Professional Documents
Culture Documents
اتباع الهوى مظاهره خطره علاجه
اتباع الهوى مظاهره خطره علاجه
اتباع الهوى مظاهره خطره علاجه
عالجه) 5
تعريف الهوى
اهلوى يف األصل هو ميل النفس إىل ما حتب من اخلري أو الشر.
ويعرفه ابن اجلوزي – رمحه اهلل – بأنه:
«ميل الطبع إىل ما يالئمه ،وهذا امليل قد خلق يف اإلنسان
لضرورة بقائه ،فإنه لوال ميله إىل املطعم ما أكل وإىل املشرب ما
شرب ،وإىل املنكح ما نكح وكذلك كل ما يشتهيه ،فاهلوى
مستجلب له ما يفيد ،كما أن الغضب دافع عنه ما يؤذي ،فال يصلح
ذم اهلوى على اإلطالق ،وإمنا يذم املفرط من ذلك وهو ما يزيد على
جلب املصاحل ودفع املضار وملا كان الغالب من موافق اهلوى أنه ال
يقف منه على حد املنتفع أطلق ذم اهلوى والشهوات لعموم غلبة
الضرر»(.)1
وقال ابن رجب – رمحه اهلل :-
«وقد يطلق اهلوى مبعىن احملبة وامليل مطل ًقا ،فيدخل فيه امليل
إىل احلق وغريه ،ورمبا استعمل مبعىن حمبة احلق خاصة واالنقياد
إليه»(.)2
واستدل – رمحه اهلل – على قوله ببعض اآلثار ،ومنها ما جاء
شاءُ ِم ْن ُه َّن َوتُْؤ ِوي ِإلَْي َ
ك أنه ملا نزل قوله – تعاىل ُ :-ت ْر ِجي َم ْن تَ َ
شاءُ[ األحزاب .]51 :قالت عائشة للنيب « :ما أرى ربك َم ْن تَ َ
1
(?) ذم اهلوى البن اجلوزي ،ص.12
2
(?) جامع العلوم واحلكم.3/227 ،
اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه) 9
[القصص.]50 :
وهلذا كان من خرج عن موجب الكتاب والسنة من العلماء
والعباد جيعل من أهل األهواء ،كما كان السلف يسموهنم أهل
األهواء ،وذلك أن كل من مل يتبع العلم فقد اتبع هواه ،والعلم
بالدين ال يكون إال هبدى اهلل الذي بعث به رسوله»(.)1
ولذا فسيكون مدار احلديث يف هذه الرسالة على أهواء
الشبهات ،أي األهواء اليت قد ال يشعر أصحاهبا أهنم على معصية
خلفائها اللتباس احلق بالباطل فيها كما يأيت إيضاحه إن شاء اهلل
تعاىل.
***
1
(?) انظر جمموع الفتاوى.133-28/132 ،
12 اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه)
1
(?) رواه اإلم ام أمحد يف مس نده ،4/420وق ال اهليثمي :رجاله رج ال الص حيح.
جممع الزوائد .1/188
2
(?) احلديث حس نه احملدث األلب اين ،وذكر أنه رواه أبو الش يخ يف الت وبيخ والط رباين
يف األوسط ،انظر صحيح اجلامع الصغري .1/583
3
(?) احلديث صححه احملدث األلب اين وذكر أنه رواه ابن النجار وأبو نعيم والديلمي.
انظر صحيح اجلامع الصغري.1/247 ،
4
(?) رواه اإلمام أمحد يف الزهد ،ص.192
14 اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه)
() 1
أيضا « :-ال جتالسوا أصحاب
ضاللة» .وقال ابن عباس – ً
اهلوى فإهنم ميرضون القلوب»(.)2
وقال معاوية :املروءة ترك اللذة وعصيان اهلوى (.)3
وقال ميمون بن مهران :إياكم وكل هوى يسمى بغري
اإلسالم(.)4
وعن احلسن أنه كان يقول« :اهتموا أهواءكم ورأيكم على
دين اهلل وانتصحوا كتاب اهلل على أنفسكم»(.)5
وقال أبو قالبة« :ال جتالسوا أهل األهواء وال جتادلوهم فإين ال
آمن أن يغمسوكم يف ضاللتهم ،أو يلبسوا عليكم ما كنتم
تعرفون»(.)6
وقال إبراهيم النخعي« :ال جتالسوا أهل األهواء فإن جمالستهم
تذهب بنور اإلميان من القلوب وتسلب حماسن الوجوه ،وتورث
البغضة يف قلوب املؤمنني»(.)7
وقال يونس بن عبيد« :أوصيكم بثالث فخذوها عين حييت
أو مت :ال متكن مسعك من صاحب هوى ،وال ختل بامرأة ليست
1
(?) رواه ابن بطة يف اإلبانة.1/355 ،
2
(?) رواه ابن بطة يف اإلبانة.1/438 ،
3
(?) رواه ابن اجلوزي يف ذم اهلوى ،ص.22
4
(?) رواه ابن بطة يف اإلبانة.1/354 ،
5
(?) رواه ابن بطة يف اإلبانة.1/389 ،
6
(?) رواه الدارمي ،1/108وابن بطة يف اإلبانة .2/435
7
(?) رواه ابن بطة يف اإلبانة .2/439
اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه) 15
لك مبحرم ولو أن تقرأ عليها القرآن ،وال تدخلن على أمري ولو أن
تعظه»(.)1
وقال الشعيب« :إمنا مسي اهلوى ألنه يهوي بصاحبه»(.)2
وقال مالك بني دينار« :بئس العبد عبد مهه هواه وبطنه»(.)3
وقال بشر« :اعلم أن البالء كله يف هواك ،والشفاء كله يف
خمالفتك إياه»(.)4
ولقد أكثر الشعراء من ذكر اهلوى وأحسن كثري منهم
يف تصويره والتحذير منه :ومما قيل يف ذلك.
