مجلة العربي

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 212

‫‪feb 83.

indd 83‬‬
‫من االستقالل إلى التحرير‬
‫الثقافة الكويتية‬
‫‪www.alarabimag.net‬‬ ‫‪ISSN : 0258 - 3941‬‬ ‫‪ 2015‬م ‪February 2015‬‬ ‫العدد ‪ > 675‬ربيع اآلخر ‪ 1436‬هـ > فبراير‬

‫‪2/11/15 1:21:10 PM‬‬


‫العدد ‪ 675‬فبراير ‪2015‬‬
‫‪2/11/15 1:22:33 PM‬‬
‫تخت جمشيد‬ ‫احلضارة اإليرانية‪ ...‬من البيشدادية إلى األشكانية‬ ‫بادت‬
‫ثم َ‬‫حضارات سادت َّ‬

‫‪feb 83.indd 83‬‬


‫مجلة شهرية ثقافية مصورة يكتبها عرب ليقرأها كل العرب‬
‫تأسست عام ‪ ،1958‬تصدرها وزارة اإلعالم بدولة الكويت‬

‫العنوان في الكويت‬ ‫رئيس التحرير‬


‫د‪ .‬عادل سالم العبداجلادر‬
‫بنيد القار ‪ -‬قطعة ‪ - 2‬شارع ‪ - 47‬قسيمة ‪ - 3‬هاتف البدالة ‪)00965( 22512081/82/86‬‬
‫‪Editorial Tel:‬‬ ‫> هاتف التحرير‪22512017 :‬‬ ‫‪Editor in Chief‬‬
‫> اإلعالن والتوزيع‪ > )00965( 22512043 :‬الفاكس‪)00965( 22512044 :‬‬ ‫‪Dr. Adel S. Al-Abdul Jader‬‬
‫العنوان البريدي‪ :‬ص ب ‪ - 748‬الصفاة ‪ -‬الرمز البريدي ‪ -13008‬الكويت‪.‬‬
‫‪AL-ARABI - A Cultural Illustrated Monthly Arabic Magazine, Published by‬‬
‫‪Ministry of Information - State of Kuwait - P.O.Box: 748 - Safat, Kuwait‬‬
‫‪Tel: )00965( 22512081/82/86 Fax: (00965) 22512044‬‬
‫‪E.mail: arabimag@arabimag.net‬‬ ‫‪www.alarabimag.net‬‬

‫عناوين مراسلة العربي في اخلارج‬


‫> القاه�� ��رة ‪ -‬اله�� ��رم ‪ 5 -‬ش�� ��ارع ترع�� ��ة املريوطي�� ��ة ‪ -‬عم�� ��ارات اخللي�� ��ج ‪ -‬عم�� ��ارة ‪-3‬‬
‫ال� � ��دور الثال� � ��ث ‪ -‬ش� � ��قة ‪ - 40‬هــاتـ� � ��ف ‪ > 002039812448‬بي� � ��روت ص‪ .‬ب‬
‫‪ 70827‬أنطلي� � ��اس‪ /‬لـبـنـ� � ��ان ‪ -‬هات� � ��ف ‪ 009613408407‬فاك� � ��س ‪009614408448‬‬
‫> دمش� � ��ق ‪ -‬هات� � ��ف ‪ 00963114417653‬فاك� � ��س ‪ 00963114449567‬ص‪.‬ب ‪7699‬‬
‫> الرباط هاتف ‪ 0021237679972‬فاك� � ��س ‪ 0021237778438‬ص‪.‬ب ‪ 7729‬دار احلديث‬
‫شروط النشر في مجلة العربي‬
‫> توجه املقاالت إلى رئيس حترير املجلة‪.‬‬
‫تكتب املقاالت باللغة العربية وبخط واضح (للمقاالت املرسلة بالبريد)‪( ،‬يُفضل أن تكون املقالة مطبوعة‬
‫على قرص حاسوبي مدمج ‪ ،)C.D‬ومرفقة مبا يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬تعهد خطي من املؤلف أو املترجم بعدم نشر املقالة ساب ًقا في أي مجلة أخرى‪.‬‬
‫‪ - 2‬سيرة ذاتية مختصرة للمؤلف أو املترجم‪.‬‬
‫‪ - 3‬األصل األجنبي للترجمة‪ ،‬إذا كانت املقالة مترجمة‪.‬‬
‫‪ - 4‬يفضل أن تكون املقاالت الثقافية مدعمة بصور أصلية عالية النقاء‪ ،‬مع ذكر مصادر هذه الصور‪،‬‬
‫ومراعاة ترجمة تعليقات وشروح الصور واجلداول إلى اللغة العربية‪.‬‬
‫> أولوية النشر تكون للمقاالت املدعمة باملصادر واملراجع والصور‪.‬‬
‫> املوضوعات التي ال تنشر ال تعاد إلى أصحابها‪.‬‬
‫> يفضل أال تقل املقالة عن ‪ 150‬كلمة وال تزيد على ‪ 1000‬كلمة‪.‬‬
‫> يحق للمجلة حذف أو تعديل أو إضافة أي فقرة من املقالة متاش ًيا مع سياسة املجلة في النشر‪.‬‬
‫> اخلرائ� � ��ط التي تنش� � ��ر باملجل� � ��ة مجرد خرائ� � ��ط توضيحي� � ��ة وال تعتب� � ��ر مرجعا للح� � ��دود الدولية‪.‬‬
‫> ال يجوز إعادة النش� � ��ر بأي وس� � ��يلة ألي مادة نش� � ��رتها العربي منذ ‪ 1958‬وحتى تاريخه دون موافقة‬
‫خطية من اجلهات املختصة باملجلة وإال اعتبر خرقا لقانون امللكية الفكرية‪.‬‬

‫> امل ��واد املنش ��ورة تعب ��ر ع ��ن آراء كتابه ��ا وال تعبر بالض ��رورة ع ��ن رأي املجلة‪,‬‬
‫ويتحمل كاتب املقال جميع احلقوق الفكرية املترتبة للغير‪.‬‬
‫طبعت مبطبعة حكومة الكويت‬
‫‪3‬‬

‫‪feb 4-5.indd 3‬‬ ‫‪1/11/15 12:57:07 PM‬‬


‫العدد ‪ - 675‬ربيع اآلخر ‪ 1436‬هـ‬
‫فبراير (شباط) ‪2015‬م‬

‫‪ 198‬أحمد عنبر‪« ...‬العيد الوطني»‪( ...‬شعر)‬ ‫حديث الشهر‬


‫وجه ًا لوجه‬ ‫‪ 8‬د‪.‬عادل سالم العبداجلادر‪...‬‬
‫وحباً وسالماً‬
‫الكويت تُ َغنّي فرحاً ُ‬
‫‪ 99‬الروائي اليمني علي املقري‪ ...‬الرواية لم تعد تهتم باألبطال‪.‬‬
‫فكر‬
‫تاريخ وتراث وشخصيات‬
‫‪ 14‬د‪.‬مصطفى النش� � ��ار‪ ...‬القرآن الكرمي‪ ...‬وحتديث اخلطاب‬
‫حضارات سادت ثم بادت‪.‬‬ ‫‪26‬‬ ‫الديني‪.‬‬
‫إع� � ��داد مجلة العربي‪ ...‬الدكت� � ��ورة فايزة اخلرافي‪...‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪ 30‬د‪ .‬سعيد إسماعيل علي‪ ...‬مكانة العقل في حياتنا الفكرية‪.‬‬
‫تواضع العلماء ومنوذج التحدي‪.‬‬
‫د‪.‬قي� � ��س كاظ� � ��م اجلنابي‪ ...‬مدني صال� � ��ح‪ ...‬بني األدب‬ ‫‪120‬‬ ‫قضايا عامة‬
‫والفلسفة‪.‬‬ ‫‪ 18‬عبدالله يعقوب بشارة‪ ...‬إسرائيل ومبادرة السالم العربية‪.‬‬
‫محمد عويس‪ ...‬د‪.‬أمين فؤاد السيد‪ :‬انحسار النشر‬ ‫‪154‬‬
‫العلمي اجلاد للتراث العربي‪.‬‬ ‫ملف‬
‫فن‬ ‫‪ 36‬حمزة عليان‪ ...‬املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل‬
‫إلى التحرير‪.‬‬
‫‪ 105‬بقلم وريشة‪ :‬أمني الباشا‪ ...‬فنان وطباخ‪.‬‬
‫‪ 131‬صالح حوامرية‪ ...‬اللوحة الفنية بني احلقيقة والسراب‪.‬‬ ‫أدب ونقد ولغة‬
‫‪ 140‬طارق راش� � ��د‪« ....‬نظرية كل شيء» فيلم يص ّور قصة‬ ‫د‪.‬ميساء أحمد أبوشنب‪ ...‬نحو لغة تواصلية في احلياة‪.‬‬ ‫‪22‬‬
‫حياة ستيفن هوكينغ‪.‬‬
‫د‪.‬عبدالرشيد محمودي‪« ...‬في انتظار النجوم» (قصيدة)‪.‬‬ ‫‪83‬‬
‫علوم‬ ‫جهاد فاضل‪ ...‬التذلل للحبيب من شيم األديب‪.‬‬ ‫‪90‬‬
‫د‪.‬أحم� � ��د فؤاد باش� � ��ا‪ ...‬جمالي� � ��ات العلم وف� � ��ن البحث‬ ‫‪134‬‬ ‫محمد زينو شومان «حارس الظل»‪( ...‬قصيدة)‪.‬‬ ‫‪92‬‬
‫العلمي‪.‬‬ ‫د‪.‬إيهاب النجدي‪ ...‬الغرب واحلرب‪ ...‬رؤية شعرية‪.‬‬ ‫‪94‬‬
‫د‪.‬أبوبك� � ��ر خال� � ��د س� � ��عدالله‪ ...‬مرق� � ��اب الق� � ��رن الثاني‬ ‫‪145‬‬ ‫د‪.‬مصطفى رجب‪ ...‬مغامرة اللغة عند أحمد شوقي‪.‬‬ ‫‪108‬‬
‫والعشرين‪.‬‬ ‫حامت أوس األنصاري‪ ...‬ابن الفارض باكيا‪ ...‬تعقب سيميائي‪.‬‬ ‫‪113‬‬
‫د‪.‬حس� �ي��ن عزي� � ��ز صال� � ��ح‪ ...‬حل� � ��ول علمية ملش� � ��كالت‬ ‫‪150‬‬ ‫محمد صابر عبيد‪ ...‬صحيفة السفر عنف الغربة ومتعة املعرفة‪.‬‬ ‫‪123‬‬
‫مستعصية‪.‬‬ ‫عرض واختي�� ��ار د‪.‬عبداملجيد ش�� ��كير (قصص عل�� ��ى الهواء)‬ ‫‪127‬‬
‫د‪.‬عبدالله بدران‪ ...‬األمن الغذائي العربي‪.‬‬ ‫‪158‬‬ ‫بالتعاون مع إذاعة الـ(‪ )B.B.C‬العربية‪.‬‬

‫السعودية‪ :‬الشركة الوطنية املوحدة للتوزيع‬


‫الهاتف‪ 0096614871414 :‬فاكس‪0096614870809 :‬‬
‫وكالء توزيع العربي ومطبوعاتها‬
‫فلسطني‪ :‬شركة رام الله للتوزيع والنشر‬ ‫الكويت‪ :‬شركة اخلليج لتوزيع الصحف واملطبوعات‬
‫هاتف‪ 00967 022980800- :‬فاكس‪0097022964133 :‬‬
‫الهاتف‪00965-24811666:‬الفاكس‪00965- 24836680:‬‬
‫مصر‪ :‬مؤسسة أخبار اليوم ‪00202-25806400‬‬ ‫لبنان‪ :‬الشركة اللبنانية لتوزيع الصحف ‪00961-1368007‬‬
‫‪ -25782701‬فاكس ‪00202 25782540-‬‬ ‫البريد االلكتروني‪colidi@inco.com.lb :‬‬
‫السودان‪ :‬دار الريان للثقافة والنشر والتوزيع‬ ‫البحرين‪ :‬مؤسسة األيام للنشر ‪00973-17617733‬‬
‫هاتف‪ 002491 83242702 :‬فاكس‪00249183242703 :‬‬ ‫فاكس‪000973-17617744:‬‬
‫تونس‪ :‬الشركة التونسية ‪00216-71322499‬‬ ‫األردن‪ :‬وكالة التوزيع األردنية ‪00962-6535885‬‬
‫فاكس‪00216 71323004 :‬‬ ‫فاكس ‪0096265337733‬‬
‫اجلزائر‪ :‬شركة بوقادوم لنقل وتوزيع الصحافة‬ ‫قطر‪ :‬شركة دار الشرق ‪00974-44557809/ 11/10‬‬
‫هاتف‪ - 0021331909590 :‬فاكس ‪0021331909328‬‬ ‫فاكس ‪00974 44557819‬‬
‫املغرب‪ :‬الشركة العربية اإلفريقية ‪00212 - 522249200‬‬ ‫اإلمارات‪ :‬شركة ابو ظبي لالعالم‬
‫فاكس‪00212 522249214 :‬‬ ‫الهاتف‪ ..971-24145005/6 :‬الفاكس‪00971-24144340 :‬‬
‫اليمن‪ :‬القائد للنشر والتوزيع ‪00967 1240883‬‬ ‫سلطنة عمان‪ :‬مؤسسة العطاء للتوزيع ‪00968-24492936‬‬
‫فاكس‪00967 1240883 :‬‬ ‫‪ -24496748‬فاكس‪00968 24493200 :‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪feb 4-5.indd 4‬‬ ‫‪1/11/15 12:57:12 PM‬‬


‫البيت العربي‬
‫نبيل قطيط‪ ...‬تعليم التفكير‪ ...‬استراتيجيات التفكير اإلبداعي‪.‬‬ ‫‪164‬‬
‫د‪.‬عالء عبداملنعم إبراهيم‪ ...‬الطهي بنكهة السياسة‪.‬‬ ‫‪168‬‬
‫د‪.‬محمد أحمد الشرقاوي‪ ...‬تدريبات التحكم الوظيفي لألطفال‪.‬‬ ‫‪172‬‬
‫رضا إبراهيم محمود‪ ...‬الضحك والبكاء وحتليلهما من‬ ‫‪176‬‬
‫منظور نفسي‪.‬‬

‫طرائف‬
‫‪ 116‬صالح الشهاوي‪ ...‬طرائف عربية‪.‬‬
‫ص‪84‬‬ ‫‪ 118‬محمد حسن أحمد‪ ...‬طرائف غربية‪.‬‬

‫مكتبة العربي‬
‫‪ 184‬د‪.‬محمد نافع العشيري‪ ...‬األصول الفصيحة للهجة‬
‫جيالة (من املكتبة العربية)‪.‬‬
‫‪ 188‬عرض أحمد محمد حس� � ��ن‪ ...‬التنظير في الترجمة‬
‫(من املكتبة األجنبية)‪.‬‬
‫‪ 192‬كتب مختارة‪.‬‬

‫ص ‪145‬‬
‫أبواب ثابتة‬
‫عزيزي القارئ‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫(كاريكاتير) عبدالوهاب العوضي‬ ‫‪13‬‬
‫قالوا‪.‬‬ ‫‪34‬‬
‫املسابقة الثقافية‪.‬‬ ‫‪179‬‬
‫مسابقة التصوير الفوتوغرافي‪.‬‬ ‫‪182‬‬
‫املفكرة الثقافية‪.‬‬ ‫‪194‬‬
‫منتدى احلوار‪.‬‬ ‫‪199‬‬
‫عزيزي العربي‪.‬‬ ‫‪204‬‬
‫ص ‪158‬‬ ‫إلى أن نلتقي‪.‬‬ ‫‪210‬‬

‫االشتراكات‬ ‫العراق‪ :‬شركة الظالل للتوزيع ‪009647704291208 :‬‬


‫‪80662019 -807742504-‬‬
‫قيمة االشتراك السنوي > داخل الكويت ‪ 8‬د‪.‬ك > الوطن العربي ‪ 8‬د‪.‬ك أو ‪ 30‬دوالرا‬ ‫ليبيا‪ :‬شركة الناشر الليبي هاتف‪:‬‬
‫> باقـي دول العالم ‪10‬د‪.‬ك أو مايعادلها بالدوالر االمريكي أو اليورو األوربي‬ ‫‪00218217297779‬‬
‫> ترسل قيمة االشتراك مبوجب حوالة مصرفية أو شيك بالعمالت املذكورة باسم وزارة‬
‫فاكس‪00218-217297779 :‬‬
‫اإلعالم على عنوان املجلة‪.‬‬
‫كندا ‪)416(741-7555 SPEED IMPEX‬‬
‫‪Subscription: All Countries $ 40 or The Equivalent‬‬ ‫باكستان‪ :‬براديس يوك ‪0092214314981/2‬‬
‫ثـمن النسـخـة‬ ‫أمري ��كا‪-3065 MEDIA MARKETING :‬‬
‫‪001-718-786‬‬
‫الـكـويـت ‪ 500‬فلـس‪ ،‬األردن ‪ 500‬فلـــس‪ ،‬البحـــريـــن ‪ 500‬فلـــس‪ ،‬مــصــر ‪ 1.25‬جنيــه‪ ،‬الـســـــودان ‪,500‬‬ ‫إيطاليا‪ :‬إنتركونتيننتال ‪)39026(707-3227‬‬
‫جني�� ��ه‪ ،‬مـوريتـانـــيا ‪ 120‬أوقيـــة‪ ،‬تــــونــــس دينار واحـد‪ ،‬اجلـــــزائــر ‪ 80‬ديـنـارا‪ ،‬الـس� � �عـوديـــة ‪ 7‬ريـــاالت‪،‬‬ ‫موريتانيا‪ :‬إم‪.‬بي‪.‬سي ‪)222(258-6232‬‬
‫الـيـمـــــــن ‪ 70‬ريـــاال‪ ،‬قــطـــر ‪ 7‬ريـــاالت‪ ،‬سلطنـة عمـان ‪ 500‬بيسـة‪ ،‬لــبــنـان ‪ 2000‬لـيرة‪ ،‬سورية ‪ 30‬لـيرة‪،‬‬ ‫إجنلترا‪ :‬مؤسسة األهرام الدولية‬
‫اإلمارات ‪ 7‬دراهم‪ ،‬الـمـغـرب ‪ 10‬دراهم‪ ،‬لـيـبــيـا ‪ 500‬درهـم‪ ،‬العراق ‪ 50‬سنتاً‬ ‫‪00442073883130‬‬
‫‪Iran 4000 Riyal, Pakistan 75 Rupees, UK 2.5 Pound, Italy 2 ,‬‬ ‫;‪ Universal press‬هاتف ‪00442087499828‬‬
‫‪France 2‬‬ ‫‪, Austria 2‬‬ ‫‪, Germany 2‬‬ ‫‪, USA 2$, Canada .4.25 CD‬‬ ‫فاكس‪00442087493904 :‬‬

‫‪5‬‬ ‫الفهرس‬

‫‪feb 4-5.indd 5‬‬ ‫‪1/11/15 12:57:19 PM‬‬


ó©H

á«fÉK ájƒÄe ƒëf É©e

ôµØdG ÉjÉ°†b ‘ ájó≤fh á«∏«∏– AGQBG


.ô°UÉ©ŸG »eÓ°SE’G

äÉYƒ°Vƒe ∫hÉ``æ``J ‘ »é¡æe ó``jó``Œ


.á«eÓ°SE’G áaÉ≤ãdG

º¡°ùJ QɵaCGh äÉMhôWCG ™e Oóéàe AÉ≤d


.á«HOC’Gh á«aÉ≤ãdGh ájôµØdG ᫪æàdG ‘

π°UGƒàd ájƒÄŸG É¡à£ RÉàŒ ó```aGhQ


ΩÓbCG ∫ÓN øe õ«ªàŸG »ª∏©dG ÉgAÉ£Y
»Hô©dG ⁄É©dÉH ‘É≤ãdG ´ƒæàdG ¤EG »ªàæJ
.»eÓ°SE’Gh
    
  
 

«ŸÉY
IOÉjô
dG ! "#$%
G‘É
πª©d
°SE’G
»eÓ

 4h\UeUZU h\UeUZU% e,h\UeUZU ($,),')-4B$'# h\UeUZU4]g`Ua"[cj"_k

janfeb 6.indd6 6
6.indd 1/11/15 12:57:37
12/11/14 PM
8:28:15 AM
‫عــزيــزي الـقــارئ‬

‫شاهد على الثقافة‬


‫ٌ‬
‫يأتي ملف هذا العدد من مجلة العربي مواكباً ملناسبتني وطنيتني عزيزتني؛ يوم االستقالل‬
‫وذكرى التحرير‪ ،‬رأينا أن نوثق بينهما درب الثقافة الكويتية التنويري عبر هذه العقود‪.‬‬
‫لقد عملت دولة الكويت على مدى نحو س� � ��تني عاماً‪ ،‬وحتى قبيل االس� � ��تقالل‪ ،‬على أن‬
‫تكون بوتقة تنصهر فيها الثقافات اإلنس� � ��انية‪ ،‬لتتوزع أش� � ��عتها تنويراً إلى جيرانها وأصدقائها في‬
‫العالم كله‪.‬‬
‫ً‬
‫ومثلما ولدت مجلة العربي س� � ��فيرا للثقافة العربية والعاملية‪ ،‬فقد تعددت السفارات احلضارية التي‬
‫أسس� � ��تها دولة الكويت وتبنتها إلحياء اآلداب ودعم الفنون وتقدير العلوم‪ ،‬س� � ��واء من خالل مؤسساتها‬
‫التي ش� � ��ارك العرب جمي ًعا في فعالياتها‪ ،‬أو من خالل جوائزها الرس� � ��مية واخلاصة التي لم متيز بني‬
‫مشرقي ومغربي‪.‬‬
‫ً‬
‫حاولت مجلة العربي في هذا امللف أن تكون ش� � ��اهدا على الثقافة بأرض دولة الكويت‪ ،‬فهي الثقافة‬
‫الت� � ��ي تفاعلت معها كتائ� � ��ب التنويريني في الوطن العربي كله‪ ،‬من مفكري� � ��ن‪ ،‬وعلماء‪ ،‬وأدباء‪ ،‬وفنانني‪،‬‬
‫وإعالميني‪ ،‬وجدوا ‪ -‬جمي ًعا ‪ -‬قِ بْلتهم حتت سمائها الرحبة‪.‬‬
‫وعيدا االستقالل والتحرير مناسبتان للفرح‪ ،‬ومن هنا تأتي دعوة رئيس التحرير في حديثه الشهري‬
‫إل� � ��ى مناهضة احلزن‪ ،‬الذي خي� � ��م بكثافة على اجلموع‪ ،‬وجثم بثقل على الصدور‪ ،‬فأنش� � ��أ حالة تُعيي‬
‫وال تعني ‪« ...‬ألننا خش� � ��ينا الغناء وأدرنا ظهورنا للموس� � ��يقى حتى بتنا ال نفقه للسعادة معنى‪ ،‬وطغت‬
‫وحتجرت‬
‫ّ‬ ‫األحزان ونس� � ��ينا الضحك واالبتسام‪ ،‬حتى ساد اله ّم والغ ّم حياتنا مع األيام‪ ،‬وقست النفوس‬
‫القلوب‪ ،‬وما أجرمنا على أحد من الناس‪ ،‬فكيف إليهم نتوب؟!‪ ،‬إمنا نحاول أن نُ َط ِّهر أرواحنا فاتهمونا‬
‫بقولهم‪ :‬إنهم قوم يتطهرون! وكما قال إخوان الصفا وخالن الوفا إ ّن في الغناء واملوس� � ��يقى س� � ��بباً في‬
‫ضبط النفس الشجاعة وتهذيب احلواس وترقيق اإلحساس»‪.‬‬
‫وإن م� � ��ن الوجوه املش� � ��رقة لرحلة التنوير الكويتي� � ��ة مبادرتها لتكرمي املرأة‪ ،‬وهن� � ��ا نلقي الضوء على‬
‫أكادميي� � ��ة رائدة كانت أول س� � ��يدة ترأس جامع� � ��ة الكويت‪ ،‬وأول خليجية في منص� � ��ب وزيرة‪ ،‬نعني بها‬
‫شخصية الدكتورة فايزة اخلرافي‪.‬‬
‫تكرس مجلة العربي صفحاتها موسوعة ألعالم العرب والعالم‪ ،‬لهذا سيتوقف القارئ عند شخصيات‬
‫ثرية‪ ،‬بدءاً بحوارين مع الروائي اليمني علي املقري‪ ،‬والعالم املصري أمين فؤاد السيد‪ ،‬مروراً بقراءات‬
‫عن الشاعر الصوفي ابن الفارض‪ ،‬وأمير الشعراء أحمد شوقي واملفكر العراقي مدني صالح‪ ،‬وصوالً‬
‫إلى متابعة لفيلم عن العالم الفيزيائي ستيفن هوكينغ‪.‬‬
‫صحبة ممتعة لهؤالء وسواهم على صفحات عددكم اجلديد من مجلة العربي‪ ،‬وكل عام وأنتم بخير >‬

‫‪7‬‬

‫‪feb 7.indd 7‬‬ ‫‪1/11/15 12:57:53 PM‬‬


‫ ‬

‫العبداجلادر‬
‫العبداجلادر‬ ‫عادل سالم‬
‫د‪ .‬عادل‬
‫د‪.‬‬

‫الكويت ُت َغ ّني‬
‫وحب ًا وسالم ًا‬ ‫فرح ًا ُ‬
‫«اجتمع������ت جماع������ة م������ن احلكم������اء‬
‫والفالس������فة‪ ...‬فلما غنى املوسيقار‬ ‫عندما كنت أقرأ في «رسائل‬
‫حلن������اً مطرب������اً‪ ،‬قال أح������د احلكماء‪:‬‬ ‫إخوان الصفا وخالّن الوفا»‬
‫إن للغناء فضيلة يتعذر عل������ى املنطق إظهارها‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ولم يق������در على إخراجها بالعب������ارة‪ ،‬فأخرجتها‬ ‫وجدت نفسي مبتسم ًا!‬
‫النف������س حلناً موزوناً‪ ...‬وقال آخر‪ :‬احذروا عند‬ ‫أدر أكانت ابتسامتي‬ ‫ولم ِ‬
‫استماع املوس������يقى أن تثور بكم شهوات النفس‬ ‫من طريف ما كنت أقرأ‪،‬‬
‫البهيمية نحو زينة الطبيعة‪ ،‬فتميل بكم عن سنن‬
‫الهدى‪ ...‬وقال ثالث‪ :‬املوس������يقار إن كان حاذقاً‬ ‫أم من غريب توليف‬
‫بصنعته ح������ ّرك النفوس نح������و الفضائل‪ ،‬ونفى‬ ‫الرسالة التي أراد كاتبها‬
‫عنها الرذائل‪...‬‬ ‫إقناع القارئ برأيه؟ كانت‬
‫بأن تأثيرات نغمات املوس������يقى في‬ ‫اعلم يا أخي ّ‬ ‫الرسالة اخلامسة من القسم‬
‫نفوس املستمعني مختلفة األنواع‪ ،‬ولذة النفوس‬
‫منها وسرورها بها متفننة متباينة‪ ...‬واملوسيقى‬ ‫الرياضي من الرسائل‪ ،‬وهي‬
‫هي األنغ������ام املصاحب������ة للغن������اء‪ ...‬واللحن هو‬ ‫التي تناولت «املوسيقى»‪.‬‬
‫ألصوات متزن������ة‪ ...‬واألصوات‬ ‫ٍ‬ ‫نغم������ات متواترة‬ ‫فاسمح لي عزيزي القارئ‬
‫نوعان‪ :‬حية وغي������ر حية‪ ،‬واألصوات غير احلية‬
‫أيض������اً نوع������ان‪ :‬طبيعية وآلي������ة‪ ،‬فالطبيعية هي‬ ‫بتصرف ‪-‬‬
‫ُّ‬ ‫أن أستقطع لك ‪-‬‬
‫ص������وت احلج������ر واحلدي������د واخلش������ب والرعد‬ ‫جزء ًا منها‪:‬‬
‫والريح‪ ،‬وس������ائر األجس������ام التي ال روح فيها من‬
‫اجلمادات‪ ،‬واآللية كصوت الطبل والبوق واملزمار‬
‫واألوتار وما ش������اكلها‪ .‬واألصوات احلية نوعان‪:‬‬
‫منطقية (ناطقة) وغير منطقية‪ ،‬فغير املنطقية‬
‫هي أص������وات احليوانات والطيور غير الناطقة‪،‬‬
‫وأما املنطقية فهي أصوات الناس‪ ،‬وهي نوعان‪:‬‬
‫دالة وغي������ر دالة‪ ،‬فغير الدالة كالضحك والبكاء‬
‫والصياح‪ ،‬وباجلملة كل صوت ال هجاء له‪ ،‬وأما‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪Feb 8-12.indd 8‬‬ ‫‪1/11/15 12:58:16 PM‬‬


‫والزجناني‪ ،‬وأبو أحمد النهرجوري والعوفي وزيد‬
‫ّ‬ ‫احلكماء اخلمسة الذين صنفوا رسائل إخوان صفا‪ :‬ال ُبستي املقدسي‪،‬‬
‫بن رفاعة‬

‫‪9‬‬

‫‪Feb 8-12.indd 9‬‬ ‫‪1/11/15 12:58:21 PM‬‬


‫خاض املسلمون‪ ،‬فالسفة ومتكلمني وعلماء دين‪،‬‬ ‫الدال������ة فهي الكالم واألقاوي������ل التي لها هجاء‪.‬‬
‫من فقه������اء وق ّراء و ُم َحدِّ ثني ومفس������رين‪ ،‬وأدباء‬ ‫�����أن الصنائع كلها اس������تخرجها‬ ‫اعلم ي������ا أخي ب� ّ‬
‫وفنان���ي��ن‪ .‬لقد بدا واضحاً لدين������ا أننا إذا أردنا‬ ‫احلكم������اء بحكمتهم‪ ،‬ثم تعلمه������ا الناس منهم‪...‬‬
‫درباً إلى إباحة الغناء فسوف جنده في أدبياتنا‬ ‫واملوس������يقى صناعة‪ ...‬وكانوا يس������تعملون عند‬
‫وتراثن������ا وتاريخنا‪ ،‬وإذا أردن������ا طريقاً إلىالعفة‬ ‫الدعاء والتس������بيح والقراءة أحلاناً من املوسيقى‬
‫ال مما‬ ‫وال������ورع فلس������وف جند إل������ى ذلك س������بي ً‬ ‫«املزِ ن»‪ ،‬وهي الت������ي ترقق القلوب إذا‬ ‫�����مى حُ‬
‫ت َُس� َّ‬
‫يؤيد رأينا من فتاوى تس������تند إلى نصوص دينية‬ ‫ُسمعت‪ ،‬وتُبكي العيون‪ ،‬وتُكسب النفوس الندامة‬
‫واجتهادات فقهية على م ّر العصور اإلسالمية‪.‬‬ ‫على سالف الذنوب‪ ،‬وإخالص السرائر وإصالح‬
‫بأن قم������ة احلضارات مكان حلصيلة‬ ‫وكما نعلم ّ‬ ‫الضمائر‪ ...‬وكانوا أيضا قد اس������تخرجوا حلناً‬
‫�����ن‪ ،‬فكلما‬‫ّ‬ ‫�‬ ‫والف‬ ‫واألدب‬ ‫�����م‬
‫�‬ ‫العل‬ ‫�����ي‬‫إجنازاته������ا ف�‬ ‫�����جع» كان يس������تعمله قادة‬‫آخ������ر يُقال ل������ه «امل ُ َش� ِّ‬
‫انفتحت احلض������ارة على العل������م واألدب والفن‪،‬‬ ‫اجليوش في احلروب والهيجاء‪ ،‬يُكس������ب النفس‬
‫ثبتت كحلقة أساس������ية في سلس������لة احلضارات‬ ‫ش������جاعة وإقداماً‪ ،‬واستخرجوا أيضاً حلناً آخر‬
‫العاملية‪ ,‬وعندما يُسته َدف العلم واألدب والفن‪،‬‬ ‫كانوا يستعملونه في املارستانات (املستشفيات)‬
‫حل‬‫فالبد أن نتأك������د من أن خطراً حضارياً قد ّ‬ ‫وقت األسحار‪ ،‬يخفف ألم األسقام واألمراض‪...‬‬
‫في حياتنا الفكرية‪ ،‬ولن يكون اعتالء ُسلَّم النجاة‬ ‫واس������تخرجوا أيض������اً حلناً آخر يس������تعمل عند‬
‫املتحضر إال عندما يقوم هذا املجتمع‬ ‫ّ‬ ‫للمجتمع‬ ‫املصائ������ب واألح������زان والغم������وم وامل������آمت‪ ،‬يعزي‬
‫بتأصيل املفاهيم األخالقية في العلوم واآلداب‬ ‫النفوس‪ ،‬ويخف������ف ألم املصائب‪ ،‬ويُس������لي عند‬
‫إن كل جديد ث������ورة‪ ،‬وكل قدمي ثبات‪،‬‬ ‫والفن������ون‪ّ .‬‬ ‫االش������تياق‪ ،‬ويسكن احلزن‪ .‬واس������تخرجوا أيضاً‬
‫أن ليس كل‬ ‫وليس������ت كل ثورة تعني تقدم������اً‪ ،‬كما ّ‬ ‫حلناً آخر يستعمل عند األعمال الشاقة والصنائع‬
‫إن املفاهيم األخالقية تسمو‬ ‫ثبات يعني رجعية‪ّ .‬‬ ‫املتعبة‪ ،‬مثل ما يس������تعمله احلمال������ون والبناءون‬
‫بالعل������وم فتجعله������ا خلير اإلنس������ان‪ ،‬فمتى أري َد‬ ‫ومُلاّ ح الزوارق وأصحاب املراكب‪ ،‬يخفف عنهم‬
‫منها ش������ر صارت وباالً‪ ،‬مثل ذلك التحضيرات‬ ‫كد األبدان وتعب النفوس‪ .‬واس������تخرجوا أيضاً‬ ‫ّ‬
‫املخبري������ة للمضادات احليوية وتركيب األمصال‬ ‫أحلاناً أ ُ َخر تستعمل عند الفرح واللذة والسرور‬
‫لتطعيم البش������ر بهدف إنقاذه������م من األمراض‬ ‫في األعراس والوالئم‪ ،‬وهي املعروفة املستعملة‬
‫واألوبئة‪ ،‬وحني استخدمت تلك التحضيرات في‬ ‫في زماننا هذا»‪.‬‬
‫احل������روب البيولوجية نتج عنه������ا طواعني فتكت‬
‫مباليني البشر‪ ,‬كذلك القول في اآلداب والفنون‬ ‫اجلديد ثورة والقدمي ثبات‬
‫التي يؤثر اخللل فيها في النفس البش������رية التي‬ ‫كان هذا في عصر عاش فيه إخوان الصفا‬
‫س������رعان ما ينح������ط ذوقها العام عندم������ا ت ُْط َعم‬ ‫وخالن الوفا‪ ،‬وهو القرن الثالث الهجري‪/‬العاشر‬
‫الفن‬
‫ّ‬ ‫وتش������ى به باسم‬ ‫عبث الكالم وغثّ األداء حُ‬ ‫امليالدي‪ ،‬وهو عصر سبقه عصر املغنني الكبار‬
‫إن األخ���ل��اق أصل العلم واألدب والفن‪،‬‬ ‫واألدب‪ّ .‬‬ ‫وأش������هر القينات‪ ،‬منهم جميل������ة ومعبد بن وهب‬
‫فمن دونها لن جند إال االنحطاط‪.‬‬ ‫وعبيد بن سريج والغريض وسالمة القس وابن‬
‫وق������د رأى أغلب علم������اء الدين املس������لمني‪،‬‬ ‫محرز‪ ،‬ثم إسحق املوصلي وزرياب الذي عاصر‬
‫أن ت������رك الغناء‬ ‫وخاص������ة علماء الفق������ه منهم‪ّ ،‬‬ ‫ذاك الزمان‪ .‬ل������م أجد في صفحات التاريخ َمن‬
‫والع������زف عل������ى اآلالت املوس������يقية أوج������ب من‬ ‫س������ َّف َه هؤالء أو حتى قام بتعزيرهم أو انتقادهم‬
‫فعلهما‪ ،‬وم������ا كان ذلك منه������م إال تديناً وورعاً‪،‬‬ ‫على أق������ل تقدير‪ ،‬فهل خلت دنياهم من املُتّقني‪،‬‬
‫أن منه������م من قال بج������واز ذلك عندما غالى‬ ‫إال ّ‬ ‫أم كانت حياتهم حياة التسامح وقبول اآلخر؟!‬
‫البعض اآلخ������ر فأفتى بالتح������رمي‪ .‬والتحرمي ال‬ ‫�����د علم������ي املتواض������ع ف������ي تاريخ‬
‫وعل������ى ح� ّ‬
‫وقطعي الثبوت‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫�����ي الداللة‬
‫بنص قطع� ّ‬ ‫يكون إال ٍّ‬ ‫احلض������ارات‪ ،‬فإنه لم يخُ ض ‪-‬بعد اليهود‪ -‬أحد‬
‫احلد أو‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫�����أت محرما يُ َج ّرم‪ ،‬فيُق������ام عليه‬ ‫و َمن ي� ِ‬ ‫في موض������وع «الغناء بني اإلباحة والتحرمي» كما‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪Feb 8-12.indd 10‬‬ ‫‪1/11/15 12:58:28 PM‬‬


‫الرائعة‪ ،‬وما أجمل غناءها حني صدحت بكلمات‬ ‫يُ َعزّر‪ ،‬حتى لو كان س������فيهاً‪ .‬أما ترك الغناء‪ ،‬فال‬
‫الراحل سعيد عقل‪ ،‬وكالهما مسيحي‪ ،‬عن مكة‬ ‫يَعني ترك الس������ماع‪ ،‬فالغناء كالم وأحلان‪ ،‬إمنا‬
‫وعيد املس������لمني األكبر‪ ،‬داعية للمحبة والسالم‬ ‫ح������ ّرم الله من الكالم الق������ذف والغِ يبة والنميمة‬
‫وحتاضن األديان‪ ،‬فغنّت‪:‬‬ ‫والسب واللعان‪ ،‬ولم يُح ّرم كل الكالم‪ .‬كذلك‪ ،‬لم‬
‫غنيت م�ك��ة أه�ل�ه��ا الصيدا‬ ‫يختلف العلماء على جواز الغناء حدا ًء ونش������يداً‬
‫وال�ع�ي��د مي�لأ أض�ل�ع��ي عيدا‬ ‫ورجزاً أو ُحجى‪ ،‬ولم تُن َه األم عن الغناء لوليدها‬
‫ف��رح��وا ف�لأأل حت��ت ك��ل سما‬ ‫أو املرضعة عند رضاعة الرضيع‪ ،‬ولم يس������تنكر‬
‫بيت على بيت الهدى ِزيدا‬ ‫الرس������ول الكرمي صلى الله عليه وسلم شيئاً من‬
‫رب العاملني‬ ‫وع� �ل ��ى اس � ��م ِّ‬ ‫ذلك‪ ،‬عندما اس������تقبله أه������ل املدينة في هجرته‬
‫عال بنيانه كالشهب ممدودا‬ ‫منش������دين‪« :‬طلع البدر علينا من ثنيات الوداع»‪،‬‬
‫م��ن راك���ع وي� ��داه آن �س �ت��اه أن‬ ‫وال اس������تنكر أحد من الصحابة رضي الله عنهم‬
‫ليس يبقى ال�ب��اب موصودا‬ ‫َرج������ز عبدالله بن رواحة ف������ي أكثر من موضع‪،‬‬
‫أن��ا أي�ن�م��ا ص�ل��ى األن� ��ام رأت‬ ‫ومن َر َجزِ هِ‪:‬‬
‫عيني السماء تفتحت جودا‬ ‫يا نفس إال تُقتلي متوتي‬
‫يت‬ ‫ص ِل ِ‬ ‫هذا حياض املوت قد َ‬
‫ومبثل ما غنت ملكة غنت للقدس‪:‬‬ ‫لقيت‬‫ِ‬ ‫متنيت فقد‬
‫ِ‬ ‫وما‬
‫ألجلك يا مدينة الصالة أصلي‬ ‫ِ‬ ‫هديت‬
‫ِ‬ ‫إن تفعلي فعلها‬
‫ألجلك يا بهية املساكن‬
‫ِ‬ ‫تأخرت فقد شَ ِ‬
‫قيت‬ ‫ِ‬ ‫وإن‬
‫يا زهرة املدائن‬
‫يا قدس‬ ‫لقد خش� � ��ينا الغناء وأدرنا ظهورنا للموسيقى‬
‫يا مدينة الصالة أصلي‬ ‫حتى بتنا ال نفقه للس� � ��عادة معنى‪ ،‬وطغت األحزان‬
‫إليك ترحل كلّ يوم‬
‫عيوننا ِ‬ ‫ونسينا الضحك واالبتسام‪ ،‬حتى ساد اله ّم والغ ّم‬
‫تدور في أروقة املعابد‬ ‫وحتجرت‬‫ّ‬ ‫حياتن� � ��ا م� � ��ع األيام‪ ،‬وقس� � ��ت النف� � ��وس‬
‫تعانق الكنائس القدمية‬ ‫القل� � ��وب‪ ،‬وما أجرمنا على أحد من الناس‪ ،‬فكيف‬
‫ومتسح احلزن عن املساجد‬ ‫إليهم نت� � ��وب؟! إمنا نح� � ��اول أن نُ َط ِّه� � ��ر أرواحنا‪،‬‬
‫يا ليلة اإلسراء‬ ‫فاتهمون� � ��ا بقولهم‪« :‬إنهم أن� � ��اس يتطهرون»! وكما‬
‫يا درب من مروا إلى السماء‬ ‫إن في الغناء‬ ‫ق� � ��ال إخوان الصف� � ��ا وخالن الوف� � ��ا ّ‬
‫إليك ترحل كل يوم‬ ‫عيوننا ِ‬ ‫واملوس� � ��يقى س� � ��بباً في ضبط النفس الش� � ��جاعة‬
‫***‬ ‫وتهذيب احلواس وترقيق اإلحساس‪ .‬ولعل طائفة‬
‫كنا ونحن صغار ننشد أناشيد أقطار الوطن‬ ‫م� � ��ن اليهود اليزال� � ��ون حتى يومنا ه� � ��ذا يترمنون‬
‫العربي‪ ،‬من احمليط إلى اخلليج‪ ،‬وفي مدارسنا‬ ‫بالزبور ومزامير داود عليه السالم مبا نعرفه اآلن‬
‫حني كنا صغاراً في أواخر الستينيات من القرن‬ ‫باملقامات املوسيقية‪ ،‬فكل مزمار من تلك املزامير‬
‫املاض������ي‪ ،‬لم يك������ن لدولة الكويت نش������يد وطني‬ ‫يرتل مبقام موسيقي ثابت‪ .‬أما املسيحيون فيرتلون‬
‫رس������مي‪ ،‬حينذاك أنشدنا للكويت «عيد بالدي»‬ ‫ال‪ ،‬مبثل ما أمرنا الله تعالى أن نرتل‬ ‫صلواتهم ترتي ً‬
‫للش������اعر أحم������د عنبر من أحل������ان عبدالرؤوف‬ ‫ألن النفس اإلنسانية تسمو أحاسيسها‬ ‫به القرآن‪ّ ،‬‬
‫إسماعيل‪:‬‬ ‫بالنغم‪ ،‬فنرى كبار مقرئي القرآن يرتلون كتاب الله‬
‫ضجت الفرحة جتري في دمائي‬ ‫وفق نظام املقامات املوسيقية‪.‬‬
‫وتغنى املجد من عليا سمائي‬ ‫إن «جارة الوادي»‬ ‫ولن نفشي س������راً إن قلنا ّ‬
‫فانتشى الكون بأنفاس الضياء‬ ‫في������روز إمنا دخل������ت قلوب جماهيره������ا ألدائها‬
‫***‬ ‫ال‪ ،‬تلك التراتيل الكنس������ية الرقيقة‬ ‫الغن������اء ترتي ً‬

‫‪11‬‬

‫‪Feb 8-12.indd 11‬‬ ‫‪1/11/15 12:58:32 PM‬‬


‫غنى أعظم مطربي العالم العربي للكويت‪ ،‬فقد‬ ‫عندما أشرقت يا عيد بالدي‬
‫غنت أم كلثوم من كلمات أحمد العدواني وأحلان‬ ‫رافع ًا رايات نصري وجهادي‬
‫رياض السنباطي‪:‬‬ ‫قصة تروي طريقي وتالدي‬
‫يـ ��ا دارنـــــــ ��ا يــــــ ��ا دار ي ��ا منــــــب ��ت األحـــ ��رار‬ ‫***‬
‫يا جنــــم ��ة للـــس� �ــــــــنـــا عل ��ى جــــــب�ي�ن املــــن ��ى‬ ‫منذ كان البحر ميدان رجالي‬
‫الس� �ــــحـــــر ملـــــ ��ا دنـــــــــا غن ��ى لهــــــ ��ا األش ��عار‬ ‫خضعون املوج في سود الليالي‬ ‫ُي ِ‬
‫التب ��ر فـــــ ��ي َب ّرهــــــــ ��ا وال ��د ُّر ف ��ي بحره ��ا‬ ‫شع النور من فجر الآللي‬ ‫يوم ّ‬
‫واحل � ُّ�ب ف ��ي صدره ��ا نـــبـــــ ��ع م ��ن األعط ��ار‬ ‫***‬
‫مســــت عـروس اخلليـج ‬ ‫َّ‬ ‫يـــ ��ا نـــــفــحــــ ��ة لألريـــج‬ ‫احلياة‬ ‫ينثر اآلمال في درب‬
‫ِ‬
‫فجـــ ��ر وروض بهــيـ ��ج م ��ا أس� �عـــد األطــــــي ��ار‬
‫نع ��م‪ ،‬عش� �قــنـــا ث ��راك نــــع ��م‪ ،‬وعش ��نا ف ��داك‬ ‫ومعي عزمي وصبري وثباتي‬
‫وكلــــن ��ا ف ��ي هــــــ ��واك حــام ��ي احلمى واجلار‬ ‫ذكريات‬
‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫ذكريات يا لها من‬
‫***‬
‫وغنى عبدالوهاب من أحلانه وكلمات كامل‬ ‫منذ سال اخلير من نبع الصحاري‬
‫الشناوي‪:‬‬ ‫نعمة تُسعد أهلي وجواري‬
‫كــــل أرض عـــربيـة‬ ‫فازدهى العمران في آفاق داري‬
‫هي أرضي وامتدادي وطريقي‬
‫كل أحالمي األبية‬ ‫وف ـ ـ������ي ع ـ������ام ‪1978‬م‪ ،‬نبعـ ــت فك������رة عمـ ــل‬
‫هي حلمي وانتفاضات عروقي‬ ‫ن ــشيد وط ــني رسم ــي لدول ــة الكويت ليحل محل‬
‫فالكويت املستقل العربي بلدي‬ ‫الس���ل��ام األمـ ــيري املعمــول بـ ـ������ه مـ ــنذ ‪1961‬م‪،‬‬
‫وهو روحي ودمي ووالدي وولدي‬ ‫وكللت الفكرة بالنجاح للنشيد الذي وضع كلماته‬
‫وله حبي وآمالي وعقلي ويدي‬ ‫الش������اعر األستاذ أحمد مش������اري العدواني وقام‬
‫بنسج أحلانه املوسيقار إبراهيم الصولة‪:‬‬
‫ولفريد األطرش أغنية منها‪:‬‬ ‫وط�ن��ي ال�ك��وي��ت سلمت للمجد‬
‫أرض ال� � �ك � ��وي � ��ت ي� � ��ا ب� �ل��ادي‬ ‫السعد‬
‫ِ‬ ‫وع �ل��ى ج�ب�ي�ن��ك ط��ال��ع‬
‫أف� � � ��دي� � � ��ك ب� � � � � � ��روح أوالدي‬ ‫األل� � � ��ى كتبوا‬ ‫ي� ��ا م� �ه ��د آب � � ��اء ُ‬
‫ب� � �ت� � �ع� � �ي� � �ش � ��ي ح� � � � � � ��رة أب� � �ي�� ��ة‬ ‫ِس ��فْ ��ر اخل� �ل ��ود ف� �ن ��ادت الشهب‬
‫م � � �ن � � �ص� � ��ورة ب� � �ن� � �ص � ��رة ق� ��وي� ��ة‬ ‫ال�� � �ل� � ��ه أك�� � �ب� � ��ر إن�� � �ه� � ��م ع � ��رب‬
‫ط �ل �ع��ت ك���واك���ب ج��ن��ة ُ‬
‫اخل� � ْل�� ِ�د‬
‫وغنى عبداحلليم حافظ للكويت‪:‬‬ ‫ب��ورك��ت ي��ا وط �ن��ي ال �ك��وي��ت لنا‬
‫من اجلهراء للساملية‬ ‫سكن ًا وع�ش��ت على امل��دى وطن ًا‬
‫رافعني علم احلرية‬ ‫ي �ف��دي��ك ح� � ٌّ�ر ف ��ي ح��م��اك بنى‬
‫رايحة ألوف وجاية ألوف‬ ‫ص� ��رح احل� �ي ��اة ب ��أك ��رم األي� ��دي‬
‫تهني بعيد احلرية‬ ‫ن �ح �م �ي��ك ي ��ا وط��ن��ي وشاهدنا‬
‫كويتية كويتية‬ ‫ش � ��رع ال � �ه� ��دى واحل� � ��ق رائ ��دن ��ا‬
‫في الـ ‪ 25‬والـ ‪ 26‬مــــن هــــذا الش������هر‪ ،‬شهر‬ ‫وأم � � �ي� � ��رن� � ��ا ل�� �ل�� �ع� ��زِّ ق� ��ائ� ��دن� ��ا‬
‫فبراير‪ ،‬حتتفل الكويـــت كل عام بعـــيـــدها الوطــــني‬ ‫رب احل� �م� � ّي�� ِ�ة ص� � ��ادق ال ��وع � ِ�د‬ ‫ُّ‬
‫وعي������د التحرير‪ ،‬وفي هذا العام (‪2015‬م)‪ ،‬يأتي‬ ‫وط�ن��ي ال�ك��وي��ت سلمت للمجد‬
‫عيدها الوطني الرابع واخلمسون وعيد التحرير‬ ‫السعد‬‫ِ‬ ‫وع �ل��ى ج�ب�ي�ن��ك ط��ال��ع‬
‫الرابع والعشرون‪ ،‬ولسوف تُغني الكويت وشعبها‬ ‫كنا نحتف������ل بالعيد الوطن������ي‪ ،‬نغني فرحني‬
‫للعالم كله فرحاً وحباً وسالماً >‬ ‫س������عداء‪ ،‬تغمرنا البهجة ويحدون������ا األمل‪ ،‬حني‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪Feb 8-12.indd 12‬‬ ‫‪1/11/15 12:58:36 PM‬‬


‫كاريكاتير‬

feb 13.indd 13 1/11/15 1:18:06 PM


‫فكـر‬

‫الديني‬
‫َّ‬ ‫اخلطاب‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وحتديث‬ ‫القرآن الكرمي‪...‬‬
‫ُ‬
‫د‪ .‬مصطفى النشار *‬

‫ال شك في أن كل ما يعانيه العاملان العربي واإلسالمي اليوم من مشكالت وصراعات تكاد تفتك‬
‫بالعرب واملسلمني وتعوق وحدتهم‪ ،‬بل تعوق احلد األدنى من االتفاق حول خط أحمر ال ينبغي‬
‫أن تتج ��اوزه خالفاته ��م حت ��ى ال تتأثر مصاحلهم ويفقدون احلد األدنى من الهيبة أمام ش ��عوب‬
‫العالم األخرى‪ ،‬ال ش ��ك في أن س ��بب كل ذلك هو تفاوت فهمهم وتفس ��يراتهم ألس ��س ونصوص‬
‫ش ��ريعتهم اإلس�ل�امية التي هي في أصلها شريعة سمحة‪ ،‬ومعهم أصبحت بالفعل نقيض ًا لذلك‬
‫ف ��ي نظ ��ر كل َمن ال يعرف األصول العظيمة التي تقوم عليه ��ا‪ ،‬واكتفى بأن يأخذ انطباعه عنها‬
‫من أتباعها املعاصرين وأفعالهم الش ��نيعة! ولعل الس ��ؤال الذي يلح اآلن على كل مؤمن مخلص‬
‫هو‪ :‬متى وكيف يفيق املس ��لمون ويعودون إلى رش ��دهم وإلى صحيح دينهم‪ ،‬دين العقل واملوعظة‬
‫احلسنة واحلوار بالتي هي أحسن‪ ،‬دين االعتصام والوحدة وليس دين التناحر والفرقة؟!‬

‫من جه� � ��ة رواة احلديث من حيث مدى صحة اإلس� � ��ناد‬ ‫في اعتقادي أن خير إجابة عن السؤال تكمن‬
‫أو فساده‪.‬‬ ‫في قول اإلمام محمد عبده‪« :‬إن القرآن هو‬
‫‪ -6‬اخلالف العارض من قبل االجتهاد والقياس‪.‬‬ ‫الدوح� � ��ة واألصل ال� � ��ذي يرج� � ��ع إليه‪ ،‬وهو‬
‫‪ -7‬اخلالف العارض من قبل النس� � ��خ‪ ،‬وهو يعرض‬ ‫ال� � ��ذي البد أن يرفع ف� � ��وق كل خالف»‪ .‬وملا كان اختالف‬
‫بني من أنكر النسخ ومن أثبته‪.‬‬ ‫ال من أصول اإلس� �ل��ام‪ ،‬فقد قال اإلمام‬ ‫املجتهدي� � ��ن أص ً‬
‫‪ -8‬اخل� �ل��اف الع� � ��ارض من جهة اإلباح� � ��ة التي من‬ ‫«إنهم لو اجتمعوا وتناصفوا لتف ّوقوا وما اختلفوا»‪.‬‬
‫قبل أش� � ��ياء أوس� � ��ع الله تعالى فيها على عباده وأباحها‬ ‫ويا ليتهم اختلفوا في األوجه التي توجب االختالف‬
‫لهم على لس� � ��ان نبيه‪ ،‬كاختالف الناس في األذان ووجوه‬ ‫وابتعدوا عن الش� � ��قاق والصراع‪ ،‬تل� � ��ك األوجه التي كان‬
‫القراءات السبع ونحو ذلك‪.‬‬ ‫ا من أبي محمد عبدالله بن محمد البطليوس� � ��ي‬ ‫جمي� �ل � ً‬
‫األندلسي أن يعددها لنا في كتابه «اإلنصاف في التنبيه‬
‫دخول غير املختصني‬ ‫على األس� � ��باب التي أوجبت االختالف بني املسلمني في‬
‫واحلقيقة أن اخلالفات واالختالفات بني املسلمني‬ ‫آرائهم»‪ ،‬ويحصرها في ثمانية أوجه هي‪:‬‬
‫اآلن قد خرجت عن هذه الصور املشروعة‪ ،‬وفي اعتقادي‬ ‫‪ -1‬اخلالف الع� � ��ارض من جهة اش� � ��تراك األلفاظ‬
‫الش� � ��خصي أن كثرة االختالفات واخلالفات إمنا ترتبت‬ ‫واحتمالها التأويالت الكثيرة‪.‬‬
‫على دخول غير املختصني مجال الدعوة والتفسير‪ .‬ولو‬ ‫‪ -2‬اخلالف العارض من جهة احلقيقة واملجاز‪.‬‬
‫التزم املسلمون بالشروط القرآنية للمجددين املوكل إليهم‬ ‫‪ -3‬اخلالف العارض من جهة اإلفراد والتركيب‪.‬‬
‫اإلفتاء والتفس� � ��ير ملا وجدنا أنفسنا أمام كل هذه الشيع‬ ‫‪ -4‬اخلالف العارض من جهة العموم واخلصوص‪.‬‬
‫والف� � ��رق املتناحرة من التيارات اإلس� �ل��امية واجلماعات‬ ‫‪ -5‬اخل� �ل��اف العارض من جه� � ��ة الرواية‪ ،‬واملقصود‬
‫* أكادميي من مصر‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪14‬‬

‫‪feb 14-17.indd 14‬‬ ‫‪1/11/15 12:59:32 PM‬‬


‫‪15‬‬
‫الديني‬
‫َّ‬ ‫اخلطاب‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وحتديث‬ ‫القرآنُ الكرمي‪...‬‬

‫‪feb 14-17.indd 15‬‬ ‫‪1/11/15 12:59:37 PM‬‬


‫بفعل اخليرات واملش� � ��اركة في شتى مجاالت احلياة مبا‬ ‫اإلس� �ل��امية التي تت� � ��راوح بني االعت� � ��دال والتطرف إلى‬
‫يعود باخلير على الناس كافة‪.‬‬ ‫حد كاد يضيع معه «اإلس� �ل��ام الصحيح»‪ ،‬وهذه الشروط‬
‫‪ -5‬أما الش� � ��رط اخلامس فقد ورد في قوله تعالى‬ ‫حددتها في اعتقادي آيتان هما‪:‬‬
‫{وإقام الصالة}‪ ،‬فاملعروف أن عماد الدين الصالة‪ ،‬و َمن‬ ‫{ َو َج َع ْل َن ��ا ِمن ُْه ْم أَ ِئ ّ َم ًة َي ْه ُدو َن ِبأَ ْم ِرنَا مَلَّا َص َب ُروا َو َكانُوا‬
‫أقامها فقد أقام الدين‪ ،‬وبها ميكن قيادة املجتمع املسلم‬ ‫ِبآ َي ِاتنَا ُي ِوقنُون} (السجدة‪.)24:‬‬
‫إل� � ��ى ربه في ليله ونهاره‪ ،‬وذلك في صورة عبادة منتظمة‬ ‫َاه ْم أَ ِئ ّ َم ًة َي ْه ُدو َن ِبأَ ْم ِرنَا َوأَ ْو َح ْينَا ِإ َل ْي ِه ْم ِف ْع َل‬
‫{ َو َج َع ْلن ُ‬
‫يراجع فيها اإلنسان نفسه على منهج الله‪ .‬وفيها اتصال‬ ‫ال ِة َو ِإيتَاء ال ّ َز َك ِاة َو َكانُوا َلنَا َع ِاب ِدين}‬ ‫الص َ‬ ‫ال ْي� � َر ِات َو ِإ َقا َم ّ َ‬
‫خْ َ‬
‫بني العبد وربه إذا داوم عليها اإلنسان ظل محافظاً على‬ ‫(األنبياء‪.)73:‬‬
‫هذه الصلة‪.‬‬ ‫‪ -1‬فالش� � ��رط األول ورد في اآلي� � ��ة األولى في قوله‬
‫‪ -6‬أما الش� � ��رط الس� � ��ادس فقد ورد في قوله تعالى‬ ‫{يه ��دون بأمرنا}‪ ،‬أي أن يكون منهجهم في الدعوة إلى‬
‫{وإيتاء الزكاة}‪ ،‬وهذا ش� � ��رط عمل� � ��ي يتبني من خالله‬ ‫الله مس� � ��تمداً مما أنزل الله في كتبه وما أمر به رسله‪،‬‬
‫مدى صدق املجدد ف� � ��ي الدعوة إلى الله‪ ،‬فال إمامة من‬ ‫وليس من خارج هذا أو ذاك أو على خالف منهج القرآن‬
‫دون إعم� � ��ال أركان الدين وال إمامة م� � ��ن دون بذل دائم‬ ‫الكرمي والرسول ‪.‬‬
‫وعطاء سخي من كل ما ميلكه اإلنسان فداء ملبادئه وإال‬ ‫‪ -2‬أما الش� � ��رط الثاني فورد في اآلية األولى أيضاً‬
‫صارت هذه املبادئ مجردة ال وجود وال معنى لها‪.‬‬ ‫في قوله {ملا صبروا}‪ ،‬وهو يعني أنه ال إمامة في الدين‬
‫‪ -7‬أما الش� � ��رط الس� � ��ابع فقد ورد ف� � ��ي قوله تعالى‬ ‫ملن لم يصبر على الدعوة إلى الله ما بني تقصير وضعف‬
‫{وكان ��وا لن ��ا عابدي ��ن} إذ إن املداومة على العبادة هنا‬ ‫في االتباع‪ ،‬وخصومة وجت ُّبر في األعداء‪ .‬إن الصبر هنا‬
‫مبعناها العام ال تعني ركوعاً وسجوداً وقياماً في الصالة‪،‬‬ ‫ق� � ��د يكون داللة على الصبر في تأمل اآليات واألحاديث‬
‫أو دفع � � �اً لألموال في الزكاة فحس� � ��ب‪ ،‬وإمنا كل قول أو‬ ‫قبل اإلفتاء وقبل اخلوض في أي حديث حول ما أتى به‬
‫فعل يصدر من اإلنس� � ��ان ابتغاء وجه الله وطلباً ملرضاته‬ ‫الله والرسول ‪ ،‬فالدعوة ليست موكولة أبداً ملن وقف‬
‫هو عب� � ��ادة أو بتعبير آخر‪ ،‬كل حركة في حياة اإلنس� � ��ان‬ ‫على ظاهر اآليات دون باطنها أو على طريقة {ال تقربوا‬
‫وفي حياة األمة إذا توجهت بهذه احلركة إلى الله‪.‬‬ ‫الصالة} أو ببساطة ليست ملن اتّبع منهج «اخطف واجرِ »‬
‫بلغة العامة‪ ،‬فالتعرض للحديث في الدين ينبغي أن يكون‬
‫العلم واليقني‬ ‫أساس� � ��ه املعرفة العميقة بآياته سبحانه وتعالى والصبر‬
‫وهذه الش� � ��روط الس� � ��بعة تدور ح� � ��ول أمرين اثنني‬ ‫على هذه املعرفة حتى يتقنها‪.‬‬
‫ينبغي أن يتوافرا فيمن يتعرض ألمر الدعوة والتفس� � ��ير‪،‬‬ ‫‪ -3‬أما الش� � ��رط الثالث ففي قول� � ��ه تعالى في اآلية‬
‫أولهم� � ��ا‪ :‬العلم الدقيق واليقني بآي� � ��ات القرآن وأحاديث‬ ‫األولى {وكانوا بآياتنا يوقن ��ون}‪ ،‬وهو اليقني في نصر‬
‫النبي ‪ ،‬والثاني‪ :‬أن يكون قدوة في القول والفعل‪ ،‬وأال‬ ‫الله وقدرته على هداي� � ��ة خلقه ونصر دعوته وتأييد من‬
‫تنفصل لديه الدعوة إلى الله عن التمسك بأركان الدين‬ ‫يقوم به� � ��ذه الدع� � ��وة‪ .‬إن التيقّن يعني فلس� � ��فياً اإلميان‬
‫وفعل اخليرات‪ ،‬وأن تكون كل حركة في حياته لوجه الله‬ ‫العميق مصحوباً باحلجة والدليل العقليني‪ ،‬وهذا اليقني‬
‫وليس لوجه أي ش� � ��يء دنيوي (ش� � ��هرة كان أو منصباً‪ ،‬أو‬ ‫هو س� � ��ند صاحبه ألن يدعو إل� � ��ى الله حق الدعوة‪ ،‬إذ ال‬
‫غير ذلك)‪ .‬واحلقيقة أنن� � ��ي أعجب من كثرة اخلالفات‬ ‫ميكن أن يقنع الداعية أحداً بش� � ��يء هو متشكك إزاءه أو‬
‫والش� � ��قاق بني املسلمني الذين ي ّدعي كل فريق منهم بأنه‬ ‫ليس على قناعة ويقني ت� � ��ام به‪ .‬إن اليقني يورث اليقني‬
‫األكثر فهماً ومعرفة بحقيقة الدين من غيره‪ ،‬ويصل في‬ ‫ببساطة فال يتعرض للدعوة إال متيقن من عقيدته ومن‬
‫غ ّيه ح� � ��د تكفير اآلخرين‪ ،‬بينما األمر عند أعدى أعداء‬ ‫نصر الله له‪.‬‬
‫اإلس� �ل��ام لم يصل إلى ذلك احلد من االس� � ��تهانة بالدين‬ ‫‪ -4‬أما الش� � ��رط الرابع فقد ورد في قوله تعالى في‬
‫اإلسالمي والتعصب ضده!‬ ‫اآلي� � ��ة الثانية {فعل اخليرات}‪ ،‬إذ إن الدعوة إلى الله ال‬
‫وكم كان لوفيكو مراكشي (‪1700 -1612‬م) صاحب‬ ‫يكفي فيها الق� � ��ول دون الفعل وحتى ال تتناقض األقوال‬
‫كت� � ��اب «مقدمة في دحض القرآن» موضوعياً وهو يكتب‬ ‫مع األفع� � ��ال‪ ،‬فإن الدعوة إلى الله ينبغي أن تتوافق فيها‬
‫مقدمته للترجمة التي قام بها للقرآن الكرمي حتت عنوان‬ ‫أقوال الداعية املس� � ��تندة إلى قال الله وقال الرسول ‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪16‬‬

‫‪feb 14-17.indd 16‬‬ ‫‪1/11/15 12:59:40 PM‬‬


‫ينبغي أن تقوم على أسس خمسة هي‪:‬‬ ‫«القرآن نص عاملي»‪ ،‬حيث يقول‪« :‬إن الدين اإلس� �ل��امي‬
‫‪ -1‬العودة إلى االس� � ��تناد إلى صحيح الدين (القرآن‬ ‫احتفظ بكل ما هو أكثر عقالنية واحتماالً في املسيحية‪،‬‬
‫والس � � �نَّة) قبل ظهور اخلالف بني الفرق والتأكيد دائماً‬ ‫وبكل ما يبدو في نظرنا موافقاً لقانون وس � � �نَّة الطبيعة‪،‬‬
‫عل� � ��ى أن خالفاتهم هي مجرد اختالف في الرأي وليس‬ ‫وقد استبعد من عقيدته جميع ألوان الغموض املوجودة‬
‫فيم� � ��ا يخص جوه� � ��ر العقي� � ��دة وإمنا م� � ��ا يخص بعض‬ ‫ف� � ��ي اإلجنيل‪ ،‬والتي تبدو لنا غير معقولة وغير مفهومة‪،‬‬
‫الفروع‪.‬‬ ‫كما أنه اس� � ��تبعد من األخالق كل املب� � ��ادئ املتز ّمتة التي‬
‫‪ -2‬مراعاة التدرج في اخلطاب الديني بحيث يكون‬ ‫يصع� � ��ب على الن� � ��اس تطبيقها‪ ،‬ما جع� � ��ل الوثنيني اليوم‬
‫موافقاً للمخاطب‪ ،‬فمخاطبة عامة الناس غير مخاطبة‬ ‫ال إل� � ��ى التنكر لوثنيتهم واعتناق‬ ‫يش� � ��عرون بأنهم أكثر مي ً‬
‫خاصته� � ��م‪ ،‬إذ ينبغي أن يقتصر اخلط� � ��اب املوجه لعامة‬ ‫اإلس� �ل��ام بصدر رحب واعتناق الشريعة احملمدية أكثر‬
‫الناس على شؤون دينهم احلياتية‪.‬‬ ‫من الشريعة اإلجنيلية»‪.‬‬
‫‪ -3‬احلرص على عقالنية اخلطاب الديني والبعد به‬ ‫وفي كتابه «دحض القرآن» يقول مراكشي‪« :‬يجب أال‬
‫عن إشاعة اخلرافات واخلزعبالت‪ ،‬والبعد عن التقليد‬ ‫نش� � ��ك في أن كتاب «محمد» ال يقدم أفكاراً يصعب على‬
‫ومحارب� � ��ة اجلمود‪ ،‬م� � ��ع احلرص على إب� � ��راز القضايا‬ ‫ال ال يوجد إال إله واحد حكيم وقادر‪،‬‬ ‫العق� � ��ل فهمها‪ ،‬فمث ً‬
‫املتجددة والتعبير عنها على أساس من صحيح الدين‪.‬‬ ‫خالق األشياء كلها ومد ّبرها‪ ،‬ويجب أن يُصلى له بخشوع‬
‫‪ -4‬نب� � ��ذ التعصب والتس� � ��امح مع أصح� � ��اب اآلراء‬ ‫وخضوع‪ .‬وأن يكون اإلنس� � ��ان متس� � ��امحاً م� � ��ع الفقراء‪،‬‬
‫واملعتقدات األخرى‪ ،‬إعماالً ملبدأ «احلقيقة ح ّمالة أوجه»‬ ‫ويؤدي مناس� � ��ك احلج‪ ،‬ويط ّهر بدن� � ��ه بالصيام‪ ،‬ويحافظ‬
‫وملبدأ االس� � ��تفادة م� � ��ن كل الطاق� � ��ات والديانات خلدمة‬ ‫على العدل والوس� � ��طية وطيبة القلب والشفقة‪ ،‬وكذلك‬
‫املجتمع املسلم في أي دولة من الدول اإلسالمية‪.‬‬ ‫كل الفضائل السهلة األخرى‪ ،‬فال يجوز أن يُؤذى إنسان‪،‬‬
‫‪ -5‬استش� � ��راف املس� � ��تقبل كضرورة م� � ��ن ضرورات‬ ‫بل يجب أن يُحمى من السرقة والزنا‪ ،‬وأي جرمية أخرى‬
‫تطوير احلاض� � ��ر‪ ،‬ما يعني التقليل من قداس� � ��ة املاضي‬ ‫أ ّيا كان� � ��ت‪ ،‬ويجب أن يُحتقر كل ما ف� � ��ي الدنيا باعتباره‬
‫ملصلح� � ��ة أن باملس� � ��تقبل إمكانات ينبغي أن نستش� � ��رفها‬ ‫عابراً وغير ثابت ويستمس� � ��ك فقط باألعمال الصاحلة‬
‫لنعم� � ��ل من خاللها على نش� � ��ر الدعوة اإلس� �ل��امية وفق‬ ‫التي لن يضيع أجرها‪ .‬وسيكون لنا في النهاية يوم نعود‬
‫ضرورات احلاضر وإمكانات املستقبل والتنبؤ مبساراته‬ ‫فيه إلى الله لنُجزى على ما فعلنا؛ فالطيبون س� � ��يجدون‬
‫املختلفة‪.‬‬ ‫في السماء نعيماً مقيماً وما يشتهون‪ ،‬وسيذوق األشرار‬
‫إن هذه األس� � ��س ميكن من خالله� � ��ا تطوير الدعوة‬ ‫في جهن� � ��م عذاباً ال نهاية له‪ ،‬كل ه� � ��ذه املبادئ وغيرها‬
‫اإلس� �ل��امية مبا يتوافق مع متطلب� � ��ات العصر احلاضر‪،‬‬ ‫تنتشر في القرآن الكرمي بطريقة مفهومة وواضحة أكثر‬
‫وممكناته املس� � ��تقبلية‪ ،‬وليكن مرتكزنا األساس� � ��ي فيها‬ ‫من املبادئ اإلجنيلية‪ .‬ولكل ذلك فغير املؤمنني يفضلون‬
‫جميعاً القرآن الكرمي وس� � ��نة نب ّيه ‪ ،‬دون اخلوض في‬ ‫محمداً  ويعتنقون دينه من كل قلوبهم»‪.‬‬
‫كل ص� � ��ور اخل� �ل��اف واالختالف بني املفس� � ��رين بفرقهم‬ ‫إن هذا الفهم البسيط والعميق في الوقت ذاته جلوهر‬
‫وتياراته� � ��م املختلف� � ��ة‪ .‬وإنني ألطمح إل� � ��ى أن تكون هذه‬ ‫الدين اإلس��ل��امي يكاد يكون غائباً عن دعاته من املسلمني‬
‫األس� � ��س نقطة مضيئ� � ��ة لبداية طريق نص� � ��ل في نهايته‬ ‫اآلن‪ ،‬نظ ًرا النش�� ��غالهم بخطاب دعوي سياسي يدعو إلى‬
‫إلى فهم إيجابي وبنّاء خلدمة القرآن الكرمي كنص ديني‬ ‫الصراع مع اآلخر وتكفيره بدالً من محاولة احتوائه وجذبه‬
‫وخلدم� � ��ة أتباعه في أنحاء العالم‪ ،‬مب� � ��ا يجعلهم قادرين‬ ‫عن طريق احلوار الهادئ والقدرة على املصاحلة‪.‬‬
‫على النفاذ إلى املس� � ��تقبل بقوة اليقني‪ ،‬ومن ثم قادرين‪:‬‬
‫أوالً‪ ،‬على نبذ اخلالفات في ما بينهم كمقدمة ضرورية‬ ‫غياب اللغة السوية‬
‫للوح� � ��دة وحتقيق التقدم الذاتي‪ ،‬وثانياً‪ ،‬على التأثير في‬ ‫لقد افتقد اخلطاب الديني املعاصر اللغة الس� � ��وية‬
‫التق� � ��دم اإلنس� � ��اني بالدعوة الصاحلة إل� � ��ى الله الواحد‬ ‫للخطاب‪ ،‬وجنح إلى لغة صراعية تنافسية بني جماعات‬
‫األح� � ��د‪ ،‬وبأن الدين اإلس� �ل��امي هو دي� � ��ن العقل والعلم‬ ‫وتيارات اإلسالم السياسي املعاصر‪ ،‬وغاب صوت العقل‬
‫وليس دي� � ��ن اخلرافة والتعصب‪ ،‬دين التس� � ��امح واملرونة‬ ‫واحلكمة والدعوة إلى الله والدين باملوعظة احلسنة‪.‬‬
‫الفكرية وليس دين اجلمود واالنغالق >‬ ‫ولذا أرى أن إصالح وحتديث هذا اخلطاب وتطويره‬
‫‪17‬‬
‫الديني‬
‫َّ‬ ‫اخلطاب‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وحتديث‬ ‫القرآنُ الكرمي‪...‬‬

‫‪feb 14-17.indd 17‬‬ ‫‪1/11/15 12:59:49 PM‬‬


‫قضايا عامة‬

‫إسرائيل ومبادرة السالم العربية‬


‫عبدالله يعقوب بشارة *‬

‫ميكن القول إن مبادرة خادم احلرمني الشريفني امللك عبدالله بن عبدالعزيز‪ ,‬ملك اململكة‬
‫العربية السعودية‪ ,‬عام ‪ ,2002‬أمام القمة العربية في بيروت لالعتراف بإسرائيل في حدودها‬
‫‪ 1967‬مقاب ��ل االنس ��حاب الكامل من األراض ��ي العربية التي مت احتالله ��ا في ‪ ,1967‬أفضل‬
‫وصف ��ة ص ��درت من اجلانب العربي للوص ��ول إلى احلل املقبول دولي� � ًا‪ ،‬فيها حكمة املجرب‪,‬‬
‫وكف ��اءة مدق ��ق احلس ��ابات‪ ,‬والعالم بقواع ��د التوازنات‪ ,‬وامل ��درك ملخاطر اس ��تمرار اجلمود‪,‬‬
‫واملالك لنزعة املبادرات‪.‬‬

‫املتح� � ��دة‪ ،‬رافقتها إجراءات اتخذته� � ��ا الدول العربية‬ ‫ال للكويت ف� � ��ي األمم املتحدة‬ ‫عش� � ��ت ممث ً‬
‫ف� � ��ي بغداد مبقاطعة مصر ونقل اجلامعة العربية إلى‬ ‫مكرراً اخلطب البليغة التي مارسها العرب‬
‫تونس‪.‬‬ ‫منذ ‪ ,1947‬ولم يقدموا تصوراً واقعياً عن‬
‫خطوط احلل املمكن‪ ،‬وإمنا كرروا الديباجة املعروفة‬
‫أجواء مشحونة‬ ‫ع� � ��ن املؤامرة الت� � ��ي حاكها جتمع الغ� � ��رب مع احلركة‬
‫س� � ��عينا كمجموعة عربية ف� � ��ي األمم املتحدة في‬ ‫الصهيونية في إنش� � ��اء وطن يهودي ومبشاركة من ال‬
‫التخفي� � ��ف م� � ��ن اندفاع الوف� � ��ود الس� � ��ورية والعراقية‬ ‫ميلك على حس� � ��اب من ميلك‪ ،‬مرددين قرارات األمم‬
‫والليبية ومنظمة التحرير الفلس� � ��طينية في التش� � ��هير‬ ‫املتح� � ��دة التي صدرت عن الالجئ� �ي��ن وعن العدوانية‬
‫بالدول� � ��ة املصري� � ��ة وسياس� � ��تها‪ ،‬إال أن جهدن� � ��ا تع َّثر‪،‬‬ ‫التوسعية والصهيونية وعجز األمم املتحدة عن تطبيق‬
‫فق� � ��د كانت األعصاب مش� � ��دودة‪ ،‬مصحوبة باالندفاع‬ ‫قراراتها بسبب تواطؤ الدول الكبرى‪.‬‬
‫والتحدي والغضب في حتركات هذه الوفود‪.‬‬ ‫كان� � ��ت قضية فلس� � ��طني امللف األول ل� � ��ي وللبعثة‬
‫وال أنسى تلك املفردات التي كانت تصدر من هذه‬ ‫الكويتية خالل الس� � ��نوات العش� � ��ر الت� � ��ي قضيتها في‬
‫الوفود ضد الوفد املصري داخل اجتماعات جلان األمم‬ ‫األمم املتح� � ��دة‪ ,‬الس� � ��يما فترة عضوي� � ��ة الكويت في‬
‫املتحدة‪ ،‬حيث اتس� � ��ع التشهير ليمتد إلى اللجان التي‬ ‫مجل� � ��س األم� � ��ن (‪ ،)1979-1978‬حي� � ��ث كنت ممث ً‬
‫ال‬
‫تناقش القضايا االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬ما تس� � ��بب‬ ‫لل� � ��دول العربية في مجلس األمن ف� � ��ي وقت عصيب‬
‫في خلق أجواء مش� � ��حونة في قاع� � ��ات األمم املتحدة‪,‬‬ ‫تزامن مع مبادرة السادات وزيارته للقدس‪ ،‬ثم توقيع‬
‫أفرزت تذمراً شديداً من السلوك العصبي للمجموعة‬ ‫اتفاقية الس� �ل��ام بني مص� � ��ر وإس� � ��رائيل‪ ,‬وما خلفته‬
‫العربي� � ��ة‪ .‬كانت العقبة في م� � ��داوالت الوفود العربية‬ ‫من اس� � ��تقطابات داخل املجموع� � ��ة العربية في األمم‬

‫* دبلوماسي من الكويت‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪18‬‬

‫‪feb 18-21.indd 18‬‬ ‫‪1/11/15 1:00:09 PM‬‬


‫األمم املتحدة ‪ ...‬ساحة مبادرات‬

‫ورفض االعتراف النهائي بخطوط الهدنة التي و َّقعتها‬ ‫حول فلس� � ��طني عدم توافر صيغ� � ��ة عربية للحل ميكن‬
‫ال� � ��دول احمليطة‪ ،‬ابتداء بالدول� � ��ة املصرية في فبراير‬ ‫تسويقها بني أعضاء األس� � ��رة العاملية وشرحها داخل‬
‫‪ ،1949‬ثم تبعتها الدول العربية األخرى‪ ,‬وكان آخرها‬ ‫جلان األمم املتحدة‪ ،‬صيغة تتمتع بالواقعية وتأخذ في‬
‫سورية في يوليو من ذلك العام‪.‬‬ ‫االعتبار حسابات احلقائق‪ ،‬ومتلك املصداقية التي ال‬
‫مفر منها في ممارسة التسويق واحلصول على التقبل‬
‫قرارات وثيقة‬ ‫اجلماعي العاملي‪.‬‬
‫ومع ذلك اس� � ��تمرت قرارات اجلامع� � ��ة العربية‬ ‫كان الرفض «الناش� � ��ف» يتس� � ��يد اخلطابات العربية‬
‫كوثيقة تس� � ��جل مواقف دوله� � ��ا‪ ،‬وكان من أغرب ما‬ ‫التي كانت تكت� � ��ب بحرفية في النقد والتحليل وتش� � ��رح‬
‫في ه� � ��ذه الق� � ��رارات املتعلق منها بارتب� � ��اط الضفة‬ ‫الظلم الذي حلق بالشعب الفلسطيني‪ ،‬وتأتي بنماذج من‬
‫بإمارة ش� � ��رق األردن‪ ،‬وهو االرتباط الذي نش� � ��أ بعد‬ ‫األساليب غير اإلنسانية التي وظفتها السلطات اليهودية‬
‫توقيع اتفاقية الهدنة بني األردن وإس� � ��رائيل ‪,1949‬‬ ‫لطرد الش� � ��عب الفلسطيني‪ ،‬ملوحني مبذبحة دير ياسني‬
‫وتوج� � ��ه األمير عبدالله بن احلس� �ي��ن بضم ما تبقى‬ ‫التي حدثت في أبريل ‪ 1948‬قبل االنسحاب البريطاني‬
‫من فلس� � ��طني‪ ,‬لتك� � ��ون احلصيلة «اململك� � ��ة األردنية‬ ‫وقبول إعالن الدولة اليهودية في ‪ 15‬مايو ‪ .1948‬كانت‬
‫الهاش� � ��مية» التي أعلن� � ��ت في ‪ ,1950‬بع� � ��د اجتماع‬ ‫الوفود األوربية تستمع إلى كلمات الوفود العربية من دون‬
‫موسع ضم أعيان فلسطني وممثل األردن في اجتماع‬ ‫اهتمام فال جديد فيها سوى إدانة املؤامرة وترابطها مع‬
‫حاش� � ��د في آخر عام ‪ ,1949‬مت االتفاق خالله على‬ ‫الصهيونية وما أفرزته من إذالل للعرب‪.‬‬
‫االنضم� � ��ام إلى األردن ومبايعة املل� � ��ك عبدالله ملكاً‬ ‫كان العرب أسرى موقف حديدي اتخذته اجلامعة‬
‫للمملكة األردنية الهاشمية اجلديدة‪.‬‬ ‫العربية في قراراتها حول القضية الفلسطينية ابتدا ًء‬
‫وكان� � ��ت ردة الفعل في اجلامعة العربية إصدار‬ ‫من عام ‪ 1946‬حتى ‪ ,1951‬التي أكدت رفض التقسيم‬
‫ق� � ��رار يدي� � ��ن األردن ويطالب بع� � ��دم االعتراف به‬ ‫ال� � ��ذي أقرت� � ��ه األمم املتحدة ف� � ��ي ‪ 29‬نوفمبر ‪,1947‬‬
‫‪19‬‬
‫إسرائيل ومبادرة السالم العربية‬

‫‪feb 18-21.indd 19‬‬ ‫‪1/11/15 1:00:13 PM‬‬


‫القوات العربية‪ ,‬باالتص� � ��االت التي بدأت من اجلانب‬ ‫ورف� � ��ض تبعاته‪ ،‬ويذك� � ��ر أن الدول� � ��ة الوحيدة التي‬
‫العربي لالتفاق على وقف نهائي إلطالق النار‪.‬‬ ‫اعترفت بالضم هي باكستان‪.‬‬
‫ل� � ��م يكترث باالتص� � ��ال األول من مص� � ��ر الذي مت‬ ‫م� � ��رت العالقات ب� �ي��ن اجلامع� � ��ة العربية وامللك‬
‫ف� � ��ي باريس في ‪ 21‬س� � ��بتمبر ‪ 1948‬ع� � ��ن طريق كمال‬ ‫عبدالل� � ��ه‪ ,‬ملك األردن‪ ,‬بتش� � ��عبات‪ ،‬ولم تكن مريحة‬
‫ري� � ��اض املفوض لالجتماع مع إليا ساس� � ��ون‪ ,‬املفاوض‬ ‫ألي ط� � ��رف‪ ،‬لكنها مؤكدة في ضوء التباين الواس� � ��ع‬
‫اإلس� � ��رائيلي‪ ,‬بدعم من امللك فاروق ومن النقراش� � ��ي‬ ‫ب� �ي��ن ما تريده اجلامعة العربي� � ��ة وبني قناعات امللك‬
‫باشا بغرض وقف االحتالل اإلسرائيلي للنقب‪ ,‬لكن بن‬ ‫عبدالله بن احلسني‪.‬‬
‫جوريون رفض كل املؤش� � ��رات السلمية‪ ,‬كما لم يكن بن‬
‫جوريون‪ ،‬رئيس الوزراء اإلسرائيلي‪ ,‬مقتنعاً باالتصاالت‬ ‫صراع النفوذ‬
‫التي بدأت مع أمير ش� � ��رق األردن عبدالله بن احلسني‬ ‫كما لم تك� � ��ن تلك العالقات خالي� � ��ة من التنافس‬
‫منذ أبريل ‪ 1948‬وتولتها الس� � ��يدة جولدا مائير‪ ،‬التي‬ ‫وم� � ��ن صراع التميز والرغبة في احتكار قرار اجلامعة‬
‫استمرت حتى مقتل امللك في يناير ‪.1951‬‬ ‫العربية وتص ُّدر النفوذ فيها‪ ,‬الس� � ��يما من امللك فاروق‬
‫ومن يقرأ الوثائق التي خرجت عن تلك االتصاالت‬ ‫في القاه� � ��رة‪ ,‬وكذلك لم يكن ممثل� � ��و اململكة العربية‬
‫س� � ��يقف عل� � ��ى برنامج ب� � ��ن جوريون في اس� � ��تحضار‬ ‫الس� � ��عودية بعيدين عن ممارس� � ��ة اآلليات التي كانت‬
‫املهاجرين اليهود والتوسع في احلدود ورفض أي إشارة‬ ‫سائدة في األجواء العربية‪.‬‬
‫إلى ما كان يطالب به امللك عبدالله بن احلس� �ي��ن في‬ ‫ومهما قي� � ��ل عن تلك الصراع� � ��ات‪ ،‬فاحلقيقة أن‬
‫احلصول على دالئل حلس� � ��ن النية من جانب إسرائيل‬ ‫امللك فاروق‪ ،‬ومبساعدة األمني العام للجامعة العربية‬
‫ف� � ��ي عودة بع� � ��ض الالجئني الفلس� � ��طينيني‪ ،‬الس� � ��يما‬ ‫وقته� � ��ا عبدالرحمن عزام باش� � ��ا وحكومة النقراش� � ��ي‬
‫أصحاب األمالك‪ ,‬واالنس� � ��حاب اجلزئي‪ ،‬خاصة من‬ ‫باشا‪ ،‬جنح في تأليب الرأي العام ضد امللك عبدالله‪،‬‬
‫الل� � ��د والرملة‪ ،‬لكنه أبقى قن� � ��وات االتصال مع األردن‬ ‫ساعده في ذلك احلاج أمني احلسيني مفتي فلسطني‪،‬‬
‫ألن� � ��ه كان يعد جتهيزاته نح� � ��و احتالل كل النقب حتى‬ ‫صاح� � ��ب النفوذ في مدينة الق� � ��دس‪ ،‬واملتزعم حلركة‬
‫يص� � ��ل إلى خليج العقبة‪ ،‬واتخ� � ��ذ قراره باالحتالل في‬ ‫املقاومة واملعارضة‪ ،‬والرافض لكل مشروع ال يتفق مع‬
‫‪ 22‬ديس� � ��مبر ‪ ،1948‬حيث متكنت القوات اإلسرائيلية‬ ‫منظ� � ��وره وقناعاته‪ ،‬مبا في ذلك قرار التقس� � ��يم الذي‬
‫في أسبوع واحد من احتالل كل فلسطني وترك الضفة‬ ‫أصب� � ��ح واقعاً بع� � ��د دعم األمم املتحدة ال� � ��ذي و َّفر له‬
‫الغربية لضمها لألردن‪ ،‬بدالً من سيطرة املفتي احلاج‬ ‫الشرعية السياس� � ��ية والقانونية والذي قبلته إسرائيل‬
‫أمني احلسيني عليها‪ ,‬مع ترك غزة لإلدارة املصرية‪.‬‬ ‫اعتماداً على رفض العرب‪ ،‬متحينة الفرص للتوس� � ��ع‬
‫وجتاوز اخلطوط التي رسمها قرار التقسيم‪.‬‬
‫فشل السالم‬ ‫وم� � ��ن املتابعة والتمحص في سياس� � ��ة إس� � ��رائيل‬
‫وقد فشلت جميع احملاوالت التي جرت لتحقيق‬ ‫ونهجها االس� � ��تراتيجي ميكن التوصل إلى استخالص‬
‫س� �ل��ام مع إس� � ��رائيل خالل الفترة منذ اتفاق الهدنة‬ ‫مقنع ب� � ��أن املبادرة العربية الص� � ��ادرة من قمة بيروت‬
‫ف� � ��ي النصف األول من ع� � ��ام ‪ ,1949‬التي وقعت مع‬ ‫عام ‪ ,2002‬لم تكن مقنعة إلس� � ��رائيل وال تنس� � ��جم مع‬
‫دول اجل� � ��وار حتى اتفاق الس� � ��ادات م� � ��ع بيجن في‬ ‫االستراتيجية اإلس� � ��رائيلية التي شيدها بن جوريون‪,‬‬
‫كامب ديفيد في م� � ��ارس ‪ ,1979‬مبا فيها احملاوالت‬ ‫مؤس� � ��س الدول� � ��ة اليهودية‪ ,‬منذ بداي� � ��ة الصراع حول‬
‫اجلماعي� � ��ة ف� � ��ي ل� � ��وزان‪ ،‬وحت� � ��ى اتف� � ��اق التفاه� � ��م‬ ‫إنشاء وطن يهودي في فلسطني‪.‬‬
‫«اجلنتلمان» الصامت بني امللك عبدالله بن احلسني‬ ‫كان ب� � ��ن جوريون معارضاً التف� � ��اق الهدنة األولى‬
‫وبن جوريون كان اتفاقاً مفتوحاً وفق قرارات رئيس‬ ‫التي مت� � ��ت في ‪ 11‬يولي� � ��و ‪ ,1948‬عندما كان اجليش‬
‫الوزراء اإلس� � ��رائيلي‪ ،‬حيث يستطيع استفزاز األردن‬ ‫ال معظم املناطق التي أخضعها التقسيم‬ ‫اليهودي محت ً‬
‫ف� � ��ي الوقت ال� � ��ذي يراه مناس� � ��باً لتحقيق مكاس� � ��ب‬ ‫ً‬
‫لدولته‪ ،‬ولم يكن راضيا بتلك احلدود‪ ،‬خاصة خطوط‬
‫جغرافية‪ ،‬فالصلح ال يعني ش� � ��يئاً إلس� � ��رائيل وإمنا‬ ‫الهدنة في الق� � ��دس التي حافظ اجليش األردني على‬
‫يقيدها ويفرض عليها التزامات ال تريدها‪.‬‬ ‫القسم الغربي منها‪ ,‬ولم يكن مهتماً‪ ،‬بعدما ظهر ضعف‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪20‬‬

‫‪feb 18-21.indd 20‬‬ ‫‪1/11/15 1:00:15 PM‬‬


‫الذي طرحه مبعوث األمم املتحدة عام ‪ ,1970‬وفشل‬ ‫كان بن جوريون يؤمن بنظرية الترويض والقضاء‬
‫في احلصول على الرد الذي يحرك السالم‪ ،‬ما أدى‬ ‫على اإلرادة السياسية والعس� � ��كرية العربية بتطبيق‬
‫إلى اس� � ��تقالته بعد أن قرأ املس� � ��تحيالت في املوقف‬ ‫مبدأ االنتق� � ��ام امل� � ��ؤذي‪ ،‬ويؤمن مببدأ االس� � ��تباقية‬
‫اإلسرائيلي‪.‬‬ ‫بضرب القوة العسكرية العربية قبل أن تكبر‪ ,‬ويؤمن‬
‫والشك في أن إسرائيل وضعت األمم املتحدة في‬ ‫باحلدود املفتوحة إلسرائيل لكي تتوسع عندما تشعر‬
‫حالة غير مس� � ��بوقة من العجز‪ ,‬وكشفت في حالة غير‬ ‫باالسترخاء الدولي‪.‬‬
‫مس� � ��بوقة أيضاً عن التحالف األمريكي ‪ -‬اإلسرائيلي‬ ‫فعندما قتل امللك عبدالله في يناير ‪ ,1951‬طلب‬
‫ف� � ��ي إبعاد األمم املتحدة ع� � ��ن أي دور مؤثر في حتقيق‬ ‫بن جوريون إعداد خطة لضم الضفة الغربية إذا ما‬
‫الس� �ل��ام بشأن قضية فلس� � ��طني واالكتفاء بدورها في‬ ‫حتركت القيادة الهاش� � ��مية في العراق جتاه األردن‪,‬‬
‫احلف� � ��اظ على ما يتم االتفاق عليه خارجها‪ ،‬مبعنى أن‬ ‫كما أن موافقة إس� � ��رائيل على خطوط الهدنة وسيلة‬
‫األمم املتحدة صارت آلية حلفظ السالم‪ ،‬أي ‪Peace-‬‬ ‫للحصول على االعتراف الدولي‪ ،‬ونيل شرعية عاملية‬
‫‪ Keeping‬بدال من صناعة السالم ‪.Peace Making‬‬ ‫والتقاط النفَس استعداداً جلوالت توسعية‪.‬‬
‫لم تعط إس� � ��رائيل املب� � ��ادرة العربي� � ��ة االهتمام‬
‫الذي تس� � ��تحقه‪ ،‬فال يعنيها اعتراف اجلميع‪ ,‬العرب‬ ‫األرض مقابل السالم‬
‫واملسلمني‪ ،‬بها كدولة‪ ,‬بحدود آمنة وبعالقات كاملة‪،‬‬ ‫عانت األمم املتحدة كثيراً مراوغة إس� � ��رائيل بعد‬
‫وال ترى فيها ما يتناسب مع مكاسب االحتالل الذي‬ ‫احتاللها األراضي العربية في حرب ‪ ,1967‬ولم تنجح‬
‫ح َّول الضفة الغربية إلى مستوطنات يقطنها نصف‬ ‫املس� � ��اعي الدولي� � ��ة في حترك جدي نحو االنس� � ��حاب‬
‫مليون مس� � ��تورد من اخلارج‪ ,‬مع ضم القدس موحدة‬ ‫اإلسرائيلي وحتقيق نظرية األرض مقابل السالم‪ ،‬ومع‬
‫وإعالنها العاصمة‪.‬‬ ‫تزايد الضغط على الدول الكبرى للتحرك‪ ,‬جاء االتفاق‬
‫ال يتحرك ال� � ��رأي العام في إس� � ��رائيل ضاغطاً‬ ‫على إطار نحو الس� �ل��ام‪ ,‬متثل في قرار مجلس األمن‬
‫ودافع � � �اً نحو التعبير العلن� � ��ي بالضغط على حكومته‬ ‫‪ 242‬الذي صدر في نوفمبر ‪ ,1967‬يدعو األطراف إلى‬
‫لقبول املبادرة‪.‬‬ ‫االلتزام مببدأ عدم كسب أراض بالقوة واالنسحاب من‬
‫ويردد املسؤولون فيها أن السالم مع مصر‪ ،‬الذي‬ ‫األراضي احملتلة في إطار سالم شامل‪.‬‬
‫انسحبت مبوجبه إسرائيل من كل سيناء‪ ،‬ظل سالماً‬ ‫ومت اختيار الدبلوماس� � ��ي الس� � ��ويدي يارجن مبعوثاً‬
‫ب� � ��ارداً‪ ،‬لم يحق� � ��ق األمل الذي تطمح إليه إس� � ��رائيل‬ ‫خاصاً للتفاوض بني هذه األطراف‪.‬‬
‫ف� � ��ي انفتاح كامل بعالق� � ��ات كاملة‪ ,‬وانس� � ��حبت من‬ ‫وبعد ج� � ��والت مكوكية بني العواصم املعنية قام بها‬
‫غزة بقرار فردي‪ ،‬ولم تكن احلصيلة س� � ��وى صواريخ‬ ‫يارجن‪ ,‬قرر املبعوث اخلاص أن يوجه أس� � ��ئلة مباش� � ��رة‬
‫تطلقها «حماس» التي استولت على القطاع ومتكنت‬ ‫إلى األطراف املعنية‪ ,‬س� � ��ؤال إلى إسرائيل عن ضرورة‬
‫من التحكم فيه‪ ،‬متبنية سياس� � ��ة راديكالية ال تعترف‬ ‫االنس� � ��حاب من جمي� � ��ع األراضي احملتلة‪ ,‬وس� � ��ؤال إلى‬
‫بالقرارات املو َّقعة مع منظمة التحرير الفلس� � ��طينية‬ ‫اجلانب العربي لقبول ش� � ��روط السالم الكامل‪ ،‬مقابل‬
‫التي جاءت من رحم «أوس� � ��لو»‪ ,‬ولم تستفد إسرائيل‬ ‫االنسحاب‪ .‬وجاء الرد اإلسرائيلي على السؤال املباشر‬
‫كثيراً من هذه التنازالت‪.‬‬ ‫الذي فيه االنس� � ��حاب إلى خط الرابع من يونيو ‪1967‬‬
‫ومهم� � ��ا كان التجاهل اإلس� � ��رائيلي‪ ،‬فإن بقاء‬ ‫بالرفض القاطع‪ ،‬وسجلته األمم املتحدة على أنه موقف‬
‫املبادرة قاعدة للمفاوضات هو خيار اس� � ��تراتيجي‬ ‫إسرائيل النهائي‪ .‬كان ذلك في بداية ‪ ,1970‬ودفع قادة‬
‫في� � ��ه مكاس� � ��ب سياس� � ��ية وإعالمية‪ ،‬وفي� � ��ه قرار‬ ‫مصر إلى االستعداد واملواجهة املستقبلية‪ ،‬بعد اليأس‬
‫تاريخي البد من اإلبقاء علي� � ��ه‪ ،‬وهو الوثيقة التي‬ ‫من املنظمة الدولية‪ ،‬فكانت حرب ‪.1973‬‬
‫يحمله� � ��ا العرب أينما كانوا ف� � ��ي محاصرة النزعة‬
‫التوس� � ��عية التي رافقت قيادة إس� � ��رائيل منذ بدء‬ ‫املبادرة العربية‬
‫احلركة الصهيونية في آخر فصول القرن التاس� � ��ع‬ ‫وتأت� � ��ي املب� � ��ادرة العربية التي ص� � ��درت من قمة‬
‫عشر >‬ ‫بيروت‪ ,‬بالروح إن لم تكن بالنص‪ ,‬ش� � ��بيهة بالسؤال‬
‫‪21‬‬
‫إسرائيل ومبادرة السالم العربية‬

‫‪feb 18-21.indd 21‬‬ ‫‪1/11/15 1:00:17 PM‬‬


‫لغـة‬

‫تواصلية في احلياة‬
‫ّ‬ ‫نحو لغة‬
‫د‪.‬ميساء أحمد أبوشنب *‬
‫أدرك البش ��ر أهمي ��ة التّواصل من ��ذ فجر التاريخ‪ ،‬وم ��ع تتابع العصور زاد اإلحس ��اس بدوره‬
‫الب ��ارز ف ��ي اس ��تمرار حياتهم‪ ،‬وحتقي ��ق مصاحله ��م املختلف ��ة‪ ،‬وتوحيد جهوده ��م‪ ،‬وترابط‬
‫مجموعاته ��م‪ ،‬وتنظي ��م أنش ��طتهم‪ ،‬وتط ّور أمناط حياته ��م‪ .‬فاالتصال بني أف ��راد املجتمع‪،‬‬
‫واملجموع ��ات االجتماعي ��ة املختلفة ضروري لتحقي ��ق متطلّبات االجتماع اإلنس ��اني‪ ،‬وهو‬
‫املبني أساس� � ًا على اللّغة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ش ��رط من ش ��روط بق ��اء الكائن البش ��ري‪ ،‬لذلك اعتبر التواص ��ل‬
‫أح ��د أه ��م املفاهيم املرتبطة باإلنس ��ان دون غيره م ��ن الكائنات‪ ،‬لدرجة ميك ��ن معها القول‪:‬‬
‫إنّ التّواص ��ل ه ��و احلي ��اة‪ ،‬وال ميكن أن يوجد ح � ّ�ي من دون تواصل‪ ،‬فاإلنس ��ان يتواصل منذ‬
‫أمه مع األصوات التي يس ��معها من اخلارج‪ ،‬وهو في األصل ثمرة‬ ‫أن يك ��ون جنين� � ًا في بطن ّ‬
‫لتواصل والديه (جسدي ًا وعاطفي ًا ولغوي ًا)‪.‬‬

‫التق ّدم الذي أضحى سمة بارزة من سمات العصر‬ ‫أن التّواصـ ـ������ل أس������ ــاس الوجـ ــود‬
‫كم������ا ّ‬
‫الذي نعيش فيه ونتعايش مع مجتمعاته‪.‬‬ ‫اإلنس������اني‪ ،‬كذل������ك ال س������بيل للتنمي������ة‬
‫والتّواص������ل مصطل������ح يكتنفه بع������ض الغموض‬ ‫الش������املة في غياب التواصل اإليجابي‪،‬‬
‫بس������بب غناه املعجم������ي‪ ،‬نظراً لدخول������ه في عالقة‬ ‫فهو يحقّ������ق ال ّرقي واالزده������ار والتق ّدم للبش������رية‬
‫ترادف واش������تراك مع مجموعة م������ن املصطلحات‬ ‫واملجتمع اخلارجي‪.‬‬
‫التي تش������اركه في ال ّداللة‪ ،‬سواء من حيث اجلذر أو‬ ‫فكيف حتقّق الكلمة (اللّغة)‪ ،‬التّواصل؟‬
‫الداللي‪ .‬وذلك من مثل‪ :‬التّواصل‪،‬‬ ‫من حيث احلقل ّ‬ ‫لكي نحقّق التواصل الب ّد لنا من حتديد مفهوم‬
‫ص������ل‪ ،‬اإلبالغ‪ ،‬اإلخب������ار‪ ،‬التّخاطب‪،‬‬
‫اإليص������ال‪ ،‬ال َو ْ‬ ‫التواصل وأهدافه‪ ،‬وعناص������ره ومكوناته‪ ،‬وأنواعه‪،‬‬
‫التّحاور‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫وشرط حتقّقه‪.‬‬

‫‪ -1‬تعريف التّواصل‬ ‫أو ًال‪ :‬مفهوم التواصل اللغوي وأهدافه‬


‫ص َل»‪ ،‬وهو‬ ‫أ‪ -‬في اللّغ������ة‪ :‬أصل التّواصل من « َو َ‬ ‫إن االهتمام بظاه������رة التّواصل لم يكن عبثاً ال‬ ‫ّ‬
‫بخالف الهج������ران وال ّتص������ارم‪ ،‬يقول اب������ن منظور‬ ‫ترجى نتائج������ه‪ ،‬بل فرضته حتم ّية التّفاعل املعرفي‬
‫ال‬‫ص ً‬ ‫صل ْ ُت َّ‬
‫الش������ي َء َو ْ‬ ‫(معج������م لس������ان الع������رب)‪َ « :‬و َ‬ ‫مع اآلخر‪ ،‬في عالم تقاربت أطرافه املترامية‪ ،‬ومن‬
‫«املخصص»‬‫ّ‬ ‫الهجرانِ »‪ .‬أ ّما في‬ ‫ص ُل ِض ّد ْ‬ ‫َو ِصل َ ًة‪ ،‬وال َو ْ‬ ‫ث ّم بات علينا نحن ال ّدارس���ي��ن طرق أبوابه‪ ،‬بوصفه‬
‫ّ‬
‫صل الشي َء‬ ‫َ‬ ‫َصلِ ‪َ ،‬و َ‬ ‫ُ‬
‫فالوصل خالف الف ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫البن س������يدة‪:‬‬ ‫أساساً من أساسيات اللّغة التي هي ج ّل اهتمامنا‪،‬‬
‫الشي ُء‬ ‫ّص َل ّ‬ ‫وصل َ ًة‪ ...‬وات َ‬
‫ُ‬ ‫ة‬‫ً‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬
‫وص‬ ‫ً‬
‫ال‬ ‫بالشيءِ يَ ِصل ُ ْ‬
‫ص‬‫و‬‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ننفذ به������ا إل������ى دروب الثقافات األخ������رى في ظ ّل‬
‫* باحثة من سورية‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪22‬‬

‫‪feb 22-25.indd 22‬‬ ‫‪1/11/15 1:00:36 PM‬‬


‫و«التلغراف» والهاتف‪ ،‬وك ّل ما يش� � ��مله آخر ما ّ‬
‫مت‬
‫من االكتش� � ��افات في املكان وال ّزم� � ��ان‪ .‬فهو يعتبره‬
‫جوهر العالقات اإلنس� � ��انية وأساسها الذي تبنى‬
‫عليه‪ .‬أ ّم� � ��ا صوفي م� � ��وارون ‪Sophie Moirand‬‬
‫�اص‪ ،‬حيث حتصر‬ ‫فتنتق� � ��ل بنا من العام إلى اخل� � � ّ‬
‫التّواصل في التفاعل بني طر َفي االتصال بقولها‪:‬‬
‫�خصني على‬ ‫يعتبر التّواصل تبادالً تفاعلياً بني ش� � � َ‬
‫األقل‪ ،‬ويت ّم عبر اس� � ��تعمال عالمات لفظية وغير‬
‫لفظية‪ ،‬ويتناوب األش� � ��خاص على إنتاج واستقبال‬
‫ال ّرسائل‪.‬‬
‫فالتواص� � ��ل في نظرة اإلنس� � ��ان الع� � ��ادي‪ ،‬ليس‬
‫س� � ��وى عملي� � ��ات يومية معتادة‪ ،‬بينم� � ��ا هو في نظر‬
‫املتبص� � ��ر‪ ،‬عملي� � ��ة بالغ� � ��ة التعقي� � ��د‪ ،‬تتأ ّثر‬
‫ّ‬ ‫العال� � ��م‬
‫باحليث ّي� � ��ات احمليطة بالوضع ّي� � ��ة التّواصلية‪ ،‬حيث‬
‫تتداخل عوامل نفسية واجتماعية ومعرفية لتصوغ‬
‫العملي� � ��ة التّواصلي� � ��ة وتتح ّكم فيه� � ��ا‪ .‬ويبقى جوهر‬
‫االتص� � ��ال هو العمل ّية‪ ،‬أو الطريق� � ��ة التي ينتقل بها‬
‫الفك� � ��ر واملعلومات وغيرها بني من يقوم بإصدارها‬
‫والتّعبي� � ��ر عنها وبني من يتلقّاها‪ ،‬وما ينتج عن ذلك‬
‫م� � ��ن تفاعل وتواص� � ��ل وتغ ّيرات تختل� � ��ف باختالف‬
‫النّسق الذي تت ّم فيه العملية‪.‬‬

‫‪ -2‬أهداف التّواصل اللّغوي‬ ‫الش� � ��ي َء إلى ّ‬


‫الشيءِ‬ ‫ص َل ّ‬ ‫َّ‬
‫بالش� � ��يءِ لم يَن ِ‬
‫ْقط ْع‪ ...‬و َو َ‬
‫إن النّاس ف� � ��ي محادثاته� � ��م وتواصلهم اليومي‬ ‫ّ‬ ‫صوالً‪ ،‬وت ّ‬
‫َوص َل إليه انتَ َهى إليه وبَل َ َغهُ‪ ...‬والت ُ‬
‫ّواص ُل‬ ‫َو ُ‬
‫يروم� � ��ون من وراء ذل� � ��ك حتقيق أغ� � ��راض وقضاء‬ ‫ّ‬
‫ض � � � ّد التّصا ُرم‪ .‬وفي اللغة العربي� � ��ة يفيد التّواصل‬
‫حاجات تتن ّوع تبعاً للوضع ّية التّواصلية ولألطراف‬ ‫والصلة‪ ،‬والتّرابط‪ ،‬وااللتئام‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫االقتران‪ ،‬واالتصال‪،‬‬
‫املتواصل� � ��ة‪ .‬واللّغة هي التي حتقّق غايات التّواصل‬ ‫واجلمع‪ ،‬واإلبالغ واالنتهاء‪ ،‬واإلعالم‪ .‬إذن بحس� � ��ب‬
‫وأهدافه‪ ،‬ومن بني تلك األهداف‪:‬‬ ‫أن‬‫ال� � � ّ�دالالت اللّغوي� � ��ة لكلمة اال ّتص� � ��ال‪ ،‬يتّضح لنا ّ‬
‫< االكتش ��اف‪ :‬حي� � ��ث يكتش� � ��ف اإلنس� � ��ان ذاته‬ ‫عملي� � ��ة االتّصال حتدث بني طر َف� �ي��ن‪ ،‬كما أ ّنها تت ّم‬
‫خلص العال� � ��م كلينك‬‫والعال� � ��م احملي� � ��ط به‪ ،‬ولق� � ��د ّ‬ ‫من خالل وسيلة‪ ،‬ويكون من آثارها حدوث ارتباط‬
‫إن الوعي‬ ‫‪  Kleinke‬هذا املفهوم وأهميت� � ��ه بقوله‪ّ :‬‬ ‫ه َذين ّ‬
‫الطرفني‪.‬‬
‫بالذات هو قلب ك ّل تواصل‪.‬‬ ‫ب‪ -‬في االصطالح‪ :‬يس� � ��تقي التّواصل دالالته‬
‫< االقت ��راب وال ّتق ��ارب‪ :‬ويتحقّق من خالل ربط‬ ‫م� � ��ن التّعريف اللّغ� � ��وي‪ ،‬لبعض العلم� � ��اء التربويني‬
‫عالقات حميمة مع اآلخرين وصيانة هذه العالقات‬ ‫ومنهم شارل كوليي ‪ ،2008 Charles Cooley‬الذي‬
‫وتقويتها‪.‬‬ ‫ع � � � ّرف التّواصل بقوله‪« :‬التّواص� � ��ل هو امليكانيزم‬
‫< اإلقن ��اع واالقتن ��اع‪ :‬يقول رفيق لبوحس� � ��يني‪:‬‬ ‫الذي بواسطته توجد العالقات اإلنسانية وتتط ّور‪،‬‬
‫أن هذا الهدف يتحقّق خصوصاً‬ ‫يتوهم الواهم ّ‬
‫«قد ّ‬ ‫الذهن مع وس� � ��ائل تبليغها‬ ‫إ ّنه يتض ّم� � ��ن ك ّل رموز ّ‬
‫ّ‬
‫في املج� � ��ال التجاري أو احلقوقي‪ ،‬إال أنه مصاحب‬ ‫عبر املجال وتعزيزها في الزّمان‪ ،‬ويتض ّمن تعابير‬
‫للسلوك اإلنس� � ��اني في ك ّل تفاصيل حياته‪ ،‬القائمة‬ ‫الصوت‬ ‫الوجه وهيئات اجلس� � ��م‪ ،‬واحلركات ونبرة ّ‬
‫عل� � ��ى تبادل املصالح عبر قن� � ��اة التفاوض‪ ،‬ومتارس‬ ‫والكلم� � ��ات والكتاب� � ��ات واملطبوع� � ��ات والقطارات‬
‫‪23‬‬
‫نحو لغة تواصل ّية في احلياة‬

‫‪feb 22-25.indd 23‬‬ ‫‪1/11/15 1:00:40 PM‬‬


‫الصياغة‪ :‬تتم ّثل في الكلمات املس� � ��تعملة في‬
‫< ّ‬ ‫عمليات اإلقناع ف� � ��ي املجاالت التالية عالم األفكار‬
‫ال ّرسالة‪ ،‬ونوع ّية األسلوب‪ ،‬وشكل ال ّرسالة‪ ،‬وتتم ّيز‬ ‫وعالم املعتقدات وعالم السلوكيات واحلاالت»‪.‬‬
‫وأن‬
‫عملي� � ��ة التواصل بكونها ذات طاب� � ��ع أخالقي‪ّ ،‬‬
‫الفعل التّواصل� � ��ي ال ميكن التّراجع عنه‪ ،‬إذ مبجرد‬ ‫ثاني ًا‪ :‬عناصر االتصال اللغوي ومك ّوناته‬
‫فإن الفعل يكون قد انتهى‪ .‬غير أ ّنه‬ ‫أن ننطق بكلمة ّ‬ ‫من األساس � � � ّيات امله ّمة لفه� � ��م االتصال معرفة‬
‫ميكن التّخفيف من آثار ذلك كاالعتذار عن إصدار‬ ‫أ ّن� � ��ه عملية مس� � ��تمرة‪ ،‬فال ّن� � ��اس ال يف ّكـــرون في ما‬
‫كلمة جارحة في حقّ اآلخرين‪.‬‬ ‫كانوا يتّصلون بش� � ��أنه بعد انتهائه فحسب‪ ،‬بل إ ّنهم‬
‫يف ّكرون فيه أثناء االتصال وقبل االتصال‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬أنواع التّواصل اللّغوي‬ ‫وتتأل� � ��ف عملية التّواص� � ��ل من مجموعة من‬
‫يتح ّدد نوع االتّصال بناء على عدد األش� � ��خاص‬ ‫املك ّونات نذكر منها‪:‬‬
‫الذي� � ��ن يش� � ��تركون في� � ��ه‪ ،‬والعالقة ما ب� �ي��ن هؤالء‬ ‫<‪ ‬املرس ��ل‪ /‬املتّصل (‪ :)Source‬وهو الفرد الذي‬
‫األشخاص‪ ،‬والوسيلة املستخدمة وسرعة التّجاوب‪.‬‬ ‫ينصب‬
‫ّ‬ ‫معي‪ ،‬وهذا التأثير‬ ‫يؤ ّثر في اآلخرين بشكل نّ‬
‫فإن هناك خمس� � ��ة أنواع من االتصال‪:‬‬ ‫وتبعاً لذلك ّ‬ ‫على معلومات أو اجتاهات أو سلوك اآلخرين‪.‬‬
‫الش� � ��خصي‪ -‬الع� � ��ام‪ -‬اجلماهي� � ��ري‪-‬‬ ‫(ال ّذات� � ��ي‪ّ -‬‬ ‫<‪  ‬ال ّرس ��الة (‪ :)Messag‬وه� � ��ي املعلوم� � ��ات أو‬
‫ال ّثقافي)‪.‬‬ ‫األفكار أو االجتاهات التي يهدف املرسل إلى نقلها‬
‫< اال ّتص ��ال الذّ ات ��ي (‪Intrapersonal‬‬ ‫إلى املستقبل والتأثير فيه‪.‬‬
‫يرجح بع� � ��ض العلماء اعتبار‬ ‫‪ّ :)Communication‬‬ ‫ّ‬
‫< املس ��تقبل (‪ :)Receiver‬ميث� � ��ل اجله� � ��ة أو‬
‫ه� � ��ذا ال ّن� � ��وع من االتص� � ��ال تفكي� � ��راً ذاتياً يس� � ��بق‬ ‫الشخص الذي يقع عليه فعل اإلرسال‪ .‬وفي أغلب‬ ‫ّ‬
‫اال ّتص� � ��ال‪ ،‬ومال آخرون إلى اعتب� � ��اره اتصاالً ذاتياً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الش� � ��خص مس� � ��تقبال ومرس� �ل �ا في‬ ‫احلاالت يكون ّ‬
‫بني اإلنس� � ��ان وذاته‪ ،‬وف� � ��ي ك ّل األحوال يحدث هذا‬ ‫الوقت نفسه‪.‬‬
‫الن� � ��وع م� � ��ن االتّصال ل� � ��ك ّل منّا حينم� � ��ا نتح ّدث مع‬ ‫والس ��ياق ال ��ذي يت � ّ�م في ��ه‬‫< بيئ ��ة االتص ��ال ّ‬
‫أنفسنا‪ ،‬أو نخزّن معلومات جديدة‪ ،‬أو نح ّل مشكلة‪،‬‬ ‫‪:communicacional environment and context‬‬
‫أن االتّصال يتر ّكز في داخل اإلنسان‬ ‫أو نق ِّيم‪ .‬ومبا ّ‬ ‫تشمل ك ّل الظروف احمليطة بعملية التّواصل‪ ،‬ظروف‬
‫وحده‪ ،‬فإ ّنه هو املرسل واملستقبل في الوقت نفسه‪.‬‬ ‫الزّمان وامل� � ��كان‪ ،‬والعوامل الثقافي� � ��ة واالجتماعية‬
‫وتتك ّون ال ّرس� � ��الة من الفِ َكر واملشاعر واألحاسيس‪،‬‬ ‫والنفسية‪.‬‬
‫العصبي الذي‬‫ّ‬ ‫أ ّما وس� � ��يلة االتصال فهي اجله� � ��از‬ ‫< عناص ��ر ال ّتش ��ويش ‪:noise or interference‬‬
‫ينقل ال ّرس� � ��ائل إلى املخّ ‪ ،‬الذي بدوره يترجم الفكر‬ ‫يدخل في هذا اإلطار ك ّل ما يعوق عملية التّواصل‪،‬‬
‫الصدى‪،‬‬ ‫ويفس� � ��رها‪ ،‬والذي يصدر رجع ّ‬ ‫ّ‬ ‫واملشاعر‬ ‫وكـــــ ّل ما يحــــول دون أن تت ّم هذه العملية في أحسن‬
‫عندم� � ��ا يقلّب املرء الفِ َكر واملش� � ��اعر فيقبل بعضها‬ ‫كالضجيج أو االرتباك النّفسي الذي قد‬ ‫ّ‬ ‫الظروف‪،‬‬
‫ويرفض البعض اآلخر أو يستبدل غيرها بها‪.‬‬ ‫يحصل لدى املرسل أو املستقبل أو التأويل املختلف‬
‫ويترجم هذا من خالل االتصال الذاتي بالتّفكير‬ ‫ملعاني اإلشارات الواردة في ال ّرسالة‪.‬‬
‫في ما حدث من حلظات س� � ��عيدة‪ ،‬أو مشكالت نتج‬ ‫< قن ��اة االتص ��ال احلاملة لل ّرس ��الة (‪channel‬‬
‫عنها خصام‪ ،‬أو توتّر في العالقة مع اآلخرين‪.‬‬ ‫‪ :)ormedium‬هي الوس� � ��يلة املعتمدة لنقل الرسالة‬
‫الش ��خصي (‪Interpersonal‬‬ ‫ّ‬ ‫< اال ّتص ��ال‬ ‫وقد تكون تلفزة أو إذاعة أو هاتفاً أو شخصاً‪.‬‬
‫�خصي‬
‫ّ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ّ‬
‫الش‬ ‫االتصال‬ ‫يحدث‬ ‫)‪:‬‬‫‪Communication‬‬ ‫ـــص ��دى‪ ،‬التّـغــــذي ��ة الــراجـــع ��ة‬
‫< رجــــ ��ع ال ّ‬
‫حينم� � ��ا ي ّتص� � ��ل اثن� � ��ان أو أكثر مع بعضه� � ��م بعضاً‬ ‫(‪ :)Feedback‬ويقصد ب� � ��ه ر ّد الفعل الذي يقوم به‬
‫عادة في ج ّو غير رس� � ��مي‪ ،‬لتبادل املعلومات وحل ّل‬ ‫أي ر ّد‬
‫يسجل فيها ّ‬ ‫ّ‬ ‫املس� � ��تقبل‪ .‬ففي احلالة التي ال‬
‫املشكالت ولتحديد التّصورات عن النّفس واآلخرين‬ ‫فع� � ��ل نتح ّدث ع� � ��ن عملية إعالم فق� � ��ط وليس عن‬
‫وبدء عالقات جديدة مع زمالء أو أصدقاء ُج ُدد‪.‬‬ ‫عملية تواصل‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪feb 22-25.indd 24‬‬ ‫‪1/11/15 1:00:42 PM‬‬


‫داخله� � ��ا ثقافات صغرى‪ .‬ويحدث االتّصال الثقافي‬ ‫رئيسني‪ ،‬هما‪ :‬االتصال الثنائي‪،‬‬ ‫َ‬ ‫نوعني‬ ‫ويشمل َ‬
‫حينم� � ��ا يتّصل ش� � ��خص أو أكثر م� � ��ن ثقــافة مع ّينة‬ ‫واالتصال في مجموعات صغيرة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ الب ّد‬ ‫بش� � ��خص أو أكثر من ثقافة أخ� � ��رى‪.‬‬ ‫< االتصال العام (اجلمعي) ‪Communication‬‬
‫أن يعي املتّصل اختالف العادات والقيم واألعراف‬ ‫‪ :Public‬في االتصال اجلمعي تنتقل ال ّرس� � ��الة من‬
‫وطرائق التص ّرف املناسب‪ .‬وإذا غاب هذا الوعي‪،‬‬ ‫ش� � ��خص واحد (متح� � � ّ�دث) إلى عدد م� � ��ن األفراد‬
‫فقد يؤدي االتّصال إلى نتائج سلب ّية‪.‬‬ ‫(مستمعني)‪ ،‬وهو ما نس ّميه باحملاضرة أو احلديث‬
‫الع� � ��ام أو اخلطبة أو الكلم� � ��ة العامة‪ .‬ويحدث هذا‬
‫رابع ًا‪ :‬شرط التّواصل اللّغوي – التّفاعل‬ ‫الدينية أو التوجيه ّية‬ ‫عادة من خالل احملاض� � ��رات ّ‬
‫الصف الدراس� � ��ي‬ ‫تلعب البنية املادية للبيت أو ّ‬ ‫أو احلشود اجلماهير ّية وكلمات التّرحيب والتّأبني‪.‬‬
‫دوراً أساسياً في عملية التّواصل وتو ّقعات الطفل‪،‬‬ ‫بالصبغة ال ّرس� � ��مية‬
‫ّ‬ ‫ويتم ّي� � ��ز اال ّتصـ� � ��ال اجلمع� � ��ي‬
‫وتعد من العوامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للصف‪،‬‬ ‫واملظهر البنائي للبيت أو‬ ‫وااللتزام بقواعـد اللّغة ووضوح الصـّوت‪ .‬وال ميكن‬
‫التي تؤ ّثر س� � ��لباً أو إيجاباً في العالقة القائمة بني‬ ‫للمس� � ��تمعني أن يقاطعوا املتحـ � � � ّدث‪ ،‬وإمنا ميكنهم‬
‫األهل‪/‬املعلّ� � ��م‪ ،‬وأطفالهم‪ /‬تالميذهم‪ ،‬حيث نتوخّ ى‬ ‫التّعبير عن موافقتهم أو عـدم موافقتهم (بالتّصفيق‬
‫من خاللها إكس� � ��ابهم قدرات وكفاي� � ��ات لتمكينهم‬ ‫أو ه ّز ال ّرأس‪ ،‬أو باإلعراض عنه‪ ،‬أو إصدار أصوات‬
‫من حتقيق ذواته� � ��م واالنخراط في محيطهم وبلوغ‬ ‫تع ّبر عن عدم ال ّرضا عن حديثه)‪.‬‬
‫األهداف املطلوبة‪.‬‬ ‫< االتص ��ال اجلماهي ��ري (‪Mass Media‬‬
‫ّ‬
‫ولتحقيق التّواصل الفاعل يتطلب توفير مبادئ‪،‬‬ ‫‪ :)Communication‬يح� � ��دث من خالل الوس� � ��ائل‬
‫أهمها‪:‬‬ ‫اإللكترونية‪ ،‬مثل‪ :‬املذياع والتلفاز واألفالم واألشرطة‬
‫ّ‬
‫< مبدأ االنس ��جام‪ :‬ويتجلى في رغــــبة األهل‪/‬‬ ‫والصحف واملجالت‬ ‫ّ‬ ‫والشابكة (اإلنترنت)‬ ‫املسموعة ّ‬
‫املعلّم ف� � ��ي جعل الطــف� � ��ل‪ /‬التلميــــذ يش� � ��ارك في‬ ‫والكتب‪ .‬وتشمل وسائل االتصال اجلماهيري كذلك‬
‫محددة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫احلوار واملناقشة في موضوعات‬ ‫وس� � ��ائط االتصال املتع � � � ّددة‪ ،‬كاألقراص املضغوطة‬
‫< مبدأ ال ّتبــــادل املس ��تمر‪ :‬ويتجلّى في تصحيح‬ ‫واألقراص املرئية ونحوهما‪.‬‬
‫الف� � ��ارق بني الهدف والنتيجة التي حصل عليها في‬ ‫أن ال ّرسالــــة يقصــــد فيها الوصول‬ ‫وهذا يعني ّ‬
‫حتديد اله� � ��دف من ال ّنظ� � ��ام أو املناهج بعد حتليل‬ ‫إلى ع� � ��دد غير محدود م� � ��ن ال ّن� � ��اس‪ .‬وبرغم كثرة‬
‫احلاج� � ��ات واملنطلقات‪ ،‬وتنفيذ العمليات وامله ّمات‪،‬‬ ‫اس� � ��تخدامنا لوس� � ��ائل اال ّتص� � ��ال اجلماهيري فإن‬
‫وتقومي سير التنفيذ وآثاره ونتائجه‪.‬‬ ‫ف� � ��رص التّفاعل بني املرس� � ��ل واملس� � ��تقبل قليلة أو‬
‫الش ��امل‪ :‬ينبغي االنتباه إلى ما‬ ‫< مب ��دأ اإلدراك ّ‬ ‫منعدمة ف� � ��ي بعض األحيان‪ .‬وقد م ّكنت الوس� � ��ائل‬
‫يحس به ك ّل طرف م� � ��ن أطراف العمل ّية‬ ‫ّ‬ ‫ميك� � ��ن أن‬ ‫اإللكتروني� � ��ة احلديثة‪ ،‬مثل‪ :‬آالت التّصوير ال ّرقمية‬
‫التّواصلية في خلق شمول ّية تامة في التّواصل‪.‬‬ ‫ووسائل البريد اإللكتروني والهاتف املرئي ونحوها‪،‬‬
‫وأخي� � ��راً‪ ،‬التّواص� � ��ل الفاع� � ��ل يتطلّ� � ��ب دينام ّية‬ ‫من التّواصل بني النّاس على نطاق واسع‪ ،‬متجاوزة‬
‫الكالم والكتابة بتوافر عناصر رئيسة‪ ،‬تتلخّ ص في‬ ‫احل� � ��دود اجلغرافي� � ��ة والسياس� � ��ية وموصل� � ��ة بني‬
‫ــــسق يــــتم ّيز بحوار مفهوم‬ ‫استعمال أسلوب متني ومن ّ‬ ‫الثقافات املختلفة‪.‬‬
‫وحيوي‪ ،‬مينح الفرصة لألطفال للمشاركة من دون‬ ‫ّ‬ ‫< االتص ��ال الثقاف ��ي (‪Intercultural‬‬
‫اإلحس� � ��اس بامللل‪ ،‬ومي ّكنهم من كسر احلواجز في‬ ‫‪ :)Communication‬الثقاف� � ��ة ه� � ��ي مجموع القيم‬
‫ما بينهم‪ ،‬وبالتّالي يكس� � ��بهم مهارات اإلنصات‪ ،‬وال‬ ‫والع� � ��ادات وال ّرموز الكالمية وغي� � ��ر الكالمية التي‬
‫ميكن حتقيق ذلك إال باستعمال العالقات وال ّروابط‬ ‫يش� � ��ترك فيها جمع من النّاس‪ .‬وتتفاوت الثقافات‬
‫املنطقية‪ .‬وإلجناح هذا التّواصل يس� � ��تلزم استعمال‬ ‫ف� � ��ي ما بينها في هذه القيم والعادات وال ّرموز وفق‬
‫لغات متع ّددة سمعــية وبصرية وحرفــــية تتكامل في‬ ‫الشعوب وأوضاعها االجتماعية واالقتصادية‬ ‫تاريخ ّ‬
‫ما بينها >‬ ‫أن الثقافة الواحدة قد تكون في‬ ‫والسياس� � ��ية‪ ،‬كما ّ‬
‫‪25‬‬
‫نحو لغة تواصل ّية في احلياة‬

‫‪feb 22-25.indd 25‬‬ ‫‪1/11/15 1:00:45 PM‬‬


‫تاريخ‬
‫حضارات سادت ثم بادت‬

‫إيــران‪...‬‬
‫من البيشدادية إلى األشكانية‬
‫الفردوسي في «الش������اهنامة» بأنه طرد إبليس‬ ‫عاش������ت إيران حتت ظ������ل حضارات‬
‫وجن������وده م������ن احلواض������ر واملدن إل������ى األماكن‬ ‫عريق������ة قب������ل أن يس������طع عليها نور‬
‫الس������حيقة ومنعهم من االختالط بالبشر‪ ،‬وهو‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وزحفت س������يطرة حكامها‬
‫م������ن أق������ر العدل وحكم ب������ه بقوانني‪ ،‬فـــس������مي‬ ‫إلى امتدادات فاقت بكثير مساحة الدولة‪ ،‬حيث‬
‫امللك العادل (بيش������داد)‪ .‬ويضيف الفردوسي‪،‬‬ ‫قامت سياس������ة حكامها على التوس������ع في ضم‬
‫أن هوش������نج هو أول من اكتشف النار من قدح‬ ‫ّ‬ ‫بأن ذلك يكرس‬ ‫أراضي اجل������وار‪ ،‬اعتقاداً منهم ّ‬
‫احلجر‪ ،‬حني رمى األفع������ى بحجر ولم يصبها‪،‬‬ ‫للدولة األمن والبقاء‪ .‬وإذا أردنا أن نتحدث عن‬
‫فاحت������ك بحج������ر قارها فاش������تعلت م������ن هذا‬ ‫حضارة إيران‪ ،‬فسيكون هذا احلديث قد جتاوز‬
‫االحت������كاك نار قتلت األفع������ى‪ .‬من هنا اعتُبرت‬ ‫اإلسهاب‪ ،‬بس������بب كثرة الدول التي تعاقبت في‬
‫النار عون������اً من الله‪ ،‬فاحترمها الناس وقدروها‬ ‫تلك املنطق������ة منذ الزمن البعي������د‪ ،‬فمن الدولة‬
‫بتخصيص يوم عيد لها (جشن سده) في العاشر‬ ‫البيش������دادية‪ :‬فالكياني������ة‪ ،‬ثم امليدي������ة‪ ،‬بعدها‬
‫من ش������هر بهمن‪ 30( ،‬يناير)‪ .‬وتش������ير املصادر‬ ‫أتت الدولة األكمينية (الهخامنش������ية)‪ ،‬والدولة‬
‫إل������ى ارتقاء احلض������ارة البيش������دادية وتطورها‬ ‫األش������كانية (البارثية) التي حكمتها الطوائف‪،‬‬
‫ع������ن البدائي������ة باس������تخدام أفراده������ا الصوف‬ ‫وأخيرا الدولة الساسانية‪ ،‬وهي دولة األكاسرة‪.‬‬
‫والش������عر في صناعة املالبس‪ ،‬وتربية الدواجن‬ ‫لم تنج بداية التدوي������ن للحضارة اإليرانية مما‬
‫واألنعام‪ ،‬واستخدام احليوانات األليفة‪ ،‬كالكلب‬ ‫أص������اب غيرها م������ن احلض������ارات‪ ،‬حيث كانت‬
‫في احلراس������ة واخليل في التنق������ل‪ .‬كانت ديانة‬ ‫األس������اطير بداية للتأريخ وكانت اخلرافة أص ً‬
‫ال‬
‫البيش������داديني هي الوثنية‪ ،‬التي ابتدأت عندهم‬ ‫لنشأة العظماء‪.‬‬
‫إثر إقامة متاثيل لرجال حكماء صاحلني ماتوا‬ ‫وهذا ما حدث في املدونات البيش������دادية‪ ،‬التي‬
‫إثر وباء اجتاح البالد‪ ،‬وما لبثوا أن قدسوها ثم‬ ‫تروي بعض أقوال جيومرث‪ ،‬وهو أول ملك من‬
‫عبدوها‪.‬‬ ‫ول������د آدم حك������م األرض‪ ،‬وكانت إيران مس������تقر‬
‫أن حقيق������ة اإلمي������ان واتباع األدي������ان تكمن‬
‫إال ّ‬ ‫دولته‪ .‬ثم جاء بعده ابنه هوش������نج‪ ،‬الذي يذكره‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪26‬‬

