اتباع الهوى مظاهره خطره علاجه

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 66

‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .

‬عالجه)‬ ‫‪5‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫مقدمة‬
‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ باهلل‬
‫من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهد اهلل فال مضل له‬
‫ومن يضلل فال هادي له‪.‬‬
‫حممدا‬
‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪ ،‬وأشهد أن ً‬
‫عبده ورسوله‪.‬‬
‫ين آ ََمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َح َّق ُت َقاتِِه َواَل تَ ُموتُ َّن ِإاَّل‬ ‫َّ ِ‬
‫‪‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫َوَأْنتُ ْم ُم ْسلِ ُمو َن‪[ ‬آل عمران‪.]102 :‬‬
‫اح َد ٍة‬‫سوِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّاس َّات ُقوا َربَّ ُك ُم الذي َخلَ َق ُك ْم م ْن َن ْف ٍ َ‬ ‫‪‬يَا َُّأي َها الن ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫و َخلَ َق ِم ْنها َزوجها وب َّ ِ‬
‫اء َو َّات ُقوا اللَّهَ‬ ‫سً‬ ‫ث م ْن ُه َما ِر َجااًل َكث ًيرا َون َ‬ ‫َ ْ ََ ََ‬ ‫َ‬
‫ام ِإ َّن اللَّهَ َكا َن َعلَْي ُك ْم َرقِيبًا‪‬‬ ‫ِ‬
‫اءلُو َن بِه َو ْ‬
‫اَأْلر َح َ‬ ‫سَ‬ ‫الذي تَ َ‬
‫َّ ِ‬
‫[النساء‪.]1 :‬‬
‫صلِ ْح‬ ‫ِ‬
‫ين آ ََمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َوقُولُوا َق ْواًل َسدي ًدا * يُ ْ‬
‫َّ ِ‬
‫‪‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫لَ ُك ْم َأ ْع َمالَ ُك ْم َو َي ْغ ِف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم َو َم ْن يُ ِط ِع اللَّهَ َو َر ُسولَهُ َف َق ْد‬
‫يما‪[ ‬األحزاب‪.]71 ،70 :‬‬ ‫ِ‬
‫فَ َاز َف ْو ًزا َعظ ً‬
‫أما بعد‬
‫فإن من أعظم اآلفات اليت قد يصاب هبا املسلم اتباع اهلوى‪.‬‬
‫وإن من يقلب طرفه يف أحوال الناس ‪ ،‬ويصغى مسعه يف أقواهلم‬
‫يرى ويسمع من تلك األهواء اليت تتجارى هبم عجبًا‪.‬‬
‫‪6‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫أمورا مث يذموهنا ويعيبون أشياءً مث‬


‫أناسا ميدحون ً‬
‫فريى ً‬
‫يفعلوهنا‪ ،‬وقد يأخذون على شخص يف مقام املسؤولية بعض‬
‫تصرفاته دون تأمل أو نظر يف مبناها الشرعي وإذا توىل أحدهم هذه‬
‫املسؤولية عمل ما كان يعيب به أخاه وأكثر‪.‬‬
‫أفكارا ألهنا صادرة‬
‫أناسا يتقبلون أقواالً وأفعاالً ويتبنون ً‬
‫ويرى ً‬
‫عن فالن من الناس ولو عملها غريه مل حتظ منهم بقبول بل رمبا‬
‫تقابل برد ونفور‪.‬‬
‫أمورا ظاهرة العيب‪،‬‬
‫ويعجب اإلنسان من أشخاص يعملون ً‬
‫واضحة اخلطأ ومع ذلك يستميتون يف الدفاع عنها وبيان صواهبا‪،‬‬
‫ويذكرون مسوغات لفعلها يضحك منها عامة الناس فضالً عن‬
‫خواصهم‪.‬‬
‫وغري ذلك كثري كما سيأيت ذكره إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وما ذاك إال ألن صاحب اهلوى ال يرى إال اهلوى‪ ،‬فإذا تكلم‬
‫فبهوى‪ ،‬وإذا صمت فلهوى‪ ،‬وإذا فعل فلهوى‪ ،‬وإذا ترك فلهوى‪،‬‬
‫وألنه يعيش يف حميط هواه الذي أضله وأعماه وأصمه ‪ ،‬والذي‬
‫أسره وقيده‪ ،‬فإن اهلوى يأسر صاحبه كما قال شيخ اإلسالم –‬
‫رمحه اهلل ‪« -‬احملبوس من حبس قلبه عن ربه‪ ،‬واملأسور من أسره‬
‫هواه»(‪.)1‬‬
‫وخلطورة هذا املوضوع وانتشاره يف الناس على اختالف‬
‫طبقاهتم‪ ،‬وتنوع مواردهم‪ ،‬وتباين مستوياهتم أحببت أن أسهم يف‬
‫بيانه والتحذير منه‪ ،‬وذكر شيء من عالجه؛ لعلي أفيد منه نفسي‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) ذيل بقات احلنابلة‪.)2/402( ،‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪7‬‬

‫دافعا ملزيد من الكتابة‬‫ولعل غريي جيد فيه ما يفيد وينفع وليكون ً‬


‫فيه من أويل العلم والعدل كتابة أقوم وأوسع‪ ،‬وما أبرئ نفسي من‬
‫النقص واخللل فإن هذا من مسة البشر‪ ،‬وصدق اهلل إذ يقول‪َ  :‬ولَ ْو‬
‫َكا َن ِم ْن ِع ْن ِد غَْي ِر اللَّ ِه لََو َج ُدوا فِ ِيه ا ْختِاَل فًا َكثِ ًيرا‪[ ‬النساء‪.]82 :‬‬
‫وأسأل اهلل تعاىل العافية واحلفظ من اهلوى والزيغ والزلل‪ .‬هذا‬
‫وسيالحظ القارئ الكرمي أين أكثرت من ذكر كالم شيخ اإلسالم‬
‫ابن تيمية‪ ،‬وأطلت النقل عنه وما ذاك إال ألين وجدت له يف ذلك‬
‫كالما رصينًا قوميًا‪ ،‬فأثرت االكتفاء به عن غريه يف كثري من‬ ‫ً‬
‫األحيان‪.‬‬
‫وإين ألتمس من كل ناصح يطلع على هذه الرسالة وجيد فيها‬
‫نقصا – وال بد أن يوجد – أن ينبهين عليه‪ ،‬ويرشدين إىل‬ ‫خطأ أو ً‬
‫شاكرا له صنيعه‪ ،‬وداعيًا له بالتوفيق والسداد‪.‬‬
‫الصواب‪ً ،‬‬
‫وأخريا فإين أشكر كل من اطلع على هذه الرسالة من املشايخ‬
‫ً‬
‫الفضالء على ما أبدوه وأضافوه وأرشدوا إليه من ملحوظات قيمة‪،‬‬
‫داعيًا اهلل هلم أن يأجرهم ويثيبهم ويبارك يف جهودهم‪.‬‬
‫وأسأل اهلل تعاىل أن جينب اجلميع مضالت اهلوى يف الشؤون‬
‫كلها‪ ،‬وأن يرزقنا اإلخالص يف القول والعمل والسر والعلن‪ ،‬وأن‬
‫يهدينا ويسددنا فيما نفعل وما نذر‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا حممد‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫‪8‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫تعريف الهوى‬
‫اهلوى يف األصل هو ميل النفس إىل ما حتب من اخلري أو الشر‪.‬‬
‫ويعرفه ابن اجلوزي – رمحه اهلل – بأنه‪:‬‬
‫«ميل الطبع إىل ما يالئمه‪ ،‬وهذا امليل قد خلق يف اإلنسان‬
‫لضرورة بقائه‪ ،‬فإنه لوال ميله إىل املطعم ما أكل وإىل املشرب ما‬
‫شرب‪ ،‬وإىل املنكح ما نكح وكذلك كل ما يشتهيه‪ ،‬فاهلوى‬
‫مستجلب له ما يفيد‪ ،‬كما أن الغضب دافع عنه ما يؤذي‪ ،‬فال يصلح‬
‫ذم اهلوى على اإلطالق‪ ،‬وإمنا يذم املفرط من ذلك وهو ما يزيد على‬
‫جلب املصاحل ودفع املضار وملا كان الغالب من موافق اهلوى أنه ال‬
‫يقف منه على حد املنتفع أطلق ذم اهلوى والشهوات لعموم غلبة‬
‫الضرر»(‪.)1‬‬
‫وقال ابن رجب – رمحه اهلل ‪:-‬‬
‫«وقد يطلق اهلوى مبعىن احملبة وامليل مطل ًقا‪ ،‬فيدخل فيه امليل‬
‫إىل احلق وغريه‪ ،‬ورمبا استعمل مبعىن حمبة احلق خاصة واالنقياد‬
‫إليه»(‪.)2‬‬
‫واستدل – رمحه اهلل – على قوله ببعض اآلثار‪ ،‬ومنها ما جاء‬
‫شاءُ ِم ْن ُه َّن َوتُْؤ ِوي ِإلَْي َ‬
‫ك‬ ‫أنه ملا نزل قوله – تعاىل ‪ُ  :-‬ت ْر ِجي َم ْن تَ َ‬
‫شاءُ‪[ ‬األحزاب‪ .]51 :‬قالت عائشة للنيب ‪« :‬ما أرى ربك‬ ‫َم ْن تَ َ‬

