يبسط ذراعيه اآلن‪ ،‬أم أنه سيبسط ذراعيه يف‬
‫املستقبل؟‬

‫ٍ‬
‫ماض أم حال أم استقبال؟‬ ‫يعني بسط الكلب ذراعيه‬
‫ماض‪ ،‬وقد عمل اسم الفاعل (باسط) يف ذراعيه‪﴿ ،‬ب ِ‬
‫اس ٌط‬ ‫ٍ‬ ‫ال شك أنه‬
‫ِذراعي ِه [الكهف‪ ]18:‬لو أضاف حلذف التنوين (باسط ذارعيه)‪ ،‬لكنه نون ﴿ب ِ‬
‫اس ٌط‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ِذراع ْي ِه [الكهف‪ ]18:‬فاحتج بذلك الكسائي عىل إعَمل اسم الفاعل املايض‪.‬‬

‫لكن اجلمهور خالفوه يف ذلك وقالوا‪ :‬إن اسم الفاعل هنا عامل‪ ،‬وقد عمل يف (ذراعيه) ال‬
‫كثري يف اللغة وجائز‪ ،‬أن‬
‫ألنه بمعنى املايض‪ ،‬ولكنه بمعنى يفعل املراد هبا حكاية احلال‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫تستعمل يفعل الذي يسمي الفعل املضارع يف حكاية ما حدث يف املايض‪ ،‬فاملعنى ﴿وك ْلبه ْم‬
‫اس ٌط ِذراع ْي ِه [الكهف‪ ]18:‬يعني (وكلبهم يبسط ذراعيه)؛ ألنه يقص القصة وحيكيها‪.‬‬
‫ب ِ‬
‫‪462‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ومن ذلك‪ :‬يف اآلية نفسها أنه قال عن أهل الكهف‪﴿ :‬ونق يلبه ْم ذات ا ْلي ِم ِ‬
‫ني وذات‬
‫الشَم ِل [الكهف‪ ]18:‬بصيغة الفعل املضارع‪ ،‬ومل يقل‪( :‬وقلبناهم)؛ ألنه حيكي القصة‪ ،‬وأنت‬
‫ي‬
‫إذا حكيت قص اة ماضي اة اآلن لك أن حتكيها بالفعل املضارع‪.‬‬

‫فالصواب‪ :‬هو قول اجلمهور‪ :‬أن الفعل إذا كان ماض ايا ومنقط اعا وأردت بيه املايض املنقطع‪،‬‬
‫بضابط أسهل وأوضح كَم فعل ابن مالك فيقول‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫فإنه ال يعمل؛ فلهذا بعضهم يضبط املسألة‬
‫سواء كان‬
‫ا‬ ‫[اسم الفاعل إذا كان بمعنى يفعل فإنه يعمل] يعني إذا وضعت مكانه املضارع يفعل‬
‫ا‬
‫استقباال‪ ،‬أو كان حكاي اة‪ ،‬وأما إذا كان بمعنى فعل الذي وقع وانقطع فهذا الذي ال‬ ‫ا‬
‫حاال أو‬
‫يعمل‪.‬‬

‫ثم قال ابن هشام‪:‬‬

‫ك(ظهري) خال افا لألخفش"‬


‫ٌ‬ ‫(خبري)‬
‫ٌ‬ ‫(وخبري بنو ٍ‬
‫هلب) عىل التقديم والتأخري‪ ،‬وتقديره‬ ‫ٌ‬
‫كَم أن الكسائي خالف يف عدم اشرتاط كون املايض للحال‪ ،‬واالستقبال‪ ،‬فأجاز إعَمله يف‬
‫أيضا خالف الكوفيون وكذلك األخفش من البرصيني يف الرشط الثان إلعَمل اسم‬
‫املايض‪ ،‬ا‬
‫سواء‬
‫ٌ‬ ‫الفاعل املنون وهو كونه معتمدا ا‪ ،‬فلم يشرتطوا االعتَمد‪ ،‬بل أجازوا إعَمل الفاعل املنون‪،‬‬
‫كان معتمدا ا‪ ،‬أو مل يكن معتمدا ا؛ يعني واقع يف أول الكالم‪.‬‬

‫و(قائم املحمدان) بمعنى يقوم املحمدان‬


‫ٌ‬ ‫(أقائم املحمدان) باالعتَمد‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫فيجوز عندهم أن تقول‪:‬‬
‫باالعتَمد‪.‬‬

‫واحتجوا عىل ذلك بقول الشاعر‪:‬‬

‫مقالة هلب إذا الطري مرت"‬ ‫خبري بنو هلب‪ ،‬فال تك ملغ ايا‬
‫" ٌ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪463‬‬

‫بناء عىل حركة الطيور‪،‬‬


‫(بنو هلب) قبيلة من العرب يعني معروفة بتتبع الطيور والتنبؤ باألشياء ا‬
‫وهذا مما جاء الرشع املطهر بمنعه‪ ،‬فكان (بنو هلب) مشهورين بذلك‪ ،‬فيقول الشاعر‪( :‬بنو هلب‬
‫قال‪(:‬خبري‬
‫ٌ‬ ‫خبريون هبذا األمر)‪ ،‬فال تلغي مقالتهم إذا قالوا شيئاا يتعلق بالطيور‪ ،‬ولكن الشاعر‬
‫ف(خبري) هذا ليس اسم فاعل‪ ،‬ولكنه صفة مشبهة‪ ،‬وسيأيت يف‬‫ٌ‬ ‫(خيرب بنو ٍ‬
‫هلب)‬ ‫هلب) يعني ْ‬‫بنو ٍ‬

‫(خبري بنو‬
‫ٌ‬ ‫الصفة املشبهة‪ ،‬ويف اسم املفعول‪ ،‬وكذلك يف صيغ املبالغة أن َشوطها واحدة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫خرب مقدم عىل تقدير (بنو ٍ‬
‫هلب‬ ‫هلب) ال يمكن أن نقول‪ :‬إن (بنو ٍ‬
‫هلب) مبتدأ مؤخر‪ ،‬و(خبري) ٌ‬ ‫ٍ‬

‫(خبري‬
‫ٌ‬ ‫خبري)‪ ،‬ولو كان كذلك لقال‪( :‬خبريون بنو ٍ‬
‫هلب) ليوافق اخلرب املبتدأ يف اجلمع‪ ،‬ولكنه قال‪:‬‬ ‫ٌ‬
‫يوحد‬
‫(أقائم الزيدون) منه معروف أن الفعل َّ‬
‫ٌ‬ ‫(أقائم الزيدان)‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫(أقائم زيدٌ )‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫بنو هلب) كَم تقول‪:‬‬
‫مع الفاعل املفرد واملثنى واجلمع‪ ،‬كَم ذكرنا ذلك يف أحكام الفاعل‪.‬‬

‫(أقائم زيدٌ )‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫يوحد مع الفاعل املفرد واملثنى واجلمع‪ ،‬تقول‪:‬‬
‫وكذلك الوصف العامل عمله َّ‬
‫(خبري) فجعله كالفعل موحدا ا مع الفاعل‬
‫ٌ‬ ‫وحد‬
‫(أقائم الزيدون) وهنا الشاعر َّ‬
‫ٌ‬ ‫(أقائم الزيدان)‪،‬‬
‫ٌ‬
‫(خبري) عمل عمل الفعل مع أنه مل يعتمد‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫املجموع‪ ،‬فهذا دل عىل أن‬

‫(خبري) خرب مقدَّ م"‬


‫ٌ‬ ‫ور َّد ذلك اجلمهور وتابعهم ابن هشام وقال‪" :‬بل إن‬

‫جوز عدم املطابقة بني املبتدأ واخلرب كون كلمة (خبري)‬


‫خبري)‪ ،‬والذي َّ‬
‫ب ٌ‬ ‫ومعنى البيت (بنو هل ٍ‬

‫عىل وزن (فعيل) والكلمة إذا كانت عىل وزن فعيل‪ ،‬فاألكثر فيها املطابقة‪ ،‬وجيوز أال تطابق إذا‬
‫ظهر املعنى‪ ،‬وذكروا عىل ذلك شواهد عدة‪.‬‬

‫ومن ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬وا ْملالئِكة ب ْعد ذلِك ظ ِه ٌري [التحريم‪ ،]4:‬ومل يقل‪( :‬ظهريون‪ ،‬أو‬
‫ظهراء) مع أن املالئكة مجع‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن (ظهري) فعيل فجاز فيها اإلفراد مع أن املبتدأ هنا مجع‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬البيت مثله‪.‬‬

‫ثم قال ابن هشام بعد أن انتهى من الكالم عىل اسم الفاعل‪.‬‬
‫‪464‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫فعيل‬ ‫ٍ‬
‫مفعال بكثرة‪ ،‬أو ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فعول‪ ،‬أو‬ ‫فاعل إىل ف َّع ٍ‬
‫ال أو‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫للمبالغة من‬ ‫قال‪" :‬واملثال وهو ما ح يول‬
‫ِ‬
‫اب)"‪.‬‬ ‫أو فع ٍل بقلة نحو (أما العسل فأنا َّ‬
‫َش ٌ‬

‫املثال‪ :‬اسم غري مشور لصيغ املبالغة وقد استعمله ابن هشام هنا واملصطلح املشهور عند‬
‫النحويني تسميتها بصيغ املبالغة‪.‬‬
‫حدث ٍ‬
‫كثري وفاعله‪ ،‬إذن حدث وفاعل فعل هذا‬ ‫ٍ‬ ‫واملراد بصيغ املبالغة‪ :‬هو الوصف الدال عىل‬
‫احلدث بكثرة‪.‬‬

‫ف(رضاب) ٌ‬
‫ُمول‬ ‫َّ‬ ‫وواضح من كالم ابن هشام أن صيغ املبالغة هي ُمول ٌة عن اسم الفاعل‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫(شارب)؛ ألن‬ ‫ُمول من‬ ‫َّ َّ‬
‫و(الرشاب)‬ ‫(الرضاب) هو الضارب بكثرة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫من (ضارب)؛ ألن‬
‫(الرشاب) هو الشارب بكثرة‪.‬‬
‫َّ‬
‫اب جدً ا‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬
‫َش ٌ‬
‫لكن أرادت العرب من طريق االختصار واإلجياز بدل من أن يقولون‪ :‬فالن َّ‬
‫ٍ‬
‫صيغة معينة تدل عىل الكثرة‪،‬‬ ‫اب بكثرة‪ ،‬أو كثري الرشب‪ ،‬أرادوا أن جيعلوا هذا الوصف عىل‬
‫َش ٌ‬
‫َّ‬
‫كثريا‪ ،‬أما‬ ‫فجعلوها عىل هذه الصيغ‪ ،‬فإذا قيل‪( :‬شارب) يعني أنه فعل الرشب مطل اقا ا‬
‫قليال أو ا‬
‫(َشاب) فمعنى ذلك أنه فعل هذا الفعل بكثرة‪.‬‬
‫إذا قال‪َّ :‬‬
‫فذكر ابن هشام أن صيغ املبالغة مخس صيغ‪:‬‬
‫ونج ٍ‬
‫ار)‪.‬‬ ‫َّار‪َّ ،‬‬ ‫اب‪ ،‬وأك ٍ‬
‫َّال‪ ،‬وجز ٍ‬ ‫وَش ٍ‬ ‫ك(رض ٍ‬ ‫‪ ‬فاألوىل‪ :‬ف َّع ٌال‬
‫اب‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫‪ ‬واألخرى‪ :‬فعول ك(صبور‪ ،‬وشكور)‪.‬‬
‫‪ ‬والثالثة‪ :‬مفعال ك(منحار‪ ،‬ومعطار‪ ،‬ومزواج)‪.‬‬
‫أي الكثري العمل هلذه األعَمل‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪465‬‬

‫قال ابن هشام عن هذه الثالثة‪" :‬بكثرة" يعني أن استعَمل هذه الصيغ للداللة عىل الكثرة‬
‫(فعيل ِ‬
‫وفعل) فإن استعَمهلَم يف صيغ‬ ‫ٌ‬ ‫كثري يف كالم العرب‪ ،‬وأما الصيغتان األخريتان ومها‬
‫ٌ‬
‫املبالغة قليل‪ ،‬فهذا مراده‪.‬‬

‫‪ ‬فالصيغة الرابعة‪ :‬فعيل ك(رحيم‪ ،‬وعليم)‪.‬‬


‫ك(حذر‪ ،‬وملِك‪ ،‬و ِ‬
‫مزق)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ ‬والصيغة اخلامسة‪ :‬ف ِع ٌل‬
‫وذكر ابن هشام أن الثالثة األوىل استعَمهلا يف املبالغة كثري؛ فلهذا كان إعَمهلا إعَمل فعلها‬
‫كثريا‪ ،‬وأما األخريتان فإن كوهنَم صيغ مبالغة قليل‪ ،‬وكذلك كان إعَمهلَم إعَمل الفعل‬
‫أيضا ا‬
‫ا‬
‫ا‬
‫قليال‪.‬‬

‫اب) صيغة مبالغة عملت عمل‬


‫ف(َش ٌ‬
‫َّ‬ ‫اب)‪،‬‬
‫َش ٌ‬
‫ومن ذلك‪ :‬قول العرب‪( :‬أما العسل فأنا َّ‬
‫اب العسل) إذا‬
‫َش ٌ‬
‫الفعل‪ ،‬وفاعلها مسترت تقديره أنا‪ ،‬و(العسل) مفعول به مقدَّ م‪ ،‬تقول‪( :‬زيدٌ َّ‬
‫اب‬‫رض ٌ‬ ‫ِ‬
‫العسل) إذا أضفت‪ ،‬فإعَمله جائزٌ ال واجب‪ ،‬وتقول‪( :‬زيدٌ َّ‬ ‫َشاب‬
‫أعملت‪ ،‬و(زيدٌ َّ‬
‫و(مطعان‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫اجلزور)‬ ‫منحار اجلزور‪ ،‬و(زيدٌ منحار‬
‫ٌ‬ ‫العدو)‪ ،‬وتقول‪( :‬زيدٌ‬
‫ي‬ ‫و(رضاب‬ ‫العدو)‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫العدو)‪.‬‬
‫ي‬ ‫عدوه) و(مطعان‬

‫ملنحار بوائكها) و(البائكة) هي الناقة الضخمة‪ ،‬فأعملها‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫ومن ذلك‪ :‬قول العرب‪( :‬إنه‬
‫(منحار بوائكها) يعني إنه ينحر بكثرة بوائك اإلبل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وقال‪:‬‬

‫شكور ربه) يعني يشكر ربه بكثرة‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫وتقول‪( :‬خالدٌ‬

‫قال الشاعر‪:‬‬

‫سَمهنا إذا عدموا زادا فإنك عاقر"‬ ‫"رضوب بنصل السيف سوق‬
‫‪466‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ف(رضوب) صيغة مبالغة عملت يف (سوقها) والسوق مجع ساق؛ يعني كَم كانت العرب‬
‫ٌ‬
‫ترضب سوق اإلبل لكي تسقط‪ ،‬ثم تنحرها بعد ذلك‪.‬‬

‫سميع الدعاء)‬ ‫ِ‬


‫الضعفاء)‪ ،‬وتقول‪( :‬اَّلل‬ ‫وتقول‪ُ( :‬ممدٌ رحيم الضعفاء) باإلعَمل‪ ،‬أو (رحيم‬
‫ٌ‬
‫الرش)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الرش) و(حذر ي‬ ‫حذر َّ‬
‫ٌ‬ ‫الدعاء) باإلضافة‪ ،‬وتقول‪( :‬زيدٌ‬ ‫باإلعَمل‪ ،‬أو (سميع‬

‫قال الشاعر‪:‬‬

‫ما ل ْيس منْجيه من األ ْقدار"‬ ‫أمورا ال تضري وآمن‬ ‫ِ‬


‫"حذر ا‬

‫(أمورا)‪.‬‬
‫ا‬ ‫ف(حذر) نوهنا وأعملها يف‬
‫ٌ‬

‫وقال اآلخر‪:‬‬

‫جحاش الكرملني هلا فديد"‬ ‫"أتان أهنم مزقون عريض‬

‫ف(مزقون) هذا مجع مزق‪ ،‬وأعمله يف (عريض) (مزقون عريض) يعني يمزقون عريض‪.‬‬

‫ٍ‬
‫ك(مرضوب‪ ،‬ومكرمٍ)"‪.‬‬ ‫ثم انتقل ابن هشام إىل اسم املفعول فقال‪" :‬واسم املفعول‬
‫ٍ‬
‫بطريقة مطردة‪ ،‬فهو يصاغ‬ ‫ٍ‬
‫حدث ومفعوله‪ ،‬ويصاغ‬ ‫اسم يدل عىل‬
‫اسم املفعول كَم سبق هو ٌ‬
‫(رضب)‪ ،‬و(مرشوب) من ِ‬
‫(َشب)‪ ،‬ويصاغ من‬ ‫من الثالثي عىل وزن مفعول ك(مرضوب) من ِ‬

‫ميَم مضمومة‪ ،‬وفتح ما قبل اآلخر‪،‬‬


‫غري الثالثي عىل هيئة املضارع مع قلب حرف املضارع ا‬
‫ِ‬
‫(استخرج) (مستخرج)‪.‬‬ ‫فيقال‪ :‬من (د ْح ِرج) (مدحرج)‪ ،‬ومن (طلِق) (منطلق) ومن‬

‫وكل األوصاف اسم الفاعل‪ ،‬وصيغ املبالغة‪ ،‬وكذلك الصفة املشبهة‪ ،‬وكذلك اسم التفضيل‬
‫تؤخذ من الفعل املبني للمعلوم؛ ألهنا تدل عىل احلدث وصاحبه فاعله‪ ،‬إال اسم املفعول فإنه‬
‫يؤخذ من الفعل املبني للمجهول؛ ألهنا تدل عىل احلدث ومفعوله‪ ،‬ومعلوم أن نائب الفاعل هو‬
‫املفعول به الذي حل ُمل الفاعل‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪467‬‬

‫قال ابن هشام‪:‬‬

‫"ويعمل عمل فعله وهو كاسم الفاعل"‬

‫يعني أن اسم املفعول إذا كان مقرتناا فإن إعَمله عمل فعله جائزٌ مطل اقا كقولك‪( :‬جاء‬
‫املرضوب أخوه) أو (جاء املكسور اليد)‪ ،‬ولك أن تضيف (جاء املكسور ِ‬
‫اليد) يعني (جاء الذي‬
‫ك ِرست يده)‪ ،‬وإذا كان اسم املفعول منوناا فإنه يعمل بالرشطني السابقني كقولك‪( :‬جاء‬
‫مرضوب أخوه‬
‫ٌ‬ ‫مرضوب أخوه) يعني (جاء من ِ‬
‫رضب أخوه)‪ ،‬ولكن ال جيوز أن تقول‪( :‬جاء‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫املحمدان)؛ لعدم االعتَمد يف الثان‪ ،‬ولكونه يف املايض يف األول‪.‬‬ ‫(مرضوب‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫أمس)‪ ،‬وال تقول‪:‬‬

‫فهذا ما يتعلق باسم الفاعل‪ ،‬والصفة املشبهة‪ ،‬واسم التفضيل‪ ،‬لينتقل ابن هشام إىل الكالم‬
‫عىل الصفة املشبهة‪.‬‬

‫الصفة املشبهة وفيها يقول ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬

‫"والصفة املشبهة باسم الفاعل املتعدي لواحد‪ ،‬وهي الصفة املسوغة لغري تفضيل؛ إلفادة‬
‫ٍ‬
‫وطاهر‪ ،‬وضامر)‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وظريف‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ك(حسن‪،‬‬ ‫الثبوت‬
‫ٍ‬
‫حدث وصاحبه‪ ،‬وصاحبه فاعله؛ ألن قولك‪:‬‬ ‫اسم يدل عىل‬
‫أيضا‪ :‬هي ٌ‬
‫الصفة املشبهة ا‬
‫حسن) تدل عىل احلدث وهو احلسن‪ ،‬وعىل أن زيد هو الذي‬
‫ٌ‬ ‫حسن) (زيدٌ‬
‫ٌ‬ ‫(حسن) أو (هذا ٌ‬
‫فعل‬
‫صعب)‪( ،‬هذا ٌ‬
‫مجيل) تدل عىل‬ ‫ٌ‬ ‫قوي)‪( ،‬هذا ٌ‬
‫سهل)‪( ،‬هذا‬ ‫ٌّ‬ ‫شجاع)‪( ،‬زيدٌ‬
‫ٌ‬ ‫فعل هذا احلسن‪( ،‬زيدٌ‬
‫ٍ‬
‫حدث وفاعله‪.‬‬ ‫اجلَمل وأنه هو الذي فعل هذا اجلَمل‪ ،‬فالصفة املشبهة تدل عىل‬

‫فهي تشبه ماذا؟‬


‫‪468‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫تشبه اسم الفاعل‪ ،‬فلهذا قوهلم‪ :‬الصفة املشبهة‪ ،‬مشبهة بَمذا؟ مشبهة كَم قال ابن هشام‪:‬‬
‫"املشبهة باسم الفاعل املتعدي لواحد" فهي تشبه اسم الفاعل املتعدي لواحد‪ ،‬أما كوهنا تشبه‬
‫ٍ‬
‫حدث وفاعله‪.‬‬ ‫اسم الفاعل فوضح من كالمنا؛ ألهنا تدل عىل‬

‫مشبها بمتعدٍّ لواحد فسيأيت بيانه وهو أن الصفة املشبهة األصل فيها‬
‫ا‬ ‫وأما كان اسم الفاعل‬
‫أهنا ما تعمل‪ ،‬إال أنه جاء يف اللغة نصب معموهلا‪ ،‬مع أن معموهلا يف احلقيقة ويف املعنى فاعل‪.‬‬

‫والفاعل حقه الرفع أم النصب؟‬

‫فلَم جاء نصبه مل‬


‫حقه الرفع‪ ،‬لكن جاء يف اللغة رفعه‪ ،‬وهذا واضح أنه فاعل‪ ،‬وجاء نصبه‪َّ ،‬‬
‫جيا إال أن يقولوا‪ :‬إن الصفة املشبهة شبهتها العرب باسم الفاعل املتعدي لواحد‬
‫جيدوا لذلك ختر ا‬
‫فنصبوا معموله هبا‪.‬‬

‫‪ -‬ولكي نفرق بني الصفة املشبهة وبني اسم الفاعل‪ ،‬فنقول‪ :‬يعني اسم الفاعل والصفة‬
‫ٍ‬
‫حدث وفاعله إال أن الصفة املشبهة غال ابا ال تكون عىل صيغة اسم‬ ‫املشبهة كالمها يدل عىل‬
‫ٍ‬
‫حدث وفاعله‬ ‫اسَم يدل عىل‬
‫الفاعل غال ابا‪ ،‬يعني ال تكون عىل وزن فاعل غال ابا؛ فلهذا لو وجدت ا‬
‫وهو عىل وزن فاعل نقول‪ :‬هذا اسم فاعل مثل (قائم‪ ،‬وجالس‪ ،‬وضارب‪ ،‬وشارب‪ ،‬ومايش)‬
‫ٍ‬
‫حدث وفاعله وليس عىل وزن فاعل قلنا‪ :‬ك(مجيل وقبيح‪ ،‬وطويل‬ ‫لكن لو وجدته يدل عىل‬
‫وقصري‪ ،‬وقوي وشجاع‪ ،‬وجبان‪ ،‬وأشيب‪ ،‬وغضبان) فهذه ليست عىل وزن فاعل ومع ذلك‬
‫ٍ‬
‫حدث وفاعله‪ ،‬قالوا‪ :‬صفة مشبهة‪.‬‬ ‫تدل عىل‬

‫وأيضا مما يفرق فيه بني اسم الفاعل والصفة املشبهة مأخذمها‪ :‬يعني من أين يؤخذان‪ ،‬فنحن‬‫ا‬
‫نعرف أن الفعل الثالثي يكون يف اللغة عىل ثالثة أوزان‪( :‬فعل وف ِعل وفع ِل) يكون عىل (فعل)‬
‫ك(رضب‪ ،‬وقعد)‪ ،‬ويكون عىل (ف ِعل) ك( ِ‬
‫َشب‪ِ ،‬‬
‫وفرح)‪ ،‬ويكون عىل فعل ك(كرم) هذه‬
‫األفعال املاضية كلها عىل هذه األوزان‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪469‬‬

‫الزما ك(كرم‪ ،‬وَشف‪ ،‬وصغر‪ ،‬وكرب) هذا الفعل‬


‫‪ -‬فإذا أتينا إىل فعل‪ :‬فهذا ال يكون إال ا‬
‫الزما‪ ،‬وهو أقل األفعال‪.‬‬
‫أي فعل عىل فعل ال يكون إال ا‬
‫والزما‪ ،‬فاملتعدي ك(َشب) تقول‪:‬‬
‫ا‬ ‫‪ -‬وأما (ف ِعل)‪ :‬فهو أكثر من (فعل) ويأيت متعد ايا‬
‫ك(فرح‪ ،‬وطلِب)‪.‬‬‫ِ‬ ‫الزما‬ ‫ِ‬
‫(َشبه) و(محد) (محده)‪ ،‬ويأيت ا‬
‫‪ -‬وأما الذي عىل (فعل)‪ :‬فهو أكثر األفعال‪ ،‬وتأيت متعد ايا ك(رضب رضبه)‪ ،‬و(فتح‬
‫الزما ك(قعد‪ ،‬وجلس)‪.‬‬
‫فتحه)‪ ،‬ويأيت ا‬
‫عىل ذلك نستطيع أن نقول‪ :‬إن الفعل الثالثي يأيت عىل مخسة أوجه‪:‬‬

‫‪ ‬فعل املتعدي ك(رضب)‪ ،‬وفعل الالزم ك(قعد)‪.‬‬


‫ِ‬
‫ك(فرح)‪.‬‬ ‫ك(َشب) وف ِعل الالزم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وفعل املتعدي‬ ‫‪‬‬
‫الزما ك(كرم)‪.‬‬
‫‪ ‬وفعل وال يكون إال ا‬
‫فاسم الفاعل يأيت من الثالثة األول‪ :‬من فعل املتعدي‪ ،‬وفعل الالزم ك(رضب فهو ضارب)‬
‫ك(َشب فهو شارب)‪.‬‬‫ِ‬ ‫و(قعد فهو قاعد)‪ ،‬ويأيت من ف ِعل املتعدي‬

‫طيب‪ ،‬وأما الصفة املشبهة فتأيت من الرابع واخلامس‪:‬‬

‫و(طرب) يقال‪ِ :‬‬


‫(طر ٌب) ما‬ ‫ِ‬ ‫(فارح)‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫(فرح) ما يقال‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫ك(فرح) فهو‬ ‫تأيت من ف ِعل الالزم‪:‬‬
‫ٌ‬
‫(غارق)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫و(غرق) فهو (غريق) ما يقال‪:‬‬ ‫(طارب)‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫يقال‪:‬‬

‫وكذلك اخلامس فعل تقول‪( :‬كرم) فهو كريم ال كارم‪ ،‬و(َشف) فهو َشيف ال شارف‪،‬‬
‫و(شجع) فهو شجاع ال شاجع‪ ،‬و(مجل) فهو مجيل ال جامل‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫إذن فاسم الفاعل وصيغ املبالغة فرقنا بينهَم من حيث املأخذ وهذا تفريق واضح‪ ،‬ومن حيث‬
‫تفريق غالب؛ ألن الصفة املشبهة قد تأيت عىل وزن فاعل ا‬
‫قليال‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫الوزن وهو‬
‫‪470‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬
‫ٍ‬
‫وجه ثالث وهو‪ :‬أن الصفة املشبهة يستحسن‪ ،‬يصح‪ ،‬جيوز‪ ،‬بل‬ ‫وأيضا نفرق بينهَم من‬
‫ا‬
‫يستحسن أن تضاف إىل فاعلها‪ ،‬وأما اسم الفاعل فال جيوز أن يضاف إىل فاعله‪ ،‬إذا أردت أن‬
‫تضيفه فتضيفه عىل مفعوله وال يضاف إىل الفاعل‪ ،‬فال يتلبس األمر عليكم باملصدر‪ ،‬املصدر‬
‫سبق أنه يضاف إىل الفاعل أو املفعول به‪ ،‬واألكثر أنه يضاف للفاعل‪ ،‬والكالم هنا عىل اسم‬
‫شارب العصري‪ ،‬أو شارب‬
‫ٌ‬ ‫الفاعل لو أردت أن تضيفه فإنه يضاف للمفعول به‪ ،‬تقول‪( :‬زيدٌ‬
‫ِ‬
‫العصري)‪ ،‬ما يمكن أن تضيف (شارب) إىل (زيد) الذي هو الفاعل‪ ،‬ما تستطيع‪.‬‬

‫تقول‪ُ( :‬ممدٌ يرضب اللص) حول (يرضب) إىل اسم فاعل (ضارب) أضف‪ ،‬ما يمكن أن‬
‫اللص) أو (ُممدٌ ضارب اللص) ما‬ ‫ٍ‬
‫ضارب َّ‬
‫ٌ‬ ‫اللص) ما يأيت‪ ،‬تقول‪ُ( :‬ممدٌ‬
‫تقول‪( :‬ضارب ُممد َّ‬
‫يضاف إال ملفعوله‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حدث وفاعله‪ ،‬ولكنها جيوز أن تضاف إىل الفاعل‪،‬‬ ‫أيضا عىل‬
‫وأما الصفة املشبهة مع أهنا تدل ا‬
‫ِ‬
‫القلب)؛ أي (قوي قلبه)‪،‬‬ ‫فتقول‪ُ( :‬ممدٌ حسن الوجه) يعني (حسن وجهه)‪ ،‬و(ُممدٌ قوي‬
‫ِ‬
‫الشعر) يعني (طال شعره)‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫و(طويل‬

‫فلهذا نقول‪ :‬كل صفة يمكن أن تضيفها إىل الفاعل فهي صفة مشبهة حتى ولو كانت عىل‬
‫وزن فاعل‪ ،‬هذا هو الضابط األقوى يف الباب؛ وهلذا قال ابن مالك يف األلفية عندما أراد أن‬
‫يعرف الصفة املشبهة‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هي املشبهة اسم الفاعل"‬ ‫فاعل هبا‬ ‫"صف ٌة استحسن ُّ‬
‫جر‬

‫فالتفريق الواضح بني الصفة املشبهة وبني اسم الفاعل‪ :‬أن الصفة التي يستحسن إضافتها‬
‫للفاعل صفة مشبهة‪ ،‬والتي ال تضاف إىل الفاعل اسم فاعل‪.‬‬

‫ف(طاهر) اسم فاعل أم صفة مشبهة؟‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪471‬‬

‫ِ‬
‫القلب) (القلب) فاعل َّ‬
‫وال مفعول للطهارة؟‬ ‫(فالن طاهر‬
‫ٌ‬ ‫نقول‪:‬‬

‫فاعل‪( ،‬طهر قلبه) إذا أضفتها للفاعل‪ ،‬فهي صفة مشبهة‪.‬‬

‫أيضا صفة‬
‫وكذلك إذا نظرت إىل املأخذ‪ :‬فإن (طاهر) مأخوذة من طهر من فعل‪ ،‬فهو ا‬
‫مشبهة‪.‬‬

‫تفريقات لعلها واضحة‬


‫ٌ‬ ‫أيضا صفة مشبهة‪ ،‬فهذه‬ ‫ِ‬
‫البطن) يعني (ضمر بطنه) فهي ا‬ ‫و(ضامر‬
‫بني الصفة املشبهة واسم الفاعل‪ ،‬وقد عرفنا من خالهلا أن الصفة املشبهة ال ِ‬
‫تأت عىل وزن اسم‬
‫الفاعل غال ابا‪ ،‬وإن كانت تأيت عليه ا‬
‫قليال‪.‬‬

‫طيب تأيت عىل أي األوزان؟‬


‫ٍ‬
‫حدث وصاحبه مأخوذ فعل أو فعل‬ ‫ٍ‬
‫وصف يدل عىل‬ ‫ٍ‬
‫أوزان كثرية‪ ،‬جامعها أهنا كل‬ ‫تأيت عىل‬
‫الالزم‪ ،‬أو تقول‪ :‬يستحسن إضافتها لفاعلها‪.‬‬

‫أوزان كثرية‪ ،‬وقد عرفنا أهنا تؤخذ من (ف ِعل) الالزم ومن‬


‫ٍ‬ ‫قلنا‪ :‬إن الصفة املشبهة تأيت عىل‬
‫(فعل) وال يكون إال الزما‪ ،‬فالصفة املشبهة التي تؤخذ من ِ‬
‫(فعل) الالزم قياس الصفة املشبهة‬ ‫ا‬
‫منه أن يكون عىل (فعيل ف ِع ٌل)‪ :‬وذلك إذا كان لإلعراض؛ يعني األفعال التي تأيت وتذهب‬
‫ِ‬
‫(أَش)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك(فرح) فهو (فرح) ِ‬
‫ِ‬
‫(نرض) و(بطر) فهو (بط ٌر)‪ ،‬و(أَش) فهو ٌ‬
‫ٌ‬ ‫و(نرض) فهو‬ ‫ٌ‬

‫حرارة يف الباطن ك(عطِش) فهو‬


‫ٍ‬ ‫وقد تكون عىل (فعالن)‪ :‬إذا دل عىل امتالء‪ ،‬أو عىل‬
‫ِ‬
‫و(صدي) فهو (صديان) بمعنى عطشان‪ ،‬وشبعان‪ ،‬ور َّيان‪.‬‬ ‫(عطشان)‪ ،‬و(ف ِرح) فهو (فرحان)‬
‫ِ‬
‫و(خرض) فهو‬ ‫ويكون عىل (أفعل)‪ :‬إذا كان لأللوان أو ِ‬
‫اخللق ك(س ِود) فهو (أسود)‪،‬‬
‫(أخرض)‪ ،‬و(ج ِهر) فهو (أجهر) أي مرتفع الصوت‪ ،‬و(ع ِور) فهو (أعور) و(ح ِول) فهو‬
‫(أحول)‪ ،‬و(ع ِمي) فهو (أعمى)‪.‬‬
‫‪472‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫الزما‪ ،‬فقياس الصفة املشبهة منه أن يكون‬


‫والصفة املشبهة املأخوذة من (فعل) وال يكون إال ا‬
‫عىل وزن (ف ْع ٍل) ك(ضخم) فهو (ضخم)‪ ،‬و(شهم) فهو (ش ْهم)‪ ،‬و(صعب) فهو (صعب)‪،‬‬
‫و(سهل) فهو (سهل)‪.‬‬

‫ٍ‬
‫(فعيل)‪ :‬نحو (مجل) فهو (مجيل) و(َشف) فهو (َشيف)‪ ،‬و(كرم) فهو‬ ‫ويكون عىل وزن‬
‫(كريم) و(كبري‪ ،‬وصغري‪ ،‬وطويل)‪.‬‬
‫ٍ‬
‫أوزان قليلة ك(أفعل)‪ :‬نحو (خطب) فهو (أخطب)‪،‬‬ ‫أيضا الصفة املشبهة منه عىل‬
‫وتأيت ا‬
‫و(شاب) فهو (أشيب)‪ ،‬و(محق) فهو (أمحق)‪.‬‬

‫ٌ‬
‫(بطل)‪ ،‬و(حسن) فهو (حس ٌن)‪( ،‬بطل) من البطولة‪،‬‬ ‫ويأيت عىل وزن (فع ٌل)‪ :‬ك(بطل) فهو‬
‫فهو (ب ٌ‬
‫طل) لكن (بطل اليشء من البطالن) هذه (بطل) من (فعل)‪ ،‬فيؤخذ منها اسم فاعل أو‬
‫صفة مشبهة؟ فعل هذا اسم فاعل‪( ،‬بطل) فهو (باطل)‪( ،‬بطل األمر فهو ٌ‬
‫باطل) لكن (بطل)‬
‫من البطولة) فهو (بط ٌل)؛ ألنه من فعل‪.‬‬
‫ويأيت عىل (فعال)‪ :‬مثل (جبن) و(جبان) ويأيت عىل (فعال) (شجع) (شجاع) ويأيت عىل ِ‬
‫فع ٌل‬
‫(َشس)‪ ،‬وكذلك (ف ِرح)‪.‬‬‫ك(فطن) فهو (فطِن)‪ ،‬و(َشس) فهو ِ‬
‫وقد يأيت عىل ِ‬
‫(فيعل)‪ :‬ك(سيد) و(طيب) و(ميت) إىل آخره‪.‬‬

‫فبان من ذلك أن الصفة املشبهة التي تؤخذ من (ف ِعل) الالزم‪ ،‬ومن (فعل) وال يكون إال‬
‫ٌ‬
‫مفعول به؛ ألهنا ال تؤخذ إال من الفعل الالزم الذي ليس له‬ ‫الزما‪ ،‬أن الصفة املشبهة ال يكون هلا‬
‫ا‬
‫فاعل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حدث وفاعله برشطني أو‬ ‫وعىل ذلك يمكن أن نقول‪ :‬إن الصفة املشبهة كل اسم َّ‬
‫دل عىل‬
‫ثالثة َشوط‪:‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪473‬‬

‫‪ ‬األول‪ :‬أن تؤخذ من (فعل) الالزم أو من (فعل)‪.‬‬


‫‪ ‬والثان‪ :‬أن يستحسن إضافتها لفاعلها‪.‬‬
‫‪ ‬والثالث‪ :‬أال تكون عىل وزن اسم الفاعل غال ابا‪.‬‬
‫فهذا كله فيَم يتعلق بوزهنا واستعَمهلا‪ ،‬فَم معناها وداللتها؟‬

‫يعني ما الفرق بني معنى وداللة اسم الفاعل‪ ،‬ومعنى الصفة املشبهة؟‬

‫الصفة املشبهة كَم ذكر ابن هشام أهنا تدل عىل الثبوت‪ ،‬عىل ثبوت الصفة يف صاحبها‪،‬‬
‫فيقولون‪ :‬الصفة املشبهة األصل فيها أهنا تدل عىل ثبات الصفة يف املوصوف‪ ،‬أو أهنا كالثابتة‪،‬‬
‫دائَم حقيق ايا‪ ،‬كصفات اَّلل كريم‪ ،‬الكرم يف اَّلل صفة ثابتة ثبوتاا حقيق ًيا ودائمة‪،‬‬
‫إما أهنا ثابتة ثبوتاا ا‬
‫(فالن طويل‪ ،‬أو قصري‪ ،‬أو أمحق‪ ،‬أو أشيب) هذه صفات‬
‫ٌ‬ ‫ديمومة حقيقية‪ ،‬و(عظيم) وكقولك‪:‬‬
‫قصريا مرة‪ ،‬وإذا كان أشيب خالص بقي‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫طويال مرة‪،‬‬ ‫إذا و ِجدت ثبتت‪ ،‬ال يكون اإلنسان‬
‫أشيب‪.‬‬

‫(‪ )1:9:23‬كالثابتة يعني تدل عىل أن هذه الصفة وإن مل تكن ثابتة حقيق اة إال أهنا كالثابتة‪ ،‬إما‬
‫(فالن شجاع وبطل) فاألصل يف‬
‫ٌ‬ ‫من باب املبالغة‪ ،‬أو من باب املجاز والتوسع‪ ،‬كقولك‪:‬‬
‫(الشجاع والبطل) أهنا هذه الصفة هي الصفة الدائمة فيه‪ ،‬قد يعرتيه أحياناا صفات ختالف هذه‬
‫الصفات‪ ،‬لكن هذه الصفات هي األصل فيه‪ ،‬أو من باب املبالغة‪.‬‬

‫فالن قائم‪ ،‬جالس‪،‬‬


‫بخالف اسم الفاعل‪ ،‬فإن األصل فيها أهنا ال تدل عىل الثبات‪ ،‬تقول‪ٌ :‬‬
‫شارب‪ ،‬آكل‪ ،‬مايش) يعني هذه األشياء يفعلها أحياناا وتنفك عنه بعد ذلك‪ ،‬وليس هلا صفات‬
‫الديمومة‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬تكلمت عىل اشتباه الصفة املشبهة باسم الفاعل؛ فلهذا سميت الصفة املشبهة‬
‫باسم الفاعل‪ ،‬طيب‪ ،‬أال تشتبه بصيغ املبالغة؟‬
‫‪474‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬
‫وفعل)‪ ،‬ف(فعيل‪ِ ،‬‬
‫وفعل)‬ ‫اجلواب‪ :‬نعم‪ ،‬قد تشتبه بصيغتني من صيغ املبالغة ومها (فعيل‪ِ ،‬‬