‫‪feb 26-29.indd 26‬‬ ‫‪1/11/15 1:01:06 PM‬‬


‫جيش قمبيز‬

‫واجلن بأن يصنعوا له عجلة يحملها‬ ‫ّ‬ ‫أمر اإلنس‬ ‫دائماً في اإلجابة عن س������ؤالني مهمني في عقل‬
‫اجل������ن لينقلوه ألي مكان في الدنيا‪ ،‬وقد كان له‬ ‫اإلنس������ان‪ :‬كيف بَ َدأ ا َ‬
‫خللْق؟ وم������اذا بعد املوت؟‬
‫ذلك‪ ،‬فقطع مس������افة كبيرة جداً في يوم واحد‪،‬‬ ‫وتقوم فلس������فة األديان أساساً على اإلجابة عن‬
‫اعتبروه عيدهم األكبر «النوروز»‪.‬‬ ‫املي َرين‪ .‬وال تقف األساطير‬ ‫هذين الس������ؤالني حُ‬
‫ث������م جاءت بع������د ذلك فت������رة يحكمها ملوك‬ ‫احلد‪ ،‬بل حتدثنا عن عهد‬ ‫ّ‬ ‫اإليرانية عند ه������ذا‬
‫ُوصف������وا باحلكم������ة والع������دل‪ ،‬كان يُطل������ق على‬ ‫جمش������يد‪ ،‬امللك الذي حكم بالعدل وعاش فترة‬
‫الواح������د منهم لقب «كي»‪ ،‬لذلك س������ميت حقبة‬ ‫طويل������ة‪ .‬هذا امللك ال������ذي كان ميلك مرآة «جام‬
‫ه������ؤالء امللوك بالدول������ة الكيانية‪ ،‬وكان أش������هر‬ ‫جمشيد»‪ ،‬التي يرى فيها كل أحداث الدنيا‪ ،‬كما‬
‫‪27‬‬ ‫إيران‪ ...‬من البيشدادية إلى األشكانية‬

‫‪feb 26-29.indd 27‬‬ ‫‪1/11/15 1:01:10 PM‬‬


‫حضارات سادت ثم بادت‬

‫نحت بارز على تخت امللك جمشيد‬

‫واملاء‪ ،‬الشمس والقمر‪ ،‬الريح والعواصف‪ ،‬فجاء‬ ‫أولئ������ك املل������وك هو «ك������ي قباذ» و«ك������ي كاوس»‬
‫يوحد عبادة ما أسماه اإلله‬ ‫زرادشت بدين جديد ِّ‬ ‫و«كي خس������رو» و«كي لهراسب»‪ .‬تلك الفترة من‬
‫الواحد «أهورا مزدا»‪ .‬وفي عقيدة الزرادشتيني‬ ‫الزمان تصادف أن تكون فترة الس������بي البابلي‬
‫أن أه������ورا مزدا قبل أن يخل������ق األكوان كان قد‬ ‫ال������ذي قام به نبوخذ نصر لليه������ود‪ ،‬وأن تزامن‬
‫ف ّك������ر‪ :‬ماذا لو زامن ذلك اخللق اجلديد ش������ ّر؟‬ ‫أيضاً ظهور زرادش������ت‪ ،‬الذي من خالله انتقلت‬
‫وألن فكرة اإلله َخلْق‪ ،‬خُ لِقَ عند الفكرة الش������ر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الدولة‪ .‬كان زرادش������ت من أصل ميدي لطائفة‬
‫وأصبح الش������ ُّر يه������دد اخلير‪ ،‬كما يه������دد الظل ُم‬ ‫يُطلَ������ق عليها « ُم������ج» التي يس������ميها اليونانيون‬
‫الع ْد َل أو كما يهدد الظال ُم النو َر‪.‬‬ ‫« ُم ُجوس»‪ ،‬االسم الذي يطلقه العرب على القوم‬
‫كان لزاماً على املؤمن بهذه العقيدة أن يعمل‬ ‫الذين يدينون بالزرادشتية‪ .‬كان اإليرانيون قبل‬
‫بدأب الس������تمرار اخلير ودميومة النور بإشعال‬ ‫زرادشت يقدس������ون قوى الطبيعة املتنازعة من‬
‫النار وإبقائها مس������تعرة دائم������اً لتبديد الظالم‬ ‫كيان واحد‪ :‬اخلير والشر‪ ،‬النور والظلمة‪ ،‬النار‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪28‬‬

‫‪feb 26-29.indd 28‬‬ ‫‪1/11/15 1:01:17 PM‬‬


‫الهمجية والظلم بصورة عام������ة‪ .‬ونتيجة لذلك‬ ‫وتطهير النجاس������ة ونصرة إل������ه النور على قوى‬
‫نش������أت إمبراطورية قائمة عل������ى قوانني عامة‬ ‫الظالم‪.‬‬
‫مدونة‪ ،‬تُطبق عل������ى جميع أرجاء اإلمبراطورية‬ ‫أصبحت الفكرة األساسية لدين زرادشت هي‬
‫وطبقات الشعب كافة‪.‬‬ ‫الثنائية أو «الثنوية» بني إله اخلير «أهورا مزدا»‪،‬‬
‫كان م������ن أهم ممي������زات الدول������ة األكمينية‬ ‫الذي يسميه املتكلمون املسلمون «يزدان»‪ ،‬وبني‬
‫(الهخامنش������ية) إط���ل��اق احلري������ات واحت������رام‬ ‫ملك الش������ر «أهرمن»‪ .‬ويأتي الرقم (‪ )7‬العظيم‬
‫ظن كثير‬ ‫العقائد واألديان ونصرة املظلوم‪ ،‬حتى ّ‬ ‫ليش������كل سراً كونياً مقدس������اً في هذه املنظومة‪،‬‬
‫أن «ذا القرنني»‬ ‫من العلماء واملؤرخني املسلمني ّ‬ ‫غير السماوات السبع واألراضي السبع‪ ،‬سبعة‬
‫الوارد ذكره في القرآن الكرمي هو كورش األكبر‪.‬‬ ‫أيام‪ ،‬س������بعة ثقوب في وجه اإلنسان‪ ...‬وهناك‬
‫لقد جال ك������ورش األكبر الدنيا ش������رقاً وغرباً‪،‬‬ ‫س������بعة مالئكة قدسيني ميثلون الفضائل السبع‬
‫ناش������راً الس���ل��ام في طريقه‪ ،‬حتى وافته املنية‬ ‫ويساندون قوى اخلير‪ :‬احلكمة والعفة والعدل‬
‫مقتوالً‪ ،‬فاعتلى ابنه قمبيز سدة احلكم وعرش‬ ‫واإلخ���ل��اص واألمان������ة واحلب والك������رم‪ .‬بينما‬
‫ومد نفوذ‬ ‫الدولة‪ .‬ركز قمبيز دعائم حكم أبيه‪َّ ،‬‬ ‫يساند قوى الشر سبع رذائل‪ :‬اخلديعة والنفاق‬
‫دولته حتى مصر‪ ،‬وفي عام ‪ 525‬ق‪.‬م‪ ،‬س������قطت‬ ‫واخليانة والقتل والظلم والبخل واجلنب‪.‬‬
‫عاصمته������ا ممفيس بيده‪ .‬بلغ������ت اإلمبراطورية‬ ‫وعندما أتى امليديون من الس������فوح املجاورة‬
‫اإليرانية قمة توسعها في هذه املرحلة‪ ،‬فامتدت‬ ‫لقزوين جنوباً إلى فارس‪ ،‬وهم الذين ش������كلتهم‬
‫من وس������ط آسيا إلى هضبة األناضول‪ ،‬فضمت‬ ‫جللد والصبر وضرورة‬ ‫بيئتهم وعاداته������م على ا َ‬
‫شرقي املتوسط‪ ،‬من سورية إلى مصر‪ ،‬وسيطر‬ ‫احلرب‪ ،‬فأصبح������وا باس������تيطانهم قوة هددت‬
‫داري������وش على العراق بعد أن تولى احلكم عقب‬ ‫احلض������ارة العراقية في آش������ور‪ ،‬الس������بب الذي‬
‫قمبيز‪ .‬وقد قام داريوش باحلفاظ على األراضي‬ ‫جعل العراقيني يك������ررون غاراتهم على امليديني‬
‫التي س������يطر عليها قمبيز‪ ،‬خاصة مصر‪ ،‬التي‬ ‫حت������ى كادت حواضره������م تدم������ر‪ ،‬كان امليديون‬
‫زحف إليها إلخماد الثورة التي قامت ضد حكم‬ ‫آنذاك ال ي������كادون يفقهون انكس������اراً‪ ،‬فجمعوا‬
‫إيران ملصر‪ .‬لم تستمر احلال على ما هي عليه‪،‬‬ ‫راياته������م حتت قي������ادة س������باكزاروس الذي قام‬
‫فها هو اإلس������كندر املقدون������ي يزحف بجحافله‬ ‫بغ������زو العراقي���ي��ن ود ّمر نينوى تدمي������راً‪ .‬إال ّ‬
‫أن‬
‫ش������رقاً‪ ،‬ويأخذ حتت رايت������ه كل مدينة غصباً‪،‬‬ ‫ُمل������ك امليديني لم يدم طوي ً‬
‫ال‪ ،‬مل������ا آثر امليديون‬
‫وكلّها مدن فارس������ية‪ .‬وبعد أن ُقتل داريوش عام‬ ‫النعيم ب������دالً من احلرب وغ ّرته������م حياة الترف‬
‫‪ 330‬ق‪.‬م‪ ،‬تداعت الدولة األكمينية وبدأت والدة‬ ‫والبذخ‪ ،‬التي تُ َع ِّجل بس������قوط احلضارات‪ .‬كان‬
‫دولة جدي������دة‪ ،‬أُطلق عليها الدولة األش������كانية‬ ‫دمار نينوى قد أدى إلى حترر فارس وش������عبها‬
‫(البارثية)‪ ،‬نس������بة إلى إقليم بارثا‪ ،‬الذي ظهرت‬ ‫من وطأة السيطرة اآلشورية‪ .‬قوم من املزارعني‬
‫األسرة األش������كانية منه لتحكم املدائن وفارس‬ ‫من أص������ول آرية يُطلَق عليهم «الهخامنش������ية»‪،‬‬
‫ومعظ������م بالد الع������راق‪ .‬كان أولهم في س������لطة‬ ‫نس������بة إلى جدهم األكبر هخامنش‪ ،‬استطاعوا‬
‫احلكم هو أقفور شاه‪ ،‬وكان آخرهم هو أردوان‬ ‫أن يش������كلوا دول������ة لهم‪ ،‬أصبح������ت دولة عظمى‬
‫ب������ن بهرام‪ ،‬الذي قتله أردش������ير بن بابك‪ ،‬لتبدأ‬ ‫بفض������ل حكامه������ا األقوياء‪ ،‬من ك������ورش األكبر‪,‬‬
‫بذلك سلس������لة جديدة ُعرفت في التاريخ باسم‬ ‫وبع������ده ابنه قمبيز إلى داريوش‪ .‬وفي املدة التي‬
‫الدولة الساس������انية‪ ،‬وهي دولة األكاسرة‪ ،‬التي‬ ‫حكم فيها هؤالء‪ ،‬وجد الش������عب اإليراني اآلري‬
‫سنتحدث عنها في العدد املقبل >‬ ‫فرصته لنش������ر ثقافته املتحضرة والقضاء على‬
‫‪29‬‬ ‫إيران‪ ...‬من البيشدادية إلى األشكانية‬

‫‪feb 26-29.indd 29‬‬ ‫‪1/11/15 1:01:20 PM‬‬


‫فكـر‬

‫مكانة العقل في حياتنا الفكرية‬


‫د‪ .‬سعيد إسماعيل علي *‬
‫على الرغم من أن الفلسفة تواجه هجوم ًا عليها طوال تاريخها‪ ،‬من حيث مدى الضرورة واألهمية‬
‫حلياة اإلنسان‪ ،‬فإنها تواجه في عصرنا احلاضر من صور النقد والهجوم ما هو أقوى وأشد خطر ًا‬
‫مما واجهته طوال قرون ماضية‪ ،‬ولعل ما نعيش ��ه منذ عقود عدة‪ ،‬مما يس ��مى بالعالم االفتراضي‪،‬‬
‫والعالم الرقمي‪ ،‬وهذا الس ��يل الذي يتزايد تدفقه واتس ��اعه يوم ًا بعد يوم من املعارف اإللكترونية‪،‬‬
‫كم ًا وكيف ًا‪ ،‬أمام اإلنسان‪،‬‬
‫وما أصبحت ش ��عوب العالم تعيش ��ه من لهث دائم نحو توس ��يع اخليارات‪ّ ،‬‬
‫وركض تتزايد س ��رعته س ��اعة بعد س ��اعة نحو مزيد من التنمية‪ ،‬قد أصبح يرسم عالمات استفهام‬
‫ملحة أمام جدوى استمرار الفلسفة والتفلسف‪.‬‬

‫الفلس�� ��فة ويعتبرونها مصدراً للمعرفة؟ أم أن الفلس�� ��فة‬ ‫لعل ما يؤكد إحلاح هذه القضية على العقل‬
‫مجرد تنش�� ��يط ذهني‪ ،‬كما أن األلع�� ��اب الرياضية مجرد‬ ‫العرب�� ��ي أن املفكر الكبي�� ��ر الراحل محمود‬
‫تنش�� ��يط جس�� ��مي؟ فالذهن ه�� ��و اآلخر ف�� ��ي حاجة إلى‬ ‫أم��ي��ن العالم قد انتقد منذ عقود عدة ‪ -‬في‬
‫منشط‪ ،‬فهل الفلسفة اليوم قد تغير وجه االنتفاع بها‪ ،‬فلم‬ ‫أواسط الس�� ��تينيات من القرن املاضي تقريباً ‪ -‬الداعني‬
‫تصبح كافية لتزويدنا مب�� ��ا يزودنا به العلم من احلقائق‪،‬‬ ‫إلى ش�� ��طب الفلس�� ��فة من قائمة املجاالت الثقافية‪ ،‬التي‬
‫واقتصرت مهمتها على تنشيط الذهن إلى جانب األلعاب‬ ‫يجب أن ينشغل بها اإلنسان‪ ،‬وذلك خالل مقال شهير له‬
‫الرياضية التي تنش�� ��ط اجلسم‪ ،‬ولذلك قد تكون مهمتها‬ ‫بعنوان «بالش فلسفة»‪ ،‬على سبيل السخرية!‬
‫أكبر عند الش�� ��باب وعامة الناس ممن هم في حاجة إلى‬ ‫وع�� ��اود توفيق احلكيم إث�� ��ارة القضية على صفحات‬
‫تدريبات لتكوين العضالت املفكرة؟ أو أن الفلسفة لم تزل‬ ‫«األهرام» في ‪ 18‬يناي�� ��ر ‪ 1980‬بعنوان «هل انتهى عصر‬
‫ٍ‬
‫وعندئذ‬ ‫ضروري�� ��ة‪ ،‬ألن مجالها مختلف عن مجال العلم؟‬ ‫الفلس�� ��فة؟»‪ ،‬راجع� � �اً بأص�� ��ل القضية إلى عص�� ��ور كان‬
‫يج�� ��ب علينا أن ننظر في مج�� ��ال كل منهما‪ ،‬وقد نهتدي‬ ‫االنفصال فيها يتزايد ش�� ��يئاً فشيئاً بني الفلسفة والعلم‪،‬‬
‫إلى ذلك بتحديد املهمة وتوجيه الس�� ��ؤال‪ ،‬فالسؤال عند‬ ‫إلى أن انتفض في القرن التاس�� ��ع عش�� ��ر بقوة‪ ،‬ووثب في‬
‫العلم هو‪ :‬كيف؟ والسؤال عند الفلسفة هو‪ :‬ملاذا؟‬ ‫القرن العش�� ��رين وثبته الكبرى‪ ،‬وبعد أن كانت الفلس�� ��فة‬
‫وح�� ��دة مكتملة‪ ،‬تفتتت إلى عناص�� ��ر منفصلة‪ ،‬ارتبط كل‬
‫الفلسفة والعلم‬ ‫عنص�� ��ر منها بفرع من فروع املعرف�� ��ة‪ ،‬فأصبح هناك ما‬
‫وتوضيحاً لهذا االرتباط بني الفلسفة والعلم جند أن‬ ‫يسمى بفلس�� ��فة العلم‪ ،‬وفلس�� ��فة التاريخ‪ ،‬وفلسفة الفن‪،‬‬
‫العلم إذا كان معن ّياً بأن نبني عن طريقه‪ :‬كيف نعيش؟ فإن‬ ‫وفلسفة االجتماع‪ ،‬وما سار على هذا النهج نفسه‪.‬‬
‫السؤال الذي ينفرد به اإلنسان عن سائر الكائنات يسبق‬ ‫وط�� ��رح احلكيم تس�� ��اؤالته املوحية ‪ -‬إل�� ��ى حد ما ‪-‬‬
‫الس�� ��ؤال بـ «كيف»‪ ،‬ليكون‪ :‬ملاذا؟ وإذا كان هذا الس�� ��ؤال‬ ‫مبوقف�� ��ه من اإلجاب�� ��ة عنها‪ ،‬مثل‪ :‬هل الفلس�� ��فة مبعناها‬
‫يتقدم الس�� ��ؤال بـ «كيف»‪ ،‬فيس�� ��أل اإلنسان‪ :‬ملاذا يعيش؟‬ ‫الق�� ��دمي‪ ،‬باعتبارها وحدة قائم�� ��ة بذاتها‪ ،‬ميكن أن توجد‬
‫فالبد أن يعاود التس�� ��اؤل بعد أن يحدد العلم له الكيفية‬ ‫مرة أخرى بهذا الوصف والكيان في عصر العلم الكبير‪،‬‬
‫للعيش‪ ،‬ملاذا هذا الوجه من املعيشة‪ ،‬وليس وجهاً آخر؟‬ ‫كم�� ��ا وجدت من قبل ومهدت للعلم؟ وهل العلوم اليوم في‬
‫وه�� ��ذا وذاك يكش�� ��ف لن�� ��ا أن املهمة الفلس�� ��فية‪ ،‬إذ‬ ‫حاج�� ��ة إلى الفلس�� ��فة؟ وهل العلماء الي�� ��وم يطلعون على‬
‫* أكادميي من مصر‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪30‬‬

‫‪feb 30-33.indd 30‬‬ ‫‪1/11/15 1:01:43 PM‬‬


‫أما هذا األفق اجلديد الواضح‪ ،‬فهو ما يتصل بالعقل‬ ‫يختص بها اإلنس�� ��ان وحده‪ ،‬وإذ نعلم أن اإلنس�� ��ان وحده‬
‫الع�� ��ام‪ ،‬أو «القي�� ��ادة الفكرية» ودورها ف�� ��ي قيادة حركة‬ ‫هو الذي اس�� ��تطاع أن يبني حض�� ��ارة‪ ،‬فعلينا أن نعي أن‬
‫النه�� ��وض احلض�� ��اري‪ ،‬على أن تتخلص م�� ��ن بعض صور‬ ‫ج�� ��زءاً مه ّماً م�� ��ن هذه املهارة في بن�� ��اء احلضارة يعتمد‬
‫العوار التي خلّفتها فيها سنوات طويلة من التخلف‪.‬‬ ‫على التس�� ��اؤل املستمر‪« :‬ملاذا؟»‪ ،‬حيث إنه يفرض البحث‬
‫وفي عدد «األهرام» نفس�� ��ه‪ ،‬الص�� ��ادر في ‪ 18‬يناير‬ ‫والتفكير والنقد واملراجعة‪ ،‬وهذه سبل أساسية للتحسني‬
‫من عام ‪ ،1980‬أكد مدكور أن القيادة الفكرية بالنس�� ��بة‬ ‫والتطوير والتجديد‪.‬‬
‫للمجتمع هي مبنزلة العقل بالنسبة لإلنسان‪ ،‬صحيح أن‬ ‫وإذا كان توفي�� ��ق احلكيم‪ ،‬األدي�� ��ب الكبير‪ ،‬وصاحب‬
‫جمهرة الناس قد تعودت على أن القيادة السياس�� ��ية هي‬ ‫اخللفي�� ��ة القانونية ق�� ��د فتح الباب للتس�� ��اؤل حول وجه‬
‫صاحبة احلول والطول‪ ،‬لكن هذا ال ينفي ضرورة القيادة‬ ‫احلاجة إلى الفلسفة في عصر املعرفة العلمية املتقدمة‪،‬‬
‫الفكرية في اجلماعة البش�� ��رية‪ ،‬ومثل ه�� ��ذا القطاع هو‬ ‫والعالم االفتراضي الرقمي‪ ،‬فإن عمالقاً آخر من عمالقة‬
‫قطاع من قطاعات املجتمع‪ ،‬يوحي ويلهم‪ ،‬يوجه ويرشد‪،‬‬ ‫وصف‬‫الفكر‪ ،‬ه�� ��و الدكتور إبراهيم بيوم�� ��ي مدكور‪ ،‬قد ّ‬
‫ويضطلع في اختصار بعبء قائد يعول على فكره ولسانه‬ ‫القضية توصيفاً أوس�� ��ع‪ ،‬وهو أستاذ الفلسفة اإلسالمية‬
‫وقلمه‪ ،‬يدعو إلى اإلصالح‪ ،‬ويرسم سبل النهوض والتقدم‪،‬‬ ‫الكبير‪ ،‬وعضو مجلس الش�� ��يوخ في العهد امللكي‪ ،‬ورئيس‬
‫يأخذ بيد الضعيف‪ ،‬ويخفف من غلواء القوي‪ ،‬يؤثر الفهم‬ ‫مجمع اللغة العربية بالقاه�� ��رة في أواخر عمره‪ ،‬ما فتح‬
‫والتفاهم على اخلصومة والتنازع‪ ،‬ويعتمد أساس�� ��ه على‬ ‫الباب واس�� ��عاً أمام زمرة من أس�� ��اتذة الفلسفة‪ ،‬وغيرهم‬
‫اإلقناع واالقتناع‪ .‬لكن مثل هذه القيادة الفكرية ال فاعلية‬ ‫ليدلوا بدلوهم في القضية‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫مكانة العقل في حياتنا الفكرية‬

‫‪feb 30-33.indd 31‬‬ ‫‪1/11/15 1:01:48 PM‬‬


‫لالضطه�� ��اد زوراً وبهتاناً‪ ،‬ولعلن�� ��ا لم ننس بعد ما أصاب‬ ‫لها إال بقدر عال من التنسيق والتآزر بينها وبني القيادات‬
‫ه�� ��ؤالء من�� ��ذ العصر العباس�� ��ي األول‪ ،‬في عه�� ��د املهدي‬ ‫األخرى في املجتمع‪ ،‬السياس�� ��ية واالقتصادية والدينية‪،‬‬
‫والهادي والرش�� ��يد واملأمون واملعتصم‪ ،‬فكان ما كان من‬ ‫مع التأكيد على أنه ال حياة لفكر أو ثقافة إال في جو من‬
‫قتل وصلب وإحراق بالنار! وكان مقدراً للعقل الفلس�� ��في‬ ‫احلرية املسؤولة واملساواة الرشيدة والعدالة الشاملة‪.‬‬
‫ف�� ��ي أمتنا أن يتص�� ��دى ملهاجمته طائفة م�� ��ن أهل الفكر‬
‫الشامخ ممن ُقدر لهم أن يكونوا في أمتنا أصحاب نفوذ‬ ‫العقل سيد املوقف‬
‫واس�� ��ع النطاق‪ ،‬ممدود الرحاب‪ ،‬ف�� ��ي مقدمة هؤالء منذ‬ ‫وبعد أش� � ��هر قليلة‪ ،‬وفي األول م� � ��ن أبريل من عام‬
‫القرن العاشر امليالدي‪ ،‬ابن حزم‪ ،‬والغزالي‪ ،‬وكان ألذعهم‬ ‫‪ ،1980‬راح الدكت� � ��ور زكي نـجيب محمود يبعث احليوية‬
‫نقداً وأقواهم تأثيراً‪ ،‬ومن تابعوه‪ ،‬حتى كان القرن الرابع‬ ‫في املقولة األساسية‪ ،‬على اعتبار أن حياتنا الفكرية‪ ،‬ال‬
‫عشر للميالد‪ ،‬فكان ابن تيمية‪ ،‬وتلميذه ابن قيم اجلوزية‪،‬‬ ‫سبيل لها ألن تنبت قيادة فكرية فعالة إال بالقدر الذي‬
‫إلى أن جاء الشيخ محمد عبده في أواخر القرن التاسع‬ ‫تتيح فيه الفرصة للعقل أن يكون هو سيد املوقف‪.‬‬
‫عش�� ��ر‪ ،‬وبدأ ينزع عن العقل اإلس��ل��امي بعض األغطية‬ ‫والدكتور زكي‪ ،‬امل ُ َقدِّر دائماً للحضارة الغربية‪ ،‬يذكرنا‬
‫التي كانت حتجب الرؤية الصحيحة عنه‪.‬‬ ‫بأن�� ��ه بينما يواجه الغرب الذي ه�� ��و مصدر حضارة هذا‬
‫العصر‪ ،‬حضارة واحدة هي حضارته الراهنة من دون أن‬
‫تعليم التفكير‬ ‫يكون هناك إلى جانبها ما يش�� ��تت نظرته العلمية‪ ،‬فإننا‬
‫وعل�� ��ى قلة م�� ��ا كان يكتب�� ��ه األديب الش�� ��هير جنيب‬ ‫نحن‪ ،‬وسائر البالد ذات احلضارات القدمية‪ ،‬مثل الهند‬
‫محفوظ من مق�� ��االت‪ ،‬نظراً ألنه كان يعبر عن فكره عن‬ ‫والصني واليابان‪ ،‬نواج�� ��ه حضارتني‪ :‬حضارتنا القدمية‬
‫طريق األدب القصصي‪ ،‬فإنه ش�� ��ارك مبقال صغير على‬ ‫من جهة‪ ،‬وحضارة هذا العصر من جهة أخرى‪ ،‬وال نحب‬
‫صفح�� ��ة «األهرام» في ‪ 1980/4/8‬ف�� ��ي القضية املثارة‪،‬‬ ‫أن نس�� ��تغني عن إحداهم�� ��ا‪ ،‬ألن حضارتنا القدمية‪ ،‬وإن‬
‫وخاصة في جانبها التعليمي‪ .‬فقد رأى محفوظ أن للعقل‬ ‫كان قد فات أوانها من بعض الوجوه‪ ،‬هويتنا مرتبطة بها‬
‫دوراً في احلياة التعليمية إذا ربينا الناشئة على التفكير‪،‬‬ ‫إلى حد كبير‪ ،‬وأم�� ��ا احلضارة األخرى التي هي حضارة‬
‫وهذا لم يكن – في رأي�� ��ه – متوافراً إال قدمياً‪ ،‬ويقصد‬ ‫العصر‪ ،‬فكذلك ال نستطيع أن نستغني عنها إذا شئنا‪ ،‬إذ‬
‫بالقدم هنا الفترة الس�� ��ابقة على ثورة يوليو ‪ ،1952‬حيث‬ ‫إننا نحيا في عصرها‪ ،‬والبد لنا أن نعيشها‪ .‬ولم تكن هذه‬
‫أصبحت املقررات تؤخ�� ��ذ باعتبارها حقائق أبدية‪ ،‬ودور‬ ‫الـمش� � �ـكلة وليدة اليوم‪ ،‬فهي تعي�� ��ش في عقولنا وثقافتنا‬
‫الطالب منها هو التلقي واالستيعاب‪ ،‬وهذا املوقف يصير‬ ‫من�� ��ذ أن بدأت عملية التحديث في أوائل القرن التاس�� ��ع‬
‫بعد ذلك عادة فكرية‪ ،‬ينتظر النظرة نفسها ملا يقرأه في‬ ‫عش�� ��ر‪ ،‬حيث ورثنا اجتاهني ش�� ��هيرين‪ ،‬أحدهما يرفض‬
‫الصحف واملجالت أو القراءة احلرة‪ .‬وأكد أديبنا الكبير‬ ‫احلضارة الغربية‪ ،‬واآلخر يراها السبيل الوحيد للتقدم‪،‬‬
‫أن جيله إذا كان قد صادفه ش�� ��يء من احلظ واكتس�� ��ب‬ ‫وبني االجتاهني‪ ،‬كان هناك اجتاه ثالث سعى إلى التوفيق‬
‫قدراً من إمكانية املناقش�� ��ة اإليجابي�� ��ة في التفكير‪ ،‬فإن‬ ‫والتوس�� ��ط بني األمرين‪ ،‬وقصة هذا وذاك طويلة اتسعت‬
‫ذلك كان بفضل الدراس�� ��ة اجلامعية في العهد الليبرالي‬ ‫لها عشرات الكتب‪ ،‬ومئات البحوث والدراسات‪.‬‬
‫(قب�� ��ل ‪ ،)1952‬حيث كانت اجلامعة املصرية تزخر بكبار‬
‫العلماء واملفكرين‪ ،‬محليني وأجانب‪.‬‬ ‫اضطهاد العقالنية‬
‫أما أستاذ الطب النفس�� ��ي الدكتور يحيى الرخاوي‪،‬‬ ‫ولفت الدكتور توفيق الطويل الذي كان أستاذاً للفلسفة‬
‫فقد تقدم خطوة أكثر عملية وإجرائية‪ ،‬باقتراح مجموعة‬ ‫في آداب القاهرة‪ ،‬في مقاله بـ «األهرام» في ‪،1980/4/2‬‬
‫مقومات رأى أنها كفيلة – إلى حد كبير ‪ -‬بأن تبث دماء‬ ‫النظر إلى أن�� ��ه منذ أمد طويل تع�� ��رض العقل في أمتنا‬
‫صح�� ��ة وعافية ف�� ��ي حياتنا العقلية‪ ،‬وذل�� ��ك في مقال له‬ ‫واضطهد الكثيرون‬ ‫ُ‬ ‫حلملة ضارية من النق�� ��د والتجريح‪،‬‬
‫بـ«األهرام» في ‪ ،1980/4/13‬مثل‪:‬‬ ‫من دعاته بغير حق‪ ،‬ونالهم عذاب أليم‪ ،‬وكان سبب ذلك‬
‫‪ -‬ض�� ��رورة زيادة مس�� ��احة «الس�� ��ماح»‪ ،‬ال من جانب‬ ‫أن العقل في س�� ��عيه الدائب إلى الكش�� ��ف عن احلقيقة‪،‬‬
‫السلطة بأنواعها فحس�� ��ب‪ ،‬وإمنا من جانب االحتكارات‬ ‫انح�� ��رف – ف�� ��ي بعض األحي�� ��ان ‪ -‬وضل س�� ��بي ً‬
‫ال‪ ،‬وفي‬
‫العمالق�� ��ة ألس�� ��واق األفكار الس�� ��ابقة التجهيز‪ ،‬س�� ��واء‬ ‫غمرة مطاردة الضالني واالنتقام منهم‪ ،‬تعرض الكثيرون‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪32‬‬

‫‪feb 30-33.indd 32‬‬ ‫‪1/11/15 1:01:50 PM‬‬


‫األصنام واألوهام اخلاصة أو العامة‪ ،‬كما قال فرنسيس‬ ‫املصنعة في املصانع الس�� ��لفية املسلحة أو املستوردة من‬
‫بيكون الفيلسوف اإلجنليزي‪.‬‬ ‫ب��ل��اد اليأس والغ�� ��رور‪ ،‬مع التنبيه عل�� ��ى أن أخطر أنواع‬
‫وكان الدكت�� ��ور عاطف العراقي‪ ،‬الذي كان أس�� ��تاذاً‬ ‫القه�� ��ر اآلتي من هذه املصادر هو م�� ��ا تغلغل في النفس‬
‫للفلسفة بآداب القاهرة‪ ،‬من املعروفني بانحيازه الشديد‬ ‫ليصبح قهراً داخلياً مينع إع�� ��ادة التفكير أو حتى مجرد‬
‫لالجت�� ��اه العقلي‪ ،‬وهو ما تش�� ��ير إليه عناوين بعض كتبه‪،‬‬ ‫احللم في ما هو مفروض أو مقرر‪ ،‬وبهذا يصبح اإلنسان‬
‫مثل «النزعة العقلية عند ابن رشد»‪ ،‬وغيره‪ ،‬إلى الدرجة‬ ‫سجني ما ُوضع حوله من أسوار خارجية‪.‬‬
‫الت�� ��ي دفعته إلى رفض القول بـ«الفلس�� ��فة اإلس��ل��امية»‬ ‫ً‬
‫‪ -‬ضرورة أن يختفي الش�� ��عور بالنقص تدريجيا‪ ،‬مبا‬
‫ُمص ّراً على تسميتها بـ «الفلسفة العربية»‪ ،‬وأكد في مقال‬ ‫يش�� ��مل تناقص نقي�� ��ض النقص ومكافئه (وهو الش�� ��عور‬
‫له بـ «األهرام» في ‪ 1980/4/22‬أن حياتنا الفكرية التي‬ ‫بالغرور أو االس�� ��تهانة)‪ ،‬وذلك من خالل اس�� ��تمرار فعل‬
‫نحياها يغلب اجلانب الالعقالني على أكثر جوانبها‪ ،‬إن‬ ‫املعرف�� ��ة منذ ال�� ��والدة وحتى املوت (قبل وبعد املدرس�� ��ة‬
‫لم يكن كلها‪ ،‬وهي ظاه�� ��رة تبعث على احلزن ح ّقاً‪ ،‬ألننا‬ ‫واجلامعة واملعهد واملعمل‪ ...‬إلخ)‪.‬‬
‫إذا قلن�� ��ا‪ :‬الالعقل‪ ،‬فهذا يعن�� ��ي اخلرافة وغياب اجلانب‬ ‫اإلصرار على اسـتـمرار االس�� ��تقرار‪ ،‬مع أكبر درجة‬
‫النقدي‪ ،‬وهو ما يعني كذلك التخلف والنكوص احلضاري‪،‬‬ ‫م�� ��ن التفاعل احلي الداخلي‪ ،‬فاالس�� ��تقرار س�� ��وف يتيح‬
‫بينما يس�� ��تلزم األمر العزم على األخذ باألسباب املؤدية‬ ‫الفرصة الختيار األفكار‪ ،‬إذ مينع إجهاض أجنة االجتهاد‬
‫إلى التقدم‪ ،‬التي ال طريق إليها إال بالعقل وبالنقد وحرية‬ ‫أوالً فأوالً‪ ،‬واحلركة التفاعلية الصحية سوف تضمن أال‬
‫ت�� ��داول املعلوم�� ��ات‪ ،‬وحرية مناقش�� ��ة األف�� ��كار والتحاور‬ ‫ينقلب االستقرار إلى مجرد موت تسكيني هامد‪.‬‬
‫بشأنها‪ ،‬أياً كانت نتائج هذه املناقشة‪.‬‬ ‫‪ -‬تنمية القدرة على اخلطأ‪ ،‬وقبول شجاعة التراجع‬
‫إن أه�� ��م غاية من غايات التعلي�� ��م والتربية والثقافة‬ ‫مبسؤولية ومرونة‪.‬‬
‫تتمثل في إعداد الفرد للحياة في حاضرها ومس�� ��تقبلها‪،‬‬ ‫‪ -‬تش�� ��جيع التفكي�� ��ر املخالف‪ ,‬والتدري�� ��ب على حق‬
‫وتنمية قدراته على مواجهة مشكالتها‪ ،‬فكيف إذن يتحقق‬ ‫ال‪ ،‬والبقاء‬‫إعادة النظر في كل شيء‪ ،‬ما دام احلوار متص ً‬
‫ذلك الهدف أو تلك الغاية‪ ،‬في الوقت الذي يقرأ فيه عن‬ ‫لألصلح وما ينفع الناس‪.‬‬
‫اخلرافة أكثر مما يقرأ عن العلم وعن العقل؟!‬ ‫وإذا كان العقل أعدل األش�� ��ياء قسمة بني الناس في‬
‫ويط�� ��ول بنا املقام لو حاولنا اس�� ��تقصاء جملة اآلراء‬ ‫ما ذهب الفيلسوف الفرنـسي ديكارت‪ ،‬فإن د‪.‬محمد علي‬
‫واألف�� ��كار التي طرحت على ه�� ��ذا الطريق‪ ،‬وغاية ما نود‬ ‫ريان الذي كان رئيس� � �اً لقسم الفلس�� ��فة في كلية اآلداب‬
‫قوله هو أن املشكلة الرئيسة هنا هي وجود عاملني بالفعل‪،‬‬ ‫جامع�� ��ة اإلس�� ��كندرية أكد على صفح�� ��ات «األهرام» في‬
‫العالم كما تدركه أجهزة العقل واحلواس اإلنسانية‪ ،‬وعالم‬ ‫‪ 1980/4/20‬أن الق�� ��ول إن�� ��ه إذا كان صحيحاً أن العقل‬
‫آخر يتصل مبا ُعرف مبا وراء الطبيعة أو «امليتافيزيقا»‪،‬‬ ‫واح�� ��د عند جميع البش�� ��ر‪ ،‬فإن هذا يج�� ��ب أن يُفهم في‬
‫تعجز أجهزة اإلدراك البش�� ��ري عن اإلحاطة به‪ ،‬ما دفع‬ ‫إط�� ��ار القدرة العقلية العامة‪ ،‬لكن قدرها ونوعها ومداها‬
‫البعض إلى حل املس�� ��ألة بإلغائه كلية‪ ،‬وسحب االعتراف‬ ‫وممارساتها والعمليات العقلية التي متارسها‪ ،‬وعالقتها‬
‫به‪ ،‬بينما سعى البعض إلى التعامل معه بأجهزة اإلدراك‬ ‫بالعق�� ��ول واألفكار املغايرة‪ ...‬كل هذا هو الذي يباين بني‬
‫البش�� ��ري‪ ،‬فلم يصلوا إلى املأمول‪ .‬وف�� ��ي رأينا أن العالم‬ ‫عقل هذا وذاك‪ ،‬ال بني األفراد فحسب‪ ،‬بل بني األمم‪.‬‬
‫الذي يعيشه اإلنسان بالفعل‪ ،‬وتصل إليه أجهزة مدركاته‬ ‫وال ينبغ�� ��ي احلديث عن مطلق العق�� ��ل‪ ،‬بل البد من‬
‫يج�� ��ب أن يت�� ��م التعامل مع�� ��ه وفقاً للنزع�� ��ة العقلية‪ ،‬وما‬ ‫النظ�� ��ر بعني االعتبار إلى «موض�� ��وع العقل»‪ ،‬وهو املعاني‬
‫تتطلبه من وسائل وأساليب نقد وحتليل ومقارنة‪ ،‬ورفض‬ ‫واألف�� ��كار الت�� ��ي تظل في مج�� ��ال التجري�� ��د أو تؤثر في‬
‫أحياناً وقبول أحياناً أخرى‪ ،‬دون أن يعني هذا إنكار عالم‬ ‫ال من فراغ أو في فراغ‪،‬‬ ‫الس�� ��لوك‪ ،‬وال ينطلق العقل أص ً‬
‫م�� ��ا وراء الطبيعة‪ ،‬فعجزنا عن إدراك�� ��ه ال يعني أنه غير‬ ‫بل البد له من موضوع ينفت�� ��ح على جملة من العالقات‪،‬‬
‫موج�� ��ود‪ ،‬وإمنا ال س�� ��بيل إليه إال مب�� ��ا تخبرنا به األديان‬ ‫على تباين أنواعها‪ ،‬وهو يتخذ من هذا املوضوع «موقفاً»‬
‫السماوية‪ ،‬مع التأكيد في الوقت نفسه أن الفهم البشري‬ ‫بعد الفهم الصحيح الذي يس�� ��تند إلى التعليل املنطقي أو‬
‫ملا تخبرنا به األديان السماوية يجب أن يخضع نفسه إلى‬ ‫احلدس العقل�� ��ي‪ ،‬حتى تتبدى األفكار في جالء ووضوح‪،‬‬
‫النقد والتحليل >‬ ‫ف��ل��ا يثمر العق�� ��ل إال في مثل ه�� ��ذه الترب�� ��ة‪ ،‬بعيداً عن‬
‫‪33‬‬
‫مكانة العقل في حياتنا الفكرية‬

‫‪feb 30-33.indd 33‬‬ ‫‪1/11/15 1:01:53 PM‬‬


‫قــالـوا‬

‫< دائماً ما اعتدت على أن أش������عر بأنني أذهب‬ ‫< كل كات������ب يخ������وض املغامرة حلس������ابه‪ ،‬لكن‬
‫إلى أماكن مظلمة عندما أش������رع ف������ي الكتابة‪.‬‬ ‫يجب أن يق������دم عليها وهو ّ‬
‫مطل������ع على املعالم‬
‫فقط في الظالم أس������تطيع أن أرى حكايتي‪ .‬ال‬ ‫واحملطات األساس������ية ف������ي منج������زات الرواية‬
‫أظن أن ل������دي موهبة خاصة أو اس������تثنائية‪ .‬ال‬ ‫العاملي������ة‪ .‬بعبارة ثاني������ة‪ ،‬أن يكون واعياً بطرائق‬
‫أفكر ف������ي األمر على هذا النحو‪ ،‬ولكنني أذهب‬ ‫الس������رد‪ ،‬مدركاً أهمية الداللة من خالل صوغ‬
‫أس������فل في الظالم وأتس������اءل‪ :‬إمم������م‪ ...‬وماذا‬ ‫رؤية للعال������م تتضمن تفاعله م������ع احمليط ومع‬
‫بعد؟! األمر يش������به الولوج إلى س������رداب منزل‬ ‫أس������ئلة ال������ذات واملجتمع‪.‬‬
‫م������ا‪ ،‬ولكن في حالتي أدخل إلى س������رداب داخل‬ ‫ه������ذا ه������و احل������د األدنى‬
‫سرداب‪ .‬الكثير من الناس يستطيعون أن ميكثوا‬ ‫للرواي������ة من منظور النقد‪،‬‬
‫في س������رداب منزل‪ ،‬ولكن ف������ي حالتي أنا أذهب‬ ‫وعند غياب ذل������ك‪ ،‬يعتبر‬
‫إلى س������رداب بداخل هذا الس������رداب‪ .‬إنه مكان‬ ‫النقد أن املع������روض عليه‬
‫مظلم جداً‪ ،‬هذا ما أفعله لكي أكتب رواياتي‪.‬‬ ‫يندرج ضمن رواية التسلية‬
‫هاروكي موراكامي‪،‬‬ ‫والتمارين اإلنشائية‪.‬‬
‫كاتب من اليابان‪.‬‬ ‫محمد برادة‪،‬‬
‫ناقد وأكادميي من املغرب‪.‬‬
‫< اللغة ال ميكن اختزالها في معجم أو مجموعة‬
‫من الكلمات والعبارات‪ .‬وال هي قابلة لالختزال‬ ‫< حت������دث بني الق������ارئ والرواية ظاهرة تش������به‬
‫ف������ي مس������تودع األعم������ال‬ ‫ظاهرة حتميض الصور‪ ،‬التي كنا منارسها قبل‬
‫املكتوب������ة به������ا‪ .‬فاللغ������ة‬ ‫العصر الرقم������ي‪ .‬من حلظة تداولها في الغرفة‬
‫املنطوقة جسد‪ ،‬كائن حي‪،‬‬ ‫املظلمة تصير الصورة شيئاً فشيئاً مرئية‪ .‬كلما‬
‫قس������ماته لفظية‪ ،‬ووظائفه‬ ‫تق������دم املرء في ق������راءة الرواية‪ ،‬حت������دث عملية‬
‫الداخلية لغوية‪ .‬وبيت هذا‬ ‫التطور الكيميائي نفسها‪.‬‬
‫الكائن هو ما ال ميكن قوله‬ ‫لكن حت������ى يوجد مثل هذا االتف������اق بني املؤلف‬
‫وما ميكن قوله‪.‬‬ ‫والق������ارئ‪ ،‬من الض������روري أال يجبر قط املؤلف‬
‫جون بيرجر‪،‬‬ ‫قارئ������ه‪ ،‬باملعنى الذي يقال ع������ن مطرب يفرض‬
‫ناقد وشاعر وروائي بريطاني‪.‬‬ ‫صوته‪ ،‬ولكن يش������ده بش������كل ال يحس������ه ويسمح‬
‫له بهامش كاف حتى يش������بعه الكتاب تدريجياً‪،‬‬
‫وذلك عبر فن يشبه الوخز‬
‫< تراجع� � ��ت مكان� � ��ة اخل� � ��ط العربي بع� � ��د أن َّ‬
‫قل‬ ‫باإلبر‪ ،‬حيث يكفي أن توخز‬
‫اهتمام الدول العربية بتعليمه للنشء وبات اللسان‬ ‫اإلبرة في مكان محدد حتى‬
‫العربي يل ْ ِحن واليد عرجاء! فال نطق س� � ��ليماً وال‬ ‫يشيع التدفق في كل النظام‬
‫خط مقروءاً‪ ،‬يتس� � ��اوى في ذلك الكبير والصغير!‬ ‫العصبي‪.‬‬
‫بل األدهى من ذلك أن متسكت القوميات األخرى‬
‫من تُرك و ُفرس باحلفاظ على فنون اخلط‪.‬‬ ‫باتريك موديانو‪،‬‬
‫محمود إبراهيم‪،‬‬ ‫روائي فرنسي‪،‬‬
‫فنان خط عربي من مصر‪.‬‬ ‫حاصل على «نوبل» لآلداب‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪34‬‬

‫‪feb 34-35.indd 34‬‬ ‫‪12/29/14 8:29:31 AM‬‬


‫< ليس جنيب محفوظ صنماً وال أسطورة مهما‬ ‫< معظم جوائز نوبل تذهب للبلدان الراس������خة‬
‫بلغ حبنا له وإعجابنا به‪ .‬جنيب محفوظ روائي‬ ‫في العل������وم‪ ،‬العلم يحت������اج إل������ى التمويل‪ ،‬وفي‬
‫م������ن حلم ودم‪ ،‬ونتاجه الضخ������م عالم من وقائع‬ ‫البل������دان العربي������ة وبلدان العال������م الثالث‪ ،‬يقبع‬
‫وتأمالت‪ ،‬م������ن أفكار وش������خصيات‪ ،‬من أحالم‬ ‫التمويل في نهاية قائمة األولويات لدى احلكام‪،‬‬
‫وأوه������ام‪ ،‬من آم������ال وخيبات‪ .‬عال������م من كلمات‬ ‫فلسفة التمويل في تلك البلدان تعتمد على دفع‬
‫وحب������ر‪ ،‬من أمزجة وم������رارات وحتوالت‪ .‬جنيب‬ ‫أموال لفروع مثل الغذاء والصحة‪ ،‬ولكن بالنظر‬
‫محفوظ هو جنيب محفوظ كما ش������اء أن يكون‬ ‫إلى مس������توى التقدم‪ ،‬حتى‬
‫أوالً وآخ ًرا‪ ،‬إنساناً‪ ،‬إنساناً وحسب‪.‬‬ ‫وإن كان بطيئ������اً في العالم‬
‫عبده وازن‪،‬‬ ‫العربي‪ ،‬أعتق������د أن علماء‬
‫شاعر وصحفي من لبنان‪.‬‬ ‫املنطق������ة العربية س������وف‬
‫يحظ������ون بـ«نوب������ل» ف������ي‬
‫< مع األسف‪ ،‬ليس بوسع أحد أن يهزم الزمن! نحن‬ ‫األعوام املقبلة‪.‬‬
‫داخ� � ��ل الوقت واملوتى خ� � ��ارج الوقت‪ ،‬وكل ما يفعله‬ ‫كارل هنريك هلدن‪،‬‬
‫الروائ� � ��ي هو أن يحاول أن يدعي أنه يس� � ��تعير تلك‬ ‫عالم ورئيس مؤسسة‬
‫النظرة من اخل� � ��ارج‪ ،‬لكنني‬ ‫جائزة نوبل‪.‬‬
‫لس� � ��ت ميتة حتى وإن ادعيت‬
‫أني كذلك في رواياتي! املرء‬
‫ال أم آج ً‬
‫ال‪،‬‬ ‫يكبر ويشيخ عاج ً‬ ‫< العل� � ��وم مبعن� � ��ى العل� � ��وم الرياضي� � ��ة والطبية‬
‫لكنك حت� � ��اول االلتفاف عبر‬ ‫وغيرهما كانت أبعاداً أساسية في املجتمع العربي‬
‫الط� � ��رق اجلانبي� � ��ة‪ ،‬الكتابة‬ ‫واإلسالمي في فترة النهضة‪ ،‬كانت هناك تقاليد‬
‫إح� � ��دى أفضل ه� � ��ذه الطرق‬ ‫مبعنى مدارس‪ ،‬واملدارس كانت تورث وتس� � ��تثمر‬
‫اجلانبية‪.‬‬ ‫وتذه� � ��ب أبعد‪ .‬إن مكتبة ف� � ��ي العصر الفاطمي‬
‫مارجريت آتوود‪،‬‬ ‫كان� � ��ت حتوي مئ� � ��ات اآلالف من الكت� � ��ب‪ ،‬وكانت‬
‫كاتبة روائية من كندا‪.‬‬ ‫تعد أكادميي� � ��ة بفصولها املختلفة في الفقه وفي‬
‫الرياضي� � ��ات والطب والعلوم‪ ،‬فالبعد العلمي كان‬
‫< أعرف أنن� � ��ا لم نتوقف عن الكالم ألننا اخترعنا‬ ‫بعداً أساس� � ��ياً في املدينة اإلسالمية‪ ،‬لكنه صار‬
‫الكتابة‪ ،‬وأننا لم نتوقف عن القراءة بعد أن مترسنا‬ ‫هامش� � ��ياً عندما بدأت عملية الركود وبدأ ظهور‬
‫في الطباعة‪ ،‬ولم نتوقف عن الطبع بعدما اخترعنا‬ ‫تغلُّب األشياء الالعقالنية‬
‫احلاس� � ��وب‪ .‬إن إيجابي� � ��ات التكنولوجي� � ��ا ال تُلْغَى‪،‬‬ ‫على السلوك‪ ،‬وهذا يحدث‬
‫ولكنه� � ��ا تتراكم‪ .‬أرى جيداً أن دور األس� � ��تاذ يتغير‪،‬‬ ‫ف� � ��ي فت� � ��رات تاريخـــية ال‬
‫لكنن� � ��ي ال أدرك كيف س� � ��يكون عليه أس� � ��تاذ الغد‪.‬‬ ‫حتتاج إلى تفسير‪ ،‬فيكفي‬
‫بالطريقة نفس� � ��ها‪ ،‬فإن التقنيات اجلديدة س� � ��وف‬ ‫أن ت� � ��رى ما حول� � ��ك اليوم‬
‫تو ِّل� � ��د طريقة جديدة في الق� � ��راءة‪ ،‬وعالقة جديدة‬ ‫لتعرفها‪.‬‬
‫مع املعلومة‪.‬‬ ‫د‪.‬رشدي راشد‪،‬‬
‫ميشال سيير‪،‬‬ ‫عالم مصري مقيم‬
‫مفكر وفيلسوف فرنسي‪.‬‬ ‫في فرنسا‪.‬‬
‫‪35‬‬

‫‪feb 34-35.indd 35‬‬ ‫‪12/29/14 8:29:55 AM‬‬


‫ملـف‬

‫المشهد الثقافي الكويتي‬


‫من االستقالل إلى التحرير‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪36‬‬

‫‪feb 36-83.indd 36‬‬ ‫‪12/29/14 8:34:41 AM‬‬


‫فؤاد حبيب *‬

‫بالرغ���م م���ن الصخ���ب السياس���ي ال���ذي تآلف���ت مع���ه الكويت بق���ي الوجه‬
‫ال‪ ،‬وهي س���مة ليس���ت طارئة على ه���ذا البلد قبل‬ ‫الثقافي فيها مش���ع ًا وفاع ً‬
‫االس���تقالل أو بع���ده‪ ،‬ب���ل متج���ذرة وله���ا امت���دادات متش���عبة‪ ،‬ولع���ل إطالل���ة‬
‫بانورامية على هذه اللوحات تعطي صورة واقعية عن الحراك الثقافي بكل‬
‫تجلياته وأش���كاله‪ ،‬نس���تعرضها في ه���ذا التقرير ف���ي أجواء احتف���االت العيد‬
‫الوطني وعيد التحرير‪...‬‬

‫* كاتب لبناني مقيم في الكويت‬

‫‪37‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 37‬‬ ‫‪12/29/14 8:34:45 AM‬‬


‫من كواليس إذاعة البرنامج الثاني‪ ،‬إذاعة الكويت‬

‫أكثرها تعبي� � ��راً ووطنية كانت جتربة اإلذاعة مع الغزو‬ ‫ميالد اإلذاعة‬
‫الغاشم‪ ،‬والدور الذي لعبته في تلك احلقبة السوداء‪.‬‬ ‫بدأت أولى محاوالت البث اإلذاعي في الكويت في‬
‫وعلى هذا األساس ميكن القول إن جتربة اإلذاعة في‬ ‫عام ‪ ،1938‬من قصر دسمان تالها بعد فترة بث إذاعة‬
‫الكويت مرت مبراحل أساسية عدة‪:‬‬ ‫خاصة اسمها «شيرين»‪ ،‬واستمر نشاطها بني العامني‬
‫املرحل� � ��ة األولى هي مرحلة اخلمس� � ��ينيات‪ ،‬وكان‬ ‫‪1948‬و‪1951‬م‪ ،‬حتى جاء صوت مبارك امليال في عام‬
‫البث فيها أقرب للعمل غير املنظم أو املنتظم‪ ،‬واقتصر‬ ‫ال «هنا الكويت» إيذاناً ببدء انطالقة إذاعة‬ ‫‪1951‬م قائ ً‬
‫على تالوة القرآن الكرمي واملوسيقى‪ ،‬دون أن يتضمن‬ ‫دولة الكويت‪ ،‬م� � ��ن إحدى غرف األمن العام في قصر‬
‫وج� � ��ود برامج قائمة في حد ذاتها‪ ،‬في تلك الفترة كان‬ ‫نايف في متام الس� � ��اعة الس� � ��ابعة من مساء ‪ 12‬مايو‬
‫البث ميتد لنحو ساعتني‪ ،‬في حني كان عدد املوظفني‬ ‫من ذلك العام‪ ،‬مستخدماً جهازاً السلكياً تابعاً للقوات‬
‫يقتصر عل� � ��ى اثنني‪ ،‬ولكن بعد م� � ��رور نحو عام ارتفع‬ ‫املس� � ��لحة‪ ،‬كانت أول أغنية عبر أثيرها للفنان محمود‬
‫إل� � ��ى ثالث س� � ��اعات ونصف الس� � ��اعة‪ ،‬أم� � ��ا في عام‬ ‫الكويتي‪ ،‬كذلك فقد استقطبت هذه التجربة اإلذاعية‬
‫‪ 1958‬ف� � ��كان عدد املوظفني قد بل� � ��غ نحو ‪ 15‬موظفاً‪،‬‬ ‫املميزة األصوات النسائية في عام ‪ ،1960‬مع القديرة‬
‫غير أن مرحلة الستينيات بدأت تشهد اكتساب إذاعة‬ ‫أمينة األنصاري‪ .‬وعلى صعيد اإلش� � ��راف‪ ،‬فقد تولى‬
‫دولة الكويت الطابع املؤسس� � ��ي‪ ،‬السيما على صعي َدي‬ ‫رئاس� � ��ة اإلذاعة عند التأسيس الشيخ عبدالله املبارك‬
‫التنظيم واإلدارة‪ ،‬وارتفع عدد س� � ��اعات البث إلى نحو‬ ‫الصباح ثم تس� � ��لم رئاس� � ��تها الش� � ��يخ س� � ��عد العبدالله‬
‫عشر س� � ��اعات ونصف الس� � ��اعة كانت تتم من خالل‬ ‫الصباح حتى عام ‪ ،1962‬وقبل ذلك بعام ونصف العام‬
‫جهاز بق� � ��وة ‪ 10‬كيلوواط‪ ،‬وف� � ��ي املضمون أخذت تلك‬ ‫نقلت تبعيتها لدائرة املطبوعات والنش� � ��ر قبل أن تتبع‬
‫الس� � ��اعات تتضمن نش� � ��رات األخبار‪ ،‬وكان جانب مما‬ ‫وزارة اإلرشاد واألنباء في عام ‪1962‬م‪.‬‬
‫بث ف� � ��ي تلك الفترة قد جرى تس� � ��جيله ف� � ��ي اإلذاعة‬ ‫وكغيرها من املؤسس� � ��ات الرسمية وغير الرسمية‬
‫نفس� � ��ها بالتعاون مع وزارة الش� � ��ؤون االجتماعية التي‬ ‫الت� � ��ي اتخذت طابع � � �اً ثقافياً فنياً‪ ،‬م� � ��رت اإلذاعة في‬
‫كانت صاحبة سلطة اإلشراف على القطاعات الفنية‬ ‫الكوي� � ��ت مبراحل ع� � ��دة‪ ،‬إال أنه ومما ال ش� � ��ك فيه أن‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪38‬‬

‫‪feb 36-83.indd 38‬‬ ‫‪12/29/14 8:34:49 AM‬‬


‫ملـف‬

‫وفــي األول من يناير من عام ‪ 1991‬احتضنت القاهرة‬ ‫واملسرحية وغيرها في تلك احلقبة التي سجلت أيضاً‬
‫إذاع� � ��ة صوت الكويت من خالل إحدى موجات صوت‬ ‫ارتف� � ��اع عدد املوظفني إلى ‪ 135‬موظفاً‪ ،‬وس� � ��جل عام‬
‫العرب وملدة ‪ 5‬س� � ��اعات‪ ،‬بالتزامن م� � ��ع بدء العمليات‬ ‫‪ 1961‬استخدام جهاز إرس� � ��ال على املوجة املتوسطة‬
‫القتالي� � ��ة ضد الق� � ��وات العراقي� � ��ة احملتل� � ��ة‪ ،‬وما كاد‬ ‫بق� � ��وة ‪ 100‬كيلوواط‪ ،‬وآخر على املوجة القصيرة بقوة‬
‫يب� � ��زغ فجر التحرير حتى كانت عب� � ��ارة «هنا الكويت»‬ ‫‪ 50‬كيل� � ��وواط‪ ،‬لتتجل� � ��ى صورة التحوالت املؤسس� � ��ية‬
‫تت� � ��ردد عبر األثير م� � ��ن جديد‪ ،‬وحتدي� � ��داً في الثامن‬ ‫بش� � ��كل واضح ف� � ��ي ‪ 1964/6/1‬مع تأس� � ��يس إذاعة‬
‫والعش� � ��رين من ش� � ��هر فبراير ‪ ،1991‬ف� � ��ي وقت كانت‬ ‫البرنام� � ��ج الثاني حتت اس� � ��م «اإلذاعة الش� � ��عبية»‪ .‬ثم‬
‫الغالبية العظمى من االستديوهات قد دمرت وسرقت‬ ‫جسدتها حقبة السبعينيات‬ ‫جاءت املرحلة الثالثة التي ّ‬
‫األجهزة األخ� � ��رى‪ ،‬ومن هنا بدأت إذاعة دولة الكويت‬ ‫واتس� � ��مت بارتفاع ملحوظ في عدد ساعات البث على‬
‫مرحل� � ��ة انطالق جديدة من الصفر‪ ،‬بعد أن فقدت كل‬ ‫البرنامج العام‪ ،‬لتبلغ نحو ‪ 15‬ساعة يومياً‪ ،‬فقد سجل‬
‫أرشيفها السابق‪ ،‬وبدأ العمل على وضع شبكة برامج‬ ‫عام ‪1971‬م بدء إذاعة الـ ‪ FM‬س� � ��تريو األجنبية البث‬
‫جدي� � ��دة‪ ،‬وما إن حل ع� � ��ام ‪ ،1993‬حتى كانت اإلذاعة‬ ‫ملدة ‪ 18‬س� � ��اعة يومياً‪ ،‬وفي األول من ش� � ��هر مايو من‬
‫قد اس� � ��تعادت مقوماتها الس� � ��ابقة الفنية والهندسية‪،‬‬ ‫عام ‪ ،1974‬بدأ البث ببرنامج األوردو ملدة س� � ��اعتني‪،‬‬
‫وم� � ��ن ثم بدأ العمل من جديد بكل من إذاعة البرنامج‬ ‫ثم سجل عام ‪ 1979‬بدء البث بإذاعة املوجة القصيرة‬
‫الع� � ��ام‪ ،‬إذاع� � ��ة البرنامج الثاني‪ ،‬اإلذاع� � ��ات األجنبية‪،‬‬ ‫باللغة العربية املوجهة إلى أوربا وشمال إفريقيا‪ .‬وفي‬
‫إذاعة القرآن الكرمي والبرامج الثقافية‪ ،‬محطة الغناء‬ ‫الثمانيني� � ��ات بدأت اإلذاعة أيض � � �اً مرحلة جديدة مع‬
‫العرب� � ��ي ‪ ،FM‬محطة الغناء العربي القدمي‪ ،‬اإلذاعات‬ ‫تس� � ��جيلها تطورات نوعية وكمي� � ��ة في آن معاً ترجمت‬
‫املوجهة كاألوردو والفارسية‪ ...‬وغيرها‪.‬‬ ‫من خالل رفع عدد ساعات البث على البرنامج العام‬
‫حفرت إذاعة دولة الكويت بكل أقسامها ذكريات‬ ‫لتصبح ‪ 24‬س� � ��اعة يومياً‪ ،‬في ح� �ي��ن أن إذاعة القرآن‬
‫طيب� � ��ة عل� � ��ى امت� � ��داد الوط� � ��ن العربي‪ ،‬وص� � ��والً إلى‬ ‫الكرمي رفعت بثها إلى ‪ 15‬س� � ��اعة يومياً ومثلها إذاعة‬
‫دول أوربي� � ��ة وغـــربية‪ ،‬من خالل حزم� � ��ة من البرامج‬ ‫الـ«إف إم» إلى عشرين ساعة يومياً‪.‬‬
‫املميزة‪ ،‬وألن عجلة التطور البد أن تس� � ��تمر وبالتزامن‬
‫م� � ��ع احتف� � ��االت دولة الكوي� � ��ت مب� � ��رور ‪ 50‬عاماً على‬ ‫الغزو الغاشم والدور النضالي‬
‫االس� � ��تقالل و‪ 20‬عاماً على التحرير وخمــــس سنوات‬ ‫إذا كانت املؤسس� � ��ات املتعددة في الكويت قاومت‬
‫على تولي صاحب الس� � ��مو أمير البالد الشــــيخ صباح‬ ‫الغزو الغاشم على طريقتها‪ ،‬فإن إلذاعة دولة الكويت‬
‫األحمد اجلاب� � ��ر الصباح مقالـي� � ��د احلكم‪ ،‬خصصت‬ ‫دوراً س� � ��اطعاً في هذا املجال‪ ،‬فعلى الرغم من الدمار‬
‫اإلذاعة موجة خاصة باس� � ��م «يا أغل� � ��ى دار»‪ ،‬وكذلك‬ ‫الهائل الذي خلَّفه الغزو الغاش� � ��م‪ ،‬بقي صوت اإلذاعة‬
‫م� � ��ع االحتفال مبرور ‪ 60‬عاماً على إنش� � ��ائها‪ ،‬أطلقت‬ ‫«يشتعل» مقاومة‪ ،‬وهذه املرة من اخلفجي بالسعودية‪،‬‬
‫إذاعة الكويت في العاش� � ��ر م� � ��ن صباح األول من مايو‬ ‫ورأس ال� � ��زور ومن ثم مدين� � ��ة الدمام‪ ،‬وعرف في تلك‬
‫‪ ،2011‬محطة جديدة باس� � ��م «هنا الكويت»‪ ،‬استذكاراً‬ ‫الفترة فريق عمل اإلذاعة الس� � ��رية التي واظبت على‬
‫للعب� � ��ارة التي أطلقها مب� � ��ارك امليال ف� � ��ي األيام التي‬ ‫البث أثناء الغزو الغاش� � ��م على الكويت وهم‪ :‬س� � ��لوى‬
‫تلت بدء اإلذاعة بثها احلي‪ ،‬ومت خالل هذه املناس� � ��بة‬ ‫حس� �ي��ن‪ ،‬يوس� � ��ف مصطفى‪ ،‬حميد خاج� � ��ة‪ ،‬منصور‬
‫العودة بالذاكرة إلى عدة برامج وأعمال إذاعية قدمية‬ ‫املنصور وعلي حسن‪ .‬وقد كان لإلذاعة دور حاسم في‬
‫وس� � ��ابقة تركت أثراً طيباً في النفوس‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫بث الروح الوطنية ونقل الرس� � ��ائل ونقل ما يجري عبر‬
‫برامج حي� � ��ة أخرى‪ ،‬وكذلك البرامج اإلذاعية القدمية‬ ‫أثيرها إلى العالم‪.‬‬
‫الت� � ��ي حرصت احملطة اجلديدة على إعادة بثها والتي‬ ‫وكان� � ��ت اإلذاعة قد عززت س� � ��اعات بثها مع بدء‬
‫تبث يومياً على مدار الساعة‪.‬‬ ‫احل� � ��رب اجلوي� � ��ة‪ ،‬مكرس� � ��ة تعاوناً م� � ��ع إذاعة صوت‬
‫ال ش� � ��ك في أن إذاعة دولة الكويت أسس� � ��ت‬ ‫اخلليج التابعة للقيادة العس� � ��كرية لق� � ��وات التحالف‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 39‬‬ ‫‪12/29/14 8:34:53 AM‬‬


‫استهدفت دور السينما املراكز التجارية‬

‫سائح أس� � ��ترالي تولى تصوير فيلم سينمائي ملدة‬ ‫بحق لتجربة مميزة‪ ،‬وجاب أثيرها أصقاع الوطن‬
‫س� � ��اعتني عن جميع أعمال البح� � ��ر من عدن إلى‬ ‫العربي في مس� � ��يرة امتدت أكثر من س� � ��تة عقود‬
‫الكويت‪ ،‬وضم مشاهد عدة عن الكويت‪ ،‬وبالتالي‬ ‫اتس� � ��مت بالتألق‪ ،‬واليوم تض� � ��م أكثر من ‪ 8‬قنوات‬
‫اعتبرت هذه اخلطوة مبنزلة أول فيلم تس� � ��جيلي‬ ‫إذاعي� � ��ة تصل إل� � ��ى جميع أصق� � ��اع األرض‪ ،‬وهي‬
‫حي وش� � ��مل التصوي� � ��ر جزءاً من س� � ��احل الكويت‬ ‫مجهزة بأحدث االس� � ��تديوهات التي حتوي أفضل‬
‫وبعض سفن الغوص‪.‬‬ ‫التقني� � ��ات‪ ،‬كم� � ��ا مت حتويل معظم اس� � ��تديوهات‬
‫ث� � ��م بعدها بس� � ��نوات وحتديداً ف� � ��ي ‪ 30‬يونيو‬ ‫اإلذاعة إلى نظام الديجيت� � ��ال‪ ،‬وكذلك مت حتويل‬
‫‪ ،1946‬ومع تدش� �ي��ن الشيخ أحمد اجلابر تصدير‬ ‫معظم األرشيف إلى هذا النظام‪.‬‬
‫أول ش� � ��حنة نفط كويتي على منت الناقلة «بريتش‬
‫فيوزيلير»‪ ،‬تولت وحدة سينمائية إجنليزية مكونة‬ ‫السينما‬
‫من مصور ومس� � ��جل صوت ومساعد مهام تصوير‬ ‫إذا كان هناك إجــماع علــــى أن ألن فلـــييرز هو‬
‫هذا احلدث‪ ،‬وقد استقدمتها شركة نفط الكويت‪،‬‬ ‫أول م� � ��ن صور فــيلماً ف� � ��ي الكويت‪ ،‬أو عــلى األقل‬
‫وهنا س� � ��جل هذا احلدث التاريخ� � ��ي تصوير أول‬ ‫جزءاً منه‪ ،‬فـــإن الــمؤرخ س� � ��يف مرزوق ش� � ��مالن‬
‫فيلم تسجيلي حقيقي في تاريخ الكويت‪ ،‬وأسست‬ ‫يذكر ف� � ��ي كتــابه «تاريخ الغ� � ��وص علـى اللؤلؤ في‬
‫هذه اخلطوة في ما بعد خلطوات مماثلة‪ ،‬منها ما‬ ‫الكوي� � ��ت واخلليج العربي ‪ -‬اجلزء الثاني» أن أول‬
‫خصص لتصوير بناء اجلزر االصطناعية ومشروع‬ ‫من اهــــتم بتـــصوير س� � ��فن الغوص على اللؤلؤ في‬
‫الغاز وغيرهما‪ ،‬قبل أن تش� � ��مل عمليات التصوير‬ ‫الكويت كانت أم سعود زوجــة الكولونيل ديكــسون‬
‫التي تولتها الشركة معالم عامة عن الكويت‪.‬‬ ‫(املعتمد السياس� � ��ي البريطاني ف� � ��ي الكويت بني‬
‫عام� � ��ي ‪1929‬و‪ ،)1936‬وقد تولت تصوير «البتيل»‬
‫اإلنتاج السينمائي‬ ‫(س � � �فـــينة راش � � �ــــد بن أحمد الروم� � ��ي) آخر رواد‬
‫اس� � ��تمر النش� � ��اط الس� � ��ينمائي في إطاره كهواية‬ ‫الغوص‪ ،‬وذلك في ع� � ��ام ‪ .1931‬غير أن التصوير‬
‫حتى اخلمس� � ��ينيات من الق� � ��رن املاضي‪ ،‬عندما بدأت‬ ‫الس� � ��ينمائي احلقيقي إذا صح التعبير مت في عام‬
‫تتبل� � ��ور نظرة رس� � ��مية لهذا الفن احلديث‪ ،‬س� � ��واء من‬ ‫‪ 1939‬ف� � ��ي «إلى الكويت من ميناء عدن»‪ ،‬على يد‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪feb 36-83.indd 40‬‬ ‫‪12/29/14 8:34:56 AM‬‬


‫ملـف‬

‫مجمع احلمراء الذي أقيم‬


‫على موقع سينما احلمراء‬

‫‪41‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 41‬‬ ‫‪12/29/14 8:34:59 AM‬‬


‫في حني قدم هاش� � ��م محمد ثاني فيل� � ��م روائي طويل‬ ‫خالل الس� � ��عي إلى االس� � ��تعانة بأحدث أجهزة حديثة‬
‫حت� � ��ت عنوان الصم� � ��ت‪ ،‬بينما تناول� � ��ت بعض األفالم‬ ‫متخصص� � ��ة‪ ،‬أو تش� � ��كيل إطار رس� � ��مي ع� � ��ام ينضوي‬
‫قضايا خ� � ��ارج حدود الوطن‪ ،‬من بينه� � ��ا فيلم عبدالله‬ ‫حتته النشاط الس� � ��ينمائي‪ ،‬غير أن مثل هذا النشاط‬
‫احملي� �ل��ان مـــــتناوالً ث� � ��ورة إريتريا في فيلم تس� � ��جيلي‬ ‫الرس� � ��مي اقتص� � ��ر بطبيعة احلال عل� � ��ى إنتاج األفالم‬
‫«إريتريا وطني»‪ ،‬بعد ذلك بسنوات قليلة توقفت عملية‬ ‫اخلاصة بالوزارات واألفالم الرسمية‪ .‬وعلى الصعيد‬
‫اإلنتاج الس� � ��ينمائي في الكويت واس� � ��تمرت في سبات‬ ‫الهيكلي ش� � ��هد عام ‪ 1950‬تأس� � ��يس دائ� � ��رة املعارف‪-‬‬
‫عميق حتى عام ‪ 2003‬مع والدة فيلمني جديدين‪ ،‬األول‬ ‫قس� � ��م الس� � ��ينما والتصوير‪ ،‬وجنح في إنتاج ‪ 60‬فيلماً‬
‫هو «ش� � ��باب كوول» والثاني «منتصف الليل» وهما من‬ ‫وثائقياً عن التعليم والصح� � ��ة وغيرهما من املعطيات‬
‫إنتاج خاص‪ ،‬وقد اعتم� � ��د فيهما التصوير الديجيتال‪،‬‬ ‫احمليطة باحلياة العامة في الكويت‪ ،‬ثم في عام ‪1964‬‬
‫وعاد اإلنتاج ليتوقف من جديد‪ ،‬وكان هناك مزيد من‬ ‫افتتح قس� � ��م الس� � ��ينما في تلفزيون الكويت ثم مراقبة‬
‫التركيز على صناعة الفيديو والتلفزيون‪ ،‬والسيما أن‬ ‫الس� � ��ينما في عام ‪ ،1981‬كم� � ��ا كان للوزارات األخرى‬
‫صناعة اإلنتاج تتطلب إمكانات كبيرة وضخمة‪.‬‬ ‫حضورها‪ ،‬إذ أنتجت وزارة الشؤون االجتماعية بعض‬
‫األفالم الثقافية ذات البعد االجتماعي‪ ،‬وعلى الصعيد‬
‫‪ ...‬ودور العرض‬ ‫التنظيمي أيضاً أحلق نشاط اإلنتاج السينمائي بوزارة‬
‫جاء تأسيس شركة السينما الكويتية في اخلامس‬ ‫اإلعالم‪ ،‬وقامت األخيرة بالتزامن مع عيد االستقالل‬
‫من أكتوبر ‪ ،1954‬برأسمال ‪ 7‬ماليني روبية‪ ،‬وهي أول‬ ‫بإنتاج فيلم اليوم املش� � ��هود في عام ‪ ،1962‬في حني أن‬
‫ش� � ��ركة من نوعها في منطقة اخلليج العربي كش� � ��ركة‬ ‫هذه اخلطوة كان قد سبقها بعام بدء تلفزيون الكويت‬
‫مس� � ��اهمة بامتياز حكومي‪ ،‬لتلتقي اجلهود الرس� � ��مية‬ ‫إنتاجه الس� � ��ينمائي‪ ،‬وقد آلت إليه أقسام السينما من‬
‫على صعي� � ��د اإلنتاج‪ ،‬مع انطالق دور العرض رس� � ��مياً‬ ‫ال� � ��وزارات األخرى‪ ،‬وقد مهدت ه� � ��ذه اخلطوة املهمة‬
‫من خالل افتتاح السينما الشرقية‪ ،‬وكان ذلك في عام‬ ‫لتس� � ��ريع عملية اإلنتاج‪ ،‬ففي عام ‪ 1964‬أخرج محمد‬
‫‪ ،1955‬بالقرب من مستشفى األميري احلالي‪ ،‬وما كاد‬ ‫السنعوس� � ��ي بعد عودته من بعثته في أميركا أول فيلم‬
‫مير أكثر من عقدي� � ��ن حتى وصلت في عام ‪ 1978‬إلى‬ ‫درامي حتت اسم «العاصفة»‪ ،‬وكانت مدته ‪ 37‬دقيقة‪،‬‬
‫‪ 14‬دار عرض‪ ،‬ومن هناك بدأت الش� � ��ركة التي تعرف‬ ‫وش� � ��اركت الكويت من خالله في مهرج� � ��ان التلفزيون‬
‫باس� � ��م «سينس� � ��كيب» رحلة س� � ��ريعة في التطور‪ ،‬حيث‬ ‫العرب� � ��ي الراب� � ��ع في عام ‪ ،1965‬وكذل� � ��ك أخرج خالد‬
‫شهد عام ‪ 1986‬انطالقة جديدة للنهوض بأدائها‪ ،‬من‬ ‫الصديق أول أفالمه القصيرة «الصقر» في عام ‪1965‬‬
‫خ� �ل��ال افتتاح مجموعة دور عرض في مناطق مختلفة‬ ‫في معمل التلفزيون‪.‬‬
‫كسينما األندلس والس� � ��املية واحلمراء وغيرها‪ ،‬ومنذ‬ ‫ومع الرؤي� � ��ة التي صاغها السنعوس� � ��ي ومخرجو‬
‫ع� � ��ام ‪ 1995‬بدأت بإطالق ش� � ��بكة دور عرض ضخمة‬ ‫تل� � ��ك املرحل� � ��ة‪ ،‬وصياغتها ف� � ��ي تصور رف� � ��ع إلحدى‬
‫استهدفت بش� � ��كل خاص املجمعات التجارية‪ ،‬حيث مت‬ ‫اللجان الوزاري� � ��ة متضمناً تصوره بالدعوة لش� � ��ركات‬
‫االتفاق مع شركة الساملية العقارية املالكة ملجمع الفنار‬ ‫إنتاج وتش� � ��جيع اإلنتاج احمللي‪ ،‬ساهمت هذه اجلهود‬
‫على افتتاح س� � ��ينما في املجمع الواقع في شارع سالم‬ ‫في حتقيق الس� � ��ينما في الكويت مزي� � ��داً من التقدم‪،‬‬
‫املبارك‪ ،‬في حني سعت على املستوى الفني ومن ناحية‬ ‫فجاء فيلم «بس يا بحر» ليكون أول فيلم كويتي طويل‬
‫البني� � ��ة التحتية إلى مواكبة أح� � ��دث التقنيات العاملية‪،‬‬ ‫للمخرج خالد الصديق‪ ،‬وقد وصفته الصحف العربية‬
‫فف� � ��ي عام ‪ 2007‬كانت من بني أوليات الش� � ��ركات على‬ ‫واألجنبية بأنه «نقطة ضوء في ليل السينما العربية»‪.‬‬
‫مستوى املنطقة التي تس� � ��تخدم التقنيات الرقمية في‬ ‫وس� � ��ط هذه املعطيات ش� � ��هدت الس� � ��ينما في الكويت‬
‫دور عرضها‪ ،‬من خالل فيلم «تيمور وش� � ��فيقة»‪ ،‬ليكون‬ ‫معطي� � ��ات إيجابية مع بدء ع� � ��ودة العديد من املبتعثني‬
‫أول فيلم عربي يعرض بهذه التكنولوجيا‪ ،‬واليوم تضم‬ ‫إلى اخلارج‪ ،‬فعاد على سبيل املثال د‪ .‬جنم عبدالكرمي‬
‫الشركة أكثر من ‪ 11‬س� � ��ينما تشمل حتت مظلتها أكثر‬ ‫ال مقترح تأس� � ��يس أكادميية للفنون‪،‬‬ ‫من القاهرة‪ ،‬حام ً‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪42‬‬

‫‪feb 36-83.indd 42‬‬ ‫‪12/29/14 8:35:02 AM‬‬


‫ملـف‬

‫تكرمي املخرج محمود حيات في احتفالية أفالم من الكويت عن مشاركته بفيلم (‪ 63‬ثانية)‬

‫في الرابع عش������ر من مايو والدة ن������ادي الكويت‬ ‫من ‪ 53‬صال� � ��ة بأحدث التقنيات‪ ،‬ومع افتتاح س� � ��ينما‬
‫للسينما‪ ،‬مببادرة من عدد من املثقفني والعاملني‬ ‫‪ ،360‬كرست الش� � ��ركة نظام األمياكس لعرض األفالم‬
‫في التلفزيون واملهتمني بالسينما وبعض مخرجي‬ ‫التجارية والوثائقية‪.‬‬
‫السينما‪ ،‬وبلغ عددهم ‪ 15‬شخصاً‪ ،‬وقد جاء في‬ ‫غير أن� � ��ه ال ميكن امل� � ��رور على جترب� � ��ة العروض‬
‫البند الثاني من قانونه األساس������ي أنه «أس������س‬ ‫الس� � ��ينمائية ف� � ��ي الكويت‪ ،‬م� � ��ن دون اإلش� � ��ارة إلى أن‬
‫بهدف نشر الثقافة في مجال الفن السينمائي»‪،‬‬ ‫مش� � ��اهدة األف� �ل��ام في الكوي� � ��ت بدأت قبل تأس� � ��يس‬
‫والس������عي إلى زيادة االهتمام بالسينما وتشجيع‬ ‫الش� � ��ركة بسنوات طويلة‪ ،‬إذ كان الكويتيون يشاهدونها‬
‫املبدع���ي��ن في هذا املجال وتعزيز قدرات الهواة‪،‬‬ ‫في منازل ميس� � ��وري احلال‪ ،‬الذين كانوا يستأجرونها‬
‫وق������د س������عى الن������ادي لترجمة رؤيت������ه من خالل‬ ‫م� � ��ن الوكالء‪ ،‬وبالتالي فقد كان أفراد احلي يتجمعـــون‬
‫نش������اطات عدة م������ن بينه������ا إص������دار الكتيبات‬ ‫في أحد البيوت ملش� � ��اهدة فيلم ما‪ ،‬كما امتد االهتمام‬
‫والنش������رات املستمرة بهدف املس������اهمة في رفع‬ ‫بهذه الهواية إلى إنش� � ��اء مكتبات لهذه األفالم‪ ،‬وكانوا‬
‫مستوى الثقافة السينمائية‪،‬‬ ‫يتابعون ما يج� � ��ري حول أحدثها م� � ��ن خالل املجالت‬
‫وق������د عرض النادي في ‪ 15‬أبريل ‪ 1978‬أول‬ ‫الفنية‪.‬‬
‫فيلم وثائق������ي كويتي طويل‪ ،‬تول������ى تصويره أول‬
‫هواة التصوير في الكويت محمد حسني قبازرد‪،‬‬ ‫نادي الكويت للسينما‬
‫مستعيناً ببعض اللقطات األرشيفية للكويت من‬ ‫لم تقتص������ر التط������ورات في الس������ينما على‬
‫الثالثينيات‪ ،‬وكان قبازرد قد حصل على كاميرا‬ ‫اإلنتاج والعرض‪ ،‬بل ش������هد عام ‪ 1976‬وحتديداً‬

‫‪43‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 43‬‬ ‫‪12/29/14 8:35:05 AM‬‬


‫اتسمت فترة الغزو الغاشم بطابع خاص بالنسبة للصحف‬
‫في الكويت‪ ،‬بالنظر إلى أن املقاومة رأت في الصحف‬
‫الوسيلة الكفيلة بإيصال املعاناة احمللية إلى العالم‬

‫كانت مهمة وثرية ولكنها غير كافية‪.‬‬ ‫م������ن البحرين ف������ي عام ‪ ،1948‬وع������رض النادي‬
‫مئ������ات األفالم‪ ،‬وأقام ندوات ع������دة فاحتاً آفاقاً‬
‫الصحافة‪ ...‬رمز احلرية والدميقراطية‬ ‫كبيرة أمام هواة هذا الفن حتت مظلة أول جتمع‬
‫تعد صحيفة الرأي العام التي صدرت في ‪ 16‬أبريل‬ ‫سينمائي كويتي‪.‬‬
‫من عام ‪ ،1961‬أول صحيفة باملفهوم التقني والعصري‬ ‫ف������ي احملصلة‪ ،‬ش������هد الفن الس������ينمائي في‬
‫ف� � ��ي الكوي� � ��ت‪ ،‬ثم ك َّرت س� � ��بحة الصح� � ��ف واملجالت‪،‬‬ ‫الكويت تطورات متس������ارعة في مراحل عدة‪ ،‬بل‬
‫فكانت جريدة السياس� � ��ة اليومي� � ��ة التي صدرت في ‪3‬‬ ‫إن������ه عاش مراحل ذهبية‪ ،‬وبقي������ت هذه التجربة‬
‫يونيو ‪ ،1963‬س� � ��بقتها بعام جري� � ��دة الطليعة كصحيفة‬ ‫قاصرة عن ابتكار صناعة سينما متكاملة‪ ،‬سواء‬
‫أس� � ��بوعية‪ ،‬وكذلك جريدة الوطن في العام نفسه التي‬ ‫من جهة التأسيس ملقومات جناحها االقتصادي‬
‫صدرت أسبوعية في البداية‪ ،‬وحتولت منذ عام ‪1974‬‬ ‫والفني‪ ،‬أو على األقل م������ن ناحية اجتذاب عدد‬
‫إلى صحيفة يومية‪ ،‬ثم صدرت «القبس» وهي صحيفة‬ ‫كبير م������ن احلضور إل������ى دور الع������رض لتغطية‬
‫يومية سياسية في عام ‪.1972‬‬ ‫ا عن حتديات فنية حالت‬ ‫نفقات اإلنتاج‪ ،‬فض���ل�� ً‬
‫وفي تأكيد عل� � ��ى االزدهار الذي عرفته الصحافة‬ ‫دون تكريس صناعة س������ينمائية شاملة وناجحة‪،‬‬
‫احمللية منذ الس� � ��تينيات‪ ،‬وبس� � ��بب احلاجة إلى وجود‬ ‫إذن حال������ت ظروف عدة دون والدة س������ينما في‬
‫كيان يدعم مصاحلها ويوحد جهودها‪ ،‬أسست جمعية‬ ‫الكوي������ت‪ ،‬واقتص������ر األمر على واقع س������ينمائي‬
‫الصحفيني الكويتية في ‪ 21‬يونيو ‪ ،1964‬ومن أهدافها‬ ‫ترجم في عدة محاوالت فردية ورسمية‪ ،‬دون أن‬
‫توثيق روابط الصداقة بني الصحفيني والسعي للنهوض‬ ‫يعني ذلك التقليل م������ن قيمة املبادرات واجلهود‬
‫بالصحافة احمللية والدفاع عن مصالح األعضاء‪.‬‬ ‫التي طرحت‪ ،‬والت������ي ميكن القول اختصاراً إنها‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪44‬‬

‫‪feb 36-83.indd 44‬‬ ‫‪12/29/14 8:35:09 AM‬‬


‫ملـف‬

‫الغازية‪ ،‬أي في اخلامس من أغس������طس ‪،1990‬‬ ‫عرفت الكوي� � ��ت منذ تلك احلقب� � ��ة االزدهار على‬
‫وهي النشرة الوحيدة التي كانت تصل إلى بعض‬ ‫املس� � ��تويات كافة‪ ،‬وجاء النهج الدميقراطي في البالد‪،‬‬
‫إذاعات العالم‪.‬‬ ‫ليعط� � ��ي للنش� � ��اط الصحف� � ��ي زخماً كبي� � ��راً‪ ،‬فصنفت‬
‫‪ -‬أما أبرز النشرات األخرى فهي‪:‬‬ ‫الكويت في مقدمة ال� � ��دول العربية والعديد من الدول‬
‫‪ -‬نش ��رة الصب ��اح‪ :‬وكان������ت حترره������ا اللجنة‬ ‫العاملي� � ��ة في املراتب األولى حلرية الصحافة والتعبير‪.‬‬
‫اإلعالمي������ة املـــتفرع������ة م������ن القي������ادة العلي������ا‬ ‫وفي مؤشر يعكس حجم انتشار الصحف واملطبوعات‪،‬‬
‫للمقاومة‪.‬‬ ‫جاءت الكويت في املرتبة األولى عربياً في اس� � ��تهالك‬
‫هيئ������ة حترير يوميات األح������داث (‪:)DEED‬‬ ‫الورق في عام ‪ ،1977‬حيث بلغ معدل استهالك الفرد‬
‫وكان اله������دف منه������ا تزويد الصحاف������ة العاملية‬ ‫ال من الورق يليه اللبناني بـ‪ 65‬رط ً‬
‫ال‪.‬‬ ‫الكويتي ‪ 86‬رط ً‬
‫ووكاالت األنباء الدولية مبا يدور داخل الكويت‪،‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬لعبت الصحف احمللية دوراً مهماً‬
‫وكان������ت تصدر باللغ������ة اإلجنليزية وترس������ل إلى‬ ‫ف� � ��ي القضايا الوطنية‪ ،‬مس� � ��تفيدة من حري� � ��ة الرأي‪،‬‬
‫اخلارج بواس������طة جهاز ستاليت لدى أحد أفراد‬ ‫مبا فيها الشأن السياس� � ��ي احمللي‪ ،‬فعبرت عن آرائها‬
‫املقاومة الكويتية وهو السيد خالد بودي‪.‬‬ ‫بش� � ��كل واضح وصريح‪ ،‬واتخذت مواقف من القضايا‬
‫‪ -‬نش ��رة نس ��اء وأطفال الكويت‪ :‬صدرت بش� � ��كل‬ ‫املطروحة‪ ،‬من بينها على سبيل املثال حل مجلس األمة‬
‫يوم� � ��ي‪ ،‬وكانت عبارة ع� � ��ن ورقتني فقط‪ ،‬وخصصت‬ ‫ووقف أعماله‪ ،‬سواء في السبعينيات أو الثمانينيات‪.‬‬
‫لنقل أفكار وخواطر األطفال والنساء‪.‬‬
‫‪ -‬نش ��رة «صرخ ��ة»‪ :‬صدرت في ‪ 15‬أغس� � ��طس‬ ‫خالل الغزو الغاشم‬
‫‪ ،1990‬وهي من النش� � ��رات القليلة التي طبعت على‬ ‫اتسمت فترة الغزو الغاشم على الكويت بطابع‬
‫الكمبيوت� � ��ر‪ ،‬وكانت موجه� � ��ة إلى الش� � ��عب الكويتي‬ ‫خاص بالنسبة للصحف في الكويت‪ ،‬بالنظر إلى‬
‫واجلندي العراقي‪.‬‬ ‫أن املقاومة رأت في الصحف الوس������يلة الكفيلة‬
‫‪« -‬صوت احلق»‪ :‬نشرتها مجموعة من املدرسات‬ ‫بإيصال املعاناة احمللية إلى العالم‪ ،‬وهي لم تكن‬
‫الكويتيات‪.‬‬ ‫اكتس������بت طابع الصحيفة باملعنى التقني للكلمة‪،‬‬
‫‪ -‬نشرة القبس‪ :‬يومية صدرت في ‪ 15‬أغسطس‬ ‫سواء من حيث احلجم أو اإلدارة‪ ،‬وقد متيل إلى‬
‫‪ ،1990‬وه� � ��و الي� � ��وم الذي أص� � ��درت في� � ��ه القوات‬ ‫كونها نش������رات أكثر منها صحف������اً‪ ،‬ولكنها لعبت‬
‫العراقية جري� � ��دة «النداء» العراقية من مبنى جريدة‬ ‫دوراً مهماً بعد توقف الصحف احمللية‪ ،‬وقد بلغ‬
‫القبس الكويتية‪.‬‬ ‫عددها أكثر من ‪ 15‬نش������رة‪ ،‬وكان من الالفت أن‬
‫‪ -‬صحيفة «‪ 26‬فبراير»‪ :‬هي أول صحيفة أسست‬ ‫ال ومضموناً‬ ‫هذه النش������رات جاءت متنوعة ش������ك ً‬
‫بعد حترير الكويت‪ ،‬لكنها لم تدم أكثر من شهر‪.‬‬ ‫حت������ى إن البع������ض منها جاء ليعب������ر عن خواطر‬
‫في عام ‪ 2006‬صدر القانون رقم ‪ 3‬لسنة ‪،2006‬‬ ‫األطفال والنساء خالل تلك الفترة‪.‬‬
‫في شأن املطبوعات والنشر‪ ،‬وهو القانون املعمول به‬ ‫‪ -‬جري ��دة «ص ��وت الكويت الدولي» أسس������ها‬
‫حالياً في الكويت‪ ،‬ومن ميزاته أنه ألغى العقوبات من‬ ‫سمو الشيخ ناصر احملمد الصباح رئيس مجلس‬
‫جنح الصحافة‪ ،‬وحظر س� � ��جن الصحفيني واستبدل‬ ‫ال������وزراء الس������ابق‪ ،‬وكان آنذاك وزيراً للش������ؤون‬
‫مبلغاً مادياً به كتعويض للمدعي‪.‬‬ ‫اخلارجي������ة‪ ،‬لتعبر عن ال������رأي الكويتي في فترة‬
‫قب� � ��ل ص� � ��دور القان� � ��ون اقتصر ع� � ��دد الصحف‬ ‫الغزو الغاش������م‪ ،‬وقد صدر العدد األول منها في‬
‫احمللية على ‪ 9‬صحف رئيس� � ��ة‪ 6 ،‬منها بالعربية و‪3‬‬ ‫نوفمب������ر ع������ام ‪ ،1990‬وأغلقت ف������ي ‪ 16‬نوفمبر‬
‫باإلجنليزية‪ ،‬وبعد صدوره‪ ،‬بلغ عدد طلبات الترخيص‬ ‫‪.1992‬‬
‫املقدمة لوزارة اإلعالم أكثر من ‪ 110‬طلبات‪ ،‬انطبقت‬ ‫‪ -‬نش������رة «الصمود الش������عبي» أول مطبوعة‬
‫الش� � ��روط على ‪ 37‬منها‪ ،‬في حني بلغ عدد الصحف‬ ‫صدرت ف������ي اليوم الثالث من بدء دخول القوات‬

‫‪45‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 45‬‬ ‫‪12/29/14 8:35:11 AM‬‬


‫يعود تاريخ املجالت في الكويت إلى بداية شهر فبراير من عام ‪ ،1928‬حني وضع مؤرخ الكويت الشيخ عبدالعزيز الرشيد‬
‫اللبنة األولى له مع إصداره مجلة «الكويت»‬

‫املقرر أن تصدر أسبوعياً‪ ،‬لكن ذلك لم يتحقق‪.‬‬ ‫اليومية التي رخص لها ‪ 18‬صحيفة‪.‬‬
‫كذلك يتردد أن الرشيد أصدر أيضاً في إندونيسيا‬
‫مجل� � ��ة احلق‪ ،‬لكن لم يأت أحد عل� � ��ى ذكرها إال مجلة‬ ‫املجالت‬
‫البعثة في عددها األول من الس� � ��نة الثالثة الصادر في‬ ‫يع� � ��ود تاريخ املجالت في الكويت إلى بداية ش� � ��هر‬
‫يناير ‪.1948‬‬ ‫فبراير من عام ‪ ،1928‬حني وضع مؤرخ الكويت الشيخ‬
‫ومن بني املج� �ل��ات التي مت احلدي� � ��ث عنها مجلة‬ ‫عبدالعزيز الرشيد‪ ،‬اللبنة األولى له مع إصداره مجلة‬
‫الصباح الت� � ��ي ورد ذكرها في مجل� � ��ة الكويت في عام‬ ‫«الكويت»‪.‬‬
‫‪ ،1928‬وقي� � ��ل إنها س� � ��تصدر نزوالً عند رغبة الش� � ��يخ‬ ‫مجلة الكويت‪ :‬تعد أول مجلة في الكويت ومنطقة‬
‫أحمد اجلابر‪ ،‬وقيل إنها س� � ��تكون أسبوعية من دون أن‬ ‫اخلليج‪ ،‬وقد غلب على أعدادها الطابع األدبي‪ ،‬وكانت‬
‫يتم التأكد من صدورها من عدمه‪.‬‬ ‫حريصة على استقطاب كتَّاب من ذوي الكفاءة واللغة‪،‬‬
‫وميك� � ��ن القول إن مجلة الكويت جس� � ��دت املرحلة‬ ‫متضمنة نتاجاً أدبي � � �اً وفنياً ودينياً وفكرياً واجتماعياً‪،‬‬
‫األولى في مس� � ��يرة الصحافة املكتوب� � ��ة في الكويت أو‬ ‫ضمت مجل� � ��ة الكويت نحو ‪ 80‬صفحة‪ ،‬وكان الش� � ��يخ‬
‫مرحلة البدايات التي بدأت في عام ‪ ،1928‬وانتهت في‬ ‫الرش� � ��يد ينفق عليها من ماله اخل� � ��اص‪ ،‬حتى إنه كان‬
‫عام ‪ ،1949‬وقد تزامن ذل� � ��ك التاريخ مع توقف مجلة‬ ‫يتحمل عناء السفر إلى مصر لطباعتها هناك‪ ،‬وفي ما‬
‫كاظمة األسبوعية عن الصدور‪.‬‬ ‫بعد نقل طباعتها إلى إندونيسيا‪ ،‬واستمر في طباعتها‬
‫على أن مرحلة البدايات هذه اتس� � ��مت بشيء من‬ ‫هناك عامني حتى عام ‪ ،1930‬ثم أصدر الرش� � ��يد في‬
‫الصعود والهبوط إذا صح التعبير‪ ،‬وخصوصاً مع وفاة‬ ‫جاوة اإلندونيسية مجلة التوحيد‪ ،‬وصدر أول أعدادها‬
‫الشيخ الرشيد في عام ‪ ،1938‬وهو ما ترك فراغاً امتد‬ ‫في ‪ 3‬مارس ‪ ،1933‬وصدرت في أحد عش� � ��ر عدداً كل‬
‫حتى عام ‪ ،1946‬قبل أن يصدر عبدالعزيز حسني مجلة‬ ‫عدد جاء في ‪ 8‬صفحات‪ ،‬وهي مجلة ش� � ��هرية كان من‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪46‬‬

‫‪feb 36-83.indd 46‬‬ ‫‪12/29/14 8:35:14 AM‬‬


‫ملـف‬

‫البعثة في القاهرة في ديس� � ��مبر من عام ‪ ،1946‬التي‬


‫عدت إيذاناً ببدء مرحلة جديدة في مسيرة الصحافة‪،‬‬
‫ممه� � ��دة لوالدة اجلي� � ��ل الذهبي م� � ��ن الصحفيني‪ ،‬ومع‬
‫سفر حسني إلى بريطانيا تولى رئاستها عبدالله زكريا‬
‫األنصاري ف� � ��ي عام ‪ ،1951‬وتع� � ��د «البعثة» أول مجلة‬
‫أولت الكاريكاتير اهتماماً خاصاً‪ ،‬إذ تولى أحمد زكريا‬
‫األنصاري رسم أول كاريكاتير فيها‪.‬‬
‫ث� � ��م أتت مجلة «كاظمة» في عام ‪ ،1948‬التي رأس‬
‫حتريرها أحمد السقاف بينما كان عبداحلميد الصانع‬
‫صاح� � ��ب االمتياز‪ ،‬وكانت أول مجلة تطبع في الكويت‪،‬‬
‫بعد تأسيس مطبعة املعارف‪ ،‬واستمر صدورها تسعة‬
‫أشهر فقط‪ ،‬حيث توقفت عن الصدور في شهر مارس‬
‫‪.1949‬‬
‫ثم كان� � ��ت املرحل� � ��ة الثانية في عص� � ��ر الصحافة‬
‫وامتدت ب� �ي��ن عام� � ��ي ‪1950‬و‪ ،1958‬وصدرت خاللها‬
‫صح� � ��ف وإصدارات عدة ش� � ��كلت النهض� � ��ة احلقيقية‬
‫وأساس � � �اً متيناً للصحافة احلديثة في الكويت‪ ،‬وتخلت‬
‫عن التمس� � ��ك ب� � ��األدب والقصص‪ ،‬كما س� � ��جلت هذه‬
‫املرحل� � ��ة والدة الصحف األس� � ��بوعية وحت� � ��ى اليومية‪،‬‬
‫وأسس� � ��ت لظهور الصحافة السياسية‪ ،‬حيث بلغ عدد‬
‫اإلصدارات منذ فترة اخلمس� � ��ينيات حتى االستقالل‬
‫أكثر من ‪ 30‬إصداراً‪ ،‬وقد شكلت مجلة الكويت باكورة‬
‫إص� � ��دارات هذه املرحلة‪ ،‬حيث صدر أول أعدادها في‬
‫يونيو من عام ‪ ،1950‬وكان يعقوب عبدالعزيز الرشيد‬
‫للصحافة النوعية مجال كبير في الدوريات الكويتية‬ ‫هو صاحب مجلة الكويت ومديرها املس� � ��ؤول‪ ،‬ورئيس‬
‫حتريرها عبدالله الصان� � ��ع‪ ،‬ولكنها عادت للتوقف في‬
‫العاش� � ��ر منها ليص� � ��در بعد ‪ 3‬س� � ��نوات‪ ،‬وحتديداً في‬ ‫ديسمبر من العام نفسه‪.‬‬
‫‪ ،1954/7/20‬واستمرت بصورة منتظمة حتى توقفت‬ ‫وخالل مرحلة مجلة الكوي� � ��ت ولدت مجلة البعث‬
‫نهائياً في ‪ ،1958/11/2‬بعد أن أكملت ‪ 94‬عدداً‪.‬‬ ‫في يونيو من عام ‪ ،1950‬على يد حمد عيسى الرجيب‬
‫«اليقظة»‪ :‬أول مجلة طالبية مطبوعة صدرت في‬ ‫وأحمد مشاري العدواني‪ ،‬وهما من أبرز كتّاب البعثة‪،‬‬
‫الكويت في ش� � ��هر مارس من ع� � ��ام ‪ ،1959‬وهي مجلة‬ ‫وكانت تطبع في مطابع مقهوي وعدد صفحاتها يصل‬
‫مدرس� � ��ة املباركية‪ ،‬وطبع� � ��ت في البداي� � ��ة في مطبعة‬ ‫إلى عشرين‪ ،‬ولكنها أغلقت بعد العدد الثالث‪.‬‬
‫الكويت‪ ،‬وانتقلت في ما بعد إلى مطابع دار الكشاف في‬ ‫في خض� � ��م هذا الث� � ��راء الصحفي ج� � ��اءت مجلة‬
‫بيروت‪ .‬تكون العدد األول منها من ‪ 36‬صفحة‪ ،‬وكانت‬ ‫الفكاه� � ��ة‪ ،‬وصدر أول عدد لها في ‪ 12‬أكتوبر من العام‬
‫نهايته� � ��ا مع العدد الرابع‪ ،‬وكان ذلك في فبراير ‪،1953‬‬ ‫نفس� � ��ه‪ ،‬مكرس� � ��ة منطاً جديداً من الصحافة‪ ،‬على يد‬
‫وحاولت جلنة من األس� � ��اتذة والطالب إعادة إحيائها‪،‬‬ ‫عبدالله خالد حامت‪ ،‬وأس� � ��ندت رئاس� � ��ة حتريرها إلى‬
‫وكان م� � ��ن املفترض أن يتم ذلك في ش� � ��هر نوفمبر من‬ ‫فرحان راش� � ��د الفرحان‪ ،‬وتوقفت بعد ‪ 9‬أعداد فقط‪،‬‬
‫العام نفسه‪ ،‬لكنها فشلت في العودة للحياة‪ ،‬إذ لم يكن‬ ‫وكان ذل� � ��ك حتدي� � ��داً في ‪ ،1951/2/7‬ث� � ��م عاد العدد‬

‫‪47‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 47‬‬ ‫‪12/29/14 8:35:16 AM‬‬


‫مجلة العربي‪ ...‬مسيرة ‪ 56‬عام ًا‬

‫شاركت أقالم نسائية في حتريرها‪.‬‬ ‫املبلغ املخصص لها من دائ� � ��رة املعارف كافياً للنهوض‬
‫«اإلرش ��اد»‪ :‬هي مجل� � ��ة إس� �ل��امية‪ ،‬وكانت تصدر‬ ‫بها‪ .‬ومع افتتاح ثانوية الش� � ��ويخ وبداية العام الدراسي‬
‫ع� � ��ن جلن� � ��ة الصحافة والنش� � ��ر في جمعية اإلرش� � ��اد‬ ‫‪ ،1954-1953‬عادت «اليقظة» للصدور بحلَّة جديدة‪.‬‬
‫اإلس� �ل��امية‪ ،‬وتطبع ف� � ��ي بيروت‪ ،‬وأص� � ��درت مالحق‬ ‫«الرائد»‪ :‬ش� � ��كلت مجلة الرائد إح� � ��دى أيقونات‬
‫طبعت في القاهرة‪ ،‬وبعدد ‪ 80‬صفحة‪ ،‬رأس حتريرها‬ ‫املرحل� � ��ة الصحفية الثري� � ��ة في الكوي� � ��ت‪ ،‬وبدأت في‬
‫عبدالعزيز العلي املطوع املراقب العام جلمعية اإلرشاد‬ ‫الصدور في مارس ‪ ،1952‬واستمرت ملدة عامني حتى‬
‫اإلسالمية‪ ،‬والقائم عليها من بعده عبدالرزاق املطوع‪.‬‬ ‫توقفت في يناير ‪ ،1954‬وهي مجلة شهرية‪ ،‬أصدرتها‬
‫ُع� � ��دت «اإلرش� � ��اد» أول مجلة ديني� � ��ة تع ِّبر عن االجتاه‬ ‫جلن� � ��ة الصحافة والنش� � ��ر في نادي املعلم� �ي��ن‪ ،‬أو نواة‬
‫اإلس� �ل��امي في الكويت‪ ،‬وقد ص� � ��در العدد األول منها‬ ‫جمعي� � ��ة املعلمني‪ ،‬وكان مؤسس� � ��وها من أقطاب مجلة‬
‫في أغسطس من عام ‪.1953‬‬ ‫البعثة‪ ،‬وكان توجهها تربوياً رزيناً‪.‬‬
‫«الرائ ��د األس ��بوعي»‪ :‬صدرت عن جلنة الصحافة‬ ‫«اإلمي ��ان»‪ :‬عكس صدورها مدى ارتباط ش� � ��رائح‬
‫والنش� � ��ر في نادي املعلمني‪ ،‬بعد تو ُّق� � ��ف مجلة الرائد‬ ‫من املجتمع الكويتي بالفكر القومي‪ ،‬وهي شهرية تع ِّبر‬
‫الش� � ��هرية‪ ،‬في يناير ‪ ،1954‬ورأسها أحمد العدواني‪،‬‬ ‫عن لسان حال النادي الثقافي القومي‪ ،‬وضمت عدداً‬
‫وقد شكلت امتداداً ملجلة الرائد الصادرة عام ‪،1952‬‬ ‫من األسماء الالمعة من بينهم أحمد اخلطيب وأحمد‬
‫وأخذ الش� � ��اعر عبداحملس� � ��ن الرش� � ��يد م� � ��كان حمد‬ ‫الس� � ��قاف وغيرهما من األس� � ��ماء‪ ،‬وصدرت في أوائل‬
‫الرجيب في التحرير‪ ،‬وش� � ��ارك في حتريرها يوس� � ��ف‬ ‫ع� � ��ام ‪ ،1953‬وكانت تطبع في بيروت وعدد صفحاتها‬
‫الرفاعي‪ .‬وصدر أول أعدادها يوم اخلميس ‪ 14‬يناير‬ ‫‪ ،64‬ومتي� � ��زت ب� � ��أن مقاربتها للعم� � ��ل الصحفي كانت‬
‫‪ ،1954‬واحتجب� � ��ت في ع� � ��ام ‪ ،1955‬ولكنها عادت في‬ ‫مماثل� � ��ة للصحف احلديثة في ذل� � ��ك الوقت من حيث‬
‫فبراي� � ��ر ‪ 1970‬ورأس� � ��ها خالد املس� � ��عود الفهيد‪ ،‬وقد‬ ‫وجود افتتاحي� � ��ة وأخبار محلية وتبوي� � ��ب واضح‪ ،‬كما‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪48‬‬

‫‪feb 36-83.indd 48‬‬ ‫‪12/29/14 8:35:20 AM‬‬


‫ملـف‬

‫حي� � ��ث مت إيق� � ��اف الصحف‪ ،‬وم� � ��ع ذلك ف� � ��إن رئيس‬ ‫بدأت شهرية إلى شهر نوفمبر ثم عادت أسبوعية‪.‬‬
‫حتريرها رفض إجراء الوقف معبراً عن ذلك صراحة‬ ‫«الكوي ��ت الي ��وم»‪ :‬ول� � ��دت من احلاج� � ��ة إلى ربط‬
‫في العدد األخير منها الصادر في ‪ 27‬مارس ‪.1956‬‬ ‫الدوائ� � ��ر احلكومية باملقاولني‪ ،‬وذلك بعد اقتراح تقدم‬
‫مجلة العربي‪ :‬جاء إطالق مجلة العربي كس� � ��فير‬ ‫ب� � ��ه الس� � ��كرتير في مكت� � ��ب املدير اإلداري ف� � ��ي دائرة‬
‫ثقافي وفني وأدبي محلي إلى األقطار العربية قاطبة‪،‬‬ ‫املعارف بدر خالد البدر في سبتمبر ‪ 1954‬في رسالة‬
‫ليعك� � ��س حجم التط� � ��ور الصحافي الس� � ��ريع في دولة‬ ‫إل� � ��ى مدير اإلدارة املالية‪ ،‬تضمنت اقتراحاً بتأس� � ��يس‬
‫الكويت وقدرتها على جذب أس� � ��ماء المعة‪ ،‬باإلضافة‬ ‫املجلة‪ ،‬بدوره رفعه خالد املسلم إلى اللجان املختصة‪،‬‬
‫إلى سقف احلريات الذي كان سائداً‪ ،‬كما أنها عكست‬ ‫وفي ما بعد انتخب كل من يوس� � ��ف مش� � ��اري احلسن‪،‬‬
‫م� � ��ن حيث توقي� � ��ت صدورها التط� � ��ورات االقتصادية‬ ‫وطلع� � ��ت الغصني وبدر خالد البدر أعضاء في أس� � ��رة‬
‫واالجتماعي� � ��ة الهائلة في الب� �ل��اد‪ ،‬في وقت كانت فيه‬ ‫التحري� � ��ر‪ ،‬وتولى إدارتها البدر نفس� � ��ه‪ ،‬وصدر العدد‬
‫الكويت جتني ثمار النفط‪ ،‬ويعود تاريخ إطالق املجلة‬ ‫األول منها في ‪ 11‬ديس� � ��مبر ‪ ،1954‬بعدد ‪ 16‬صفحة‬
‫إل� � ��ى عام ‪ ،1954‬ولكنها لم تتبلور إال بعد ‪ 4‬س� � ��نوات‪،‬‬ ‫وبوتيرة صدور أسبوعية‪.‬‬
‫حيث بذلت جهود شاقة إلخراجها إلى الواقع بالصيغة‬ ‫«الفج ��ر»‪ :‬هي مجلة ن� � ��ادي اخلريجني‪ ،‬وصدرت‬
‫التي كان يطمح إليها املسؤولون‪ ،‬وهو ما مت بالفعل في‬ ‫ف� � ��ي ‪ 2‬فبراير ‪ ،1955‬وتول� � ��ى حتريرها مجموعة من‬
‫شهر ديسمبر من عام ‪.1958‬‬ ‫الشباب بنمط أس� � ��بوعي‪ ،‬وقد توقفت بعد صدور ‪17‬‬
‫جاء في العدد األول من مجلة العربي‪ ،‬أنها مجلة‬ ‫ع� � ��دداً وبقي� � ��ت محتجبة حتى ع� � ��ادت بعددها الثامن‬
‫شهرية مصورة‪ ،‬عربية علمية أدبية ثقافية جامعة قبل‬ ‫عش� � ��ر في ‪ 10‬مارس ‪ ،1958‬والس� � ��بب هذه املرة هو‬
‫أن يتحول هذا الش� � ��عار ويصب� � ��ح مجلة عربية مصورة‬ ‫قان� � ��ون املطبوعات‪ ،‬حيث يتطلب تف ُّرغ رئيس التحرير‬
‫ش� � ��هرية جامعة‪ ،‬وق� � ��د صدر عنها في م� � ��ا بعد ملحق‬ ‫للعمل الصحفي‪ ،‬وتولى رئاس� � ��ة حتريرها بعد عودتها‬
‫خاص باألطفال حتت اس� � ��م «العرب� � ��ي الصغير» منذ‬ ‫يعقوب احلميضي‪ ،‬وبعض من مقاالتها كان يصدر بال‬
‫العدد الرابع الصادر في يناير ‪.1960‬‬ ‫توقيع أو بأسماء مستعارة‪.‬‬
‫بعد نحو ش� � ��هر من البحث‪ ،‬وقع االختيار على د‪.‬‬ ‫«االحت ��اد»‪ :‬ول� � ��دت م� � ��ن آراء القائمني على احتاد‬
‫أحمد زكي لتولي رئاس� � ��ة حتريره� � ��ا‪ ،‬واختار ك ً‬
‫ال من‬ ‫بعثات الكويت في القاه� � ��رة وحاجتهم إلصدار مجلة‬
‫سليم زبال مخرجاً وأوسكار متري مصوراً وعبدالوارث‬ ‫ش� � ��هرية بعد توقف مجلة البعثة‪ ،‬وصدر عددها األول‬
‫كبير س� � ��كرتيراً للتحرير واملخرج محمد حسني زكي‪،‬‬ ‫ف� � ��ي م� � ��ارس ‪ 1955‬برئاس� � ��ة رجاء النق� � ��اش‪ ،‬ونتيجة‬
‫ثم الرس� � ��ام أحم� � ��د الوردجي‪ ،‬ثم وق� � ��ع االختيار على‬ ‫الس� � ��قف الذي ظهرت فيه أوقف� � ��ت بعد صدورها‪ ،‬ثم‬
‫محمود الس� � ��مرة مله� � ��ام نائب رئي� � ��س التحرير‪ ،‬وكان‬ ‫عادت للصدور على يد االحتاد الوطني لطلبة الكويت‬
‫مدرساً في ثانوية الشويخ‪ .‬تزامن صدورها مع انعقاد‬ ‫ف� � ��ي س� � ��بتمبر ‪ ،1965‬وكانت تطبع ف� � ��ي القاهرة أول‬
‫مؤمتر األدب� � ��اء في الكويت‪ ،‬وقد طبع من العدد األول‬ ‫األمر‪ ،‬ورأس حتريرها صالح عبدالصبور‪ ،‬ومع صدور‬
‫‪ 35‬ألف نس� � ��خة وزعت عل� � ��ى جميع ال� � ��دول العربية‬ ‫العدد الـ ‪ 31‬بتاري� � ��خ ‪ 15‬نوفمبر انتقلت طباعتها إلى‬
‫ونفدت من األس� � ��واق خالل أيام قليلة‪ ،‬وبعد د‪.‬أحمد‬ ‫الكويت ورأس� � ��ها محمد سليمان غامن ثم عبداحملسن‬
‫زكي تولى مهام رئاس� � ��ة التحرير أحمد بهاء الدين‪ ،‬ثم‬ ‫الفرحان‪.‬‬
‫د‪.‬محمد غامن الرميحي‪ ،‬ثم د‪ .‬سليمان العسكري‪ ،‬كما‬ ‫أخبار األس ��بوع‪ :‬جريدة أس� � ��بوعية عنيت بالشأن‬
‫رأس حتريره� � ��ا أ‪.‬صالح منصور املباركي فترة وجيزة‬ ‫السياس� � ��ي‪ ،‬صدرت في أول نوفمبر ‪ 1955‬وكانت هي‬
‫ال لوزارة اإلعالم‪ ،‬ثم رأس حتريرها‬ ‫بحكم منصبه وكي ً‬ ‫املجلة األسبوعية الوحيدة في الكويت في تلك الفترة‪،‬‬
‫د‪.‬عادل س� � ��الم العبداجلادر‪ .‬ص� � ��در مع مجلة العربي‬ ‫ورأس حتريره� � ��ا داود مس� � ��اعد الصال� � ��ح‪ .‬ومتي� � ��زت‬
‫مطبوعات ع� � ��دة كان من بينها «العربي الصغير» التي‬ ‫بتبويبه� � ��ا وتنظيمها‪ ،‬واس� � ��تمرت حتى عام ‪ 1956‬عند‬
‫حتولت إلى مشروع مس� � ��تقل منذ عام ‪ ،1986‬وكذلك‬ ‫تأس� � ��يس دائرة املطبوعات والنشر‪ ،‬أي وزارة اإلعالم‪،‬‬

‫‪49‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 49‬‬ ‫‪12/29/14 8:35:22 AM‬‬


‫القصار‬
‫َّ‬ ‫توثيق املهن التقليدية من أعمال الفنان الراحل عبدالله‬

‫وبدا واضحاً التأثر بالصحراء والبادية‪ ،‬كما اتس� � ��مت‬ ‫سلس� � ��لة كتاب العربي‪ ،‬وهي عبارة عن كتاب مس� � ��تقل‬
‫تلك األعمال بالبساطة‪ ،‬وكان من بينها الزخارف على‬ ‫يضم أبرز ما كتبه كتّاب املجلة‪.‬‬
‫األبواب وفي املساجد والبيوت القدمية‪.‬‬
‫غير أن االهتمام اجلاد والرس� � ��مي بفنون الرس� � ��م‬ ‫الفنون التشكيلية‬
‫بشكل خاص لم يتأخر‪ ،‬حيث برز اهتمام دائرة املعارف‬ ‫كس� � ��ائر الفنون والنش� � ��اطات األخرى ب� � ��دأ الفن‬
‫بهذا الفن منذ عام ‪ ،1936‬قبل أن يبدأ إرسال املواهب‬ ‫التش� � ��كيلي والرس� � ��م في الكويت على يد الهواة الذين‬
‫إل� � ��ى القاه� � ��رة وأورب� � ��ا‪ ،‬وكان من بني ه� � ��ؤالء معجب‬ ‫ترجم فنهم نقوشاً ورس� � ��ومات على السفن والقوارب‪،‬‬
‫الدوسري في عام ‪.1945‬‬ ‫وقد طغت عليها بطبيعة احلال معالم البيئة احلاضنة‪،‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪50‬‬

‫‪feb 36-83.indd 50‬‬ ‫‪12/29/14 8:35:25 AM‬‬


‫ملـف‬

‫من أعمال فناني الكويت‬

‫متاثيل خزفية أو خش� � ��بية ونح� � ��ت على اجلص‪ ،‬في‬ ‫م�� ��ن هنا ميكن الق�� ��ول إن هذه احلرك�� ��ة بقيت على‬
‫تأكيد أنه خالل ذلك العقد‪ ،‬كان الفن التشكيلي في‬ ‫طبيعتها ه�� ��ذه حتى والدة املدارس‪ ،‬الت�� ��ي وضعت اللبنة‬
‫الكويت قد أخذ طابع املنحى التعددي‪ ،‬واتسم مبزيد‬ ‫األولى في بناء احلركة التشكيلية في الكويت وفقاً خلطط‬
‫من العمق‪ ،‬كذلك فقد ش� � ��هدت تلك احلقبة تأسيس‬ ‫مهنية‪ ،‬وكان من بني أوائل األساتذة في هذا املجال معجب‬
‫املرس� � ��م احلر ووالدة فكرة التفرغ‪ ،‬ومنذ عام ‪1963‬‬ ‫الدوس�� ��ري‪ ،‬إذ تخرج في عام ‪ 1950‬وأخذت لوحاته في‬
‫ولدت فك� � ��رة إقامة األندية الصيفي� � ��ة‪ ،‬وبعد عامني‬ ‫الظهور‪ ،‬وظهر إلى جانبه أيوب حس��ي��ن‪ ،‬خليفة القطان‪،‬‬
‫ولد نادي املعلمني واملعلمات‪ ،‬وكانت هذه املؤسسات‬ ‫طارق السيد فخري‪ ،‬قاس�� ��م عمر الياقوت‪ ،‬أحمد زكريا‬
‫الدافع الرئيس الفتتاح شعبة خاصة بالتربية الفنية‪،‬‬ ‫األنص�� ��اري وغيرهم‪ .‬ومع هؤالء برزت الفنون والرس�� ��وم‬
‫ومع عام ‪ 1968‬ومع افتتاح دار املعلمني‪ ،‬كانت الشعبة‬ ‫التي تع ِّبر عن البيئة احمللية على جدران األزقة القدمية‪،‬‬
‫الفنية ضمن شعب الدراسة الرئيسة فيها‪.‬‬ ‫وس�� ��جل عام ‪ 1958‬إقامة أول مع�� ��رض فني في الكويت‬
‫هذه املعطيات سبقها إطالق البعثات الدراسية‬ ‫بالتزامن مع مؤمتر األدباء العرب‪ ،‬لتكر سبحة املعارض‪،‬‬
‫التي ش� � ��كلت أهم عوامل دعم الفنون التشكيلية في‬ ‫منها معرض الربيع األول بعد نحو عام‪ ،‬واس�� ��تمرت حتى‬
‫الكويت‪ ،‬وقد جاب فنانو الكويت الشباب دول العالم‬ ‫عام ‪ 1967‬مع معرض الربيع التاسع‪.‬‬
‫والعواص� � ��م الفنية‪ ،‬ما أضفى على فنهم طابع التنوع‬
‫وأثرى جتاربهم‪ .‬وعلى مستوى األسلوب واالجتاهات‬ ‫مرحلة املؤسسات والتنوع‬
‫اجلديدة التي تكرست على مستوى الفن التشكيلي‪،‬‬ ‫منذ الس� � ��تينيات أخذت تظهر األعمال اخلزفية‬
‫أدت وزارة اإلع� �ل��ام دوراً مهم � � �اً ف� � ��ي دع� � ��م الفنون‬ ‫إلى جانب الرس� � ��وم‪ ،‬وقد برز في تلك الفترة اس� � ��م‬
‫التش� � ��كيلية عبر تبني املعارض الفني� � ��ة والتعاون مع‬ ‫الفنان عيس� � ��ى صقر الذي متي� � ��زت أعماله بطغيان‬
‫اجلمعية الكويتية للفنون التشكيلية‪.‬‬ ‫الطاب� � ��ع البيئي عليها‪ ،‬في حني جاءت أعمال الفنان‬
‫وفي مرحلة الس� � ��بعينيات‪ ،‬استمرت حركة الفنون‬ ‫حس� �ي��ن مسيب لتتس� � ��م بالكالس� � ��يكية‪ ،‬وتترجم في‬

‫‪51‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 51‬‬ ‫‪12/29/14 8:35:31 AM‬‬


‫اجلمعية الكويتية للفنون التشكيلية‬
‫خصوصاً على يد الفنان محمود الرضوان‪.‬‬ ‫التش� � ��كيلية على ازدهارها مدعوم� � ��ة بحركة املعارض‬
‫كذلك لم يغب الفن الكويتي عن الظروف احمليطة‬ ‫والبعث� � ��ات الدراس� � ��ية‪ ،‬مس� � ��تندة إلى دع� � ��م احلكومة‬
‫باملنطقة‪ ،‬حيث شارك عديد من الفنانني عبر أعمالهم‬ ‫للفنانني‪ ،‬وبناء على ذلك ظهرت أس� � ��اليب حديثة أكثر‬
‫الفنية في عديد من املناسبات‪ ،‬وع َّبروا عن آرائهم في‬ ‫متكناً في أعمال الفنانني‪ ،‬وش� � ��هد مس� � ��تواهم األدائي‬
‫أعمالهم‪ ،‬مثل اعتراضهم على املمارسات اإلسرائيلية‬ ‫تقدم � � �اً ملحوظ � � �اً‪ ،‬ه� � ��ذا باإلضافة إلى اتس� � ��اع آفاق‬
‫وغير ذلك من القضايا الوطنية والعربية الشاملة‪.‬‬ ‫اطالعهم‪ ،‬ما منحهم القدرة على معايش� � ��ة احلركات‬
‫واألس� � ��اليب املعاصرة‪ ،‬فتعزز األسلوب السريالي في‬
‫املرسم احلر‬ ‫التصوي� � ��ر في الفنون الكويتية على يد فنانني عدة من‬
‫جاء تأسيس املرسم احلر ليشكل محطة مهمة‬ ‫بينهم عبدالرسول سلمان وعبدالله القصار‪ ،‬كما سجل‬
‫في مس� � ��يرة الفنون التش� � ��كيلية‪ ،‬وق� � ��د دعا مدير‬ ‫الفن الكويتي جتربة احلرف العربي‪ ،‬وكان من أبرز من‬
‫املعارف آنذاك عبدالعزيز احلس� �ي��ن إلى تأسيسه‬ ‫مارس� � ��ه الفنان القصار‪ ،‬حيث شكل من أبعاد احلرف‬
‫بحيث يجم� � ��ع الفنانني حتت مظل� � ��ة واحدة ويوفر‬ ‫وحدوده تش� � ��كيالت زاخرة باأللوان الزاهرة‪ ،‬كما برز‬
‫له� � ��م كل اإلمكان� � ��ات املطلوب� � ��ة‪ ،‬وكان ذلك في عام‬ ‫األس� � ��لوب الزخرفي في أعمال قريبة من التجريدية‪،‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪52‬‬

‫‪feb 36-83.indd 52‬‬ ‫‪12/31/14 10:30:25 AM‬‬


‫ملـف‬

‫قاعات عرض تستقبل فناني العالم‬

‫أصبح املرسم حتت إشراف املجلس الوطني للثقافة‬ ‫‪ ،1960‬متخذاً من مدرس� � ��ة قتيبة سابقاً مقراً له‪،‬‬
‫والفنون واآلداب‪ ،‬وحتديداً إدارة اآلثار‪.‬‬ ‫وهو ما ش� � ��كل االنطالقة احلقيقية للفن التشكيلي‬
‫بعد تأسيس� � ��ه بفترة اتخذ املرسم احلر من أحد‬ ‫في الكوي� � ��ت‪ ،‬حيث مت تعيني مدرس� �ي��ن أكفاء فيه‬
‫البيوت الواقعة في منطقة ش� � ��رق على شارع اخلليج‬ ‫لتدري� � ��س اله� � ��واة في صفوف مس� � ��ائية‪ ،‬وبعد عام‬
‫العربي مقراً له‪ ،‬وكانت ملكية البيت تعود إلى جاسم‬ ‫على تأسيس� � ��ه طرحت فكرة التفرغ للعمل الفني‪،‬‬
‫ب� � ��ن محمد الغ� � ��امن اجلبر‪ ،‬وه� � ��و أحد جت� � ��ار اللؤلؤ‪،‬‬ ‫وكان الفنان عيسى صقر أول من حصل على منحة‬
‫وأح� � ��د أثرياء الكوي� � ��ت في تلك الفت� � ��رة‪ ،‬ميتد البيت‬ ‫التفرع في عام ‪ ،1961‬وعاد إليه بعد دراسة الفنون‬
‫على مس� � ��احة ‪ 1937‬متراً مربعاً‪ ،‬وهو يقع في منطقة‬ ‫اجلميلة في القاهرة في عام ‪ ،1966‬وك َّرت سبحة‬
‫ش� � ��رق على ش� � ��ارع اخلليج العربي‪ ،‬حيث مت جتهيزه‬ ‫الفنانني احلاصلني على منح التفرغ‪ ،‬وكان من بينهم‬
‫مبا يتناسب مع متطلبات الفنانني‪ ،‬والسيما من جهة‬ ‫عبدالل� � ��ه القصار وبدر القطامي‪ .‬ومنذ عام ‪1972‬‬
‫إقامة الورش� � ��ات الفنية‪ ،‬علماً ب� � ��أن البيت يتكون من‬ ‫تبنت وزارة اإلعالم اإلش� � ��راف على املرس� � ��م احلر‬
‫أربعة أقسام أو أحواش‪.‬‬ ‫للفنانني‪ ،‬بعد أن كان حتت إش� � ��راف وزارة التربية‪.‬‬
‫وقد أرس� � ��لت الوزارة عديداً من الفنانني املتفرغني‬
‫اجلمعية الكويتية للفنون التشكيلية‬ ‫في املرس� � ��م لدراسة الفنون في اخلارج في أمريكا‬
‫ول� � ��دت اجلمعية م� � ��ن رحم أف� � ��كار مجموعة‬ ‫وفرنس� � ��ا‪ ،‬من بينهم غزل عوض‪ ،‬س� � ��امي محمد‪،‬‬
‫من الفنانني في املرس� � ��م احلر‪ ،‬وقد بدأت أولى‬ ‫زعابي حسني‪ ،‬صبيحة بشارة‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وفي عام‬
‫محاوالت تأسيس� � ��ها في منتصف الس� � ��تينيات‪،‬‬ ‫‪ 1974‬س� � ��جل املرسم تش� � ��كيل جلنة للتحكيم على‬
‫دون ج� � ��دوى‪ ،‬ثم أعيد طرحها مرة جديدة‪ ،‬ورفع‬ ‫أعمال الفنانني وتقييم مس� � ��توياتهم الفنية‪ ،‬وتولى‬
‫القان� � ��ون املعد حولها في ع� � ��ام ‪ 1967‬إلى وزارة‬ ‫س� � ��عيد خطاب مهام مقرر اللجنة‪ ،‬وفي عام ‪1979‬‬

‫‪53‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 53‬‬ ‫‪12/29/14 8:35:40 AM‬‬


‫مشهد تقليد مجسم للمقهى الشعبي في املاضي‬

‫الكويت‪ ،‬وفي ع� � ��ام ‪ 1976‬مت نقل محتوياته إلى‬ ‫الش� � ��ؤون االجتماعية والعمل‪ ،‬وقد أش� � ��هرت في‬
‫بي� � ��ت البدر‪ ،‬واس� � ��تمر هناك حتى ع� � ��ام ‪،1983‬‬ ‫الوزارة حتت رقم ‪ 49‬ف� � ��ي تاريخ ‪،1968/2/11‬‬
‫عندما افتتح املتحف بحلته اجلديدة في منطقة‬ ‫وقامت على أربعة أهداف رئيسة‪.‬‬
‫القبلة‪ ،‬ليضم مقتنيات قدمية لآلثار احلية للتراث‬
‫الش� � ��عبي وآثاراً إسالمية تعود للقرون األولى من‬ ‫املتاحف‬
‫العهد اإلس� �ل��امي‪ ،‬ويضم املتحف ثالث صاالت‬ ‫أولت الكويت اهتماماً خاصاً إلنشاء املتاحف‬
‫رئيس� � ��ة‪ :‬األولى لعرض التراث الشعبي‪ ،‬والثانية‬ ‫باعتباره� � ��ا من األنش� � ��طة الثقافي� � ��ة التي تعكس‬
‫لعرض اآلثار القدمية العائدة للقرون األولى من‬ ‫وتصون تاريخ الب� �ل��اد‪ ،‬وقد جاء في املادة الـ ‪12‬‬
‫العهد اإلس� �ل��امي‪ ،‬وأخيراً القبة السماوية التي‬ ‫من الدس� � ��تور أن على الدول� � ��ة أن تصون التراث‬
‫متثل الكرة األرضية‪ ،‬وتتضمن معلومات للباحثني‬ ‫اإلسالمي والعربي‪.‬‬
‫في مجال الفلك واملجرات‪.‬‬ ‫متحف الكويت الوطني‪ :‬كانت بداية املتاحف‬
‫القص ��ر األحم ��ر‪ :‬يعود تاري� � ��خ بنائه إلى عام‬ ‫ف� � ��ي الكويت م� � ��ع متحف الكوي� � ��ت الوطني الذي‬
‫‪ 1896‬أو ‪ 1897‬عل� � ��ى أبعد تقدير‪ ،‬ليكون القصر‬ ‫افتتح في عام ‪ ،1957‬وكان موقعه في ش� � ��رق في‬
‫الصيف� � ��ي للش� � ��يخ مبارك الصب� � ��اح‪ .‬يقع القصر‬ ‫بيت الش� � ��يخ عبدالله اجلابر‪ ،‬أي ديوان الش� � ��يخ‬
‫في منطق� � ��ة اجلهراء‪ ،‬وهو يعد أحد أهم املعالم‬ ‫خزعل س� � ��ابقاً‪ ،‬ليك� � ��ون ممث ً‬
‫ال للبيئ� � ��ة الكويتية‬
‫التاريخي� � ��ة لدول� � ��ة الكوي� � ��ت الرتباط� � ��ه مبعركة‬ ‫بجمي� � ��ع مظاهره� � ��ا املعيش� � ��ية‪ ،‬وليعكس عادات‬
‫اجلهراء املعروفة‪ ،‬وقد نُ ِس� � ��ب إلى الطني األحمر‬ ‫وتقالي� � ��د أهل الكويت‪ ،‬إلى جانب كونه مؤسس� � ��ة‬
‫كمادة رئيس� � ��ة اس� � ��تخدمت في بنائه‪ ،‬والقصر‬ ‫علمية مهتمة بنشر الثقافة‪ ،‬ومرجعاً يوثق تاريخ‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪54‬‬