‫‪1‬‬
‫(?) ذم اهلوى البن اجلوزي‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) جامع العلوم واحلكم‪.3/227 ،‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪9‬‬

‫إال يسارع يف هواك»(‪.)1‬‬


‫وميكن أن يستشهد للهوى املمدوح مبا روي يف احلديث أنه ‪،‬‬
‫تبعا لما جئت به»(‪.)2‬‬ ‫قال‪« :‬ال يؤمن أحدكم حتى يكون هواه ً‬
‫تابعا لسنة الرسول ‪،‬‬
‫ففي احلديث داللة على أن اهلوى قد يكون ً‬
‫ممدوحا ومثنيًا عليه‬
‫ً‬ ‫ونابعا منها فيكون صاحبه‬
‫مائالً إليها حمبًا هلا ً‬
‫باإلميان‪.‬‬
‫إذن فاهلوى يف األصل ميل النفس إىل ما هتواه‪ ،‬فإن مالت إىل‬
‫ما خيالف الشرع فهو اهلوى املذموم‪ ،‬وإن مالت إىل ما يوافق‬
‫الشرع فهو املمدوح‪ ،‬وإذا ذكر اهلوى مطل ًقا أو ذكر ذمه فإمنا يراد‬
‫به اهلوى املذموم ألنه الغالب واهلل أعلم‪.‬‬
‫واتباع اهلوى املذموم قد يكون يف أمور الدين وقد يكون يف‬
‫شهوات الدنيا أو بعبارة أخرى قد يكون يف الشبهات وقد يكون‬
‫يف الشهوات‪ ،‬وقد يكون يف أمر مشرتك بينهما‪.‬‬
‫وهوى الشبهة قد يوصل صاحبه إىل حد االبتداع يف الدين‬
‫وهو املراد يف عامة كالم السلف حينما يتحدثون عن أهل األهواء‪،‬‬
‫فإمنا يريدون بذلك أهل البدع‪.‬‬
‫وأما هوى الشهوة فقد يكون يف األمور املباحة كاألكل‬
‫والشرب والنكاح وامللبس وقد يكون يف األمور احملرمة كالزنا‬
‫‪1‬‬
‫(?) رواه البخاري‪ ،‬يف كتاب التفسري‪ ،‬سورة األحزاب‪.6/24 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) رواه ابن أيب عاصم يف الس نة ‪ ،1/12‬ب رقم ‪ ،15‬وابن بطة يف اإلبانة ‪،1/388‬‬
‫وغريمها‪ .‬واحلديث ض عفه احلافظ ابن رجب يف ج امع العل وم واحلكم ‪،3/220‬‬
‫واأللباين يف خترجيه لكتاب السنة البن ايب عاصم ‪.1/12‬‬
‫‪10‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫فاجرا وفاس ًقا وعاصيًا (‪.)1‬‬


‫واخلمر ومرتكب هذه احملرمات يسمى ً‬
‫قال ابن رجب – رمحه اهلل ‪:-‬‬
‫«وكذلك البدع إمنا تنشأ من تقدمي اهلوى على الشرع وهلذا‬
‫يسمى أهلها أهل األهواء‪.‬‬
‫وكذلك املعاصي إمنا تقع من تقدمي اهلوى على حمبة اهلل‬
‫ورسوله وحمبة ما حيبه»(‪.)2‬‬
‫وقال الشاطيب – رمحه اهلل ‪« :-‬ولذلك مسي أهل البدع أهل‬
‫األهواء‪ ،‬ألهنم اتبعوا أهواءهم فلم يأخذوا األدلة الشرعية مأخذ‬
‫االفتقار إليها‪ ،‬والتعويل عليها‪ ،‬حىت يصدروا عنها‪ ،‬بل قدموا‬
‫منظورا‬
‫ً‬ ‫أهواءهم‪ ،‬واعتمدوا على آرائهم‪ ،‬مث جعلوا األدلة الشرعية‬
‫فيها من وراء ذلك»(‪.)3‬‬
‫ومما ينبغي أن يعلم أن أهواء الشبهات أعظم وأخطر من أهواء‬
‫الشهوات‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية – رمحه اهلل ‪:-‬‬
‫«واتباع األهواء يف الديانات أعظم من اتباع األهواء يف‬
‫الشهوات فإن األول حال الذين كفروا من أهل الكتاب واملشركني‬
‫كما قال تعاىل‪ :‬فَِإ ْن لَ ْم يَ ْستَ ِجيبُوا لَ َ‬
‫ك فَا ْعلَ ْم َأنَّ َما َيتَّبِعُو َن‬
‫َأض ُّل ِم َّم َن َّاتبَ َع َه َواهُ بِغَْي ِر ُه ًدى ِم َن اللَّ ِه‪‬‬
‫اء ُه ْم َو َم ْن َ‬
‫َْأه َو َ‬
‫‪1‬‬
‫(?) انظر جمموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪.144-28/143‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) جامع العلوم واحلكم‪.3/226 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) االعتصام ‪.2/176‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪11‬‬

‫[القصص‪.]50 :‬‬
‫وهلذا كان من خرج عن موجب الكتاب والسنة من العلماء‬
‫والعباد جيعل من أهل األهواء‪ ،‬كما كان السلف يسموهنم أهل‬
‫األهواء‪ ،‬وذلك أن كل من مل يتبع العلم فقد اتبع هواه ‪ ،‬والعلم‬
‫بالدين ال يكون إال هبدى اهلل الذي بعث به رسوله»(‪.)1‬‬
‫ولذا فسيكون مدار احلديث يف هذه الرسالة على أهواء‬
‫الشبهات‪ ،‬أي األهواء اليت قد ال يشعر أصحاهبا أهنم على معصية‬
‫خلفائها اللتباس احلق بالباطل فيها كما يأيت إيضاحه إن شاء اهلل‬
‫تعاىل‪.‬‬

‫***‬

‫‪1‬‬
‫(?) انظر جمموع الفتاوى‪.133-28/132 ،‬‬
‫‪12‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫ذم اتباع الهوى‬


‫لقد تظافرت النصوص الشرعية واآلثار السلفية يف ذم األهواء‬
‫املضلة والتحذير من اتباعها‪.‬‬
‫ومن ذلك ما خاطب اهلل تعاىل به نبيه داود عليه السالم بقوله‪:‬‬
‫ود ِإنَّا جعلْنَ َ ِ ِ‬
‫َّاس بِال َ‬
‫ْح ِّق‬ ‫اح ُك ْم َب ْي َن الن ِ‬ ‫ض فَ ْ‬ ‫اَأْلر ِ‬
‫اك َخلي َفةً في ْ‬ ‫‪‬يَا َد ُاو ُ َ َ‬
‫يل اللَّ ِه‪[ ‬ص‪ .]26 :‬وقال يف‬ ‫ك َع ْن َسبِ ِ‬ ‫واَل َتتَّبِ ِع ال َْهوى َفي ِ‬
‫ضلَّ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫اَأْلم ِر فَاتَّبِ ْع َها َواَل‬ ‫ٍِ‬
‫اك َعلَى َش ِر َيعة م َن ْ‬ ‫حق نبيه حممد ‪: ‬ثُ َّم َج َعلْنَ َ‬
‫ت‬‫ين اَل َي ْعلَ ُمو َن‪[ ‬اجلاثية‪ ]18 :‬وقال‪َ  :‬ولَِئ ِن َّاتَب ْع َ‬ ‫َتتَّبِع َْأهو َّ ِ‬
‫اء الذ َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء َك م َن ال ِْعل ِْم ِإنَّ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ك ِإذًا لَم َن الظَّالم َ‬
‫ين‪‬‬ ‫اء ُه ْم م ْن َب ْعد َما َج َ‬ ‫َْأه َو َ‬
‫ْت ِإذًا‬ ‫ِ‬
‫ضلَل ُ‬‫اء ُك ْم قَ ْد َ‬ ‫[البقرة‪ .]145 :‬وقال تعاىل‪ :‬قُ ْل اَل َأتَّب ُع َْأه َو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‪[ ‬األنعام‪ .]56 :‬وقال تعاىل خماطبًا عباده‬ ‫َو َما َأنَا م َن ال ُْم ْهتَد َ‬
‫وحمذرا هلم من اتباع اهلوى‪ :‬فَاَل َتتَّبِعُوا ال َْه َوى َأ ْن َت ْع ِدلُوا‬ ‫املؤمنني ً‬
‫‪[ ‬النساء‪.]135 :‬‬
‫وأخربنا تعاىل بأنه ال أحد أضل ممن يتبع هواه بغري هدى وال‬
‫ض ُّل ِم َّم َن َّاتبَ َع َه َواهُ بِغَْي ِر ُه ًدى‬
‫علم كما قال – تعاىل ‪َ  -‬و َم ْن َأ َ‬
‫ضلُّو َن‬‫ِمن اللَّ ِه‪[ ‬القصص‪ .]50 :‬وقال تعاىل‪ :‬وِإ َّن َكثِيرا لَي ِ‬
‫ً ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫بِ َْأه َواِئ ِه ْم بِغَْي ِر ِعل ٍْم‪[ ‬األنعام‪ .]119 :‬واآليات يف ذم األهواء‬
‫جدا‪.‬‬‫الباطلة والتحذير من اتباعها كثرية ً‬
‫وأما األحاديث فمن ذلك ما رواه اإلمام أمحد عن أيب برزة عن‬
‫النيب ‪ ‬قال‪« :‬إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪13‬‬