‫يأتيان صيغتي مبالغة‪ ،‬ويأتيان صف اة مشبهة بخالف (ف َّعال ومفعال وفعول) فهذه صيغ مبالغة‪.‬‬

‫واضحا ملا َشحناه من قبل‪ ،‬فنحن قلنا‪ :‬إن صيغ املبالغة ُمول ٌة من‬
‫ا‬ ‫والتفريق بينهَم لعله صار‬
‫وفع ٌل) من (فعل)‬‫(فعيل ِ‬
‫ٌ‬ ‫ماذا؟ من اسم الفاعل‪ ،‬إذن حكمها حكم اسم الفاعل‪ ،‬فإذا كانت‬
‫(فعيل وف ِعل) من ِ‬
‫(فعل)‬ ‫ٌ‬ ‫املتعدي أو الالزم‪ ،‬أو (ف ِعل) املتعدي‪ ،‬فهي صيغة مبالغة‪ ،‬وإذا كانت‬
‫الالزم أو من (فعل) فهذه صفة مشبهة‪ ،‬كقولك‪( :‬عليم) (فعيل) صفة مشبهة أم صيغة مبالغة؟‬

‫نقول‪ :‬هذه من (علِم)‪( ،‬علِم) متعدي أم الزم؟ (علمه) متعدي‪ ،‬إذن صيغة مبالغة‪،‬‬
‫و(نصري) من (نرصه)‪ ،‬من (فعل) فهي صفة مشبهة‪ ،‬و(ملِك) من (ملكه) صفة مشبهة‪،‬‬
‫و(حذر) ِ‬
‫(حذره) صفة مشبهة‪ ،‬لكن (كريم) (فعيل) هذا من (كرم)‪ ،‬و(َشيف) من (َشف)‪،‬‬ ‫ِ‬

‫(فرح)‪( ،‬ف ِعل) الالزم‪،‬‬


‫و(فرح) من ِ‬
‫ٌ‬ ‫و(عظيم) من (عظم) هذه من (فعل) هذه صفة مشبهة‪،‬‬
‫و(فطِن)‪ ،‬تقول‪( :‬فطِ ٌن) هذه من (فطِن) الالزم‪ ،‬هذه صفات مشبهة‪.‬‬
‫تقول‪ِ :‬‬
‫(حذره) فهي صيغة مبالغة‪ ،‬نعم‪ ،‬هذه صيغة مبالغة‪ ،‬نعم‪ ،‬إن قلت‪ :‬صفة مشبهة فال‪.‬‬

‫وابن هشام يف التعريف قال‪:‬‬

‫"املسوغة لغري تفضيل"‬

‫أراد أن خيرج اسم التفضيل‪.‬‬


‫ثم قال ابن هشام يف بيان ٍ‬
‫يشء من أحكامها‪:‬‬

‫"وال يتقدمها معموهلا"‬

‫من أحكام الصفة املشبهة أن معموهلا ال يتقدم عليها‪:‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪475‬‬

‫حسن‬
‫ٌ‬ ‫والسبب يف ذلك ما ذكرناه من قبل أن عملها ضعيف‪ ،‬فال تعمل متأخرةا‪ ،‬نحو (زيدٌ‬
‫ب(حسن)؛ ألنه ع ِمل عمل فعله‪ ،‬كأنك تقول‪( :‬زيدٌ حيسن‬
‫ٌ‬ ‫وجهه) (وجهه) فاعل مرفوع‬
‫ل(حسن) وقد تقدَّ م‬
‫ٌ‬ ‫حسن) عىل أن (وجهه) فاعل‬
‫ٌ‬ ‫وجهه)‪ ،‬لكن ال يصح أن تقول‪( :‬زيدٌ وجهه‬
‫عليه‪.‬‬

‫و(حسن) خرب‪ ،‬واجلملة خرب‬


‫ٌ‬ ‫حسن) عىل أن (وجهه مبتدأ)‬
‫ٌ‬ ‫لكن جيوز أن تقول‪( :‬زيدٌ وجهه‬
‫حسن)‪ ،‬وتقول‪( :‬زيدٌ‬
‫ٌ‬ ‫حسن وجهه)‪ ،‬وال جيوز أن تقول‪( :‬زيدٌ وجهه‬
‫ٌ‬ ‫(زيدٌ )‪ ،‬وتقول‪( :‬زيدٌ‬
‫حسن) وسيأيت الكالم عىل إعَمهلا‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وجها‬
‫ا‬ ‫وجها) وال تقول‪( :‬زيدٌ‬
‫حسن ا‬
‫ٌ‬

‫ثم قال ابن هشام‪:‬‬

‫"وال يكون أجنب ًيا"‬

‫الكالم هنا عىل معمول الصفة املشبهة‪ ،‬معموهلا يعني الذي تعمل فيه رف اعا أو نص ابا‪ ،‬فيشرتط‬
‫يف هذا املعمول أن يكون سبب ًيا‪.‬‬

‫واملراد بكونه سبب ًيا أن يكون فيه ضمري‪ ،‬أو أن يكون مقرتناا ب(ال)‪ ،‬فإن الضمري و(ال)‬
‫ٍ‬
‫برجل‬ ‫سريبطانه بعائده‪ ،‬وهلذا يكون بينه وبني عائده سبب‪ ،‬فصار سبب ًيا كأن تقول‪( :‬مررت‬
‫ٍ‬
‫حسن وجهه) ف(وجهه) ارتفع ب(حسن) وهو سببي وجود هذا الضمري الذي يربطه‬
‫ب(رجل)‪.‬‬

‫ٍ‬
‫حسن زيدٌ ) هذا ال جيوز؛ ألن زيد ليس بسببي‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫برجل‬ ‫بخالف ما لو قلت‪( :‬مررت‬

‫ٍ‬
‫برجل مكر ٍم أباه)‬ ‫بخالف اسم الفاعل الذي مل نشرتط فيه ذلك‪ ،‬فيجوز أن تقول‪( :‬مررت‬
‫أيضا مما‬ ‫ٍ‬
‫برجل مكر ٍم زيدا ا) فاملعمول أجنبي ليس بسببي‪ ،‬فهذا ا‬ ‫فاملعمول سببي‪ ،‬أو (مررت‬
‫خيتلف فيه اسم الفاعل عن الصفة املشبهة‪.‬‬
‫‪476‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ثم تكلم بعد ذلك عىل إعَمل الصفة املشبهة فقال‪" :‬ويرفع" يعني معمول أو الصفة املشبهة‬
‫"ويرفع عىل الفاعلية أو اإلبدال‪ ،‬وينصب عىل التمييز أو التشبيه باملفعول به‪ ،‬والثان يتعني‬
‫باملعرفة‪ ،‬وخيفض باإلضافة"‬

‫فتكلم عىل حكم معمول الصفة املشبهة ا‬


‫إمجاال دون تفصيل‪ ،‬وذكر أن فيه ثالثة أوجه‪:‬‬

‫‪ ‬الرفع‪.‬‬
‫‪ ‬والنصب‪.‬‬
‫‪ ‬واخلفض اجلر‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حسن وجهه)‪ ،‬أو (رأيت‬ ‫ٍ‬
‫برجل‬ ‫‪ -‬فالوجه األول يف املعمول الرفع‪ :‬كأن تقول‪( :‬مررت‬
‫ا‬
‫طويال شعره) ف(وجهه) ارتفع ب(حسن) عىل أنه فاعل‪ ،‬و(شعره) ارتفع ب(طويل)‬ ‫ا‬
‫رجال‬
‫عىل أنه فاعله‪ ،‬بمعنى (حسن وجهه‪ ،‬وطال شعره)‪ ،‬وكون الرفع هنا عىل الفاعلية هو املعروف‬
‫واملشهور عند النحويني‪.‬‬

‫وكونه ا‬
‫بدال‪ :‬كَم أجازه ابن هشام هذا وج ٌه قليل قال به بعض النحويني وهو ضعيف‪ ،‬عىل أن‬
‫ٍ‬
‫حسن هو وجهه) ثم أبدل (وجهه) من الفاعل املسترت (حسن هو)‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫برجل‬ ‫التقدير‪( :‬مررت‬
‫ٌ‬
‫خمالف لظاهر معنى الكالم‪.‬‬ ‫وضعفه ظاهر‪ ،‬وأقل ما يف ضعفه أنه‬

‫ٍ‬
‫برجل‬ ‫‪ -‬والوجه الثان اجلائز يف املعمول النصب‪ :‬فلك أن تنصب املعمول فتقول‪( :‬مررت‬
‫وجها) مع أن الوجه‬ ‫ٍ‬
‫حسن ا‬ ‫ٍ‬
‫برجل‬ ‫ٍ‬
‫حسن الوجه)‪ ،‬أو (مررت‬ ‫ٍ‬
‫برجل‬ ‫ٍ‬
‫حسن وجهه)‪ ،‬أو (مررت‬
‫يف اجلميع هو فاعل احلسن إال أنه انتصب وهذا الذي جعلهم يشبهون الصفة املشبهة باسم‬
‫الفاعل املتعدي لواحد كَم سبق اإلملاح إليه‪ ،‬وهذا وار ٌد يف السَمع‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪477‬‬

‫فقال النحويون‪ :‬إن كان هذا املعمول املنصوب معرفة‪ ،‬فهو مشب ٌه باملفعول به؛ يعني كأن‬
‫الصفة املشبهة ش يبهت باسم فاعل املتعدي لواحد‪ ،‬وهذا املنصوب ن ِصب نصب املفعول به‬
‫ٍ‬
‫وطويل شعره)‪.‬‬ ‫(مررت برجل حسن وجهه‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ أن جتعله‬ ‫شعرا) فلك‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وطويل ا‬ ‫وجها‪،‬‬
‫ا‬ ‫حسن‬ ‫برجل‬ ‫وأما إذا كان نكرةا‪ :‬ك(مررت‬
‫منصو ابا عىل التشبيه بمفعول به‪ ،‬ولك أن تنصبه عىل التمييز‪.‬‬

‫وواضح أن اجلر‬
‫ٌ‬ ‫‪ -‬والوجه الثالث وهو األخري يف معمول الصفة املشبهة أن جتره باإلضافة‪:‬‬
‫ِ‬
‫الوجه) أو (مررت‬ ‫ٍ‬
‫برجل حسن‬ ‫باإلضافة سيمنع التنوين يف الصفة املشبهة فتقول‪( :‬مررت‬
‫حسن ٍ‬
‫وجه) وهكذا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫برجل‬

‫هذه األوجه (الرفع‪ ،‬والنصب‪ ،‬واجلر) عىل أهنا جائزة إال أهنا خمتلفة يف االستعَمل من حيث‬
‫الكثرة واحلسن‪.‬‬

‫فال شك أن األصل فيها الرفع‪ :‬ألن (الوجه) هو فاعل (احلسن)‪ ،‬و(الشعر) هو فاعل‬
‫(الطول)‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ُمول عنه‪ :‬فعرفنا من قبل أنه لك أن ت ِ‬
‫عمل هذه الصفة عمل فعلها‪،‬‬ ‫وبعده يأيت اجلر ألنه ٌ‬
‫عمل فتضيف‪ ،‬فاجلر باإلضافة ٌ‬
‫ُمول عن اإلعَمل‪ ،‬فهو‬ ‫فاعال‪ ،‬ولك أال ت ِ‬
‫ا‬ ‫وهذا الفعل يرفع‬
‫الدرجة الثانية للحسن‪.‬‬

‫أخريا وهو األقل يف االستعَمل‪ :‬وهو األضعف يف القياس‪ ،‬إال أنه وار ٌد يف‬
‫ا‬ ‫ويأيت النصب‬
‫السَمع؛ وهلذا سميت الصفة املشبهة بالصفة املشبهة باسم الفاعل املتعدي لواحد‪.‬‬

‫ونكمل إن شاء اَّلل بعد الصالة‪ ،‬واَّلل أعلم‪ ،‬وصىل اَّلل وسلم عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله‬
‫وأصحابه أمجعني‪.‬‬
‫‪478‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫الدرس الثان عرش (اجلزء الثان)‪:‬‬

‫والسالم عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله‬


‫والصالة َّ‬
‫بسم اَّلل الرمحن الرحيم‪ ،‬احلمد َّلل رب العاملني‪َّ ،‬‬
‫وأصحابه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪...‬‬

‫‪ ‬ثم انتقل ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل تعاىل‪ -‬إىل الكالم عىل إعَمل اسم التفضيل عمل فعله‪ ،‬وهو‬
‫آخر األسَمء العاملة عمل فعلها‪ ،‬فقال ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬

‫الصفة الدَّ ا َّلة عىل املشارك ِة والزيياد ِة كـ(أكْرم)"‪.‬‬ ‫واسم ال َّت ْف ِض ِ‬


‫يل‪ ،‬وهو ي‬ ‫" ْ‬

‫اسم عىل وزن أفعال يدل عىل اشرتاك اثنني أو أكثر يف صفة‪ ،‬وزيادة ما‬
‫فاسم التفضيل هو ٌ‬
‫ٍ‬
‫خالد)‪ ،‬فأحسن هنا تدل عىل أن ما‬ ‫قبله عىل ما بعده يف هذه الصفة؛ كقولنا‪( :‬زيدٌ أحسن من‬
‫قبلها وما بعدها مشرتكان يف صفة احل ْسن‪ ،‬كالمها حسن‪ ،‬إال أن ما قبلها وهو (زيد) أكثر يف‬
‫هذه الصفة يف احل ْسن‪ ،‬أكثر حسناا وهكذا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫صفة ما‪ :‬إن األول أكثر من الثان يف هذه‬ ‫فلهذا ال يقال يف اللغة عن شيئني غري مشرتكني يف‬
‫الصفة لعدم اشرتاكهَم يف هذه الصفة ا‬
‫أصال‪ ،‬فال يقال‪( :‬السيف أمىض من العصا)؛ ألن العصا ال‬
‫يوصف باملضاء‪ ،‬كَم قال أبو الطيب‪:‬‬
‫ِ‬
‫الســـــــــ ْيف‬ ‫إِذا قيـــــــــل إِ َّن َّ‬ ‫الســ ْيف يــنْقص قــدْ ره‬
‫أمل ْ تــر أ َّن َّ‬
‫ــــــا موسى‪:‬‬
‫عىلـ لسان‬
‫السالم ا ْل‪-‬عص‬ ‫ــــــ ِمـ‬
‫عليهَمــــــن‬ ‫وهارونـ ‪-‬‬
‫وهلذا كان قوله ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬عن موسى أ ْمىض‬
‫داال عىل فصاحة موسى‪ ،‬وعىل فصاحة هارون‪،‬‬ ‫﴿هو أ ْفصح ِمنيي لِساناا [القصص‪ ]34:‬كان ا‬

‫إال أن هارون كان أفصح من موسى‪ ،‬وال يدل لغو ًيا عىل أن موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬مل يكن‬
‫فصيحا كَم قد يفهمه بعضهم‪.‬‬
‫ا‬

‫‪ ‬قال ابن هشام يف بيان استعَمالت وحاالت اسم التفضيل‪:‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪479‬‬

‫(م ْن) ومضا افا لِنكِر ٍة في ْفرد ويذكَّر‪ ،‬وبـ (أ ْل) فيطابِق‪ ،‬ومضا افا مل ْع ِرف ٍة‬
‫"ويستعمل بـ ِ‬
‫ْ ْ‬
‫فو ْجه ِ‬
‫ان"‬

‫فذكر ‪-‬رمحه اَّلل‪ -‬أن السم التفضيل أربعة استعَمالت‪:‬‬


‫‪ .1‬أن يستعمل بــ ِ‬
‫(م ْن) بعده‪.‬‬

‫‪ .2‬أو مضا افا لنكرة‪.‬‬

‫‪ .3‬أو مضا افا ملعرفة‪.‬‬

‫‪ .4‬أو مقرتناا بــ (أل)‪.‬‬

‫نتكلم عىل هذه االستعَمالت واحدا ا واحدا ا؛‬


‫ٍ‬
‫فحينئذ يلزم اسم التفضيل‬ ‫فاالستعَمل األول‪ :‬أن تأيت ِ‬
‫(م ْن) بعدها داخل ٌة عىل َّ‬
‫املفضل عليه‪،‬‬
‫اإلفراد والتذكري؛‬

‫‪ -‬يلزم اإلفراد‪ :‬ال يثنَّى وال جيمع‪.‬‬

‫‪ -‬ويلزم التذكري‪ :‬ال يؤنَّث‪.‬‬

‫فتقول‪( :‬زيدٌ أفضل من غريه)‪ ،‬و(هندٌ أفضل من غريها)‪ ،‬ال تقول‪( :‬فضىل من غريها)‪،‬‬
‫و(الزيدان أفضل من غريمها) ال تقول‪( :‬أفضال من غريمها)‪ ،‬و(اهلندان أفضل من غريمها)‪،‬‬
‫غريهن) ال‬
‫َّ‬ ‫و(الزيدون أفضل من غريهم) ما تقول‪ :‬أفاضل أو أفضلون‪ ،‬و(اهلندات أفضل من‬
‫لزم اسم التفضيل اإلفراد والتذكري إذا جئت بعده بــ ِ‬
‫(م ْن) الداخلة‬ ‫تقول‪ :‬فضل أو فضليات؛ فت ِ‬

‫املفضل عليه‪.‬‬
‫عىل َّ‬
‫‪480‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫أيضا‪ ،‬نحو‪( :‬زيدٌ‬


‫احلالة الثانية‪ :‬أن يضاف اسم التفضيل إىل نكرة‪ ،‬فيلزم اإلفراد والتذكري ا‬
‫ٍ‬
‫امرأة)‪ ،‬و(الزيدان أفضل رجلني)‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫امرأة) ما تقول‪( :‬فضىل‬ ‫ٍ‬
‫رجل)‪ ،‬و(هندٌ أفضل‬ ‫أفضل‬
‫رجال)‪ ،‬و(اهلندات أفضل ٍ‬
‫نساء)‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫و(اهلندان أفضل امرأتني)‪ ،‬و(الزيدون أفضل‬

‫إذن فاسم التفضيل يلزم اإلفراد والتذكري يف هاتني احلالتني‪.‬‬

‫وتذكريا وتأني اثا‪ ،‬نحو‪:‬‬


‫ا‬ ‫احلالة الثالثة‪ :‬أن تقرتن به (أل) فيطابق ما قبله إفرا ادا وتثني اة ومج اعا‪،‬‬
‫(زيدٌ األفضل)‪ ،‬و(هندٌ الف ْضىل)‪ ،‬و(الزيدان األفضالن)‪ ،‬و(اهلندان الفضليان)‪ ،‬و(الزيدون‬
‫األفضلون أو األفاضل)‪ ،‬و(اهلندات الفضليات أو الفضل)‪.‬‬

‫احلالة الرابعة‪ :‬أن يضاف اسم التفضيل إىل معرفة‪ ،‬فيجوز فيه الوجهان السابقان؛‬

‫‪ -‬أن يلزم اإلفراد والتذكري وهذا هو األكثر‪.‬‬

‫‪ -‬وأن يطابق وهذا جائز‪.‬‬


‫ِ‬
‫النساء)‪،‬‬ ‫ِ‬
‫النساء)‪ ،‬ولك أن تقول‪( :‬هندٌ فضىل‬ ‫ِ‬
‫الرجال)‪ ،‬و(هندٌ أفضل‬ ‫فتقول‪( :‬زيدٌ أفضل‬
‫ِ‬
‫النساء)‪،‬‬ ‫ِ‬
‫النساء) أو (فضليات‬ ‫ِ‬
‫و(اهلندان أفضل‬ ‫ِ‬
‫الرجال)‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الرجال) أو (أفضل‬ ‫و(الزيدان أفضل‬
‫ِ‬
‫الرجال)‪ ،‬أو (أفاضل الرجال)‪،‬‬ ‫ِ‬
‫النساء‪ ،‬مثنَّى فضىل‪ ،‬وتقول‪( :‬الزيدون أفضل‬ ‫فالفضىل‪ :‬فضىل‬
‫ِ‬
‫الرجال)‪ ،‬أفضلون وحذفنا نون لإلضافة‪ ،‬وتقول‪( :‬اهلندات أفضل النساء) أو‬ ‫أو (أفضلوا‬
‫ِ‬
‫النساء) فيجوز إلزام اإلفراد والتذكري وهذا أحسن وأكثر‪ ،‬وجتوز‬ ‫(فضليات النساء) أو (فضل‬
‫املطابقة‪.‬‬

‫َّاس عىل حي ٍاة [البقرة‪ ]96:‬مع أن‬ ‫من ذلك قوله ‪-‬سبحانه وتعاىل‪﴿ :-‬ولت ِ‬
‫جد َّهن ْم أ ْحرص الن ِ‬
‫املتحدَّ ث عنهم مجع؛ ﴿ولت ِ‬
‫جد َّهن ْم [البقرة‪ ]96:‬قال‪﴿ :‬أ ْحرص الن ِ‬
‫َّاس [البقرة‪ ،]96:‬ولو أتى‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪481‬‬

‫الناس) أو (حرييص النا ِ‬


‫س)‬ ‫ِ‬ ‫بالوجه الثان اجلائز وهو املطابقة لكان يقول‪( :‬ولتجدهنم أحارص‬
‫ِ‬
‫(أحارص)‪ ،‬أو مجع صحيح (حريصني) ونحذف النون لإلضافة‪.‬‬ ‫مجع تكسري‬

‫ومن ذلك قوله ‪-‬س ْبحانه وتعاىل‪﴿ :-‬وكذلِك جع ْلنا ِيف ك يل ق ْري ٍة أكابِر‬
‫جم ِر ِميها [األنعام‪ ]123:‬فقال‪( :‬أكابر) باملطابقة‪ ،‬ولو أتى باإلفراد والتذكري لكان يقول‪:‬‬
‫ْ‬
‫(وكذلك جعلنا يف كل ٍ‬
‫قرية أكرب جمرميها)‪.‬‬

‫أحب‬
‫ُّ‬ ‫ب إِىل أبِينا [يوسف‪ ]8:‬فأفرد وذكَّر ملاذا؟ يعني‬
‫قال سبحانه‪﴿ :‬ليوسف وأخوه أح ُّ‬
‫اسم التفضيل هنا من أي حالة‪ ،‬األوىل أم الثانية أم الثالثة أم الرابعة؟ نكمل اآلية‪﴿ :‬ليوسف‬
‫املفضل‬
‫(م ْن) الداخلة عىل َّ‬ ‫وأخوه أحب إِىل أبِينا [يوسف‪ ]8:‬هذه من احلالة األوىل‪ ،‬ذكِرت ِ‬
‫ُّ‬
‫لزم اإلفراد والتذكري‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫فحينئذ جيب يف اسم التفضيل اإلفراد والتذكري‪ ،‬ما تثنيي وإنَم ت ِ‬ ‫عليه‪،‬‬

‫ب‬‫وقال‪﴿ :‬ق ْل إِ ْن كان آباؤك ْم وأ ْبناؤك ْم وإِ ْخوانك ْم [التوبة‪ ]24:‬إىل آخره‪ ،‬ثم قال‪﴿ :‬أح َّ‬
‫املفضل عليه‬
‫َّ‬ ‫لذكر ِ‬
‫(م ْن) الداخلة عىل‬ ‫أيضا من احلالة األوىل ِ‬ ‫إِل ْيك ْم ِمن اَّللَِّ [التوبة‪ ]24:‬ا‬
‫ب [التوبة‪.]24:‬‬
‫فوجب اإلفراد والتذكري فقال‪﴿ :‬أح َّ‬

‫‪ ‬ثم ذكر ابن هشام شيئاا من أحكام اسم التفضيل فقال‪:‬‬

‫"وال ين ِْصب امل ْفعول م ْطل اقا"‪.‬‬

‫هذا من أحكامه‪ ،‬فاسم التفضيل ال ينصب املفعول به أبدا ا‪ ،‬وهلذا جتدهم يف نحو قوله ‪-‬‬
‫سبحانه وتعاىل‪﴿ :-‬إِ َّن ر َّبك هو أ ْعلم م ْن ي ِض ُّل ع ْن سبِيلِ ِه [األنعام‪ ]117:‬يقدي رون ا‬
‫فعال‬
‫يضل عن سبيله)‪ ،‬وال جيعلون (م ْن) منصوب اة‬‫ينصب (م ْن) نحو يعلم (إن ر َّبك أعلم يعلم م ْن ُّ‬ ‫ِ‬

‫بأعلم؛ ألن أعلم اسم تفضيل‪ ،‬واسم التفضيل ال ينصب املفعول به‪.‬‬

‫‪ ‬ثم قال ابن هشام‪:‬‬


‫‪482‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫اه ارا إِال يف م ْسأل ِة الك ْح ِل"‪.‬‬


‫بظ ِ‬
‫"وال ي ْرفع يف الغالِ ِ‬

‫ا‬
‫مفعوال به تك َّلم بعد ذلك عىل رفعه الفاعل فقال‪ :‬إن‬ ‫فبعد أن ذكر أن اسم التفضيل ال ينصب‬
‫ظاهرا إال يف مسألة الكحل‪ ،‬ال يرفعه إال يف مسألة الكحل غال ابا‪،‬‬
‫ا‬ ‫اسم التفضيل ال يرفع ا‬
‫فاعال‬
‫فاسم التفضيل يرفع الضمري املسترت اتيفا اقا‪ ،‬ال إشكال يف أنه يرفع الضمري املسترت؛ كقولك‪:‬‬
‫خالد) أين فاعل أفضل؟ هو مسترت‪ ،‬وإنَم الكالم عىل رفعه الظاهر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫(زيدٌ أفضل ِم ْن‬

‫فرفع اسم التفضيل للظاهر فيه لغتان عن العرب‪:‬‬

‫‪ -‬فبعض العرب يرفع به الظاهر مطل اقا‪ ،‬وهذه اللغة قليلة وهي التي قال عنها ابن هشام‪:‬‬
‫ٍ‬
‫برجل أفضل منه أبوه)‬ ‫ب) يعني يف لغة اجلمهور‪ ،‬فهؤالء يقولون‪( :‬مررت‬ ‫(وال ي ْرفع يف الغالِ ِ‬

‫يعني يفضله أبوه؛ فأبوه فاعل ألفضل التي عملت عمل الفعل يفضل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مسألة يسموهنا مسألة الكحل‪ ،‬ويراد هبذه املسألة‬ ‫‪ -‬وأكثر العرب ال يرفعون به الظاهر إال يف‬
‫هني أو استفهام‪ ،‬ومن ذلك‬
‫نفي أو ٍّ‬
‫املفضل عىل نفسه باعتبارين‪ ،‬فيكون معتمدا ا عىل ٍّ‬
‫االسم َّ‬
‫عني ٍ‬
‫زيد)؛ فاسم التفضيل‬ ‫رجال أحسن يف ِ‬
‫عينه الكحل منه يف ِ‬ ‫قوهلم املشهور‪( :‬ما رأيت ا‬
‫فضل اليشء عىل نفسه لكن‬
‫فضل الكحل عىل الكحل‪َّ ،‬‬
‫فضل ماذا عىل ماذا؟ َّ‬
‫أحسن‪َّ ،‬‬
‫فضل الكحل يف عني زيد عىل الكحل يف غري عني زيد‪.‬‬
‫باعتبارين‪َّ ،‬‬

‫فضل عىل نفسه باعتبارين؛ فأحسن اسم تفضيل وقد رفع الكحل عىل أنه فاعل‪،‬‬
‫االسم ي َّ‬
‫عني ٍ‬
‫زيد)‪.‬‬ ‫رجال حيسن يف عينه الكحل منه يف ِ‬
‫واملعنى (ما رأيت ا‬
‫رجال أحسن يف عينه الكحل من ٍ‬
‫زيد) هذا االعتَمد عىل نفس‪،‬‬ ‫أو ختترص فتقول‪( :‬ما رأيت ا‬
‫واالعتَمد عىل استفهام كأن تقول‪( :‬هل رأيت ا‬
‫رجال أحسن يف عينه الكحل من زيد؟) يعني‬
‫حيسن يف عينه الكحل‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪483‬‬

‫فإن قلت‪ :‬مجهور العرب الذين ال يرفعون االسم الظاهر باسم التفضيل إال يف مسألة‬
‫ٍ‬
‫برجل أفضل منه‬ ‫الكحل‪ ،‬ماذا يفعلون باملثال السابق الذي تقول فيه اللغة األخرى‪( :‬مررت‬
‫ٍ‬
‫برجل) جار وجمرور‪ ،‬أفضل‪ :‬نعت لرجل ولكنه ج َّر‬ ‫أبوه)؟ هذا يقوله بعض العرب؛ (مررت‬
‫بالفتحة؛ ألنه ممنوع من الرصف‪ ،‬وأبوه‪ :‬فاعل أفضل؛ يعني يفضل يفضله أبوه‪.‬‬

‫طيب‪ :‬مجهور العرب ماذا يقولون؟ ال يقولون هذا يف اجلملة‪ ،‬فإذا أرادوا هذا املعنى قالوا‪:‬‬
‫ٍ‬
‫برجل أفضل منه أبوه) فأبوه‪ :‬مبتدأ‪ ،‬وأفضل منه‪ :‬خرب مقدَّ م فريفعون‪ ،‬ثم اجلملة من‬ ‫(مررت‬
‫نعت لرجل‪.‬‬
‫املبتدأ واخلرب املقدَّ م ٌ‬

‫هبذا نكون قد انتهينا من الكالم عىل األسَمء العاملة عمل فعلها‪ ،‬لكني أعود للتنبيه عىل‬
‫ٍ‬
‫مسألة تتع َّلق بإعَمل املصدر‪ ،‬فقلنا‪ :‬إن املصدر يعمل عىل ثالثة أحوال واستعَمالت‪:‬‬

‫‪ .1‬أن يكون مضا افا وهذا هو األكثر‪.‬‬

‫منوناا وهذا أقل ولكنه أقيس‪.‬‬


‫‪ .2‬أو َّ‬

‫معر افا بـ (أل) وهذا قليل أو شاذ كَم قال ابن هشام‪.‬‬
‫‪ .3‬أو َّ‬

‫فإن كان مضا افا فإنه يضاف إىل املفعول به ويرفع الفاعل‪ ،‬أو يضاف إىل الفاعل وينصب‬
‫املفعول به‪.‬‬
‫وإن كان منوناا فإنه يرفع الفاعل ِ‬
‫وينصب املفعول به‪.‬‬

‫أيضا ينصب املفعول به ويرفع الفاعل؛ كقول الشاعر‪:‬‬‫معر افا بـ (أل) فهو ا‬‫وإن كان َّ‬
‫املنون وال‬ ‫ِ‬
‫الرزق امليسء إهله) يعني عجبت من أن يرزق امليسء إهله‪ ،‬وليس لك يف َّ‬ ‫(عج ْبت من‬
‫املعرف بـ (أل) أن تضيف؛‬
‫يف َّ‬

‫املنون فألن التنوين ال جيامع اإلضافة‪.‬‬


‫‪ -‬أما َّ‬
‫‪484‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫املعرف بـ (أل) فإن (أل) ال جتامع اإلضافة إال يف اإلضافة اللفظية‪.‬‬


‫‪ -‬وأما َّ‬

‫وإضافة املصدر إضافة معنوية وليست لفظية كَم سبق َشح ذلك يف [باب اإلضافة]‪.‬‬

‫ٍ‬
‫وباب آخر وهو الكالم عىل التوابع‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫‪ ‬لينتقل ابن هشام بعد ذلك إىل موضو ٍع آخر‬
‫[باب التوابع]‪.‬‬

‫جر أو جزم‪ ،‬تك َّلم بعد ذلك‬ ‫بعد أن تك َّلم عن األسَمء التي هلا أحكا ٌم ثابتة‪ٌ :‬‬
‫رفع أو نصب‪ ،‬أو ٌّ‬
‫عىل التوابع‪ :‬وهي الكلَمت التي هلا أحكا ٌم إعرابية ولكن أحكامها ليست ثابتة؛ ألهنا تتبع يف‬
‫هذه األحكام اإلعرابية ملتبوعها‪ ،‬فهي هلا أحكا ٌم إعرابية ولكن ليست ثابت اة؛‬

‫‪ -‬كالفاعل حكمه الرفع‪.‬‬

‫‪ -‬واملفعول به حكمه النصب‪.‬‬

‫‪ -‬واملضاف إليه حكمه اجلر‪.‬‬

‫ولكنها تتبع متبوعها يف هذا احلكم فلهذا سم َّيت توابع‪.‬‬

‫‪ ‬قال ابن هشام‪:‬‬

‫[باب التوابع] يتْبع ما ق ْبله يف إِ ْعرابِ ِه مخْس ٌة"‪.‬‬

‫فصل العطف إىل‪:‬‬


‫فابن هشام جعل هذه التوابع كَم سمعتم مخسة؛ ألنه َّ‬

‫‪ -‬عطف بيان‪.‬‬

‫‪ -‬وعطف نسق‪.‬‬

‫‪ -‬مع النعت‪.‬‬

‫‪ -‬والتوكيد‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪485‬‬

‫‪ -‬والبدل‪.‬‬

‫وكثري من النحويني جيعل التوابع أربعة؛ ألنه حي ِمل العطف وجيعله واحدا ا‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫فصارت مخسة‪،‬‬
‫فصل ويقسم العطف عىل عطف نسق وعطف بيان‪ ،‬وما فعله ابن هشام هو‬
‫ثم يف باب العطف ي ي‬
‫األوضح واألحسن؛ ألن عطف البيان يف احلقيقة ال جيامع عطف النسق يف يشء لكي جيعل يف‬
‫بيت واحد إال يف االسم أنه عطف وعطف‪ ،‬يعني ليس كالتوكيد ينقسم إىل‪ :‬توكيد لفظي‬‫ٍ‬

‫ومعنوي التفاقهَم يف الفائدة وهي التوكيد‪ ،‬بل‪:‬‬

‫اسَم بحرف عطف‪.‬‬


‫اسَم عىل ا‬
‫‪ -‬عطف النسق يشء أن تعطف ا‬
‫‪ -‬وأما عطف البيان فهو النعت باجلامد‪.‬‬

‫باب واحد‪ ،‬لكن من جعلهَم يف ٍ‬


‫باب واحد أخذ بمجمل‬ ‫فَم فيه أمر مشرتك بينهَم ليجعال يف ٍ‬

‫االشرتاك يف االسم‪ ،‬واملسألة ليست مسأل اة مهمة‪.‬‬

‫‪ ‬بدأ ابن هشام بالتابع األول؛ وهو‪" :‬ال َّن ْعت"‬

‫باب النعت‪ ،‬فقال ‪-‬رمحه اَّلل‪:-‬‬

‫وع ِه"‪.‬‬
‫ظ متْب ِ‬
‫"النَّعت‪ ،‬وهو التَّابع امل ْشت ُّق أ ِو املؤول بِ ِه املبايِن لِل ْف ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬

‫النعت سبق َشحه من قبل‪ ،‬وهنا نرشح تعريف ابن هشام؛ فقوله‪( :‬امل ْشت ُّق أ ِو املؤ َّول بِ ِه)؛‬
‫مؤو ٍل بمشتق؛ يعني لفظه لفظ جامد لكن معناه ‪-‬‬ ‫ٍ‬
‫ألن النعت ال يكون إال باملشتق‪ ،‬أو بجامد َّ‬
‫املعنى املراد به‪ -‬معنى مشتق‪ ،‬وهذا خي ِرج بقية التوابع‪ ،‬فبقية التوابع تكون باجلامد‪ ،‬ال تكون‬
‫باملشتقات؛‬

‫‪ ‬فالتوكيد املعنوي يكون بسبعة ألفاظ‪( :‬النفس‪ ،‬والعني‪ ،‬وكل‪ ،‬وكال‪ ،‬وكلتا‪ ،‬ومجيع‪،‬‬
‫وأمجع) هذه جوامد‪.‬‬
‫‪486‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬
‫‪ ‬وكذلك البدل‪ ،‬والبيان؛ كـ (جاء ٍ‬
‫ُممد خالد)‪.‬‬

‫‪ ‬كذلك النسق تقول‪( :‬جاء ُممدٌ وخالدٌ )‪.‬‬

‫وع ِه) يريد أن خي ِرج التوكيد اللفظي‪ ،‬فقد‬


‫ظ متْب ِ‬
‫ثم قال ابن هشام يف التعريف‪( :‬املبايِن لِل ْف ِ‬

‫يكون باملشتق؛ كقولك‪( :‬جاء الرجل الفاضل الفاضل) فالفاضل الثانية هذا مشتق‪ ،‬ولكنه‬
‫مطابق للمتبوع‪ ،‬فهو توكيدٌ ال نعت‪ ،‬وب َّينا يف َشح املبتدئني العالقة بني النعت واحلال‪ ،‬فال نعيد‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪ ‬ثم ذكر ابن هشام الغرض والفائدة من النعت فقال‪:‬‬

‫يح أ ْو مدْ ٌح أ ْو ذ ٌّم أ ْو تر ُّح ٌم أ ْو ت ْوكِيدٌ "‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫"وفائدته ْختص ٌ‬
‫يص أ ْو ت ْوض ٌ‬

‫وذكر أغراض النعت وفوائده وهي‪:‬‬

‫كريم‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫كريم)‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫رجل‬ ‫الفائدة األوىل‪ :‬التخصيص‪ ،‬ويكون للنكرة املنعوتة؛ كقولك‪( :‬جاء‬
‫نعت‪ ،‬والفائدة من هذا النعت أهنا خصصت الرجل بوصف الكريم‪ ،‬ولوال ذلك لبقيت النكرة‬
‫ٌ‬
‫رجل عامة يف جنس الرجال‪.‬‬

‫والفائدة الثانية‪ :‬التوضيح‪ ،‬وذلك للمعرفة التي قد تشتبه بغريها؛ كقولك‪( :‬جاء زيدٌ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫الكريم) فزيد إذا كان يشتبه بزيدين آخرين وال يتم َّيز عنهم إال بقولك‪ :‬الكريم‪ ،‬فالكريم‬
‫ٌ‬
‫هذا النعت فائدته التوضيح؛ أنه َّ‬
‫وضح املعرفة املضافة لتمييزها عن من يشاهبها‪.‬‬

‫والرتحم هذه للمعرفة التي ال تلتبس بغريها‪ ،‬هي‬


‫ُّ‬ ‫واألغراض الثالثة التالية‪ :‬املدح والذ ُّم‬
‫معرفة لكنها هي غري ملتبسة بغريها؛ يعني معروفة‪ ،‬فَمذا تنعت؟ ال تنعت لتوضيحها؛ ألهنا‬
‫الرتحم بحسب املعنى‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫خالص ع ِرفت‪ ،‬فنقول‪ :‬إما للمدح‪ ،‬أو الذم‪ ،‬أو‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪487‬‬

‫نحو‪﴿ :‬بِ ْس ِم اَّللَِّ ا ْل َّرمح ِن ا ْل َّرحي ِم [الفاحتة‪﴿ ،]1:‬بِ ْس ِم اَّللَِّ قولنا‪ :‬اَّلل َّ‬
‫وضح املراد به وال‬
‫يلتبس بغريه‪ ،‬طيب ما فائدة وصفة بــ ﴿ا ْل َّرمح ِن ا ْل َّرحي ِم ؟ طب اعا ما يقال‪ :‬للتوضيح؛ ألنه هو‬
‫واضح من قولنا اَّلل‪ ،‬فنقول‪ :‬هذا للمدح‪.‬‬

‫ذمه‪ ،‬أو‬
‫نعت للداللة عىل ي‬
‫أو (أعوذ باَّلل من الشيطان الرجيم) الشيطان معروف‪ ،‬الرجيم هنا‪ٌ :‬‬
‫ارحم عبدك املسكني) فقوله‪ :‬أن عبدك سيشتبه ال يشتبه عىل‬
‫ْ‬ ‫أن تقول َّلل ‪-‬عزَّ وج َّل‪( :-‬اللهم‬
‫الرتحم من اَّلل ‪-‬عزَّ وج َّل‪.-‬‬
‫ُّ‬ ‫اَّلل ‪-‬ع َّز وج َّل‪ -‬يشء‪ ،‬فقولك‪( :‬املسكني) هذا ُّ‬
‫ترحم لطلب‬
‫ٍ‬
‫معروف‬ ‫والغرض األخري‪ :‬التوكيد‪ ،‬والتوكيد كَم َشحنا أكثر من مرة هو‪ :‬ما َّ‬
‫دل عل معناى‬
‫قبل ِذكره‪ ،‬ثم يأيت هو لتقويته وحتقيقه وتأكيده‪.‬‬