‫‪feb 36-83.indd 54‬‬ ‫‪12/29/14 8:35:44 AM‬‬


‫ملـف‬

‫مركز بيت ديكسون الثقافي‬

‫الكوي� � ��ت منذ عام ‪1904‬م وحتى عام ‪ ،1935‬قبل‬ ‫عبارة عن بناء مربع الش� � ��كل تبلغ مساحته تسعة‬
‫أن تقرر الدولة حتويله إلى مركز ثقافي ومتحف‬ ‫عشر ألف متر مربع تقريباً‪ ،‬وال يزيد طول ضلعه‬
‫لتاريخ العالقة الكويتية ‪ -‬البريطانية حتت مظلة‬ ‫على سبعني متراً‪ ،‬وترتفع جدرانه إلى ‪ 4.5‬أمتار‪،‬‬
‫املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬وميثل‬ ‫ويبلغ سمكها أكثر من ‪ 80‬سنتيمتراً‪ .‬وترتفع فوق‬
‫البيت إل� � ��ى جانب مبن� � ��ى الس� � ��فارة البريطانية‬ ‫هذه اجلدران أبراج يطلق عليها الغولة عند زوايا‬
‫الق� � ��دمي املبنيني الوحيدين في الكويت اللذين مت‬ ‫القصر األربع مسافة مترين ونصف املتر‪ ،‬ويضم‬
‫تصميمهما على الطراز املعم� � ��اري الكولونيالي‪،‬‬ ‫القصر ‪ 33‬غرفة وستة أحواش وله ثالث بوابات‬
‫وهو منط ساد في املس� � ��تعمرات اإلسبانية وفي‬ ‫رئيس� � ��ة‪ ،‬شرقية كبيرة وشمالية متوسطة احلجم‬
‫البح� � ��ر الكاريب� � ��ي وأمريكا الالتيني� � ��ة في بداية‬ ‫وصغيرة ف� � ��ي جهة الش� � ��مال‪ ،‬وخاص� � ��ة بحوش‬
‫الق� � ��رن الثام� � ��ن عش� � ��ر‪ ،‬وهو طراز يس� � ��اعد في‬ ‫احل� � ��رمي‪ ،‬ويتألف القصر من ثالثة أقس� � ��ام‪ ،‬هي‬
‫التغلب على صيف البالد االس� � ��توائي واملداري‪.‬‬ ‫سكن األمير واملسجد والديوانية‪.‬‬
‫اتخذه الكولونيل ديكس� � ��ون مقراً له واستمر فيه‬ ‫بيت ديكس ��ون‪ :‬بني في نهاية القرن التاس� � ��ع‬
‫حت� � ��ى عام ‪ ،1935‬ثم تركه ملدة عام واحد‪ ،‬وذلك‬ ‫عش� � ��ر على ش� � ��ارع اخلليج العرب� � ��ي قرب قصر‬
‫بعدما اكتمل بناء مقر املعتمد البريطاني اجلديد‬ ‫الس� � ��يف‪ ،‬وكان� � ��ت ملكيت� � ��ه تعود ألح� � ��د التجار‪،‬‬
‫أو مقر الس� � ��فارة البريطانية وبيت الس� � ��فير في‬ ‫وكان يستخدم مس� � ��كناً ومخزناً‪ ،‬وكان من نتيجة‬
‫الوقت احلاضر‪.‬‬ ‫االتفاقي� � ��ة املوقع� � ��ة بني الش� � ��يخ مب� � ��ارك الكبير‬
‫غي� � ��ر أنه وبعد تقاع� � ��ده من اخلدم� � ��ة في العمل‬ ‫وبريطانيا في ع� � ��ام ‪ 1899‬أن أصبح هذا البيت‬
‫السياس� � ��ي عـ� � ��ام ‪ 1936‬انتـــق� � ��ل مجــدداً إلــ� � ��ى بــيتــه‬ ‫مكتباً وس� � ��كناً للمعتمد السياسي البريطاني في‬

‫‪55‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 55‬‬ ‫‪12/29/14 8:35:48 AM‬‬


‫أسماك القرش في أكواريوم املركز العلمي‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪56‬‬

‫‪feb 36-83.indd 56‬‬ ‫‪12/29/14 8:35:52 AM‬‬


‫ملـف‬

‫‪57‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 57‬‬ ‫‪12/29/14 8:35:57 AM‬‬


‫جانب من متحف بيت العثمان يوثق كل ما يخص التاريخ البحري في الكويت‬

‫‪ ،1972‬ف� � ��ي منطق� � ��ة املرق� � ��اب‪ ،‬وم� � ��ن أه� � ��م أهدافه‬ ‫الس� � ��ابق وع� � ��اش في� � ��ه حتى وفات� � ��ه في ع� � ��ام ‪،1959‬‬
‫املس� � ��اعدة على فهم واس� � ��تيعاب املعلوم� � ��ات العلمية‬ ‫وواصلت أرملته مس� � ��يرتها في� � ��ه حتى عام ‪ ،1990‬ولم‬
‫وحقائ� � ��ق التاريخ الطبيعي وإج� � ��راء مختلف األبحاث‬ ‫تغادره إال بعد الغزو الغاشم‪.‬‬
‫واحملافظة على الطبيعة واحلي� � ��اة البرية‪ ،‬وهو يتكون‬ ‫بي ��ت البدر‪ :‬أنش� � ��ئ في الفترة من ‪1847-1837‬م‬
‫من أربعة أقس� � ��ام مهمة‪ :‬هي قس� � ��م العل� � ��وم والفضاء‬ ‫وتعود ملكيته إلى ورثة عبدالعزيز وعبداحملسن يوسف‬
‫وقس� � ��م التاريخ الطبيعي وقسم العالقات‪ ،‬أما القسم‬ ‫البدر‪ ،‬وهما من كبار جتار الكويت‪ ،‬وفي مراحل الحقة‬
‫األخير فيضم اخلدمات العامة للمتحف‪.‬‬ ‫مت ضم� � ��ه إلى إدارة اآلث� � ��ار واملتاحف التابعة للمجلس‬
‫متح ��ف طارق رجب‪ :‬س� � ��جل عام ‪ ،1980‬وبجهود‬ ‫الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ .‬‬
‫ش� � ��خصية‪ ،‬افتتاح متح� � ��ف طارق رجب ف� � ��ي منطقة‬ ‫ف� � ��ي ع� � ��ام ‪ 1976‬اس� � ��تخدم مقراً مؤقت � � �اً ملتحف‬
‫اجلابري� � ��ة‪ ،‬وض� � ��م مجموع� � ��ة ن� � ��ادرة م� � ��ن املصاحف‬ ‫الكوي� � ��ت الوطن� � ��ي‪ ،‬وهو مس� � ��تغل حالياً مق� � ��راً إلدارة‬
‫واملخطوط� � ��ات العربي� � ��ة والفخاري� � ��ات اإلس� �ل��امية‬ ‫التراث املوسيقي‪.‬‬
‫واملش� � ��غوالت املعدنية واملط� � ��رزات العربي� � ��ة القدمية‬ ‫يق� � ��ع بي� � ��ت البدر ف� � ��ي ح� � ��ي القبلة‪ ،‬ويط� � ��ل على‬
‫وال� � ��دروع العائ� � ��دة للحضارة اإلس� �ل��امية‪ ،‬والس� � ��يما‬ ‫الطرف الغرب� � ��ي من اخلليج العرب� � ��ي‪ ،‬وميثل منوذجاً‬
‫التحف اإلس� �ل��امية األثرية املصنوعة من السيراميك‪،‬‬ ‫معمارياً مميزاً‪ ،‬يع ّبر بوضوح عن املظاهر االجتماعية‬
‫حي� � ��ث يضم أكثر من ‪ 2000‬قطعة عائدة ألوائل القرن‬ ‫واالقتصادي� � ��ة واحلضارية التي كانت تس� � ��ود املجتمع‬
‫العشرين‪ ،‬وحتديداً من أواخر عهد الباريثيني (فارس)‬ ‫الكويت� � ��ي في القرن املاضي‪ ،‬والتصميم األصلي للبيت‬
‫إلى أوائل الساس� � ��انيني‪ ،‬ومالبس أثرية من فلس� � ��طني‬ ‫يضم خمس س� � ��احات مكشوفة هي‪ :‬حوش الديوانية‪،‬‬
‫وس� � ��ورية وتركيا‪ ،‬كما يحتوي املتحف أيضاً على قطع‬ ‫حوش احلرمي‪ ،‬حوش املطبخ‪ ،‬ساحة األعمال‪ ،‬وحوش‬
‫زجاجي� � ��ة نادرة تع� � ��ود للقرنني الس� � ��ابع والثامن‪ .‬ومن‬ ‫الغنم‪.‬‬
‫أهم مقتنياته أيضاً مجموع� � ��ة كبيرة من املخطوطات‬ ‫املتح ��ف العلم ��ي‪ :‬يع� � ��ود تاريخ افتتاح� � ��ه إلى عام‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪58‬‬

‫‪feb 36-83.indd 58‬‬ ‫‪12/29/14 8:36:00 AM‬‬


‫ملـف‬

‫الن� � ��ادرة‪ ،‬بينها نس� � ��خ من القرآن الك� � ��رمي تعود للقرن‬
‫الراب� � ��ع الهج� � ��ري‪ ،‬ومن هذه املخطوط� � ��ات مخطوطة‬
‫للخطاط ياقوت املستعصي تعود لعام ‪ 1293‬ميالدي‪.‬‬
‫املرك ��ز العلم ��ي‪ :‬ش� � ��هد ع� � ��ام ‪ 2000‬افتتاح املركز‬
‫العلمي في منطقة الساملية‪ ،‬وهو يولي الثقافة العلمية‬
‫ونش� � ��ر العل� � ��وم واملع� � ��ارف العامة وحتفي� � ��ز االهتمام‬
‫باحلف� � ��اظ على احلي� � ��اة البري� � ��ة والبحري� � ��ة اهتماماً‬
‫كبيراً‪ ،‬ويتضمن ثالثة مرافق رئيسة‪ ،‬حوض األسماك‬
‫املعروف باألكواريوم وقاعة االستكشاف وصالة عرض‬
‫بنظام آي ماكس‪.‬‬
‫متح ��ف بيت القري ��ن‪ :‬في عام ‪ 2004‬أصدر أمير‬
‫الكويت الش� � ��يخ جابر األحمد اجلابر الصباح ‪ -‬ط ّيب‬
‫الله ثراه ‪ -‬قراراً قضى بتحويل بيت القرين إلى متحف‬
‫وطني حتت مس� � ��مى متحف ش� � ��هداء القرين‪ ،‬ليجسد‬
‫معركة بي� � ��ت القرين التي وقعت في ‪ 24‬فبراير ‪1991‬‬
‫وخاضها ‪ 19‬ش� � ��اباً من املقاوم� � ��ة الكويتية ينتمون إلى‬
‫مجموعة املسيلة ضد االحتالل العراقي‪ ،‬وراح ضحية‬
‫هذه املعركة ‪ 12‬شهيداً‪ .‬وقد قرر األمير الراحل افتتاح‬
‫املتحف في العام نفس� � ��ه بعد تطوي� � ��ره وإضافة بعض‬
‫األقس� � ��ام عليه كقسم الوثائق وقس� � ��م السينما وقسم‬
‫املكتبة‪ .‬يضم املتحف ثالثة منازل‪ ،‬األول اإلدارة وقاعة‬
‫واجهة متحف طارق رجب‬
‫كبار الزوار‪ ،‬والثاني منزل الشهيد بدر العيدان‪ ،‬بينما‬
‫نارية‪ ،‬وأول سيارة إس� � ��عاف وأول سيارة إطفاء‪ ،‬أما‬ ‫يضم الثالث قاعة للس� � ��ينما ومعرضاً للصور واملكتبة‪،‬‬
‫من الداخ� � ��ل فيضم ثالث� � ��ة متاحف‪ ،‬وه� � ��ي‪ :‬البيت‬ ‫من الناحية اإلدارية يتبع املتحف وزارة اإلعالم متمثلة‬
‫الكويت� � ��ي التقليدي الذي يضم قطعاً أصلية حتى إن‬ ‫ب� � ��إدارة اآلثار واملتاحف في املجل� � ��س الوطني للثقافة‬
‫كل قطعة معروف ملن تعود ملكيتها‪.‬‬ ‫والفنون واآلداب‪.‬‬
‫كذلك هناك قس� � ��م يعرف بـ«رحلة احلياة في تاريخ‬ ‫بي ��ت العثم ��ان‪ :‬االهتم� � ��ام باملتاح� � ��ف ج� � ��زء من‬
‫الكويت» مؤلف من غرف عدة‪ ،‬من بينها غرفة ش� � ��ركة‬ ‫استراتيجية شاملة ومس� � ��تمرة‪ ،‬لذا سجل عام ‪2013‬‬
‫نف� � ��ط الكوي� � ��ت التي جتس� � ��د عملية اكتش� � ��اف النفط‬ ‫افتتاح بيت العثمان في منطقة حولي كصرح يجس� � ��د‬
‫وإنتاج� � ��ه‪ ،‬وأول بئر نفطية‪ ،‬ووثائ� � ��ق تاريخية تع ِّبر عن‬ ‫املعال� � ��م التاريخي� � ��ة الت� � ��ي تعكس الوج� � ��ه احلضاري‬
‫ه� � ��ذه املرحلة‪ ،‬كم� � ��ا أن هن� � ��اك غرف� � ��ة وزارة التربية‪،‬‬ ‫للكوي� � ��ت‪ ،‬وقد تبلورت فكرة املتحف على خلفية وجود‬
‫وجتسد تطور رحلة التعليم‪ ،‬باإلضافة إلى بعض املواد‬ ‫حاجة ملحة ملؤسس� � ��ة حتفظ دور األجداد واآلباء وما‬
‫ذات الصل� � ��ة من كتب وصور وغي� � ��ر ذلك‪ ،‬وهناك أيضاً‬ ‫تبقى من املادة التراثية‪ ،‬ويجس� � ��د متحف بيت العثمان‬
‫غ� � ��رف للبريد واملواص� �ل��ات‪ ،‬وأخرى لتاريخ الش� � ��رطة‬ ‫النموذج املتكامل للبيت الكويتي التقليدي الذي أسس‬
‫والداخلي� � ��ة واملرور ومراحل تطور األس� � ��لحة واملالبس‬ ‫في عام ‪ 1947‬بأسلوب تقليدي‪.‬‬
‫واملخفر وحرس األس� � ��واق‪ ،‬وأخ� � ��رى للجيش واحلرس‬ ‫يض� � ��م البيت متحفاً خارجي � � �اً يعرض فيه آليات‬
‫والشهداء ومؤسسة اخلطوط اجلوية الكويتية وغيرها‬ ‫قدمي� � ��ة من بينها أول طائرة عس� � ��كرية‪ ،‬وأول دبابة‪،‬‬
‫من املؤسسات الوطنية العريقة‪.‬‬ ‫وأول بيرق نفط‪ ،‬وأول س� � ��يارة ش� � ��رطة‪ ،‬وأول دراجة‬

‫‪59‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 59‬‬ ‫‪12/29/14 8:36:04 AM‬‬


‫متحف شرطة الكويت‬

‫‪ 20‬فبراي� � ��ر ‪ ،2014‬يقع املتحف في منطقة بنيد‬ ‫أما الغرفة الوحيدة التي لها عالقة باملاضي‬
‫الق� � ��ار‪ ،‬في موقع م� � ��ا يعرف بالنقط� � ��ة القدمية‬ ‫غير الكويتي فهي غرفة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬وهي‬
‫التي حتولت في م� � ��ا بعد إلى مخفر ومن ثم إلى‬ ‫تروي تاريخ الدين اإلس� �ل��امي احلنيف في عصر‬
‫متحف‪ ،‬وهو يجسد مس� � ��يرة الشرطة من تاريخ‬ ‫األجداد واآلباء‪ .‬ويضم متحف بيت العثمان قاعة‬
‫ومرحل� � ��ة «الفداوية» إلى ما بعد الغزو الغاش� � ��م‪،‬‬ ‫لالحتف� � ��االت الكبرى متتد على مس� � ��احة ‪1000‬‬
‫ويزخر متحف ش� � ��رطة الكويت بالتاريخ والقطع‬ ‫متر‪ ،‬مخصصة لالحتفاالت الشعبية والوطنية‪.‬‬
‫القدمية‪ ،‬كما أنه ثري بالسجالت والوثائق‪ ،‬وأهم‬ ‫وبشكل عام يضم بيت العثمان ك ّماً كبيراً من‬
‫إجنازات الشرطة وتطورها‪ ،‬كما أنه يضم قطعاً‬ ‫القطع البحرية والوثائ� � ��ق النادرة‪ ،‬من بينها على‬
‫قدمية جتسد املرحلة من ‪ 1938‬حتى عام ‪،1960‬‬ ‫س� � ��بيل املثال مصحف نادر يعود تاريخه إلى عام‬
‫باإلضافة إلى وثائق س� � ��فر بريطانية‪ ،‬وأول جواز‬ ‫‪ 1837‬كتب في الكويت‪ ،‬باإلضافة إلى صور نادرة‬
‫مكتوب على غالفه عبارة «إمارة الكويت» والذي‬ ‫حلاكم الكويت الشيخ جابر املبارك في الفترة من‬
‫كان يطل� � ��ق عليه جواز «أبو خيش� � ��ة» لكونه مغلفاً‬ ‫‪.1925- 1917‬‬
‫بالقماش املشمع‪ ،‬باإلضافة إلى جواز آخر عليه‬ ‫هذا البيت بناه عبداللطيف العثمان‪ ،‬التاجر‬
‫عبارة «حكومة الكويت»‪.‬‬ ‫الكويت� � ��ي املعروف بحبه لعم� � ��ل اخلير على ثالث‬
‫يضم املتحف مجموعة غرف‪ ،‬في األولى منها‬ ‫مراحل‪ ،‬منذ عام ‪ ،1947‬واس� � ��تكمل معظمه في‬
‫جنس� � ��ية أصدرت في ع� � ��ام ‪ ،1959‬وأول رخصة‬ ‫عام ‪ ،1950‬حيث مت استخدام الطابوق األسمنتي‪،‬‬
‫قي� � ��ادة‪ ،‬وأول لباس لرجال الش� � ��رطة ومقتنيات‬ ‫واجلزء الثالث بني في منتصف اخلمس� � ��ينيات‪،‬‬
‫ق ِّيمة أخرى مرتبطة بقطاع الش� � ��رطة‪ ،‬باإلضافة‬ ‫وباستخدام األسمنت املسلح‪.‬‬
‫إلى مناذج اجلنس� � ��يات الكويتية املختلفة التي مت‬ ‫متح ��ف ش ��رطة الكوي ��ت‪ :‬افتتح حتت رعاية‬
‫العمل بها سابقاً‪ ،‬وقطع سالح نادرة ومميزة‪ ،‬من‬ ‫وبحض� � ��ور نائ� � ��ب رئي� � ��س مجلس ال� � ��وزراء وزير‬
‫بينها س� �ل��اح مكتوب عليه «قوة ش� � ��رطة الكويت»‬ ‫الداخلية الش� � ��يخ محمد اخلالد الصباح بتاريخ‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪60‬‬

‫‪feb 36-83.indd 60‬‬ ‫‪12/29/14 8:36:10 AM‬‬


‫ملـف‬

‫وعلى الرغم من هذا التنوع في املتاحف في‬ ‫وعليه ختم التاج البريطاني‪ ،‬ولدى القيمني على‬
‫الكوي� � ��ت‪ ،‬فإن التاريخ العريق للكويت في التجارة‬ ‫املتحف خطة طموحة لتطويره‪ ،‬ستبدأ باالنتقال‬
‫بقي غائباً عنها‪ ،‬وهو ما دفع أستاذة التمويل في‬ ‫إلى قص� � ��ر نايف‪ ،‬حيث س� � ��يصبح املقر الرئيس‬
‫جامعة الكويت حصة البعيجان إلى طرح مبادرة‬ ‫له‪.‬‬
‫من هذا النوع‪ ،‬وقد جنحت في افتتاح متحف من‬ ‫مع ��رض الت ��راث الش ��عبي‪ :‬افتت� � ��ح ف� � ��ي عام‬
‫هذا القبيل في كلية العلوم اإلدارية في الشويخ‪،‬‬ ‫‪ ،2003‬وتعد قاعة التراث الشعبي الكويتي صورة‬
‫وضم املتحف نب� � ��ذة عن أهم احملطات في تاريخ‬ ‫مصغرة لكويت اآلباء واألجداد‪ ،‬وتش� � ��مل ساحة‬
‫جس� � ��دته إصدارات‬
‫الكويت املالي واالقتصادي‪ّ ،‬‬ ‫س� � ��وق الصفاة‪ ،‬الس� � ��وق القدمي‪ ،‬الفريج والبيت‬
‫ومقتنيات مهمة وقطع معدنية وعمالت نادرة‪.‬‬ ‫الكويتي‪ ،‬حياة البحر وصناعة الس� � ��فن‪ ،‬مقتنيات‬
‫احلياة اليومية‪ ،‬س� � ��وق احل� � ��رف اليدوية‪ ،‬األزياء‬
‫املسرح‬ ‫الكويتية‪ ،‬والقهوة الشعبية‪.‬‬
‫مر املس� � ��رح ف� � ��ي الكويت‪ ،‬على غ� � ��رار الفنون‬ ‫وكذلك هناك القرية التراثية في الس� � ��املي‪،‬‬
‫األخ� � ��رى‪ ،‬مبراح� � ��ل تاريخي� � ��ة عدة‪ ،‬قب� � ��ل أن يبلغ‬ ‫وهي تتبع فريق املوروث الشعبي‪.‬‬
‫مستواه الفني املهني الراقي‪ ،‬منذ الستينيات‪ ،‬وقد‬ ‫وفي احملصلة تزخر دولة الكويت بعدد جيد‬
‫كان لتناوله القضاي� � ��ا االجتماعية األثر البالغ في‬ ‫م� � ��ن املتاحف املتخصصة الت� � ��ي يختصر بعضها‬
‫حتقيقه جناحات جتاوزت حدود الكويت‪ ،‬فترددت‬ ‫بش� � ��كل واضح تاريخ الكوي� � ��ت واملراحل التي م ّر‬
‫أصداء أعماله في بغداد والقاهرة‪ ،‬واستمر املسرح‬ ‫بها‪ ،‬ولع� � ��ل هذا الواقع دفع عدي� � ��داً من املعنيني‬
‫في الكويت في حالة زخم وجناحات مستمرة حتى‬ ‫واألكادميي� �ي��ن للمطالب� � ��ة بتأس� � ��يس هيئة عامة‬
‫منتصف ثمانينيات القرن املاضي‪ ،‬ففي تلك الفترة‬ ‫لآلثار واملتاحف تش� � ��رف على ه� � ��ذه القطاعات‬
‫بدأ التراجع في مس� � ��توى املس� � ��رح بع� � ��د أن بدأت‬ ‫وتعزز دورها وحيويتها‪.‬‬

‫مسرح الدسمة‬

‫‪61‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 61‬‬ ‫‪12/29/14 8:36:15 AM‬‬


‫فرقة املسرح الشعبي تعرض مسرحية أحالم‬

‫صلبة ومهنية فجاء استناداً إلى نص مؤلف ومعد‬ ‫إرهاصاته قبل س� � ��نوات‪ ،‬نتيجة عوامل ومعطيات‬
‫سلفاً غير مرجتل‪.‬‬ ‫عدة‪ ،‬كان من بينها على حد وصف أحد وجوه هذا‬
‫أما العمل املسرحي التالي في تاريخ الكويت‪،‬‬ ‫الفن الكاتب املس� � ��رحي س� � ��ليمان اخلزامي سيادة‬
‫فانتظ� � ��ر حتى ع� � ��ام ‪ ،1939‬وقد ج� � ��رى هذه املرة‬ ‫االهتم� � ��ام باملس� � ��رح التجاري‪ ،‬واالهتم� � ��ام حصراً‬
‫في املدرس� � ��ة املباركية حتت اس� � ��م «إس� �ل��ام عمر‬ ‫بش� � ��باك التذاكر على حس� � ��اب املضم� � ��ون ليصبح‬
‫بن اخلط� � ��اب»‪ ،‬وأخرجه عضو البعث� � ��ة التعليمية‬ ‫املسرح التجاري سائداً‪.‬‬
‫الفلس� � ��طينية محمد محمود جن� � ��م‪ ،‬الذي كان قد‬ ‫أم� � ��ا التوصيف األدق للتح� � ��والت التي مر بها‬
‫تتلم� � ��ذ على يد الفنان زكي طليمات‪ ،‬وقد ش� � ��اركه‬ ‫املس� � ��رح في الكويت فكرسه أحد أبرز رموزه وهو‬
‫في ه� � ��ذا العمل ع� � ��دد م� � ��ن التالمي� � ��ذ الوافدين‬ ‫حمد عيس� � ��ى الرجيب‪ ،‬فقال في إحدى كتاباته إن‬
‫والكويتيني‪ ،‬كان من بينهم على سبيل املثال محمد‬ ‫األستاذ محمود جنم (من البعثة الفلسطينية) وضع‬
‫املغرب� � ��ي وحمد الرجي� � ��ب‪ ،‬ثم في أعم� � ��ال أخرى‬ ‫بذرة املس� � ��رح في الكويت خالل فترة األربعينيات‪،‬‬
‫ش� � ��ارك طلبة ج� � ��دد كان من بينهم أمي� � ��ر الكويت‬ ‫غي� � ��ر أن هذا الواقع ال ينف� � ��ي احلقيقة القائلة إن‬
‫الراحل الش� � ��يخ جابر األحم� � ��د الصباح‪ .‬ومن هنا‬ ‫املس� � ��رح كفكرة للهواة بدأ في ع� � ��ام ‪ 1922‬عندما‬
‫توالت األعمال املس� � ��رحية متخذة طابعاً موسمياً‪،‬‬ ‫قدم عبدالعزيز الرشيد أول مسرحية في الكويت‪،‬‬
‫ومنها «فت� � ��ح مصر أو عمرو ب� � ��ن العاص» وكذلك‬ ‫وذلك في عام ‪1922‬م مبناسبة االحتفالية اخلاصة‬
‫«حرب البس� � ��وس» بني عامي ‪1940‬و‪1943‬م‪ ،‬وقد‬ ‫مب� � ��رور عام على افتتاح املدرس� � ��ة األحمدية‪ ،‬غير‬
‫عكس هذا العمل األخير مدى االحتضان الرسمي‬ ‫أن اس� � ��م هذا العم� � ��ل الفني لم يذك� � ��ر في الكتب‬
‫الذي عرفه العمل املس� � ��رحي في الكويت آنذاك‪،‬‬ ‫املؤرخة‪ ،‬ولكن مما كتب حول ذلك العمل يس� � ��تنتج‬
‫إذ أُقي� � ��م حتت رعاية أمير الكويت الش� � ��يخ أحمد‬ ‫أنه اتس� � ��م بالواقعية‪ ،‬وكان مح� � ��وره التطور وتعدد‬
‫اجلابر الصباح‪ ،‬وقد اس� � ��تعني بس� � ��يوف وس� � ��جاد‬ ‫الرؤى‪ ،‬عاكس � � �اً في بعض جوانبه ش� � ��خصية كاتبه‬
‫من قصر دس� � ��مان‪ ،‬وق� � ��د حضر األمي� � ��ر العرض‬ ‫التي اتس� � ��مت كش� � ��خصية راغبة في االنفتاح على‬
‫املسرحي وك ّرم املش� � ��اركني بنفسه‪ .‬من هنا ميكن‬ ‫العالم‪ ،‬كم� � ��ا أن مثل هذا العمل بني على أس� � ��س‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪62‬‬

‫‪feb 36-83.indd 62‬‬ ‫‪12/29/14 8:36:18 AM‬‬


‫ملـف‬

‫الكويت في القاه� � ��رة‪ ،‬وحتى عام ‪ ،1950‬وبالفعل‪،‬‬ ‫القول إن العمل املس� � ��رحي في الكويت أخذ يشق‬
‫فقد س� � ��اهم الرجيب في تش� � ��جيع وإرساء معالم‬ ‫ال عن� � ��ه أي صفة من صفات‬ ‫طابعه احملترف مزي ً‬
‫املس� � ��رح احلديث في الكوي� � ��ت‪ ،‬مقدماً في الوقت‬ ‫الهواية واالرجتال‪ ،‬إذ مزجت جهود أس� � ��اتذة هذا‬
‫نفس� � ��ه مجموعة أعمال ق ّيمة‪ ،‬إذ كان من بني أول‬ ‫الف� � ��ن بالتحصيل العلم� � ��ي لدى الطلب� � ��ة يدعمها‬
‫ما أ َّلف «م� � ��ن اجلاني»‪« ،‬خروف ني� � ��ام نيام»‪ ،‬كما‬ ‫تش� � ��جيع األهالي‪ ،‬وقد ساهمت زيادة املدارس في‬
‫ش� � ��ارك مع أحمد العدواني في تأليف مس� � ��رحية‬ ‫تلك احلقبة في دعم انتشار العمل املسرحي على‬
‫«مهزلة في مهزلة»‪.‬‬ ‫مس� � ��توى الوطن‪ ،‬إذ شهد عام ‪ 1944‬عرض خمس‬
‫مس� � ��رحيات في م� � ��دارس‪ :‬املباركي� � ��ة‪ ،‬األحمدية‪،‬‬
‫من املدارس إلى النوادي‬ ‫القبلية الشرقية‪ ،‬حتت املسميات التالية‪« :‬بلقيس»‪،‬‬
‫من������ذ ع������ام ‪ 1950‬دخ������ل العمل املس������رحي‬ ‫«حرب البسوس»‪« ،‬فتح األندلس»‪« ،‬صالح الدين»‪،‬‬
‫ف������ي الكويت منعطفاً جديداً‪ ،‬والس������يما بعد أن‬ ‫«عبدالرحمن الداخل»‪.‬‬
‫أصبحت النوادي تشهد تنظيم عروض مسرحية‬ ‫وجتاوزت مرحلة التألق املسرحي احمللي حدود‬
‫بعد املدارس‪ ،‬فأسست جمعية للتمثيل في نادي‬ ‫الوطن‪ ،‬لتتردد أصداؤه بني جدران معهد املعلمني‬
‫املعلم���ي��ن الذي يع������ود تاريخه إلى ع������ام ‪،1951‬‬ ‫في القاه� � ��رة‪ ،‬ويلمع اس� � ��م جديد أس� � ��س ملرحلة‬
‫وقدمت فيه مس������رحيات عدة‪ ،‬كما شهد النادي‬ ‫مختلفة في تاريخ العمل املسرحي في الكويت‪ ،‬هو‬
‫األهلي مجموعة عروض أيضاً في العام التالي‪،‬‬ ‫حمد عيس� � ��ى الرجيب‪ ،‬الذي تتلمذ على يد الفنان‬
‫ثم كان هناك تطور مهم برز مع تأس������يس «فرقة‬ ‫زكي طليمات‪ ،‬إذ جسدت مسرحية «إسالم عمر»‬
‫الكش������اف الوطني» كأول جتمع مس������تقل ميثل‬ ‫أول عم� � ��ل ش� � ��ارك فيه‪ ،‬ومن هناك أصبح اس� � ��مه‬
‫الهيئ������ات واملدارس يخصص للمس������رح‪ ،‬قبل أن‬ ‫حاضراً في مختلف األعمال املس� � ��رحية‪ ،‬بدءاً من‬
‫يتحول اسمها إلى «املسرح الشعبي»‪ ،‬وكان حتت‬ ‫عام ‪ 1945‬والسيما األعمال التي أقيمت في بيت‬

‫متابعو أحد العروض املسرحية‬

‫‪63‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 63‬‬ ‫‪12/29/14 8:36:22 AM‬‬


‫صورة أرشيفية ملهرجان املوسيقى العربية الثاني عشر‬

‫بدءاً من عام ‪ ،1966‬عندما أخذت املس������رحيات‬ ‫رعاية وزارة الشؤون االجتماعية في عام ‪،1956‬‬
‫الكويتية تعرض خارج ح������دود الوطن في داللة‬ ‫وفي تلك احلقبة كان عيس������ى حمد الرجيب قد‬
‫على مكانتها الفنية واألدبية‪ ،‬وكان من بينها على‬ ‫أصبح أحد مس������ؤولي الوزارة‪ ،‬حيث دعا أستاذه‬
‫سبيل املثال مس������رحية «احلاجز» لفرقة املسرح‬ ‫زكي طليمات إلى الكوي������ت‪ ،‬وتولى األخير ملف‬
‫العربي‪ ،‬إذ ُعرضت في كل من بغداد والقاهرة‪،‬‬ ‫املسرح برمته معداً دراسة شاملة حوله‪ ،‬أخذت‬
‫بينما ش������ارك «مس������رح اخلليج» في نش������اطات‬ ‫طريقها إلى التنفي������ذ منذ عام ‪ ،1961‬وكان من‬
‫ومهرجان������ات خارجية عدة كان م������ن بينها على‬ ‫أثرها والدة «فرقة املسرح العربي» القائمة على‬
‫«جن������اح التبريزي» و«تابعة قف������ة» في مهرجاني‬ ‫نهج علمي في اختي������ار املمثلني‪ ،‬وتقدمي أعمال‬
‫قرطاج ودمشق‪.‬‬ ‫بلغة عربي������ة فصحى‪ ،‬لتكون مس������رحية «صقر‬
‫إلى ذلك‪ ،‬س������جل عام ‪ 1967‬خطوة أخرى‬ ‫قري������ش» باك������ورة أعمالها في ع������ام ‪ ،1962‬قبل‬
‫مهم������ة عل������ى طريق إضف������اء املزيد م������ن البعد‬ ‫والدة مركز الدراسات املسرحية بعد نحو ثالثة‬
‫املؤسس������ي على املس������رح في الكويت‪ ،‬وذلك مع‬ ‫أع������وام‪ ،‬وقد تخلت الوزارة عن اإلش������راف على‬
‫تطور دور مركز الدراس������ات ليحمل اسم معهد‬ ‫الف������رق وتقرر أن تكون ذات طابع أهلي‪ ،‬ليتوالى‬
‫الدراس������ات املس������رحية‪ ،‬م������ع احتفاظ������ه بنظام‬ ‫إشهار الفرق‪ ،‬وكان أبرزها‪:‬‬
‫العامني الدراس������يني بعد شهادة الثانوية العامة‪،‬‬ ‫‪ -‬فرقة املسرح العربي ‪.1961‬‬
‫إضافة إلى قس������م الدراس������ات احل������رة الذي لم‬ ‫‪ -‬فرقة املس������رح الش������عبي ‪ ،1964‬وسبق أن‬
‫يك������ن يش������ترط أن يحمل املرش������ح إليه ش������هادة‬ ‫بدأت في عام ‪.1956‬‬
‫الثانوي������ة العام������ة‪ ،‬وفي عام ‪ 1975‬تغير اس������مه‬ ‫‪ -‬فرقة مسرح اخلليج العربي ‪.1962‬‬
‫مجدداً ليصبح هذه املرة «املعهد العربي للفنون‬ ‫‪ -‬فرقة املسرح الكويتي ‪.1964‬‬
‫املس������رحية»‪ ،‬معتم������داً نظاماً دراس������ياً من أربع‬ ‫سجل نش������اط الفرق األهلية متيزاً ملحوظاً‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪64‬‬

‫‪feb 36-83.indd 64‬‬ ‫‪12/29/14 8:36:25 AM‬‬


‫ملـف‬

‫ملحوظاً خ���ل��ال العقدين املاضيني‪ ،‬حتى خلص‬ ‫س������نوات‪ ،‬وضم ثالثة أقسام هي‪ :‬قسم التمثيل‬
‫الفنان محمد املنصور واقعه بالقول‪« :‬إن املسرح‬ ‫واإلخراج‪ ،‬وقسم النقد واألدب املسرحي‪ ،‬وقسم‬
‫في املاضي كان يصنع املناس������بة‪ ،‬أما اليوم فقد‬ ‫الديكور املس������رحي‪ ،‬وجنح في استقطاب طالب‬
‫أصبح أسيراً لها»‪.‬‬ ‫من دول اخلليج العربية‪.‬‬
‫كذلك فق������د كان للمرأة الكويتي������ة دور بارز‬ ‫وكان م������ن نتيجة هذه التطورات أن أس������هم‬
‫ف������ي إثراء جتربة املس������رح الوطن������ي‪ ،‬من خالل‬ ‫املعهد في تخريج أجيال درس������ت املس������رح وفق‬
‫ش������خصيات ملعت أس������ماؤها على خشباته كان‬ ‫أس������س علمي������ة‪ ،‬طارح������اً عديداً م������ن العروض‬
‫من بينهن‪ :‬س������عاد عبدالله‪ ،‬حي������اة الفهد‪ ،‬مرمي‬ ‫املس������رحية الت������ي ما زالت عالقة ف������ي األذهان‪،‬‬
‫الصالح‪ ،‬مرمي الغضبان‪ ،‬وطيبة الفرج‪.‬‬ ‫وامت������د أث������ره نحو إث������راء احلي������اة الثقافية في‬
‫الكويت واملش������اركة في فعالي������ات عدة من بينها‬
‫املسارح اخلاصة‬ ‫مهرجان القرين الثقافي‪ ،‬وقد استمر املعهد في‬
‫وبالعودة إلى النش� � ��اط املس� � ��رحي بشكل عام‪،‬‬ ‫نشاطه الثري خالل عقد التسعينيات‪ ،‬وأطلقت‬
‫فقد س� � ��جل عام ‪ 1984‬تطوراً جدي� � ��داً‪ ،‬وإن كان له‬ ‫ع������روض مس������رحية عدة‪ ،‬والس������يما ف������ي عهد‬
‫األثر اإليجاب� � ��ي التام كأقرانه م� � ��ن التطورات التي‬ ‫الكاتب واملخرج حسني املسلم‪ ،‬ثم توالى إشراف‬
‫ش� � ��هدتها احلركة املس� � ��رحية‪ ،‬حيث كرست املسارح‬ ‫ش������خصيات مرموقة ع������دة عل������ى إدارة املعهد‪،‬‬
‫اخلاصة نفس� � ��ها كالعب جديد‪ ،‬وسجل ذلك العام‬ ‫من بينها أحمد عبداحلليم‪ ،‬س������عد أردش‪ ،‬كرم‬
‫دخول املس� � ��ارح اخلاصة كمنافس للمسارح األهلية‪،‬‬ ‫مطاوع‪ ،‬أحمد زكي‪ ،‬املنصف السويس������ي‪ ،‬صالح‬
‫وعل� � ��ى الرغم مما متيز به ه� � ��ذا العام من ثراء على‬ ‫سعد‪ ،‬ويحيى عبدالتواب وغيرهم‪.‬‬
‫صعيد اإلنتاج املس� � ��رحي‪ ،‬فإن معظم النقاد اتفقوا‬ ‫وإلى جانب الدور الذي أدته الفرق األهلية‪،‬‬
‫على أن هذه الظاهرة اجلديدة كرست واقع «الكم»‬ ‫ومن ثم املعهد على مس������توى النشاط املسرحي‬
‫على حساب «الكيف»‪ ،‬ولعل هذا الواقع طبع ومازال‬ ‫ف������ي الكوي������ت‪ ،‬فق������د كان لبع������ض املؤسس������ات‬
‫يطبع املس� � ��رح حت� � ��ى اليوم‪ ،‬فانحصر دور املس� � ��ارح‬ ‫األكادميية ملستها في هذا املجال‪ ،‬حيث أسست‬
‫األهلية وال نقول اندثر‪ ،‬وكذلك دور الفرق األهلية‪،‬‬ ‫وزارة التربي������ة من������ذ الع������ام الدراس������ي ‪-1962‬‬
‫بينم� � ��ا كان م� � ��ن نتيجة هذا التراج� � ��ع‪ ،‬أو حتى مما‬ ‫‪ 1966‬قس������ماً للنشاط املدرس������ي الذي ينضوي‬
‫ساهم في تكريس� � ��ه‪ ،‬انتقال عديد من جنوم العمل‬ ‫النشاط املس������رحي حتت مظلته‪ ،‬وكذلك سجل‬
‫املس� � ��رحي إلى األعمال التلفزيونية‪ ،‬ورمبا الدرامية‬ ‫ع������ام ‪ 1977‬والدة املس������رح اجلامعي‪ ،‬واس������تمر‬
‫على وجه التحديد‪.‬‬ ‫في نش������اطه حت������ى ع������ام ‪ ،1980‬عندما قررت‬
‫وبالرغم م� � ��ن هذا الواقع‪ ،‬فإن هناك مس� � ��اعي‬ ‫عمادة ش������ؤون الطلبة تعيني مشرف متخصص‬
‫إلع� � ��ادة حتديث البنية التحتية للمس� � ��ارح من خالل‬ ‫في املس������رح ملتابعة نش������اطه‪ ،‬وكان م������ن نتيجة‬
‫إطالق مسارح جديدة من بينها مسرح الساملية الذي‬ ‫هذه الفورة في النش������اطات املس������رحية أن عمد‬
‫افتتح في أكتوبر ‪ ،2014‬ويعد صرحاً مميزاً‪ ،‬ويكرس‬ ‫املجل������س الوطني للثقاف������ة والفنون واآلداب إلى‬
‫منطاً غير مسبوق في املسارح على مستوى الكويت‪،‬‬ ‫إطالق مهرجان املسرح احمللي منذ عام ‪،1989‬‬
‫غي� � ��ر أن عديداً من املعنيني بهذه الصناعة يرون أنه‬ ‫ثم س������جل عام ‪ 2004‬إطالق مهرجان اخلرافي‬
‫مطلوب توفير الدعم الفني والتقني لها‪ ،‬وصوالً إلى‬ ‫السنوي كنش������اط يجري تنظيمه بصفة سنوية‪،‬‬
‫القوانني والتش� � ��ريعات الت� � ��ي ترعاها وعدم قصرها‬ ‫وكان من نتيجة هذه احلركة النشطة مصنفات‬
‫على املباني والتجهيزات‪.‬‬ ‫وكتب قيمة تناولت العمل املسرحي في الكويت‪،‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فال ش������ك في أن جتربة املس������رح‬ ‫وعلى الرغم من كل الطموحات التي علقت على‬
‫في الكويت كان لها رونقها اخلاص‪ ،‬وقد حجزت‬ ‫العمل املسرحي في الكويت‪ ،‬فإنه سجل تراجعاً‬

‫‪65‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 65‬‬ ‫‪12/29/14 8:36:28 AM‬‬


‫كوكبة من جنوم الغناء األوائل‪ :‬عودة املهنا‪ ،‬عبدالله فضالة‪ ،‬محمود الكويتي‪ ،‬عبداللطيف الكويتي‪ ،‬عائشة املرطة‪ ,‬عوض‬
‫دوخي‬
‫استمدت التقليدية أو األصيلة منها خصائصها‬ ‫لنفسها مكانة مهمة في أوساط املثقفني ومختلف‬
‫وجذورها ومناهجها التلحينية من فنون العصور‬ ‫شرائح املجتمع‪ ،‬وإن كانت قد برزت فوارق عدة‬
‫األول������ى للحضارة العربية‪ ،‬وإن كانت األغنية في‬ ‫بني مستوى األعمال التي تقدمها الفرق األهلية‬
‫ما بعد شهدت ش������يئاً من التطور حتى أصبحت‬ ‫وب���ي��ن أعمال املعهد‪ ،‬ثم برز عامل آخر متثل في‬
‫تش������به إلى حد كبير األغاني العربية املعاصرة‪،‬‬ ‫انحسار التفاعل بني املعهد نفسه وعالم املسرح‪،‬‬
‫فاألغان������ي التقليدي������ة كانت على أن������واع ثالثة‪:‬‬ ‫وحتول عدد من خريجيه إلى األعمال التلفزيونية‬
‫املدنية‪ ،‬والبحرية‪ ،‬والبدوية‪ .‬فالنوع األول ينتمي‬ ‫واإلذاعية والفرق اخلاصة‪.‬‬
‫إلى املدينة‪ ،‬ومارس������ه املطربون‪ ،‬ويش������مل أيضاً‬ ‫ورغم املراحل املتعددة التي مر بها املس������رح‬
‫األغان������ي اجلماعي������ة التي كان������ت تتلوها الفرق‬ ‫ف������ي الكويت‪ ،‬والس������يما مراح������ل التراجع التي‬
‫الشعبية أو األغاني الفلكلورية‪.‬‬ ‫سجلها خالل العقود الثالثة املاضية‪ ،‬فإنه ومما‬
‫أما األغاني البحرية‪ ،‬فهي تضم أغاني فردية‬ ‫ال شك فيه أن املس������رح في الكويت ترك بصمة‬
‫وجماعية ميارس������ها البحارة على ظهر الس������فن‪،‬‬ ‫واضحة كفن قائم بذاته‪ ،‬ولعل التوصيف األكثر‬
‫وهي تتطلب ممن يؤديها مهارات فنية وموسيقية‬ ‫حوله يبقى في ما خلصه األستاذ الرجيب نفسه‬
‫عال من احل������س‪ ،‬وتتصاحب مع‬ ‫ذات مس������توى ٍ‬ ‫بالقول‪« :‬كان املس������رح واليزال امل������رآة التي تطل‬
‫اس������تخدام آلة الصرناي‪ ،‬في ح���ي��ن أن األخيرة‬ ‫منها الش������عوب على ماضيها وحاضرها وأيضاً‬
‫هي تلك التي تنتمي إلى البادية‪ ،‬وهي مجموعة‬ ‫مستقبلها‪.»...‬‬
‫من القوالب الشعرية واللحنية التي يتم ترديدها‬
‫مبصاحبة آلة الربابة‪.‬‬ ‫املوسيقى والغناء‬
‫إذن‪ ،‬ميكن الق������ول إن الكويت تفردت ضمن‬ ‫بالعودة إلى األغنــــية الكويتية بشكل عام‪ ،‬فقد‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪66‬‬

‫‪feb 36-83.indd 66‬‬ ‫‪12/29/14 8:36:32 AM‬‬


‫ملـف‬

‫ع� � ��وض دوخي‪ ،‬يوس� � ��ف دوخ� � ��ي‪ ،‬وعبداللطيف‬ ‫منظوم������ة دول اخللي������ج من������ذ الق������دم‪ ،‬بلون من‬
‫الدوخي‪ ...‬وغيرهم‪.‬‬ ‫أعرق األلوان الغنائية الش������عبية العربية وهو فن‬
‫وبعد الفرج ذاع صيت خالد البكر‪ ،‬وقد فتح‬ ‫«الصوت»‪ ،‬وهو ض������رب من الغناء العربي عرفه‬
‫ديواناً ملريديه في شارع دسمان وكان يزوره علية‬ ‫األول������ون‪ .‬ومنذ ع������ام ‪1960‬م‪ ،‬عرف������ت الكويت‬
‫وأعيان البالد‪ ،‬وقد تأثر به أيضاً شقيقه يوسف‬ ‫األغنية احلديثة‪ ،‬وخصوصاً مع الفنان ش������ادي‬
‫البكر‪ ،‬وينقل عن جي� � ��ل تلك املرحلة أن متذوقي‬ ‫اخلليج‪ ،‬حيث ش������كلت أغنية «لي خليل َح ِسني»‬
‫املوس� � ��يقى لم يكون� � ��وا يف ّرقون بني الش� � ��قيقني‪.‬‬ ‫أول أغني������ة حديث������ة مطورة‪ .‬ومنذ تل������ك الفترة‪،‬‬
‫وي� � ��روي أحمد البش� � ��ر الرومي أنه اس� � ��تفاد من‬ ‫ش������هدت الكويت حفالت فنية راقية أقيمت في‬
‫الهدية املقدمة من الش� � ��يخ جاب� � ��ر العلي الصباح‬ ‫صاالت عدة‪ ،‬منها على سبيل املثال احلفلة التي‬
‫في عام ‪1953‬م‪ ،‬وهي عبارة عن مس� � ��جل جديد‪،‬‬ ‫ش������ارك فيها الفنان عبداحلميد السيد في عام‬
‫فاستغل الفرصة ليسجل ليوسف البكر أكثر من‬ ‫‪ ،1963‬في سينما األندلس‪.‬‬
‫‪ 60‬أغنية من أغانيه‪.‬‬
‫أحم ��د الزجنب ��ار‪ :‬ولد في زجنب� � ��ار في عام‬ ‫الفنانون األوائل‬
‫‪1917‬م‪ ،‬وهاج� � ��ر إلى الكويت ف� � ��ي عام ‪1933‬م‪،‬‬ ‫يعد عبدالله الفرج م� � ��ن أوائل العازفني على‬
‫عل� � ��ى منت إحدى الس� � ��فن التجاري� � ��ة‪ ،‬قادته إلى‬ ‫العود في الكويت‪ ،‬وإن كانت البالد قد س� � ��جلت‬
‫الب� �ل��اد ش� � ��هرة عبدالله الفرج‪ ،‬و ُع� � ��رف عنه أنه‬ ‫وجود عازف� �ي��ن على هذه اآللة‪ ،‬لك� � ��ن يبدو أنهم‬
‫ملحن وعازف ومطرب وكذلك ممثل مس� � ��رحي‪،‬‬ ‫كانوا غير مش� � ��هورين‪ ،‬ومنذ العشرينيات عرفت‬
‫وعلى الرغم من أن عدد أعماله الغنائية لم يتعد‬ ‫الكوي� � ��ت العود الهندي املصنوع من قطعة واحدة‬
‫‪ 8‬أحلان‪ ،‬فإنه ش � � � ّكل بحق مدرسة فنية وغنائية‪،‬‬ ‫من اخلش� � ��ب األكثر رواجاً‪ ،‬قبل أن يصبح العود‬
‫كم� � ��ا أنه أول م� � ��ن غنى له املطرب ف� � ��رج الفرج‪،‬‬ ‫الش� � ��امي ش� � ��ائعاً بني الناس‪ ،‬ويحل مكان نظيره‬
‫باإلضافة إل� � ��ى أنه من مؤسس� � ��ي فرقة اإلذاعة‬ ‫الهندي‪.‬‬
‫الكويتية‪ ،‬وكان م� � ��ن األعضاء البارزين في مركز‬ ‫إذن‪ ،‬يع� � ��د عبدالله ب� � ��ن محمد الف� � ��رج «أبو‬
‫الفنون الشعبية الذي أُسس في عام ‪1957‬م‪.‬‬ ‫األصوات» في الكويت‪ ،‬وقد ولد في عام ‪،1836‬‬
‫عبدالله الفضالة‪ :‬ينس� � ��ب إلي� � ��ه أنه أول من‬ ‫وعل� � ��ى الرغم من أنه برع في العلوم العامة‪ ،‬فإنه‬
‫أدخ� � ��ل البيانو في األغنية الكويتية‪ ،‬وقد س� � ��اهم‬ ‫آثر عليها الش� � ��عر واملوس� � ��يقى‪ ،‬ويبدو أن الفرج‬
‫في تط� � ��ور األغنية الكويتية من حيث اس� � ��تعمال‬ ‫تأثر خالل فت� � ��رة وجوده في بومباي بأهل اليمن‬
‫اإليقاع� � ��ات وبع� � ��ض اآلالت املوس� � ��يقية‪ .‬متي� � ��ز‬ ‫املوجودي� � ��ن هناك‪ ،‬الذين كان� � ��وا معروفني بأنهم‬
‫الفضالة بق� � ��درة كبيرة في الكتاب� � ��ة‪ ،‬كما ملع في‬ ‫ذواق� � ��ة في املوس� � ��يقى‪ ،‬وقد حمل فن� � ��ه معه إلى‬
‫الش� � ��عر والتأليف والطرب والتلح� �ي��ن‪ ،‬وبرع في‬ ‫الكويت عند عودت� � ��ه إلى بالده‪ ،‬وبرع في العزف‬
‫الغناء الش� � ��عبي (الصوت) واألغان� � ��ي اخلفيفة‪،‬‬ ‫عل� � ��ى آلة العود وف� � ��ي التلحني‪ ،‬ه� � ��ذا باإلضافة‬
‫سجل أولى أسطواناته في عام ‪1913‬م‪ ،‬ومت ذلك‬ ‫إلى أنه كان ش� � ��اعراً‪ ،‬وخصص الفرج في ديوانه‬
‫في الهند‪ ،‬وكان من املعروف أن أسطواناته كانت‬ ‫غرف� � ��ة للعزف عرفت بال � � �ـ «أدخينة»‪ ،‬وقد الزمه‬
‫تُباع بسعر أعلى من األسطوانات األخرى‪ ،‬وكان‬ ‫في عزفه إبراهيم اليعقوب‪ ،‬حتى وفاة الفرج في‬
‫من بني األغاني التي س� � ��جلت أرقاماً مرتفعة في‬ ‫ع� � ��ام ‪1903‬م‪ ،‬فأخذ مكانه واس� � ��تمر في العزف‬
‫املبيع� � ��ات أغنية بعن� � ��وان «العجائز»‪ ،‬وقد حققت‬ ‫حتى بلغ مرحلة العجز‪.‬‬
‫أغانيه جناحاً كبيراً في حقبة اخلمسينيات‪.‬‬ ‫وبرز أيضاً من الفنانني الذين توارثوا األحلان‬
‫عبداللطي ��ف الكويت ��ي‪ :‬ه� � ��و باختصار فنان‬ ‫في تلك الفترة عبدالل� � ��ه الفضالة‪ ،‬عبداللطيف‬
‫األوائل‪ ،‬فهو أول فنان كويتي يسجل أغانيه على‬ ‫الكويت� � ��ي‪ ،‬محمود الكويتي‪ ،‬أحم� � ��د الزجنباري‪،‬‬

‫‪67‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 67‬‬ ‫‪12/29/14 8:36:50 AM‬‬


‫فرقة من الفرق الكويتية الشعبية‬

‫الفنان���ي��ن‪ ،‬إذ كان يحمل مؤه������ل بكالوريوس من‬ ‫أسطوانات وكان ذلك في بغداد في عام ‪1927‬م‪،‬‬
‫املعهد العالي للتربية املوسيقية منذ عام ‪،1967‬‬ ‫كما أنه أول مطرب كويتي غنى أغنية في بغداد‪،‬‬
‫وهو أحد مؤسس������ي جمعي������ة الفنانني الكويتيني‬ ‫قبل أن ينتقل للتسجيل في القاهرة‪ ،‬ليكون أيضاً‬
‫وأمني سرها‪.‬‬ ‫أول فنان كويتي يسافر إلى هناك‪ ،‬ويلتقي بكبار‬
‫بدأ مسيرته منذ عام ‪1954‬م مشاركاً ضمن‬ ‫فنانيها مثل أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب‪ ،‬ورافقه‬
‫أفراد الكشافة في املدرسة األحمدية التي أحيت‬ ‫في تل� � ��ك احلقبة‪ ،‬املط� � ��رب س� � ��عود عبدالرزاق‬
‫حفلة س� � ��مر غنى فيها‪ ،‬وكان م� � ��ن بني احلضور‬ ‫الياقوت‪ ،‬كما أنه يعد أول مطرب كويتي س� � ��افر‬
‫الش� � ��يخ عبدالله اجلابر الصباح‪ ،‬في حني كانت‬ ‫إلى الس� � ��عودية واتصل بعاهلها امللك عبدالعزيز‬
‫بدايت� � ��ه احلقيقية ف� � ��ي ع� � ��ام ‪1960‬م‪ ،‬حني قدم‬ ‫بن س� � ��عود في عام ‪ ،1934‬حيث غنى له نش� � ��يداً‬
‫ل� � ��ه امللح� � ��ن أحمد باقر حل� � ��ن أغنيته الش� � ��هيرة‬ ‫خاصاً‪ ...‬األولي� � ��ة عنده ال تقف عند هذا احلد‪،‬‬
‫«ل� � ��ي خليل حس� �ي��ن» من كلمات الش� � ��اعر أحمد‬ ‫فهو أول مطرب كويتي غنى في اإلذاعات العربية‬
‫العدواني‪ ،‬ولكنه لم يسجل هذه األغنية مباشرة‪،‬‬ ‫واألجنبية من� � ��ذ عام ‪1938‬م‪ ،‬ويقال إنه في وقت‬
‫حيث اعتبرت أغنية «األم» أول أغانيه الرسمية‪.‬‬ ‫م� � ��ن األوقات لم يك� � ��ن هناك ط� � ��رب غير طرب‬
‫وعلى الرغم من الشهرة السريعة التي حصدها‪،‬‬ ‫عبداللطيف الكويتي‪.‬‬
‫فإنه توقف ملدة ‪ 11‬عاماً ثم عاد في عام ‪،1976‬‬ ‫يجسد شادي اخلليج جيل‬ ‫ِّ‬ ‫ش ��ادي اخلليج‪:‬‬
‫وطرح أغنيتني من أحلان غنام الديكان‪.‬‬ ‫الفنانني األصيلني واجلدد في الكويت‪ ،‬واس������مه‬
‫األصل������ي عبدالعزيز خالد املف������رج‪ ،‬وقد أطلق‬
‫وللمرأة حصتها‬ ‫اس������مه الفني عليه من قبل حمد الرجيب‪ .‬تبوأ‬
‫لم يقتص� � ��ر التراث الفن� � ��ي والغنائي الكويتي‬ ‫مكانة كبيرة في قلوب شرائح املجتمع املختلفة‪،‬‬
‫على الرجل‪ ،‬بل امتد ليشمل املرأة الكويتية‪ ،‬وكان‬ ‫ومازال اس������مه يتردد حتى اليوم في عالم الغناء‬
‫للنساء حضور ش� � ��عبي ليس فقط في الكويت بل‬ ‫األصي������ل‪ ،‬كم������ا كان ل������ه موقع������ه واحترامه بني‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪68‬‬

‫‪feb 36-83.indd 68‬‬ ‫‪12/29/14 8:36:54 AM‬‬


‫ملـف‬

‫يوم ‪1973/3/24‬م بحضور ش� � ��خصيات رس� � ��مية‬ ‫ف� � ��ي منطقة اخلليج العربي أيضاً‪ ،‬وكان من بينهن‬
‫وشعبية‪.‬‬ ‫أو أبرزهن األسماء التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أم زايد‪ :‬عرف الفن الكويتي الفنانة الشعبية‬ ‫‪ -‬ع ��ودة املهنا‪ :‬واس� � ��مها احلقيقي عودة بشير‬
‫أم زاي� � ��د‪ ،‬وهي من األعضاء املؤسس� �ي��ن جلمعية‬ ‫معي� � ��وف املهن� � ��ا‪ ...‬ب� � ��دأت مس� � ��يرتها الفنية في‬
‫الفنانني الكويتيني‪ ،‬وصاحبة فرقة حملت اسمها‪،‬‬ ‫اخلامس� � ��ة عشرة من عمرها‪ ،‬و ُعرفت بأنها فنانة‬
‫ولها تسجيالت إذاعية كثيرة‪.‬‬ ‫شعبية‪ ،‬وكانت ضمن فرقة خالتها املرحومة هدية‬
‫‪ -‬عائشة املرطة‪ :‬عرفت الكويت عائشة املرطة‬ ‫املهن� � ��ا‪ ،‬وفي ما بعد أصبحت في الصفوف األولى‬
‫التي لقبت مبلكة السامري‪ ،‬ولم تكتف بالسامري‪،‬‬ ‫في الفرقة ومن وجوهها الرئيس� � ��ة‪ ،‬حيث حفظت‬
‫ب� � ��ل غنت األغاني التي متتاز باإليقاع الدوس� � ��ري‬ ‫جمي� � ��ع الفنون الش� � ��عبية‪ ،‬وقد تولت ف� � ��ي ما بعد‬
‫والنج� � ��دي واحلوطي والنج� � ��ازي‪ ...‬عرفت بحبها‬ ‫رئاس� � ��ة الفرقة‪ .‬وتذكر في إحدى مقابالتها أنها‬
‫املستمر لزيارة القاهرة ولقائها بأم كلثوم‪ ،‬وسجلت‬ ‫كانت تسمى بالـ «رعدة»‪ ،‬وبرزت الفنانة في فنون‬
‫فيها أحب أغانيها‪.‬‬ ‫عدة أخرى من بينها املس� � ��رح‪ ،‬حيث كانت فرقتها‬
‫أما أب� � ��رز اآلالت املوس� � ��يقية واإليقاعية التي‬ ‫أول فرقة نس� � ��ائية تصعد على خشبة املسرح في‬
‫عرفته� � ��ا الكويت‪ ،‬فه� � ��ي‪ :‬الطبل الكبي� � ��ر‪ ،‬الطبل‬ ‫ع� � ��ام ‪1955‬م‪ ،‬كما ش� � ��اركت في فيلم س� � ��ينمائي‬
‫النصف� � ��ي‪ ،‬األحجلة (األيحلة)‪ ،‬امل� � ��رواس‪ ،‬الطار‪،‬‬ ‫بعنوان «تقاليد وعادات ال� � ��زواج في الكويت» في‬
‫املس� � ��وندو‪ ،‬الطويس� � ��ات‪ ،‬اله� � ��اون‪ ،‬التصفي� � ��ق‪،‬‬ ‫ع� � ��ام ‪1957‬م‪ .‬إل� � ��ى ذلك‪ ،‬تعد فرقته� � ��ا أول فرقة‬
‫املنجور‪ ،‬التنكة‪ ،‬جيكاجنا‪ ،‬املنحاز‪ ،‬الربابة‪ ،‬العود‪،‬‬ ‫نس� � ��ائية ش� � ��اركت في الكورس في بداية تسجيل‬
‫السمسمية‪ ،‬الطنبورة‪ ،‬الباتو أو التنكة‪ ،‬العدناوي‪،‬‬ ‫األغاني احلديثة مع الفنان شادي اخلليج‪ .‬وكانت‬
‫الهبان‪ ،‬املنارة‪ ،‬الدكل والبيبا‪.‬‬ ‫لها مشاركات في مناسبات وطنية عدة‪ ،‬من بينها‬
‫مركز الفنون الشعبية‪ :‬افتتح في عام ‪1956‬م‪،‬‬ ‫على سبيل املثال تش� � ��ييع شهيدي مركز الصامتة‬

‫عرض من عروض فرقة التلفزيون‬

‫‪69‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 69‬‬ ‫‪12/29/14 8:36:57 AM‬‬


‫مبنى وزارة اإلعالم‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪70‬‬

‫‪feb 36-83.indd 70‬‬ ‫‪12/29/14 8:38:09 AM‬‬


‫ملـف‬

‫رموز من فناني الكويت‪ :‬الراحل خالد النفيسي وعبداحلسني عبدالرضا وسعد الفرج والراحل غامن الصالح‬

‫أعوام ويشمل املعهد العالي للفنون املوسيقية‪ ،‬موفراً‬ ‫وش� � ��كل مظلة للفنانني الذين أخذوا بارتياده‪ ،‬في‬
‫فرصة تعلم ش� � ��تى مجاالت املوسيقى‪ ،‬ومع ذلك فهو‬ ‫خط� � ��وة تؤكد االهتم� � ��ام بفن الغناء واملوس� � ��يقى‪،‬‬
‫يوف� � ��ر خلريجي املرحلة الثانوية االلتحاق به بش� � ��رط‬ ‫باإلضاف� � ��ة إلى انتش� � ��ار ه� � ��ذا الفن ف� � ��ي الكويت‬
‫االنخراط في برنامج متهيدي ملدة عام‪.‬‬ ‫ف� � ��ي تلك الفترة‪ .‬وقد أصب� � ��ح املركز مبنزلة املقر‬
‫ويتمث� � ��ل أح� � ��د أهداف� � ��ه ف� � ��ي صناع� � ��ة جيل من‬ ‫للفنان� �ي��ن يزاولون في� � ��ه حياتهم الفني� � ��ة‪ ،‬وقد بلغ‬
‫املوس� � ��يقيني‪ ،‬ويتضمن من خالل منهجه‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫املركز م� � ��ن القوة في مرحلة م� � ��ن املراحل بحيث‬
‫تعليم العزف على اآلالت املختلفة وأمناط املوس� � ��يقى‬ ‫كان� � ��ت اإلذاع� � ��ة ال جتيز ش� � ��يئاً إال مبوافقته على‬
‫املختلفة مثل الشرقية والكالسيكية‪ ،‬مناهج متخصصة‬ ‫الن� � ��ص واللحن واألداء‪ ،‬وقد س� � ��جلت فيه العديد‬
‫في التراث املوسيقي الكويتي وتاريخها‪.‬‬ ‫من األغاني الش� � ��هيرة‪ ،‬من بينها «لي خليل حسني‬
‫وفرحة الع� � ��ودة»‪ ...‬باختصار‪ ،‬لع� � ��ب املركز دوراً‬
‫تلفزيون الكويت‬ ‫مهماً في إبراز األغنية الكويتية ودعم انتشارها‪.‬‬
‫عرف أهل الكويت التلفزيون ألول مرة‪ ،‬مع أول‬ ‫معهد الدراس ��ات املوس ��يقية‪ :‬ال ميكن املرور على‬
‫بث تلفزيون� � ��ي محلي في عام ‪1957‬م‪ ،‬من خالل‬ ‫جتربة الغناء واملوس� � ��يقى في الكويت من دون تسليط‬
‫محطة إرس� � ��ال صغيرة بقوة عش� � ��رة كيلو واط‪،‬‬ ‫الضوء على جتربة معهد الدراس� � ��ات املوسيقية‪ ،‬التي‬
‫وكان ممل� � ��وكاً ألحد التجار‪ ،‬غي� � ��ر أن االنطالقة‬ ‫عكست بشكل أو بآخر مواكبة مؤسسات الدولة لهذا‬
‫احلقيقية للتلفزيون كانت في اخلامس عشر من‬ ‫الف� � ��ن املتنامي منذ عقود‪ ،‬والس� � ��عي لتوفير الدعم له‬
‫نوفمبر من عام ‪1961‬م‪ ،‬عندما صدر املرس� � ��وم‬ ‫بكل األشكال املتوافرة‪ ،‬وهو ما توج من خالل تأسيس‬
‫األميري رقم‪ ،2‬الذي قضى بإحلاق تلفزيون دولة‬ ‫معهد الدراس� � ��ات املوس� � ��يقية في ع� � ��ام ‪1972‬م‪ ،‬قدم‬
‫الكويت بوزارة اإلرشاد واألنباء‪ ،‬أي وزارة اإلعالم‬ ‫املعهد دراس� � ��ات املرحلة الثانوية ليتط� � ��ور بعد أربعة‬

‫‪71‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 71‬‬ ‫‪12/29/14 8:38:01 AM‬‬


‫مبنى املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‬

‫بدأ في نهاية عام ‪1962‬م‪ ،‬وس� � ��جل في ‪ 19‬يونيو‬ ‫حالي � � �اً‪ ،‬ليصب� � ��ح ثاني تلفزيون ف� � ��ي اخلليج بعد‬
‫من ذلك العام خروج أول كاميرا من االس� � ��تديو‪،‬‬ ‫العراق‪ ،‬وكان باسم البرنامج العام يبث من احلي‬
‫لتسجيل االحتفاالت الرسمية والشعبية مبناسبة‬ ‫الش� � ��رقي في مدينة الكويت حتت مظلة شبرات‬
‫عيد االستقالل‪ ،‬علماً بأنه عرف في عام ‪1961‬م‬ ‫عدة‪ ،‬بينما مت تأسيس محطة املطالع في البداية‬
‫إنتاجه السينمائي‪.‬‬ ‫بحي� � ��ث يصل البث إلى مختل� � ��ف مناطق الكويت‪،‬‬
‫اس� � ��تمر البث التجريبي ملدة عامني حتى نهاية‬ ‫وكانت س� � ��اعات البث ال تتعدى ‪ 4‬ساعات بنظام‬
‫عام ‪1962‬م‪ ،‬حيث بدأ البث الرس� � ��مي‪ ،‬واس� � ��تمر‬ ‫البث األبيض واألس� � ��ود‪ ،‬غير أن البث الرس� � ��مي‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪72‬‬

‫‪feb 36-83.indd 72‬‬ ‫‪12/29/14 8:38:14 AM‬‬


‫ملـف‬

‫الكويتية‪ ،‬وكانت مشابهة للرابعة‪ ،‬ولكنها خصصت‬ ‫التلفزيون باخلصائص الفنية نفس� � ��ها تقريباً حتى‬
‫ملش� � ��اهدي القارتني األمريكيتني‪ ،‬ومع زيادة البث‬ ‫‪1974/3/15‬م‪ ،‬عندم� � ��ا بدأ البث امللون وفق نظام‬
‫في القنات� �ي��ن األولى والثانية لـ‪ 24‬س� � ��اعة‪ ،‬ألغي‬ ‫«بال» األوربي‪ ،‬بالتزامن مع دورة كأس اخلليج في‬
‫العمل بالرابعة واخلامسة‪.‬‬ ‫البحرين‪ ،‬ثم بعدها بفترة قصيرة افتتح التلفزيون‬
‫‪ -‬الفضائي ��ة الكويتي ��ة‪ :‬أسس� � ��ت ف� � ��ي‬ ‫مق� � ��ره اجلديد ضمن مجم� � ��ع وزارة اإلعالم‪ ،‬وكان‬
‫‪1992/7/4‬م لكي يغطي بث تلفزيون دولة الكويت‬ ‫ذل� � ��ك في ‪1979/2/17‬م‪ ،‬لتش� � ��كل ه� � ��ذه اخلطوة‬
‫الكرة األرضية كاملة‪.‬‬ ‫محط� � ��ة مهمة على طري� � ��ق التحول الش� � ��امل في‬
‫ومع التطــور احلاصل في عالم البث‪ ،‬والسيما‬ ‫املؤسس� � ��ة‪ ،‬حيث مت جتهيزه بأفضل املعدات‪ ،‬في‬
‫البث بالتقنية العالية اجلودة ‪ ،HD‬أصبحت هناك‬ ‫حني اتخذت البرام� � ��ج طابعاً أكثر تنوعاً من حيث‬
‫القناة األولى ‪ ،HD‬الثانية ‪ HD‬والثالثة ‪.HD‬‬ ‫الروائية والرس� � ��وم املتحرك� � ��ة والثقافية وغيرها‪،‬‬
‫وقب� � ��ل س� � ��نوات قليل� � ��ة‪ ،‬وفي خط� � ��وة تهدف‬ ‫وارتفعت س� � ��اعات البث إلى ‪ 16‬ساعة يومياً‪ ،‬أما‬
‫لالستفادة من التاريخ الطويل ملجلة العربي‪ ،‬تقرر‬ ‫أوائل املذيعني في تلك الفترة فكانوا سالم الفهد‪،‬‬
‫تأس� � ��يس قناة «العربي» الثقافي� � ��ة‪ ،‬ضمن قنوات‬ ‫رضا الفيلي‪ ،‬جاسم الشهاب‪ ،‬باسمة سليمان‪ ،‬منى‬
‫تلفزيون دولة الكويت‪ ،‬عاكس� � ��ة الوجه احلضاري‬ ‫طالب وأمل جعفر‪.‬‬
‫والثقافي للبالد‪.‬‬ ‫عرفت مؤسسة تلفزيون الكويت قنوات عدة‬
‫جس� � ��د تلفزيون الكوي� � ��ت أحد أب� � ��رز املعالم‬ ‫أبرزها‪:‬‬
‫الفني� � ��ة والثقافي� � ��ة لدولة الكويت‪ ،‬وبقي اس� � ��مه‬ ‫‪ -‬القن ��اة األول ��ى‪ :‬بدأ بثه� � ��ا في عام ‪1961‬م‪،‬‬
‫يتردد في حنايا الوط� � ��ن العربي‪ ،‬باعتباره األكثر‬ ‫وش� � ��كلت القناة الرئيس� � ��ة لدول� � ��ة الكويت بطابع‬
‫متيزاً بني احملطات على مس� � ��توى العالم العربي‪،‬‬ ‫ش� � ��امل‪ ،‬تضمنت املنوعات‪ ،‬العروض املوسيقية‪،‬‬
‫ولم تبخ� � ��ل احلكومة في توفير جمي� � ��ع إمكانات‬ ‫األفالم واألخبار وغيره� � ��ا‪ ،‬وتبث على مدى ‪24‬‬
‫الدعم له‪ ،‬فمن اجلدير القول على س� � ��بيل املثال‬ ‫ساعة في اليوم‪.‬‬
‫إن تلفزيون الكويت كان أول تلفزيون في الش� � ��رق‬ ‫‪ -‬القن ��اة الثانية‪ :‬مختصة بالبرامج األجنبية‪،‬‬
‫األوسط يحصل على سيارة نقل خارجي‪ ،‬وكانت‬ ‫وافتتحت ف� � ��ي ‪1979/12/2‬م‪ ،‬وب� � ��دأ البث فيها‬
‫هذه التطورات الكبي� � ��رة عنصراً مهماً في جذب‬ ‫مبعدل ‪ 4‬ساعات يومياً‪ ،‬وكانت موجهة للجاليات‬
‫الفنان� �ي��ن الع� � ��رب إلى الب� �ل��اد‪ ،‬م� � ��ن بينهم فريد‬ ‫األجنبي� � ��ة املقيم� � ��ة في الب� �ل��اد‪ ،‬وتض� � ��م أفالماً‬
‫األطرش‪ ،‬محم� � ��د عبدالوهاب‪ ،‬كاظ� � ��م الغزالي‪،‬‬ ‫ومسلس� �ل��ات‪ ،‬باإلضافة إلى البرامج السياس� � ��ية‬
‫وقد س� � ��جل فيه عبداحلليم أغنيت� �ي��ن األولى «يا‬ ‫واإلخباري� � ��ة‪ ،‬وتق� � ��دم ترجمة للغ� � ��ة العربية‪ ،‬ومت‬
‫فرحة السمار» عند موقع أبراج الكويت‪ ،‬والثانية‬ ‫رفع س� � ��اعات بثها إلى ‪ 24‬ساعة يومياً على مدار‬
‫«يا هلي يا هلي» صوت الكويت‪.‬‬ ‫األسبوع‪.‬‬
‫‪ -‬القناة الثالثة‪ :‬جسدت دور القناة الرياضية‬
‫املجـلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‬ ‫املتخصصة‪ ،‬بدأت البث بنحو ‪ 12‬ساعة‪.‬‬
‫أس������س املجـل������س الوطني للثقاف������ة والفنون‬ ‫القن ��اة الرابع ��ة‪ :‬ترفيهية منوع� � ��ة‪ ،‬بدأ البث‬
‫واآلداب مبوج������ب املرس������وم األمــي������ري الصادر‬ ‫فيها في نوفمبر ‪1993‬م‪ ،‬مبعدل ‪ 8‬س� � ��اعات‪ ،‬من‬
‫بتاريخ ‪ 17‬يوليو ‪1973‬م‪ ،‬كمــؤســــس������ة جتس������د‬ ‫الس� � ��اعة ‪ 12:30‬بعد منتص� � ��ف الليل حتى ‪8:30‬‬
‫جه������ود الدول������ة وس������عيها لتطوي������ر األنش������طة‬ ‫صباحاً‪ ،‬وفي ش� � ��هر يوليو ‪1997‬م رفعت ساعات‬
‫الثقافي������ة وتعزيز األنش������طة الفكري������ة والفنية‬ ‫بثه� � ��ا‪ ،‬حيث أصبحت تبدأ من الس� � ��اعة الواحدة‬
‫وفقاً الس������تراتيجية واضحة وبأهداف محددة‪،‬‬ ‫ظهراً‪ ،‬قبل أن ترفع ساعات بثها إلى ‪ 24‬ساعة‪.‬‬
‫ومب������ا يس������اهم في الوقت نفس������ه ف������ي تكريس‬ ‫اخلامسة‪ :‬أنش� � ��ئت لبث املسلسالت واألفالم‬

‫‪73‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 73‬‬ ‫‪12/29/14 8:38:16 AM‬‬


‫(في الوسط) معالي وزير اإلعالم وزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ سلمان احلمود الصباح يفتتح أحد معارض الفن‬
‫التشكيلي وعلى يساره األمني العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب املهندس علي اليوحة‬

‫وجتميع الوثائق‪ ،‬مبا يس������اهم في نش������ر اإلنتاج‬ ‫بيئة تترعرع بني أحضانها األنش������طة الثقــافية‬
‫الفك������ري اجليد املبتك������ر واملترج������م‪ ،‬واالهتمام‬ ‫املختلف������ة‪ ،‬وكذل������ك التواصل م������ع اجلهات ذات‬
‫بالتب������ادل الثقاف������ي واملش������اركة ف������ي املعارض‬ ‫النشاط املشابه حول العالم‪.‬‬
‫واملؤمت������رات واملهرجان������ات والن������دوات الثقافية‬ ‫م������ن هنا ولد املجلس كمؤسس������ة مس������تقلة‪،‬‬
‫والفنية‪.‬‬ ‫حيث يتمتع باستقالل مالي وإداري ومسؤوليات‬
‫وفي ما يتعلق مبهامه الرئيسة‪ ،‬ميكن القول‬ ‫ثقافية واس������عة جتعله عملياً أقرب إلى وزارات‬
‫إنها تتركز في‪ :‬‬ ‫الثقاف������ة في الدول األخ������رى‪  .‬ويـرأس املجلس‬
‫‪ -‬حف������ظ وتوثيق التراث الش������عبي والتراث‬ ‫مـعالي وزير اإلعالم‪ ،‬ويضـم في عضويته ممثلـني‬
‫العربي‪.‬‬ ‫عن بعـض اجلـهات احلكومية وشخصيات أدبية‬
‫‪ -‬تشجيع االهتمام بالقراءة والكتابة‪.‬‬ ‫وثقافية وفنية‪.‬‬
‫‪ -‬دع������م ورعاية اإلبداع الفك������ري والثقافي‬ ‫أما في ما يتعلق باختصاصاته ومهامه‪ ،‬فقد‬
‫احمللي‪.‬‬ ‫جاءت املادة الثالثة من مرس������وم تأسيسه لتؤكد‬
‫‪ -‬دعم ورعاي������ة اإلبداع الفني واملوس������يقي‬ ‫أن نش������اطه يتركز في مس������ح الواق������ع الثقافي‪،‬‬
‫احمللي‪.‬‬ ‫وجم������ع البيانات حول جهود الهيئ������ات املختلفة‬
‫‪ -‬نش������ر الثقافة العامة من خالل إصدارات‬ ‫في ما يتعلق بأوجه النش������اط وإجراء دراس������ات‬
‫املجلس املتنوعة‪.‬‬ ‫دورية مس������تفيضة حول اجلهد املبذول من أجل‬
‫بدورها‪ ،‬جاءت املادة الثانية لتحدد أهداف‬ ‫منو الثقافة وازدهاره������ا وتقدم اآلداب‪ .‬وكذلك‬
‫املجلس‪ ،‬من خالل العمل على العناية بش������ؤون‬ ‫العمل على إصدار املؤلفات واملعاجم والفهارس‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪74‬‬

‫‪feb 36-83.indd 74‬‬ ‫‪12/29/14 8:38:44 AM‬‬


‫ملـف‬

‫اإلبداعية املترجمة واملؤلفة‪.‬‬ ‫الثقاف������ة والفن������ون واآلداب‪ ،‬والعمل على تطوير‬


‫وبه������دف االرتقاء بدوره‪ ،‬وكــــذل������ك العــــمـــل‬ ‫اإلنت������اج الفكري وتوفير املناخ املناس������ب لإلنتاج‬
‫على رفع مستوى األنشطة الثـــقافية فــــي دولــــــة‬ ‫الفن������ي واألدب������ي‪ ،‬ه������ذا باإلضافة إل������ى اختيار‬
‫الكويت‪ ،‬مبا يكفل لها احملافظـــة على الدور الذي‬ ‫الوسائل لنـش������ر الثقـافة والفنون اجلميلة‪ ،‬إلى‬
‫أدت������ه الكويت كمنارة ثقافي������ة على مدى العقود‬ ‫جان������ب دوره في الس������عي لتمت���ي��ن الروابط مع‬
‫املاضية‪ ،‬فقد س������عى املجل������س إلى إطالق خطة‬ ‫الهيئ������ات الثقافي������ة العربي������ة واألجنبية‪ ،‬ووضع‬
‫تطوير ش������املة من خالل استراتيجية طـــموحة‪،‬‬ ‫خط������ة ثقافية متكاملة‪ .‬وقد س������عى املجلس إلى‬
‫س������واء من خالل رفع مس������توى البنية التحتــــية‬ ‫وضع هذه األهداف والتوجهات موضع التنفيذ‪،‬‬
‫الثقافي������ة‪ ،‬أو العــــم������ل على االرتقاء مبس������توى‬ ‫من خالل تشكيل جلان استشارية تضم كفاءات‬
‫املؤسس������ات القائمة‪ ،‬وقد متثلت أولى خطوات‬ ‫وأكادميي���ي��ن وأصح������اب خبرات ف������ي املجاالت‬
‫املجلس على هذا الصعيد من خالل‪:‬‬ ‫الفكري������ة والثقافية‪ ،‬كذلك س������عى املجلس إلى‬
‫‪ -‬إطالق مش������روع املكتب������ة الوطنية والعمل‬ ‫بلورة رؤى هذه اللجان‪ ،‬من خالل أنشطة متنوعة‬
‫على جتهيزها بأحدث التقنيات املعاصرة حتى‬ ‫في مختلف املجاالت الثقافية‪ .‬من هنا‪ ،‬س������عى‬
‫تستطيع أن تؤدي خدماتها البحثية واملعلوماتية‬ ‫املجل������س إلى حتقيق هذه األه������داف من خالل‬
‫اآللي������ة بش������كل يواك������ب املكتب������ات العاملية‪ ،‬وقد‬ ‫أنشطة عدة ثقافية وإبداعية كان من بينها‪:‬‬
‫أصبحت ه������ذه املكتبة واقعاً عل������ى األرض بعد‬ ‫‪ -‬معرض الكويت الدولي للكتاب‪.‬‬
‫افتتاحها رسمياً قبل أشهر قليلة‪.‬‬ ‫‪ -‬مهرجان القرين الثقافي‪.‬‬
‫‪ -‬مش������روع إع������ادة تأهيل متح������ف الكويت‬ ‫‪ -‬املهرجان الثقافي لألطفال والناشئة‪.‬‬
‫الوطني‪.‬‬ ‫‪ -‬مهرجان الكويت املسرحي‪.‬‬
‫‪ -‬مشروع بناء مراكز ثقافية في احملافظات‬ ‫‪ -‬إقام������ة أس������ابيع ثقافي������ة كويتي������ة خارج‬
‫الست‪ ،‬ومشروع إنش������اء دار أوبرا في محافظة‬ ‫الكويت‪.‬‬
‫العاصمة‪.‬‬ ‫‪ -‬اس������تقبال أس������ابيع ثقافية عربية وعاملية‬
‫‪ -‬مشروع إنشاء مسرح الساملية‪ ،‬وهو توجه‬ ‫داخل الكويت‪.‬‬
‫ع������اد ليؤكد س������عي املجلس إلى إع������ادة إطالق‬ ‫باإلضاف������ة إلى ال������دور املميز ال������ذي يؤديه‬
‫مؤسس������ات ثقافي������ة وفني������ة تراع������ي املتطلبات‬ ‫املجل������س على صعي������د األنش������طة واملهرجانات‬
‫العاملي������ة‪ ،‬وقد افتتح املس������رح ف������ي حفل مهيب‬ ‫ذات الطابع املؤسس������ي‪ ،‬فإن������ه يصدر مجموعة‬
‫شاركت فيه جهات عدة من دول عربية خليجية‬ ‫من الدوري������ات الثقافية العربي������ة التي ارتبطت‬
‫شقيقة‪.‬‬ ‫أسماؤها باس������م املجلس نفسه‪ ،‬فكان من بينها‬
‫‪ -‬مش������روع التنقيبات األثرية والس������يما في‬ ‫جريدة «الفنون» وسلس������لة كتاب «عالم املعرفة»‬
‫جزيرة فيلكا‪ ،‬ويتابع املجلس هذا امللف بحرص‬ ‫التي تعد واح������دة من أهم السالس������ل الثقافية‬
‫ش������ديد ويس������عى إلى تعميق تعاونه مع البعثات‬ ‫العربي������ة‪ ،‬ومجلة «عالم الفكر» الفصلية املوجهة‬
‫العاملية بهدف االستفادة من خبراتها‪.‬‬ ‫للجه������ات الثقافي������ة واألكادميية‪ ،‬وتهتم بنش������ر‬
‫كذلك عل������ى الصعيدي������ن الثقاف������ي والفني‬ ‫الدراسات والبحوث الثقافية والعلـمية‪ ،‬ومجـلة‬
‫البـحت‪ ،‬يس������ــــعى املركز إلى اس������تعجال تطبيق‬ ‫«الثقافة العاملية» التي تصدر كل شهرين وتقـدم‬
‫بع������ض املب������ادرات املهم������ة‪ ،‬من بينها‪ :‬مش������روع‬ ‫للقارئ مختـارات مترجمة من أحدث ما ينش������ر‬
‫تأس������يس فرق وطنية للمس������رح‪ ،‬مشروع تطوير‬ ‫ف������ي الدوري������ات األجنبية‪ ،‬وسلس������لة «إبداعات‬
‫وتنوي������ع مختل������ف األنش������طة الثقافي������ة والفنية‬ ‫عاملية» وسلـس������لة «م������ن املس������رح العاملي»‪ ‬التي‬
‫والتراثي������ة محلي������اً‪ ،‬واالهتم������ام باإلبداع������ات‬ ‫تص������در م������رة كل ش������هرين‪ ،‬وتهـتم بالنص������وص‬

‫‪75‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 75‬‬ ‫‪12/29/14 8:38:51 AM‬‬


‫املوسيقار سليمان الديكان‬
‫يقود أحد العروض األوركسترالية‬
‫املوظفة للفنون الشعبية‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪76‬‬

‫‪feb 36-83.indd 76‬‬ ‫‪12/29/14 8:38:57 AM‬‬


‫ملـف‬

‫‪77‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 77‬‬ ‫‪12/29/14 8:39:02 AM‬‬


‫مكتبة الكويت الوطنية‬

‫ومشروع النشر اإللكتروني‪.‬‬ ‫الكويتية واملبدعني وتوفي������ر احلوافــز واجلوائز‬


‫لهم‪ ،‬مش������روع تطوي������ر العمل الثقاف������ي والفني‬
‫املكتبة الوطنية صرح ثقافي وأدبي شامخ‬ ‫وآليات التواصل مع الدول الشقيقة والصديقة‬
‫ولدت املكتب������ة الوطنية ف������ي الكويت‪ ،‬حتت‬ ‫واملنظم������ات اإلقليمية والعربي������ة والعاملية ذات‬
‫مس������مى املكتبة األهلية‪ ،‬وق������د تلقت مجموعات‬ ‫العالقــــة‪ ،‬مش������ـــروع تش������جيع األعمال الثقافية‬
‫عدة من الكتب من مكتبة اجلمعية اخليرية التي‬ ‫والفنية الهادف������ة إلى االرتق������اء بثقافة الطفل‪،‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪78‬‬

‫‪feb 36-83.indd 78‬‬ ‫‪12/29/14 8:39:06 AM‬‬


‫ملـف‬

‫االجتاه‪ ،‬وبالفعل س������جلت املرحل������ة املمتدة بني‬ ‫أُسست في عام ‪1913‬م‪ ،‬واتخذت من ديوانية ابن‬
‫العامني ‪1958‬و‪1976‬م املرحلة األكثر استقراراً‬ ‫عامر في نهاية عام ‪1923‬م مقراً لها‪ ،‬واستمرت‬
‫في عصر املكتب������ة الوطنية ف������ي الكويت‪ ،‬حيث‬ ‫هناك نحو ‪ 5‬سنوات‪.‬‬
‫كانت توجد في ش������ارع عمان‪ ،‬قبل أن تنتقل إلى‬ ‫ث������م في عام ‪1936‬م‪ ،‬أقيم بناء جديد لها في‬
‫صالة املس������رح في مدرس������ة املتنبي الواقعة في‬ ‫ش������ارع األمير وأحلقت بإدارة املع������ارف العامة‪،‬‬
‫شارع الهاللي في الصاحلية‪.‬‬ ‫وحملت اسماً جديداً هو مكتبة املعارف العامة‪،‬‬
‫وس������جل عام ‪1979‬م نقل تبعي������ة املكتبة إلى‬ ‫وخ���ل��ال حقب������ة األربعينيات‪ ،‬كان ه������ذا الصرح‬
‫املجلس الوطني للثقاف������ة والفنون واآلداب‪ ،‬وقد‬ ‫محور نش������اط املثقف���ي��ن الكويتي���ي��ن‪ ،‬حيث ُع نّي‬
‫سعى املجلس إلى تطوير مبنى مدرسة املباركية‪،‬‬ ‫محمد صالح أول أمني لها‪.‬‬
‫ليكون مقراً يليق باملكتبة املركزية‪ ،‬وبالفعل فقد‬ ‫ومع دخ������ول الكوي������ت مرحلة جدي������دة على‬
‫أصبح������ت املكتبة املرك������ز األول في دولة الكويت‬ ‫مس������توى الثقاف������ة واآلداب في اخلمس������ينيات‪،‬‬
‫كصرح متخصص في تبادل املعلومات‪ .‬ثم اتخذ‬ ‫اقت������رح عبدالعزي������ز حس���ي��ن بناء مبن������ى جديد‬
‫املجل������س خطوات إضافية نح������و حتقيق الهدف‬ ‫للمكتبة يواكب التطورات ويعكس الوجه الثقافي‬
‫األسمى املتمثل في تأسيس مكتبة وطنية شاملة‬ ‫الذي تس������عى الكويت لتكريسه‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫للكويت‪ ،‬وبناء على ذلك‪ ،‬مت اس������تدعاء خبيرين‬ ‫افتتاح عدد م������ن املكتبات العام������ة‪ ،‬فإن الهدف‬
‫بريطانيني لتحقي������ق هذا الهدف ووضعه موضع‬ ‫بقي يتمح������ور حول فكرة إنش������اء مكتبة مركزية‬
‫التنفيذ وإعداد التوصي������ات الالزمة‪ ،‬وقد وضع‬ ‫تواكب التطورات العام������ة وتوجهات الدولة على‬
‫ال منذ ع������ام ‪1983‬م‬ ‫اخلبي������ران تقري������راً ش������ام ً‬ ‫وج������ه اخلصوص ف������ي هذا املج������ال‪ ،‬وفي حقبة‬
‫كهدف لتأسيس������ها‪ ،‬وبالفعل أدرج املشروع ضمن‬ ‫الس������تينيات تس������ارعت الوتيرة واجله������ود بهذا‬

‫معرض الكويت الدولي للكتاب‬

‫‪79‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 79‬‬ ‫‪12/29/14 8:39:09 AM‬‬


‫من أنشطة مهرجان القرين الثقافي العشرين‬

‫وعل������ى الرغ������م مــ������ن النتــــائ������ج الكارثـــيـــة‬ ‫املشروعات اإلنشائية الكبرى‪ ،‬وقد خصصت لها‬
‫والضريبة الضخمـــة الت������ي دفعتها املكتبة‪ ،‬فقد‬ ‫مس������احة متتد على نحو ‪ 23‬ألف متر مربع على‬
‫س������عـــت الدولة من������ذ ع������ام ‪1994‬م‪ ،‬إلــــى إعادة‬ ‫ش������ارع اخلليج العربي‪ ،‬وفي عام ‪1990‬م كان قد‬
‫الزخــــم للمش������روع‪ ،‬وكذلك الس������عي إلعادة بناء‬ ‫مت االنتهاء من إعداد املتطلبات الفنية والتصميم‬
‫مقتني������ات املكتب������ة‪ ،‬وتوج������ت ه������ذه اخلطــــوات‬ ‫املقترح للمشروع‪.‬‬
‫بصـــدور املرس������وم األميري حت������ت رقم ‪ 52‬لعام‬ ‫لكن الظروف القسرية التي مرت بها الكويت‬
‫‪1994‬م ال������ذي قض������ى بإنش������اء مكتب������ة الكويت‬ ‫م������ع الغ������زو الغاش������م ألراضيها‪ ،‬جعل������ت املكتبة‬
‫الوطنية‪ ،‬بحيث تكون املكتبة الرسمية للـــــدولة‪،‬‬ ‫والثقاف������ة تدفعان ثمناً باهظ������اً إلى جانب الثمن‬
‫وحــــ������ددت الــم������ادة الثــــاني������ة مــــن املرس������ــــوم‬ ‫الذي دفعه الوطن ككل‪ ،‬حيث سرقت محتوياتها‬
‫أهـــدافه������ا الت������ي أناطـــــت بها مس������ؤولية جمع‬ ‫وأحرق������ت كتبها ومخطوطاتها الن������ادرة‪ ،‬وهو ما‬
‫وتنظيم وتوثـــيق وحفظ التراث واإلنتاج الفكري‬ ‫أدى بالتأكيد إلى تأجيل احللم بتأس������يس مبنى‬
‫الوطن������ي الكويتـــــي واملدون مبختلف أش������كاله‪،‬‬ ‫متكامل للمكتبة الوطنية‪ ،‬وساهمت جلان األمم‬
‫وجمع املصنفات األدبي������ة والوثائق املتوافرة في‬ ‫املتحدة في اس������تعادة جــــزء بس������ـــيط من الكتب‬
‫الكويت‪.‬‬ ‫الت������ي فقدت أي������ام الغزو الغاش������م‪ ،‬في حني أن‬
‫املجموعة األهم من الت������راث الوطني من الكتب‬
‫املقر اجلديد‬ ‫واملخطوطات واألرش������يف الوثائقي والس������معي‬
‫في توجه يؤشر إلى اهتمام مؤسسات الدولة‬ ‫ومجموع������ات الصح������ف والدوري������ات القدمي������ة‬
‫بالعم������ل الثقافي واألدبي‪ ،‬جاء مش������روع إطالق‬ ‫والن������ادرة فق������دت أو أتلف اجل������زء األكبر منها‬
‫املبنى اجلديد للمكتبة الوطنية على شارع اخلليج‬ ‫والذي ال يقدر بثمن‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪80‬‬

‫‪feb 36-83.indd 80‬‬ ‫‪12/29/14 8:39:21 AM‬‬


‫ملـف‬

‫البحثيــــة واملعلوماتي������ة بالكامل‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫ليجسد بحق صرحاً ثقافياً وأدبياً‪ ،‬يضم‬ ‫ّ‬ ‫العربي‪،‬‬
‫الرب������ط اإللكترون������ي ب���ي��ن أقس������امها وقاعاتها‬ ‫بني دفاته ثروات أدبية وثقافية وأرشيفاً ضخماً‬
‫املختلفة‪ ،‬والعمل على التوسع باستخدام شبكة‬ ‫من املصادر واملراجع النادرة‪ .‬وفي مؤش������ر آخر‬
‫اإلنترنت‪ ،‬باختصار‪ :‬إن������ه حلم التحول الرقمي‬ ‫على أهمي������ة هذا الصرح‪ ،‬ج������اء العنوان «ذاكرة‬
‫ال������ذي يعزز دور املكتب������ة الوطنية كمركز وطني‬ ‫وطن»‪ ،‬ال������ذي اختاره املجلس الوطن������ي للثقافة‬
‫ببلوجرافي للدولة‪.‬‬ ‫والفن������ون واآلداب للمكتب������ة‪ ،‬وكذل������ك الرس������الة‬
‫اخلاص������ة بأنها «منارة الثقافة واملعرفة‪ ...‬صرح‬
‫رابطة األدباء‬ ‫حضاري شامخ يحتضن اإلنتاج واإلبداع الفكري‬
‫ال ميك������ن املرور على جترب������ة رابطة األدباء‬ ‫والعلمي واألدبي»‪.‬‬
‫في الكويت‪ ،‬من دون التعريج على تاريخ وحركة‬
‫األدب م������ن وجهة نظ������ر مؤسس������ية واملبادرات‬ ‫احللم الرقمي‬
‫اجلماعية التي حاول������ت احتضانها‪ .‬وقد بدأت‬ ‫بع������د هــذه اخلطــــوة التي ط������ال انتـظـــارها‬
‫هذه احلركة منذ عام ‪1924‬م من خالل النادي‬ ‫والت������ي كرس������ت وج������ود مكـتــــبة وطنيــ������ة فـــي‬
‫األدبي األول فــــي عام ‪1924‬م‪ ،‬ثم النادي األدبي‬ ‫دولــــة الكويت‪ ،‬ينتظ������ر القــيمــون على الثقـــافة‬
‫الثاني في عام ‪1946‬م‪.‬‬ ‫واآلداب ف������ي الب���ل��اد‪ ،‬وضـــــ������ع خط������ة املجلس‬
‫وبع������د هاتني املؤسس������تني ول������دت الرابطة‬ ‫الوطني القاضـــية باالنتـــقال النوعي من الواقع‬
‫األدبيـــة في عام ‪1958‬م‪ ،‬وكان من أهم أهدافها‬ ‫التقلي������دي للمكتــبة إل������ى االس������ـــتـخدام اآللي‬
‫رعاية النهضة األدبية في الكويت وإضفاء البعــد‬ ‫وتنـــفـــيذ نظـــام آل������ي متكامل وميكنة خدماتها‬

‫البيان مجلة شهرية تصدرها رابطة األدباء في الكويت‬

‫‪81‬‬
‫املشهد الثقافي الكويتي من االستقالل إلى التحرير‬

‫‪feb 36-83.indd 81‬‬ ‫‪12/29/14 8:39:25 AM‬‬


‫من فعاليات رابطة األدباء‬

‫الرفاع������ي‪ ،‬عبدالصم������د التركي‪ ،‬عبداحملس������ن‬ ‫القومي على األدب العربي بشكل عام‪.‬‬
‫الرشيد‪ ،‬عبدالله سنان‪ ،‬يعقوب ويوسف الغنيم‪،‬‬ ‫وعـــــل������ى هذا األس������ــــاس ميــك������ن القول إن‬
‫عبدالله الدويش‪ ،‬فه������د الدويري‪ ،‬فاضل خلف‬ ‫احلض������ور الكويــــتي في امليدان الثقافي واألدبي‬
‫اليلجي‪ ،‬هداية الس������لطات‪ ،‬محمد عبداحملسن‬ ‫لم يك������ن غائباً عن املجتم������ع احمللي‪ ،‬فقد كانت‬
‫البداح وعلي السبتي‪.‬‬ ‫الكويت نقطة ج������ذب للعالم العربي أجمع‪ ،‬وهو‬
‫وق������د أخذت الرابط������ة على عاتقه������ا مـــــنذ‬ ‫ما يعكس������ه تنظيمه������ا واس������تضافتها لألحداث‬
‫تأسيس������ها الس������عي إلى رعاية احلركة األدبيــــة‬ ‫اإلقليمية منذ عقود‪ ،‬كان من بينها على س������بيل‬
‫والفــــكرية في الكـــويــــت والعمل عـــلى ازدهارها‬ ‫املثال املؤمتر الرابع لألدباء والكتّاب العرب بني‬
‫عبر الدف������ع ب������األدب بصفــــ������ة عام������ة قـــدماً‪،‬‬ ‫‪ 20‬و‪ 28‬ديسمبر من عام ‪1958‬م‪.‬‬
‫مبا يش������كل قيم������ة مضافة للمــجتم������ع‪ ،‬واحلث‬ ‫وفي ش������هر نوفمبر من ع������ام ‪1964‬م‪ ،‬وبعد‬
‫عل������ى اإلنتاج األدب������ي النفيس على املس������تويني‬ ‫اجتماعـــ������ات بني أدباء ع������دة‪ ،‬أصبحت الفكرة‬
‫الفكري والثقافي‪ ،‬إلى جانب تش������جيع البحوث‬ ‫واقع������اً على األرض‪ ،‬لتك������ون الرابطــــة جمعـــيــة‬
‫والدراسات‪ ،‬وصيانة تراث الكويت‪.‬‬ ‫نف������ع عام ترعـــ������ى وتهــــت������م بالثــــقـــافة واألدب‪،‬‬
‫كذلــــك كـــ������ان للرابطـــة إصــــدارها اخلاص‬ ‫وتخضــــع لوزارة الشـــؤون االجتمــــاعية والعمل‪،‬‬
‫بها في محاول������ة جلــعل هـــ������ذه األهداف قابلة‬ ‫حتت رقم ‪ 33‬بتاري������خ ‪1965-1-31‬م‪ ،‬وبالفعل‬
‫للتحـــق������ق‪ ،‬حيث أسس������ـــــت مجل������ة البيان التي‬ ‫فق������د ولدت فك������رة تأس������يس رابطـــــ������ة األدباء‬
‫صــــــ������در أول عـــ������دد لهـــ������ا ف������ي ش������هر أبريــــل‬ ‫الكويتـــــيــــ���ي��ن بحيث تكون عالم������ة ممـــيزة في‬
‫مـــــ������ن عـــــام ‪1966‬م ومازالـــت مس������ـــتــمرة فــــي‬ ‫تـــاريــ������خ األدب ف������ي الكوي������ت‪ ،‬وضم������ت قائمة‬
‫الصــــدور >‬ ‫ال من‪ :‬يوسف السيد هاشم‬ ‫املؤسسني األوائل كــ ً‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪82‬‬

‫‪feb 36-83.indd 82‬‬ ‫‪12/29/14 8:39:29 AM‬‬


‫شعر‬

‫في انتظار النجوم‬


‫د‪.‬عبدالرشيد محمودي *‬
‫والشمس‬
‫ُ‬ ‫فيم انتظارك ها هنا‬
‫جتنح للغروب؟‬ ‫ُ‬
‫التالل‬
‫ِ‬ ‫قمم‬‫تلملم من على ِ‬ ‫ُ‬ ‫راحت‬
‫األصحاب ٌ‬
‫كل‬ ‫ُ‬ ‫وتفرق‬
‫َّ‬ ‫ذيولها‪،‬‬
‫طريق‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫في‬
‫البعض يركض مسرع ًا‬ ‫ُ‬
‫واجلميع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يزحف‪،‬‬ ‫ُ‬
‫والبعض‬
‫ُمس ّي ٌر‪ ،‬ولقد تغادر مثلهم‬
‫قبل الشروق‪،‬‬
‫بالزهور‬
‫ِ‬ ‫افتتانك‬ ‫رغم‬
‫الشجي‬
‫ّ‬ ‫وبالكالم العذب والنغم‬
‫الساحرات‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وبالعيون‬
‫ورغم حبك للصديق‪.‬‬
‫أنتظر‬
‫ُ‬ ‫باق أنا سهرانُ‬ ‫ٍ‬
‫النجوم النابضات‪.‬‬
‫هذي شموعي‪ ،‬مؤنساتي‬
‫الباقيات‪:‬‬
‫إلي باخلبر اليقني‬ ‫‪ّ -‬‬
‫‪ -‬العالم املزدانُ ال يعنيه‬
‫أمر الراحلني‪،‬‬
‫واحلفل يبدو قائما‪ً،‬‬ ‫ُ‬
‫متألق ًا ومرحب ًا بالقادمني‪.‬‬
‫‪َ -‬ف ِلم الزوال؟‬
‫ولم انفضاض احلفل‪،‬‬
‫والعشاقُ ظمأى‪ ،‬والسعادةُ‬
‫البداية ماتزال؟ >‬ ‫ِ‬ ‫في‬
‫* شاعر من مصر‪.‬‬

‫‪83‬‬

‫‪feb 83.indd 83‬‬ ‫‪12/29/14 8:41:42 AM‬‬


‫شخصيات‬

‫الدكتورة فايزة اخلرافي‬


‫تواضع العلماء ومنوذج التحدي‬
‫إعداد‪ :‬مجلة العربي‬
‫تستقطب شخصية الدكتورة فايزة اخلرافي األقالم واآلراء التي تعدها منوذجا فذا للمرأة اخلليجية‪،‬‬
‫في مشوارها العلمي‪ ،‬وتواضعها اجلم‪ .‬وهي جتمع ألقابا كثيرة‪ ،‬يعددها الدكتور أنس محمد الرشيد‬
‫وزير اإلعالم األس ��بق واألكادميي بجامعة الكويت‪ ،‬فهي أول كويتية حتصل على ش ��هادة الدكتوراه في‬
‫الكيمياء‪ ،‬وأول امرأة تولت منصب مدير جامعة في العالم العربي‪ ،‬وأول خليجية نالت لقب وزير‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪84‬‬

‫‪feb 84-89.indd 84‬‬ ‫‪12/29/14 8:44:34 AM‬‬


‫يخت� � ��ار الدكتور أنس محمد الرش� � ��يد أن املتغيرات دون اإلخالل بالثوابت‪.‬‬
‫يلق� � ��ي الضوء عل� � ��ى اجلانب اإلنس� � ��اني‬
‫م�� ��ن خالل نظرة قريب�� ��ة إذ يقول‪ :‬عرفت وشاح الكويت‬
‫وبعد س� � ��نوات من العطاء كمديرة جلامعة الكويت‬ ‫الدكت� � ��ورة فاي� � ��زة اخلرافي منذ س� � ��نوات طفولتي‪ ،‬إذ‬
‫كان ابنه� � ��ا البكر مرزوق من أق� � ��رب أصدقائي‪ ،‬كانت قرر سمو األمير الراحل الشيخ جابر األحمد ‪ -‬مببادرة‬
‫أم م� � ��رزوق حازمة بعطف‪ ،‬ومربية برف� � ��ق‪ ،‬وبحرا من غير مسبوقة ‪ -‬منحها وشاح الكويت من الدرجة األولى‪،‬‬
‫احلن� � ��ان بالرغم من ش� � ��خصيتها القيادي� � ��ة الصارمة‪ .‬حيث مت ذلك من خالل حفل أنيق تشرفنا فيه بحضور‬
‫وأثن� � ��اء احت� �ل��ال الكوي� � ��ت جتلت ل� � ��ي هذه الس� � ��يدة حضرة صاحب الس� � ��مو األمير الش� � ��يخ صباح األحمد‬
‫الفاضل� � ��ة كامرأة وطنية ب� � ��كل املقايي� � ��س‪ ،‬وأذكر أني حفظه الل� � ��ه‪ ،‬وكان احلف� � ��ل مبنزلة احملط� � ��ة األخيرة‬
‫هاتفته� � ��ا م� � ��ن الوالي� � ��ات املتح� � ��دة األمريكي� � ��ة‪ ،‬حيث بالنسبة لي كمستش� � ��ار إعالمي للجامعة‪ ،‬وكذلك كان‬
‫كن� � ��ت أدرس م� � ��ع جنله� � ��ا م� � ��رزوق إلبالغه� � ��ا برغبتي األمر للدكتورة فاي� � ��زة اخلرافي التي عادت إلى املهنة‬
‫ومرزوق في دخ� � ��ول الكويت برا فكان اجلواب قاط ًعا‪ :‬التي أحبت‪ ،‬مهنة التدريس والبحث العلمي‪.‬‬
‫وأذكر في العام ‪ 2007‬أن سمو األمير دعا إلقامة‬ ‫اذهبوا فلس� � ��تما أغلى من الكوي� � ��ت‪ .‬وعندما أنظر في‬
‫وج� � ��وه أبنائي اليوم أعرف أن قرارا كهذا ال يتخذه إال املؤمتر الوطن� � ��ي لتطوير التعليم وكنت رئيس� � ��ا للجنة‬
‫اإلش� � ��رافية العليا التي ضمت عش� � ��رات الشخصيات‬ ‫الكبار‪.‬‬
‫ولي م� � ��ع هذه الس� � ��يدة الفاضلة ذكري� � ��ات كثيرة‪ ،‬السياسية واألكادميية‪ ،‬وكانت الدكتورة فايزة اخلرافي‬
‫فقد عملت معها كمستش� � ��ار إعالمي جلامعة الكويت أحدهم‪ ،‬وجتلى لدي تواضع العلماء في هذه الشخصية‬
‫ورئيس لتحري� � ��ر جريدة آفاق اجلامعي� � ��ة إبان إدارتها احملببة إلى نفسي‪ ،‬فقد كنت رئيسا ملعلمتي ومديرتي‪،‬‬
‫للجامع� � ��ة‪ ،‬وأس� � ��تطيع القول ب� � ��كل موضوعي� � ��ة بأنها ولكنني لم أجد منها س� � ��وى الدعم واملس� � ��اندة‪ .‬وأذكر‬
‫متميزة في مهارات التعامل مع وس� � ��ائل اإلعالم‪ ،‬هي أننا عقدنا عش� � ��رات االجتماعات الت� � ��ي توجت بعقد‬
‫ميزة يفتقدها كثير من املس� � ��ؤولني‪ .‬وأذكر أنني فتحت املؤمتر الوطني برعاية س� � ��امية من سمو األمير‪ ،‬وكان‬
‫املجال ملقاالت الطلبة النتق� � ��اد اإلدارة اجلامعية على بعض أعضاء اللجنة يطرح� � ��ون آراءهم ببعض احلدة‬
‫صدر صفحات جريدة اجلامعة‪ ،‬وكانت بعض املقاالت والتملل من كث� � ��رة عقد املؤمترات ب� �ل��ا نتيجة‪ ،‬وأذكر‬
‫محل تذمر بعض قيادات اجلامعة‪ ،‬ولكنني لم أملس من أنني اصطحبتهم بعد املؤمتر للقاء سمو األمير حفظه‬
‫الدكتورة فايزة اخلرافي س� � ��وى التشجيع‪ .‬وأذكر كيف الله لنقل هذه املخاوف لس� � ��موه‪ ،‬وكم كانت دهش� � ��تي‬
‫كنا في إدارة العالق� � ��ات العامة في حالة تواصل دائم كبيرة حني صمت أغلبهم بحضور سمو األمير‪ ،‬وكانت‬
‫مع اإلعالميني والكتاب‪ ،‬وكانت اجلامعة أش� � ��به بخلية الدكتورة فايزة اخلرافي إحدى القليالت الالتي نقلن‬
‫نحل‪ ،‬فال ميضي يوم بال مهرجان هنا‪ ،‬أو تكرمي هناك‪ ،‬هذه املخاوف لس� � ��مو األمير بجرأتها املغلفة بكثير من‬
‫أو معرض لكت� � ��اب‪ ،‬أو حفل تخريج‪ .‬ومن االحتفاليات اخللق واألدب‪ ،‬وتقبل س� � ��مو األمي� � ��ر املالحظات بكل‬
‫الفارق� � ��ة في تاريخ اجلامعة إعالميا كان امللتقى األول أريحية وتقدير‪.‬‬
‫وبعد إض� � ��اءة هذه اجلوانب ف� � ��ي حياتها العملية‪،‬‬ ‫لقدامى خريجي جامعة الكويت‪ ،‬وكانت الدكتورة فايزة‬
‫اخلرافي صاحبة الفكرة‪ ،‬حيث قضينا أمس� � ��ية رائعة يختت� � ��م الدكتور أنس محمد الرش� � ��يد باإلش� � ��ارة إلى‬
‫م� � ��ع املئات من قدامى اخلريج� �ي��ن الذين توافدوا على جانب شخصي عرفه عن قرب‪ :‬شاهدت كيف تعاملت‬
‫الكويت من ش� � ��تى أقطار العال� � ��م العربي‪ .‬كنا فخورين فايزة اإلنس� � ��انة مع وفاة والدها وأخيها رحمهما الله‪،‬‬
‫ف� � ��ي تلك الليلة اجلميلة التي جتل� � ��ت بها دولة الكويت فلم أجد فيها س� � ��وى الش� � ��خصية املؤمنة الراضية مبا‬
‫بجامعتها العتيدة كمنارة ثقافية مضيئة‪ ...‬كانت رسالة كتبه الله‪ .‬شاهدتها في فترة املرض والشدة‪ ،‬شاهدتها‬
‫جميل� � ��ة بأن الكويت الدولة ليس� � ��ت نفطا‪ ،‬بل هي ركن في فت� � ��رة الرخاء والصح� � ��ة‪ ...‬وف� � ��ي احلالتني كانت‬
‫أصيل في الثقافة العربية‪ ،‬وشعب حضاري يعتز بذاته حام� � ��دة لله على نعم� � ��ه‪ ،‬وصابرة ومحتس� � ��بة لألجر‪.‬‬
‫دون انغالق‪ ،‬وينفتح على اآلخر دون انبهار‪ ،‬ويستشعر ومن يشاهد أبناء وبنات الدكتورة فايزة اخلرافي يعلم‬
‫قضايا أمت� � ��ه ويتفاعل معها‪ ،‬ويرغب في استكش� � ��اف جيدا بأنها لم تكتف مب� � ��ا قدمته لوطنها ولكنها كانت‬
‫‪85‬‬ ‫الدكتورة فايزة اخلرافي‪ ...‬تواضع العلماء ومنوذج التحدي‬

‫‪feb 84-89.indd 85‬‬ ‫‪12/29/14 8:44:38 AM‬‬


‫حضرة صاحب السمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح األحمد اجلابر الصباح حفظه الله ورعاه يكرم الدكتورة فايزة اخلرافي‬

‫ك ّرس� � ��ت خبرتها اإلدارية واألكادميية واستثمرتها من‬ ‫عامود اخليمة لبيتها‪ ،‬وقدم� � ��ت ملجتمعها أبناء وبنات‬
‫خالل مش� � ��اركتها في عضــــوي� � ��ة العديد من املجالس‬ ‫يتـــسابقـــون خلدمة وطنهم بشرف ووفاء‪.‬‬
‫الرفيعة خلدمة مجتـــمـــعها وأبناء وطنها نذكر منـــهـــــا‬ ‫لقد عملت في حياتـــ� � ��ي القصيرة مع العديد من‬
‫على س� � ��بيل املث� � ��ال‪ :‬عضــــو مجلــــس إدارة مؤسس� � ��ة‬ ‫املسؤولني والشخصـــــيات‪ ،‬وكــــانت الدكــــتـــورة فايــــزة‬
‫الكوي� � ��ت للـتـــقــ� � ��دم العلمـــي‪ ،‬عض� � ��و املجلس األعلى‬ ‫اخلرافي وال تزال من القلة الـــذين تركـــــوا أثرا كبيرا‬
‫للتعليم‪ ،‬عض� � ��و املجلس األعلى للتخطي� � ��ط والتنمية‪،‬‬ ‫في حياتي الشخصية‪ ...‬وأقولها مفتخرا بأنني تعلمت‬
‫عضو مجلس اجلامع� � ��ات اخلاصة‪ ،‬عضو في مجلس‬ ‫منها الكثير‪.‬‬
‫جامعة األمم املتحدة بترش� � ��يح من األمني العام‪ ،‬عضو‬
‫جلن� � ��ة االس� � ��تراتيجيات باملجلس األعل� � ��ى للتخطيط‪،‬‬ ‫منوذج للمرأة اخلليجية‬
‫وعض� � ��و مجلس أمناء جلائزة الش� � ��يخ جاب� � ��ر للجودة‪،‬‬ ‫أم� � ��ا الدكتورة نورية عبد الك� � ��رمي العوضي‪ ،‬مدير‬
‫وهي عضو مؤس� � ��س جلمعية أعض� � ��اء هيئة التدريس‬ ‫عام اجلهاز الوطني لالعتماد األكادميي وضمان جودة‬
‫باجلامعة‪ ،‬واجلمعية الكيميائية الكويتية‪.‬‬ ‫التعلي� � ��م‪ ،‬فترى في الدكتورة فاي� � ��زة اخلرافي منوذجا‬
‫وعامليا‪ ،‬فق� � ��د اخـــتيرت نائــــب� � ��ا لرئيس أكادميية‬ ‫للم� � ��رأة اخلليجية في العلم والتحدي‪ ،‬فقد ش� � ��هد لها‬
‫العالم الثالث للعل� � ��وم والتكنولوجيا (‪ ،)TWAS‬عضو‬ ‫الداخل واخلارج ما تتميز به من إصرار وطموح‪ ،‬فقد‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪86‬‬

‫‪feb 84-89.indd 86‬‬ ‫‪12/31/14 10:46:15 AM‬‬


‫منها برنامج البكالوريوس في تخصص اإلعالم بكلية‬ ‫جلنة البيئة املنبثــقة عن اجلمعية األمريكية الكيميائية‪،‬‬
‫اآلداب‪ ،‬والعمارة بكلية الهندسة‪ ،‬وعلوم البحار وعلوم‬ ‫نائب رئيس املجل������س العلمي للبرنامج الدولي للعل ــوم‬
‫الصح������راء بكلية العلوم‪ ،‬وقد ب������دأت برامج الدكتوراه‬ ‫األساس������ية (اليونس������كو)‪ ،‬نائب رئي������س مجلس إدارة‬
‫خالل تلك الفترة‪ ،‬وصاحب ذلك إنشاء كليات الصيدلة‬ ‫املؤسس������ة العربية للعلوم والتكـ ــنولـ ــوجـ ـ ــيا بالشارقة‪،‬‬
‫وطب األس������نان وكلية البنات اجلامعية‪ ،‬وتطوير كلية‬ ‫اختي������رت عضـ ـ ـ������واً ف ـ������ي اللجنة التنفيذي������ة لالحتاد‬
‫التج������ارة وكلية االقتصاد والعلوم السياس������ية‪ ،‬وإعادة‬ ‫الدولي لرؤس������اء اجلامعات (‪ )LAUP‬فبراير ‪– 1996‬‬
‫هيكلتهما لتصب������ح كلية العلوم اإلداري������ة‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫‪ ،2000‬وعضواً في مجلس الت������آكل العاملـ ـ ـ ــي (‪)ICC‬‬
‫اس������تحداث كلية العلوم االجتماعي������ة‪ ،‬وصاحب ذلك‬ ‫ممثلة لدولة الكويت‪.‬‬
‫البدء في عمليات االعتماد األكادميي في كلية التربية‪،‬‬ ‫وقد حصدت العديد من اجلوائز نذكر منها على‬
‫فضال عن إجناز مباني موقع الش������ويخ وال ـ ــذي يضم‬ ‫سبيل املثال ال احلصر‪:‬‬
‫كليات احلقوق والعل������وم االجتماعية والعلوم اإلدارية‪،‬‬ ‫< جائ������زة االحت������اد الدول������ي للكيمي������اء البحت������ة‬
‫وما تبع ذلك من إنشاء املس������رح الرئيسي للجامعة –‬ ‫والتطبيقية (‪ )IUPAC‬اجلمعية الكيميائية األمريكية‬
‫مس������رح عبدالله اجلابر – واملكتب������ة املركزية وقاعات‬ ‫للمرأة املتميزة ف������ي الكيمياء‪/‬الهندس������ة الكيميائية‪،‬‬
‫املؤمترات‪ ،‬وق������د حصدت الدولة ممثل������ة في طالبها‬ ‫أغسطس ‪2011‬م‪.‬‬
‫وأس������اتذتها نتائج هذه األعم������ال اجلليلة‪ ،‬والكل يذكر‬ ‫< جائزة لوريـال – اليونس������كو للنس������اء في مجال‬
‫العمل اجلاد واالجتهاد والهم������ة العالية لتوفير البيئة‬ ‫العلوم في الع������ام ‪ ،2011‬عن إفريقيا والدول العربية‪،‬‬
‫التعليمي������ة املتمي������زة في جامع������ة الكويت أثن������اء تولي‬ ‫وذل������ك من منظم������ة األمم املتح������دة للتربي������ة والعلوم‬
‫د‪.‬فايزة اخلرافي سدة اإلدارة فيها‪.‬‬ ‫والثقافة (اليونسكو)‪.‬‬
‫ولم يكن التقدير املمنوح للدكتورة فايزة اخلرافي‬ ‫< جائ������زة الكوي������ت في مجال العل������وم التطبيقية‬
‫كويتي������ا أو خليجي������ا وحس������ب‪ ،‬وإنـ ـم������ا تخطى حدود‬ ‫(التآكل) في العام ‪ 2006‬من مؤسس������ة الكويت للتقدم‬
‫اإلقـ ــلي������م‪ ،‬إذ تقـ ــدي ًرا جلهودها املميزة في عملية بناء‬ ‫العلمي (‪ )KFAS‬وهي أكبر جائزة متنحها املؤسسة‪.‬‬
‫وت ـ ــطوير جامعة الكوي������ت‪ ،‬قامت اجلامعة األمريكية‬ ‫< جائ������زة اإلنتاج العلمي في العلوم من مؤسس������ة‬
‫بالقاه������رة مبنحـ ــها درجة الدكت������وراه الفخرية في ‪12‬‬ ‫الكويت للتقدم العلمي (‪ )KFAS‬في العام ‪.1992‬‬
‫فبراير ‪2001‬م‪.‬‬ ‫وقد اس������تطاعت بقوة اإلرادة الت������ي لديها والتي‬
‫ورعت قسم الكيمياء الذي أسسته وأشرفت على‬ ‫كون������ت ش������خصيتها على م������ر الوقت أن تك������ون بحق‬
‫تطويره في جميع مراحله ومازالت‪.‬‬ ‫الش������خصية النس������ائية اخلليجية للعام ‪ 2008‬باختيار‬
‫وفي مج������ال البح������ث العلمي أنش������أت مختبرات‬ ‫رابطة املرأة واألسرة اخلليجية (وفا) إحدى منظمات‬
‫الكيمي������اء الكهربائية ومختبر التآكل‪ ،‬وهو أول مختبر‬ ‫مجلس العالق������ات اخلليجي������ة األوربي������ة‪ ،‬وجـ ــائ ـ ــزة‬
‫من نوعه في دولة الكويت‪ ،‬وقامت بتجهيزها على مر‬ ‫أفضل‪ 10‬ش������خصيات عربية جله ـ ــودها املتمـ ــيزة في‬
‫الس������نني بأحدث التقنيات واألجهزة التي توفر البيئة‬ ‫مجال األبح������اث العلمية‪ ،‬مقدمة م������ن مركز التعـاون‬
‫البحثية‪ ،‬وأسست مدرس������ة بحثية في مجال الكيمياء‬ ‫األوربي باإلسكندرية‪.‬‬
‫الكهربائي������ة وكيمياء التآكل‪ ،‬باإلضافة إلى تأس������يس‬
‫مختبر املواد احلفازة‪ ،‬ويبحث في هذه املختبرات طلبة‬ ‫مبادرات علمية‬
‫الدراسات العليا في برنامجي املاجستير والدكتوراه‪،‬‬ ‫وأكدت الدكتورة نورية العوضي متيز فترة رئاسة‬
‫باإلضافة إلى الباحثني في مشاريع األبحاث املختلفة‬ ‫الدكتورة فايزة اخلرافي جلامعة الكويت‪ ،‬حيث حظي‬
‫والتي تش������هد نتائ������ج أبحاثهم املنش������ورة في املجالت‬ ‫هذا الصرح التعليمي بالعديد من اإلجنازات املتميزة‪،‬‬
‫العلمي������ة املتمي������زة باملتانة واألصال������ة وحداثة البحث‬ ‫منها على س������بيل املثال ال احلصر‪ ،‬استحداث العديد‬
‫العلمي في هذا املجال‪.‬‬ ‫من البرامج والتخصصات الدراس������ية على مس������توى‬
‫وللدكت������ورة فايرة اخلرافي أكثر من ‪ 124‬بحثا في‬ ‫الدرجة اجلامعي������ة األولى والدراس������ات العليا‪ ،‬نذكر‬
‫‪87‬‬ ‫الدكتورة فايزة اخلرافي‪ ...‬تواضع العلماء ومنوذج التحدي‬

‫‪feb 84-89.indd 87‬‬ ‫‪12/29/14 8:44:44 AM‬‬


‫صورة جتمع أمير الكويت الراحل الشيخ جابر األحمد ال ـصـباح مــع د‪ .‬اخلرافي وقيادات جامعة الكويت في إحدى حفالت‬
‫تخرج الطلبة الفائقني‬

‫والتجهي� � ��زات املختبري� � ��ة‪ ،‬وكذلك تش� � ��غيل املختبرات‬ ‫مجال تخصصها نش� � ��رت في مج� �ل��ات علمية عاملية‪،‬‬
‫الدراس� � ��ية بأحدث األجهزة والوس� � ��ائل العلمية‪ ،‬كما‬ ‫ولها عدة مؤلفات وأكثر من ‪ 83‬بحثا علميا منشورا في‬
‫أيضا بناء وتأس� � ��يس املكتبات املتخصصة بالكليات‬ ‫مت ً‬ ‫مؤمترات علمية عاملية‪ ،‬وترأست العديد من اجللسات‬
‫املختلفة باجلامعة وإعادة جتهيزها وتزويدها بالكتب‬ ‫العلمية‪ ،‬وش� � ��اركت في جلان علمية وتنظيمية عدة في‬
‫واملجالت العلمي� � ��ة الالزمة للتدريس والبحث العلمي‪،‬‬ ‫مؤمترات عاملية‪ ،‬وساهمت بتمويل من مؤسسة الكويت‬
‫فق� � ��د أولت الدكتورة فايزة اخلراف� � ��ي االهتمام البالغ‬ ‫للتق� � ��دم العلمي بتأليف كتاب عن احل� � ��رب الكيميائية‬
‫بالبح� � ��ث العلمي م� � ��ن خالل ما قامت ب� � ��ه من تطوير‬ ‫(‪ ،)1986‬وشاركت في ترجمة كتاب بعنوان (السرطان‬
‫وإعداد آلية فاعلة لتس� � ��هيل إجراءات متويل املشاريع‬ ‫اخللي� � ��ة املتـــــم� � ��ردة ) بـــتموي� � ��ل من مؤسس� � ��ة الكويت‬
‫البحثي� � ��ة ألعض� � ��اء هيئة التدريس وخاصة املش� � ��اريع‬ ‫للتــــقــدم العلمي أيضا (‪ ،)1983‬واملشاركة في تأليــــف‬
‫التطبيقية التي يتطلب تنفيذها اس� � ��تحداث مختبرات‬ ‫كت� � ��اب عن الرواب� � ��ط الكيميائية واألش� � ��كال اجلزئية‪،‬‬
‫متخصص� � ��ة ومجهزة بوس� � ��ائل وتقني� � ��ات حديثة‪ ،‬كما‬ ‫واملشاركة في تأليف كتاب الكيمياء واحلياة (‪.)2001‬‬
‫حرصت الدكت� � ��ورة اخلرافي على تطوير مركز خدمة‬
‫املجتمع والتعليم املستمر باجلامعة بالصورة التي تتيح‬ ‫متويل املشاريع البحثية‬
‫للمركز تقدمي ال� � ��دورات التدريبية املناس� � ��بة ملختلف‬ ‫وأك� � ��د الدكتور مال� � ��ك غلوم حس� �ي��ن‪ ،‬نائب مدير‬
‫اجلهات احلكومية ومؤسس� � ��ات القطاع اخلاص وذلك‬ ‫جامعة الكويت للتخطيط‪ ،‬على جانب رعايتها لقس� � ��م‬
‫من خالل الدعم املتواص� � ��ل والالمحدود الذي و ّفرته‬ ‫الكيمياء‪ ،‬وكيف حولت جامعة الكويت إلى جامعة ذات‬
‫الدكتورة فاي� � ��زة للمركز‪ ،‬فقد اس� � ��تطاع مركز خدمة‬ ‫تصنيف عاملي مرموق‪ ،‬تقدم فيها البرامج األكادميية‬
‫املجتم� � ��ع والتعليم املس� � ��تمر أن يتواص� � ��ل ويتعاون مع‬ ‫القوية في كل التخصصات العلمية والطبية والهندسية‬
‫نظرائ� � ��ه في اجلامع� � ��ات العريقة ف� � ��ي الوطن العربي‬ ‫فضل عن برامج الدراسات العليا‪ ،‬كما مت‬ ‫اً‬ ‫واإلنسانية‪،‬‬
‫والواليات املتح� � ��دة األمريكــــية‪ ،‬األمر الذي كان له ‪-‬‬ ‫اس� � ��تحداث مش� � ��اريع بحثية مدعمة بأحدث الوسائل‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪88‬‬