‫وفروجكم ومضالت الهوى»(‪.)1‬‬


‫وأخربنا نبينا ‪ ‬أن اتباع اهلوى من املهلكات فقال‪« :‬ثالث‬
‫منجيات‪ :‬خشية اهلل تعالى في السر والعالنية‪ ،‬والعدل في الرضا‬
‫والغضب‪ ،‬والقصد في الفقر والغنى‪ .‬وثالث مهلكات‪ :‬هوى‬
‫متبع‪ ،‬وشح مطاع‪ ،‬وإعجاب المرء بنفسه»(‪ )2‬وخلطورة اتباع‬
‫اهلوى وشدة جماهدته على النفس فقد جعل رسول اهلل ‪ ‬جماهدة‬
‫الرجل هلواه أفضل اجلهاد فقال‪« :‬أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل‬
‫نفسه وهواه»(‪.)3‬‬
‫ولقد حذر السلف – رمحهم اهلل – من اهلوى واتباعه‪ ،‬ورهبوا‬
‫من جمالسة أهله وأصحابه‪ ،‬ومن ذلك ما ذكر عن علي بن أيب‬
‫طالب – رضي اهلل عنه – قال‪« :‬إن أخوف ما أخاف عليكم‬
‫اثنتان‪ :‬طول األمل واتباع اهلوى‪ ،‬فأما طول األمل فينسي اآلخرة‪،‬‬
‫وأما اتباع اهلوى فيصد عن احلق»(‪.)4‬‬
‫وملا قال رجل البن عباس – رضي اهلل عنهما ‪« :-‬احلمد هلل‬
‫الذي جعل هوانا على هواكم» قال ابن عباس‪« :‬اهلوى كله‬

‫‪1‬‬
‫(?) رواه اإلم ام أمحد يف مس نده ‪ ،4/420‬وق ال اهليثمي ‪ :‬رجاله رج ال الص حيح‪.‬‬
‫جممع الزوائد ‪.1/188‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) احلديث حس نه احملدث األلب اين ‪ ،‬وذكر أنه رواه أبو الش يخ يف الت وبيخ والط رباين‬
‫يف األوسط‪ ،‬انظر صحيح اجلامع الصغري ‪.1/583‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) احلديث صححه احملدث األلب اين وذكر أنه رواه ابن النجار وأبو نعيم والديلمي‪.‬‬
‫انظر صحيح اجلامع الصغري‪.1/247 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) رواه اإلمام أمحد يف الزهد‪ ،‬ص‪.192‬‬
‫‪14‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫(‪) 1‬‬
‫أيضا ‪« :-‬ال جتالسوا أصحاب‬
‫ضاللة» ‪ .‬وقال ابن عباس – ً‬
‫اهلوى فإهنم ميرضون القلوب»(‪.)2‬‬
‫وقال معاوية‪ :‬املروءة ترك اللذة وعصيان اهلوى (‪.)3‬‬
‫وقال ميمون بن مهران‪ :‬إياكم وكل هوى يسمى بغري‬
‫اإلسالم(‪.)4‬‬
‫وعن احلسن أنه كان يقول‪« :‬اهتموا أهواءكم ورأيكم على‬
‫دين اهلل وانتصحوا كتاب اهلل على أنفسكم»(‪.)5‬‬
‫وقال أبو قالبة‪« :‬ال جتالسوا أهل األهواء وال جتادلوهم فإين ال‬
‫آمن أن يغمسوكم يف ضاللتهم‪ ،‬أو يلبسوا عليكم ما كنتم‬
‫تعرفون»(‪.)6‬‬
‫وقال إبراهيم النخعي‪« :‬ال جتالسوا أهل األهواء فإن جمالستهم‬
‫تذهب بنور اإلميان من القلوب وتسلب حماسن الوجوه‪ ،‬وتورث‬
‫البغضة يف قلوب املؤمنني»(‪.)7‬‬
‫وقال يونس بن عبيد‪« :‬أوصيكم بثالث فخذوها عين حييت‬
‫أو مت‪ :‬ال متكن مسعك من صاحب هوى‪ ،‬وال ختل بامرأة ليست‬
‫‪1‬‬
‫(?) رواه ابن بطة يف اإلبانة‪.1/355 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) رواه ابن بطة يف اإلبانة‪.1/438 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) رواه ابن اجلوزي يف ذم اهلوى‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) رواه ابن بطة يف اإلبانة‪.1/354 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) رواه ابن بطة يف اإلبانة‪.1/389 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) رواه الدارمي ‪ ،1/108‬وابن بطة يف اإلبانة ‪.2/435‬‬
‫‪7‬‬
‫(?) رواه ابن بطة يف اإلبانة ‪.2/439‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪15‬‬

‫لك مبحرم ولو أن تقرأ عليها القرآن‪ ،‬وال تدخلن على أمري ولو أن‬
‫تعظه»(‪.)1‬‬
‫وقال الشعيب‪« :‬إمنا مسي اهلوى ألنه يهوي بصاحبه»(‪.)2‬‬
‫وقال مالك بني دينار‪« :‬بئس العبد عبد مهه هواه وبطنه»(‪.)3‬‬
‫وقال بشر‪« :‬اعلم أن البالء كله يف هواك‪ ،‬والشفاء كله يف‬
‫خمالفتك إياه»(‪.)4‬‬
‫ولقد أكثر الشعراء من ذكر اهلوى وأحسن كثري منهم‬
‫يف تصويره والتحذير منه‪ :‬ومما قيل يف ذلك‪.‬‬
‫إن الهوان هو الهوى قلب اسمه‬
‫فإذا هويت لقد لقيت هوانا‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫نون الهوان من الهوى مسروقة‬
‫فإذا هويت فقد لقيت هوانا‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫إن املرآة ال تريك عيوب وجهك مع صداها‬
‫وكذلك نفسك ال تريك عيوب نفسك مع هواها‬

‫‪1‬‬
‫(?) املرجع السابق‪.2/442 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) رواه الدارمي يف سننه ‪.1/109‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) رواه ابن اجلوزي يف ذم اهلوى‪ ،‬ص‪.23‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) رواه ابن اجلوزي يف ذم اهلوى‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫‪16‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫وقال آخر‪:‬‬
‫وكل امريء يدري مواقع رشده‬
‫ولكنه أعمى أسير هواه‬
‫يشير عليه الناصحون بجهدهم‬
‫فيأبى قبول النصح وهو يراه‬
‫هوى نفسه يعميه عن قصد رشده‬
‫(‪)1‬‬
‫ويبصر عن فهم عيوب سواه‬
‫واملقصود أن اتباع أهواء النفوس بغري هدى من الشرع مما‬
‫تضافرت على ذمه النصوص الشرعية واآلثار السلفية واحلكم‬
‫الشعرية‪.‬‬
‫ويف احلقيقة فإن اتباع اإلنسان هلواه دليل على نقص عقله‬
‫وضعف إرادته وإميانه وقلة مراقبته لربه‪.‬‬
‫وهو دليل على فساد القلب وخبث النفس وانطوائها على‬
‫ركام من احلسد والبغي وحب للعلو والرياسة وحرص على قضاء‬
‫الوطر‪ ،‬وصاحبه شبيه باألطفال بل باألنعام‪ ،‬بل هو أضل من األنعام‬
‫إذ اهلوى يعمي صاحبه ويصمه عن قبول احلق‪ .‬قال تعاىل‪َ  :‬ولََق ْد‬
‫وب اَل َي ْف َق ُهو َن بِ َها‬
‫س لَ ُه ْم ُقلُ ٌ‬ ‫َذرْأنَا لِج َهنَّم َكثِيرا ِمن ال ِ‬
‫ْج ِّن َواِإْل نْ ِ‬ ‫َ َ َ ً َ‬
‫ك‬ ‫ِئ‬ ‫ولَ ُهم َأ ْعين اَل ي ْب ِ‬
‫ص ُرو َن بِ َها َولَ ُه ْم َآ َذا ٌن اَل يَ ْس َمعُو َن بِ َها ُأولَ َ‬ ‫َ ْ ٌُ ُ‬
‫ك ُه ُم الْغَافلُو َن‪[ ‬األعراف‪.]179 ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِئ‬ ‫َكاَأْلْن َع ِام بَ ْل ُه ْم َ‬
‫َأض ُّل ُأولَ َ‬
‫ومما ينبغي أن يعلم أن اتباع اهلوى ينتج عن أسباب كثرية من‬
‫‪1‬‬
‫(?) ذكر هذه األبيات وغريها ابن اجلوزي يف ذم اهلوى‪ ،‬ص‪.35-34‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪17‬‬

‫أمهها أمران‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬ضعف اإلميان وما يتبع ذلك من آثار‪ :‬كاحلسد‬
‫والغرور والتطلع إىل الشهرة والتكالب على الشهوة‪ ،‬وضعف‬
‫اإلرادة والتعلق بالدنيا وغري ذلك‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬جمالسة أهل األهواء والتأثر هبم‪.‬‬