إن الهوان هو الهوى قلب اسمه
فإذا هويت لقد لقيت هوانا
وقال آخر:
نون الهوان من الهوى مسروقة
فإذا هويت فقد لقيت هوانا
وقال آخر:
إن املرآة ال تريك عيوب وجهك مع صداها
وكذلك نفسك ال تريك عيوب نفسك مع هواها
1
(?) املرجع السابق.2/442 ،
2
(?) رواه الدارمي يف سننه .1/109
3
(?) رواه ابن اجلوزي يف ذم اهلوى ،ص.23
4
(?) رواه ابن اجلوزي يف ذم اهلوى ،ص.24
16 اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه)
وقال آخر:
وكل امريء يدري مواقع رشده
ولكنه أعمى أسير هواه
يشير عليه الناصحون بجهدهم
فيأبى قبول النصح وهو يراه
هوى نفسه يعميه عن قصد رشده
()1
ويبصر عن فهم عيوب سواه
واملقصود أن اتباع أهواء النفوس بغري هدى من الشرع مما
تضافرت على ذمه النصوص الشرعية واآلثار السلفية واحلكم
الشعرية.
ويف احلقيقة فإن اتباع اإلنسان هلواه دليل على نقص عقله
وضعف إرادته وإميانه وقلة مراقبته لربه.
وهو دليل على فساد القلب وخبث النفس وانطوائها على
ركام من احلسد والبغي وحب للعلو والرياسة وحرص على قضاء
الوطر ،وصاحبه شبيه باألطفال بل باألنعام ،بل هو أضل من األنعام
إذ اهلوى يعمي صاحبه ويصمه عن قبول احلق .قال تعاىلَ :ولََق ْد
وب اَل َي ْف َق ُهو َن بِ َها
س لَ ُه ْم ُقلُ ٌ َذرْأنَا لِج َهنَّم َكثِيرا ِمن ال ِ
ْج ِّن َواِإْل نْ ِ َ َ َ ً َ
ك ِئ ولَ ُهم َأ ْعين اَل ي ْب ِ
ص ُرو َن بِ َها َولَ ُه ْم َآ َذا ٌن اَل يَ ْس َمعُو َن بِ َها ُأولَ َ َ ْ ٌُ ُ
ك ُه ُم الْغَافلُو َن[ األعراف.]179 ، ِ ِئ َكاَأْلْن َع ِام بَ ْل ُه ْم َ
َأض ُّل ُأولَ َ
ومما ينبغي أن يعلم أن اتباع اهلوى ينتج عن أسباب كثرية من
1
(?) ذكر هذه األبيات وغريها ابن اجلوزي يف ذم اهلوى ،ص.35-34
اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه) 17
أمهها أمران:
أحدهما :ضعف اإلميان وما يتبع ذلك من آثار :كاحلسد
والغرور والتطلع إىل الشهرة والتكالب على الشهوة ،وضعف
اإلرادة والتعلق بالدنيا وغري ذلك.
الثاني :جمالسة أهل األهواء والتأثر هبم.
***
18 اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه)
1
(?) االعتصام .2/235
اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه) 19
شعارا يوايل
عداءه ملن خيالف ذلك أو ينصب للناس مقالة أو يرفع ً
ويعادي عليه دون حجة شرعية فهذا من اتباع اهلوى.
قال شيخ اإلسالم – رحمه اهلل :-
شخصا كائنًا من كان فواىل وعادى على موافقته ً «ومن نصب
ين َف َّرقُوا ِد َين ُه ْم َو َكانُوا ِشَي ًعا ِ َّ ِ
يف القول والفعل فهو م َن الذ َ
[األنعام ]159 :وإذا تفقه الرجل وتأدب بطريقة قوم من املؤمنني
مثل اتباع األئمة واملشايخ فليس له أن جيعل قدوته وأصحابه هم
العيار فيوايل من وافقهم ويعادي من خالفهم فينبغي لإلنسان أن
يعود نفسه التفقه الباطن يف قلبه والعمل به فهذا زاجر .وكمائن
القلوب تظهر عند احملن ،وليس ألحد أن يدعو إىل مقالة أو يعتقدها
لكوهنا قول أصحابه وال يناجز عليها بل ألجل أهنا مما أمر اهلل به
ورسوله أو أخرب اهلل به ورسوله .لكون ذلك طاعة اهلل ورسوله»(.)1
وقال – رحمه اهلل – في موطن آخر:
قوما ألجل
قوما ويبغضون ً قوما كثريين حيبون ً
«وهلذا جتد ً
أهواء ال يعرفون معناها وال دليلها ،بل يوالون على إطالقها ،أو
صحيحا عن النيب وسلف
ً يعادون من غري أن تكون منقولة نقالً
األمة ،ومن غري أن يكونوا هم يعقلون معناها ،وال يعرفون الزمها
ومقتضاها»(.)2
1
(?) جمموع الفتاوى.9-20/8 ،
2
(?) جمموع الفتاوى.20/163 ،
20 اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه)
ضا:
وقال شيخ اإلسالم أي ً
«وليس ألحد أن ينتسب إىل شيخ يوايل على متابعته ويعادي
على ذلك ،بل عليه أن يوايل كل من كان من أهل اإلميان ومن
أحدا مبزيد
عرف منه التقوى من مجيع الشيوخ وغريهم وال خيص ً
مواالة إال إذا ظهر له مزيد إميانه وتقواه ،فيقدم من قدم اهلل ورسوله
عليه ويفضل من فضله اهلل ورسوله»(.)1
وقال في موطن آخر:
شخصا يدعو إىل طريقته
ً «وليس ألحد أن ينصب للعامة
كالما يوايل عليه
ويوايل ويعادي عليها غري النيب ،وال ينصب هلم ً
ويعادي غري كالم اهلل ورسوله وما اجتمعت عليه األمة .بل هذا من