‫‪feb 84-89.indd 88‬‬ ‫‪12/29/14 8:44:47 AM‬‬


‫أن تبلور اإلستراتيجية واآللية املناسبة التي استطاعت‬ ‫بعد ذلك ‪ -‬بالغ األثر في تطوير هذا املركز‪.‬‬
‫من خاللها اس� � ��تقطاب الكفاءات العالية من األساتذة‬ ‫ويضيف الدكتور مالك غلوم حس� �ي��ن أن الدكتورة‬
‫من كل أنح� � ��اء العالم للعمل في جامعة الكويت‪ ،‬األمر‬ ‫فايزة اخلرافي صاحبة فكر ورؤية بعيدة ونافذة‪ ،‬فقد‬
‫الذي س� � ��اهم في تطوير برامجها التدريس� � ��ية وتفعيل‬ ‫كرس� � ��ت حياتها في خدمة وطنها وأبن� � ��اء وطنها على‬
‫األنش� � ��طة البحثي� � ��ة فيها وتطوير أنظمته� � ��ا ولوائحها‬ ‫وجه العم� � ��وم‪ ،‬واملجتمع العلمي على وجه اخلصوص‪،‬‬
‫األكادميية واإلدارية‪.‬‬ ‫فمنذ توليها منصب «مدير اجلامعة» في يوليو ‪1993‬‬
‫وفي مجال تشجيع البحث العلمي بادرت الدكتورة‬ ‫حرصت على أن تكون للجامعة خطة استراتيجية يتم‬
‫فايزة اخلرافي خالل العام ‪ 2004‬باس� � ��تحداث جائزة‬ ‫من خاللها إع� � ��داد خطط تنفيذية لالرتقاء باجلامعة‬
‫علمــــي� � ��ة أطــــل� � ��ق عليــــها آنـــــ� � ��ذاك «جائـــــ� � ��زة فايزة‬ ‫في التدريس والبحث العلمي وخدمة املجتمع وتطوير‬
‫اخلرافـــــ� � ��ي للعال� � ��م الناش� � ��ئ» الت� � ��ي اس� � ��تهدفت من‬ ‫قدرات الهيئة التدريسية وموظفي اجلامعة‪ ،‬مع إدخال‬
‫خاللها تشجيع أعضاء هيئة التدريس حديثي التعيني‬ ‫تقنيات ونظم املعلومات في اإلدارة والتدريس ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫باجلامع� � ��ة وحثهم عل� � ��ى البحث العلم� � ��ي النوعي في‬ ‫كما بادرت بحماس شديد إلدخال خدمة اإلنترنت‬
‫العلوم األساسية‪.‬‬ ‫ف� � ��ي جامعة الكويت والعمل على تطوير برامج التعليم‬
‫وحصل� � ��ت الدكتورة اخلرافي خ� �ل��ال العام ‪2004‬‬ ‫ع� � ��ن بعد بواس� � ��طة احلاس� � ��وب‪ ،‬ويُحس� � ��ب لها أن مت‬
‫عل� � ��ى عضوية زمال� � ��ة أكادميية العل� � ��وم العاملية‪The :‬‬ ‫إجن� � ��از تلك الطموح� � ��ات خالل فترة وجي� � ��زة من بدء‬
‫‪ World Academy of Sciences) (TWAS‬الت� � ��ي‬ ‫توليه� � ��ا منصب مدير اجلامعة‪ ،‬حيث مت إنش� � ��اء مركز‬
‫أسست على يد نخبة من العلماء املتميزين حتت قيادة‬ ‫التعلم عن بعد وتش� � ��غيل خدم� � ��ات اإلنترنت باجلامعة‬
‫العال� � ��م الباكس� � ��تاني الراحل الدكتور عبدو الس� �ل��ام‪،‬‬ ‫في فبراير ‪ 1994‬ف� � ��ي الوقت الذي لم تكن هناك أي‬
‫احلاص� � ��ل على جائزة نوبل ف� � ��ى الفيزياء عام ‪،1983‬‬ ‫جامعة خ� � ��ارج الواليات املتحدة األمريكية تس� � ��تخدم‬
‫وافتتح مقرها رسم ًيا فى تريس� � ��تا بإيطاليا فى العام‬ ‫خدمات اإلنترنت‪ ،‬ويُعد ذل� � ��ك أحد اإلجنازات املهمة‬
‫‪ 1985‬م� � ��ن قبل األمني الع� � ��ام لهيئ� � ��ة األمم املتحدة‪،‬‬ ‫التي قامت بتنفيذه� � ��ا الدكتورة فايزة اخلرافي خالل‬
‫حيث اس� � ��تهدفت هذه األكادميية تقدمي الدعم املادي‬ ‫فترة توليها منصب «مدير اجلامعة»‪ ،‬فضلاً عن األمور‬
‫والعلمي للبحث العلمي في دول العالم الثالث‪.‬‬ ‫األخرى التي سبق ذكرها‪.‬‬
‫ومنذ العام ‪ 2005‬تشغل الدكتورة فايزة اخلرافي‬ ‫وعقب ص� � ��دور القانون رق� � ��م ‪ 1996/26‬اخلاص‬
‫منصب «نائب رئيس أكادميي� � ��ة العلوم العاملية ملنطقة‬ ‫بفصل اجلنس� �ي��ن في كل مؤسس� � ��ات التعليم العالي‪،‬‬
‫الشرق األوسط وجنوب شرق آسيا» عرفا ًنا بإسهاماتها‬ ‫قامت الدكتورة فايزة اخلرافي بتفعيل املرسوم األميري‬
‫البحثية وخدماتها اإلدارية واألكادميية املتعددة‪.‬‬ ‫الصادر عام ‪ 1966‬بشأن كلية البنات اجلامعية‪ ،‬حيث‬
‫وق� � ��د كان لنا الش� � ��رف الكبير بالعم� � ��ل معها في‬ ‫مت تزويدها بأحدث برام� � ��ج التخصصات األكادميية‬
‫اإلدارة اجلامعي� � ��ة ومش� � ��اركتها في أعم� � ��ال أكادميية‬ ‫وفت� � ��ح أب� � ��واب الكلية أم� � ��ام الطالب� � ��ات الراغبات في‬
‫العلوم العاملية‪.‬‬ ‫التحصيل اجلامعي في تلك التخصصات‪.‬‬
‫كما حصلت في الع� � ��ام ‪ 2011‬على جائزة لوريال‬ ‫وبفضل اخلبرات الواس� � ��عة التي متتلكها الدكتورة‬
‫– يونس� � ��كو للمرأة في العلوم إلسهاماتها البحثية في‬ ‫فايزة اخلراف� � ��ي إلى جانب التواض� � ��ع واحلكمة التي‬
‫مجال التآكل الكيميائي‪ ،‬كما ُمنحت الدكتوراه الفخرية‬ ‫اتس� � ��مت بها ش� � ��خصيتها أثناء فت� � ��رة توليها منصب‬
‫من اجلامعة األمريكية ف� � ��ى القاهرة‪ ،‬وحصلت كذلك‬ ‫مدي� � ��ر اجلامعة اس� � ��تطاعت أن تك ّون أس� � ��رة جامعية‬
‫على جائزة الكويت من مؤسسة التقدم العلمي‪.‬‬ ‫تعمل مبهنية عالية ومترابطة كنسيج واحد من خالل‬
‫ونظ � � � ًرا ملا تتمتع به الدكت� � ��ورة فايزة اخلرافي فى‬ ‫قدرتها على ترجمة اخلطط اإلستراتيجية ‪ -‬التي مت‬
‫مجال التخطي� � ��ط اإلداري والتطوير والتنفيذ الفاعل‬ ‫تطويرها من قبل كليات اجلامعة ‪ -‬إلى واقع تنطلق من‬
‫بهدف التنمية والتق� � ��دم واالزدهار خاصة في املجال‬ ‫خالل� � ��ه اجلامعة نحو الرقي والتطوير ومواكبة أحدث‬
‫األكادمي� � ��ي‪ ،‬فهي تعمل منذ العام ‪ 2003‬عضواً فاع ً‬
‫ال‬ ‫املستجدات فى املجاالت األكادميية والبحثية واملهنية‬
‫في املجلس األعلى للتخطيط والتنمية >‬ ‫واإلنس� � ��انية والتربوية‪ ،‬فقد متكنت الدكتورة فايزة من‬
‫‪89‬‬ ‫الدكتورة فايزة اخلرافي‪ ...‬تواضع العلماء ومنوذج التحدي‬

‫‪feb 84-89.indd 89‬‬ ‫‪12/29/14 8:44:51 AM‬‬


‫أدب‬

‫«التذ ّلل للحبيب‬


‫من شيم األديب»‬
‫جهاد فاضل‬

‫يب� � ��دو أن أم كلث� � ��وم وعبدالوه� � ��اب عندما‬


‫ميجدان الذ ّل للحبيب‪ ،‬أو التذ ّلل له‪،‬‬ ‫كان� � ��ا ّ‬
‫في أغانيهما‪ ،‬لم يكون� � ��ا يأتيان بجديد أو‬
‫مستهجن في هذا الشأن‪ .‬فقد بلغ هذا التذ ّلل أقصاه‬
‫في العصر العباس� � ��ي‪ ،‬زمن ازده� � ��ار احلضارة العربية‬
‫وقي� � ��ام مجتمع مدن� � ��ي من ّعم ومس� � ��تق ّر‪ ،‬بدليل أن أحد‬
‫املنظري� � ��ن للحب يومه� � ��ا‪ ،‬وهو اب� � ��ن داود األصفهاني‪،‬‬ ‫ّ‬
‫يعق� � ��د ف� � ��ي كتابه «الز َُه� � ��رة» ‪ -‬وهو كت� � ��اب يدور حول‬
‫متجد هذه‬ ‫احل� � ��ب واجلمال ‪ -‬فصوالً بعناوين مختلفة ّ‬
‫العاطف� � ��ة الراس� � ��خة في القلب البش� � ��ري‪ ،‬منها عنوان‬
‫الب�� ��ة أو من لزومياتها‪.‬‬ ‫م�� ��ن خصائص هذه العاطفة اخل ّ‬ ‫يق� � ��ول «التذ ّلل للحبيب من ش� � ��يم األدي� � ��ب»! وال ندري‬
‫فالتذ ّلل استناداً إلى ما تقدم ثقافة شاعت أيمّ ا شيوع في‬ ‫ما الذي يقصده األصفهاني باألديب الذي من ش� � ��يمه‬
‫تراثن�� ��ا القدمي واحلديث أيضاً‪ .‬فها هي أم كلثوم تخاطب‬ ‫التذل� � ��ل للحبيب‪ :‬هل ه� � ��و «األديب» مبعن� � ��اه املعروف‬
‫حبيبه�� ��ا في قصي�� ��دة «يا ّللي كان يش�� ��جيك أنيني» (التي‬ ‫الي� � ��وم‪ ،‬أي ال� � ��ذي يتعاطى صناع� � ��ة األدب‪ ,‬أو املثقف‬
‫غنّتها في أواخر عام ‪ )1948‬على النحو التالي‪:‬‬ ‫العاقل الع� � ��ارف بالقواعد واألصول‪ ،‬ورمبا بأس� � ��باب‬
‫عزة جمالك فني‬ ‫وعوام� � ��ل «النجاة» في هذه العالق� � ��ة املعقّدة واخلطرة‬
‫من غير ذليل يهواك‬ ‫بني اجلنسني؟ وفي أي حال‪ ،‬فإن ابن داود األصفهاني‬
‫والواقع أنها ال «تخاطبه» بل تصرخ في وجهه معاتبة‬ ‫لم يكن يفارق الصواب في مثل نصيحته هذه‪ ،‬ألن دوام‬
‫أو محتج�� ��ة أو مؤنبة‪ .‬فعزة اجلمال تتطلب بنظرها ذلي ً‬
‫ال‬ ‫احلب يقتض� � ��ي دوام هذا التذ ّلل! ولكن األصفهاني لم‬
‫يه�� ��واه‪ .‬وم�� ��ن غير وجود ه�� ��ذا الذليل‪ ،‬ف�� ��إن عزة جمال‬ ‫يك� � ��ن في واقع األمر ينصح بتذ ّل� � ��ل احملب حملبوبه‪ ،‬بل‬
‫احلبيب في مهب الري�� ��ح‪ ،‬لذلك يجب على هذا احلبيب‬ ‫كان يق � � � ّرر أمراً أو حقيقة‪ .‬ذلك أن احلب بنظره يجعل‬
‫مراع�� ��اة «نقطة النظام» ه�� ��ذه‪ ،‬وإال انهارت عمارة احلب‬ ‫ال في خدمة احملبوب‪ .‬أما املرأة‪،‬‬ ‫من الرجل إنساناً ذلي ً‬
‫وتب ّدد شمل احمل ّبني‪ .‬وانهار قبل كل شيء جانب اجلمال‬ ‫فإن الش� � ��عر العربي األندلس� � ��ي‪ ،‬بجذوره العذرية‪ ،‬وما‬
‫الذي ال يك ّرسه إال توافر هذا العاشق الذليل!‬ ‫تطور عنها في العصر العباسي‪ ،‬قد جعل منها معبودة‬
‫وكان احل� � ��ب الذي ش� � ��دت به أم كلث� � ��وم أميناً‬ ‫أو قريباً من ذلك‪ ،‬فهي مصدر السعادة للعاشق‪.‬‬
‫لثقافة التذ ّلل هذه‪ ،‬بدليل بسط «التذ ّلل» لسلطانه‬ ‫وق�� ��د كانت أم كلث�� ��وم كما كان عبدالوه�� ��اب أمينني‬
‫في أغاني كلثومية بال حصر‪ .‬فهذه كوكب الش� � ��رق‬ ‫احلض‬
‫ّ‬ ‫لتراث العرب األقدمني في احلب‪ ،‬وبخاصة جلهة‬
‫تغني في عام ‪:1926‬‬ ‫على التذلل للحبيب‪ ،‬أو متجيد هذا التذ ّلل‪ .‬والتذلل هذا‬
‫ّ‬
‫ل� � ��ي ل�� � ��ذة ف� � ��ي ذل� � �ت � ��ي وخ� �ض ��وع ��ي‬ ‫يبدو أنه ليس وقفاً على الرجل وحده‪ ،‬فقد متارسه املرأة‬
‫وأح � � � ّ�ب ب�ي�ن ي ��دي ��ك س �ف��ك دموعي‬ ‫ال أو امرأة‪،‬‬ ‫أيضاً‪ .‬املهم أن التذ ّلل للحبيب‪ ،‬سواء كان رج ً‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪90‬‬

‫‪feb 90-91.indd 90‬‬ ‫‪12/29/14 8:45:54 AM‬‬


‫إليه وتقس�� ��م بالله أن يرفق بها ألنها تنتس�� ��ب إليه «بذل‬ ‫ويستمر هذا اإليقاع بعد ذلك‪ .‬فإحدى أغانيها التي‬
‫الغرام»‪.‬‬ ‫غنته�� ��ا عام ‪ 1931‬حتمل عنوان‪« :‬ليه عزيز دمعي تذ ّله»‪،‬‬
‫كان الذل مرادفا للح�� ��ب وإحدى جتل ّياته وعالماته‪،‬‬ ‫ومنها هذه األبيات‪:‬‬
‫فإذا لم يتوافر اعترى مقام احلب‪ ،‬أو عزة احلب‪ ،‬شحوب‬ ‫ليه عزيز دمعي تذلّه‬
‫أو ش�� ��كوك‪ .‬ثمة كلمات كثيرة في قاموس العاشقني تفيد‬ ‫كل ساعة بني يديك‬
‫حالة انهيار العاشق وضناه ولوعته وتع ّبده حملبوبه‪ ،‬ولكن‬ ‫بعد صبر العمر كلّه‬
‫عبارة «ال�� ��ذل» أكثرها صراحة وداللة في اإلش�� ��ارة إلى‬ ‫وانشغال قلبي عليك‬
‫الصب وتفقده منعة‬ ‫ّ‬ ‫هذه احلالة املأساوية‪ ،‬التي تصاحب‬ ‫مش حرام؟ والله حرام!‬
‫الذات ومتاسكها! ولم يكن محمد عبدالوهاب أقل إمياناً‬ ‫ويحمل م ّوال قصير غنّته عام ‪ 1930‬من شجن الروح‬
‫«بوصف�� ��ة» الذل من أم كلثوم‪ .‬فالعبارة ذاتها‪ ،‬أو ما يؤدي‬ ‫وتذلل الذات التي تئ�� ��ن حتت ضرام احلب‪ ،‬ما ال حتمله‬
‫معناها‪ ،‬شائعة كثيراً في نصوص بال حصر غناها املطرب‬ ‫قصائد طويلة كثيرة‪:‬‬
‫الكبير‪ ،‬منها أغنية مش�� ��هورة له‪« :‬يا لوعتي يا ش�� ��قايا يا‬ ‫الليل أهو طال وع��رف اجل��رح ميعا ُده‬
‫ضن�� ��ى حالي»‪ .‬وفيها يتحدث عبدالوهاب عن محبوبة له‬ ‫وج � ّ�ف دم�ع��ي وج�ف�ن��ي م��ن دم��ي عا ُده‬
‫هجر وطنه وأهله من أجلها‪ ...‬وقد ع ّرضته هذه األغنية‬ ‫لهفي ع�ل��ى ال�ق�ل��ب ف��ي ذ ّل ��ه وأوع� ��اده‬
‫الت�� ��ي يتهالك فيها عبدالوهاب على هذه احملبوبة ويندب‬ ‫ال نار أقول نار وال هي من الفؤاد تبرح‬
‫حظ�� ��ه معها‪ ،‬إلى «علقة س�� ��اخنة» م�� ��ن الزعيم املصري‬ ‫وإن ب ��اح ب �ش �ك��واه ال زاده وال ع� ��ا ُده!‬
‫الراحل مصطفى النحاس باش�� ��ا‪ ،‬فق�� ��د التقى النحاس‬ ‫ف�� ��ي هذا امل� � � ّوال تدخل أم كلثوم في صميم مأس�� ��اة‬
‫باشا بعبدالوهاب في مناسبة من املناسبات‪ ،‬فجعل يؤ ّنبه‬ ‫العاشق أو املعشوق‪ ,‬تضع يدها على جروحه‪.‬‬
‫ال له‪« :‬كيف‬ ‫على هذه األغنية الذليلة الطازجة يومها قائ ً‬ ‫التوجه‬
‫ّ‬ ‫هذا‬ ‫ومبكراً ج� � ��داً ع ّبرت أم كلثوم ع� � ��ن‬
‫تقول له�� ��ذه القطقوطة إنك هجرت أهل�� ��ك ووطنك من‬ ‫العاب� � ��د أو العبودي الذي يق � � � ّدس احلبيب وال يأنف‬
‫أجلها؟ كيف يهجر املرء وطنه وأهله من أجل امرأة تع ّذبه‬ ‫من التذ ّلل له لني� � ��ل رضاه‪ .‬فها هي تغني في مقتبل‬
‫هذا العذاب؟ أليس هجرانها أفضل من التذ ّلل إليها على‬ ‫عمره� � ��ا (س� � ��نة ‪ )1925‬للحبي� � ��ب (من نظ� � ��م اإلمام‬
‫هذا النحو؟ وتقول الرواية إن عبدالوهاب انس�� ��حب بعد‬ ‫عبدالله الش� � ��براوي) هذه القصي� � ��دة اجلميلة التي‬
‫ذلك من احلفلة «مكسوفاً» ال يلوي على شيء وظل أياماً‬ ‫تتضمن بيتاً رائعاً عن الذل في احلب‪:‬‬
‫حبيس منزله‪.‬‬ ‫وح � � �ق� � ��ك أن � � � ��ت امل � � �ن� � ��ى وال � �ط � �ل� ��ب‬
‫وق� � ��د دافع عبدالوه� � ��اب مراراً ع� � ��ن تذ ّلل احلبيب‬ ‫األرب‬
‫ْ‬ ‫�ت‬ ‫وأن�� � � � � ��ت امل� � � � � � � ��راد وأن�� � � � � �‬
‫«للحب قوانين� � ��ه التي تختلف عن‬ ‫ّ‬ ‫حملبوب� � ��ه‪ ،‬فكان يقول‪:‬‬ ‫ول�� � ��ي ف � �ي� ��ك ي� � ��ا ه� � ��اج� � ��ري ص � �ب� ��وةٌ‬
‫القوانني األخرى‪ .‬الذل في احلب أحد قوانني احلب‪ .‬ال‬ ‫حت� � � ّي � ��ر ف� � ��ي وص � �ف � �ه� ��ا ك� � � � ُّ�ل ص� � ّ�ب‬
‫ميكن أن تطالب العاش� � ��ق‪ ،‬وهو في حلظة ضعفه‪ ،‬أو في‬ ‫أب� � � �ي � � � ُ�ت أس� � � ��ام� � � � ُ�ر جن� � � � � َم ال� �س� �م ��ا‬
‫قمة ضعفه‪ ،‬باس� � ��تخدام أس� � ��لوب التعالي على املعشوق‪.‬‬ ‫�رب‬‫ْ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫غ‬ ‫أو‬ ‫إذا الح ل� ��ي ف� ��ي ال� ��دج� ��ى‬
‫فهو إذا اس� � ��تخدم هذا األسلوب‪ ،‬لم يكن عاشقاً أصي ً‬
‫ال‪،‬‬ ‫وأع � � � ��رض ع � ��ن ع � ��اذل � ��ي ف � ��ي ه � ��واك‬
‫ولم يظفر بشيء‪ .‬فاألصالة في العشق إذن هي «اللوعة»‬ ‫من ي � � ��ا م� �ن� �ي� �ت���ي أو ع� �ت�� ْ�ب‬ ‫إذا ّ‬
‫و«الشقاء» و«الضنى» و«الذل» وليس الكبرياء الفارغة»!‬ ‫أم � � � � � � � ��والي ب� � ��ال � � �ل� � ��ه رف� � � �ق � � ��ا مب ��ن‬
‫وأ ّي� � ��ا كان رأين� � ��ا اليوم ف� � ��ي «قان� � ��ون» التذ ّلل إلى‬ ‫إل � � �ي� � ��ك ب � � � � ��ذلّ ال � � � �غ� � � ��رام ان� �ت� �س ��ب‬
‫احلبيب‪ ،‬فإن هذا القانون ظل يبس� � ��ط س� � ��لطانه على‬ ‫م� � �ت � ��ى ي � � ��ا ج � �م � �ي� ��ل احمل� � � � ّي � � ��ا أرى‬
‫ال‪ ،‬وعلى األرجح مازال يبس� � ��ط سلطانه‬ ‫النفوس طوي ً‬ ‫رض� � � � ��اك وي� � ��ذه� � ��ب ه� � � ��ذا ال� �غ� �ض ��ب‬
‫ويُعم� � ��ل بأحكامه إلى اليوم‪ .‬فكأنه من لزوميات احلب‬ ‫ف � ��إن � ��ي م� � �ح � � ّ�ب ك � �م� ��ا ق� � ��د ع � �ه� ��دتَ‬
‫ال� � ��ذي د ّقت معانيه جلاللتها عن أن توصف فال تُدرك‬ ‫�يء ع� � �ج � � ْ�ب!‬ ‫�ك ش�� � � � � ٌ‬‫ول � � �ك� � ��ن ح� � � � ُّب � � � َ‬
‫حقيقتها إال باملعاناة‪ ،‬على حد تعبير ابن حزم األندلسي‬ ‫احلبيب هو املنى والطل�� ��ب‪ ،‬واملراد واألرب‪ ،‬وهو ما‬
‫في «طوق احلمامة»! >‬ ‫تصبو إليه األنثى وما هو مركوز في جبلتها‪ .‬وهي تتض ّرع‬
‫‪91‬‬
‫«التذلّل للحبيب من شيم األديب»‬

‫‪feb 90-91.indd 91‬‬ ‫‪12/29/14 8:45:58 AM‬‬


‫شعر‬

‫الظ َّـل‬
‫ـارس َّ‬
‫ح ُ‬
‫محمد زينو شومان *‬

‫ُ‬
‫حجرت عل ��ى مراراتي‬ ‫م ��اذا وماذا س ��وف يح ��دث لو‬ ‫ذراع األرصفة؟‬ ‫ُ‬
‫غفوت على ِ‬ ‫ُ‬
‫سيحدث لو‬ ‫ماذا‬
‫ُ‬
‫وآثرت السالمة؟‬ ‫ُ‬
‫سيحدث‬ ‫ماذا‬
‫جوع!‬
‫كم نام ٌ‬ ‫الهموم‬
‫ِ‬ ‫مهشم ًا بعصاي خابية‬
‫لو خرجت ّ‬
‫بثوبك!‬
‫ْ‬ ‫كسنجاب‬
‫ٍ‬ ‫نام مختبئ ًا‬ ‫رج‬
‫الد ْ‬
‫على ّ‬
‫الوحيد‬
‫ْ‬ ‫وبقيت حارسك‬
‫ُ‬ ‫الروح أقما ُر القرنفلْ ؟‬
‫ِ‬ ‫فتفتقت في‬
‫ُّ‬
‫أستل أحالمي‬ ‫اإلعصار‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫سيحدث لو تركت ملخلب‬ ‫ماذا‬
‫َ‬
‫ُرضيك‬
‫اجلهة التي ت‬
‫ِ‬ ‫وأدفعها إلى‬ ‫طي َر الفلسفة‬
‫فاعذرني‬ ‫الصحراء‬
‫ُ‬ ‫وشربت حتى فاضت‬
‫ُ‬
‫ُألخرج راحتي بيضا َء من ِ‬
‫جيب الرما ْد‬ ‫من حبر الندامة؟‬
‫ستصعد‬
‫ُ‬ ‫هذي هي األنهار من عطشي‬ ‫ستعصر من مآقيها غمامة‬
‫ُ‬ ‫ماذا‬
‫تصعد‬
‫ُ‬ ‫ثم‬ ‫لو جئت أحيان ًا مبنخلْ‬
‫في شرايني البال ْد‬ ‫تراب املعرف ْه؟‬
‫طح ٍان َ‬
‫ومضيت أنخل مثل ّ‬
‫ُ‬
‫الصد مني‬
‫َّ‬ ‫عجب ًا لقلبي بات يخشى‬ ‫خرجت على امل ْ‬
‫أل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سيحدث لو‬ ‫ماذا‬
‫فمضى يل ّوح لي مبنديل َّ‬
‫الش َج ْن‬ ‫متجهم ًا‬
‫ّ‬
‫ووقفت مستمع ًا يعاتبني‬ ‫أشكو وال أشكو‪ ...‬فما عندي سوى ولعي‬
‫ُ‬
‫وأضحك‬ ‫ُظالمة؟‬
‫ما درت يوم ًا بس ٍّر بيننا‬ ‫تعمدت ال َك ِذ ْب‬ ‫ُ‬
‫سيحدث لو ّ‬ ‫ماذا‬
‫حتى الوسادة >‬ ‫لتند عن قلمي ابتسامة؟‬
‫َّ‬

‫* شاعر من لبنان‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪92‬‬

‫‪feb 92-93.indd 92‬‬ ‫‪12/29/14 8:46:45 AM‬‬


‫‪93‬‬
‫ـارس الظـل‬
‫ح ُ‬

‫‪feb 92-93.indd 93‬‬ ‫‪12/29/14 8:46:53 AM‬‬


‫أدب‬

‫في الذكرى املئوية للحرب العظمى‬


‫الغرب واحلرب‪ ...‬رؤية شعرية‬
‫د‪ .‬إيهاب النجدي *‬

‫إن القفز فوق هضاب التاريخ رمبا يفيد في رصد عالقات املد واجلزر بني الشرق والغرب‪،‬‬
‫ويظهر لنا أن تاريخ العالم هو تاريخ النضال واملواجهة بني شرقنا وغربهم‪ ،‬أي ًا كان هذا‬
‫الش ��رق أو ذل ��ك الغ ��رب‪ ،‬ولك ��ن وجه ًا آخ ��ر للتاريخ يظه ��ر أن تاريخ احل ��روب بني الدول‬
‫األوربية أكبر بكثير مما يظن القارئ املتعجل‪ ,‬وقد تغني في هذه السبيل بعض األمثلة‬
‫من العصر احلديث‪.‬‬

‫املادية على اإلنسان والعمران‪ ،‬فإنها في البدء صدام‬ ‫اس� � ��تمرت احلروب بني إجنلترا وفرنس� � ��ا‬
‫إرادات ونزاعات‪ ،‬وصراع أفكار وثقافات جتسد على‬ ‫منذ غزو النورمانديني إلجنلترا في س� � ��نة‬
‫األرض عمران � � �اً يدمر وأرواحاً تزهق‪ ,‬ويذهب مفكر‬ ‫‪1066‬م إلى هزمية نابليون س� � ��نة ‪1815‬م‪,‬‬
‫معاصر هو توماس باترس� � ��ون إلى أن الغرب اختلق‬ ‫واس� � ��تمر الصراع بينهما خالل احلقبة االستعمارية‪.‬‬
‫فكرة «احلضارة» عنده‪ ،‬به� � ��دف تأكيد التمييز بينه‬ ‫وهناك صراع تاريخي آخر بني األملان والفرنس� � ��يني‪،‬‬
‫(جن� � ��س أبيض متحضر) وبني بقي� � ��ة أجناس العالم‪،‬‬ ‫منذ نابليون الذي قس� � ��م الوالي� � ��ات األملانية في بداية‬
‫وليبرر حمالته االستعمارية العدوانية ضد الشعوب‬ ‫القرن التاس� � ��ع عش� � ��ر‪ ،‬وهناك الصراع بني إس� � ��بانيا‬
‫األخرى‪« ،‬وما إن انتقل األوربيون إلى ما وراء البحار‬ ‫والبرتغ� � ��ال‪ ،‬وهن� � ��اك احل� � ��روب الطويلة بني روس� � ��يا‬
‫حتى استخدموا التصنيفات الفئوية الشائعة آنذاك‪،‬‬ ‫وبولندا‪ ،‬أما حروب البلقان فال حد لقسوتها املريرة‪.‬‬
‫مثل عبارات املتوحش� �ي��ن والهم� � ��ج والوثنيني والكفار‬ ‫وش� � ��هد القرن العش� � ��رون حربني عامليتني‪ ،‬هما‬
‫والبراب� � ��رة‪ ،‬لوصف أبناء الش� � ��عوب الذين التقوا بهم‬ ‫في األساس غربيتان‪ ،‬باعثاً ونشأة وعدداً‪ ,‬فاحلرب‬
‫وال يعرفون الكتابة أو أساليب إدارة احلكم املنظم»‪.‬‬ ‫األولى (‪ )1918-1914‬نش� � ��بت ب� �ي��ن أملانيا من جهة‬
‫(احلضارة الغربية‪ ،‬الفكرة والتاريخ‪ ،‬ص‪)27‬‬ ‫وفرنس� � ��ا وإجنلترا من جهة أخرى ودفعت إليها دول‬
‫كما تفضي هذه القراءة إلى أن احلرب احلديثة‬ ‫أخرى‪ ،‬واحلرب الثانية (‪ )1945-1939‬نش� � ��بت بني‬
‫صناع� � ��ة غربية بامتياز‪ ،‬فإنها تدل على أن الش� � ��رق‬ ‫ق� � ��وات احملور (أملاني� � ��ا وإيطاليا والياب� � ��ان) من جهة‬
‫العربي قد اصطلى بشظايا منها‪ ،‬وعلى وجه أخص‬ ‫واحللفاء (فرنسا وإجنلترا وروسيا وأمريكا والصني)‬
‫م� � ��ن احلربني العامليت� �ي��ن‪ :‬األولى والثاني� � ��ة‪ ،‬وطالت‬ ‫من جه� � ��ة أخرى‪ ،‬وهكذا فقد أمض� � ��ى الغرب جزءاً‬
‫كل جوان� � ��ب احلياة فيه‪ ،‬وقد ش� � ��غلت احلرب األولى‬ ‫كبيراً من تاريخه احلديث في حروب مس� � ��تمرة بني‬
‫الشاعر العربي احلديث‪ ،‬واحتلت مساحة من اجلدل‬ ‫بلدانه وشعوبه‪.‬‬
‫الفكري والشعوري لديه‪.‬‬ ‫هذه احل� � ��روب‪ ،‬على الرغم من وض� � ��وح آثارها‬
‫* أكادميي من مصر‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪94‬‬

‫‪feb 94-98.indd 94‬‬ ‫‪12/29/14 8:47:56 AM‬‬


‫رغم أن املعارك دارت رحاها على األراضي األوربية فإن آثارها امتدت إلى أرجاء الشرق األوسط‬

‫ك�� ��أمن�� ��ا ف � � ��ي ص� � � ��دره� � � � ْ�م ُغ� � � َّل�� � ٌ�ة‬ ‫حينما ش� � ��بت نار احلرب الكبرى ‪ -‬وهكذا كانت‬
‫أب� � � � ْ�ت ب� �غ� �ي ��ر امل� � � ��وت أن ُت� � ْن� � َق� �ع ��ا‬ ‫تعرف حتى نش� � ��وب حرب ‪ - 1939‬بإعالن النمس� � ��ا‬
‫ك� ��أن � �ه� � ْ�م وال� � � �ن � � ��ا ُر م � ��ن ح ��ول� �ه � ْ�م‬ ‫احل� � ��رب على صربيا في ‪ 28‬يوليو ‪ ،1914‬بعد مقتل‬
‫ِج � � � ٌّ�ن َت� � � �أَ َّل� � � � ْوا أن َي� � ِ�ب � �ي� ��دوا معا‬ ‫ولي العهد النمساوي في سراييفو‪ ،‬كان علي اجلارم‬
‫ه� � ��ذا املوت ال� � ��ذي يت� � ��ردد مبفردات� � ��ه (الردى‪،‬‬ ‫من أس� � ��بق م� � ��ن ثارت ش� � ��اعريتهم‪ ،‬فنظ� � ��م قصيدة‬
‫الهالك‪ ،‬القتل‪ )...‬ولوازمه (الدم‪ ،‬النهش‪ ،‬الس� � ��يف‪،‬‬ ‫«احلرب» في الس� � ��نة ذاتها‪ ،‬وهو يبدأها باس� � ��تفهام‬
‫الس� � ��لب‪ ،‬النار‪ ،‬املدفع‪ )...‬يحاول اجلارم اإلمس� � ��اك‬ ‫الفجيعة واالس� � ��تنكار ممن س� � ��لب األمن من األعني‬
‫به وجتس� � ��يده في حكاية فارس غربي مقتول‪ ،‬مثاالً‬ ‫الوادعة والنف� � ��وس املطمئنة‪ ،‬وذبح الس� �ل��ام‪ ،‬ورمى‬
‫للضحايا الكثر الذين ماتوا بال قبر‪ ،‬وذهبوا بال وداع‪،‬‬ ‫بالش� � ��وك في مضجعه‪ ،‬إن� � ��ه جبار الغ� � ��رب العاتي‪،‬‬
‫راص� � ��داً ما تعرضت له أولى امل� � ��دن البلجيكية (ليج‬ ‫الظام� � ��ئ إلى دم القتلى‪ ،‬وهو الغ� � ��رب الذي «تطربه‬
‫نامور) م� � ��ن تخريب مبدافع األمل� � ��ان‪ ،‬ويؤازر باريس‬ ‫احلرب»‪:‬‬
‫في «عس� � ��رتها» وغمتها‪ ،‬فقد كادت تسقط في أيدي‬ ‫ط��اح� ْ�ت ب��أه��ل ال �غ��رب ن���ا ُر الوغى‬
‫األملان في أوائل احلرب (هزمت أملانيا أمام فرنس� � ��ا‬ ‫وه� � � َّب � ��ت ال� � ��ري� � � ُ�ح ب� �ه���م ز َْع � ��زع � ��ا‬
‫في معركة امل� � ��ارن األولى‪ ،‬وكتب اخلالص لباريس)‪،‬‬ ‫�اره�� � ْ�م َع� � � ْن � ��و ًة‬
‫ي� �ج� �م � ُ�ع� �ه � ْ�م ج� � � َّب�� � ُ‬
‫لكنه يؤمن أن «غاية العارض أن يُقش� � ��عا»‪ ,‬ثم يذهب‬ ‫وإمن� � � � ��ا ل � �ل � �م� ��وت م� � ��ن ج�� َّ�م� �ع���ا!‬
‫إلى متجيد اجلي� � ��ش اإلجنليزي وحضه على الثبات‬ ‫ي�ح�س��و َد َم ال �ق �ت �ل��ى‪َ ،‬ف� �أَ ْظ � ِ�م ��ئْ به‬
‫والوثوب‪ ،‬وهو «جحفل ما ض َّم رعديداً وال إ َّمعا»‪ ،‬بل‬ ‫أج َشعا!‬ ‫�ش ال� �ل� �ح� � َم‪ ،‬ف �م��ا ْ‬ ‫وي��ن��ه� ُ‬
‫ضم جنوداً تتصف بالطول واخلفة والس� � ��رعة و«كل‬ ‫ل � ��م ي� ��كْ � �ف� � ِ�ه رم� � � � ٌ�ح وال ُم� ��ره� � ٌ�ف‬
‫منجرد أروعا» وهي أوصاف عتيقة‪ -‬والعتق‬ ‫ٍ‬ ‫ذي مِ َّرة‬ ‫ف � ��ا َّت� � �خ� � � َذ امل� � �ن� � �ط � ��ا َد وا ِمل� ��دف � �ع� ��ا‬
‫قدم وحرية وجمال ‪ -‬التمس� � ��ها الشاعر ليس حلرب‬ ‫ـــم‬
‫األرض بـــأشـــــالئـه ْ‬ ‫ُ‬ ‫غصــــت‬ ‫قــــد َّ‬
‫السيوف والرماح‪ ،‬وإمنا حلرب املدفعية والغواصات!‬ ‫وأص� � �ب � ��ح ال� �ب� �ح ��ر ب� �ه ��ا ُم� � ْت ��رع ��ا‬
‫‪95‬‬
‫الغرب واحلرب‪ ...‬رؤية شعرية‬

‫‪feb 94-98.indd 95‬‬ ‫‪12/29/14 8:48:00 AM‬‬


‫حينما كانت املعارك تدور على األرض في أوربا كان اجلغرافية والتاريخ يتغيران في أرجاء العالم‬

‫ف���ع�ل�ا َم أره����ق����تَ ال������ورى وأَث ْ���ر َت���ه���ا‬ ‫وتصل املبالغة العتيقة أقصاها عندما يصف اجلندي‬
‫ش�����ع�����وا َء ف���ي���ه���ا ل���ل���ه�ل�اك ف���ن���ون؟‬ ‫اإلجنليزي بقوله‪:‬‬
‫جيوشك النطوى‬ ‫ُ‬ ‫ُصرت‬
‫تالله لو ن ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ل���و م�����ادت األج���ـ���ـ���ي���ال م���ن حتتـه‬
‫َ ْ‬‫َ‬
‫���س���ك���ون‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫�����‬ ‫ف‬ ‫�����‬ ‫قْ‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫��ل�ام‬ ‫س‬ ‫����‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ُ‬
‫������ل‬ ‫ج‬ ‫أ‬ ‫ُ‬
‫����ل���اك م����ا ز ُْع����زع����ا‬ ‫أو خ���ـ���ـ َّ���رت األف‬
‫(دي� � ��وان حافظ جـ‪ /2‬ص‪ ,84‬نش� � ��رت في يناير‬ ‫(ديوان علي اجلارم‪ ،‬ص ‪)246‬‬
‫‪)1915‬‬ ‫ويتوقف حاف� � ��ظ إبراهيم عند مقدمات احلرب‬
‫***‬ ‫وآثارها على مص� � ��ر‪ ،‬فيحمل على «غلي� � ��وم الثاني»‬
‫ومتخض� � ��ت احلرب العاملية األولى عن س� � ��قوط‬ ‫(إمبراط� � ��ور أملاني)‪ ،‬منكراً علي� � ��ه إثارته للحرب وما‬
‫اخلالفة اإلس� �ل��امية‪ ،‬بعد أن اتصلت حلقاتها خالل‬ ‫ارتكب� � ��ه فيها من الفظائع‪ ،‬وأظهرها في نظر حافظ‬
‫ثالثة عش� � ��ر قرن � � �اً ونصف الق� � ��رن‪ ،‬واتخذت مصر‬ ‫تخريب اآلثار احلضارية في فرنس� � ��ا (مدينة رمس‬
‫مركزاً للقواعد الش� � ��رقية‪ ،‬وتكلفت من مؤن احلرب‬ ‫الفرنس� � ��ية املشهورة بكنيس� � ��تها التاريخية) وغيرها‪،‬‬
‫وأعبائه� � ��ا ما نهبت ب� � ��ه الغالت والدواب‪ ،‬وتس� � ��ابق‬ ‫باس� � ��تخدام املداف� � ��ع والطائرات‪ ،‬ف� � ��أي فخر ممكن‬
‫رجال اإلدارة في جباي� � ��ة األموال والتبرعات إرضاء‬ ‫أن يدعي� � ��ه هذا املخرب؟ وإلى أي نصر قاد ش� � ��عبه؟‬
‫للسلطات اإلجنليزية‪ ،‬حتى أصبحت مصر ثاني بالد‬ ‫وحص� � ��اد النص� � ��ر ‪ -‬إن مت ‪ -‬وأد الس� �ل��ام وخ� � ��راب‬
‫العالم ف� � ��ي ترتيب ما جمع منه� � ��ا‪ ،‬وأعلنت احلماية‬ ‫املعمور‪:‬‬
‫البريطانية على مصر‪ ،‬وعزل اإلجنليز عباساً وو ّلوا‬ ‫����س) فإنه‬ ‫إن كنتَ أن��ت ه��دم��تَ ِ(ر ْم َ‬
‫عمه حس� �ي��ن كامل سلطاناً‪ ،‬وإذا كان حافظ قد دعا‬ ‫أودى مب���ج���دك رك���نُ���ه���ا املَ���� ْوه����ونُ‬
‫الس� � ��لطان اجلديد إلى مواالة اإلجنليز‪ ،‬فإن احليرة‬ ‫خربتَه‬ ‫����ن ع��ن��ه��ا م���ع���ب ٌ���د َّ‬ ‫ل����م ُي����غ ِ‬
‫قد اس� � ��تبدت به في مس� � ��ألة احلماية والفرق بينها‬ ‫َ��ك ِدين‬ ‫���ك ع��ن��ان َ‬ ‫���س ْ‬ ‫ي‬
‫مُ ْ ِ‬ ‫���م‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ا‬‫ً‬ ‫��‬‫م‬ ‫��‬ ‫ل‬ ‫��‬‫ظ‬
‫وبني االحتالل‪ ،‬وال بأس م� � ��ن أن تتحول الوالية إلى‬ ‫�ب�ن ال���ف���خ��� َر م���ا أح����ر ْز َت����ه‬ ‫ال حتْ ���س َّ‬
‫سلطنة‪ ،‬لكنها في حاجة إلى إصالح وحرية حقيقية‬ ‫ال���ف���خ ُ���ر ب���ال���ذك���ر اجل���م���ي���ل رهني‬
‫وتعلي� � ��م منظ� � ��م‪ ،‬وهو رج� � ��اء يتوجه به إل� � ��ى معتمد‬ ‫قد ك��ان في (ب��رل�ينَ) شع ُبك وادع ًا‬
‫بريطانيا اجلديد السير مكماهون‪:‬‬ ‫ي��س��ت��ع��م ُ��ر األس�������واقَ وه����ي ُسكون‬
‫������دم������تَ‬
‫أي (م������ك������م������ه������ونُ )! ق ِ‬ ‫ْ‬ ‫���ت ل����ه أب����وا ُب����ه����ا‪ ،‬فسبي ُلها‬ ‫ُف���ت���ح ْ‬
‫ب���ال���قْ ���ص ِ���د احل���م���ي ِ���د وبالرعاية‬ ‫ُ‬
‫�������ف ع���ل���ي���ه‪ ،‬ور ْزق�����������ه مضمون‬ ‫وق ٌ‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪96‬‬

‫‪feb 94-98.indd 96‬‬ ‫‪12/29/14 8:48:04 AM‬‬


‫أَ ْوض�� � � � � � � � ْ�ح مل � � �ص � � � َر ال � � � �ف� � � ��رقَ ما‬
‫ب� �ي ��ن ال�� � � ِّ�س� � � �ي�� � ��ادة واحل� � �م � ��اي � ��ة‬
‫وأزلْ ش� � �ك�� ��وك� � � ًا ب� ��ال � �ن � �ف� ��وس‬ ‫ِ‬
‫ت � � �ع � � � َّل � � � َق� � � ْ�ت م � � �ن� � ��ذ ال � � �ب� � ��داي� � ��ة‬
‫�وع ال � �ن � �ي� ��ل‬ ‫�ح� � � � � � ْ�ت رب� � � � � � � � � ُ‬ ‫أض� � � � � � َ‬ ‫ْ‬
‫س � �ل � �ط � �ن� � ً�ة‪ ،‬وق�� � ��د ك � ��ان � ��ت والي� � ��ة‬
‫�اح‪،‬‬ ‫ف � � �ت � � �ع� � � َّ�ه� � � ُ�دوه� � ��ا ب� � ��ال�� � �ص��ل � ِ‬
‫وأح� � � ِ�س�� � �ن� � ��وا ف� �ي� �ه ��ا ال� ��وص� ��اي� ��ة‬ ‫ْ‬
‫ن�� � � � ��رج�� � � � ��و ح � � � � � � �ي� � � � � � ��ا ًة ح� � � � � � ��ر ًة‬
‫م� � �ض� � �م � ��ون � � ً�ة ف�� � ��ي ظ� � � � � ِّ�ل راي�� � ��ة‬
‫�روم ت� � �ع� � �ل� � �ي� � �م� � � ًا ي � � �ك� � ��ونُ‬ ‫ون� � � � � � � � � � ُ‬
‫�وض � � ��ى وق � ��اي � ��ة‬ ‫ل�� � ��ه م�� � ��ن ال� � � �ف � � � َ‬
‫وفي الذكرى األولى لقيام احلرب (يوليو ‪،)1915‬‬
‫كانت وقائع احلرب من الشراسة والضراوة لدرجة أن الشعراء‬
‫تأتي قصيدته «احلرب العظمى»‪ ،‬ناعياً فيها حضارة‬
‫العرب قارنوا وحشيتها بكل حروب التاريخ السابقة عليها‬ ‫الغ� � ��رب‪ ،‬ومدنيته «اخلرقاء» التي أحالت النعمة إلى‬
‫نقمة‪ ،‬فس� � ��خرت العلم لإلهالك والتدمير‪ ،‬وأوجدوا‬
‫أثر سيئ‪ ،‬واألزمة السياس� � ��ية التي أوشكت أن تسبب‬ ‫املخترع� � ��ات املهلكة مث� � ��ل الغواص� � ��ات والطائرات‪،‬‬
‫حرباً أوربية‪ ،‬فقد استفزت اإلمبراطور األملاني سيطرة‬ ‫كما اس� � ��تخدموا املواد الكيميائية اخلطرة والغازات‬
‫الفرنس� � ��يني االقتصادية على املغرب‪ ،‬فدعا إلى عقد‬ ‫الس� � ��امة‪ ،‬وإذا كان هذا هو عصر العل� � ��م‪ ،‬فإنه أول‬
‫مؤمت� � ��ر دول� � ��ي (‪ )1906‬حتول إلى صراع دبلوماس� � ��ي‬ ‫الرافضني له‪:‬‬
‫بني فرنس� � ��ا وأملانيا‪ ،‬ولقيت كل دولة منهما التأييد من‬ ‫اله�� � َّ�م! إن ال� �غ ��رب أص��ب��ح ُش ً‬
‫علة‬
‫حليفاته� � ��ا‪ ،‬وفي هذا املؤمت� � ��ر ظهر احتمال قيام حرب‬ ‫م��ن ه��ول �ه��ا ُأ ُّم ال��ص��واع� ِ�ق َت ��فْ � � َرقُ‬
‫بني أملانيا وكل من فرنس� � ��ا وبريطانيا وروسيا‪ ،‬وبحث‬ ‫وتثيرها‬ ‫ُ‬ ‫ال��ع��ل� ُ�م ُي���ذْ ك���ي ن� ��ا َره� ��ا‪،‬‬
‫العس� � ��كريون اخلطط احملتمل� � ��ة‪ ،‬إزاء هذا كله يتوجس‬ ‫�رف ��ق‬‫�اء ال ت� �ت � َّ‬ ‫م � ��دن� � � ّي � � ٌ�ة خ� � ��رق� � � ُ‬
‫الش� � ��اعر من أح� �ل��ام غلي� � ��وم وأطماع� � ��ه‪ ،‬ويفتش عن‬ ‫ول �ق��د ح�س�ب� ُ�ت ال �ع �ل � َم ف�ي�ن��ا نعمةً‬
‫املسلمني في هذا اخلطب اجلليل فال يجدهم‪:‬‬ ‫�ف ورح� �م � ً�ة تتدفق‬ ‫ت��أس��و ال �ض �ع �ي� َ‬
‫�ك م � � ��اذا ت ��رى‬ ‫�ارب م� ��ا ح� �ك�� ُ�م�� َ‬ ‫ي � � � � ِّ‬ ‫�اء م� ��ره� � ٌ�ق‬ ‫ف � � � ��إذا ب� �ن� �ع� �م � ِ�ت ��ه ب � �ل� � ٌ‬
‫في ذلك احلل ��م العريض الطويلْ ؟‬ ‫�اء ُم ْطبق‬ ‫ٌ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ض‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ق‬ ‫وإذا ب��رح��م��ت��ه‬
‫�وم خ��ط��ي��ب�� ًا فما‬ ‫ق� ��د ق�� ��ام غ � � ْل � �ي� � ُ‬ ‫�ج��ز ال��رم��ا ُة ع��ن ال��رم��اة فأرسلوا‬ ‫َع� َ‬
‫�اك م ��ن ُمل ��كك إال القلي ��ل‬ ‫أعط � َ‬ ‫�وج ب �ه��ا ُدخ� � ��انٌ َي ْخنُق‬ ‫ُ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫مي‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫�‬ ‫ف‬ ‫�‬ ‫س‬ ‫�‬ ‫ك‬‫ِ‬
‫ق � ��د ورث ال�� �ع� ��ال�� � َم ح � � ّي � �ـ � � ًا فما‬ ‫وت� �ن ��ا َب� � ُل ��وا ب��ال �ك �ي �م �ي��اءِ فأسرفوا‬
‫غ ��اد َر م ��ن ف � ٍ�ج وال م ��ن س ��بيل‬ ‫�اج � ُل��وا ب��ال �ك �ه��رب��اء َفأغْ رقوا‬ ‫وت �س� َ‬
‫ف��ال �ن �ص� ُ�ف ل �ل �ج��رم��ان ف ��ي زعمه‬ ‫إن ك� ��ان ع��ه� ُ�د ال �ع �ل��م ه� ��ذا شأنُه‬
‫والنص ��ف للروم ��ان فيم ��ا يق ��ول‬ ‫ف �ي �ن��ا ف� �ع� �ه � ُ�د اجل ��اه� �ل� �ي � ِ�ة أَ ْرف� � ��ق‬
‫�ام � ��ه‬
‫رب أح �ل� ُ‬ ‫إن ص � ��دق � ��ت ي�� ��ا ِّ‬ ‫ويتقاطع ش� � ��وقي م� � ��ع حافظ في رؤيت� � ��ه للحرب‬
‫�ب املس ��لمني اجللي ��ل‬ ‫ف ��إن خط � َ‬ ‫«العظمى» فيرصد نزعة السيطرة املبكرة عند األملان‪،‬‬
‫ال ن� �ح ��ن ِج� � ��رم� � ��انُ ل� �ن ��ا ح��ص� ٌ�ة‬ ‫والتركيز على جنايات احلرب وآثارها‪ ,‬وأخيراً النقمة‬
‫وال بروم ��ا َن فنُعط ��ى فتي ��ل‬ ‫على العلم املدمر ومنتجاته‪ ،‬ففي إرهاص مبكر بخطر‬
‫ن � � � � � ُ�د ْد ب� �ش� � ٍّر ي� ��د ًا‬
‫ي� ��ا ل� �ي���تَ ل� ��م مَ ْ‬ ‫احل� � ��رب‪ ،‬يحمل ش� � ��وقي على غليوم الثان� � ��ي (‪-1859‬‬
‫�اق ظلي ��ل‬ ‫ولي ��ت ظ � َّ�ل الس ��لم ب � ٍ‬ ‫‪ )1941‬مبناس� � ��بة خطبته ع� � ��ام ‪ 1906‬وما كان لها من‬
‫‪97‬‬
‫الغرب واحلرب‪ ...‬رؤية شعرية‬

‫‪feb 94-98.indd 97‬‬ ‫‪12/29/14 8:48:18 AM‬‬


‫ف�ل�ا ك� ��ان ب��ان �ي �ه��ا وال ك� ��ان َرك ُبها‬ ‫(ديوان شوقي جـ‪/1‬ص‪)363‬‬
‫وال كــ ��ان بــح � ٌ�ر َض َّمه ��ا وحواه ��ا‬ ‫لم يخمد حلم «اجلرم������ان» العريض‪ ،‬فقد صار‬
‫تدعونهُ‬ ‫و ُأ ٍّف عــلى ال�ع�ل��م ال ��ذي َّ‬ ‫غلي������وم الثاني املس������ؤول األول عن احل������رب العاملية‬
‫إذا كان ف ��ي عل ��م النف ��وس َر َداه ��ا‬ ‫األولى‪ ،‬هذا احللم س������لب البشرية عش������رين مليوناً‬
‫***‬ ‫من أرواحها‪ ،‬وسلب البرية السالم واألمن والسعادة‪،‬‬
‫على أن أكبر اآلثار الش������عرية التي جاءت صدى‬ ‫وأمام هذا الهول احملدق‪ ،‬ال ميلك الشاعر إال الرضا‬
‫مباش������راً للحرب العاملية األولى‪ ,‬ه������و ديوان «تاريخ‬ ‫بقضاء الله‪ ،‬والتسليم مبشيئته في ملكوته‪:‬‬
‫احلرب ش������عراً» الص������ادر في عام ‪ ,1919‬للش������اعر‬ ‫اخل � �ي� � ُ�ر ف��ي��م��ا اخ� � �ت�� ��ا َره لعباده‬
‫اللبناني أسعد خليل داغر (ت‪1935 .‬م)‪ ,‬ويضم ‪36‬‬ ‫ال ي� �ظ� �ل � ُ�م ال� �ل���ه ال � �ع � �ب� ��ا َد فتيال‬
‫قصي������دة حتتوي على ‪ 1500‬بيت‪ ,‬وهو عمل يتس������م‬ ‫ي��ا ليت ش�ع��ري ه��ل ُي�ح� ِّ�ط� ُ�م سيفُ ه‬
‫باألداء امللحمي‪ ,‬والتدفق الس������ردي ألحداث احلرب‬ ‫لل َبغْ ي سيف ًا ف��ي ال ��ورى مسلوال؟‬
‫ووقائعها كما عاصرها شاعر عربي إنساني النزعة‪,‬‬ ‫�ب ال� �ب ��ر َّي� � َة س �ل� َ�م �ه��ا وهنا َءها‬ ‫س �ل� َ‬
‫وبالطبع كانت املباش������رة في التعبير إحدى السمات‬ ‫�وس ب��أل��ف عزرائيال‬ ‫ورم� ��ى ال��ن��ف� َ‬
‫البارزة‪ ,‬وجرى ذلك أيضاً على عناوين قصائده‪ ,‬فهو‬ ‫َّ‬
‫�اب ع��ن ال��دي��ار وخلفوا‬ ‫زال ال �ش �ب� ُ‬
‫يرصد «دخول الواليات املتحدة احلرب» وهذا عنوان‬ ‫ل� �ل� �ب ��اك� �ي ��ات ال� �ث� �ك�� َ�ل وال� �ت ��رم� �ي�ل�ا‬
‫قصيدة‪ ,‬ثم يحمل على احل������رب الغربية التي أفنت‬ ‫لوائهم‬ ‫العلم حتت ِ‬ ‫ُ‬ ‫طاحوا فطا َح‬
‫املال‪ ,‬وأبادت الرجال‪ ,‬وعمت «رزاياها البرايا»‪:‬‬ ‫�وغ قتيال‬ ‫وغ� � ��دا ال� �ت� �ف ��وقُ وال� �ن� �ب�� ُ‬
‫ت ُف القـلـوب وتخـــــــــــــفقُ‬ ‫حتى متى جَ ِ‬ ‫(ديوان شوقي جـ‪ /1‬ص‪)377‬‬
‫وإال َم تضط ��رب النفـوس وتقــــــــــــــلقُ‬ ‫ل������م تهلك قيم������ة العلم «الغرب������ي» فقط في هذه‬
‫خللْقُ ط ّر ًا فـي ش� �قـاءٍ ش� �ـام ٍ‬
‫ـــــــــــــل‬ ‫وا َ‬ ‫احل������رب‪ ،‬ب������ل غ������دا العلم األب الش������رعي املس������خر‬
‫وبـو ِّدهـم لـ ��و أنهـم لـ ��م ُيخلقـــــــــــــــوا‬ ‫إلنت������اج اآلالت واألس������لحة الفتاكة‪ ،‬ويختار ش������وقي‬
‫�رب فـيـهـا ال تـنـي مش� �ب ً‬
‫ـــــــوبة‬ ‫والـحـ � ُ‬ ‫منه������ا «الغواص������ة» وحتديداً الغواص������ة األملانية التي‬
‫ـيرهـا يش� �ـوي األنـام ويحــــــــــرق‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫وس‬ ‫نس������فت الباخرة لوزيتانيا ع������ام ‪ ،1915‬وهي حادثة‬
‫يذوب مـن أهـوالهـــــــا‬ ‫ُ‬ ‫قـل ُـب الـحديـد‬ ‫ال تقل مأس������اوية عن حادثة غرق السفينة «تيتانك»‬
‫و َيشـيب مـن رأس الـولـيـد الــــــــمفرق‬ ‫ع������ام ‪ ،1912‬فق������د توفي م������ن ركاب لوزيتانيا ‪1198‬‬
‫ويقارن بني احل������رب القدمية واحلرب احلديثة‪,‬‬ ‫راكباً‪ ،‬على بعد عش������رة أميال من الساحل اجلنوبي‬
‫فينتصر لألولى‪ ,‬ألنها «في جنب هذي لم تكن شيئاً»‬ ‫إليرلندا‪ .‬واحلق أنه لم يلمس من املشهد املروع على‬
‫يذكر‪ ,‬فالقدمية على «اشتداد سمومها»‪ ,‬كان عتادها‬ ‫«ل������وح اخليال» غير الس������طح‪ ،‬فاضطرب في وصف‬
‫ال يتج������اوز كثيراً الس������يوف والرماح والس������هام‪ ,‬أما‬ ‫الغواصة‪ ،‬وتصورها مرة دبابة‪ ،‬ومرة أخرى ش������بهها‬
‫احلرب احلديثة فهي ح������رب الطائرات والغواصات‬ ‫باحلوت وبالغ في قدرتها وقوتها‪ ،‬واستدعى «تابوت‬
‫واألسلحة املهلكة‪ ,‬وقبل ذلك وبعده «لم يُرع فيها قط‬ ‫موس������ى» و«فلك نوح» وال قرب������ى معنوية بينهما وبني‬
‫حرمة» للش������رائع أو لألبرياء أو لدور العبادة واآلثار‪,‬‬ ‫«لوزيتانيا»‪ ،‬وهكذا لم يلمس البعد اإلنساني للحدث‪،‬‬
‫وال يَسلم من أذاها غالب أو مغلوب‪:‬‬ ‫غي������ر ملح باهت «ه������اج للنفس البكا وش������جاها»‪ ,‬وإن‬
‫ل �ك � ّن �م��ا ه � ��ذي ال� �ك ��ري� �ه ��ة شَ � ُّ�ره ��ا‬ ‫انتهى إلى النقمة على علم الغرب الذي ينتج املوت‪:‬‬
‫�يل عل ��ى كــــ ��ل ال ��ورى يــتــدفّ ��ق‬ ‫س� ٌ‬ ‫مبكمن‬‫ٍ‬ ‫ودب � ��اب � � ٍ�ة حت� ��ت ال � ُ�ع� �ب ��اب‬
‫وهكذا انتهى الشاعر العربي من تقصي الغرب في‬ ‫�ن ت ��رى الس ��اري ولي ��س يراه ��ا‬ ‫أم�ي ٍ‬
‫حربه العظمى‪ ,‬إلى الس������خط عليه ورفض هذا الوجه‬ ‫احلوت أو في احلوت منها مشابهٌ‬ ‫ُ‬ ‫هي‬
‫الكالح البغيض‪ ,‬وش������حذت ملكات الشعر‪ ,‬فتجاوب مع‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫فـــل ��و كــ ��ان ف ��والذا لكــ ��ان أخـــاه ��ا‬
‫أحداثها‪ ,‬ونبه إلى أخطارها وويالتها‪ ,‬في تلك املرحلة‬ ‫طفت‬‫ْ‬ ‫غاصت‪َ ،‬غ��دو ٌر إذا‬ ‫ْ‬ ‫خ��ؤونٌ إذا‬
‫الهائلة من تاريخ العالم واإلنسانية >‬ ‫وس ��راهــــا‬ ‫ٌ‬
‫لعـــن ��ة فـــ ��ي َس� � ْبــحـهــا ُ‬ ‫ُم َّ‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪98‬‬

‫‪feb 94-98.indd 98‬‬ ‫‪12/29/14 8:48:27 AM‬‬


‫وجه ًا لوجه‬

‫الروائي اليمني علي املقري‪:‬‬


‫الرواية لم تعد تهتم باألبطال بل باإلنسان الالبطل‬
‫حاوره‪ :‬جمال جبران*‬

‫جمال جبران‬ ‫علي املقري‬

‫تب ��دو حي ��اة الروائ ��ي اليمن � ّ�ي علي املق ��ري (‪ )1966‬حال ��ة مغلّفة بالقل ��ق قبل أن يس ��تقر في عالم‬
‫القصة القصيرة التي بدأ ينشرها في منتصف ثمانينيات‬ ‫ّ‬ ‫الكتابي بكتابة‬
‫ّ‬ ‫الرواية‪ ...‬افتتح اشتغاله‬
‫أجل نش ��ر مجموعة قصصية كان قد كت ��ب عنها عبدالعزيز املقالح عام ‪1986‬‬ ‫الق ��رن املاضي‪ ،‬لكنّه ّ‬
‫ونش ��ر ب ��د ًال منه ��ا مجموعة ش ��عرية له ه ��ي «ناف ��ذة للجس ��د» (‪ ،)1987‬ليصدر بعده ��ا «ترميمات»‬
‫(‪ )1999‬و«يحدث في النس ��يان» (‪ ،)2003‬وخالل هذا كله لم تنقطع حلقة الوصل بينه وبني العمل‬
‫الصحافي‪ ،‬حيث عمل مشرف ًا على أقسام ثقافية في أكثر من جريدة محل ّية‪ ،‬كما اشتغل بأبحاث‬
‫في التراث اإلس�ل�امي أثارت جد ًال واس ��ع ًا‪ ،‬ولألطفال كتب «أديس ��ون صديقي» ضمن سلس ��لة كتاب‬
‫«العربي الصغير»‪ .‬وفي عام ‪ 2007‬عاد املقري إلى عوامله الس ��ردية األولى متجه ًا نحو الرواية هذه‬
‫امل� � ّرة‪ ،‬فظه ��ر كما لو أن ��ه إعالن جاء متأخر ًا عن اش ��تغال صامت كان ينح ��ت بداخله‪ ،‬وأصدر على‬
‫التوالي «طعم أس ��ود‪ ...‬رائحة س ��وداء» و«اليهودي احلالي» وصعدتا إلى القائمة الطويلة للجائزة‬
‫العاملية للرواية العربية (البوكر)‪ ،‬ثم «حرمة»‪ ،‬وصو ًال إلصداره الطالع حديث ًا «بخور عدني»‪.‬‬
‫* كاتب من اليمن‪.‬‬

‫‪99‬‬

‫‪feb 99-104.indd 99‬‬ ‫‪12/29/14 8:49:55 AM‬‬


‫جس������دية تبرر له تقاعس������ه عن املش������اركة‪ ،‬فإن‬ ‫روايته «اليهودي احلالي» ترجمت إلى‬
‫ما سيس������أل عنها هي «اإلعاقة الوطنية»‪ .‬وقد‬ ‫الفرنسية بعنوان «‪ ،»Le Beau Juif‬وإلى‬
‫تتداخل الش������خصيات وتتشابه املواقف‪ ،‬دون أن‬ ‫اإليطالية بعن� � ��وان «‪»IL BELL/EBREO‬‬
‫تكون هناك حالة ارتباك‪ ،‬فميشيل حني يتحمس‬ ‫وس� � ��تصدر قريباً بالكردية وغيرها‪ ،‬كما ستصدر‬
‫للحرب‪ ،‬دفاعاً عن الوطن الفرنسي‪ ،‬وحتريراً له‬ ‫رواي� � ��ة «حرمة» قريباً بالفرنس� � ��ية واإلجنليزية‪...‬‬
‫من النازيني‪ ،‬يردد الكلمات نفسها التي كان قد‬ ‫كان لن� � ��ا حوار مع هذا الروائ� � ��ي اليمني‪ ،‬وفي ما‬
‫قصة اجلزائرية املكافحة لالستعمار‬ ‫سمعها مع ّ‬ ‫يلي نصه‪:‬‬
‫الفرنسي لبلدها‪.‬‬ ‫< بع ��د روايت ��ك ملس ��يرة الن ��اس العادي�ي�ن‬
‫ه������ذه اإلمكان������ات ال تكمن في ع������دم وجود‬ ‫واملهمش�ي�ن ف ��ي «طع ��م أس ��ود‪ ...‬رائحة س ��وداء»‬
‫ّ‬
‫الواجبات «الوطنية» السلطوية فحسب‪ ،‬بل في‬ ‫التي جتري في مدينتك األصلية تعز‪ ،‬ورحلتك‬
‫حال التعايش املجتمع������ي‪ ،‬حيث ح ّرية االعتقاد‬ ‫في تاري ��خ «اليهودي احلالي» و«حرمة» املفتوحة‬
‫والتجارة وإنتاج الفنون‪ ،‬س������واء تلك املعبرة عن‬ ‫هم اجتماعي‪ ،‬نرى استقرار علي املقري في‬ ‫على ّ‬
‫الهوي������ات الثقافية أو اخلارجة عنها‪ ،‬كما تتجلى‬ ‫مدين ��ة عدن لتكون أرضية لعمله األخير «بخور‬
‫إمكان������ات التعاي������ش أيضاً في احل������ب والزواج‬ ‫عدني»!‬
‫املختلط بني كل األعراق والثقافات‪ ،‬وفي جتاور‬ ‫روايتي «طعم أسود‪ ...‬رائحة سوداء»‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬في‬
‫املس������اكن بأحي������اء ال يقتصر العي������ش فيها على‬ ‫و«اليه������ودي احلال������ي»‪ ،‬اختبرت مفه������وم الوطن‬
‫فئ������ة معينة‪ ،‬مثل احلي اليهودي في عدن‪ ،‬الذي‬ ‫باعتباره جتربة إنس������انية قد ال تتحقق وتتحول‬
‫وإن كان قد ُعرف بهذا االس������م‪ ،‬فلم يكن يشبه‬ ‫إلى محنة‪ ،‬سواء في معاشه أو في فكرته‪ ،‬وذلك‬
‫جتمعات اجليت������و اليهودية املنغلق������ة في معظم‬ ‫من خالل فئتني هما األخدام‪ ،‬وهم الس������ود في‬
‫البلدان‪ ،‬إذ س������كن في احلي نفس������ه املس������لمون‬ ‫اليمن‪ ،‬واليهود‪ ،‬إذ يعيشان حالة نبذ في وطن ال‬
‫واملسيحيون والهندوس والزرادشتيون وغيرهم‪،‬‬ ‫يقبلهما‪ .‬ف������ي «بخور عدني» لم يعد الوطن غير‬
‫لكن في املقابل لم تخل هذه احلال من مهددات‬ ‫احملقق موضع اختبار‪ ،‬وإمنا البديل عن الوطن‪،‬‬
‫للتعايش‪ ،‬وقد بدا ذلك في العبء األس������طوري‬ ‫إذ ال تبح������ث الرواية عبر بعض ش������خوصها عن‬
‫للتاري������خ وربط������ه بالهوي������ة الديني������ة والقومي������ة‬ ‫بديل مكاني ومعيش������ي‪ ،‬وإمنا تبحث عن إمكان‬
‫تقدم في كل زمن‬ ‫والوطني������ة‪ ،‬وهي هو ّية متغ ّيرة ّ‬ ‫إيجاد بديل للوطن‪ ،‬س������واء في فكرته ومفهومه‬
‫أجوبتها الش������مولية عن كل ش������يء‪ ،‬يتساوى في‬ ‫أو في تس������ميته‪ .‬وقد بدا ل������ي أن هناك إمكاناً‬
‫ذلك رجال الدين والثوار الوطنيون أو القوميون‪،‬‬ ‫الختبار مفهوم الالوطن‪ ،‬أو التس������اؤل والبحث‬
‫كمفهومهم للوطن وحدوده وس������لطته السياسية‪،‬‬ ‫عن البديل عنه‪ ،‬ف������ي مدينة عدن التي أظهرت‬
‫وهذا املهدد للتعايش ينمو أكثر مع وجود سلطة‬ ‫إمكانات التعايش بني مختلف األعراق والهو ّيات‬
‫استعمارية حتتكر اإلدارة السياسية والوظيفية‪،‬‬ ‫ف������ي فترة من تاريخها‪ ،‬كم������ا أظهرت في الوقت‬
‫وتنفرد بوضع شروط احلق في العمل واملشاركة‬ ‫مهددات هذا التعايش ومحنه اإلنسانية‪.‬‬ ‫نفسه ّ‬
‫املجتمعي������ة‪ ،‬فممارس������ات مث������ل هذه ق������د تكون‬ ‫< وعل ��ى األرض‪ ،‬أو بش ��كل أدب ��ي‪ ،‬كيف ظهر‬
‫املس������بب األول لتنام������ي فكرة الوطن وس������لطة‬ ‫ذلك التعايش؟‬
‫الوطنيني الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب احلق‬ ‫‪ -‬حسب الساردين واملسرودين في الرواية‪،‬‬
‫في األرض والبحر والسلطة واملال‪ ،‬وخاصة إذا‬ ‫بدت هناك إمكانات للعيش في عدن بعيداً عن‬
‫كان هذا املال ينمو مع اتس������اع رقعة الفقر وغنب‬ ‫سطوة احملددات السلطوية الفارضة لواجباتها‬
‫الفقراء املتراكم إلى حد االنفجار والثورة‪.‬‬ ‫الوطنية‪ ،‬ومنها املشاركة في احلروب‪ ،‬إذ يُطلب‬
‫< ق ��د يذهب بنا ه ��ذا الطرح لتحديد حجم‬ ‫من الق������ادم إلى عدن املش������اركة فيه������ا كواجب‬
‫املس ��احة التي قد تس ��مح لنا بوص ��ف رواية علي‬ ‫وطن������ي ال نق������اش حوله‪ ،‬حت������ى إذا أظهر إعاقة‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪100‬‬

‫‪feb 99-104.indd 100‬‬ ‫‪12/29/14 8:49:58 AM‬‬


‫جبران يصغي إلجابات املقري‬

‫لوليام فوكنر رواية تاريخية‪ ،‬ألن فوكنر يشير في‬ ‫املقري بالرواية التاريخية‪.‬‬
‫ملحقه الش������ارح حلوادث الرواي������ة إلى أن تاريخ‬ ‫‪ -‬ف������ي «بخور عدن������ي» ميكن العث������ور على‬
‫آل كمبس������ن يرجع إلى ع������ام ‪ ،1699‬بينما تروى‬ ‫إش������ارات تاريخية في س������طور قليل������ة تعود إلى‬
‫القصة ف������ي أزمنة بني ‪1910‬و‪ ،1928‬ومتتد في‬ ‫س������نوات متتد م������ن منتصف أربعيني������ات القرن‬
‫سردها إلى عام ‪ ،1935‬أي إلى ست سنوات بعد‬ ‫املاضي حتى أوائل س������بعينياته‪ ,‬لكنني لم أكتب‬
‫نش������ر الرواية عام ‪ .1929‬وكذلك ميكن اعتبار‬ ‫رواي������ة تاريخية‪ ،‬حس������ب املفه������وم التقليدي أو‬
‫«مائ������ة عام م������ن العزلة» ملاركي������ز تاريخية‪ ،‬ألن‬ ‫احلدي������ث لهذه الرواي������ة‪ ،‬فالرواية ف������ي تخيلها‬
‫الرواية الصادرة في عام ‪ 1967‬تس������رد حتوالت‬ ‫التاريخ������ي ال تنقل التاري������خ‪ ،‬وإمنا تضع جوانب‬
‫ماكوندو عبر قرن من الزمن‪ ،‬وإن كانت تس������مية‬ ‫من معاش������ه االجتماعي والسياس������ي في احملك‬
‫املكان خيالية فإن أجواءه التاريخية االجتماعية‬ ‫الروائي لتختبرها كتجربة إنس������انية وتس������اؤلها‬
‫ال تبتع������د عن موط������ن الكات������ب كولومبيا‪ ،‬وعلى‬ ‫في محك هذه التجرب������ة‪ ،‬فأن تكتب عن خلفية‬
‫ه������ذا النحو ميك������ن تصنيف روايات التش������يكي‬ ‫تاريخي������ة في املاضي مثل م������ا تكتب عن خلفية‬
‫مي���ل��ان كونديرا على أنها تاريخية‪ ،‬أل ّنه يش������ير‬ ‫معيش������ة في الزمن احلاضر‪ ،‬ألس������ت هنا أيضاً‬
‫إلى أحداث وقعت في تشيكوس������لوفاكيا وأوربا‪،‬‬ ‫تتحدث ع������ن خلفية مكان وزم������ان؟ إذا كان لك‬
‫س������واء كانت س������ابقة حلياة الكاتب أو معاصرة‬ ‫ذلك‪ ،‬فالس������ؤال ماذا ستكتب؟ أو ماذا ستروي؟‬
‫ل������ه‪ ،‬وهكذا فالكاتب بإمكانه أن يس������تعيد حدثاً‬ ‫وهل يحمل ما تختبره محنة إنسانية أو وجودية‬
‫ما‪ ،‬س������واء بنقله أو باإلش������ارة إلي������ه إذا رأى أ ّنه‬ ‫لم تُقرأ من قبل أو تُكشف روائياً؟‬
‫يسهم في إضاءة احملنة اإلنسانية التي يتناولها‪،‬‬ ‫م������ا يبدو لي أ ّن������ه إذا س������لّمنا بصحة بعض‬
‫وال يعن������ي هذا أن������ه فقد القدرة عل������ى اخليال‪،‬‬ ‫التصنيفات الصحفية ملفهوم الرواية التاريخية‪،‬‬
‫كم������ا ميكنه أن يجلب احلاض������ر للماضي ويضع‬ ‫فس������يكون من املمكن اعتبار «الصخب والعنف»‬
‫‪101‬‬ ‫وجه ًا لوجه‪ ...‬علي املقري وجمال جبران‬

‫‪feb 99-104.indd 101‬‬ ‫‪12/29/14 8:50:03 AM‬‬


‫مع تقاطعات س������ردية بضمير الـ‬ ‫أحداث ه������ذا احلاضر في محك‬
‫«هو»‪ ،‬وأحياناً بضمير املخاطب‬ ‫اس������تباقي‪ ،‬والتصور امللحوظ هو‬
‫ال������ـ «أنت»‪ .‬وهي ضمائر تتداخل‬ ‫أن الكاتب عادة ما يقوم بس������رد‬
‫كحال الش������خوص‪ ،‬إذ القادم إلى‬ ‫املاضي من اآلن‪ ،‬بل إن احلاضر‬
‫عدن يعمل على إخفاء هويته وال‬ ‫نفس������ه يصبح ماضياً لديه‪ ،‬وهو‬
‫يريد أن يفصح هل هو فرانسوا‬ ‫يكتب������ه‪ ،‬وأحيان������اً تب������دو الكتابة‬
‫أو ميشيل‪ ،‬ولهذا ال يبدو السارد‬ ‫عن املس������تقبل أيضاً غير مبتعدة‬
‫بضمير الـ «ه������و» راوياً عليماً أو‬ ‫متاماً عن املاضي‪ ،‬س������واء القدمي‬
‫�����ي املعرفة‪ ،‬حس������ب التصنيف‬ ‫كل� ّ‬ ‫أو احلاضر املعيش الذي يتحول‬
‫التقلي������دي لطرق الس������رد‪ ،‬وإمنا‬ ‫م������ع كل حلظة إلى م������اض‪ ،‬وهنا‬
‫�����داع أو منولوج‬
‫راو ف������ي ح������ال ت� ٍ‬ ‫أشير إلى ما عمله جورج أورويل‬
‫داخل������ي ال يختلف ع������ن الـــتـــداعــــي الذاتي في‬ ‫حني ص������ ّور في روايت������ه «‪ »1984‬التي كتبها في‬
‫ضمــــي������ر الـ «أن� � ��ت» أو ال � � �ـ «أنا»‪ .‬وكم� � ��ا في كل‬ ‫عام ‪ ،1949‬واقعاً مستقبلياً رأى فيه لندن‪ ،‬وقد‬
‫رواياتي‪ ،‬تبنى الشخصيات على تعدد األصوات‪،‬‬ ‫صارت حتت س������طوة احلزب الواح������د وزعيمه‬
‫وهناك مستويات عدة في اللغة‪ ،‬تعتمد التكثيف‬ ‫«األخ األكبر»‪ ،‬وقد رأى نق������اد أن املدينة املعنية‬
‫ف������ي اجلم������ل الطويلة والقصي������رة‪ ،‬مع احلرص‬ ‫حينها كانت موس������كو وليست لندن‪ ،‬وأن ستالني‬
‫عل������ى أن يقت������رب هذا املنحى من نبرة الس������ارد‬ ‫ه������و «األخ األكبر»‪ ،‬إال أن رواية أورويل ال تقاس‬
‫املفترض في الرواية وكيفية قيامه بالسرد‪ ،‬وأال‬ ‫أهميتها‪ ،‬كما يبدو لي‪ ،‬في مدى تطابق أحداثها‬
‫يبتعد عن النبرات الصوتية للش������خوص املتكلّمة‬ ‫مع الزمن الذي ُكتبت فيه‪ ،‬أو أعقبته‪ ،‬حيث هتلر‬
‫وطريقة تعبيرها بالكلم������ات‪ ،‬لهذا تبدو املفردة‬ ‫وستالني والفاش������ية ودكتاتورية احلزب الواحد‪،‬‬
‫منتقاة بحسب موقعها الس������ردي‪ ،‬وقد تتداخل‬ ‫أو في مدى حتقق توقعاتها حلال لندن واألماكن‬
‫أحياناً مستويات لغوية عدة في السرد الواحد‪،‬‬ ‫التي تس������ميها لعام ‪ ،1984‬وإمنا ميكن اكتشاف‬
‫فبعضه������ا يقترب من املعي������ش اليومي‪ ،‬وبعضها‬ ‫هذه األهمية في قراءة أوس������ع انفتاحاً للرواية‪،‬‬
‫ينحو إلى لغة أدبية‪ ،‬لكنها ليس������ت بالغية‪ ،‬وإن‬ ‫ومن ذلك أن في هذا الع������ام املعنونة به الرواية‬
‫بدت‪ ،‬أحياناً‪ ،‬مصوغة بطريقة شعرية‪ ،‬فالشعرية‬ ‫كانت الدكتاتورية الفردية والتس������لط الشمولي‬
‫هنا ميكن أن تتحقق في بنائها اللغوي ضمن أي‬ ‫للح������زب الواحد م������ازاال قائمني ف������ي كثير من‬
‫مستوى س������ردي وبأي مفردات‪ ،‬وال تعني جتلّياً‬ ‫البلدان‪ ،‬ومنها البلدان العربية التي منعت نشر‬
‫رومانتيكياً‪ ،‬كما يذه������ب البعض‪ ،‬حني يخلطون‬ ‫ه������ذه الرواية‪ ،‬على األرجح‪ ،‬إذ لم تصدر ترجمة‬
‫بني العبارة الشعرية والقص الرومانتيكي‪.‬‬ ‫متكاملة له������ا بالعربية إال بعد س������تني عاماً من‬
‫< إل ��ى أي مس ��توى ميكن اعتبار اإلش ��كالية‬ ‫نشرها‪ ،‬وإثر رحيل أبرز الدكتاتوريني العرب‪.‬‬
‫عدني» قد أتت في س ��ياق‬ ‫ّ‬ ‫الت ��ي تعرضه ��ا «بخور‬ ‫< بالنظ ��ر إل ��ى تع ��دد الش ��خصيات الت ��ي‬
‫الوضع الراهن الذي يعيشه اليمن؟‬ ‫ازدحم ��ت بها «بخور عدن ��ي» مقارنة بإصداراتك‬
‫‪ -‬ال أظ������ن أن من الضرورة أن تكون الرواية‬ ‫الس ��ابقة‪ ،‬ه ��ل أتاح ل ��ك هذا الذهاب الس ��تثمار‬
‫في سياق الوضع الراهن‪ ،‬ولكن هذا ال مينع أن‬ ‫أدوات مغايرة للسرد؟‬
‫تكون هناك قراءات متعددة ومختلفة‪ ،‬قد تقارب‬ ‫‪ -‬بالتأكيد‪ ،‬فتداخل الش������خصيات املسرودة‬
‫محنة الصراع بني أزمنة س������ردية مختلفة‪ ،‬سواء‬ ‫والس������اردة ف������ي ما بينها‪ ،‬كش������ف ل������ي إمكانات‬
‫في تط ّرفها الديني أو السياس������ي‪ ،‬وإن بدت في‬ ‫س������ردية جديدة‪ ،‬بعيدة عن املفاهيم املك ّرسة أو‬
‫حال من االختالف البسيط‪ ،‬فالرواية إذ تقارب‬ ‫املتعارف عليها‪.‬‬
‫بني محنة التط ّرف الديني والثوري تضع جتربة‬ ‫ففي الرواية هناك من يروي بضمير «األنا»‪،‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪102‬‬

‫‪feb 99-104.indd 102‬‬ ‫‪12/29/14 8:50:06 AM‬‬


‫والدعاي������ة ألي وجهة سياس������ية‬ ‫الث������ورة في احمل������ك‪ ،‬حيث قامت‬
‫أو أيديولوجي������ة‪ ،‬ألنها إذا قامت‬ ‫س������لطتها بإعادة تعريف وتسمية‬
‫مبثل هذا فإ ّنها تكون قد خسرت‬ ‫كل شيء‪ :‬الدين‪ ،‬الوطن‪ ،‬الوطني‪،‬‬ ‫ّ‬
‫صفتها الروائي������ة‪ ،‬والروائي عبر‬ ‫السلطة‪ ،‬احل ّرية‪ ،‬التجارة‪ ،‬الفن‪،‬‬
‫سرده على هذا النحو ومن خالل‬ ‫األخالق واحلب‪ ،‬دون أن يس������مح‬
‫الش������خوص الس������اردة واملسرودة‬ ‫القادة الث ّوار ألحد بأن يشاركهم‬
‫يق������دم نفس������ه كمنق������ذ‪ .‬بن������اء‬ ‫في هذه التعريف������ات‪ ،‬وذلك في‬
‫الش������خصيات في رواياتي يتكئ‬ ‫منحى ال يختلف في خطابه عن‬
‫على تع������دد األصوات‪ ،‬وهو تعدد‬ ‫اخلط������اب الدين������ي‪ ،‬إذ أصبحت‬
‫غير منحاز وغي������ر يقيني‪ ،‬وهذه‬ ‫التوجيهات باتباع أهداف الثورة‬
‫األصوات قد تك������ون في مجتمع‬ ‫وااللتزام بق������رارات القادة الثوار‬
‫ما‪ ،‬من داخله‪ ،‬وليس من خارجه‪ ،‬ال تقدم تعدده‬ ‫مش������ابهة مل������ا كان يدعو إليه رج������ل الدين‪ ،‬وهو‬
‫فق������ط‪ ،‬بل وتناقضه كذلك‪ ،‬حتى على مس������توى‬ ‫االلتزام بطريق اإلسالم الصحيح واتباع تعاليم‬
‫الش������خص الواحد أحياناً‪ ،‬وف������ي كل حال هناك‬ ‫مرشدي األمة‪.‬‬
‫نهاي������ات مفتوح������ة‪ ،‬وإن بدت ف������ي خامتة حدث‬ ‫< قد يدفعنا هذا للمرور عبر فكرة البطل أو‬
‫تقدم‬
‫أو ح������ال‪ ،‬إذ هي حتفز على األس������ئلة وال ّ‬ ‫املنقذ في ثنايا إنتاجك األدبي‪.‬‬
‫إجابات‪.‬‬ ‫‪ -‬يبدو لي أن الرواي������ة التي تكتب اآلن‪ ،‬أي‬
‫وما يبدو لي أن املسألة ليست في احملايدة‪،‬‬ ‫رواية‪ ،‬لم تعد حتفل مبفهوم أو شخصية البطل‪،‬‬
‫أو في املسافة التي يضعها الكاتب بينه وبني ما‬ ‫بل ميكن القول إن الرواية بشكلها اجلديد صارت‬
‫يكتبه‪ ،‬وإنمّ ا في قدرته على االشتغال بهواجس‬ ‫من دون أبطال‪ .‬ولهذا ال أهدف في رواياتي إلى‬
‫إنسانية جديدة‪ ،‬من زاوية لم تكتشف من قبل‪.‬‬ ‫البحث عن منقذ أو منقذين‪ ،‬س������واء في املاضي‬
‫< تُرهقك القراءات ا ُملس ��تعجلة الباحثة عن‬ ‫أو ف������ي احلاض������ر‪ ،‬وإمنا أحاول أن أستكش������ف‬
‫تأطير إنتاجك الروائي؟‬ ‫إمكانات إنسانية في التعايش في ظل صعوبات‬
‫‪ -‬ق������راءة الرواي������ة‪ ،‬أي رواية‪ ،‬إ ّم������ا أن تكون‬ ‫تس������تقوي بالتاريخ واجلغرافي������ا واأليديولوجية‪،‬‬
‫محس������وبة على القارئ ومس������تواه املعرفي‪ ،‬ومن‬ ‫عدني» تختبر مفهوم‬ ‫ّ‬ ‫ب������ل ميكن القول إن «بخور‬
‫ذلك مدى اس������تيعابه كتابة غير منطية‪ ،‬أو تكون‬ ‫ّ‬
‫املنقذ نفسه من خالل تشكله اجلماعي‪ ،‬إذ بدأ‬
‫محس������وبة على كاتب النص ومستوى قدرته في‬ ‫ف������ي احلكاية مع الث ّوار حني صاروا في س������لطة‬
‫إيجاد مالمح تقني������ة لكتاباته‪ ،‬وهذا يحتاج إلى‬ ‫بديلة عن اإلدارة االس������تعمارية ومواجهتهم لكل‬
‫بحث متفحص يقرأ النص والقراءة‪.‬‬ ‫من اختلف معهم‪ ،‬وقبلهم كان هناك من يعتبرون‬
‫< الي ��وم‪ ،‬وبعد هذه اإلصدارات الروائية‪ ،‬هل‬ ‫أنفس������هم منقذين أيضاً كرجال الدِّ ين أو أولئك‬
‫ميكن أن نبحث عن علي املقري الشاعر؟‬ ‫املنادين بأن تكون مدينة عدن خاصة بالعدنيني‬
‫‪ -‬ال أعرف في احلقيقة‪ ،‬ما أعرفه أنني لم أكتب‬ ‫فقط‪.‬‬
‫س� � ��وى نصوص ش� � ��عرية قليلة جداً خالل السنوات‬ ‫< قد ُيفه ��م أن طريقة وضعك نقطة أخيرة‬
‫العش� � ��ر األخي� � ��رة‪ ،‬وال أظن أن االش� � ��تغال بالرواية‬ ‫عل ��ى صفح ��ات الرواية اقت ��راح بتق ��دمي حلول‬
‫يتيح هواج� � ��س كتابية وفنية أخرى‪ ،‬ألن الرواية قد‬ ‫ما؟‬
‫تستوعبها جميعاً بأشكال سردية مكثفة‪.‬‬ ‫‪ -‬ال أظ������ن أن م������ن مهم������ة الكات������ب تقدمي‬
‫< ه ��ذا التكثي ��ف ق ��د يس ��مح لن ��ا باحلديث‬ ‫احللول واألفكار من خ���ل��ال روايته‪ ،‬فالرواية ال‬
‫عن بعض التس ��اؤالت اخلاص ��ة بحجم أعمالك‬ ‫جتيب عن أس������ئلة‪ ،‬وليس مهمته������ا التعبير عن‬
‫الس ��رد ّية‪ ،‬وإذا ُيط ��رح نقدي ًا أنها م ��ن املمكن أن‬ ‫موقف حزب������ي أو أخالقي‪ ،‬أو القي������ام بالتلميع‬
‫‪103‬‬ ‫وجه ًا لوجه‪ ...‬علي املقري وجمال جبران‬

‫‪feb 99-104.indd 103‬‬ ‫‪12/29/14 8:50:08 AM‬‬


‫املؤطرة لألحداث‬ ‫ِّ‬ ‫من خب������ر وفاتهم في الس������نة‬ ‫تكون أكثر توسع ًا؟‬
‫وأخبار الوفيات‪ ،‬مع تداخ������ل أزمنة أخرى‪ ،‬في‬ ‫‪ -‬في رواية «طعم أس������ود‪ ...‬رائحة سوداء»‬
‫الزمان احملدد‪ ،‬بعضها قدمية‪ ،‬وبعضها معيشة‪،‬‬ ‫حاولت أن أقت������رب أكثر من عالم اخلدم معاينة‬
‫فالذي������ن فاجأتهم وفاة فاطمة ف������ي الرواية لم‬ ‫ومعايشة‪ ،‬فرأيت أن الش������خصيات املسرودة ال‬
‫ينتبهوا إلى أن السرد بدأ بخبرها‪ ،‬وإن بكلمات‬ ‫ميكن لها أن تتطور أو تنمو في أحداث متتالية‪،‬‬
‫غي������ر مباش������رة‪ ،‬واالس������تفادة من ه������ذا املنجز‬ ‫وإال لكان������ت بعيدة عن ه������ذا العالم الذي يعيش‬
‫السردي اقتضته سياقات س������ردية وفنية‪ ،‬لكنه‬ ‫فيه اخلدم كمهمش���ي��ن مؤقتني‪ ،‬وليس س������ ّكاناً‬
‫ربا يرجع إلى شغف شخصي ملا‬ ‫في األس������اس مّ‬ ‫مس������تقرين‪ ،‬ولهذا تبدو الش������خص ّيات املسرودة‬
‫اكتش������فته من إمكانات في تاريخ السرد العربي‪،‬‬ ‫عابرة‪ ،‬تظهر فجأة حيناً‪ ،‬وتختفي وتغيب فجأة‬
‫مع ح������رص بالطبع على عدم مطابقة أس������لوب‬ ‫أيضاً في أحايني كثيرة‪ ،‬بل إن املهمش نفسه في‬
‫ولغة احلوليات‪.‬‬ ‫عششه وأحواله الهامشية يواجه في النهاية سؤال‬
‫< له ��ذا االش ��تغال عالق ��ة بالس ��رد احلديث‬ ‫االختف������اء املفاجئ‪ ،‬بل واالنقراض‪ ،‬حيث مضت‬
‫الذي تطرقت إليه سابق ًا؟‬ ‫اجل ّرافات تزحف نحوه‪ ،‬مخلّفة ال ش������يء‪ ،‬لهذا‬
‫‪ -‬ه������ي محاولة ف������ي كتابة س������رد‪ ،‬بقدر ما‬ ‫تظهر ش������خصيات يرصدها السارد مع حاالت‬
‫تس������تفيد من املنجز الفن������ي للرواية خالل أربعة‬ ‫أو أحداث‪ ،‬لكنها س������رعان ما تختفي باس������تثناء‬
‫ق������رون‪ ،‬بق������در م������ا تبحث ع������ن ط������رق مختلفة‬ ‫القلة منها‪ ،‬وهذا التنقل بني الشخصيات جنده‬
‫تستكشفها أو تستدعيها عملية الكتابة نفسها‪،‬‬ ‫أيضاً في رواية «حرمة» ولكن من زاوية س������ردية‬
‫فقد اس������تفدت من تقنية الرواية احلديثة‪ ،‬ولكن‬ ‫مختلفة تعتمد على التداعي‪.‬‬
‫م������ن دون مماثلتها‪ ،‬فتفاصيل فلوبير وبرس������ت‪،‬‬ ‫< ينطب ��ق ه ��ذا عل ��ى رواي ��ة «اليه ��ودي‬
‫ا‪ ،‬لم تع������د قابلة للمماثلة ف������ي نصي‪ ،‬وفي‬ ‫مث���ل�� ً‬ ‫احلالي»؟‬
‫املقاب������ل لي������س باإلمكان الع������ودة إل������ى ما قبل‬ ‫‪ -‬نعم‪ ،‬ولكن بشكل مختلف‪ ،‬إذ ال يوجد كثير‬
‫س������يرفانتس‪ ،‬أو ما قبل ف������ن الرواية احلديثة‪،‬‬ ‫من التفاصيل في حتوالت شخصيات «اليهودي‬
‫ويب������دو ل������ي أن استكش������اف أي ن������ص‪ ،‬وم������دى‬ ‫احلال������ي» الزمني������ة واملكاني������ة‪ ،‬ألن البناء الفني‬
‫حداثته‪ ،‬ال يكون عبر بناء ش������خوصه وحتوالتهم‬ ‫اقتضى هذا املنحى في السرد‪ ،‬شخوص الرواية‬
‫الس������ردية فقط‪ ،‬وإمنا أيضاً من خالل تفحص‬ ‫يظهرون في أزمنة غير متتابعة‪ ،‬وضمن س������ياق‬
‫املفردة وتركيب اجلملة وبناء الفقرة‪ ،‬إلى جانب‬ ‫سردي يستفيد من فنيات السرد العربية‪ ،‬ومنها‬
‫املش������هدية الرابطة لسياق األحداث والشخوص‬ ‫ش������كل كتابة احلوليات التاريخية‪ ،‬فمن سطرها‬
‫في حرك������ة مفتوح������ة ال تتقي������د بتقاليد القص‬ ‫األول تبدأ هكذا‪« :‬ودخلت سنة‪ ،»...‬واحلوليات‬
‫احلبكي������ة املؤطرة في الزمان واملكان وتسلس������ل‬ ‫عادة ما كان������ت تبدأ بخبر الوف������اة‪ ،‬بحيث يبدأ‬
‫األحداث أو تصاعدها >‬ ‫احلدي������ث ع������ن الش������خوص وحياته������م انطالقاً‬

‫فمر على مسجد في الطريق ووقف‬ ‫انقطع الزاد بأعرابي في سفره‪ّ ،‬‬
‫به وسأل الناس‪ .‬فسأله أحدهم‪ :‬من أي قوم أنت؟! فقال‪ :‬ممن ال ينفعك‬
‫علمه وال يضرك جهله‪ ،‬إن َّ‬
‫ذل السؤال منعني عز االنتساب‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪104‬‬

‫‪feb 99-104.indd 104‬‬ ‫‪12/29/14 8:50:19 AM‬‬


‫أدب وفن‬

‫وطباخ‬
‫فنَّ ان َّ‬
‫بقلم وريشة‪ :‬أمني الباشا *‬

‫أركيل ��ة‪ ...‬فت ��اة صب ّية عمرها فوق العش ��رين قلي ً‬
‫ال‪ ...‬ش ��اب‪ ...‬بش ��ع يراف ��ق الفتاة‪ .‬هي‬
‫ليست جميلة وليست بشعة‪ .‬بني شفتيها نربيج أحمر‪ .‬الشفتان مصبوغتان باألحمر‪.‬‬
‫ُتدخ ��ل النربي ��ج األحمر وتخرجه مع دخان كثيف بوجه صديقها وهي تبتس ��م‪ّ .‬‬
‫حتدثه‬
‫بنظ ��رات حميم ��ة كاذبة هي ونظراته ��ا‪ .‬تنادي النادل املختص بتغذية ن ��ار النرجيلة أو‬
‫األركيل ��ة لوض ��ع فحم طازج أحم ��ر اللون كش ��فتيها وكنربيج األركيلة‪ .‬ال تش ��كره‪ ،‬هذه‬
‫وظيفت ��ه‪ ،‬وض ��ع النار على رأس األركيلة‪ .‬ال تنظر إليه‪ .‬النادل يضع الفحمة وهو ينظر‬
‫إلى ش ��فتيها‪ .‬هي ليس ��ت جميلة وليست بشعة‪ .‬معها َمن يس ��اعدها على نشر الدخان‬
‫في األجواء‪.‬‬

‫والفم‪ ...‬حرام أن أصفه بالبش������اعة‪ ...‬أ ّما هي‪،‬‬ ‫س������يكارته التي تذوب سريعاً يأخذ‬
‫فقد اختارت أن تكون بني البش������اعة واجلمال‪...‬‬ ‫غيرها ويولعها ويدخلها بني شفــــتيه‪،‬‬
‫أو أن قدرها أن تكون كذلك‪ ...‬وهي راضية عن‬ ‫هو بش������ع وهي ليست بشعة وليست‬
‫راض عن حاله‪ ...‬أ ّما أنا فحرام‬ ‫حالها‪ ...‬وه������و ٍ‬ ‫دخلت املقه������ى‪ ،‬أنا أدخل‬
‫ُ‬ ‫جميلة‪ .‬ص������ادف أن‬
‫لكل منهما صفة وصفات‪ ...‬و َمن‬ ‫علي أن أعطي ٍ ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذه املقهى كل يوم قبل الظهر ومراراً ال أذهب‬
‫أكون أنا؟ وأذكر عندما أنظر إلى ذاتي في املرآة‪،‬‬ ‫إليه������ا‪ ،‬قلت إليها‪ ...‬املقهى إليها‪ ...‬هل املقهى‬
‫عيني وأبتعد‬
‫ّ‬ ‫أقول‪ :‬ياي‪ ...‬يا ساتر‪ ...‬ثم أغمض‬ ‫ذكر أو أنث������ى؟‪ ...‬بعد تفكير لدقائق ق ّررت أال‬
‫عن هذه اللعينة‪ ...‬املرآة‪ ...‬التي تقول احلق وال‬ ‫أدخل في مش������كالت جديدة‪ ...‬ذكر أو أنثى‪...‬‬
‫تقول إال احلق وتظهره بال تر ّدد‪ ...‬إلى أن وصل‬ ‫إل������ى آخره؟ هذا هو الهروب الش������ريف‪ ...‬إلى‬
‫الذي كنت أنتظر وصوله‪.‬‬ ‫آخره‪.‬‬
‫‪ -‬مرحباً‪.‬‬ ‫***‬
‫‪ -‬موعدنا الساعة العاشرة‪ ...‬اآلن‪...‬‬ ‫قلت إنه بش������ع‪ ...‬هذا حرام‪ ...‬هو لم يختر‬
‫‪ -‬نعم اآلن احلادية عشرة‪ ...‬اعذرني‪.‬‬ ‫ذات������ه‪ ...‬خُ لق هكذا لم تكن له إرادة في موضوع‬
‫‪ -‬أع������ذرك دائماً‪ ...‬ثم قام صديقي واقترب‬ ‫االختيار‪ ...‬اختيار شكل الوجه واألنف واألذنني‬
‫* فنان تشكيلي من لبنان‪.‬‬

‫‪105‬‬

‫‪feb 105-107.indd 105‬‬ ‫‪12/29/14 8:52:28 AM‬‬


‫‪ -‬تقريباً‪.‬‬ ‫الس���ل��ام بالقب������ل‪ ...‬وجلس معهما‬ ‫منهم������ا وبدأ ّ‬
‫ومضى بعض الوقت‪ ...‬علمت أنه موسيقي‪...‬‬ ‫وناداني ألن أقترب منهم‪ .‬اقتربت منهم‪.‬‬
‫موسيقي صحيح‪ ...‬سألته أي موسيقى؟‬ ‫‪ -‬اآلنس������ة نعمت والس������يد يوسف‪ ،‬صديقان‬
‫‪ -‬الت������ي يس������ ّمونها «كالس������يكية»‪ ...‬أعن������ي‬ ‫من أيام اجلامعة‪.‬‬
‫اجل ّيدة‪ ...‬الصحيحة‪.‬‬ ‫وقدمن������ي إليهم������ا‪:‬‬
‫بتعج������ب‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬آه‪ ...‬قل������ت‬
‫‪ -‬أنا‪ ...‬هذا ما أختاره من املوسيقى‪.‬‬ ‫أنيس‪.‬‬
‫‪ -‬تعني؟‪...‬‬ ‫‪ -‬قلت ضاحكاً‪ :‬أعرفهما منذ ساعة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬أعني بدءا من «باخ» إلى «ماهلر»‪.‬‬ ‫وأخرجت النربيج من فمها‪ :‬ساعة؟‬ ‫ْ‬ ‫ابتسمت‬
‫ْ‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪106‬‬

‫‪feb 105-107.indd 106‬‬ ‫‪12/31/14 10:59:38 AM‬‬


‫بعدما انتهينا من الغ������داء‪ ،‬وحقاً كان أك ً‬
‫ال‬ ‫في ه������ذا الوقت كان صديقي في حديث مع‬
‫شه ّياً‪ ...‬من صنع املوسيقي‪ ...‬املنزل مفروش‬ ‫اآلنسة نعمت‪.‬‬
‫بكل م������ا هو ثم���ي��ن‪ ...‬ولكن يـــــنقص������ه الذوق‬ ‫‪ -‬تبدين بحالة جيدة‪ ...‬جدا‪ً.‬‬
‫الس������ليم‪ ...‬إن م������ا لفت نظري ه������و اللوحات‬ ‫‪ -‬جداً‪ ...‬قالت وهي تضحك‪.‬‬
‫«الفن ّي������ة» التي كان������ت لوح������ات فـــقــــط وغير‬ ‫‪ -‬منذ متى تروق لك املوسيقى؟‬
‫فن َّية‪ ...‬ثم «بيانو» علي������ه متاثيل صغــــار مت ّثل‬ ‫‪ -‬تعن������ي املوس������يقى‪ ...‬أو املوس������يقي؟‬
‫«فينوس» رحمه������ا الل������ه‪ ...‬ورأس «بتـــهــــوفن»‬ ‫املوس������يقى‪ ...‬أنت تعلم مستوى اهتمامي بها‪...‬‬
‫ورأس «ش������وبان»‪ ...‬ك ّن������ا إذن ف������ي ّ‬
‫الصال������ون‬ ‫اآلن‪ ...‬املوسيقي عندي هو األهم‪...‬‬
‫لش������رب فنجان القه������وة بعد الغ������داء‪ ...‬وهنا‬ ‫‪ -‬من������ذ مت������ى؟‪ ...‬اعذرين������ي‪ ...‬اع������ذري‬
‫يتحدث عن موسيقاه وسأل‬ ‫ّ‬ ‫أخذ «املوس������يقي»‬ ‫تدخلي‪...‬‬
‫إذا كن������ا نرغب في س������ماع بع������ض مؤلفاته‪...‬‬ ‫‪ -‬كنت سأخبرك‪...‬‬
‫ملحنة من������ه‪ ...‬وهي من عائلة‬ ‫وكان������ت أغاني ّ‬ ‫‪ -‬مباذا؟ بزواجك من يوسف؟‬
‫األغان������ي التي نس������معها ليل نهار ف������ي الراديو‬ ‫‪ -‬منذ سنتني‪.‬‬
‫والتلفزيون‪ ...‬استغربت أنا‪ ...‬وعلمت كما كنت‬ ‫‪ -‬مب������روك‪( ...‬وق������ام وق ّب������ل يوس������ف زوج‬
‫أعلم أن الفن ال يحتاج إلى الكالم‪ ...‬املوسيقى‬ ‫يحدثني ويستمع إلى‬ ‫الصديقة نعمت‪ ،‬الذي كان ّ‬
‫للسمع والرسم للنظر‪.‬‬ ‫صديقه ونعمت في الوقت نفسه‪ ...‬ولست أدري‬
‫عندم������ا طال اس������تماعنا أو اس������تماعي أنا‪،‬‬ ‫كيف صار حديثنا يدور ح������ول األكل والطبخ‪...‬‬
‫شعرت بوجع في معدتي‪ ،‬وتساءلت إذا كانت هي‬ ‫كنت أح������اول اخلروج من ه������ذا املوضوع وأعود‬
‫«األحلان واألغاني» الس������بب في الوجع أو طعام‬ ‫إلى املوسيقى فيجيبني متحدثاً بولعه بالطبخ‪...‬‬
‫«املوسيقي الط ّباخ»؟‬ ‫والتحدث في‬
‫ّ‬ ‫عندئذ أنه ال يري������د التكلّم‬
‫ٍ‬ ‫علمت‬
‫***‬ ‫املوسيقى)‪.‬‬
‫م������ا إن صرن������ا خ������ارج البيت‪ ،‬نظ������رت إلى‬ ‫‪ -‬يوسف‪ ...‬الساعة الواحدة‪ ...‬قالت له‪.‬‬
‫صديق������ي وقلت له‪ :‬لعنة الل������ه على هذا الطعام‬ ‫‪ -‬الواحدة أو الثانية أو الثالثة‪.‬‬
‫واألحلان وعلى م������ن صنعها‪ ...‬وطبخها وغنّاها‬ ‫ك ّررت نعمت‪ :‬الساعة الواحدة‪ ...‬نسيت؟‬
‫ووزّعه������ا في اإلذاع������ات والتلفـــــزيونات‪ ،‬وعلــــى‬ ‫‪ -‬كال‪ ...‬لكن‪...‬‬
‫الذوق والفهم‪،‬‬ ‫من نش������ر اجلهل و َمن نش������ر قلة ّ‬ ‫‪ -‬تعطي موعداً وال تذهب إليه‪ ...‬طيب‪!...‬‬
‫أذني ومن‬ ‫ّ‬ ‫ووصلت إلى منزل������ي وزال الوجع من‬ ‫‪ -‬نعمت‪ ...‬دعوت صديقين������ا إلى الغداء‪...‬‬
‫معدتي ومنت >‬ ‫وأطيب األكل هو أكل املنزل‪.‬‬

‫ش ��كا أهل بلدة إلى املأمون والي ًا عليهم‪ ،‬فقال‪ :‬كذبتم عليه‪ ،‬قد صح‬
‫عندي عدله فيكم وإحس ��انه إليكم‪ ،‬فقال ش ��يخ منهم‪ :‬يا أمير املؤمنني‪،‬‬
‫فما هذه احملبة لنا دون سائر رعيتك؟ قد عدل فينا خمس سنني‪ ،‬فانقله‬
‫إلى غيرنا حتى يشمل عدله اجلميع‪ ،‬وتريح معنا الكل! فضحك املأمون‬
‫وصرفه عنهم‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫فنَّان وط َّباخ‬

‫‪feb 105-107.indd 107‬‬ ‫‪12/29/14 8:52:39 AM‬‬


‫أدب‬

‫مغامرة اللغة‬
‫عند أحمد شوقي‬
‫د‪ .‬مصطفى رجب*‬

‫كثر في ش ��عر ش ��وقي اس ��تعمال تعبيرات جاءت على خالف ما اس ��تقر عليه العرف اللغوي‪،‬‬
‫سواء أكان مجيئها لضرورة فنية اقتضاها التصوير‪ ،‬أم كان لرغبة شوقية داخلية في التفرد‬
‫والتمي ��ز‪ ،‬وق ��د يك ��ون وجودها وهم ًا من الش ��اعر‪ ،‬أو ظن� � ًا منه أنه على اجل ��ادة من الصواب‬
‫اللغوي‪ ،‬كما قد يكون ذلك منه س ��هواً‪ ،‬ومحض غفلة عما هو مقيس أو مس ��موع من لس ��ان‬
‫العرب‪ ،‬فمن ذلك إضافة «حيث» إلى االسم املفرد‪.‬‬

‫وجره بعدها قياس � � �اً ف� � ��ي ذلك عل� � ��ى أخواتها من‬ ‫قال شوقي‪:‬‬
‫الظروف املكانية‪ ،‬وأخذاً برأي الكسائي‪ ،‬وما احتج‬ ‫ُفوس َت َل ُّذ ُه‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ُ‬
‫يث‬ ‫ح‬‫َ‬ ‫الشعر في‬ ‫ُ‬ ‫َو‬
‫به من الشعر‪ ،‬فيجوز أن يقال‪ :‬بادر إلى حيث العمل‬ ‫�دمي العادي‬ ‫جل��دي� ِ�د َوال ال�� َق� ِ‬ ‫ال ف��ي ا َ‬
‫اجل� � ��اد‪ ،‬ال متار احلكم من حيث العدل‪ ،‬وعلى ذلك‬ ‫�ك أَ ّ َو ٌل‬‫�وغ � َ‬
‫ِ‬ ‫�‬ ‫ب‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫�ي‬ ‫�‬ ‫ف‬ ‫َح� � � ُّ�ق ال� � َع� �ش� �ي� � َر ِة‬
‫فإضافة «حيث» إلى االس� � ��م املفرد بعدها س� � ��ائغة‬ ‫�ك ِب��ال�� َع��ش��ي�� َر ِة ب ��ادي‬ ‫َف��ان� ُ�ظ��ر َل� � َع� � ّ َل � َ‬
‫قياساً واستعماالً» (مجموعة القرارات ‪ ،161‬عرض‬ ‫وق� � ��د أجاز مجمع اللغ� � ��ة العربية املصري هذا‬
‫على املجلس في الدورة ‪ 49‬اجللسة ‪.)23‬‬ ‫االس� � ��تعمال بقرار منش� � ��ور في أعمال املجمع‪ ،‬وقد‬
‫واس�� ��تند تأصيل هذا االس�� ��تعمال إلى مذكرة تقدم‬ ‫جاء فيه‪:‬‬
‫بها د‪ .‬ش�� ��وقي ضيف إلى اللجنة بعن�� ��وان «إضافة حيث‬ ‫«يأن� � ��س بعض املتحدثني مبث� � ��ل قولهم‪ :‬الكتاب‬
‫إلى االس�� ��م املفرد» اقترح فيها تصديق املجمع على جواز‬ ‫رخيص من حي� � ��ث ثمنه بج ِّر الثم� � ��ن‪ ،‬واملعتمد من‬
‫إضافة «حي�� ��ث» إلى اجلملتني االس�� ��مية والفعلية‪ ،‬وإلى‬ ‫القواعد إضافة «حيث» إلى اجلمل‪ ،‬اسمية وفعلية‪،‬‬
‫االس�� ��م املفرد أخذاً برأي الكسائي (ت‪189‬هـ)‪ ،‬وما جاء‬ ‫واللجن� � ��ة ترى إج� � ��ازة إضافتها إلى االس� � ��م املفرد‪،‬‬

‫* أكادميي من مصر‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪108‬‬

‫‪feb 108-112.indd 108‬‬ ‫‪12/29/14 8:53:45 AM‬‬


‫مخاطباً رب العزة القادر أن ينجيهم‪:‬‬ ‫في الشعر القدمي‪:‬‬
‫�اء َمضيقٌ‬ ‫َر ِ ّب ِإن ِش� �ئ ��تَ َف ��ال� � َف� �ض � ُ‬ ‫أم � � ��ا ت � � ��رى ح� �ي���ث س� �ه� �ي ��ل ط ��ال� �ع� � ًا‬
‫َو ِإذا ِش�� �ئ� ��تَ َف� ��امل َ� �ض � �ي� ��قُ ف � �ض� � ُ‬
‫�اء‬ ‫َ‬ ‫جن � �م � � ًا ي � �ض� ��يء ك ��ال� �ش� �ه ��اب الم� �ع� �اً‬
‫َف��اج� َع� ِ�ل ال� َب�ح� َر ِع�ص� َم� ً�ة َواب � َع� ِ�ث الرح‬ ‫وم�� ��ع أن مذهب البصريني أنه ال يجوز إضافتها إلى‬
‫�واء‬
‫األن� � � � � � � � ُ‬ ‫�اح َو َ‬ ‫َم� � � � � َة ف� �ي� �ه ��ا ال� � � � ِ�ري� � � � ُ‬ ‫املفرد وأن ما ُس�� ��مِ ع من ذلك نادر‪ ،‬فإن الكس�� ��ائي أجاز‬
‫اإلن‬ ‫أَن� � � ��تَ ُأن� � � � ٌ�س َل � �ن� ��ا ِإذا َب � � ُ�ع� � � َد ِ‬ ‫القياس عليه‪ ،‬ومن ش�� ��واهدهم املش�� ��هورة في هذا الباب‬
‫�اء‬‫اإلح� � � �ي � � � ُ‬ ‫حل � � �ي� � ��ا ُة َو ِ‬ ‫ُس َوأَن�� � � � ��تَ ا َ‬ ‫أيضاً البيت الذي نس�� ��بوه للف�� ��رزدق وتداوله النحاة وهو‬
‫َي� � َت� � َو ّل���ى ال � ِ�ب� �ح ��ا َر َم �ه �م��ا اد َل� � َه� � ّ َم ��ت‬ ‫قوله‪:‬‬
‫الء‬ ‫ُ‬ ‫لأَ‬ ‫�ك ف � ��ي ُك� � � ��لّ ج� � � ِ�ان� � � ٍ�ب‬ ‫ِم� � �ن � � َ‬ ‫ونطعنهم حت��ت احل�ب��ى بعد ضربهم‬
‫فاس�� ��تخدم املاض�� ��ي بع�� ��د «مهما» في قول�� ��ه « َمهما‬ ‫ب�ب�ي��ض امل��واض��ي ح�ي��ث ل � ُّ�ي العمائم‬
‫ادلَ َه َّمت»‪.‬‬ ‫( شرح شواهد املغني‪:)389/1 :‬‬
‫وكذلك وردت في قوله‪:‬‬ ‫وقول الشاعر‪:‬‬
‫جل � �ح� � ِ�اف� � ِ�ل َمهما‬ ‫خل� �ص � ِ�م َوا َ‬ ‫�اه� � َر ا َ‬
‫ق� ِ‬ ‫وإن�ن��ي حيث م��ا ي��دن��ي ال�ه��وى بصري‬
‫اللقاء‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َج � � � ّ َد َه� � ��ول ال � � َوغ� ��ى َو َج � � � � ّ َد‬ ‫م ��ن ح �ي��ث م ��ا س �ل �ك��وا أدن � ��و فأنظر‬
‫وكذل�� ��ك وردت ف�� ��ي قوله ف�� ��ي قصيدة تن�� ��اول فيها‬ ‫وقول أبي حية النميري‪:‬‬
‫مشكالت الزواج املعاصر‪:‬‬ ‫إذا ري � ��دة م ��ن ح �ي��ث م ��ا ن �ف �ح��ت له‬
‫�ات َصغي َر ٍة‬ ‫�اه � ٍ�د ف ��ي ال� اّّل� ِع� �ب�� ِ‬ ‫َك� ��م ن � ِ‬ ‫أت � � � ��اه ب� ��ري� ��اه� ��ا ح� �ب� �ي ��ب ي ��واص� �ل ��ه‬
‫غار‬ ‫أل� � َه� �ت ��هُ َع���ن َح� � َف � ٍ�د مِ ِب� �ص� � َر ِص ِ‬ ‫َ‬ ‫على اعتبار أن «ما» فيهما موصولة‪.‬‬
‫َم��ه��م��ا َغ� � ��دا أَو را َح ف� ��ي َج� � ِ‬
‫�والت� � ِ�ه‬ ‫واألس�� ��اليب التي تص�� ��اغ فيها «حي�� ��ث» ثالثة‪ :‬أولها‬
‫�اط � � َب� � ٌ�ة ِإل� � ��ى ِس� �م� �س � ِ�ار‬ ‫َد َف � � َع � �ت� ��هُ خ� � ِ‬ ‫أن يليها اس�� ��م كما مر في الش�� ��واهد‪ ،‬وثانيه�� ��ا أن يليها‬
‫وكقوله في قصيدة نهج البردة‪:‬‬ ‫جمل�� ��ة فعلية نح�� ��و‪ :‬اجلس حيث يجلس أخ�� ��وك‪ ،‬وثالثها‬
‫قاص َم ٍة‬ ‫�اع ع�ي�س��ى أَ َع � � � ّ�دوا ُك�� � ّ َل ِ‬ ‫أَش� �ي � ُ‬ ‫أن يليها جملة اس�� ��مية نحو «اجلس حيث أخوك جالس»‪،‬‬
‫�االت ُمنق َِص ِم‬ ‫ِ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ح‬ ‫�وى‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫س‬ ‫�د‬
‫ِ ُّ ِ‬‫�‬ ‫�ع‬ ‫�‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫�م‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫هي‪،‬‬
‫واألسلوبان الثاني والثالث ال خالف فيهما وأمرهما نِّ‬
‫َمهما ُدع�ي��تَ ِإل��ى ال َهيجاءِ ُق�م��تَ َلها‬ ‫أما األول فهو محل اخلالف‪.‬‬
‫الر ُج ِم‬ ‫َت��رم��ي ِب�� ُأس� ٍ�د َو َي��رم��ي ال � َل��هُ ِب ُ‬ ‫وإضافة «حيث» إلى االس�� ��م املفرد قليلة‪ ،‬وقد رويت‬
‫في الشعرالعربي القدمي‪ ،‬على الرغم من إجازة الكسائي‬
‫استعمال جموع ومفردات وصيغ صرفية غريبة‬ ‫القي�� ��اس عليه�� ��ا‪ ،‬وذك�� ��ر األلوس�� ��ي (ت ‪1924‬م) أن هذه‬
‫كجمعه كلمة سيف على «أسيُف» مثل أعني وأرؤس‪،‬‬ ‫اإلضافة من الضرائر‪.‬‬
‫وهو من أوزان القلة‪ ،‬واملس�� ��موع س�� ��يوف وأسياف للكثرة‬
‫والقلة على التوالي‪ ،‬وذلك في قوله في «نهج البردة»‪:‬‬ ‫إدخاله «مهما» على الفعل املاضي‬
‫�روب ِب ِهم‬ ‫احل� ِ‬ ‫عل ُ‬ ‫فاليل ِم��ن ِف ِ‬‫بيض َم ُ‬
‫ٌ‬ ‫املشهور عن «مهما» متحضها للزمن املضارع‪ ،‬ولكننا‬
‫ِم��ن أَس � ُي� ِ�ف ال � َل� ِ�ه ال ال� ِ�ه �ن� ِ�د ّ َي� ُ�ة ُ‬
‫اخل ��ذُ ُم‬ ‫جندها في شعر شوقي داخلة على الفعل املاضي‪ ،‬وبعض‬
‫وكاستخدامه «الش�� ��رع بضم الشني املشددة والراء»‬ ‫علماء اللغة املعنيني بالتخطئ�� ��ة والتصويب جعل دخولها‬
‫جمعاً لشراع املركب‪ ،‬في قوله‪:‬‬ ‫عل�� ��ى املاض�� ��ي خطأ ومخالفة ملا اس�� ��تقر علي�� ��ه العرف‬
‫ال � �ب� ��ر ل� �ي ��س ل� �ك ��م ف� ��ي أرض � � ��ه جلم‬ ‫اللغوي‪ ،‬لعدم ورود هذا االستعمال في القرآن الكرمي‪.‬‬
‫وال �ب �ح��ر ل�ي��س ل�ك��م ف��ي ع��رض��ه ُشرع‬ ‫فمن ذلك قول شوقي من قصيدته التي مطلعها‪:‬‬
‫وم�� ��ن غرائب لغته اس�� ��تخدامه كلم�� ��ات غريبة على‬ ‫َه� � � ّ َم � � ِ�ت ال ��فُ � �ل � ُ�ك َو ِاح� � � َت � ��واه � ��ا امل � � ُ‬
‫�اء‬
‫األذن‪ ،‬يب�� ��دو أن�� ��ه كان يلتقطه�� ��ا من املعاج�� ��م‪ ،‬أو يتخيل‬ ‫ب� � � ��ن ُت� � � ِ�ق� � � ُّ�ل ال� � � َرج � � ُ‬
‫�اء‬ ‫َو َح � � ��داه � � ��ا مِ َ‬
‫وجودها فيه�� ��ا وهي غير موجودة بأي معجم عربي‪ ،‬مثل‬ ‫�اب َح ��وا َل ��ي‬ ‫َض � � � َر َب ال � َب �ح� ُ�ر ذو ال � ُ ِ‬
‫�‬ ‫ب‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�ع‬
‫كلمة «نس�� ��يك» التي اخترعها شوقي اختراعاً‪ ،‬ولعله أراد‬ ‫�اء َق� ��د أَك� � َب� � َرت� �ه ��ا ال � َ�س� �م � ُ‬
‫�اء‬ ‫ه ��ا َس � �م� � ً‬
‫‪109‬‬
‫مغامرة اللغة عند أحمد شوقي‬

‫‪feb 108-112.indd 109‬‬ ‫‪12/29/14 8:53:48 AM‬‬


‫وال حرج في استعمالها» (مجموع القرارات‪ ،155 :‬عرض‬ ‫به�� ��ا صك وزن فعيل مبعنى مفعول‪ ،‬مثل قتيل من مقتول‪،‬‬
‫عل�� ��ى املجلس في ال�� ��دورة ‪ /49‬اجللس�� ��ة ‪ .)23‬وقد قدم‬ ‫وذلك في قوله‪:‬‬
‫األستاذ محمد ش�� ��وقي أمني بحثاً إلى جلنة األصول ذكر‬ ‫�ال ِديا َر ُهم‬ ‫اجل �ب� ِ‬
‫�وب ِم��نَ ِ‬ ‫َن� َ�ح��تَ ال� ُ�ش�ع� ُ‬
‫في�� ��ه أن تتابع اإلضافات ال تأباه «العربية»‪ ،‬إذ يقال‪ :‬كتاب‬ ‫َوال� � � َق � ��و ُم ِم� ��ن أَخ �ل ِ‬
‫�اق� � ِ�ه� ��م َن � َ�ح� �ت � ِ‬
‫�وك‬
‫نح�� ��و البصرة‪ ،‬وكتاب أحكام الفق�� ��ه «غير أن بعض أمثلة‬ ‫�ن َج َعلت ُُهم‬ ‫َل ��م أَك� � � ِ�ذ ِب ال �ت��اري��خَ ح�ي َ‬
‫املعاصرين ما يأبى التأويل والتخريج نحو قولهم‪ :‬محكمة‬ ‫َسيك‬
‫�ول ن ِ‬ ‫ُره� � �ب � ��ا َن ُن� �س�� ٍ�ك ال ُع � �ج� � َ‬
‫استئناف طنطا‪ ،‬كلية آداب الزقازيق‪ ،‬إذ املقصود باإلضافة‬ ‫ومن استخدامه لكلمات مندثرة قوله‪:‬‬
‫هو إضافة محكمة االس�� ��تئناف إلى «طنطا» وكلية اآلداب‬ ‫كم في احلياة من الصحراء من شبه‬
‫إلى «الزقازيق»‪ ،‬فكأن االس�� ��مني املتضايفني اسم واحد‪.‬‬ ‫ك�ل�ت��اه�م��ا ف��ي م �ف��اج��اة ال �ف �ت��ى ُش� � َرع‬
‫وق�� ��د رأى في توجيه ذلك أن اإلضافة في املضاف الثاني‬ ‫فكلمة «شرع» هذه بفتح الشني والراء معناها سواء‪،‬‬
‫على معنى «في» أو معنى «الالم»‪ ،‬فيكون التقدير «محكمة‬ ‫وهو مما ال يعرفه حتى من يدرسون «العربية» ويألفونها‪.‬‬
‫اس�� ��تئناف في طنطا أو لطنطا» و«كلية آداب في الزقازيق‬ ‫ومن ذلك كلمة «سطاع» بكسر السني مبعنى عمود البيت‪،‬‬
‫أو للزقازي�� ��ق» (أبحاث ال�� ��دورة ‪ ،)49‬ورأى بعض أعضاء‬ ‫في قوله‪:‬‬
‫اللجنة أن التعبير مقبول ال شبهة فيه‪.‬‬ ‫ف� �ك� �ن ��ت ل� �ب� �ي� �ت ��ه احمل � � �ج� � ��وج رك � �ن � �اً‬
‫وك � �ن� ��ت ل��ب��ي��ت��ه األق� � �ص � ��ى سطاعا‬
‫إدخاله حرف ًا على «سوى»‬
‫كما ف�� ��ي إدخاله «م�� ��ا» التي هي مبعن�� ��ى ليس على‬ ‫إضافة النكرة إلى نكرة بعدها معرفة‬
‫«سوى» في قوله‪:‬‬ ‫يس�� ��تهجن اللغويون ما يسمونه «إضافة املتضايفني»‬
‫َي � � � �غ � � � � َت� � � � ِ�ب � � � �ط� � � ��نَ ف � � � � ��ي َح � � � � � � � � � َر ٍم‬ ‫مثل قولهم‪« :‬كلية آداب طنطا»‪ ،‬باعتبار الكلمتني األوليني‬
‫ال َت� � � � � � �ن � � � � � ��ا ُل � � � � � ��هُ ال � � � � � � � ِ�ر َي � � � � � � � ُ�ب‬ ‫نكرت��ي��ن أضيف�� ��ت ثانيتهما إل�� ��ى معرفة‪ ،‬وق�� ��د ورد هذا‬
‫م� � � � ��ا ِس� � � � � � � ��وى ا َ‬
‫حل � � � � � ��دي � � � � � � ِ�ث ِب� � � � � ِ�ه‬ ‫االس�� ��تعمال كثيراً في شعر شوقي كما في قوله في «نهج‬
‫ُي � � � �ب � � � � َت � � � �غ� � � ��ى َو ُي � � � � � � �ج � � � � � � � َت � � � � � � �ذ َُب‬ ‫البردة»‪:‬‬
‫َه � � � � � � � َك� � � � � � ��ذا ال� � � � � � � � � ِ�ك� � � � � � � � ��را ُم ِك� � � � � ��را‬ ‫َد َع� ��و َت� � ُ�ه� ��م لجِ ِ � �ه� � ٍ�اد ف� �ي � ِ�ه ُس � ��ؤ ُد ُد ُه � ��م‬
‫ٌم َو ِإن ُهـــــــــــمــــــــــــــــوا َطـــــــــــــ َربــــــــــــــوا‬ ‫م‬ ‫�ون َو ُ‬
‫األ مَ ِ‬ ‫�رب ُأ ُّس ِن �ظ� ِ�ام ال� � َك � ِ‬ ‫َوا َ‬
‫حل� � � ُ‬
‫ومرة نراه يدخل حرف اجلر «على» فيقول‪:‬‬ ‫ِظام الكونِ » أضيف�� ��ت فيه كلمة «أس»‬ ‫َ‬ ‫فقول�� ��ه «أُ ّ ُس ن ِ‬
‫خاش َع ًة‬ ‫َه � ��ذا َف� �ض � ٌ�اء ُت� � ِ�ل� � ُّ�م ال ��ري � ُ�ح ِ‬ ‫وهي نكرة إلى كلمة «نظام» وهي نكرة مضافة إلى معرفة‬
‫ِب � ِ�ه َو مَي �ش��ي َع � َل �ي� ِ�ه ال�� َده� ُ�ر ُمحت َِشما‬ ‫بعدها‪.‬‬
‫�ن ِب � ِ�ه‬ ‫�رح� �ب� � ًا ِب� ُ�ك��م��ا ِم� ��ن ط � ِ�ال� �ع�ي َ‬ ‫َف� � َم � َ‬ ‫وكما في قوله‪:‬‬
‫�ون م��ا َق ِدما‬ ‫َ‬
‫َعلى ِس��وى ال�ط� ِ�ائ� ِ�ر امل�ي�م� ِ‬ ‫�ود امل َ� �ل � ِ�ك أَق � �م� ��ا ُر ُزه� � � ِ�ر ِه‬
‫جُن� � ��و ُم ُس� �ع � ِ‬
‫َل� � َو اَ ّ َن ال � ُن �ج��و َم ال��زُ ه � َر َي�ج� َم� ُ�ع�ه��ا أَ ُب‬
‫الفصل بني ركني اجلملة بالعطف أو بـ «شبه اجلملة»‬ ‫فقد أضاف كلمة «جنوم» منكرة إلى «سعود» املنكرة‬
‫كما في قوله‪:‬‬ ‫املضافة إلى امللك املعرفة بأل‪ ،‬وقد درس املجمع اللغوي‬
‫دار ُسها‬ ‫احل �ك� ِ�م ِ‬ ‫�وم ُ‬ ‫خَ �ل�ا َل �ه��ا ِم��ن ُرس� � ِ‬ ‫هذا االستعمال وأقره بقرار جاء فيه‪:‬‬
‫�ول ا ُمل� �ل � ِ�ك باليها‬ ‫ِ‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ط‬‫ُ‬ ‫�ن‬ ‫َو َغ� � � ّ َره � ��ا ِم� �‬ ‫«يج�� ��ري في االس�� ��تعمال العصري قوله�� ��م‪ :‬محكمة‬
‫ففص�� ��ل بني الفعل «خال» وفاعله «دارس�� ��ها» بش�� ��به‬ ‫اس�� ��تئناف طنطا «كلي�� ��ة آداب الزقازيق»‪ ،‬وغير ذلك مما‬
‫كم» وبني الفع�� ��ل «غر» وفاعله‬ ‫حل ِ‬‫�وم ا ُ‬ ‫اجلمل�� ��ة «مِ ن ُرس�� � ِ‬ ‫يجري فيه اس�� ��مان منكران متضايف�� ��ان إلى مضاف إليه‬
‫لك»‬ ‫«باليها» بشبه اجلملة «مِ ن ُطلولِ امل ُ ِ‬ ‫معرف�� ��ة‪ ،‬بغية التعري�� ��ف والتحديد‪ .‬وت�� ��رى اللجنة إجازة‬
‫وفي قوله‪:‬‬ ‫مثل ه�� ��ذه اإلضافة على أنها من إضافة األول إلى الثاني‬
‫َر َث� � ��ت َل� �ه ��ا َو َب � � َك� ��ت ِم� ��ن ِر ّ َق� � � � ٍ�ة ُف� � � َو ٌل‬ ‫والثان�� ��ي إلى األخير على معنى ف�� ��ي أو الالم‪ ،‬وذلك مما‬
‫�وم َي �ب �ك��ي ُرب���وع� � ًا َع� � � ّ َز باكيها‬ ‫َك ��ال� �ب � ِ‬ ‫له في العربية نظائ�� ��ر‪ ،‬واإلضافة بهذا املعنى لغة مقبولة‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪110‬‬