‫***‬
‫‪18‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫مظاهر اتباع الهوى‬


‫كثريا ما يكون فيه غموض وخفاء‪ ،‬ولذا قد ال‬‫إن اتباع اهلوى ً‬
‫اتباعا‬
‫يتنبه وال يدرك املتبع هلواه أنه يفعل ما يفعل أو يقول ما يقول ً‬
‫أيضا أن هذا الشخص ميارس بعض‬ ‫هلواه‪ ،‬وقد ال يشعر اآلخرون ً‬
‫اتباعا هلواه‪ ،‬بل يظنون فيما يصدر منه أن فيه حتريًا للصدق‬
‫األشياء ً‬
‫جدا‪ ،‬فقد يعمل‬‫والعدل واحلق‪ ،‬ويف احلقيقة فإن هذا األمر دقيق ً‬
‫شخص عمالً أو يقول قوالً هلوى يف نفسه ‪،‬ويعمل شخص آخر‬
‫العمل نفسه ‪ ،‬أو يقول القول نفسه ال هلوى يف نفسه ‪ ،‬وإمنا نصرة‬
‫للحق‪ ،‬فيصعب التفريق بني الشخصني ومعرفة الدافع لكل منهما‪،‬‬
‫وإمنا يعرف حقيقة ذلك الشخص نفسه عند التجرد‪ ،‬وقد يدركه‬
‫بعض الناس ألمارات تظهر على القول أو الفعل وقرائن حتف هبما‬
‫وبصاحبهما‪ .‬يقول الشاطيب – رمحه اهلل – عن قضية اتباع اهلوى‬
‫إهنا «راجعة يف املعرفة هبا إىل كل أحد يف خاصة نفسه‪ ،‬إال أن‬
‫يكون عليها دليل خارجي»(‪ )1‬وعلى كل حال ميكن ذكر بعض‬
‫املظاهر اليت ميكن أن يستدل هبا على أن من صدرت منه متبع هلواه‪.‬‬
‫فمن ذلك‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬تعليق الوالء والبراء بما لم يعلقه اهلل ورسوله ‪ ،‬كأن‬
‫جيعل الشخص والءه على من يوافقه يف آرائه أو أقوال شيخه ‪،‬‬
‫وعلى من ينتصر ألقوال طائفته وتوجهات أصحابه أو أهل بلده‬
‫انتصارا مطل ًقا دون نظر وال متحيص وال اعرتاض‪ ،‬وجيعل‬
‫ً‬ ‫ومجاعته‬

‫‪1‬‬
‫(?) االعتصام ‪.2/235‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪19‬‬

‫شعارا يوايل‬
‫عداءه ملن خيالف ذلك أو ينصب للناس مقالة أو يرفع ً‬
‫ويعادي عليه دون حجة شرعية فهذا من اتباع اهلوى‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم – رحمه اهلل ‪:-‬‬
‫شخصا كائنًا من كان فواىل وعادى على موافقته‬ ‫ً‬ ‫«ومن نصب‬
‫ين َف َّرقُوا ِد َين ُه ْم َو َكانُوا ِشَي ًعا‪‬‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫يف القول والفعل فهو ‪‬م َن الذ َ‬
‫[األنعام‪ ]159 :‬وإذا تفقه الرجل وتأدب بطريقة قوم من املؤمنني‬
‫مثل اتباع األئمة واملشايخ فليس له أن جيعل قدوته وأصحابه هم‬
‫العيار فيوايل من وافقهم ويعادي من خالفهم فينبغي لإلنسان أن‬
‫يعود نفسه التفقه الباطن يف قلبه والعمل به فهذا زاجر‪ .‬وكمائن‬
‫القلوب تظهر عند احملن‪ ،‬وليس ألحد أن يدعو إىل مقالة أو يعتقدها‬
‫لكوهنا قول أصحابه وال يناجز عليها بل ألجل أهنا مما أمر اهلل به‬
‫ورسوله أو أخرب اهلل به ورسوله‪ .‬لكون ذلك طاعة اهلل ورسوله»(‪.)1‬‬
‫وقال – رحمه اهلل – في موطن آخر‪:‬‬
‫قوما ألجل‬
‫قوما ويبغضون ً‬ ‫قوما كثريين حيبون ً‬
‫«وهلذا جتد ً‬
‫أهواء ال يعرفون معناها وال دليلها‪ ،‬بل يوالون على إطالقها‪ ،‬أو‬
‫صحيحا عن النيب ‪ ‬وسلف‬
‫ً‬ ‫يعادون من غري أن تكون منقولة نقالً‬
‫األمة‪ ،‬ومن غري أن يكونوا هم يعقلون معناها‪ ،‬وال يعرفون الزمها‬
‫ومقتضاها»(‪.)2‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) جمموع الفتاوى‪.9-20/8 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) جمموع الفتاوى‪.20/163 ،‬‬
‫‪20‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫ضا‪:‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم أي ً‬
‫«وليس ألحد أن ينتسب إىل شيخ يوايل على متابعته ويعادي‬
‫على ذلك‪ ،‬بل عليه أن يوايل كل من كان من أهل اإلميان ومن‬
‫أحدا مبزيد‬
‫عرف منه التقوى من مجيع الشيوخ وغريهم وال خيص ً‬
‫مواالة إال إذا ظهر له مزيد إميانه وتقواه‪ ،‬فيقدم من قدم اهلل ورسوله‬
‫عليه ويفضل من فضله اهلل ورسوله»(‪.)1‬‬
‫وقال في موطن آخر‪:‬‬
‫شخصا يدعو إىل طريقته‬
‫ً‬ ‫«وليس ألحد أن ينصب للعامة‬
‫كالما يوايل عليه‬
‫ويوايل ويعادي عليها غري النيب ‪ ،‬وال ينصب هلم ً‬
‫ويعادي غري كالم اهلل ورسوله وما اجتمعت عليه األمة‪ .‬بل هذا من‬
‫كالما يفرقون به بني‬
‫شخصا أو ً‬‫ً‬ ‫فعل أهل البدع الذين ينصبون هلم‬
‫األمة يوالون به على ذلك الكالم أو تلك النسبة ويعادون»(‪.)2‬‬
‫وقال الحافظ ابن رجب رحمه اهلل‪:‬‬
‫«وملا كثر اختالف الناس يف مسائل الدين‪ ،‬وكثر تفرقهم‪ ،‬كثر‬
‫بسبب ذلك تباغضهم وتالعنهم‪ ،‬وكل منهم يظهر أنه يبغض هلل‪،‬‬
‫معذورا‪ ،‬بل يكوم‬
‫ً‬ ‫معذورا وقد ال يكون‬
‫ً‬ ‫وقد يكون يف نفس األمر‬
‫كثريا‬
‫مقصرا يف البحث عن معرفة ما يبغض عليه‪ ،‬فإن ً‬ ‫متبعا هلواه‪ً ،‬‬
‫ً‬
‫من البغض كذلك إمنا يقع ملخالفة متبوع يظن أنه ال يقول إال‬
‫قطعا‪ ،‬وإن أريد أنه ال يقول إال احلق فيما‬
‫احلق‪ ،‬وهذا الظن خطأ ً‬
‫‪1‬‬
‫(?) جمموع الفتاوى‪.11/512 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) جمموع الفتاوى‪.20/164 ،‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪21‬‬

‫خولف فيه‪ ،‬فهذا الظن قد خيطئ ويصيب‪ ،‬وقد يكون احلامل على‬
‫امليل إليه جمرد اهلوى واأللفة أو العادة‪ ،‬وكل هذا يقدح يف أن‬
‫يكون هذا البغض هلل‪ ،‬فالواجب على املؤمن أن ينصح لنفسه‬
‫ويتحرز يف هذا غاية التحرز‪ ،‬وما أشكل منه فال يدخل نفسه فيه‪،‬‬
‫خشية أن يقع فيما هني عنه عن البغض احملرم‪.‬‬
‫كثريا من أئمة الدين‬
‫وهاهنا أمر خفي ينبغي التفطن له وهو أن ً‬
‫مأجورا على اجتهاده‬
‫ً‬ ‫جمتهدا فيه‪،‬‬
‫مرجوحا‪ ،‬ويكون ً‬ ‫ً‬ ‫قد يقول قواًل‬
‫موضوعا عنه خطؤه فيه‪ ،‬وال يكون املنتصر ملقالته تلك مبنزلته‬
‫ً‬ ‫فيه‪،‬‬
‫يف هذه الدرجة‪ ،‬ألنه قد ال ينتصر هلذا القول إال لكون متبوعه قد‬
‫قاله‪ ،‬حبيث لو أنه قد قاله غريه من أئمة الدين ملا قبله وال انتصر له‪.‬‬
‫وال واىل من يوافقه‪ ،‬وال عادى من خالفه‪ ،‬وال هو مع هذا يظن أنه‬
‫إمنا انتصر للحق ملنزلة متبوعه‪ ،‬وليس كذلك فإن متبوعه إمنا كان‬
‫قصده االنتصار للحق وإن أخطأ يف اجتهاده‪.‬‬
‫وأما هذا التابع فقد شابه انتصاره ملا يظنه احلق إرادة علو‬
‫متبوعه‪ ،‬وظهور كلمته‪ ،‬وأنه ال ينسب إىل اخلطأ‪ ،‬وهذه دسيسة‬
‫تقدح يف قصد االنتصار للحق فافهم هذا فإنه مهم عظيم واهلل‬
‫يهدي من يشاء إىل صراط مستقيم»(‪.)1‬‬
‫ومن هنا نعلم مدى األهواء اليت حتصل يف نفوس بعض الناس‬
‫ممن يتعلقون بأشخاص ويعجبون هبم ويقلدوهنم وتتجمد أفكارهم‬
‫وعقوهلم أمام كل ما ينطق به هذا الشخص حىت رمبا حيصل يف‬