كالما يفرقون به بني
شخصا أو ًً فعل أهل البدع الذين ينصبون هلم
األمة يوالون به على ذلك الكالم أو تلك النسبة ويعادون»(.)2
وقال الحافظ ابن رجب رحمه اهلل:
«وملا كثر اختالف الناس يف مسائل الدين ،وكثر تفرقهم ،كثر
بسبب ذلك تباغضهم وتالعنهم ،وكل منهم يظهر أنه يبغض هلل،
معذورا ،بل يكوم
ً معذورا وقد ال يكون
ً وقد يكون يف نفس األمر
كثريا
مقصرا يف البحث عن معرفة ما يبغض عليه ،فإن ً متبعا هلواهً ،
ً
من البغض كذلك إمنا يقع ملخالفة متبوع يظن أنه ال يقول إال
قطعا ،وإن أريد أنه ال يقول إال احلق فيما
احلق ،وهذا الظن خطأ ً
1
(?) جمموع الفتاوى.11/512 ،
2
(?) جمموع الفتاوى.20/164 ،
اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه) 21
خولف فيه ،فهذا الظن قد خيطئ ويصيب ،وقد يكون احلامل على
امليل إليه جمرد اهلوى واأللفة أو العادة ،وكل هذا يقدح يف أن
يكون هذا البغض هلل ،فالواجب على املؤمن أن ينصح لنفسه
ويتحرز يف هذا غاية التحرز ،وما أشكل منه فال يدخل نفسه فيه،
خشية أن يقع فيما هني عنه عن البغض احملرم.
كثريا من أئمة الدين
وهاهنا أمر خفي ينبغي التفطن له وهو أن ً
مأجورا على اجتهاده
ً جمتهدا فيه،
مرجوحا ،ويكون ً ً قد يقول قواًل
موضوعا عنه خطؤه فيه ،وال يكون املنتصر ملقالته تلك مبنزلته
ً فيه،
يف هذه الدرجة ،ألنه قد ال ينتصر هلذا القول إال لكون متبوعه قد
قاله ،حبيث لو أنه قد قاله غريه من أئمة الدين ملا قبله وال انتصر له.
وال واىل من يوافقه ،وال عادى من خالفه ،وال هو مع هذا يظن أنه
إمنا انتصر للحق ملنزلة متبوعه ،وليس كذلك فإن متبوعه إمنا كان
قصده االنتصار للحق وإن أخطأ يف اجتهاده.
وأما هذا التابع فقد شابه انتصاره ملا يظنه احلق إرادة علو
متبوعه ،وظهور كلمته ،وأنه ال ينسب إىل اخلطأ ،وهذه دسيسة
تقدح يف قصد االنتصار للحق فافهم هذا فإنه مهم عظيم واهلل
يهدي من يشاء إىل صراط مستقيم»(.)1
ومن هنا نعلم مدى األهواء اليت حتصل يف نفوس بعض الناس
ممن يتعلقون بأشخاص ويعجبون هبم ويقلدوهنم وتتجمد أفكارهم
وعقوهلم أمام كل ما ينطق به هذا الشخص حىت رمبا حيصل يف
1
(?) جامع العلوم واحلكم .78-3/76
22 اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه)
1
(?) جمموع الفتاوى 483-14/481 ،باختصار.
2
(?) منهاج السنة.5/264 ،
26 اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه)
ويغضب له أنه السنة ،وهو احلق ،وهو الدين ،فإذا قدر أن الذي
معه هو احلق احملض دين اإلسالم ،ومل يكن قصده أن يكون الدين
كله هلل ،وأن تكون كلمة اهلل هي العليا ،بل قصد احلمية لنفسه
وطائفته أو الرياء ،ليعظم هو ويثين عليه ،أو فعل ذلك شجاعة
جماهدا يف سبيل
وطبعا ،أو لغرض من الدنيا ،مل يكن هلل ومل يكن ً ً
اهلل ،فكيف إذا كان الذي يدعى احلق والسنة هو كنظريه معه حق
وباطل ،وسنة وبدعة ،ومع خصمه حق وباطل وسنة وبدعة»(.)1
وقال في موطن آخر:
«وإذا كان الكفر والفسوق والعصيان سبب الشر والعدوان
فقد يذنب الرجل أو الطائفة ،ويسكت آخرون عن األمر والنهي،
إنكارا منهيًا عنه
فيكون ذلك من ذنوهبم ،وينكر عليهم آخرون ً
فيكون ذلك من ذنوهبم ،فيحصل التفرق واالختالف والشر .وهذا
من أعظم الفنت والشرور قدميًا وحديثًا ،إذ اإلنسان ظلوم جهول.
والظلم واجلهل أنواع ،فيكون ظلم األول وجهله من نوع ،وظلم
كل من الثاين والثالث وجهلهما من نوع آخر وآخر»(.)2
ضا« :فالنفس فيها داعي الظلم لغريها بالعلو عليه،
وقال أي ً
واحلسد له والتعدي عليه يف حقه ،وداعي الظلم لنفسها بتناول
الشهوات القبيحة كالزنا وأكل اخلبائث فهي قد تظلم من ال
يظلمها .وتؤثر هذه الشهوات وإن مل تفعلها فإذا رأت نظراءها قد
ظلموا وتناولوا هذه الشهوات صار داعي هذه الشهوات أو الظلم
1
(?) منهاج السنة.5/256 ،
2
(?) جمموع الفتاوى.28/142 ،
30 اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه)
فيها أعظم بكثري ،وقد تصرب ويهيج ذلك هلا من بغض ذلك الغري
وحسده وطلب عقابه وزوال اخلري عنه ما مل يكن فيها قبل ذلك ،
وهلا حجة عند نفسها من جهة العقل والدين بكون ذلك الغري قد
ظلم نفسه واملسلمني ،وأن أمره باملعروف وهنيه عن املنكر واجب
واجلهاد على ذلك من الدين.