‫‪feb 108-112.indd 110‬‬ ‫‪12/29/14 8:53:51 AM‬‬


‫متثال أمير الشعراء‪ ،‬حديقة ڤيال بورجيزي‪ ،‬روما‬

‫‪111‬‬
‫مغامرة اللغة عند أحمد شوقي‬

‫‪feb 108-112.indd 111‬‬ ‫‪12/29/14 8:53:55 AM‬‬


‫ه � ِ�ات� �ه ��ا ي� ��ا َن� �ص� �ي � ُ�ر ِإ ّن � � ��ا اج َت َمعنا‬ ‫حيث عط�� ��ف على الفعل املاضي «رن�� ��ت» فع ً‬
‫ال آخر‬
‫فات‬
‫�وب ف���ي ال � � ِ ّ�دي � � ِ�ن ُمخت َِل ِ‬ ‫ِب� ��قُ � � ُل� � ٍ‬ ‫«بكت» قبل مجيء الفاعل‪.‬‬
‫َ‬
‫ِإ مّ َن� � � � ��ا َن � �ح� ��نُ ف� ��ي َم � �ج� ��ال� � ِ�س ل� �ه � ٍ�و‬
‫َن� � �ش� � � َر ُب ال � � � ��را َح ُث � � � � ّ َم أَن� � � ��تَ ُم � � � ِ‬
‫�وات‬ ‫عطف االسم الظاهر على الضمير‬
‫ومنها قوله‪:‬‬ ‫ومنه قوله في رثاء مصطفى رياض باشا‪:‬‬
‫�ض� ��ت آه‬ ‫�ك أَي � � ��ام شَ � �ب� ��اب َق � ��د َم� � َ‬ ‫ِت � �ل� � َ‬ ‫م� �ق ��ام ��ك ف� � ��وق م � ��ا زع� � �م � ��وا ولكن‬
‫َ‬
‫َل�� � � ��و َت � � ��رج � � ��ع أي� � � � � � ��ام ال � � َ�ش� � �ب � ��اب‬ ‫رأي� � � � � ��ت احل� � � � ��ق ف� � ��وق� � ��ك وامل � � �ق� � ��ام‬
‫ِإ مّ َن� � � � � ��ا ال� �ب� �ي���ض ا ّ َل � � �ت� � ��ي ف � ��ي ملتي‬
‫الكعاب‬ ‫�ون� �ه ��ا ب �ي��ض ِ‬ ‫َن � � ّ َف� ��رت ف ��ي َل � ِ‬ ‫إدخاله «أل» على «بعض»‬
‫كما شاع في شعره استخدام «بل» بوصفها أداة ربط‬ ‫كقوله‪:‬‬
‫دالة على اإلضراب كما في قوله‪:‬‬ ‫�رام‬
‫ن ِم�� � ��نَ ال � � ِ�ك � � ِ‬ ‫َك � �ب � �ي� � ُ�ر ال � �س� � ِ�اب � �ق �ي� َ‬
‫ا ُمل� �ص � ِ�ل� �ح ��و َن أَص� � ِ�اب� � ٌ�ع ُج � ِ�م� � َع ��ت َي� ��د ًا‬ ‫�ام‬
‫ِ‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫�‬ ‫َ‬ ‫مل‬ ‫�ا‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ب‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫�ك‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫�ا‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ِب � � ُ�رغ� � �م � ��ي‬
‫ِه� � َ�ي أَن � ��تَ َب ��ل أَن � ��تَ ال� � َي � ُ�د ال َب ُ‬
‫يضاء‬ ‫�ك َف� � ��وقَ م ��ا ز ََع � �م� ��وا َو َل � ِ�ك ��ن‬ ‫�ام � َ‬
‫َم� �ق � ُ‬
‫داع��ي�� ًا‬
‫�ك م � ِ�ادح� � ًا َب ��ل ِ‬ ‫م��ا ِج��ئ� ُ�ت ب ��ا َب � َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َرأي� � � � � � ُ�ت احل � � � � � ّ�ق ف� � ��وق� � ��ك َوامل� � �ق � ��ام‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫�اء‬ ‫َو ِم� � � � ��نَ املَ� � ��دي� � � ِ�ح َت � � � َ‬
‫�ض � � � ُّ�ر ٌع َو ُدع� � � � � ُ‬ ‫�دوك َم� �ف� �ت ��ون� � ًا َف��ق��ال��وا‬ ‫َل � � َق� ��د َو َج � � � � � َ‬
‫ج ‪ -‬روابط متهد لتعليل فكرة‪ ،‬أو استنتاج رأي‪ ،‬وذلك‬ ‫االح�� ِ�ت� �ش�� ِ�ام‬ ‫خَ � � َرج� ��تَ ِم � ��نَ ال � � َوق� � ِ�ار َو ِ‬
‫مثل‪ :‬بس�� ��بب‪ /‬بفضل‪ /‬حيث إن‪ /‬لك�� ��ي‪ /‬نتيجة لـ‪ /‬ومن‬ ‫�اف‬ ‫�ض َك � �ي� � ُ�د َك َغ� �ي � ُ�ر خ � ٍ‬ ‫�ال ال�� َب��ع� ُ‬‫َوق� � � َ‬
‫ث ّم‪.‬‬ ‫رام‬‫َوق � � ��ال � � ��وا َرم� � � � َي � � � ٌ�ة ِم � � ��ن َغ� � �ي � � ِ�ر ِ‬
‫د‪ -‬وهن�� ��اك فصيلة أخرى م�� ��ن الروابط كان يحتاج‬ ‫�ران َحتّى‬ ‫َوق��ي�� َل شَ � َ�ط �ط��تَ ف��ي ال� ُ�ك �ف� ِ‬
‫ا أن يقيد فكرته‪ ،‬أو‬ ‫إليه�� ��ا لغرض خاص‪ ،‬كأن يريد مث��ل � ً‬ ‫ــــام‬
‫ــــــــاالنــــــت ِــــق ِ‬‫ــــعـــمــــيـــــنَ ِب ِ‬ ‫أَ َردتَ ا ُملـــــن ِ‬
‫يجعلها مشروطة‪ ،‬أو أنه يود إعطاء تفصيالت على نحو‬
‫أو آخر‪ ،‬وهنا قد تسعفه أدوات ربط‪ ،‬مثل‪ :‬لو لم‪ /‬إما ‪-‬‬ ‫التنويع في استخدام أدوات الربط‬
‫أو‪ /‬ال ‪ -‬وال‪ /‬سواء ‪ -‬أو‪.‬‬ ‫من الس� � ��مات املميزة للغة ش� � ��وقي أنه ال يسير‬
‫على وتيرة واحدة في استخدامه أدوات الربط‪ ،‬بل‬
‫االبتداء بالنكرة‬ ‫يراوح ش� � ��عره بني أنواع مختلفة م� � ��ن أدوات الربط‬
‫شاع عند ش�� ��وقي االبتداء بالنكرة خالفاً للمستحب‬ ‫القدمية التي يشيع ذكرها في كتب معاني احلروف‪،‬‬
‫عند النح�� ��اة‪ ،‬وبخاصة أهل البصرة ومن ش�� ��ايعهم‪ ،‬كما‬ ‫واألدوات اجلدي� � ��دة الت� � ��ي ش� � ��اعت ف� � ��ي العربي� � ��ة‬
‫في أبياته‪:‬‬ ‫املعاصرة‪ ،‬وسيكون من الصعب حصر تلك األدوات‬
‫َج � � � � ّ َل َرم � �س � �ي� � ُ�س ِف� � �ط� � � َر ًة َو َت� �ع ��ال ��ى‬ ‫واالستشهاد لها تفصيلياً‪ ,‬ولكن ميكن القول إجماالً‬
‫ش � �ي � � َع� � ً�ة أَن َي� � � �ق � � ��و َد ُه ال� � ُ�س � � َف � �ه� � ُ‬
‫�اء‬ ‫إن أحمد شوقي استخدم في الربط‪:‬‬
‫�ال َم � �ك� ��ان � � ًا‬ ‫َو َس� � � �م � � ��ا ِل�� �ل� � ُ�ع�ل��ا َف� � � �ن � � � َ‬ ‫أ‪ -‬أدوات رب� � ��ط تربط ب� �ي��ن الكلمات أو اجلمل‬
‫�راء‬
‫ُ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫َ‬
‫�ظ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ن‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫�ال‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ث‬ ‫األم � � �‬ ‫َل�� ��م َي � � َن � �ل� ��هُ َ‬ ‫الت� � ��ي يكون بينها ن� � ��وع من التقارب ف� � ��ي املعنى أو‬
‫رض َملك ًا‬ ‫َ‬
‫�وش َي �ن � َه �ض��نَ ِب�� � ��األ ِ‬ ‫َو ُج � �ي� � ٌ‬ ‫درج� � ��ة احلكم‪ ،‬أو أي عالقات معنوية أخرى‪ .‬وهذه‬
‫�اء‬ ‫ُ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ح‬ ‫َ‬
‫األ‬ ‫�ه‬ ‫ِ ِ‬‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�ت‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ت‬ ‫حَ‬ ‫�ن‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫م‬‫ٌ ِ‬ ‫�واء‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ل‬‫َِ‬‫و‬ ‫األدوات هي‪ :‬و‪/‬فـ‪/‬ثم‪ /‬باإلضافة إلى‪ :‬كذلك ‪/‬كما‬
‫فيه‬ ‫�ول ِ‬ ‫�اس َوال� � � � َق � � � ُ‬ ‫�ود ُي� � �س � � ُ‬ ‫َو ُوج � � � � � � ٌ‬ ‫أن‪ ...‬وغيرها‪.‬‬
‫ّ‬
‫�اء‬ ‫ُ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫م‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫احل‬‫ُ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ة‬ ‫ُ‬ ‫�ا‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ض‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�قُ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ُ‬
‫�ول‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ق‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬‫ي‬‫َ‬ ‫�ا‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫م‬ ‫ب‪ -‬أدوات ربط تساعد على تقدمي التصورات‬
‫اخل� ��ل‬ ‫َو ِب� � � �ن � � � ٌ�اء ِإل � � ��ى ِب� � �ن � ��اءٍ َي � � � � � � َو ُّد ُ‬ ‫التي تناقض الفكرة الرئيسة‪ ،‬أو تختلف معها بسبب‬
‫�اء‬ ‫�ال ُع� � � �م� � � � َر ُه َوال � � � َب � � �ق� � � ُ‬ ‫ُد َل � � ��و ن � � � � َ‬ ‫أن‪.‬‬ ‫مّ‬
‫بل‪/‬لكن‪/‬إنا‪ /‬رغم‪ /‬مع ّ‬ ‫أو آخر‪ ،‬وهذه مثل‪:‬‬
‫�وم حُت � � ِ�ي � ��ي ال� � � ِ�ب �ل ��ا َد َو ِب� �ن� �ت ��ا‬ ‫َو ُع� � � �ل � � � ٌ‬ ‫وقد كثر منها عند شوقي استعمال «إمنا» بهذه‬
‫�راء >‬ ‫�اد َوال � � ُ�ش� � � َع � � ُ‬ ‫ه� � ��و ُر ف� �خ�� ُ�ر ال� � ِ�ب�ل� ِ‬ ‫َ‬ ‫الداللة كما في قوله‪:‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪112‬‬

‫‪feb 108-112.indd 112‬‬ ‫‪12/29/14 8:53:59 AM‬‬


‫أدب‬

‫يم َي ِائ ٌّي‬


‫ْاب ُن ا ْل َف ِار ِض َب ِاك ًيا‪َ ...‬ت َع ُّق ٌب ِس ِ‬
‫ْصارِ ّي *‬
‫الن َ‬
‫حَ مِات أَوْس أْ َ‬
‫يستش ��رف اب ��ن الف ��ارض مس ��يرته الطويلة بط ��ول ديوانه ‪ -‬ال ��ذي رتبه بنفس ��ه وجعل أوله‬
‫العقد البالغي‬ ‫اليائية وثانيه الذالية ‪ -‬بتعميمات َرحبة جميلة تسوق رمز البكاء في بداية ِ‬
‫لرس ��م الصور املتعددة التي س ��يمر عليها ويلونها مع كل موضع جديد في قصيدة جديدة‪،‬‬
‫أكثر قصائده؛ ولذا سنرى كيف تختلف قصائده على الن َّْهل من‬ ‫وال َين َْسى أن مير عليها في ِ‬
‫هذا الرمز وظالله اجلانبية‪ ،‬و ُت َغ ِّير كل قصيدة منه قلي ًال حتى ينحرف انحراف ًا يس ��اعدها‬
‫املقدر لها‪.‬‬
‫على أداء دورها َّ‬

‫وهنا يَتَمث ُل احلزن على البعد والس� � ��لوان شك َل‬ ‫يشكل كل هذا التلون التبايُني بني الظالل‬
‫النج� � ��م الذي يَس� � ��قط في مغرب الش� � ��مس فيرمز‬ ‫املوحية واملعاني املتنامية توالداً سيميائياً‬
‫للنهاية والفناء‪ ،‬ويَخْ وِ ي َخ ّيا‪ ،‬كما يسبل احملب عينه‬ ‫لرمز البكاء بني كل هذه اآلفاق‪ ،‬به تتحول‬
‫دم ًعا وصمتًا لفراق ِح ِّبه‪:‬‬ ‫النظ� � ��رة إليه م� � ��رة بعد مرة‪ ،‬وتختفي إيح� � ��اءات وتُولَد‬
‫ُم� ْ�س� ِ�ب� اًًل� ِل� �ل� � َّن� � ْأ ِي َط � ْ�ر ًف ��ا َج� ��ا َد ِإ ْن‬ ‫أخرى‪ ،‬وكل منها خارج من َر ِح ِم س� � ��ابقتها في ش� � ��كل‬
‫ُ‬
‫َض� َّ�ن َن � ْو ُء ال� َّ�ط� ْ�ر ِف ِإ ْذ َي ْسقُ ط خَ ّْي‬ ‫بعضها من‬ ‫يب� � ��دو ملتأمله كفروع الش� � ��جرة املتخارج� � ��ة ِ‬
‫وال ش� � ��ك في أنها فرصة ذهبية ألي شاعر أن‬ ‫ال فيها‪:‬‬ ‫بعض‪ ،‬وبذا تبدأ التعميمات الرحبة قائ ً‬
‫يربط بني الع� �ي��ن في معانيه� � ��ا املختلفة في معجم‬ ‫�اق َج���ا َد َو ِل ُّي َها‬ ‫�ش� ِ‬ ‫ِه � َ�ي أَ ْد ُم � � ُ�ع ا ْل� ُ�ع� ّ َ‬
‫العربي� � ��ة‪ ،‬فينعت عين� � ��ه بعني املاء اجل� � ��اري تكثيراً‬ ‫�ود َه��ا أْ َ‬
‫ال ْل� � َوا َذا‬ ‫الْـــــــ َو ِادي َو َوا َل ��ى ُج� ُ‬
‫وتوقيع � � �اً‪ ،‬بوصفها مال ًذا بالغياً تنـ� � ��زاح فيه داللة‬ ‫ليزداد االقتراب بعدها من رمزية البكاء احلار‬
‫الكلمات املعجمية جتاه مكان يقيني معروف لغوياً؛‬ ‫ش� � ��ي ًئا فش� � ��ي ًئا‪ ،‬ومن املفيد أن نتذك� � ��ر أن كل ذلك‬
‫لتدلل على حالة افتراضي� � ��ة صوفية مجهولة عند‬ ‫السلُوك‪:‬‬ ‫محكوم بقاعدته األثيرة املذكورة في نَ ْظ ِم ُّ‬
‫األكثرين ممن لم يذق‪ ،‬يقول مشاك ً‬
‫ال‪:‬‬ ‫�ك َب ْع َضهُ‬ ‫َو ُع� � ْن� � َوانُ شَ � ْأ ِن��ي َم��ا أَ ُب��ثُّ � َ‬
‫َف � َه � ُب��وا َع � ْي � َن� َّ�ي َم ��ا أَ ْج� � � َدى ا ْل ُب َكا‬ ‫ت � َت��هُ ِإ ْظ� � َه ��ا ُر ُه َف� � ْوقَ ُق ْد َر ِتي‬ ‫َو َم ��ا حَ ْ‬
‫ْي� َم� ��اءِ َف� ْ�ه� َ�ي ِإ ْح� � � َدى ُم ْن َيت َّْي‬ ‫َع � نْ َ‬ ‫وكذلك قوله في الالمية املضمومة‪:‬‬
‫وحتت������اج ه������ذه الص������ورة املولدة لع���ي��ن املاء‬ ‫َو ُع� � ْن� � َوانُ َم��ا ِف�ي� َه��ا َل� ِ�ق�ي� ُ�ت َو َم ��ا ِب ِه‬
‫الفائضة إلى استمرارية تدعم موقفها التخيلي؛‬ ‫َص ْر ُت َو َل ْم أَغْ لُ‬ ‫اخت َ‬ ‫يت َو ِفي َق ْو ِلي ْ‬ ‫شَ ِق ُ‬

‫* ناقد وأكادميي من مصر‪.‬‬

‫‪113‬‬

‫‪feb 113-115.indd 113‬‬ ‫‪12/29/14 8:54:43 AM‬‬


‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪114‬‬

‫‪feb 113-115.indd 114‬‬ ‫‪12/29/14 8:54:48 AM‬‬


‫َو َل�� � ْو اَل ز َِف �ي� ِ�ري أَغْ � َر َق � ْت� ِ�ن� َ�ي أَ ْد ُم ِعي‬ ‫فنجده يزيد‪:‬‬
‫�وع��ي أَ ْح � َر َق � ْت� ِ�ن� َ�ي زَفْ َر ِتي‬ ‫َو َل � � ْو اَل ُد ُم� ِ‬ ‫أَ َب� � � ً�دا َت � ِ�س � ُّ�ح َو َم � ��ا َت � ِ�ش � ُّ�ح ُجفُ و ُنهُ‬
‫ومتتد االمتدادات الرابطة للنَّوح والبكاء إلى‬ ‫ل� � َف���ا أْ َ‬
‫ال ِح� � � َّب � � ِ�ة َو ِاب � �ًل � اً�� َو َر َذاذاَ‬ ‫جِ َ‬
‫الزفرات التي تصاحب البكاء احلار‪ ،‬والنش������يج‬ ‫وح ُسفُ و َح َم ْد َم ِعه َو َق ْد‬ ‫السفُ ُ‬ ‫َمن ََح ُّ‬
‫املتس������ارع؛ ليجس������ده صدي ًقا وف ًّيا في مستوى‬ ‫وج� ��ا َذا‬
‫�ام ِب�� ِ�ه َو َج�� ��ا َد َ‬ ‫َ‬
‫َب� ِ�خ��ل ا ْل� � َغ � َ�م � ُ‬
‫أعلى م������ن التجريد املعهود عن������د ابن الفارض‬ ‫ورمب������ا تطلَّب ه������ذا املوقف أن يس������ند فيه‬
‫حتى ال يصدم املتلقي به مرة واحدة‪ ،‬لكن يتركه‬ ‫فع������ل إجراء الدمع إلى س������فح اجلب������ل الذي هو‬
‫يتخيل حدوثه ثم يفاجئه به بشكل أوفى وأنصع‪،‬‬ ‫رم������ز اخلواء والقفْر‪ ،‬وفي������ه البعد والنأي عكس‬
‫يقول‪:‬‬ ‫البهجة واللقاء‪ ،‬رابطاً ذلك بأن عينه جتود كرماً‬
‫َن �أَ ْي��تُ � ْ�م َف� َغ� ْي� َر ال� َّ�د ْم� ِ�ع َل� ْ�م أَ َر َو ِاف ًيا‬ ‫بهذا الدم������ع في مقابل بخل الغم������ام‪ ،‬في حالة‬
‫ال َوى َتغْ ُلو‬ ‫ِس َوى زَفْ َر ٍة ِم ْن َح ِّر ن َِار جْ َ‬ ‫اجلفاف التي يشهدها البادي‪ ،‬وتضر احلضري؛‬
‫َف� ُ�س� ْ�ه� ِ�د َي َح� ٌّ�ي ِف��ي ُجفُ ِوني ُمخَ َّل ٌد‬ ‫ألن منابع احلياة جتف وال يجد الس������قيا والزرع‪،‬‬
‫َو َن ْو ِمي ِب َها َم ْي ٌت‪َ ،‬و َد ْم ِعي َلهُ ُغ ْس ُل‬ ‫فيجمع الصورة مع الصورة؛ فتلد ذلك املزيج بني‬
‫وهن� � ��ا تبدأ فكرة املي� � ��ت الذي يغس� � ��له الدمع‪،‬‬ ‫آالم الفراق‪ ،‬ولذائذ البث واإلفضاء‪.‬‬
‫فم� � ��رة كان النو َم كم� � ��ا هو في البيتني الس� � ��ابقني‪،‬‬ ‫ويزي������د الص������ورة تركيباً وجتري������داً في جعل‬
‫نفس ُه (البؤبؤ) هو‬ ‫العني ُ‬ ‫ِ‬ ‫ومرة أخرى يصي ُر إنس� � ��ا ُن‬ ‫املقل������ة الدامعة مقلت���ي��ن على األص������ل اخللقِ ِّي‬
‫امليت‪ ،‬وال ضير ألن التوليد السيميائي هذه املرة ال‬ ‫لإلنسان‪ ،‬ويتساءل عن احلد الذي يكفي جلريان‬
‫يتابع الفكرة الس� � ��ابقة‪ ,‬ولكن يرجع عنها خطوة أو‬ ‫الدموع‪ ،‬فإن غاي َة دمع الفراق انقطا ُع ُه بسعادة‬
‫خطوتني فيبدأ في فرع جديد يستمر منه التناسل‪،‬‬ ‫اللقاء والوصال‪:‬‬
‫ويُبقي هذه الفكرة الس� � ��ابقة منتعش� � ��ة وحدها في‬ ‫َل ْيتَ ِش ْع ِري َهلْ َكفَى َما َق ْد َج َرى؟‬
‫الطلْق بال نَ ْس� � ��ل‪ ،‬كفرع ش� � ��جرة يُ ْست ََظ ُّل به‪،‬‬ ‫الهواء َّ‬ ‫ُم��ذْ َج� َرى َما َق� ْ�د َكفَى ِم� ْ�ن ُمقْ َلت َّي‬
‫وإن لم يُر َج منه أن يلد غيره‪ ،‬يقول في هذه اخلطوة‬ ‫ليتابع نفسه في فكرة الغمام البخيل إلى فكرة‬
‫االرجتاعية السريعة في عملية التوليد السيميائي‬ ‫تناصا‬
‫ًّ‬ ‫تــــثُّله هو للغمام بعينه؛ ليخرج به الودق‬ ‫مَ َ‬
‫لتشاكالت رمز البكاء حتديداً في قصيدته التائية‬ ‫مع اآلية القرانية‪َ ...{ :‬ف َت� � َرى ا ْل َو ْدقَ َي ْخ ُر ُج ِم ْن‬
‫الصغرى‪:‬‬ ‫ِخلاَ ِل ِه ‪( }...‬سورة الروم‪ )48/‬فيقول‪:‬‬
‫َف َل ْم َي� َر َط� ْ�ر ِف��ي َب ْع َد َها َم��ا َي ُس ُّر ِني‬ ‫ت ُّل ِب َم ْد َم ِعي‬ ‫َف َما ا ْل � َو ْدقُ ِإ اَّل ِم ْن حَ َ‬
‫َف َن ْو ِمي َك ُص ْب ِحي َح ْي ُث َكان َْت َم َس َّر ِتي‬ ‫َو َم��ا ا ْل � َب� ْ�رقُ ِإ اَّل ِم� ْ�ن ت�ل� ُّ�ه� ِ�ب زَفْ َر ِتي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َو َق � ْ�د َسخَ ن َْت َع ْي ِني َع َل ْي َها َكأَ َّن َها‬ ‫وعل� � ��ى ذكر الودق وما يُنْ ِبتُ� � ��ه تتنامى الصورة‬
‫الد ْه ِر َق َّر ِت‬ ‫ِب َها َل ْم ت َُك ْن َي ْو ًما ِمنَ َّ‬ ‫إلى نزول الدموع من عينيه كاملاء من الس� � ��حاب‪،‬‬
‫�س��ا ُن � َه��ا َم � ْي� ٌ�ت َو َد ْم � ِ�ع � َ�ي ُغ ْس ُلهُ‬ ‫َف� ِ�إ ْن� َ‬ ‫مزاوجا ذلك بحرارة صدره‪ ،‬ولهيب فؤاده؛ قائ ً‬
‫ال‬ ‫ً‬
‫ض ُح ْزنًا ِلفُ ْر َق ِتي‬ ‫َوأكْ � َف��ا ُن��ه َما ا ْب َي َّ‬ ‫َ‬ ‫في ذلك‪:‬‬
‫َو ِليُتْبِ ������ َع ه������ذا التخــــيـــــي������ َل زيــــ������اد ًة فــــــ������ي‬ ‫�اب َع� ْ�ن َق َب ٍس‬ ‫يب َن� َ‬ ‫َف ِم ْن ُف � َؤ ِادي َل ِه ٌ‬
‫التفــصـــيل تصير األكف������ا ُن العمى الذي يصيب‬ ‫ي‬ ‫�اض َك ِّ‬
‫الد مَ ِ‬ ‫َو ِم� ْ�ن ُجفُ ِون َي َد ْم� ٌ�ع َف� َ‬
‫مدع ًم������ا بذلك فكرته‬ ‫ِّ‬ ‫الع���ي��ن من كثرة الب������كاء‪،‬‬ ‫األمر ال� � ��ذي يَ ُج ُّرهُ الس� � ��تحضار قصة تاريخية‬
‫ومتناصا‬
‫ًّ‬ ‫الرئيس������ة في ح������رارة بكائه وش������دته‪،‬‬ ‫قرآني� � ��ة للنبي ن� � ��وح ‪ ،‬وال يفوت� � ��ه – كعادته ‪-‬‬
‫بمِ َ ْش������ َب ٍه من المْ َ َشابِه مع بكاء سيدنا يعقوب على‬ ‫االقتراب التجنيس� � � ُّ�ي بني ال َّن � � � ْو ِح في عملية البكاء‪،‬‬
‫ابنه يوسف (عليهما الس���ل��ام) لفراقه‪ ،‬كما هو‬ ‫واس� � � ِ�م النبي «نُوح» واملاء ال� � ��ذي في قصته‪ ،‬ليصير‬
‫فراق األحباب‪ ،‬كما ورد ذكره في القرآن العظيم‪:‬‬ ‫النسيج املغزول شعر ًّيا للبكاء‪:‬‬
‫يم} (سورة‬ ‫الزْ ِن َف ُه َو َك ِظ ٌ‬ ‫{ َوا ْب َي َّض � ْ�ت َع ْينَا ُه ِمنَ حْ ُ‬ ‫ُوح ِع ْن َد َن ْو ِحي َكأَ ْد ُم ِعي‬ ‫َف ُطو َفانُ ن ٍ‬
‫يوسف‪> )84/‬‬ ‫َ‬
‫ال� ِ�ل �ي� ِ�ل َكل ْو َع ِتي‬ ‫َ‬ ‫�اد ِن �ي � َر ِان خْ‬ ‫َو ِإي� � َق � ُ‬
‫‪115‬‬
‫ا ْبنُ ا ْلف َِار ِض َب ِاك ًيا‪َ ...‬ت َعقُّ ٌب ِس ِ‬
‫يم َي ِائ ٌّي‬

‫‪feb 113-115.indd 115‬‬ ‫‪12/29/14 8:54:53 AM‬‬


‫طرائف عربية‬

‫ثالثون عام ًا‬

‫ظل شاعر مبقي ًا على زوجة نكدة اسمها ليلى ثالثني‬


‫عام� � ًا‪ .‬وظ ��ل يحتمله ��ا إل ��ى أن ض ��اق به ��ا ول ��م يعد‬
‫يستطيع االحتمال‪ ،‬فطلقها وقال هذه األبيات‪:‬‬
‫ً‬
‫حجة‬ ‫�رت ع �ل��ى ل�ي�ل��ى ث�لاث�ين‬ ‫ص �ب� ُ‬
‫وتصخب‬
‫ُ‬ ‫ا‬‫ً‬ ‫�رار‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫م‬ ‫�ى‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫�ي‬ ‫�‬ ‫ن‬ ‫�‬ ‫ب‬ ‫�ذ‬‫�‬ ‫ت �ع‬
‫تنمرت‬ ‫إذا ق�ل��ت‪ :‬ه��ذا ي��وم ت��رض��ى ّ‬
‫اخل �ل��ق ش ّي ُب‬ ‫وق��ال��ت‪ :‬ف�ق�ي��ر س�ي��ئ ُ‬
‫ً‬
‫حقبة‬ ‫�رء‬
‫يعسر امل � ُ‬ ‫ُ‬ ‫فقلت ل�ه��ا‪ :‬ق��د‬
‫لب‬ ‫التقّ ُ‬ ‫�ا‬ ‫�‬ ‫ه‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫�‬ ‫ف‬ ‫�ام‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫واأل‬ ‫وي� �ص� �ب � ُ�ر‬
‫ف� �ل � ّ�م ��ا رأي� � � ��ت أن � �ه� ��ا ِل� � � � َ�ي ش ��ان ��ئُ‬
‫ويغضب‬‫ُ‬ ‫تنكبتها واحل� � ُّ�ر ي�ح�م��ي‬
‫وط� �ل� �ق ��تُ � �ه ��ا‪ ،‬إن � ��ي رأي� � ��ت طالقها‬
‫مذهب‬ ‫ُ‬ ‫أحسن وفي األرض العريضة‬

‫َعرض‬
‫قال األعمش البنه‪ :‬اذهب فاش� � ��تر لنا حب ً‬
‫ال يكون‬
‫طوله ثالثني ذراعاً‪ ،‬فقال‪ :‬في عرض كم يا أبتي؟‬
‫قال‪ :‬في عرض مصيبتي فيك يا بني!‬
‫عقل‬
‫ق ��ال حري ��ش‪ُ :‬طلب رج ��ل لتول ��ي القضاء‪،‬‬ ‫جواب ُمسكت‬
‫فتج ��انَّ ‪ ،‬وحتام ��ق‪ ،‬ورك ��ب قصب ��ة‪ ،‬واتبع ��ه‬ ‫تكل ��م ش ��اب يوم� � ًا عن ��د الش ��عبي‪ ،‬فق ��ال‬
‫الصبيان‪ .‬فلقيه رجل فقال له‪ :‬ما قصتك‪:‬‬ ‫الش ��عبي‪ :‬ما س ��معنا بهذا‪ .‬فقال الشاب‪ُ :‬كلّ‬
‫ق ��ال‪ :‬إن ه ��ؤالء أرادون ��ي على ذه ��اب ديني‪،‬‬ ‫العلم س ��معت؟ قال‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬فشطره؟ قال‪:‬‬
‫فاخترت ذهاب عقلي‪ ...‬امض لسبيلك‪.‬‬ ‫ال‪ .‬ق ��ال‪ :‬فاجع ��ل ه ��ذا في الش ��طر الذي لم‬
‫تسمعه‪ ،‬ف ُأفحم الشعبي‪.‬‬
‫يسمع صوته‬
‫ش� � ��وهد ابن خلف الهمدان� � ��ي وهو يعدو في‬ ‫عطر الرجال‬
‫وسط داره عدواً شديداً‪ ،‬يقرأ بصوت عال‪،‬‬ ‫خطاط � � �اً ماهراً‪ ،‬وكان‬
‫كان أبوعل� � ��ي بن مقلة ّ‬
‫فس� � ��ئل عن ذلك‪ ،‬فق� � ��ال‪ :‬أردت أن أس� � ��مع‬ ‫يوماً يأكل فلما رفعت املائدة وغسل يديه رأى‬
‫صوتي من بعيد‪.‬‬ ‫على ثوبه نقطة صفراء من احللواء التي كان‬
‫يأكله� � ��ا‪ ،‬ففتح الدواة واس� � ��تمد منها ونقطها‬
‫شيخ وشيخه‬ ‫على الصفرة حتى لم يبق لها أثر‪ ،‬وقال‪ :‬ذلك‬
‫عتب وهذا أثر صناعة‪ ،‬ثم أنشد‪:‬‬
‫قال عثمان بن عاصم‪ :‬رأيت شيخ ًا بني الصفا‬ ‫إمنا الزعفران عطر العذاري‬
‫وامل ��روة عل ��ى ناقة‪ ،‬وش ��يخ ًا يق ��وده‪ ،‬واجتمع‬ ‫وم��داد ال��دوي عطر الرجال‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪116‬‬

‫‪feb 116-119.indd 116‬‬ ‫‪12/29/14 8:56:09 AM‬‬


‫شيئاً؟‬ ‫أصحاب احلديث عليه‪ ،‬فجعل الشيخ الذي‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ,‬آية واحدة‪.‬‬ ‫يقود الش ��يخ يقول‪ :‬يا معش ��ر الشباب‪ ،‬كفُّ وا‬
‫قيل له‪ :‬ما هي؟‬ ‫حتى نسل الش ��يخ‪ ،‬فقلت‪ :‬من هذا الراكب؟‬
‫قال‪« :‬قال لفتاهُ آتنا غداءنا» (الكهف‪)62 :‬‬ ‫قال ��وا‪ :‬هذا األوزاعي‪ ،‬قل ��ت‪ :‬فمن هذا الذي‬
‫فقيل له‪ :‬أحتفظ من الشعر بيتاً؟‬ ‫يقوده؟ قالوا‪ :‬سفيان الثوري‪.‬‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬بيتاً واحداً‬
‫قيل له‪ :‬ما هو؟‬ ‫ملوك ورهبان‬
‫قال‪:‬‬
‫نزوركم ال نُكافيكم بجفوتكم‬ ‫قدم عبدالله بن جعفر بن أبي طالب على معاوية‬
‫حمل ��ب إذا ل��م ُي ��زر زارا‪.‬‬
‫إنَّ ا َّ‬ ‫بالش� � ��ام‪ ،‬فأنزله في دار عياله‪ ،‬وأظهر من إكرامه‬
‫ما يس� � ��تحقه‪ ،‬فغاظ ذلك زوج معاوية‪ ،‬ثم سمعت‬
‫ميتة أبي خارجة‬ ‫ذات ليلة غناء عند عبدالله بن جعفر‪ ،‬فجاءت إلى‬
‫معاوي� � ��ة‪ ،‬وقالت‪ :‬هل َّم فاس� � ��مع ما في منزل الذي‬
‫كان األصمعي يطوف بالبيت احلرام‪ ،‬فشاهد‬ ‫جعلته من حلم� � ��ك ودمك‪ ،‬وأنزلت� � ��ه بني حرمك‪،‬‬
‫أعرابي� � ًا مُمس ��ك ًا بأس ��تار الكعبة وه ��و يقول‪:‬‬ ‫فجاء معاوية‪ ،‬فس� � ��مع شيئاً حركه وأطربه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫الله ��م أمتن ��ي ميت ��ة أب ��ي خارج ��ة! فس ��أله‬ ‫والله إني ألس� � ��مع ش� � ��يئاً تكاد اجلبال تخر له! ثم‬
‫األصمع ��ي‪ :‬وكي ��ف م ��ات أبوخارج ��ة؟ ق ��ال‬ ‫انص� � ��رف‪ ،‬فلما كان في آخر الليل س� � ��مع معاوية‬
‫�رب عصير عنب‪،‬‬ ‫األعراب ��ي‪ :‬أكل فامت�ل�أ‪ ،‬وش � َ‬ ‫قراءة عبدالله بن جعف� � ��ر‪ ،‬وهو قائم يصلي‪ ،‬فنبه‬
‫ونام في الشمس‪ ،‬فمات شبعان ر َّيان دفيان!‬ ‫زوج� � ��ه‪ ،‬وقال لها‪ :‬اس� � ��معي مكان ما أس� � ��معتني‪،‬‬
‫هؤالء قومي ملوك بالنهار‪ ،‬ورهبان بالليل‪.‬‬
‫قبل زمزم‬
‫فهم‬
‫شهد رجل غني عند أحد القضاة على رجل‬
‫آخ� � ��ر‪ ،‬فقال املش� � ��هود علي� � ��ه للقاضي‪ :‬أيها‬ ‫ق ��ال عبدالل ��ه ب ��ن مس ��لم‪ :‬دخ ��ل أبوعلقمة‬
‫القاضي ال تقبل ش� � ��هادة هذا الرجل فعنده‬ ‫النحوي على أَع�ي�ن الطبيب فقال له‪ :‬أمتع‬
‫عش� � ��رون ألف دينار ولم يحج إلى بيت الله‬ ‫الل ��ه بك‪ ،‬إني أكلت من حل ��وم هذه اجلوازل‬
‫احلرام‪ ،‬فقال الشاهد‪ :‬لقد حججت‪ ،‬فقال‬ ‫فطس ��أت طس ��أة فأصابني وجع من الوالبة‬
‫ل� � ��ه القاضي‪ :‬ص� � ��ف لنا بئر زم� � ��زم إن كنت‬ ‫إل ��ى ذات العن ��ق‪ ،‬فلم يزل يرب ��و وينمو حتى‬
‫صادقاً‪ ،‬فقال الشاهد‪ :‬لقد حججت قبل أن‬ ‫خال ��ط اخلل ��ب والشراس ��يف فه ��ل هن ��اك‬
‫يحفروها!‬ ‫دواء؟ فق ��ال أع�ي�ن‪ :‬خ ��ذ حرقف� � ًا وس ��لقف ًا‬
‫فزهرقه وزقزقه واغس ��له مباء روث واش ��ربه‪،‬‬
‫سؤال‬ ‫فقال أبوعلقمة‪ :‬لم أفهم عنك! فقال أعني‪:‬‬
‫أفهمتُ ك كما أفهمتني‪.‬‬
‫قدم إلى أبي احلازم القاضي سكران ليمتحنه‪،‬‬
‫فقال له‪ :‬من ربك؟ فقال السكران‪ :‬أصلحك‬ ‫ِحفظ طفيلي‬
‫الل ��ه‪ ،‬ليس هذا من مس ��ائل القضاة‪ ،‬إمنا هو‬
‫من مسائل ُمنكر ونكير! >‬ ‫ُس� � ��ئل بنان الطفيلي‪ :‬أحتفظ من كتاب الله‬

‫‪117‬‬

‫‪feb 116-119.indd 117‬‬ ‫‪12/29/14 8:56:12 AM‬‬


‫طرائف غربية‬

‫ولكن ��ه خ َّلصن ��ي أيض ًا م ��ن أخطائ ��ي‪ ...‬احلمد‬


‫لله‪ .‬فنحن نستطيع اآلن أن نبدأ من جديد بال‬
‫أخطاء!‬

‫تشرشل والكلب‬
‫كان السياس� � ��ي البريطاني ونستون تشرشل‬
‫مولع � � �اً بال� � ��كالب‪ ،‬وكان يقتني كلب � � �اً عزيزاً عليه‬
‫اس� � ��مه روفوس‪ ،‬ويح� � ��رص دائماً عل� � ��ى أن يكون‬
‫كلب� � ��ه أول من يلقاه كلما عاد من رحلة له بالقطار‬
‫داخ� � ��ل بريطانيا‪ ،‬وقد أص� � ��در تعليماته بإحضار‬
‫ونستون تشرشل‬
‫روف� � ��وس إلى احملطة ليكون في اس� � ��تقباله دائماً‬
‫عند وصوله‪.‬‬ ‫أديسون والفشل‬
‫وف� � ��ي أحد األيام نزل تشرش� � ��ل م� � ��ن القطار‬
‫ال� � ��ذي أقل� � ��ه إل� � ��ى محط� � ��ة لن� � ��دن‪ ،‬وكان يرافقه‬ ‫ف ��ي س ��نة ‪ 1914‬احترق ��ت معام ��ل توم ��اس‬
‫خادمه اخلاص واس� � ��مه نورم� � ��ان ماكجوان‪ ،‬وما‬ ‫أديس ��ون الضخم ��ة ف ��ي مدين ��ة نيوجرس ��ي‬
‫كاد املس� � ��تقبلون يرون تشرش� � ��ل يهبط من عربة‬ ‫األمريكي ��ة‪ ،‬ففق ��د ه ��ذا العالم الكبي ��ر في ليلة‬
‫القطار حتى أفلتوا روفوس من رباطه كما تقضي‬ ‫واح ��دة مع ��دات وآالت ُق ��در ثمنه ��ا بأكث ��ر م ��ن‬
‫تعليمات س� � ��يده لكي يسرع الس� � ��تقباله كالعادة‪،‬‬ ‫مليون ��ي دوالر‪ ،‬إل ��ى جان ��ب املعلوم ��ات العلمية‬
‫ولك� � ��ن ما كاد الكل� � ��ب يقترب من تشرش� � ��ل حتى‬ ‫املهمة التي قضى حياته كلها يبحث عنها‪.‬‬
‫جت� � ��اوزه وراح يقفز إلى خادمه نورمان‪ ،‬الذي كان‬ ‫وق ��د روى ابن ��ه تش ��ارلز قص ��ة تل ��ك الليل ��ة‬
‫يقف بجواره ويحمل حقيبة س� � ��يده‪ ،‬ويبصبص له‬ ‫الرهيب ��ة فق ��ال‪ :‬وقف ��ت أم ��ام ألس ��نة الدخ ��ان‬
‫بذيله ويلعق وجهه‪ ،‬واستبد الغيظ بتشرشل‪ ،‬كيف‬ ‫املتصاع ��دة أبحث عن أبي وس ��ط الن ��اس الذين‬
‫يتركه هو ويتج� � ��ه إلى خادمه بكل هذا الترحاب؟‬ ‫ازدحم ��وا ح ��ول مكان احلري ��ق‪ ،‬وأخي ��ر ًا وجدته‬
‫ولكنه كان يحب كلبه‪ ،‬فلم يش� � ��أ أن ينهره أو يفعل‬ ‫واقف� � ًا وح ��ده يتأم ��ل الني ��ران ف ��ي ه ��دوء وه ��ي‬
‫ش� � ��يئاً يغضبه‪ ،‬ولهذا التفت تشرشل إلى خادمه‬ ‫تلته ��م ثم ��رة ك ��ده وكفاح ��ه‪ ،‬وعنده ��ا فق ��ط‬
‫نورمان‪ ،‬وقال له بلهجة حازمة‪ :‬اسمع يا نورمان‪،‬‬ ‫وهدته‬‫أدرك ��ت أث ��ر الكارثة‪ ،‬لقد تقدم ب ��ه العمر َّ‬
‫أفضل لو أنك بقيت في القطار‬ ‫في املرة القادمة‪ِّ ،‬‬ ‫الش ��يخوخة‪ ...‬يا له ��ا من كارث ��ة‪ ،‬ووقعت عيناه‬
‫مختفياً إلى أن أنتهي أنا من استقبال أصدقائي!‬ ‫في قائ ًال‪ :‬أين أمك؟‬ ‫عل � َّ�ي أخيراً‪ ،‬فإذا به يصيح َّ‬
‫ناده ��ا بس ��رعة‪ ،‬فهي لن ترى منظ ��ر ًا كهذا طول‬
‫شرود جون ديوي‬ ‫حياتها!‬
‫كان الفيلس ��وف وعال ��م النف ��س األمريكي‬ ‫وفي صباح اليوم التالي جئنا جميع ًا ورحنا‬
‫الشهير جون ديوي يعاني شرود الذهن‪ ،‬لدرجة‬ ‫نس ��ير وس ��ط حطام وآمال وأحالم والدي الذي‬
‫أنه كان ينس ��ى حتى أقرب الن ��اس إليه‪ ،‬وحدث‬ ‫ج ��اوز عم ��ره وقتها ‪ 67‬س ��نة‪ ،‬وفج ��أة توقفنا عن‬
‫يوم ًا أن كان يس ��ير مع أحد أصدقائه األساتذة‬ ‫السير‪ ،‬وقال‪ :‬حقيقة هي كارثة‪ ،‬ولكنها ال تخلو‬
‫ف ��ي حديقة جامع ��ة كولومبيا الت ��ي كان يعمل‬ ‫م ��ن نف ��ع‪ ،‬فق ��د التهم احلري ��ق جه ��دي ومالي‪،‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪118‬‬

‫‪feb 116-119.indd 118‬‬ ‫‪12/29/14 8:56:21 AM‬‬


‫فيه ��ا أس ��تاذ ًا لعلم النفس‪ ،‬وعندم ��ا اقترب منه‬
‫صب ��ي صغي ��ر وطل ��ب من ��ه أن يعطي ��ه قطع ��ة‬
‫م ��ن النق ��ود‪ ،‬م ��د ديوي ي ��ده في جيب ��ه وأعطى‬
‫الصب ��ي قطع ��ة م ��ن ذات اخلمس ��ة والعش ��رين‬
‫س ��نت ًا‪ ،‬وانص ��رف الصب ��ي ولكنه عاد بع ��د قليل‬
‫يطل ��ب قطعة أخرى‪ ،‬فق ��دم له البروفيس ��ور ما‬
‫أراد‪ ،‬وهن ��ا التف ��ت ديوي إل ��ى صديقه الذي كان‬
‫يسير بجواره‪ ،‬وقال له‪ :‬مشكلة الصبية في هذه‬
‫املدينة أنهم يسألون كل من يلقونه أن يعطيهم‬
‫م ��ا ًال‪ ،‬أعتق ��د أن البي ��ت ه ��و املس ��ؤول األول عن‬
‫الرئيس الفرنسي األسبق‬ ‫سوء تربيتهم‪ ،‬هل رأيت هذين الصبيني اللذين‬
‫جورج بومبيدو‬ ‫أعطيتهما قطعتي النقود؟ فنظر الصديق إلى‬
‫ديوي في دهش ��ة‪ ،‬وقال‪ :‬صبيني؟ لقد كان صبي ًا‬
‫الرباط األزرق‬ ‫واحد ًا يا مس ��تر دي ��وي‪ ،‬وهو ابن ��ك! أال تعرفه؟‬
‫كان ملك فرنس ��ا لويس اخلامس عشر‬ ‫فنظ ��ر ديوي ف ��ي ذهول إلى الصب ��ي الذي وقف‬
‫يجاه ��ر عالني ��ة بنف ��وره م ��ن امل ��رأة‪ ،‬ف ��كان‬ ‫بج ��واره ي ��أكل اآليس كرمي‪ ،‬وق ��ال‪ :‬هذا صحيح‬
‫ي ��رى أنه ليس ��ت هن ��اك امرأة تس ��تطيع أن‬ ‫إنه ابني الصغير توم!‬
‫تص ��ل إل ��ى القم ��ة ف ��ي أي فن م ��ن الفنون‬
‫وأغ ��اظ ه ��ذا صديقت ��ه م ��دام دي ب ��اري‪،‬‬ ‫احلرية واملرأة‬
‫فق ��ررت أن تفع ��ل ش ��يئ ًا تثبت ل ��ه به خطأ‬ ‫نش�� ��أت بني الرئيس الفرنس�� ��ي جورج بومبيدو‬
‫نظريت ��ه‪ ،‬فدع ��ت املل ��ك إل ��ى مأدبة عش ��اء‬ ‫وب��ي��ن الرئيس الس�� ��نغالي ليوبولد س�� ��نجور عالقة‬
‫فاخ ��رة‪ ،‬حفل ��ت مبا لذ وط ��اب‪ ،‬وجاء امللك‬ ‫زمال�� ��ة وصداق�� ��ة‪ ،‬عندم�� ��ا كان س�� ��نجور طالب� � �اً‬
‫وجل ��س ي ��أكل وهو يتل ��ذذ ب ��كل صنف من‬ ‫يتلق�� ��ى العل�� ��م في باري�� ��س منذ أكثر من ‪ 70‬س�� ��نة‬
‫أصن ��اف الطعام الت ��ي قدمت إلي ��ه‪ ،‬ثم لم‬ ‫مض�� ��ت‪ ،‬وف�� ��ي أحد األي�� ��ام اتف�� ��ق الصديقان على‬
‫ميل ��ك ف ��ي النهاية إال أن يس ��أل مضيفته‪:‬‬ ‫زي�� ��ارة متح�� ��ف اللوفر ف�� ��ي باريس‪ ،‬ووقف�� ��ا طوي ً‬
‫ال‬
‫م ��ن ه ��ذا الطب ��اخ املاه ��ر ال ��ذي صن ��ع كل‬ ‫يتأمالن لوحة حديثة لفنان ناش�� ��ئ‪ ،‬وكانت اللوحة‬
‫ه ��ذه األطعمة الش ��هية؟ وهن ��ا قالت مدام‬ ‫متثل امرأة كبلت السالس�� ��ل احلديدية معصميها‪،‬‬
‫دي ب ��اري‪ ،‬وه ��ي تبتس ��م ابتس ��امة النصر‪:‬‬ ‫ولكــنه�� ��ا كـــان�� ��ت سالس�� ��ل مــحــطــم�� ��ة وممزق�� ��ة‪،‬‬
‫إنه ليس بطاه يا موالي‪ ،‬وإمنا هي طاهية‪,‬‬ ‫إنها احلرية كم�� ��ا صورها صاحب اللوحة‪ ،‬وفجأت‬
‫وهذه الطاهية هي أنا‪ ،‬ولن أرضى بأقل من‬ ‫ال‪ :‬أليس‬ ‫التفت س�� ��نجور إلى صديقه‪ ،‬وقال متسائ ً‬
‫«الرباط األزرق» جائزة لهذا التقدير‪.‬‬ ‫غريباً أن يختار الفنان�� ��ون املرأة في كل عمل يرمز‬
‫وأسقط في يد امللك فقد أحس بهزميته‬ ‫إلى احلرية؟‬
‫أمام هذه املرأة‪ ،‬ولم يجد مفر ًا من أن يخلع‬ ‫فق�� ��ال بومبي�� ��دو‪ :‬رمبا كان هذا ألنها عاش�� ��ت‬
‫عليها هذا الوس ��ام‪ ،‬ومن هنا اقترن الرباط‬ ‫حياتها كلها مغلوبة على أمرها منذ أن كانت هناك‬
‫األزرق مبهارة الطابخني والطابخات‪.‬‬ ‫حياة على هذه األرض‪.‬‬

‫‪119‬‬

‫‪feb 116-119.indd 119‬‬ ‫‪12/29/14 8:56:28 AM‬‬


‫شخصيات‬

‫مدني صالح‪...‬‬
‫بني األدب والفلسفة‬
‫د‪ .‬قيس كاظم اجلنابي *‬

‫ولد مدني صالح في هيت من محافظة األنبار سنة ‪1932‬م‪ ,‬وحصل على شهادة املاجستير في‬
‫الفلس ��فة من جامعة كامبردج بإجنلترا‪ ,‬ورفض أن يناقش رس ��الته للدكتوراه على الطريقة‬
‫التقليدية‪ُ ،‬ع نِّي أستاذ ًا في قسم الفلسفة بكلية اآلداب ‪ -‬جامعة بغداد‪ ,‬كتب الشعر والقصة‬
‫واملقال ��ة األدبي ��ة بأس ��لوب انتقادي س ��اخر‪ ،‬وم ��زج بني التص ��ور الواقعي لألش ��ياء والتحليل‬
‫الفلس ��في لها‪ ،‬جريء في كتاباته‪ ،‬لذا أحبه اجلمهور‪ ,‬بـدأ النش ��ر منذ اخلمسينيات‪ ،‬فأصدر‬
‫عام ‪1955‬م كتاب ًا بعنوان «الوجود»‪ ،‬وهـو بحـث في الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬وبحث ًا عام ‪1956‬م َّ‬
‫ضم‬
‫حكايات شعبية ونقدات اجتماعية عنوانه «أشكال وألوان»‪.‬‬

‫– بحث نقدي وحتقيق ودراس� � ��ة» في عام ‪1979‬م‪،‬‬ ‫مدن� � ��ي صالح له ف� � ��ي مي� � ��دان األدب‪:‬‬
‫و«التربيع والتدوير ‪ -‬نظرية ومنهج وتطبيق»‪ ،‬صدر‬ ‫«الفيلس� � ��وفة رب� � ��اب»‪ ،‬وه� � ��ي قص� � ��ص‬
‫في ع� � ��ام ‪1985‬م‪ ,‬و«ه� � ��ذا هو الفاراب� � ��ي ‪ -‬مدخل‬ ‫لألطف� � ��ال ص� � ��درت في ع� � ��ام ‪1985‬م‪,‬‬
‫ومتهي� � ��د»‪ ،‬صدر في ع� � ��ام ‪1980‬م‪ ,‬و«الفارابي من‬ ‫و«مقامات مدني صالح»‪ ،‬صدرت في عام ‪1989‬م‪.‬‬
‫أس� � ��س امليتافيزياء إلى احلتمية السببية» (بحث)‪.‬‬ ‫وفي ميدان النقد له‪« :‬هذا هو السياب»‪ ،‬صدر عام‬
‫توفي مدني صالح ف� � ��ي ‪2007 /7 /19‬م‪ ،‬فانطوت‬ ‫‪1989‬م‪ ,‬و«هذا هو البياتي»‪ ،‬صدر عام ‪1986‬م‪« ,‬هذا‬
‫صفح� � ��ة خالدة من حياة كات� � ��ب مقالي أدبي متميز‬ ‫هو بلند احليدري»‪ .‬وفي ميدان الفلس� � ��فة له‪« :‬ابن‬
‫وناقد فيلسوف ٍثر‪.‬‬ ‫طفي� � ��ل‪ ...‬قضايا ومواقف»‪ ،‬صدر في عام ‪1986‬م‪,‬‬
‫لقد حاكى مدني صالح اجلاحظ في اجلدل‬ ‫و«ابن طفيل وقصة حي بن يقظان ‪ -‬نظرية ومنهج‬
‫واملناك� � ��دة وإثارة األس� � ��ئلة لغ� � ��رض الوصول إلى‬ ‫وتطبيق»‪ ،‬صدر في ع� � ��ام ‪1989‬م‪ ,‬و«مع ابن طفيل‬

‫* كاتب من العراق‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪120‬‬

‫‪feb 120-122.indd 120‬‬ ‫‪12/29/14 8:57:18 AM‬‬


‫ف� � ��ي هذا التضليل‪ ,‬فراح ينب� � ��ش في خفايا حياة‬ ‫أجوبة فكرية ذات عمق فلس� � ��في‪ ،‬مع أنها تتخذ‬
‫اجلاحظ‪ ،‬وبناء ش� � ��خصيته من الناحية النفسية‬ ‫أسلوب األدب‪ ،‬أو الرسالة األدبية ردا ًء لها‪ ،‬وهذا‬
‫التي تبنت الصراع‪ ،‬واتخذت من شخصية أحمد‬ ‫يعني أن اخلالف الواضح بني األس� � ��لوب واملعنى‬
‫بن عبدالوهاب وس� � ��يلة إلث� � ��ارة اجلدل‪ ،‬فرأى أن‬ ‫يحيط به (الكاتب)‪ ،‬وأن الظاهر يش� � ��ي بجزء من‬
‫حي� � ��اة اليتم والع� � ��وز كانا س� � ��بباً ملناكدته‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫الباط� � ��ن‪ ،‬وال يفصح عنه متام � � �اً‪ ،‬فاجلاحظ في‬
‫«وكُن اجلاحظ‪ ،‬ضع نفسك موضعه وقف موقفاً‬ ‫رس� � ��الة «التربيع والتدوير» يقول‪« :‬وكيف يعرف‬
‫في الكب� � ��ر من كبار يلعبون وميرحون ويش� � ��ربون‬ ‫الفصل م� � ��ن يجهل الفصل‪ ،‬وكيف يعرف احلدود‬
‫ويطربون‪ ،‬والصاحلية س� � ��كرانة بأش� � ��عار أحمد‬ ‫من لم يسمع الفصول‪ ،‬بل كيف يعرف احلجة من‬
‫ب� � ��ن عبدالوهاب وتغنيها في أجل مجالس العراق‬ ‫الشبهة‪ ،‬والغدر من احليلة‪ ،‬والواجب من املمكن‪،‬‬
‫قدراً وأعالها منزلة وأكثرها بذخاً وترفاً وتلويناً‬ ‫والفع� � ��ل من املوس� � ��وم واحملال م� � ��ن الصحيح؟»‪،‬‬
‫لألنس واملؤانس� � ��ة واملباهج واللذائذ واألفراح‪...‬‬ ‫ما يعني أن أس� � ��لوب أبي عثمان أس� � ��لوب مضلل‪،‬‬
‫أال حتس� � ��دهم وأرزاق� � ��ك ال جتري إال ش� � ��حيحة‬ ‫وشخصيته مضللة‪ ،‬وقد انساق مدني صالح معه‬
‫‪121‬‬
‫مدني صالح‪ ...‬بني األدب والفلسفة‬

‫‪feb 120-122.indd 121‬‬ ‫‪12/29/14 8:57:23 AM‬‬


‫اجلاح� � ��ظ في حس� � ��ده‬ ‫بـــــــش� � ��ق األنــــــف� � ��س‬
‫ألحمد بن عبدالوهاب‪،‬‬ ‫م� � ��ن ش� � ��ق القصبة‬
‫وسخريته منه فحسده‬ ‫والقرطاس؟»‪.‬‬
‫فغمط حقه‪ ،‬ولم يجعله‬ ‫فمدن� � ��ي صال� � ��ح‬
‫رائداً مبتك� � ��راً في هذا‬ ‫يرى لتضخ� � ��م نزعة‬
‫الف� � ��ن الس� � ��ردي‪ ،‬وهو‬ ‫احلسد لدى اجلاحظ‬
‫الذي ص� � ��رح بأنه «هنا‬ ‫سبباً نفسياً‪ ،‬إلظهار‬
‫للدف� � ��اع ع� � ��ن أحمد بن‬ ‫هذه احملاس� � ��دة التي‬
‫عبدالوهاب ضد أذكى‬ ‫حتول� � ��ت إل� � ��ى ش� � ��به‬
‫أدباء العرب جميعاً ال نس� � ��تثني م� � ��ن هؤالء األدباء‬ ‫عداوة‪ ،‬واملالحظ أن اجلاحظ في رسالته «التربيع‬
‫أحداً في كل تاريخ الثقافة العربية»‪.‬‬ ‫والتدوي� � ��ر» يناك� � ��د أحمد ب� � ��ن عبدالوهاب ويفضل‬
‫إذن‪ ،‬جدال اجلاحظ وس� � ��خطه على أحمد بن‬ ‫جل مناكداته‬ ‫صب َّ‬‫عليه إبراهيم بن الس� � ��ندي‪ ،‬ث� � ��م َّ‬
‫عبدالوهاب‪ ،‬يوازيه جدال وسخط من مدني صالح‬ ‫علي� � ��ه‪ ،‬متحدثاً عن� � ��ه بضمير املخاط� � ��ب (أنت) أو‬
‫عل� � ��ى اجلاحظ‪ ،‬متبرعاً في الدف� � ��اع عن أحمد بن‬ ‫بضمي� � ��ر الغيبة (هو)‪ ،‬لذا بق� � ��ي حضور أحمد ابن‬
‫عبدالوهاب‪ ،‬وهو يتبنى منهج السفسطة أو التمويه‪،‬‬ ‫عبدالوهاب مركزياً‪ ،‬وبالذات في هذه الرس� � ��الة‪...‬‬
‫الذي يعني «األخ� � ��ذ باألقاويل اللفظية اخلالية من‬ ‫من هن� � ��ا رأى مدني صالح ف� � ��ي اجلاحظ أنه أمير‬
‫اجلد والرصان� � ��ة‪ ،‬ومتويه احلقائق‪ ...‬بقصد خداع‬ ‫هجاء وأحق� � ��اد وبي� � ��ان‪ ،‬وأنه اتخذ من ش� � ��خصية‬
‫اخلصم وإسكاته»‪.‬‬ ‫أحمد بن عبدالوهاب رمزاً داالً على اجلهل والعناد‬
‫وهو ما اتبعه الطرفان اجلاحظ ومدني صالح‪،‬‬ ‫واملماراة‪ ،‬ألنه لم يش� � ��نه مبا يشني الرجال‪ ،‬وإن كل‬
‫لذا استخدم األخير أسلوباً سردياً ساخراً مشحوناً‬ ‫كت� � ��اب «التربيع والتدوير» برأي� � ��ه‪« :‬ليس فيه ما قد‬
‫بطاق� � ��ة عالي� � ��ة م� � ��ن املماحكة في ال� � ��كالم‪ ،‬قصده‬ ‫يس� � ��يء إلى أحمد بن عبدالوهاب بأي من مقاييس‬
‫اإلقناع‪ ،‬وتس� � ��فيه عقلية اجلاح� � ��ظ‪ ،‬ونزوعها نحو‬ ‫الثــقافة واألخالق واحلضارة واألدب»‪.‬‬
‫احلسد‪ ،‬وليس نحو النقد األدبي الالذع‪ ،‬من خالل‬ ‫وهذه حملة ذكي� � ��ة قادرة على اكتش� � ��اف املعنى‬
‫استخدام أس� � ��لوب املقالة الــساخـــرة‪ ،‬وهي مقــــالة‬ ‫اخلفي‪ ،‬الذي يش� � ��تغل عليه اجلاح� � ��ظ‪ ،‬ألنه كاتب‬
‫نثــــري� � ��ة محكــــمة النس� � ��ج‪ ,‬بليغة األلف� � ��اظ‪ ،‬عبقة‬ ‫مضل� � ��ل قادر عل� � ��ى إيهامنا باحلقيق� � ��ة أو بغيرها‪،‬‬
‫املعان� � ��ي‪ ،‬لها امتداد واضح إل� � ��ى ما وراء ذلك‪ ،‬ألنه‬ ‫حسب ما يسوقه من مقوالت اجلدل واملماحكة‪.‬‬
‫يعول على ما خفي وبع� � ��د مرماه‪ ،‬وال يعول على ما‬ ‫ويرى مدني صالح في اجلاحظ كاتباً س� � ��اخراً‬
‫ظهر منه واستبان‪.‬‬ ‫صر قامة أحمد بن عبدالوهاب‬ ‫متهكماً‪ ,‬يتخذ من قِ َ‬
‫ي� � ��رى مدني صال� � ��ح أن الفاراب� � ��ي واقعي نقدي‪،‬‬ ‫ً‬
‫وسيلة إلشاعة روح التندر‪ ،‬وألنه اتخذه رمزا للعناد‬
‫وعلم� � ��ي تبريري بتعليق� � ��ه أهمية كبي� � ��رة على الظن‬ ‫ص� � ��ر القامة واس� � ��تفاضة‬ ‫وللم� � ��راء ولالدع� � ��اء‪ ,‬وقِ َ‬
‫والوهم‪ ،‬في وهم املظان وظن املتوهم حني يحس� � ��ب‬ ‫اخلاصرة واجله� � ��ل والتظاه� � ��ر باملعرفة واحلكمة‪،‬‬
‫الظ� � ��ان احلوادث املرافقة اتفاقاً للظاهرة س� � ��بباً لها‬ ‫وأنه لم يكن رمزاً اعتباطياً‪ ،‬وأنه لم يوفق في ذلك‪،‬‬
‫م� � ��ن جهة األخذ مبعطي� � ��ات احل� � ��س والعقل‪ ،‬ضمن‬ ‫لكون� � ��ه ال ميتلك قوة الرمز األدب� � ��ي ال تاريخياً وال‬
‫حدود الواقعية الس� � ��اذجة حني ظاهر احلس وظاهر‬ ‫طبيعياً وال اعتباطياً‪ .‬وإن كان صاحب جدل وحوار‪،‬‬
‫العقل‪ .‬وهو يؤكد ضرورة دميومة فعل الس� � ��بب األول‬ ‫يُكثر من طرح األس� � ��ئلة‪ ،‬وال يج� � ��د األجوبة املقنعة‬
‫ف� � ��ي حفظ إدامة الوجود من� � ��ذ األزل‪ ,‬حتى األبد بال‬ ‫عنها‪ ،‬ثم يتوقف ف� � ��ي نهاية تتبعه له‪ ،‬فيقول‪« :‬أجل‬
‫انفكاك‪ ،‬مؤيداً تأكده هذا باألدلة والبراهني املوطدة‬ ‫إنك تس� � ��تطيع أن تُعجز الدنيا كلها مبليون س� � ��ؤال‬
‫ألس� � ��س تالزم احلتمية الس� � ��ببية‪ ،‬وحتمي� � ��ة الوجود‬ ‫وال يك� � ��ون عليهم من هذا العج� � ��ز جهل‪ ...‬وإال فما‬
‫تالزم � � �اً ضرورياً‪ ،‬ف� �ل��ا انفكاك دوام إدامة الس� � ��بب‬ ‫عليك من جهل ما ال حتتاج إلى أن تعرفه أنت أو أن‬
‫لوجود املوجودات ودوام فعله في نفي العدم عنها >‬ ‫يعرف� � ��ه أحد»‪ .‬واحلقيقة أن مدني صالح قد جارى‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪122‬‬

‫‪feb 120-122.indd 122‬‬ ‫‪12/29/14 8:57:34 AM‬‬


‫أدب رحلة‬

‫فر‬
‫الس ِ‬
‫صحيفةُ َّ‬
‫عنف الغربة ومتعةُ املعرفة‬
‫ُ‬
‫محمد صابر عبيد *‬

‫يتكدس في‬ ‫(صحيفة الس ��فر) على معن ��ى عميق ّ‬ ‫ُ‬ ‫اإلجرائي‬
‫ّ‬ ‫أن ينفت � َ�ح ه ��ذا العنوانُ‬
‫ينبغ ��ي ْ‬
‫�واز ه ��و «جتربة الس ��فر»‪ ،‬إذ تتج ّل ��ى الداللة على أوس ��ع فضاء ممك ��ن أو محتمل‪،‬‬ ‫عن ��وان م � ٍ‬
‫تتحرك فيه مفردة «جتربة» في س ��ياق تفجير كلّ الطاقة املفهومية واحلمولة ّ‬
‫الس ��يميائية‬
‫ٌ‬
‫وطويل يش ��تغل أفقي� � ًا وعمودي ًا بال حدود تقريب ًا‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫عريض‬ ‫مفهوم‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫فالتجربة‬ ‫الت ��ي حتتملها‪،‬‬
‫�راء ال تقت ��رن بالقصدية اقتران ًا يس ��بق الفعل‪ ،‬بل‬‫والتجرب ��ة الت ��ي نقترحه ��ا مفهوم ًا وإج � ً‬
‫يترش ��ح عن الالقصدية أحيان ًا حني يتمكّ ن الفعل من بلوغ درجة املغامرة املنتجة في مرآة‬
‫مالصق على نحو ما ملفهوم التجربة‪ ،‬وكأنّ التجربة ال‬ ‫ٌ‬ ‫التحصيل‪ ،‬ويبدو أنّ مفهوم املغامرة‬
‫أي‬
‫أي طبق ��ة من طبقاتها‪ ،‬أو ّ‬ ‫تس ��تقيم مفهومي� � ًا م ��ن دون احتوائها على نطفة مغامرة في ّ‬
‫حلقة من حلقاتها‪.‬‬

‫وتــجدد روح وتغيير مصــير وفهم آخر‬ ‫ّ‬ ‫معرفــــ������ة‬ ‫ح���ي��ن تضاف مف������ردة «التجربة» إلى‬
‫لألشياء‪.‬‬ ‫تتوجه بكل ّيتـــها‬
‫ّ‬ ‫مفردة «السفر»‪ ،‬فإ ّنها‬
‫رؤيوي‬
‫ّ‬ ‫توازي «جتــربة الس������ــــفر» في سياق‬ ‫إلى بيت الس������فر ومحت������واه‪ ،‬ومفردة‬
‫من س������ياقاتها «س������يرة املس������افر»‪ ،‬إذ هو يؤ ّلف‬ ‫«الس������فر» مفردة هائلة في كثافته������ا وحيويتها‬
‫س������ير ًة جديد ًة ل������ه في باطـــ������ن التجــــربة وعلى‬ ‫واتساعها وتعددها وشموليتها‪ ،‬ليس لها حدود‬
‫حدودها وف������ي ظالله������ا‪ ،‬ميتــــح������ ُن جتــــلّياتها‬ ‫الداللة‪ ،‬وليس لها سقوف في رؤية‬ ‫على صعيد ّ‬
‫ويحضها على مزيد من الثراء‬ ‫ّ‬ ‫ويختبر طاقاتها‬ ‫وضد اإلقامة‪ ،‬حركة‬ ‫ّ‬ ‫املعنى‪ ،‬السفر نقيض املكوث‬
‫والتطلّ������ع والكــس������ب‪ ،‬في الس������بيل نحو تكثيف‬ ‫ج ّوابة في املكان والزمان واإلنسان‪ ،‬في الواقع‬
‫س������يرته الس������فر ّية املس������افرة‪ ،‬وهي تتش ّكل من‬ ‫والظن‪ ،‬حركة مفتوحة في‬ ‫ّ‬ ‫واخليال‪ ،‬في الرؤية‬
‫اللحظة والبره������ة واللقطة واملوقف واملش������هد‬ ‫مظهر ّي������ة اخلارج وحركة عميـــق������ة فــي باطن ّية‬
‫والرؤي������ة واملالحظ������ة‪ ،‬حني تدنو من األش������ياء‬ ‫وتوغــ ٌل طائ ٌل‬
‫ّ‬ ‫الداخل‪ ،‬حت ّو ٌل متع ّم ٌد في الثبات‪،‬‬
‫وحيـــن تبـــتعد‪ ،‬حني ترغب في األش������ياء وحني‬ ‫في ظلمة كابس������ة‪ ،‬بحثاً عن أمل الضوء الكامن‬
‫ترغ������ب عنه������ا‪ ،‬لتمت������ز َج التـــجرب ُة بالــــس������يرة‬ ‫في مكان ما من س������طح احملسوس������ات وطيف‬
‫امـــــتـــزا َج معرفة ويقني وسلطة وحنني‪ ،‬ويتوازى‬ ‫بكل ما يزخر به ذلك من حتصــــيل‬ ‫املهموسات‪ّ ،‬‬
‫* ناقد وأكادميي من العراق‪.‬‬

‫‪123‬‬

‫‪feb 123-126.indd 123‬‬ ‫‪12/29/14 9:00:39 AM‬‬


‫احتمال������ه‪ ،‬فقال له بك ّل بس������اطة وبرود ال حتزن يا‬ ‫الس������فر مع املســــافر موازاةَ داللة ومعنى وقيمة‬
‫صديقي‪« :‬كلّها ‪ 25‬س������نة غربة س������تم ّر عليك مثل‬ ‫وأفق‪.‬‬
‫البرق ث ّم تتعود»‪.‬‬
‫االختياري سف ُر متعة وكشف واكتشاف‬ ‫ّ‬ ‫السف ُر‬ ‫جتارب إنسانية‬
‫االضطراري س������ف ُر قهر‬
‫ّ‬ ‫وتعلّ������م وخبرة‪ ،‬والس������ف ُر‬ ‫الرح���ل��ات القدمية مع م������ا كانت حتفــــل به‬
‫وعذاب ومعاناة وقسوة‪ ،‬السف ُر القصي ُر سف ُر سرعة‬ ‫من صعوبات ج ّمة يتــــعلّق معظمــــها ببطء حركة‬
‫والتقاط واختزال واستغالل مطلق للزمن‪ ،‬والسف ُر‬ ‫وسائل الس������فر واملفاجآت غير السا ّرة التي قد‬
‫الطوي ُل س������ف ُر تأ ّمل و ُدربة وتحَ ّر ومعرفة ومعايشة‬ ‫حتصل في مس������احة الزمن الطــــويلة املضنية‪،‬‬
‫واختبار للسلوك والرؤية واملخ ّيلة والنظر واألخالق‬ ‫يسطرون جتاربهم الرحل ّية‬ ‫ّ‬ ‫الرحالة وهــــم‬
‫ّ‬ ‫إلاّ ّ‬
‫أن‬
‫واالضطراري‪،‬‬
‫ّ‬ ‫االختياري‬
‫ّ‬ ‫والثقافة والعالقات‪ ،‬وبني‬ ‫في س������يرهم يكش������فون عن خص������ب خلاّ ب في‬
‫وبني الطويل والقصير‪ ،‬يتقلّ ُب املس������اف ُر ناظراً إلى‬ ‫صناعة جتارب إنس������انية ثــــقافية ال ميــــكن أن‬
‫ميد بص َرهُ‬ ‫الس������ماء م ّر ًة‪ ،‬وإلى األرض م������ ّر ًة ثاني ًة‪ّ ،‬‬ ‫تتك ّرر‪ ،‬ال يحصل بالتأكيد مع الس������فر احلديث‬
‫منتهى بوسعه أ ْن يُطمئ َن‬ ‫ً‬ ‫مبحراً في املدى فال يج ُد‬ ‫بوس������ائله الفائقة الرفاهـــية والراحة وس������رعة‬
‫الرو َح امللتاع َة الباحث َة عن مصير‪.‬‬ ‫الرحالة‬
‫ّ‬ ‫بلوغ الهدف‪ ،‬فالزمن الذي كان يقطعه‬
‫إذا كان������ت اإلقام������ ُة له������ا معن������ى‪ ،‬واملك������وثُ له‬ ‫القدم������اء ف������ي أش������هر طويلة ال يس������تغرق اآلن‬
‫فإن معنى‬ ‫معنى آخ������ر‪ ،‬واملرو ُر له معنى مختل������ف‪ّ ،‬‬ ‫بالطائ������رات احلديثة س������وى س������اعات‪ ،‬وهو ما‬
‫الس������فر مغاي ٌر‪ ،‬ولهذا املعنى س������يرةٌ مغايرةٌ وفضاءٌ‬ ‫غ ّير مفهوم الس������فر والرحلة والتــــجربة تغـــييراً‬
‫مغاي������ ٌر وحكم ٌة مغاي������رةٌ‪ ،‬ففي جوف ه������ذا املعنى‬ ‫عميقاً رمبا ال يدركه س������وى من َخب َر منطاً من‬
‫واملقاهي واملطاع َم‬
‫َ‬ ‫يغ ّير املس������اف ُر الفناد َق والشق َق‬ ‫أمناط السفر القدمي على نحو ما‪.‬‬
‫واألرصف َة واملتاهات ويس������تقبل املصادفات حل ُوها‬
‫������ب متقلّباً في‬
‫وم ّره������ا‪ ،‬ويدخ������ل في جت������ارب احل ّ‬ ‫ٌ‬
‫وغربة‬ ‫ٌ‬
‫استكشاف‬ ‫السفر‪...‬‬
‫ُ‬
‫وملذاته‪ ،‬ويتع ّرف إلى النساء مثلما‬ ‫ّ‬ ‫أشكاله وظروفه‬ ‫اس������تثمر الرحال������ة واملستش������رقون بطء حركة‬
‫يتع ّرف إلى املدن‪ ،‬ويتق ّبل الغربة على نحو من أنحاء‬ ‫الس������فر وطول املس������افة على األرض واالنتقال من‬
‫مزاجه بعد أن تتغ ّير الكثي ُر من قناعاته في األشياء‬ ‫بل������د إلى بلد وم������ن مدينة إلى مدينة كي يش������تغلوا‬
‫وتكتسب أخالقياته وعالقاته ورؤياته بُعداً جديداً‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫عل������ى أهدافهم الكولونيالية والثقافية في دراس������ة‬
‫بياض الغيوم ويجتاز‬ ‫َ‬ ‫يخوض غما َر البحار ويختر ُق‬ ‫ُ‬ ‫العربي‬
‫ّ‬ ‫الشعوب‪ ،‬وغالباً ما يكون الشرق (والشرق‬
‫طبقات اليابس������ة‪ ،‬يفقد معنى ويكتسب معنى آخر‪،‬‬ ‫على نحو خاص) هو وجهتهم في ذلك‪ ،‬ومنه اكتسبوا‬
‫يخسر قناعة ويؤ ّلف أخرى‪ ،‬يهجر أصدقاء وأح ّباء‬ ‫الصفة االصطالحية الشهيرة (املستشرقون)‪ ،‬وقد‬
‫ويتطلّع نحو آخرين في بهجة أخرى وحزن آخر‪.‬‬ ‫ظلّ ْت مالزم ًة لهم ف������ي مد ّونة الفكر احلديث‪ ،‬بك ّل‬
‫أش������كا ُل املدن حني مي ّر املس������اف ُر به������ا حاوية‪ٌ ،‬‬ ‫ما انطوت عليه اس������تراتيجية التس������مية من مزايا‬
‫طاردةٌ‪ ،‬قاسي ٌة‪ ،‬لطيف ٌة‪ ،‬واضح ٌة‪ ،‬غامض ٌة‪ ،‬بسيط ٌة‪،‬‬ ‫وس������لبيات بحكم منهج الدراسة الذي طال نظرية‬
‫ومعقدةٌ‪ ،‬رحب ٌة‪ ،‬مزدحم ٌة‪ ،‬هادئ ٌة‪ ،‬كثيـرةُ الـضجيج‪،‬‬ ‫االستشراق وهويتها ومقصديتها‪.‬‬
‫ُ‬
‫وحفيف‬ ‫والقطارات‬
‫ُ‬ ‫والسيارات‬
‫ُ‬ ‫الطائرات‬
‫ُ‬ ‫توقظها‬ ‫جوهري م������ن مفاصل جتربة‬‫ٌّ‬ ‫الغرب������ ُة مفص������ ٌل‬
‫أفاع‪ ،‬وتنا ُم حني‬ ‫أقدام املسافرين املس������عورة كأ ّنها ٍ‬ ‫السفر مبا حتتويه من عنف ومعاناة قاسية وخبرة‬
‫النعاس على الرغم م������ن يقظتها الدائمة‬ ‫ُ‬ ‫يدهمه������ا‬ ‫وتعلّ������م‪ ،‬ولع ّل النكت َة التي تُ������روى عن جتربة الغربة‬
‫الدائبة‪ ،‬ث ّمة مد ٌن رحيم ٌة وأخرى قاس������ي ٌة ال ترحم‪،‬‬ ‫وثقافي عمي������ق فداح َة‬
‫ّ‬ ‫������في‬
‫تفس������ر على نحو فلس ّ‬ ‫ّ‬
‫ث ّمة مد ٌن جميل������ ٌة وأخرى قبيح ٌة‪ ،‬يراها املس������افر‬ ‫التجربة وعنفَها وقسوتَها‪ ،‬إذ التقى أحد املغتربني‬
‫وجلَ������ده وانفعاله‪ ،‬يراها‬ ‫دائم������اً بعني مزاجه وق ّوته َ‬ ‫املزمنني مغترباً جديداً لم ميض على هجرته سوى‬
‫بعزميته وهدفه‪ ،‬بروحه وجسده‪ ،‬يراها حني تكون‬ ‫أش������هر قليلة‪ ،‬وق������د بلغ به احلن���ي��ن مبلغاً ال ميكن‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪124‬‬

‫‪feb 123-126.indd 124‬‬ ‫‪12/29/14 9:00:42 AM‬‬


‫يج ُد‪ ،‬فتصع ُد الغرب ُة إلى س� � ��قف رأسه مثل ينبوع‬ ‫حتت� � ��ه وحني تكون فوقه‪ ،‬يراها حني تنقذه اللغة أو‬
‫ألم جارف‪ ،‬وتخر ُج من أنفه مثل زفير كثيف يحرق‬ ‫تعج� � ��زه أو حت ّيره أو حتجبه أو متحوه‪ ،‬وكلّما كانت‬
‫جبه َة اله� � ��واء‪ ،‬لتدو َر الدنيا به وتس� � ��و ّد مثل ظلمة‬ ‫أن بوس� � ��عه التم ّكن منها على‬
‫املدين ُة صغيرة شعر ّ‬
‫رعناء ال قرار لها‪.‬‬ ‫أحس بالضياع‬ ‫ّ‬ ‫وواسعة‬ ‫كبيرة‬ ‫نحو ما‪ ،‬وكلّما كانت‬
‫والتيه وعنف الغرب� � ��ة‪ ،‬واملد ُن الكبيرةُ صغيرةٌ حني‬
‫ٌ‬
‫ورحلة‬ ‫السفر‪ ...‬سيرةٌ‬
‫ُ‬ ‫تصادقك‪ ،‬واملد ُن الصغيرةُ كبيرةٌ حني تُعاديك‪ ،‬ويا‬
‫الرحالت الطويل ُة لها طقوسها ومشكالتها‬
‫ُ‬ ‫حليرة املس� � ��افر املغترب الغريب ح� �ي��ن يلفّه اللي ُل‬
‫الرحالت القصيرة لها طقوس������ها‬
‫ُ‬ ‫و ُمتَ ُعها مثلما‬ ‫ويبحثُ ع� � ��ن مالذ يتوافر على حلظة طمأنينة فال‬
‫‪125‬‬
‫ُ‬
‫ومتعة املعرفة‬ ‫فر سير ُة املسافر‪ُ ...‬‬
‫عنف الغربة‬ ‫الس ِ‬ ‫ُ‬
‫صحيفة َّ‬

‫‪feb 123-126.indd 125‬‬ ‫‪12/29/14 9:00:47 AM‬‬


‫والتذكر والطموح‪ ،‬واإلقدام واإلحجام‪ ،‬والتر ّوي‬ ‫ّ‬ ‫��ل��ات الطويل ُة حتتا ُج‬ ‫ُ‬ ‫ومش������كالتها و ُمتَ ُعها‪ ،‬الرح�‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫واملغامرة‪ ،‬زادا أصيال للمعرفة التي تتش � � �كل في‬ ‫إلى نَفَس طويل في التعامل مع الزمن والتفاعل‬
‫الكتاب بوصفه‬
‫ُ‬ ‫حاضنة جتربة الس� � ��فر‪ ،‬ويظه � � � ُر‬ ‫الرحالت القصيرةُ إلى‬ ‫ُ‬ ‫م������ع املكان‪ ،‬مثلّما حتتا ُج‬
‫رفي َق س� � ��فر مثال ّياً ال ميكن االس� � ��تغناء عنه في‬ ‫حت ّرك س������ريع في الزمن واستطالع خاطف في‬
‫أحلك الظروف‪ ،‬وقــــد يكـــون هو احل ّل للكثير من‬ ‫املكان‪ ،‬وف������ي هذه وتلك تتش������ ّك ُل الرؤي ُة وتأخ ُذ‬
‫املشكالت النفسية واالنفعالية حني تظهر فجأة‬ ‫وتخص ُب وترتف ُع في س������لّم‬ ‫ّ‬ ‫�����ف وتلتق� ُ‬
‫�����ط‬ ‫وتضي� ُ‬
‫وتض ُع املساف َر في وضع مربك‪ ،‬يكو ُن اللجوءُ فيه‬ ‫وتتس ُع حدق ُة‬ ‫ّ‬ ‫العقل‪،‬‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫حج‬ ‫يكبر‬ ‫حيث‬ ‫التجربة‪،‬‬
‫إلى الكتاب واح ًة خض� � ��را ًء تختر ُق فضا َء الكآبة‬ ‫وتكتسب الق َد ُم ه ّمةً‬
‫ُ‬ ‫�����مك اليد‪،‬‬ ‫العني‪ ،‬ويثخ ُن ُس� ُ‬
‫تيسر من ماء متعة القراءة‪.‬‬ ‫لتبلّله مبا ّ‬ ‫أكب������ر ملواصلة الس������ير ف������ي دروب أخرى‪ ،‬حتت‬
‫س������ماء أخرى‪ ،‬وطبيعة أخرى‪ ،‬بانتظار مفاجآت‬
‫السفر حقيبة‬ ‫جديدة مخبأة في مكان ما يضاعف من الرغبة‬
‫ميكن تعريف الس������فر في ص������ورة مع ّينة من‬ ‫واملتعة واملعرفة واألمل‪.‬‬
‫�����ب تتن ّو ُع في‬‫ص������وره بوصفه حقيب������ ًة‪ ،‬واحلقائ� ُ‬ ‫ٌ‬
‫السف ُر س������يرةٌ منوذجية لتكوين الصداقات‬
‫ألوانه������ا وأحجامها وأش������كالها‪ ،‬وتختلف في ما‬ ‫املرجتل������ة‪ ،‬إذ تفرضه������ا احلاج������ ُة واملصادف������ ُة‬
‫حتويه من مس������تلزمات‪ ،‬ف������ي خفّتها وثقلها‪ ،‬في‬ ‫وض������رورةُ التواصل مع آخرين بحكم املعايش������ة‬
‫طريقة حملها وعالقتها بحاملها‪ ،‬يج ّرها وراءه‪،‬‬ ‫ولعل احلاج������ة إلى مثل هذه‬ ‫ّ‬ ‫املفروضة قس������راً‪،‬‬
‫يحملها بيده‪ ،‬على كتفه‪ ،‬حيث يتش������ ّك ُل نو ٌع من‬ ‫الصداقات من شأنها أ ْن تس������ ّو َر جتربة السفر‬
‫العالقة اجلسدية بني اجلسد احلامل واحلقيبة‬ ‫بحكاي������ات ورؤي������ات جديدة ال تُت������اح في ظرف‬
‫احملمولة‪.‬‬ ‫�����اني آخر‪ ،‬وهو ما يضيف إلى فكرة السفر‬ ‫إنس� ّ‬
‫الس������ف ُر اخت������را ُق الزمن واكتش� ُ‬
‫�����اف املكان‬ ‫معرفة جديدة‪.‬‬
‫وتهذيب‬
‫ُ‬ ‫وتش������كي ُل الرؤي������ة وحتصي������ ُل املعرف������ة‬ ‫تتطلّ ُب حساس������ي ُة الس������فر جرأةَ الكش������ف‬
‫الروح‪ ،‬وإعادةُ إنتاج الذات املسافرة حني تتخلّى‬ ‫واالكتشاف والسرعة في اتخاذ القرارات أحياناً‬
‫وتضيف أخ������رى‪ ,‬تهج ُر قناعات‬ ‫ُ‬ ‫عن أخالقيات‬ ‫حل مشكلة‪ ،‬أو تسيير موقف‪،‬‬ ‫على نحو يسهم في ّ‬
‫ُ‬
‫وتضيف أخرى‪ ،‬متح������و مالم َح وتضيف أخرى‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫مما‬‫أو إيضاح رؤية‪ ،‬أو حس������م رأي‪ ،‬على الرغم ّ‬
‫يت وجوهاً وتحُ يي أخرى‪.‬‬ ‫تمُ ُ‬ ‫تنطوي عليه سيرة السفر من خوف متواصل من‬
‫السفر منت ٌج أصيل للغربة على بساط الرؤية‬ ‫ٌ‬ ‫أي زمان ومكان‪ ،‬وال‬ ‫يكمن في ّ‬ ‫َ‬ ‫املجهول ميكن أن‬
‫وعلى بس������اط امل������كان وعلى بس������اط العاطفة‪،‬‬ ‫مجال لتفادي مش������كالت وعوائق محتملة جتعل‬
‫�����خص يتماهى مع السفر احلالة‬ ‫ُ‬ ‫املس������اف ُر الش�‬ ‫الذات املسافرة في حالة يقظة دائمة واستعداد‬
‫ليكونا ش������يئاً واحداً‪ ،‬س������ير ًة واحد ًة‪ ،‬وكلّما طا َل‬ ‫ت������ا ّم التخاذ قرارات س������ريعة أحياناً قد ال تكون‬
‫مصيري‬
‫ٌّ‬ ‫أم ُد الس������فر التحما أكثر‪ ،‬وهو التحا ٌم‬ ‫بد م������ن تو ّقع اخلطأ‬ ‫مناس������بة أو صحيح������ة‪ ،‬ال ّ‬
‫فك التباسه وذلك لفرط تداخله فكرياً‬ ‫يستحي ُل ّ‬ ‫والتعامل معه على أ ّنه حقيق ٌة ماثلة في س������يرة‬
‫ووجدانياً‪.‬‬ ‫الس������فر يستحيل جتاهلها‪ ،‬ومثلما يسهم صواب‬
‫من هنا بوس� � ��عنا إدراك قيمة املعادلة الشكلية‬ ‫التص������ ّرف بإزاء مش������كلة ما ف������ي رصيد معرفة‬
‫املتوازية (جترب ُة الس� � ��فر‪ ...‬س� � ��يرةُ املسافر)‪ ،‬وما‬ ‫فإن خطأ التص ّرف في السياق نفسه ال‬ ‫السفر‪ّ ،‬‬
‫تعكس� � ��ه م� � ��ن معادلة عاطفي� � ��ة ومعرفي� � ��ة تتوازى‬ ‫ربا يكون‬ ‫مّ‬ ‫بل‬ ‫الصواب‪،‬‬ ‫رصيد‬ ‫�����ن‬ ‫�‬ ‫ع‬ ‫ّ‬
‫يقل أهمية‬
‫فيه� � ��ا صورت� � ��ان متضافرتان ومتضا ّدت� � ��ان في آن‬ ‫في مناس������بات مع ّينة أكث������ َر أهمية وخطورة في‬
‫(عنف الغربة ومتع ُة املعرفة)‪ ،‬وعلى أساس هاتني‬ ‫ُ‬ ‫بناء التجربة‪.‬‬
‫املعادلتني املتفاعلتني واملتضاهيتني يمُ كن بناءُ فهم‬ ‫مت ّثل إشكالية التواصل مع الوطن واالنقطاع‬
‫بانورامي لفلسفة السفر سلوكاً وجترب ًة وحياة >‬ ‫ّ‬ ‫االنفعالي ب� �ي��ن الكآبة واحلنني‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عنه‪ ،‬والص� � ��راع‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪126‬‬

‫‪feb 123-126.indd 126‬‬ ‫‪12/29/14 9:03:17 AM‬‬


‫قصص على الهواء‬

‫قـصـص عـلـى الـ ـهــواء‬


‫قصص ألصوات شابة تنشر بالتعاون مع إذاعة بي‪ .‬بي‪ .‬سي العربية *‬
‫ملــاذا اخ ـتــرت هــذه ال ـق ـصــص?‬
‫عرض واختيار د‪.‬عبداملجيد شكير **‬

‫قبل احلديث عن النصوص القصصية التي بني أيدينا‪ ،‬وتصنيفها‪ ،‬وتقييم األصوات املبدعة‬
‫التي تقف خلفها‪ ،‬البد في البداية من تثمني هذا املشروع اإلبداعي الواعد في مجال‬
‫السرد‪ ،‬الذي ما فتئت مجلة العربي الغراء ترسخه وتغذيه وتشجعه‪ ،‬عبر موعد شهري‬
‫ثابت‪ ،‬تطل علينا من خالله بزمرة من األصوات القصصية اجلديدة في تنافس إبداعي‬
‫جميل‪ ،‬حقق تراكم ًا الفت ًا على مستوى النصوص‪ ،‬سرعان ما أف��رز مالمح جيل جديد‬
‫في الكتابة القصصية‪ ،‬له تنويعاته اجللية على مستوى األسماء والتجارب واحلساسيات‪.‬‬
‫وتكون مجلة العربي‪ ،‬بذلك‪ ،‬قد رسمت معالم أخرى للخريطة القصصية العربية‪.‬‬
‫وواقع احلال يؤكد هذه احلقيقة‪ ،‬ذلك أن الكثير من األسماء التي تؤثث املشهد القصصي‬
‫العرب���ي الراه���ن‪ ،‬كان���ت قد ب���دأت خطواتها األولى ضمن «قص���ص على اله���واء»‪ .‬وبالتالي‪،‬‬
‫أصبحت املبادرة عبارة عن مشروع إبداعي متواتر لتقوية ال ّ َنف َِس القصصي العربي‪ ،‬وتخريج‬
‫قاصني جدد‪ ،‬مبضامني وطروحات فكرية ورؤى مختلفة‪ ،‬واقتراحات جمالية وفنية جديرة‬
‫باالنتباه‪ ،‬تؤشر إلى حساسية قصصية عربية لها متيزها وهويتها اخلاصة‪ ،‬ومتتلك القدرة‬
‫على أن تشكل القيمة املضافة في مشهدنا القصصي العربي‪.‬‬
‫له���ذه االعتب���ارات كلها‪ ،‬البد من اإلش���ادة والتنويه‪ ،‬والتثمني أيض ًا‪ ،‬به���ذه املبادرة اإلبداعية‬
‫النوعي���ة الت���ي س���نّتها مجل���ة العرب���ي وترعاها‪ .‬والب���د كذلك م���ن الدعوة إلى اس���تمرارها‬
‫باعتبارها مكسب ًا إبداعي ًا وثقافي ًا جتب احملافظة عليه‪.‬‬
‫ف���ي ه���ذا اإلط���ار‪ ،‬كان لي ش���رف التوصل باثنتي عش���رة قصة ألجل اختي���ار خمس قصص‬
‫منها باعتبارها فائزة وترتيبها حس���ب االس���تحقاق‪ ،‬والواقع أنها كلها تنم عن جهد إبداعي‬
‫يس���تحق التنوي���ه برغم تف���اوت مس���توياتها‪ ...‬تتباين ب�ي�ن نصوص تعبر ع���ن نضج وتطور‬
‫إبداعية أصحابها‪ ،‬ونصوص لكتَّ اب في طريق النمو يبش���رون مبستقبل قصصي واعد‪ .‬كما‬
‫أنها تشكل مجموعة قصصية عنوانها التنوع في البلدان واجلنس واملضامني‪ ،‬يحاول جلها‬
‫* (القصص األخرى املختارة تنشر جميعها في موقع مجلة العربي اإللكتروني وتبث في إذاعة الـ«بي بي سي»)‪.‬‬
‫* قاص وأكادميي من املغرب‬

‫‪127‬‬

‫‪feb 127-130.indd 127‬‬ ‫‪12/29/14 9:02:39 AM‬‬


‫التفاع ��ل م ��ع محيطيه احمللي والعربي‪ ،‬وحتمل في مجملها هاجس التغيير على مس ��توى‬
‫الذات واحمليط والعالم أحياناً‪ .‬كما أن بعضها‪ ،‬واملوضوعية تقتضي هذا القول‪ ،‬يحتاج إلى‬
‫الكثير من اجلهد على مس ��توى اللغة (النحو‪ ،‬اإلمالء‪ ،‬التركيب‪ ،)...‬وعلى مستوى امتالك‬
‫تقني ��ات الكتاب ��ة‪ ،‬ليكون جدير ًا باالس ��تمرار في مغامرة البحث عن ال ��ذات القصصية‪ ،‬فال‬
‫ميكن أن نبدع في وجود عوائق لغوية‪ ،‬بينما اللغة هي األداة األولى والوحيدة ملمارس ��ة هذا‬
‫اإلبداع‪.‬‬
‫وعموم� � ًا‪ ،‬ومهم ��ا كان من أم ��ر هذه املالحظات‪ ،‬ومهما كان الفائز‪ ،‬والفوز في اإلبداع نس ��بي‬
‫مهم ��ا كان ��ت درج ��ات املوضوعية‪ ،‬فإن الف ��وز احلقيقي هو قناعة كل املش ��اركني باالس ��تمرار‬
‫ف ��ي الكتابة‪ ،‬واحلفر ف ��ي مضامينها وتقنياتها بحث ًا عن الص ��وت القصصي املالئم‪ ،‬وتأكيد‬
‫ال ��ذات املبدع ��ة‪ ،‬ألن اجلائزة وس ��يلة وليس ��ت غاية في ذاتها‪ ،‬وس ��يلة للكش ��ف عن األصوات‬
‫القصصية املبدعة ألجل تكريس ��ها بالتش ��جيع‪ ،‬وتوريطها في فعل الكتابة اجلميل‪ ...‬والله‬
‫املوفق املستعان‪.‬‬
‫بالنسبة للتصنيف حسب االستحقاق‪ ،‬فإنني أراه كالتالي‪:‬‬

‫‪ -1‬املرتبة األولى‪« :‬أسطورة شرقية جديدة» لـمهنا بالل الرشيد‪/‬سورية‬


‫يقوم مضمون النص على أس� � ��اس معرفة غنية باألس� � ��طورة‪ ،‬اس� � ��تطاع صاحبه أن يطوعها بتناغم‬
‫الفت بالرغم من اختالف مرجعيتها بني العربي واإلغريقي‪ ،‬وأن يستثمرها في اإلفصاح عن واقعه‬
‫الراهن‪ ،‬حيث احلرب والدمار العش� � ��وائي الذي ال يفرق بني جندي ومدني ومتثال‪ /‬رمز حضاري‪ ،‬وحيث‬
‫العش� � ��ق واحلب بكل أش� � ��واقهما ولهفتهما‪ .‬إن القصة توليفة جميلة بني احلب واحلرب‪ ،‬اختيار اس� � ��تثنائي‬
‫الختبار عاطفة إنس� � ��انية‪ ،‬فحصلت املفارقة التي كانت تتويجاً فنياً لنهاية القصة‪ .‬وكل ذلك بلغة سلس� � ��ة‬
‫انس� � ��يابية ال تخلو من ش� � ��اعرية احلكي ومجاز التعبير‪ ،‬اس� � ��تطاعت أن تدمج األس� � ��اطير باعتبارها رموزاً‬
‫تعبيرية وداللية‪ ،‬وباعتبارها صوغاً فنياً في اآلن ذاته‪.‬‬

‫‪ -2‬املرتبة الثانية‪« :‬حرباء املدينة تعصب رأسها بقناديل البحر» لنها سيد محمد سليمان‪/‬مصر‬
‫ا مع مخلفاتها وإفرازاتها التي لم تكن بالضرورة إيجابية‪ ،‬حتاول نها س� � ��ليمان‬ ‫م� � ��ن أجواء الثورة‪ ،‬وتفاع� �ل � ً‬
‫تش� � ��كيل عاملها القصصي‪ ،‬وترصد تفاصيله بعيون عاشقني اختارا أن يرصدا حرباء املدينة‪ ،‬بكل دالالتها‬
‫السياسية واالجتماعية‪ ،‬وهما في كامل احلياد‪ ،‬منشغلني بالعشق الذي يسكنهما‪ .‬وبرغم تزايد املجموعات‬
‫واكتظ� � ��اظ املدينة وتلون حربائها‪ ،‬فقد ظ� �ل��ا على حيادهما‪ .‬حتى إذا كان البد لهما أن يصطفا إلى إحدى‬
‫املجموعت� �ي��ن املتناحرتني‪ ،‬اخت� � ��ارا أن يكونا مجموعة ثالثة للعناق والعش� � ��ق‪ ،‬وكان في ذل� � ��ك نهايتهما‪ .‬إن‬
‫اللغ� � ��ة املجازية للتعبير عن أط� � ��راف الصراع في املجتمع املصري بعد الث� � ��ورة‪ ،‬والتعبير الرمزي عن قيمة‬
‫احلب والتس� � ��امح من خالل فريق ثالث للعش� � ��ق انتهى بالدمار‪ ،‬هما ما منح النص قوته التعبيرية وشعريته‬
‫احلكائية‪ ،‬وجعل للقصة امتداداً حتى بعد نقطة النهاية‪.‬‬

‫‪ -3‬املرتبة الثالثة‪« :‬شريك الغرفة» لبدر أبورقبة العتيبي‪ /‬الكويت‬


‫بلغة بس� � ��يطة‪ ،‬مباشرة أحياناً‪ ،‬والبس� � ��اطة هنا ال تعني السطحية‪ ،‬بل العمق الوجداني الذي يؤكد إنسانية‬
‫اإلنس� � ��ان‪ ،‬وس� � ��موه عبر القيم النبيلة‪ ،‬وفي مقدمتها قيمة تقبل اآلخر‪ ،‬واستضافته إذا كان غريباً‪ ،‬والوفاء‬
‫لذكراه حني يغيب‪ ...‬بهذه القيم الكبرى رسم بدر العتيبي عاملاً قصصياً بهياً غير مألوف‪ ،‬باختياره عالقة‬
‫استثنائية قلما حتدث‪ ،‬حني اختار كويتي أن يتقاسم غرفة حقيرة في حي هامشي مع هندي وافد‪ ،‬مختبراً‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪128‬‬

‫‪feb 127-130.indd 128‬‬ ‫‪12/29/14 9:02:42 AM‬‬


‫حي� � ��اة كلها ك� � ��دح وضنك‪ ،‬متخليا عن حياة النعي� � ��م والترف التي يحياها‪ ،‬وكل ذل� � ��ك مقابل اختبار طريقة‬
‫أخرى في العيش‪ ،‬هي طريقة هذا اآلخر الوافد بكل آالمها وأحالمها‪ ،‬فيكتش� � ��ف عمقاً إنس� � ��انياً لم يتوقع‬
‫أن يس� � ��تمتع به لوال هذه املغامرة‪ .‬موضوع جديد في التناول يس� � ��تحق التنويه‪ ،‬ولغة بس� � ��يطة لكنها صادقة‬
‫ومعبرة‪ ،‬بدرجة صدق اإلحساس‪ ،‬وصدق التجربة‪.‬‬

‫‪ -4‬املرتبة الرابعة‪« :‬قصص قصيرة جداً» ملهند سيف الدين العزب‪/‬األردن‬


‫اختار مهند العزب منط القصة القصيرة جداً‪ ،‬مس� � ��تثمراً طابعها الش� � ��ذري في التعبير‪ ،‬وتكثيفها اللغوي‬
‫ال في خلق حلظات قصصية مدهش� � ��ة تقوم على االنزياحات غير‬ ‫في اإلدهاش وخلق املفارقات‪ ،‬وجنح فع ً‬
‫املتوقعة واملفارقات املباغتة‪ ،‬لكنه زاد على ذلك وأثراه مبعجم خاص ميتح مفرداته من عالم العتمة والعمى‬
‫والظ� �ل��ام ليخلق منها حلظات «تخطف األبصار»‪ .‬مع حضور وازن حلقول معجمية أخرى صاغ منها مهند‬
‫الع� � ��زب عقداً متنوع اجلواهر من املفارقات واملباغتات‪ ،‬مما يؤكد مت� � ��رس الكاتب بنمط القصة القصيرة‬
‫جداً‪ ،‬وتقنياتها السردية واللغوية‪.‬‬

‫‪ -5‬املرتبة اخلامسة‪« :‬نسوة املدينة» لنرمني سعدالدين سيد‪/‬مصر‬


‫تقدم نرمني س� � ��يد منوذجاً للبوح واالعتراف اآلس� � ��ر الذي يحرر صاحبه من خزعبالت النميمة والترصد‬
‫التي تنخر املجتمع‪ ،‬والشق النسائي منه على اخلصوص‪ .‬بلغة سلسة انسيابية رسمت نرمني جرأة بطلتها‬
‫حتد قوي لنس� � ��وة املدينة‪/‬‬
‫غير املتوقعة‪ ،‬وانتصارها على احلياء املزيف الذي يرس� � ��مه املجتمع املنافق في ٍّ‬
‫عالمات التخلف والش� � ��عوذة والنفاق‪ .‬تنتصر البطلة ح� �ي��ن تتحدى العرافة مبا لم تعلم من دجلها‪ ،‬وتصدح‬
‫بعش� � ��قها النبيل وعبوديتها ملعش� � ��وقها‪ ،‬برغم تعطل هذا العش� � ��ق وعدم اكتماله‪ ،‬لكن ألنها أخرست النسوة‬
‫وجعلتهن ينس� � ��حنب بكل اخلزي‪ ،‬فقد جعلها ذلك جديرة بنبل هذا العش� � ��ق واالنتصار له‪« .‬نس� � ��وة املدينة»‬
‫جتربة قصصية الفتة‪ ،‬لغة ومضموناً‪ ،‬تبشر مبيالد قاصة عميقة‪.‬‬
‫***‬
‫ال يفوتن� � ��ي في هذه الورقة التقييمي� � ��ة أن أنوه ببعض التجارب التي تتضمن إش� � ��راقات فنية واعدة‪ ،‬تنبئ‬
‫مبشروع قاصني جيدين في املستقبل القريب‪ ،‬إذا اتسمت باملثابرة واالشتغال الرصني‪ ،‬وجتاوزت األخطاء‬
‫اللغوية‪ ،‬ويتعلق األمر بقصة «نزلة برد» حملمد عثمان من الس� � ��ودان‪ ،‬وقصة «ال كامل وال مكتمل» ألس� � ��ماء‬
‫احلامدي من سلطنة عمان‪ ،‬وقصة «الطريق إلى اجلحيم» لفاطمة الزهراء أحمد من الصومال‪.‬‬

‫أسطورة شرقية جديدة‪ ...‬ملهنا بالل الرشيد‪/‬سورية‬

‫حتدتني بدورها‪،‬‬ ‫تتحدث عن ح ّبي حلبيبتي التي ّ‬ ‫ّ‬ ‫حتدث‬ ‫خرجت ذات م ّرة مع حبيبتي بعد أن ّ‬ ‫ُ‬
‫ووعدتني بجائزة فريدة من نوعها؛ ال يس������تطيع‬ ‫احلب‬
‫ّ‬ ‫الدراس������ات العليا عن آلهة‬
‫أس������تاذنا في ّ‬
‫يقدم لي مثله������ا‪ ،‬وذلك إذا ما‬ ‫أح ٌد غيره������ا أن ّ‬ ‫ّ‬
‫والش������مس وال ّريح ل������دى اإلغريق‪ ،‬كما‬ ‫واحلرب‬
‫قصة أس������طور ّية متم ّيزة‪،‬‬‫�����تطعت أن أكت������ب ّ‬
‫ُ‬ ‫اس�‬ ‫قصة‬ ‫حتدث عن أسطورة «افتح يا سمسم» وعن ّ‬ ‫ّ‬
‫واحلب‬
‫ّ‬ ‫�����ق‬
‫�‬ ‫للعش‬ ‫إلهني‬ ‫حبيبتي‬ ‫ومن‬ ‫ّي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫وأجعل‬ ‫«عل������ي بابا واألربعني حرام������ي» في احلضارات‬
‫عند العرب‪.‬‬ ‫الش������رق ّية؛ خرجنا وجلس������نا جنب متثال زهير‬ ‫ّ‬
‫أغرتني حبيبتي بوعدها اجلميل‪ ،‬وازدادت‬ ‫ّ‬
‫بن أبي ُس������لمى املتلفّع بعباءته عند مدخل كل ّية‬
‫لهفتي‪ ،‬والتهبت أش������واقي عل������ى ضفاف جائزة‬ ‫اآلداب‪.‬‬
‫قدم������ت لي عربون������اً؛ ح ّبة من‬
‫حبيبت������ي بعدما ّ‬ ‫ّ‬
‫�����رعت أفكر في كتابة أس������طورة جديدة‪،‬‬‫ُ‬ ‫ش�‬
‫‪129‬‬

‫‪feb 127-130.indd 129‬‬ ‫‪12/29/14 9:02:47 AM‬‬


‫�����ت زوبعة من ال ّريح‪ ،‬يبدو لي أ ّنها جاءت‬ ‫ه ّب� ْ‬ ‫�����ي‪ ،‬كانت ش������ه ّية وحم������راء مثل‬
‫الفس������تق احللب� ّ‬
‫من جبال األوملب عندما تش ّكل في مخ ّيلتي جزء‬ ‫شفتيها‪.‬‬
‫جميل من أسطورتي التي سأشر ُع في تدوينها‪.‬‬ ‫قلت لها‪ :‬س������تكون أسطورتنا التي سنكتبها‬ ‫ُ‬
‫�����دفء عند ال ّرحى‬‫تعانقَ اجلس������دان بحثاً عن ال� ّ‬ ‫الي������وم أجم������ل من جميع األس������اطير‪ ،‬س������تكون‬
‫وأق������دام التّمث������ال‪ ،‬اقتلعت ال ّريح عب������اءة زهير‬ ‫فري������دة بعقدته������ا وتط������ ّور أحداثها‪ ،‬وس������تكون‬
‫الشاعر‪ ،‬وأطلقتْها بساطاً لل ّريح أو صحناً طائراً‬ ‫ّ‬ ‫املفاجأة املدهش������ة ف������ي طريق������ة زواج البطلني‬
‫جديدا في سمائنا املتل ّبدة بالغيوم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫واختالفه������ا امللح������وظ عن جمي������ع النّهايات في‬
‫الدفء إلى روحي عندما‬ ‫تسلّلت موجة من ّ‬ ‫الش������رق ّية‪ .‬غمزةٌ جميلة‬ ‫ال ّروايات واألس������اطير ّ‬
‫سألتني حبيبتي قائلة‪:‬‬ ‫م������ن عينها كانت كفيلة بإش������عال نار اإلبداع في‬
‫ألم تكتمل أسطورتنا اجلميلة يا حبيبي؟!‬ ‫وفتحت صفح ًة‬
‫ُ‬ ‫حملت القلم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫دم������ي وقلمي معاً‪،‬‬
‫شعرت برحى زهير‪ ،‬وهي‬ ‫ُ‬ ‫في تلك اللّحظة‬ ‫�����ندت رأسي على رحى‬ ‫ُ‬ ‫بيضاء جديدة بعدما أس�‬
‫تدور خل������ف رأس������ي‪ ،‬ارتفع اإليقاع ف������ي د ّقات‬ ‫حرب داحس والغبراء؛ تلك ال ّرحى التي وضعها‬
‫الدفء اجلديدة التي‬ ‫أن موجة ّ‬ ‫قلبينا‪ ،‬وما درينا ّ‬ ‫قدمي زهير بن أبي ُسلمى‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مص ّمم التّمثال عند‬
‫تل ّمسناها كانت بفعل القذيفة التي أطلقتْها آلهة‬ ‫عيني بعدم������ا التقطتا ص������ورة لوجه‬ ‫ّ‬ ‫�����ت‬
‫أغمض� ُ‬
‫احلرب؛ فخلطت جس������دينا مع شظايا من رأس‬ ‫وكدت أشرع في كتابة عنوان‬ ‫ُ‬ ‫حبيبتي الباس������م‪،‬‬
‫املهشم‪ ،‬وما زالت رحاه جن َبنا تدور >‬ ‫ّ‬ ‫زهير‬ ‫قصتي اجلديدة‪.‬‬ ‫ّ‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪130‬‬

‫‪feb 127-130.indd 130‬‬ ‫‪12/29/14 9:02:52 AM‬‬


‫فن تشكيلي‬

‫اللوحة الفنية بني احلقيقة والسراب‬


‫صالح حوامرية *‬

‫فان جوخ‪ :‬آكلو البطاطس (‪82x114‬سم)‪ ،‬زيت على قماش‪1885 ،‬م‪ ،‬متحف فان جوخ‪ ،‬أمستردام‬

‫استرعت اهتمامي قضية جوهرية متعلقة بأبجديات التشكيل الفني‪ ،‬وهي قضية بلغت‬
‫من الش ��يوع ما جعل منها ظاهرة‪ ،‬بل أضحت املبدأ األس ��اس الذي ينطلق منه كل عمل‬
‫علي نفس ��ي مرار ًا أن ألتفت إليها‪ ،‬ورأيت أن أخصص لها حيز ًا من‬
‫تش ��كيلي‪ ،‬وقد أحلّ ت ّ‬
‫تصوراتها‪ ،‬ومن ثم‬
‫ّ‬ ‫وقت ��ي‪ ،‬وأوليه ��ا ما تس ��تحقه من االهتمام لوص ��ف حقائقها وإب ��داء‬
‫مناقشتها واحلكم عليها‪ ،‬راجي ًا اإلحاطة والشمول في ذلك‪ ،‬فهي قضية حساسة حسب‬
‫رأي ��ي‪ ،‬ألنها متس القاعدة العامة للعمل الفني‪ ،‬وتخرق قانون احلوار بني منطق العقل‬
‫ولغة الصورة‪.‬‬
‫* فنان تشكيلي وباحث من اجلزائر‪.‬‬

‫‪131‬‬

‫‪feb 131-133.indd 131‬‬ ‫‪1/4/15 9:06:33 AM‬‬


‫بديهي� � ��ات اخلطاب الفني التواصل� � ��ي‪ ،‬ومحاورتها‪،‬‬ ‫لس� � ��ت هنا لتصحيح مفاهي� � ��م أو إللغاء‬
‫ومن هذا املنطلق ميكننا أن نرصد حركية التفاعل‬ ‫قوان� �ي��ن‪ ،‬وإمن� � ��ا ملعاجل� � ��ة ظاه� � ��رة أقل‬
‫الداللي الذي ال ميكنه أن ينتج إال مما يحتويه‪.‬‬ ‫م� � ��ا يقال عنها إنه� � ��ا تزامنت مع عزوف‬
‫هي إش� � ��كالية معق� � ��دة ومتداخل� � ��ة‪ ،‬ولها فروع‬ ‫املجتمعات عن تق ُّبل فلس� � ��فات وتوجهات املش� � ��هد‬
‫وامت� � ��دادات تعب� � ��ر ع� � ��ن كيانه� � ��ا‪ ،‬ومهم� � ��ا يكن من‬ ‫الفن� � ��ي‪ ،‬والتفاع� � ��ل معه‪ ،‬ب� � ��ل ش� � ��هدت ردود أفعال‬
‫ش� � ��يء‪ ،‬فإن بلوغ مبتغى العمل الفن� � ��ي يبدأ بعملية‬ ‫متباين� � ��ة بني االس� � ��تنكار واالس� � ��تهجان واملقت من‬
‫اإلدراك احلس� � ��ي‪ ،‬الذي «هو من الوجهة النفس� � ��ية‬ ‫خالل اجتهادي في تقدمي مجموعة آراء وتصورات‪،‬‬
‫أس� � ��اس العملي� � ��ات العقلي� � ��ة‪ ،‬وهو يعن� � ��ي الفهم أو‬ ‫رأيت فيها جنوعاً لتقومي هذا االعتقاد‪ ،‬والتي تبقى‬
‫التعقل بواس� � ��طة احلواس‪ ،‬وكل ما يدرك بحاس� � ��ة‬ ‫قابلة للمناقشة واملراجعة والتعقيب‪ ،‬عسى أن أفيد‬
‫من احلواس يس� � ��مى مدركاً حسياً»‪ ،‬واللوحة الفنية‬ ‫ألستفيد‪ ،‬وهو ما جاء به هذا العرض املختصر‪.‬‬
‫تدخل ضمن هذه املدركات احلس� � ��ية التي لن تكون‬ ‫بديهي أن الفنان ال يرسم لنفسه‪ ،‬بل يهدف إلى‬
‫ف� � ��ي لغة املنطق إال موجودة‪ .‬وتتحقق الرس� � ��الة من‬ ‫التواص� � ��ل مع اجلمهور في س� � ��بيل حتقيق غاية ما‪،‬‬
‫خالل وعين� � ��ا بهذا اإلدراك‪ ،‬معن� � ��ى ذلك أن هناك‬ ‫وصحيح أن النص نتاج التفاعل بني ثالثية «الذات‬
‫داللة محققة من خالل عالقات وتراكيب ش� � ��كلية‬ ‫املبدع� � ��ة وحركي� � ��ة النص وطبيعة اجلمه� � ��ور» أثناء‬
‫ولوني� � ��ة ذات معنى‪ ،‬وال تت� � ��م عملية الوعي أو الفهم‬ ‫املمارس� � ��ة الفنية‪ ،‬وهو ركن أساس من أركان وجود‬
‫إال في وج� � ��ود قرائن دالة‪ ،‬يرتبط بعضها مع بعض‬ ‫احلقيقة الفنية‪ ،‬تفرضه معادلة التأثر والتأثير‪ ،‬لكن‬
‫بطريق� � ��ة منطقية‪ ،‬وتتحرك وفقاً مل� � ��ا متليه طبيعة‬ ‫النتيجة احلاسمة ال تنظر إلى هذا التفاعل‪ ،‬وإمنا‬
‫الرسالة وأسلوب املبدع‪.‬‬ ‫إلى ما اس� � ��تطاع أن ينتجه في سبيل حتقيق الغاية‬
‫املرج ّوة‪ ،‬وبالتالي فإن محاولة فهم هذه الغاية إمنا‬
‫االنصات إلى موضوع اللوحة‬ ‫تتخذ من النص الفني مرجعاً لها وليس من الفنان‪،‬‬
‫صحيح أن «النشاط الفني ميثل فاعلية حرة هي‬ ‫وتصبح اإلش� � ��ارة داخل النص الشاهد الوحيد على‬
‫أبعد ما تكون عن مجرد اخلضوع للطبيعة أو التعبد‬ ‫مدى حتقق الهدف من عدمه‪ ،‬والس� � ��ؤال املطروح‪:‬‬
‫للواقع»‪ ،‬لكن هذه احلرية إمنا هي حرية تسبح في‬ ‫ما مدى قدرة اإلشارة على حتقيق هذا الهدف؟‬
‫ذاتية املوضوع قبل أن تترجمها ذاتية املبدع‪ ،‬معنى‬ ‫ونرى أن قراءة سريعة لبعض اآلراء‪ ،‬أو باألحرى‬
‫ذلك أنه البد للفنان أثناء املمارس� � ��ة الفنية أن يبقى‬ ‫األعمال الفنية بعزلها عن مصادرها ومالبس� � ��اتها‬
‫دائم اإلنصات إلى نداء املوضوع الذي ال ميكنه أن‬ ‫اخلارجية‪ ،‬تكشف بوضوح مدى ارجتالية املمارسة‬
‫يك� � ��ون إال هو‪ ،‬كالالعب الذي يتمتع بحرية مداعبة‬ ‫وتوجهاتها غي� � ��ر املنطقية‪ ،‬التي ضللت إلى‬ ‫ّ‬ ‫الفنية‪،‬‬
‫الكرة وتأليف لقطات جدي� � ��دة‪ ،‬لكنه ملزم باحترام‬ ‫حد بعيد حقيقة الفن التشكيلي ورسالته السامية‪،‬‬
‫قانون اللعبة‪ ،‬وهنا يكمن اإلبداع‪.‬‬ ‫ويعود الس� � ��بب األول واألس� � ��اس لهذه الظاهرة إلى‬
‫وإذا كان الفن� � ��ان من هذا املنطل� � ��ق يعد قانوناً‬ ‫عدم إدراك مفهوم ما يس� � ��مى في الساحة النقدية‬
‫لنفس� � ��ه‪ ،‬فإن القانون األول الذي يحكمه هو قانون‬ ‫بـ«القراءة»‪ ،‬التي أصبحت مقرونة مبفهوم احلرية‪،‬‬
‫التعاي� � ��ش واالنس� � ��جام م� � ��ع الواقع وم� � ��ع الكائنات‬ ‫�ان‪ ،‬ولعل‬ ‫ب� � ��كل م� � ��ا حتمله كلم� � ��ة «احلرية» من مع� � � ٍ‬
‫واألح� � ��داث‪ ،‬وم� � ��ا يفرضه نظ� � ��ام الظواهر ومنطق‬ ‫هذا ب� � ��دوره يعود إلى تبني أفكار وأس� � ��اليب بعض‬
‫األشياء ومتطلبات الضرورة القصوى ملعادلة التأثر‬ ‫التوجهات‪ ،‬وهو التبني الذي يفتقد النظرة العلمية‪،‬‬
‫والتأثي� � ��ر‪ ،‬وما على الفن� � ��ان إال التأم� � ��ل والتنظيم‬ ‫والذي بس� � ��ط سيطرته على الس� � ��احة الفنية باسم‬
‫والترتيب فالكشف‪ ،‬وبالتالي اإلبداع‪ ،‬يقول أوجست‬ ‫االنفتاح والعصرنة‪ ،‬وس� � ��اعدته ظروف أخرى على‬
‫كون� � ��ت ‪ Auguste Cont‬إنه «الب� � ��د لنا من أن ننظم‬ ‫ترسيم وجوده وتبريره‪ ،‬أو رمبا يرجع ذلك إلى تلقي‬
‫الداخل ‪ Le dedans‬باالس� � ��تناد إلى اخلارج‪ ،‬ومعنى‬ ‫مبادئ ومفاهيم تلقياً عفوياً‪ ،‬وهي التي تتطلب بُعد‬
‫ه� � ��ذا أنه البد للفن� � ��ان أن ينظم أف� � ��كاره وخواطره‬ ‫نظر وس� � ��عة فكر وقدرة على اختراق آفاقها وبلوغ‬
‫وعواطفه‪ ،‬بالرجوع إل� � ��ى العالم اخلارجي‪ ،‬مبا فيه‬ ‫مقاصدها‪ ،‬واحلقيقة أن القراءة تستند إلى معرفة‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪132‬‬

‫‪feb 131-133.indd 132‬‬ ‫‪1/4/15 9:06:38 AM‬‬


‫للوح� � ��ة الفني� � ��ة احلديث إلى أكبر ع� � ��دد ممكن من‬ ‫من قواعد وضرورات وأنظمة»‪.‬‬
‫األش� � ��خاص‪ ،‬وهو من أس� � ��باب جناح العمل الفني‪،‬‬ ‫إن العقل ال يفكر إال في ما هو كائن‪ ،‬وال توجد‬
‫وهو نتيجة تلقائية ملا يكتس� � ��به الفرد من مطالعاته‬ ‫على اإلطالق عملية تخيلية مبنية على غير الواقع‪،‬‬
‫املختلفة وانفتاحه على مختلف الوقائع والثقافات‪.‬‬ ‫والص� � ��ور غير املألوفة املس� � ��تحضرة ذهنياً‪ ،‬لكونها‬
‫ويعد اجلمال عنص� � ��راً فعاالً في تكوين اللوحة‬ ‫خيالي� � ��ة‪ ،‬ما ه� � ��ي إال نتاج عملي� � ��ة تركيبية لعناصر‬
‫الفني� � ��ة‪ ،‬بل ثابتاً من ثوابتها‪ ،‬ومن دونه ال يكتب لها‬ ‫مألوف� � ��ة كان ق� � ��د أدركها العقل وس� � ��جلتها الذاكرة‬
‫أي وجود فني‪ ،‬فهو هندام املوضوع ولغته‪ ،‬وهو جزء‬ ‫الداللية‪ ،‬وما جرى عك� � ��س ذلك ضرب من العبثية‬
‫من الداللة‪ ،‬يق� � ��ول د‪ .‬محمد جواد مغنية في كتابه‬ ‫التي ال تس� � ��تند إلى أي أساس منطقي‪ ،‬يقول أالن‪:‬‬
‫«مذاهب فلسفية وقاموس مصطلحات»‪« :‬إن الفن‬ ‫«ف ِّكر ملي � � �اً في عملك‪ ،‬ولكن تذ َّك� � ��ر دائما أن املرء‬
‫يتصف باحلسن واجلمال‪ ,‬حقيقة ال مجازاً باتفاق‬ ‫ال يفك� � ��ر إال في م� � ��ا هو موج� � ��ود‪ ،‬وإذن فإن عليك‬
‫األط� � ��راف والفئات‪ ،‬بل اجلمال ه� � ��و الفن بالذات‪،‬‬ ‫أن حتق� � ��ق عملك»‪ .‬وإذا كان هذا الكيان في الواقع‬
‫وعليه يكون إنكار اجلمال إنكاراً للفن من األساس»‪،‬‬ ‫يعني الوجود الطبيعي‪ ،‬فإنه في املجال الفني يعني‬
‫ورساماً وملحناً‪،‬‬‫ويضيف‪« :‬كان طاغور شاعراً وكاتباً َّ‬ ‫ش� � ��يئاً آخر‪ ،‬ذلك أن الفنان ملزم بخلق وجود جديد‬
‫وقد اعترف العالم كله بتفوقه وعظمته‪ ...‬وحتدث‬ ‫بناء على هذا الوجود الطبيعي‪ ،‬وهو وجه احلقيقة‬
‫طاغ� � ��ور عن الف� � ��ن واجلمال‪ ،‬ومن جمل� � ��ة ما قال‪:‬‬ ‫الفنية‪ ،‬ومبدأ من مبادئ اإلبداع‪.‬‬
‫الفقيه يفس� � ��ر النصوص‪ ،‬ويس� � ��تخرج منها األوامر‬ ‫وتأخ� � ��ذ اإلش� � ��ارة معناها داخ� � ��ل النص وليس‬
‫والنواهي‪ ،‬والفيلسوف يضع مذهباً عقلياً يهتدي به‬ ‫معان‬
‫داخ� � ��ل القاموس االجتماعي‪ ،‬وم� � ��ا متثله من ٍ‬
‫إلى احلقائق‪ ،‬والعالم يكش� � ��ف قوانني الطبيعة‪ ،‬أما‬ ‫خارجي� � ��ة يبقى خارجه‪ ،‬لذا وج� � ��ب على الفنان أن‬
‫الفنان فإنه يكش� � ��ف عن اجلمال الكامن في الكون‪،‬‬ ‫يتجه مباش� � ��رة إلى التركيبة الفنية ويصوغها وفقاً‬
‫وميلك القدرة على التعبي� � ��ر عنه»‪ .‬لكن في املقابل‬ ‫ملا يحق� � ��ق الداللة املناس� � ��بة‪ ،‬هذا إذا س � � �لَّمنا بأن‬
‫اجلمال له حدود ومس� � ��ارات‪ ،‬ويجب أال يطغى على‬ ‫الفنان ق� � ��د اعتبر لهذه التركيب� � ��ة دالالت أخرى ال‬
‫العمل الفني طغياناً يفقده هدفه األس� � ��مى وإن كان‬ ‫إن من‬‫يحققها النص زيادة على داللتها النصية‪ ،‬إذ ّ‬
‫مفهومه عميقاً وش� � ��ائكاً في تصورنا‪ ،‬وعلى الفنان‬ ‫اإلشارات ما ال يعني شيئاً‪ ،‬ورمبا يعني كل شيء إال‬
‫أن يجم� � ��ع بني مختلف املعايي� � ��ر واملكونات وفقاً ملا‬ ‫نفسه‪ ،‬ورمبا جمع بني النقائض‪ ،‬وذلك من عالمات‬
‫يراه مناسباً لتجسيد تطلعاته‪.‬‬ ‫فقدان الهوية‪.‬‬
‫وإذا كان الفنان ميارس هذا النشاط في سبيل‬
‫حتقيق غاية ما‪ ،‬فإن ه� � ��ذه األخيرة ال تتوقف عند‬ ‫احلقيقة الفنية‬
‫النج� � ��اح في جتس� � ��يد فكرة معينة‪ ،‬ب� � ��ل تتعداه إلى‬ ‫إن الفكرة حتيا في ذات الش� � ��يء ثم تتطور إلى‬
‫حتقيق منفعة من وراء تلك الفكرة‪ ،‬وال أريد باملنفعة‬ ‫حقيقة فني� � ��ة‪ ،‬ويتطلب ذلك وجود ملكة اإلبداع‪ ،‬أي‬
‫هنا ما أراده أصحاب مذهب املنفعة (من اس� � ��تبعاد‬ ‫الق� � ��درة على فهم طبائع األش� � ��ياء ومعرفة حقائقها‬
‫لكل نشاط ال يؤدي إلى نفع عاجل ملموس‪ ،‬فكانت‬ ‫والتغلغ� � ��ل في صميمه� � ��ا وقراءته ق� � ��راءة واعية‪ ،‬ثم‬
‫الفنون والفلسفة في دائرة النشاط املستبعد الذي‬ ‫االرتق� � ��اء بها إلى عمل فني إبداعي يع ِّبر بطريقة أو‬
‫ال يجلب املنفعة للناس في نظرهم)‪ ،‬بل أريد القول‬ ‫بأخرى عن موضوع م� � ��ن املوضوعات‪ ،‬مع اإلحاطة‬
‫إنه البد للوحة الفنية من تبرير وجودها مبشاركتها‬ ‫مبا ميكن أن تؤديه هذه األش� � ��ياء في تكوين دالالت‬
‫في خدمة الفرد واملجتمع‪.‬‬ ‫أخرى من شأنها السيطرة على الداللة املقصودة‪ ،‬أو‬
‫وإذا كان� � ��ت اللوحة الفنية تعمل جاهدة إلدراك‬ ‫تغييبها‪ ،‬ومن هنا حمايتها من أي ارجتاج أو تيه‪.‬‬
‫كل ه� � ��ذه املعايير‪ ،‬فإنها برغم ذلك تظل ش� � ��اخصة‬ ‫وملا كانت اللوحة الفنية ال تُرى بعني واحدة‪ ،‬ملا‬
‫بوجه من النس� � ��بية‪ ،‬فهي تهدف إلى حتقيق نتيجة‬ ‫يحمل� � ��ه كل فرد من مفاهيم جتاه الش� � ��يء الواحد‪،‬‬
‫فعالة وجادة‪ ،‬وال تهدف بالضرورة إلى حتطيم رقم‬ ‫ونظراً الختالف الثقاف� � ��ات‪ ،‬وجب اإلملام مبختلف‬
‫قياسي معينَّ >‬ ‫اآلراء والتص� � ��ورات املتعلقة بالدال‪ ،‬حتى يتس� � ��نى‬
‫‪133‬‬
‫اللوحة الفنية بني احلقيقة والسراب‬

‫‪feb 131-133.indd 133‬‬ ‫‪1/4/15 9:06:42 AM‬‬


‫علوم‬

‫جماليات العلم وفن البحث العلمي‬


‫د‪ .‬أحمد فؤاد باشا*‬

‫عد العلم والبحث العلمي من أهم فاعليات النش ��اط اإلنس ��اني وأرقاها‪ ،‬س ��عي ًا وراء إدراك‬ ‫ُي ّ‬
‫األشياء على حقيقتها كما هي في الواقع‪ ،‬لذا فإن العقل البشري‪ ،‬باعتباره مناط التكليف‬
‫وأهم األدوات في ممارس ��ة هذا النش ��اط‪ ،‬يحتاج إلى تدريب وإعداد وتوجيه‪ ،‬ليس فقط في‬
‫ما يتعلق بالقواعد واخلطوات العملية ملنظومة املنهج العلمي الرش ��يد‪ ،‬ولكن أيض ًا في ما‬
‫يتصل باألس ��س الفكرية والفنّية التي تكفل االنتفاع منه إلى أقصى حد‪ ،‬بعد أن يستش ��عر‬
‫نش ��وة التأم ��ل ف ��ي النواحي اجلمالي ��ة واجلوان ��ب اإلنس ��انية املتعلقة بقيم احل ��ق واخلير‬
‫واجلمال‪ ،‬التي لها قوة التوجيه والدفع إلى األمام‪ ،‬والتي جتعل من املعرفة البش ��رية غاية‬
‫سامية خلدمة املجتمع اإلنساني بأسره‪.‬‬
‫* أكادميي من مصر‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪134‬‬