‫‪1‬‬
‫(?) جامع العلوم واحلكم ‪.78-3/76‬‬
‫‪22‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫نفوس بعضهم هاجس بأن كل ما ينطق به هذا الشخص أو يراه أو‬


‫يتوقعه فهو الصواب الذي ال يصح ألحد أن يناقش فيه أو يعرتض‬
‫عليه‪ .‬واملقصود هبذا كله ما حيصل من اآلراء واالجتهادات يف‬
‫املسائل اليت ليس عليها دليل صحيح صريح من الشرع‪ ،‬أما ما كان‬
‫مقصودا بالكالم هنا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ظاهرا وليس لالجتهاد فيه جمال فليس‬
‫ً‬
‫فمن جعل معيار احلق واملواالة موقوفًا على موافقته يف آرائه‬
‫واجتهاداته دون برهان مبني‪ ،‬ومعيار الباطل واملعاداة على من خالفه‬
‫يف آرائه وتوجهاته ‪ -‬كان من أهل األهواء‪.‬‬
‫بعضا يف‬
‫ولذا جند أصحاب هذه األهواء قد يوافق بعضهم ً‬
‫انتصارا‬
‫ً‬ ‫الباطل كما أهنم قد يذمون من مل يذمه اهلل ورسوله ‪‬‬
‫ألهوائهم‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم – رحمه اهلل ‪:-‬‬
‫«وهكذا يصيب أصحاب املقاالت املختلفة‪ ،‬إذا كان كل منهم‬
‫يعتقد أن احلق معه وأنه على السنة‪ ،‬فإن أكثرهم قد صار هلم يف‬
‫ذلك هوى أن ينتصر جاههم أو رياستهم وما نسب إليهم‪ ،‬ال‬
‫يقصدون أن تكون كلمة اهلل هي العليا‪ ،‬وأن يكون الدين كله هلل‪،‬‬
‫معذورا ال يغضب‬
‫ً‬ ‫جمتهدا‬
‫بل يغضبون على من خالفهم‪ ،‬وإن كان ً‬
‫اهلل عليه‪ ،‬ويرضون عمن يوافقهم وإن كان جاهالً سيئ القصد‪،‬‬
‫ليس له علم وال حسن قصد فيفضي هذا إىل أن حيمدوا من مل‬
‫حيمده اهلل ورسوله‪ ،‬ويذموا من مل يذمه اهلل ورسوله‪ ،‬وتصري‬
‫مواالهتم ومعاداهتم على أهواء أنفسهم ال على دين اهلل‬
‫ورسوله»(‪.)1‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) منهاج السنة‪.1/255 ،‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪23‬‬

‫ثانيًا‪ :‬التحامل على المخالف والتشنيع عليه بما يخرج عن‬


‫الحد الشرعي ويوقع يف البغي والعدوان‪ ،‬وهذا التحامل والتشنيع‬
‫قد يكون يف أمور خمتلقة ال أساس هلا من الصحة‪ ،‬لكنها وافقت‬
‫هوى يف نفس املتحامل فأخذ يلوكها ويشيعها‪ .‬وقد يكون هلا أو‬
‫لبعضها أساس من الصحة لكن زيد فيها أو نُقص منها وفسرت‬
‫بتفسريات مل ختطر يف بال قائلها أو فاعلها‪ .‬وقد حيكم عليه بلوازم‬
‫ال تلزم أو ال يلتزمها‪ .‬وقد تكون هذه األمور اليت ُشنَّع هبا صحيحة‬
‫اجتهادا وهو مستند فيها إىل‬
‫ً‬ ‫النسبة ملن قاهلا أو فعلها لكن له فيها‬
‫أدلة رمبا تكون مساوية ألدلة من خالفه فيها ‪ ،‬وهو يف اجتهاده هذا‬
‫له مندوحة خيرج هبا عن موجب التشنيع ويستحق هبا العذر‪ ،‬وإن‬
‫كان هذا ال يعين السكوت وعدم املناقشة والنصيحة للوصول إىل‬
‫احلق والتحذير من اخلطأ‪.‬‬
‫وقد تكون تلك األمور اليت ُشنَّع به على املخالف خطؤها‬
‫ظاهر وفاعلها جمانب للصواب وقد يكون مستح ًقا لإلنكار‪ ،‬لكن‬
‫يقع الناقد هلا واملشنع على فاعلها يف أمور خترجه عن مست العدل‬
‫واإلنصاف‪ ،‬وتوقعه يف الظلم واالعتداء وذلك بتجاوزه يف النقد‬
‫واإلنكار إىل حد يغمط فيه كل فضيلة للمخالف وجيحدها‪ ،‬ويتربأ‬
‫منه‪ ،‬ويناصبه العداء وقد يكون هذا املخالف من أولياء اهلل‪ ،‬وله‬
‫حسنات تغمر ما حصل منه من خطأ أو زلة عابرة قد يكون مل‬
‫يتقصدها‪ ،‬ومل يرفع هبا لواء‪ ،‬ومل يدع إليها‪ ،‬لكن عني صاحب‬
‫اهلوى وقعت عليها‪ ،‬فتلقفها وخاض فيها‪ ،‬وعلق عليها الشروح‬
‫واحلواشي واللوازم اليت مل ختطر على بال قائلها وفاعلها فيعتدي‬
‫‪24‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫على املخالف بقوله أو فعله أو كتابته‪ ،‬ويتجاوز يف ذمه وبغضه‪.‬‬


‫سرا‪ ،‬اليت هي‬ ‫وينسى حكمة الدعوة إىل اهلل‪ ،‬ويرتك سنة النصيحة ً‬
‫خري للناصح واملنصوح فهي خري للناصح من حيث كوهنا أدعى إىل‬
‫اإلخالص والبعد عن الرياء وحظوظ النفس‪ ،‬وهي خري للمنصوح‬
‫من جهة أهنا أقرب إىل القبول‪ ،‬وأبعد عن العزة اليت تأخذ صاحبها‬
‫باإلمث وجتعله جيحد ما مع الناصح من احلق ويستكرب عن االعرتاف‬
‫باخلطأ‪ .‬وقد حذر شيخ اإلسالم – رمحه اهلل – يف معرض ذكره‬
‫ض َّل ِإذَا‬
‫ض ُّر ُك ْم َم ْن َ‬ ‫لفوائد قوله تعاىل‪َ  :‬علَْي ُك ْم َأْن ُف َ‬
‫س ُك ْم اَل يَ ُ‬
‫ْاهتَ َد ْيتُ ْم‪[ ‬املائدة‪ .]105 :‬حذر من التعدي والتجاوز يف عقوبة‬
‫أشخاص مرتكبني ألمور متفق على إنكارها فقال‪:‬‬
‫«الرابع‪ :‬أن ال يعتدي على أهل املعاصي بزيادة على املشروع‬
‫كثريا‬
‫يف بغضهم أو ذمهم أو هنيهم أو هجرهم أو عقوبتهم ‪ ...‬فإن ً‬
‫من اآلمرين الناهني قد يعتدي حدود اهلل إما جبهل وإما بظلم‪ ،‬وهذا‬
‫باب جيب التثبت فيه وسواء يف ذلك اإلنكار على الكفار واملنافقني‬
‫والفاسقني والعاصني ‪ »..‬مث قال‪:‬‬
‫«وأنت إذا تأملت ما يقع من االختالف بني األمة وعلمائها‬
‫وعبادها وأمرائها ورؤسائها وجدت أكثره من هذا الضرب الذي‬
‫هو البغي بتأويل أو بغري تأويل‪ .‬كما بغت اجلهمية على املستنة يف‬
‫حمنة الصفات والقرآن‪ ،‬حمنة أمحد وغريه‪ ،‬وكما بغت الرافضة على‬
‫املستنة مرات متعددة‪ ،‬وكما بغت الناصبة على علي وأهل بيته‪،‬‬
‫وكما قد تبغي املشبهة على املنزهة‪ ،‬وكما قد يبغي بعض املستنة إما‬
‫على بعضهم وإما على نوع من املبتدعة بزيادة على ما أمر اهلل به‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪25‬‬