‫كقوله تعاىل‪﴿ :‬تِ ْلك عرش ٌة ك ِامل ٌة [البقرة‪ ]196:‬وكاملة‪ٌ :‬‬


‫نعت لعرشة لتوكيد كَمهلا وعدم‬
‫نقصاهنا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ور ن ْفخ ٌة واحد ٌة [احلاقة‪ ]13:‬فنفخ ٌة‪ :‬اسم َّ‬
‫مرة تدل عىل أن‬ ‫قال تعاىل‪﴿ :‬فإِذا نفخ ِيف ُّ‬
‫الص ِ‬

‫نعت للتوكيد‪.‬‬
‫الفعل النفخ حدث مر اة واحدة‪ ،‬فواحدة‪ٌ :‬‬

‫طالب جمتهدٌ ) فمجتهدٌ ‪ :‬نعت الغرض منه التوكيد؛‬


‫ٌ‬ ‫وهكذا أن تقول‪( :‬جاء من املجتهدين‬
‫ألننا عرفنا أن الطالب هذا جمتهد من قولنا من قبل‪( :‬من املجتهدين)‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫‪ ‬ثم قال ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬يف بيان ما يتبع فيه النعت املنعوت فقال‪:‬‬

‫ريف وال َّتنْكِ ِري‪ ،‬ث َّم إِ ْن رفع ض ِم اريا‬


‫اب‪ ،‬و ِمن ال َّتع ِ‬
‫ْ‬ ‫اح ٍد ِم ْن أ ْوج ِه ا ِ‬
‫إل ْعر ِ‬ ‫"ويتْبع منْعوته يف و ِ‬
‫إل ْفر ِاد وفرعي ِه‪ ،‬وإِ َّال فهو ك ِ‬
‫الف ْع ِل"‪.‬‬ ‫اح ٍد ِمن ا ِ‬
‫يث‪ ،‬وو ِ‬ ‫واح ٍد ِمن الت َّْذكِ ِري والت َّْأنِ ِ‬
‫مست ِرتا تبِع يف ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ ا‬
‫فذكر هنا ما يتبع فيه النعت املنعوت وهذا سيقوم عىل ِذكر قسمي النعت‪ ،‬فالنعت عىل‬
‫قسمني‪:‬‬
‫‪488‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫نعت حقيقي‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬‬

‫ونعت سببي‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬‬

‫ضمريا‬
‫ا‬ ‫ظاهرا بعده‪ ،‬طيب ماذا يرفع؟ يرفع‬
‫ا‬ ‫اسَم‬
‫النعت احلقيقي‪ :‬هو النعت الذي ال يرفع ا‬
‫ٍ‬
‫برجل كريمٍ) كريمٍ‪ :‬نعت مشتق‪ ،‬وعرفنا من قبل‬ ‫مسترتا يعود إىل املنعوت؛ كقولك‪( :‬مررت‬
‫ا‬
‫مسترتا‬
‫ا‬ ‫ضمريا‬
‫ا‬ ‫أن األوصاف تعمل عمل فعلها‪ ،‬طيب أين فاعل كريمٍ؟ هو‪ ،‬إذن كري ٍم رفعت‬
‫ضمريا‬
‫ا‬ ‫ظاهرا‪ ،‬وإنَم رفع‬
‫ا‬ ‫اسَم‬
‫هو يعود إىل املنعوت إىل رجل‪ ،‬فالنعت هنا حقيقي؛ ألنه مل يرفع ا‬
‫مسترتا‪.‬‬
‫ا‬
‫ظاهرا بعده؛ يعني مرفوعه‬
‫ا‬ ‫اسَم‬
‫وأما النعت السببي ‪-‬ويقال‪ :‬غري احلقيقي‪ :-‬فهو الذي يرفع ا‬
‫ٍ‬
‫برجل كري ٍم‬ ‫ظاهرا؛ كأن تقول‪( :‬مررت‬
‫ا‬ ‫اسَم‬
‫ظاهرا‪ ،‬فاعله أو نائب فاعله يكون ا‬
‫ا‬ ‫اسَم‬
‫يكون ا‬
‫ضمريا‬
‫ا‬ ‫ظاهرا وهو أبوه‪ ،‬ومل يرفع‬
‫ا‬ ‫أبوه) كري ٍم أبوه‪ ،‬أين فاعل الكرم؟ أبوه‪ ،‬إذن فكري ٍم رفع ا‬
‫اسَم‬
‫مسترتا يعود إىل املوصوف‪ ،‬فنقول‪ :‬إن النعت هنا سببي‪.‬‬
‫ا‬
‫سمي سبب اي ا؛ ألن هذا االسم الظاهر الذي ارتفع بالنعت فيه ضمري‪ ،‬هذا الضمري سريبطه‬
‫باملنعوت‪ ،‬فصار بينهَم سبب‪ ،‬السبب هو الرابط‪.‬‬

‫النعت احلقيقي يتبع املنعوت يف كل يشء؛ يعني‪:‬‬

‫وجرا‪.‬‬
‫‪ -‬يتبعه يف اإلعراب رف اعا ونص ابا ً‬

‫‪ -‬ويتبعه يف التعريف والتنكري‪.‬‬

‫‪ -‬ويتبعه يف اإلفراد والتثنية واجلمع‪.‬‬

‫‪ -‬ويتبعه يف التذكري والتأنيث‪.‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪489‬‬

‫ٍ‬
‫برجل كريمٍ) كري ٍم تبعه يف اجلر من الرفع‬ ‫ٍ‬
‫أربعة من عرشة؛ كقولك‪( :‬مررت‬ ‫يعني يتبعه يف‬
‫والنصب واجلر‪ ،‬وتبعه يف اإلفراد من اإلفراد والتثنية واجلمع‪ ،‬وتبعه يف التذكري من التذكري‬
‫والتأنيث‪ ،‬وتبعه يف التنكري من التنكري والتعريف‪ ،‬يتبعه يف أربعة من عرشة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫(برجال كرا ٍم‬ ‫ٍ‬
‫كريمة)‪ ،‬أو (برجلني كريمني)‪ ،‬أو (بامرأتني كريمتني)‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬
‫بامرأة‬ ‫(مررت‬
‫ٌ‬ ‫أو‬
‫ٍ‬
‫كريَمت)‪ ،‬هذا النعت احلقيقي يتبع املنعوت يف كل يشء‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫و(بنساء كرا ٍم أو‬ ‫أو كرماء)‪،‬‬

‫وجرا‪ ،‬ويف‬
‫دائَم يف اإلعراب رف اعا ونص ابا ً‬
‫السببي ففيه تفصيل‪ ،‬فهو يتبع املنعوت ا‬
‫ُّ‬ ‫وأما النعت‬
‫التعريف والتنكري ال بد‪ ،‬ويف البواقي؛ يعني يف اإلفراد والتثنية واجلمع‪ ،‬ويف التذكري والتأنيث‬
‫يعامل معاملة الفعل‪ ،‬يعامل معاملة الفعل؛ ألنه رفع اسَم ظاهرا ِ‬
‫فعمل مثل فعله‪ ،‬فلهذا يعامل‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫معاملة الفعل‪.‬‬

‫كيف يعامل معاملة الفعل؟ ننظر للفعل‪ ،‬ما حكم الفعل مع فاعله إفرا ادا وتثني اة ومج اعا؟ قلنا‬
‫سواء كان الفاعل مفر ادا‪( :‬جاء زيدٌ )‪ ،‬أو مثناى‪( :‬جاء ُممدان)‪ ،‬أو‬
‫ٌ‬ ‫من قبل‪ :‬إنه يلزم اإلفراد‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪ ،‬وال يثنَّى وال جيمع‪.‬‬ ‫مج اعا‪( :‬جاء ُممدون) إذن فالنعت السببي سيلزم اإلفراد‬

‫تذكريا وتأني اثا؛‬


‫ا‬ ‫ويف التذكري والتأنيث‪ :‬درسنا يف الفاعل أن الفعل يتأثر بالفاعل‬

‫‪ -‬فإذا كان الفاعل مذك اَّرا وجب يف الفعل التذكري‪.‬‬

‫‪ -‬وإذا كان الفاعل مؤن اثا فيؤنَّث الفعل وجو ابا يف حالتني‪ ،‬وجوازاا يف حالتني‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ يف النعت السببي‪.‬‬ ‫وكل ما ذكرناه يف الفعل يط َّبق‬

‫ٍ‬
‫برجل كري ٍم أبوه) كَم تقول‪( :‬كرم أبوه) يعني اجعل مكان النعت السببي‬ ‫فنقول‪( :‬مررت‬
‫ٍ‬
‫برجل كري ٍم أبوه)‪.‬‬ ‫ا‬
‫فعال (مررت‬
‫ٍ‬
‫كريمة أ َّمه) كقولك‪( :‬كرمت أمه)‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫برجل‬ ‫طيب‪ :‬أمه (مررت‬
‫‪490‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ٍ‬
‫برجل كري ٍم أبواه) كـ (كرم أبواه)‪.‬‬ ‫طيب‪ :‬أبواه (مررت‬
‫ٍ‬
‫بامرأة كري ٍم أبوها) كـ (كرم أبوها)‪.‬‬ ‫طيب أبوها (مررت‬
‫ٍ‬
‫كريمة أمها) كـ (كرمت أمها)‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بامرأة‬ ‫وأمها (مررت‬
‫ٍ‬
‫بامرأة كري ٍم أبواها) كـ (كرم أبواها) وهكذا‪.‬‬ ‫وأبواها‪( :‬مررت‬

‫إذن النعت السببي يتبع املنعوت يف اإلعراب والتعريف والتنكري مطل اقا‪ ،‬وفيَم سوى ذلك‬
‫يعامل معاملة الفعل‪ ،‬فظهر من ذلك أن النعت احلقيقي والنعت السببي كالمها ال بدَّ أن يتبع‬
‫املنعوت يف اإلعراب‪ ،‬ويف التعريف والتنكري‪.‬‬

‫وهذا الذي قاله ابن هشام عندما قال‪:‬‬

‫ريف وال َّتنْكِ ِري"‪.‬‬


‫اب‪ ،‬و ِمن ال َّتع ِ‬
‫ْ‬ ‫اح ٍد ِم ْن أ ْوج ِه ا ِ‬
‫إل ْعر ِ‬ ‫"ويتْبع منْعوته يف و ِ‬

‫سواء كان حقيق ًيا أو سبب ًيا؛‬


‫ا‬ ‫يعني‬

‫أيضا سيتبع املتبوع يف البواقي‪ ،‬قال‪:‬‬


‫فإن كان حقيق ًيا فإنه ا‬

‫إل ْفر ِاد وف ْرع ْي ِه)‪.‬‬


‫اح ٍد ِمن ا ِ‬
‫يث‪ ،‬وو ِ‬
‫واح ٍد ِمن الت َّْذكِ ِري والت َّْأنِ ِ‬
‫(ثم إِ ْن رفع ض ِمريا مست ِرتا تبِع يف ِ‬
‫ا ْ ا‬ ‫َّ‬

‫طيب‪ :‬وإن كان سبب ًيا فإنه سيعامل معاملة الفعل؛ يعني يلزم اإلفراد يف اإلفراد والتثنية‬
‫واجلمع‪ ،‬ويذكَّر ويؤنَّث كالفعل‪.‬‬

‫‪ ‬ثم قال ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬


‫اعدٌ ثم ق ِ‬
‫اعدون"‪.‬‬ ‫"واألحسن جاء ِن رج ٌل قعود ِغ ْلَمنه ثم ق ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬

‫سبق لنا يف النعت السببي أنه ‪-‬النعت السببي‪ -‬يف اإلفراد والتثنية واجلمع يعامل معاملة‬
‫الفعل فيلزم اإلفراد‪ ،‬إال أنه يف اجلمع اختلف حكمه وهذا سَمع‪ ،‬اختلف حكمه إذا كان الفاعل‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪491‬‬

‫ٍ‬
‫حينئذ أن جيمع ‪-‬يعني النعت السببي‪ -‬أن جيمع مجع تكسري‪ ،‬ثم يفرد ثم‬ ‫مج اعا‪ ،‬فاألحسن فيه‬
‫جيمع مجع سالمة‪ ،‬كل ذلك وار ٌد يف السَمع‪ ،‬فاألكثر واألحسن أن جيمع مجع تكسري‪ ،‬ثم يفرد‪،‬‬
‫ثم جيمع مجع سالمة‪.‬‬

‫ٍ‬
‫برجل كرا ٍم أباءه) كان القياس أن يلزم اإلفراد كري ٍم أباءه؛ كقولك‪( :‬كرم‬ ‫فتقول‪( :‬مررت‬
‫ٍ‬
‫برجل كرا ٍم أباءه)‪.‬‬ ‫أباءه) لكن جاء يف السَمء أن األكثر واألحسن اجلمع مجع تكسري (مررت‬

‫ٍ‬
‫برجل كري ٍم أباءه)‪.‬‬ ‫وبعده يف احل ْسن اإلفراد؛ يعني (مررت‬

‫ٍ‬
‫برجل كريمني أباءه) هؤالء اآلباء‪.‬‬ ‫ثم اجلمع مجع تصحيح‪( :‬مررت‬

‫ٍ‬
‫برجل‬ ‫ٍ‬
‫كريمة جدَّ اته)‪ ،‬ثم (مررت‬ ‫ٍ‬
‫برجل‬ ‫ٍ‬
‫برجل كرا ٍم جدَّ اته)‪ ،‬ثم (مررت‬ ‫واجلدَّ ات‪( :‬مررت‬
‫ٍ‬
‫كريَمت جدَّ اته)؛ فهذا حكم سَمعي‪.‬‬

‫‪ ‬ثم قال ابن هشام‪:‬‬

‫اء ر ْف اعا بِت ْق ِد ِير هو‪ ،‬ون ْص ابا بِت ْق ِد ِير أ ْعنِي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصفة امل ْعلوم م ْوصوفها حقيق اة أ ِو ا يدع ا‬
‫"وجيوز ق ْطع ي‬
‫أ ْو أ ْمدح‪ ،‬أ ْو أذ ُّم‪ ،‬أ ْو أ ْرحم"‪.‬‬

‫هذه مسألة يسموهنا مسألة قطع النعت أو قطع الصفة‪ ،‬املنعوت؛‬

‫ُمتاجا إىل نعته بحيث ال يعلم وال يتم َّيز وال يعرف إال بنعته‪ ،‬وجب يف نعته اإلتباع أن‬
‫ا‬ ‫إن كان‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ‬ ‫تتبعه‪ ،‬فإذا قلت‪( :‬جاء زيدٌ ) وزيدٌ يلتبس عىل املخاطبني لوجود أكثر من زيد يعرفونه‪،‬‬
‫جيب أن تأيت له بنعت وأن جتعل هذا النعت تاب اعا له‪.‬‬
‫ِ‬
‫العامل)‪،‬‬ ‫فإن كان عندنا زيدان أحدمها ِ‬
‫عامل واآلخر جاهل‪ ،‬فيجب أن تقول‪( :‬جاء زيدٌ‬
‫زيد ِ‬
‫العامل) ليتم َّيز عن اآلخر‪.‬‬ ‫و(س َّلمت عىل ٍ‬
‫‪492‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫فإن كان املنعوت غري ُمتاجٍ للنعت يعني واضح ومتم ييز من دون النعت فيجوز لك يف النعت‬
‫ٍ‬
‫حينئذ اإلتباع‪ ،‬وهذا هو األصل واألكثر يف اللغة‪ ،‬وهو اجلا َّدة كَم يقولون‪ ،‬وجيوز لك أن تقتطع‬
‫النعت‪ ،‬فإذا قطعته لك فيه الرفع‪ ،‬ولك فيه النصب‪.‬‬
‫ٍ‬
‫(زيد‬ ‫ٍ‬
‫(بزيد الفاضل) قطعته إىل الرفع‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬
‫الفاضل) باإلتباع‪ ،‬أو‬ ‫فتقول‪( :‬مررت ٍ‬
‫بزيد‬
‫الفاضل) قطعته إىل النصب؛‬

‫جره الكرسة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬فإذا أتبعت بـ ٍ‬


‫نعت لزيد جمرور وعالمة ي‬
‫الفاضل) فهو ٌ‬ ‫(زيد‬

‫نعت ملبتدأٍ ُمذوف تقديره هو‪.‬‬


‫‪ -‬وإذا رفعت فهو ٍ‬

‫بزيد) قيل لك‪ :‬من هو؟ أو ملا قلت‪( :‬مررت ٍ‬


‫بزيد) توقعت أن تسأل‬ ‫كأنك ملا قلت‪( :‬مررت ٍ‬

‫من هو فبادرت باجلواب‪ ،‬واخترصت وحذفت هو‪ ،‬وهذا يظهر يف ارجتال الكالم‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫بزيد هو الفاضل‪ ،‬فتجيب عن‬‫بزيد الفاضل) يعني مررت ٍ‬
‫الفاضل)‪ ،‬أو (مررت ٍ‬
‫ِ‬ ‫(مررت ٍ‬
‫بزيد‬
‫خربا هلو مبتدأ ُمذوف‪،‬‬
‫اختصارا‪ ،‬فصارت الفاضل ا‬
‫ا‬ ‫هذا السؤال قبل أن تسأل‪ ،‬لكن حذفت هو‬
‫نعت لرجل‪.‬‬
‫واجلملة (هو الفاضل) ٌ‬
‫أيضا عىل القطع؛ يعني ملا قلت‪( :‬مررت ٍ‬
‫بزيد) ظهر‬ ‫وإن نصبت‪( :‬مررت ٍ‬
‫بزيد الفاضل) فهو ا‬
‫لك أو خشيت أن الذي تعنيه مل يفهم ومل يظهر‪ ،‬فقلت‪( :‬مررت ٍ‬
‫بزيد أعنى الفاضل)‪ ،‬أو (أمدح‬
‫الفاضل) لكنك اخترصت بحذف الفعل الناصب‪ ،‬وأكملت الكالم بعضه مع بعض‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫ٌ‬
‫مفعول به‪،‬‬ ‫(مررت ٍ‬
‫بزيد الفاضل) يعني أعني الفاضل‪ ،‬فأعنى‪ :‬فعل‪ ،‬والفاعل‪ :‬هو‪ ،‬والفاضل‪:‬‬
‫نعت لرجل‪.‬‬
‫واجلملة ٌ‬

‫فلذلك جييزون يف البسملة‪﴿ :‬بِ ْس ِم اَّللَِّ ا ْل َّرمح ِن ا ْل َّرحي ِم [الفاحتة‪:]1:‬‬

‫‪ -‬اجلر عىل التبعية‪ ،‬وهذا هو الظاهر واجلا َّدة‪.‬‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪493‬‬

‫والرفع‪﴿ :‬بِ ْس ِم اَّللَِّ ا ْل َّرمحن ا ْل َّرحي ِم [الفاحتة‪.]1:‬‬


‫َّ‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬والنصب‪﴿ :‬بِ ْس ِم اَّللَِّ ا ْل َّرمح ِن ا ْل َّرحي ِم [الفاحتة‪.]1:‬‬

‫ألن اَّلل متم ييز وغري ُمتاجٍ يف مت ُّيزه هلذه النعوت‪.‬‬

‫‪ ‬ثم انتقل ابن هشام ‪-‬رمحه اَّلل‪ -‬إىل التابع اآلخر وهو التوكيد‪ ،‬فقال‪[ :‬باب التوكيد]‪ ،‬ما‬
‫قال [باب التوكيد] ال باب التوكيد زيادة مني‪ ،‬إنَم قال ابن هشا ٍم ‪-‬رمحه اَّلل‪:-‬‬
‫اك أت ِ‬
‫اك‬ ‫"والتَّوكِيد وهو إِما ل ْفظِي‪ ،‬نحو‪( :‬أخاك أخاك إِ َّن من ال أخا له)‪ ،‬ونحو‪( :‬أت ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ٌّ ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ب ب ْثنة إِ َّهنا)"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫نحو‪( :‬ال ال أبوح بِح ي‬ ‫احبِ ِ‬
‫س) ‪ ،‬و ْ‬ ‫س ْ‬‫احبِ ِ‬
‫ا َّلالحقون ْ‬

‫فذكر ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬أن التوكيد نوعان‪:‬‬

‫لفظي‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫‪.1‬‬

‫ومعنوي‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫‪.2‬‬
‫ٍ‬
‫بألفاظ معينة وسيأيت‪.‬‬ ‫أما املعنوي‪ :‬فيكون‬

‫وأما اللفظي‪ :‬فهو الذي ذكره ابن هشا ٍم هنا‪ ،‬ويكون بتكرار اللفظ املراد توكيده‪ ،‬فإذا قلت‪:‬‬
‫(جاء خالدٌ ) ثم أردت توكيد خالد تقول‪( :‬جاء خالدٌ خالدٌ ) وهذا يظهر يف االرجتال‪( ،‬جاء‬
‫خالدٌ خالدٌ )‪ ،‬وتقول‪( :‬جاء جاء خالدٌ ) فأكَّدت جاء األوىل‪ ،‬أو تقول‪( :‬جاء خالدٌ جاء خالدٌ )‬
‫فأكَّدت اجلملة كلها‪.‬‬

‫ومن ذلك‪ :‬الشواهد التي ذكرها ابن هشام وهي أبعاض أبيات؛ فالبيت األول‪ :‬قول الشاعر‪:‬‬

‫ـري ِســالحِ‬
‫كســا ٍع إىل اهليجــا بغـ ِ‬ ‫ـن ال أخـا لـه‬
‫إن م ْ‬
‫أخاك أخاك َّ‬
‫‪494‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ٍ‬
‫لفعل ُمذوف‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫مفعول به‬ ‫فأكَّد أخاك تأكيدا ا لفظ ايا بتكريره؛ يعني انرص أخاك أو الزم أخاك‪،‬‬
‫وهذا يسمى اإلغراء‪ ،‬وكقول الشاعر‪:‬‬

‫احــبِ ِ‬
‫س‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فـــأ ْين إِىل أ ْيـــن النَّجـــاة بِبغْلتِـــي‬
‫أتــاك أتــاك الالحقــون ْ‬
‫احــــــــــــــــــــــــــــبِ ِ‬
‫س‬ ‫احبس وهو خياطب بغلته‪ْ ٌ ،‬‬
‫ِ‬ ‫فأكَّد ِ‬
‫وقول آخر‪:‬‬ ‫أتاك‪ ،‬وأكَّد‬

‫إِ َّهنا أخذ ْت ع َّيل مواثِ اقـا وعهـودا‬ ‫ــــب ب ْثنــــة‬


‫ي‬ ‫ال ال أبــــوح بِح‬
‫فأكَّد ال النافية‪.‬‬

‫‪ ‬ثم قال ابن هشام‪:‬‬

‫"ول ْيس ِمنْه ﴿دكًا دكًا [الفجر‪ ]21:‬و﴿ص ًفا ص ًفا [الفجر‪."]22:‬‬

‫قريى ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬أن عبارة‪﴿ :‬ص ًفا ص ًفا [الفجر‪ ]22:‬يف قوله تعاىل‪﴿ :‬وجاء‬
‫ر ُّبك وا ْمللك ص ًفا ص ًفا [الفجر‪ ]22:‬أن ﴿ص ًفا ص ًفا حال‪ ،‬وليست توكيدا ا لفظ ًيا؛ ألن‬
‫ٍ‬
‫سَمء حالة كوهنم مص َّطفني ص افا بعد‬ ‫كل‬ ‫املعنى واَّلل أعلم وجاء ر ُّبك وجاءت املالئكة من ي‬
‫صف‪ ،‬فال يمكن االستغناء عن‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫صف؛ يعني أهنم مل يص َّطفوا ص افا‪ ،‬وإنَم اصطفوا ص ًفا بعد‬
‫صف الثانية‪ ،‬ما يمكن أن تقول‪( :‬وجاءت املالئكة ص ًفا)؛ ألهنم مل يأتوا ص ًفا وإنَم أتوا ص ًفا بعد‬
‫ٍّ‬
‫صف‪ ،‬التوكيد اللفظي يمكن أن تستغني عنه وليس عمد اة يف الكالم‪ ،‬وال يتو َّقف الكالم عليه‪.‬‬
‫ٍّ‬

‫فلهذا قالوا‪ :‬أن ﴿وجاء ر ُّبك وا ْمللك ص ًفا ص ًفا [الفجر‪ ]22:‬هذه حال‪ ،‬مثل‪( :‬ادخلوا‬
‫ا‬
‫أوال)‪ ،‬أو (ادخلوا اثنني اثنني)‪ ،‬يعني جاوا مصطفني‪.‬‬
‫وأما ﴿دكًا دكًا [الفجر‪ ]21:‬فهي يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ك َّال إِذا دك ِ‬
‫َّت األ ْرض دكًا‬
‫أيضا أن ﴿دكًا دكًا [الفجر‪ ]21:‬حال مركَّبة؛ ألن دكًا الثانية ال‬
‫دكًا [الفجر‪ ]21:‬فريى ا‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪495‬‬

‫يستغنى عنها‪ ،‬فاملعنى عىل ذلك‪ :‬أن األرض دكَّت دكًا بعد ٍّ‬
‫دك‪ ،‬ومل تدك د َّك اة واحدة‪ ،‬وهذا‬
‫خالف ما عليه مجهور املعربني إذ يرون أن دكًا الثانية هنا توكيدٌ لفظي‪.‬‬

‫أيضا يرى أن دكًا الثانية توكيدٌ لفظي‪ ،‬وهذا‬ ‫حتى ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬يف [مغني اللبيب] ا‬
‫َّت األ ْرض‬ ‫الواضح من معنى اآلية؛ ألنه يمكن االستغناء عن دكًا الثانية فيقال‪﴿ :‬ك َّال إِذا دك ِ‬

‫اجلبال فدكَّتا د َّك اة‬ ‫ت األ ْرض و ِْ‬ ‫دكًا [الفجر‪ ]21:‬كَم يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ومحِل ِ‬

‫دك واحد‪ ،‬وليس دكًا بعد ٍّ‬


‫دك كَم يف ﴿ص ًفا‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ هو ٌّ‬ ‫و ِ‬
‫احد اة [احلاقة‪ ]14:‬فالدَّ ك‬
‫ص ًفا [الفجر‪.]22:‬‬

‫‪ ‬ثم قال ابن هشام يف النوع الثان من التوكيد؛ وهو‪ :‬التوكيد املعنوي‪:‬‬

‫ان عىل (أ ْفع ِل) مع غ ْ ِري‬ ‫اجتمعتا‪ ،‬وجيمع ِ‬ ‫ني مؤ َّخر اة عنْها إِ ِن ْ‬ ‫س والع ْ ِ‬ ‫وي‪ ،‬وهو بِال َّن ْف ِ‬ ‫"أ ْو م ْعن ٌ‬
‫امل ْفر ِد‪ ،‬وبِـ (ك ٍل) لِغ ْ ِري مثنَّى إِ ْن جت َّزأ بِن ْف ِس ِه أ ْو بِع ِاملِ ِه‪ ،‬وبِـ (كِال وكِ ْلتا) له إِ ْن ص َّح وقوع امل ْفر ِد‬
‫مج ِع ِهَم) غ ْري مضاف ٍة"‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫م ْوقعه واحتد م ْعنى امل ْسند‪ ،‬ويض ْفن لضم ِري املؤكَّد‪ ،‬وبِـ (أ ْمجع و ْ‬
‫مجعاء و ْ‬
‫ِ‬

‫ٍ‬
‫بألفاظ معينة‪ ،‬وهي‪ :‬النفس‪ ،‬والعني‪ ،‬وكل‪ ،‬وكال‪ ،‬وكلتا‪،‬‬ ‫فذكر أن التوكيد املعنوي يكون‬
‫وأمجع‪ ،‬فهذه ستة ألفاظ‪ ،‬وبقي ٌ‬
‫لفظ سابع مل يذكره وهو‪ :‬مجيع‪ ،‬وهو يف حكم كل؛ فالتوكيد‬
‫واستقصاء‪.‬‬
‫ا‬ ‫سَمعا‬
‫املعنوي يكون هبذه األلفاظ السبعة ا‬

‫أما التوكيد بــ (النفس والعني) فيكون للمفرد وللمثنَّى وللجمع؛‬


‫فيفرد مع املفرد (جاء ُممدٌ نفسه)‪ ،‬و(أكرمت ُممدا ا نفسه)‪ ،‬و(س َّلمت عىل ٍ‬
‫ُممد نفسه)‪.‬‬

‫الطالب‬ ‫ِ‬
‫الطالبان أنفسهَم)‪ ،‬و(جاء َّ‬ ‫وجيمعان عىل (أفعل) مع امل َّثنى واجلمع‪ ،‬فيقال‪( :‬جاء‬
‫الطالب ِ‬
‫أنفسهم)؛ أي أنه ال جيمع عىل‬ ‫أنفسهم)‪ ،‬و(أكرمت الطالب أنفسهم)‪ ،‬و(س َّلمت عىل َّ‬
‫الطالب أعينهم)‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬
‫الطالبان أعينهَم)‪ ،‬و( َّ‬ ‫(فعول)‪ :‬نفس ونفوس‪ ،‬كذلك يف العني‪( :‬جاء‬
‫‪496‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫جيمع عىل عيون؛ ألن املراد بالعني والنفس ما يؤكَّد به‪ ،‬وال يراد بالنفس التي داخل اإلنسان‪ ،‬أو‬
‫العني التي يف الرأس‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬ما فائدة التوكيد بالنفس والعني؟ فـ (جاء ُممدٌ وجاء ُممدٌ نفسه) يدالن عىل‬
‫إمجايل واحد وهو جميء ُممد‪ ،‬فالفائدة دفع االحتَمل عن الذات‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫معناى‬

‫فأنت إذا قلت‪( :‬طلب مني األمري كذا وكذا) طيب هو األمري نفسه هو الذي ك َّلمك وطلب‬
‫سواء األمري‬
‫ا‬ ‫منك ذلك‪ ،‬أو أرسل إليك من طلب منك ذلك؟ يعني يمكن أن تقول هذه العبارة‬
‫ا‬
‫رسوال‪.‬‬ ‫نفسه الذي ك َّلمك‪ ،‬أو أرسل إليك‬

‫لكن لو قلت‪( :‬طلب األمري نفسه مني ذلك) تأكدنا أن الذي ك َّلمك هو األمري بذاته‪ ،‬رفع‬
‫االحتَمل عن الذات‪ ،‬فلهذا ما يستعمل التوكيد بالنفس والعني إال ملثل هذه املعان؛ لدفع‬
‫االلتباس عن الذات‪.‬‬

‫تؤخر التوكيد بالعني‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫ٍ‬


‫وحينئذ ي‬ ‫وجيوز اجلمع بني التوكيد بالنفس والتوكيد بالعني‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ من التوكيد بالعني بعد‬ ‫(جاء ُممدٌ نفسه عينه)‪ ،‬و(قرأت الكتاب نفسه عينه)‪ ،‬والغرض‬
‫النفس هو تقوية التأكيد‪ ،‬ليس التوكيد‪ ،‬تقوية التوكيد‪.‬‬

‫سواء كان مج اعا له أفراد‪ ،‬أو‬


‫ٌ‬ ‫وأما التوكيد بـ (ك ٍّل) ومثله التوكيد بـ (مجيع)‪ :‬فلَِم له أجزاء‪،‬‬
‫كان مفر ادا له أجزاء؛‬

‫الطالب كلهم)‪ ،‬و(جاء َّ‬


‫الطالب مجيعهم)‪.‬‬ ‫‪ -‬فاجلمع الذي له أفراد واضح؛ كـ (جاء َّ‬

‫‪ -‬واملفرد الذي له أجزاء؛ كـ (الكتاب) تقول‪( :‬قرأت الكتاب ك َّله) و(قرأت الكتاب‬
‫مجيعه)‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪497‬‬

‫فقولنا‪( :‬له أجزاء) خي ِرج املثنَّى‪ ،‬فاملثنَّى له جزءان‪ ،‬وخيرج املفرد الذي ليس له أجزاء؛ كـ‬
‫(جاء زيدٌ ك ُّله) واجلزء هو الذي يمكن أن ينفصل عن الكل‪.‬‬

‫الطالب كلهم)‪ ،‬أو (جاء َّ‬


‫الطالب مجيعهم)؟‬ ‫وفائدته‪ :‬ما الفائدة من التوكيد بـ (كل)؛ (جاء َّ‬

‫َّ‬
‫الطالب) (احلمد َّلل هذه السنة نجح‬ ‫توهم اخلصوص‪ ،‬لو قلت‪( :‬نجح‬
‫الفائدة‪ :‬رفع ُّ‬
‫الطالب) هل تريد مجيع َّ‬
‫الطالب وال أغلب الطالب ومل يرسب إال قليل؟ قد تريد ذلك وقد‬ ‫َّ‬
‫توهم اخلصوص‪ ،‬أنك‬ ‫ٍ‬ ‫تريد ذلك‪ ،‬فإذا قلت‪( :‬نجح َّ‬
‫الطالب كلهم أو مجيعهم) حينئذ رفعت ُّ‬
‫ختص األكثرية واألقل َّية ليس هلا حكم‪.‬‬

‫وقوله ابن هشام‪( :‬إِ ْن جتزَّ أ بِن ْف ِس ِه أ ْو بِع ِاملِ ِه) يعني‪:‬‬

‫‪ -‬إن جتزأ هذا املفرد بنفسه؛ يعني له أجزاء؛ كـ (قرأت الكتاب ك َّله) جتزَّ أ بنفسه‪ ،‬نفس‬
‫الكتاب له أجزاء أبواب وفصول‪.‬‬
‫ِ‬
‫العامل وهو‬ ‫‪ -‬وإن جتزأ بعامله يقولون نحو‪( :‬اشرتيت اجلمل ك َّله) ما الذي له أجزاء؟‬
‫الفعل اشرتى‪ ،‬فإن االشرتاء قد يكون بدفع الثمن ك يله‪ ،‬وقد يكون بدفع بعض الثمن‪ ،‬فإذا‬
‫أردت أن ت يبني أنك دفعت املبلغ ك َّله تقول‪( :‬اشرتيت اجلمل ك َّله) فالتج ُّزؤ هنا صار يف الفعل يف‬
‫العامل يف الرشاء‪ ،‬وهذا قد يطلبه املعنى‪.‬‬

‫وأما التوكيد بـ (كال وكلتا) فواضح أنه يؤكَّد هبم املثنَّى؛ كقولك‪( :‬جاء الزيدان كالمها)‪،‬‬
‫و(جاءت اهلندان كلتامها) لكن يشرتط التوكيد هبَم َشطان ذكرمها ابن هشام؛‬

‫صحة حلول الواحد ُم َّلهَم‪ ،‬يصح أن حيِل الواحد ُم َّلهَم‪ ،‬فال يصح أن‬
‫فالرشط األول‪َّ :‬‬
‫صحة (اختصم زيدٌ )‪ ،‬لو قلت‪( :‬اختصم الزيدان)‬
‫تقول‪( :‬اختصم الزيدان كالمها) لعدم َّ‬
‫حيل املفرد ُم َّله‪ ،‬فتقول‪( :‬اختصم زيدٌ )؟ ال‬
‫فالزيدان مثنَّى‪ ،‬لكن هل الزيدان هنا يصح أن َّ‬
‫‪498‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫يصح‪ ،‬فلهذا ال تؤكيد الزيدان هنا؛ ألن االختصام ا‬


‫أصال ال يكون إال من طرفني‪ ،‬والتأكيد بكال‬
‫وكلتا للتأكيد عىل أهنَم اثنان؛ فقولك‪( :‬اختصَم) بلفظه يدل عىل أهنَم اثنان فال حاجة للتوكيد‪.‬‬

‫بخالف‪( :‬ذهب ُممد وزيدٌ كالمها) فإن الذهاب قد يكون من واحد‪ ،‬وقد يكون من اثنني؛‬
‫فإذا قلت‪( :‬ذهب ُممدٌ وزيدٌ ) كالمها ذهب وال واحد ذهب؟ قد حيتمل ذلك‪ ،‬فإذا قلت‪:‬‬
‫(كالمها) أكَّدت عىل أن الفعل حدث منهَم مجي اعا؛ ألنه يف اللغة قد تعطِف شيئاا عىل يشء مع أن‬
‫ٍ‬
‫بيشء مل يفعله اآلخر‪.‬‬ ‫أحدمها قد اختص عن اآلخر‬

‫كَم يف اآلية السابقة‪﴿ :‬وجاء ر ُّبك وا ْمللك ص ًفا ص ًفا [الفجر‪﴿ ]22:‬ر ُّبك‬
‫وا ْمللك [الفجر‪ ]22:‬اشرتكا يف املجيء؛ يعني جاء ر ُّبك وجاءت املالئكة‪ ،‬لكن ﴿ص ًفا‬
‫حال من املعطوف واملعطوف عليه‪ ،‬أم ٌ‬
‫حال من املعطوف فقط‬ ‫ص ًفا [الفجر‪ ]22:‬هذه حال‪ٌ ،‬‬
‫املالئكة؟ ٌ‬
‫حال من املعطوف املالئكة فقط‪ ،‬فهنا ال يعني أنك إذا عطفت شيئاا عىل يشء أهنَم‬
‫التوهم‬
‫ُّ‬ ‫يشء من هذا‬
‫مشرتكان يف كل يشء‪ ،‬فقد يستقل أحدمها عن اآلخر بيشء‪ ،‬فإذا حدث ٌ‬
‫وأردت أن ترفعه تؤكيد بـ (كال)‪.‬‬

‫فتقول‪( :‬نجح ُممدٌ وزيدٌ ) أكيد كالمها وال واحد؟ ال كالمها‪ ،‬فأكَّدت التثنية‪.‬‬

‫والرشط الثان يف التوكيد بـ (كال وكلتا)‪ :‬قال‪ :‬احتاد املسند إليهَم ال اختالفه‪.‬‬

‫(ذهب ُممدٌ وزيدٌ ) الذي أسندته إىل األول الذهاب‪ ،‬والذي أسندته إىل الثان الذهاب‪،‬‬
‫املسند إليه الذهاب متَّحد واحد‪.‬‬

‫لكن لو قلت‪( :‬ذهب ُممدٌ وعاد خالدٌ ) ما تقول‪ :‬كالمها؛ ألن املسند وهو الذهاب واملجيء‬
‫خمتلف‪ ،‬وهنا يشرتط َّاحتاد املسند إىل املؤكَّد بـ (كال وكلتا)‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪499‬‬

‫‪ ‬ثم ذكر ابن هشام أنه يشرتط يف التوكيد بكل ما سبق؛ يعني‪( :‬بالنفس‪ ،‬والعني‪ ،‬وكال‪،‬‬
‫بضمري يعود إىل املؤكَّد فقال‪( :‬ويض ْفن لِض ِم ِري املؤك َِّد) بخالف‬
‫ٍ‬ ‫وكلتا‪ ،‬وكذلك مجيع) اتَّصاله‬
‫التوكيد باللفظ األخري وهو‪( :‬أمجع) ومجعه (أمجعون) وكذلك مؤنثه (مجعاء)‪ ،‬ومجع املؤنَّث‬
‫(مجع ومجعاوات) فهذا يؤكد هبا ولكنها ال تضاف‪ ،‬ال تضاف إىل ضمري املؤكد‪.‬‬

‫أيضا؛ فتقول‪( :‬قرأت الكتاب أمجع)‪ ،‬و(قرأت املج َّلة مجعاء)‪ ،‬و(جاء‬
‫ويؤكد هبا ما له أجزاء ا‬
‫الطالب أمجعون)‪ ،‬و(جاءت الطالبات مجع)‪،‬‬ ‫اجليش أمجع)‪ ،‬و(جاءت القبيلة مجعاء)‪ ،‬و(جاء َّ‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬أل ْغ ِوينَّه ْم أ ْمج ِعني [احلجر‪ ،]39:‬وقال‪﴿ :‬وإِ َّن جهنَّم مل ْو ِعده ْم‬
‫أ ْمج ِعني [احلجر‪.]43:‬‬