‫‪feb 134-139.indd 134‬‬ ‫‪1/4/15 9:08:41 AM‬‬


‫فوائدها املا ّدية وقيمتها كثروة حيوانية‪ ،‬يجب أن‬ ‫الصدد‬ ‫إذا قصرن� � ��ا احلديث في هذا َّ‬
‫نحافظ على الصورة اجلمالية التي أش� � ��ار إليها‬ ‫ع� � ��ن قيمة اجلمال وأثره في تش� � ��كيل‬
‫القرآن الكرمي بقوله‪َ { :‬و أْ َ‬
‫ال ْن َعا َم خَ َل َق َها َل ُك ْم ِفي َها‬ ‫العق� � ��ل‪ ،‬وتغذي� � ��ة الوج� � ��دان‪ ،‬وتقومي‬
‫ال‬ ‫ِد ْف ٌء َو َمن َِاف ُع َو ِم ْن َها َت ْأ ُك ُلونَ ‪َ )5( ‬و َل ُك ْم ِفي َها َج َم ٌ‬ ‫الس� � ��لوك‪ ،‬جند أن التجربة اجلمالية لإلنس� � ��ان‬
‫ني ت َْس َر ُحونَ }‪( ‬س� � ��ورة النحل‪:‬‬ ‫يحونَ َو ِح َ‬ ‫�ن ت ُِر ُ‬ ‫ِح�ي َ‬ ‫عبر العصور قد أس� � ��فرت عن تكوين الكثير من‬
‫‪ .)6 ،5‬وعند اس� � ��تقصاء حكمة اخلالق في خلق‬ ‫املفاهيم واألف� � ��كار اجلمالية التي حددت اإلطار‬
‫الك� � ��ون وإنبات النبات‪ ،‬يجب أن نستش� � ��عر معنى‬ ‫العام ملا يس� � ��مى بعلم اجلمال وم� � ��ا يتضمنه من‬
‫البهجة‪ ،‬التي تشيع في أرجاء النفس عندما ترى‬ ‫مذاهب فلسفية وفنية متعددة‪ .‬وليس هناك من‬
‫منظر اخلض� � ��رة‪ ،‬مصداقاً لقول� � ��ه تعالى‪{ :‬أَ َّم ْن‬ ‫شك في أن إحساس اإلنسان باجلمال إمنا تكفي‬
‫ض َوأَ ْنز ََل َل ُك ْم ِمنَ َّ‬
‫الس � َ�ماءِ‬ ‫الس � َ�ما َو ِات َو أْ َ‬
‫ال ْر َ‬ ‫خَ َلقَ َّ‬ ‫في� � ��ه الفطرة النقية فقط‪ ،‬فما هو إال اس� � ��تجابة‬
‫�اء َفأَ ْن َب ْت َن ��ا ِب � ِ�ه َح َد ِائ ��قَ َذاتَ َب ْه َج ٍة َم ��ا َكانَ َل ُك ْم‬
‫َم � ً‬ ‫طبيعية للعالقات املتوافقة واملتوازنة بني األجزاء‬
‫�ج َر َها} (س� � ��ورة النمل‪ .)60 :‬والذي‬ ‫أَ ْن ُتن ِْبتُ وا شَ � َ‬ ‫والظواهر التي يقع عليها بصره في جنبات هذا‬
‫ً‬
‫يقطف ثمرة ليأكلها ينبغي أن يرى أوال في جمال‬ ‫الكون الفسيح الذي خلقه الله – سبحانه وتعالى‬
‫منظرها وروعة تكوينها يد اخلالق وبديع صنعه؛‬ ‫– على أعلى درجة من الترتيب والنظام والكمال‬
‫{ان ُْظ � ُ�روا ِإ َل ��ى َث َم � ِ�ر ِه ِإ َذا أَثْ َم� � َر َو َين ِْع � ِ�ه} (س� � ��ورة‬ ‫واجلمال‪.‬‬
‫األنعام‪ ،)99 :‬ولقد ذهب بعض العلماء إلى القول‬ ‫وق� � ��د أكد القرآن الكرمي – فى مواضع كثيرة‬
‫إن التقدي� � ��ر القرآني لقيمة اجلم� � ��ال في الكون‬ ‫– أهمية العناصر اجلمالي� � ��ة في الكون العجيب‬
‫على هذا النح� � ��و‪ ،‬يجعل من االعتداء على البيئة‬ ‫التكوي� � ��ن والتلوين‪ ،‬لكي يتدب� � ��ره العلماء‪ ،‬ذلك أن‬
‫وتوازنه� � ��ا‪ ،‬والنظر البليد إلى األرض والس� � ��ماء‬ ‫الدعوة إلى تأمل اجلمال الكوني هي في حقيقتها‬
‫دون إحس� � ��اس باجلمال‪ ،‬نوعاً من املعصية ينبغي‬ ‫دعوة إلى التفوق في مجال العلوم الكونية املعنية‬
‫لفاعله أن يتوب عنه‪.‬‬ ‫بدراس� � ��ة ظواهر الكون واحلياة لإلفادة منها في‬
‫ومل� � ��ا كان اجلمال مقصوداً قص� � ��داً في خلق‬ ‫تطوير حياة البش� � ��ر وفهم أس� � ��رار الوجود‪ ،‬قال‬
‫الكون‪ ،‬وكان البعد ضرورياً في تعامل اإلنس� � ��ان‬ ‫ات ِط َب ًاقا َما َت َرى‬ ‫تعالى‪{ :‬ال َِّذي خَ َلقَ َس� � ْب َع َس َما َو ٍ‬
‫م� � ��ع عناصر الك� � ��ون املختلفة‪ ،‬مب� � ��ا فيها األرض‬ ‫ص َر َهلْ‬ ‫َاو ٍت َفا ْر ِج � ِ�ع ا ْل َب َ‬ ‫من ِم ْن َتف ُ‬ ‫الر ْح ِ‬ ‫ِفي خَ ْل � ِ�ق َّ‬
‫التي يعيش عليه� � ��ا‪ ،‬والبيئة التي يحيا في كنفها‪،‬‬ ‫ور} (سورة امللك‪ )2 :‬وقال سبحانه‪:‬‬ ‫َت َرى ِم ْن ُف ُط ٍ‬
‫فإن ما يح� � ��دث في عصرنا من أش� � ��كال التلوث‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الس َماءِ َم ًاء فأ ْخ َر ْجنَا ِب ِه‬ ‫{أَ َل ْم َت َر أَنَّ ال َّل َه أ ْنزَل ِمنَ َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫البيئي املختلفة يجب النظر إليه على أنه اعتداء‬ ‫يض‬ ‫ال َب ِال ُج َد ٌد ِب ٌ‬ ‫ات ُم ْخت َِلفً ا أَ ْل َوا ُن َه ��ا َو ِمنَ جْ ِ‬ ‫َث َم� � َر ٍ‬
‫أثي� � ��م على توازن البيئة احملكم‪ ،‬وتش� � ��ويه متعمد‬ ‫�ود‪َ )27( ‬و ِمنَ‬ ‫يب ُس � ٌ‬ ‫َ‬
‫َو ُح ْم � ٌ�ر ُم ْخت َِل ٌف أ ْل َوا ُن َها َو َغ َر ِاب ُ‬
‫لش� � ��كلها اجلمالي‪ .‬وم� � ��ن ثم يك� � ��ون العمل على‬ ‫ذل َك‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫هُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ا‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ٌ‬
‫�ف‬ ‫�‬ ‫َل‬ ‫اب َو أْ َ‬
‫ال ْن َع ِام ُم ْخت ِ‬ ‫�اس َوال � َّ�د َو ِّ‬‫ال َّن � ِ‬
‫حماية البيئة من مختلف أشكال التلوث‪ ،‬واإلبقاء‬ ‫ِإ مَّنَا َي ْخ َش ��ى ال َّل َه ِم ْن ِع َب ِاد ِه ال ُْع َل َم ُاء ِإنَّ ال َّل َه َع ِزيزٌ‬
‫على اجلمال في صفحات الكون‪ ،‬مطلباً إسالمياً‬ ‫ور} (سورة فاطر‪)28 ،27 :‬‬ ‫َغفُ ٌ‬
‫عزيزاً تُس� � ��تثار ألجله الهمم‪ ،‬وتستحث العزائم‪.‬‬ ‫ومن املنطق� � ��ي أن يقابل هذا اجلمال الكوني‬
‫وق� � ��د ش� � ��هدت ميادين البح� � ��ث العلم� � ��ي خالل‬ ‫املقصود قصداً في خلق الكائنات بُع ٌد جمالي في‬
‫العقود الثالثة األخيرة ميالد وتطور ما يس� � ��مى‬ ‫العالقة بني الكون واإلنسان‪ ،‬فاملتأمل في السماء‬
‫بـ«العل� � ��وم والتكنولوجيا اخلض� � ��راء» التي تبحث‬ ‫وما يدور فيها من كواكب وش� � ��موس وأقمار وما‬
‫عن وسائل نظيفة وصديقة للبيئة‪ ،‬للحيلولة دون‬ ‫ينش� � ��ر فيها من أفالك يجب أال يغفل عن زينتها‬
‫تر ّدي الوض� � ��ع البيئي‪ ،‬وكانت البداية العملية في‬ ‫التي نبه إليها احلق في قوله تعالى‪َ { :‬و َلق َْد َج َع ْلنَا‬
‫أوائل تس� � ��عينيات القرن املاضي باعتماد برنامج‬ ‫َّاظ ِرينَ }‪( ‬س� � ��ورة‬ ‫َّاها ِللن ِ‬ ‫وجا َو َز َّين َ‬ ‫الس � َ�ماءِ ُب ُر ً‬ ‫ِفي َّ‬
‫وسياسات ما يس� � ��مى بـ«الكيمياء اخلضراء» في‬ ‫احلجر‪ )16 :‬وعن� � ��د النظر إلى األنعام من زاوية‬
‫‪135‬‬
‫جماليات العلم وفن البحث العلمي‬

‫‪feb 134-139.indd 135‬‬ ‫‪1/4/15 9:08:46 AM‬‬


‫التماثل والسيمترية في خلية تكشف جما ًال يرتبط بالعلم‬

‫وفي رس� � ��الته املنس� � ��ية املغمورة «ثمرة احلكمة»‪،‬‬ ‫الوالي� � ��ات املتحدة األمريكية؛ وهي كيمياء مثالية‬
‫معان جزئية‪،‬‬‫ويتلخص رأيه في أن املرئيات فيها ٍ‬ ‫وجميل� � ��ة‪ ،‬تهدف إل� � ��ى حتقيق تطبيق� � ��ات أنيقة‬
‫حل ْس� � ��ن»‪ ،‬أي يجعل‬‫كل منها على انفراد «يفعل ا ُ‬ ‫للمركب� � ��ات والعمليات الكيميائي� � ��ة‪ ،‬تتوافق منها‬
‫الشيء حسناً‪ ،‬وهو يفعله أيضاً مقترناً بغيره‪ ،‬أو‬ ‫الفعالية مع األمان‪.‬‬
‫في تناس� � ��ب مع غيره‪ ،‬فهو هنا يقر بوجود عمق‬
‫جمال� � ��ي في اجلس� � ��م املرئي ذاته‪ ،‬ث� � ��م إن إدراك‬ ‫مواقف الفالسفة‬
‫احلسن عنده أمر نفس� � ��ي‪ ،‬ألنه يقول إن املعاني‬ ‫وإذا اس� � ��تعرضنا مواق� � ��ف بعض الفالس� � ��فة‬
‫اجلزئية تفعل احلسن‪ ،‬أي تؤثر في النفس‪ ،‬وهو‬ ‫والعلم� � ��اء من قيمة اجلمال وم� � ��دى تأثرهم بها‪،‬‬
‫حد تعبيره «استحسان الصورة املستحسنة»‬ ‫على ّ‬ ‫فإننا جند أنها كان� � ��ت ولم تزل على وجه العموم‬
‫ويس� � ��هب بعد ذلك في تفصيل الكثير من املعاني‬ ‫مبدأ أساسياً من مبادئ املعرفة وحتصيلها عبر‬
‫اجلزئية للعناصر اجلمالية في األجس� � ��ام املرئية‬ ‫ال يه� � ��دي العلماء ف� � ��ي أبحاثهم‪،‬‬ ‫العص� � ��ور‪ ،‬ودلي ً‬
‫وجتس� � ��م‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫من ض� � ��وء‪ ،‬ولون‪ ،‬ووضع‪ ،‬وبُعد معني‪،‬‬ ‫بدرج� � ��ات متفاوت� � ��ة في عم� � ��ق التأثي� � ��ر والتأثر‪،‬‬
‫وشكل‪ ،‬وحجم مناسب‪ ،‬وحركة‪ ،‬وشفيف‪ ،‬ومتاثل‬ ‫وإن ش� � ��ئنا إيراد أمثلة لتوضيح ذل� � ��ك من تاريخ‬
‫(س� � ��يمترية)‪ ،‬وخصوصاً التناس� � ��ب واالئتالف‪.‬‬ ‫العلوم وس� � ��ير العلماء‪ ،‬فلنبدأ باحلسن بن الهيثم‬
‫وكان� � ��ت روح ابن الهيثم‪ ،‬ش� � ��أنه ش� � ��أن كل عالم‬ ‫(‪1042 -965‬م) مؤسس املنهج العلمي التجريبي‬
‫حقيقي‪ ،‬تش� � ��رئب إلى إدراك الكون وتخيله على‬ ‫االس� � ��تقرائي ف� � ��ي عص� � ��ر احلض� � ��ارة العربي� � ��ة‬
‫حقيقته‪ ،‬مبنه� � ��ج علمي رص� �ي��ن‪ ،‬يوصل‪ ،‬في ما‬ ‫اإلس� �ل��امية‪ ،‬حي� � ��ث كان ل� � ��ه أول حتلي� � ��ل علمي‬
‫يقول‪« :‬إلى احلق ال� � ��ذي يثلج به الصدر‪ ...‬وإلى‬ ‫للجم� � ��ال في املبص� � ��رات (أي املرئي� � ��ات)‪ ،‬تناوله‬
‫الغاية التي عندها يقع اليقني‪ ...‬بقدر ما هو لنا‬ ‫كعال� � ��م بصريات ورياضيات‪ ،‬وأيضاً كفيلس� � ��وف‬
‫من القوة اإلنسانية‪ ،‬ومن الله نستمد املعونة في‬ ‫علم يدرك مس� � ��ائل الش� � ��كل واحلجم والتناسب‪:‬‬
‫جميع األمور»‪.‬‬ ‫مفصل في كتابه الذائع الصيت «املناظر»‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وكالمه‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪136‬‬

‫‪feb 134-139.indd 136‬‬ ‫‪1/4/15 9:08:51 AM‬‬


‫اجلمال في الكون ينشأ من األثر الذي يحدثه في نفس اإلنسان‬

‫اإلحس� � ��اس باجلمال يتوقف على طبيعة العقل‪،‬‬ ‫لك� � ��ن هناك من ال يرى في املادة إال خواصها‬
‫بصرف النظر عن أي صفة حقيقية في الش� � ��يء‬ ‫الكمية‪ ،‬كالوزن واحلجم والشكل والعدد‪ ،‬وحيث‬
‫محل اإلعجاب»‪ .‬وكان طبيب األمراض العصبية‬ ‫إن اجلم� � ��ال لي� � ��س من جمل� � ��ة ه� � ��ذه اخلواص‪،‬‬
‫النمساوي سيجمـــوند فرويد ‪Sigmund Freud‬‬ ‫فإنه أق� � ��رب إلى خاصة من خ� � ��واص املراقب أو‬
‫(‪1939-1856‬م) مؤسس طريقة التحليل النفسي‬ ‫املش� � ��اهد‪ ،‬ال صفة من صفات األشياء الطبيعية‬
‫‪ ،Psychoanalysis‬يش� � ��عر أنه مضطر إلى حصر‬ ‫في الك� � ��ون‪ .‬وقد كت� � ��ب الفيلس� � ��وف والفيزيائي‬
‫ا‪« :‬من دواعي‬ ‫اجلم� � ��ال في دائرة الغريزة‪ ،‬قائ� �ل � ً‬ ‫والرياض� � ��ي الفرنس� � ��ي «رينيه دي� � ��كارت» ‪Rene‬‬
‫األس� � ��ف أن التحليل النفسي ليس عنده ما يقوله‬ ‫‪1650-1596( Descartes‬م)‪ ،‬مؤس� � ��س الفلسفة‬
‫عن اجلمال وكل ما يبدو مؤكداً أنه مس� � ��ت َمد من‬ ‫احلديثة‪ ،‬يق� � ��ول‪« :‬ال يدل اجلمي� � ��ل‪ ،‬وال البهيج‪،‬‬
‫مجـــال الشعور اجلنسي»‪.‬‬ ‫عل� � ��ى أكثر م� � ��ن موقفنا في احلكم على الش� � ��يء‬
‫املتكلَّ� � ��م عنه»‪ .‬ويوافق الفيلس� � ��وف الهولندي من‬
‫اجلمال واجلدل العلمي‬ ‫أصل يهودي «باروخ إسبينوزا» ‪Baruch Spinoza‬‬
‫ويعق� � ��ب صاحبا كت� � ��اب «العلم ف� � ��ي منظوره‬ ‫(‪1677-1632‬م) على ما قال� � ��ه ديكارت فيقول‪:‬‬
‫اجلديد» (روبرت م‪ .‬أغروس وجورج ن‪ .‬ستانسيو‪،‬‬ ‫«اجلمال ليس صفة في الش� � ��يء املدروس بقدر‬
‫الترجمة العربية‪ ،‬سلس� � ��لة عالم املعرفة‪ ،‬الكويت‬ ‫م� � ��ا هو األثر الذي ينش� � ��أ في اإلنس� � ��ان نفس� � ��ه‬
‫‪1989‬م) على مثل هذه اآلراء ذات الصبغة املادية‬ ‫الذي يدرس ذاك الش� � ��يء»‪ .‬وق� � ��د أحدث هذان‬
‫في اجلمال‪ ،‬قائلني إنه إذا لم يكن اجلمال صفة‬ ‫املفكران (ديكارت وإسبينوزا)‪ ،‬وآخرون غيرهما‪،‬‬
‫من صفات الطبيعة‪ ،‬فهناك أمران اثنان يترتبان‬ ‫ا‪ ،‬إلى أن أبان العالم‬ ‫تياراً قوياً دام زماناً طوي� �ل � ً‬
‫على ذلك‪ :‬أولهما أن اجلمال‪ ،‬على احتمال كونه‬ ‫البريطان� � ��ي تش� � ��ارلز دارون ‪Charles Darwin‬‬
‫متعة ش� � ��خصية‪ ،‬ال ميك� � ��ن أن يكون موضع جدل‬ ‫(‪1882-1809‬م) ع� � ��ن موق� � ��ف النظ� � ��رة العلمية‬
‫علمي‪ ،‬إذ إنه ال يعنينا بتاتاً في اكتش� � ��اف حقائق‬ ‫اجللي أن‬
‫ّ‬ ‫آنذاك من اجلمال‪ ،‬فكــــتب يقول‪« :‬من‬
‫‪137‬‬ ‫جماليات العلم وفن البحث العلمي‬

‫‪feb 134-139.indd 137‬‬ ‫‪1/4/15 9:08:56 AM‬‬


‫ألبرت آينشتاين‬ ‫رينيه ديكارت‬

‫االس� � ��تنارة والوضوح‪ ،‬وأن نظريت� � ��ه في ميكانيكا‬ ‫الطبيع� � ��ة‪ ،‬وثانيهم� � ��ا أن الفن� � ��ون اجلميلة‪ ،‬بقدر‬
‫الكم مقنعة بفضل كماله� � ��ا وجمالها التجريدي»‪.‬‬ ‫ما تنش� � ��د اجلمال‪ ،‬ال ميك� � ��ن أن يكون بينها وبني‬
‫وه� � ��ا ه� � ��و ألب� � ��رت أينش� � ��تني ‪Albert Einstein‬‬ ‫العلوم أي ش� � ��يء مشترك‪ ،‬إذ إن العلوم الطبيعية‬
‫(‪1955–1979‬م) أش� � ��هر علماء القرن العشرين‪،‬‬ ‫تبدو باردة املش� � ��اعر‪ ،‬ولكنها واقعية‪ ،‬بينما تص ّور‬
‫واحلائز جائزة نوبل عام ‪1921‬م‪ ،‬يش� � ��ير بنفس� � ��ه‬ ‫الفنون على أنها دافئة املش� � ��اعر‪ ،‬ولكنها هوائية‬
‫إلى جمال نظريته في النس� � ��بية العامة بقوله‪« :‬ال‬ ‫املضمون‪ ،‬بحيث يتوقع من علم احلش� � ��رات مث ً‬
‫ال‬
‫يكاد أحد يفهم هذه النظرية متام الفهم‪ ...‬يفلت‬ ‫أن يسكت عن جمال الفراشة‪ ،‬سكوت الشعر عن‬
‫من س� � ��حرها»‪ ،‬ويش� � ��يد بها الفيزيائي النمساوي‬ ‫خمائرها الهضمية‪.‬‬
‫آرفني ش� � ��رودجنر ‪1887( Erwin Schrodinger‬‬ ‫وعلى نقي� � ��ض ذلك‪ ،‬يجمع أب� � ��رز العلماء في‬
‫‪1961 -‬م)‪ ،‬احلائ� � ��ز جائ� � ��زة نوب� � ��ل ع� � ��ام ‪1933‬م‬ ‫الق� � ��رن العش� � ��رين عل� � ��ى أن اجلمال من وس� � ��ائل‬
‫وصاحب املعادلة املوجبة األساس� � ��ية في ميكانيكا‬ ‫اكتشاف احلقيقة العلمية‪ ،‬إن لم يكن هو املقياس‬
‫ال‪« :‬إن نظرية أينشتني املذهلة‬ ‫الكم احلديثة‪ ،‬قائ ً‬ ‫األساس� � ��ي لها‪ .‬وقد أحرزوا بالفعل كشوفاً ثورية‪،‬‬
‫في اجلاذبية ال يتأتى اكتش� � ��افها إال لعبقري ُرزق‬ ‫حسب منطق فيلسوف العلم املعاصر توماس كون‬
‫إحساساً عميقاً ببساطة في درجة جمالها‪ ،‬يوجد‬ ‫‪1996-1922( Th. Kuhn‬م) بفضل إحساس� � ��هم‬
‫م� � ��ن بينها م� � ��ا يرقى إلى أعلى درج� � ��ات اجلمال‪،‬‬ ‫وإدراكهم قيم� � ��ة اجلمال فــــ� � ��ي البحــــث العلمي‪،‬‬
‫حيث يرى كثير من الفيزيائيني أن نظرية النسبية‬ ‫فــــه� � ��ا ه� � ��و الفيزيائ� � ��ي األملان� � ��ي الش� � ��هير فيرنر‬
‫العامة ألينش� � ��تني هي أجمل النظريات الفيزيائية‬ ‫هـــيزنبـــ� � ��رج ‪1976-1901( W. Heisenberg‬م)‪،‬‬
‫املوج� � ��ودة على اإلطالق‪ .‬ولهذا فإننا نثق بصاحب‬ ‫الذي ُمن� � ��ح جائزة نوبل ف� � ��ي الفيزياء عام‪1932‬م‬
‫ه� � ��ذه النظرية العلمي� � ��ة األجم� � ��ل عندما يلخص‬ ‫ألبحاثه في الفيزي� � ��اء النووية ونظرية الكم‪ ،‬يعلن‬
‫عناصر اجلمال العلمي بعبارة واحدة‪ ،‬يقول فيها‪:‬‬ ‫«أن اجلمال في العلوم البحت� � ��ة أو الدقيقة‪ ،‬وفي‬
‫«النظري� � ��ة العلمية تكون أدعى إلى إثارة اإلعجاب‬ ‫الفنون على حد سواء‪ ،‬هو أهم مصدر من مصادر‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪138‬‬

‫‪feb 134-139.indd 138‬‬ ‫‪1/4/15 9:09:01 AM‬‬


‫من تفكي� � ��ر واع وخيال بنّاء وح� � ��دس صادق‪ ،‬هو‬ ‫كلما كانت مقدماتها أبسط‪ ،‬واألشياء التي تربط‬
‫الذي يهبها احلياة‪ ،‬ويتيح لنا «رؤيتها» على أيدي‬ ‫بينها أش� � ��د اختالفاً‪ ،‬وصالحيتها للتطبيق أوسع‬
‫الباحثني‪.‬‬ ‫نطاق � � �اً»‪ .‬وهذا يعن� � ��ي أن اجلمال الذي ينش� � ��ده‬
‫ويكف� � ��ي أن نش� � ��ير هن� � ��ا إلى م� � ��ا كتبه جون‬ ‫العلم� � ��اء في بحثهم العلمي ع� � ��ن احلقائق الكونية‬
‫تن� � ��دال ‪1893-1820( J. Tyndall‬م) الفيزيائي‬ ‫لي� � ��س نتاج عاطفة فردية‪ ،‬وإمنا هو أبعد ما يكون‬
‫األيرلن� � ��دي عن أهمية التأمل واخليال في تكوين‬ ‫عن األس� � ��لوب غير العلمي‪ ،‬وعناص� � ��ره التي تبث‬
‫الصور الذهنية للمشكالت العلمية‪ ،‬قائ ً‬
‫ال‪:‬‬ ‫احلي� � ��اة في العل� � ��م لها نظائر موازي� � ��ة في الفنون‬
‫«لق� � ��د كان اهتمام اس� � ��حق نيوتن م� � ��ن تفاحه‬ ‫اجلميلة األخرى‪.‬‬
‫ال من أعمال اخليال‬ ‫س� � ��اقطة إلى قمر ساقط‪ ،‬عم ً‬
‫املتأهب‪ ...‬واس� � ��تطاع خيال دالتون البنَّاء أن يش ّيد‬ ‫تنمية ملكات اخليال‬
‫النظرية الذرية‪ ،‬أما فاراداي فقد مارس هذه املوهبة‬ ‫من ناحية أخرى‪ ،‬يؤدي تأمل اجلمال العلمي‬
‫على الدوام‪ ،‬فكانت س� � ��ابقة‪ ،‬ومصاحبة‪ ،‬ومرشدة‬ ‫وتذوقه إلى تنمية وتعظيم ملكات التخيل والتفكر‬
‫جلميع جتاربه‪ ،‬وترجع قدرته وخصوبته كمكتشف‬ ‫واحلدس لدى الذات الباحثة في العلوم الكونية‪،‬‬
‫إلى حد كبير‪ ،‬إلى القوة الدافعة للخيال»‪.‬‬ ‫فهذه جميعها من املبادئ األساس� � ��ية واألساليب‬
‫ودومنا استطراد في س� � ��رد أقوال املزيد من‬ ‫الذهنية التي تش� � ��ترك فيه� � ��ا أغلب أنواع البحث‬
‫«العلماء احلقيقيني» يتضح لنا أنه يس� � ��تطيع أن‬ ‫العلمي‪ ،‬وتقوم بدور املهندس الذي يضع تصميم‬
‫يس� � ��تبني احلقيقة العلمي� � ��ة‪ ،‬أوالً بفضل جمالها‬ ‫النظرية العلمية‪ ،‬مس� � ��تعيناً مبا تنقله املالحظات‬
‫وبساطتها وتناس� � ��قها وتألقها‪ ،‬ألن اجلمال جزء‬ ‫والتجارب الدقيقة‪ ،‬ومبا لديه من ذخيرة معرفية‬
‫من بنية الكون‪ ،‬وثانياً بفضل ما يصاحب التأمل‬ ‫وخب� � ��رات عملية متنوعة‪ .‬وم� � ��ن املفيد كثيراً في‬
‫اجلمال� � ��ي الداف� � ��ع إل� � ��ى تنمية مل� � ��كات احلدس‬ ‫البح� � ��ث عن أف� � ��كار مبتكرة إط� �ل��اق العنان لهذه‬
‫والتفك� � ��ر واخليال‪ .‬وال منلك إزاء ذلك كله إال أن‬ ‫امللكات املعرفية على س� � ��جيتهاحتى تتمخض عن‬
‫نسجد ش� � ��كراً لله اخلالق الواحد {ال َِّذي أَ ْح َسنَ‬ ‫أف� � ��كار ونتائج نافعة‪ ،‬ذل� � ��ك أن الوقائع واألفكار‬
‫ُك َّل شَ ْيءٍ خَ َلقَهُ } (سورة السجدة‪> )7 :‬‬ ‫م ّيت� � ��ة في ذاتها‪ ،‬والتأم� � ��ل اجلمالي‪ ،‬مبا يصحبه‬

‫كان ��ت لرجل م ��ن العرب امرأة رعناء دخل عليه ��ا يوم ًا وهي ُمغضبة‪،‬‬
‫فقالت مالك ال تشبب بي كما يشبب الرجال بنسائهم؟ فقال إني أفعل‪،‬‬
‫وأنشدها‪:‬‬
‫مت ��ت ع �ب �ي��دة إال ف ��ي مالحتها‬
‫واحلسن منها بحيث الشمس والقمر‬
‫ما خالف الظبي منها حني تبصرها‬
‫إال س��وال �ف �ه��ا واجل��ي��د والنظر‬
‫قل للذي عابها من حاسد حنق‬
‫أقصر فرأس الذي قد عيب للحجر‪.‬‬

‫‪139‬‬ ‫جماليات العلم وفن البحث العلمي‬

‫‪feb 134-139.indd 139‬‬ ‫‪1/4/15 9:09:05 AM‬‬


‫سينما‬

‫افتقر للدقة العلمية‬


‫«نظرية كل شيء»‪...‬‬
‫فيلم يصور قصة حياة ستيفن هوكينغ‬
‫طارق راشد *‬

‫ستيفن هوكينغ مع زوجته األولى جني وايلد في التسعينيات‪( .‬صورة من ديفيد مونتغومري‪ /‬غيتي إميدجز)‬

‫س ��يكون ش ��يئ ًا جمي�ل ً�ا لو بذل منتج ��و األفالم الت ��ي تتناول أم ��ور ًا علمية جه ��ود ًا في‬
‫ال في اختيار األزياء‬‫التأكد من صحة املفاهيم العلمية نصف الوقت الذي يبذلونه مث ً‬
‫وتصفيفات الشعر‪.‬‬
‫لقد تعبنا من الش ��كوى من هذه املس ��ألة‪ ،‬لكننا نش ��هد اآلن تعاقب ًا غير عادي ملثل هذه‬
‫األفالم‪ ،‬ونود أن نرى فيلم ًا ال يجعلنا جنز على أسناننا‪.‬‬
‫* كاتب ومترجم من مصر مقيم في اإلمارات‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪140‬‬

‫‪feb 140-144.indd 140‬‬ ‫‪1/4/15 9:10:07 AM‬‬


‫جامد‪ -‬عندما يستعذب نكتة أو فكاهة‪ .‬والذروة‬ ‫ف� � ��ي الع� � ��ام املاض� � ��ي‪ ،‬قــــ� � � ّ�دم فيل� � ��م‬
‫الدرامية عندما ينقر بفأرة فتنساب الكلمات «‪My‬‬ ‫«اجلاذبية» ‪ -‬الذي فاز بسبع جوائــــز‬
‫‪( »name is Stephen Hawking‬اس������مي ستيفن‬ ‫أوس� � ��كار ‪ -‬صوراً واقعيــــ� � ��ة بدرجـــة‬
‫هوكين������غ) من س������ماعة خارجية بلكن������ة أمريكية‬ ‫مذهــــل� � ��ة للعتــــ� � ��اد الفضائي وانع� � ��دام الوزن في‬
‫روبوتية‪ ،‬ه������ي حلظة إبداع عبقري جتعل أعيننا‬ ‫الفضاء‪ ،‬لكنه أخفق في أبسط قواعد امليكانيكا‬
‫تفيض بالدمع‪.‬‬ ‫املداري� � ��ة‪ .‬وأخي� � ��راً‪ ،‬كان لنا موعد م� � ��ع فيل َم نْي‬
‫يتمح� � ��وران حول الثق� � ��وب الس� � ��وداء‪ ،‬األول هو‬
‫تشويه علمي‬ ‫«نظري� � ��ة كل ش� � ��يء» الذي يتحدث عن مس� � ��تهل‬
‫لك������ن الفيلم ال يس������تحق أي جوائز بس������بب‬ ‫حي� � ��اة الفيزيائي البريطاني واملؤلف األكثر مبيعاً‬
‫الالمباالة بتشويه عمل الدكتور هوكينغ العلمي‪،‬‬ ‫س� � ��تيفن هوكينغ وأزمنته املبك� � ��رة‪ ،‬والثاني «بني‬
‫ما يترك املش������اهدين وه������م ال يعرفون بالضبط‬ ‫النجوم»‪ ،‬وهو فيلم من إخـــــراج وتأليف األخوين‬
‫ملاذا يتمتع بهذه الشهرة الكبيرة‪ ،‬فبدالً من بيان‬ ‫كريس � � �ــتوفر وجوناثان نوالن‪ ،‬ويدور حول س� � ��فر‬
‫كي������ف قوض الدكتور هوكينغ األف������كار التقليدية‬ ‫رواد الفض� � ��اء عبر ثقب دودي للعثور على موطن‬
‫عن امل������كان والزم������ان‪ ،‬جند الفيل������م يتزلف إلى‬ ‫جديد للبش� � ��رية (الشيء املثير هنا أنه مستوحى‬
‫األحاسيس الدينية بشأن ما يقوله عمل الدكتور‬ ‫م� � ��ن عمل قام به أح� � ��د أقدم أصدق� � ��اء الدكتور‬
‫هوكينغ‪ ،‬وما ال يقوله في ما يخص وجود الرب‪،‬‬ ‫هوكينغ وهو كِ ب ثورن‪ ،‬األستاذ مبعهد كاليفورنيا‬
‫وهو في حقيقة األمر شيء قليل جداً‪.‬‬ ‫للتكنولوجيا)‪.‬‬
‫ما يُحس������ب للفيل������م أنه ال يتحاش������ى تناول‬ ‫يتميز فيلم «نظرية كل ش������يء» مبزايا كثيرة‪،‬‬
‫األج������زاء التي ال يس������لط عليها ض������وء من قصة‬ ‫فإيدي ريدماين يس������تحق عن ج������دارة ما يجري‬
‫الدكت������ور هوكين������غ‪ ،‬فهو مس������تند إل������ى مذكرات‬ ‫حالياً من ترويج له لترشيحه لنيل جائزة األوسكار‬
‫زوجت������ه األولى جني وايلد التي نُش������رت في عام‬ ‫عن براعته املذهلة في أداء دور الدكتور هوكينغ‬
‫‪ 2007‬بعنوان «س������فر إلى م������ا ال نهاية‪ ...‬حياتي‬ ‫وتصوير اآلثار الضمورية املتواصلة الناجمة عن‬
‫كتابي وضعتهما جني‬ ‫نْ‬ ‫مع س������تيفن»‪ ،‬ومتثل أحد‬ ‫مرض التصل������ب الضموري اجلانب������ي (املعروف‬
‫حب عبقري‬ ‫وتصور فيهما كيف كان وقوعها في ّ‬ ‫أيضاً باسم مرض لو غيريغ)‪ ،‬وهو املرض الذي‬
‫متزايد اإلعاقة والشهرة ثم رعايتها إ ّياه‪ .‬ترتبط‬ ‫تص������دى‪ ،‬من أجل التوعية به ودعم بحوثه‪ ،‬عدد‬
‫جني في النهاية بقائد الكورس في كنيستها‪ ،‬أما‬ ‫كبير من املشاهير لتحدي «دلو الثلج» أخيراً‪.‬‬
‫س������تيفن فيرحل مع ممرضته إلني ميسون‪ ،‬التي‬ ‫إن ماليني األش������خاص وعشاق العلوم الذين‬
‫تزوجها في ما بعد ثم طلقها‪.‬‬ ‫ق������رأوا كت������ب الدكت������ور هوكينغ وتواف������دوا على‬
‫يق������ال إن الدكتور هوكين������غ البالغ من العمر‬ ‫محاضراته وش������اهدوه في مسلس���ل��ات «عائلة‬
‫‪ 72‬س������نة أعطى موافقته ‪ -‬وإن على مضض ‪-‬‬ ‫سيمبس������ون» و«س������تار تريك» و«نظرية االنفجار‬
‫على الفيلم الذي س������يلقي الض������وء على اجلانب‬ ‫كرسي‬
‫ّ‬ ‫الكبير» لم يعرفوه قط إال كشخص أسير‬
‫الشخصي من حياته‪ ،‬ومن بني األشياء الشجاعة‬ ‫مدول������ب يتحدث بص������وت روبوت������ي؛ ألن كل ما‬
‫التي فعلها هوكينغ‪ ،‬ورمبا يكون هذا أشجعها‪ ،‬أن‬ ‫يعرفونه أنه كان دائم������اً هكذا ونزل إلى األرض‬
‫يعهد بقصة حياته إلى زوجة سابقة‪.‬‬ ‫على منت مذ ّنب‪ ،‬كـ «فينوس» التي انس������اقت إلى‬
‫س������مح الدكتــــ������ور هوكيــــن������غ للمنتجـــــ���ي��ن‬ ‫ص َدفة‪.‬‬ ‫كوكبنا على منت نصف َ‬
‫باس������ــتخــدام تس������ـــجيالت فعلي������ة لصــــوت������ه‬ ‫اتسم أداء الس������يد ريدماين بالدقة البالغة‪،‬‬
‫األيقــــوني‪ ،‬وبعد رؤيـــته الفيـــلم قالها صريحــــة‪:‬‬ ‫من جتس������يد أصاب������ع الدكتور هوكينغ املش������لولة‬
‫«ص������ادق بوج������ه عام»‪ ،‬حـــس������بما ق������ال املخـــرج‬ ‫املتغضن������ة إلى تصوي������ر النض������ارة املازحة التي‬
‫جيمـــس مارش‪ ،‬الذي فاز بجائزة أوس������كار سنة‬ ‫تض������يء وجه������ه ‪ -‬الذي ه������و في ما ع������دا ذلك‬
‫‪141‬‬
‫ُ‬
‫ومتعة املعرفة‬ ‫فر سير ُة املسافر‪ُ :‬‬
‫عنف الغربة‬ ‫الس ِ‬ ‫ُ‬
‫صحيفة َّ‬

‫‪feb 140-144.indd 141‬‬ ‫‪1/4/15 9:10:11 AM‬‬


‫الفراش‪ ،‬وه������و يحدق في قط������ع فحم متوهجة‬ ‫‪ 2008‬عن فيلمه الوثائقي «رجل فوق السلك»‪.‬‬
‫في املستوقد فتنتابه خياالت ثقوب سوداء تفور‬
‫وتتسرب منها احلرارة‪.‬‬ ‫تناقضات تاريخية‬
‫الش� � ��يء التالي الذي نتعرف عليه هو ما يقوله‬ ‫لكن ف������ي ما يخص العل������م‪ ،‬يجعلنا الفيلم ال‬
‫الدكت� � ��ور هوكين� � ��غ جلمه� � ��وره في إح� � ��دى قاعات‬ ‫نستطيع مقاومة اجلز على أسناننا‪ ،‬هيا بنا ننس‬
‫احملاض� � ��رات بجامع� � ��ة أكس� � ��فورد م� � ��ن أن الثقوب‬ ‫للحظة أننا نرى الش������خصيات في بداية القصة‬
‫الس� � ��وداء ‪ -‬عل� � ��ى النقيض مما تقوله األس� � ��اطير‬ ‫جالس���ي��ن في ندوة بلن������دن يتحدثون عن الثقوب‬
‫والنظريات السابقة ‪ -‬ال تبقى إلى األبد‪ ،‬بل تتسرب‬ ‫الس������وداء ‪ -‬وهي تلك الهوات الثقالية السحيقة‬
‫منها اجلزيئات وتنكمش وفي النهاية تنفجر‪ ،‬قبل أن‬ ‫التي ال قعر لها وال ميكن أن يفلت منها أي شيء‬
‫يُقْدم مدير اجللسة‪ ،‬متذمراً مما يقال‪ ،‬على إعالن‬ ‫حت������ى الضوء ‪ -‬قبل أن يُ َس������ك ذل������ك املصطلح‬
‫نهاية اجللسة‪ ،‬واصفاً هذه الفكرة بـ«الهراء»‪.‬‬ ‫بسنوات‪ ،‬احملزن أن بعض التناقضات التاريخية‬
‫على األرجح ش������يء حتمي في أي تصوير شعبي‬
‫إشعاع هوكينغ‬ ‫مليدان علمي مستغلق كالفيزياء الفضائية‪.‬‬
‫التنبؤ بإشعاع هوكينغ‪ ،‬كما يسمى‪ ،‬هو أعظم‬ ‫لكن األمر يزداد س������وءاً عن������د تخطي بعض‬
‫إجن������ازات الدكتور هوكينغ‪ ،‬وه������و اإلجناز الذي‬ ‫املشاهد والس������نوات إلى األمام‪ ،‬حتى تصل إلى‬
‫س������يفوز على األرجح بجائزة نوبل من أجله‪ ،‬لكن‬ ‫مش������هد الدكتور هوكينغ ال������ذي يتهيأ ليأوي إلى‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪142‬‬

‫‪feb 140-144.indd 142‬‬ ‫‪1/4/15 9:10:15 AM‬‬


‫جانب من الفيلم يصور جانب ًا من الكشوف العلمية األولى التي حققها هوكينج في بداية شبابه قبل مرضه‬

‫هذا إن خرج بش������يء‪ .‬عندما اكتش������ف الدكتور‬ ‫ه������ذا اإلجناز لم يتأت نتيج������ة حلظة إلهام أثناء‬
‫هوكينغ أن التأثيرات الكمومية س������تجعل الثقوب‬ ‫التحديق في املس������توقد‪ ،‬وبرواي������ة القصة على‬
‫الس������ود تس������رب احلرارة واجلزيئات‪ ،‬سار ذلك‬ ‫هذا النحو‪ ،‬يكون املنتجون ز ّيفوا اللحظة األشد‬
‫عل������ى عك������س كل تخميناته وتوقعات������ه‪ ،‬فأمضى‬ ‫دراماتيكية في مشواره العلمي‪.‬‬
‫بضعة أش������هر منعزالً في محاول������ة للتوصل إلى‬ ‫كان هوكينغ قد استلهم من عمل قام به ألكسي‬
‫موض������ع خطئه‪ ،‬حتى وصل ب������ه األمر في بعض‬ ‫ستاروبنسكي في موس������كو وجاكوب بيكنشتاين‬
‫األحي������ان أن كان يحبس نفس������ه داخل حمام كي‬ ‫في برنس������تون كي يحاول تقرير خواص الثقوب‬
‫يفكر‪ ،‬كان������ت ظالل الاليقني والعش������وائية التي‬ ‫السود امليكروس������كوبية‪ ،‬وقد تطلب ذلك حساباً‬
‫حبيت بها الطبيعة على أصغر املقاييس ستثقب‬ ‫مرهقاً س������يجمع بني النظرية الكمومية وجاذبية‬
‫من الناحية العملية س������طح الثقب األسود الذي‬ ‫أينش������تني‪ ،‬وهم������ا ركيزت������ان ثنائيت������ان للفيزياء‬
‫كان في ما س������بق ال يُخترق‪ ،‬تبني أن اكتش������افه‬ ‫النظرية‪ ،‬على الرغ������م من أنهما كانتا حتى ذلك‬
‫ذو ش������أن كبير جداً‪ ،‬ألنه يعني ضمناً‪ ،‬من بني ما‬ ‫احلني غير متوافقتني رياضياً‪.‬‬
‫يعنيه‪ ،‬أن «الفضاء ثالثي األبعاد» وهم‪.‬‬ ‫اس������تغرق األم������ر ش������هوراً‪ ،‬وكان أصدق������اؤه‬
‫مع األس������ف لم يتضمن الفيل������م أياً من هذه‬ ‫وزم���ل��اؤه أثناءه������ا متيقنني من أنه سيفش������ل‪...‬‬
‫األم������ور‪ ،‬ه������ذا التصرف أكثر من مج������رد تأريخ‬ ‫فتحوا أمامه الكتب الدراس������ية التي تتحدث عن‬
‫س������يئ‪ .‬املعادالت املس������جلة على الس������بورة تبدو‬ ‫الكمومية ثم مضوا‪ ،‬متس������ائلني عما سيخرج به‪،‬‬
‫‪143‬‬
‫افتقر للدقة العلمية «نظرية كل شيء»‪ ...‬فيلم يصور قصة حياة ستيفن هوكينغ‬

‫‪feb 140-144.indd 143‬‬ ‫‪1/4/15 9:10:22 AM‬‬


‫في أثناء التصوير‪ :‬استعدادات الفنان إيدي ريدمان تقمص لهيئة هوكينج قبل بداية أحد املشاهد‬

‫على أنها فيلس������وفة ومعلمة للفيلس������وف وعالم‬ ‫أصلية (األفالم بارعة دائماً في عرض تفاصيل‬
‫الرياضيات فيثاغوراس (‪ 500 - 580‬ق‪.‬م)‪.‬‬ ‫التصميمات بشكل صحيح)‪ ،‬لكن كما هو معتاد‪،‬‬
‫كم������ا أن الفيلم يحط من ق������در العمل الذي‬ ‫األمر تنقص������ه الصورة الكبيرة‪ ،‬املس������ار املتعرج‬
‫قام به الدكتور هوكينغ نفس������ه‪ ،‬تلك الشهور من‬ ‫من التع������اون والتنافس‪ ،‬بل حتى االحتراب الذي‬
‫احلسابات املكثفة التي يقتضيها حتويل إلهام إلى‬ ‫ميضي في������ه العلم في الواق������ع‪ ،‬والفيلم بإغفاله‬
‫نظرية حقيقية‪ ،‬بجعل������ه يبدو هيناً‪ ،‬فالعلم ليس‬ ‫أش������خاصاً مثل الدكت������ور بيكنش������تاين والدكتور‬
‫بالشيء الهني‪ ،‬حتى بالنسبة ألنداد أينشتاين من‬ ‫ستاروبنس������كي يع������زز قالب العبق������ري األوحد‪،‬‬
‫بيننا‪ ،‬لكن هذا ال يعني أنه ليس مبتعة‪.‬‬ ‫ذلك القالب اجلامد الراس������خ بالفعل في وسائل‬
‫«نظرية كل ش������يء» مجرد فيل������م‪ ،‬وينبغي أن‬ ‫اإلعالم وجوائز نوبل‪.‬‬
‫يس������رنا أن نرى الدكتور هوكينغ في النهاية ينال‬
‫ما يس������تحق من آلة الشاش������ة الكبيرة الصانعة‬ ‫عالم وكاهنة‬
‫للنجوم‪ ،‬وأنه حتى الثقوب الس������ود صارت جزءاً‬ ‫وفي حالة الدكت������ور هوكينغ جند أن إعاقته‬
‫م������ن احلديث الثقاف������ي‪ ،‬ومن ثم يجعلنا نش������عر‬ ‫تعزز هذا القالب اجلامد‪ ،‬ما يتس������بب في نظر‬
‫بالس������رور‪ ،‬فالفيلم ‪ -‬كما قال الدكتور هوكينغ ‪-‬‬ ‫س������ائر العالم‪ ،‬والس������يما وس������ائل اإلعالم‪ ،‬في‬
‫«صادق بوجه عام»‪ ,‬لكن كنا نود أن يلتزم صناع‬ ‫اإليحاء بأن كل مقولة تصدر عنه‪ ،‬وكأنها آتية من‬
‫الفيلم مبستوى أعلى من احلجية >‬ ‫كاهنة دِ لفي التي تش������ير إليها كثير من املصادر‪،‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪144‬‬

‫‪feb 140-144.indd 144‬‬ ‫‪1/4/15 9:10:27 AM‬‬


‫علوم‬

‫مرقاب القرن الثاني والعشرين‬


‫د‪.‬أبوبكر خالد سعدالله *‬

‫بع ��د أن ش ��هدت صحراء أتكاما ‪ Atacama‬في ش ��مالي تش ��يلي بأمريكا الالتيني ��ة بناء عدد‬
‫من املراقيب الضخمة في السنوات املاضية‪ ،‬سيكون العالم بعد سنوات عدة على موعد مع‬
‫أعظ ��م مرق ��اب يبنى في هذا القرن لرصد بعض الظواهر الفلكية‪ ،‬وكش ��ف كنوز هذا الكون‬
‫الفسيح وأسراره الغامضة‪.‬‬
‫�اب األوربي األعظم‬ ‫املرصد األورب � ُ�ي اجلنوب ��ي «‪ »ESO‬الـمرق � َ‬
‫ُ‬ ‫فف ��ي ع ��ام ‪ ،2020‬سيدش ��ن‬
‫‪ E-ELT European Extremely Large Telescope‬ال ��ذي يعم ��ل باألش ��عة حت ��ت احلم ��راء‪،‬‬
‫وال ��ذي انطل ��ق العمل فيه منتصف ع ��ام ‪ 2014‬ليكون أكبر مرقاب بص ��ري في العالم‪ ،‬بل‬
‫سيكون كما يراه مصمموه مرقاب القرن الثاني والعشرين (نعم‪ ،‬الثاني والعشرين!)‪.‬‬
‫* أكادميي من اجلزائر‪.‬‬

‫‪145‬‬

‫‪feb 145-149.indd 145‬‬ ‫‪1/4/15 9:13:52 AM‬‬


‫املرقاب كما يفترض تنفيذه في عام ‪2020‬‬

‫تطرح املراصد ومنظومة املراقيب األرضية‬ ‫أنش������ئ املرصد األوربي اجلنوبي منذ‬
‫تس������اؤالت جديدة اليوم حول الكون وما فيه من‬ ‫أكثر من نصف قرن بواس������طة خمس‬
‫أجرام وكواكب وكائن������ات وخصوصيات مختلفة‬ ‫دول‪ ،‬ه������ي‪ :‬أملانيا (الغربي������ة آنذاك)‬
‫ملكوناته‪ ،‬ل������ذا ف ّكر املختصون في إنش������اء جيل‬ ‫وبلجي������كا وفرنس������ا وهولندا والس������ويد‪ .‬ويضم‬
‫جديد من هذه اآلالت الرصدية‪ .‬ومن بني املسائل‬ ‫املرص������د حالياً ‪ 14‬دولة أوربية عضواً‪ ،‬والهدف‬
‫التي تواجه علماء الفلك‪ ،‬تدقيق ما جرى إثر ما‬ ‫منه دعم الرص������د الفلكي على الصعيد العاملي‪.‬‬
‫يعرف باالنفجار األعظم ‪ .Big Bang‬والواقع أن‬ ‫وقد انضم إلى قائمة األعضاء من خارج القارة‬
‫اآلالت القائمة اآلن على رصد الكائنات البعيدة‬ ‫ماض في‬‫األوربية البرازيل وتش������يلي‪ ،‬واملرصد ٍ‬
‫تواج������ه صعوبات جمة في أداء أدوارها‪ ،‬س������واء‬ ‫البحث عن أعضاء جدد عبر العالم‪ ،‬وفي تعاونه‬
‫كانت ه������ذه اآلالت مث ّبتة في س������طح األرض أو‬ ‫م������ع البلدان غي������ر األوربية‪ .‬وق������د رأى املرصد‬
‫سابحة في الفضاء‪ .‬وحتى يتقدم الرصد ويتط ّور‬ ‫النور عام ‪ ،1962‬وحمل في بداية النش������أة اسم‬
‫في أوربا وغيرها‪ ،‬ويس������تجيب ملتطلبات علماء‬ ‫«املنظم������ة األوربي������ة للبحث الفلك������ي في نصف‬
‫الفل������ك في هذا املجال‪ ،‬تب ّن������ى املرصد األوربي‬ ‫الك������رة األرضية اجلنوبي»‪ .‬أم������ا الفكرة األولى‬
‫اجلنوبي ‪European Southern Observatory‬‬ ‫فبادر بها أحد الفلكيني األوربيني عام ‪ ،1952‬ثم‬
‫مش������روعني كبيرين‪ ،‬هما «أَ مْلَا» ‪ Alma‬و«الشبكة‬ ‫تبناها مؤمتر لعلماء الفلك بهولندا عام ‪.1953‬‬
‫الواس������عة لهوائيات حتت املليمترية في أتكاما»‬ ‫ومن املعلوم أن املرصد ش������ َّيد عدداً معتبراً من‬
‫‪Atacama Large Millimeter/submillimiter‬‬ ‫املراقيب العمالقة‪ ،‬لك������ن ضخامتها ال تضاهي‬
‫‪ Array‬الذي دش������ن عام ‪ ،2013‬وقد أس������همت‬ ‫ضخامة املرصد الذي نحن بصدد تقدميه‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪146‬‬

‫‪feb 145-149.indd 146‬‬ ‫‪1/4/15 9:14:01 AM‬‬


‫‪VLT Very Large‬‬ ‫«املرق������اب البال������غ الكب������ر»‬ ‫في إجنازه الواليات املتحدة واليابان إضافة إلى‬
‫دشن عام ‪ ،1987‬وأوكلت إليه‬ ‫‪ Telescope‬الذي ّ‬ ‫أوربا‪ ،‬إذ إنه يدمج في احلقيقة ثالثة مش������اريع‬
‫مهم������ة رصد املناطق احلارة ف������ي الكون‪ .‬وعلى‬ ‫متكاملة س������طرتها تلك اجلهات الثالث‪ .‬ويتك ّون‬
‫بعد بضعة كيلومترات يوجد املرقاب اآلخر «أملا»‬ ‫هذا املرقاب من شبكة تض ّم ‪ 66‬هوائياً‪.‬‬
‫املذكور آنفاً‪ ،‬واملختص في رصد املناطق الباردة‬ ‫أما املش������روع الثاني فه������و «املرقاب األوربي‬
‫واملظلم������ة من الفض������اء‪ .‬وثمة أيض������اً مرقابان‬ ‫األعظ������م» ‪ E-ELT‬ال������ذي س������يكون جاهزاً في‬
‫آخران في املنطقة نفسها‪ ،‬كل منهما يقوم مبهام‬ ‫عام ‪ .2020‬ملاذا س������يُنصب في صحراء أتكاما‬
‫محددة من الفلكيني العامليني‪.‬‬ ‫(تشيلي)؟ ألن هذه الصحراء تتميز بجو مناسب‬
‫وم������ن بني أه������داف املرق������اب األعظم جمع‬ ‫لألرصاد الفلكية‪ ...‬س������ماء خالية من السحب‬
‫معلوم������ات حول تش������ ّكل بنَ������ى الك������ون األولى‪،‬‬ ‫خالل نح������و ‪ 320‬يوماً في الس������نة‪ ،‬وهواء بالغ‬
‫ومعلوم������ات أخ������رى ح������ول مص������در العناص������ر‬ ‫اجلف������اف (هن������اك مناطق ل������م تتس������اقط فيها‬
‫الكيميائي������ة والثقوب الس������ود‪ .‬واأله������م من كل‬ ‫األمطار منذ ‪ 30‬س������نة)‪ .‬كما أن الهواء والرياح‬
‫ذلك هو معرفة م������ا إذا كانت هناك حياة خارج‬ ‫يهبان بلطف دون إحداث اضطرابات‪ .‬وتشيلي‬
‫كوك������ب األرض‪ ،‬فالفلكيون غير واثقني اليوم من‬ ‫أرض يقصده������ا الفلكيون عموم������اً للرصد‪ ،‬ألن‬
‫وجود كوكب‪ ،‬مثل كوكبنا‪ ،‬يبعد مبس������افة تعادل‬ ‫هواءها جاف وبارد‪ ،‬وهو ما يجعل ‪ 70‬في املائة‬
‫املسافة التي تفصلنا عن الشمس‪ ،‬وهذا ال يعني‬ ‫من األرصاد الفلكية تنجز في ذلك البلد‪.‬‬
‫عدم وجوده‪ ،‬بل السبب هو عدم وجود الوسيلة‬
‫الكاش������فة التي تس������مح بالبت ف������ي األمر‪ ،‬هذا‬ ‫‪ ...2020‬موعده‬
‫متاحا بفض������ل املرقاب األعظم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫األمر س������يكون‬ ‫س������تكلف املرحل������ة األولى من بن������اء املرقاب‬
‫وحتى يتم حتسني األرصاد‪ ،‬فاملرايا التي يتكون‬ ‫نحو ‪ 1.5‬ملي������ار دوالر‪ ،‬وذلك يتطلب بادئ ذي‬
‫منها املرقاب س������تكون قادرة على تغيير ش������كلها‬ ‫بدء تس������وية حجم كبير م������ن الصخور يصل إلى‬
‫مئات املرات في الثاني������ة ملواجهة االضطرابات‬ ‫‪ 5‬آالف متر مكعب في أعلى الربوة املسماة جبل‬
‫اجلوية‪.‬‬ ‫األرمازون������س ‪( Cerro Armazones‬الت������ي تقع‬
‫تقدم كبير‬ ‫وهك������ذا‪ ،‬من املنتظر أن يتحق������ق ّ‬ ‫على ارتفاع ‪ 3060‬متراً فوق س������طح البحر) في‬
‫بفضل ه������ذا املرقاب‪ ،‬وذلك بدراس������ة الكواكب‬ ‫وادي فوتون������س ‪ .Fotones‬هذه الربوة هي التي‬
‫اخلارجية‪ ،‬والثقوب الس������ود‪ ،‬واملج ّرات البعيدة‪،‬‬ ‫س������ينتصب فيها املرقاب بعد ع������ام ‪ .2020‬عند‬
‫وحتلي������ل طبيعة املادة‪ ،‬وكذا م������ا يعرف بالطاقة‬ ‫انتهاء التس������وية س������ينزل رأس الربوة ‪ 18‬متراً‪،‬‬
‫السوداء‪ ،‬وفيزياء اللحظات األولى (إثر االنفجار‬ ‫يقل عن ‪ 220‬ألف متر‬ ‫ويتطل������ب ذلك نقل ما ال ّ‬
‫األعظم)‪ .‬ويأمل العلماء في اكتش������اف الكواكب‬ ‫مربع من الصخور خالل س������نة ونصف السنة‪.‬‬
‫اخلارجي������ة التي لها حجم األرض‪ ،‬وفي التوصل‬ ‫واله������دف من ه������ذه العملية ه������و تكوين هضبة‬
‫إلى التمييز أكثر بني بعض األجرام الس������ماوية‪.‬‬ ‫ملعبي لكرة القدم!‬ ‫نْ‬ ‫اصطناعية مبساحة تعادل‬
‫كما أن األمل كبير في دراس������ة بيئة النجوم قيد‬ ‫تلك هي املرحلة األولى من األعمال قبل الشروع‬
‫التكوي������ن‪ .‬ويبقى الهدف الرئي������س من املراقيب‬ ‫في بناء املرقاب‪.‬‬
‫العمالقة هو «مشاهدة» أولى املج ّرات والنجوم‬ ‫يتكون املرقاب من عني واسعة‪ ،‬وهي مبنزلة‬
‫التي ش������كلت بعد االنفج������ار األعظم بنحو بضع‬ ‫املرآة الرئيس������ة‪ ،‬قطرها يبلغ ‪ 39‬متراً‪ ،‬أو يزيد‬
‫مئات من ماليني الس������نني‪ .‬إنه أمر أساس لفهم‬ ‫ال‪ .‬وما مي ّيزها أن مساحة سطح هذه املرآة‬ ‫قلي ً‬
‫تش ّكل وتطور املج ّرات في مجملها‪ .‬وميكن القول‬ ‫التي تستقبل الضوء س������تفوق مساحة املراقيب‬
‫إن م������ا ه������و مطلوب من املرق������اب اجلديد حول‬ ‫املوج������ودة حاليا بـ ‪ 10‬إلى ‪ 15‬مرة‪ .‬وس������يجاور‬
‫التعرف على هذه اخلصوصيات هو اس������تكمال‬ ‫ه������ذا املرق������اب العم���ل��اق مرقاباً آخر يس������مى‬
‫‪147‬‬
‫مرقاب القرن الثاني والعشرين‬

‫‪feb 145-149.indd 147‬‬ ‫‪1/4/15 9:14:07 AM‬‬


‫صورة توضح تركيب املرقاب من الداخل وتركيب العدسة التي يزيد حجمها على حجم عدسات املراقيب املتاحة نحو ‪ 15‬مرة‬

‫يشمل التعريف الكواكب التي تدور حول الثقوب‬ ‫م������ا لم ولن يتم ّك������ن املرقاب الفضائ������ي «هابل»‬
‫السود‪.‬‬ ‫‪ Hubble‬من حتقيقه‪ .‬من املعلوم أن «هابل» قد‬
‫وق������د تزايد اكتش������اف الكواك������ب اخلارجية‬ ‫ُد ِّش������ن عام ‪ 1990‬وشهد خلال تك َّرر عبر السنني‬
‫منذ عام ‪ ،2008‬وه������ي تدور في معظمها حول‬ ‫وأُصلح مرا ًرا‪ ،‬ومن املتوقع أن تنتهي مهامه نحو‬
‫جنوم تقع على بعد نحو ‪ 400‬س������نة ضوئية من‬ ‫عام ‪ ،2020‬وسيظل في األجواء مدة طويلة قبل‬
‫النظام الشمس������ي‪ .‬فحتى ربيع عام ‪ ،2014‬بلغ‬ ‫القيام بعملية إس������قاطه على األرض بني عامي‬
‫عدد الكواكب اخلارجية املكتشفة بصفة مؤكدة‬ ‫‪ 2030‬و‪.2040‬‬
‫‪ 1783‬كوكب������اً‪ .‬وهناك بامل������وازاة مع ذلك آالف‬
‫الكواكب اخلارجية األخرى اكتش������فتها املراصد‬ ‫الكواكب اخلارجية‬
‫األرضية والفضائية‪ ،‬مثل املرصد األمريكي كبلر‬ ‫أش������رنا إلى أن من أبرز مهام مرقاب القرن‬
‫‪ Kepler‬الذي ُد ّشن عام ‪ 2009‬وستنتهي مهامه‬ ‫الثاني والعش������رين اكتشاف الكواكب اخلارجية‪،‬‬
‫ع������ام ‪ ،2016‬غير أن غالبية هذه االكتش������افات‬ ‫فما ه������و ه������ذا النوع م������ن الكواك������ب؟ الكوكب‬
‫التزال تنتظر التأكيد‪.‬‬ ‫اخلارج������ي (أي خ������ارج النظام الشمس������ي)‪ :‬هو‬
‫ويتو ّقع العلماء أن يكون هناك أكثر من ‪100‬‬ ‫كوكب ال يدور حول الش������مس بل يدور حول جنم‬
‫مليار كوك������ب في مجرتنا وحدها‪ ،‬بل هناك من‬ ‫آخر‪ .‬ففي عام ‪ 1995‬مت اكتشاف أول كوكب من‬
‫يتوقع ‪ 200‬مليار! وال شك في أن لبعضها أقماراً‬ ‫ه������ذا القبيل‪ .‬وفي ع������ام ‪ 2005‬تعرف الفلكيون‬
‫تدور من حولها‪ ،‬في حني تؤكد دراس������ة صدرت‬ ‫عل������ى ‪ 155‬كوك ًبا خارج النظام الشمس������ي‪ ،‬لكن‬
‫في خري������ف ‪ 2013‬أن هناك أكثر من ‪ 8‬ماليني‬ ‫ه������ذا التعريف توس������ع إثر بعض االكتش������افات‬
‫كوكب في مجرتنا ش������بيهة بكوكب األرض‪ .‬هل‪،‬‬ ‫وصار يش������مل الكواكب التائهة‪ ،‬أي تلك التي ال‬
‫يا تُرى‪ ،‬س������يكون هناك إمكان تس������مية كل هذه‬ ‫ترتبط بجاذبية أي جنم في الكون‪ .‬كما ميكن أن‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪148‬‬

‫‪feb 145-149.indd 148‬‬ ‫‪1/4/15 9:14:14 AM‬‬


‫والعش������رين ‪ -‬ه������ي الكفيلة بتصوي������ر الكواكب‬ ‫الكواكب بأس������ماء دقيقة‪ ،‬وهل سيتعرف عليها‬
‫بالشكل املنشود‪ .‬‬ ‫املرقاب األعظم؟!‬
‫وم� � ��ع ذلك‪ ،‬يقول العلماء إن� � ��ه ينبغي أال نأمل‬ ‫التبحر في‬ ‫ّ‬ ‫ومن مه������ام هذا املرقاب أيض������اً‬
‫ف� � ��ي احلصول على صور جذاب� � ��ة من حيث الدقة‬ ‫عالم الثقوب الس������ود‪ .‬والثقب األسود هو كائن‬
‫واجلمال‪ ،‬لكنها ستكون صوراً نستطيع استغاللها‬ ‫س������ماوي شديد الكثافة‪ ،‬ما يجعل حقل جاذبيته‬
‫م� � ��ن خالل حتليلها عبر األجهزة واآلالت املتوافرة‬ ‫مينع انفالت أي مادة أو إشعاع منه‪ ،‬وميتص ما‬
‫واستخالص ك ّم من املعلومات النادرة‪ .‬ال شك في‬ ‫حوله‪ .‬ومثل هذه الثقوب تتميز بكونها ال تستقبل‬
‫أن اجلي� � ��ل املقبل من األجهزة املتط ّورة س� � ��يجعل‬ ‫الضوء وال تعكسه‪ ،‬لذا تكون سوداً وخف ّية‪.‬‬
‫نوعية تلك الصور تتحسن تدريجياً بشكل الفت‪.‬‬ ‫وإذا عدن������ا إل������ى الكواك������ب اخلارجية التي‬
‫وبع� � ��د أن يتمكن املرقاب من الفص� � ��ل بني النجم‬ ‫أحصيت حت������ى اآلن نالحظ أنه مت اكتش������افها‬
‫وقمره القريب‪ ،‬س� � ��يبحث عن آثار املاء في ش� � ��كل‬ ‫بإحدى طريقتني‪:‬‬
‫بخار أو سائل‪ ،‬وسيبحث أيضاً خارج جوار األرض‬ ‫‪ -‬طريق������ة العبور‪ :‬مي������ ّر الكوكب أمام النجم‬
‫عن وجود عدد من الغ� � ��ازات نعرفها في محيطنا‬ ‫فيخفيه نسبياً‪ ،‬ومن ث ّم يلحظ املرقاب ذلك‪.‬‬
‫األرضي‪ ،‬مثل األكس� � ��جني وغ� � ��از الكربون‪ .‬وحتى‬ ‫الس������رع الش������عاعية‪ :‬يتقدم النجم‬‫‪ -‬طريقة ُّ‬
‫يتحق� � ��ق ذلك املرقاب األورب� � ��ي األعظم‪ ،‬علينا أن‬ ‫ويتأخر بعض العش������رات أو املئات من األمتار‪/‬‬
‫ننتظر سنوات بعد البدء في تشغيله في نحو عام‬ ‫ثانية إذا ما كان الكوكب في موقع معينّ بالنسبة‬
‫‪.2020‬‬ ‫للنجم‪ ،‬وذلك بسبب اجلاذبية‪.‬‬
‫ه������ل هن������اك مناف������س له������ذا املرق������اب؟ ال‪،‬‬ ‫لكن املش������كلة هنا تتمثل في أننا ال نستطيع‬
‫تتزعمهم������ا الواليات‬ ‫ّ‬ ‫ث ّمة مش������روعان عاملي������ان‬ ‫ف������ي هذه الظروف تصوي������ر الكواكب اخلارجية‬
‫املتح������دة‪ :‬قطر م������رآة املرقاب األول ‪-‬املس������مى‬ ‫بطريقة مباش������رة‪ .‬فم������ن األم������ور املنتظرة من‬
‫«املرقاب العمالق ماج���ل��ان» ‪Giant Magellan‬‬ ‫مرقابن������ا العمالق البحث ع������ن كواكب خارجية‬
‫‪ -Telescope‬ال يتج������اوز ‪ 22‬متراً س������ينصب في‬ ‫الس������رعات الش������عاعية‪.‬‬‫ضعيفة الكتلة بطريقة ُّ‬
‫تش������يلي‪ ،‬ويدعى اآلخر «مرقاب الثالثني متراً»‬ ‫ومن املتوقع أن يكشف بهذه الكيفية عن كواكب‬
‫(‪ ،)Thirty Meter Telescope‬وس������يُث ّبت ف������ي‬ ‫بحج������م األرض وتصوير كوكب املش������تري‪ .‬وفي‬
‫مرصد ه������اواي ‪ ،Hawaii‬وس������يكون قطر املرآة‬ ‫هذا السياق‪ ،‬يط ّور املختصون أدوات وجتهيزات‬
‫فيه نح������و ‪ 30‬مت������راً‪ ...‬ال أكث������ر! إذن‪ ،‬فلننتظر‬ ‫فائق������ة الدقة لتس������هيل تلك امله������ام الرصدية‪.‬‬
‫عام ‪ 2020‬لن������درك عظمة مرقاب القرن الثاني‬ ‫ونظ������راً لصغر حجم الكثير م������ن الكواكب‪ ،‬فإن‬
‫والعشرين >‬ ‫املراقي������ب العمالقة – مثل مرقاب القرن الثاني‬

‫ق ��ال اب ��ن دراج الطفيل ��ي‪« :‬مرت بي جن ��ازة ومعي ابني وم ��ع اجلنازة‬
‫ام ��رأة تبكي املي ��ت وتقول‪ :‬بك يذهبون إلى بي ��ت ال فرش فيه وال وطاء‪،‬‬
‫أبت إلى‬
‫وال ضياف ��ة وال غط ��اء‪ ،‬وال خبز فيه وال ماء‪ .‬فق ��ال لي ابني‪ :‬يا ِ‬
‫بيتنا والله يذهبون بهذه اجلنازة!»‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫مرقاب القرن الثاني والعشرين‬

‫‪feb 145-149.indd 149‬‬ ‫‪1/4/15 9:14:22 AM‬‬


‫علوم‬

‫استخدامات الذكاء االصطناعي بنظام حتديد املواقع العاملي‬


‫حلول علمية ملشكالت مستعصية‬
‫د‪ .‬حسني عزيز صالح *‬

‫لم تعد اس ��تخدامات نظام حتديد املواق ��ع العاملي (جي بي إس) ‪Positioning System Global‬‬
‫مقتصرة على األغراض العسكرية التي أنشئ النظام من أجلها‪ ،‬ولم يعد سري ًا جد ًا كما كان‬
‫األمر في بداياته‪ ،‬بل أصبحت تلك االس ��تخدامات متنوعة ومتعددة لتش ��مل مجاالت كثيرة‪،‬‬
‫لعل أهمها عمليات النقل والشحن والطيران واملالحة اجلوية‪ ،‬التي تستخدمه ملتابعة حركة‬
‫اآلليات وتوجيهها بدقة متناهية‪ ،‬إضافة إلى السيارات التي صارت مزودة بخرائط تفصيلية‬
‫للشوارع وأفضلها وأقصرها‪ ،‬فض ًال عن إدارة الكوارث والتنبؤ بها واحلد من آثارها‪ ،‬من خالل‬
‫تعقب األعاصير والفيضانات ومراقبة حرائق الغابات وحـــركة اجلــــبال اجلليدية‪.‬‬

‫الفضائي� � ��ة واجليومعلومــــاتي� � ��ة‪ ،‬أصب� � ��ح م� � ��ن األهمية‬ ‫وبعد أن استخدمت الواليات املتحدة نظام‬
‫املـــــتزاي� � ��دة والضــــ� � ��رورة امللح� � ��ة إنش� � ��اء «الش� � ��بكات‬ ‫حتدي� � ��د املواق� � ��ع العامل� � ��ي (‪ )GPS‬بهدف‬
‫اجليوماتيكي� � ��ة» الكبي� � ��رة املرصودة باس� � ��تخدام النظم‬ ‫االستطالع واملراقبة من قبل وزارة الدفاع‬
‫العاملي� � ��ة لتعني املواقع اإلحداثي� � ��ة ومن ثم ربطها بإطار‬ ‫األمريكية‪ ،‬اس� � ��تخدمته بعدها لألغ� � ��راض املدنية منذ‬
‫«جيوديزي» عاملي متناسق ودقيق‪.‬‬ ‫منتصف التس� � ��عينيات من القرن املاض� � ��ي‪ .‬وهو نظام‬
‫تتكون ه� � ��ذه النظم العاملية م� � ��ن النظام األمريكي‬ ‫يتكون من ‪ 24‬قمراً اصطناعياً تزود املس� � ��تخدم ‪ -‬على‬
‫(ج� � ��ي بي إس) والنظام الروس� � ��ي (غلون� � ��اس) والنظام‬ ‫مدار الـ ‪ 24‬س� � ��اعة ‪ -‬باملوق� � ��ع ذي اإلحداثيات الثالث‬
‫األوربي احلديث (غاليليو)‪.‬‬ ‫بدق� � ��ة عالية جداً‪ ،‬وباملعلوم� � ��ات الزمنية ألي مكان من‬
‫الكرة األرضية‪.‬‬
‫تطبيقات عملية‬ ‫لك� � ��ن وج� � ��ود األخط� � ��اء والتش� � ��وهات الكثيرة في‬
‫إضاف� � ��ة إل� � ��ى ما ُذكر آنف � � �اً‪ ،‬ميتلك نظ� � ��ام حتديد‬ ‫الش� � ��بكات الطبوغرافي� � ��ة احلالية املنفذة باس� � ��تخدام‬
‫املواقع العاملي تأثيراً ف َّعاالً في كل املجاالت الهندس� � ��ية‬ ‫الطرق املساحية التقليدية (أي الشبكات غير املرصودة‬
‫واجليوفيزيائية‪ ،‬السيما األعمال املساحية في حتديد‬ ‫بنظ� � ��م األقمار االصطناعية) جعلها غير متناس� � ��بة مع‬
‫املواقع والتغيرات احلاصلة فيها بدقة متناهية وبكلفة‬ ‫املتطلبات احلديثة العلمي� � ��ة واألمنية‪ ،‬كالتنبؤ بالزالزل‬
‫قليلة‪ ،‬وخالل فترات رصد قصيرة‪ .‬ميكن حتقيق ذلك‬ ‫ومراقب� � ��ة حتركات القش� � ��رة األرضية وان� � ��زالق التربة‬
‫م� � ��ن دون احلاجة إلى توفير ش� � ��رط الرؤية بني النقاط‬ ‫واستقرار املنشآت الضخمة‪ ،‬كاألبنية العالية واجلسور‬
‫املس� � ��احية‪ ،‬الذي يُع � � � ّ ُد أساس� � ��ياً في حال الش� � ��بكات‬ ‫املعلق� � ��ة واألنفاق الطويلة ومحط� � ��ات الطاقة ومصافي‬
‫الطبوغرافي� � ��ة‪ .‬وتكمن قدرة نظام «ج� � ��ي بي إس» في‬ ‫الغاز والبترول‪ ،‬وغيرها من املنشآت احلساسة‪.‬‬
‫تنفيذ املس� � ��احة الدقيقة لألغ� � ��راض اجليوديزية بجزء‬ ‫ومع تقدم التكنولوجيا‪ ،‬السيما في مجال املساحة‬
‫* كاتب من سورية‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪150‬‬

‫‪feb 150-153.indd 150‬‬ ‫‪1/4/15 9:14:55 AM‬‬


‫واحلصول على اخلريطة اإللكترونية‬ ‫م� � ��ن الزم� � ��ن والكلف� � ��ة أكثر مم� � ��ا هو‬
‫الرقمي� � ��ة الت� � ��ي تُبن� � ��ى عليه� � ��ا‬ ‫مطل� � ��وب منه في الط� � ��رق التقليدية‪.‬‬
‫قاع� � ��دة البيانات األساس� � ��ية‬ ‫إن استخدام أجهزة نظام الـ «جي‬
‫واملعلوم� � ��ات التفصيلي� � ��ة‬ ‫ب� � ��ي إس» مكلف ج� � ��داً مقارنة‬
‫لكام� � ��ل املنطق� � ��ة املغطاة‬ ‫بالطرق األخرى‪ ،‬لكنه يصبح‬
‫بالش� � ��بكة اجليوماتيكية‪.‬‬ ‫مهماً ج� � ��داً عندم� � ��ا تزداد‬
‫تُس� � ��تخدم نظم املعلومات‬ ‫كمية األعمال كما في حال‬
‫اجلغرافي� � ��ة (جي آي إس)‬ ‫الش� � ��بكات اجليوماتيكي� � ��ة‬
‫(‪Geographic Information‬‬ ‫الكبيرة‪ .‬تُشكل هذه الشبكات‬
‫‪ )System GIS‬إلدخال وتنظيم‬ ‫اإلطار األساس للحصول على‬
‫ه� � ��ذه البيان� � ��ات‪ ،‬وبالتال� � ��ي‬ ‫املعلوم� � ��ات اجليوماتي� � ��ة ملعظ� � ��م‬
‫احلص� � ��ول عل� � ��ى اخلريط� � ��ة‬ ‫تطبيق� � ��ات احلي� � ��اة العملي� � ��ة‪ ،‬كإدارة‬
‫الرقمية لكامل الشبكة اجليوماتيكية‪.‬‬ ‫نظام حتديد املواقع‬
‫الك� � ��وارث وتصميم ش� � ��بكات االتصاالت‬
‫العاملي (جي بي إس) وتستطيع الطرق احلسابية الدقيقة حل‬ ‫الضخمة وجدولة تنظيم حركة املرور في‬
‫شبكات صغيرة فقط‪ ،‬وهي ليست عملية‬ ‫املدن الكبرى وإيجاد املواقع املثالية حملطات‬
‫ومخازن الطاقة والسدود‪ ،‬وغيرها من املنشآت احليوية مع ازدياد أبعاد الش� � ��بكة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فمن املهم جداً‬
‫احلص� � ��ول على طرق عملية مبنية على خوارزميات‬ ‫الضخمة‪.‬‬
‫ً‬
‫ميكن تعريف الشبكة اجليوماتيكية‪ ،‬وفقا للمساحة الذكاء االصطناعي‪ ،‬الت� � ��ي ميكنها تزويد التصميم‬
‫الفضائية باستخدام نظام حتديد املواقع العاملي (جي املثالي أو القريب من املثالي لش� � ��بكات كبيرة بزمن‬
‫بي إس) بأنها مجموعة من النقاط املساحية (‪ ،)stations‬حسابي مقبول‪ ،‬وبأقل تكلفة ممكنة‪.‬‬
‫التي يتم تعي� �ي��ن إحداثياتها بوضع أجهزة االس� � ��تقبال‬
‫عليها لتحديد األشعة أو القياسات الزمنية (‪ )sessions‬خوارزميات الذكاء االصطناعي‬
‫ثم� � ��ة تط� � ��ور مهم في عم� � ��ل نظام حتدي� � ��د املواقع‬ ‫ب� �ي��ن هذه النقاط‪ ،‬كما هو مبني في الش� � ��كل ‪ ،2‬أي يتم‬
‫حتديد هذه الشبكة باستخدام قياسات األشعة الثالثية العاملي‪ ،‬يتمث� � ��ل في عملية التصميم املثالي للش� � ��بكات‬
‫األبعاد (‪ .)3D‬يُعرف الشعاع أو القياس بالفترة الزمنية اجليوماتيكي� � ��ة بأس� � ��لوب علم� � ��ي مبرم� � ��ج‪ ،‬مبني على‬
‫أو مدة الرصد التي يحتاج إليها جهازا استقبال أو أكثر اس� � ��تخدام منذجة خوارزميات ال� � ��ذكاء االصطناعي‪.‬‬
‫لتس� � ��جيل أو التقاط اإلشارات املبثوثة في آن واحد من يعتمد مبدأ عم� � ��ل هذه اخلوارزميات على اس� � ��تخدام‬
‫األقمار االصطناعية‪ .‬إن العدد األصغر الالزم ألجهزة التصميم األولي للش� � ��بكة‪ ،‬الذي مت تش� � ��كيله اختيارياً‬
‫االس� � ��تقبال هو اثنان‪ ،‬وتصبح مس� � ��ألة تصميم الشبكة أو جتريبياً‪ ،‬ثم حتس� � ��ينه في تصميم جديد أفضل من‬
‫أكثر أهمية وتعقيداً مع ازدياد هذا العدد‪ ،‬خاصة عند س� � ��ابقه بتطبيق سلسلة من عمليات التحسني املتتالية‪.‬‬
‫تُك� � ��رر ه� � ��ذه اخلوارزميات تطبيق ه� � ��ذه العمليات على‬ ‫تصميم شبكات اإلنذار املبكر‪.‬‬
‫واألم� � ��ر املهم هنا ه� � ��و البحث ع� � ��ن أفضل ترتيب التصمي� � ��م اجلديد املعتمد ف� � ��ي كل مرحلة بغية إيجاد‬
‫لتنظيم األش� � ��عة الزمنية بحيث تُعط� � ��ي أفضل برنامج أفضل تصمي� � ��م ممكن‪ .‬تُوقِ � � ��ف اخلوارزميات عمليات‬
‫عمل ممكن (أقل كلفة) إلمتام رصد كامل هذه األشعة‪ .‬التحس� �ي��ن فور احلصول على التصميم املثالي النهائي‬
‫وه� � ��ذا يعني عملياً حتديد الكيفية التي س� � ��يتم بها نقل للشبكة اجليوماتيكية‪ ،‬املوافق للشروط احملددة‪.‬‬
‫تُع� � ��د اخلوارزميات‪ ،‬املبنية على مب� � ��ادئ ومفاهيم‬ ‫كل جهاز استقبال بني النقاط املراد حتديد إحداثياتها‬
‫بأسلوب ف َّعال يأخذ في احلسبان بعض العناصر املهمة وأفكار ونظريات الذكاء االصطناعي‪ ،‬أحدث األساليب‬
‫املط َّورة واألكثر اس� � ��تخداماً في إيج� � ��اد احللول املثالية‬ ‫كالزمن والدقة والكلفة‪.‬‬
‫وبع� � ��د االنتهاء من عملي� � ��ة الرصد يتم جتميع ملش� � ��كالت عدة في مجاالت متنوعة وواسعة في احلياة‬
‫هذه األش� � ��عة في احلاس� � ��وب ملعاجلته� � ��ا وحتليلها العملية كعل� � ��وم اإلدارة واإلحصاء والبح� � ��ث العملياتي‬
‫‪151‬‬
‫حلول علمية ملشكالت مستعصية‬

‫‪feb 150-153.indd 151‬‬ ‫‪1/4/15 9:14:59 AM‬‬


‫أط� � ��ول للبحث عن التصميم املثال� � ��ي والعكس صحيح‪،‬‬ ‫وكل املجاالت الهندس� � ��ية واملعلوماتية‪ ...‬إلخ‪ .‬وتتصف‬
‫لهذا فإن االستخدام الف ّعال لهذه اخلوارزميات يتطلب‬ ‫هذه اخلوارزميات بقدرتها على ابتداع طرق ديناميكية‬
‫حتقيق التوازن ب� �ي��ن عدد التصامي� � ��م الناجتة والزمن‬ ‫مالئمة لطبيعة املسألة املراد دراستها وحتديد الصيغة‬
‫الالزم الختبارها‪.‬‬ ‫العملية إليجاد احلل األكثر مناس� � ��بة من بني مجموعة‬
‫‪ -3‬مرحلة حتسني وقبول التصميم األكثر مناسبة‪:‬‬ ‫احللول املمكنة لدراس� � ��ة هذه املسألة‪ ،‬ومن ثم حتسني‬
‫تعتم� � ��د اخلوارزمي� � ��ة التصمي� � ��م احلال� � ��ي وتط ّبق عليه‬ ‫قيمة هذا احلل إلى أقصى حدود اإلمكانية‪.‬‬
‫عمليات التحس� �ي��ن وحتوله إلى تصمي� � ��م جديد أفضل‬ ‫ويُقص� � ��د مبفهوم التحس� �ي��ن وف� � ��ق مب� � ��دأ الذكاء‬
‫من س� � ��ابقه‪ .‬تُعرف عملية التحس� �ي��ن بأنه� � ��ا تغيير في‬ ‫االصطناعي إيجاد احل� � ��دود الدنيا لتكلفة تصميم ما‪،‬‬
‫عوام� � ��ل وش� � ��روط التصميم‪ ،‬كنقل أو مبادل� � ��ة أو إعادة‬ ‫أو احلدود العظمى لالستخدام الف َّعال لهذا التصميم‪.‬‬
‫ترتيب مواقع رصد القياسات‪ ...‬إلخ‪ ،‬تكرر اخلوارزمية‬ ‫ال‪ ،‬في الهندس� � ��ة امليكانيكية يهدف املهندس املُص ّمم‬ ‫مث ً‬
‫عمليات التحس� �ي��ن على كل تصميم جديد ناجت من كل‬ ‫ً‬
‫إلى إيجاد التصميم املثالي للسيارة آخذا بعني االعتبار‬
‫مرحلة‪ ،‬وفقاً للش� � ��روط املعينة‪ ،‬حتى يتم احلصول على‬ ‫جميع العوامل الهندس� � ��ية واالقتصادية والفنية‪ ...‬إلخ‪،‬‬
‫التصميم األمثل‪.‬‬ ‫فاملهندس امليكانيكي يهدف باس� � ��تخدام التحسني إلى‬
‫‪ -4‬مرحل� � ��ة اإليقاف‪ :‬توق� � ��ف اخلوارزمية عمليات‬ ‫احلصول على أفضل تصميم ممكن لس� � ��يارة منوذجية‬
‫التحسني في حال عدم حصول أي حتسن ملحوظ على‬ ‫تتواف� � ��ر فيها ف� � ��ي آن واحد احل� � ��دود العظمى لعوامل‬
‫قيمة التصميم احلالي‪ ،‬وتعتمده كتصميم نهائي موافق‬ ‫األم� � ��ان والق� � ��وة واجلاذبية واخلف� � ��ة والكلف� � ��ة‪ ...‬إلخ‬
‫للش� � ��روط املطلوبة‪ .‬تتح� � ��دد مرحلة اإليق� � ��اف بإيجاد‬ ‫(احلدود العظمى في هذه احلالة)‪ ،‬أما في الهندس� � ��ة‬
‫الزمن ال� �ل��ازم أو باملجموع الكلي للعمليات املتكررة من‬ ‫اجليوماتيكي� � ��ة‪ ،‬فيهدف املهندس املصم� � ��م إلى إيجاد‬
‫بداي� � ��ة عمل اخلوارزمية وحتى احلصول على التصميم‬ ‫التصمي� � ��م املثالي للش� � ��بكة اجليوماتيكي� � ��ة‪ ،‬آخذاً بعني‬
‫األمثل‪.‬‬ ‫االعتبار كل الشروط الفنية والهندسية واالقتصادية‪...‬‬
‫ويعتمد جناح عمل ه� � ��ذه اخلوارزميات على خبرة‬ ‫إل� � ��خ‪ ،‬فاملهن� � ��دس اجليوماتيك� � ��ي يه� � ��دف باس� � ��تخدام‬
‫املصمم وعل� � ��ى املعلومات املتوافرة عن املس� � ��ألة املراد‬ ‫التحس� �ي��ن إلى احلص� � ��ول على أفض� � ��ل تصميم ممكن‬
‫معاجلته� � ��ا‪ .‬تبدأ الطريقة املبنية عل� � ��ى أفكار الذكاء‬ ‫لشبكة جيوماتيكية منوذجية بأسرع وقت وبأقل تكلفة‬
‫االصطناع� � ��ي باعتماد تصميم أولي للش� � ��بكة‪ ،‬وحتاول‬ ‫(احلدود الدنيا في هذه احلالة)‪.‬‬
‫بشكل تكراري حتسني هذا التصميم بتطبيق سلسلة من‬
‫تغييرات التحسني احمللية (املبادلة بني األشعة الزمنية)‬ ‫مراحل تطبيق اخلوارزميات‬
‫التي يتم إنتاجها تبعاً آللية مناسبة ومحددة حتى حتقيق‬ ‫تتألف املراحل األساس� � ��ية لتطبي� � ��ق أي خوارزمية‬
‫صيغة إيق� � ��اف العمل واحلصول على التصميم النهائي‬ ‫متطورة في تصميم الشبكة اجليوماتيكية مما يلي‪:‬‬
‫املثالي للشبكة ووفقاً للشروط املناسبة‪.‬‬ ‫‪ -1‬مرحلة التصميم األولي للش� � ��بكة اجليوماتيكية‬
‫وفقاً للشروط الفنية والهندسية واالقتصادية‪.‬‬
‫طرق تطبيقية متطورة‬ ‫‪ -2‬مرحل� � ��ة تش� � ��كيل مجموعة التصامي� � ��م البديلة‬
‫من أهم الطرق املبنية على أفكار الذكاء االصطناعي‬ ‫املجاورة واملش� � ��تقة من التصميم األولي للشبكة‪ ،‬حيث‬
‫املط � � � َّورة واملط َّبق� � ��ة‪ :‬طريقة البحث املتق� � ��ارب احمللي‪،‬‬ ‫حتتوي هذه املجموعة على تصاميم ذات حلول متنوعة‪،‬‬
‫وطريقة التلدي� � ��ن التجريبي‪ ،‬وطريقة البحث احملظور‪.‬‬ ‫جيدة ومتوس� � ��طة‪ ،‬وهدف اخلوارزمي� � ��ة اختيار أفضل‬
‫تعتمد الطريقة األولى على مبدأ البحث والتفتيش في‬ ‫تصميم ممكن‪ .‬تكم� � ��ن صعوبة هذه املرحلة في حتقيق‬
‫جوار التصميم احلالي‪ ،‬أما الطريقة الثانية فهي مشتقة‬ ‫التوازن بني عدد التصاميم البديلة والوقت احلس� � ��ابي‬
‫من مبادئ العلوم الفيزيائية وبشكل أخص من امليكانيك‬ ‫ال� �ل��ازم الختبار ه� � ��ذه التصاميم بغي� � ��ة احلصول على‬
‫اإلحصائي‪ ،‬أما الثالثة فتعتمد على املبادئ العامة حلل‬ ‫التصميم األفضل‪.‬‬
‫املسألة بشكل ذكي من خالل االستخدام الفعال ملفهوم‬ ‫كلم� � ��ا كان عدد ه� � ��ذه التصاميم كبي� � ��راً أصبحت‬
‫ذاكرة احلاس� � ��وب‪ .‬تقبل طريقة البحث املتقارب احمللي‬ ‫عملية البحث ش� � ��املة وطويلة‪ ،‬وتطلبت زمناً حس� � ��ابياً‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪152‬‬

‫‪feb 150-153.indd 152‬‬ ‫‪1/4/15 9:15:05 AM‬‬


‫الس� � ��ريع على جميع املعلومات املتعلقة‬ ‫فقط التصميم الذي ينتج تخفيضاً في‬
‫مبنطقة الدراس� � ��ة عن طريق جمع‬ ‫قيمة الكلفة‪ .‬من الناحية األخرى‬
‫البيانات الالزم� � ��ة (كالزلزالية‪,‬‬ ‫فإن كال م� � ��ن طريقتي التلدين‬
‫والتكتوني� � ��ة‪ ,‬والطبوغرافية‪,‬‬ ‫التجريب� � ��ي والبحث احملظور‬
‫و ا جليو مو ر فو لو جي� � ��ة ‪,‬‬ ‫تتضمن� � ��ان اس� � ��تراتيجيات‬
‫واجليولوجي� � ��ة‪ ...‬إلخ) في‬ ‫تنفيذي� � ��ة وتنظيمية متنوعة‬
‫قاعدة بيانات أساس� � ��ية‪،‬‬ ‫مبنية على املتانة والنماذج‬
‫وم� � ��ن ث� � ��م تطبي� � ��ق طرق‬ ‫احلاس� � ��وبية م� � ��ن أج� � ��ل‬
‫التحلي� � ��ل املتقدم� � ��ة الت� � ��ي‬ ‫احلص� � ��ول عل� � ��ى تصاميم‬
‫تقود إلى املساهمة العميقة‬ ‫بجودة عالية‪.‬‬
‫ف� � ��ي فه� � ��م الوض� � ��ع التكتوني‬ ‫وميكن اس� � ��تخدام الطرق‬
‫اإلقليم� � ��ي‪ ،‬ال� � ��ذي يس� � ��اعد في‬ ‫الث� �ل��اث املعتم� � ��دة عل� � ��ى أفكار‬
‫توضيح النطاقات الزلزالية وحتديد‬ ‫ال� � ��ذكاء االصطناعي واملبرمجة بلغة‬
‫قيم تنبؤ النش� � ��اط اجليوديناميكي ملناطق‬ ‫احلاس� � ��وب من أجل إيجاد أفضل تصميم‬
‫الفوال� � ��ق النش� � ��طة والص� � ��دوع املوزعة عل� � ��ى املنطقة‬ ‫ممكن للش� � ��بكات اجليوماتيكية‪ .‬وتعتبر عملية تصميم‬
‫املدروسة وحتديد العالقة الدقيقة بني درجة االهتزاز‬ ‫الشبكات اجليوماتيكية باس� � ��تخدام خوارزميات الذكاء‬
‫األرضي وحجم الزلزال املتوقع واألضرار الناجمة‪.‬‬ ‫االصطناع� � ��ي األولى والفريدة من نوعها على مس� � ��توى‬
‫وتس� � ��اعد هذه املنهجية في توفي� � ��ر الدعم الفعال‬ ‫العالم التي أجراها كاتب املقال‪ ،‬حيث مت تعديل عناصر‬
‫التخاذ القرار في اختيار املواقع املناسبة إلقامة املواقع‬ ‫وعمل هذه اخلوارزميات لتناس� � ��ب الطبيعة الديناميكية‬
‫احليوية واملــــشاريع االستراتيجية‪ ،‬كالسدود ومحطات‬ ‫لتصميم الش� � ��بكات اجليوماتيكية‪ ،‬ومت تطبيقها بنجاح‬
‫توليد الطاقة ومتديد أنابيب النفط والغاز‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫إليج� � ��اد التصاميم املثالية لش� � ��بكات ضخمة في مالطا‬
‫وميكن تعميم هذه املنهجــــية بنـــجــاح لتــــش � � �ــمل‬ ‫وسيشيل‪.‬‬
‫منطقة فالق االنهدام العرب� � ��ي والفوالق األخرى في‬
‫الوطن العربي‪ ،‬وهذا يدعم املساهمة الفعالة لتحقيق‬ ‫تطبيقات واعدة في الدول العربية‬
‫النظام املتكامل الذي يقود إلى تخفيف أضرار وخطر‬ ‫لكل من الشبكتني‪ ،‬أعطت طريقتا التلدين‬ ‫وبالنسبة ٍ‬
‫الك� � ��وارث املختلفة التي تتعرض له� � ��ا الدول العربية‪،‬‬ ‫التجريبي والبحث احملظ� � ��ور املط َّورتان تصاميم عالية‬
‫كال� � ��زالزل والفيضانات وغيره� � ��ا‪ .‬ومادامت الطرق‬ ‫اجلودة من تلك التي مت رصدها في الواقع‪ .‬بالنس� � ��بة‬
‫الثالث املذكورة آنفاً ذات أهمية نظرية وعملية على‬ ‫املساحي الذي يستخدم نظام «جي بي إس»‪،‬‬ ‫للمهندس َّ‬
‫حد س� � ��واء‪ ،‬فإنه لم يتم فق� � ��ط تبيان وعرض أفضل‬ ‫ٍّ‬ ‫فقد تبني أن هذه الطرق املط َّورة تس� � ��تطيع بشكل كبير‬
‫النتائ� � ��ج‪ ،‬لك� � ��ن مت اقت� � ��راح بعض النواح� � ��ي املتنوعة‬ ‫تخفي� � ��ض تكلفة تنفيذ عملية املس� � ��احة الفضائية‪ .‬يتم‬
‫له� � ��ذه الطرق‪ .‬وهذا يوفر دافع � � �اً قوياً وفرصة غنية‬ ‫حالي � � �اً تطبيق اخلوارزميات املبني� � ��ة على أفكار الذكاء‬
‫لالبتكار بتكييف وتعديل الطرق املذكورة من أجل حل‬ ‫االصطناعي في وضع املنهجية العملية ملعاجلة بيانات‬
‫وحتسني املش� � ��كالت العملية املساحية األخرى‪ ،‬التي‬ ‫اخلرائط التكتونية واملعطي� � ��ات الزلزالية في عدد من‬
‫يكون فيها م� � ��ن الصعب جداً احلصول على اجلدوى‬ ‫الدول العربية (كنش� � ��اط الفوالق والتحركات األرضية‬
‫واحللول اجليدة‪.‬‬ ‫وحتديد س� � ��لوكها وتوقع حدوث الزالزل الكبيرة ومدى‬
‫واألم� � ��ل معقود على االس� � ��تمرار ف� � ��ي تطبيق هذه‬ ‫تأثيرها في السكان واملنشآت‪ ...‬إلخ)‪.‬‬
‫الطرق الواعدة‪ ،‬وانتش� � ��ارها الواس� � ��ع في املؤسس� � ��ات‬ ‫توفر هذه املنهجية املرونة املناسبة ملعاجلة احلجم‬
‫العلمية والبحثية املعنية‪ ،‬واالستفادة منها في حل عدد‬ ‫الهائل للبيانات املجمعة بش� � ��كل سريع واقتصادي‪ ،‬ومن‬
‫من املشكالت التي تعاني منها املنطقة العربية‪ ،‬السيما‬ ‫ثم إيجاد احللول العملية ملعاجلة تأثيرات هذه الفوالق‪.‬‬
‫األضرار الناجتة عن الكوارث الطبيعية >‬ ‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬تس� � ��اعد ه� � ��ذه املنهجية في احلصول‬
‫‪153‬‬
‫حلول علمية ملشكالت مستعصية‬

‫‪feb 150-153.indd 153‬‬ ‫‪1/4/15 9:15:12 AM‬‬


‫لـقـاء‬

‫د‪ .‬أمين فؤاد السيد‪:‬‬


‫انحسار النشر العلمي اجلاد‬
‫للتراث العربي‬
‫محمد عويس*‬
‫كان ��ت كلم ��ات الدكتور عبادة كحيل ��ة ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬صاحب فكرة كت ��اب البحوث ا ُملهداة إلى‬
‫الدكت ��ور أمين فؤاد الس ��يد حاضرة بقوة في ذهن ��ي عندما فكرت في إجراء حوار معه‪ ،‬حيث‬
‫اس ��تهل ُمقدم ��ة الكت ��اب قائ�ل�ا‪« :‬أمين فؤاد س ��يد أ َّرخ فكان غاي ��ة في التأري ��خ‪ ،‬وحقق فكان‬
‫غاي ��ة ف ��ي التحقيق‪ ،‬مع أن اجلمع بني هذي ��ن الفنني واإلجادة فيهما جدير بهما أن يعطيا‬
‫لصاحبهم ��ا مكان ��ة ه ��و أهل لها‪ ،‬فإن هن ��اك قوم ًا أكل احلس ��د قلوبهم‪ ،‬فمن انتس ��ب منهم‬
‫إل ��ى التأري ��خ ق ��ال‪« :‬هو محقق ولي ��س مؤرخ ًا»‪ ،‬ومن انتس ��ب منهم إلى التحقي ��ق قال‪« :‬هو‬
‫فجود في‬
‫فجود في التأريخ وحقق َّ‬ ‫مؤرخ وليس محقق ًا» وقد نس ��ي هؤالء أو تناس ��وا أنه أ َّرخ َّ‬
‫التحقيق‪ ،‬في حني أنهم لم يج ِّودوا حني أرخوا وحني حققوا»‪.‬‬

‫للنصوص‪ ،‬وذلك من خالل نش������ر ما لم يس������بق‬ ‫س������اهم أمين فؤاد الس������يد في إثراء‬
‫نشره من الكتب ذات القيمة‪ ,‬وإعادة نشر الكتب‬ ‫الثقاف������ة العربي������ة واإلس���ل��امية في‬
‫التي صدرت في طبع������ات غير علمية في بوالق‬ ‫جوان������ب حتقيق املخطوط������ات‪ ,‬وأخذ‬
‫واجلوائب وغيرهما من املطابع‪ ،‬وال نعرف على‬ ‫من املُستش������رقني منهج حتقيقه������ا‪ ,‬وأخلص فيه‬
‫أي نسخ اعتمدت‪ ,‬والنشرات النقدية التي ظهرت‬ ‫ا‪ ,‬كما أن املقدمات التي قدم بها‬ ‫إخالصاً كام���ل�� ً‬
‫لها نس������خ ذات قيمة أو نفدت طبعاتها األصلية‬ ‫حتقيقاته كافية وافية ملضمون املخطوط حُ‬
‫املقق‪,‬‬
‫األولى‪ ،‬ث������م إعادة بناء النصوص املفقودة‪ ،‬األمر‬ ‫وعلم������ه واجتهاده أنصفاه ض������د ُظلم البعض له‪,‬‬
‫الذي يتطلب إحاط������ة باملوضوع املعني واطالعاً‬ ‫من خالل تف ُّرده في حتقيقاته ومتسكه مببادئه‪.‬‬
‫عل������ى ما نُش������ر من������ه‪ ،‬أو الي������زال مخطوطاً منه‬ ‫التقيت أمين فؤاد السيد‪ ،‬وكان هذا اللقاء‪:‬‬
‫وبالتال������ي يجعلنا نعتمد عل������ى املصادر األصلية‬ ‫< كيف ميكننا إعادة بناء النُّ صوص القدمية‬
‫بدالً من املصادر الوسيطة‪ ,‬وهو عمل ال يتصدى‬ ‫الضائعة؟‬
‫له إال ش������خص مهم������وم بقضية ويس������تطيع تتبع‬ ‫‪ -‬يُع������د ذلك أح������د أهداف النش������ر النقدي‬
‫* كاتب من مصر‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪154‬‬

‫‪feb 154-157.indd 154‬‬ ‫‪1/6/15 11:45:12 AM‬‬


‫من مؤلفات د‪.‬إمين فؤاد السيد‬

‫تصل مجلداته إلى أكث������ر من ‪ 4‬مجلدات‪ ،‬برغم‬ ‫مصادرها ومظانها حتى يُعيد بناء النص القدمي‪،‬‬
‫أن كثيراً من املستش������رقني الذين اهتموا بنش������ر‬ ‫مثال ذل������ك‪ :‬اللبناني ميخائيل عواد قام بنش������ر‬
‫النصوص القدمية عندما س������ألتهم عن نشاطهم‬ ‫صفح������ات نصوص ضائعة من كت������اب «الوزراء»‬
‫العلمي كانت إجابتهم أن أس������اتذتهم طلبوا منهم‬ ‫للجهش������ياري‪ ,‬بينما قمت بنشر نصوص ضائعة‬
‫أن ينش������روا على األقل نصني مهم���ي��ن‪ ،‬قبل أن‬ ‫لكل من املسبحي‪ ,‬ابن املأمون‪ ,‬ابن الطوير‪.‬‬
‫ينخرطوا في دراستهم األكادميية‪ .‬كما أن اجليل‬ ‫< مهنة التحقيق العلمي والنقدي للنصوص‬
‫الذي يس������تطيع أن يوجه أو يُش������رف على أمثال‬ ‫حالي ًا‪ ,‬هل هي في حال جيدة؟‬
‫ه������ذه األعمال قد انقضى برحي������ل جيل الرواد‪،‬‬ ‫‪ -‬برغم أن اجليل الذي تصدى لنشر التراث‬
‫باإلضاف������ة إلى أن أقس������ام اجلامعات العربية ال‬ ‫في النصف األول من القرن العشرين كان أغلبه‬
‫تُخصص منهجا علميا للقواعد العلمية لتحقيق‬ ‫م������ن املهتمني بقــــضايا الت������راث في عمومه‪ ،‬ولم‬
‫النص������وص حتى ميكن تخريج جيل من ش������باب‬ ‫يكونوا من األكادميييـــــن‪ ،‬فإن عطـــاءهم في هذا‬
‫املقق���ي��ن‪ .‬وقد ميث������ل احلصول على النُس������خ‬‫حُ‬ ‫املجال يفوق بكثير عطاء الدارسني األكادمييني‬
‫اخلطية من املخطوطات صعوبة وإن كان أسلوب‬ ‫في النص������ف الثاني م������ن القرن العش������رين من‬
‫التصوير الرقمي للنس������خ اخلطية من ش������أنه أن‬ ‫ناحي������ة القيمة وخدم������ة النص أمث������ال‪ :‬محمد‬
‫ييس������ر هذه املهم������ة‪ ،‬وخصوصا م������ع وجود ُكتب‬ ‫ك������رد علي‪ ،‬الش������قيقني أحمد ومحمود ش������اكر‪,‬‬
‫مرجعية‪ ،‬مثل‪« :‬تاريخ األدب العربي» لبروكلمان‪,‬‬ ‫محمد أبوالفضل إبراهيم‪ ,‬الس������يد أحمد صقر‪,‬‬
‫«تاريخ التراث العربي» لفؤاد سيزكني‪.‬‬ ‫محم������د محيي الدي������ن عبداحلمي������د‪ ,‬مصطفى‬
‫< حركة النشر في التراث العربي إلى أين؟‬ ‫جواد‪ ,‬محمد بهجت األثري‪ ,‬فؤاد س������يد‪ ،‬ورمبا‬
‫‪ -‬رمبا يكون النش������ر العلم������ي اجلاد للتراث‬ ‫يرجع ذلك إل������ى أن اجلامعات ال تعتبر النش������ر‬
‫العربي آخذاً في االنحس������ار‪ ،‬ف������ي الوقت الذي‬ ‫النقدي للنصوص عم���ل��ا إبداعيا تعتمده جلان‬
‫تظهر فيه نش������رات جتارية وغير علمية للعديد‬ ‫الترقي������ات‪ ،‬برغم أنه الباب الرئيس الذي يدخل‬
‫من النصوص‪ ،‬وانص������راف احملققني التجاريني‬ ‫منه الباح������ث إلى املكتبة العربي������ة‪ ،‬ويتعرف من‬
‫إلى نش������ر ُكتب السحر واجلماع وما شابهها ولم‬ ‫خالله على الثقافة العربية املوس������وعية‪ ،‬إضافة‬
‫يوجهوا اهتمامهم إلى النش������ر العلمي احلقيقي‬ ‫إلى ما ورد في الس������ابق‪ ،‬ف������إن التحقيق العلمي‬
‫للمصادر املعتبرة‪ ،‬س������واء ف������ي التاريخ أو األدب‬ ‫والنق������دي للنصوص يتطلب جه������دا كبيرا ووقتا‬
‫أو علم ال������كالم أو العلوم البحتة‪ .‬كما أن املراكز‬ ‫طويال يجعل بعض الباحثني يفضل كتابة مقالة‬
‫املتخصصة في اجلامعات واملؤسسات الثقافية‬ ‫ف������ي دورية علمية عل������ى أن يتص������دى لنص قد‬
‫‪155‬‬
‫انحسار النشر العلمي اجلاد للتراث العربي‬

‫‪feb 154-157.indd 155‬‬ ‫‪1/4/15 9:17:15 AM‬‬


‫طويال في إعداده‪ ،‬ورمبا يكون أول كتاب يتناول‬ ‫حتتاج إلى دعم للتصدي إلخراج النصوص املُهمة‬
‫نش������أة وتطور عواصم مصر اإلس���ل��امية ُمنذ ما‬ ‫والضخمة التي ال يقوى على إخراجها الناشرون‬
‫قبل الفس������طاط إلى منتصف القرن العش������رين‪،‬‬ ‫التجاري������ون‪ .‬ولدينا مراكز ومؤسس������ات لتحقيق‬
‫وهو مزود بخرائط مساحية وتاريخية باإلضافة‬ ‫املخطوط������ات تتواف������ر به������ا اإلمكاني������ات املادية‬
‫إلى ملف كامل للصور يُعد وصفاً مرئياً للقاهرة‪،‬‬ ‫واللجان العلمية املُتخصصة والتي تقوم باالختيار‬
‫وسوف يصدر عن الهيئة املصرية للكتاب‪ .‬وهناك‬ ‫ووضع السياسات مثل‪ :‬مؤسسة الفرقان للتراث‬
‫سلسلة بعنوان «مصادر مصر اإلسالمية» وسوف‬ ‫اإلس���ل��امي في لندن‪ ,‬املعه������د األملاني لألبحاث‬
‫تص������در بالتع������اون مع دار الكت������ب املصرية وهي‬ ‫االستشراقية في بيروت‪ ,‬املعهد اإلسماعيلي في‬
‫إعادة نش������ر مع التحدي������ث ل ُكتب‪« :‬أخبار مصر»‬ ‫لندن‪ ,‬مركز حتقيق التراث بدار الكتب املصرية‪,‬‬
‫للمس������بحي‪« ,‬الس������يرة املأمونية» الب������ن مأمون‪,‬‬ ‫وهذه يقع على كاهلها عبء نشر التراث‪.‬‬
‫«أخبار مصر» البن امليسر‪« ,‬نزهة املقلتني» البن‬ ‫< نال أمين فؤاد الس ��يد العديد من اجلوائز‪،‬‬
‫الطوير‪« ,‬ممالك مصر والشام واحلجاز واليمن‬ ‫ما اجلائزة التي تعتز بها؟‬
‫من كتاب مسالك األبصار في ممالك األمصار»‬ ‫‪ -‬جائزة الكويت في مج������ال التراث العلمي‬
‫البن فض������ل الله ال ُعمري‪ ،‬باإلضاف������ة إلى إعادة‬ ‫العربي واإلس���ل��امي والتي تُعد بحق ‪ -‬كما سبق‬
‫نش������ر مع حتديث لكتاب «طبقات املعتزلة» ألبي‬ ‫أن أطلق������ت عليها ‪ -‬نوبل الع������رب‪ ,‬في موضوع‬
‫قاس������م البلخي‪ ,‬والقاضي عبداجلبار‪ ,‬واحلاكم‬ ‫«اخلـطط والتـسـجيل الطبوغرافي للمدن» لعام‬
‫اجلشمي‪.‬‬ ‫‪ ,2009‬وهناك زي������ارة ضمن برنام������ج الفائزين‬
‫< نصــيح ��ة ُيــس ��ديها أيـــــم ��ن فؤاد لـــــش ��باب‬ ‫الس������ابقني باجلائزة‪ ،‬بهدف توطيد الروابط بني‬
‫املؤرخني؟‬ ‫املؤسسة والفائزين بجوائزها في شتى مجاالت‬
‫‪ -‬حتى ميكنك أن تكتب تاريخا حقيقياً‪ ،‬البد‬ ‫العل������وم واآلداب‪ ،‬م������ن خ���ل��ال إقام������ة اللقاءات‬
‫أن تعتمد على الوثائ������ق واملصادر األصلية‪ ,‬وأن‬ ‫واحملاضرات في العديد من املؤسسات العلمية‬
‫تكون ُملما مبظان هذه املصادر وما تضمنته من‬ ‫في دولة الكويت‪ ،‬ويعد ذلك شيئاً طيباً‪.‬‬
‫أحداث‪ ،‬وهذا ال يتم إال إذا تصديت لنش������ر عدد‬ ‫< ما مشروعاتك احلالية؟‬
‫كبير مما لم يسبق نشره من النصوص‪ ,‬وأن تُعيد‬ ‫‪ -‬حاليا حتت الطبع كتاب «القاهرة‪ :‬خططها‬
‫قراءة املص������ادر املُتاحة في ضوء هذه املُعطيات‪,‬‬ ‫وتطوره������ا العمران������ي» وقد اس������تغرق مني وقتا‬

‫إصدارات للدكتور د‪.‬إمين فؤاد السيد‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪156‬‬

‫‪feb 154-157.indd 156‬‬ ‫‪1/4/15 9:17:23 AM‬‬


‫وأحيانا كان يتوقف أمام بعض املس������ائل املُعلقة‪,‬‬ ‫ومناهج التفسير التاريخي لألحداث‪ ،‬مما يُتيح‬
‫وكيفية ُمعامالته مع املكتبات‪ ,‬وأشركني معه في‬ ‫لك أن تكتب باطمئنان تفس������يرا جديدا ألحداث‬
‫كتاب «العقد الثمني في تاريخ البلد األمني» لتقي‬ ‫العصر موضوع الدراس������ة‪ .‬وأنا ش������خصيا ُقمت‬
‫الدين الفاس������ي املكي‪ ،‬وتعلمت كيفية البحث عن‬ ‫بذلك عندما أص������درت كتابي «الدولة الفاطمية‬
‫النس������ب‪ ,‬املواضع‪ ,‬املس������ائل التاريخية‪ ,‬وتخريج‬ ‫في مصر‪ -‬تفس������ير جديد» و«القاهرة»‪ ،‬اعتمادا‬
‫األحاديث‪ .‬كما كنت أحضر معه اجللسات العلمية‬ ‫عل������ى «املواع������ظ واالعتبار» للمقري������زي‪ ,‬وكتاب‬
‫التي كانت تضم العمالقة‪ :‬ش������وقي ضيف‪ ,‬رشاد‬ ‫«وصف مص������ر» وغيرهما من املص������ادر املعنية‬
‫عبداملطلب‪ ,‬خليل يحيى نامي‪ ,‬محمود ش������اكر‪,‬‬ ‫باخلطط وتواريخ امللوك‪.‬‬
‫ناصر الدين األس������د‪ ,‬محمود محمد الطناحي‪,‬‬ ‫< م ��ا املواق ��ف الت ��ي فوجئ ��ت به ��ا خ�ل�ال‬
‫عبدالفتاح احللو‪ ,‬ومن املستشرقني األملان هانز‬ ‫حتقيقك للمخطوطات؟‬
‫رومير‪ ,‬هانز آرنست‪ ,‬والفرنسي شارل كوينتس‪,‬‬ ‫‪ -‬أثن������اء قيام������ي بتحقي������ق كت������اب «املواعظ‬
‫واألب قنواتي من مصر‪.‬‬ ‫واالعتب������ار» للمقريزي كان من ُحس������ن احلظ أن‬
‫< مــــ ��اذا عـــ ��ن رئـــاس� �ـــتك للجمعية املصرية‬ ‫وقفت على املس������ودة األولى التي كتبها املقريزي‬
‫للدراسات التاريخية؟‬ ‫بخط ي������ده للكتاب‪ ،‬وه������ي متثل الش������كل األول‬
‫‪ -‬باعتباره������ا أول جمعيـ������ة متخصص������ة في‬ ‫إلخراج الكتاب قب������ل أن تكتمل صورته ويتعرف‬
‫الوطن العرب������ي‪ ،‬حيث يرج������ع تاريخها إلى عام‬ ‫املؤلف عل������ى العديد من املصادر اجلديدة‪ ،‬التي‬
‫‪ ،1945‬فإنه������ا ف������ي حاج������ة إلى إعادة تنش������يط‬ ‫أتاحت له إعادة تبويب فصول الكتاب وتفس������ير‬
‫دوريه������ا اإلقليمي والدولي‪ ،‬وهو ما أحرص عليه‬ ‫الكثير من أحداثه‪ ،‬ثم وقفت بعد ذلك على أصل‬
‫ومجلس إدارتها‪ ،‬كما أس������عى إليه بكل جهد من‬ ‫املُجل������د الثالث من الكتاب ف������ي إخراجه األخير‬
‫خالل تنظيم الندوات واملواسم الثقافية‪ ،‬لتشمل‬ ‫بخط املقري������زي‪ ،‬ووجدت تطابقاً تاماً بينه وبني‬
‫مختل������ف مناحي التاري������خ‪ ،‬باإلضافة إلى تطوير‬ ‫النُس������خ التي نُقلت عن هذا األصل بخط املؤلف‬
‫دوريته������ا العلمية‪ ,‬وإصدار ُكت������ب خاصة ُملحقة‬ ‫ال������ذي أوضح لنا األماكن التي أضافها املقريزي‬
‫باملجل������ة‪ ,‬وجعل ندوته������ا الس������نوية ذات صبغة‬ ‫في فترات الحقة‪ ،‬ومتكنت عن طريقها من تتبع‬
‫دولية من خالل مش������اركة مؤرخ���ي��ن وأكادمييني‬ ‫مراحل مراجعة املقريزي لكتابه‪ .‬كذلك النسخة‬
‫ومتخصصني من أنحاء العالم‪ ,‬وموضوع الندوة‬ ‫التي نُقلت من دس������تور محمد بن إسحاق الندمي‬
‫الس������نوية اخلامسة عشرة القادمة (ربيع ‪)2015‬‬ ‫لكت������اب «الفهرس������ت» والتي متث������ل األصل الذي‬
‫«املؤرخون الع������رب والدراس������ات التاريخية منذ‬ ‫اعتمده ابن الندمي لكتابه والتي حرص الناس������خ‬
‫إنشاء اجلامعة املصرية»‪.‬‬ ‫عل������ى أن يُحاك������ي فيه������ا خط الن������دمي وطريقته‬
‫< موقف أو تصرف أس ��عدك خالل مش ��وارك‬ ‫ف������ي إثبات معلوماته‪ ,‬فالكت������اب هو قائمة بكتب‬
‫العلمي؟‬ ‫املؤلف���ي��ن املختلفني ف������ي فنون الثقاف������ة العربية‬
‫‪ -‬إص������دار كت������اب ت������ذكاري ض������م ‪ 20‬بحثاً‬ ‫املختلف������ة وتطلب طريقة ُمبتك������رة في إخراجه‪،‬‬
‫ف������ي ‪684‬صفح������ة‪ ،‬بأقالم نُخبة م������ن املؤرخني‬ ‫وحرص الناسخ على ُمحاكاتها في النسخة التي‬
‫واملققني‪ ,‬واآلثاريني من تونس‪ ,‬إيران‪ ,‬اليمن‪,‬‬ ‫حَ‬ ‫نقلها من دستور املؤلف‪.‬‬
‫لبن������ان‪ ,‬الوالي������ات املتحدة األمريكي������ة‪ ,‬ومصر‪,‬‬ ‫< للبيئ ��ة دور كبي ��ر ف ��ي اجتاه ��ك إل ��ى عالم‬
‫وقيام زمالئي وتالميذي‪ ،‬باإلضافة إلى الناشر‬ ‫حتقيق املخطوطات‪ ...‬كيف كان ذلك؟‬
‫محمد رش������اد مدير الدار املصري������ة اللبنانية‪،‬‬ ‫‪ -‬توفي والدي فؤاد السيد وأنا في السابعة‬
‫بتنظي������م احتفالي������ة باملجلس األعل������ى املصري‬ ‫عش������رة من عمري حينذاك‪ ,‬وكان ‪ -‬رحمه الله‪-‬‬
‫للثقاف������ة لهذه املناس������بة‪ ،‬ما أس������عدني وأدخل‬ ‫يُش������ركني معه أثناء إجراء ُمقاب���ل��ات ( ُمطابقة)‬
‫البهجة إلى قلبي >‬ ‫جتارب الطبع وكنت أق������رأ من صورة املخطوط‬
‫‪157‬‬
‫انحسار النشر العلمي اجلاد للتراث العربي‬

‫‪feb 154-157.indd 157‬‬ ‫‪1/4/15 9:17:29 AM‬‬


‫علوم‬

‫األمن الغذائي العربي‪...‬‬


‫الواقع املر واملستقبل القامت‬
‫د‪.‬عبدالله بدران*‬
‫أرق ��ام صادم ��ة‪ ،‬وإحص ��اءات كارثية‪ ،‬ومس ��تقبل ق ��امت‪ ...‬تلك ه ��ي النتيجة الت ��ي يخرج بها‬
‫املتصف ��ح لتقري ��ر حدي ��ث يتطرق إل ��ى األمن الغذائي العرب ��ي من جوانبه كافة‪ ،‬مع ش ��عور‬
‫عمي ��ق باألس ��ى للفج ��وة الكبرى ب�ي�ن اإلمكانات البش ��رية والطبيعية الت ��ي متتلكها الدول‬
‫العربي ��ة‪ ،‬وب�ي�ن املخرج ��ات املتواضع ��ة جداً‪ .‬وهو ما يس ��تدعي وقف ��ة استش ��رافية جادة من‬
‫اجلهات املعنية‪ ،‬وإجراءات علمية حاسمة على أرض الواقع‪.‬‬

‫الزراعي‪ ،‬املتس������م بتدني كفاءة ال������ري وإنتاجية‬ ‫يذكر التقرير – على سبيل املثال – أن‬
‫احملاصيل‪.‬‬ ‫العجز الغذائي العربي يبرز من خالل‬
‫ويرى التقرير الذي أصدره املنتدى العربي‬ ‫نس������بة االكتفاء الذات������ي البالغة نحو‬
‫للبيئ������ة والتنمي������ة بعن������وان «األم������ن الغذائي‪...‬‬ ‫‪ 46‬ف������ي املائة للحبوب‪ ،‬و‪ 37‬في املائة للس������ ّكر‪،‬‬
‫التحديات والتوقعات» أن املوارد املائية النادرة‪،‬‬ ‫و‪ 54‬في املائة للده������ون والزيوت؛ أي إن العجز‬
‫مبا فيه������ا املياه اجلوفية غير املتجددة‪ ،‬تتعرض‬ ‫يصل إلى نحو ‪ 50‬ف������ي املائة من املواد الغذائية‬
‫يتبي من املعدالت العالية‬ ‫لضغ������وط هائلة‪ ،‬كما نّ‬ ‫األساسية‪.‬‬
‫للس������حوبات املائية ألغراض زراعية‪ ،‬مبتوسط‬ ‫كما أن املنطق������ة العربية تواجه معضلة ندرة‬
‫يساوي ‪ 630‬في املائة من إجمالي املياه املتجددة‬ ‫املياه‪ ،‬التي تعكس������ها احلصة السنوية للفرد من‬
‫في بلدان مجلس التعاون اخلليجي‪ ،‬ويصل إلى‬ ‫امل������وارد املتج������ددة والبالغة أقل م������ن ‪ 850‬متراً‬
‫‪ 2460‬في املائة في الكويت‪.‬‬ ‫مكعب������اً‪ ،‬مقارنة باملتوس������ط العامل������ي الذي يفوق‬
‫ويظه������ر أن ‪ 19‬بلداً عربي������اً ميكن تصنيفها‬ ‫‪ 6000‬مت������ر مك ّعب‪ .‬ويبرز هدر املياه في املنطقة‬
‫على أنه������ا في حال م������ن اإلجه������اد املائي؛ ألن‬ ‫العربية من خالل اس������تخدام نحو ‪ 85‬في املائة‬
‫معدالت الس������حب احلالية م������ن مواردها املائية‬ ‫من إجمالي الس������حوبات املائية ألغراض القطاع‬

‫* كاتب من سورية‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪158‬‬

‫‪feb 158-162.indd 158‬‬ ‫‪1/4/15 9:18:20 AM‬‬


‫من اخليارات املهمة لتحسني نسبة االكتفاء الذاتي‬
‫الغذائي تعزيز إنتاجية احملاصيل‪ ،‬وحتسني إنتاجية املياه‬

‫وفي سعيها إلى احلد من االعتماد على الواردات‬ ‫املتجددة ألغراض زراعية تفوق بأش������واط عدة‬
‫الغذائية‪ ،‬تواجه البل� � ��دان العربية حتديات جدية‬ ‫احلدود املقبولة‪.‬‬
‫بس� � ��بب محدودي� � ��ة األراضي الصاحل� � ��ة للزراعة‬
‫وامل� � ��وارد املائي� � ��ة النادرة‪ ،‬التي تعان� � ��ي ضعفاً في‬ ‫االكتفاء الذاتي الغذائي‬
‫القدرة احليوية على إعادة إنتاج خدماتها‪ ،‬ويفاقم‬ ‫على الرغم من املساعي الهادفة إلى حتسني‬
‫النمو السكاني والتغير املناخي التحديات‪ ،‬وهذا‬ ‫وضع األم� � ��ن الغذائي من خ� �ل��ال اإلنتاج احمللي‬
‫يستدعي إيالء عناية بالغة إلدارة املوارد الزراعية‬ ‫للغ� � ��ذاء‪ ،‬تبق� � ��ى البل� � ��دان العربية على املس� � ��توى‬
‫املتوافرة واستخدامها لضمان استدامتها‪.‬‬ ‫القطري واملس� � ��توى اإلقليمي مس� � ��توردة صافية‬
‫ويحد الراب� � ��ط الوثيق بني الغ� � ��ذاء واملاء من‬ ‫للغذاء‪ ،‬خصوصاً احلبوب‪ ،‬وهي السلعة الغذائية‬
‫إمكان� � ��ات البلدان العربية التي تعاني نقص املياه‪،‬‬ ‫األساسية الرئيسة في املنطقة‪.‬‬
‫في اإلنتاج الغذائي احمللي‪ .‬لكن احتماالت تعزيز‬ ‫يق� � ��ول د‪.‬عبدالكرمي ص� � ��ادق‪ ،‬أحد املعدين‬
‫االكتفاء الذاتي الغذائي‪ ،‬كجانب من جوانب حلول‬ ‫الرئيسني للتقرير في مقدمته‪ :‬إن االعتماد الكبير‬
‫ن� � ��درة الغ� � ��ذاء‪ ،‬تعتمد على عكس اجت� � ��اه تدهور‬ ‫للبلدان العربية على الواردات الغذائية يكش� � ��ف‬
‫امل� � ��وارد الزراعية املتوافرة‪ ،‬وعلى اس� � ��تخدم هذه‬ ‫عن هشاش� � ��ة سالسل اإلمدادات الغذائية وتقلب‬
‫املوارد في ش� � ��كل فاعل ومنتج‪ ،‬وفي هذا اإلطار‪،‬‬ ‫أسعار الغذاء‪ ،‬كما يتبني من األحداث والتداعيات‬
‫تتضمن أولوي� � ��ات التخطيط والعمل خيارات مثل‬ ‫التي رافقت األزم� � ��ة الغذائية العاملية في ‪.2008‬‬
‫‪159‬‬
‫األمن الغذائي العربي‪ ...‬الواقع املر واملستقبل القامت‬

‫‪feb 158-162.indd 159‬‬ ‫‪1/4/15 9:18:36 AM‬‬


‫ثمة إمكانات جديرة باالعتبار متوافرة على‬
‫صعيد حتسني نسبة االكتفاء الذاتي الغذائي‪،‬‬

‫امل� � ��وارد املائية‪ ،‬وتداعيات تغير املناخ‪ .‬وس� � ��اهمت‬ ‫حتسني إنتاجية احملاصيل وإنتاجية املياه وفاعلية‬
‫السياس� � ��ات غير املالئم� � ��ة واالس� � ��تثمار الضئيل‬ ‫الري‪ ،‬وتقليص اخلسائر التالية ملرحلة احلصاد‪،‬‬
‫في العل� � ��وم والتكنولوجيا والتنمي� � ��ة الزراعية في‬ ‫وتعزيز إعادة اس� � ��تخدام املياه ف� � ��ي الزراعة على‬
‫تده� � ��ور املوارد الزراعية‪ ،‬إلى جانب االس� � ��تخدام‬ ‫املستوى الوطني‪ ،‬كما يقول د‪.‬صادق‪.‬‬
‫غي� � ��ر الكفؤ لها وإنتاجيته� � ��ا املتدنية‪ .‬ومي ّثل النمو‬ ‫وي� � ��رى التقرير أن من ش� � ��أن متتني التعاون‬
‫الس� � ��كاني‪ ،‬والطلب املتزايد على الغذاء‪ ،‬وتدهور‬ ‫البين� � ��ي العربي في مواجهة مخاوف ندرة الغذاء‪،‬‬
‫امل� � ��وارد الطبيعي� � ��ة‪ ،‬وحتويل األراض� � ��ي الزراعية‬ ‫وفق امليزة النس� � ��بية في امل� � ��وارد الزراعية ورأس‬
‫إلى االس� � ��تخدام احلض� � ��ري‪ ،‬حتدي� � ��ات إضافية‬ ‫املال القابل لالستثمار‪ ،‬بالترافق مع املواءمة بني‬
‫أمام حتسني مس� � ��توى األمن الغذائي في املنطقة‬ ‫السياسات الزراعية واالس� � ��تراتيجيات التنموية‪،‬‬
‫العربية‪.‬‬ ‫أن ميه� � ��د الطريق أمام تقلي� � ��ص اعتماد املنطقة‬
‫ويظهر التقرير أن حتس� �ي��ن وضع األمن الغذائي‬ ‫العربي� � ��ة على الواردات‪ .‬وخللق سلس� � ��لة متكاملة‬
‫في البل� � ��دان العربية من خ� �ل��ال اإلنتاج احمللي‪ ،‬في‬ ‫للق َي� � ��م الغذائية أهمية كبرى في حتقيق اجلوانب‬
‫ض� � ��وء األراضي الزراعية احمل� � ��دودة‪ ،‬واملوارد املائية‬ ‫الكامل� � ��ة لألم� � ��ن الغذائ� � ��ي املتمثلة ف� � ��ي التوفير‬
‫ال عن افتقار‬‫التي تعاني االس� � ��تنزاف والتراجع‪ ،‬فض ً‬ ‫وسهولة املنال واالستقرار واالستخدام‪.‬‬
‫الق� � ��درة احليوية للم� � ��وارد الزراعي� � ��ة‪ ،‬مهمة صعبة‪،‬‬
‫لكن ثمة إمكان� � ��ات جديرة باالعتب� � ��ار متوافرة على‬ ‫حتديات غذائية جدية‬
‫صعيد حتسني نس� � ��بة االكتفاء الذاتي الغذائي‪ ،‬من‬ ‫تواج� � ��ه البل� � ��دان العربية في مس� � ��عاها إلى‬
‫خالل تبني السياسات السليمة والتقنيات الزراعية‬ ‫تعزيز االكتف� � ��اء الذاتي الغذائ� � ��ي حتديات جدية‬
‫احملس� � ��نة‪ ،‬وخلق سلس� � ��لة متكاملة للقيمة الغذائية‬
‫َّ‬ ‫ناجت� � ��ة عن مجموعة من العوامل املق ِّيدة‪ ،‬تش� � ��مل‬
‫تس� � ��تطيع ضمان األمن الغذائي‪ ،‬استناداً إلى أسس‬ ‫اجلف� � ��اف‪ ،‬ومحدودية األراض� � ��ي للزراعة‪ ،‬وندرة‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪160‬‬