‫وبنَا َوِإ ْس َرا َفنَا‬ ‫ِ‬


‫وهو اإلسراف املذكور يف قوهلم‪َ  :‬ر َّبنَا ا ْغف ْر لَنَا ذُنُ َ‬
‫فِي َْأم ِرنَا‪[ ‬آل عمران‪.)1(»]147 :‬‬
‫وقد تصل احلال بصاحب اهلوى إىل أن يرد ما مع املخالف من‬
‫احلق ويستكرب عن اتباعه واخلضوع له‪ ،‬بل قد يفسر ما يفعله‬
‫املخالف من األعمال الصاحلة بتفسريات وتأويالت بعيدة وحيكم‬
‫على النيات واملقاصد بأحكام قاطعة‪.‬‬
‫ِّين ِع ْن َد اللَّ ِه‬
‫قال شيخ اإلسالم بعد أن ذكر قوله تعاىل‪ِ :‬إ َّن الد َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اِإْل ساَل م وما ا ْخَتلَ َ َّ ِ‬
‫اب ِإاَّل م ْن َب ْعد َما َج َ‬
‫اء ُه ُم‬ ‫ين ُأوتُوا الْكتَ َ‬ ‫ف الذ َ‬ ‫ْ ُ ََ‬
‫ْم َبغْيًا َب ْيَن ُه ْم‪[ ‬آل عمران‪ ،]19 :‬وذكر غريها من اآليات يف‬ ‫ِ‬
‫الْعل ُ‬
‫هذا املعىن قال‪:‬‬
‫«فهذه املواضع من القرآن تبني أن املختلفني ما اختلفوا حىت‬
‫جاءهم العلم والبينات فاختلفوا للبغي والظلم ال ألجل اشتباه احلق‬
‫بالباطل عليهم وهذا حال أهل االختالف املذموم من أهل األهواء‬
‫كلهم ال خيتلفون إال من بعد أن يظهر هلم احلق وجييئهم العلم‪،‬‬
‫فيبغي بعضهم على بعض‪ .‬مث املختلفون املذمومون كل منهم يبغي‬
‫على اآلخر‪ ،‬فيكذب مبا معه من احلق مع علمه أنه حق ويصدق مبا‬
‫مع نفسه من الباطل مع العلم أنه باطل»(‪.)2‬‬
‫والواجب قبول احلق ممن جاء به كائنًا من كان‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) جمموع الفتاوى‪ 483-14/481 ،‬باختصار‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) منهاج السنة‪.5/264 ،‬‬
‫‪26‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫ثالثًا‪ :‬االضطراب والتناقض في المواقف واآلراء واألحكام‬


‫أمرا ثم يفعله‪ ،‬وقد ينتقص عمالً أو‬ ‫فصاحب الهوى قد يعيب ً‬
‫مشروعا ‪ ،‬مث يشيد به ويشارك فيه‪ ،‬وقد يسفه رأيًا ألن قائله فالن‬ ‫ً‬
‫من الناس‪ ،‬فإذا قال به شخص يعظمه عاد إىل متجيد ذلك الرأي‬
‫شخصا مث ميدحه أو العكس دون مسوغ‬ ‫ً‬ ‫الذي سفهه وقد يذم‬
‫صحيح ملدحه أو ذمه‪ ،‬فيكون ميزان قبوله ورده لألشياء واألقوال‬
‫ومدار مواقفه وتوجهاته أهواء النفس فحسب فيقع يف اضطراب‬
‫كبري وتناقض كثري وفساد يف الرأي ‪ ،‬وهلذا حذرنا ربنا – سبحانه‬
‫وتعاىل – من طاعة صاحب اهلوى ألن أمره ال يؤول إىل رشد‬
‫أبدا‪ ،‬قال تعاىل‪َ  :‬واَل تُ ِط ْع َم ْن َأ ْغ َفلْنَا َقلْبَهُ َع ْن ِذ ْك ِرنَا‬
‫وسداد ً‬
‫َو َّاتبَ َع َه َواهُ َو َكا َن َْأم ُرهُ ُف ُرطًا‪[ ‬الكهف‪ ،]28 :‬وكما قال‬
‫الشاعر ابن دريد‪:‬‬
‫وآفة العقل الهوى فمن عال‬
‫(‪)1‬‬
‫على هواه عقله فقد نجا‬
‫وقال شيخ اإلسالم – رحمه اهلل ‪:-‬‬
‫«وصاحب اهلوى يعميه اهلوى ويصمه‪ ،‬فال يستحضر ما هلل‬
‫ورسوله يف ذلك‪ ،‬وال يطلبه‪ ،‬وال يرضى لرضا اهلل ورسوله‪ ،‬وال‬
‫يغضب لغضب اهلل ورسوله‪ ،‬بل يرضى إذا حصل ما يرضاه هبواه‪،‬‬
‫ويغضب إذا حصل ما يغضب له هبواه»(‪.)2‬‬
‫ومن مظاهر التناقض واالضطراب وفساد املوازين لدى‬
‫‪1‬‬
‫(?) هبجة اجملالس البن عبد الرب‪ ،‬ص‪.1/808‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) منهاج السنة‪.5/256 ،‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪27‬‬

‫أمورا ويشدد فيها مث يفعل ما هو أكرب‬


‫صاحب اهلوى أن يتحاشى ً‬
‫منها ويتساهل فيها‪.‬‬
‫وما ذاك إال لغلبة اجلهل واستيالء اهلوى‪.‬‬
‫كثريا من الناس‬
‫قال ابن الجوزي – رحمه اهلل ‪« :-‬رأيت ً‬
‫يتحرزون من رشاش جناسة وال يتحاشون من الغيبة‪ ،‬ويكثرون من‬
‫الصدقة ‪ ،‬وال يبالون مبعامالت الربا‪ ،‬ويتهجدون بالليل ويؤخرون‬
‫الفريضة عن الوقت يف أشياء يطول عدها من حفظ فروع وتضييع‬
‫أصول ‪ ،‬فبحثت عن سبب ذلك فوجدته من شيئني‪ :‬أحدمها‪ :‬العادة‬
‫‪ ،‬والثاين‪ :‬غلبة اهلوى يف حتصل املطلوب‪ ،‬فإنه قد يغلب فال يرتك‬
‫بصرا ‪.)1(»...‬‬
‫مسعا وال ً‬‫ً‬
‫ويذكرين هذا مبوقف اخلوارج ملا أسروا عبد اهلل بن خباب –‬
‫خنزيرا‬
‫رضي اهلل عنه – واقتادوه فبينما هم يسريون لقي بعضهم ً‬
‫لبعض أهل الذمة فضربه فشق جلده‪ ،‬فأنكروا على صاحبهم حىت‬
‫ذهب إىل الذمي فاستحله وأرضاه‪ ،‬وأخذ أحدهم مترة ساقطة من‬
‫خنلة‪ ،‬فأنكروا عليه حىت ألقاها من فمه‪ ،‬ومع ذلك ذحبوا عبد اهلل بن‬
‫خباب – رضي اهلل عنه – وقتلوا زوجته وبقروا بطنها عن‬
‫ولدها(‪.)2‬‬

‫رابعا‪ :‬تقصد تتبع السقطات واألخطاء في زالت الكلم‬


‫ً‬
‫‪1‬‬
‫(?) صيد اخلاطر‪ ،‬ص‪.194-193‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) انظر هذه القصة يف البداية والنهاية ‪.7/288‬‬
‫‪28‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫وسبق القلم وفلتات اللسان وعثرات األفكار‪ ،‬دون قصد‬


‫النصيحة أو التأمل حلصول ذلك يف األمة‪ ،‬وضالل أخيه عن‬
‫الصواب‪ ،‬بل إن صاحب اهلوى قد يفرح بوقوفه على خطأ أخيه‬
‫وقرينه ليتخذ من ذلك ذريعة للحط من قدره والتشهري بعثرته ويف‬
‫املقابل حيصل له – أي لصاحب اهلوى – رفعة وشهرة يف ظنه‪.‬‬
‫وقد ال يفكر يف االعتذار ألخيه أو تلمس املعاذير له أو التلطف‬
‫يف نصحه وبيان عيبه والسرت عليه‪ ،‬ألن الدافع له أصالً ليس الرغبة‬
‫يف اخلري وهداية الضال بل لغرض يف نفسه من األهواء واألغراض‬
‫اخلسيسة‪.‬‬
‫ويقرب من هذا املظهر اخلامس التباع اهلوى وهو‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬أن ينكر بعض المنكرات وينهى عنها لهوى في‬
‫ً‬
‫منكرا فحسب وهذا يظهر من خالل أمور منها‪:‬‬
‫نفسه ال لكونه ً‬
‫أمرا‬
‫منكرا ويقع فيه أو يف شر منه‪ ،‬وقد ينكر ً‬
‫أن ينكر ً‬
‫أمرا آخر‬
‫أمرا ويرتك ً‬
‫ويتجاوز يف إنكاره احلد الشرعي‪ ،‬وقد ينكر ً‬
‫منكرا‬
‫أوىل باإلنكار دون مسوغ شرعي بل جملرد اهلوى‪ .‬وقد ينكر ً‬
‫شخصا ال حيبه ويرتك اإلنكار إذا وقع فيه من حيبه‬
‫ً‬ ‫لكون الواقع فيه‬
‫‪ ،‬وقد يكون الدافع لإلنكار االنتصار للنفس أو للطائفة واملذهب‬
‫والقبيلة أو حلصول الشهرة أو لشجاعة يف الطبع دون إخالص النية‬
‫هلل تعاىل‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم عن صاحب اهلوى الذي يغضب ويرضى‬
‫هلواه‪« :‬ويكون مع ذلك معه شبهة دين‪ :‬أن الذي يرضى له‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪29‬‬