والناس هنا ثالثة أقسام:
-قوم ال يقومون إال في أهواء نفوسهم ،فال يرضون إال مبا
يعطونه وال يغضبون إال ملا حيرمونه ،فإذا أعطى أحدهم ما يشتهيه
من الشهوات احلالل واحلرام زال غضبه وحصل رضاه ،وصار األمر
منكرا – ينهى عنه ويعاقب عليه ويذم صاحبه الذي كان عنده ً
ويغضب عليه – مرضيًا عنده ،وصار فاعالً له وشري ًكا فيه،
ومعاونًا عليه ومعاديًا ملن هنى عنه ،وينكر عليه .وهذا غالب يف بين
آدم يرى اإلنسان ويسمع من ذلك ما ال حيصيه ،وسببه أن اإلنسان
ظلوم جهول فلذلك ال يعدل ،بل رمبا كان ظاملا يف احلالني ،يرى
ً
قوما ينكرون على املتويل ظلمه لرعيته واعتداءه عليهم ،فريضىً
أولئك ببعض الشيء فينقلبون أعوانًا له ،وأحسن أحواهلم أن
يسكتوا عن اإلنكار عليه..
-وقوم يقومون ديانة صحيحة :يكونون يف ذلك خملصني هلل
مصلحني فيما عملوه ،ويستقيم هلم ذلك حىت يصربوا على ما
أوذوا...
-وقوم يجتمع فيهم هذا وهذا ،وهم غالب املؤمنني فمن فيه
دين وله شهوة جتتمع يف قلوهبم إرادة الطاعة وإرادة املعصية ورمبا
اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه) 31
1
(?) جمموع الفتاوى 148-28/146 ،باختصار.
2
(?) جمموع الفتاوى.173-28/172 ،
32 اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه)
1
(?) جمموع الفتاوى.11/521 ،
2
(?) جامع العلوم واحلكم.3/226 ،
34 اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه)
بسبب ذلك ما ال ينبغي اتباعه فيه ،وإن كان من أولياء اهلل املتقني.
ومثل هذا إذا وقع يصري فتنة لطائفتني :طائفة تعظمه فتزيد
قادحا
تصويب ذلك الفعل واتباعه عليه ،وطائفة تذمه فتجعل ذلك ً
يف واليته وتقواه ،بل يف بره وكونه من أهل اجلنة بل يف إميانه حىت
خترجه عن اإلميان ،وكال هذين الطرفني فاسد .واخلوارج والروافض
وغريهم من أهل األهواء دخل عليهم الداخل من هذا ،ومن سلك
طريق االعتدال عظم من يستحق التعظيم وأحبه ووااله وأعطى احلق
حقه ،فيُعظم احلق ،ويرحم اخللق ،ويعلم أن الرجل الواحد تكون له
حسنات وسيئات ،فيحمد ويذم ويثاب ويعاقب وحيب من وجه
ويبغض من وجه ،وهذا هو مذهب أهل السنة واجلماعة خالفًا
للخوارج واملعتزلة ومن وافقهم»(.)1
سابعا :ومن مظاهر اتباع الهوى قلة وندرة االستشهاد ً
بنصوص الشرع المحكمة الواضحة ،وإذا استشهد هبا صاحب
اهلوى على ما يريد فال يستشهد هبا على معناها الصحيح بل يضعها
يف غريها موضعها ،فأهل األهواء يتتبعون املتشابه ويدعون احملكم.
ويستشهدون حبوادث األعيان ويدعون القواعد واألصول واألركان
،كحال الذين يف قلوهبم زيغ أو يف قلوهبم مرض .قال تعاىلُ :ه َو
اب ات ه َّن ُُّأم ال ِ
ْكتَ ِ ات ُم ْح َك َم ٌ ُ اب ِم ْنهُ آَيَ ٌ الَّ ِذي َأْنز َل َعلَي َ ِ
ك الْكتَ َ َ ْ
ِ
ين في ُقلُوبِ ِه ْم َزيْ ٌغ َفيَتَّبِعُو َن َما تَ َ ِ َّ شابِ َه ٌ
َوُأ َخ ُر ُمتَ َ
شابَهَ ات فَ ََّأما الذ َ
ال الص حابة – رضي اهلل عنهم – وال غ ريهم ،خالفًا للرافضة الق ائلني بعص مة األئمة
االثين عشر ،وغالة الصوفية يف غلوهم يف شيوخهم.
1
(?) منهاج السنة.544-4/543 ،
36 اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه)
اء تَْأ ِويلِ ِه[ آل عمران .]7 :ويف احلديث ِم ْنهُ ابْتِغَ ِ ِ ِ
اء الْف ْتنَة َوابْتغَ َ
َ
عن عائشة – رضي اهلل عنها – أن رسول اهلل ،تال هذه اآلية مث
قال« :فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى
اهلل فاحذروهم»(.)1
فصاحب اهلوى يتتبع املتشابه( )2ويقرأ نصوص الشرع ال
ومنهجا يقوم به فكره وتصوره ،بل ليأخذ منها
ً ليستفيد منها ح ًقا
ردا على من خالفه ولذا روى ابن بطة ما يرى أن فيه حجة له أو ً
أحدا من أهل األهواء خياصم إال
بسنده عن أيوب قال« :ال أعلم ً
باملتشابه» ومن ذلك ما جاء أن واصل بن عطاء رأس املعتزلة كان
يصلي يف الليل ،ولوح ودواة موضوعان فإذا مرت به آية فيها
حجة على خمالف ،جلس فكتبها مث عاد إىل صالته(.)3
وكما يتبع صاحب اهلوى املتشابه من النصوص الشرعية فإنه
أيضا – املتشابه من كالم العلماء وعباراهتم ويدع ما يبينه
يتبع – ً
من حمكم كالمهم.