‫وترصفاهتا أهنا تكون بعد التوكيد بكل؛ كأن تقول‪( :‬جاء‬ ‫ُّ‬ ‫واألكثر يف التوكيد بـ(أمجع)‬
‫الطالب كلهم أمجعون)‪ ،‬كَم قال تعاىل‪﴿ :‬فسجد ا ْملالئِكة ك ُّله ْم أ ْمجعون [ص‪ ]73:‬فك َّلهم‬‫َّ‬
‫توكيد أول‪ ،‬وأمجعون‪ :‬توكيد ٍ‬
‫ثان‪.‬‬

‫‪ ‬ثم قال ابن هشام‪:‬‬


‫الف النُّع ِ‬
‫وت ال جيوز أ ْن تتعاطف"‬ ‫خ ِ‬ ‫"و ِهي بِ ِ‬

‫فيجوز يف النعوت إذا تعدَّ دت التعاطف وعدم التعاطف‪.‬‬

‫إذا قلت‪( :‬جاء زيدٌ الكاتب الشاعر) فلك أال تعطِف عىل أصل النعت (جاء زيدٌ الكاتب)‬
‫ثان‪ ،‬وجيوز أن تعطِف (جاء زيدٌ الكاتب والشاعر) فالكاتب نعت‪،‬‬
‫نعت ٍ‬
‫نعت أول‪( ،‬الشاعر) ٌ‬
‫والشاعر معطوف عىل النعت‪.‬‬
‫‪500‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫قال تعاىل‪﴿ :‬س يبحِ ْاسم ر يبك األ ْعىل * ا َّل ِذي خلق فس َّوى [األعىل‪ ]2-1 :‬الذي ٌ‬
‫نعت‬
‫لر يبك‪﴿ ،‬س يبحِ ْاسم ر يبك األ ْعىل * ا َّل ِذي خلق فس َّوى ‪﴿ ،‬وا َّل ِذي قدَّ ر فهدى [األعىل‪]3:‬‬
‫نعت ثالث ولكنه عطف‪.‬‬ ‫ثان ولكنه عطف‪﴿ ،‬وا َّل ِذي أ ْخرج ا ْمل ْرعى [األعىل‪ٌ ]4:‬‬‫نعت ٍ‬
‫ٌ‬

‫اء بِن ِمي ٍم * منَّا ٍع لِ ْلخ ْ ِري م ْعت ٍد‬


‫از م َّش ٍ‬
‫مه ٍ‬ ‫وقال تعاىل‪﴿ :‬وال تطِع ك َّل ح َّال ٍ‬
‫ف م ِه ٍ‬
‫ني * َّ‬ ‫ْ‬
‫أثِي ٍم [القلم‪ ]12-10 :‬هذه نعوت مل تعطف‪ ،‬ولو عطِفت لصح‪.‬‬

‫أما املؤكيدات فإهنا إذا تعددت ال جيوز فيها التعاطف‪ ،‬ال تقول‪( :‬جاء زيدٌ نفسه وعينه)‪،‬‬
‫الكالب كلهم وأمجعون) بل تقول‪( :‬جاء زيدٌ نفسه عينه) و(جاء َّ‬
‫الطالب كلهم‬ ‫و(جاء َّ‬
‫أمجعون)؛ ألن ألفاظ التوكيد بمعناى واحد‪ ،‬وال يعطف اليشء عىل نفسه‪ ،‬بخالف النعوت‬
‫حينئذ أن تعطِف‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫فالشاعر يف املعنى غري الكاتب يف املعنى‪ ،‬فيمكن‬

‫‪ ‬ثم قال ابن هشام‪:‬‬

‫"وال أ ْن يتْب ْعن نكِرةا‪ ،‬وندر‪ :‬يا ل ْيت ِعدَّ ة ح ْو ٍل ك يل ِه رجب"‪.‬‬

‫خاص باملعارف‪ ،‬وال يصح توكيد النكرة؛ ألن ألفاظ‬


‫ٌّ‬ ‫فذكر ابن هشام أن التوكيد املعنوي‬
‫التوكيد معارف‪ ،‬قلنا‪ :‬جيب فيها مجي اعا أن تضاف إىل ضمري يعود إىل املؤكَّد‪ ،‬فهي معرفة‬
‫باإلضافة‪ ،‬حتى (أمجع) التي ال يشرتط فيها اإلضافة هي مضافة يف التقدير يف املعنى‪ ،‬فلهذا‬
‫حكم عىل قول الشاعر بالشذوذ‪ ،‬وهو قوله‪:‬‬
‫يا ليت ِعدَّ ة حـو ٍل ك يل ِ‬
‫ـه رجـب‬ ‫لكنَّه شـاقه أن قيـل ذا رجـب‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ٍ‬
‫حول النكرة بك يله‪ ،‬وهذا مذهب البرصيني‪.‬‬ ‫(يا ل ْيت ِعدَّ ة ح ْو ٍل ك يل ِه) فأكَّد‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪501‬‬

‫وأما الكوفيون فأجازوا توكيد النكرة مطل اقا‪ ،‬وال َّ‬


‫شك أن قوهلم ضعيف؛ لعدم الفائدة يف‬
‫ماال) و(أنفقت ا‬
‫ماال ك َّله)؟‬ ‫ماال ك َّله)‪ ،‬ما الفرق بني (أنفقت ا‬ ‫ٍ‬
‫أمثلة كثرية؛ كأن تقول (أنفقت ا‬
‫ماال) و(أنفقت ا‬
‫ماال ك َّله)‪.‬‬ ‫أيضا املال غري ُمدَّ د لكي ِ‬
‫نعرف الفرق بني (أنفقت ا‬ ‫ا‬

‫كثري من املحققني املتأخرين فأجازوا توكيد النكرة برشطني كالمها يعود إىل حتقيق‬
‫وتوسط ٌ‬
‫َّ‬
‫الفائدة؛‬

‫فالرشط األول‪ :‬أن تكون النكرة ُمدودة‪ ،‬هلا حدود؛ كـ (يوم‪ ،‬أسبوع‪ ،‬مائة‪ ،‬درهم)‪.‬‬

‫والرشط الثان‪ :‬كون التوكيد من ألفاظ اإلحاطة؛ يعني (كل ومجيع وأمجع)‪.‬‬

‫أسبوعا ك َّله) لوجود الفائدة؛ ألنه حيتمل أن تقول‪( :‬سافرت‬


‫ا‬ ‫فلهذا جيوز أن تقول‪( :‬سافرت‬
‫أسبوعا) وأنت سافرت ستة أيام ا‬
‫مثال‪ ،‬أو ثَمنية أيام‪ ،‬فإذا قلت‪( :‬سافرت أسبو اعا ك َّله) عرفنا‬ ‫ا‬
‫أنك أكملت األسبوع‪ ،‬أو (أريد مئ اة مجيعها) يعني ال تنقص عن ذلك‪ ،‬بخالف‪( :‬سافرت زمناا‬
‫قلَم مجيعه) فهذا ال جيوز لعدم الفائدة لتخ ُّلف الرشطني‪.‬‬
‫كله)‪ ،‬أو (أريد ا‬
‫أيضا األحكام النحوية‬
‫فبقي لنا من التوابع‪ :‬عطف البيان‪ ،‬وعطف النسق‪ ،‬والبدل‪ ،‬وبقي لنا ا‬
‫والتعجب‪ ،‬والقطع‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫املتفرقة التي ذكرها ابن هشام يف آخر القطر‪ ،‬وهي‪ :‬العدد‪ ،‬وموانع الرصف‬
‫ي‬
‫والوقف‪ ،‬وكتابة األلف املتطرفة‪ ،‬ومهزة الوصل‪.‬‬

‫هذه إن شاء اَّلل سنحاول أن نأيت عليها مجي اعا يف الدرس القادم لنختم هذا الرشح إن شاء اَّلل‬
‫يف الدرس القادم‪ ،‬أعاننا اَّلل وإياكم‪ ،‬وو َّفقنا وإياكم ملا حيبه ويرضاه‪ ،‬واَّلل أعلم‪ ،‬و َّ‬
‫صىل اَّلل‬
‫وس َّلم عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله وأصحابه أمجعني‪.‬‬
‫‪502‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫الدرس الثالث عرش‬

‫بسم اَّلل الرمحن الرحيم‬

‫احلمد َّلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله وأصحابه أمجعني‪ ،‬أما‬
‫بعد‪...‬‬

‫فسالم اَّلل عليكم ورمحته وبركاته‪ ،‬وح َّياكم اَّلل وب َّياكم يف هذه الليلة املباركة يف هذا الدرس‪:‬‬
‫الصدى] البن هشا ٍم‬ ‫"الثالث عرش"‪ ،‬وهو الدرس األخري من دروس َشح [قطر الندى ي‬
‫وبل َّ‬
‫األنصاري ‪-‬عليه رمحة اَّلل‪ ،-‬ونحن يف ليلة األربعاء‪ ،‬التاسع من شهر شعبان‪ ،‬من سنة تس ٍع‬
‫ٍ‬
‫وأربعَمئة وألف‪ ،‬ونحن يف جامع منرية شبييل يف حي الفالح يف مدينة الرياض‪.‬‬ ‫وثالثني‬

‫وقد ذكرنا يف الدرس املايض بقية الكالم عىل األسَمء العاملة عمل فعلها‪ ،‬ثم بدأنا بالكالم‬
‫عىل التوابع التي ذكر ابن هشام أهنا مخسة‪ ،‬وقد قرأنا وَشحنا التابعني األوليني ومها‪ :‬النعت‬
‫والتوكيد‪ ،‬ويف هذه الليلة بإذن اَّلل تعاىل سنتك َّلم عىل بقية التوابع؛ وهي‪ :‬عطف البيان‪ ،‬وعطف‬
‫النسق‪ ،‬والبدل‪.‬‬

‫املتفرقة التي ذكرها ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬يف آخر [قطر‬
‫ثم نتك َّلم عىل بقية األحكام النحوية ي‬
‫املتطرفة‪ ،‬ومهزة‬
‫ي‬ ‫والتعجب‪ ،‬والو ْقف‪ ،‬وكتابة األلف‬
‫ُّ‬ ‫الندى]‪ ،‬وهي‪ :‬العدد‪ ،‬وموانع الرصف‪،‬‬
‫الوسط‪ ،‬فنستعني باَّلل ونبدأ ببقية التوابع؛ فقد َشحنا يف الدرس املايض التابع األول‪ :‬وهو‬
‫النعت‪ ،‬والتابع الثان‪ :‬وهو التوكيد‪.‬‬

‫‪ ‬أما التابع الثالث‪ :‬فهو عطف البيان‪ ،‬وفيه يقول ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬

‫ابع مو يض ٌح‪ ،‬أ ْو خم يص ٌص ج ِامدٌ غ ْري مؤ َّو ٍل"‪.‬‬ ‫"وع ْطف البي ِ‬
‫ان‪ ،‬وهو ت ٌ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪503‬‬

‫فعطف البيان كَم َّبني ابن هشام الغرض منه ‪-‬الفائدة منه‪:-‬‬

‫حب عمر الفاروق)‪.‬‬


‫‪ -‬توضيح املعرفة؛ كقولك‪( :‬أ ُّ‬

‫خاتم حديدٌ )‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫‪ -‬وختصيص النكرة؛ كقولك‪( :‬هذا‬

‫فظهر من ذلك أن عطف البيان يف فائدته وغرضه يشبه ماذا من التوابع؟ ما التابع الذي‬
‫ي‬
‫يوضح املعرفة وخي يصص النكرة؟ النعت‪ ،‬سبق يف فائدة النعت والغرض من النعت‪:‬‬
‫ِ‬
‫العامل)‪.‬‬ ‫‪ -‬أن النعت للمعرفة يوضحها؛ (جاء ُممدٌ‬
‫رجل ِ‬
‫عاملٌ)‪.‬‬ ‫‪ -‬والنعت للنكرة خي يصصها؛ كـ (جاء ٌ‬

‫وكذلك يف عطف البيان؛‬

‫حب عمر) طيب عمر قد يشتبه‬


‫‪ -‬فعطف البيان مع املعرفة لتوضيحها؛ كقولك‪( :‬أ ُّ‬
‫ي‬
‫فتوضح املراد بعمرو بقولك‪( :‬الفاروق)‪ ،‬فاتضح بذلك عمر الذي‬ ‫ويلتبس بغريه‪،‬‬
‫أنت حت ُّبه‪.‬‬

‫أيضا متعدَّ دة‪ ،‬خاتم اسم شائع يف‬


‫خاتم) طيب اخلواتم ا‬
‫ٌ‬ ‫‪ -‬وكقولك يف النكرة‪( :‬هذا‬
‫جنس اخلواتم‪ ،‬خت يصص هذه النكرة بقولك‪( :‬حديدٌ ) نعم ما َّ‬
‫وضحتها‪ ،‬ما ع َّينت هذا‬
‫خاتم حديدٌ ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫اخلاتم لكنك ض َّيقت التنكري بأنه‬
‫ٍ‬
‫وصديد‬ ‫يد [إبراهيم‪ٍ ]16:‬‬
‫فَمء هذا نكرة‪،‬‬ ‫اء ص ِد ٍ‬
‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬ويسقى ِمن م ٍ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫مؤول؛ ألن الصديد كَم تعرفون هو املاء الذي خيرج من‬ ‫ٍ‬
‫نعت بجامد غري َّ‬
‫كالنعت ملاء إال أنه ٌ‬
‫اجلروح‪ ،‬وهذا املاء الذي خيرج من اجلروح ذات؛ يعني أن كلمة صديد جامد‪ ،‬وليس مش َّت اقا‬
‫وص افا‪ ،‬مثل‪ :‬كريم‪َ ،‬شيف‪ ،‬وإنَم صديد هذا اسم لذات فهو جامد إال أن هذا االسم اجلامد‬
‫أفاد فائدة النعت بتخصيص النكرة‪.‬‬
‫‪504‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬
‫ٍ‬
‫بوصف‬ ‫فلهذا يقولون‪ :‬إن عطف البيان هو النعت بجامد؛ ألن النعت كَم سبق ال يكون إال‬
‫فشجاعا نعت؛ ألنه مشتق من‬ ‫شجاعا)‬ ‫مؤو ٍل بمشتق‪ ،‬إذا قلت‪( :‬رأيت رج اال‬ ‫ٍ‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫أو بجامد َّ‬
‫رجال أسدا ا) فأسدا ا نعت؛ ألنه وإن كان جامد‪ ،‬معنى جامد‬ ‫الشجاعة‪ ،‬وكذلك لو قلت‪( :‬رأيت ا‬
‫أنه يدل عىل ذات‪ ،‬يشء ُمسوس‪ ،‬لكنك ال تريد بقولك‪( :‬أسدا ا) األسد الذي له لِبد‪ ،‬وإنَم تريد‬
‫شجاعا‪.‬‬
‫ا‬ ‫بقولك‪( :‬أسدا ا)‬

‫مؤول بمشتق؛ يعني الذي يراد به االسم املشتق‬


‫إذن فكلمة (أسد) هنا اسم جامد لكنه َّ‬
‫مؤو ٍل بمشتق فهذا هو عطف البيان؛ كقولك‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫شجاع‪ ،‬فهذا نعت‪ ،‬أما إذا نعت بجامد غري َّ‬
‫ٍ‬
‫خالد) ُممد هذا‬ ‫(جاء ُممدٌ ) ثم أردت أن ي‬
‫توضح ُممدا ا هذا من هو‪ ،‬فقلت‪( :‬جاء ُممدٌ أبو‬
‫يضا هذه الذات‪ ،‬فمحمد وأبو خالد كالمها جامد‪ ،‬واألعالم‬
‫الرجل‪ ،‬هذه الذات‪ ،‬وأبو خالد أ ا‬
‫سواء كان‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫كلها بجميع أنواعها جوامد‪ ،‬األعالم‬

‫‪ -‬كنية؛ أبو فالن‪.‬‬

‫‪ -‬أو كان لق ابا؛ كـ (الفاروق‪ ،‬والصدي يق‪ ،‬والرشيد)‪.‬‬

‫اسَم عل اَم؛ كـ (ُممد‪ ،‬وخالد‪ ،‬وعبد اَّلل)‪.‬‬


‫‪ -‬أو كان ا‬
‫ٍ‬
‫خالد) أو‬ ‫ٍ‬
‫خالد) وأردت بقولك‪( :‬أبو‬ ‫فاألعالم كلها جوامد‪ ،‬فإذا قلت‪( :‬جاء ُممدٌ أبو‬
‫وضحته‪ ،‬لكن َّ‬
‫وضحته‬ ‫توضح ُممد هذا من هو‪ ،‬فكأنك نعتت ُممدا ا بأنه أبو خالد‪ ،‬إذن َّ‬
‫ي‬
‫نعت بجامد‪.‬‬
‫وضحته بجامد فصار عطف بيان‪ ،‬فعطف البيان ٌ‬
‫َّ‬ ‫بمشتق‪ ،‬أم َّ‬
‫وضحته بجامد؟‬

‫خشب)‪ ،‬أو‬
‫ٌ‬ ‫باب‬ ‫قوي أو ٌ‬
‫مجيل) فهذا نعت‪ ،‬وإذا قلت‪( :‬هذا ٌ‬ ‫كبري أو ٌّ‬
‫باب ٌ‬‫وإذا قلت‪( :‬هذا ٌ‬
‫حاس) فإن اخلشب واحلديد والنحاس أسَمء جامدة أو‬
‫باب ن ٌ‬
‫باب حديدٌ )‪ ،‬أو (هذا ٌ‬
‫(هذا ٌ‬
‫مشتَّقة؟ جامدة؛ ألهنا تدل عىل ذوات‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪505‬‬

‫خشب)؟ كفائدة النعت‪ ،‬يعني وصفت الباب بأنه خشب‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫باب‬
‫طيب‪ :‬ما فائدة قولك‪( :‬هذا ٌ‬
‫ولكنك وصفته بمشتق أو بجامد؟ بجام ٍد غري مؤول‪ ،‬فنقول‪ :‬عطف بيان‪ ،‬فعطف البيان هو‬
‫املؤول‪.‬‬
‫النعت باجلامد غري َّ‬

‫ابع مو يض ٌح‪ ،‬أ ْو خم يص ٌص) يعني نعت‪ ،‬لكنه (ج ِامدٌ‬ ‫فلهذا قال ابن هشام‪( :‬ع ْطف البي ِ‬
‫ان‪ ،‬وهو ت ٌ‬
‫غ ْري مؤ َّو ٍل)؛ يعني هو النعت باجلامد‪ ،‬فالفرق بني النعت وبني عطف البيان‪:‬‬

‫‪ -‬أن النعت يكون باملشتق أو باجلامد املراد به مشتق‪.‬‬

‫املؤول‪.‬‬
‫‪ -‬وأما عطف البيان فهو النعت باجلامد غري َّ‬

‫‪ ‬ثم قال ابن هشا ٍم يف بيان بعض أحكامه‪:‬‬

‫ص عمر)‪ ،‬و(هذا خات ٌم ح ِديدٌ )"‪.‬‬


‫"فيوافِق متْبوعه كـ (أ ْقسم بِاَّللِ أبو ح ْف ٍ‬

‫نعم عطف البيان من التوابع‪ ،‬ثم َّبني هنا أنه يتابع صاحبه‪ ،‬يتابع متبوعه يف كل يشء‪ ،‬فيتابعه‬
‫يف اإلعراب‪ ،‬ويتابعه يف التذكري والتأنيث‪ ،‬والتعريف والتنكري‪ ،‬وغري ذلك؛ كقوله‪:‬‬

‫ــر‬ ‫ــن نق ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أ ْقســم بِــاَّللَّ أبــو ح‬


‫ــب وال دب ْ‬ ‫مــا م َّســها م ْ‬ ‫مــر‬
‫فــص ع ْ‬
‫اللهــم إِن كــان فجــ ْر‬
‫َّ‬ ‫فــاغفر لــه‬
‫عرِب طلب من عمر ‪-‬ر ِيض اَّلل عنْه‪ -‬شيئاا من إبل الصدقة‪ ،‬وا َّدعى أن بعريه مريض‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫هذا‬
‫تستحق شيئاا من الصدقة فقال هذه األبيات‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫فلَم رأى عمر بعريه مل جيد فيه ا‬
‫مرضا وقال‪ :‬إنك ال‬

‫ٍ‬
‫حفص هذا من هو فقال‪:‬‬ ‫فالشاهد يف قوله‪( :‬أ ْقسم بِاَّللَّ أبو ح ٍ‬
‫فص) فاعل‪ ،‬ثم َّ‬
‫وضح أبا‬
‫موضح مشتق؟ جامد؛ ألنه علم‪ ،‬فهو عطف بيان‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫مر)‪ ،‬وعمر هذا ي‬
‫موض ٌح جامد أو‬ ‫(ع ْ‬

‫وكذلك‪( :‬خات ٌم ح ِديدٌ ) وَشحنا ذلك‪.‬‬

‫‪ ‬ثم قال ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬


‫‪506‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬
‫"ويعرب بدل ك ٍل ِمن ك ٍل إِ ْن مل يمتنِع إِحالله ُم َّل األو ِل كقولِ ِه‪( :‬أنا ابن الت ِ ِ‬
‫َّارك البك ِْر ي‬
‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ ْ ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫س ون ْوفال)"‪.‬‬ ‫رش) وق ْولِ ِه‪( :‬أيا أخو ْينا ع ْبد ش ْم ٍ‬ ‫بِ ْ ٍ‬

‫نوعا من أنواع البدل وهو بدل ٍّ‬


‫كل من‬ ‫عطف البيان كَم اتضح من َشحه قبل قليل يشابه ا‬
‫كل‪ ،‬أو البدل املطابق‪ ،‬يشاهبه‪ ،‬ما نقول‪ :‬يطابقه هو هو‪ ،‬نقول‪ :‬يشاهبه‪ ،‬ولكنه يف احلقيقة خيالفه‬
‫حتَم‪ ،‬وقد خيالفه يف اللفظ‪ ،‬وهذا الذي ذكره ابن هشا ٍم هنا‪.‬‬
‫يف املعنى ا‬
‫إذن فعطف البيان قد يشابه بدل كل من كل؛ كقولك‪( :‬جاء ُممدٌ أبو عبد اَّللِ)‪ ،‬أو (أقسم‬
‫حب الفاروق عمر)‪ ،‬فهذه يصح أن‬
‫حب عمر الفاروق)‪ ،‬أو (أ ُّ‬ ‫ٍ‬
‫حفص عمر)‪ ،‬أو (أ ُّ‬ ‫باَّللِ أبو‬
‫يصح نحو ًيا‪ ،‬إال أن املقصود‬
‫ُّ‬ ‫بدال‪ ،‬ويصح أن يكون الثان عطف بيان‪ ،‬يصح يعني‬ ‫يكون الثان ا‬
‫ٍ‬
‫واحد من‬ ‫أحدمها بال شك‪ ،‬ما يمكن أن يقصد املتك يلم كال األمرين م اعا‪ ،‬املتك يلم ما يقصد إال‬
‫االثنني‪ ،‬فن َّية املتك يلم وقصد املتك يلم هو الذي حيدي د اإلعراب املراد‪ ،‬واملعنى املقصود‪.‬‬

‫لكن إذا مل ِ‬
‫نعرف ن َّيته وقصده‪ ،‬نقول‪ :‬من الناحية النحوية‪:‬‬

‫‪ -‬يصح أن يكون ا‬
‫بدال‪ ،‬بدل ٍّ‬
‫كل من كل‪.‬‬

‫‪ -‬ويصح أن يكون عطف بيان‪.‬‬

‫إال أن عطف البيان وبدل كل من كل خيتلفان يف املعنى يعني الفائدة والوظيفة‪ ،‬وقد خيتلفان‬
‫يف اللفظ‪.‬‬

‫أما املخالفة بينهَم يف اللفظ فقد ذكرها ابن هشا ٍم هنا‪ ،‬وخالصتها‪:‬‬

‫‪ -‬أن البدل عىل ن َّية حذف املبدل منه‪.‬‬

‫‪ -‬أو أن البدل عىل ن َّية تكرير العامل‪.‬‬

‫مذهبان للعلَمء‪:‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪507‬‬

‫ٍ‬
‫خالد)‪ ،‬أو (أكلت التفاحة نصفها) كَم سيأيت يف البدل‪ ،‬البدل‬ ‫البدل إذا قلت‪( :‬جاء ُممدٌ أبو‬
‫ٍ‬
‫خالد) املراد منها جاء أبو خالد‪،‬‬ ‫يكون عىل ن َّية حذف املبدل منه؛ يعني قولك‪( :‬جاء ُممدٌ أبو‬
‫(أكلت التفاحة نصفها) املراد أكلت نصف التفاحة‪ ،‬فاملبدل منه عىل ن َّية احلذف‪.‬‬

‫وبعض العلَمء يرى أن البدل ليس عىل ن َّية احلذف ولكنه عىل ن َّية تكرير العامل؛ يعني (جاء‬
‫خالد) يعني جاء ُممدٌ جاء أبو خالد‪( ،‬أكلت التفاحة نصفها) يعني أكلت التفاحة‬ ‫ٍ‬ ‫ُممدٌ أبو‬
‫أكلت نصفها‪.‬‬

‫نعت باجلامد فيأخذ حكم‬


‫وعىل كال األمرين هو خيالف عطف البيان؛ ألن عطف البيان ٌ‬
‫النعت‪ ،‬ولذلك جيوز جوازا ا نحو ًيا ال معنو ًيا إعراب عطف البيان ا‬
‫بدال بدل كل من كل إن جاء‬
‫أن حيل َّ‬
‫ُمل األول‪ ،‬إن جاز أن حيل ُمل املتبوع‪.‬‬

‫كَم يف قولك‪( :‬جاء عمر الفاروق) جيوز أن تضع الفاروق مكان عمر فتقول‪( :‬جاء‬
‫الفاروق) يصح وال ما يصح؟ يصح‪ ،‬إذن الفاروق هنا يصح أن يكون عطف بيان‪ ،‬ويصح أن‬
‫يكون ا‬
‫بدال‪ ،‬بدل كل من كل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫وإن مل يصح أن جتعل الثان َّ‬
‫ُمل األول‪ ،‬ما يصح أن جتعل الثان ُمل األول‪ ،‬فالثان‬
‫الرجل ٍ‬
‫زيد) ُممدٌ ‪ :‬مبتدأ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫عطف بيان‪ ،‬وال يصح أن يكون ا‬
‫بدال؛ كقولك‪ُ( :‬ممدٌ الضارب‬
‫ِ‬
‫الرجل) كيف‬ ‫مضاف إليه جمرور‪ ،‬و(الضارب‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫والرجل‪:‬‬ ‫والضارب‪ :‬خرب املبتدأ وهو مضاف‪،‬‬
‫مجعت اإلضافة؟‬

‫درسنا يف اإلضافة أن (أل) جيوز أن جتامع اإلضافة اللفظية يف ثالثة مواضع‪:‬‬


‫املوضع األول‪ :‬أن يكون املضاف مثناى أو جمموعا؛ كـ (جاء الضارب ٍ‬
‫زيد)‪ ،‬أو (جاء‬ ‫ا‬
‫الضارب ٍ‬
‫زيد)‪.‬‬
‫‪508‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ٍ‬
‫الرجل)‪ ،‬أو (جاء‬ ‫املوضع الثان‪ :‬أن يكون املضاف مقرتناا بـ (أل)؛ كـ (جاء الضارب‬
‫ِ‬
‫الشعر)‪.‬‬ ‫الطويل‬
‫ٍ‬
‫لضمري‪ ،‬هذا الضمري يعود إىل ما فيه (أل)‪،‬‬ ‫واملوضع الثالث‪ :‬أن يكون املضاف مضا افا‬
‫واملوضع الثالث يف احلقيقة يعود إىل املوضع الثان كَم َشحنا ذلك‪.‬‬

‫ِ‬
‫الرجل) كيف جاز جمامعة (أل) لإلضافة؟ ألن اإلضافة لفظية‪،‬‬ ‫فإذا قلنا‪ُ( :‬ممدٌ الضارب‬
‫ٍ‬
‫حينئذ أن جتامع (أل) اإلضافة‪.‬‬ ‫واملضاف إليه الرجل فيه (أل)‪ ،‬فيجوز‬
‫زيد) ٍ‬
‫زيد هنا ي‬
‫موضح للرجل‪ ،‬فلهذا نقول‪ :‬إنه عطف‬ ‫الرجل ٍ‬
‫ِ‬ ‫ثم نأيت إىل ٍ‬
‫زيد (ُممدٌ الضارب‬
‫وضح الرجل‪ ،‬إال أنه َّ‬
‫وضحه بجامد فهو عطف‬ ‫بيان‪ ،‬وال مانع من أن يكون عطف ٍ‬
‫بيان؛ ألنه َّ‬
‫بيان‪.‬‬

‫طيب‪ :‬هل يصح أن يكون ا‬


‫بدال؟ هل يصح أن حي َّل َّ‬
‫ُمل املتبوع؟ هل يصح أن حتذف الرجل‬
‫وتضع مكانه زيد؟ لو فعلنا ذلك كنا نقول‪ُ( :‬ممدٌ الضارب ٍ‬
‫زيد) أليس كذلك؟ وإال هذا‬
‫زيد) إذن ستجامع (أل) اإلضافة لكن يف غري مواضع اجلواز‪ ،‬فلهذا ال يصح‬ ‫جيوز‪( :‬الضارب ٍ‬
‫بدال؛ ألنه ال حيل ُمل األول املتبوع‪ ،‬فهنا جيب أن يكون ٍ‬
‫زيد بياناا‪ ،‬وال يصح أن‬ ‫أن يكون ٍ‬
‫زيد ا‬
‫يكون عطف‪ ،‬وال يصح أن يكون ا‬
‫بدال‪.‬‬

‫ومثل ذلك‪ :‬البيت الذي ذكره ابن هشام‪:‬‬


‫ِ‬ ‫ي بِ ْ ٍ‬ ‫َّــار ِك البك ِ‬
‫أنـا ابن الت ِ‬
‫عل ْيــه ال َّط ْ‬
‫ـــري ت ْرقبـــه وقـــوعا‬ ‫رشـ‬ ‫ْـر ي‬
‫ِ‬
‫والتارك‪:‬‬ ‫برشا البكري‪ ،‬فقال‪ :‬أنا‪ :‬مبتدأ‪ ،‬ابن‪ :‬خربه وهو مضاف‪،‬‬ ‫يفتخر بنفسه أنه قتل ا‬
‫مضاف إليه‪ ،‬تعدُّ د إضافات‪( ،‬الت ِ ِ‬
‫ٍ‬
‫َّـارك البك ِْر ي‬
‫ي)‪ :‬جامعت (أل) اإلضافة‬ ‫والبكري‪:‬‬
‫ي‬ ‫مضاف إليه‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وضح‬ ‫ٍ‬
‫وبرش َّ‬ ‫وهذا جائز؛ ألن اإلضافة لفظية‪ ،‬واملضاف إليه البكري فيه (أل) ما يف مشكلة‪،‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪509‬‬

‫ُمل األول؛ ألنك لو جعلته بد اال‬


‫حيل َّ‬ ‫الكري فهو عطف بيان‪ ،‬وهل يكون ا‬
‫بدال؟ ال؛ ألنه ال ُّ‬
‫برش) فتجامع (أل) اإلضافة يف غري مواضع اجلواز‪.‬‬ ‫ِ‬
‫التارك ٍ‬ ‫لكان تقدير الكالم‪( :‬أنا ابن‬

‫وأيضا مما ال حيل فيه الثان ُمل األول‪ :‬قولك يف [باب النداء]‪( :‬يا عبد اَّلل كرزاا) رجل اسمه‬
‫ا‬
‫عبد اَّلل ولقبه كرز‪ ،‬والكرز‪ :‬هو الوعاء الصغري الذي يضع فيه املسافر أو الراعي شيئاا من‬
‫حاجته‪ ،‬وقد ل يقب به رجل‪.‬‬

‫فإذا قلت‪( :‬يا عبد اَّلل كرزا ا) فيا عبد اَّلل‪ :‬منا ادى واجب النصب؛ ألنه مضاف‪ ،‬واملنادى‬
‫املضاف جيب فيه النصب‪ ،‬فلفظه منصوب وُم ُّله النصب‪ ،‬وك ْرز‪ :‬هذا اللقب إن جعلته ا‬
‫بدال‬
‫فسبق يف باب النداء أن البدل يعامل معاملة املنادى املستقل؛ يعني كأنك كررت أداة النداء‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ فقل‪ :‬يا ك ْرز وال كرزاا‪ ،‬سيقول‪ :‬يا ك ْرز؛ ألنه منا ادى‬ ‫كأنك قلت‪( :‬يا عبد اَّلل يا كرز)‬
‫مفرد معرفة فيجب بناءه عىل الضم‪.‬‬

‫فإذا قلت‪( :‬يا عبد اَّلل ك ْرز) فهذا بدل ال عطف بيان‪.‬‬

‫بدال؛ ألنه لو كان ا‬


‫بدال‬ ‫يصح أن يكون ا‬
‫ُّ‬ ‫وإذا قلت‪( :‬يا عبد اَّلل ك ْرزا ا) فهذا عطف بيان وال‬
‫لوجب فيه البناء عىل الضم‪.‬‬

‫ومن ذلك‪ :‬قول الشاعر الذي ذكره ابن هشام‪:‬‬

‫َشا‬ ‫ِ‬ ‫ـوف اال‬ ‫ـم ٍ‬


‫أعيـــذكَم بـــاَّلل أن حتـــدثا ً‬ ‫س ون ْ‬ ‫أيا أخو ْينا ع ْبد ش ْ‬
‫حر ابا)‪ ،‬فقوله‪( :‬أيا أخو ْينا) هذا منا ادى منصوب ألنه مضاف‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أو (أعيذكَم باَّلل أن حتدثا ْ‬
‫فلفظه النصب وُم ُّله النصب‪ ،‬ثم قال‪( :‬ع ْبد ش ْم ٍ‬
‫س) أيا أخوينا وضحهَم‪ ،‬من أخوينا؟ عبد‬
‫شمس ونوفل‪ ،‬فقد (أيا أخو ْينا ع ْبد ش ْم ٍ‬
‫س) هل هذا بدل من أخوينا أم عطف بيان؟ ننظر؛‬
‫‪510‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫لو كان ا‬
‫بدال سبق يف باب النداء أن البدل يعامل معاملة املنادى املستقل‪ ،‬فعىل ذلك كان جيب‬
‫عىل الشاعر أن يقول لو جعله ا‬
‫بدال‪( :‬أيا أخوينا يا عبد شمس ويا نوفل)؛ ألن نوفل‪ :‬منا ادى‬
‫مفرد معرفة فيجب بناءه عىل الضم‪ ،‬ولكن الشاعر قال‪ :‬ا‬
‫نوفال بالنصب فجعله كالنعت‪ ،‬وسبق‬
‫أن النعت وعطف البيان والتوكيد هذه إذا كان املنادى منصو ابا ليس فيها إال النصب؛ ألن ُم َّله‬
‫النصف ولفظه منصوب‪ ،‬فليس فيها إال النصب‪.‬‬

‫تقول‪( :‬يا عبد اَّللِ الفاضل) هنا نصب فقال‪( :‬أيا أخو ْينا ع ْبد ش ْم ٍ‬
‫س ون ْوف اال)؛ ألنك لو‬
‫قلت‪( :‬يا نوفل) فوضعت نوفل ُمل أخوينا مل يستقيم الكالم‪ ،‬ال يصح أن تقول‪( :‬يا ا‬
‫نوفال) بل‬
‫تقول‪( :‬يا نوفل) فهذا هو الفرق اللفظي بني البيان والبدل‪.‬‬

‫وأما الفرق املعنوي فهَم خيتلفان من حيث املعنى يعني من حيث الفائدة والغرض‪ ،‬والوظيفة‬
‫النحوية‪ ،‬وهذا هو األهم‪ ،‬فالبيان‪:‬‬

‫كالنعت يكون املتبوع هو املراد‪ ،‬هو املقصود‪ ،‬هو األساس‪ ،‬والتابع وهو عطف البيان جمرد‬
‫زيادة لتوضيحه أو ختصيصه كالنعت‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ يكون‬ ‫وأما البدل‪ :‬فالبدل كَم سبق َشحه يف النحو‪ ،‬البدل هو املقصود باحلكم‪،‬‬
‫املقصود واملراد التابع أو املتبوع؟ يكون املراد التابع الثان‪ ،‬واملتبوع وهو األول ليس هو املقصود‬
‫يف األساس‪.‬‬

‫واملثال واحد كَم لو قلت‪( :‬جاء ُممدٌ أخي)؛‬

‫يعرف اسم اجلائي ولكنه جيهل عالقته بك‪ِ ،‬‬


‫يعرف أن هذا الرجل اسمه‬ ‫إن كان املخاطب ِ‬
‫ُممد لكن ما ِ‬
‫يعرف عالقته ِب‪ ،‬فقلت له‪( :‬جاء ُممدٌ )‪ ،‬هل فهم ماذا أريد أن أقول له‪ ،‬أم أنه مل‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪511‬‬

‫فهم أن اجلائي من؟ أخي‪ ،‬فأخي‪ :‬بدل؛ ألنه هو‬ ‫ٍ‬


‫حينئذ ِ‬ ‫يفهم حتى أقول‪( :‬جاء ُممدٌ أخي)؟‬
‫املقصود بالكالم‪ ،‬وال يفهم ما أريد أن أقول له حتى أقول‪ :‬أخي‪.‬‬

‫أما عطف البيان‪ :‬لو كان يعلم أن هذا اجلائي أخي‪ ،‬يعلم أن هذا الذي جاء يعلم أنه أخي‬
‫حينئذ عرف اسمه وال ما عرف؟ عرف‪ِ ،‬‬
‫ويعرف‬ ‫ٍ‬ ‫يعرف اسمه‪ ،‬فقلت له‪( :‬جاء ُممدٌ )‬‫لكن ما ِ‬
‫يعرف؟ ِ‬
‫يعرف‪ ،‬إذن عرف املعنيني‪ ،‬ثم أقول‪ :‬أخي‪( ،‬جاء ُممدٌ أخي) أخي هل‬ ‫أنه أخي وال ما ِ‬

‫جمرد زيادة توضيح ملحمد‬ ‫ٍ‬


‫جمرد زيادة توضيح ملحمد؟ َّ‬‫أخربته بيشء مل يكن يعرفه من قبل‪ ،‬أم َّ‬
‫فهذا بيان‪ ،‬بيان زيادة توضيح للمعرفة وختصيص للنكرة‪.‬‬

‫أما البدل عندما يكون التابع هو املقصود‪ ،‬ال ِ‬


‫يعرف املعنى املراد الذي أريد أن أوصله‪ ،‬املعنى‬
‫الذي أريد أن أوصله إليه ال يعرفه حتى أقول هذا التابع‪ ،‬الكلمة الثانية‪.‬‬

‫حب الفاروق عمر) إذا قلت‬


‫حب عمر الفاروق)‪( ،‬أ ُّ‬
‫حب الفاروق عمر)‪ ،‬أو (أ ُّ‬
‫مثال ذلك‪( :‬أ ُّ‬
‫حب الفاروق) هل عرفتم الرجل الذي أح يبه؟ يف الغالب أنكم‬ ‫ٍ‬
‫مكان آخر‪( :‬أ ُّ‬ ‫لكم هنا وال يف أي‬
‫عرفتموه وهو اخلليفة الثان‪ ،‬فإذا قلت بعد ذلك‪( :‬عمر)؟ هذا بيان‪ ،‬فقط زيادة توضيح‬
‫للفاروق عمر‪.‬‬