‫ويغضب له أنه السنة ‪ ،‬وهو احلق‪ ،‬وهو الدين‪ ،‬فإذا قدر أن الذي‬
‫معه هو احلق احملض دين اإلسالم‪ ،‬ومل يكن قصده أن يكون الدين‬
‫كله هلل‪ ،‬وأن تكون كلمة اهلل هي العليا‪ ،‬بل قصد احلمية لنفسه‬
‫وطائفته أو الرياء‪ ،‬ليعظم هو ويثين عليه‪ ،‬أو فعل ذلك شجاعة‬
‫جماهدا يف سبيل‬
‫وطبعا‪ ،‬أو لغرض من الدنيا‪ ،‬مل يكن هلل ومل يكن ً‬ ‫ً‬
‫اهلل‪ ،‬فكيف إذا كان الذي يدعى احلق والسنة هو كنظريه معه حق‬
‫وباطل‪ ،‬وسنة وبدعة ‪ ،‬ومع خصمه حق وباطل وسنة وبدعة»(‪.)1‬‬
‫وقال في موطن آخر‪:‬‬
‫«وإذا كان الكفر والفسوق والعصيان سبب الشر والعدوان‬
‫فقد يذنب الرجل أو الطائفة ‪ ،‬ويسكت آخرون عن األمر والنهي‪،‬‬
‫إنكارا منهيًا عنه‬
‫فيكون ذلك من ذنوهبم‪ ،‬وينكر عليهم آخرون ً‬
‫فيكون ذلك من ذنوهبم‪ ،‬فيحصل التفرق واالختالف والشر‪ .‬وهذا‬
‫من أعظم الفنت والشرور قدميًا وحديثًا‪ ،‬إذ اإلنسان ظلوم جهول‪.‬‬
‫والظلم واجلهل أنواع‪ ،‬فيكون ظلم األول وجهله من نوع‪ ،‬وظلم‬
‫كل من الثاين والثالث وجهلهما من نوع آخر وآخر»(‪.)2‬‬
‫ضا‪« :‬فالنفس فيها داعي الظلم لغريها بالعلو عليه‪،‬‬
‫وقال أي ً‬
‫واحلسد له والتعدي عليه يف حقه‪ ،‬وداعي الظلم لنفسها بتناول‬
‫الشهوات القبيحة كالزنا وأكل اخلبائث فهي قد تظلم من ال‬
‫يظلمها‪ .‬وتؤثر هذه الشهوات وإن مل تفعلها فإذا رأت نظراءها قد‬
‫ظلموا وتناولوا هذه الشهوات صار داعي هذه الشهوات أو الظلم‬
‫‪1‬‬
‫(?) منهاج السنة‪.5/256 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) جمموع الفتاوى‪.28/142 ،‬‬
‫‪30‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫فيها أعظم بكثري ‪ ،‬وقد تصرب ويهيج ذلك هلا من بغض ذلك الغري‬
‫وحسده وطلب عقابه وزوال اخلري عنه ما مل يكن فيها قبل ذلك ‪،‬‬
‫وهلا حجة عند نفسها من جهة العقل والدين بكون ذلك الغري قد‬
‫ظلم نفسه واملسلمني‪ ،‬وأن أمره باملعروف وهنيه عن املنكر واجب‬
‫واجلهاد على ذلك من الدين‪.‬‬
‫والناس هنا ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪ -‬قوم ال يقومون إال في أهواء نفوسهم‪ ،‬فال يرضون إال مبا‬
‫يعطونه وال يغضبون إال ملا حيرمونه‪ ،‬فإذا أعطى أحدهم ما يشتهيه‬
‫من الشهوات احلالل واحلرام زال غضبه وحصل رضاه‪ ،‬وصار األمر‬
‫منكرا – ينهى عنه ويعاقب عليه ويذم صاحبه‬ ‫الذي كان عنده ً‬
‫ويغضب عليه – مرضيًا عنده‪ ،‬وصار فاعالً له وشري ًكا فيه‪،‬‬
‫ومعاونًا عليه ومعاديًا ملن هنى عنه‪ ،‬وينكر عليه‪ .‬وهذا غالب يف بين‬
‫آدم يرى اإلنسان ويسمع من ذلك ما ال حيصيه‪ ،‬وسببه أن اإلنسان‬
‫ظلوم جهول فلذلك ال يعدل‪ ،‬بل رمبا كان ظاملا يف احلالني‪ ،‬يرى‬
‫ً‬
‫قوما ينكرون على املتويل ظلمه لرعيته واعتداءه عليهم‪ ،‬فريضى‬‫ً‬
‫أولئك ببعض الشيء فينقلبون أعوانًا له‪ ،‬وأحسن أحواهلم أن‬
‫يسكتوا عن اإلنكار عليه‪..‬‬
‫‪ -‬وقوم يقومون ديانة صحيحة‪ :‬يكونون يف ذلك خملصني هلل‬
‫مصلحني فيما عملوه‪ ،‬ويستقيم هلم ذلك حىت يصربوا على ما‬
‫أوذوا‪...‬‬
‫‪ -‬وقوم يجتمع فيهم هذا وهذا‪ ،‬وهم غالب املؤمنني فمن فيه‬
‫دين وله شهوة جتتمع يف قلوهبم إرادة الطاعة وإرادة املعصية ورمبا‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪31‬‬

‫غلب هذا تارة وهذا تارة»(‪.)1‬‬


‫وذكر شيخ اإلسالم‪ :‬أن األقوال واألفعال جيب أن يراد هبا‬
‫وجه اهلل وأن تكون موافقة للشريعة مث قال‪:‬‬
‫أيضا أن يؤمر بذلك ألمر اهلل وينهى عنه لنهي اهلل‬ ‫«وحيتاج ً‬
‫وخيرب مبا أخرب اهلل به ألنه حق وإميان وهدى كما أخربت به الرسل‪،‬‬
‫كما حتتاج العبادة أن يقصد هبا وجه اهلل‪ ،‬فإذا قيل ذلك التباع‬
‫اهلوى‪ ،‬واحلمية‪ ،‬أو إلظهار العلم والفضيلة أو لطلب السمعة‬
‫والرياء‪ ،‬كان مبنزلة املقاتل شجاعة ومحيَّة ورياء‪ ،‬ومن هنا يتبني لك‬
‫فكثريا‬
‫ما وقع فيه كثري من أهل العلم واملقال وأهل العبادة واحلال‪ً ،‬‬
‫ما يقول هؤالء من األقوال ما هو خالف الكتاب والسنة ووفاقها‪.‬‬
‫وكثريا ما يتعبد هؤالء بعبادات مل يأمر اهلل هبا بل قد هنى عنها أو‬
‫ً‬
‫وكثريا ما يقاتل هؤالء قتاالً خمال ًفا‬
‫ً‬ ‫حمظورا‬
‫ً‬ ‫مشروعا‬
‫ً‬ ‫ما يتضمن‬
‫للقتال املأمور به أو متضمنًا ملأمور حمظور‪.‬‬
‫مث كل من األقسام الثالثة املأمور واحملظور واملشتمل على‬
‫متبعا هلواه وقد‬
‫األمرين قد يكون لصاحبه نية حسنة وقد يكون ً‬
‫جيتمع له هذا وهذا»(‪.)2‬‬
‫ويدخل يف هذا املظهر من يتقصى يف ذكر عيوب وأخطاء‬
‫بعض إخوانه من املسلمني يف بعض اجملالس سواء كان ذلك حيتاج‬
‫إليه أو ال حيتاج إليه‪ .‬ويذكر ذلك ملن يف معرفته مصلحة وملن ال‬

‫‪1‬‬
‫(?) جمموع الفتاوى‪ 148-28/146 ،‬باختصار‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) جمموع الفتاوى‪.173-28/172 ،‬‬
‫‪32‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫مصلحة يف علمه بذلك‪ ،‬حىت صارت جمالس هؤالء موائد يأكلون‬


‫حرجا‬
‫عليها أعراض وحلوم املسلمني من غري أن جيدوا يف أنفسهم ً‬
‫مما يقولون‪ ،‬بل رمبا اختلقوا لذلك مسوغات شرعية – يف زعمهم‬
‫صنعا‪.‬‬
‫فضل سعيهم يف احلياة الدنيا وهم حيسبون أهنم حيسنون ً‬
‫– ّ‬
‫سادسا‪ :‬المبالغة في المدح أو الذم‪ ،‬فإذا أحب طائفة أو‬ ‫ً‬
‫شخصا غال يف حبه وجتاوز يف مدحه حىت يثىن عليه مبا ليس فيه‪ ،‬بل‬ ‫ً‬
‫حماسن يف نظر اهلاوي وجيعله يف مقام العصمة أو قريبًا‬‫َ‬ ‫تعود َم َساوُئه‬
‫منها‪ ،‬وال يتقبل أي قدح فيه وال بيان أي خطأ حصل منه وإن كان‬
‫ظاهرا ظهور الشمس يف رابعة النهار ويبدأ يتأول أقواله ويفسر‬ ‫ً‬
‫أفعاله مبا ال يدل عليه سياق الكالم وال ظاهر احلال فال يكون حبه‬
‫خالصا هلل‪ ،‬وال تكون متابعته ملن تابعه ملعرفة احلق‬
‫ملن أحب ً‬
‫وسلوكه بل هلوى يف نفسه‪ .‬ويف املقابل فإن صاحب اهلوى إذا‬
‫شخصا فإنه يبغي يف بغضه‬
‫ً‬ ‫أبغض مجاعة أو مذهبًا أو أهل بلد أو‬
‫ويقذع ويتعدى يف ذمه باالستطالة يف قوله أو فعله حىت رمبا ينسى‬
‫أو يتناسى كل خري وفضيلة ملن أبغضه بل رمبا عادت حماسنه‬
‫مساوَئ يف نظر صاحب اهلوى ويرد ما معه من احلق‪ .‬فيخرج عن‬
‫حد الشرع يف ذلك وختتل عنده املوازين حىت رمبا حيب املذموم‬
‫شرعا‪ ،‬وخيرج عن الصراط املستقيم ومنهج أهل‬ ‫ويكره احملمود ً‬
‫العدل واإلميان‪.‬‬
‫كثريا‪.‬‬
‫جدا يرى اإلنسان ويقرأ ويسمع عنه ً‬
‫وهذا األمر ظاهر ً‬
‫قال شيخ اإلسالم – رحمه اهلل ‪:-‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪33‬‬