وصاحب اهلوى يكره مساع وقراءة النصوص الشرعية املخالفة
ملا هو عليه كما ذكر ذلك غري واحد من السلف عن بعض أهل
البدع ،ومن املعلوم أنه ال يلزم أن يقف كل صاحب هوى من
النصوص الشرعية موقف هؤالء املبتدعة ،فهذا أمر يتفاوت فيه أهل
1
(?) رواه البخ اري يف ص حيحه ،يف كت اب تفسري الق رآن ،س ورة آل عم ران،
.5/166ومسلم يف كتاب العلم رقم .4/2053 ،1
2
(?) اإلبانة البن بطة .2/501 ،
3
(?) انظر املنية واألمل البن املرتضى ،ص.141
اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه) 37
اَأْلم ِر فَ َما ا ْخَتلَ ُفوا ِإاَّل ِم ْن َب ْع ِد َما الْعالَ ِمين * و َآَتيناهم بِّين ٍ ِ
ات م َن ْ َ َ َ َْ ُ ْ َ َ
يما ِ ِ ِ جاء ُهم ال ِْعلْم بغْيا ب ْيَن ُهم ِإ َّن ربَّ َ ِ
ك َي ْقضي َب ْيَن ُه ْم َي ْو َم الْقيَ َامة ف َ ََ ُ ًَُ َ ْ َ
اَأْلم ِر فَاتَّبِ ْع َها ِ ٍ َكانُوا فِ ِيه يَ ْختَلِ ُفو َن * ثُ َّم َج َعلْنَ َ
اك َعلَى َش ِر َيعة م َن ْ
ك ِم َن اللَّ ِه ين اَل َي ْعلَ ُمو َن * ِإَّن ُه ْم لَ ْن ُيغْنُوا َع ْن َ واَل َتتَّبِع َْأهو َّ ِ
اء الذ َ ْ َ َ َ
ِ ِ ِ ِ ِ
ين * َه َذا ض َواللَّهُ َول ُّي ال ُْمتَّق َ ض ُه ْم َْأوليَاءُ َب ْع ٍ َش ْيًئا َوِإ َّن الظَّالم َ
ين َب ْع ُ
َّاس َو ُه ًدى َو َر ْح َمةٌ لَِق ْوٍم يُوقِنُو َن[ اجلاثية.]20-16 : صاِئُر لِلن ِ بَ َ
قال شيخ اإلسالم بعد أن ذكر هذه اآليات األخريات وغريها
«فهذه املواضع من القرآن تبني أن املختلفني ما اختلفوا حىت جاءهم
العلم والبينات ،فاختلفوا للبغي والظلم ،ال ألجل اشتباه احلق
بالباطل عليهم ،وهذا حال أهل االختالف املذموم من أهل األهواء
كلهم ،ال خيتلفون إال من بعد أن يظهر هلم احلق وجييئهم العلم،
فيبغي بعضهم على بعض .)1(»...
وقال الشيخ عبد اهلل الغنيمان حفظه اهلل:
«ومن نظر يف كثري من اخلالفات بني اجلماعات واألفراد سواء
كان ذلك يف مسائل العلم أو يف جمال التوجيه والعمل وجد ظاهرها
يف طلب العدل واإلنصاف ،أو الصواب وترك االحنراف ،وحقيقتها
حب عبادة النفس واتباع اهلوى أو أغراض سيئة دنيئة»(.)2
فهذه التحزبات واالنتسابات اليت يكون عليها مدار ومعقد
الوالء والرباء واليت حيصل بسببها التفرق والشحناء وظهور العداوة
1
(?) منهاج السنة.5/264 ،
2
(?) اهلوى وأثره يف اخلالف ،للشيخ عبد اهلل الغنيمان ،ص.21-20
40 اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه)
مداخله ،وضرب لذلك أمثاالً تصوره وتقربه ومما جاء فيه قوله:
«افرض أنك قرأت آية فالح لك منها موافقة قول إلمامك
وقرأت أخرى فالح لك منها خمالفة قول أخر له ،أيكون نظرك
إليهما سواء ال تبايل أن يتبني منهما بعد التدبر صحة ما الح لك،
أو عدم صحته؟
افرض أنك وقفت على حديثني ال تعرف صحتهما وال
ضعفهما أحدمها يوافق قوالً إلمامك واآلخر خيالفه ،أيكون نظرك
فيهما سواء ،ال تبايل أن يصح سند كل منهما أو يضعف؟
تنازعا يف قضية فاستفتيت
افرض أن رجالً حتبه وأخر تبغضه ً
فيها وال تستحضر حكمها ،وتريد أن تنظر ،أال يكون هواك يف
موافقة الذي حتبه؟
افرض أنك وعاملا حتبه وأخر تكرهه أفىت كل منكم يف قضية