‫حب‬
‫حب عمر) قلت بني أصحاِب كذا يف الفصل أو يف احلديقة كذا‪( ،‬أ ُّ‬ ‫لكن لو قلت‪( :‬أ ُّ‬
‫عمر) يعني ربَم صديقي عمر‪ ،‬أو اخلليفة الثان عمر‪ ،‬أو ِ‬
‫عامل من العلَمء اسمه عمر‪ ،‬أو داعية‬
‫تعرف من أريد‪ ،‬من ُمبوِب‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ أو ال يلتبس؟ يلتبس‪ ،‬إذن ال ِ‬ ‫اسمه عمر؛ يعني قد يلتبس‬
‫حب الفاروق عمر) إذن فالفاروق هنا هو مربط الفرس‪ ،‬مل‬ ‫حتى أقول بعد ذلك‪( :‬الفاروق) (أ ُّ‬
‫يت َِّضح ُمبوِب حتى أقول‪ :‬الفاروق‪ ،‬إذن فهو بدل وال عطف بيان؟ بدل؛ ألنه مل يعرف املراد إال‬
‫بقول الفاروق‪ ،‬فهذا بدل‪.‬‬
‫‪512‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫لكن لو كنا ا‬
‫مثال نتكلم عن سرية اخلليفة الثان‪ ،‬نتك َّلم عن سريته ثم قلت‪( :‬أ ُّ‬
‫حب عمر)‬
‫حب عمر‬
‫شك أنكم عرفتم من أريد‪ ،‬ثم قلت‪( :‬أ ُّ‬ ‫عرفتم مباَشة من أريد وال ما عرفتم؟ ال َّ‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ الفاروق يف كالمي بيان وال بدل؟ بيان؛ ألنكم عرفتم املراد من األول‪.‬‬ ‫الفاروق)‬

‫إذن فإذا كان املراد األول‪ ،‬إذا ع ِرف املقصود من األول فالثان بيان‪ ،‬وإذا مل يعرف املقصود من‬
‫األول‪ ،‬مل يعرف املقصود إال من الثان فالثان بدل‪.‬‬

‫هذا الفرق من حيث املعنى‪ ،‬فهذا ما يتع َّلق بعطف البيان‪.‬‬

‫‪ ‬لننتقل إىل التابع الرابع؛ وهو‪ :‬عطف النسق‪ ،‬ذكره ابن هشام‪ ،‬وذكر أن أحرف النسق‬
‫تسعة؛ وهي‪ :‬الواو‪ ،‬والفاء‪ ،‬وث َّم‪ ،‬وأو‪ ،‬وحتَّى‪ ،‬وأم‪ ،‬وال‪ ،‬ولكن‪ ،‬وبل‪.‬‬

‫إمجاال‪ ،‬فقال ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬


‫تفصيال ومل يذكرها ا‬
‫ا‬ ‫ذكرها‬

‫وهي مل ِ ْطلق ْ‬
‫اجل ْم ِع"‪.‬‬ ‫"وع ْطف النَّسق بِــ(ا ْلو ِاو)‪ِ ،‬‬

‫ا‬
‫استعَمال‪َّ ،‬بني ابن هشام معناها فقال‪:‬‬ ‫إذن فالواو هي ُّأم أحرف‪ ،‬عطف النسق يعني أكثرها‬
‫إن معناها مطلق اجلمع؛ يعني ال تدل عىل ترتيب‪ ،‬يعني ال تقتضيه‪ ،‬ال تقتضه يعني ال توجبه‪،‬‬
‫قال السريايف‪" :‬أمجعوا عىل أن الواو للجمع دون ترتيب"‪ ،‬ون ِسب إىل بعضهم أن الواو تدل عىل‬
‫الرتتيب‪ ،‬وهذا من األقوال الضعيفة يف النحو‪.‬‬

‫واملعنى كَم قلنا‪ :‬أهنا ال تقتيض الرتتيب‪ ،‬ال تقتيض يعني ال تستلزمه‪ ،‬ال توجبه‪ ،‬ومع ذلك‬
‫ْس‪ :‬شهاد ِة‬ ‫فاألكثر يف كالم العرب أهنم يستعلوهنا مع الرتتيب؛ كحديث‪« :‬بنِي ْ ِ‬
‫اإل ْسالم عىل مخ ٍ‬

‫اء الزَّ ك ِاة» فهذه األركان مرتَّبة هلذا‬


‫أ ْن ال إِله إِ َّال اَّللَّ وأ َّن ُممدا ا رسول اَّللَِّ‪ ،‬وإِقا ِم الصال ِة‪ ،‬وإِيت ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الرتتيب‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪513‬‬

‫ثم تستعمل للمعية؛ يعني أن املعطوف واملعطوف عليه يف ٍ‬


‫وقت واحد‪ ،‬ليس أحدمها أسبق‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫من اآلخر؛ كقولك‪( :‬جاء زيدٌ وخالدٌ ) إذا جاءا م اعا‪ ،‬وقد تستعمل يف غري الرتتيب؛ يعني أن‬
‫املعطوف قبل املعطوف عليه؛ كقولك‪( :‬جاء زيدٌ وخالدٌ قبله) فالواو كَم قلنا‪ :‬ال تقتيض‬
‫السال ِم‪ -‬عندما وصلوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالة و َّ‬
‫الرتتيب‪ ،‬فلهذا سأل الصحابة ‪-‬ريض اَّلل عنْهم‪ -‬النبي ‪-‬عل ْيه َّ‬
‫إىل السعي بَمذا يبدأون‪ ،‬ولو كانت الواو دال اة عىل الرتتيب لفهموا ذلك من قوله‪﴿ :‬إِ َّن َّ‬
‫الصفا‬
‫وا ْمل ْروة ِم ْن شعائِ ِر اَّللَِّ [البقرة‪ ]158:‬فلَم سألوه َّ‬
‫دل عىل أن الواو ال تقتيض الرتتيب‪.‬‬

‫‪ ‬ثم قال ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬


‫يب والرت ِ‬
‫للرتتِ ِ‬ ‫يب وال َّت ْع ِق ِ‬
‫لرتتِ ِ‬‫ِ ِ‬
‫اخي"‪.‬‬ ‫يب‪ ،‬و(ث َّم) َّ ْ‬ ‫"و(ا ْلفاء) ل ْ‬
‫ترتيب‬
‫ٌ‬ ‫ترتيب بال مهلة‪ ،‬و(ث َّم)‬
‫ٌ‬ ‫فــ (الفاء وث َّم) كالمها يدل عىل الرتتيب‪ ،‬إال أن (الفاء)‬
‫كل ٍ‬
‫فعل‪ ،‬ختتلف املهلة؛ ألهنا نسبية كَم يقولون‪ ،‬فإذا قلت‪( :‬جاء زيدٌ‬ ‫بمهلة‪ ،‬واملهلة بحسب ي‬
‫فخالدٌ )‪( ،‬جاء زيدٌ ثم خالدٌ ) يعني املهلة بني جميء زيد وجميء خالد تكون دقائق أو ثوان؛‬

‫جمرد ثوان أو دقائق هذه من دون مهلة‪.‬‬


‫‪ -‬فإذا كانت َّ‬

‫‪ -‬أما إذا كان بينهَم وقت أكثر من ذلك فهذه مهلة طويلة‪.‬‬

‫(تزوج خالدٌ فولِد له) عطفنا الفعل ولِد عىل تز َّوج‪ ،‬كم بينهَم؟ بينهَم عىل‬ ‫لكن لو قلنا ا‬
‫مثال‪َّ :‬‬
‫األقل ستة أشهر‪ ،‬ومع ذلك هذا أقل ما يكون‪ ،‬فاملهلة بحسب كل فعل‪.‬‬

‫وقد تأيت الفاء عاطف اة سببي اة؛ يعني دالة عىل العطف وعىل السببية‪ ،‬وأكثر ما يكون يف عطف‬
‫اجلمل‪ ،‬نحو‪( :‬سها فسجد)‪( ،‬رسق فقطِع) فالفاء هنا عاطفة‪ ،‬عطفت اجلملة الثانية الفعل‬

‫والفاعل عىل اجلملة األوىل‪ ،‬ود َّلت عىل السببية أن ما قبلها ٌ‬


‫سبب ملا بعدها‪.‬‬

‫‪ ‬قال ابن هشام‪:‬‬


‫‪514‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫"و(حتَّى) لِ ْلغاي ِة والتدْ ِريجِ ال للرت ِ‬


‫تيب"‪.‬‬

‫حتى العاطفة تفيد أحد معنيني‪:‬‬

‫سواء كانت غاي ٌة يف العلو أم غاي اة يف الدنو‪ ،‬نحو‪( :‬مات الناس حتى األنبياء)‬
‫ٌ‬ ‫األول‪ :‬الغاية‬
‫غاية يف العلو‪ ،‬و(جاء احل َّجاج حتى املشاة) غاية يف الدنو‪ ،‬فَمت الناس‪ٌ :‬‬
‫فعل وفاعل‪ ،‬وحتى‪:‬‬
‫الضمة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫حرف عطف‪ ،‬واألنبياء‪ :‬معطوف عىل الناس مرفوع وعالمة رفعه‬
‫ِ‬
‫األنبياء)‬ ‫أيضا حرف جر ا‬
‫دالة عىل الغاية؛ كــ (مات الناس حتى‬ ‫وسبق يف (حتى) أهنا تأيت ا‬

‫فإذا كانت عاطف اة فتأخذ حكم العطف‪ ،‬وإذا كانت َّ‬


‫جار اة فتأخذ حكم اجلر يف اللفظ واملعنى؛‬

‫اجلارة جتر االسم بعدها‪ ،‬والعاطفة جتعل ما بعدها كَم قبلها يف‬
‫َّ‬ ‫أما يف اللفظ فواضح‪:‬‬
‫اإلعراب‪.‬‬

‫رشك بينهَم يف املعنى‪ ،‬فهَم يف‬


‫وأما يف املعنى‪ :‬فالعاطفة جتعل املعطوف كاملعطوف عليه‪ ،‬ت ي‬
‫اجلارة فستدخل يف خالف املشهور يف دخول الغاية يف املغ َّيى‪ ،‬هل تدخل‬
‫َّ‬ ‫املعنى سواء‪ ،‬وأما‬
‫الغاية يف املغ َّيى أو ال تدخ؟ كقولك‪( :‬لك هذا البستان إىل الشجرة العاَشة) أو (حتَّى الشجرة‬
‫العاَشة) فهل الشجرة العاَشة تدخل يف املعطى أو ال تدخل؟ يعني هل الغاية تدخل يف املغ َّيى‬
‫أو ال تدخل؟‬

‫خالف مشهور بني أهل اللغة والفقهاء‪ ،‬وكَم يف اآلية‪﴿ :‬وأ ْي ِديك ْم إِىل ا ْملرافِ ِق [املائدة‪]6:‬‬
‫بناء عىل‬
‫هل تدخل املرافق يف املغسول أو ال تدخل يف املغسول؟ خالف بني أهل اللغة والفقهاء ا‬
‫هذا اخلالف الغاية تدخل أو ال تدخل‪ ،‬لكن يف العطف ال املعطوف يدخل يف املعطوف عليه‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪515‬‬

‫التدرج‪ ،‬نحو‪( :‬أكلت السمكة حتى رأسها)‪،‬‬


‫واملعنى الثان الذي تدل عليه (حتَّى) العاطفة‪ُّ :‬‬
‫أكلت السمكة‪ :‬مفعول هبا‪ ،‬حتَّى‪ :‬حرف عطف‪ ،‬رأسها‪ :‬معطوف عىل السمكة‪ ،‬وحتى هنا‬
‫تدرجت يف أكل السمكة حتى رأسها‪.‬‬ ‫د َّلت عىل ماذا؟ عىل ُّ‬
‫التدرج؛ يعني أن َّ‬

‫قال ابن هشام‪( :‬و(حتَّى) ال تدل عىل ترتيب) نعم‪ ،‬فقولك‪( :‬مات الناس حتى األنبياء)‬
‫يعني أن اجلميع يموتون‪ ،‬ما يف ترتيب بني الناس واألنبياء أهيَم يموت ا‬
‫أوال‪ ،‬وإنَم اجلميع‬
‫يموت‪ ،‬فقط د َّلت عىل الغاية؛ أن اجلميع يموت حتى األنبياء‪.‬‬

‫‪ ‬ثم قال ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬

‫الش َّ‬
‫ك أو‬ ‫لب التخيري أو اإلباحة‪ ،‬وبعد ِ‬
‫اخلرب َّ‬ ‫يئني أو األ ِ‬
‫شياء مفيد اة ب ْعد ال َّط ِ‬ ‫الش ِ‬‫"و(أو) ألح ِد َّ‬
‫الت ْشكِيك"‪.‬‬

‫دائَم تستعمل ألحد شيئني أو أشياء‪،‬‬


‫نعم من حروف العطف (أو)‪ ،‬ذكر ابن هشام أن (أو) ا‬
‫(ك ْل تفاح اة‪ ،‬أو برتقال اة) (ك ْل تفاح اة‪ ،‬أو برتقال اة‪ ،‬أو موزةا) تستعمل لشيئني أو أشياء‪ ،‬يعني ما‬
‫تأيت مع ٍ‬
‫يشء واحد‪.‬‬

‫تقول‪( :‬تعال اليوم أو غدً ا)‪﴿ ،‬لبِ ْثنا ي ْو اما أ ْو ب ْعض ي ْو ٍم [الكهف‪ ]19:‬شيئني‪﴿ ،‬فك َّفارته‬
‫ط ما ت ْط ِعمون أ ْهلِيك ْم أ ْو كِ ْسوهت ْم أ ْو ْحت ِرير رقب ٍة [املائدة‪]89:‬‬
‫إِ ْطعام عرش ِة مساكِني ِمن أوس ِ‬
‫ْ ْ‬
‫أشياء وهكذا فهي ال تستعمل إال مع شيئني أو أشياء‪.‬‬
‫ٍ‬
‫معان‪ :‬معنيان بعد الطلب‪ ،‬ومعنيان بعد اخلرب‪ ،‬معنى ذلك أن‬ ‫وما معانيها؟ قال‪ :‬هلا أربعة‬
‫(أو) تستعمل بعد الطلب‪ ،‬وتستعمل بعد اخلرب‪.‬‬

‫اخلرب يعني الكالم اخلربي الذي يدل عىل خرب يقبل التصديق أو التكذيب يف ذاته؛ كقولك‪:‬‬
‫(أكلت تفاح اة أو برتقال اة) هذا كالم خربي‪.‬‬
‫‪516‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫وأما الطلب فهو الكالم الذي ال يقبل التصديق أو التكذيب يف ذاته‪ ،‬وإنَم يدل عىل طلب‬
‫فعل يشء‪ ،‬أو طلب ترك يشء؛ كاألمر اذهب‪ ،‬ما تقول‪( :‬صدقت أو كذبت)‪ ،‬أو (ال تذهب)‬
‫الرتجي‪( :‬لعلك تذهب)‪ ،‬أو‬
‫ي‬ ‫النهي‪ ،‬أو االستفهام (هل تذهب؟)‪ ،‬أو التمنيي (ليتك تذهب) أو‬
‫العرض (أال تذهب)‪ ،‬أو التحقيق َّ‬
‫(هال تذهب)‪ ،‬والطلب ثَمنية أشياء ذكرناها من قبل أكثر من‬
‫مرة‪.‬‬

‫إذن فــ (أو) تأيت بعد الطلب‪ ،‬فيكون هلا معنيان‪ ،‬وتأيت بعد اخلرب فيكون هلا معنيان‪ ،‬فإذا‬
‫جاءت بعد الطلب فهي تدل عىل اإلباحة أو التخيري؛‬

‫‪ -‬تدل عىل اإلباحة إذا أمكن اجلمع بني املعطوف واملعطوف عليه‪.‬‬

‫‪ -‬وتدل عىل التخيري إذا مل يمكن اجلمع بني املعطوف واملعطوف عليه‪.‬‬

‫فإذا قلت‪( :‬كل تفاح اة أو برتقال اة) هذا ختيري أم إباحة؟ يمكن أن تأكل تفاحة وتأكل برتقال‬
‫(تزوج هندا ا أو أختها) هذا ختيري أم إباحة؟ هذا ختيري‪ ،‬لكن ال يمكن أن تتزوج‬
‫ما يف مشكلة‪َّ ،‬‬
‫(سجل يف كلية اللغة أو كلية الرشيعة) ختيري أو إباحة؟ هذا ختيري‪ ،‬ما يمكن‬
‫هند وتتزوج أختها‪ ،‬ي‬
‫سجل فيهَم وهكذا‪.‬‬
‫أن ت ي‬

‫وأما بعد اخلرب فتدل عىل معنيني‪:‬‬

‫‪ -‬عىل الشك‪.‬‬

‫‪ -‬أو التشكيك‪.‬‬

‫عىل الشك‪ :‬إذا كان من املتك يلم‪ ،‬إذا كان عدم العلم وعدم التأكد من املتك يلم‪ ،‬أنت غري متأكد‬
‫من األمر فقد شككت‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪517‬‬

‫وأما التشكيك‪ :‬فإذا كنت ِ‬


‫تعرف األمر لكنك تريد أن توقع املخاطب يف الشك‪ ،‬فهذا‬
‫تشكيك‪.‬‬

‫املثال واحد‪( :‬جاء زيدٌ أو خالدٌ ) أنت ال ِ‬


‫تعرف من الذي جاء زيد أو خالد؟ قل‪( :‬جاء زيدٌ‬
‫شك منك‪ ،‬إذا كنت ِ‬
‫تعرف من اجلائي لكنك تريد أن توقع املخاطب يف الشك‬ ‫أو خالدٌ ) هذا ٌّ‬
‫تشكيك للمتك يلم؟ تشكيك‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فقلت‪( :‬جاء زيدٌ أو خالدٌ ) فهذا ٌّ‬
‫شك منك أو‬

‫‪ ‬ثم قال ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬


‫اخل ٍة عىل أح ِد امل ْست ِوي ْ ِ‬
‫ني"‪.‬‬ ‫يني بعد مهز ٍة د ِ‬ ‫"و(أ ْم) لِطل ِ‬
‫ب ال َّت ْع ِ ْ ْ‬

‫أيضا‪ ،‬هلا موضع تستعمل فيه‪ ،‬وهلا معناى يف هذا املوضع‪ ،‬فالعطف‬
‫(أ ْم) من حروف العطف ا‬
‫بـ (أ ْم) يكون بعد مهزة التسوية؛ كقولك‪( :‬أزيدٌ قام أم خالد؟)‪( ،‬أقام زيدٌ أم جلس؟) هذه‬
‫(أ ْم)‪.‬‬

‫(أزيدٌ قام أ ْم خالد؟) أم جاءت بعدها مهزة‪ ،‬هذه اهلمزة يسموهنا مهزة تسوية‪ ،‬ملاذا مهزة‬
‫تسوية؟ ألن هناك شيئان مستويان تسأل عنهَم؛‬

‫‪ -‬األول‪ :‬جتعله بعد اهلمزة‪.‬‬

‫‪ -‬والثان‪ :‬جتعله بعد (أ ْم)‪.‬‬

‫واملعلوم جتعله بينهَم‪.‬‬

‫تعرف من هو؟ إذن أنت تيقنت القيام‪ ،‬لكن ما ِ‬


‫تعرف من‬ ‫أنت رأيت الذي قام‪ ،‬لكن ما ِ‬

‫عمر) جتعل زيد وعمر هذا املسؤول عنهَم‬


‫الفاعل القائم؛ زيد أو عمر‪ ،‬تقول‪( :‬أزيدٌ قام أم ٌ‬
‫عمر؟)‪.‬‬
‫أحدمها بعد اهلمزة‪ ،‬واآلخر بعد (أ ْم)‪ ،‬طيب واملعلوم وهو القيام بينهَم‪( ،‬أزيدٌ قام أم ٌ‬
‫‪518‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫إذا عرفت أن الفاعل زيد لكن ما تعرف ماذا فعل‪ ،‬هل نجح وال رسب؟ أنت تسأل عنه‪،‬‬
‫تعرف أنك تسأل عنه‪ ،‬لكن ما ِ‬
‫تعرف ماذا فعل؟ نجح أو رسب‪ ،‬ماذا تقول؟‬ ‫خالص أنت ِ‬

‫(أنجح زيدٌ أم رسب؟) املسؤول عنه النجاح والرسوب‪ ،‬نجح ورسب‪ ،‬أحدمها بعد اهلمزة‬
‫واآلخر بعد (أم)‪ ،‬طيب واملعلوم وهو زيد بينهَم‪ ،‬هذا أسلوب التعيني بـ (أ ْم) بعد مهزة التسوية‪،‬‬
‫هذا األسلوب الفصيح الصحيح‪.‬‬

‫وهلذا ال تقول‪( :‬أقام زيدٌ أم جلس) ‪-‬آسف‪ -‬ما تقول‪( :‬أزيدٌ قام أم جلس؟) ماذا وضعت‬
‫بعد اهلمزة؟ (أزيدٌ قام أم جلس زيد؟) وبعد (أ ْم) ما جعلت املقابل له‪ ،‬جلس مقابل قام‪ ،‬ال بد‬
‫أن جتعل املتقابلني املسؤول عنهَم بعد اهلمزة و(أ ْم)‪ ،‬ما تقول‪( :‬أزيدٌ قام أم جلس؟)‪ ،‬ما تقول‪:‬‬
‫عمر؟) وإنَم جتعل املتقابلني املسؤول عنهَم أحدمها بعد اهلمزة واآلخر بعد (أ ْم)‬
‫(أجلس زيدٌ أم ٌ‬
‫وبينهَم املعلوم‪.‬‬

‫‪ ‬ثم قال ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬

‫ف ْ‬
‫احل ْك ِم إىل‬ ‫احل ْك ِم (ال) بعد إِجياب‪ ،‬و(لكِن) و(ب ْل) بعد ن ْفي‪ ،‬ولِرص ِ‬
‫اخلطأِ يف ْ‬
‫"ولِلر يد ع ْن ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ما ب ْعدها (ب ْل) ب ْعد إِجي ٍ‬
‫اب"‪.‬‬

‫ذكر هنا كم حرف من أحرف العطف؟ ثالثة أحرف‪ :‬ذكر (ال)‪ ،‬وذكر (لكن)‪ ،‬وذكر (بل)‬
‫وضغط معانيها‪.‬‬

‫نفي فمعناها مجي اعا ر ُّد اخلطأ يف حك ٍم ما‪ ،‬خطأ تريد أن‬
‫أما (ال) وكذلك (لكن) و(بل) بعد ٍّ‬
‫صححه فتستعمل العطف بــ (ال)‪ ،‬أو بـ (لكن)‪ ،‬أو بـ (بل)‪ ،‬ونأخذها واحد اة‬
‫تر ُّده وأن ت ي‬
‫واحدة‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪519‬‬

‫ونبدأ بـ (ال)‪( :‬ال) كَم ذكر ابن هشام ال تقع إال بعد إجياب؛ يعني ال تقع بعد نفي أو هني‪ ،‬ال‬
‫تقع إال بعد إجياب‪ ،‬كأن تقول ا‬
‫مثال‪( :‬ك ْل تفاح اة ال برتقالة) طيب ماذا تفيد؟ تفيد إثبات احلكم‬
‫ملا قبلها‪.‬‬

‫طيب والذي بعدها؟ قد تنفي احلكم عنه‪ ،‬وقد ال تنفي احلكم عنه‪ ،‬إذن فالذي قبل (ال) يثبت‬
‫دائَم‪ ،‬والذي بعد (ال) قد ينفى احلكم عنه وقد ال ينفى بحسب املعنى‪.‬‬
‫له احلكم ا‬
‫املثال واحد‪( :‬قرأت النحو ال البالغة) ما معنى قوهلم‪( :‬قرأت النحو ال البالغة)؟ ما قبل‬
‫(ال) وهو النحو نثبت له القراءة‪ ،‬خالص قرأت النحو وهذا أكيد‪ ،‬انتهينا منه‪ ،‬طيب ما بعد‬
‫(ال) وهو البالغة تنفي القراءة عنها أو ال تنفى؟ قد تنفي وقد ال تنفي بحسب املعنى‪.‬‬

‫فإذا قال لك قائل‪( :‬هل قرأت النحو أم البالغة؟) فقلت‪( :‬قرأت النحو ال البالغة) فالبالغة‬
‫هنا منفي عنها القراءة وال غري منفي عنها؟ هنا منفي‪( ،‬هل قرأت النحو أم قرأت البالغة؟)‬
‫قال‪( :‬قرأت النحو ال البالغة) خالص أثبتت القراءة للنحو ونفيته عن البالغة‪.‬‬

‫ظن الظان أنك قرأت‬


‫ظن الظان أنك قرأت البالغة فقط‪ ،‬أنت قرأت البالغة لكن َّ‬
‫طيب‪ :‬لو َّ‬
‫البالغة فقط ما قرأت النحو‪ ،‬فتقول‪( :‬ال قرأت النحو ال البالغة) كأنك قلت‪( :‬قرأت النحو ال‬
‫البالغة فقط)؛ ألنه ظن أنك قرأت البالغة ومل تقرأ النحو‪ ،‬وأنت قرأت النحو وقرأت البالغة‪،‬‬
‫فرتد عليه هذا اخلطأ فتقول‪( :‬قرأت النحو ال البالغة)؛ يعني قرأت النحو ال البالغة فقط‪.‬‬

‫إذن فـ (ال) تثبت احلكم ملا قبلها مطل اقا‪ ،‬والذي بعدها بحسب املعنى قد تنفيه وقد ال تنفيه‪.‬‬

‫وأما (لكن) فـ (لكن) ال تكون إال بعد النفي والنهي‪ ،‬ال تكون بعد اإلجياب‪( ،‬ال تأكل تفاح اة‬
‫لكن برتقال اة) هذا هني‪( ،‬ما أكلت تفاح اة لكن برتقال اة) هذا نفي‪.‬‬
‫‪520‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫طيب‪ :‬ما معناها؟ تفيد نفي احلكم عَم قبلها وإثباته ملا بعدها‪ ،‬هذا واضح‪ ،‬نحو‪( :‬ما جاء زيدٌ‬
‫عمرا) إذن أهنى عن‬ ‫لكن خالدٌ ) نفت احلكم عَم قبلها وأثبتته ملا بعدها‪( ،‬ال ت ِ‬
‫كرم زيدا ا لكن ا‬
‫األول وأثبته للثان‪.‬‬

‫أيضا‬
‫ثم نأيت إىل (بل) احلرف الثالث‪( :‬بل) يف كالم ابن هشام أهنا تأيت بعد اإلجياب‪ ،‬وتأيت ا‬
‫بعد النفي والنهي؛‬

‫‪ -‬فإن كانت بعد النفي والنهي فتفيد إثبات احلكم ملا بعدها‪ ،‬ونفيه عَم قبلها؛ يعني عكس‬
‫(لكن)‪ ،‬نحو‪( :‬ما جاء زيدٌ بل خالدٌ ) أثبتت املجيء ملا بعدها ونفته عَم قبلها‪.‬‬

‫أو النهي‪( :‬ال ت ِ‬


‫كرم زيدا ا بل خالدا ا) أثبتت اإلكرام ملا بعدها ونفته عَم قبلها‪ ،‬هذا بعد النفي‬
‫والنهي‪.‬‬

‫‪ -‬وإذا كانت بعد إجياب فتفيد احلكم ملا بعدها‪ ،‬وتفيد السكوت عَم قبلها‪ ،‬نحو‪( :‬جاء زيدٌ‬
‫بل خالدٌ ) (جاء زيدٌ ) هذا إجياب أو نفي؟ إجياب (جاء زيدٌ بل خالدٌ ) أثبتت احلكم ملا بعدها؛‬
‫(بل خالدٌ )‪ ،‬طيب‪ :‬والذي قبلها؟ أرضبت عنه‪ ،‬فلهذا يقول‪ :‬معناها اإلرضاب‪ ،‬أرضبت عنه‬
‫مثال أو ال هيمك أمره ا‬
‫أصال جاء أو ما جاء‪ ،‬وإنَم الذي هيمك ما بعد‬ ‫يعني سكتت عنه‪ ،‬أخطأت ا‬
‫(بل)‪.‬‬
‫(جاء زيدٌ بل خالدٌ ) أثبتت املجيء خلالد وزيد سكتت عنه ال هيمك أمه‪ ،‬قد يكون غري ٍ‬
‫جاء‬
‫مسكوت عنه‪ ،‬فلهذا (بل) هي‬
‫ٌ‬ ‫فنفيت املجيء عنه‪ ،‬وقد يكون جاء لكن ال هيمك أمره‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫لإلرضاب‪ ،‬اإلرضاب‪:‬‬

‫‪ -‬قد يكون إرضاب سكويت‪ ،‬وذلك بعد اإلجياب‪.‬‬

‫‪ -‬وقد يكون إرضاب يدل عىل نفي احلكم عَم قبلها وذلك بعد النفي والنهي‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪521‬‬

‫‪ ‬ليبق لنا التابع اخلامس وهو األخري وهو‪ :‬البدل‪ ،‬قال ابن هشام‪:‬‬

‫اسط ٍة"‪.‬‬
‫"وا ْلبدل‪ ،‬وهو تابع م ْقصود بِاحل ْك ِم بِال و ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫البدل سبق َشحه يف َشح املبتدئني‪ ،‬وَشحناها هناك بَم يكفي‪ ،‬إال أن ابن هشام يف التعريف‬
‫خرج عطف النسق‪ ،‬فإن املعطوف عطف نسق؛ كـ (جاء ُممدٌ‬ ‫اسط ٍة) لي ِ‬
‫زاد عبارة‪( :‬بِال و ِ‬

‫وخالدٌ ) مقصود أم غري مقصود؟ مقصود‪( ،‬جاء ُممد وخالد) يعني ُممد جاء وخالد جاء‪،‬‬
‫كالمها مقصود بالفعل باملجيء‪ ،‬كالمها مقصود‪ ،‬لكن القصد هنا حدث بواسطة حرف‬
‫اسط ٍة)‪.‬‬
‫العطف‪ ،‬عطف النسق؛ فلهذا قال‪( :‬م ْقصود بِاحل ْك ِم بِال و ِ‬
‫ٌ‬

‫‪ ‬ثم إن ابن هشام ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪ -‬ذكر أنواع البدل قال‪:‬‬

‫ض ن ْحو‪﴿ :‬م ِن‬‫"وهو ِس َّت ٌة‪ :‬بدل ك ٍّل ن ْحو‪﴿ :‬مفازا ا * حدائِق [النبأ‪ ]32-31 :‬وب ْع ٍ‬
‫ط ونِ ْسي ٍ‬
‫ان‬ ‫اب وغل ٍ‬‫ال فِ ِيه [البقرة‪ ]217:‬وإِ ْرض ٍ‬ ‫استطاع [آل عمران‪ ]97:‬و ْاشتَِم ٍل نحو‪ِ :‬‬
‫﴿قت ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫األو ِل‬ ‫ب ق ْص ِد األ َّو ِل وال َّث ِان‪ ،‬أ ِو ال َّث ِان وس ْب ِق ال يلس ِ‬
‫ان‪ ،‬أ ِو َّ‬ ‫ار) بِحس ِ‬‫ن ْحو‪( :‬تصدَّ ْقت بِ ِد ْره ٍم ِدين ٍ‬

‫ني اخلطأِ"‪.‬‬
‫وتب ُّ ِ‬

‫سبق يف َشح املبتدئني أن البدل أربعة أقسام‪:‬‬

‫‪ -‬بدل ٍّ‬
‫كل من كل‪ ،‬أو يسمى البدل املطابق‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بعض من كل‪.‬‬ ‫‪ -‬وبدل‬

‫‪ -‬وبدل االشتَمل‪ ،‬وهذه ذكرها ابن هشام بأسَمئها‪.‬‬

‫‪ -‬والقسم الرابع‪ :‬وهو بدل الغلط إال أن ابن هشا ٍم هنا َّ‬
‫فصله فجعله ثالثة أنواع‪ ،‬فلهذا‬
‫صارت أقسام البدل عنده ستة‪.‬‬
‫‪522‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫وهذا من زيادة التفصيل يف املعنى املقصود ون َّية املتك يلم‪ ،‬وإال فإن اجلميع يطلق عليها بدل‬
‫غلط‪ ،‬فبدل الغلط جعله ابن هشام ثالثة أنواع‪.‬‬
‫ومثاهلا واحد؛ كأن تقول‪( :‬أريد قلَم دفرتا)‪ ،‬أو (تصدَّ قت بدره ٍم ٍ‬
‫دينار) إال أن البدلية هنا قد‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫تكون بدل إرضاب‪ ،‬أو بدل غلط‪ ،‬أو بدل نسيان‪.‬‬

‫قلَم) أنت كنت تريد‬


‫فبدل اإلرضاب‪ :‬إذا كنت تريد األول وتريد الثان‪ ،‬عندما قلت‪( :‬أريد ا‬
‫قلَم) أرضبت عن ذلك وتركته وانتقلت إىل طلب الدفرت‪ ،‬تقول‪:‬‬
‫قلَم‪ ،‬وبعد أن قلت‪( :‬أريد ا‬
‫ا‬
‫قلَم) أنت كنت تريده‪ ،‬لكن أرضبت عنه وتركته وانتقلت إىل ٍ‬
‫أمر‬ ‫(دفرتا)‪ ،‬فعندما تقول‪( :‬أريد ا‬
‫ا‬
‫دفرتا) األول‬
‫قلَم ا‬
‫(دفرتا) فصار جمموع الكالم‪( :‬أريد ا‬
‫ا‬ ‫آخر تريد أهم عليك وهو الدفرت‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫كان املقصود ثم أرضبت عنه وتركته‪ ،‬وانتقلت إىل الثان فيسمى بدل إرضاب‪.‬‬

‫دفرتا) كَم َشحنا قبل قليل يف‬


‫قلَم بل ا‬
‫واألفضل يف هذا املعنى أن تستعمل (بل) فتقول‪( :‬أريد ا‬
‫قلَم) قصدت ذلك‪،‬‬ ‫اإلرضاب السكويت‪ ،‬فت ِ‬
‫رضب عن األول؛ يعني كنت عندما قلت‪( :‬أريد ا‬
‫لكنك أرضبت عنه وتركته وانتقلت إىل ما هي ُّمك‪.‬‬

‫دفرتا)‬
‫والنوع الثان‪ :‬بدل الغلط وهذا كَم يقول‪ :‬سبق لسان‪ ،‬قلت‪ :‬أردت أن تقول‪( :‬أريد ا‬
‫قلَم‬
‫دفرتا‪ ،‬فصار جمموع الكالم (أريد ا‬ ‫فسبق لسانك غل اطا فقلت‪( :‬أريد ا‬
‫قلَم) ثم صححت ا‬
‫قلَم مل يكن مقصو ادا‪ ،‬وإنَم سبق لسانك إليه فيسمى بدل غلط‪ ،‬وبدل الغلط كَم‬
‫دفرتا) فقولك‪ :‬ا‬
‫ا‬
‫ترون يكون بسبب اخلطأ يف اللسان‪.‬‬

‫وبدل النسيان‪ :‬وذلك إذا كنت تريد األول ولكنك ذكرته نسياناا‪ ،‬أنت تريد دفرت لكنك‬
‫قلَم‪ ،‬أنت هنا ما أخطأ لسانك‪ ،‬وإنَم أخطأ قلبك‬
‫قلَم)‪ ،‬وعندما قلت‪ :‬أريد ا‬
‫نسيت فقلت‪( :‬أريد ا‬
‫دفرتا‪ ،‬فاخلطأ هنا يف القلب‪.‬‬
‫صححت فقلت‪ :‬ا‬
‫قلَم‪ ،‬ثم َّ‬
‫نيس‪ ،‬فرتيد ا‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪523‬‬

‫فكَم ترون هذه التقسيَمت هي زيادة تفصيل وبيان لبدل الغلط الذي يطلق عليه عند ٍ‬
‫كثري من‬
‫العلَمء بدل غلط؛ فهذا ما يتع َّلق بالبدل‪ ،‬وبه ننتهي من الكالم عىل التوابع اخلمسة‪:‬‬

‫‪ .1‬النعت‪.‬‬

‫‪ .2‬والتوكيد‪.‬‬

‫‪ .3‬وعطف البيان‪.‬‬

‫‪ .4‬وعطف النسق‪.‬‬

‫‪ .5‬والبدل‪.‬‬

‫‪ ‬لينتقل ابن هشام بعد ذلك إىل الكالم عىل بعض األحكام النحوية املتفرقة التي ذكرها يف‬
‫والتعجب‪ ،‬والوقف‪ ،‬ثم ختم الكتاب‬
‫ُّ‬ ‫آخر كتاب [قطر الندى] وهي‪ :‬العدد‪ ،‬وموانع الرصف‪،‬‬
‫بمسألتني من مسائل اإلمالء‪ ،‬ومها‪ :‬كتابة األلف املتطرفة‪ ،‬ومهزة الوصل‪.‬‬

‫فلهذا ننتقل مع ابن هشام إىل الكالم عىل [باب العدد]‪ ،‬فقال ‪-‬ر ِمحه اَّلل تعاىل‪:-‬‬
‫نحو‪﴿ :‬س ْبع لي ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ال‬ ‫باب‪ :‬العدد م ْن ثالثة إىل ت ْسعة يؤنَّث مع امل َّذك ِر ويذكَّر مع املؤنَّث دائ اَم‪ْ ،‬‬‫" ٌ‬
‫اع ٌل كثالِ ٍ‬
‫ث وراب ٍع‬ ‫وثَمنِية أيا ٍم [احلاقة‪ .]7:‬وكذلِك الع ْرشة إِ ْن مل تركَّب‪ ،‬وما دون ال َّثالث ِة‪ ،‬وف ِ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ائَم"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫عىل القياس د ا‬
‫فاألعداد وكل ٍ‬
‫لغة ال ختلو من األعداد‪ ،‬واألعداد يف اللغة العربية أنواع‪ ،‬ونبدأ من أوهلا‪ :‬وهو‬
‫الواحد عند مجهور العلَمء‪ ،‬فال يروا أن الصفر عد ادا؛ ألن الصفر خلو‪ ،‬وبعضهم جيعله عد ادا‪،‬‬
‫خلو ال عدد‪.‬‬
‫لكن الصواب أنه ٌّ‬

‫‪ -‬فمن الواحد إىل العرشة أعدا ٌد مفردة‪.‬‬


‫‪524‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ -‬ومن احلادي عرش إىل التاسع عرش أعدا ٌد مركَّبة‪.‬‬

‫‪ -‬ومن احلادي والعرشين إىل التاسع والتسعني أعدا ٌد متعاطفة‪.‬‬

‫‪ -‬والعرشون والثالثون إىل التسعني ألفاظ العقود‪.‬‬

‫وأخريا‪ :‬املئة واأللف ويف حكمها ما ع يرب بعض ذلك؛ كامليلون واملليار إىل آخره‪.‬‬
‫ا‬ ‫‪-‬‬

‫أما أحكامها‪ :‬فكَم أشار ابن هشام؛‬

‫سواء يف األعداد املفردة‪ ،‬أو األعداد املركَّبة‪ ،‬أو األعداد‬


‫ٌ‬ ‫فالواحد واالثنان يوافقان املعدود‬
‫ٌ‬
‫رجل واحدٌ )‪ ،‬و(جاءت امرأ ٌة واحدةٌ)‪ ،‬و(جاء واحدٌ‬ ‫املتعاطفة‪ ،‬وليس هلا متييز‪ ،‬تقول‪( :‬جاء‬
‫ا‬
‫فرجال مذكر وواحدٌ مذكر‪ ،‬طيب‪ :‬امرأ اة تقول‪( :‬جاءت واحد ٌة وعرشون‬ ‫وعرشون ا‬
‫رجال)‬
‫امرأةا)‪.‬‬

‫وكذلك يف العدد املركَّب؛‬

‫‪ -‬فالرجل تقول‪( :‬جاء أحد عرش ا‬


‫رجال)‪.‬‬

‫‪ -‬امرأة‪( :‬جاءت إحدى عرشة امرأة)‪.‬‬

‫سواء كان مفر ادا‪ ،‬أم كان مر َّك ابا‪ ،‬أم كان متعاط افا‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫دائَم‬
‫فالواحد يوافق ا‬
‫سواء أكانت يف العدد املفرد أم‬
‫ٌ‬ ‫وأما الثالثة إىل التسعة فهذه ختالف املعدود مطل اقا؛ يعني‬
‫كانت يف املركَّب‪ ،‬أم كانت يف املعطوف‪.‬‬
‫رجال)‪ ،‬ويف النساء‪( :‬جاءت مخس ٍ‬
‫نساء)‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫فتقول يف الرجال‪( :‬جاء مخسة‬