‫‪feb 158-162.indd 160‬‬ ‫‪1/4/15 9:18:43 AM‬‬


‫جهد جماعي عربي‬ ‫توافر الغذاء وسهولة مناله واستخدامه واستقراره‪.‬‬
‫ويتطل� � ��ب حتس� �ي��ن ذلك اجلانب م� � ��ن األمن‬
‫ه� � ��ذا التقرير‪ ،‬يعتبر نتيج� � ��ة عمل جماعي‬ ‫الغذائي املتعلق باالكتفاء الذاتي مقاربة إقليمية‬
‫تعاون� � ��ي‪ ،‬مت حتقيقه باالش� � ��تراك مع منظمات‬ ‫متكاملة وشاملة للجميع‪ ،‬تق ّر بالعالقة املتالزمة‬
‫وهيئ� � ��ات إقليمي� � ��ة ودولية وجامع� � ��ات ومراكز‬ ‫بني الغ� � ��ذاء وامل� � ��اء والطاقة‪ ،‬ومنوذج � � �اً جديداً‬
‫أبحاث‪ ،‬وس� � ��اهم في� � ��ه أكثر م� � ��ن مائتي باحث‬ ‫لالس� � ��تدامة الزراعي� � ��ة يعتم� � ��د عل� � ��ى اعتبارات‬
‫واختصاص� � ��ي‪ ،‬وعقدت اجتماعات تش� � ��اورية‬ ‫اقتصادي� � ��ة واجتماعية وبيئي� � ��ة‪ ،‬ومن ضمن هذا‬
‫متعددة على الصعيد الوطني لبحث املس َّودات‪،‬‬ ‫اإلطار‪ ،‬ميكن حتديد عدد من اخليارات لتحسني‬
‫وصوالً إلى االجتماع التشاوري اإلقليمي املوسع‬ ‫نس� � ��بة االكتفاء الذاتي الغذائ� � ��ي‪ ،‬خصوصاً من‬
‫الذي استضافه في مايو عام ‪ 2014‬الصندوق‬ ‫خالل االس� � ��تخدام الفاع� � ��ل للم� � ��وارد الزراعية‬
‫الكويتي للتنمية االقتصادية العربية‪ ،‬مبشاركة‬ ‫املتوافرة‪ ،‬إضاف� � ��ة إلى موارد الثروتني احليوانية‬
‫‪ 40‬خبيراً ينتمون إلى ‪ 14‬بلداً و‪ 21‬مؤسسة‪.‬‬ ‫والسمكية‪.‬‬
‫ويرى األمني العام للمنتدى العربي للبيئة‬ ‫وتش� � ��مل هذه اخلي� � ��ارات أموراً ع� � ��دة أهمها‬
‫والتنمي� � ��ة جني� � ��ب صعب في متهي� � ��ده للتقرير‬ ‫حتس� �ي��ن كفاءة ال� � ��ري؛ إذ يُعت َبر إنت� � ��اج مزيد من‬
‫أن اإلضافة األب� � ��رز التي يقدمها هذا التقرير‬ ‫احملاصيل الزراعية مبياه أقل خياراً يحمل أهمية‬
‫رمبا تك� � ��ون مجموعة من اخلرائط تبينّ موارد‬ ‫كبرى في تعزيز األمن الغذائي للبلدان التي تعاني‬
‫األرض واملي� � ��اه في املنطق� � ��ة العربية‪ .‬ويتوصل‬ ‫ندرة املياه‪ ،‬ويقل متوسط كفاءة الري في ‪ 19‬بلداً‬
‫هذا التقرير إلى استنتاج إيجابي‪ ،‬على الرغم‬ ‫قدر أن رفع هذا الرقم‬ ‫عربياً عن ‪ 46‬في املائة‪ ،‬ويُ َّ‬
‫من الواقع اخلطير املتمثل في اعتماد املنطقة‬ ‫إلى ‪ 70‬في املائة كفيل بتوفير ‪ 50‬مليار متر مكعب‬
‫العربية بش� � ��كل مقل� � ��ق على اس� � ��تيراد الغذاء‬ ‫من املياه سنوياً‪.‬‬
‫إلطعام سكانها الذين يتزايدون باستمرار‪ ،‬مع‬ ‫ويرى التقرير أن من اخليارات املهمة لتحسني‬
‫ما يرافق هذا من تدهور في املوارد الطبيعية‪،‬‬ ‫نس� � ��بة االكتفاء الذات� � ��ي الغذائي تعزي� � ��ز إنتاجية‬
‫وي� � ��رى أنه ميكن أن نعك� � ��س االجتاه التراجعي‬ ‫احملاصيل‪ ،‬وحتسني إنتاجية املياه على الصعيدين‬
‫املظل� � ��م للوض� � ��ع الغذائ� � ��ي عن طري� � ��ق حزمة‬ ‫االقتص� � ��ادي والعملي‪ ،‬واس� � ��تخدام مياه الصرف‬
‫م� � ��ن التدابير‪ ،‬ف� � ��ي طليعتها حتس� �ي��ن إنتاجية‬ ‫املعاجلة في االس� � ��تخدام الزراع� � ��ي عبر البلدان‬
‫األراض� � ��ي وكفاءة ال� � ��ري‪ ،‬واالثن� � ��ان اليوم أقل‬ ‫العربية‪ ،‬والتعاون بني البلدان العربية على أساس‬
‫كثيراً من املع� � ��دالت العاملية في معظم البلدان‬ ‫امليزات النس� � ��بية ف� � ��ي املوارد الزراعي� � ��ة واملالية‪،‬‬
‫العربية‪ ،‬وم� � ��ن الضروري دعم ه� � ��ذه التدابير‬ ‫وتطوير الثروتني احليوانية والس� � ��مكية‪ ،‬وتقليص‬
‫بتع� � ��اون إقليمي ج� � ��دي يقوم على اس� � ��تغالل‬ ‫خس� � ��ائر ما بع� � ��د حص� � ��اد احملاصي� � ��ل الزراعية‬
‫امليزات التفاضلية‪.‬‬ ‫ومعاجلتها‪ ،‬إضافة إلى عدد من اخليارات كحسن‬
‫ويق� � ��ول صعب‪ :‬إن حتقيق هذا األمر‪ ،‬إذا‬ ‫استخدام املياه االفتراضية‪.‬‬
‫أردن� � ��ا احلفاظ في الوقت نفس� � ��ه على التنوع‬
‫احلي� � ��وي وس� �ل��امة األنظمة البيئي� � ��ة‪ ،‬يتطلب‬ ‫خطوات عملية‬
‫ال جذرياً في أمناط االستهالك‪ .‬قد يبدو‬ ‫تبدي ً‬ ‫ويخل� � ��ص التقري� � ��ر بعد اس� � ��تعراضه ملجمل‬
‫ما يقترحه هذا التقرير غير واقعي‪ ،‬وفي أفضل‬ ‫التحديات التي تواجه الوطن العربي في مس� � ��عاه‬
‫احلاالت مغالياً في التف� � ��اؤل‪ ،‬في منطقة متر‬ ‫نحو حتقيق األمن الغذائي إلى عدد من التوصيات‬
‫عبر مخاض وجودي‪ ،‬غير أنه بعد كل احلروب‬ ‫املهمة‪ ،‬هي‪:‬‬
‫والنزاعات س� � ��يبقى سكان املنطقة بحاجة إلى‬ ‫أ ‪ -‬متت� �ي��ن التع� � ��اون اإلقليم� � ��ي ب� �ي��ن البلدان‬
‫موارد كافية ليأكلوا ويشربوا ويتنفسوا‪.‬‬ ‫العربية‪ ،‬اس� � ��تناداً إلى امليزات النسبية في املوارد‬
‫الزراعية ورأس املال القابل لالستثمار‪ ،‬بالترافق‬
‫‪161‬‬
‫األمن الغذائي العربي‪ ...‬الواقع املر واملستقبل القامت‬

‫‪feb 158-162.indd 161‬‬ ‫‪1/4/15 9:18:48 AM‬‬


‫يطالب التقرير بضرورة تعزيز كفاءة استخدام املياه من أجل إنقاذ األمن الغذائي في املستقبل‬

‫قطاعي الثروتني احليوانية والس� � ��مكية في شكل‬ ‫مع التنسيق واملواءمة بني االستراتيجيات والبرامج‬
‫مستدمي‪ ،‬مع توجه إلى زيادة اإلنتاج لتلبية الطلب‬ ‫الزراعية‪.‬‬
‫احمللي وتعزيز إمكانات التصدير‪.‬‬ ‫ب – اتخ� � ��اذ اإلج� � ��راءات الضروري� � ��ة لعكس‬
‫و ‪ -‬إط� �ل��اق حمل� � ��ة توعي� � ��ة لتغيي� � ��ر أمن� � ��اط‬ ‫الوضع املتدهور للموارد الزراعية واحلفاظ على‬
‫االس� � ��تهالك‪ ،‬خصوصاً باالعتماد على سلع ذات‬ ‫تنوعه� � ��ا احليوي‪ ،‬به� � ��دف إعادة تولي� � ��د خدماتها‬
‫قيمة غذائي� � ��ة مماثلة لكنها ذات اس� � ��تخدام أقل‬ ‫ومساهمتها في األمن الغذائي‪.‬‬
‫كثافة للمياه‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬النظ� � ��ر ف� � ��ي تطبيق اخلي� � ��ارات املتوافرة‬
‫ز ‪ -‬تبني مقاربة متكاملة لألمن الغذائي‪ ،‬تشمل‬ ‫لتعزيز األمن الغذائي وحتسني مستويات االكتفاء‬
‫عناصر سلس� � ��لة القيمة الغذائي� � ��ة كلها‪ ،‬وتتضمن‬ ‫الذاتي‪ ،‬مبا في ذلك‪ ،‬على سبيل املثال ال احلصر‪،‬‬
‫احلصاد والنقل والتخزين والتسويق‪ ،‬جلعل الغذاء‬ ‫تعزي� � ��ز إنتاجي� � ��ة احملاصيل واملياه‪ ،‬وزي� � ��ادة كفاءة‬
‫ال لالستخدام بنوعية‬ ‫متوافراً وس� � ��هل املنال وقاب ً‬ ‫استخدام املياه‪ ،‬وتقليص خسائر ما بعد احلصاد‬
‫جيدة وفي الوقت واملكان املناسبني‪.‬‬ ‫وخسائر أخرى‪ ،‬وتعزيز اس� � ��تخدام مياه الصرف‬
‫ح ‪ -‬تطوي� � ��ر اس� � ��تجابات تواك� � ��ب تهديد تغير‬ ‫املعاجلة في الري‪.‬‬
‫املن� � ��اخ لألمن الغذائ� � ��ي في املنطق� � ��ة‪ ،‬من خالل‬ ‫د ‪ -‬تخصي� � ��ص اس� � ��تثمارات إضافية للبحث‬
‫اس� � ��تراتيجيات تك ُّيف تستند إلى مناذج ذات صلة‬ ‫العلم� � ��ي الزراع� � ��ي وبرامج التطوي� � ��ر‪ ،‬عن طريق‬
‫وموثوقة للتنبؤ املناخي‪ ،‬مع تبني ممارسات زراعية‬ ‫دعمها مبوارد مالية مناس� � ��بة‪ ،‬إل� � ��ى جانب تنمية‬
‫محسنة‪ ،‬والزراعة احلمائية‪ ،‬وتنويع‬ ‫َّ‬ ‫وإدارة مائية‬ ‫القدرة البش� � ��رية واملؤسس� � ��ية املوجهة إلى البحث‬
‫احملاصيل‪ ،‬واختي� � ��ار احملاصيل واألصناف األكثر‬ ‫عن مدخالت أكثر إنتاجي� � ��ة وأكثر حماية للبيئة‪،‬‬
‫مالءمة للظروف املتوقع� � ��ة‪ ،‬من بني تدابير أخرى‬ ‫بهدف تعزيز إنتاجية الزراعة املطرية واملرورية‪.‬‬
‫للتك ُّيف مع تغير املناخ والتخفيف من تداعياته >‬ ‫هــ ‪ -‬تخصيص االستثمارات املطلوبة لتطوير‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪162‬‬

‫‪feb 158-162.indd 162‬‬ ‫‪1/4/15 9:18:56 AM‬‬


‫نبيل قطيط‬ ‫> تعليم التفكير‪...‬استراتيجيات التفكير اإلبداعي ‬
‫د‪.‬عالء عبداملنعم إبراهيم‬ ‫> ظاهرة برامجه التلفزيونية «الطهي» بنكهة السياسة ‬
‫د‪.‬محمد أحمد الشرقاوي‬ ‫> تدريبات التحكم الوظيفي لألطفا ‬
‫ل‬

‫رضا إبراهيم محمود‬ ‫> الضحك والبكاء وتحليلهما من منظور نفسي ‬

‫‪feb 163-165.indd 163‬‬ ‫‪12/31/14 11:02:13 AM‬‬


‫تعليم التفكير‪...‬‬
‫استراتيجيات التفكير اإلبداعي‬
‫نبيل قطيط *‬

‫يستخدم البعض لفظ «ابتكار» في اللغة العربية مكان لفظ «إبداع»‪ ،‬ولكن يبدو أن لفظ‬
‫«إبداع» أكثر داللة على النشاط والسلوك املتعلق بالتف ّوق واحلذق في الصنعة من لفظ‬
‫«ابت ��كار» ال ��ذي يقتص ��ر معناه على الس ��بق وإتيان األمر أو ًال‪ .‬واإلبداع كما ورد في لس ��ان‬
‫الع ��رب‪ :‬ب ��دع الش ��يء يبدعه بدع ًا وابتدعه‪ :‬أنش ��أه أو ًال‪ ،‬وفي معجم الق ��رآن الكرمي‪ :‬بدع‬
‫الشيء‪ :‬أنشأه على غير مثال‪.‬‬

‫وي������رى دي بونو أن ثمة فروق������اً في التفكير‬ ‫وقـ ـبـ ــل أن نعرض م ــا أورده «دي بونو»‬
‫الرأسي والتفكير اإلبداعي ‪Creative Thinking‬‬ ‫** في برنامجه «‪ ،»cort‬نستعرض‬
‫اجل������اد‪ ،‬ووضع مبادئ أساس������ية نوجزها في ما‬ ‫مفهومني في غاية األهمية‪ ،‬أال وهما‬
‫يلي‪:‬‬ ‫«التفكير العمودي» و«التفكير اإلبداعي»‪.‬‬
‫(‪ )1‬اإلبداع ليس موهبة موروثة‪.‬‬
‫(‪ )2‬التفكي������ر اإلبداع������ي اجل������اد منط من‬
‫التفكير العمودي (الرأسي)‪:‬‬
‫أمناط التفكير ميكن التد ّرب عليه واكتسابه‪.‬‬ ‫عندما يفكر اإلنـــس������ان بـــشـــكل عـــمـــودي‬
‫(‪ )3‬اإلب������داع اجلاد مغاير للتفكير املنطقي‬ ‫‪ Vertical Thinking‬فه������و أش������به مب������ن حـــفر‬
‫ومتجاوز عنه‪.‬‬ ‫عندئذ يبــقى في‬‫ٍ‬ ‫حفـــرة ويس������تمر في حفرها‪،‬‬
‫(‪ )4‬اإلب������داع الـــج������اد يــــهــــت������م كـــثــــــي������راً‬ ‫نطاقها‪ ،‬وبالتــــالي ال ميكن له أن يـــأتي بجديد‬
‫باالحتماالت‪.‬‬ ‫م������ادام يحـــفر في اجتاه واحـــد‪ .‬فــــإذا أراد أن‬
‫(‪ )5‬مصطلح «اإلبداع اجلاد» يتضمن مجموعة‬ ‫يـــأتي بجديد‪ ،‬فعليه أن يخرج من هذه احلفرة‬
‫م������ن الط������رق املنظمة تس������تخدم لتغيي������ر املفاهيم‬ ‫إلى حفرة غيرها‪.‬‬
‫واإلدراكات‪ ،‬وتولي������د مفاهيم وإدراكات جديدة من‬
‫جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى يتضمن استكشاف احتماالت‬ ‫التفكير اإلبداعي‪:‬‬
‫واجتاهات متعددة (‪.)2003 De Bono‬‬ ‫الفكرة األساسية هنا هي البحث عن اجتاه‬
‫وم������ن املهم أن نذكر هنا أن دي بونو أ ّول من‬ ‫آخر‪ ،‬أو اخلروج عن استمرار احلفر في مكان‬
‫وض������ع مصطل������ح‪( Lateral Thinking :‬التفكير‬ ‫واحد‪ ،‬وهو ما قد يؤدي إلى تغيير االجتاه‪.‬‬
‫* كاتب من مصر‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪164‬‬

‫‪feb 163-165.indd 164‬‬ ‫‪12/29/14 9:04:26 AM‬‬


‫‪165‬‬ ‫تعليم التفكير‪ ...‬استراتيجيات التفكير اإلبداعي‬

‫‪feb 163-165.indd 165‬‬ ‫‪12/31/14 11:05:38 AM‬‬


‫ه������ي‪ ،‬وبالتالي ال نحاول القيام بتحس������ينها أو‬ ‫اإلحاط� � ��ي)‪ ،‬وهو هذا النوع م� � ��ن التفكير الذي‬
‫تغييرها‪.‬‬ ‫يس� � ��عى إلى اإلحاط� � ��ة بجوانب املش� � ��كلة‪ ،‬وهو‬
‫يتجاوز بهذا التفكير العادي‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬استراتيجية البدائل‬ ‫ذل������ك أن التفكيرين املنطق������ي والرياضي‬
‫إن جوهر الدافعية اإلبداعية هو االعتقاد‬ ‫يوليان اهتمام������اً للبحث عن اإلجاب������ة بـ«نعم»‬
‫أن هن������اك طرقاً أخ������رى لعمل األش������ياء‪ ،‬وأن‬ ‫أو «ال»‪ ،‬فهم������ا يعتم������دان معي������ار القيمتني‪ ،‬بل‬
‫الطريقة احلالية ليس������ت الوحي������دة لعمل هذا‬ ‫لعلهما يحكمان أسلوب تفكيرنا الذي يتلخص‬
‫الش������يء‪ ،‬وغي������اب الدافعي������ة اإلبداعي������ة هو‬ ‫ف������ي الدفاع والهج������وم‪ ،‬فغايت������ي أن أثبت أنك‬
‫االعتق������اد أن الطريق������ة احلالية ه������ي أفضل‬ ‫عل������ى خطأ‪ ،‬وبالتالي فإن������ي على صواب‪ ،‬ومن‬
‫طريقة‪ ،‬أو الطريق������ة الوحيدة‪ ،‬وغالباً ما يقال‬ ‫هنا كان قص������ور هذا النوع في رأي دي بــــونو‪،‬‬
‫إن اجلي������د هو عدو األفضل‪ ،‬وه������ذا يعني أنه‬ ‫بالــرغ������م من أنه ال ينتقص م������ن أهمية هذين‬
‫عن������د احلصول على بديل جيد نقف وال نبحث‬ ‫التفكيرين‪.‬‬
‫عن مزيد من البدائل‪.‬‬ ‫أمس احلاجة‬ ‫ّ‬ ‫لقد وجد دي بونو أنن������ا في‬
‫إل������ى «تفكي������ر» يتج������اوز هذي������ن التفكيــري������ن‬
‫أهم مالمح برنامج «الكورت»‬ ‫حملدوديتهم������ا‪ ،‬إنه تفكي������ر اإلمكانات املختلفة‬
‫(مهارات التفكير)‬
‫والبدائل واملواقف املترتبة‪ ،‬فال عجب أن نرى‬
‫ما مهارات التفكير؟‬ ‫دي بون������و يقدم أحد كتبه بعنوان‪« :‬ما وراء نعم‬
‫هي استخدام التفكير بالشكل األفضل من‬ ‫وال»‪.‬‬
‫خالل استخدام مجموعة من األدوات‪.‬‬ ‫�����ذر دي بون������و م������ن الرفض الس������ريع‬ ‫ويح� ّ‬
‫والف������وري لألفكار‪ ،‬ويش������ير إل������ى أن الرفض‬
‫أهداف وأهمية البرنامج‬ ‫السريع لألفكار يأتـــي من القيود التي فرضت‬
‫< تنمية القدرات العقلية‪.‬‬ ‫على العقل‪ ،‬ف������إذا كــــانت الفكرة ال تتوافق مع‬
‫< اكتساب أدوات التفكير‪.‬‬ ‫هذه القيود‪ ،‬فإنها تتجه نحو الرفض‪ ،‬وهذا هو‬
‫< تنمية وتطوير التحصيل الدراسي‪.‬‬ ‫االستخدام املب ّكر للتفكير املتشائم‪ ،‬لكن األمر‬
‫< تطوير استراتيجيات التعليم‪.‬‬ ‫يتطلب أن يتم التفكير في هذه احلالة بطريقة‬
‫تش������ير إلى التفاؤل‪ ،‬بل قد يتطلب التفكير في‬
‫مكونات البرنامج‬
‫ّ‬ ‫هذه احلالة اإلبداع‪.‬‬
‫ينقسم البرنامج إلى ‪ 6‬أجزاء‪ ،‬وينقسم كل‬
‫جزء إلى ‪ 10‬مهارات‪ ،‬وبالتالي مجموع املهارات‬ ‫استراتيجيات اإلبداع اجلاد‬
‫‪ 60‬مهارة‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫ال‪ :‬استراتيجية التركيز‪Focus Strategy :‬‬
‫واجلزء األول (توس������ــــيع مج������ال اإلدراك)‬ ‫إنه������ا نقط������ة الـــبداية ألي جلس������ة تفكير‬
‫يعتب������ر اجل������زء الرئي������س‪ ،‬وتعتمد علي������ه بقية‬ ‫إبداعي بهدف تولي������د أفكار جديدة‪ ،‬والتركيز‬
‫األجزاء‪.‬‬ ‫نوع������ان‪ :‬أحدهما التركيز عل������ى مناطق عامة‪،‬‬
‫تتطل������ب األداة األولى في ك������ورت‪ 1‬النظر‬ ‫والثاني واأله������م هو التركيز اله������ادف‪ ،‬ويكون‬
‫للنقاط اإليجابية «‪ »P‬والس������لبية «‪ »M‬واملثيرة‬ ‫مح������دداً من خالل الهدف الذي س������تعمل على‬
‫«‪،»I‬لذا فاألداة اختصاراً «‪.»PMI‬‬ ‫حتقيقه‪.‬‬
‫التحدي‬
‫ّ‬ ‫ثاني ًا‪ :‬استراتيجية‬
‫ما املقصود مبعاجلة األفكار؟‬ ‫هي األساس املهم في كل عمليات اإلبداع‪،‬‬
‫اس������تخالص إيجابيات الفكرة وس������لبياتها‬ ‫حتد نكون راضني عن األش������ياء كما‬ ‫ٍّ‬ ‫فمن دون‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪166‬‬

‫‪feb 163-165.indd 166‬‬ ‫‪12/29/14 9:04:36 AM‬‬


‫استخدام احلافلة‪.‬‬ ‫م������ع النظر إل������ى األم������ور الـــالفت������ة لالنتباه‪ ،‬أو‬
‫< يصبح حمل حقائب السفر واألطفال في‬ ‫التي تتطلب دراس������ة أكثر للبت فيها‪ ،‬أو القدرة‬
‫احلافلة صعباً‪.‬‬ ‫عل������ى النظر إلى فكرة ما م������ن مختلف الزوايا‪،‬‬
‫ث������م تصنيف هذه األف������كار إلى أف������كار إيجابية‬
‫بعض النقاط املثيرة «‪»I‬‬ ‫وس������لبية واحتماالت حتتاج لدراسة أكبر وجمع‬
‫< فك������رة مثيرة ممتعة ق������د تقود إلى نوعني‬ ‫للمعلومات‪.‬‬
‫من احلاف���ل��ات‪ :‬أحدهما مبقاع������د واآلخر من‬ ‫موجب «‪ :»p‬األش������ياء اجليدة عن فكرة ما‪،‬‬
‫دون مقاعد‪.‬‬ ‫ملاذا نحبها؟‬
‫< فكرة ممتعة‪ ،‬في أن تقوم احلافلة نفسها‬ ‫سالب «‪ :»M‬األشياء السيئة عن فكرة ما‪.‬‬
‫بأعمال وخدمات متعددة‪.‬‬ ‫مثـــيــــر «‪ :»I‬األش������ــيـــاء التي جتذب االنتـــباه‬
‫< فكرة ممتعة في أن تكون الراحة ليس������ت‬ ‫ف������ي الفك������رة‪ ،‬ما ال������ذي جت������ده مـــمــــتع������اً فــي‬
‫مهمة داخل احلافلة‪.‬‬ ‫الفكرة؟‬
‫ومن ذلك يتضح أن‪:‬‬
‫‪ -1‬درس معاجلة األفكار مهم‪ ،‬ألنك من دون‬ ‫الهدف من مهارة معاجلة األفكار‬
‫استخدامه قد تُهمل فكرة جيدة‪ ،‬قد تبدو ليست‬ ‫< الوصول إلى حتلي������ل أعمق للفكرة وأكثر‬
‫ذات قيمة من النظرة األولى‪.‬‬ ‫شمولية‪.‬‬
‫‪ -2‬م������ن دون اس������تخدامك أداة معاجل������ة‬ ‫< فهم الفكرة بشكل دقيق‪.‬‬
‫مبال لرؤية اجلوانب‬ ‫األفكار‪ ،‬فإنك تكون غي������ر ٍ‬ ‫< تأجيل إصدار األحكام حتى يتم اكتشاف‬
‫السلبية للفكرة التي تعجبك كثيرا‪ً.‬‬ ‫كل أبعاد املوقف (املش������كلة)‪ ،‬وبالتالي الوصول‬
‫‪ -3‬ال يقتصر عمل أداة معاجلة األفكار على‬ ‫إلى قرار أصح قدر اإلمكان‪.‬‬
‫ظاهرة األفكار على أنها سلبية أو إيجابية‪ .‬لكن‬ ‫< الوصول إلى أفكار جيدة‪.‬‬
‫ميك������ن أن تكون جديرة باالهتمام إذا قادتنا إلى‬ ‫< االبتعاد عن التحيز قدر اإلمكان‪.‬‬
‫أفكار أخرى‪.‬‬ ‫ونعط������ي مثاالً يوضح كيفية اس������تخدام هذه‬
‫‪ -4‬من دون اس������تخدام أداة معاجلة األفكار‬ ‫األداة «‪:»PMI‬‬
‫فإن معظم األحكام التي تصدرها ال تكون مبنية‬
‫عل������ى قيمة الفكرة ذاتها‪ ،‬ولك������ن على عواطفك‬ ‫ف �ك��رة‪ :‬ي�ج��ب إخ�ـ�ـ�ـ��راج جميع امل �ق��اع��د من‬
‫احلافلة‪:‬‬
‫وأحاسيسك في ذلك الوقت‪.‬‬
‫‪ -5‬باس������تخدامك طريقة معاجل������ة األفكار‬ ‫بعض النقاط اإليجابية «‪»p‬‬
‫تس������تطيع التقري������ر أنك كنت حت������ب أو ال حتب‬ ‫< يس������تطيع عدد أكبر من األفراد استخدام‬
‫الفكرة بعد اكتشافها‪.‬‬ ‫احلافلة‪.‬‬
‫وال يفوتن������ا أن نذكر هنا أن������ه توجد جتارب‬ ‫< يصبح الصعود إلى احلافلة والنزول منها‬
‫عاملية كثيرة أخرى لتعليم التفكير >‬ ‫أسهل‪.‬‬
‫< تصب������ح احلافلة أقل ثمناً وال حتتاج لكثير‬
‫** مؤس ��س ومدي ��ر مؤسس ��ة البح ��ث املعرف ��ي‬ ‫من الصيانة‪.‬‬
‫(‪ Cognitive Research Trust (Cort‬الت ��ي أنش ��ئت‬
‫ف ��ي جامعة كامبردج عام ‪ ،1969‬تخ ��رج طبيب ًا في مالطة‪،‬‬ ‫بعض النقاط السلبية «‪»M‬‬
‫وحص ��ل على درجتي دكتوراه في الفلس ��فة‪ ،‬عمل في هذا‬ ‫< ميكن أن يس������قط املس������افرون عند توقف‬
‫وكرس له حياته‪ ،‬وهو يرى أن «تعليم الذكاء» ليس‬ ‫املجال ّ‬ ‫احلافلة فجأة‪.‬‬
‫إال تعليم التفكير‪.‬‬ ‫< ال يس������تطـــيع كـــب������ار الس������ن واملعاق������ون‬
‫‪167‬‬

‫‪feb 163-165.indd 167‬‬ ‫‪12/29/14 9:04:40 AM‬‬


‫ظاهرة برامجه التلفزيونية‬
‫«الطهي» بنكهة السياسة‬
‫د‪.‬عالء عبداملنعم إبراهيم *‬

‫وثقة يجذبان إليه‬ ‫�موخ ٍ‬ ‫األنيقة‪ ،‬وبش � ٍ‬


‫ِ‬ ‫مبالبس ��ه البيضاءِ‬
‫ِ‬ ‫الغالب –‬
‫ِ‬ ‫يقف الطاهي ‪ -‬الس ��منيُ في‬
‫تهبط الكاميرا من أعلى االس ��تديو‬ ‫ُ‬ ‫اقتناص زواياها مبهارة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫س عل ��ى‬ ‫متر َ‬‫عدس ��ة الكامي ��را التي َّ‬
‫طنعة مرفود ًة‬ ‫ٍ‬ ‫بابتسامة ُم ْص‬
‫ٍ‬ ‫يرح ُب بها‬
‫البرنامج الذي ِّ‬
‫ِ‬ ‫جنم‬
‫شكل املطبخ‪ ،‬تستقر أمام وجه ِ‬ ‫تخذ َ‬ ‫ا ُمل ِ‬
‫�تتضم‬
‫َّ نُ‬ ‫�‬ ‫س‬ ‫التي‬ ‫االفتتاحية‬
‫ِ‬ ‫لهذه‬ ‫حافظني‬ ‫صاروا‬ ‫الذين‬ ‫دين‬ ‫�اه‬
‫ِ‬ ‫�‬ ‫ش‬ ‫ُ‬
‫مل‬ ‫ا‬ ‫�ادة‬
‫َّ ِ‬ ‫�‬ ‫بالس‬ ‫الترحيب‬
‫ِ‬ ‫بعبارات‬
‫ِ‬
‫تعد ِدة‬ ‫االتصال ا ُمل ِّ‬
‫ِ‬ ‫وسائل‬ ‫بتحديد‬
‫ِ‬ ‫كله‬ ‫هذا‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ع‬ ‫شف‬
‫ُ ِ‬‫م‬ ‫لو‪،‬‬ ‫ُ‬
‫واحل‬ ‫ق‬ ‫اذ‬
‫ِ ِ‬ ‫َ‬
‫حل‬ ‫ا‬ ‫بني‬ ‫ة‬ ‫َّع‬
‫َ‬ ‫ز‬ ‫و‬ ‫ُ‬
‫مل‬ ‫ا‬ ‫اليوم‬ ‫طعام‬
‫ِ‬ ‫قائم َة‬
‫جماهيره‬
‫ِ‬ ‫للتواصل احل � ِّ�ي معه‪ ،‬خاتمِ � � ًا افتتاحيته بدع � ِ‬
‫�وة‬ ‫ِ‬ ‫ي ِك ��ن للجماهي ��ر اس ��تعما َلها‬ ‫الت ��ي مُ ْ‬
‫الفاصل اإلعالني‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الستمرار متابعتهم له بعد‬ ‫ِ‬
‫* أكادميي من مصر‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪168‬‬

‫‪feb 163-165.indd 168‬‬ ‫‪12/29/14 9:04:44 AM‬‬


‫فعلى مدار تاريخ قي� � ��ام املمالك وانهيارها وتولي‬ ‫صار املش� � ��هد الس� � ��ابق أح� � ��د املش� � ��اهد اليومية‬
‫احل� � ��كام املختلفني مقالي� � ��د أمور ممالكه� � ��م ودولهم‬ ‫املألوفة للمش� � ��اهد العربي الذي ألفى نفسه في فترة‬
‫وتخليهم عنها أو تخليه� � ��ا عنهم‪ ،‬كان الطعام عنصراً‬ ‫زمنية وجيزة ف� � ��ي مواجهة مجموعة كبيرة من برامج‬
‫ال في السياس� � ��ة بش� � ��كل الفت‪ ،‬باعتباره املسار‬ ‫متغلغ ً‬ ‫الطهي التلفزيونية املوزعة على عدد كبير من القنوات‬
‫الوحي� � ��د الذي ميكن أن يس� � ��لكه املتطلعون للس� � ��لطة‬ ‫الفضائية‪ ،‬أو املجمعة في قناة واحدة مت تخصيصها‬
‫للقض� � ��اء على احل� � ��كام الذين حتصنوا خلف أس� � ��وار‬ ‫لهذه النوعية من البرامج كممارس� � ��ة اس� � ��تثنائية في‬
‫قصورهم العالية وأحاطوا أنفس� � ��هم مبجموعة كبيرة‬ ‫الهيكلة التلفزيونية‪.‬‬
‫من الفرس� � ��ان الش� � ��جعان الذين كانوا على استعداد‬ ‫وإذا كان وج� � ��ود ه� � ��ذه البرام� � ��ج عل� � ��ى الس� � ��احة‬
‫دائماً للتضحية بحياتهم فداء مللكهم‪ ...‬كلمة السر إذن‬ ‫التلفزيونية أم� � ��راً معتاداً منذ فت� � ��رة طويلة‪ ،‬فإن هذه‬
‫كانت املطبخ‪ ،‬ويكفي في هذا الس� � ��ياق مطالعة تاريخ‬ ‫الكثافة الكمية والكيفية في إطار زمني ضيق ال يجاوز‬
‫الدول على اختالف امتداداتها اجلغرافية والثقافية‬ ‫السنتني‪ ،‬قد دفعتا املتلقي احلصيف إلى طرح تساؤل‬
‫واالجتماعي� � ��ة للتأكد من أن الطعام كان أحد األبواب‬ ‫مشروع حول أسباب هذا احلضور الناجز لهذه النوعية‬
‫الس� � ��حرية الت� � ��ي يدلف منه� � ��ا املتنافس� � ��ون للنيل من‬ ‫من البرامج‪ ،‬وعوامل جناحها الالفت وعالقة هذا كله‬
‫خصومهم السياسيني‪ ،‬فحوادث موت امللوك واحلكام‬ ‫مبالبس� � ��ات الس� � ��ياق املؤطر لها‪ ،‬وال� � ��ذي تغلغلت فيه‬
‫والرؤس� � ��اء عبر تناول طعامهم املفضل املدسوسة فيه‬ ‫السياسة بعناصرها كافة في الفترة األخيرة‪ .‬إننا هنا‬
‫جرعة قاتلة من الس� � ��م الزعاف أكثر من أن حتصى‪،‬‬ ‫نس� � ��عى لفهم طبيعة هذا التمدد غير املسبوق لبرامج‬
‫وال يس� � ��تثنى من ذلك مملكة أو دول� � ��ة‪ ،‬فمن إخناتون‬ ‫الطهي من خالل االتكاء على املؤشرات‏التي يطرحها‬
‫الفرعوني إلى أرس� � ��يس الفارس� � ��ي إلى جني هوي تي‬ ‫السياق اجلامع‪ ،‬وإن جتاوز املدار املباشر‏وحلَّق بنا إلى‬
‫الصيني إلى أريك السادس عشر السويدي إلى ياسر‬ ‫املدار األوسع برحابته املفهومية وعمقه اجلدلي‪.‬‏‬
‫عرفات العربي‪ ...‬إلخ‪ ،‬تنوعت أسماء الضحايا‪ ،‬وظل‬
‫الطاهي اخلائن أو املخدوع وطهيه س� � ��ببني رئيس� �ي��ن‬ ‫الطهي والسياسة وجهان لعملة واحدة‬
‫في طي صفحة تاريخية وب� � ��دء صفحة جديدة‪ .‬وقد‬ ‫يبدو هذا العن� � ��وان اجلانبي للوهلة األولى إحدى‬
‫أدرك احل� � ��كام منذ القدم ما ميكن أن تؤديه ش� � ��هوة‬ ‫املمارس� � ��ات الس� � ��اخرة الت� � ��ي تعتمد فلس� � ��فتها على‬
‫الطعام من موت محقق‪ ،‬فاس� � ��تحدثوا وظيفة املتذوق‬ ‫تأسيس عالقة مماثلة بني ش� � ��يئني يبدوان مختلفني‬
‫الذي يش� � ��كل أداة االختبار الناجح� � ��ة التي ميكن أن‬ ‫لتحقيق هدف محدد يتمثل في تدنية‪/‬تخفيض قيمة‬
‫تكون منجاة للسياسي من مكيدة دبرها له حاسدوه‪،‬‬ ‫أحدهما بربطه بالطرف اآلخر الذي يحتل مرتبة أقل‬
‫ولعل الرئيس الروسي «بوتني» هو آخر هؤالء احلكام‬ ‫من� � ��ه في إطار الوعي اجلمعي الش� � ��ائع‪ ،‬وعلى الرغم‬
‫متسكاً بوظيفة املتذوق في العلن‪.‬‬ ‫م� � ��ن وجاهة هذا األم� � ��ر فإننا نعت� � ��ذر ألصحابه عن‬
‫إن ه� � ��ذه العالق� � ��ة التاريخي� � ��ة ب� �ي��ن السياس� � ��ة‬ ‫تخييبن� � ��ا لتوقعاتهم الرصين� � ��ة ومجاوزتنا هذه اللعبة‬
‫والطهي تتعضد عبر مظاهر س� � ��يميولوجية متعددة‬ ‫اللفظية ملصلحة الواقع مبؤش� � ��راته الدالة وشواهده‬
‫تعتني بالفه� � ��م التأويلي لها‪ ،‬ومن ذل� � ��ك أن القيمية‬ ‫التاريخية‪.‬‬
‫الوظيفية لكل من السياس� � ��ي والطاهي على مستوى‬ ‫جتمل‬
‫َّ‬ ‫وإن‬ ‫–‬ ‫يكذب‬ ‫ال‬ ‫�ذي‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫التاريخي‬ ‫�ع‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ق‬ ‫فالوا‬
‫املجتمع تتحقق عبر قدرة كل منهما على استقطاب‬ ‫في بعض األحيان ‪ -‬يؤكد أن ثمة عالقة راس� � ��خة بني‬
‫اجلماهير‪ ،‬بحيث يغدو توس� � ��يع دائ� � ��رة املؤيدين هو‬ ‫السياس� � ��ة مبؤامراتها ودسائسها من جانب‪ ،‬والطهي‬
‫الهدف األول ل� � ��كل منهما‪ ،‬وبقدر جناح السياس� � ��ي‬ ‫بعناصره املتع� � ��ددة من جانب آخر‪ ،‬األمر الذي جعل‬
‫أو الطاه� � ��ي في مغازلة اجلماهي� � ��ر‪ ،‬يتحقق جناحه‬ ‫عدي� � ��داً من املؤرخ� �ي��ن ينظرون إل� � ��ى الطعام بوصفه‬
‫ال واعداً‪ ،‬وال يرتبط األمر‬ ‫ويضمن لنفس� � ��ه مس� � ��تقب ً‬ ‫أحد أكثر األدوات السياسية إجنازاً والتي يفيد منها‬
‫مبا يقدم� � ��ه كل منهما فقط جلماهي� � ��ره‪ ،‬بل يرتبط‬ ‫املتنافسون السياسيون في حتقيق مآربهم بعيداً عن‬
‫بآلي� � ��ة التقدمي كذلك‪ ،‬فالسياس� � ��ي البارع منذ عهد‬ ‫املعايير األخالقية التي ال مجال لها في السياسة وإن‬
‫س� � ��قراط كان يتعلم البراعة ف� � ��ي التالعب باأللفاظ‬ ‫ادعى الساسة غير ذلك‪.‬‬
‫‪169‬‬ ‫«الطهي» بنكهة السياسة‬

‫‪feb 163-165.indd 169‬‬ ‫‪12/29/14 9:04:48 AM‬‬


‫األخبار الكاذبة عنه حتى تتاح له الفرصة لتفنيدها‬ ‫حتى يس� � ��تطيع أن يطرح وجهة نظ� � ��ره للجماهير‪،‬‬
‫كخطوة مهمة لكس� � ��ب تعاطف اجلماهير واقتناص‬ ‫فيح� � ��ول ببالغته البخل إلى ح� � ��رص والتبذير إلى‬
‫إعجابهم وشفقتهم‪.‬‬ ‫كرم والنفاق إلى مجامل� � ��ة والوقاحة إلى صراحة‪،‬‬
‫والسياس� � ��ي الب� � ��ارع أيضاً هو الق� � ��ادر على تقدمي‬
‫بني السياسة واملطبخ‬ ‫رؤيت� � ��ه مبلفوظ جذاب‪ ،‬واعي � � �اً أن طريقة التقدمي‬
‫إذا كانت السياس� � ��ة هي ف� � ��ن املمكن‪ ،‬وإذا كانت‬ ‫اجليدة واملنمقة املتناغمة مع طموحات املتلقني قد‬
‫القاع� � ��دة الثابت� � ��ة في السياس� � ��ة هي أن� � ��ه ال ثوابت‬ ‫تكون ش� � ��فيعاً له حال عجزه ع� � ��ن حتقيق ما وعد‬
‫ف� � ��ي السياس� � ��ة‪ ،‬فإن السياس� � ��ة حاولت اس� � ��تغالل‬ ‫به‪ ،‬كذلك الطاهي الذي ي� � ��درك أن رائحة الطعام‬
‫اجلماهيرية العريضة الت� � ��ي يتمتع بها الطاهي في‬ ‫الش� � ��هي ومذاقه املميز غير كافيني إلرضاء طموح‬
‫التروي� � ��ج للمواقف السياس� � ��ية املختلف� � ��ة‪ ،‬وبخاصة‬ ‫اجلماهير‪ ،‬فالتزيني أو «التفنيش» مبصطلح الطهاة‬
‫في فت� � ��رات األزم� � ��ات والتخبط السياس� � ��ي‪ ،‬حيث‬ ‫ال يق� � ��ل أهمية عن طبيعة املقدم‪ ،‬فالطاهي احملنك‬
‫بدا الطاهي مغازالً ملش� � ��اعر جماهيره ومروجاً في‬ ‫ي� � ��درك أن العني تتذوق قبل اللس� � ��ان‪ ،‬وليس هناك‬
‫اآلن ذاته ملذهب سياس� � ��ي محدد يت� � ��م اختزاله في‬ ‫م� � ��ا يحول دون ممارس� � ��ة بعض مظاه� � ��ر التالعب‬
‫ش� � ��خص أو مجموعة أشخاص حتت شعار مسكوت‬ ‫كإعداد الطعام بشكل مسبق والتذرع بضيق الوقت‬
‫عنه مف� � ��اده «أنا أطهو إذن أنا ومذهبي السياس� � ��ي‬ ‫أمام اجلماهير الس� � ��تخدام هذا الطعام املعد سلفاً‬
‫موجودان»!‪.‬‬ ‫متاماً كما يفعل الكثير من السياس� � ��يني بخداعهم‬
‫ويب� � ��دو أن وع� � ��ي أصحاب القن� � ��وات الفضائية‬ ‫اجلماهير ببرامج انتخابية مكررة ومسروقة‪.‬‬
‫‪ -‬بحكم مترس� � ��هم في مخاطب� � ��ة ذهنية اجلماهير‪-‬‬ ‫كم� � ��ا أن الترويج لل� � ��ذات والنيل م� � ��ن اخلصوم‬
‫بطبيع� � ��ة جمهوره� � ��م كان هو العامل احلاس� � ��م في‬ ‫بطريقة ناعمة‪ ،‬ال يكش� � ��فان عن تضخم اإلحس� � ��اس‬
‫اختي� � ��ار االعتماد عل� � ��ى هذه النوعية م� � ��ن البرامج‬ ‫بالذات‪ ،‬ويشكالن أداة يستعني بها كل من السياسي‬
‫ف� � ��ي هذه الفترة التاريخية الت� � ��ي متر بها عديد من‬ ‫والطاهي‪ ،‬فكالهم� � ��ا ال يعيب على خصومه بطريقة‬
‫البالد العربية‪ ،‬فق� � ��د أدرك القائمون على القنوات‬ ‫مباش� � ��رة في األحيان معظمها‪ ،‬ليس بوازع أخالقي‬
‫أن املتلقي العرب� � ��ي وبخاصة في دول الربيع العربي‬ ‫ش� � ��خصي وإمنا من حرص نفعي على عدم خس� � ��ارة‬
‫يشعر بإحباط شديد من جراء النزاعات السياسية‬ ‫طبقة من اجلماهير يشكل املعيار األخالقي عنصراً‬
‫الت� � ��ي لم يعتده� � ��ا بحكم ميراث تاريخ� � ��ي ثقيل كان‬ ‫رئيس � � �اً من عناص� � ��ر اختيارها تؤي� � ��ده أو تدعمه أو‬
‫ينظر إلى مشاركة املواطن في احلراكات السياسية‬ ‫تتابع� � ��ه‪ ،‬فيح� � ��اول كل م� � ��ن السياس� � ��ي والطاهي أن‬
‫بوصفه أمراً ديكورياً أو ش� � ��كلياً‪ ،‬ألفى هذا املواطن‬ ‫يتصيد أخطاء اآلخرين بتقدمي وجهة نظر أو طريقة‬
‫املنفي خارج دائرة السياسة لعقود طويلة غارقاً في‬ ‫مض� � ��ادة أو مبتكرة أو أكثر تنظيماً تفضح املس� � ��توى‬
‫جلجها‪ ،‬وبفضل محدودية خبرته السياس� � ��ية شعر‬ ‫املتدني املقدم من قبل اخلصم‪ ،‬وتش� � ��كل اإلش� � ��ارات‬
‫بالسعادة ملشاركته في هذا األمر اجلديد في بدايته‪،‬‬ ‫والتلميحات والتعريض أدوات بالغة التأثير في هذا‬
‫ولكن مع ثقل الشعور باملسؤولية وعدم اعتياد هذا‪,‬‬ ‫الس� � ��ياق‪ .‬التوابل هي كلمة السر في الطهي‪ ،‬وبقدر‬
‫الدور وزوال بريق اللعبة اجلديدة‪ ،‬بدأ يتسرب إليه‬ ‫معرف� � ��ة الطاهي مبق� � ��دار ونوعية التواب� � ��ل املقدمة‬
‫املوجهات‬‫اإلحساس بالقلق الذي تضاعف مع غياب ِّ‬ ‫في الطعام بقدر م� � ��ا يحقق تفوقاً في مذاق طعامه‬
‫السياس� � ��ية املمثلة في أشخاص أو مؤسسات ميكن‬ ‫وتنوعاً في معرفة نوعية املطابخ التي تشكل التوابل‬
‫االعتم� � ��اد عليها في حتديد الق� � ��رارات أو املواقف‪،‬‬ ‫عنصراً حاس� � ��ماً في تصنيفها‪ .‬والتوابل السياسية‬
‫ال له لتحديد‬ ‫بحيث غدت الوس� � ��ائل اإلعالمية منه ً‬ ‫تتن� � ��وع أيضاً فإذا كانت ج� � ��ودة التوابل العربية أحد‬
‫موقفه السياس� � ��ي م� � ��ن األحداث‪ ،‬غي� � ��ر أن هذا لم‬ ‫أس� � ��باب احلم� �ل��ات الصليبي� � ��ة على الش� � ��رق‪ ،‬فإن‬
‫يحق� � ��ق له ما كان يصبو إليه م� � ��ن راحة‪ ،‬بل ال نبالغ‬ ‫السياس� � ��ي يضع توابله في حواراته وأخباره‪ ،‬األمر‬
‫إذا قلنا إن األمر ازداد س� � ��وءاً لتعارض مواقف هذه‬ ‫ال� � ��ذي يصل في بعض األحيان إلى حد وضع الفلفل‬
‫القنوات االتصالية‪ ،‬وحتكم األيديولوجيا السياسية‬ ‫احلار بنفس� � ��ه في طبقه السياس� � ��ي بتسريب بعض‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪170‬‬

‫‪feb 163-165.indd 170‬‬ ‫‪12/29/14 9:04:53 AM‬‬


‫وعي أصحاب القنوات الفضائية بطبيعة جمهورهم كان هو العامل احلاسم في اختيار االعتماد على هذه النوعية من البرامج‬

‫املتغلغلني في السياس� � ��ة املتعلقة مبصالح اقتصادية‪،‬‬ ‫ف� � ��ي كل موجهاتها‪ ،‬فال يكاد املتلقي البس� � ��يط يقتنع‬
‫فقد س� � ��عى ه� � ��ؤالء إل� � ��ى تغذية هذا الش� � ��عور ببغض‬ ‫بوجهة نظر هذه القناة حتى يلفي نفس� � ��ه في مواجهة‬
‫السياسة لدى طبقة عريضة من اجلماهير‪ ،‬رغب ًة في‬ ‫قناة أخ� � ��رى تتبنى وجه� � ��ة مضادة وتس� � ��تدعي معها‬
‫إبعاد هذه الطبقة اجلماهيرية عن ملعب السياس� � ��ة‬ ‫مبرراتها املنطقية على املستوى الشكلي‪ ،‬ما جعل هذه‬
‫وإلهائها مبس� � ��احة تلفزيونية جتد فيها نفسها وترى‬ ‫اجلماهي� � ��ر العريضة أو كما يس� � ��ميها البعض «حزب‬
‫بعينها منج� � ��زاً يتحقق (الطعام) تس� � ��عد برؤيته وهو‬ ‫الكنبة» تفقد ثقتها بالسياسة التي لم جتلب لها سوى‬
‫ينتقل م� � ��ن دور التحضير إلى ط� � ��ور الكائن املكتمل‪،‬‬ ‫احليرة والتشتت‪.‬‬
‫لتمارس الحق � � �اً متعة التجري� � ��ب املرتبطة بنجاح في‬ ‫وهنا بدأ املواطن غير املعتاد على هذه اجلداالت‬
‫صنع ش� � ��يء من ال شيء‪ .‬هذا الشعور اإليجابي يعمق‬ ‫السياسية واإلشكاليات األيديولوجية في البحث عن‬
‫م� � ��ن ارتباط هذه اجلماهير بهذا النمط من البرامج‪،‬‬ ‫طوق جناة له من أتون السياسة مبرفقاتها من برامج‬
‫ويُح� � ��دث ‪ -‬ف� � ��ي اآلن نفس� � ��ه ‪ -‬مزيداً م� � ��ن القطيعة‬ ‫«توك شو» ووسائل إعالمية موجهة‪ ،‬وطبيعي أن يجد‬
‫املعرفية بني اجلماهير والسياس� � ��ة اللعينة‪ ،‬ما يخدم‬ ‫في الرياضة مالذه األخير‪ ،‬غير أن السياسة أبت إال‬
‫مصالح الساس� � ��ة املدعومني من وسائل إعالمية في‬ ‫أن تض ِّيق عليه دائرة الصراع‪ ،‬فتس� � ��ببت الصراعات‬
‫الفوز بس� � ��هولة بتأييد هؤالء املتابع� �ي��ن الذين صاروا‬ ‫السياس� � ��ية والفوض� � ��ى املصاحب� � ��ة له� � ��ا ف� � ��ي تعليق‬
‫أكثر ترويضاً واس� � ��تعداداً للخض� � ��وع لعملية التوجيه‬ ‫األنش� � ��طة الرياضية ومصاحباتها من برامج رياضية‬
‫السياس� � ��ي التي غدت أيس� � ��ر بفضل ما أصابهم من‬ ‫تتغ� � ��ذى على هذه األحداث وتش� � ��بع رغبة اجلماهير‬
‫حال� � ��ة اخلمول الذهني املترتبة على حالة اس� � ��تراحة‬ ‫في اإلحس� � ��اس باملش� � ��اركة في صنع األحداث‪ ،‬وهنا‬
‫احملارب السابقة‪.‬‬ ‫تتصاعد األزمة وتتعقد خيوط اللعبة وتختفي املنافذ‬
‫إن هذه العالقة احلميمة بني السياس� � ��ة والطهي‬ ‫التي ميكن أن ينفلت منها املتلقي‪.‬‬
‫تطرح مزيداً من التفس� � ��يرات حول مصطلح «املطبخ‬ ‫وهن� � ��ا تأتي برام� � ��ج الطه� � ��ي التلفزيونية لتحقق‬
‫السياس� � ��ي» الذي حالت سطوته التداولية دون فهمه‬ ‫اله� � ��دف املبتغى ليس� � ��ت على مس� � ��توى املتلقي النافر‬
‫بعمق في ضوء عالقة التداخل والتش� � ��ابك بني هذين‬ ‫م� � ��ن لعبة السياس� � ��ة وجدلها وصخبه� � ��ا فقط‪ ،‬ولكن‬
‫العامل� �ي��ن اللذين مهما بدا بعدهم� � ��ا فهما قريبان إلى‬ ‫أيضاً على مس� � ��توى خدمة مصالح أصحاب املواقف‬
‫حد التشارك >‬ ‫السياس� � ��ية ممثلني في أصح� � ��اب بعض هذه القنوات‬
‫‪171‬‬ ‫«الطهي» بنكهة السياسة‬

‫‪feb 163-165.indd 171‬‬ ‫‪12/29/14 9:04:56 AM‬‬


‫ُّ‬
‫التحكم الوظيفي لألطفال‬ ‫تدريبات‬
‫د‪.‬محمد أحمد الشرقاوي *‬

‫اله ��دف هن ��ا هو تعلي ��م وفه ��م وإدراك وكيفي ��ة التع� � ّرف ‪ Toilet Training‬على اإلش ��ارات‬
‫املن ّبه ��ة الص ��ادرة من أجس ��امهم بض ��رورة إفراغ األمع ��اء أو املثانة وتش ��جيعهم على ذلك‬
‫حلني استعمال الوعاء اخلاص (‪ )Potty‬ثم دورة مياه الكبار بعد ذلك‪.‬‬
‫وبداية يكون الطفل مس ��تعد ًا لهذه التدريبات من س ��ن عامني إلى ثالثة‪ ،‬ويجب أن يبدو‬
‫عل ��ى الطفل اهتمام حقيق ��ي ونية صادقة لذلك‪ ،‬والطفل يكون جاه ��ز ًا لهذه التدريبات‬
‫مع اكتمال ونضج من ّوه احلركي واإلدراكي واالنفعالي‪.‬‬

‫ف������ي الوقت نفس������ه‪ ،‬ومن الس������هولة مبكان أن‬ ‫هن������اك بع������ض الفح������وص لتقيي������م‬
‫يستطيع الطفل اس������تخدام الوعاء بأن يؤقلمه‬ ‫جاهزيته لهذه التجربة‪ ،‬ومن عش������ر‬
‫األبوان على اس������تعماله بكامل مالبس������ه أوالً‪،‬‬ ‫مف������ردات يج������ب أن يجت������از ثماني‬
‫وبعد ذلك ميكن وضعه في احلمام ليتش������جع‬ ‫عل������ى األقل‪ ،‬وهي اس������تطاعة الطفل اإلش������ارة‬
‫ويتع������ ّود عليه‪ ،‬خاص������ة مع إخوت������ه الكبار أو‬ ‫إلى عينيه‪ ،‬وأنفه‪ ،‬وفمه‪ ،‬وش������عره‪ ،‬وقدرته على‬
‫والديه بدورة املياه‪ ،‬س������واء كان مبالبس������ه أو‬ ‫االس������تجابة لتعليمات لفظية م������ن والديه بأن‬
‫دونها‪ ،‬وحاملا يشعر الطفل بالتوافق واالرتياح‪.‬‬ ‫ا ‪ -‬على مقعد معني‪ ،‬ثم ينهض‬ ‫يجلس ‪ -‬مث���ل�� ً‬
‫لهذا علينا إخباره دون س������ؤاله باجللوس عليه‬ ‫واقفاً‪ ،‬ميش������ي مع والدته إلى مكان محدد مثل‬
‫بني س������اعة وأخرى لالس������تفادة من ر ّد الفعل‬ ‫حجرة أخرى‪ ،‬ويكن قادراً على تقليد أحد أبويه‬
‫االنعكاسي النقباضات املعدة واألمعاء بجعله‬ ‫في نش������اط ما‪ ،‬ويستطيع إحضار شيء مألوف‬
‫يستعمل الوعاء بعد الوجبات الرئيسية بفترة‬ ‫لهما‪ ،‬وأخيراً ميكنه وضع ش������يء له مع ش������يء‬
‫وجيزة‪ ،‬ويستطيع األبوان إضافة أوقات أخرى‬ ‫آخر مثل دميته إلى جوار أحد كتبه‪ .‬واهتمامنا‬
‫الستخدام الوعاء عندما تبدو إشارات سلوكية‬ ‫بعد ذلك سينصب على جعل الطفل جافاً طوال‬
‫م������ن الطفل للتغ ّوط العاج������ل بأن يصبح فجأة‬ ‫النهار‪ ،‬وكثير من األطفال يشعرون بانقباضات‬
‫هادئاً بعد صخب‪ ،‬ث������م يبدأ بإجهاد عضالت‬ ‫ال عليهم التحكم بإفراغها‬ ‫األمعاء‪ ،‬ويكون س������ه ً‬
‫بطنه ويحتقن وجهه‪ ،‬وقد يخرج منه ريح‪.‬‬ ‫حملدوديتها‪ ،‬وألنها تعطي إشارات أقوى للطفل‬
‫ويج������ب الثناء على الطف������ل إن جلس على‬ ‫واألبوين‪.‬‬
‫الوعاء‪ ،‬ومرة أخرى لو جنح في إخراج فضالته‪،‬‬ ‫ويجب جتنّب حدوث إمس������اك للطفل ألن‬
‫�����جعه بأن هناك مرات‬ ‫وإذا ل������م ينجز ذلك‪ ،‬نش� ّ‬ ‫ه������ذا يعقد ف������رص التدريب برف������ض الطفل‬
‫قادمة سيوفق فيها‪ ،‬وأحياناً يحتاج الطفل إلى‬ ‫اجلل������وس عل������ى وعائ������ه اخلاص‪ ،‬ويس������تطيع‬
‫قضاء فترة أطول على الوعاء‪ ،‬وحتى نس������اعده‬ ‫األطفال التحك������م في إفراغ األمع������اء واملثانة‬
‫نحضر له ألعابه املفضلة وكتبه ليتسلى‪.‬‬ ‫الواحدة قبل األخ������رى‪ ،‬أو يتم إجناز ذلك معاً‬

‫* كاتب من مصر‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪172‬‬

‫‪feb 163-165.indd 172‬‬ ‫‪12/29/14 9:05:00 AM‬‬


‫يقظني منتبهني باحملافظة على مواعيد اجللسات‬ ‫وبذل� � ��ك تصب� � ��ح املهمة أكث� � ��ر جاذبية ومتعة‬
‫ومراقبة إشارات الطفل اللفظية واحلركية‪ ،‬معلنة‬ ‫ولي� � ��س عقاباً مش� � ��روطاً‪ ،‬وال مج� � ��ال لعقابه بعد‬
‫حاجته لإلفراغ ويكون معهما ما يكفي من مالبس‬ ‫محاوالت فاشلة‪ ،‬ألن تلك التدريبات هي مهارات‬
‫الطفل النظيفة الستبدالها مبالبسه املتسخة إن‬ ‫فردية تنمو وتتطور مع الوقت وليست صراعاً بني‬
‫حدث ذلك‪ ،‬وكل هذا دون توبيخ أو عقاب‪.‬‬ ‫إرادة الطفل ووالديه‪.‬‬
‫وميك� � ��ن للطف� � ��ل أن يأخ� � ��ذ وع� � ��اءه معه في‬ ‫وقد لوحظ أنه من السهل أن يتعلم الطفل أن‬
‫اخلروج ليشعر باالطمئنان واألمان‪ ،‬وعموماً عند‬ ‫يتب ّول في وضع اجللوس أوالً‪ ،‬ثم يتح ّول بالتدريج‬
‫سن ثالث سنوات يصبح ‪ 80‬في املائة من األطفال‬ ‫إلى وضع الوقوف‪ ،‬وميكن اس� � ��تعمال احلفاظات‬
‫قادرين على التحكم الوظيفي متاماً طوال النهار‬ ‫أثناء التدريب‪ ،‬أما السراويل فهي أفضل لسهولة‬
‫في البيت أو املدرس� � ��ة‪ ،‬وسرعان ما يحل التحكم‬ ‫إنزالها وظهور ما بها م� � ��ن بلل‪ ،‬وفي حالة قضاء‬
‫الليلي الكامل بعد ذلك >‬ ‫أي وق� � ��ت خ� � ��ارج املنزل عل� � ��ى األبوي� � ��ن أن يكونا‬
‫‪173‬‬ ‫تدريبات التحكُّ م الوظيفي لألطفال‬

‫‪feb 163-165.indd 173‬‬ ‫‪12/31/14 11:09:11 AM‬‬


‫الضحك والبكاء‬
‫وحتليلهما من منظور نفسي‬
‫رضا إبراهيم محمود*‬

‫يؤكد اخلبراء النفسيون أنه كلما زادت الضغوط احتاجت التركيبة النفسية إلى التخفيف‬
‫بوس ��ائل عدة‪ ،‬ومنها األحالم واالبتس ��ام وامل ��رح والضحك والفكاهة وامل ��زاح‪ ...‬إلخ‪ ،‬وكلها‬
‫أمور تصدر عن طبيعة واحدة في النفس البشرية التي عرفت بالتناقض الدائم‪ ،‬فالنفس‬
‫البشرية متل دوم ًا اجلد والصرامة‪ ،‬ولذا تبحث عن سبيل الفكاهة للتنفيس عما متر به‬
‫م ��ن آالم وواق ��ع‪ ،‬حت ��ى إن كان ذلك التنفيس مؤقت� � ًا‪ ،‬ليعيد التوازن النفس ��ي‪ ،‬ويؤدي إلى‬
‫أداء أفضل وبهجة تنتج عن انقباض العضالت وتفريغ التوتر اجلس ��مي والنفس ��ي‪ ،‬وتدل‬
‫الدراس ��ات عل ��ى أن الضح ��ك واالبتس ��ام واملرح وما ش ��ابهها ميكن لها أن تع ��دل املزاج وأن‬
‫تخفف من التوتر والقلق‪ ،‬أما البكاء‪ ،‬فهو خبرة س ��يكولوجية مير بها البش ��ر جميع ًا في‬
‫مختلف مراحل حياتهم‪.‬‬

‫يظهر على اإلنسان في صورة مرح أو فرح‪ ،‬وهو‬ ‫وعلى الرغم من شيوع خبرة البكاء‬
‫يوصف كذلك بأنه رد فعل فس������يولوجي نتيجة‬ ‫لدى جميع الناس‪ ،‬فإن املالحظ أن‬
‫للم������رور بخبرة ما‪ ،‬مثل س������ماع نكت������ة أو عند‬ ‫الدراسات التي أجريت على البكاء‪،‬‬
‫س������ماع مداعبة ما‪ ،‬ويؤكد خب������راء علم النفس‬ ‫أو الكتاب������ات الت������ي أثيرت حول������ه‪ ،‬كانت قليلة‬
‫أن مش������اهدة البرام������ج املضحكة والوس������ائط‬ ‫للغاية‪ ،‬وذل������ك ألن البكاء خبرة س������يكولوجية‬
‫الكوميدية مفيدة للصحة النفسية واجلسدية‬ ‫تكاد تكون مؤملة إلى حد ما‪ ،‬واإلنسان عادة ما‬
‫عل������ى حد س������واء‪ ,‬ويعتبر ذلك من األس������اليب‬ ‫يبتعد عما يؤمله سواء بقصد أو من دون قصد‪،‬‬
‫بي التحليل النفس������ي‬ ‫العالجي������ة العامة‪ ,‬وقد نَّ‬ ‫ال من الضحك‬ ‫واحلقيق������ة الفعلية ه������ي أن ك ً‬
‫أن الضحك يش������به احللم من حيث حتلله من‬ ‫والبكاء آية من آيات رب الس������ماوات واألرض‬
‫القيم واملمنوعات‪ ،‬وأنه يرفع من مستوى األداء‬ ‫ك‬‫يقول تعالى في كتابه العزيز { َوأَنَّهُ ُه َو أَ ْض َح َ‬
‫العقلي‪ ،‬ومن القدرة على االحتفاظ باملعلومات‬ ‫َوأَ ْب َك ��ى} (‪ – 43‬النج������م)‪ ،‬ويق������ول س������بحانه‬
‫أطول فترة ممكنة‪ ،‬ويقوي الذاكرة‪ ،‬وأن فائدة‬ ‫وتعال������ى أيضاً {أَ ِز َف � ِ�ت آْال ِز َف ُة‪َ )75( ‬ل ْي � َ‬
‫�س َل َها‬
‫دقيقة واح������دة من الضحك تع������ادل فائدة ما‬ ‫يث‬ ‫اش� �ف ٌَة‪ )85( ‬أَ َف ِم ْن َهذَ ا حْ َ‬
‫ال ِد ِ‬ ‫ون ال َّل ِه َك ِ‬
‫ِم ْن ُد ِ‬
‫يقرب من ساعة كاملة من االسترخاء‪.‬‬ ‫َض َح ُكونَ َو اَل َت ْب ُكونَ }‬‫ت َْع َج ُبونَ ‪َ )95( ‬وت ْ‬
‫والضحك ل������ه مؤثرات إيجابية وقيمة على‬ ‫(‪ 60 – 57‬النجم)‪.‬‬
‫مختلف أنواع األمراض‪ ،‬تساعد على التعافي‬
‫بس������رعة‪ ،‬فقد أثبتت الدراس������ات أن الضحك‬ ‫الضحك مفيد للنفس واجلسد‬
‫أفض������ل دواء‪ ،‬وأن مج������رد التطل������ع إلى حدث‬ ‫يعرف الضحك بأنه شكل من أشكال التعبير‬
‫* كاتب من مصر‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪174‬‬

‫‪feb 163-165.indd 174‬‬ ‫‪12/29/14 9:05:19 AM‬‬


‫‪175‬‬ ‫ُ‬
‫اخل ْبز في املعتقدات الشعبية‬

‫‪feb 163-165.indd 175‬‬ ‫‪12/29/14 9:05:24 AM‬‬


‫إيجابي مضحك أو مش������اهدة جتربة مضحكة‬
‫الضحك له أثر املسكن‬ ‫يعزز جه������از املناعة لدى اإلنس������ان‪ ،‬ويقلل من‬
‫والضح������ك ل������ه نف������س أثر املس������كن لأللم‬ ‫موج������ات التوتر العصب������ي‪ ،‬وأيضاً يخفض من‬
‫(األندروفني) الذي يعمل كمورفني طبيعي فى‬ ‫إفراز املواد الكيميائية املرتبطة بحاالت القلق‬
‫حاالت األلم الشديد‪ ،‬وله أهمية في التنفس‪،‬‬ ‫والتوتر واالكتئاب‪.‬‬
‫تدع������ى التنف������س التحولي‪ ،‬وه������ي تعتمد على‬
‫جعل اإلنسان يتنفس تنفس������اً بطيئاً متالحقاً‬ ‫الضحك ممارسة عدوانية!‬
‫وبش������كل س������ريع كي يزيد معدل األكس������جني‬ ‫هـــن������اك نظـــريـــــ������ات ت������رى أن الضح������ك‬
‫الداخل إلى اجلس������م‪ ,‬الذي ب������دوره يؤدي إلى‬ ‫ممارس������ة عدوانية في جوهرها‪ ،‬حيث يحس‬
‫توسيع حجم الرئتني ويسهم في تسريع عملية‬ ‫الضاح������ك بأن املضحوك منه أقل منه ش������أناً‬
‫تبادل األكسجني خالل عملية التنفس‪ ،‬فض ً‬
‫ال‬ ‫وأقل قيمة‪ ،‬وفي ذلك استعالء وشعور بالتفوق‬
‫عن أن الضحك ينظم الدورة الدموية وضغط‬ ‫يعوض عن مش������اعر النقص‪ ،‬وتلك العدوانية‬
‫ال������دم‪ ،‬ويزيد من هرمونات اجلس������م اخلاصة‬ ‫ليس������ت مذموم������ة إال ح���ي��ن تعمد إل������ى إيذاء‬
‫بالشعور بالس������عادة وتخفيف األلم‪ ،‬والضحك‬ ‫مش������اعر اآلخرين وجرحهم‪ ،‬وهي مقبولة في‬
‫في حدوده املعقولة يحرك أكثر من مائة عضلة‬ ‫إط������ار الضحك واإلضحاك ومتع������ارف عليها‬
‫في اجلسم‪ ،‬من بينها خمس عشرة عضلة في‬ ‫عل������ى أنهـــا مــــ������زاح وفكـــــاهة وليــــس������ت أمراً‬
‫الوجه‪ ،‬ليش������عر بعده اإلنسان بانتعاش وشعور‬ ‫جدياً‪ ،‬ويفس������ر ذلك إلى أن الضحك ينتج عن‬
‫خفي بالس������عادة والفرح‪ ،‬والضحك عرف عنه‬ ‫املفارقة والتناقض وغي������ر املتوقع أو املضخم‬
‫أنه فعل اجتماعي‪.‬‬ ‫أو غي������ر املأل������وف أو س������وء الفه������م والتفاهم‬
‫ً‬
‫واملعروف علميا حتى الوقت احلالي هو أن‬ ‫االعتيادي‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪176‬‬

‫‪feb 163-165.indd 176‬‬ ‫‪12/31/14 11:10:37 AM‬‬


‫النفسيون بالبكاء‪ ،‬وينصحون أيضاً بترك العنان‬
‫للدموع عند التعرض ملواقف نفس������ية صعبة أو‬
‫توتر عصب������ي كبير‪ ،‬ألن الدموع في تلك احلالة‬
‫بالذات جتلب الراحة النفسية‪ ،‬بل تساعد على‬
‫إزالة التوتر النفس������ي والتخفي������ف من الضغط‬
‫العصبي على صاحبها‪.‬‬

‫البكاء استغاثة‬
‫يرتب������ط الب������كاء غالب������اً بالضع������ف‪ ،‬فهــــما‬
‫مـــتالزمان‪ ،‬س������ـــواء كــــ������ان الضـــعف مرضاً أو‬
‫وف������اة عزيـــز أو أزمة أو غـــير ذلـــــك‪ ،‬ألن البكاء‬
‫في األساس يعتبر استغاثــــة‪ ،‬فالصــغــــير عندما‬
‫يبك������ي ويرتــــفـــع صوته ويجه������ش بالبكاء فإنه‬
‫يــســتـــغـــيث‪ ،‬وينـــجح في أن يحرك فــــي األم كل‬
‫عواطف األمومة الــــتي تهــــرع حلمايــــته‪ ،‬ويقول‬
‫علماء النفس إن صرخة الطفل تفتح قلب األم‪،‬‬
‫فمن فضـــــ������ل الله علين������ا أن جعلنا نبكي حتى‬
‫نحصل على احلماية والرعاية والعطف‪.‬‬
‫وق������د دل������ت الدراس������ات النفس������ية على أن‬
‫الطفل في س������ن الثالثـــة يبــكي في حضور أمه‬
‫أكث������ر مما يبكي إذا كان مبفـــ������رده‪ ،‬بل إن كثيراً‬ ‫فسيولوجيا األعصاب احلديثة تربط الضحك‬
‫م������ن األطفال يكونون هادئ���ي��ن فإذا ظهرت األم‬ ‫بتنشيط القش������رة األمامية الوس������طى للدماغ‪،‬‬
‫بك������وا‪ ،‬وهذا معناه أن البكاء ل������ه وظــيــفة‪ ،‬فإذا‬ ‫التي تفرز مادة األندروفني‪ ،‬وتؤكد الدراس������ات‬
‫انقطع������ت صلة البكاء بوظيفت������ه انقطع البكاء‪،‬‬ ‫أن الضحك مرتبط باجلزء األيسر للمخ‪ ،‬الذي‬
‫فاملقص������ود بالبكاء حتري������ك اآلخرين‪ ،‬فإذا كان‬ ‫يجعل اجلسم يفرز هرمون «الدوبامني» املسؤول‬
‫اآلخرون غير موجودين فإن البكاء يفقد وظيفته‬ ‫عن الشعور بالنشوة والبهجة‪ ،‬فيتدفق الدم إلى‬
‫ويختفي‪ ،‬واإلنس������ان عندما يبكي فإنه يعبر عن‬ ‫القلب بنس������بة زيادة تبلغ نحو اثنتني وعش������رين‬
‫ضعفه واحتياجه إلى األمان والراحة‪ ،‬فال يجد‬ ‫في املائة‪.‬‬
‫غير الدموع تنفيس������اً عما يعانيه من ألم نفسي‬
‫وضغوط عصبية‪.‬‬ ‫البكاء لغة عاملية‬
‫لذلك وضع قدماء املصريني تقاليد اجلنائز‬ ‫جعل الله سبحانه وتعالى البكاء ظاهرة نفسية‬
‫عند الوفاة‪ ،‬حيث يجتمع الناس ويبكون ويستبكون‬ ‫عامة ومش������تركة لدى جميع البشر‪ ،‬وذلك على‬
‫ويحم������س بعضهم بعضاً‪ ،‬وبذل������ك تكون اجلنائز‬ ‫اختالف ألوانهم وأشكالهم وألسنتهم ومذاهبهم‬
‫فرصة لتفريغ ش������حنات انفعالي������ة عند كثيرين‪،‬‬ ‫وبيئاتهم‪ ،‬والبكاء لغة عاملية ال تختلف باختالف‬
‫ومازال بعض تلك العادات س������ائداً في كثير من‬ ‫األلسن أو الثقافات أو البيئات‪ ،‬فاجلميع يبكي‬
‫املجتمعات العربية‪ ،‬وخاصة بني النساء‪.‬‬ ‫بالطريقة نفسها لألسباب نفسها غالباً‪ ،‬وعلى‬
‫الرغم من أن للدموع وظيفة فسيولوجية تتمثل‬
‫سلوك صحي وعالج سريع‬ ‫في ترطيب العني وتليني حركتها أثناء النظر من‬
‫البكاء ن������وع من التفريغ والتفريج النفس������ي‬ ‫جهة إلى أخرى وزي������ادة مقاومتها للعدوى‪ ،‬فإن‬
‫الذي يريح أعصاب املرأة ويجعلها أصح وأسلم‬ ‫لها أيضاً وظيفة نفس������ية‪ ،‬حيث ينصح اخلبراء‬
‫‪177‬‬ ‫الضحك والبكاء وحتليلهما من منظور نفسي‬

‫‪feb 163-165.indd 177‬‬ ‫‪12/29/14 9:05:34 AM‬‬


‫يص������ل إلى أس������ماعه خبر س������عيد أو فرحــــة‬ ‫من الرجل الذي اعتاد أال يبكي بحكم التربية‪،‬‬
‫غـــامرة‪ ،‬ال يجد ما يعبر به عن هذه الس������عادة‬ ‫فيجب على األم ترك الطفل يبكي ملا في ذلك‬
‫ســـــوى البكاء وس������يالن الدموع‪ ،‬وبكاء الفرح‬ ‫م������ن تخفيف من التوتر العصبي لديه‪ ،‬والبكاء‬
‫خبرة ش������عورية مير بها كثي������رون في حياتهم‪،‬‬ ‫س������لوك صحي وعالج س������ريع ألغلب املتاعب‬
‫وتكون الدموع نوعاً من التعبير عن الس������عادة‬ ‫النفس������ية‪ ،‬واملؤكد علمي������اً وعملي������اً أن املرأة‬
‫والغبط������ة! وقد يكون م������ن العجيب أن يقترن‬ ‫أكثر بكاء من الرجل بس������بب زيادة عدد الغدد‬
‫الف������رح بالبكاء‪ ،‬والس������عادة بالدم������وع‪ ،‬ولكنها‬ ‫الدمعية لديها‪.‬‬
‫حكمة الله الذي أضحك وأبكى وأمات وأحيا‪،‬‬
‫كما يكون بكاء اإلنس������ان نتيجة إميانه بعظمة‬ ‫االلتقاء والتجاوب‬
‫الله وجالله وخوفاً م������ن قدرته وارجتافاً من‬ ‫بات مؤكداً صعوبة اإلحاطة بجميع أشكال‬
‫عذابه‪.‬‬ ‫وصور البكاء لدى جميع البشر‪ ،‬والبكاء ظاهرة‬
‫نفس������ية تتنوع مظاهرها وأس������بابها ووظائفها‬
‫بكاء الندم‬ ‫بتنوع واختالف نفس������يات البشر ذاتهم‪ ،‬وبكاء‬
‫يع������رف بكاء الندم بأنه أش������د أنواع البكاء‬ ‫الش������خص عند وف������اة عزي������ز عليه ن������وع من‬
‫مرارة وقسوة على النفس‪ ،‬فهو يعتبر اعترافاً‬ ‫الضعف واليأس‪ ،‬ومعن������اه انعدام القدرة على‬
‫بالعج������ز والذنب والتقصير وظل������م النفس أو‬ ‫عمل م������ا ينقذ املوقف‪ ،‬وغرضه الالش������عوري‬
‫الغي������ر‪ ،‬فالعبد املذنب عندما يتوب يبكي ندماً‬ ‫استدرار عطف اآلخرين‪ ،‬فقريب املتوفى على‬
‫عل������ى ذنبه‪ ،‬بل إن الفقه������اء جعلوا البكاء ندماً‬ ‫س������بيل املثال يكون متأثراً وحزيناً من دون أن‬
‫ال عل������ى صحة التوبة وقبوله������ا‪ ،‬واعتبروا‬ ‫دلي ً‬ ‫يبكي عادة وهو مبفرده‪ ،‬فإذا التقى مع قريب‬
‫ا على ع������دم الصدق في‬ ‫جم������ود العني دلي���ل�� ً‬ ‫آخر أو صديق بكى االثنان معاً‪ ،‬فالبكاء يظهر‬
‫ً‬
‫التوب������ة‪ ،‬وعادة ما ين������دم اإلنس������ان كثيرا في‬ ‫ع������ادة بااللتقاء الذي يصاحب������ه التجاوب بني‬
‫حيات������ه‪ ،‬فهو يندم على م������ا فعله من أمور كان‬ ‫األشخاص‪.‬‬
‫يج������ب أال يفعلها‪ ،‬وين������دم على ما لم يفعله من‬ ‫وعن������د رؤية اآلخــرين يبك������ون يتملكنا ميل‬
‫أم������ور كان يجب عليه فعلها‪ ،‬وه������و يندم على‬ ‫إلى الب������كاء‪ ،‬ونبــك������ي فـــي الغالـــ������ب بالفعل‪،‬‬
‫ضي������اع الفرص من بني يديه هباء‪ ،‬ويندم على‬ ‫وهكذا تصطخب اجلنـــائــــز ويجـــتـــمع النــــاس‬
‫ضياع عم������ره منه بال طائل وين������دم على فعل‬ ‫ال يبكي على‬ ‫لـــلب������كاء‪ ،‬مع أنهم يقولـــ������ون إن ك ً‬
‫السيئات‪.‬‬ ‫حال������ه أو مأس������اته اخلاص������ة‪ ،‬وإذا كان البكاء‬
‫واإلنس������ان قد يندم على فعل املعروف في‬ ‫من األمور الس������يكولوجية الشائعة لدى جميع‬
‫غي������ر أهله‪ ،‬وه������و يعبر عن كل ه������ذا بالبكاء‪،‬‬ ‫البش������ر‪ ،‬فإنه مثل أي ظاهرة نفسية قد يكون‬
‫ودموع������ه هنا هي دليل الندم‪ ،‬وقد نبه القرآن‬ ‫ظاه������رة صحية أو مرضي������ة‪ ،‬ويرجع ذلك إلى‬
‫الكرمي إلى أنه يجب على الغافل املسرف على‬ ‫تن������وع أش������كال الب������كاء وتعدد ص������وره وألوانه‬
‫نفسه أن يبكي على ما قدم بدالً من أن يضحك‪،‬‬ ‫ودرجاته ووظائفه‪.‬‬
‫فيقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز { َف ِر َح‬
‫�ول ال َّل ِه َو َك ِر ُهوا‬ ‫المْ ُ َخلَّفُ ونَ مِبَقْ َع ِد ِه ْم ِخ اَل َف َر ُس � ِ‬ ‫دموع الفرح!‬
‫يل‬‫َ ِ ِ‬ ‫�ب‬ ‫�‬ ‫س‬ ‫�ي‬ ‫�‬ ‫ف‬ ‫اه � ُ�دوا ِبأَ ْم َو ِال ِه � ْ�م َوأَ ْنفُ ِس � ِ�ه ْ ِ‬
‫م‬ ‫أَ ْن ُي َج ِ‬ ‫قد يظ������ن البعض أن الب������كاء دائماً قرين‬
‫ال � ِّ�ر ُقلْ نَا ُر َج َه َّن َم‬ ‫ال َّل � ِ�ه َو َق ُال ��وا لاَ َتن ِْف ُروا ِفي حْ َ‬ ‫احل������زن واليأس‪ ،‬ولكنه ق������د ثبت عكس ذلك‪،‬‬
‫أَشَ � ُّ�د َح ًّرا َل ْو َكانُوا َيفْ ق َُهونَ ‪ )18( ‬ف ْل َي ْض َحكوا‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫فهن������اك نوع من البكاء ال يظهر إال في حاالت‬
‫با َكانُوا َيكْ ِس � ُ�بونَ }‬ ‫َاء مِ َ‬ ‫يرا َجز ً‬ ‫َق ِل اً‬
‫يل َو ْل َي ْب ُكوا َك ِث ً‬ ‫الفرح الش������ديد‪ ،‬وهو م������ا يعـــ������رف بــــدمــــوع‬
‫(‪ 82 – 81‬التوبة) >‬ ‫الفرح‪ ،‬حي������ث إن كــــثـــيراً م������ن الناس عندما‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪178‬‬

‫‪feb 163-165.indd 178‬‬ ‫‪12/29/14 9:05:38 AM‬‬


‫املسابقة الثقافية‬

‫طيور مائية‬

‫تعيش على البحيرات واملستنقعات العذبة‪،‬‬


‫تس� � ��بح وتغوص في املاء‪ ،‬تطي� � ��ر بصعوبة‪،‬‬
‫تتغذى على األسماك والضفادع واحلشرات‬
‫والنباتات‪ ،‬تتميز باللون األحمر في مقدمة‬
‫‪5‬‬ ‫البطري� � ��ق نوع من الطي� � ��ور املائية يعيش في‬
‫نصف الكرة األرضية اجلنوبي‪ ،‬ال يطير لكنه‬
‫س � � � ّباح‪ ،‬طيور أنيقة لها ري� � ��ش كالزغب يعلوه‬
‫الريش اخلارجي‪ ،‬تسير جنباً إلى جنب وتضم‬
‫‪1‬‬
‫رأسها وكذلك املنقار‪ .‬هي‪:‬‬ ‫أجنحتها إلى جسمها للمحافظة على‪:‬‬
‫أ‪ -‬عصفور الكناريا‪.‬‬ ‫أ‪ -‬دفء أجسامها‪.‬‬
‫ب‪ -‬سلحفاه بحرية‪.‬‬ ‫ب‪ -‬كمية الغذاء‪.‬‬
‫ج‪ -‬دجاجة املاء‪.‬‬ ‫ج‪ -‬رشاقتها‪.‬‬

‫‪6‬‬ ‫‪2‬‬
‫طائر األطيش‪ ،‬طائر مائي ال يحسن املشي‬ ‫طيور مائي� � ��ة ضخمة‪ ،‬حتت منقارها جيب‬
‫على اليابس� � ��ة‪ ،‬طوله ‪ 80‬سم ووزنه حوالي‬ ‫يعتبر مخزناً للطعام‪ ،‬ويجرف به األسماك‪،‬‬
‫‪ 1,5‬كيلوجرام‪ ،‬واإلن� � ��اث أكبر من الذكور‪،‬‬ ‫تطير مسافة في اجلو‪ ،‬معروفة في مناطق‬
‫وما مييزها هو لون قدميها‪:‬‬ ‫العالم الدافئة‪ .‬هي طيور‪:‬‬
‫أ‪ -‬األزرق الفاحت‪.‬‬ ‫أ‪ -‬الببغاء‪.‬‬
‫ب‪ -‬األخضر‪.‬‬ ‫ب‪ -‬الصقور‪.‬‬
‫ج‪ -‬األسود‪.‬‬ ‫ج‪ -‬البجع‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫طيور النوء‪ ...‬وهي فصيلة طيور تتكون من‬
‫‪ 20‬نوع � � �اً‪ ،‬تختلف في لون الريش واملنقار‪،‬‬
‫وتتغذى على القشريات واألسماك الصغيرة‬
‫عن طريق الغطس في املاء‪ ،‬وهي تعتبر‪:‬‬
‫أ‪ -‬أشرس الطيور املائية‪.‬‬
‫ب‪ -‬أصغر الطيور املائية‪.‬‬
‫ج‪ -‬أضخم الطيور املائية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫طائر مائي يوجد قرب الش� � ��واطئ‪ ،‬يتغذى‬
‫على األس� � ��ماك وبيض الطي� � ��ور األخرى‪،‬‬
‫ويتغ� � ��ذى على بقايا وفضالت الش� � ��واطئ‪،‬‬
‫لون� � ��ه أبيض أو رمادي‪ ،‬مع عالمات س� � ��ود‬
‫على الرأس واألجنحة‪ .‬هو طائر‪:‬‬
‫أ‪ -‬النورس‪.‬‬
‫ب‪ -‬العقاب‪.‬‬
‫ج‪ -‬احلجل‪.‬‬

‫‪179‬‬

‫‪feb 179-181.indd 179‬‬ ‫‪1/7/15 10:42:56 AM‬‬


‫‪9‬‬ ‫‪7‬‬
‫األوز‪ ...‬طي� � ��ور تتبع فصيل� � ��ة البط‪ ،‬يوجد‬ ‫يطل� � ��ق عليه ابن املاء‪ ،‬طائ� � ��ر أبيض اللون‬
‫منه األوز البري واملدجن‪ ،‬وأش� � ��هرها األوز‬ ‫مبنقار وأرجل صف� � ��راء‪ ،‬يعيش في البالد‬
‫العراقي واألوز املصري‪ ،‬مت استئناس األوز‬ ‫الدافئ� � ��ة باملناطق الزراعي� � ��ة‪ ،‬يتغذى على‬
‫قب� � ��ل امليالد بحوال� � ��ي ‪ 3800‬س� � ��نة‪ ،‬يعوم‬ ‫األسماك واحلش� � ��رات‪ ،‬يظهر في احلقول‬
‫ويغوص في املاء‪ ،‬ريش األوز يتميز بأنه‪:‬‬ ‫بعد الري‪ .‬هو‪:‬‬
‫أ‪ -‬يحتفظ باملاء‪.‬‬ ‫أ‪ -‬النسر‪.‬‬
‫ب‪ -‬يلون املاء‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اخلفاش‪.‬‬
‫ج‪ -‬يزيل املاء‪.‬‬ ‫ج‪ -‬أبوقردان‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫‪8‬‬
‫طائ� � ��ر اللقلق ل� � ��ه أرجل طويل� � ��ة وأجنحة‬ ‫البلشون األبيض‪ ...‬له منقار كبير وغليظ‪،‬‬
‫واس� � ��عة‪ ،‬يصل في طيرانه إلى ارتفاعات‬ ‫أصف� � ��ر اللون‪ ،‬ول� � ��ه أرجل طويل� � ��ة رمادية‬
‫عالية‪ .‬يوج� � ��د ‪ 17‬نوعاً م� � ��ن اللقلق‪ ،‬منها‬ ‫مخض� � ��رة‪ ،‬يش� � ��اهد ف� � ��ي املناط� � ��ق املائية‬
‫اللقلق األبي� � ��ض ذو املنق� � ��ار األحمر الذي‬ ‫والبرك العذبة‪ ،‬واسمه الشهير‪:‬‬
‫يعيش ف� � ��ي أوربا‪ .‬يهاجر ف� � ��ي مجموعات‬ ‫أ‪ -‬مالك احلزين‪.‬‬
‫كبيرة‪ ،‬ما يجعل من السهل‪:‬‬ ‫ب‪ -‬الكركي‪.‬‬
‫أ‪ -‬تقفي أثره‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الكروان‪.‬‬
‫ب‪ -‬تصويره‪.‬‬
‫ج‪ -‬منوه بسرعة‪.‬‬

‫جوائز املسابقة‬
‫اجلائزة األولى ‪ 100‬دينار‬
‫اجلائزة الثانية ‪ 75‬دينا ًرا‬
‫اجلائزة الثالثة ‪ 50‬دينا ًرا‬
‫باإلضافة إلى ‪ 8‬جوائز تشجيعية قيمة كل منها‬
‫‪ 40‬دينا ًرا‪.‬‬
‫شروط املسابقة‬
‫اإلجابة عن تس�� ��عة أس�� ��ئلة على األقل من األسئلة‬
‫املنش�� ��ورة‪ ،‬يكتب على الظرف مجلة العربي «مسابقة‬
‫العربي العدد ‪ .»675‬آخ�� ��ر موعد لوصول اإلجابات‬
‫ه�� ��و أول ماي�� ��و ‪2015‬م‪ .‬عل ��ى أن يكون االس ��م ثالثيا‬
‫(وباللغت�ي�ن العربية واإلجنليزي ��ة) والعنوان البريدي‬
‫واضحني‪ ،‬ورقم الهاتف‪ ،‬وأن يرس�� ��ل املش�� ��اركون من‬
‫داخل الكويت صورة البطاقة املدنية‪.‬‬
‫ولن تقبل اإلجابات التي ترد إلى املجلة بواس�� ��طة‬
‫البريد اإللكتروني‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪184‬‬

‫‪feb 179-181.indd 180‬‬ ‫‪1/7/15 10:43:00 AM‬‬


‫حل مسابقة العدد ‪ 672‬نوفمبر ‪2014‬‬
‫في روسيا أضخم اجلامعات التقليدية‪ ،‬أسست في‬ ‫جامعة أكس� � ��فورد‪ ...‬من أقدم اجلامعات في العالم‪،‬‬
‫الع� � ��ام ‪ ،1755‬بدأت بثالث كلي� � ��ات فقط هي كليات‬ ‫‪6‬‬ ‫بدأ التدريس بها حوالي عام ‪ ،1096‬تطورت بش� � ��كل‬ ‫‪1‬‬
‫الفلس� � ��فة والطب واحلق� � ��وق‪ ،‬واآلن حتتوي على ‪39‬‬ ‫الفت منذ العام ‪ ،1167‬حني منع امللك هنري الثاني‬
‫كلي� � ��ة وخمس عش� � ��رة مرك� � ��ز أبحاث‪ .‬ه� � ��ي جامعة‬ ‫طالب دولته من االلتح� � ��اق بجامعة باريس‪ .‬جامعة‬
‫«موسكو»‪.‬‬ ‫أكسفورد في «إجنلترا»‪.‬‬
‫جامعة س� �ل��امنكا‪ ،‬صدر املرس� � ��وم امللكي بتأسيسها‬
‫ع� � ��ام ‪ ،1218‬ما يجعلها ثالث أو راب� � ��ع أقدم جامعة‬
‫‪7‬‬ ‫جامعة باريس‪ ...‬أسست في منتصف القرن الثاني‬
‫عش� � ��ر‪ ،‬متيزت في تخصص� � ��ات التاريخ والش� � ��ؤون‬ ‫‪2‬‬
‫في أورب� � ��ا‪ ،‬لكنها األول� � ��ى التي حصل� � ��ت على لقب‬ ‫الدولي� � ��ة واآلداب والعلوم االجتماعية‪ ،‬قس� � ��مت في‬
‫«جامعة»‪ ،‬إذ منحها هذا اللقب «الفونس� � ��و العاشر»‬ ‫الع� � ��ام ‪ 1970‬إلى ‪ 13‬جامع� � ��ة‪ .‬جامعة باريس تعرف‬
‫ملك قشتالة‪ .‬جامعة سالمنكا في «إسبانيا»‪.‬‬ ‫باسم «جامعة السوربون»‪.‬‬
‫جامع� � ��ة الكوي� � ��ت‪ ...‬متن� � ��ح ش� � ��هادات بكالوريوس‬
‫وماجس� � ��تير للطلبة امللتحقني بها‪ ،‬أسست في العام‬
‫‪8‬‬ ‫في مصر أسس� � ��ت كلياتها في عهد محمد علي مثل‬
‫«املهندسخانة» عام ‪ ،1820‬وبعد حملة شعبية وطنية‬ ‫‪3‬‬
‫‪ ،1966‬وتض� � ��م ‪ 14‬كلي� � ��ة وف� � ��ق التصني� � ��ف العاملي‬ ‫في العام ‪ 1908‬كانت اجلامعة املصرية‪ ،‬ثم ُس� � ��ميت‬
‫جلامعات العالم‪ ،‬وجامع� � ��ة الكويت حتتل املوقع ‪14‬‬ ‫جامعة ف� � ��ؤاد األول‪ ،‬وبعد ث� � ��ورة يوليو ‪ 1952‬أصبح‬
‫في منطقة شرق «آسيا»‪.‬‬ ‫اسمها «جامعة القاهرة»‪.‬‬

‫جامعة امللك سعود‪ ...‬تقع في مدينة الرياض باململكة‬


‫العربي� � ��ة الس� � ��عودية‪ ،‬ثاني أكبر جامع� � ��ة بالعالم من‬ ‫‪9‬‬ ‫جامعة بولوني� � ��ا‪ ...‬أول جامعة ف� � ��ي العالم باملفهوم‬
‫املتع� � ��ارف علي� � ��ه للتعلي� � ��م العالي‪ ،‬أسس� � ��ت ‪،1088‬‬ ‫‪4‬‬
‫حيث املساحة‪ ،‬بدأت نش� � ��اطها بافتتاح كلية اآلداب‬ ‫ه� � ��ي أول جامعة ف� � ��ي العالم متن� � ��ح الدرجة العلمية‬
‫كأول كلية بها‪ ،‬جامعة امللك س� � ��عود مت افتتاحها في‬ ‫«الدكت� � ��وراه»‪ ،‬وكان ذل� � ��ك في الع� � ��ام ‪ ،1219‬جامعة‬
‫العام «‪.»1957‬‬ ‫بولونيا في «إيطاليا»‪.‬‬
‫جامعة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬أنش� � ��أها الش� � ��يخ‬
‫زايد بن س� � ��لطان آل نهيان ف� � ��ي العام ‪ ،1976‬جامعة‬
‫‪10‬‬ ‫جامعة اخلرطوم‪ ...‬في السودان‪ ،‬تعتبر من اجلامعات‬
‫‪5‬‬
‫العريقة في إفريقيا والشرق األوسط‪ ،‬أسست باسم‬
‫ذات مصدر إش� � ��عاع حضاري للفكر والعلوم‪ ،‬وتلتزم‬ ‫«جردون» من قبل اللورد «كتش� � ��نر» أثناء االس� � ��تعمار‬
‫باملعايي� � ��ر األكادميي� � ��ة العاملية‪ ،‬اجلامع� � ��ة في مدينة‬ ‫البريطان� � ��ي‪ ،‬أصبح اس� � ��مها جامع� � ��ة اخلرطوم بعد‬
‫«العني»‪.‬‬ ‫استقالل السودان في العام «‪.»1956‬‬

‫أسماء الفائزين‬

‫‪ -2‬ليلى أحمد األنصاري ‪ -‬املنامة‪/‬البحرين‪.‬‬ ‫الفائز األول‬


‫‪ -3‬رياض عبدالله حالق ‪ -‬جونية‪/‬لبنان‪.‬‬ ‫غوث الله محمد فرج علي ‪ -‬محافظة بني سويف‪/‬مصر‪.‬‬
‫‪ -4‬يزيد حسني ناجي العودي ‪ -‬صنعاء‪/‬اليمن‪.‬‬ ‫الفائز الثاني‬
‫‪ -5‬علي عبدالله احلماد ‪ -‬الرياض‪/‬السعودية‪.‬‬ ‫عبداملجيد رفيع بن محمد ‪ -‬بني مالل‪/‬املغرب‪.‬‬
‫‪ -6‬أحمد مختار رضوان ‪ -‬شبراخيت‪/‬البحيرة‪.‬‬ ‫الفائز الثالث‬
‫‪ -7‬رشا مصطفى محمد ‪ -‬اخلرطوم‪/‬السودان‪.‬‬ ‫ياسر سعيد غامن ‪ -‬أبوظبي‪/‬اإلمارات العربية‪.‬‬
‫‪ -8‬عمر بن حمود بن حميد الفرعي‪/‬سلطنة ُعمان‪.‬‬ ‫الفائزون باجلوائز التشجيعية‬
‫‪ -1‬حامت العروسي العروسي ‪ -‬املنستير‪/‬تونس‪.‬‬

‫‪181‬‬ ‫املسابقة الثقافية‬

‫‪feb 179-181.indd 181‬‬ ‫‪1/7/15 10:43:03 AM‬‬


‫‪1‬‬
‫اجلائزة األولى‬
‫د‪.‬ك‬ ‫‪100‬‬
‫اجلائزة الثانية‬
‫‪ 75‬د‪.‬ك‬
‫اجلائزة الثالثة‬
‫‪ 50‬د‪.‬ك‬
‫ضمن س� � ��عيها الكتشاف طاقات‬
‫إبداعية عربية‪ ،‬تنشر «العربي»‬
‫نتائج مسابقتها الشهرية ألفضل‬
‫الصور الفوتوغرافية‪ .‬املس� � ��ابقة‬
‫مفتوح� � ��ة ل� � ��كل املصوري� � ��ن في‬
‫الوط� � ��ن العرب� � ��ي‪ .‬وتختار جلنة‬
‫حتكيم في «العربي» ثالث صور‬
‫للحص� � ��ول عل� � ��ى ث� �ل��اث جوائز‬
‫ش� � ��هرية‪ .‬على أن مينح الفائزون‬
‫التال� � ��ون اش� � ��تراكات مجاني� � ��ة‬
‫مبجلة العربي كجوائز تشجيعية‬
‫ملدة عام كامل‪ ،‬كما تنشر الصور‬
‫الفائزة باملراكز األولى‪.‬‬
‫املشاركون في املسابقات الثقافية‬
‫والفوتوغرافية‪ ،‬والعربي الصغير‬
‫من داخل دولة الكويت‪ ،‬يجب أن‬
‫ترفق رسائلهم بصور البطاقة‬
‫امل��دن�ي��ة وال �ه��ات��ف‪ ،‬واملشاركون‬
‫القصر يرسلون ص��ور البطاقة‬
‫املدنية ألحد األبوين‪.‬‬
‫الفائزون باشتراكات مجانية‬
‫في مجلة «العربي»‪:‬‬
‫< طاهر محمد السيد ‪ -‬مصر‪.‬‬
‫< عمار موفق الشماع ‪ -‬سورية‪.‬‬
‫< جمال سالم علي أبويحيى‬
‫‪ -‬مصر‪.‬‬

‫الفائز األول‬
‫«تفكير»‪،‬‬
‫بعدسة‪ :‬محمد عطا مدني‪/‬السودان‪.‬‬

‫< املجاالت التي يتم التنافس فيها هي فن الصور الذاتية (البورتريه)‪ ،‬وصور احلياة اليومية التي ترصد حركة املجتمع في س� � ��عيه لبناء احلياة‪ ،‬وكذلك رصد‬
‫شروط املسابقة‬

‫الطبيع� � ��ة اخلالب� � ��ة‪ ،‬والبيئة في الوطن العربي‪ ،‬وتوثيق العمارة العربية‪ ،‬ويحق لكل متنافس االش� � ��تراك في هذه املجاالت‪ < .‬تصبح األعمال الفائزة ملكا ملجلة‬
‫العربي‪ ،‬ويجوز لها نش� � ��رها بأي وس� � ��يلة إلكترونية أو طباعية‪ ،‬مع االحتفاظ بامللكية املعنوية للمصور‪ ،‬فيذكر اس� � ��مه كلما أعيد نشر صورته الفائزة‪ < .‬ال يحق‬
‫للمش� � ��اركني املطالبة باسترجاع أصول أو نس� � ��خ عن الصور غير الفائزة‪ < .‬تكون الصور األصلية بحجم مناسب (باأللوان أو األسود واألبيض)‪ ،‬ال يقل عرضه‬
‫عن ‪ 15‬سنتيمترا‪ ،‬مع تسجيل جميع البيانات اخلاصة باملوضوع (مثل املكان الذي مت التصوير به‪ ،‬وتاريخ التصوير وموضوع الصورة)‪ ،‬وعنوان املتسابق‪ ،‬واسمه‬
‫الثالث� � ��ي (باللغة اإلجنليزية)‪ ،‬ورقم هاتفه‪ < .‬ترس� � ��ل الصور إلى عنوان «العربي»‪ :‬صندوق بري� � ��د ‪ ،748‬الرمز البريدي‪ ،13008 ،‬الصفاة‪ ،‬دولة الكويت‪ .‬ويكتب‬
‫على املغلف بخط واضح‪ :‬مسابقة «العربي» الشهرية للتصوير الفوتوغرافي‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪182‬‬

‫‪feb 182-183.indd 182‬‬ ‫‪1/7/15 10:43:34 AM‬‬


‫‪2‬‬

‫الفائز الثاني‬
‫«من أجمل قالع‬
‫العالم»‪،‬‬
‫بعدسة‪ :‬محمد لؤي‬
‫بن توفيق فكرت‬
‫داخل‪/‬سورية‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫الفائز الثالث‪:‬‬
‫«تراث معماري»‪،‬‬
‫بعدسة‪ :‬سعيد عبدالرحمن محمد إبراهيم‪/‬مصر‪.‬‬

‫‪183‬‬ ‫مسابقة التصوير الفوتوغرافي‬

‫‪feb 182-183.indd 183‬‬ ‫‪1/7/15 10:43:38 AM‬‬


‫من املكتبة العربية‬

‫األصول الفصيحة للهجة جبالة‬


‫في الشمال املغربي‬
‫د‪.‬محمد نافع العشيري*‬

‫صدر أخير ًا عن منشورات سليكي أخوين كتاب «فصل‬


‫في اللسانيات التاريخية‪ :‬األصول العربية الفصيحة‬
‫للهج ��ات قبائ ��ل جبال ��ة بالش ��مال املغربي ف ��ي ضوء‬
‫علمي التأثيل والداللة» للباحث املغربي عبداللطيف‬
‫الوهابي‪ ،‬وال ميكن فهم قيمة هذا الكتاب إال بوضعه‬
‫في س ��ياقة التاريخي واملعرفي‪ ،‬فهو كتاب ينتمي إلى‬
‫علم اللس ��انيات كما هو واضح من عنوانه‪ ،‬وقد عرف‬
‫تاريخ هذا العلم مراحل متعددة أهمها‪:‬‬

‫دوسوس������ير (‪ )1916‬ال������ذي ركز عل������ى الوصف‬ ‫< مرحل������ة الدراس������ة اللغوي������ة التي‬
‫التزامن������ي للغ������ة وف������ق منهــــ������ج أحـــ������دث ثورة‪،‬‬ ‫اختلط������ت بالفلس������فة واملنطق وعلم‬
‫لي������س فقط في اللس������انيات‪ ،‬بل ف������ي كل العلوم‬ ‫الكالم‪ ،‬حي������ث كان االهتمام منصباً‬
‫اإلنسانية‪.‬‬ ‫على حتديد العالقة بني ال������دال واملدلول‪ ،‬أهي‬
‫وقد أصبحت اللسانيات مع دوسوسير تهتم‬ ‫عالق������ة طبيعة أم مواضعة؟ كما اهتمت بطبيعة‬
‫بدراس������ة اللغة ف������ي ذاتها ولذاته������ا‪ ،‬فتم إهمال‬ ‫اللغ������ة أهي قي������اس أم س������ماع؟ باإلضافة إلى‬
‫اللس������انيات التاريخية وحدث ما يشبه القطيعة‬ ‫محاوالت تقعيد ومعيرة بع������ض اللغات الكبرى‬
‫االبس������تمولوجية‪ ،‬لك������ن اجلديد ال������ذي حملته‬ ‫وخاصة اليونانية والالتينية‪.‬‬
‫اللسانيات البنيوية هو التخلص من تلكم النظرة‬ ‫< مرحلة اللس������انيات املقارن������ة والتاريخية‬
‫املعيارية للغة‪ ،‬فل������م يعد االهتمام مقتصراً على‬ ‫(الدياكروني������ة) الت������ي بدأت مع اكتش������اف اللغة‬
‫دراس������ة اللغات املعيارية واألدبي������ة فقط‪ ،‬بل ّ‬
‫مت‬ ‫السنسكريتية وظهور نظريات التطور في أوربا‪،‬‬
‫االهتمام بكل اللغات‪ ،‬س������واء أكانت معيارية أم‬ ‫وخاصة مع المارك وداروين‪.‬‬
‫غي������ر معيارية‪ ،‬قدمية أم حديثة‪ ،‬لغة حضارة أم‬ ‫مرحل������ة اللس������انيات البنيوية م������ع فردناند‬
‫* كاتب من املغرب‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪184‬‬

‫‪feb 184-187.indd 184‬‬ ‫‪1/7/15 10:44:12 AM‬‬


‫خلطه‪ ،‬ولهوج األمر خلطه ولم يبرمه)‪.‬‬ ‫ب������داوة‪ .‬ومن هنا انتق������ل التصنيف احلديث من‬
‫ج‪ -‬القيم ��ة االجتماعي ��ة‪ :‬اللهج������ة منوع������ة‬ ‫لغة ولهجة إلى احلديث عن املستويات املنوعة‪.‬‬
‫ناقصة ل������م تنضج بعد‪ ،‬وت������رادف اللحن (لهوج‬ ‫وم������ن ثم ظهر عل������م اللهج������ات‪ ،‬وأصبحت أمام‬
‫الطعام طبخه ولم ينضجه)‪.‬‬ ‫اللسانيني مادة خصبة بسبب طبيعتها الشفوية‪،‬‬
‫ث������م دع������وة املستش������رقني وم������ن واالهم من‬ ‫املجال املفضل للسانيات‪.‬‬
‫العرب‪ ،‬كسالمة موسى وسعيد عقل‪ ،‬إلى إحالل‬ ‫ً‬
‫تع������رف اللهج������ة عموما بأنه������ا منط محلي‬
‫اللهجات محل الفصحى‪ ،‬مما جعلها تدخل في‬ ‫يستعمله أفراد جماعة معينة في منطقة معينة‪،‬‬
‫ص������راع خفي مع الفصحى عوض التكامل الذي‬ ‫لكن������ي أحتفظ ع������ن هذا التعريف بس������بب عدم‬
‫قامت به على امتداد التاريخ‪.‬‬ ‫دقته‪ ،‬وقد حاول لس������انيون وضع شروط كثيرة‬
‫فقد اهتم املستش������رقون باللهجات العربية‪،‬‬ ‫فتحدث������وا عن االختص������ار والتاريخي������ة واإلرث‬
‫وخاص������ة بعد احلمل������ة الفرنس������ية على مصر‪،‬‬ ‫األدبي والتفاهم والواقعية‪ ...‬لكنني أؤكد معيار‬
‫وأسس������ت له������ذا الغرض ع������دد م������ن املدارس‬ ‫التقعي������د والهيب������ة واالعتبار‪ ،‬ومعي������ار احلدس‬
‫لدراس������ة اللهجات منها «املعه������د الوطني للغات‬ ‫(إحس������اس املتكلمني مبث������ل لغوي أعل������ى‪ ،‬فإذا‬
‫واحلضارات الشرقية» و«مدرسة فتيان اللغات»‬ ‫س������ألنا مثال املغربي أو املصري أو الكويتي عن‬
‫و«املدرسة اجلزائرية في االستعراب الفرنسي»‪،‬‬ ‫اللغ������ة التي يتحدث بها فس������يخبرنا أنه يتحدث‬
‫كما أجنز ع������دد من الكتب منه������ا «أصول اللغة‬ ‫العربية)‪.‬‬
‫العربي������ة العامي������ة والفصح������ى» للفرنس������ي ‪de‬‬ ‫ليس موض������وع اللهجات موضوع������اً جديدا‪ً،‬‬
‫‪ ،savarie‬وبح������ث «لغ������ة جند احلالي������ة» لهيس‬ ‫فقد حتدث عن������ه القدماء في ثناي������ا مؤلفاتهم‬
‫‪ ،hess‬و«في لغة اجلزائر» لهوداس و«في العربية‬ ‫أو في كتب مس������تقلة مثل كت������اب «ما تلحن فيه‬
‫ولهجاتها» لالندبرج‪ .‬أما اللهجات املغربية فقد‬ ‫العامة» للكسائي و«حلن العامة» للمازني‪ ،‬وكتاب‬
‫حظيت هي أيضاً بدراسات أرجعها كانتينو إلى‬ ‫«حلن العامة» للزبي������دي و«الفاخر في ما حتلن‬
‫الق������رن الـ ‪ ،19‬وبالضبط إل������ى الباحثني األملان‬ ‫فيه العامة» للمفضل بن س������لمة و«أدب الكاتب»‬
‫والفرنس������يني واإلسبان‪ ،‬ولكنها لم تكن دراسات‬ ‫البن قتيبة» و«املعرب» للجوالقي‪ ،‬ومن املؤلفات‬
‫كاملة‪ ،‬ألنها كانت مس������خَّ رة لتعليم العس������كريني‬ ‫املغربية ف������ي هذا الصدد كت������اب «حلن العوام»‬
‫واملدنيني الذين اس������تقروا ف������ي املغرب‪ ،‬وميكن‬ ‫للزبيدي اإلش������بيلي األندلسي و«الفوائد العامة‬
‫تقسيمها إلى قسمني‪:‬‬ ‫في حلن العامة» البن جزي الكلبي الغرناطي‪...‬‬
‫< قسم اهتم باللهجات املغربية عموماً‪ ،‬ومنها‬ ‫ولكن الغالب على هؤالء هو التعامل مع اللهجات‬
‫دراسة هاريس ‪the phonemes of Moroccan‬‬ ‫ككيان ناقص وغير مكتمل‪ ،‬وقد اس������تمر األمر‬
‫‪ Arabic‬ودراس������ة كانتيون������و ‪reflexion sur la‬‬ ‫مع املعاصرين‪ ،‬وهذا املوقف الس������لبي راجع في‬
‫‪ phonologie de l’arabe Marocaine‬وولي������ام‬ ‫نظرنا إلى سببني‪:‬‬
‫مارسي ‪.textes arab de tanger‬‬ ‫املعان������ي الس������لبية للج������ذر «ل‪.‬ه������ـ‪.‬ج» ف������ي‬
‫< قس������م اهتم باللهج������ات احمللية‪ ،‬وخاصة‬ ‫«العربي������ة»‪ ،‬إذ ميكن أن نح������دد ثالثة محددات‬
‫عمل ليفي بروفنصال «نص������وص عربية ورغة‪:‬‬ ‫للهجة عند العربي وهي‪:‬‬
‫لهجات جبالة» وكول������ن ‪« colin‬مالحظات حول‬ ‫أ‪ :‬طريق ��ة االكتس ��اب‪ :‬فاللهج������ة هي اللغة‬
‫اللهجة العربية لشمال منطقة تازة»‪.‬‬ ‫األم التي جبل عليها الطفل وتعلَّمها في محيطه‬
‫وقد تابع املستش������رقون ع������دداً من اللغويني‬ ‫األسري واالجتماعي من دون أي تدخُّ ل مقصود‬
‫الع������رب أهمه������م إبراهيم أنيس «ف������ي اللهجات‬ ‫(لهج الفصيل ثدي أمه‪ :‬رضعه)‪.‬‬
‫متام حسان‬ ‫العربية» الذي درس لهجة القاهرة‪ ،‬و َّ‬ ‫ب‪ -‬الطبيع ��ة التكوينية‪ :‬اللهجة خليط غير‬
‫الذي درس لهجة عدن‪ ،‬وزاد هذا االهتمام بعد‬ ‫منس������جم من اللغات واللهجات (لهوج الش������يء‬
‫‪185‬‬ ‫األصول الفصيحة للهجة جبالة في الشمال املغربي‬

‫‪feb 184-187.indd 185‬‬ ‫‪1/7/15 10:44:15 AM‬‬


‫املعاص������ر بكلمات نُس������ي أصله������ا الفصيح رغم‬ ‫قرار املجام������ع اللغوية العربية إجناز دراس������ات‬
‫دقتها التعبيري������ة‪ ،‬أو بكلمات أبدعتها اللهجات‪،‬‬ ‫علمية للهجات العربي������ة احلديثة‪ ،‬وقرار مجمع‬
‫على األقل تلك������م الكلمات املصوغة وفق قواعد‬ ‫اللغة العربي������ة بالقاهرة عام ‪ 1955‬الداعي إلى‬
‫الصرف العربي‪.‬‬ ‫االهتم������ام باللهجات خدم������ة للفصحى والبحث‬
‫اجلان ��ب الثان ��ي‪ :‬إص���ل��اح درس العربية في‬ ‫العلمي اللغوي‪.‬‬
‫املدرس������ة العربية‪ ،‬وخاصة في السنوات األولى‬ ‫أم������ا الدراس������ات املغربي������ة اخلالص������ة فقد‬
‫ب������إدراج كلمات فصيحة قريبة من الدارجة التي‬ ‫انطلقت م������ع هيمنة الدرس اللس������اني املعاصر‬
‫يس������تعملها الطفل في بيته حت������ى ال حتصل له‬ ‫ف������ي اجلامع������ات املغربية‪ ،‬نخ������ص بالذكر كتاب‬
‫صدم������ة اللقاء األول‪ .‬فلماذا يس������تعمل املدرس‬ ‫«فونولوجي������ا ومورفولوجيا الفاس������ية القدمية»‬
‫ال كلمة «ذهب» دون «مشى» و«سقط»‬ ‫املغربي مث ً‬ ‫لعبدالعزي������ز حليل������ي‪ ،‬وكتاب «قضايا لس������انية‪:‬‬
‫دون «طاح» و«األطف������ال» دون «العيال» و«قبيح»‬ ‫اللهج������ة البيضاوية» ألمينة أفنان‪ ،‬واملالحظ أن‬
‫دون «خائب» و«صلب» دون «قاسح» و«أزعجتني»‬ ‫أغلب هذه الدراس������ات اتخذت مناهج تزامنية‪،‬‬
‫دون «صدعت رأس������ي» و«ممل������وء» دون «عامر»‬ ‫وأهملت الدراسات التعاقبية التاريخية‪ ،‬باستثناء‬
‫أن كل هذه الكلمات فصيحة ومس������تعملة‬ ‫رغ������م ّ‬ ‫بعض الدراسات القليلة مثل كتاب محمد احللوي‬
‫في الدارجة‪.‬‬ ‫«الفصحى ف������ي العامية املغربية» الذي ال ميكن‬
‫باإلضافة إل������ى هذا‪ ،‬يتميز الكت������اب ببنائه‬ ‫اعتباره بأي حال من األحوال دراس������ة لس������انية‪،‬‬
‫احملك������م ومعماره املتقن‪ ،‬حي������ث تتعالق الفصول‬ ‫بس������بب غلبة االنطباعية (ف���ل��ا يحدد مصادره‬
‫وتترابط في نس������ق متقن‪ ،‬هكذا ينتقل الباحث‬ ‫املعجمي������ة) وفقر مادته (حوال������ي ‪ 781‬مدخ ً‬
‫ال)‬
‫متدرج������اً من تاريخ العربي������ة القدمي‪ ،‬مروراً إلى‬ ‫وعدم حتديده للمنت اللغوي (ش������ملت الدراسة‬
‫وضعيته������ا في العصري������ن األموي والعباس������ي‪،‬‬ ‫كل اللهجات العربية املغربية)‪.‬‬
‫وصوالً إلى انتشارها في رقعة العالم اإلسالمي‬ ‫أما الكتاب احلالي فهو بحق يشكل انعطافاً‬
‫الواسعة‪ ،‬ش������ارحاً بدقة أسباب ظهور اللهجات‪،‬‬ ‫مبعنى الكلمة للدراسات اللسانية التاريخية في‬
‫متتبع������اً ما قاله الدارس������ون والباحثون في هذا‬ ‫املغ������رب‪ ،‬ألنه يصدر عن وعي جديد‪ ،‬فاملعروف‬
‫املج������ال‪ ،‬وص������والً إلى أصول اللهج������ات العربية‬ ‫أن الدراس������ات اللس������انية في العالم العربي لم‬
‫املغربية وأنواعها‪ ،‬واقف������اً بتفصيل عند اللهجة‬ ‫تظهر حلاجة ملحة‪ ،‬بل ملسايرة املدارس الغربية‪،‬‬
‫اجلبلي������ة‪ ،‬ذاك������راً أه������م التح������والت الصوتي������ة‬ ‫ولهذا لم تستطع بناء مناذج شاملة للغة العربية‪،‬‬
‫والداللية التي أصابت الكلمات الفصيحة‪ ،‬قبل‬ ‫وهذا ما يفس������ر اس������تمرار هيمنة سيبويه على‬
‫أن يع������رض بنوع من التفصي������ل ملادته املعجمية‪،‬‬ ‫املش������هد النحوي العربي‪ ،‬فمازالت القواعد هي‬
‫لكن ما مييز األس������تاذ عبداللطيف الوهابي هو‬ ‫نفسها‪ ،‬وال يتغير إال نوع الورق وشكل الكتب‪.‬‬
‫أنه صنَّف الباحثني الذين ال يكتفون باملش������هور‬ ‫أما هذا الكتاب فقد نبه إلى ضرورة االهتمام‬
‫من األق������وال‪ ،‬بل حاول جاهداً جت������اوز املألوف‬ ‫بالدراسات التاريخية للهجات العربية ألغراض‬
‫وتق������دمي املبتكر اجلديد‪ ،‬وهي صفات ال ميلكها‬ ‫عملية‪ ،‬صحيح أن بعض املؤسس������ات بدأت تهتم‬
‫ووطن نفسه على‬ ‫إال من مترس بالبحث العلمي َّ‬ ‫بهذا النوع من الدراس������ات‪ ،‬لكن الكتاب احلالي‬
‫ك������د الذهن وإتعاب اجلس������د‪ ،‬خدم������ة للحقيقة‬ ‫ال يكتف������ي بالتنظير‪ ،‬بل يقدم منوذجاً ملموس������اً‬
‫ال يخالف الش������ائع في أصل‬ ‫العلمية‪ ،‬فنجده مث ً‬ ‫للنتائج التي ميكن أن يصل إليها مثل هذا النوع‬
‫كلمة جبالة‪ ،‬حيث مييل إلى إرجاع هذه التسمية‬ ‫م������ن الدراس������ات‪ ،‬وأهمها في نظ������ري اخلدمة‬
‫إل������ى منطقة «جبلة» في الش������ام التي قدم منها‬ ‫اجلليلة التي تقدمها هذه الدراسة للغة العربية‬
‫عدد من الفاحتني العرب‪.‬‬ ‫من جانبني‪:‬‬
‫كما يتميز الكتاب مبسألتني أساسيتني هما‬ ‫اجلان ��ب األول‪ :‬إغن������اء املعج������م العرب������ي‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪186‬‬

‫‪feb 184-187.indd 186‬‬ ‫‪1/7/15 10:44:19 AM‬‬


‫بناتها من مختلف اللهج������ات العربية؟ ألم يحن‬ ‫االس������تقصاء والشمولية‪ ،‬وهذا ظاهر من خالل‬
‫الوق������ت إلدماج كلمات «الهيش������ر واللوي والنقلة‬ ‫وقوفه عن������د التحوالت الصوتي������ة التي أصابت‬
‫والرجلة والغرس������ة والشطابة والرفيذة والتلقيم‬ ‫الكلمات الفصيحة ف������ي اللهجة اجلبلية‪ ،‬كترك‬
‫والغذان واجلمار والبحيرة والتس������هيل والتقريع‬ ‫اإلعراب وغم������ط احلركات واإلب������دال والزيادة‬
‫والزريعة والرجمة والعروم واملطمورة واحلدورة‬ ‫والترخي������م‪ ...‬وك������ذا التح������والت الداللية التي‬
‫والغيطة والهوتة والتش������ويل والتفريق والتنشير‬ ‫مس������ت النسق الفصيح كتضييق املعنى وتوسيعه‬
‫والشرط والنوبة والس������لكة والتحريرة واملرشوم‬ ‫وانتقاله واستعمال اللفظ في غير معناه الفصيح‬
‫واللقاط والعماري������ة‪ »...‬إلى غير ذلك من آالف‬ ‫أو العك������س‪ ...‬وكثيراً ما تأمل كلمات قلما ننتبه‬
‫الكلمات التي أبدعته������ا جبالة عبر التاريخ‪ ،‬مع‬ ‫إليها فج������اء بالطريف والعجيب في هذا املجال‬
‫العلم أن أغلب هذه الكلمات مصوغة وفق قواعد‬ ‫منها كلمة (و ّخ أي توخّ ى وبش أي بش������أن)‪ ،‬أما‬
‫الصرف العربي؟ ألم يقل النحاة قدمياً ما قيس‬ ‫الش������مولية فتتجلى في محاول������ة الكاتب تأثيل‬
‫على كالم العرب فهو من كالم العرب؟ ولنتخيل‬ ‫معجم كل املجاالت التي تستعمل فيها جبلية بني‬
‫الس������يل الهائل من الكلمات التي ستنضاف إلى‬ ‫عروس من النبات واألعشاب واألشجار واملناخ‬
‫املعجم العربي الذي يتهم بالنقص في ما يخص‬ ‫إلى احلي������اة الدينية واالجتماعي������ة واالقتصاد‬
‫احلياة اليومية‪ ،‬لو درس������ت كل اللهجات العربية‬ ‫والتج������ارة والنظاف������ة واللب������اس‪ ،‬إلى اجلس������د‬
‫بهذا املنهاج نفسه‪.‬‬ ‫وأعضائه ومن عالم احليوان واملطبخ إلى معجم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يفتح الكتاب أيضا آفاقا واس������عة لدراس������ة‬ ‫الضرب والشتم والش������جار واخلصومة‪ ،‬ثم إلى‬
‫لهج������ات أخرى من مناطق مختلفة للوقوف على‬ ‫عالم األمراض وطرق العالج‪.‬‬
‫ه������ذا الغنى الكبير الذي تزخر به اللهجات‪ ،‬كما‬
‫يفتح الباب على علوم أخرى وخاصة اللسانيات‬ ‫راهنية املوضوع وأهميته‬
‫االجتماعي������ة‪ ،‬فقد وقف على م������ا يقارب ‪133‬‬ ‫يأتي الكتاب في س������ياق ارتف������اع األصوات‬
‫وصف������اً ونعتاً قبيحاً للمرأة والرجل‪ ،‬أال يش������كل‬ ‫املنادي������ة بتدريس اللهجات وال������دوارج‪ ،‬وارتفاع‬
‫هذا مادة خصبة للدراس������ات السوسيولس������انية‬ ‫أصوات تريد أن تختزل املغرب املتعدد الثقافات‬
‫واالجتماعية معاً؟‬ ‫في أمن������وذج واحد يحكمه ن������زوع عرقي مدعم‬
‫يعي������د ه������ذا الكت������اب االعتبار للس������انيات‬ ‫بخط������اب أكادميي‪ ،‬ليؤكد التق������ارب الكبير بني‬
‫التاريخية التي ميكن أن حتقق نتائج على مستوى‬ ‫وأن ما يعتبر معجماً دارجاً‬ ‫اللهج������ة والفصحى‪ّ ،‬‬
‫حتسني وتبسيط النحو العربي‪ ،‬فقد بدا لي وأنا‬ ‫ما هو ف������ي أغلب األحي������ان إال كلمات فصيحة‬
‫أمتعن بنية التصريف أن العربية القدمية كانت‬ ‫نُسي أصلها ملا طرأ عليها من تغيرات‪ ،‬أو أُهمل‬
‫تؤخر الضمير للداللة على املاضي «ضرب أنا»‬ ‫استعمالها في «العربية» املعاصرة‪ ،‬كما يأتي في‬
‫وتقدم������ه إذا أرادت الداللة عل������ى احلاضر «أنا‬ ‫س������ياق احلديث عن إصالح التعليم‪ ،‬وروح هذا‬
‫ضرب» التي حتولت إلى «أضرب» بعد س������قوط‬ ‫الكتاب تشير إلى ضرورة االستفادة من الدارجة‬
‫الن������ون‪ ،‬وهذا يدفعنا إلى إعادة النظر في ادعاء‬ ‫ف������ي إصالح درس العربية بإقح������ام كلمات ذات‬
‫النح������اة أن الفاعل في مث������ل هذه الصيغ ضمير‬ ‫أصول فصيحة قريبة من بيئة التلميذ ومحيطه‬
‫مس������تتر وجوباً‪ ،‬أال يكفي اعتبار «أ» هي الدالة‬ ‫االجتماعي‪ ،‬ما يس������اعده على االندماج السريع‬
‫عل������ى الفاع������ل‪ ،‬وبالتالي ال وجود ملس������تتر على‬ ‫وإغناء الرصيد اللغوي‪ ،‬كما تكمن أهمية الكتاب‬
‫اإلطالق؟‬ ‫ف������ي أنه يدفعنا إلى إع������ادة نظر في موقفنا من‬
‫إن ه� � ��ذا الكت� � ��اب س� � ��يصبح بال ش� � ��ك مرجعاً‬ ‫الدارجة واعتبارها مجاالً خصباً لإلبداع اللغوي‪،‬‬
‫للباحثني في هذا املجال ونبراساً تهتدي به األجيال‬ ‫فلم������اذا تس������تعير وتقترض العربي������ة من اللغات‬
‫القادمة لتطوير اللغة العربية وإغناء معجمها >‬ ‫األجنبية وال تقت������رض الكلمات الت������ي أبدعتها‬
‫‪187‬‬ ‫األصول الفصيحة للهجة جبالة في الشمال املغربي‬

‫‪feb 184-187.indd 187‬‬ ‫‪1/7/15 10:44:23 AM‬‬


‫من املكتبة األجنبية‬

‫التنظير في الترجمة‬
‫املؤلف‪ :‬جان رينيه الدميرال‬
‫املترجم‪ :‬د‪ .‬محمد جدير‬
‫عرض‪ :‬أحمد محمد حسن *‬

‫أدى اشتغال الكاتب واملترجم والفيلسوف وعالم اللسانيات الفرنسي جان رينيه الدميرال‪،‬‬
‫بالترجم ��ة عق ��ود ًا طويلة‪ ،‬إلى االهتمام بتواصل الثقافات‪ ،‬باعتب ��ار الترجمة ‪ -‬جنب ًا إلى‬
‫جنب مع األدب املقارن ‪ -‬ضرب ًا من املثاقفة‪ ،‬حيث توجب ممارستها إتقان اللغات واالنفتاح‬
‫على الثقافات العاملية‪.‬‬

‫ب������كل ما ه������و تطبيقي‪ ،‬عب������ر إم������كان الترجمة‬ ‫من هنا تأتي أهمي������ة كتابه «التنظير‬
‫واستحالتها‪ ،‬ويطرح أسئلة جدلــــية حول ترجمة‬ ‫ف������ي الترجم������ة» وعنوان������ه األصل������ي‬
‫الشعر‪ ،‬وكذلك اإلش������كال في ترجمة التضمني‬ ‫«‪Traduire: Théorèmes pour la‬‬
‫(‪.)connotation‬‬ ‫‪ ،»traduction‬وقد نقله إل������ى العربية د‪.‬محمد‬
‫ً‬
‫ويتبن������ى املؤلف خطابا ع������ن الترجمة يغلب‬ ‫جدير‪ ،‬األس������تاذ ف������ي جامعة احلس������ن الثاني‪،‬‬
‫علي������ه الطابع اللس������اني‪ ،‬ألن الترجمة ال ترتبط‬ ‫باململك������ة املغربي������ة‪ .‬يُ������درس املؤلف الفلس������فة‬
‫بالعلوم اإلنس������انية باملعنى احلصري فحس������ب‪،‬‬ ‫والترجمة في جامعة باريس إكس‪ ،‬وما يس������مى‬
‫ب������ل بالدراس������ات األدبية أيضاً‪ ،‬وذل������ك بالطبع‬ ‫بالترجمية في املعهد العال������ي للترجمة الفورية‬
‫ألن األدب املق������ارن يعتمد على الترجمات‪ ،‬وألن‬ ‫والترجمة (‪ )IS.I.T‬في باريس‪.‬‬
‫الترجم������ة ه������ي منط خ������اص للكتابة‪ ،‬وليس������ت‬ ‫ويع������د كتابه موض������وع هذا املقال م������ن املؤلفات‬
‫الترجم������ة األدبية فقط‪ ،‬وإمنا يصبح كل مترجم‬ ‫النادرة فــي التنظــيـــ������ر لعلــم وفــــن التــــرجـــمــة‪،‬‬
‫كاتباً ثاني������اً (‪ ،)réécrivian‬أو يتحول إلى مؤلف‬ ‫وق������د اس������توحى فصول������ه األربعـــة م������ن خبـــرة‬
‫مشارك (‪.)co-auteur‬‬ ‫طويل������ة‪ ،‬يب������دأ بتعري������ف الترجم������ة‪ ،‬وعالقتــها‬
‫* كاتب من مصر‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪188‬‬

‫‪feb 188-191.indd 188‬‬ ‫‪1/7/15 10:44:38 AM‬‬


‫آلة الترجمة‬
‫يس������خر املؤلف من «آل������ة الترجمة» ألنه في‬
‫مجال الترجمة يجب املرور باملعنى‪ ،‬في حني أن‬
‫الترجمة اآللية هي أقرب ما تكون إلى ما يسميه‬
‫مترجم الكت������اب العنصرة (‪ ،)la Pentecête‬وفي‬
‫حني باتت الترجمة اآللي������ة والترجمة املدعومة‬
‫باحلاسب اآللي تشكالن معاً مجاالً خاصاً جداً‬
‫ومختلف������اً متاماً ع������ن عالم الترجمة البش������رية‪،‬‬
‫فإنهم������ا مس������تمرتان ف������ي تطوي������ر منطقيهما‬
‫اخلاصني‪ ،‬بشكل متواز ومستقل‪.‬‬
‫ث������م يثير الكتاب قضية أخ������رى متس التآزر‬
‫بني احلق������ول املعرفية؛ وه������ي االهتمام املتزايد‬
‫بالترجم������ة في املج������ال الفكري‪ ،‬وما يس������تتبعه‬
‫ذل������ك بالض������رورة من إع������ادة لترجم������ة أعمال‬
‫س������ابقة ترجمت في املاض������ي‪ ،‬كما ظهر اجلدل‬
‫حول إع������ادة ترجمة أعمال س������يجموند فرويد‪،‬‬
‫عالم النفس املعروف‪ ،‬حيث مت االستحواذ على‬
‫التحليل النفسي من قبل الترجمة‪ .‬وظهر جدل‬
‫مماثل ح���ي��ن أعيدت ترجمة هايدج������ر‪ ،‬ومثلما‬
‫مؤلف الكتاب ‪ ...‬جان رينيه الدميرال‬ ‫أظهرت إعادة الترجمة ألعمال فرويد الرهانات‬
‫اخلاصة بالتحليل النفسي وارتباطها بالفلسفة‪،‬‬
‫يعس������ر علينا تعريفه‪ ،‬وكأن الترجمة غير قابلة‬ ‫أظهرت إعادة ترجمة العمل األساس للفيلسوف‬
‫للتعري������ف‪ ،‬ومن ثم يدعو الدمي������رال إلى اللجوء‬ ‫هايدجر رهانات موضوعها الفلسفي‪.‬‬
‫لتعريفات واقعية كظاهرة جتريبية‪.‬‬
‫الترجمة إشكال املصطلح‬
‫مهنة املترجم‬ ‫بعد تولي������ف معظـــــم تعــريف������ات التــــرجمة‬
‫يعتقد الدميرال أن الترجمـة باعتبارها نشاطاً‬ ‫نع������رف أنها تُنتج نصاً يع������د هدفاً مكافئاً داللياً‬
‫إنسانياً كــونياً أصبحت ضرورية لكل األزمنة‪ ،‬بني‬ ‫وأس������لوبياً وش������عرياً وإيقاعياً وثقافياً وتداولياً‬
‫التجـــمعات الناطـــقــة‪ ،‬سواء فردية أو جماعية‪،‬‬ ‫ص َدر‪ .‬والذين ينتقدون الترجمة‬ ‫للنص األصلي امل َ ْ‬
‫طارئة أو مس������تمرة‪ ،‬والغري������ب أنه بينما يترجم‬ ‫يأخذون على املترجم ابتعاده عن النص األصل‪،‬‬
‫«األدبي������ون» كتباً مقابل مكاف������آت متواضعة تبعاً‬ ‫وكأن الترجم������ة حُتدد عن غير وعي بواس������طة‬
‫لنظام حق������وق املؤلف‪ ،‬يحص������ل «التقنيون» على‬ ‫التماث������ل‪ ،‬وإذا كان ذل������ك صحيح������اً فنكون قد‬
‫مقابل جوهري جداً لترجماتهم‪ .‬وتطلق تس������مية‬ ‫وقعنا في ما أراه منتقداً‪ ،‬وهو «يوتوبيا مصدرية‬
‫«ترجمة تقنية» على ترجمة النصوص القانونية‬ ‫للترجم������ة»‪ ،‬ويكون منطقه������ا الالمفكر فيه بكل‬
‫والعلمية‪ ،‬بينما يندرج كتاب في العلوم اإلنسانية‬ ‫بس������اطة هو أن الترجمة ينبغي أن تكون تكراراً‬
‫ضمن ما يسمى «ترجمة أدبية»‪.‬‬ ‫للنص األصل!‬
‫وم������ن املش������كالت الت������ي يواجهه������ا املترجم‬ ‫ويرى الدميرال أن الترجمة هي ذلك النشاط‬
‫النق������ص املعجمي في اللغة اله������دف‪ ،‬حني يعثر‬ ‫الذائع االنتش������ار‪ ،‬الذي مارس������ناه كلنا‪ ،‬ولو في‬
‫عل������ى مفردة غير قابلة للترجمة‪ ،‬ومن هنا يتجه‬ ‫املرحل������ة الثانوية‪ ،‬ولم يكن ميثل إش������كاالً لدينا‪،‬‬
‫‪189‬‬ ‫التنظير في الترجمة‬