ً
واطلعت على فتويي صاحبيك فرأيتهما صوابًا ،مث بلغك أن عاملا
ً
أخر اعرتض على واحدة من تلك الفتاوى وشدد النكري عليها ،
أتكون حالك واحدة سواء كانت هي فتواك أم فتوى صديقك أم
فتوى مكروهك؟
منكرا وتعذر نفسك يف عدم
افرض أنك تعلم من رجل ً
اإلنكار عليه مث بلغك أن عاملا أنكر عليه وشدد النكري ،أيكون
ً
استحسانك لذلك سواء فيما إذا كان املنكر صديقك أم عدوك،
واملنكر عليه صديقك أم عدوك؟ فتش نفسك جتدك مبتلى مبعصية
أو نقص يف الدين ،وجتد من تبغضه مبتلى مبعصية أو نقص أخر ليس
42 اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه)
يف الشرع بأشد مما أنت مبتلى به؟ فهل جتد استشناعك ما هو عليه
مساويًا الستشناعك ما أنت عليه ،وجتد مقتك نفسك مساويًا
ملقتك إياه؟
وباجلملة فمسالك اهلوى أكثر من أن حتصى وقد جربت نفسي
زاعما أنه ال هوى يل فيلوح يل فيها معىن،
أنين رمبا أنظر يف القضية ً
تقريرا يعجبين ،مث يلوح يل ما خيدش يف ذاك املعىن ،فأجدين
فأقرره ً
أتربم بذلك اخلادش وتنازعين نفسي إىل تكلف اجلواب عنه وغض
النظر عن مناقشة ذاك اجلواب؛ وإمنا هذا ألين ملا قررت ذاك املعىن
تقريرا أعجبين صرت أهوى صحته ،هذا مع أنه مل يعلم بذلك أوالً ً
أحد من الناس ،فكيف إذا كنت قد أذعته يف الناس مث الح يل
اخلدش؟ فكيف لو مل يلح يل اخلدش ولكن رجالً آخر اعرتض علي
به؟ فكيف لو كان املعرتض ممن أكرهه.
والعامل قد يقصر يف االحرتاس من هواه ويسامح نفسه فتميل
إىل الباطل فينصره ،وهو يتوهم أنه مل خيرج من احلق ومل يعاده وهذا
ال يكاد ينجو منه إال املعصوم ،وإمنا يتفاوت العلماء ،فمنهم من
يكثر منه االسرتسال مع هواه ،ويفحش حىت يقطع من ال يعرف
طباع الناس ومقدار تأثري اهلوى بأنه متعمد ،ومنهم من يقل ذلك
منه وخيف ،ومن تتبع كتب املؤلفني الذين مل يسندوا اجتهادهم إىل
رأسا رأى فيها العجب العجاب ،ولكنه ال يتبني لهالكتاب والسنة ً
ذلك إال يف املواضع اليت ال يكون له فيها هوى .أو يكون هواه
خمال ًفا ملا يف تلك الكتب على أنه إذا اسرتسل مع هواه زعم أن
اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه) 43
أو ترك ما ترك ،وإذا سئل عن ذلك حاد عن اجلواب ألنه ليس لديه
جواب مقنع ،وقد جييب ويعلل ملوقفه مبا ال يدل على حقيقة فعله
أو تركه ولذا فإن صاحب اهلوى يكون متص ًفا بلي لسانه وإعراضه
عن قول احلق والشهادة به ،وقد قال تعاىل :فَاَل َتتَّبِعُوا ال َْه َوى َأ ْن
َت ْع ِدلُوا َوِإ ْن َتل ُْووا َْأو ُت ْع ِر ُ
ضوا فَِإ َّن اللَّهَ َكا َن بِ َما َت ْع َملُو َن َخبِ ًيرا
[النساء.]135 :
() 1
سادس عشر :إن صاحب الهوى «ال يرى إال الهوى»
كما قاله ابن اجلوزي – رمحه اهلل – فكما أنه يعمل ما يعمل هلواه،
كثريا من أعمال الناس أو أكثر ما يصدر
فإنه يف الوقت نفسه يفسر ً
منهم باهلوى ،فإذا تكلم شخص نسبه للهوى وإذا سكت فكذلك،
وإذا زاره شخص زعم أنه إمنا زاره لغرض وملصلحة ،وإذا تركه
شخص اهتمه باهلوى وإذا أحسن إليه أحد زعم أنه غري خملص
وهكذا ال يكاد يسلم منه أحد وكما قيل«:كل إناء مبا فيه ينضح»
وما ذاك إال ألنه ينظر مبنظار اهلوى فال يرى إال اهلوى.