‫ويف العدد املركَّب تقول‪( :‬جاء مخسة عرش ا‬


‫رجال)‪ ،‬امرأة تقول‪( :‬جاءت مخس عرشة امرأة)‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪525‬‬

‫مخس وعرشون‬ ‫ا‬


‫رجال)‪ ،‬امرأة (جاءت ٌ‬ ‫ويف العدد املعطوف تقول‪( :‬جاء مخس ٌة وعرشون‬
‫امرأة)‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫فهي ختالف املعدود مطل اقا يف العدد املفرد واملركَّب واملعطوف‪.‬‬

‫وأما العرشة‪ :‬فهي التي فيها تفصيل‪ ،‬فهي ختالف مفرده وتوافق مركَّبه؛‬

‫‪ -‬إذا كانت مفردة فكالثالثة إىل التسعة ختالف‪ ،‬تقول‪( :‬جاء عرشة رجال)‪ ،‬و(جاءت‬
‫عرش نساء) ختالف‪.‬‬

‫‪ -‬وإذا كانت مركَّبة فينعكس حكمها فتوافق‪ ،‬فتقول‪( :‬جاء مخسة عرش ا‬
‫رجال) عرش‬
‫مثل ا‬
‫رجال مذكر‪ ،‬وتقول‪( :‬جاءت مخس عرشة امرأةا) عرشة مثل امرأ اة توافق‪.‬‬

‫بقية األعداد؛ يعني ألفاظ العقود‪ :‬عرشون‪ ،‬ثالثون إىل تسعني‪ ،‬وكذلك املائة‪ ،‬واأللف‪ ،‬هذه‬
‫ال تتأثر باملعدود‪ ،‬تلزم لفظها‪ ،‬تقول‪( :‬جاء عرشون ا‬
‫رجال)‪ ،‬و(جاءت عرشون امرأةا)‪ ،‬و(جاء‬
‫ٍ‬
‫امرأة) وهكذا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫رجل)‪ ،‬و(جاءت مئة‬ ‫مئة‬

‫فهذه ألفاظ األعداد من حيث املوافقة واملخالفة للمعدود‪.‬‬

‫هنا تنبيه‪ :‬كَم رأيتم األعداد‪:‬‬

‫تذكريا وتأني اثا‪ ،‬وهذه هي ألفاظ العقود واملئة واأللف‪.‬‬


‫ا‬ ‫‪ -‬إما أهنا ال تتأثر باملعدود‬

‫‪ -‬أو أهنا توافق املعدود يف التذكري والتأنيث‪ ،‬وذلك يف الواحد واالثنني‪ ،‬ويف العرشة‬
‫املركَّبة‪.‬‬

‫يبقى فقط من الثالثة إىل التسعة‪ ،‬وكذلك العرشة املفردة هذه ختالف املعدود‪ ،‬هذه حتتاج إىل‬
‫كالم‪:‬‬
‫‪526‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫من الثالثة إىل التسعة ختالف املعدود؛ يعني‪:‬‬

‫‪ -‬تؤنَّث مع املذكَّر‪ ،‬يكون فيها تاء التأنيث؛ (ثالثة رجال)‪( ،‬مخسة كتب)‪.‬‬

‫‪ -‬وتذكَّر مع املؤنَّث‪ ،‬تذكَّر يعني حتذف منها التاء‪ ،‬تقول‪( :‬مخس نساء)‪ ،‬و(تسع‬
‫َّ‬
‫جمالت)‪.‬‬

‫موافق للقياس؟‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫خمالف للقياس كَم أشار إليه ابن هشام أم‬ ‫السؤال‪ :‬هل هذا‬

‫يذكر النحويني أن هذا موافق ٌة من العرب للقياس‪ ،‬وليس خمالف اة للقياس‪ ،‬وذلك أن أسَمء‬
‫األعداد يف األصل فيها تاء؛ فالعدد الذي بعد اثنني ما اسمه؟ ثالثة أم ثالث؟ ال اسمه ثالثة‪،‬‬
‫والذي بعده اسمه أربعة‪ ،‬فاألعداد يف األصل أسَمءها بتاء؛ ثالثة‪ ،‬أربعة‪ ،‬مخسة‪ ،‬ستة‪.‬‬

‫فعندما استعملتها العرب مع املذكَّر أعطت األصل أصل‪ ،‬أبقت األعداد عىل ألفاظها عىل‬
‫ٍ‬
‫رجال) فلَم جاءت إىل املؤنث أرادت أن جتعل له عالم اة‬ ‫شكلها األصيل بالتاء مع املذكر (مخسة‬
‫مت ييزه وال تستطيع أن تأيت بتاء التأنيث‪ ،‬بأن العدد يف أصله بتاء تأنيث فحذفت التاء لتمييز‬
‫املعدود وبيان أنه مؤنَّث‪.‬‬

‫إذن فالعرب يف ذلك أخذوا باألصل والقياس‪ ،‬جعلوا األصل وهو أن أسَمء األعداد بالتاء‬
‫لألصل وهو املذكَّر‪ ،‬فلَم انتقلوا إىل التأنيث حذفوا التاء لتمييزه‪.‬‬

‫حكَم من أحكام العدد فقال‪:‬‬


‫‪ ‬ثم ذكر ابن هشام ا‬
‫اع ٌل أ ْو يضاف مل ِا ْاشت َّق ِمنْه أ ْو ملا دونه‪ ،‬أ ْو ين ِْصب ما دونه"‪.‬‬
‫"وي ْفرد ف ِ‬

‫هذا يسمى العدد املصوغ عىل وزن (فاعل)‪ ،‬األعداد إذا جاءت عىل أسَمئها فهي‪ :‬واحد‪،‬‬
‫اسَم عىل وزن (فاعل)‪،‬‬
‫اثنان‪ ،‬ثالثة‪ ،‬أربعة‪ ،‬مخسة‪ ،‬إىل عرشة‪ ،‬إىل مئة‪ ،‬إىل ألف‪ ،‬وقد تصوغ منها ا‬
‫اسَم عىل‬ ‫العدد‬ ‫ن‬‫م‬ ‫غت‬ ‫فتقول‪ :‬من الثالثة ثالث‪ ،‬ومن السبعة سابع‪ ،‬ومن العرشة عاَش‪ ،‬فإذا ِ‬
‫ص‬
‫ا‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪527‬‬

‫تذكريا وتأني اثا؛ فلهذا يطابق‬


‫ا‬ ‫وزن (فاعل) فإنه سيأخذ حكم الوصف الذي يطابق املوصوف‬
‫املعدود يف التذكري والتأنيث‪.‬‬

‫تقول‪( :‬قرأت الكتاب اخلامس)‪ ،‬و(قرأت املج َّلة اخلامسة)‪( ،‬هذه املدرسة التاسعة)‪ ،‬و(هذا‬
‫البيت الرابع) فيطابق املعدود يف التذكري والتأنيث كبقية األوصاف‪.‬‬

‫ثم إن اسم الفاعل املشتق من الفعل له يف العربية كَم ذكر ابن هشام أربعة استعَمالت‪:‬‬

‫االستعَمل األول‪ :‬أن يكون مفر ادا نحو‪( :‬البيت الثالث)‪( ،‬املدرسة الثالثة)‪ ،‬ومعناه الداللة‬
‫عىل الرتتيب‪ ،‬الثالث يعني الذي بعد الثان وقبل الرابع‪ ،‬الداللة عىل الرتتيب‪.‬‬

‫مشتق منه‪ ،‬يعني ثالث‬


‫ٌ‬ ‫االستعَمل الثان السم الفاعل املشتق من العدد‪ :‬أن يضاف إىل ما هو‬
‫ٍ‬
‫أربعة)‪ ،‬و(هذا‬ ‫يضاف إىل ثالثة‪ ،‬رابع يضاف إىل أربعة‪ ،‬فتقول‪( :‬هذا ثالث ٍ‬
‫ثالثة)‪ ،‬و(هذا رابع‬
‫ٍ‬
‫حينئذ يف هذا االستعَمل؟ يعني أنه واحدٌ من هذا العدد من دون داللة عىل‬ ‫ٍ‬
‫تسعة) ما معناه‬ ‫تاسع‬
‫ترتيب‪ ،‬ليس األول‪ ،‬وال األخري وإنَم واحدٌ من هذا العدد‪.‬‬

‫تقول‪( :‬أنا ثالث ثالثة) يعني واحدٌ من ثالثة‪﴿ ،‬إِ ْذ أ ْخرجه ا َّل ِذين كفروا ث ِان‬
‫ني [التوبة‪ ]40:‬ليس هو األول وال هو الثان؛ يعني هو أحدمها‪﴿ ،‬لقدْ كفر ا َّل ِذين قالوا إِ َّن‬
‫ا ْثن ْ ِ‬

‫اَّللَّ ثالِث ثالث ٍة [املائدة‪ ]73:‬يعني واحدٌ من ثالثة‪.‬‬

‫وصل اَّلل وس َّلم‬


‫َّ‬ ‫بقي االستعَمل الثالث والرابع نرتكهَم إن شاء اَّلل بعد الصالة‪ ،‬واَّلل أعلم‪،‬‬
‫عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله وأصحابه أمجعني‪.‬‬
‫‪528‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫الدرس الثالث عرش (اجلزء الثان)‪:‬‬

‫والسالم عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله‬


‫والصالة َّ‬
‫بسم اَّلل الرمحن الرحيم‪ ،‬احلمد َّلل رب العاملني‪َّ ،‬‬
‫وأصحابه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪...‬‬

‫فقد ذكر ابن هشا ٍم ‪-‬ر ِمحه اَّلل تعاىل‪ -‬أن املصوغ من العدد عىل (فاعل)؛ كثالث‪ ،‬ورابع‪،‬‬
‫وعاَش له أربعة استعَمالت‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن يستعمل مفر ادا كـ (البيت الثالث)‪ ،‬و(املدرسة التاسعة)‪ ،‬فهذا يدل عىل الرتتيب‪.‬‬

‫االستعَمل الثان‪ :‬أن يضاف ملا اشتُّق منه؛ كقولك‪( :‬ثالث ثالثة)‪ ،‬و(خامس مخسة) فهذا يدل‬
‫عىل أنه واحدٌ من هذه املجموعة دون ترتيب‪ ،‬كَم يف قوله تعاىل‪﴿ :‬لقدْ كفر ا َّل ِذين قالوا إِ َّن ا َّ‬
‫َّلل‬
‫ثالِث ثالث ٍة [املائدة‪]73:‬؛ أي واحدٌ من ثالثة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ثالثة)‪،‬‬ ‫واالستعَمل الثالث‪ :‬أن يضاف إىل ما حتته من العدد‪ ،‬فيقال‪( :‬ثالث اثنني)‪ ،‬و(رابع‬
‫صريه بنفسه قد زادوا واحدا ا‪ ،‬فإذا كانوا ثالثة ثم‬ ‫ٍ‬
‫و(تاسع ثَمنية) ومعناها التصيري‪ ،‬يعني أنه َّ‬
‫جعلهم أربعة يقول‪( :‬أنا رابع ٍ‬
‫ثالثة)؛ يعني أنا الذي جعلت الثالثة أربعة‪.‬‬

‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬ما يكون ِم ْن ن ْجوى ثالث ٍة إِ َّال هو رابِعه ْم وال مخْس ٍة إِ َّال هو‬
‫س ِ‬
‫ادسه ْم [املجادلة‪.]7:‬‬
‫واالستعَمل الرابع ‪-‬وهو األخري‪ :-‬أن ِ‬
‫ينصب العدد ما دونه؛ أي ينصب هذا املصوغ عىل‬
‫(تاسع‬
‫ٌ‬ ‫(رابع ثالث اة)‪ ،‬أو‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫(ثالث اثنني)‪ ،‬أو‬ ‫وزن (فاعل) أن ينصب العدد الذي دونه؛ كقولك‪:‬‬
‫ثَمني اة)‪ ،‬ومعناه التصيري ا‬
‫أيضا‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪529‬‬

‫رابع ثالث اة) يعني أنا الذي جعلت الثالثة أربع اة‪،‬‬
‫فإذا كانوا ثالثة ثم جعلتهم أربعة تقول‪( :‬أنا ٌ‬
‫وهذا املعنى له استعَمالن؛ ألن ثالث ورابع (فاعل) من العدد يأخذ اسم الفاعل الذي جيوز أن‬
‫تعمله؛‬

‫(ثالث أربع اة) يعني ثلثتهم‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫‪ -‬فت ينونه وتنصب معموله تقول‪:‬‬
‫‪ -‬وتقول‪( :‬رابع ٍ‬
‫ثالثة)؛ أي ربعتهم‪ ،‬جعلتهم أربعة‪.‬‬
‫‪ -‬وإما أن تضيف وتقول‪( :‬رابع ٍ‬
‫ثالثة) كَم سبق يف إعَمل اسم الفاعل‪.‬‬

‫فهذا ما يتع َّلق بباب العدد‪.‬‬

‫‪ ‬لننتقل إىل الباب التايل وهو‪[ :‬باب موانع الرصف] فقد ذكرها ابن هشام وهو من‬
‫األبواب الطويلة فقال‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االس ِم ت ْسع ٌة ْ‬
‫جيمعها‪:‬‬ ‫رصف ْ‬ ‫"موانع ْ‬
‫عدْ ٌل وو ْصف اجل ْمـ ِع ِز ْد ت ْأنِيثـا‬ ‫ـب ع ْجم ـ ٌة ت ْع ِريفهــا‬ ‫وزْ ن املركـ ِ‬
‫اجد‬ ‫اهيم‪ ،‬وعمر‪ ،‬وأخر‪ ،‬وأحاد وم ْو ِحد إِىل األ ْربع ِة‪ ،‬ومس ِ‬ ‫ك‪ ،‬وإِبر ِ‬
‫ْ‬ ‫كأ ْمحد‪ ،‬وأ ْمحر‪ ،‬وب ْعلب َّ‬
‫يث واجل ْمع‬ ‫ودنانِري‪ ،‬وس َّلَمن وسكْران‪ ،‬وفاطِمة وط ْلحة وزينب‪ ،‬وس ْلمى وصحراء‪ ،‬فألِف الت َّْأنِ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫املنعِ‪ ،‬والبو ِاقي ال بدَّ ِم ْن جمامع ِة ك يل ِع َّل ٍة ِمنْه َّن‬
‫اآلحاد ك يل ِمنْهَم ي ْستأثِر بِ ْ‬
‫ِ‬ ‫ا َّل ِذي ال نظِري له يف‬
‫لصف ِة أ ِو العل ِم َّي ِة"‪.‬‬‫ِ‬
‫ل ي‬

‫َشط الع ْجم ِة علِ ِم َّي ٌة ِيف العج ِم َّي ِة و ِزياد ٌة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يب والتَّأنيث والع ْجمة‪ ،‬و ْ‬ ‫الرتكِ ِ‬
‫وتتع َّني العل ِم َّي ِة مع َّْ‬
‫ب) بِم ْعنى‬ ‫ان‪ ،‬وأ ْرم ٌل‪ ،‬وص ْفو ٌ‬ ‫عىل ال َّثالث ِة‪ ،‬والصف ِة أصالتها وعدم قب ِ‬
‫ان‪ ،‬وأ ْرن ٌ‬ ‫وهلا التَّاء‪ ،‬فـ(ع ْري ٌ‬ ‫ي‬
‫ف (ز ْينب وسقر وب ْلخ)‪ ،‬وكـ (عمر)‬ ‫خال ِ‬ ‫ان بِ ِ‬
‫يل منْرصف ٌة‪ ،‬وجيوز يف ن ْح ِو ( ِهن ٍْد) و ْجه ِ‬ ‫اس وذلِ ٍ‬ ‫ق ٍ‬
‫‪530‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ار)‪ ،‬و(أ ْم ٍ ِ ٍ‬ ‫اء كـ(سف ِ‬ ‫خيتم بِر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫س) ملع َّني إِ ْن كان م ْرفو اعا وب ْعضه ْم مل ْ‬ ‫عنْد متيم باب حذا ِم إِ ْن مل ْ ْ ْ‬
‫ي ْش ِرت ْط فِ ْي ِهَم‪ ،‬و(سحر) ِعنْد اجل ِمي ِع إِ ْن كان ظ ْر افا مع َّيناا"‪.‬‬

‫ذكر ابن هشام موانع الرصف التي متنع االسم من الرصف؛ ألن األصل يف االسم الرصف‪،‬‬
‫يعني التنوين‪ ،‬فلهذا يذكرون التنوين من خصائص األسَمء‪ ،‬ويقولون‪ :‬زينة األسَمء التنوين؛‬
‫نون ساكنة تلحق آخر االسم‪ ،‬ومعلوم أن النون من األصوات اجلميلة‪.‬‬
‫ألنه ٌ‬

‫اسَم منعتها العرب من الرصف‪ ،‬من التنوين؛ لع َّلة تش ُّبهها باألفعال‪،‬‬


‫إال أن هناك أحد عرش ا‬
‫واألفعال كَم نعرف ال ت َّنون‪ ،‬فجعلوا هلا مثل حكم األفعال فمنعوها من التنوين زينة األسَمء‪،‬‬
‫خيتص به االسم عن الفعل املضارع‪.‬‬
‫أيضا من اجلر الذي ُّ‬
‫ومنعوها ا‬

‫ا‬
‫فإمجاال‪:‬‬ ‫ا‬
‫تفصيال؛‬ ‫اسَم‪ ،‬نذكرها إمج ااال ثم‬
‫وجممل األسَمء املمنوعة من الرصف أحد عرش ا‬
‫األول‪ :‬االسم املختوم بألف التأنيث‪.‬‬

‫والثان‪ :‬االسم الذي عىل صيغة منتهى اجلموع‪.‬‬

‫ثم من الثالث إىل الثامن‪ :‬أعالم‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬العلم املؤنث‪.‬‬

‫والرابع‪ :‬العلم األعجمي‪.‬‬

‫واخلامس‪ :‬العلم املركَّب‪.‬‬

‫والسادس‪ :‬العلم الذي عىل وزن الفعل‪.‬‬

‫والسابع‪ :‬العلم املعدول‪.‬‬


‫ٍ‬
‫ونون زائدتني‪.‬‬ ‫والثامن‪ :‬العلم املختوم ٍ‬
‫بألف‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪531‬‬

‫ومن التاسع إىل احلادي عرش أوصاف‪:‬‬

‫فالتاسع‪ :‬الوصف الذي عىل وزن الفعل‪.‬‬


‫ٍ‬
‫ونون زائدتني‪.‬‬ ‫والعاَش‪ :‬الوصف املختوم ٍ‬
‫بألف‬

‫واحلادي عرش‪ :‬الوصف املعدول‪.‬‬

‫اخلالصة فيها‪ :‬أنألف التأنيث وصيغتا منتهى اجلموع‪ ،‬هتان الع َّلتان متنعان كل اس ٍم لع َّل ٍة‬
‫واحدة‪:‬‬

‫كل اس ٍم فيه ألف تأنيث أو عىل صيغة منتهى اجلموع يمنع من الرصف‪ ،‬وهي ال حيتاج معها‬
‫علَم‪ ،‬أو كان وص افا‪ ،‬أو كان غري ذلك‪.‬‬
‫سواء كان ا‬
‫ا‬ ‫إىل ع َّل ٍة أخرى؛ يعني متنع كل اسم‬

‫وأما الرتكيب والتأنيث والعجمة‪ :‬هذه الثالثة فتمنع العلم‪ ،‬العلم إذا كان مؤن اثا أو أعجم ًيا‪،‬‬
‫أيضا من الرصف‪.‬‬
‫أو مر َّك ابا تركي ابا مزج ًيا فإنه يمنع ا‬
‫ووزن الفعل والعدل وزيادة ٍ‬
‫ألف ونون‪ :‬متنع العلم ومتنع الوصف‪ ،‬فهذه الثالثة األخرية‬
‫أيضا ومتنع الوصف‪ ،‬فالعلم‬ ‫وهي‪ :‬وزن الفعل‪ ،‬والعدل‪ ،‬وزيادة األلف والنون‪ ،‬متنع العلم ا‬
‫والوصف إذا كانا معدولني‪ ،‬أو كانا ٍ‬
‫يألف ونون زائدتني‪ ،‬أو كانا عىل وزن الفعل فإهنَم يمنعان‬
‫من الرصف‪.‬‬

‫ونرشحها اآلن واحدا ا واحدا ا‪:‬‬

‫■ نبدأ باالسم األول املمنوع من الرصف‪ :‬وهو االسم املختوم بألف تأنيث‪ُّ :‬‬
‫فكل اس ٍم خمتوم‬
‫بألف تأنيث فإنه يمنع من الرصف عل اَم كان أو وص افا‪ ،‬أو غري ذلك‪ ،‬مذك اَّرا أو مؤ َّن اثا‪ ،‬معرف اة أو‬
‫نكرةا؛‬

‫سواء أكانت ألف التأنيث مكسورة؛ كـ (سلمى‪ ،‬وبرشى‪ ،‬وجرحى)‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫‪-‬‬
‫‪532‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ -‬أم كانت ألف التأنيث ممدودة كـ (صحراء‪ ،‬وعلَمء‪ ،‬وحسناء)‪.‬‬

‫رأيتم أن ألف التأنيث متنع املفرد واجلمع‪ ،‬واملذكَّر واملؤنَّث‪ ،‬واملعرفة والنكرة‪ ،‬متنع كل اس ٍم‬
‫هلذه الع َّلة فقط‪.‬‬

‫ومما جيب التنبيه إليه‪ :‬أن ألف التأنيث ال تكون إال زائدة‪ ،‬ال يمكن أن تكون من حروف‬
‫الكلمة‪ ،‬وذلك بأن تكون منقلب اة عن واو‪ ،‬أو منقلب اة عن ياء؛ ا‬
‫فمثال‪( :‬اهلدى) األلف يف آخر‬
‫اهلدى ليست للتأنيث؛ ألهنا من الكلمة‪ ،‬ألهنا من (هدى هيدي) منقلبة عن الياء‪ ،‬فلهذا ال جتد‬
‫جمردة عن الزوائد؛ يعني كل حروفها‬
‫ألف التأنيث يف ثالثي أبدا ا؛ ألن الكلمة الثالثية كلها َّ‬
‫صور ألف التأنيث إال يف الرباعي فَم أكثر‪ ،‬إذا مل تكن منقلبة عن واو أو ياء؛‬
‫أصلية‪ .‬إذن ال ي َّ‬

‫فــ (محراء) اهلمزة هنا زائدة؛ ألهنا ليست يف أمحر‪ ،‬احلروف األصلية‪ :‬احلاء‪ ،‬وامليم‪ ،‬والراء‪،‬‬
‫فاهلمزة زائدة تأنيث‪.‬‬

‫لكن لو قلنا‪( :‬مسعى) هذه من (سعى يسعى سع ًيا)‪ ،‬إذن فاأللف من الكلمة؛ ألهنا موجود‬
‫األلف يف الفعل (سعى يسعى وسع ًيا) ياء‪ ،‬فــ (مسعى) األلف هنا ليست للتأنيث‪ ،‬بل هي‬
‫ِ‬
‫ينرصف مس اعى‪.‬‬ ‫منقلبة عن الياء يف (سعى يسعى سع ًيا) فلهذا‬

‫و(مرمى) ألف تأنيث أو ليست للتأنيث؟ ال من (رمى يرمي) هذه منقلبة عن ياء‪ ،‬إذن‬
‫(مرمى)‪.‬‬
‫(مرمى) مرصوفة وال غري مرصوفة؟ مرصوفة ا‬

‫وكذلك (مستشفى) من (شفى يشفي) منقلبة عن ياء (مستش افى) مرصوف‪.‬‬

‫لكن (سلمى) هذه من (سلِم) إذن األلف زائدة‪ ،‬هذه تأنيث‪ ،‬والتاء متنع من الرصف‪.‬‬

‫و(جرحى) هذا من (اجل ْرح) إذن فاأللف زائدة تأنيث‪.‬‬

‫(تصحر) ما يف مهزة‪ ،‬إذن فاهلمزة زائدة فهي للتأنيث‪.‬‬


‫َّ‬ ‫وكذلك‪( :‬صحراء) من‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪533‬‬

‫إذن فألف التأنيث ال تكون إال زائدة‪ ،‬فال بدَّ أن ننتبه إىل أن األلف ألف تأنيث التي متنع من‬
‫الرصف‪ ،‬أما إذا مل تكن ألف تأنيث فإهنا ال متنع من الرصف‪ ،‬بل يبقى االسم عىل أصل األسَمء‬
‫وهو الرصف‪.‬‬

‫■ واالسم املمنوع من الرصف الثان‪ :‬الذي عىل صيغة منتهى اجلموع‪ ،‬واملراد بصيغ منتهى‬
‫اجلموع‪ :‬وزن (مفاعل‪ ،‬ومفاعيل) وشبههَم‪ .‬يعني‪:‬‬

‫‪ -‬مجع ثالثه ألف‪ ،‬وبعد األلف حرفان أوهلَم مكسور كـ (مساجد‪ ،‬ومنابر)‪.‬‬

‫‪ -‬أو بعد األلف ثالثة أحرف‪ :‬األول مكسور وبعده ياء ماد َّية كـ (مناديل‪ ،‬ومصابيح)‪.‬‬

‫هذا املراد بصيغ منتهى اجلمع كـ (مفاعل‪ ،‬ومفاعيل)‪ ،‬و(أفاعل‪ ،‬وأفاعيل)‪ ،‬و(فواعل‪،‬‬
‫وفواعيل)‪ ،‬وما إىل ذلك وهي كثرية‪ ،‬مثل‪( :‬مساجد‪ ،‬ومنابر‪ ،‬ومصانع‪ ،‬وأوائل‪ ،‬ودفاتر‪،‬‬
‫وأكابر‪ ،‬ودنانري‪ ،‬ومناديل‪ ،‬وعصافري‪ ،‬وأساليب) فهذه كلها ممنوعة من الرصف؛ ألهنا عىل‬
‫صيغة منتهى اجلموع‪.‬‬

‫هذان يمنعان من الرصف لع َّل ٍة واحدة‪ ،‬كل اس ٍم فيه ألف تأنيث يمنع من الرصف هلذه الع َّلة‪،‬‬
‫ما حيتاج إىل ع َّلة أخرى‪ ،‬وكل اس ٍم عىل صيغة منتهى اجلموع يمنع هلذه الع َّلة ال حيتاج إىل ع َّل ٍة‬
‫اآلحاد ك يل ِمنْهَم‬
‫ِ‬ ‫يث واجل ْمع ا َّل ِذي ال نظِري له يف‬
‫أخرى‪ ،‬وهذا قول ابن هشام‪( :‬فألِف الت َّْأنِ ِ‬

‫املن ِع) يعني ال حيتاج إىل ع َّل ٍة أخرى جتامعه لكي متنع االسم من الرصف‪.‬‬ ‫ي ْستأثِر بِ ْ‬

‫■ االسم الثالث الذي يمنع من الرصف‪ :‬العلم املركَّب تركي ابا مزج ًيا غري املختوم بـ (ويه)‪،‬‬
‫ِ‬
‫ومعدكرب) فهذه مركَّبة من كلمتني‪( ،‬بعلبك)‪ :‬من (بعل‪،‬‬ ‫نحو‪( :‬بعلبك‪ ،‬وحرضموت‪،‬‬
‫(ومعدكرب)‪ :‬من (معدي)‪ ،‬ومن ِ‬
‫(كرب) ثم‬ ‫ِ‬ ‫وبك)‪ ،‬و(حرضموت)‪ :‬من (حرض وموت)‪،‬‬
‫‪534‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫مزجنا الكلمتني بحيث يكونان يف حكم الكلمة الواحدة‪ ،‬هذا مركَّب تركيب مزجي‪ ،‬وهو مما‬
‫يمنع من الرصف‪.‬‬

‫ِ‬
‫ينرصف‪،‬‬ ‫وحكمه أن جزئه األول يبنى عىل الفتح‪ ،‬والثان يقع عليه اإلعراب إعراب ما ال‬
‫فتقول يف (بعل) ويف (بك)‪( :‬بعلبك)‪( ،‬هذه بعلبك)‪ ،‬و(زرت بعلبك)‪ ،‬و(ذهبت إىل بعلبك)‬
‫ِ‬
‫ينرصف‪.‬‬ ‫فاألول‪ :‬يبنى عىل الفتح‪ ،‬والثان يقع عليه اإلعراب لكن إعراب ما ال‬

‫كرب)‪ ،‬مثل‪( :‬قاليقال)‪،‬‬ ‫ِ‬


‫(معد ِ‬ ‫خمتوما بياء فإنه يبنى عىل السكون‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫ما مل يكن األول‬
‫ا‬
‫كرب) اسم رجل‪ ،‬و(قاليقال) اسم مدينة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫(معد ِ‬

‫أيضا مركَّب من كلمتني من (خال‪،‬‬


‫خمتوما بـ (ويه) كـ (سيبويه‪ ،‬وخلويه) فهو ا‬
‫ا‬ ‫إال ما كان‬
‫وويه)‪ ،‬و(سيب ويه) فهو مركَّب تركيب مزجي‪ ،‬لكن هذا يبنى عىل الكرس كَم سبق يف األسَمء‬
‫املبنية عىل الكرس‪.‬‬

‫أما املركَّبات األخرى فلها أحكام أخرى‪:‬‬


‫ِ‬
‫املدرسة) فهذا مرصوف ما يف إشكال‪ ،‬ويعرب‬ ‫فاملركَّب اإلضايف كـ (عبد اَّلل‪ ،‬وحارس‬
‫إعراب املضاف‪.‬‬

‫َشا) هذا يلزم لفظه ويعرب إعراب‬


‫حلق‪ ،‬وشاب ق ْرناها‪ ،‬وتأ َّبط ً‬
‫واملركَّب املزجي‪ :‬كـ (جاد ا ُّ‬
‫احلكاية‪ ،‬يعني أنه ال يدخل يف املمنوع من الرصف‪.‬‬

‫■ واالسم املمنوع من الرصف الرابع‪ :‬العلم املؤنث باستثناء الثالثي الساكن الوسط‪ ،‬مؤنث‬
‫مثل‪( :‬فاطمة‪ ،‬وخدجية)‪ ،‬ومثل‪( :‬زينب‪ ،‬سعاد)‪ ،‬ومثل‪( :‬هبة)‪ ،‬ومثل‪( :‬مكَّة) هذه كلها ممنوع‬
‫من الرصف للعلمية والتأنيث‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪535‬‬

‫خال ِ‬
‫ف (ز ْينب وسقر وب ْلخ) يعني أن املؤنث‬ ‫ان بِ ِ‬
‫قال ابن هشام‪( :‬وجيوز يف ن ْح ِو ( ِهن ٍْد) و ْجه ِ‬

‫(مج ٍل)‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫الثالثي العرِب الساكن الوسط مثل‪( :‬هند)‪ ،‬ومثل‪( :‬دعد)‪ ،‬ومثل‪ْ :‬‬

‫ثالثي عرِب ساكن الوسط جيوز فيه الرصف ومنع الرصف‪ ،‬تقول‪( :‬هندٌ وهند) (جاءت‬
‫هندٌ ‪ ،‬وجاءت هند)‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬

‫دعدٌ ومل ْ ت ْسـق د ْعـد ِيف العل ِ‬


‫ـب‬ ‫ـــل ِمئْز ِرهــــا‬
‫ـــع بِف ْضـ ِ‬
‫مل ْ تتل َّفـ ْ‬
‫فرصف يف األول ومنع يف الثان‪.‬‬

‫أما املؤنَّث غري الثالثي‪ :‬فهذا ممنوع مطل اقا؛ كـ (سعاد وزينب)‪.‬‬

‫أيضا ممنوع من الرصف؛ كـ (سقر‪ ،‬وأمل)‪.‬‬


‫املتحرك الوسط‪ :‬فهذا ا‬
‫ي‬ ‫واملؤنث الثالثي‬
‫ِ‬
‫ممنوع من الرصف‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أيضا‬ ‫والثالثي ساكن الوسط‪ :‬األعجمي؛ كــ (ب ْلخ‪ْ ،‬‬
‫ومحص) فهذا ا‬

‫إذن فالذي جيوز فيه الوجهان هو الثالثي العرِب ساكن الوسط‪.‬‬

‫■ واالسم اخلامس املمنوع من الرصف‪ :‬هو العلم األعجمي باستثناء الثالثي املذكَّر مطل اقا‪،‬‬
‫العلم األعجمي؛ كـ (إلبراهيم‪ ،‬وإسَمعيل‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬ويعقوب‪ ،‬وجورج‪ ،‬ولندن‪ ،‬وباريس)‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ولوط‪ ،‬وبوشن‪ ،‬وشت ٍل) فهذه‬ ‫أما الثالثي املذكر األعجمي فهو منرصف مطل اقا؛ كـ (نوحٍ ‪،‬‬
‫مرصوفة؛ أي ال جيوز فيها وجهان كالعلم املؤنث‪ ،‬ال هذه مرصوفة‪.‬‬

‫علَم يف لغته األعجمية؛ يعني كان عل اَم‬


‫طيب‪ :‬واجلمهور يشرتطون ملنع العلم األعجمي كونه ا‬
‫يف لغته األعجمية ثم ن ِقل إىل العربية وهو علم؛ كـ (إلبراهيم‪ ،‬وإسَمعيل‪ ،‬وجورج) هذا اسمه‬
‫العلم يف لغة األعجمية‪ ،‬ثم ن ِقل إىل العربية فمنِع من الرصف‪.‬‬
‫‪536‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫سمى هبا؛ كـ (استربق‪،‬‬


‫بخالف الكلمة األعجمية التي تنقل من العربية وهي نكرة‪ ،‬ثم ي َّ‬
‫وإبريق‪ ،‬وديباج‪ ،‬وقالون) بمعنى حسن‪ ،‬هذه كلَمت أعجمية ع يربت ودخلت إىل اللغة العربية‪،‬‬
‫علَم عليه‪ ،‬لكن هل يمنع أو ال يمنع؟ عند‬ ‫فلو سميت ا‬
‫رجال بعد ذلك بــ (ديباج) صار ا‬
‫علَم يف لغته األعجمية‪.‬‬
‫اجلمهور ال يمنع؛ ألن َشط املنع عندهم أن يكون ا‬
‫ٍ‬
‫بكلمة أعجمية‪ ،‬واخلالف يظهر يف نحو‪:‬‬ ‫وبعضهم ال يشرتط ذلك بل يمنع كل عل ٍم كان‬
‫القراء هل يمنع أو ال يمنع؟‬
‫(قالون) وهو من َّ‬

‫قالون كذا وكذا)‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫‪ -‬فعند اجلمهور ال يمنع‪( ،‬قرأ‬

‫‪ -‬وعند بعض النحويني يمنع‪.‬‬

‫َشط الع ْجم ِة علِ ِم َّي ٌة ِيف العج ِم َّي ِة‬


‫وقول اجلمهور هو األرجح‪ ،‬وهذا قول ابن هشام‪( :‬و ْ‬
‫و ِزياد ٌة عىل ال َّثالث ِة) َشطان‪:‬‬

‫ِ‬
‫منرصف‪.‬‬ ‫‪ -‬العلم األعجمي إذا كان ثالثي‬

‫ِ‬
‫منرصف‪.‬‬ ‫أيضا‬
‫‪ -‬والعلم األعجمي إذا مل يكن عل اَم يف لغته وإنَم صار عل اَم بعد ذلك ا‬
‫ٍ‬
‫ونون زائدتني‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بألف‬ ‫■ واالسم السادس من األسَمء املمنوعة من الرصف‪ :‬العلم املختوم‬
‫اسَم للرجل‪.‬‬
‫اسَم للشهر‪ ،‬أو ا‬
‫نحو‪( :‬سلَمن‪ ،‬ومروان‪ ،‬وعثَمن‪ ،‬ورمضان) شهر رمضان‪ ،‬رمضان ا‬
‫ٍ‬
‫وغليان) فهَم مرصوفان؛ ألهنا ليسا بعلمني‪ ،‬هذا مصدرين (دار‪ ،‬يدور‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫(دوران‪،‬‬ ‫بخالف‪:‬‬
‫دوراناا)‪.‬‬

‫أيضا ال يمنعان‬
‫وبخالف‪( :‬ضَمن وبيان) لو س يمي هبَم رجالن‪ ،‬لو صارا علمني عىل رجلني ا‬
‫ِ‬
‫(ضمن وبان) وليست زائدة‪.‬‬ ‫من الرصف؛ ألن النون أصلية من‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪537‬‬

‫■ واالسم السابع املمنوع من الرصف‪ :‬العلم املعدول‪ ،‬ما معنى معدول؟ يعني العلم‬
‫ٍ‬
‫صيغة أخرى مع بقاء املعنى‪ ،‬العرب عدلوا بعض األسَمء من صيغتها‬ ‫ٍ‬
‫صيغة إىل‬ ‫املعدول من‬
‫ٍ‬
‫صيغة أخرى مع بقاء املعنى‪ ،‬املعنى واحد لكن عدلوها لسبب من األسباب‪.‬‬ ‫األصلية إىل‬
‫ٍ‬
‫صيغة إىل صيغة واملعنى واحد يراد هبا أربعة أشياء ‪-‬انتبهوا لذلك‪:-‬‬ ‫واألعالم املعدولة من‬

‫األول من األعالم املعدولة‪ :‬العلم املذكر الذي عىل وزن (فع ْل) فإن العرب عدلت بعض‬
‫و(زافرا إىل زفر) واملعنى‬
‫ا‬ ‫(عامرا إىل عمر)‪،‬‬
‫ا‬ ‫األسَمء التي عىل وزن (فاعل) إىل (فعل)‪ ،‬كَم عدلوا‬
‫واحد‪.‬‬

‫وهذه األعالم املعدولة إىل (فع ْل) هي أعالم ُمصورة قرابة أربعة عرش ا‬
‫علَم‪ ،‬نحو‪( :‬عمر‪،‬‬
‫وهبل) علم الصنم‪( ،‬وزفر‪ ،‬وزحل‪ ،‬وجحا‪ ،‬ومجح‪ ،‬ومرض‪ ،‬وجشم‪ ،‬وقزح‪ ،‬ودلف‪ ،‬وقثم‪،‬‬
‫وثعل) فهذه معدولة عن فاعل فلهذا منِعت من الرصف‪.‬‬

‫أما لو مجعت (عمر اة وعمر اة وعمرةا) عىل (عمر) فهذا مرصوف؛ ألنه ليس بعلم‪ ،‬وليس‬
‫ا‬
‫معدوال عن (عامر)‪ ،‬وإنَم مجع (عمرة)‪.‬‬

‫ا‬
‫معدوال‪،‬‬ ‫أيضا مرصوف؛ ألنه ليس‬
‫وكذلك (نغر) اسم الطائر‪( ،‬رصد) اسم الطائر هذا ا‬
‫فلهذا حرصوها يف هذه األسَمء‪.‬‬

‫والثان من األعالم املعدول‪ :‬العلم املؤنث عىل وزن (فعايل) عند بني متيم‪ ،‬العلم املؤنث إذا‬
‫كان عىل وزن (فعال) عندي بني متيم‪ ،‬وهذا سبق يف أول القطر وتك َّلمنا عليه‪ ،‬فالعلم املؤنث‬
‫عىل وزن (فِعال) مثل‪( :‬حذامي‪ ،‬وقطامي‪ ،‬وسجاحي)؛‬

‫فاحلجازيون يبنونه عىل الكرس مطل اقا؛ (قالت حذامي‪ ،‬ورأيت حذامي)‪.‬‬
‫‪538‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫خمتوما براء‪ ،‬كـ (ظفاري) بلدٌ يف اليمن‪،‬‬


‫ا‬ ‫وأما بنو متيم فيمنعونه من الرصف ما مل يكن‬
‫و(سفاري) اسم بئر‪ ،‬و(وباري) اسم قبيلة‪ ،‬فإذا ختِم براء فأكثر بني متيم يبنونه عىل الكرس‬
‫خيتم بِر ٍ‬
‫اء كـ(سف ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ار)‪.‬‬ ‫كاحلجازيني‪ ،‬وهذا قول ابن هشام‪( :‬وكـ (عمر) عنْد متيم باب حذا ِم إِ ْن مل ْ ْ ْ‬

‫دائَم‪.‬‬
‫‪ -‬فاحلجازيون يبنونه عىل الكرس ا‬
‫‪ -‬وبنو متيم هم الذين يمنعونه من الرصف‪.‬‬