‫‪feb 188-191.indd 189‬‬ ‫‪1/7/15 10:44:57 AM‬‬


‫ويس������تدعي حديث املؤل������ف الدميرال حول‬ ‫إلى حل االقتراض‪ ،‬فيأخذ الكلمة كما هي‪ ،‬داالً‬
‫خط������ر الترجمة ما ي������دور في بالدن������ا العربية‬ ‫ومدلوالً‪ ،‬أو يلجأ إلى االس������تيراد احلذر املتمثل‬
‫بالشأن نفسه‪ ،‬حيث يقول إن الترجمة قد متثل‬ ‫في النس������خ (‪ ،)la calque‬وهو اقتراض املدلول‬
‫الن������ار املضادة الت������ي يجب أن نواج������ه بها هذا‬ ‫دون الدال‪ ،‬كم������ا ميكن أن يتخذ االقتراض لوناً‬
‫احلريق اللس������اني للغرب الذي جاء متزامناً مع‬ ‫محلياً حني تفضل املفردة في الفرنسية الهدف‬
‫الثنائي������ة اللغوية‪ ،‬بني اإلجنليزي������ة ولغات العالم‬ ‫على مزاوجها‪.‬‬
‫(أجنل������و إكس)‪ ،‬إنه������ا حرب يخوضه������ا املترجم‬
‫الثنائ������ي اللغ������ة احملترف الذي يواج������ه مقاومة‬ ‫حلول املترجم‬
‫منظم������ة ضد التداخ���ل��ات‪ ،‬وكذا بالنس������بة إلى‬ ‫وهناك إش������ارة إلى جانب حلول االقتراض‬
‫النصوص املترجمة وإل������ى قرائها لتالفي خطر‬ ‫الثالثة املباش������رة‪ ،‬متثل أربعة أساليب للترجمة‬
‫التبعية اللغوية والثقافية‪.‬‬ ‫غي������ر املباش������رة أو امللتوي������ة‪ ،‬مـــثــــ������ل النقــــ������ل‪،‬‬
‫وكمعلم ي������رى الدميرال أن إع������ادة الترجمة‬ ‫والتــحوي������ل‪ ،‬والتكافؤ‪ ،‬والتكيي������ف‪ ،‬وكلها صيغ‬
‫تعد بكل أش������كالها متريناً جيداً ميكن التالميذ‬ ‫إليج������اد حل������ول تعتمد عل������ى اللغ������ات املترجمة‬
‫من خبرة ذاتية الترجمة‪ ،‬وهي تنزع إلى توضيع‬ ‫واملترجم إليها‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪190‬‬

‫‪feb 188-191.indd 190‬‬ ‫‪1/7/15 10:45:03 AM‬‬


‫النشاط‪ ،‬أي النص الهدف ذاته‪.‬‬ ‫أحسن‪ ،‬سواء للغة األجنبية أو للغة األم‪ ،‬وميكن‬
‫كما يعرف التكافؤ (‪ )équivalence‬مبسعى‬ ‫إلعادة الترجمة أن تكون مصدر منط جديد من‬
‫الترجمة في أن تعفينا من قراءة النص األصلي‪،‬‬ ‫اللعب‪ ،‬الذي يقوم بواسطة لعبة األوراق الصغيرة‪،‬‬
‫حيث يفترض أن تعوض الترجمة النص املصدر‬ ‫بترجمة وإعادة الترجمة مرات عدة ملجموعة من‬
‫بالنص نفس������ه في اللغة الهدف‪ .‬إن األمر يتعلق‬ ‫التالميذ‪ ،‬يجهل كل واحد منهم املراحل التي مر‬
‫بش������كل أدق بتماثل الكالم عبر اختالف اللغات‪،‬‬ ‫بها النص‪ ،‬وتنحصر معرفة الطالب في املرحلة‬
‫ويتوافر امللفوظان‪ ،‬املصدر والهدف‪ ،‬على املعنى‬ ‫احلالية للنص الذي يترجمه‪ ،‬وعند نهاية التمرين‬
‫نفسه‪ ،‬عندما يشتغالن في املقام ذاته‪.‬‬ ‫تتم املقارنة بني الداخل واخلارج‪ ،‬أي بني النص‬
‫ومن الطريف ما ذكــره الدميرال عن الكلمة‬ ‫األصلي (‪ )entrée‬والنص النهائي (‪.)sortie‬‬
‫املول������دة (‪ ،)néologisme‬وهـــ������ي مفــــردة داللية‬ ‫ويؤكد الدمي������رال أن التضمني في الترجمة‬
‫مول������دة تـــحاك������ي املف������ردات املصــــ������در‪ ،‬ومتثل‬ ‫ليس ظاهرة فردية‪ ،‬وليس ثمة معنى لغوي فردي‬
‫الترجم������ة بن������اء عالقة جدي������دة‪ ،‬عـــ������ن طريــــق‬ ‫للكلمة املفردة ميكنه أن يجاور معنى آخر‪ ،‬لغوياً‬
‫عصرن������ة وتوليد مفردات‪ ،‬ب������ل إنها إبداع حيث‬ ‫كان أو اجتماعي������اً أو جماعي������اً‪ ،‬بل هناك فقط‬
‫ينبغ������ي أن تكون ألف������اظ املترجم املس������ــــتحدثة‬ ‫مش������كلة مدى حجن ما هو فردي داخل املفردة‬
‫(املولدة) قادرة على استركاز قاعدة اصطالحية‬ ‫الواحدة‪.‬‬
‫عريضة غير موسومة في اللغة الهدف‪ ،‬وينتقد‬ ‫ويرب������ط املؤل������ف ف������ي كتاب������ه «التنظير في‬
‫كثيرون تكاثر الكلمات املولدة املفرط في الوقت‬ ‫الترجم������ة» ب���ي��ن ه������ذا العلم والف������ن واجلماعة‬
‫الراهن‪.‬‬ ‫اللغوي������ة‪ ،‬وه������ذا ي������ؤدي إل������ى االعت������راف بأن‬
‫ً‬
‫ونختتم مبا يراه املؤلف معوقا للترجمة‪ ،‬وهو‬ ‫التضمين������ات الفردية داخل الترجمة تتنوع وفقاً‬
‫التشويش على تعلُّم اللغة الثانية األجنبية بسبب‬ ‫ملقامها‪ ،‬فلكل مقام مقال‪.‬‬
‫أشكال املقاومة النفس������ــية اللغوية التي طورتها‬ ‫ويختـــتم املؤلف كتابه بثبـــت للمصطلحات‪،‬‬
‫اللغة األم‪ ،‬لذلك يواكب ممارس الترجمة حجبا‬ ‫بع������د ثبت تعريف������ي يعرف ضم������ن مصطلحاته‬
‫نس������بيا للموارد التعبيرية في اللغة الفرنس������ية‬ ‫الترجم������ة بأنه������ا حال������ة خاصــة م������ن التمــاس‬
‫(اللغ������ة األم عن������د املؤلف)‪ ،‬ولكن ه������ذا يجعلنا‬ ‫والتقارب اللس������اني‪ ،‬وهي تفيد‪ ،‬باملعنى الواسع‪،‬‬
‫نش������ارك املؤلف‪ ،‬حتى ونحن نتحدث عن موقف‬ ‫كل ش������كل م������ن أش������كال الوس������اطة البيْلغوي������ة‬
‫لغتن������ا العربي������ة‪ ،‬في أن هناك إرث������ا ثقيال يجب‬ ‫(‪ )médiation interlinguistique‬الت������ي مُت ِ ّكن‬
‫التخلص من������ه ما دامت اللغ������ات األجنبية التي‬ ‫من نقل املعلوم������ة بني متكلمي لغ������ات مختلفة‪،‬‬
‫ندرس������ها التزال لغات حية تتجدد‪ ،‬مبا يفرض‬ ‫وتنق������ل الترجم������ة رس������الة من لغة مص������در إلى‬
‫عل������ى املترجم‪ ،‬واللغــ������ة الـــه������دف‪ ،‬أن ليتجـدوا‬ ‫لغة هدف‪ ،‬كما تعن������ي الترجمة في الوقت ذاته‬
‫باملثل >‬ ‫ممارسة الترجمة ونشـاط املترجــم‪ ،‬ونتيجة هذا‬

‫وال لبع ��ض أهل واليته‪ :‬أال حتمدون الله إ ْذ دفع عنكم الطاعون منذ ُو ِّلينا‬
‫ق ��ال ٍ‬
‫عليكم؟‬
‫فقال رجل منهم‪ :‬إن الله أعدل من أن يجمعكم والطاعون علينا‪.‬‬

‫‪191‬‬ ‫التنظير في الترجمة‬

‫‪feb 188-191.indd 191‬‬ ‫‪1/7/15 10:45:06 AM‬‬


‫كتب مختارة‬

‫أيام في إيران‬ ‫السباحة إلى املنزل (رواية)‬


‫مجموعة من الكتّاب‬ ‫ديب ��ورا ليڤ ��ي ‪ -‬ترجم ��ة‪ :‬ن ��ورة‬
‫املستش ��ارية الثقافي ��ة لس ��فارة‬ ‫البلوشي‬
‫اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية‬ ‫املجلس الوطني للثقافة والفنون‬
‫ل ��دى دول ��ة الكوي ��ت ‪ -‬الكويت ‪-‬‬ ‫واآلداب ‪ -‬الكويت ‪2014 -‬م‬
‫‪2014‬م‬ ‫رواية تتن�� ��اول الصراع�� ��ات التي‬
‫مش�� ��اهدات وانطباع�� ��ات نخبة من‬ ‫تشوب احلياة الزوجية والعائلية‪،‬‬
‫أساتذة اجلامعات والصحفيني الذين‬ ‫وتتطرق ملسألة عدم الثقة بالنفس‬
‫زاروا إيران في رحالت متتالية‪.‬‬ ‫في مرحلتي الشباب والكهولة‪.‬‬

‫النظريات السياسية في العالقات‬ ‫كمنجات املنعطف البارد‬


‫الدولية‬ ‫جميلة طلباوي‬
‫دايف ��د باوتش ��ر ‪ -‬ترجم ��ة‪ :‬رائ ��د‬ ‫موفم للنشر ‪ -‬اجلزائر ‪2013 -‬م‬
‫القاقون‬ ‫مجموع�� ��ة قصصي�� ��ة تض�� ��م‪:‬‬
‫املنظم ��ة العربي ��ة للترجم ��ة ‪-‬‬ ‫«س�� ��قف الهواء»‪« ،‬بني حضورك‬
‫بيروت ‪2013 -‬م‬ ‫والغي�� ��اب‪ ...‬أتوس�� ��د الصمت»‪،‬‬
‫يعتمد املؤل�� ��ف آراء أبرز املفكرين في‬ ‫«زواي�� ��ا اخلري�� ��ف» وقصص� � �اً‬
‫الفلسفة الغربية لتعقّب تاريخ النظرية‬ ‫أخرى‪.‬‬
‫السياسية في العالقات الدولية‪.‬‬

‫املص ّور وقصص أخرى‬ ‫عندما يوشك النهار أن يغيب‬


‫مهتدي مهدي‬ ‫د‪.‬حسن جعفر نورالدين‬
‫متوز للطباعة والنش ��ر والتوزيع ‪-‬‬ ‫منشورات رش ��اد برس ‪ -‬بيروت ‪-‬‬
‫دمشق ‪2012 -‬م‬ ‫‪2015‬م‬
‫‪ 21‬قصة قصيرة كتبت في عشرة‬ ‫ال تت�� ��رك ش�� ��باك قصي َدتِك‪...‬‬
‫أع�� ��وام رابطه�� ��ا الوحي�� ��د أف�� ��راد‬ ‫الش�� ��عرية مفتوحاً‪ ...‬قد يسرق‬
‫يش�� ��تركون في مطلب واحد‪ :‬حياة‬ ‫األبيات‪.‬‬
‫ْ‬ ‫عصفو ٌر منها‪ ...‬أوزا َن‬
‫كرمية ألناس أسوياء‪.‬‬

‫صائ � ُ�د الفراش ��ات احلزي ��ن‬ ‫ِ‬ ‫إلياس (رواية)‬


‫(قصص)‬ ‫أحمد عبداللطيف‬
‫بشرى خلفان‬ ‫دار العني للنش ��ر ‪ -‬اإلسكندرية‬
‫اجلمعي ��ة العماني ��ة للك ّت ��اب‬ ‫‪2014 -‬م‬
‫واألدب ��اء (مس ��قط)‪ ،‬االنتش ��ار‬ ‫رواي�� ��ة تق�� ��دم رؤي�� ��ة جدي�� ��دة‬
‫العربي (بيروت) ‪2010 -‬م‬ ‫للتاري�� ��خ‪ ،‬يتخي�� ��ر الروائي فيها‬
‫‪ 12‬قصة قصيرة أبرزها‪ :‬ما الذي‬ ‫سنوات توتر في تاريخ القاهرة‬
‫أخفيت�� ��ه في الصن�� ��دوق يا ليلى؟‬ ‫وغرناط�� ��ة‪ ،‬ويش�� ��رع ف�� ��ي قص‬
‫البيت أعلى التل�� ��ة‪ ،‬أمور صغيرة‬ ‫حكايات�� ��ه الصغيرة ع�� ��ن الهوية‬
‫عابرة‪.‬‬ ‫ورحلة البحث عن اجلذور‪.‬‬
‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪192‬‬

‫‪feb 192-193.indd 192‬‬ ‫‪1/7/15 10:45:51 AM‬‬


‫اجلام ��ع األزه ��ر الش ��ريف‬ ‫بيادر الورق‬
‫(مجلدان)‬ ‫عبدالرزاق الدرباس‬
‫محمد الس ��يد حمدي وش ��يماء‬ ‫دار الثقاف ��ة واإلعالم ‪ -‬الش ��ارقة‬
‫السايح‬ ‫‪2012 -‬م‬
‫مكتبة اإلسكندرية ‪ -‬اإلسكندرية‬ ‫س��ل��ام على حائط ال�� ��روح قبل‬
‫‪2013 -‬م‬ ‫وبع�� ��د الفراق‪ ،‬على مهرة لم تفز‬
‫دراسة شاملة عن األزهر الشريف تقدم‬ ‫بالس�� ��باق‪ ،‬وش�� ��وك يغازل وجه‬
‫للقارئ سرداً فنياً وتاريخياً ألحد األمثلة‬ ‫وكأس‬
‫س�� ��ريري‪ ،‬مبنق�� ��وع ُس�� ��م ٍ‬
‫علىالنهضة املعمارية اإلسالمية‪.‬‬ ‫دهاقْ‪.‬‬
‫أزاهير الرماد (شعر)‬
‫أنا عشقت (رواية)‬
‫محمد دركوشي‬
‫محمد املنسي قنديل‬
‫املبدأ للنش ��ر والتوزي ��ع واإلنتاج‬
‫دار الش ��روق ‪ -‬القاه ��رة ‪2013 -‬م‬
‫الفني ‪ -‬الكويت ‪2013 -‬م‬
‫(ط‪)3‬‬
‫أطفأت القمر الباكي‪ ...‬ومضت‬
‫يق�� ��دم لن�� ��ا مؤلف ه�� ��ذه الرواية‬
‫ف�� ��ي النهر تنادي�� ��ه‪ ...‬متوزك يا‬
‫مدينة حبلى ب�� ��كل عوامل الثورة‬
‫عشتا ُر مقفع ٌة‪.‬‬
‫وتوش�� ��ك على االنفج�� ��ار‪ ،‬بينما‬
‫ينتظر أناسها البعث اجلديد‪.‬‬

‫الصهد (رواية)‬‫َّ‬ ‫اعترافات قناع (رواية)‬


‫ناصر الظفيري‬ ‫يوكيو ميش ��يما ‪ -‬ترجمة‪ :‬أسامة‬
‫مسعى للنشر والتوزيع ‪ -‬املنامة‬ ‫الغزولي‬
‫‪2013 -‬م‬ ‫التنوير ‪ -‬بيروت ‪2007 -‬م‬
‫ملحم�� ��ة تاريخي�� ��ة ع�� ��ن مدينة‬ ‫تتحدث هذه الرواية عن اليابان‬
‫اجلهراء في الكوي�� ��ت‪ ،‬إذ حتتل‬ ‫في الفترة التي س�� ��بقت احلرب‬
‫مكانة خاصة في وجدان املؤلف‬ ‫العاملية الثاني�� ��ة وم ّهدت لها‪ ،‬ثم‬
‫الذي انتق�� ��ل إليها صغيراً وتعلَّم‬ ‫فت�� ��رة احلرب‪ ،‬ث�� ��م االنهيار وما‬
‫فيها الكثير‪.‬‬ ‫تاله‪.‬‬

‫دموع تائب‬ ‫الصحافة العلمية في الكويت‬


‫عمادالدين عبداملجيد‬ ‫د‪.‬عبدالله بدران‬
‫الهيئة املصرية العامة للكتاب ‪-‬‬ ‫مرك ��ز البح ��وث والدراس ��ات‬
‫القاهرة ‪2013 -‬م‬ ‫الكويتية ‪ -‬الكويت ‪2014 -‬م‬
‫عبداملجي�� ��د فرغل�� ��ي واحد من‬ ‫دراس�� ��ة جتمع ما بني الدراس�� ��ة‬
‫الش�� ��عراء الذين نبغ�� ��وا في كثير‬ ‫التحليلي�� ��ة والدراس�� ��ة الوصفية‬
‫من األجناس الشعرية‪ ،‬فقد كتب‬ ‫لواق�� ��ع الصحاف�� ��ة العلمي�� ��ة في‬
‫في امللحمة الديني�� ��ة إلى جانب‬ ‫الكويت وما حققته من إجنازات‬
‫املسرحيات بكل أنواعها‪.‬‬ ‫وما واجهته من عقبات‪.‬‬

‫‪193‬‬ ‫مكتبة العربي‬

‫‪feb 192-193.indd 193‬‬ ‫‪1/7/15 10:45:56 AM‬‬


‫املفكرة الثقافية‬

‫محمد خليفة التونسي‪...‬‬


‫في ذكرى رحيله‬

‫أس������يوط الس������تكمال دراسته‪،‬‬ ‫مت وجهاً لوجه مع التونس������ي‪،‬‬ ‫عــــرف������ت فــــ������ي دروب‬
‫وبقي فيها حتى حصوله على‬ ‫وكان ف������ي ع������ام ‪ 1985‬عل������ى‬ ‫احلي������اة عدي������داً م������ن‬
‫الثانوية العامة بتفوق ملحوظ‪،‬‬ ‫هامش مؤمت������ر أدبي عقد في‬ ‫أه������ل الفك������ر واألدب والفن‪،‬‬
‫مما أهل������ه لاللتحاق بكلية دار‬ ‫تونس‪ ،‬وكن������ت إذ ذاك مندوباً‬ ‫وعايشت بعضهم عن كثب من‬
‫العل������وم بالقاهرة‪ ،‬ودرس فيها‬ ‫ملجلة «املوقف األدبي» السورية‬ ‫خالل اطالعي على مؤلفاتهم‬
‫وتخ������رج ف������ي الع������ام ‪1939‬م‪،‬‬ ‫لتغطية فعاليات ذلك املؤمتر‪،‬‬ ‫وإبداعاتهم املنوعة التي أثروا‬
‫ومن������ذ ذلك احل���ي��ن اتخذ من‬ ‫فرأيت������ه وقد حطت الس������نون‬ ‫بها املكتب������ة العربية‪ ،‬وكان لهم‬
‫التدري������س مهن������ة مفضلة له‪،‬‬ ‫ب������كل ثقلها عل������ى كاهله‪ ،‬حتى‬ ‫به������ا حضوره������م الالفت في‬
‫وزاولها ملدة ‪ 33‬س������نة‪ ،‬حصل‬ ‫بات يجر ساقيه ج ّراً‪ ،‬فانحنى‬ ‫زمانهم‪ ،‬على الساحة الثقافية‬
‫خاللها على دبلوم الدراس������ات‬ ‫شيخاً فانياً يتوكأ على عصاه‬ ‫فأثروه������ا‪ ،‬ومل������ا غيبهم الدهر‬
‫العلي������ا ف������ي الع������ام ‪ 1955‬من‬ ‫بوه������ن ظاهر‪ ،‬وكأن الش������اعر‬ ‫ببردي������ه طواهم النس������يان في‬
‫جامعة القاهرة‪.‬‬ ‫كان يقصده‪ ،‬حني قال‪:‬‬ ‫غياهب������ه‪ ،‬ولم يع������د يأتي أحد‬
‫وكــ������ان الــتونـــس������ي طوال‬ ‫شيخ يدب على عصاه بوهن‬ ‫على ذكره������م إال ف������ي القليل‬
‫هذه املدة نش������طاً في مراسلة‬ ‫وقلبه متوثب اآلمال واألحالم‬ ‫النادر‪ ،‬وكأنهم لم يكونوا يوماً‬
‫عديد من الصحف واملجالت‬ ‫يطوي الثمانني الوضاء مليئة‬ ‫ب���ي��ن ظهرانين������ا‪ ،‬وم������ن هؤالء‬
‫احمللي������ة والعربي������ة التي كانت‬ ‫مبواكب للذكريـ ـ ــات ضخام‬ ‫األعالم ش������يخ اللغويني العرب‬
‫تهتم بإبداعاته وبحوثه األدبية‬ ‫واملتتبع لس������يرة التونس������ي‬ ‫«محمد خليفة التونسي» الذي‬
‫املنوع������ة‪ ،‬وخ���ل��ال إقامته في‬ ‫س������وف يج������ده ولد ف������ي عام‬ ‫كان مربي������اً وأديب������اً مرموقاً‪،‬‬
‫القاه������رة كان يتردد إلى منزل‬ ‫‪ 1915‬في قرية تونس‪ ،‬التابعة‬ ‫ولغوياً مف ّوهاً‪ ،‬وعضواً فاع ً‬
‫ال‬
‫الكاتب املعروف عباس محمود‬ ‫حملافظة س������وهاج في صعيد‬ ‫ف������ي مجم������ع اللغ������ة العربية‪،‬‬
‫العقاد‪ ،‬الذي ض ّمه ملجموعته‬ ‫مصر‪ ،‬وإليها ينتس������ب اس������م‬ ‫ومترجماً رائداً‪.‬‬
‫وعده‬
‫ّ‬ ‫الصغي������رة في ما بع������د‪،‬‬ ‫عائلته‪.‬‬ ‫ومبناس������بة مرور ‪ 27‬عاماً‬
‫من تالمي������ذه املقربني‪ ،‬وجعله‬ ‫وملا بلغ س������ن السادسة من‬ ‫عل������ى رحيله أورد ع������ن حياته‬
‫كامت أسراره‪ ،‬وظل كذلك حتى‬ ‫العمر أدخ������ل ك ّت������اب القرية‪،‬‬ ‫هذه الومضة الس������ريعة‪ ،‬لعل‬
‫وافى العقاد األجل‪.‬‬ ‫وبعد أن تعلم مب������ادئ القراءة‬ ‫الق������ارئ يجد فيها ما يس������ره‪،‬‬
‫وف� � ��ي ع� � ��ام ‪ 1964‬أعي� � ��ر‬ ‫والكتاب������ة ف������ي ذل������ك املعه������د‬ ‫ويذك������ره مب������ا قال التونس������ي‬
‫التونسي للتدريس في ثانويات‬ ‫االس������تثنائي الذي شكل وعي‬ ‫وكتب‪.‬‬
‫بغداد‪ ،‬وظل هن� � ��اك حتى عام‬ ‫معظم األدب������اء الرواد‪ ،‬وأضاء‬ ‫وفي هذا الصدد ال أنسى‬
‫‪ ،1972‬وه� � ��و الع� � ��ام الذي جاء‬ ‫لهم معالم الطريق‪ ،‬انتقل إلى‬ ‫البتة ذلك اللقاء السريع الذي‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬


‫‪194‬‬

‫‪feb 194-197.indd 194‬‬ ‫‪1/7/15 10:46:18 AM‬‬


‫من أشهر ترجمات محمد‬
‫خليفة التونسي‬

‫بــأول ترجـــم� � ��ة كاملــة لكتاب‪:‬‬ ‫في صفح������ة مس������تقلة‪ ،‬كلَفتة‬ ‫فيه إلى الكويت للعمل في مجلة‬
‫«بروتوكوالت حكماء صهيون»‪.‬‬ ‫وفاء منه������ا‪ ،‬وتقديراً لألعمال‬ ‫العرب� � ��ي بطلب ش� � ��خصي من‬
‫كما نشرت له مجلة العربي‬ ‫اللغوي������ة وغيرها التي اضطلع‬ ‫رئيس حتريرها آنذاك د‪.‬أحمد‬
‫ضمن سلسلتها «كتاب العربي»‬ ‫بها التونس������ي خ���ل��ال حراكه‬ ‫زكي‪ ،‬فعمل بداية مدققاً لغوياً‪،‬‬
‫مجموع������ة مختارة من مقاالته‬ ‫الثقافي في «العربي»‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى اإلش� � ��راف على‬
‫اللغوية والنحوي������ة التي كانت‬ ‫وم� � ��ن اجلدي� � ��ر بالذك� � ��ر أن‬ ‫صفحة «لغتن� � ��ا اجلميلة» التي‬
‫تنش������ر ش������هرياً على صفحات‬ ‫التونسي كتب الشعر منذ يفاعته‬ ‫كانت من األبواب احملببة لق ّراء‬
‫املجل������ة‪ ،‬ضمن كتاب مس������تقل‬ ‫عندم� � ��ا كان طالباً ف� � ��ي الثانوية‪،‬‬ ‫«العرب� � ��ي»‪ ،‬ثم محرراً للقس� � ��م‬
‫بعنوان‪« :‬لغتنا اجلميلة»‪.‬‬ ‫وأول ديوان ش� � ��عر ل� � ��ه صدر وهو‬ ‫األدبي في املجلة‪.‬‬
‫رحم الله التونسي‪ ،‬وشكراً‬ ‫في العش� � ��رين من عم� � ��ره‪ ،‬وكان‬ ‫وق������د ارتب������ط التونس������ي‬
‫ملجلة العربي التي من ضرعها‬ ‫بعن� � ��وان «الـــعـــواصف»‪ ،‬ثم توالت‬ ‫بوشائج طيبة مع الشيخ جابر‬
‫نهلن������ا ل���ب��ن املعرف������ة الصافية‬ ‫مؤلفات� � ��ه اإلبداعي� � ��ة ف� � ��ي ه� � ��ذا‬ ‫العلي الصب������اح‪ ،‬وكان موضع‬
‫وتذ ّوقن������ا الثقافة احلقة‪ ،‬وكان‬ ‫املجال‪ ،‬وهي على التوالي‪ :‬ديوان‬ ‫رعاية واهتمام من قبله‪ ،‬نظراً‬
‫لها الفضل ف������ي تنمية وجدان‬ ‫«األنوار احملمدية» و«الفيصليات»‬ ‫ملا يتمتع به من مؤهالت لغوية‬
‫القارئ العربي‪ ،‬وصقل مداركه‪،‬‬ ‫و«الرباعي� � ��ات»‪ ،‬إل� � ��ى جان� � ��ب‬ ‫ومهارات كتابية متميزة‪.‬‬
‫م������ن خالل ما كان ينش������ر على‬ ‫مجموعة قصصية واحدة بعنوان‪:‬‬ ‫وظل ف������ي الكوي������ت فترة‬
‫صفحاتها الغراء >‬ ‫«قال الراوي» استقى موضوعاتها‬ ‫طويل������ة إل������ى أن أدركه األجل‬
‫من التراث العربي‪.‬‬ ‫ف������ي ‪ ،1988/12/11‬و ُدف������ن‬
‫غازي خيران امللحم‬ ‫وكـــانت له مـــب� � ��ادرة رائدة‬ ‫فيه������ا بناء عل������ى وصيته‪ ،‬وقد‬
‫السعودية‬ ‫في مجال الترجمة‪ ،‬عندما قام‬ ‫نعت������ه آن������ذاك مجل������ة العربي‬
‫‪195‬‬

‫‪feb 194-197.indd 195‬‬ ‫‪1/7/15 10:46:24 AM‬‬


‫وداع ًا حامد عمار‪« ...‬شيخ التربويني العرب»‬
‫نح�� ��و التزود م�� ��ن املع�� ��ارف والعلوم‬ ‫رح�� ��ل عن عاملن�� ��ا أخيراً ش�� ��يخ‬
‫الغربية وإرسال البعثات إلى إجنلترا‬ ‫التربويني الع�� ��رب د‪.‬حامد عمار عن‬
‫وأمريكا وفرنسا‪ ،‬فوجد حامد عمار‬ ‫عمر يناهز الثالثة والتس�� ��عني‪ ،‬حيث‬
‫اسمه مدرجاً في قائمتني‪ ،‬إحداهما‬ ‫ولد في ‪ 25‬فبراير عام ‪ 1921‬بقرية‬
‫لنيل الدكتوراه في التاريخ‪ ،‬واألخرى‬ ‫«س�� ��لوا بح�� ��ري» مبحافظة أس�� ��وان‪،‬‬
‫في أصول التربية‪ ،‬فذهب للمش�� ��ورة‬ ‫ورح�� ��ل ع�� ��ن دنيانا في‪ 10‬ديس�� ��مبر‬
‫إلى األستاذين ش�� ��فيق غربال أستاذ‬ ‫ع�� ��ام ‪ .2014‬وتعد قريته منوذجاً من‬
‫التاريخ الش�� ��هير واألستاذ إسماعيل‬ ‫عزل�� ��ة الريف املصري الذي كان ينوء‬
‫القبان�� ��ي‪ ،‬وقد تغلبت حج�� ��ة الثاني‪،‬‬ ‫بآي�� ��ات الفقر واحلرمان والنس�� ��يان‪.‬‬
‫حني أقنعه بأنه ال يوجد متخصصون‬ ‫وظل البنيان اجلسدي للراحل نحيفاً‬
‫في هذا الفرع‪ ،‬وأن املستقبل للتربية‬ ‫طوال عمره إلصابته بإس�� ��هال متكرر‬
‫والتعليم في حتدي�� ��ث مصر‪ ،‬فاختار‬ ‫وصل إل�� ��ى درجة اجلف�� ��اف اخلطر‬
‫الدكتور حامد عمار‬
‫مجال التربية وسافر في بعثة علمية‬ ‫في مرحلة الطفولة‪ .‬واكتسب حامد‬
‫إلى لندن لينتظم ف�� ��ي برنامج دبلوم‬ ‫وتخرج في قس�� ��م التاريخ بكلية‬ ‫عمار مكانته م�� ��ن متتعه بعني نافذة‪،‬‬
‫املعلم��ي��ن مبعهد التربي�� ��ة في جامعة‬ ‫اآلداب عام ‪ ،1941‬وهو العام نفس�� ��ه‬ ‫وهو صاحب رؤية خاصة‪ ...‬مزج في‬
‫لن�� ��دن‪ .‬وكان م�� ��ن أش�� ��هر أس�� ��اتذته‬ ‫ال�� ��ذي اس�� ��تقال فيه لطفي الس�� ��يد‬ ‫دراساته بني دوائر االجتماع والتاريخ‬
‫العظ�� ��ام «كال مانه�� ��امي» من أقطاب‬ ‫من رئاس�� ��ة اجلامعة املصرية‪ .‬وبعد‬ ‫والتربي�� ��ة‪ .‬وقد انحاز إلى اإلنس�� ��ان‬
‫مدرسة االجتماع النقدي‪.‬‬ ‫التخ� � � ُّرج التح�� ��ق مبدرس�� ��ة املعلمني‬ ‫وتنمي�� ��ة الوط�� ��ن وهم�� ��وم الكادحني‬
‫وبع�� ��د االنته�� ��اء م�� ��ن الدبلومة‬ ‫العليا حتى يعث�� ��ر على فرصة عمل‪،‬‬ ‫والبس�� ��طاء م�� ��ن أبن�� ��اء الوطن‪ ،‬ليس‬
‫األكادميي�� ��ة‪ ،‬انفس�� ��ح أمام�� ��ه املجال‬ ‫حي�� ��ث كان خريجو اجلامعات يعانون‬ ‫ألنها قضايا عدل اجتماعي فحسب‪،‬‬
‫للتس�� ��جيل لدرجة املاجس�� ��تير‪ ،‬وكان‬ ‫البطالة‪ ،‬ولم يحظ بضمان التش�� ��غيل‬ ‫ب�� ��ل ألنه�� ��ا قضايا نهضة أم�� ��ة وعزة‬
‫عنوان الرسالة «بحث في عدم تكافؤ‬ ‫وطمأنين�� ��ة «امليري» س�� ��وى خريجي‬ ‫وطن‪.‬‬
‫الفرص التعليمية في مصر»‪.‬‬ ‫مدرس�� ��ة البوليس واملدرسة احلربية‬ ‫وكانت الصدمة الثقافية األولى‬
‫ثم س�� ��جل أطروحت�� ��ه للدكتوراه‬ ‫واحلاصلني على دبلوم معهد التربية‪.‬‬ ‫التي تعرض لها في طفولته هي رؤيته‬
‫وكانت بعنوان «التنش�� ��ئة االجتماعية‬ ‫وعمل بعد التخرج مدرس� � �اً مبدرسة‬ ‫الس�� ��احر الصوت�� ��ي (اجلرامافون)‪،‬‬
‫في قرية مصرية – س�� ��لوا – مديرية‬ ‫ابتدائي�� ��ة في محافظة قن�� ��ا‪ ،‬وأثبت‬ ‫الذي ع ّربه مجمع اللغة العربية باسم‬
‫أسوان»‪ .‬وكان من أبرز الشخصيات‬ ‫كف�� ��اءة ن�� ��ادرة‪ ،‬حي�� ��ث ُرق�� ��ي بعدها‬ ‫«احلاك�� ��ي»‪ ،‬الذي كان يحمله ص ّراف‬
‫التي التقاها ف�� ��ي العامني األخيرين‬ ‫بشهرين إلى مدرس ثانوي باملدرسة‬ ‫القرية ويتجمع حوله حشد غفير من‬
‫في لندن د‪.‬زكي جنيب محمود‪ ،‬الذي‬ ‫النموذجية الثانوية في حدائق القبة‬ ‫األطفال والشباب والرجال ليسمعوا‬
‫أوفد في بعثة من املجلس البريطاني‬ ‫بالقاهرة‪ .‬وكان من تالميذه في هذه‬ ‫غن�� ��ا ًء ش�� ��جياً يصدر من تل�� ��ك اآللة‬
‫للحصول على درجة الدكتوراه‪ ،‬وكان‬ ‫املدرس�� ��ة‪ :‬عاطف عبيد رئيس وزراء‬ ‫الصماء‪ .‬التحق بكتاب القرية بضعة‬
‫قد جتاوز األربعني وأكمل رسالته في‬ ‫مصر األسبق‪ ،‬ود‪.‬جالل أمني املفكر‬ ‫أش�� ��هر في مطلع عامه السادس‪ ،‬ثم‬
‫عامني‪ .‬والش�� ��خصية الثانية ش�� ��اب‬ ‫وأستاذ االقتصاد وش�� ��قيقه حســـني‬ ‫التحق باملدرسة اإللزامية عام ‪1926‬‬
‫كويتي اس�� ��مه «عبدالعزيز حس��ي��ن»‬ ‫أميـــــ�� ��ن الكاتب واملفكر اإلس��ل��امي‪،‬‬ ‫ثم انتق�� ��ل للمدرس�� ��ة االبتدائية في‬
‫وصف�� ��ه في س�� ��يرته الذاتية‪« :‬عربي‬ ‫ومراد ش�� ��فيق غربال‪ ،‬وعزيز رياض‬ ‫أسوان عام ‪ ،1928‬وفاز باملركز األول‬
‫وس�� ��يم هادئ الطبع عذب احلديث‪،‬‬ ‫طبيب األمراض النفس�� ��ية الش�� ��هير‬ ‫على مدرس�� ��ته واحتل املركز الـ‪180‬‬
‫ويكن‬
‫تخرج في كلي�� ��ة العلوم مبصر‪ّ ،‬‬ ‫باإلسكندرية‪.‬‬ ‫على مستوى القطر املصري‪ .‬وأكمل‬
‫لها كل التقدير والعرفان‪ .‬وقد أصبح‬ ‫وفي ع�� ��ام ‪ 1947‬ب�� ��دأت وزارة‬ ‫دراس�� ��ته الثانوية في مدرس�� ��ة امللك‬
‫ف�� ��ي ما بعد وزي�� ��راً وعلماً من أعالم‬ ‫املعارف واجلامعة انفتاحهما اجلديد‬ ‫فؤاد األول مبحافظة سوهاج‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬


‫‪196‬‬

‫‪feb 194-197.indd 196‬‬ ‫‪1/7/15 10:46:30 AM‬‬


‫األمم املتح�� ��دة في نيويورك بالتعاون‬ ‫اخل�� ��اص‪ .‬ومن أبرز كتب�� ��ه «في بناء‬ ‫الثقاف�� ��ة في دني�� ��ا الع�� ��رب‪ .‬عرفته‬
‫م�� ��ع الصن�� ��دوق العرب�� ��ي لإلمن�� ��اء‬ ‫البش�� ��ر» الص�� ��ادر ع�� ��ام ‪ ،1965‬وقد‬ ‫باملصادفة في مقابل غرفتي في بيت‬
‫االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬والصندوق‬ ‫أحدث صدى واس�� ��عاً في تش�� ��خيص‬ ‫الطلبة‪.‬‬
‫الكويت�� ��ي للتنمية االقتصادية العربية‬ ‫منط بدأ يسود من أمناط الشخصية‬ ‫وفي ذات صباح من يوم األحد‪،‬‬
‫ومعهد التخطيط بالكويت‪.‬‬ ‫املصري�� ��ة‪ ،‬وعل�� ��ق عليه أحم�� ��د بهاء‬ ‫طلب مني االس�� ��تعداد للخروج معه‪.‬‬
‫وكان يرفض املس�� ��اس مبجانية‬ ‫الدين فقال‪« :‬أس�� ��تطيع أن أقول في‬ ‫وعندم�� ��ا خرجن�� ��ا من املبن�� ��ى قادني‬
‫التعلي�� ��م‪ ،‬موضح� � �اً أن املس�� ��اس بها‬ ‫غي�� ��ر مبالغة إن هذا ه�� ��و أهم كتاب‬ ‫للركوب معه في س�� ��يارة صغيرة وبها‬
‫يعن�� ��ي حرم�� ��ان ‪ 7‬ف�� ��ي املائ�� ��ة ممن‬ ‫ظه�� ��ر ف�� ��ي مصر خ��ل��ال س�� ��نة‪ .‬إنه‬ ‫س�� ��ائقها‪ ،‬وقد اش�� ��تراها منذ بضعة‬
‫يتمتع�� ��ون بالتعلي�� ��م حالياً م�� ��ن أبناء‬ ‫اس�� ��تطاع أن يضع أيدينا في بساطة‬ ‫أي�� ��ام‪ ،‬وعرض عل�� � ّ�ي أن أختار املكان‬
‫ش�� ��رائح الفقراء‪ ،‬ومحدودي الدخل‪،‬‬ ‫وش�� ��جاعة وهدوء عل�� ��ى أهم قضايا‬ ‫ال�� ��ذي أرغب في زيارت�� ��ه‪ ،‬فاقترحت‬
‫وأع�� ��داد كبي�� ��رة م�� ��ن أبن�� ��اء الطبقة‬ ‫تكوين املواط�� ��ن اجلديد في املجتمع‬ ‫عليه الذه�� ��اب إلى أكس�� ��فورد‪ ،‬تلك‬
‫الوسطى من التعليم العالي‪ .‬ون ّبه إلى‬ ‫االش�� ��تراكي‪ ،‬واعي� � �اً ب�� ��كل املؤثرات‬ ‫الضاحية اجلميلة التي تز ِّينها جامعة‬
‫مخاطر لتوس�� ��ع في التعليم اخلاص‬ ‫السياس�� ��ية واالقتصادي�� ��ة والثقافية‬ ‫أكس�� ��فورد مببانيها القدمية الرائعة‪.‬‬
‫بنجوم�� ��ه املختلفة‪ ,‬كم�� ��ا أوضح في‬ ‫والتربوية واإلعالمية التي تسهم في‬ ‫وجتولن�� ��ا ف�� ��ي كلياتها وب��ي��ن طالبها‬
‫كتاب�� ��ه «التعليم اجلامعي اخلاص في‬ ‫هذه املهمة»‪.‬‬ ‫بأروابه�� ��م اجلامعي�� ��ة داخل اجلامعة‬
‫امليزان»‪ ,‬ما يؤدي إلى تباين توجهات‬ ‫ولكن ظهر كتاب�� ��ه األول «العمل‬ ‫وخارجه�� ��ا‪ ،‬وق�� ��د ظل ه�� ��ذا من أعز‬
‫التعليم من مخاط�� ��ر ثقافية‪ ،‬خاصة‬ ‫امليداني في الريف» عام ‪ ،1954‬وفيه‬ ‫أصدقائ�� ��ي الكثيري�� ��ن ف�� ��ي الكويت‪،‬‬
‫في مناهجه املس�� ��تترة‪ ،‬ومما يترتب‬ ‫محاولة لالقتراب العميق من السلوك‬ ‫أرت�� ��اد ديوانيته كلم�� ��ا زرت الكويت‪.‬‬
‫عليه من خريجني ذوي رؤى مختلفة‬ ‫واالجتاه�� ��ات لدى الف��ل��اح املصري‬ ‫رحمه الله رحمة واسعة»‪ .‬ويعود من‬
‫ومتصادمة في إط�� ��ار القيم الثقافية‬ ‫إزاء دع�� ��وات املرش�� ��دين الزراعيني‬ ‫البعثة ليعمل مدرساً في كلية التربية‬
‫في املجتمع‪.‬‬ ‫واالجتماعي��ي��ن‪ ،‬حي�� ��ث امت�� ��زج فيه‬ ‫بجامعة عني شمس‪.‬‬
‫وقد دشن سلسلة «آفاق تربوية»‬ ‫التنظير العام مع اخلبرة العيانية‪.‬‬ ‫وف�� ��ي أوائ�� ��ل الس�� ��تينيات‪ ،‬مت‬
‫ع�� ��ام ‪ ،1999‬من أجل نش�� ��ر اجلديد‬ ‫وف�� ��ي محاول�� ��ة لتف ُّه�� ��م العالقة‬ ‫اختي�� ��اره عضواً في فريق لدراس�� ��ة‬
‫واملتجدد في األدبي�� ��ات التربوية من‬ ‫املتبادل�� ��ة ب��ي��ن التعلي�� ��م واالقتصاد‪،‬‬ ‫األوض�� ��اع التعليمية ف�� ��ي الصومال‪،‬‬
‫اخلبرات العربي�� ��ة واألجنبية‪ ،‬وتناول‬ ‫أصدر كتابه «في اقتصاديات التعليم»‬ ‫لبحث إم�� ��كان اتخاذ اللغ�� ��ة العربية‬
‫أهم قضايا الفضاء والواقع التربوي‪،‬‬ ‫‪ ،1963‬وهـــــ�� ��و أول كــــتاب بالعربــــية‬ ‫أداة التعل�� ��م ف�� ��ي امل�� ��دارس‪ ،‬لتح�� ��ل‬
‫فك�� ��راً ورؤي�� ��ة‪ ،‬حتى يتبل�� ��ور للتنمية‬ ‫يتناول قضية االس�� ��تثــمار في التعليم‬ ‫محل اللغ�� ��ة اإليطالية أو الصومالية‪،‬‬
‫العربية الشاملة رصيد تربوي محصه‬ ‫وعوائ�� ��ده عل�� ��ى ض�� ��وء الدراس�� ��ات‬ ‫واكتشف قسوة االستعمار اإليطالي‪،‬‬
‫الفك�� ��ر الناقد‪ ،‬واخلب�� ��رة العريضة‪،‬‬ ‫الس�� ��ابقة في االحتاد الس�� ��وفييتي‪،‬‬ ‫الذي جتلى في أبش�� ��ع ص�� ��ور الفقر‬
‫واملمارس�� ��ة املتنوعة وتصور البدائل‬ ‫وإجنلترا‪ .‬وهي دراسات تنقل تصور‬ ‫واالس�� ��تغالل ف�� ��ي الصوم�� ��ال‪ ،‬ومن‬
‫املس�� ��تقبلية في مجال التربية‪ .‬وكان‬ ‫التعلي�� ��م من تصنيف مج�� ��رد أنه من‬ ‫بني هذه املؤش�� ��رات كث�� ��رة األطفال‬
‫آخر كتبه سيرته الذاتية التي جاءت‬ ‫اخلدمات االس�� ��تهالكية إل�� ��ى موقع‬ ‫غير الش�� ��رعيني الذي�� ��ن يولدون من‬
‫حتت عنوان «خطى اجتزناها‪ ...‬بني‬ ‫االستثمار االقتصادي اإلنتاجي‪.‬‬ ‫ممارس�� ��ة اجلنود اإليطاليني اجلنس‬
‫الفقر واملصادفة إلى حرم اجلامعة»‬ ‫وكان حامد عمار أول املغامرين‬ ‫مع الصوماليات الفقيرات‪.‬‬
‫عام ‪ ،2006‬الذي كش�� ��ف عن سمات‬ ‫باستخدام مفهوم «التنمية البشرية»‬ ‫وفي نوفمبر ع�� ��ام ‪ 1969‬التحق‬
‫ومالم�� ��ح تف�� ��رده ونبوغ�� ��ه واإلميان‬ ‫بدالً من اس�� ��تخدام مفه�� ��وم «املوارد‬ ‫بالعم�� ��ل ف�� ��ي مكت�� ��ب األمم املتحدة‬
‫الراس�� ��خ بحتمي�� ��ة النج�� ��اح‪ .‬وه�� ��ذه‬ ‫البش�� ��رية» في دراس�� ��ة عن «العوامل‬ ‫للتنمية االجتماعية (‪.)1987 -1969‬‬
‫السيرة هي دليل لكل عابر سبيل في‬ ‫االجتماعي�� ��ة ف�� ��ي تنمي�� ��ة امل�� ��وارد‬ ‫وبالرغم من أن هذه الفترة منعته من‬
‫رحلته مع األيام يلتمس منها مواطن‬ ‫البش�� ��رية»‪ ،‬وق�� ��د كل�� ��ف بإعداده�� ��ا‬ ‫تأليف الكتب اخلاصة مبا يجري في‬
‫القوة ومواضع االقتداء >‬ ‫ملؤمتر «التنمية والتخطيط في العالم‬ ‫مصر وال�� ��دول العربية‪ ،‬لكنها منحته‬
‫العربي»‪ ،‬الذي ُعقد في الكويت عام‬ ‫امل�� ��ال والتأم��ي��ن الصحي الش�� ��امل‬
‫هند عبداحلليم محفوظ ‪ -‬القاهرة‬ ‫‪ ،1987‬واشترك في تنظيمه برنامج‬ ‫ألس�� ��رته وتألي�� ��ف كتب به�� ��ا مذاقه‬

‫‪197‬‬

‫‪feb 194-197.indd 197‬‬ ‫‪1/7/15 10:46:32 AM‬‬


‫شعـر‬

‫العيد الوطني‬
‫‪ 25‬فبراير ‪1968‬‬
‫من ديوان إشراقة الصباح للشاعر أحمد عنبر*‬

‫ناد‬
‫الروض ٍ‬
‫ِ‬ ‫فصباح‬
‫ُ‬ ‫تنَّى ف َت َغنَّى‬ ‫َ‬
‫نال قلبي ما مَ َ‬
‫الكون ِع ْطر ًا‬
‫ِ‬ ‫قد َسرى في‬ ‫الوجود‬
‫ِ‬ ‫نشيد في‬
‫ٍ‬ ‫عازف ًا أحلى‬
‫اآلفاق بدر ًا‬
‫ِ‬ ‫أياد ال َح في‬
‫وصباح ذو ٍ‬ ‫حدث عنّا‬
‫مجده َّ‬
‫ُ‬ ‫بصباح‬
‫ٍ‬
‫هاد‬
‫للشعب ٍ‬
‫ِ‬ ‫والد‬
‫ٌ‬ ‫للخلود يو َم عيدي‬
‫ِ‬ ‫بحديث‬
‫ٍ‬
‫زا َد ُه الرحمنُ نصر ًا‬ ‫عيد الوطني ْة‬
‫يو َم ِ‬
‫الزمان‬
‫ِ‬ ‫بأفراح‬
‫ِ‬ ‫العيد‬
‫ُ‬ ‫يا رفاقي َ‬
‫أقبل‬ ‫للكويت العربي ْة‬
‫ِ‬
‫العيد وإشراقَ األماني‬
‫ِ‬ ‫فاستعيدوا بهج َة‬ ‫عيد‬
‫للشعب ُ‬
‫ِ‬ ‫عيدنا‬
‫ُ‬
‫مكان‬
‫ِ‬ ‫الرايات للعلياءِ في أسمى‬
‫ِ‬ ‫وار َفعوا‬ ‫عيد‬
‫رب ُ‬‫للع ِ‬
‫عيدنا ُ‬
‫ُ‬
‫الضاريات‬
‫ِ‬ ‫كاألسود‬
‫ِ‬ ‫اجلدود‬
‫ِ‬ ‫انهضوا َ‬
‫مثل‬ ‫عيد‬
‫للمجد ُ‬
‫ِ‬ ‫عيدنا‬
‫ُ‬
‫خير ال ُبن َِاة‬
‫وه ُم ُ‬
‫إنهم سادوا وشادوا ُ‬ ‫عيد‬
‫للنصر ُ‬
‫ِ‬ ‫عيدنا‬
‫ُ‬
‫أسسوا ع ّز ًا منيع ًا فار َفعو ُه يا ُحماتي‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫فرحة هزّت فؤادي‬
‫وبالقوة تعتزُّ حياتي‬
‫ِ‬ ‫به َدى الرأي‬
‫ُ‬ ‫مت ُأل األرجا َء بشر ًا‬
‫ينفع املنطقُ في ِ‬
‫ردع األعادي‬ ‫ُ‬ ‫عندما ال‬ ‫أصبحت ح ّر ًا‬
‫ُ‬ ‫واد منذُ أن‬ ‫ٌ‬
‫فرحة في كل ٍ‬
‫الوهاد‬
‫ِ‬ ‫الروابي‪ ،‬في‬
‫اجلهاد‪ ،‬في َّ‬
‫ِ‬ ‫أش ِعلوا نا َر‬
‫ْ‬ ‫عيد بالدي‬
‫إنّه ُ‬
‫األحرار أمجا َد بالدي‬
‫ِ‬ ‫بدم‬
‫واكت ُبوا لي ِ‬ ‫يز َدهي بحر ًا وب ّر ًا‬

‫< كتب الشاعر هذه القصيدة عام ‪1968‬م مبناسبة العيد الوطني لدولة الكويت‪ ،‬فأصبحت نشيد ًا مقرر ًا لطلبة املرحلة‬
‫املتوسطة في وزارة التربية والتعليم بدولة الكويت‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪198‬‬

‫‪Feb 198.indd 198‬‬ ‫‪1/7/15 10:47:08 AM‬‬


‫منتدى احلوار‬

‫خيال حلظة تاريخ زفاف‬


‫أخت الرشيد‬
‫س������بب واحد هو ذلك الزواج الصوري‪ ،‬وهذا ما‬ ‫لف������ت انتباهي إلى موض������وع «زفاف‬
‫أرادته ورس������مت له الش������عوبية في ذلك العصر‪،‬‬ ‫أخت الرش������يد» – (العربي – العدد‬
‫وتواترت الروايات املتضاربة حول األسباب حتى‬ ‫‪ / 656‬يوليو ‪ )2013‬قارئ كرمي قد ال‬
‫عصرنا احلاضر‪ ،‬وهي أس������باب ال تسمح حلاكم‬ ‫تكون صلته بالتاريخ واألدب كصلة املتخصصني‬
‫كالرش������يد غض الطرف عنه������ا دون أخذ القرار‬ ‫بهما‪ ،‬ج������ ّل إعجابه بجمال اللغ������ة التي كتب بها‬
‫احل������ازم بالتخلص من نفوذه������م الذي تغلغل في‬ ‫هذا املوضوع‪ ،‬ل������ذا لم يدر في خلد هذا القارئ‬
‫جميع مفاصل الدولة العباسية‪.‬‬ ‫م������ا يثيره هذا املوضوع الش������ائك من جدل حول‬
‫ا في ق������راءة هذا‬ ‫وبع������د االسترس������ال قلي���ل�� ً‬ ‫أسباب نكبة البرامكة‪ ،‬فال أدري إن كان الكاتب‬
‫املوضوع‪ ،‬فوجئت ب������أن الكاتب القدير لم يخرج‬ ‫أغفلها‪ ،‬أو أغفلها القارئ‪ ،‬لذا اجتهت إلى قراءة‬
‫عن تلك الروايات التي تلبس������ها اخليال بأرديته‬ ‫هذا املوضوع بروية ملعرفة وجهة نظر الكاتب في‬
‫األسطورية حتى غابت األسباب احلقيقية التي‬ ‫هذه القضية‪ ،‬إضافة إلى تقديري ملكانة الكاتب‬
‫أوردته������ا املص������ادر الدقيقة‪ ،‬وق������د كان الكاتب‬ ‫األدبية‪ ،‬وإلى دوره الفاعل خالل عمله في مجلة‬
‫ُمجيداً إجادة تامة في اس������تخدام أدواته الفنية‬ ‫«العربي» سنوات طويلة‪.‬‬
‫في القص‪ ،‬من لغة جميلة وس������رد مشوق‪ ،‬وكان‬ ‫بدأت قراءة موضوع «زفاف أخت الرش������يد»‬
‫لتل������ك املواقف واألح������داث التي هي من نس������ج‬ ‫ال بني ثناياه تكش������فت لي تلك‬‫وبع������د التوغل قلي ً‬
‫اخليال أو أن بعضه������ا مأخوذ من تلك الروايات‬ ‫اللغ������ة اجلميلة التي جذبت قارئي الكرمي‪ ،‬وذلك‬
‫مس������ت‬
‫الش������عوبية مكانها في تلك القصة‪ ،‬التي ّ‬ ‫اخلي������ال اخلصب‪ ،‬والوصف الدقي������ق لتفاصيل‬
‫– دون عم������د – ش������خصية تاريخية فذة أجمعت‬ ‫التفاصي������ل‪ ،‬واحلوارات الت������ي تأخذ القارئ إلى‬
‫معظم املصادر التاريخية واألدبية الدقيقة على‬ ‫فض������اءات أس������طورية جاذبة تبعد ب������ه كل البعد‬
‫تقديرها‪ ،‬أال وهي ش������خصية اخلليفة الرشيد‪،‬‬ ‫عن التفكير في الفرز بني احلقيقة واخليال في‬
‫ال������ذي وصفته تل������ك املصادر بأن������ه «من أفاضل‬ ‫أحداث هذه القصة (زواج أخت الرش������يد) التي‬
‫اخللف������اء وفصحائه������م وعلمائه������م وكرمائه������م»‬ ‫تدور أحداثها حول ذلك الزواج الصوري للعباسة‬
‫(املؤرخ الفخري ص‪ ،)15‬ووصفه املؤرخ الذهبي‬ ‫أخت الرشيد (علية) من جعفر البرمكي‪ ،‬وطبيعي‬
‫بأربع صفات هي «الش������هامة والشجاعة واحلزم‬ ‫أال ينفصل موضوع هذا الزواج عن القضية محور‬
‫والك������رم» (دولة اإلس���ل��ام ط‪ 1‬ص‪ ،)220‬وأجمع‬ ‫اجلدل‪ ،‬وه������ي نكبة البرامكة التي حيكت حولها‬
‫عدد من املؤرخ���ي��ن على القول «وكان يصلي في‬ ‫القص������ص والرواي������ات‪ ،‬حتى ضاع������ت احلقيقة‬
‫خالفت������ه في كل يوم مائة ركع������ة إلى أن مات ال‬ ‫و ُغ ِ ّيبت األس������باب احلقيقية التي دفعت اخلليفة‬
‫يتركها إال لعلة‪ ،‬وكان يعظم محرمات اإلس���ل��ام‪،‬‬ ‫الرش������يد إلى التخلص منهم بني ليلة وضحاها‪،‬‬
‫ويبغ������ض املراء في الدين» (الس������يوطي ‪ -‬تاريخ‬ ‫ولكن القصة «زواج أخت الرش������يد» وقفت عند‬
‫‪199‬‬

‫‪feb 199-203 ndd.indd 199‬‬ ‫‪1/8/15 1:00:18 PM‬‬


‫دولة الرشيد من أحس������ن الدول‪ ،‬وأكثرها وقاراً‬ ‫اخللف������اء ص‪ ،)188‬وهو الذي كان يحج س������نة‪،‬‬
‫ورونق������اً وخيراً‪ ،‬وأوس������عها رقع������ة‪ ...‬ولم يجتمع‬ ‫ويغزو س������نة‪ ،‬حتى وصل بحدود الدولة العربية‬
‫على باب خليفة من العلماء والفقهاء والش������عراء‬ ‫اإلس���ل��امية في عصره إلى الصني شرقاً‪ ،‬وإلى‬
‫والقادة وال������والة والكتاب‪ ،‬م������ا اجتمع على باب‬ ‫ح������دود اإلمبراطورية الروماني������ة غرباً‪ ،‬كما قال‬
‫الرش������يد» (الفخري ص‪ )195‬وقال������وا‪« :‬إن أيام‬ ‫فيه أبوالعالء الكالبي‪:‬‬
‫الرش������يد كان������ت أيام خي������ر وكأنها في حس������نها‬ ‫فمن يطلب ل�ق��اءك أو يرده‬
‫أعراس» (الس������يوطي – تاريخ اخللفاء ص‪)286‬‬ ‫فباحلرمني أو أقصى الثغور‬
‫إنه������ا أعراس‪ ،‬لكنها ليس������ت كالعرس الذي جاء‬ ‫ففي أرض العدو على ُط ُم ّر‬
‫وصفه في قصة «زواج أخت الرشيد» فالرشيد‬ ‫وف��ي أرض ال�ب��ري��ة ف��وق كـور‬
‫ال������ذي وصفت كتب التاري������خ واألدب دولته بأنها‬ ‫حتى ُس������ َّمي عصره بالعص������ر الذهبي‪ ،‬ليس‬
‫«أكثر الدول وقاراً ف������ي زمانها»‪ ،‬ال ميكن لنا إن‬ ‫للقوة والنفوذ والس������طوة فحسب‪ ،‬إمنا ملا كانت‬
‫كنا على درجة من الدقة واملوضوعية أن نقبل ما‬ ‫علي������ه الدولة في عصره من تقدم حضاري على‬
‫وصمته به هذه القصة‪ ،‬ولعل أبشعها هو ما ذكره‬ ‫املس������تويني العمراني والفك������ري‪ ،‬حتى أصبحت‬
‫الكاتب عن أخت الرش������يد الصغرى في دخولها‬ ‫بغداد بسبب ذلك قبلة العلماء واملفكرين وطالبي‬
‫احلمام على أخيها الرشيد عارياً!! و«غير آبهة»‬ ‫العلم واملعرفة‪ ،‬فقال املؤرخون عن دولته‪« :‬كانت‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪200‬‬

‫‪feb 199-203 ndd.indd 200‬‬ ‫‪1/7/15 11:00:42 AM‬‬


‫ح������ول الرش������يد وأختي������ه وعالقتهم������ا بجعف������ر‬ ‫كم������ا أورد الكاتب ليس بقي������م أو خلق‪ ،‬إمنا غير‬
‫البرمك������ي‪ ،‬لكي ننتقل إلى ق������راءة جوانب أخرى‬ ‫آبهة «بغضبه» أي غضب الرش������يد‪ ،‬مطالبة إياه‬
‫عثرنا عليها ب���ي��ن ثنايا هذه القصة وهي وقفات‬ ‫بإيقاف زفاف أختها علية على جعفر البرمكي‪،‬‬
‫خاطف������ة ترد خاللها بعض املب������ررات التي دعت‬ ‫ولي������ت األمر يقف عند ه������ذا احلد‪ ،‬إمنا يذهب‬
‫إلى مقتل جعف������ر البرمكي‪ ،‬إال أن هذه املبررات‬ ‫الكاتب بعيداً إلى ما ال تقبله الش������هامة واملروءة‬
‫ضاع������ت بني ثنايا القص اخليال������ي التي أبعدت‬ ‫من أخ‪ ...‬وأي أخ! الرش������يد الوقور املتدين لتقول‬
‫الكاتب عن إبراز هذه احلقائق بالشكل املناسب‪،‬‬ ‫ل������ه تلك األخ������ت الت������ي صورها الكات������ب بأدنى‬
‫وه������و القادر ملا ميلك������ه من قدرة لغوي������ة وأدبية‬ ‫ص������ور االنحط������اط األخالقي حني تق������ول‪« :‬ألن‬
‫عالية‪ ،‬فمن هذه املب������ررات التي أوردها الكاتب‬ ‫جسدي يقف دونها» ألن «هذا الرجل» أي جعفر‬
‫باقتضاب قوله‪« :‬دعا عشرة رجال لم يرهم غير‬ ‫«مس جسدي من قبل‪ ،‬ويجب أال ميس‬ ‫َّ‬ ‫البرمكي‬
‫بضع������ة أفراد من احلرس هم الذين قادوهم إلى‬ ‫جس������د أختي بعد ذل������ك»‪ ،‬واألده������ى واألمر هو‬
‫مجلس الرشيد‪ ...‬يحملون رقعاً مطوية ينتظرون‬ ‫ردة فعل الرش������يد كما قاله������ا الكاتب‪ ،‬على هذه‬
‫أم������ره بالكالم»‪ ،‬ثم تابع الكاتب وصفهم بش������كل‬ ‫األخت املنحل������ة أخالقياً «هل تقولني احلق؟ هل‬
‫منف������ر ال مينحه������م الثقة وال االطمئن������ان في ما‬ ‫أغواك؟»!! ولم يقف السرد الصادم لدى الكاتب‬
‫يقولونه أو يصفونه من أحداث‪ ،‬إال أن ما وضعه‬ ‫عند هذا احلد‪ ،‬بل تع������داه إلى أن يجعل األخت‬
‫على ألس������نة هؤالء العش������رة‪ ،‬يتفق مع ما ذهبت‬ ‫الصغرى تنساق في ابتذالها أمام أخيها الرشيد‬
‫إلي������ه املص������ادر التاريخية الدقيقة في أس������باب‬ ‫لتكمل أقصوصتها في عالقتها املش������ينة بجعفر‬
‫مقت������ل جعف������ر البرمكي‪ ،‬فمما جاء على لس������ان‬ ‫البرمك������ي قائلة‪« :‬لم يفعل‪ ،‬أنا التي فعلت‪ ،‬رأيته‬
‫أولهم قوله عن البرامك������ة «إنهم ذئاب في ثياب‬ ‫وأردت������ه‪ ،‬وقدرت أن أناله‪ ،‬كنت أعرف أن والدته‬
‫احلمالن تس������للوا إلى أوصال دولة بني العباس‪،‬‬ ‫تهديه في كل أس������بوع جارية ع������ذراء ليفتضها‪،‬‬
‫وال يبغ������ون إال امتالكها‪ ،»...‬ث������م التقط الرجل‬ ‫وزاد هذا األم������ر من إثارتي‪ ،‬وكن������ت أعرف أنه‬
‫الثاني ط������رف احلديث ليقول «لقد قبض جعفر‬ ‫إن عرف حقيقتي فسيرفضني‪ ...‬ال أحد يجرؤ‬
‫البرمك������ي على عدوك يحيى ب������ن عبدالله الذي‬ ‫أن يض������ع إصبعه على أخت اخلليفة‪ ،‬لذا تنكرت‬
‫أراد أن يس������تقل ببالد الديل������م ورغم أوامرك له‬ ‫ف������ي زي واحدة م������ن هاتيك اجل������واري‪ ،‬ودخلت‬
‫بقتل������ه‪ ،‬فإنه لم يفعل‪ ،‬لقد وجد أن احلفاظ على‬ ‫إلى فراش������ه»‪ ،‬فأخذت أقرأ الكلمات والسطور‬
‫وعده له باإلبق������اء على حياته‪ ،‬أهم من عصيانه‬ ‫وعقل������ي ال يقبل تصديقها‪ ،‬ألص������ل إلى ما فعله‬
‫ألمرك‪ ،‬لذا أعطاه أمواالً وجواداً وس������اعده على‬ ‫الرش������يد أمام هذا العهر السافر‪ ،‬فإذا بالكاتب‬
‫الهرب»‪.‬‬ ‫يكتفي بإيراد قوله على لس������ان الرشيد «اغربي‬
‫ووصف الكاتب حال الرش������يد بأنه قبل أن‬ ‫ع������ن وجهي‪ ،‬وال أري������د أن أراك بعد اآلن»‪ ...‬ثم‬
‫يفيق م������ن ذهوله يتدخل الع���ي��ن الثالث بالقول‪:‬‬ ‫يكمل الكاتب «وتنصرف‪ ...‬ولم تكن خائفة منه»‬
‫«إنه ك َّون في خراسان جيشاً تابعاً له عدده ‪150‬‬ ‫ويستمر الكاتب في تصوير ضعف الرشيد وقلة‬
‫ألف جن������دي يتبعون له‪ ،‬ويأمت������رون بأمره‪ ،‬لكن‬ ‫حيلته وخفته‪ ،‬أو م������ا ميكننا قوله «وحمقه» بأن‬
‫الذي لم يصل إلى علم موالي أنه اس������تقدم إلى‬ ‫يغار الرش������يد من فحولة جعف������ر البرمكي بقوله‬
‫بغ������داد ‪ 20‬ألفاً منهم‪ ،‬ونش������رهم في كل مكان»‪.‬‬ ‫«تثي������ر إعجاب الرش������يد ه������ذه الفحول������ة»!! أي‬
‫ويواصل الكاتب وصف حال الرشيد معيداً إلى‬ ‫فحول������ة هذه؟ إنه������ا فحولة اخلنازي������ر! ثم يكمل‬
‫ذهنية القارئ ما تضمنته األس������طورة وهو قصة‬ ‫الكاتب الس������رد ف������ي أن يأمر الرش������يد بحضور‬
‫األخت���ي��ن مع جعفر قائ ً‬
‫ال‪« :‬يتأ ّوه الرش������يد‪ ،‬ولم‬ ‫«مفتي بغ������داد» لعقد قران أخته الصوري‪ ،‬ولعله‬
‫يتصور أن األمر قد بلغ هذا احلد من اخلطورة‪،‬‬ ‫أراد به «قاضي بغداد» وهي الوظيفة والتس������مية‬
‫فهو لي������س مهدداً بفق������ده أختيه فق������ط‪ ،‬ولكن‬ ‫املستخدمة في تلك العصور‪.‬‬
‫فقد عرش������ه كله»‪ ،‬ويكمل الرج������ل الرابع قائ ً‬
‫ال‪:‬‬ ‫نكتفي به������ذا القدر من نقل ما أورده الكاتب‬
‫‪201‬‬ ‫تعليق‪ :‬خيال حلظة تاريخ‪ :‬زفاف أخت الرشيد‬

‫‪feb 199-203 ndd.indd 201‬‬ ‫‪1/7/15 11:00:45 AM‬‬


‫شخصية العباسة‪.‬‬ ‫«لقد متكن������ت من دخول بع������ض قصورهم‪ ،‬وال‬
‫وقد ول������دت العباس������ة عام ‪166‬ه������ـ‪777-‬م‬ ‫توج������د مدينة‪ ،‬إال فيها قصر يخصهم‪ ،‬اجلدران‬
‫واش������تهرت ببناء املس������اجد في كثير من أمصار‬ ‫مكس������وة بالذهب‪ ،‬والدرج مكسوة بالفضة‪ ،‬وقد‬
‫الدولة العباس������ية‪ ،‬وذكرت املص������ادر أيضاً أنها‬ ‫بنى جعفر لنفس������ه بيتاً كلف������ه ‪ 20‬مليون درهم‪،‬‬
‫في أيام طهرها تكون مش������غولة بالصالة ودرس‬ ‫إنهم يعيش������ون في ترف ال مثي������ل له‪ ،‬وقد أبقوا‬
‫القرآن‪ ،‬وال تغفل هذه املصادر اهتمامها باألدب‬ ‫ألنفسهم الغنائم‪ ،‬ولم يعطوا للدولة إال القليل»‪،‬‬
‫والش������عر والغن������اء‪ ،‬وكان������ت من أجمل النس������اء‬ ‫ثم يضيف الرجل اخلام������س‪« :‬في كل يوم يقف‬
‫ال ورصانة‪.‬‬ ‫وأظرفهن وأكملهن أدباً وعق ً‬ ‫على بابهم العش������رات من طالبي احلاجة‪ ،‬فقد‬
‫وما أكدته كتب التاري������خ أنها كانت متزوجة‬ ‫أوهم������وا اجلمي������ع أنهم أصحاب احل������ل والعقد‬
‫من محمد بن س������ليمان بن علي‪ ،‬وتوفي عنها‪ ،‬ثم‬ ‫ف������ي الدولة‪ ،‬وقد أعطى جعفر للش������عراء الذين‬
‫تزوجت ثانية من إبراهيم بن صالح بن املنصور‪،‬‬ ‫توافدوا على مدحه ثالثة ماليني درهم في يوم‬
‫وتوفي عنه������ا‪ ،‬وتزوجت ثالثة من محمد بن علي‬ ‫واحد‪ ،‬ال تتوقف األلسنة‪ ،‬وال احلقائق املرعبة»‪،‬‬
‫ب������ن داود فمات عنها‪ ،‬فلم تبق دون زوج‪ ،‬حتى إن‬ ‫ثم يعود بن������ا الكاتب إلى الرش������يد لينقل لنا ما‬
‫الش������اعر أبا نواس أخذ يتندر في شعره في أمر‬ ‫ي������دور بخل������ده قائ ً‬
‫ال‪« :‬ال يتص������ور أن األمور قد‬
‫وفيات أزواجها‪ ،‬فيقول‪ :‬إذا أراد رجل املوت فما‬ ‫وصلت إلى هذا احلد‪ ،‬هناك دولة أخرى أقامها‬
‫عليه إال الزواج من العباسة‪ ،‬قائال‪:‬‬ ‫جعف������ر وإخوانه داخل دول������ة‪ ،‬هي األقوى‪ ،‬وهي‬
‫أال ق � � � ��ل ألم � � �ي � ��ن ال�� �ل� ��ه‬ ‫التي تس������تعد اللتهامه»‪ ،‬ومم������ا يلفت االنتباه أن‬
‫واب � � � ��ن ال � � �س� � ��ادة ال� �س ��اس ��ة‬ ‫الكاتب ال يذكر اس������ماً آخر من أسماء البرامكة‬
‫إذا م� � � � ��ا خ� � � ��ال� � � ��ف س���ر‬ ‫كاألب يحي������ى البرمكي لتكتمل لديه احلبكة في‬
‫ل � � � ��ه أن ت� � �ف� � �ق � ��د راس � � � ��ه‬ ‫تصمي������م العالقة ب���ي��ن جعفر والعباس������ة (علية‬
‫ف � �ل ��ا ت � �ق � �ت � �ل� ��ه ب���ال� �س� �ي� �ـ� �ـ‬ ‫بنت املهدي) وتكتم������ل صورتها في قوة تأثيرها‬
‫ـ� � �ـ � ��ف وزوج� � � � � � ��ه ب� �ع� �ب ��اس ��ة‬ ‫على املتلقي‪ ،‬وهي األس������طورة التي رفضها أكثر‬
‫وال ضي������ر في أن علية ق������د أصابت في فن‬ ‫املؤرخ���ي��ن دقة ف������ي نقلهم للحقائ������ق‪ ،‬وأن هذه‬
‫الغناء وصنع األحلان حتى نس������ب إليها ما يزيد‬ ‫املصادر التاريخية تنفي نفياً قاطعاً «أس������طورة‬
‫على ‪ 70‬صوت������اً أي حلناً‪ ،‬ولتمييزها وإبداعاتها‬ ‫العباسة» أخت الرشيد‪ ،‬وقصة زواجها الصوري‬
‫ف������ي هذا الفن‪ ،‬ميكننا أن نعدها رأس املدرس������ة‬ ‫من جعفر البرمك������ي‪ ،‬ألنها رواية ‪ -‬كما وصفها‬
‫الثالث������ة في هذا الفن‪ ،‬الت������ي أضافت كثيراً إلى‬ ‫أحد املؤرخني‪ -‬ال تقف أمام النقد الداخلي ملنت‬
‫مدرس������تي أخيه������ا إبراهيم بن املهدي وإس������حق‬ ‫الرواي������ة‪ ،‬وال أمام النق������د اخلارجي‪ ،‬وقد أبدى‬
‫املوصل������ي‪ ،‬وه������ذا دلي������ل واضح على املس������توى‬ ‫اجلهشياري سخريته الواضحة وهو يتحدث عن‬
‫احلضاري والوع������ي بأهمية ه������ذه الفنون حني‬ ‫هذه الرواية «ال والله ما لش������يء من هذا أصل‪،‬‬
‫يقبل الرج������ال (ومنه������م اخللفاء) لنس������ائهم أن‬ ‫لكنه من مل������ل موالينا وحس������دهم» (ص‪،)204‬‬
‫يش������اركن في هذا الفن‪ ،‬ففي أخبار الرشيد أنه‬ ‫واب������ن خلدون يناقش موضوع ه������ذه الرواية في‬
‫يدعو أخته علية لسماع أحلانها‪ ،‬وكانت ترافقه‬ ‫املقدمة وينفيها أيضاً «ال ميكن أن العباسة على‬
‫في بعض رحالته‪ ،‬ويقال إنها امتنعت عن الغناء‬ ‫ذلك وعصرها قريب من عه������د بداوة العروبة‪،‬‬
‫بعد موت أخيها الرشيد‪.‬‬ ‫وس������ذاجة الدين‪ ،‬فأين يطلب الصون والعفاف‪،‬‬
‫وإن مم������ا ينفيه العقل‪ :‬كيف يوافق الرش������يد‬ ‫إذا ذهب منه������ا?» (املقدمة ص‪ ،)464‬وابن كثير‬
‫ال������ذي وصفته كتب التاري������خ بأنه يعظم حرمات‬ ‫وغي������ره كثيرون أنك������روا هذه األس������طورة‪ ،‬التي‬
‫اإلس���ل��ام‪ ،‬ويبغض املراء بالدين على زواج أخته‬ ‫وضعتها أقالم الش������عوبيني احلاق������دة‪ ،‬وخاصة‬
‫الصوري‪ ،‬وهو ما ترفضه الش������ريعة اإلسالمية‪،‬‬ ‫أن متنها يغلب عليه الطابع األسطوري املختلق‪،‬‬
‫لك������ن اخلطأ اجلس������يم ال������ذي ارتكبه الرش������يد‬ ‫إضافة إلى ما أكدته كتب التاريخ واألدب‪ ،‬حول‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪202‬‬

‫‪feb 199-203 ndd.indd 202‬‬ ‫‪1/7/15 11:00:48 AM‬‬


‫وأمضاه� � ��ا على غير رأي� � ��ي‪ ،‬وعمل مبا أحبه دون‬ ‫َّي��� يحيى بن خالد‬‫بع������د تولي������ه احلكم هو أن ع �� نَّّ‬
‫محبتي» (ص‪.)226‬‬ ‫البرمك������ي وزيراً‪ ،‬وفوض أم������ر الدولة إليه‪ ،‬وهو‬
‫ً‬
‫‪ -3‬وأش� � ��ار اجلهش� � ��ياري أيض � � �ا إلى جمعهم‬ ‫ال������ذي قال له‪« :‬فاحكم مبا ترى‪ ،‬واس������تعمل من‬
‫الث� � ��روة‪ ،‬واألم� � ��وال جتري في أيديه� � ��م‪ ،‬حتى بدا‬ ‫ش������ئت‪ ،‬وأسقط من رأيت‪ ،‬فإني غير ناظر معك‬
‫س� � ��خاؤهم الالمحدود‪ ،‬وعطاياه� � ��م التي فاقت‬ ‫في شيء» (الوزراء – اجلهشياري ص‪ ،)177‬وقد‬
‫عطايا الرش� � ��يد‪ ،‬رغم ما يع� � ��رف عنه من الكرم‪،‬‬ ‫يُعذر الرشيد في ما اتخذه من إجراء في مطلع‬
‫إضافة إل� � ��ى ما ذكرت� � ��ه الروايات أنه� � ��م حجزوا‬ ‫توليه احلكم‪ ،‬وذل������ك ألن يحيى البرمكي كان له‬
‫األم� � ��وال عنه‪ ،‬كما جاء في قول الرش� � ��يد‪« :‬نهبوا‬ ‫دور كبير بالتعاون مع أمه اخليزران في أن يصل‬
‫مالي‪ ،‬وذهبوا بخزائني»‪( ،‬اجلهشياري ص‪.)242‬‬ ‫إلى احلكم‪ ،‬ثم ال ننسى تلك العالقة الوثيقة بني‬
‫‪ -4‬لم تغفل هذه املصادر سبباً ال يقل أهمية‬ ‫اخليزران أم الرشيد وبني زوجات يحيى البرمكي‪،‬‬
‫وتأثيراً عما سبق‪ ،‬أال وهو تذمر العنصر العربي‬ ‫لدرجة أنهن أرضعن الرش������يد‪ ،‬كما ذكرت بعض‬
‫في الدولة العباس� � ��ية من نفوذ وسطوة البرامكة‬ ‫املصادر‪ ،‬وبهذا تآخى مع أوالد البرمكي الفضل‬
‫عل� � ��ى جميع العرب‪ ،‬ولعل من أبرز الش� � ��خصيات‬ ‫وجعفر‪( ،‬تاريخ الطب������ري ج ‪ 6‬ص‪ .)291‬وللعلم‪،‬‬
‫الت� � ��ي أعلنت ع� � ��ن رأيها مراراً أمام الرش� � ��يد هو‬ ‫فإن س������لطة البرامكة خالل الدولة العباسية لم‬
‫الفض� � ��ل ب� � ��ن الربيع بن يونس‪ ،‬حاجب الرش� � ��يد‪،‬‬ ‫تس������تمر أكثر من أربع س������نني‪ ،‬وكان يحيى فترة‬
‫وعل� � ��ي بن عيس� � ��ى ال� � ��ذي اتهم جعف� � ��ر البرمكي‬ ‫منها يحيك أموره في الدولة متخفياً وراء سلطة‬
‫بالتآم� � ��ر ض� � ��د الدولة في خراس� � ��ان ومحمد بن‬ ‫اخليزران‪ ،‬وبعد وفاة اخلي������زران عام (‪ 173‬هـ)‬
‫الليث الذي ذ ّكر الرشيد مبسؤولياته جتاه األمة‪،‬‬ ‫كانت بداي������ة النهاية لنفوذه������م‪ ،‬ليس ألن موتها‬
‫وذكرت هذه املصادر أن البرامكة تكره محمد بن‬ ‫أخلى اجل������و للبرامكة يتصرفون كيف ش������اءوا‪،‬‬
‫الليث‪ ،‬وكذلك ميلهم عن القائد العربي املش� � ��هور‬ ‫إمن������ا ألنهم أصبح������وا يتصرف������ون دون التواري‬
‫في عهد الرش� � ��يد يزيد بن مزيد الش� � ��يباني‪ ،‬وأن‬ ‫وراء اخلي������زران‪ ،‬كما كان من قبل‪ ،‬بل بدا دورهم‬
‫تكن الود للبرامكة‪ ،‬وكانت‬ ‫زبيدة زوج الرش� � ��يد لم ّ‬ ‫أوضح مما كان خالل وجودها‪ ،‬وتكشف للرشيد‬
‫تعلم كراهيتهم للعنصر العربي‪ ،‬فكانت تش� � ��كوهم‬ ‫ق������وة نفوذهم الذي كان مغلف������اً بنفوذ اخليزران‪،‬‬
‫مراراً عند الرش� � ��يد‪ ،‬ويضيف ابن خلدون أن بني‬ ‫وش������عر بثقل نفوذهم‪ ،‬ومتاديهم‪ ،‬ويشير الفخري‬
‫قحطبة‪ ،‬وهم عرب ميانية‪ ،‬كانوا يعادون البرامكة‬ ‫ال‪« :‬وقيل إن جعفراً والفضل ظهر‬ ‫إلى ذل������ك قائ ً‬
‫أيضاً‪ ،‬ومما تؤكده الوقائع التاريخية أن س� � ��قوط‬ ‫منهما اإلذالل ما ال حتتمله نفوس امللوك فنكبهم‬
‫البرامكة لم يأت وليد انفعال مفاجئ من الرشيد‪،‬‬ ‫لذلك» (ص‪.)172‬‬
‫إمن� � ��ا كانت ل� � ��ه تدابي� � ��ره التي ولدته� � ��ا األحداث‬ ‫فيمكننا القول إن سقوط البرامكة جاء ألكثر‬
‫املتتابع� � ��ة التي م � � � ّر ذكرها‪ ،‬تراكم� � ��ت حتى طفح‬ ‫من سبب‪ ،‬نوردها كما جاءت في كتب املؤرخني‪:‬‬
‫الكيل بها‪ ،‬وليس كما صورته الكتابات الش� � ��عوبية‬ ‫‪ -1‬اس������تبدادهم على الدول������ة‪ ،‬واحتجابهم‬
‫حول نكب� � ��ة البرامكة‪ ،‬وكأنها مذبحة مأس� � ��اوية‪،‬‬ ‫أم������وال اجلباية حت������ى عن الرش������يد‪ ،‬حتى كان‬
‫والواقع أن الرشيد لم يقتل منهم إال جعفراً‪ ،‬قال‬ ‫يطلب اليس������ير من املال فال يصل إليه‪ ،‬فغلبوه‪،‬‬
‫مس� � ��رور خادم الرشيد‪« :‬أش� � ��هد بالله‪ ،‬لكنت من‬ ‫وش������اركوه في س������لطانه‪ ،‬ولم يكن له معهم نفوذ‬
‫الرش� � ��يد وهو متعلق بأس� � ��تار الكعبة بحيث ميس‬ ‫في البالد في أمور ملكه (املقدمة – ابن خلدون‬
‫ثوبي ثوبه‪ ،‬وهو يقول في مناجاته ربه‪« :‬اللهم إني‬ ‫ج‪ 1‬ص‪.)14‬‬
‫أستخيرك في مقتل جعفر بن يحيى‪ ،‬ثم قتله بعد‬ ‫‪ -2‬أما ع� � ��ن جعفر البرمكي‪ ،‬ف� � ��كان أكثرهم‬
‫ذلك بخمس سنني أو ست» (اجلاحظ – التاج في‬ ‫نف� � ��وذاً ف� � ��ي البالد‪ ،‬حي� � ��ث كان يتص� � ��رف وكأنه‬
‫أخالق امللوك ص ‪> )126‬‬ ‫اخلليفة‪ ،‬بس� � ��بب ما لديه من مس� � ��ؤولية وزارتني‬
‫أ‪.‬د‪ .‬سهام الفريح‬ ‫هما دي� � ��وان الدواوي� � ��ن‪ ،‬وديوان اخل� � ��راج‪ ،‬وأورد‬
‫أستاذة لغة عربية بجامعة الكويت‬ ‫اجلهشياري قول الرش� � ��يد «استبد باألمور دوني‬
‫‪203‬‬ ‫تعليق‪ :‬خيال حلظة تاريخ‪ :‬زفاف أخت الرشيد‬

‫‪feb 199-203 ndd.indd 203‬‬ ‫‪1/8/15 1:02:42 PM‬‬


‫عزيزي العربي‬

‫عطر األحبار‬
‫مركز الش� � ��م في دماغي ألستعيد‬ ‫الفت� � ��رة كانت مالزم أو «فس� � ��ائل»‬ ‫األخ الـــــعـــزي� � ��ز األس� � ��تاذ‬
‫تل� � ��ك الرائحة‪ ،‬وكأنني أتش� � ��ممها‬ ‫املجلة يتم ض� � ��م بعضها إلى بعض‬ ‫الدكت� � ��ور ع� � ��ادل س� � ��الم‬
‫بأنفي م� � ��رة أخرى على الرغم من‬ ‫م� � ��ن دون إجراء مق� � ��ص التقطيع‬ ‫العبداجل� � ��ادر‪ ،‬رئيس حترير مجلة‬
‫أن ورق وطباع� � ��ة املجلة لم يتغيرا‬ ‫عليها‪ ،‬فكن� � ��ا نحتاج لتصفّح املجلة‬ ‫العربي الغراء‪...‬‬
‫منذ تل� � ��ك الفترة البعي� � ��دة وحتى‬ ‫وقراءته� � ��ا أن نفص� � ��ل صفحاته� � ��ا‬ ‫أطي� � ��ب حتية واجب� � ��ة‪ ،‬وأجمل‬
‫اآلن! لكنه «االرتباط الش� � ��رطي»‪،‬‬ ‫املتش� � ��ابكة‪ ،‬ومن أجل ه� � ��ذا فقد‬ ‫أمنية مستحقة‪ ،‬أبعثهما من أرض‬
‫واألفعال املنعكس� � ��ة التي كش� � ��ف‬ ‫كان أنفي يأخذ حظه من رائحتها‬ ‫الكنانة لكم وألس� � ��رة حترير مجلة‬
‫ع� � ��ن قوانينها عالم الفس� � ��يولوجيا‬ ‫املميزة في ذلك الوقت قبل أن تطل‬ ‫العرب� � ��ي العريق� � ��ة‪ ،‬والتي جنحتم‬
‫الروس� � ��ي بافل� � ��وف تعم� � ��ل عملها‬ ‫عيني عل� � ��ى موضوعاته� � ��ا األثيرة‬ ‫أخيراً‪ ،‬ال أقول ف� � ��ي جتديدها أو‬
‫وتؤت� � ��ي ثمارها رغم � � �اً عنا‪ ،‬حينما‬ ‫ال (صور‬ ‫واجلدي� � ��رة باملتعة ش� � ��ك ً‬ ‫تطويرها وما إلى ذلك من تعبيرات‪،‬‬
‫جت� � ��د م� � ��ا ين ّبهها ويوقظه� � ��ا‪ ،‬وقد‬ ‫أوسكار متري وعبدالناصر شقرة‪،‬‬ ‫ولكن أقول ‪ -‬بش� � ��كل مباشر ‪ -‬في‬
‫مت ّثل هذا في الش� � ��كل واملضمون‬ ‫ولوح� � ��ات الفنان أحم� � ��د الوردجي‬ ‫عودة روحها‪ ،‬واس� � ��تعادة أصالتها‬
‫اجلديدين أو قل املستعادين!‬ ‫الذي سعدت وأس� � ��رتي باستقباله‬ ‫مرة أخرى‪ ،‬س� � ��واء على مس� � ��توى‬
‫وم� � ��ع دعائي لك� � ��م بالتوفيق‬ ‫في بيتن� � ��ا بصحبة أحد أقاربه من‬ ‫الشكل أو على مستوى املضمون‪.‬‬
‫والس� � ��داد ملواصلة هذه املس� � ��يرة‬ ‫معارفنا في قريتن� � ��ا‪ ،‬خالل إجازة‬ ‫ولس� � ��ت أغالي حينما أقول‪:‬‬
‫األثيرة‪ ،‬أش� � ��كركم مجدداً إلعادتنا‬ ‫من إجازات األعي� � ��اد)‪ ،‬وموضوعاً‬ ‫بل على مس� � ��توى العب� � ��ق‪ ،‬وهو ما‬
‫إلى تلك األيام اجلميلة‪ ،‬من خالل‬ ‫من خ� �ل��ال أقالم عمالق� � ��ة الفكر‬ ‫كان يتمث� � ��ل لنا ف� � ��ي رائحة أحبار‬
‫إعادة «العرب� � ��ي»‪ ،‬مجلتنا احلبيبة‬ ‫واألدب والثقافة على طول الوطن‬ ‫الطباعة والورق أيضاً‪ ،‬ولهذا قصة‬
‫العريقة إلينا مرة أخرى! >‬ ‫العربي وعرضه‪.‬‬ ‫أجملها فأق� � ��ول‪ :‬بدأت أقتني هذه‬
‫أعود فأقول إن شكل املجلة‬ ‫املجلة املتمي� � ��زة ألول مرة بدءاً من‬
‫د‪ .‬محمد فتحي فرج ‪ -‬مصر‬ ‫املس� � ��تعاد (تبويباً وحتري� � ��راً) أثار‬ ‫عدد ديسمبر عام ‪ ،1966‬وفي تلك‬

‫العرب والبحث العلمي‬


‫ويض� � ��ع التوصي� � ��ات واالقتراحات‬ ‫واألم� � ��ة بــــحــاج� � ��ة ألس� � ��اليب‬ ‫هل يلقى البح� � ��ث العلمي‬
‫العلمية للتنفيذ‪.‬‬ ‫اقتصادي� � ��ة ب ّن� � ��اءة‪ ،‬م� � ��ع االهتمام‬ ‫تقدي� � ��راً عالياً من املجتمع‬
‫ولذلك نرى ف� � ��ي حركة عالم‬ ‫باملجاالت الرياضي� � ��ة والطبيعية‪،‬‬ ‫العربي ويجد منه استجابة فائقة‪،‬‬
‫اليوم وس� � ��ائل تخطيطي� � ��ة لتوجيه‬ ‫والكـــيــمـــي� � ��اء واألحــياء وبتـطـبـيــق‬ ‫خاص� � ��ة ف� � ��ي العل� � ��وم االقتصادية‬
‫آلي� � ��ات االقتصاد دائماً بش� � ��روط‬ ‫علمي‪ ،‬وقواعد وأسس بنّاءة‪.‬‬ ‫والطبيعية‪ ،‬إلنعاش اإلمناء العربي‪،‬‬
‫التطور والتوجي� � ��ه‪ ،‬ويعد التوجيه‬ ‫وعال� � ��م الي� � ��وم أصب� � ��ح يجيد‬ ‫وبخط� � ��ط طويلة وأخ� � ��رى قصيرة‬
‫العلمي لالقتصاد من أهم العناصر‬ ‫التخطي� � ��ط والتح ّرك مبس� � ��ارات‬ ‫امل� � ��دى؟ وأي خطط ب ّن� � ��اءة بحاجة‬
‫اجلوهرية لتحقيق النجاح املرجو‪،‬‬ ‫البحث العلمي‪ ،‬وعلى أوسع نطاق‪،‬‬ ‫إلى مس� � ��ار علمي ناجح‪ ،‬والبحث‬
‫بنتاج العل� � ��م والتكنولوجيا اللذين‬ ‫ولديه مجالس استش� � ��ارية للبحث‬ ‫العلمي بحاجة إلى جهود مشتركة‬
‫أتاحهم� � ��ا املنحنى اجلدي� � ��د للعلم‬ ‫في العلوم الطبيعية وآفاق التطور‪،‬‬ ‫من علماء األمة‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪204‬‬

‫‪feb 204-209.indd 204‬‬ ‫‪1/7/15 11:01:27 AM‬‬


‫العلوم عند العرب‪.‬‬ ‫وعلينا أن نف� � ��رق بني التقدم‪،‬‬ ‫والبح� � ��ث العلمي م� � ��ع بداية عصر‬
‫وفي عصر اخلليف� � ��ة املأمون‬ ‫وب� �ي��ن الــتـــحــدي� � ��ث‪ ،‬أو الـــتــط� � ��ور‬ ‫النهضة األوربية‪.‬‬
‫أنش� � ��ئ «بيت احلكمة» كأكادميية‬ ‫احلض� � ��اري‪ ،‬وال وس� � ��يلة أم� � ��ام‬ ‫والعل� � ��م والتكنولوجيا ميثالن‬
‫علمية في بغداد‪ ،‬وأحلقت به مكتبة‬ ‫األمة غير العل� � ��م التجريبي‪ ،‬ومن‬ ‫جناح � � �اً لعص� � ��ر التوس� � ��ع‪ ،‬مبعنى‬
‫ومرصد‪ ،‬ومت إنشاء مراصد أخرى‬ ‫ثم املنه� � ��ج العلمي‪ ،‬حت� � ��ى ال نظل‬ ‫التوس� � ��ع ف� � ��ي األم� � ��ل واملعلومات‬
‫ّ‬
‫في بلدان أخرى‪ ،‬وعززت املراصد‬ ‫تابعني لآلخر‪ ،‬ومستهلكني إنتاجه‪،‬‬ ‫واملعرفة العلمية‪.‬‬
‫بأجهزة فلكية‪ ،‬قام نخبة من علماء‬ ‫ومعتمدين عليه في كل شيء‪.‬‬ ‫ول� � ��و تأملنا نظري� � ��ة اجلاذبية‬
‫الع� � ��رب بصناعتها مث� � ��ل‪ :‬علي بن‬ ‫ول� � ��و تأملن� � ��ا صيغ� � ��ة التقدم‬ ‫إلس� � ��حق نيوت� � ��ن‪ ،‬لوجدن� � ��ا أنه� � ��ا‬
‫عباس االسطرالبي‪ ،‬وأبويحيى بن‬ ‫والتحديث ف� � ��ي اليابان‪ ،‬لوجدناها‬ ‫تلته� � ��ا أحدث اإلبداع� � ��ات العلمية‬
‫أبي منص� � ��ور‪ ،‬واهتم العرب أيامها‬ ‫تختلف عن الصيغة األوربية‪ ،‬بل إن‬ ‫في مج� � ��االت الفيزي� � ��اء‪ ،‬والفلك‪،‬‬
‫بصناعة الساعات الرملية واملائية‬ ‫املنظومة األوربية والغربية والتطور‬ ‫والرياضيات‪.‬‬
‫وبرعوا فيها‪ ،‬إذن العرب برعوا في‬ ‫احلضاري في روسيا مركزان على‬ ‫إذن العل� � ��م من� � ��ذ ذلك احلني‬
‫صنع حضارة‪،‬‬ ‫دور املجتمع‪ ،‬وفي الواليات املتحدة‬ ‫أصب� � ��ح املرش� � ��د احلقيق� � ��ي لكل‬
‫واحلضارة اإلسالمية ساهمت‬ ‫األمريكية التركيز على دور الفرد‪.‬‬ ‫مــــج� � ��االت التـــق� � ��دم االجــتـماعية‬
‫في احلفاظ على التراث اإلنساني‪،‬‬ ‫وب� �ي��ن ه� � ��ذا وذاك جن� � ��د أن‬ ‫والفكرية‪ ،‬مثلما جنح جيمس وات‬
‫واحتضانه وصوالً لتحقيق اإلبداع‬ ‫التعليم‪ ،‬والبح� � ��ث العلمي يحددان‬ ‫في اكتشاف اآللة البخارية‪ ،‬وجنح‬
‫العربي‪.‬‬ ‫دور اإلنس� � ��ان ومرك� � ��زه في عصر‬ ‫جاليلي� � ��و للمنظ� � ��ار الفلكي‪ ،‬وجنح‬
‫ولننظ� � ��ر بتأ ّم� � ��ل الس� � ��تيعاب‬ ‫النجاحات العلمية‪.‬‬ ‫كوبرنيك� � ��س في نظريته عن دوران‬
‫الدروس املس� � ��تفادة من جناحات‬ ‫وكذلك التف� � ��وق الياباني قائم‬ ‫األرض حول الش� � ��مس‪ ،‬بل ودوران‬
‫ماضي األمة‪ ،‬والعرب ترجموا علوم‬ ‫على دور العل� � ��م‪ ،‬وحقق لها مركز‬ ‫الكواكب‪.‬‬
‫اليونان‪ ،‬والف� � ��رس‪ ،‬والهند‪ ،‬وكانوا‬ ‫الزعام� � ��ة االقتصادية‪ ،‬ويتضح من‬ ‫وه� � ��ذا بي� � ��ان بأن م� � ��ا يتوصل‬
‫جميعاً وثنيني‪ ،‬فهل اعتراهم خوف‬ ‫ذلك أن التقدم العلمي والتكنولوجيا‬ ‫إليه العلم يت� � ��م بطريقة جتريبية‪،‬‬
‫من اإلحلاد أو ش� � ��ك في قدرتهم‪،‬‬ ‫يتمث� �ل��ان في تواف� � ��ر نظام تعليمي‬ ‫والعل� � ��م الطبيعي يخت� � ��ص بكل ما‬
‫وق� � ��درة عقيدتهم ف� � ��ي التعامل مع‬ ‫يع� � ��رف متطلبات التق� � ��دم ويغرس‬ ‫ه� � ��و جتريب� � ��ي فق� � ��ط‪ ،‬إذن هدف‬
‫علوم الشعوب األخرى‪ ،‬كما نشهد‬ ‫املنهج العلمي لفهم السنن الكونية‪،‬‬ ‫العل� � ��م ه� � ��و معرفة العال� � ��م وفهمه‬
‫مع تداعيات اليوم من بعض الذين‬ ‫لتحقيق اإلبداع واالبتكار‪ ،‬كما ميثل‬ ‫بطريقة منهجية جتريبية‪ ،‬ومن ثم‬
‫يربطون بني العلم واإلحلاد؟‬ ‫البحث العلمي بفروعه املختلفة من‬ ‫السيطرة عليه‪.‬‬
‫وبنقل كتب أفالطون وأرسطو‬ ‫علوم أكادميية وتطبيقات أو علوم‬ ‫إذن كي� � ��ف تنظر األمة العربية‬
‫وغيرهم� � ��ا ل� � ��م تتأث� � ��ر األف� � ��كار‬ ‫تطبيقي� � ��ة وتكنولوجي� � ��ة‪ ،‬الضرورة‬ ‫للبح� � ��ث العلم� � ��ي‪ ،‬وه� � ��ي أحوج ما‬
‫اإلسالمية‪.‬‬ ‫احليوي� � ��ة األول� � ��ى ألي حتديث أو‬ ‫تكون إليه؟ نحن عربياً نفتقد قيمة‬
‫إذن الكـــلـــم� � ��ات العــاطــفـــي� � ��ة‬ ‫تطور حضاري يواكب لغة العصر‪.‬‬ ‫االهتم� � ��ام بالبحث العلمي‪ ،‬بالرغم‬
‫والش� � ��عارات واخلط� � ��ب ال تصنع‬ ‫< وبنظ� � ��رة تأملي� � ��ة للحضارة‬ ‫من أنه الس� � ��بيل لتحقي� � ��ق التقدم‬
‫نهضة‪ ،‬والكفر والالإميان قائمان‬ ‫اإلس� �ل��امية‪ ،‬مب� � ��ا امتلك� � ��ت م� � ��ن‬ ‫احلضاري‪.‬‬
‫منذ زمن نوح‪ ،‬وش� � ��عيب‪ ،‬وصالح‪،‬‬ ‫عط� � ��اءات‪ ،‬جنده� � ��ا انطلق� � ��ت من‬ ‫والبحث العلمي إن أحس� � ��نت‬
‫ولوط عليه� � ��م الس� �ل��ام‪ ،‬والقرآن‬ ‫مج� � ��ال الترجمة لعل� � ��وم الرياضة‬ ‫صياغت� � ��ه عربي � � �اً جدي� � ��ر بتحقيق‬
‫الكرمي ح ّدثنا عن أنواع ش� � ��تى من‬ ‫والفل� � ��ك‪ ،‬وس� � ��ارت الترجمة جنباً‬ ‫واقع جديد له اجتاهاته ومالمحه‬
‫الكفر واإلحلاد والشرك‪.‬‬ ‫إلى جنب م� � ��ع التطبيقات العملية‪،‬‬ ‫املس� � ��تقبلية‪ ،‬والتق� � ��دم ليس له إال‬
‫أي� � ��ن الع� � ��رب م� � ��ن التط� � ��ور‬ ‫والدراسات النظرية‪ ،‬وسرعان ما‬ ‫ركيزة واح� � ��دة‪ ،‬أال وهي العلم من‬
‫احلض� � ��اري؟ والتط� � ��ور ل� � ��ه قيمة‬ ‫ظه� � ��رت روح االبت� � ��كار والتجديد‪،‬‬ ‫دون ش� � ��ك‪ ،‬أما التحديث والتطور‬
‫كبيرة في الش� � ��عور لتشغيل العقل‬ ‫التي كان لها أث� � ��ر بعيد نحو تقدم‬ ‫فهما موضوع آخر‪.‬‬
‫‪205‬‬ ‫عزيزي العربي‬

‫‪feb 204-209.indd 205‬‬ ‫‪1/7/15 11:01:30 AM‬‬


‫عزيزي العربي‬

‫إذن مت� � ��ى تتحقق لغة التفاعل‬ ‫لعال� � ��م أكثر تقدم � � �اً وإنتاج � � �اً‪ ،‬ألن‬ ‫والبصي� � ��رة‪ ،‬والتاري� � ��خ اإلنس� � ��اني‬
‫بني اإلنسان واملادة حتى ال يحدث‬ ‫الطبيعة عملية تفاعل مستمرة بني‬ ‫حافل بكل أل� � ��وان املعرفة‪ ،‬ولذلك‬
‫اجلمود‪ ،‬أو القصور‪ ،‬أو اإلخفاق؟‬ ‫الطبيع� � ��ة واإلنس� � ��ان‪ ،‬ولذلك هناك‬ ‫جن� � ��د أن البح� � ��ث العلم� � ��ي ميثل‬
‫والتس� � ��اؤل اآلن‪ :‬ماذا عن مستقبل‬ ‫علوم اجتماعية تتن� � ��اول ما يحدث‬ ‫الوعاء أو اإلط� � ��ار لتحقيق التنمية‬
‫األمة بالنظ� � ��ر للماضي واحلاضر‬ ‫داخل اإلنسان‪ ،‬وهناك علوم طبيعية‬ ‫املستدمية‪.‬‬
‫وصوالً آلفاق املستقبل؟ فاحلاضر‬ ‫بحاج� � ��ة للبح� � ��ث العلم� � ��ي من أجل‬ ‫وأي مجتمع حينما يس� � ��توعب‬
‫بحاج� � ��ة لالندماج مع املس� � ��تقبل‬ ‫استفادة املجتمع البشري منها‪.‬‬ ‫خصائ� � ��ص البح� � ��ث العلمي يحقق‬
‫وتطلعات� � ��ه بكل صف� � ��ات احليوية‪،‬‬ ‫والتق� � ��دم ال يتش � � � ّكل بامتالك‬ ‫ذات� � ��ه‪ ،‬ويصب� � ��ح في حالة نش� � ��اط‬
‫وحس� � ��ن النية‪ ،‬والغد املس� � ��تقبلي‬ ‫املال فق� � ��ط‪ ،‬إمنا بامتالك األفكار‬ ‫دائمة‪ ،‬والنشاط جهد إنساني في‬
‫بحاجة آلفاق البحث العلمي >‬ ‫والقي� � ��م التي تتيح لإلنس� � ��ان فهم‬ ‫مجال التنمية‪.‬‬
‫محــيــــط� � ��ه‪ ،‬واس � � �تــغالل ق� � ��درات‬ ‫البحث العلمي عنوان مستقبلي‬
‫يحيى السيد النجار ‪ -‬مصر‬ ‫املجتمع‪.‬‬ ‫المت� �ل��اك القوة احملرك� � ��ة للنهوض‬

‫اقرأ‪!...‬‬
‫لغت� � ��ك بعم� � ��اء الصم� � ��ت‪ ،‬بالتهاب‬ ‫يطهر اإلنسان‪ ،‬كل إنسان‪ ،‬من دنس‬ ‫اقرأ‪ ،‬فبفع� � ��ل القراءة أنت‬
‫الفواص� � ��ل‪ ،‬فتهتز كلماته� � ��ا ونقط‬ ‫اجلهل واألمية واالغتراب اللعني‪..‬‬ ‫موجود‪...‬‬
‫حروفه� � ��ا‪ ...‬وتغدو مج� � ��رد قطران‬ ‫اق� � ��رأ وانف� � ��ض عن جس� � ��مك‬ ‫اق� � ��رأ‪ ،‬وناج طائ� � ��ر ارتيابك‪...‬‬
‫أسود انطلى على أوراق الكراسات‬ ‫املفهومي غبار كل هذي السنني‪...‬‬ ‫مهجت� � ��ك‪ ،‬اآلن‪ ،‬بق� � ��درة الق� � ��راءة‬
‫والكتب‪.‬‬ ‫اقرأ‪ ...‬حتى تنجلي لك ممكنات‬ ‫وحده� � ��ا صارت جناح� � ��اه‪ ...‬صفق‬
‫اق� � ��رأ‪ ...‬حت� � ��ى تس� � ��تطيع أن‬ ‫هذا الوجود‪ ...‬فأرض يقينياتك‪ ،‬لو‬ ‫بهم� � ��ا‪ ...‬وال تكترث مب� � ��ا تصادف‬
‫تعان� � ��ق حريت� � ��ك‪ ...‬وتنف� � ��ض عنك‬ ‫تدري‪ ،‬هشة‪ ...‬غادرها بسرعة دون‬ ‫من غرب� � ��ان قلمت أجنح� � ��ة الفكر‪،‬‬
‫غبار العبودي� � ��ة‪ ..‬فبالقراءة وحدها‬ ‫ن� � ��دم‪ ...‬دون التفات إل� � ��ى الوراء‪...‬‬ ‫فس� � ��كنت سوادها واس� � ��تكانت لليل‬
‫تستطيع أن تسترد حريتك من عبث‬ ‫فاملاضي حقل مليء بألغام ستصير‬ ‫س� � ��رمدي يلعق ما تبق� � ��ى من ندى‬
‫اليومي وعبث املبتذل الذي تس� � ��اق‬ ‫جس� � ��دك أشالء إن اس� � ��تكنت عند‬ ‫صباحها الباه� � ��ت‪ ،‬اقرأ‪ ...‬وال تعبأ‬
‫إليه من حيث تدري أو ال تدري‪...‬‬ ‫نقطة من نقطة ‪.‬‬ ‫بنعيقه� � ��ا املخيف ال� � ��ذي يعلن موت‬
‫اقرأ‪ ...‬لكي تك� � ��ون قادراً على‬ ‫اق� � ��رأ‪ ...‬لت� � ��رى‪ ،‬دائم� � ��ا‪ ،‬ك � � �ـ‬ ‫هذا الوجود‪.‬‬
‫أخد معولك لهدم حقائقك اجلوفاء‬ ‫«زرادش� � ��ت»‪ ،‬فع� � ��ل الكينون� � ��ة‪ ،‬من‬ ‫اق� � ��رأ‪ ...‬لك� � ��ي ينتاب� � ��ك جنون‬
‫وأوثانك الصدئة‪ ..‬فبخمول الذهن‬ ‫أعال� � ��ي اجلبال‪ ،‬يس� � ��بق زفراتك‪...‬‬ ‫العارف� �ي��ن بخبايا فراش� � ��ة القلوب‪،‬‬
‫قد تكون أو ال تكون‪ ...‬لكن بالقراءة‬ ‫ميتص رحيقه� � ��ا املر‪ ،‬كي يخرج من‬ ‫فترتاب في نفس� � ��ك‪ ...‬في زفراتك‬
‫تكون‪ ...‬وتكون‪...‬‬ ‫بطنها األلم واالغتراب‪.‬‬ ‫التي جتتاح قمم النفوس وسفوحها‪.‬‬
‫اقرأ ع� � ��ن تاريخك‪ ،‬عن س� � ��ير‬ ‫اق� � ��رأ‪ ...‬ك� � ��ي تص� � ��رخ نحالت‬ ‫اقرأ‪ ...‬حتى حت� � ��س بأنك بال‬
‫األول� �ي��ن واآلخري� � ��ن لتعي� � ��د أمجاد‬ ‫أزه� � ��ارك ف� � ��ي وج� � ��ه قم� � ��ر رمادي‬ ‫م� � ��أوى يحميك من حر يقني مطلق‪،‬‬
‫أجدادك‪.‬‬ ‫بليد‪ ،‬يس� � ��تلذ بالتيهان في صحاري‬ ‫وم� � ��ن قر س� � ��ير األج� � ��داد املجيدة‪،‬‬
‫اقرأ ع� � ��ن أرضك‪ ،‬التي لم تعد‬ ‫جن� � ��واك‪ ...‬فرقصهن نه� � ��ر ماؤه لم‬ ‫فتبدد ه� � ��ذا اخلراب الذي س� � ��كن‬
‫تنبت أزه� � ��ار الطفول� � ��ة‪ ،‬لكي تنفخ‬ ‫يفارق‪ ،‬بعد‪ ،‬التدفق واالنسياب‪.‬‬ ‫دواخلك‪.‬‬
‫فيها روح احملـــبة والتس� � ��امح وتزرع‬ ‫اقرأ‪ ...‬حتى ال تصاب يعسوب‬ ‫اق� � ��رأ‪ ...‬فالق� � ��راءة فعل جميل‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪206‬‬

‫‪feb 204-209.indd 206‬‬ ‫‪1/7/15 11:01:34 AM‬‬


‫اقرأ ليغدو عاملك كهفاً يش� � ��تاق‬ ‫كانت أرضهم‪ ،‬باألمس البعيد‪ ،‬أرض‬ ‫فيها بذور الدهش� � ��ة‪ ،‬حتى تستعيد‬
‫لغاويي الش� � ��عراء‪ ،‬ولوثة احلكماء‪.‬‬ ‫أحالم ومس� � ��رات‪ ،‬تصغ� � ��ى لتغاريد‬ ‫خصوبته� � ��ا وتصب� � ��ح ق� � ��ادرة عل� � ��ى‬
‫فإن كنت عاش� � ��قاً للحكمة‪ ،‬منصتاً‬ ‫الش � � �حــــاريـــــر‪ ،‬واآلن‪ ،‬غدت أرض‬ ‫إجناب جي� � ��ل العط� � ��اء‪ ...‬فال أحد‬
‫لــــه� � ��ا‪ ،‬فـــأن� � ��ا صوفـــيـــاك‪،‬حكيم� � ��ة‬ ‫خراب وسراب‪.‬‬ ‫من أهلك وناس� � ��ك‪ ،‬هن� � ��اك‪ ،‬أصبح‬
‫احلكماء‪ ،‬اعش� � ��قني مثلما عش� � ��ق‬ ‫اقرأ‪ ...‬فقد تكون‪ ،‬أنت‪ ،‬نطفة‬ ‫قادراً‪ ،‬من فرط اخلمول والكس� � ��ل‪،‬‬
‫قيس لياله‪ ...‬وجميل بثيناه‪ ،‬وعنترة‬ ‫بع� � ��ث جديد‪ ،‬أو تكون بلس� � ��ماً لداء‬ ‫على اس� � ��تعادة دهشة األطفال عند‬
‫عباله‪ ...‬وابحــ� � ��ث لك عن بصيص‬ ‫هذا اخلرس الذي أصاب العقول‪.‬‬ ‫رؤيتهم زرقة الس� � ��ماء ونور الشمس‬
‫نور‪ ،‬حت� � ��ى ال تلتهم ظالل كهفك ما‬ ‫اق� � ��رأ‪ ...‬لتبح� � ��ث ف� � ��ي م� � ��رآة‬ ‫وضياء القمر‪.‬‬
‫تبق� � ��ى م� � ��ن زادك‪ ،‬وانتظرني‪ ،‬فأنا‬ ‫كينونتك عن وجوه تتقاطع مع بقايا‬ ‫اقرأ‪ ...‬لكي تس� � ��ابق بقراءتك‬
‫قادمة‪ ،‬م� � ��ن أعالي اجلب� � ��ال ألفك‬ ‫مالمحك‪ ،‬فتصير تلك املرآة عنواناً‬ ‫الرياح والض� � ��وء‪ ،‬نحو غد قد يبدو‬
‫عنك قي� � ��ود ش� � ��هواتك‪ ...‬تأمل في‬ ‫ملعاناة عش� � ��اق احلكمة‪ ،‬أو تطهيراً‬ ‫بعي� � ��داً‪ ...‬لكن� � ��ه‪ ،‬دون ش� � ��ك‪ ،‬غ� � ��د‬
‫وجهي اإلشراقي‪ ،‬فسترى في عيني‬ ‫ملهجتك من صخب ه� � ��ذا الناقوس‬ ‫مرتقب‪ ...‬في مدينة عشاق احلرف‬
‫الش� � ��مس تطرز بخيوطها الذهبية‪،‬‬ ‫املزعج ال� � ��ذي يدق معلن � � �اً اقتراب‬ ‫والكلم� � ��ة‪ ،‬حط الرحال‪ ...‬س� � ��ترى‪،‬‬
‫هذا اخلواء ليصير‪ ،‬من أجلك أيها‬ ‫ساعة املوت والفناء‪.‬‬ ‫هناك‪ ،‬درراً مرمية‪ ،‬أصبحت بفعل‬
‫القارئ احلكيم‪ ،‬بهاء‪> ...‬‬ ‫اق� � ��رأ‪ ...‬لتب� � ��دد ه� � ��ذه الظالل‬ ‫التقادم‪ ،‬متآكلة ومنس� � ��ية‪ ...‬سترى‬
‫املكبلة لي� � ��دك‪ ،‬واملصفدة لقدميك‪،‬‬ ‫قبوراً بال ش� � ��واهد‪ ،‬ألسالف رحلوا‬
‫عبداجلبار الغراز ‪ -‬املغرب‬ ‫والقاذفة بك في قرارها السرمدي‪.‬‬ ‫عنك‪ ،‬بغتة‪ ،‬دون إشارة وداع‪ ...‬فقد‬

‫✁‬ ‫‪E.mail: arabimag@arabimag.net‬‬

‫قسيمة جتديد اشتراك ‪ /‬اشتراك جديد‬

‫االسم الثالثي‬

‫العنوان البريدي‬

‫العنوان اإللكتروني‬

‫(العمل)‬ ‫الهاتف‪( :‬املنزل) ‬

‫الهاتف اجلوال‬

‫‪207‬‬ ‫عزيزي العربي‬

‫‪feb 204-209.indd 207‬‬ ‫‪1/7/15 11:01:38 AM‬‬


‫تصحيح‬
‫اخت���ل��اف لهج������ة البادية عن‬ ‫املق������ال غاي������ة ف������ي املتعة وهو‬ ‫كع������ادة «العربي» تقدم‬
‫لهجة احلاض������رة في احلجاز‪،‬‬ ‫يس������رد فيه استش������هاداته من‬ ‫مادة دس������مة ومحققة‪،‬‬
‫اختالف������اً قد يُع������د جذرياً في‬ ‫األبيات والقصص حول حرف‬ ‫ومواضي������ع ثري������ة ف������ي ش������تى‬
‫بع������ض األحيان فإنه������م جميعاً‬ ‫اجليم‪ ،‬غير أن الكاتب عبدالله‬ ‫مــجــــاالت الــعـلوم اإلنـس������انية‪،‬‬
‫اتفقوا على نطق حرف اجليم‬ ‫خلف خانته املعلومة حني قال‬ ‫وفي الواقــع كان العدد األخير‪،‬‬
‫جيم������اً فصحـــ������ى منـــذ األزل‪،‬‬ ‫إن ح������رف اجليم يُنطق (كيماً)‬ ‫عدد ش������هر ديس������مبر في عام‬
‫فلم نس������مع يوماً أن أحداً من‬ ‫في عدد م������ن األقطار العربية‬ ‫‪ ٢٠١٤‬ثري������اً ويحم������ل الكثي������ر‬
‫أهل احلجاز نطقها «كيماً» كما‬ ‫وذكر من بينها احلجاز‪.‬‬ ‫م������ن املعلومات املهم������ة واآلراء‬
‫تفض������ل األخ الكات������ب عبدالله‬ ‫الواق������ع أن إقلي������م احلجاز‬ ‫املقنعة من الك ّت������اب املميزين‪،‬‬
‫خلف الذي كرر املعلومة مرتني‬ ‫في اململكة العربية الس������عودية‬ ‫إال أن مــــق������االً اس������تـــوقــــفـني‬
‫ف������ي مقال������ه وكــأنه������ا معلومة‬ ‫ينقس������م س������كانه إلى قسمني‪،‬‬ ‫ف������ي اللغة ‪ ‬العربي������ة ‪ ‬كان في‬
‫مؤكدة وليس������ت بحاج������ة إلى‬ ‫قــبـائ������ل وعــوائ������ل‪ ،‬فالقبائ������ل‬ ‫الصفحة ‪ ٢٥‬وهو مقال الكاتب‬
‫دليل!‬ ‫ه������ي بادية احلج������از والعوائل‬ ‫عبدالل������ه خل������ف ح������ول حرف‬
‫أم������ا دلي������ل أن احلجازيني‬ ‫هي حاضرته������ا‪ ،‬وبالرغم من‬ ‫اجلي������م ف������ي اللغة‪ ،‬وق������د كان‬

‫ضع عالمة ✓ أمام املطبوعة املطلوب االشتراك فيها‬


‫(‪ )1‬قيمة االشتراك السنوي للعربي للمشتركني من الوطن العربي‪:‬‬
‫‪ 8‬دنانير أو ما يعادلها بالدوالر األمريكي‬
‫باقي دول العالم ‪ 10‬دنانير أو ما يعادلها بالدوالر األمريكي أو اليورو األوربي‬
‫(‪ )2‬قيمة االشتراك السنوي للعربي الصغير للمشتركني من الوطن العربي‪:‬‬
‫‪ 6‬دنانير أو ما يعادلها بالدوالر األمريكي‬
‫باقي دول العالم ‪ 8‬دنانير أو ما يعادلها بالدوالر األمريكي أو اليورو األوربي‬
‫(‪ )3‬قيمة االشتراك في العربي العلمي من الوطن العربي‪:‬‬
‫‪ 8‬دنانير أو ما يعادلها بالدوالر األمريكي‪.‬‬
‫باقي دول العالم ‪ 10‬دنانير أو ما يعادلها بالدوالر االمريكي أو اليورو األوربي‬
‫(‪ )4‬قيمة االشتراك في كتاب العربي‪ 5 :‬دنانير أو ما يعادلها بالدوالر األمريكي‬
‫باقي دول العالم ‪ 16‬دوال ًرا أمريك ًيا‬
‫توقيع طالب االشتراك‪:‬‬

‫ترسل قيمة االشتراك مبوجب حوالة مصرفية أو شيك بالدينار الكويتي باسم وزارة اإلعالم‬
‫مع القسيمة على العنوان التالي‪:‬‬
‫مجلة العربي ‪ -‬قسم االشتراكات‬
‫دولة الكويت ‪ -‬ص‪.‬ب‪ - 748 :‬الصفاة ‪ -‬الرمز البريدي ‪ - 13008‬بدالة‪ - )00965( 22512086/82/81 :‬فاكس‪)00965( 22512044 :‬‬
‫‪State of Kuwait - P.O. Box: 748 Safat 13008-Tel.: (00965) 22512086/82/81-Fax: (00965) 22512044‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪208‬‬

‫‪feb 204-209.indd 208‬‬ ‫‪1/7/15 11:01:41 AM‬‬


‫احلجازيني ق������ط أن أحداً منا‬ ‫احلرب������ي ومطــــل������ق الـثـبيـت������ي‬ ‫ينـــطـــق������ون اجلي������م فصيح������ة‬
‫ينطقها كيماً‪ ،‬إال على س������بيل‬ ‫فس������يجدهم ينطــقـونـها جيماً‪،‬‬ ‫بشقيهم من القبائل والعوائل‪،‬‬
‫املرح والتن������در ومحاولة تقليد‬ ‫ولو عددنا الكثير من أس������ماء‬ ‫فمن اس������تمع ملطرب������ي اململكة‬
‫اإلخوة في مصر أو في اليمن‬ ‫األعالم م������ن احلجاز في الفن‬ ‫م������ن احلج������از كط���ل��ال مداح‬
‫ليس إال >‬ ‫واألدب والش������عر وحت������ى م������ن‬ ‫ومحمد عــبـــده ‪ ‬فسيجد أنهم‬
‫الشيوخ واملفــــسـرين‪ ،‬فـسـنـجـد‬ ‫ينطق������ون اجلي������م فصحى في‬
‫محمد بن طالب احلربي‪ ‬‬ ‫أن جميعه������م ينطقونه������ا جيماً‬ ‫أغانيه������م‪ ،‬وم������ن تابع ش������عراء‬
‫مكة املكرمة ‪ -‬السعودية‬ ‫فصيح������ة‪ ،‬ول������م نس������مع نحن‬ ‫اململكة م������ن احلجاز‪ ،‬كصياف‬

‫اجتياح‬

‫خطر غبارك‬ ‫اجتاحتْهم عاصفة‬


‫َ‬ ‫تصدوا للرياح‬ ‫كل الذين َّ‬
‫املوغل في صحاري اجلسد‬ ‫خطواتهم عالقة في ساللم ال ّربيع‬
‫أجل فلنفترق‪,‬‬ ‫الصحاري‬ ‫برمال ّ‬‫ِ‬ ‫وعظامهم محنط‬
‫ويذهب أحدنا مع النّهار‬ ‫تكسرت أصواتهم بالهوى‬
‫ّيل‬
‫واآلخر مع الل ِ‬ ‫ولم ينقذْ هم أحد من عذاب الفصول‬
‫أو مثل عصفورين طارا‬ ‫يتكسر عظامك الهش‬ ‫ُ‬ ‫حتى ال‬
‫السعال‬
‫رئتي من أصوات ّ‬ ‫لتهدأَ ّ‬ ‫عليك ْأن تخل َع وجهك‬
‫السماء من أصوات ال ّرعد‬ ‫وتهدأ ّ‬ ‫قبل أن تخطو باجتاهي‬ ‫ألنك لم تغسلْ قدمك َ‬
‫أنا إنسان‬ ‫الصلوات‬ ‫سترجه ّ‬
‫غر َق ْت سفينته باألكاذيب‬ ‫ألن لديك مصباح ًا‬
‫كسا عظامه‬ ‫الم‬ ‫ّ‬
‫وء وضيعني الظ ُ‬ ‫الض ُ‬
‫فرقنا ّ‬
‫الصحاري‪ ...‬عيون ّ‬
‫الشمس‪ ...‬رماد الليل‪...‬‬ ‫من عراء ّ‬ ‫مائدة أمي فارغة من النّسيان‬
‫آخر ال ّربيع‬ ‫يفيض بستار الكذبة‬ ‫ُ‬ ‫وصوتها‬
‫من وطن ضا َع اسمه في ّ‬
‫الشفاه‬ ‫باألمس‬
‫ِ‬ ‫فيها‬ ‫انخدعت‬
‫ُ‬ ‫التي‬
‫سالم عليك أيتها ال ّرياح‬
‫ونيس املنتصر ‪ -‬اليمن‬ ‫وحدي من أدرك مبكر ًا‬

‫ش ��اكر العان ��ي (العراق)‪ ،‬جن ��وى عبداحلميد عثم ��ان زهران‬
‫(اإلس ��كندرية‪/‬مصر)‪ ،‬عب ��ده عبدالل ��ه عق�ل�ان أحم ��د (اليمن)‪،‬‬
‫محم ��د ب ��ن محم ��د احلبي ��ب (تطاوين‪/‬تونس)‪ ،‬الدكت ��ور طارق‬
‫ل‬ ‫ئ‬ ‫رسا‬
‫أحمد محمد عمرو (عمان‪/‬األردن)‪.‬‬
‫وصلت كم‬
‫ش ��كر ًا عل ��ى آرائك ��م ومقترحاتكم‪ ،‬آملني اس ��تمرار تواصلكم‬ ‫نا‬
‫معنا في املستقبل‪.‬‬

‫‪209‬‬ ‫عزيزي العربي‬

‫‪feb 204-209.indd 209‬‬ ‫‪1/7/15 11:01:44 AM‬‬


‫فاطمة حسني *‬ ‫إلى أن نلتقي‬

‫قطرات من بئر الذاكرة‬


‫دون س�� ��ابق نية وال رغبة وال حتى حلم‪ ،‬وجدت نفسي وس�� ��ط مجموعة صغيرة ‪ -‬نسبياً ‪ -‬من الشباب‬
‫ذكوراً وإناثاً اسمها قسم الصحافة ‪ -‬كلية اآلداب جامعة القاهرة ‪ -‬العام الدراسي ‪.1956 - 1955‬‬
‫كانت الدراسة عبارة عن صناعة ألفة ما بني النص والتصرف احلر به ومعه‪ ،‬ومن أجل ذلك كان لقاؤنا‬
‫الصباحي دوماً مع األكادمييني من متخصصي اإلعالم فكراً وتدويناً ما بني التاريخ والثقافة واستشراف املستقبل‬
‫املنظور وغير املنظور إن أمكن‪ ،‬أما العصر فقد خصص للممارس�� ��ة واملمارسني وكان بينهم وحلسن احلظ األخوان‬
‫مصطفى وعلي أمني مؤسسا «أخبار اليوم» التي كانت في ذاك الزمن متثل احلداثة في الصحافة املصرية‪.‬‬
‫يدخ�� ��ل قاع�� ��ة ال�� ��درس مصطف�� ��ى أم��ي��ن ف�� ��ي يوم�� ��ه األول‪ ،‬يلق�� ��ي التحية ث�� ��م يطلق بص�� ��ره عب�� ��ر الش�� ��بابيك واألبواب‬
‫احمليط�� ��ة بن�� ��ا ويق�� ��ول‪« :‬انظ�� ��روا حولك�� ��م‪ ،‬أنت�� ��م محاط�� ��ون مبجموع�� ��ة أو تش�� ��كيلة م�� ��ن أقس�� ��ام الكلي�� ��ة املختلف�� ��ة‬
‫(عربي ‪ -‬إجنليزي ‪ -‬فرنسي ‪ -‬فلسفة ‪ -‬اجتماع ‪ -‬تاريخ)‪ ،‬وعلى مد البصر هناك كليات احلقوق وكذلك التجارة‪ ...‬إلخ»‪.‬‬
‫وأكمل‪« :‬التعليم اجلامعي يستنهض حواس التعلم عندكم وينشطها‪ ،‬لكن الصحافة ال تكتفي باحلواس اخلمس‪ ،‬هي‬
‫مهنة احلواس العش�� ��ر»‪ ،‬ثم أردف‪« :‬بل أكثر‪ ,‬هي ليس�� ��ت مجرد رؤية أو س�� ��ماع ثم نقل‪ ،‬بل هي توقع وتركيز وتنبؤ‪،‬‬
‫والبقية تأتي أتركها لتصوركم الشخصي»‪.‬‬
‫وطوى أوراقه إلى اليوم الثاني وتركنا برؤوس تدور في كل االجتاهات متسائلني‪ :‬ثم ماذا؟‬
‫وفي اليوم التالي دخل الفصل في موعده وأقفل الباب خلفه حتى ال يس�� ��تقبل من يأتي متأخراً‪ ،‬فكان درس� � �اً قاسياً‬
‫ملجموعة ونال رضا آخرين‪ ،‬لكنه بدأ من حيث انتهى باألمس وكأنه ما تركنا دقيقة واحدة‪ ،‬واس�� ��تأنف متماً حديثه‬
‫ال‪ :‬واملتابعة واألمانة في النقل ولكن بضمير حي‪ ،‬ثم ابتسم وقال (مصحصح)‪ ...‬هل تعرفون معنى مصحصح؟‬ ‫قائ ً‬
‫ضحك اجلميع اس�� ��تخفافاً بالسؤال‪ ،‬ونقل األس�� ��تاذ نظره بيننا متفحصاً ثم قال‪ :‬على فكرة «أنا مش مصطفى أنا‬
‫علي»‪ ،‬وضج الفصل ضاحكا ما بني مستغرب وقابل ورافض‪.‬‬
‫ً‬
‫ولكن تبقى امليزة التي جذبتني إلى قسم الصحافة وهي كونه صغيرا‪ ،‬ولم يصل العدد فيه حتى األربعني في جامعة‬
‫أصغر‪ ،‬أعداد طالب املواد األخرى فيها باملئات‪.‬‬
‫ً‬
‫ولهذا السبب كانت عالقتنا بكل أساتذتنا طيبة وسلسة‪ ،‬نظرا للتقارب العمري بيننا وبينهم‪ ...‬يبرز من بينهم واحد‬
‫أش�� ��عرنا بأن�� ��ه والد اجلميع‪ ،‬وهو الدكت�� ��ور عبداللطيف حمزة (رحمه الله) صاحب األجزاء الس�� ��تة من كتاب «أدب‬
‫املقالة»‪.‬‬
‫هذا الرجل ما ناداني باسمي على اإلطالق‪ ،‬دائما كان يقول‪ :‬اتفضلي يا شيخة العرب‪ ...‬أين شيخة العرب؟‬
‫ورجوته أكثر من مرة أن يكف عن ذلك‪ ،‬مش�� ��يرة إليه بأن مس�� ��مى شيخة عندنا ليس كما هو في مصر (حيث يطلق‬
‫على سكان اخليم أو الغجر)‪ ،‬لكنه ال يسمعني‪ ،‬وكنت وزميالتي وزمالئي نحترم شيبته‪.‬‬
‫بعد عام واحد من الدراسة دخل الدكتور الفصل مبتهجاً وقال‪ :‬عندي لكم خبر يعادل ماليني‪ ،‬قال زمالئي‪« :‬شيخة‬
‫العرب» تدفع‪ ،‬وكان الضحك‪.‬‬
‫قال‪ :‬الكويت هذا البلد الصغير حقق احللم الذي كنت أتكلم عنه طوال الس�� ��نوات العش�� ��ر املاضية ألهميته‪ ،‬سوف‬
‫تص�� ��در منها مجلة للعرب جميعاً (اس�� ��مها العربي)‪ ،‬مصداقاً لكونهم أمة واحدة‪ ,‬وامت��ل��أت األجواء بغيوم الفرحة‬
‫واالبتهاج‪ ،‬حتى خاف بعض الزمالء على أستاذنا من حماسته‪ ،‬فأخذ اثنان منهما بيده يجلسانه على مقعده‪ ،‬وكان‬
‫يوماً جتلت فيه جدية احملافظة على تاريخ العرب بتدوينه ومد جس�� ��ور التفاهم والتعامل الثقافي والسياس�� ��ي بني‬
‫املشرق واملغرب لبناء حضارة عربية واحدة بقوة التكامل بالعطاء اإلنساني >‬
‫* إعالمية من الكويت‪.‬‬

‫العدد ‪ - 675‬فبراير ‪2015‬‬ ‫‪210‬‬

‫‪feb 210.indd 210‬‬ ‫‪1/8/15 12:59:47 PM‬‬


‫اآلن في األسواق‬
‫‪99‬‬ ‫‪AL ARABI BOOK‬‬

‫يصدر عن وزارة اإلعالم بدولة الكويت‬

‫‪feb 83.indd 83‬‬ ‫‪2/11/15 1:22:01 PM‬‬


‫الكويت تحتفل بالذكرى السنوية الغالية‬
‫للعيد الوطني وعيد التحرير‬

‫‪26 - 25‬‬
‫فبــرايـــــر‬
‫العدد ‪ 675‬فبراير ‪2015‬‬

‫‪feb 83.indd 83‬‬ ‫‪2/11/15 1:20:54 PM‬‬

You might also like