***
1
(?) ذم اهلوى ،ص.14
اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه) 47
1
(?) رواه مسلم يف كتاب اإلميان ،برقم .129-1/128 ،231
2
(?) اإلبانة البن بطة.389-1/388 ،
اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه) 49
1
(?) جمموع الفتاوى.28/207 ،
50 اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه)
يقول أبو عثمان النيسابوري ...من أمر السنة على نفسه قوالً
وفعالً نطق باحلكمة ،ومن َّأمر اهلوى على نفسه قوالً وفعالً نطق
بالبدعة؛ ألن اهلل يقولَ :وِإ ْن تُ ِطيعُوهُ َت ْهتَ ُدوا[ النور.)1(]54 :
الحادي عشر :أنه سبب للهموم واألحزان يقول شيخ
اإلسالم رمحه اهلل« :من اتبع هواه يف مثل طلب الرئاسة والعلو،
وتعلقه بالصور اجلميلة ،أو مجعه للمال جيد يف أثناء ذلك من اهلموم
والغموم واألحزان واآلالم وضيق الصدر ما ال يعرب عنه ورمبا ال
يطاوعه قلبه على ترك اهلوى ،وال حيصل له ما يسره ،بل هو يف
دائما :إن كان طالبًا ملا يهواه فهو قبل إدراكه حزين
خوف وحزن ً
متأمل حيث مل حيصل ،فإذا أدركه كان خائ ًفا من زواله وفراقه»(.)2
***
1
(?) جمموع الفتاوى.11/586 ،
2
(?) جمموع الفتاوى .10/651
اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه) 51
1
(?) احلديث سبق خترجيه ص.14
2
(?) جمموع الفتاوى.28/132 ،
52 اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه)
1
(?) ديوان أيب العتاهية ص.20/
2
(?) احلديث سبق خترجيه ،ص.14
54 اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه)
1
(?) انظر هذه احلكم واألقوال يف منهاج اليقني شرح كتاب أدب الدنيا والدين ،ج
،40ديوان أيب العتاهية ،ص.20
2
(?) هبجة اجملالس ،البن عبد الرب.1/808 ،
3
(?) انظر هذه األقوال وغريها يف ذم اهلوى البن اجلوزي ،ص.32-22
اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه) 55
ين أي وإن كانت الشهادة على والديك وقرابتك فال َواَأْلق َْربِ َ
تراعهم فيها بل اشهد باحلق وإن عاد ضررها عليهم ،فإن احلق
حاكم على كل أحد وقولهِ :إ ْن يَ ُك ْن غَنِيًّا َْأو فَِق ًيرا فَاللَّهُ َْأولَى
بِ ِه َما أي ال ترعاه لغناه وال تشفق عليه لفقره ،اهلل يتوالمها ،بل هو
أوىل هبما منك وأعلم مبا فيه صالحهما .وقوله :فَاَل َتتَّبِعُوا ال َْه َوى
َأ ْن َت ْع ِدلُوا أي فال حيملنكم اهلوى والعصبية وبغض الناس لكم
على ترك العدل يف أموركم وشؤونكم ،بل الزموا العدل على أي
حال كان»(.)1
وقال سيد قطب :رحمه اهلل – يف تفسريه هلذه اآلية:
«كونوا قوامني بالقسط – حسبة هلل – ال حلساب أحد من
املشهود هلم أو عليهم .وال ملصلحة فرد أو مجاعة أو أمة وال تعامال
مع املالبسات احمليطة بأي عنصر من عناصر القضية ولكن شهادة
وجتردا من كل ميل ..ومن كل هوى ،ومن هلل ،وتعامال مع اهللً ،
كل مصلحة ،ومن كل اعتبار.
«ولو على أنفسكم أو الوالدين واألقربين».
وهنا جيند املنهج النفس يف وجه ذاهتا ويف وجه عواطفها جتاه
ذاهتا أوالً ،وجتاه الوالدين واألقربني ثانيًا ...وهي حماولة شاقة ...
كثريا من نطقها باللسان .ومن إدراك معناها ومدلوهلا أشق ً
بالعقل ...إن مزاولتها عمليًا شيء آخر غري إدراكها عقليًا ...
ولكن املنهج جيند النفس املؤمنة هلذه التجربة الشاقة.
1
(?) تفسري ابن كثري.2/413 ،
اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه) 57
لريفق هبم فقال :واهلل لقد جئتكم من عند أحب الناس إيل وألنتم
أبغض إيل من عدتكم من القردة واخلنازير ،وال حيملين بغضي إياكم
وحيب إياه على أن ال أعدل عليكم .فقالوا :هبذا قامت السماوات
واألرض (.)1
واملقصود :أن على اإلنسان أن يتحرى الصدق والعدل فيما
يأيت وما يذر وفيما يقول ويفعل ،ال هبوى النفس ورغبات الناس،
وعليه أال تزيله املواقف العابرة عن األصول الثابتة.
ففي مقام الوالء والرباء مثالً عليه أن ينطلق من األصل الثابت
وهو مواالة املؤمنني كما قال تعاىلَ :وال ُْمْؤ ِمنُو َن َوال ُْمْؤ ِمنَ ُ
ات
ض[ التوبة .]71 :فال تزول هذه املواالة خبالف ض ُه ْم َْأولِيَاءُ َب ْع ٍ
َب ْع ُ
عابر أو جرم ظاهر ال خيرج عن دائرة اإلسالم .وإن كانت هذه
املواالة تزيد وتنقص حبسب الطاعة واملعصية.
كما أن على املسلم أن ينطلق من األصل الثابت يف العداء والرباء
من الكافرين .فال يتوالهم ملعروف صنعوه أو عمل أقاموه لقوله تعاىل:
اَل تَ ِج ُد َقْوًما ُيْؤ ِمنُو َن بِاللَِّه َوالَْيْوِم اآْل َِخ ِر ُيَوادُّو َن َم ْن َح َّ
اد اللََّه
َّخ ُذوا ورسولَهُ[ اجملادلة ]22 :وقوله تعاىل :يا َُّأيها الَّ ِذين آَمنُوا اَل َتت ِ
َ َ َ َ ََ ُ
ِ الْيهود والنَّصارى َأولِياء بع ُ ِ
ض َوَم ْن َيَتَولَُّه ْم مْن ُك ْم فَِإنَّهُ
اء َب ْع ٍض ُه ْم َْأولَي ُ َ ُ َ َ َ َ ْ َ َ َْ
ِِ ِ ِ
ين[ املائدة.]51 : مْن ُه ْم ِإ َّن اللََّه اَل َي ْهدي اْلَقْو َم الظَّالم َ
قال شيخ اإلسالم رحمه اهلل:
«وليعلم أن املؤمن جتب مواالته وإن ظلمك واعتدى عليك،
1
(?) رواه البيهقي ،يف دالئل النبوة.4/230 ،
اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه) 59
والكافر جتب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك ،فإن اهلل – سبحانه
– بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله هلل ،فيكون احلب
ألوليائه والبغض ألعدائه ،واإلكرام ألوليائه واإلهانة ألعدائه،
والثواب ألوليائه والعقاب ألعدائه ،وإذا اجتمع يف الرجل الواحد
خري وشر ،وفجور وطاعة ،ومعصية ،وسنة وبدعة ،استحق من
املواالة والثواب بقدر ما فيه من اخلري ،واستحق من املعاداة والعقاب
حبسب ما فيه من الشر ،فيجتمع له من هذا وهذا ،كاللص الفقري
تقطع يده لسرقته ،ويعطى من بيت املال ما يكفيه حلاجته وهذا هو
األصل الذي اتفق عليه أهل السنة واجلماعة .وخالفهم اخلوارج
واملعتزلة ومن وافقهم»(.)1
وبعد هذا فإنه حيق لإلنسان أن يعجب من أناس ال يستطيعون
– عمليًا وواقعيًا – أن يوالوا الشخص من وجه ويعادوه من وجه
آخر بل ال يعرفون إال املواالة مجلة أو املعاداة مجلة ،بل رمبا يعادون
بعض املسلمني كعدائهم للكافرين.