‫فـ (حذامي) عند احلجازيني مبني عىل الكرس‪ ،‬وعند التميميني ممنوع من الرصف‪ ،‬تقول‪:‬‬
‫(جاءت حذام اليوم)‪ ،‬و(رأيت حذام اليوم)‪ ،‬و(س َّلمت عىل حذا ِم اليوم)‪.‬‬

‫فإذا منِع من الرصف عند التميميني فَم مانعه من الرصف؟ ملاذا منِع من الرصف؟ ألنه عل ٌم‬
‫أيضا من (فاعل)‪ ،‬واألظهر أنه ممنوع من الرصف عندهم؛‬ ‫معدول‪ ،‬قالوا‪ :‬إن (فعال) هنا ع ِدل ا‬
‫ألنه عل ٌم مؤنث‪ ،‬هو ممنوع من الرصف عىل كل حال عندهم‪ ،‬ولكن اخلالف يف ع َّلة املنع من‬
‫الرصف‪.‬‬

‫أيضا يف أول القطر‪،‬‬


‫والثالث مما يدخل يف العلم املعدول‪ :‬كلمة (أمس)‪ ،‬وسبق الكالم عليها ا‬
‫خالصة الكالم عليها أن كلمة (أمس)‪:‬‬

‫إذا أريد هبا املايض مطل اقا دون تعيني فهي معربة اتفا اقا‪ ،‬كـ (كنَّا أعزَّ اة ا‬
‫أمسا)‪.‬‬

‫‪ -‬وإن كان لليوم الذي قبل يومك‪ ،‬اليوم السابق ليومك ففيه تفصيل عن العرب؛‬

‫ِ‬
‫أمس) هذا ظرف زمان وهو‬ ‫فمبني عىل الكرس اتفا اقا؛ (زرته‬
‫ٌّ‬ ‫‪ -‬فإن كان ظرف زمان‬
‫مبني عىل الكرس عند مجيع العرب‪.‬‬

‫أيضا؛ (زرته‬ ‫ِ‬


‫(أمسك) فمعرب اة اتفا اقا ا‬ ‫وإن كانت الكلمة بـ (أل) (األمس)‪ ،‬أو مضاف اة‬
‫ِ‬
‫باألمس)‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪539‬‬

‫معرف اة بـ (أل) وال‬


‫وإن كانت غري ذلك يعني يراد هبا اليوم الذي قبل يومك وليست ظر افا وال َّ‬
‫مضاف اة‪ ،‬فهذا الذي وقع فيها اخلالف بني العرب؛‬

‫ِ‬
‫(أمس أحسن من اليوم) هذا مبتدأ ما‬ ‫دائَم‪ ،‬يقولون‪:‬‬
‫‪ -‬فاحلجازيون يبنونه عىل الكرس ا‬
‫ِ‬
‫أمس) مفعول به‪ ،‬ويبنوه عىل‬ ‫حب‬ ‫ِ‬
‫أمس بَم فيه) فاعل‪ ،‬أو (أ ُّ‬ ‫هو بظرف‪ ،‬أو (مىض‬
‫دائَم‪.‬‬
‫الكرس ا‬
‫‪ -‬وأما بنو متيم فهم الذين يمنعونه من الرصف‪ ،‬وأكثرهم يمنعه من الرصف يف الرفع‪،‬‬
‫أيضا‪ ،‬فتقول بنو متيم‪( :‬مىض أمس بَم فيه)‬
‫وأما يف النصب واجلر فيبنونه عىل الكرس ا‬
‫فريفعون؛ ألنه فاعل‪ ،‬لكن يمنعون من الرصف‪.‬‬

‫وعا وب ْعضه ْم مل ْ ي ْش ِرت ْط ذلِك) يعني بعض‬ ‫س) مل ِع َّ ٍ‬


‫ني إِ ْن كان م ْرف ا‬ ‫وهذا قول ابن هشام‪( :‬و(أ ْم ٍ‬

‫دائَم‪ ،‬وبعضهم منعه من الرصف يف الرفع فقط‪ ،‬أما يف النصب واجلر‬


‫بني متيم منعه من الرصف ا‬
‫فيبنوه عىل الكرس‪.‬‬

‫اسم آلخر الليل‪،‬‬


‫والرابع مما يدخل يف العلم املعدول‪ :‬كلمة (سحر) السحر معروف وهو ٌ‬
‫معني‪ ،‬تريد هبا ليل سح ٍر َّ‬
‫معني فهي ممنوعة من الرصف اتفا اقا‪،‬‬ ‫فكلمة (سحر) إذا كانت ٍ‬
‫لليل َّ‬
‫وإذا كانت مبهمة تريد هبا أي سحر فهي معربة اتفا اقا‪.‬‬

‫معني‪ ،‬تريد سحر‬


‫معني؟ َّ‬
‫سحرا مع َّيناا أو غري َّ‬
‫ا‬ ‫فإذا قلت‪( :‬جئت البارحة سحر) فأنت تريد‬
‫البارحة‪ ،‬فلهذا منِع من الرصف‪( .‬جئت البارحة سحر يا ُممد) ما تقول‪( :‬سح ارا)‪( ،‬جئت‬
‫البارحة سحر يا ُممد)‪.‬‬
‫‪540‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫وإذا قلت‪( :‬اجعلوا لقاءاتكم سح ارا) يعني اجعلوها يف األسحار ال تريد سح ارا معيناا‪،‬‬
‫(اجعلوا لقاءاتكم سح ارا) فهذا معني وال غري معني؟ غري معني فهو معرب اتفا اقا مرصوف‪،‬‬
‫فهو مرصوف اتفا اقا‪.‬‬

‫ٍ‬
‫سحر من األسحار‪.‬‬ ‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬ن َّج ْيناه ْم بِسح ٍر [القمر‪ ]34:‬يعني نجيناهم يف‬

‫فتعرف أنني زرته متى؟ سحر البارحة‪،‬‬ ‫مثال‪( :‬زرت ُممد سحر يا خالد) ِ‬ ‫فلهذا لو قلت لك ا‬
‫عني‪ ،‬وهذه‬ ‫ٍ‬
‫لكن لو قلت‪( :‬زرت ُممدا ا سح ارا) يعني زرته يف آخر الليل يف ليلة من الليايل ومل أ ي‬
‫من د َّقة العربية أرادوا أن يب يينوا ويدققوا يف املعنى دون زيادة كالم‪ ،‬بدل أن يقولوا‪( :‬زرته سحر‬
‫سحرا) وخالص يعني البارحة القريبة‪ ،‬أما إذا مل تريد ذلك فت ينون‬
‫ا‬ ‫البارحة القريبة) قالوا‪( :‬زرته‬
‫ِ‬
‫وترصف‪.‬‬
‫وهذا قول ابن هشام‪( :‬وسحر ِعنْد اجل ِمي ِع إِ ْن كان ظ ْر افا مل ِع َّ ٍ‬
‫ني) فذكرنا إىل اآلن سبعة أسَمء‬
‫من األسَمء املمنوعة من الرصف‪.‬‬

‫ِ‬
‫الفعل‪،‬‬ ‫■ لنذكر االسم الثامن من األسَمء املمنوعة من الرصف‪ :‬وهو العلم الذي عىل وزن‬
‫وزن خاص من أوزان الفعل‪ ،‬أو عىل ٍ‬
‫وزن غالب من أوزان الفعل‪،‬‬ ‫ويراد به العلم الذي عىل ٍ‬

‫فاللغة العربية فيها أوزان كثرية؛ يف أوزان خاصة باألسَمء‪ ،‬ويف أوزان خاصة باألفعال‪ ،‬ويف‬
‫أوزان مشرتكة تأيت يف األسَمء وتأيت يف األفعال‪.‬‬
‫فمثال‪ :‬وزن (يفعل‪ ،‬أو ِ‬
‫يفعل‪ ،‬أو يفعل‪ ،‬ويفعلون‪ ،‬أو تفعلون‪ ،‬أو ف َّعل) هذه أوزان‬ ‫ا‬ ‫‪-‬‬
‫خاصة بالفعل‪ ،‬ما أسَمء عىل هذه األوزان‪.‬‬

‫مثال‪ :‬وزن (فعلل) كـ (فرزدق) هذا اسم خاص به‪ ،‬أو (فعلِل) هذه‬
‫ومثال‪ :‬لو قلنا ا‬
‫ا‬ ‫‪-‬‬
‫أوزان خاصة باالسم ال تأيت بالفعل‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪541‬‬

‫‪ -‬لكن ا‬
‫مثال وزن (فعل) هذا فيه أفعال مثل‪( :‬ذهب‪ ،‬وجلس) ويف أسَمء مثل‪( :‬قمر‪،‬‬
‫وجبل) هذا مشرتك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫غالبة باألفعال‪ ،‬هذه متنع‬ ‫ٍ‬
‫خاصة باألفعال‪ ،‬أو أوزان‬ ‫ٍ‬
‫أوزان‬ ‫طيب‪ :‬يراد األسَمء التي تأيت عىل‬
‫من الرصف‪ ،‬لكن لو جاء االسم عىل ٍ‬
‫وزن مشرتك‪ ،‬هذا يبقى عىل األصل مرصو افا‪ ،‬وأغلب ما‬
‫يكون ذلك يف األسَمء املنقولة من األفعال‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ؛ كــ (يزيد‪ ،‬أو‬ ‫علَم فانقلب إىل اسم‪ ،‬لكن يمنع من الرصف‬ ‫وجعلته‬ ‫نقلته‬ ‫ل)‬‫ع‬‫(ف ِ‬
‫ا‬
‫شمر) فهذه ممنوعة من الرصف؛ ألهنا عىل وزن الفعل‪ ،‬لكن‬ ‫ِ‬
‫يشكر‪ ،‬أو تغلب‪ ،‬أو أمحد‪ ،‬أو َّ‬
‫ِ‬
‫وغادر)‪ ،‬ويأيت يف األسَمء‬ ‫(حكم‪ ،‬أو صالح‪ ،‬فاعل) هذا يأيت يف األفعال (فاعل) مثل‪( :‬سافِر‪،‬‬
‫وجالس) فهذا مرصوف‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫(قائم‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫مثل‪:‬‬

‫فذكرنا اآلن ثَمنية أسَمء من األسَمء املمنوعة من الرصف‪ ،‬ثَمنية‪ :‬اثنان يمنعان لع َّلة واحدة‪،‬‬
‫وستة علم جيامع ع َّل اة أخرى‪ ،‬يبقى لنا ثالثة‪ ،‬وهي‪ :‬األوصاف التي جتامع ع َّل اة أخرى‪.‬‬
‫■ فننتقل إىل االسم التاسع من األسَمء املمنوعة من الرصف‪ :‬وهو الوصف‪ ،‬وزيادة ٍ‬
‫ألف‬
‫ونون زائدتني‪ ،‬ويراد به الوصف الذي عىل وزن (ف ْعالن) فقط بخالف (فعالن)‪ ،‬أو (فِعالن)‪،‬‬
‫أو (فعالن)‪ ،‬أو أي وزن آخر‪ ،‬هذه ال متنع من الرصف‪ ،‬يراد بالوصف الذي عىل وزن الفعل؛‬
‫يعني الوصف الذي عىل وزن (ف ْعالن) نحو‪( :‬غضبان‪ ،‬وسكران) برشطني‪:‬‬

‫األول‪ :‬أال تكون الوصفية عارضة‪ ،‬بل تكون الوصفية أصلية‪ ،‬كيف تكون الوصفية‬
‫خالصا‪ ،‬كان اسم لذات‪ ،‬ثم جعلناه وص افا‬
‫ا‬ ‫اسَم‬
‫عارضة؟ عرضت له؛ يعني هو يف األصل كان ا‬
‫املؤول بمشتق كَم قلنا قبل قليل‪.‬‬
‫وصفنا به هذا اجلامد َّ‬
‫‪542‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ٍ‬
‫القاس‪ ،‬احلجر القاس يسمى صفوان‪،‬‬ ‫يعني مثل كلمة (صفوان)‪ ،‬الصفوان يف اللغة‪ :‬احلجر‬
‫رجل صفوان)؛ يعني ٍ‬
‫قاس مثل احلجر‪ ،‬فكلمة (صفوان) هل هي‬ ‫ثم صار ينعت به‪ ،‬يقال‪( :‬هذا ٌ‬
‫يف األصل وصف‪ ،‬أو يف األصل اسم والوصفية عرضت له؟ هذا اسم عرضت له الوصفية‬
‫فيبقى عىل رصفه‪ ،‬تقول‪( :‬رأيت ا‬
‫رجال صفواناا)‪.‬‬

‫والرشط الثان ملنع الوصف الذي عىل (ف ْعالن) من الرصف‪ :‬أال يكون تأنيثه بالتاء‪ ،‬أال يكون‬
‫ٌ‬
‫(رجل غضبان)‪ ،‬واألنثى‪( :‬امرأ ٌة غضبى) هذا يمنع من‬ ‫مؤنَّثه بالتاء‪ ،‬يعني مثل (غضبان)‬
‫الرصف‪( ،‬سكران وسكرى) يمنع من الرصف‪.‬‬

‫(ندمان وندمان ٌة) بخالف‬


‫ٌ‬ ‫ندمان‪ ،‬وامرأ ٌة ندمانة) هذا من الندم‪ ،‬هذا يرصف‬
‫ٌ‬ ‫لكن (ر ٌ‬
‫جل‬
‫الذي ي ِ‬
‫نادم الرجل يتك َّلم معه ويسهر معه‪ ،‬فـ (ندمان وندمى)‪.‬‬

‫أيضا مرصوف‪ ،‬مرصوف؛ ألن مؤنثه‬ ‫ٌ‬


‫(رجل عريان‪ ،‬وامرأ ٌة عريان ٌة) هذا ا‬ ‫ريان)‬
‫مثل‪( :‬ع ٌ‬
‫بالتاء‪ ،‬ومرصوف؛ ألنه عىل (ف ْعالن) ليس عىل (ف ْعالن)‪.‬‬

‫إذن فالوصف الذي عىل (ف ْعالن) يمنع برشط أن تكون وصفيته أصلية ال عارضة‪ ،‬وأال‬
‫يكون مؤنثه بالتاء‪.‬‬

‫■ االسم العاَش من األسَمء املمنوعة من الرصف‪ :‬الوصف الذي عىل وزن الفعل‪ ،‬ويراد به‬
‫وزناا واحدا ا وهو‪( :‬أ ْفع ْل)؛ يعني الوصف الذي عىل وزن (أ ْفع ْل)‪ ،‬مثل‪( :‬أكرب‪ ،‬وأصغر‪،‬‬
‫وأحسن‪ ،‬وأقبح) بالرشطني السابقني؛ يعني‪:‬‬

‫‪ -‬أن تكون الوصفية أصلي اة ال عارضة‪ ،‬مثل‪( :‬أكرب‪ ،‬وأصغر‪ ،‬وأحسن‪ ،‬وأمجع)‪ ،‬فإن كانت‬
‫الوصفية عارض اة؛ يعني يف األصل كانت اسم خالص‪ ،‬ثم عرضت له الوصفية‪ ،‬فهذا يبقى عىل‬
‫أصل األسَمء الرصف‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪543‬‬

‫(أربع)‪ ،‬فإذا وصفت به تقول‪( :‬جاءت‬


‫ٌ‬ ‫مثل‪( :‬أربع) هذا اسم عدد‪( ،‬أربع ٌة)‪ ،‬ومع األنثى‬
‫نساء أربع) يف األصل اسم عدد ثم وصفت به يبقى مرصو افا؛ ألن الوصفية عارضة فيه ليست‬
‫ٌ‬
‫أربع)‪.‬‬
‫أصلية‪ ،‬فتقول‪( :‬جاءت نسو ٌة ٌ‬

‫وكذلك (أرنب) كلمة (أرنب) هذا اسم ذات‪ ،‬ثم عرضت له الوصفية بمعنى ذليل أو‬
‫ذليل فيبقى مرصو افا؛ (رأيت ا‬
‫رجال أرن ابا)‪.‬‬ ‫خائف أو ٌ‬
‫ٌ‬ ‫أرنب) يعني‬
‫رجل ٌ‬‫خائف ( ٌ‬

‫‪ -‬والرشط الثان‪ :‬أال يكون تأنيثه بالتاء‪ ،‬مثل‪( :‬أصغر وصغرى‪ ،‬وأكرب وكربى) لكن لو كان‬
‫فأرمل مرصوف؛ ألن مؤنثه بالتاء‬ ‫ٌ‬ ‫تأنيثه بالتاء وهذا قليل فإنه يرصف‪ ،‬مثل‪( :‬أرمل وأرملة)‬
‫(أرملة)‪ ،‬وهذا قول ابن هشام‪( :‬والصف ِة ‪-‬يعني وَشط الصفة‪ -‬أصالتها وعدم قب ِ‬
‫وهلا التَّاء)؛‬ ‫ي‬

‫‪( ‬أصالتها) يعني أصالتها يف الوصفية‪ ،‬وليست الوصفية فيها عارضة‪.‬‬


‫‪( ‬وعدم قب ِ‬
‫وهلا التَّاء) يعني مؤنثها ال يكون بالتاء‪.‬‬

‫وأرنب بمعنى قا ٍ‬
‫س وذليل) منرصف ٌة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وصفوان‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وأرمل‪،‬‬ ‫(عريان‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫فـ‬

‫■ ثم االسم احلادي عرش من األسَمء املمنوعة من الرصف ‪-‬وهو األخري‪ :-‬الوصف‬


‫ٍ‬
‫صيغة أخرى مع بقاء‬ ‫ٍ‬
‫صيغة إىل‬ ‫املعدول‪ ،‬ما املراد بالوصف املعدول؟ هو الوصف املعدول من‬
‫صيغة أخرى فمنِعت من‬
‫ٍ‬ ‫املعنى‪ ،‬أوصاف قليلة معينة عدلتها العرب عن صيغتها األصلية إىل‬
‫الرصف‪.‬‬

‫واملراد باألوصاف املعدولة شيئان‪:‬‬

‫اليشء األول‪ :‬كلمة (أخر) كَم يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ف ِعدَّ ٌة ِم ْن أ َّيا ٍم أخر [البقرة‪ ]184:‬منِعت من‬
‫الرصف‪ ،‬ملاذا؟ ألهنا معدولة‪ ،‬طيب ع ِدلت عن ماذا؟ عن أي صيغة؟ ع ِدلت عن صيغة (آخر‬
‫أ ْفعل)‪ ،‬قياس اسم التفضيل (آخر)‪.‬‬
‫‪544‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫واسم التفضيل كَم درسناه من قيل‪:‬‬

‫معر افا بـ (أل)‪.‬‬


‫‪ -‬إما أن يكون َّ‬

‫‪ -‬أو مضا افا لنكرة‪.‬‬

‫‪ -‬أو مضا افا ملعرفة‪.‬‬

‫جمر ادا من ذلك‪.‬‬


‫‪ -‬أو َّ‬

‫درسنا ذلك؛‬

‫‪ ‬إن كان بـ (أل) فيطابق؛ (الرجل األكرب‪ ،‬واملرأة الكربى)‪.‬‬

‫‪ ‬وإن كان مضا افا إىل معرفة فيجوز فيه املطابقة وعدم املطابقة‪ ،‬تقول‪( :‬أنتم أفضل‬
‫الرجال)‪ ،‬و(أفاضل الرجال)‪.‬‬
‫ِ‬
‫و(أنت أفضل‬ ‫‪ ‬وإن كان مضا افا إىل نكرة ِلزم اإلفراد والتذكري؛ (أنت أفضل رجل)‪،‬‬
‫ٍ‬
‫رجال)‪.‬‬ ‫امرأة)‪ ،‬و(أنتم أفضل‬

‫جمر ادا من ذلك‪ ،‬ما فيه (أل) وال إضافة فيلزم اإلفراد والتذكري؛ كـ (ُممد‬
‫‪ ‬وإن كان َّ‬
‫أفضل من زيد)‪ ،‬و(هندٌ أفضل من هند)‪ ،‬و(النساء أفضل من غريهم)‪ ،‬و(الرجال‬
‫أفضل من غريهم)‪.‬‬

‫معرف بـ (أل) ال‪ ،‬مضاف إىل نكرة ومعرفة‬ ‫طيب و(أخر) يف اآلية من أي هذه االستعَمالت؟ َّ‬
‫حينئذ أن يلزم اإلفراد والتذكري‪ ،‬فيقال‪( :‬ف ِعدَّ ٌة ِم ْن‬
‫ٍ‬ ‫املجرد‪ ،‬فقياسه‬
‫ال‪ ،‬إذن فهو من النوع األول َّ‬
‫ِ‬
‫مضطرد‬ ‫أ َّيا ٍم آخر) يعني من أيا ٍم آخر من غريهن‪ ،‬لكن ع ِدل يف كلمة (آخر) فقط إىل أخر‪ ،‬وهذا‬
‫فيها فمنعوها من الرصف‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪545‬‬

‫واألمر الثان‪ ،‬الوصف الثان الذي يدخل يف الوصف املعدول‪ :‬صيغة (م ْفعل) و(فعال) من‬
‫العدد من الواحد إىل العرشة‪ ،‬فيصيغون من الواحد عىل (م ْفعل) و(فعال) فيقولون‪( :‬موحد‬
‫وأحاد)‪ ،‬ومن اثنني‪( :‬مثنى وثناء)‪ ،‬ومن ثالثة‪( :‬مثلث وثالث) إىل العرشة‪( :‬م ْعرش وعشار)‪.‬‬

‫واملعنى (ادخلوا ثالث‪ ،‬أو ادخلوا مثلث) املعنى ادخلوا ثالث اة ثالث اة‪ ،‬فعدلوا عن العدد‬
‫(ادخلوا ثالث اة ثالث اة) إىل (م ْفعل)‪( :‬ادخلوا م ْثلث)‪ ،‬أو إىل (فعال)‪( :‬ادخلوا ثالث) فمنعوه من‬
‫الرصف‪.‬‬

‫والعدد املعدول إىل (م ْفعل) و(فعال) إعرابه ال خيرج غال ابا عن ثالثة أعاريب؛‬

‫اعا)‪ ،‬أو (دخل اجلمهور مربع) يعني حالة‬ ‫‪ -‬إما أن يكون ا‬


‫حاال؛ كـ (دخل اجلمهور رب ا‬
‫كوهنم كذلك‪ ،‬ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬فانكِحوا ما طاب لكم ِمن النيس ِ‬
‫اء م ْثنى‬ ‫ْ‬
‫وثالث ورباع [النساء‪ ]3:‬يعني اثنتني اثنتني‪ ،‬وثال اثا ثال اثا‪ ،‬وأرب اعا أرب اعا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بسيارات ثالث)‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بسيارات مثنى مثنى)‪ ،‬أو (مررت‬ ‫‪ -‬وإما أن يعرب نعتاا؛ كـ (مررت‬
‫ويل أ ْجنِح ٍة م ْثنى وثالث ورباع [فاطر‪ ]1:‬فمثنى‪ٌ :‬‬
‫نعت‬ ‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬أ ِ‬
‫ألجنحة‪.‬‬

‫السال ِم‪« :-‬صالة ا َّلل ْي ِل م ْثنى م ْثنى» فصالة‬ ‫ِ‬


‫الصالة و َّ‬
‫خربا؛ كقوله ‪-‬عل ْيه َّ‬
‫‪ -‬وإما أن تكون ا‬
‫الليل‪ :‬مبتدأ‪ ،‬ومثنى‪ :‬خرب‪ ،‬ومثنى الثانية‪ :‬توكيدٌ لفظي‪.‬‬

‫فهذا ما يتع َّلق بموانع الرصف‪ ،‬وعرفنا أهنا منحرصة يف أحد عرش ا‬
‫اسَم‪.‬‬

‫التعجب‪ :‬هو انفعال النفس عند الشعور ٍ‬


‫بأمر‬ ‫ُّ‬ ‫التعجب]‬
‫ُّ‬ ‫‪ ‬لننتقل إىل الباب التايل وهو [باب‬
‫جتهل سببه‪ ،‬أو ٍ‬
‫بأمر خارجٍ عن عادة مثله؛‬

‫‪ -‬إما أنك رأيت شيئاا جتهل سببه‪.‬‬


‫‪546‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ -‬أو أن هذا اليشء خرج عن عادته‪.‬‬

‫والتعجب يف اللغة عىل نوعني‪:‬‬ ‫تعج ابا‪،‬‬ ‫ٍ‬


‫ُّ‬ ‫فتنفعل نفسك حينئذ فهذا االنفعال يسمى ُّ‬

‫التعجب السَمعي‪ ،‬وهذا له صيغٌ كثرية‪ ،‬وبابه باب اللغة نحو‪( :‬كيف نجوت‬ ‫ُّ‬ ‫النوع األول‪:‬‬
‫ِ‬
‫من اللصوص؟!)‪ ،‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬ك ْيف تكْفرون بِاَّللَِّ [البقرة‪ ،]28:‬وقوله ‪-‬عل ْيه َّ‬
‫الصالة‬
‫ِ‬
‫فارسا)‪ ،‬ويف قوهلم‪( :‬عج ابا‬
‫دره ا‬‫السال ِم‪« :-‬س ْبحان اَّلل إِ َّن ا ْمل ْؤمن ال ينْجس»‪ ،‬ويف قوهلم‪َّ( :‬لل ُّ‬
‫و َّ‬
‫لك!) وهكذا‪ ،‬وهذا بابه اللغة كَم قلنا وليس النحو‪.‬‬

‫التعجب القيايس وهو الذي يعقد له هذا الباب لدراسة أساليبه وأحكامه‪ ،‬وله‬
‫ُّ‬ ‫والنوع الثان‪:‬‬
‫صيغتان‪ :‬ومها‪( :‬ما أفعله‪ِ ،‬‬
‫وأفعل به) سيذكرمها ابن هشام‪ ،‬قال ابن هشام‪:‬‬
‫ِ‬ ‫"ال َّتع ُّجب له ِصيغت ِ‬
‫ان‪( :‬ما أ ْفعل ز ْيدا ا)‪ ،‬وإِ ْعرابه‪( :‬ما) م ْبتد ٌأ بِم ْعنى يش ٌء عظ ٌ‬
‫يم‪ ،‬و(أ ْفعل)‬
‫ول بِ ِه واجل ْملة خرب (ما)"‪.‬‬ ‫اعله ض ِمري (ما)‪ ،‬و(ز ْيدا ا) م ْفع ٌ‬
‫اض ف ِ‬
‫فِ ْع ٌل م ٍ‬

‫وبني إعرابيها؛ كقوله‬


‫للتعجب وهي األكثر يف االستعَمل؛ (ما أفعله) َّ‬
‫ُّ‬ ‫فذكر الصيغة األوىل‬
‫َّار [البقرة‪ ،]175:‬ويف قوله تعاىل‪﴿ :‬قتِل ا ِ‬
‫إلنْسان ما‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬فَم أ ْصربه ْم عىل الن ِ‬

‫أكْفره [عبس‪.]17:‬‬

‫يشء عظيم وهي مبتدأ‪ ،‬وأمجل‪ٌ :‬‬


‫فعل‬ ‫ٌ‬ ‫فإذا قلت‪( :‬ما أمجل السَمء) فـ (ما) هذه نكرة بمعنى‬
‫ٌ‬
‫مفعول به‪ ،‬واجلملة‬ ‫ٍ‬
‫ماض مبني عىل الفتح‪ ،‬والفاعل مسترت تقدير (هو) يعود إىل (ما)‪ ،‬والسَمء‪:‬‬
‫يشء مجيل جعل‬
‫ٌ‬ ‫الفعلية من الفعل والفاعل واملفعول به (أمجل السَمء) خرب للمبتدأ؛ يعني‬
‫السَمء عجيب اة‪.‬‬

‫للتعجب‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫‪ ‬ثم قال ابن هشام يف بيان الصيغة األخرى‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪547‬‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ي‬‫ي صار ذا كذا كــ (أغدَّ ا ْلبعري)؛ أ ْ‬ ‫"(وأ ْفع ْل بِه) وهو بِم ْعنى‪ :‬ما أ ْفعله‪ ،‬وأ ْصله (أ ْفعل)‪ ،‬أ ْ‬
‫خالفِها‬‫ت هنا‪ ،‬بِ ِ‬ ‫ظ‪ ،‬ف ِم ْن ث َّم ل ِزم ْ‬
‫إلصالحِ ال َّل ْف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫صار ذا غدَّ ة‪ ،‬فغ يري ال َّل ْفظ و ِزيدت ا ْلباء ِيف الفاع ِل ِ ْ‬
‫اع ِل (كفى)"‪.‬‬ ‫ِيف ف ِ‬

‫ِ‬
‫باملساء)‪،‬‬ ‫بزيد)‪ ،‬و(أمجِ ْل‬
‫(أحسن ٍ‬‫ِ‬ ‫وبني إعراهبا‪ ،‬نحو‪:‬‬
‫ْ‬ ‫للتعجب‪َّ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫فذكر الصيغة األخرى‬
‫رص [مريم‪.]38:‬‬ ‫باجلهل)‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬أس ِمع ِهبِم وأب ِ‬
‫ِ‬ ‫و(أقبِح‬
‫ْ ْ ْ ْ ْ‬
‫(أحسن ٍ‬
‫بزيد) يعني‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ماض؛ ألنه بمعنى حسن زيدٌ ‪ ،‬فــ‬ ‫بزيد)‪ِ :‬‬
‫أحسن‪ٌ :‬‬
‫فعل‬ ‫(أحسن ٍ‬‫ِ‬ ‫إعراهبا‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫حسن زيدٌ ‪ ،‬فحسن‪ :‬فعل مايض‪ ،‬وزيدٌ ‪ :‬الفاعل‪ ،‬إال أن حسن غ يري من صيغة املايض إىل صيغة‬
‫مبني عىل الفتح املقدَّ ر منع من‬ ‫(أحسن)‪ :‬فعل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أمر عىل صيغة األمر ٌّ‬ ‫(أحسن)‪ ،‬فــ‬ ‫األمر فقيل‪:‬‬
‫جر زائد‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫جر زائد‪ ،‬فالباء حرف ٍّ‬ ‫ظهوره صيغة فعل األمر‪ ،‬و(زيد)‪ :‬فاعل‪ ،‬والباء قبله‪ :‬حرف ٍّ‬
‫جمرور لف اظا بالباء الزائدة‪.‬‬ ‫مرفوع ً‬
‫ُمال‬ ‫ٍ‬
‫وزيد‪ :‬فاعل‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫فإن قلت‪ :‬ملاذا زادت العرب الباء هنا مع الفاعل؟ فقالوا‪ :‬إلصالح اللفظ‪ ،‬ما معنى إلصالح‬
‫ٌ‬
‫منضبط ال يتغري‪ ،‬ففاعل األمر للواحد ال يكون فاعله إال‬ ‫اللفظ؟ عرفنا أن فعل األمر فاعله‬
‫(أحسن ٍ‬
‫بزيد) اسم‬ ‫ِ‬ ‫ظاهرا‪ ،‬والفاعل هنا‬ ‫اسَم‬
‫ا‬ ‫مسترتا تقديره (أنت)؛ يعني ما يكون فاعله ا‬
‫ا‬ ‫ضمريا‬
‫ا‬
‫ظاهر‪.‬‬

‫ا‬
‫فاعال لفعل األمر الواحد؟ فجيئت الباء إلصالح اللفظ؛ ألن‬ ‫ظاهرا‬
‫ا‬ ‫اسَم‬
‫كيف يكون ا‬
‫ٍ‬
‫ماض‪ ،‬لكنه يبقى يف اللفظ فعل أمر‪ ،‬فكرهوا‬ ‫ِ‬
‫(أحسن) فعل أمر يف اللفظ‪ ،‬لكنه يف احلقيقة ٌ‬
‫فعل‬
‫ظاهرا‪ ،‬فأتوا بالباء‬
‫ا‬ ‫اسَم‬
‫ظاهرا فيخالف أفعال األمر التي ال يأيت فاعلها ا‬
‫ا‬ ‫اسَم‬
‫أن يكون فاعله ا‬
‫إلصالح اللفظ؛ فلهذا ِلزمت الباء؛ ألهنا إلصالح اللفظ‪.‬‬

‫بخالف زيادهتا يف املواضع األخرى كَم يف فاعل (كفى)؛‬


‫‪548‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ -‬فاألكثر أن تزاد الباء‪﴿ :‬كفى بِاَّللَِّ ش ِهيدا ا [الفتح‪ ]28:‬يعني كفى اَّلل شهيدا ا‪.‬‬

‫واإلسالم‬
‫ْ‬ ‫‪ -‬ويمكن أال تزاد فتقول‪( :‬كفى اَّلل شهيدا ا)‪ ،‬ويف قول الشاعر‪( :‬كفى َّ‬
‫الش ْيب‬
‫للمرء ن ِ‬
‫اه ايا)‪.‬‬ ‫ِ‬

‫ِ‬
‫فأحسن‪:‬‬ ‫(أحسن ٍ‬
‫بزيد) بمعنى (حسن زيدٌ )‬ ‫ِ‬ ‫وما ذكره ابن هشا ٍم هنا هو قول اجلمهور‪ :‬أن‬
‫فعل مايض عىل صيغة األمر‪ ،‬وزيدٌ ‪ :‬فاعل‪ ،‬والباء زائدة‪.‬‬

‫مسترت تقديره (أنت)‬ ‫ضمري‬ ‫أمر حقيقي‪ ،‬ففاعله‪:‬‬ ‫ِ‬


‫(أحسن)‪ :‬فعل ٍ‬ ‫وقال الكوفيون‪ :‬إن‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫(أحسن‬ ‫ٌ‬
‫مفعول به دخلت عليه الباء‪ ،‬واملعنى‪:‬‬ ‫للمخاطب‪ ،‬والباء داخل ٌة عىل املفعول به‪ٍ ،‬‬
‫فزيد‬
‫زيدا ا)؛ يعني ِ‬
‫أحسن أنت زيدا ا‪.‬‬

‫متجها يف اللفظ واإلعراب؛ ألن املعنى ليس عىل‬


‫ا‬ ‫ٌ‬
‫ضعيف يف املعنى وإن كان‬ ‫وقول الكوفيني‬

‫ذلك‪ ،‬فليس املعنى يف (أقبِح باجلهل) يعني اجعله ا‬


‫قبيحا‪ ،‬وإنَم املعنى كَم هو يف الصيغة األخرى‬
‫(ما أقبح اجلهل)‪.‬‬

‫التعجب وكذلك اسم التفضيل‪:‬‬ ‫‪ ‬ثم قال ابن هشام يف بيان ٍ‬


‫يشء من أحكام‬
‫ُّ‬
‫ت تام مبنِي لِ ْلف ِ‬
‫اع ِل‬ ‫او ٍ‬ ‫يل ِمن فِع ٍل ثالثِي م ْثب ٍ‬
‫ت متف ِ‬ ‫ِ‬ ‫"وإِنََّم ي ْبنى فِ ْعال التَّعج ِ‬
‫ٍّ ْ ٍّ‬ ‫ب و ْاسم ال َّت ْفض ِ ْ ْ‬
‫اعلِ ِه أ ْفعل"‪.‬‬
‫اسم ف ِ‬
‫ْ‬

‫التعجب‪ ،‬وكذلك اسم التفضيل‪ ،‬وهو ما‬


‫ُّ‬ ‫فذكر َشوط ما يبنى ويصاغ ويؤخذ منه فعل‬
‫اجتمعت فيه هذه الرشوط‪:‬‬

‫التعجب والتفضيل ال يؤخذان من االسم‪ ،‬ال‬


‫ُّ‬ ‫الرشط األول‪ :‬أن يكون ا‬
‫فعال؛ يعني أهنَم‬
‫يؤخذان من جدار‪ ،‬من باب‪ ،‬من كريس‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪549‬‬

‫الرشط الثان‪ :‬أن يكون هذا الفعل ثالث ًيا‪ ،‬فتقول ا‬


‫مثال يف (رضب)‪( :‬هو أرضب منك)‪ ،‬و(ما‬
‫أرضبه)‪ ،‬لكن ال تؤخذ من الرباعي كـ (دحرج)‪ ،‬أو اخلَميس‪( :‬انطلق)‪ ،‬أو السدايس‪:‬‬
‫(استخرج)‪.‬‬

‫(فالن‬
‫ٌ‬ ‫وأجاز سيبويه أخذمها من (أفعل) يعني الثالثي املزيد هبمزة يف أوله؛ كقول العرب‪:‬‬
‫أعطى ِ‬
‫للَمل من فالن) فأخذوا أفعل التفضيل من أعطى املزيد باهلمزة وهو رباعي‪ ،‬ويقولون‪:‬‬
‫(ما أعطاه للَمل)‪ ،‬ويقولون‪( :‬ما أظلم الليل) من أظلم الليل‪ ،‬ويقولون‪( :‬ما أقفر املكان) من‬
‫أقفر املكان‪.‬‬

‫التعجب والتفضيل ال يؤخذان من املنفي‪ ،‬مثل‪:‬‬


‫ُّ‬ ‫والرشط الثالث‪ :‬أن يكون مثبتاا يعني أهنَم‬
‫(ال يذهب‪ ،‬أو ما يذهب‪ ،‬أو ليس يذهب)‪.‬‬

‫والرشط الرابع‪ :‬أن يكون هذا الفعل متفاوتاا له درجات‪ ،‬فلهذا ال يؤخذ من نحو‪( :‬مات‪،‬‬
‫وفني)‪.‬‬

‫تاما‪ ،‬وهذا خي ِرج الفعل الناقص يعني كان وأخواهتا‪ ،‬ما تقول‪:‬‬
‫والرشط اخلامس‪ :‬أن يكون ً‬
‫جالسا) ال يقال ذلك‪.‬‬ ‫جالسا)‪ ،‬و(ما أكونه‬ ‫(ُممد أكون من ٍ‬
‫زيد‬
‫ا‬ ‫ا‬

‫والرشط السادس‪ :‬أن يكون مبن ًيا للفاعل‪ ،‬وهذا خي ِرج املبني للمجهول‪ ،‬ال يؤخذ منه ُّ‬
‫تعجب‬
‫وال تفضيل‪.‬‬

‫والرشط السابع‪ :‬أال يكون اسم الفاعل منه عىل وزن (أفعل)؛ يعني ال يكون الوصف منه‬
‫عىل وزن (أفعل)‪ ،‬نحن درسنا يف األوصاف أن اسم الفاعل يشابه الصفة املش َّبهة يف كوهنَم‬
‫يدالن عىل ٍ‬
‫فعل وصاحبه‪ ،‬كالمها فعل الفعل‪ ،‬فـ (قائم) الذي فعل القيام‪ ،‬و(شجاع) الذي فعل‬
‫الشجاعة‪ ،‬كالمها فعل الفعل‪ ،‬لكن الفرق بينهَم من أوجه؛ منها‪:‬‬
‫‪550‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ -‬أن اسم الفاعل يؤخذ من فعل املتعدي ي والالزم‪ ،‬كـ (رضب فهو ِ‬
‫ضارب)‪ ،‬و(جلس‬
‫(َشب) فهو ِ‬
‫شارب‪.‬‬ ‫أيضا من (فعل) املتعدي ي؛ كـ ِ‬
‫فهو جالس)‪ ،‬ويؤخذ ا‬
‫فرح ال ِ‬
‫فارح)‪ ،‬ومن‬ ‫(فرح فهو ِ‬
‫‪ -‬وأما الصفة املش َّبهة فتؤخذ من (فعل) الالزم كـ ِ‬
‫(فعل) مثل (كرم فهو كريم ال ِ‬
‫كارم)‪.‬‬

‫فهنا يقول‪ :‬جيب أال يكون اسم الفاعل منه ‪-‬يعني الوصف‪ -‬عىل وزن (أفعل)‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫ِ‬
‫و(عمي فهو أعمى ال عامٍ)‪،‬‬ ‫(شاب) املتَّصف بالشيب ماذا نسميها؟ أشيب‪ ،‬ما نقول‪( :‬شائب)‪،‬‬
‫و(خرض املكان فهو أخرض ال ِ‬
‫خارض)‪ ،‬فال تقول‪( :‬هذا أخرض من هذا)‪ ،‬و(هذا أشيب من‬ ‫ِ‬

‫هذا)‪ ،‬و(هذا أعمى من هذا)‪.‬‬

‫واحلق أنه جاء يف اللغة شواهد ذوات عدد عىل أخذ اسم التفضيل مما كان الوصف منه عىل‬
‫(أفعال)‪ ،‬فقالت العرب‪( :‬أسود من حل ِ‬
‫ك الغراب) يعني أشدُّ سوا ادا‪ ،‬وقالوا‪( :‬أبيض من‬
‫والتعجب مما كان الوصف‬
‫ُّ‬ ‫كثري من العلَمء أخذ التفضيل‬ ‫اللبن)؛ يعني أشدُّ ا‬
‫بياضا؛ فلهذا أجاز ٌ‬
‫منه عىل أفعل‪ ،‬واشرتاطه هو قول اجلمهور‪.‬‬

‫التعجب وال التفضيل‪ ،‬وقد يمكن أخذمها لكن‬ ‫يصح أخذ‬‫َشط من هذه الرشوط مل ِ‬‫ٌ‬ ‫فإذا ف ِقد‬
‫ُّ‬
‫التعجب من (دحرج)‪( :‬ما أحسن‬ ‫مثال يف‬ ‫ٍ‬
‫مستوف للرشوط‪ ،‬فتقول ا‬ ‫فعل آخر‬‫بواسطة ٍ‬
‫ُّ‬
‫التعجب من (مل يذهب)‪:‬‬ ‫ِ‬
‫بدحرجته)‪ ،‬وتقول يف‬ ‫ِ‬
‫(أحسن‬ ‫دحرجته)‪ ،‬أو (ما أشدَّ دحرجته)‪ ،‬أو‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫ذهابه) ونحو ذلك‪.‬‬ ‫(ما أحسن عدم‬

‫باب)‪.‬‬
‫‪ ‬ثم ننتقل للباب التايل وهو [باب الوقف] وقال ابن هشام‪ٌ ( :‬‬

‫الوقف يراد به كيفية الوقف عىل آخر الكلمة‪ ،‬كيف ِنقف عىل آخر الكلمة‪ ،‬والوقف عىل‬
‫ثالثة أنواع‪:‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪551‬‬

‫األول‪ :‬الوقف االختياري وهو الذي يقصده املتك يلم‪.‬‬

‫والثان‪ :‬الوقف االضطراري وهو الذي يض َّطر إليه املتك يلم؛ كالوقف بسبب انقطاع النفس‪.‬‬

‫ِ‬
‫املخترب من الطالب وإن مل يكن املوضع موضع‬ ‫والثالث‪ :‬الوقف االختباري وهو الذي يطلبه‬
‫وقف‪.‬‬

‫‪ ‬قال ابن هشام‪:‬‬


‫ت) بِالت ِ‬
‫َّاء‪ ،‬وعىل ن ْحو‪:‬‬ ‫اء‪ ،‬وعىل نح ِو‪( :‬مسلَِم ٍ‬ ‫"الو ْقف يف األ ْفصحِ عىل نح ِو‪( :‬رمح ٍة) بِاهل ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ات‪ ،‬وقدْ ي ْعكس فِ ِ‬
‫يه َّن‪ ،‬ول ْيس يف‬ ‫إل ْثب ِ‬
‫ايض فِيهَم) بِا ِ‬‫ف‪ ،‬ونحو‪( :‬الق ِ‬
‫ْ‬
‫اض) ر ْفعا وجرا بِاحل ْذ ِ‬
‫ً‬ ‫ا‬ ‫(ق ٍ‬

‫ايض) إِال الياء"‪.‬‬ ‫اض والق ِ‬ ‫ب (ق ٍ‬ ‫ن ْص ِ‬

‫األصل كَم نعلم يف الوقف أن يكون بالسكون‪ ،‬هذا األصل‪ ،‬وقد يصاحب ذلك قلب التاء‬
‫ٍّ‬
‫ولكل منها مسألة‪ ،‬فنأخذها مسأل اة مسألة‪:‬‬ ‫تاء‪ ،‬وحذف الياء‪،‬‬
‫هاء‪ ،‬وقلب اهلاء ا‬
‫ا‬

‫املسألة األوىل‪ :‬الوقف عىل املختوم بتاء التأنيث؛ كالوقف عىل (فاطمة)‪ ،‬أو الوقف عىل‬
‫(رمحة) فيه لغتان للعرب‪:‬‬

‫‪ ‬اللغة املشهورة لغة اجلمهور‪ :‬الوقف باهلاء‪ ،‬فتقول‪( :‬هذه رمحة)‪ ،‬و(جاءت فاطمة)‪.‬‬

‫‪ ‬واللغة األخرى لبعض العرب‪ :‬الوقف بالتاء‪ ،‬تقول‪( :‬جاءت فاطمت)‪ ،‬و(هذه‬
‫رمحت)‪.‬‬

‫قال شاعرهم‪:‬‬

‫ـت‬
‫ـد م ْ‬‫ِمن بع ِد ما وبع ِد ما وبع ِ‬ ‫ت‬ ‫واَّللَّ أنْجــاك بِك َّفــي م ْســلم ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫ـت‬ ‫وكاد ِ‬
‫ت احلـ َّرة أن تـدْ عى أم ْ‬ ‫القــو ِم ِعنــدْ‬ ‫ت نفــوس‬ ‫كانــ ْ‬
‫ْ‬
‫يعني أمة‪.‬‬
‫ت‬ ‫ت)‪ْ :‬‬ ‫يعني الغصلمة‪( ،‬أم‬
‫ـــــــــــــــــــــم‬ ‫الغ ْ)لص‬‫ت‬ ‫(الغ ْلصم ْ‬
‫‪552‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬إِ َّن ر ْمحة اَّللَِّ [األعراف‪﴿ ،]56:‬إِ َّن شجرة الزَّ ُّقو ِم [الدخان‪،]43:‬‬
‫بخالف عن السبعة؛ يعني بعضهم قرأ بالتاء وبعضهم قرأ باهلاء‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عند الوقف عىل رمحة وشجرة‬

‫وكقول بعض العرب‪( :‬يا أهل سورة البقرت)‪ ،‬فر َّد عليه بعضهم‪( :‬واَّلل ما أحفظ منها‬
‫آيت)‪.‬‬

‫اء‪ ،‬وقدْ ي ْعكس فِ ِ‬


‫يه َّن)‪.‬‬ ‫فهذا قول ابن هشام‪( :‬الو ْقف يف األ ْفصحِ عىل نح ِو‪( :‬رمح ٍة) بِاهل ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬

‫املسألة الثانية‪ :‬الوقف عىل املجموع باأللف والتاء مجع املؤنث السامل؛ كـ (فاطَمت‪،‬‬
‫أيضا فيه لغتان‪ ،‬وهو عكس اللغتني السابقتني؛‬
‫ومسلَمت) ا‬

‫‪ ‬فلغة اجلمهور‪ :‬الوقف عليها بالتاء‪ ،‬تقول‪( :‬جاءت الفاطَمت)‪ ،‬و(هذه مسلَمت)‪.‬‬

‫‪ ‬والثانية لغ ٌة لبعض العرب‪ :‬وهو الوقف عليها باهلاء‪ ،‬يقال‪( :‬جاءت الفاطمه)‪،‬‬
‫و(وهذه مسلمه)‪ ،‬ومن ذلك قول بعض العرب‪( :‬كيف اإلخوة واألخوه)‪ ،‬وقوهلم‪:‬‬
‫ِ‬
‫البنات من املكرمه)‪.‬‬ ‫(دفن‬

‫َّاء‪ ،‬وقدْ ي ْعكس فِ ِ‬


‫يه َّن)‪.‬‬ ‫ت) بِالت ِ‬
‫وهذا قول ابن هشام‪( :‬وعىل نح ِو‪( :‬مسلَِم ٍ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬الوقف عىل االسم املنقوص؛ أي االسم املختوم ٍ‬
‫بياء قبلها كرسة؛ كـ (القايض‪،‬‬
‫واهلادي‪ ،‬واملهتدي)؛‬

‫فإن كان املنقوص منصو ابا فليس فيه إال إثبات الياء‪ ،‬تقول‪( :‬أكرمت قاض ايا)‪ ،‬و(أكرمت‬
‫الرت ِاقي [القيامة‪ ]26:‬إذا كان منصو ابا‪.‬‬
‫ت َّ‬‫القايض)‪( ،‬سمعنا مناديا)‪﴿ ،‬ك َّال إِذا بلغ ِ‬
‫ً‬

‫جمرورا‪ ،‬فيختلف حكمه يف التنكري والتعريف؛‬


‫ا‬ ‫مرفوعا أو‬
‫ا‬ ‫● أما إذا كان‬

‫فإن كان نكر اة ففيه لغتان؛‬


‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪553‬‬

‫‪ -‬فأكثر العرب حتذف الياء يف الرفع واجلر‪ ،‬تقول‪( :‬جاء قاض)‪ ،‬وإذا وصلت (جاء‬
‫بقاض)‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬فا ْق ِ‬
‫ض ما‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫قاض)‪ ،‬و(مررت بقاض)‪ ،‬وإذا وصلت‪( :‬مررت‬
‫أنْت ق ٍ‬
‫اض [طه‪.]72:‬‬

‫فيقف بالياء فيقول‪( :‬جاء قايض)‪ ،‬و(مررت بقايض)‪ ،‬وقد‬ ‫‪ -‬وبعض العرب يعكس‪ِ ،‬‬
‫جاء ذلك يف القراءة السبعية يف نحو قوله تعاىل‪﴿ :‬ولِك يل قو ٍم ه ٍ‬
‫اد [الرعد‪ ،]7:‬وقرأ‬ ‫ْ‬
‫ال [الرعد‪﴿ ،]11:‬وما هل ْم‬ ‫بعضهم‪( :‬ولِك يل ق ْو ٍم هادي)‪﴿ ،‬وما هلم ِم ْن دونِ ِه ِم ْن و ٍ‬
‫ْ‬
‫ِمن اَّللَِّ ِم ْن و ٍاق [الرعد‪.]34:‬‬

‫● وأما إذا كان معرف اة ففيه ا‬


‫أيضا لغتان عكس اللغتني السابقتني‪:‬‬

‫‪ -‬فاللغة الكثرى‪ :‬إثبات الياء؛ (جاء القايض)‪ ،‬و(مررت بالقايض)‪.‬‬

‫‪ -‬وبعض العرب حيذف الياء يف الوقف؛ (جاء القاض)‪ ،‬و(مررت بالقاض)‪.‬‬


‫أيضا يف القراءة السبعية يف قوله تعاىل‪ :‬وهو ﴿ا ْلكبِري ا ْملتع ِ‬
‫ال [الرعد‪ ،]9:‬وقرأ‬ ‫وجاء ذلك ا‬
‫َّالق [غافر‪ ]15:‬والتالقي‪ ،‬ومن ذلك قول العرب‪( :‬عمر بن‬ ‫بعضهم‪ :‬املتعايل‪﴿ ،‬لِين ِْذر ي ْوم الت ِ‬

‫العاص)‪ ،‬وأصله (العايص)‪.‬‬

‫‪ ‬ثم قال ابن هشام‪:‬‬


‫"ويوقف عىل (إِ اذا) ونح ِو‪﴿ :‬لنسفعن [العلق‪ ،]15:‬ونحو‪( :‬رأيت زيدا ا) بِاأللِ ِ‬
‫ف كَم‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫يكْت ْبن"‪.‬‬

‫فذكر هنا ثالث مسائل كلها تقلب فيها النون الساكنة أل افا‪:‬‬
‫‪554‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫املسألة األوىل‪ :‬الوقف عىل كلمة (إ اذا) املراد بـ (إ اذا) هنا (إ اذا) اجلوابية‪ ،‬كَم يف قول القائل إذا‬
‫قيل له‪( :‬سأزورك الليلة)‪ ،‬فيقول‪( :‬إ اذا أ ِ‬
‫كرمك) اجلوابية يعني القائمة عىل كال ٍم سابق‪ ،‬وفيها‬
‫ثالثة مذاهب‪:‬‬

‫املذهب األول‪ :‬قلب تنوينها أل افا عند الوقف‪ ،‬إذا وقفت عليها فتقلِب التنوين أل افا‪ ،‬تقول‪:‬‬
‫(إذا)‪ ،‬وكذلك كتِبت يف املصحف بألف وتنوين‪ ،‬كَم يف قوله‪﴿ :‬ول ْن ت ْفلِحوا إِ اذا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القراء السبعة عىل‬ ‫أبدا ا [الكهف‪ ]20:‬تقف‪﴿ :‬ول ْن ت ْفلحوا إِذا [الكهف‪ ]20:‬كذا اتفق َّ‬
‫الوقوف عليها‪.‬‬

‫واملذهب الثان‪ :‬كتابتها بالنون مطل اقا‪ ،‬وقياسه أن نقف عليها بالنون‪ ،‬وهذا خالف ما اتفقت‬
‫القراء السبعة‪.‬‬
‫عليه َّ‬
‫واملذهب الثالث‪ :‬كتابتها بالنون إذا نصبت املضارع‪ ،‬وبالتنوين إذا مل ِ‬
‫تنصب املضارع‪ ،‬وقد‬
‫ذكرنا يف نصب املضارع أن من نواصبه (إ اذا) وال تنصبه إال برشوط؛‬

‫‪ -‬فإذا توافرت الرشوط نصبت‪ ،‬نحو‪( :‬إذن أ ِ‬


‫كرمك) فلهذا تكتب بالنون عند هؤالء‪.‬‬

‫(إن إ اذ أ ِ‬
‫كرمك)‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬وإذا مل تتوافر الرشوط فإهنا ال تنصب وتكتب بالتنوين‪ ،‬نحو‪ :‬ي‬
‫(أ ِ‬
‫كرمك إ اذا) فتكتب بالتنوين عند هؤالء‪.‬‬

‫املسـألة الثالثة‪ :‬الوقف عىل نون التوكيد اخلفيفة‪ ،‬نون التوكيد نون تدخل عىل الفعل لتوكيده‬
‫واذهبن) إما أن تؤكَّد بالنون الثقيلة املشدَّ دة‪ ،‬وإما أن تؤكد‬
‫ْ‬ ‫اذهبن‪،‬‬
‫َّ‬ ‫وتقويته‪ ،‬مثل‪( :‬اذهب‪:‬‬
‫بالنون اخلفيفة الساكنة؛‬

‫لتذهبن) فإن الوقف عليها يكون بالنون الساكنة‪،‬‬


‫َّ‬ ‫(اذهبن‪،‬‬
‫َّ‬ ‫فإن أكَّدت بالنون املشدَّ دة‪:‬‬
‫(لتذهبن)‪.‬‬
‫ْ‬ ‫و(لتذهبن يا زيد)‪:‬‬
‫َّ‬ ‫اذهبن)‪،‬‬
‫ْ‬ ‫(اذهبن يا زيد)‪( :‬‬
‫َّ‬ ‫فتقول‪ :‬يف‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪555‬‬

‫تقف‬‫أما إذا أكَّدت بالنون اخلفيفة‪ :‬كقولك‪( :‬اذهبن يا زيد)‪( ،‬لتذهبن يا زيد)‪ ،‬ثم أردت أن ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫عىل نون التوكيد اخلفيفة فكيف ِ‬
‫تقف؟ الوقف يكون عليها بقلبها أل افا؛ يعني تعامل معاملة‬
‫(لتذهبن يا زيد)‪( :‬لتذهبا)‪.‬‬
‫ْ‬ ‫(اذهبن يا زيد)‪( :‬اذهبا)‪،‬‬
‫ْ‬ ‫تنوين النصب‪ ،‬تقول‬

‫َّاصي ِة [العلق‪ ]15:‬فإذا وقفت‪﴿ :‬لن ْسفعا [العلق‪]15:‬‬


‫ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬لنسفعا بِالن ِ‬
‫ْ ا‬
‫فلهذا كتِبت يف املصحف األلف‪.‬‬

‫(ليسجنن) إن وقفت عليه‬ ‫أيضا‬ ‫وكذلك‪﴿ :‬ليسجنن وليكوناا ِمن الص ِ‬


‫اغ ِرين [يوسف‪ ]32:‬ا‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َّ‬
‫﴿لي ْسجن ْن [يوسف‪ ،]32:‬وليكوناا إن وقفت ﴿وليكونا [يوسف‪ ]32:‬فلهذا كتِبت يف‬
‫املصحف باأللف‪.‬‬

‫املنون تنوين نصب؛ كـ (رأيت زيدا ا)‪ ،‬و(أكرمت ا‬


‫رجال)‪،‬‬ ‫املسألة الثالثة‪ :‬الوقف عىل االسم َّ‬
‫ا‬
‫رجال) هذا مذهب مجهور‬ ‫ويكون بقلب التنوين أل افا‪ ،‬فتقول‪( :‬أكرمت خالدا ا)‪ ،‬و(رأيت‬
‫العرب‪.‬‬

‫وربيعة من قبائل العرب حيذفون تنوين النصب عند الوقف كَم حيذف اجلميع تنوين الرفع‬
‫واجلر‪ ،‬فيقولون‪( :‬جاء خالد)‪ ،‬و(رأيت خالد)‪ ،‬و(مررت بخالد)‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬أين يكتب تنوين النصب يف (رأيت خالدا ا)؟ ففي ذلك ثالثة مذاهب‪:‬‬

‫األول‪ :‬عىل آخر االسم؛ يعني عىل الدال يف (خالدا ا) وهذا هو األرجح‪.‬‬

‫مذهب مشهور‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫واملذهب الثان‪ :‬أن يكتب عىل األلف‪ ،‬وهذا‬

‫ٌ‬
‫ضعيف مهجور‪.‬‬ ‫مذهب‬
‫ٌ‬ ‫واملذهب الثالث‪ :‬أن يكتب بعد األلف‪ ،‬وهذا‬

‫‪ ‬ثم ننتقل بعد ذلك إىل بعض مسائل اإلمالء التي ختم هبا ابن هشام [قطر الندي]‪ ،‬فذكر‬
‫املتطرفة‪ ،‬فقال ابن هشام‪:‬‬
‫ي‬ ‫كيفية كتابة األلف‬
‫‪556‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫"وتكْتب األلِف ب ْعد و ِاو اجلَمع ِة كـ (قالوا) دون األ ْصلِ َّي ِة‪ ،‬كـ (ز ْيدٌ يدْ عو)"‪.‬‬

‫نعم َّفرقوا بني الواو إذا كانت من أصل الفعل‪ ،‬فلم يزيدوا بعدها أل افا‪ ،‬نحو‪( :‬يدعو ُممدٌ )‪،‬‬
‫(نحن ندعو)‪ ،‬فالواو أصلية‪.‬‬

‫وبني واو اجلَمعة التي هي ضمري يتصل بالفعل‪ ،‬فهي التي يزاد بعدها ألف للتفريق بينها وبني‬
‫سواء كان‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫الواو األصلية‪ ،‬ويراد هبا واو اجلَمعة التي تدخل أو تتصل بالفعل‪،‬‬

‫‪ -‬ماض ًيا كـ (ذهبوا)‪.‬‬

‫جمزوما كـ (لن يذهبوا‪ ،‬ومل يذهبوا)‪.‬‬


‫ا‬ ‫مضارعا منصو ابا أو‬
‫ا‬ ‫‪ -‬أو‬

‫أمرا كـ (اذهبوا)‪.‬‬
‫‪ -‬أو ا‬

‫فتوضع األلف بعد هذه الواو للتفريق بينها وبني الواو األصلية‪.‬‬

‫‪ ‬ثم قال ابن هشام‪:‬‬

‫ت ال َّثالثة‪ ،‬كـ ( ْاستدْ عى وامل ْصطفى)‪ ،‬أ ْو كان أ ْصلها الياء كـ‬ ‫"وترسم األلِف ياء إِ ْن جتاوز ِ‬
‫ا‬ ‫ْ‬
‫الفع ِل بِالت ِ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاء كـ (رم ْيت‬ ‫(رمى وا ْلفتى)‪ ،‬وأل افا يف غ ْ ِريه كـ (ق افا والعصا)‪ ،‬وينْكشف أ ْمر ألف ْ‬
‫االس ِم بِال َّت ْثنِي ِة كـ (عصو ْي ِن وفتي ْ ِ‬
‫ني)"‪.‬‬ ‫وعف ْوت)‪ ،‬و ْ‬

‫تك َّلموا هنا عىل قاعدة كتابة األلف املتطرفة‪ ،‬فهي‪:‬‬

‫‪ -‬أحياناا تكتب أل افا‪ ،‬أو يقال‪ :‬واقف اة‪ ،‬أو قائم اة‪ ،‬أو يابس اة‪.‬‬

‫ياء‪ ،‬أو مكسوةا‪ ،‬أو نائم اة‪ ،‬أو ل َّين اة‪.‬‬


‫‪ -‬وأحياناا تكتب ا‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪557‬‬

‫فبني القاعدة يف ذلك‪ ،‬والقاعدة مشهورة وهي‪" :‬أن األلف يف غري الثالثي تكتب نائم اة‬
‫َّ‬
‫أسَمء‬
‫ا‬ ‫مطل اقا" يف الرباعي كـ (مسعى)‪ ،‬أو اخلَميس كـ (مصطفى)‪ ،‬أو السدايس كـ (مستشفى)‬
‫كَم سبق‪ ،‬أو ا‬
‫أفعاال كــ (يسعى‪ ،‬واصطفى‪ ،‬واستدعى)‪.‬‬

‫فرقون بني األلف التي أصلها الياء فتكتب نائم اة ا‬


‫أيضا؛ كـ (قىض) ألنه‬ ‫أما يف الثالثي‪ :‬فإهنم ي ي‬
‫من يقيض‪ ،‬و(رمى) ألنه من يرمي‪.‬‬

‫واوا فتكتب قائم اة؛ كـ (دعا) ألنه من يدعو‪ ،‬و(سَم) ألنه من يسمو‪.‬‬
‫وإن كان أصل األلف ا‬

‫املتطرفة تكتب نائمة إال يف موض ٍع واحد‪ :‬يف الثالثي إذا كان أصله‬
‫ي‬ ‫إذن فالقاعدة‪" :‬أن األلف‬
‫الواو" كـ (سَم يسمو)‪ ،‬و(دعا يدعو)‪ .‬أما الثالثي الذي أصله ياء؛ كـ (رمى يرمي)‪ ،‬أو غري‬
‫الثالثي مطل اقا فهذه تكتب بالنائمة‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬كيف ِ‬


‫أعرف أصل األلف هل هو واو أو ياء؟ فاجلواب عن ذلك أن تعيدها إىل‬
‫ترصفاهتا األخرى وخاص اة الفعل املضارع‪ ،‬فـ (دعا يدعو) أصل األلف واو‪ ،‬و(هدى هيدي)‬
‫ُّ‬
‫أصل األلف ياء‪ ،‬و(ربا يربو) األصل واو‪ ،‬و(سَم يسمو)‪ ،‬و(عصا يعيص) وهكذا‪.‬‬
‫ف ِ‬
‫الف ْع ِل)؛ يعني األلف التي يف آخر الفعل إذا أردت أن‬ ‫ابن هشام بني لنا القاعدة فقال‪( :‬ألِ ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫تعرف أصلها فأسندها إىل نفسك؛ يعني إىل تاء املتك يلم‪ ،‬فــ (دعا دعوت) صارت واو‪ ،‬و(رمى‬
‫رميت) صارت ياء‪ ،‬و(غفا غفوت) صارت واو‪ ،‬و(قىض قضيت) صارت ياء وهكذا‪.‬‬

‫ليتبني لك أصلها‪ ،‬فـ (عصا‬


‫وأما ألف االسم؛ يعني األلف التي يف آخر االسم فثنيها َّ‬
‫عصوان)‪ ،‬و(فتى فتيان)‪ ،‬و(ربا ِربوان)‪ ،‬و(رحا رحيان) وهكذا‪.‬‬

‫ٌ‬
‫(فصل) عقده للكالم عىل مهزة الوصل‪.‬‬ ‫‪ ‬ثم ختم الكتاب بالكالم عىل مهزة الوصل‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫اهلمزة كَم نعرف نوعان‪:‬‬


‫‪558‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫‪ -‬مهزة قطع‪.‬‬

‫‪ -‬ومهزة وصل‪.‬‬

‫وابتداء‪ ،‬نحو‪( :‬أذ ْن وأذن)‪ ،‬و(أمحد وأمحد)‪ ،‬و(إكرام‬


‫ا‬ ‫ا‬
‫وصال‬ ‫فهمزة القطع‪ :‬هي التي تثبت‬
‫وإكرام)‪.‬‬

‫ا‬
‫وصال‪ ،‬تسقط يف وصل الكالم‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫ابتداء وتسقط‬
‫ا‬ ‫واألخرى مهزة الوصل‪ :‬وهي التي تثبت‬
‫ِ‬
‫واستخر ْج)‪،‬‬ ‫ِ‬
‫(إستخر ْج‬ ‫(إذهب واذهب)‪( ،‬إنطلق وانطلِق)‪ ،‬و(إستخرج واستخرج)‪،‬‬
‫(إستخراج واستخراج) وهكذا‪.‬‬

‫وهلمزة الوصل مواضع‪ ،‬وهلمزة القطع مواضع‪ ،‬واألصل مهزة القطع أو الوصل؟ ال شك أن‬
‫األصل مهزة القطع وهذا األكثر‪ ،‬ومهزة الوصل ُمصورة يف مواضع يف أربعة مواضع؛‬

‫فهمزة الوصل يف‪ :‬احلروف ُمصور ٌة يف (أل) كـ (الرجل‪ ،‬والبيت‪ ،‬والباب) فهذا املوضع‬
‫األول‪( :‬أل) من احلروف‪.‬‬

‫واملوضع الثان‪ :‬األمر من الثالثي؛ كاألمر من (ذهب‪ :‬اذهب)‪ ،‬ومن (رضب‪ِ :‬‬
‫ارضب)‪ ،‬ومن‬
‫(جلس‪ :‬اجلِس)‪.‬‬

‫واملوضع الثالث هلمزة الوصل‪ :‬املايض واألمر واملصدر من اخلَميس والسدايس؛ كـ (انطلق‪،‬‬
‫استخراجا)‪.‬‬
‫ا‬ ‫ِ‬
‫استخرج‪،‬‬ ‫انْطلِق‪ ،‬انطال اقا)‪( ،‬استخرج‪،‬‬

‫وابنم‪ ،‬وابن ٌة‪،‬‬ ‫وابن‪،‬‬ ‫ٍ‬


‫ٌ‬ ‫(اسم‪ٌ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫أسَمء سَمعية‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫واملوضع الرابع من مهزة الوصل‪ :‬عرشة‬
‫واست) وما سوى ذلك فإن مهزته مهزة قطع؛ يعني أن‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫وامرؤٌ ‪ ،‬وامرأةٌ‪ ،‬واثنان‪ ،‬واثنتان‪ٌ ،‬‬
‫وايم‪،‬‬

‫وأن‪،‬‬ ‫وإن‪ ،‬وإذا‪ ،‬وإ ْذ‪ْ ،‬‬


‫وأن‪َّ ،‬‬ ‫(إن‪َّ ،‬‬
‫احلروف كل مهزاهتا مهزات قطع إال (أل) كَم سبق‪ ،‬مثل‪ْ :‬‬
‫وأو‪ ،‬وأ ْم)‪.‬‬
‫ْ‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪559‬‬

‫واألسَمء كذلك كل األسَمء مهزاهتا مهزات قطع سوى األسَمء العرشة السَمعية‪ ،‬ومصدر‬
‫اخلَميس والسدايس‪ ،‬مثل‪ْ :‬‬
‫(أكل‪ ،‬وأخذ‪ ،‬وأسلوب‪ ،‬وإعالم‪ ،‬وأعالم)‪.‬‬

‫وكذلك كل الفعل الثالثي املايض‪ ،‬مثل‪( :‬أكرم‪ ،‬وأجلس‪ ،‬وأخذ‪ ،‬وأمر)‪.‬‬

‫وكذلك كل األفعال املضارعة‪ ،‬كل املضارع من ثالثي‪ ،‬أو رباعي‪ ،‬أو مخايس‪ ،‬أو سدايس‪،‬‬
‫املضارع كل مهزاته قطع؛ كاملضارع من (ذهب أذهب)‪ ،‬ومن (أكرم أ ِ‬
‫كرم)‪ ،‬ومن (انطلق‬
‫ِ‬
‫أستخرج) وهكذا‪.‬‬ ‫أنطلِق)‪ ،‬ومن (استخرج‬

‫فاآلن عرفنا مواضع مهزات الوصل‪ ،‬ومواضع مهزات القطع؛‬

‫أما القطع فكل مهزة قطع هلا حرك ٌة معينة‪ ،‬فحركة مهزة القطع يف (أذن) الضم‪ ،‬ويف (أكل)‬
‫الفتح‪ ،‬ويف (إكرام) الكرس‪ ،‬مهزاهتا سَمعية‪.‬‬

‫فَم حركة مهزة الوصل؟ مهزة الوصل يف الوصل تذهب هي وحركتها‪ ،‬ويف االبتداء تثبت‪،‬‬
‫فتثبت بأي حركة؟ ال بد أن ِ‬
‫نعرف حركة مهزة الوصل عند االبتداء هبا‪ ،‬فـ (أل) حركتها الفتح‬
‫وجو ابا‪ ،‬فإذا ابتدأت تقول‪( :‬الباب) ما تقول‪( :‬إِلباب‪ ،‬وال أ ْلباب)‪( ،‬الباب‪ ،‬الرجل‪ ،‬الغالم)‪،‬‬
‫وكلمة اسم فيها لغتان‪:‬‬

‫األشهر الكرس (اِسمِ)‪.‬‬

‫والثان الضم (اسمِ)‪.‬‬

‫أيضا فيها‬
‫(أيمن اَّلل ألفعلن) وسيأيت أهنا من ألفاظ القسم‪ ،‬وختترص إىل (أيمن اَّلل ألفعلن) ا‬
‫لغتان‪:‬‬

‫الفتح وهو األكثر (أيمن اَّلل ألفعلن)‪.‬‬

‫والكرس (اِيمن اَّلل ألفعلن)‪.‬‬


‫‪560‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫مضموما؛ كاألمر من (خرج‬


‫ا‬ ‫وتكون حركة مهزة الوصل الضم إذا كان احلرف الثالث‬
‫اخرج) ال اِخرج وال أخرج‪( ،‬أخرج)‪ ،‬ومن (كتب اكتب)‪ ،‬وإذا بنيت (انطلق) للمجهول‬
‫تقول‪( :‬أنطلِق)‪ ،‬و(استخرج) (أست ِ‬
‫خرج)‪.‬‬

‫ما سوى ذلك فإن حركة الوصل فيه الكرس؛ يعني ما سوى (أل) التي جيب فيها الفتح‪،‬‬
‫و(اِسم) التي جيوز فيها الكرس والضم‪ ،‬و(أيم) التي جيوز فيها الفتح والكرس‪ ،‬وما كان ثالثه‬
‫مضموما جيب فيها الضم‪ ،‬ما سوى ذلك مهزته مهزة وصل‪ ،‬ما سوى ذلك مهزة الوصل فيه‬
‫ا‬
‫اذهب)‪ ،‬واملايض (انطلق)‪ ،‬واألمر‪( :‬انطلِق)‪ ،‬واملصدر‪:‬‬
‫ْ‬ ‫مكسورة؛ كاألمر من (ذهب‬
‫(انطالق)‪ ،‬و(ابن‪ ،‬واثنان)‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫‪ ‬ثم نقرأ ما قاله ابن هشا ٍم يف ذلك‪ ،‬قال ‪-‬ر ِمحه اَّلل‪:-‬‬

‫مهزة ( ْاسم) بِك ْ ٍ‬


‫رس وض ٍم"‪.‬‬ ‫"(ف ْص ٌل) ْ‬

‫أن (اسم) مهزته مهزة وصل‪ ،‬وإذا بدأت به جاز لك فيه الكرس وهو األكثر (اِسم)‪،‬‬
‫يعني َّ‬
‫والضم وهو قليل (اسم)‪.‬‬

‫ذكرا كان أو أنثى‪ ،‬وقد تطلق عىل فتحة الرشج‪،‬‬ ‫ٍ‬


‫اسم ملؤخرة اإلنسان ا‬
‫ثم قال‪ :‬و( ْاست) وهو ٌ‬
‫يقال‪( :‬سقط عىل اِ ِ‬
‫سته) يعني عىل مؤخرته‪ ،‬وقال عنرتة‪:‬‬

‫لِت ْقتلنـــي فهـــا أنـــا ذا عـــَمرا‬ ‫أح ْويل تنْفض ْاستك ِم ْ‬


‫ـذرو ْهيا‬
‫وإطالق الناس هذه الكلمة عىل فرج املرأة من العامية وليس معناها يف اللغة‪.‬‬

‫ثم قال ابن هشام‪( :‬وا ْب ٍن وا ْبنِم وا ْبن ٍة) (ابنم) معناه ابن‪ ،‬وامليم زائدة‪ ،‬و(االبنة) مؤنث (ابن)‪،‬‬
‫هذا واضح‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪561‬‬

‫ثم قال ابن هشام‪( :‬و ْام ِر ٍئ و ْامرأ ٍة وت ْثنيتِ ِه َّن) التثنية يعني يقال يف (امرأة)‪( :‬امرأتني)‪ ،‬ويف‬
‫(امرئ)‪( :‬امرئني)‪ ،‬وال داعي لقوله‪( :‬وت ْثنيتِ ِه َّن)؛ ألن املثنَّى له حكم املفرد يف كل ذلك‪ ،‬يف‬
‫(ابن‪ ،‬ابنان)‪ ،‬ويف (اسم اسَمن) وهكذا فهذا هو األصل‪.‬‬
‫ني وا ْثنت ْ ِ‬
‫ني) فذكر إىل اآلن تسعة أسَمء من األسَمء السَمعية مهزاهتا‬ ‫ثم قال ابن هشام‪( :‬وا ْثن ْ ِ‬

‫وصل‪.‬‬

‫ثم قال‪( :‬والغالم) أي مهزة (أل) من احلروف مهزة وصل‪.‬‬

‫ثم قال‪( :‬وا ْيم ِن اَّلل ِيف القسم) هذا هو االسم العاَش من األسَمء السَمعية العرشة التي‬
‫مهزاهتا مهزات وصل‪.‬‬
‫ثم قال‪( :‬بِفت ِ‬
‫ْح ِها) يعني أن (أيمن اَّلل) تكون بفتح اهلمزة عند االبتداء (أيمن اَّللِ)‪.‬‬

‫رس يف ا ْيم ِن) يعني لك يف (أيمن) الفتح والكرس؛ (أيمن اَّلل‪ ،‬واِيمن اَّلل)‪.‬‬
‫ثم قال‪( :‬أ ْو بِك ْ ٍ‬
‫ٍ‬
‫مهزة ْاسم و ْاست وا ْب ٍن) إىل آخره ( ْ‬
‫مهزة و ْص ِل)‪،‬‬ ‫مهزة و ْص ِل) ألنه قال يف البداية‪ْ ( :‬‬
‫ثم قال‪ْ ( :‬‬
‫مهزة ْاسم)‪.‬‬
‫هذا اخلرب‪ ،‬مهزة وصل خرب عن قوله يف أول الفصل‪ْ ( :‬‬
‫ِ‬
‫ي ت ْثبت ا ْبتد ااء و ْحتذف و ْص اال) َّ‬
‫عرف مهزة الوصل‪.‬‬ ‫ثم قال‪( :‬أ ْ‬

‫ف كـ ( ْاستخْ رج) وأ ْم ِر ِه وم ْص ِد ِر ِه) يعني من‬


‫او ِز أربعة أحر ٍ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫مهزة املايض املتج ِ ْ‬
‫ثم قال‪( :‬وكذا ْ‬
‫مواضع مهزة الوصل‪ :‬مايض غري الثالثي والرباعي‪ ،‬ما جتاوز األربعة يعني مايض اخلَميس‬
‫والسدايس‪ ،‬واألمر منهَم‪ ،‬واملصدر منهَم‪.‬‬

‫ثم قال‪( :‬وأ ْم ِر ال ُّثالثِ يي كــ (ا ْقت ْل‪ ،‬وا ْغز‪ ،‬و ْ‬
‫اغ ِزي) بض يم ِه َّن) يعني أن مهزة الوصل يف (اقتل‪،‬‬
‫واغ ِزي‪ْ ،‬‬
‫واغز) بالضم؛ ألن الثالث مضموم‪ ،‬أما الثالث يف (اقتل) فواضح أنه مضموم‪ ،‬فهمزة‬ ‫ْ‬
‫الوصل مضمومة‪.‬‬
‫‪562‬‬ ‫شرح «قطر الندى وبل الصدى»‬

‫وكذلك يف (اغز يا ُممد) الثالث مضموم‪ ،‬والثالث يف (اغزي يا هند) مضموم يف األصل؛‬
‫ألنه من (غزى يغزو) وإنَم ك ِرس بسبب ياء املخاطبة‪ ،‬واحلكم لألصل‪ ،‬فلهذا لو ابتدأت تقول‪:‬‬
‫(اغزي يا هند)‪.‬‬

‫رس كالبو ِاقي) يعني أن األمر من الثالثي إذا كان ثالثه‬


‫ب بِك ٍ‬ ‫ثم قال‪ِ ْ ( :‬‬
‫وارض ْب و ْامشوا وا ْذه ْ‬
‫مكسورا‪ ،‬فإن مهزة الوصل تكون مكسورة‪ ،‬فمن (رضب ِ‬
‫يرضب) نقول‪:‬‬ ‫ا‬ ‫مفتوحا أو‬
‫ا‬ ‫عينه‬
‫ِ‬
‫(ارضب)؛ ألن الثالث مكسور‪ ،‬ومن (ذهب يذهب) نقول‪( :‬اذهب)؛ ألن الثالث مفتوح‪ ،‬ومن‬
‫ِ‬
‫(امش يا ُممد)؛ ألن الثالث مكسور‪ ،‬وإذا أسندنا (مشى يميش) إىل واو‬ ‫(مشى يميش) نقول‪:‬‬
‫اجلَمعة نقول‪( :‬امشوا يا رجال) فالثالث مضموم أو مكسور؟ مضموم يف اللفظ لكنه مكسور‬
‫يف األصل‪ ،‬فنأخذ باألصل‪.‬‬

‫وهذا ما َّخلصناه من قبل‪ ،‬فقلنا‪ :‬إن مهزة الوصل تكون يف (أل) من احلروف‪ ،‬وتكون يف األمر‬
‫ٍ‬
‫أسَمء‬ ‫من الثالثي‪ ،‬وتكون يف املايض واألمر واملصدر من اخلَميس والسدايس‪ ،‬وتكون يف عرشة‬
‫سَمعية‪.‬‬

‫والضم يف (اسمٍ)‪ ،‬وحت َّرك بالفتح‬


‫ي‬ ‫وأما حركتها فإهنا حت َّرك بالفتح مع (أل)‪ ،‬وحت َّرك بالكرس‬
‫مضموما يف اللفظ واألصل أو يف األصل فقط‪،‬‬
‫ا‬ ‫والكرس يف (ايمن)‪ ،‬وحت َّرك بالضم إذا كان ثالثه‬
‫مكسورا فيَم سوى ذلك‪.‬‬
‫ا‬ ‫ويكون‬

‫تيرس يف َشح هذا الكتاب اجلليل [قطر الندى ي‬


‫وبل الصدى] البن هشام ‪-‬عليه رمحة‬ ‫فهذا ما َّ‬
‫َشحا‬
‫ا‬ ‫اَّلل‪ ،-‬ونسأل اَّلل ‪-‬س ْبحانه وتعاىل‪ -‬بأسَمئه احلسنى وصفاته العىل أن جيعل هذا الرشح‬
‫مفيدا ا وناف اعا ومباركاا‪ ،‬وأن ينفعنا به يف الدنيا واآلخرة من َشحه وحرضه واستمع إليه‪ ،‬وانتفع‬
‫وصل اَّلل وس َّلم عىل نبينا ُممد‪ ،‬وعىل آله وأصحابه‬
‫َّ‬ ‫قريب جميب‪ ،‬واَّلل أعلم‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫سميع‬
‫ٌ‬ ‫رِب‬
‫إن ي‬
‫به‪َّ ،‬‬
‫أمجعني‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬سليمان العيوني‬ ‫‪563‬‬

You might also like