وليس معىن هذا الكالم ترك اإلنكار على املبطلني وال الرضا
بعمل املفسدين والعاصني وال السكوت عن التحذير من ضالل
املنحرفني ،بل يواجه الزائغون بالطرق املشروعة من اهلجر واإلنكار
أو التأليف حسب ما تقتضيه املصلحة مع كره أعماهلم وقلة احلب
هلم وبقاء أصل املواالة اإلميانية هلم ما داموا يف دائرة اإلسالم.
وعلى كل حال فامليزان الدقيق يف هذه املسألة إمنا حيصل بالعلم
1
(?) جمموع الفتاوى.28/207 ،
60 اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه)
1
(?) ذم اهلوى ،ص.14
2
(?) البيت ان يف دي وان أيب العتاهي ة ،ص ،27-26ومها من قص يدة واح دة وليسا
متعاقبني.
62 اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه)
1
(?) رواه النسائي يف كتاب السهو ،باب الدعاء بعد الذكر ،3/55وصححه األلباين
كما يف صحيح اجلامع الصغري .1/279
2
(?) رواه مسلم يف كتاب الذكر والدعاء ،برقم .4/2090 ،78
3
(?) رواه الرتمذي وصححه األلباين كما يف صحيح سنن الرتمذي.3/183 ،
اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه) 65
الخاتمة
احلمد هلل وبعد ،فقد تبني فيما سبق أن اتباع اهلوى خطري
جدا،وأرى أنه ال زال حباجة إىل كتابة أو كتابات دقيقة وعميقة
ً
لتشخيصه والتذكري خبطورته والتواصي باجتنابه واحلذر منه ،ألن
كثريا ما
الفنت كثرية ،واألهواء جاحمة ،والنفوس ضعيفة ،وهي ً
تنساق مع األهواء من حيث تشعر أو ال تشعر.
فالواجب على كل مسلم التنبه لذلك وأن يكون له جهد يف
مقاومته عن نفسه وعن غريه قدر ما يستطيع بالعلم والعدل
واإلخالص يف ذلك كله.
ونسأل اهلل تعاىل أن يوفق املسلمني ملا حيبه ويرضاه وأن يسلك
هبم صراطه املستقيم وجينبهم مضالت اهلوى والفنت وأن يهديهم
ويسددهم يف أقواهلم وأفعاهلم وتوجهاهتم ،وأن يؤلف بني قلوهبم
وأن يريهم احلق ح ًقا ويرزقهم اتباعه ،والباطل باطالً ويرزقهم
اجتنابه ،وأن يوحد صفوف خاصتهم وعامتهم حتت راية السنة
واتباع منهج سلف األمة ،إنه ويل ذلك والقادر عليه ،وصلى اهلل
على نبينا حممد وعلى آله وصحبه وسلم.
***
66 اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه)
فهرس المراجع
-اإلبانة البن بطة ،الناشر دار الراية ،الطبعة األوىل 1409هـ.
-االعتصام ،لإلمام أيب إسحاق إبراهيم الشاطيب ،املكتبة
التجارية الكربى مبصر.
-البداية والنهاية ،إلمساعيل بن كثري ،الطبعة األوىل 1966م،
مكتبة املعارف ،بريوت.
-هبجة اجملالس وأنس اجملالس ،أليب عمر يوسف بن عبد الرب،
حتقيق حممد اخلويل ،دار الكتاب العريب ،بريوت.
-تفسري القرآن العظيم ،إلمساعيل بن كثري ،الطبعة الثانية،
1389هـ ،دار الفكر.
-جامع العلوم واحلكم ،للحافظ عبد الرمحن بن رجب،
الناشر املكتبة السعيدية بالرياض.
-اجلامع ألحكام القرآن للقرطيب ،الناشر :دار الكتب العريب
1387هـ.
-دالئل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة ،أليب بكر أمحد
البيهقي ،حتقيق الدكتور عبد املعطي قلعجي ،الناشر دار الكتب
العلمية ،بريوت ،الطبعة األوىل 1405هـ.
-ديوان أيب العتاهية :دار صادر للطباعة والنشر ،بريوت
1384هـ.
اتباع الهـوى ( ..مظاهره .خطره .عالجه) 67
فهرس الموضوعات
مقدمة 5......................................................
تعريف اهلوى 8................................................
ذم اتباع اهلوى 12.............................................
مظاهر اتباع اهلوى 18.........................................
خطر اتباع اهلوى وآثاره السيئة 47..............................
عالج اتباع اهلوى 51..........................................
اخلامتة 65.....................................................
فهرس املراجع 66..............................................
فهرس املوضوعات 69.........................................
***