‫شخصا هلواه‪ ،‬مثل أن حيبه لدنيا يصيبها منه‬


‫ً‬ ‫«وأمام من أحب‬
‫أو حلاجة يقوم هلا هبا‪ ،‬أو ملال يتأكله به‪ ،‬أو بعصبية فيه‪ ،‬وحنو ذلك‬
‫من األشياء فهذه ليست حمبة هلل‪ ،‬بل هذه حمبة هلوى النفس‪ ،‬وهذه‬
‫احملبة هي اليت توقع أصحاهبا يف الكفر والفسوق والعصيان‪ ،‬وما‬
‫أكثر من يدعي حب مشايخ هلل‪ ،‬ولو كان حيبهم هلل ألطاع اهلل‬
‫الذي أحبهم ألجله‪ ،‬فإن احملبوب ألجل غريه تكون حمبته تابعة حملبة‬
‫شخصا هلل من ال يكون حمبًا هلل‪ ،‬وكيف‬
‫ً‬ ‫ذلك الغري وكيف حيب‬
‫معرضا عن رسول اهلل ‪ ،‬وسبيل اهلل‪.‬‬
‫ً‬ ‫يكون حمبًا هلل من يكون‬
‫أندادا‬
‫شيوخا أو ملو ًكا أو غريهم فيتخذهم ً‬
‫ً‬ ‫وما أكثر من حيب‬
‫حيبهم كحب اهلل»(‪.)1‬‬
‫وقال احلافظ ابن رجب‪« :‬وكذلك حب األشخاص الواجب‬
‫تبعا ملا جاء به الرسول ‪ ‬فيجب على املؤمن حمبة اهلل‬‫فيه أن يكون ً‬
‫وحمبة من حيبه اهلل من املالئكة والرسل واألنبياء والصديقني‬
‫عموما ‪ ...‬ومن كان حبه وبغضه وعطاؤه‬‫والشهداء والصاحلني ً‬
‫نقصا يف إميانه الواجب‪ ،‬فيجب عليه‬
‫ومنعه هلوى نفسه كان ذلك ً‬
‫التوبة من ذلك‪ ،‬والرجوع إىل اتباع ما جاء به الرسول ‪ ‬من تقدمي‬
‫حمبة اهلل ورسوله وما فيه رضا اهلل ورسوله على هوى النفس‬
‫ومراداهتا كلها»(‪.)2‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم – رحمه اهلل ‪:-‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) جمموع الفتاوى‪.11/521 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) جامع العلوم واحلكم‪.3/226 ،‬‬
‫‪34‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫«من الناس من يكون حبه وبغضه وإرادته وكراهيته حبسب‬


‫حمبة نفسه وبغضها ال حبسب حمبة اهلل ورسوله وبغض اهلل ورسوله‬
‫َأض ُّل‬
‫وهذا من نوع اهلوى‪ ،‬فإن اتبعه اإلنسان فقد اتبع هواه ‪َ ‬و َم ْن َ‬
‫ِم َّم َن َّاتبَ َع َه َواهُ بِغَْي ِر ُه ًدى ِم َن اللَّ ِه‪[ ‬القصص‪ .]50 :‬فإن أصل‬
‫اهلوى حمبة النفس ويتبع ذلك بغضها‪.‬‬
‫فالواجب على العبد أن ينظر يف نفس حبه وبغضه ومقدار حبه‬
‫وبغضه هل هو موافق ألمر اهلل ورسوله؟ وهو هدى اهلل الذي أنزله‬
‫مأمورا بذلك احلب والبغض ال يكون‬ ‫على رسوله‪ ،‬حبيث يكون ً‬
‫ِّموا َب ْي َن يَ َد ِي‬
‫متقدما فيه بني يدي اهلل ورسوله فإنه قد قال‪ :‬اَل ُت َقد ُ‬
‫ً‬
‫اللَّ ِه َو َر ُسوله‪[ ‬احلجرات‪ .]1 :‬ومن أحب أو أبغض قبل أن يأمره‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل ورسوله ففيه نوع من التقدم بني يدي اهلل ورسوله‪ ،‬وجمرد احلب‬
‫والبغض هوى‪ ،‬لكن احملرم اتباع حبه وبغضه بغري هدى من اهلل»(‪.)1‬‬
‫وكذلك ينبغي على املسلم أن ينظر فيما يصدر عمن حيبه من‬
‫أقوال وأعمال هل هي صحيحة ومشروعة أم أهنا باطلة وصادرة‬
‫عن هوى النفس‪ ،‬فإن أهواء النفوس ال يكاد ينجو منها أحد سواء‬
‫من الصاحلني أو الفاسقني‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم – رحمه اهلل ‪« -‬ومما يتعلق هبذا الباب أن‬
‫يعلم أن الرجل العظيم يف العلم والدين‪ ،‬من الصحابة والتابعني ومن‬
‫بعدهم إىل يوم القيامة ‪ ،‬أهل البيت وغريهم ‪ ،‬قد حيصل منه نوع‬
‫من االجتهاد مقرونًا بالظن ونوع من اهلوى اخلفى (‪ .)2‬فيحصل‬
‫‪1‬‬
‫(?) جمموع الفتاوى‪ 134-28/131 ،‬باختصار‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) ه ذا راجع إىل أصل أهل الس نة واجلماعة يف أنه ال أحد معص وم بعد الرس ول ‪،‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪35‬‬

‫بسبب ذلك ما ال ينبغي اتباعه فيه ‪ ،‬وإن كان من أولياء اهلل املتقني‪.‬‬
‫ومثل هذا إذا وقع يصري فتنة لطائفتني‪ :‬طائفة تعظمه فتزيد‬
‫قادحا‬
‫تصويب ذلك الفعل واتباعه عليه‪ ،‬وطائفة تذمه فتجعل ذلك ً‬
‫يف واليته وتقواه‪ ،‬بل يف بره وكونه من أهل اجلنة بل يف إميانه حىت‬
‫خترجه عن اإلميان‪ ،‬وكال هذين الطرفني فاسد‪ .‬واخلوارج والروافض‬
‫وغريهم من أهل األهواء دخل عليهم الداخل من هذا ‪ ،‬ومن سلك‬
‫طريق االعتدال عظم من يستحق التعظيم وأحبه ووااله وأعطى احلق‬
‫حقه‪ ،‬فيُعظم احلق‪ ،‬ويرحم اخللق‪ ،‬ويعلم أن الرجل الواحد تكون له‬
‫حسنات وسيئات‪ ،‬فيحمد ويذم ويثاب ويعاقب وحيب من وجه‬
‫ويبغض من وجه‪ ،‬وهذا هو مذهب أهل السنة واجلماعة خالفًا‬
‫للخوارج واملعتزلة ومن وافقهم»(‪.)1‬‬
‫سابعا‪ :‬ومن مظاهر اتباع الهوى قلة وندرة االستشهاد‬ ‫ً‬
‫بنصوص الشرع المحكمة الواضحة ‪ ،‬وإذا استشهد هبا صاحب‬
‫اهلوى على ما يريد فال يستشهد هبا على معناها الصحيح بل يضعها‬
‫يف غريها موضعها‪ ،‬فأهل األهواء يتتبعون املتشابه ويدعون احملكم‪.‬‬
‫ويستشهدون حبوادث األعيان ويدعون القواعد واألصول واألركان‬
‫‪ ،‬كحال الذين يف قلوهبم زيغ أو يف قلوهبم مرض‪ .‬قال تعاىل‪ُ  :‬ه َو‬
‫اب‬ ‫ات ه َّن ُُّأم ال ِ‬
‫ْكتَ ِ‬ ‫ات ُم ْح َك َم ٌ ُ‬ ‫اب ِم ْنهُ آَيَ ٌ‬ ‫الَّ ِذي َأْنز َل َعلَي َ ِ‬
‫ك الْكتَ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬
‫ين في ُقلُوبِ ِه ْم َزيْ ٌغ َفيَتَّبِعُو َن َما تَ َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫شابِ َه ٌ‬
‫َوُأ َخ ُر ُمتَ َ‬
‫شابَهَ‬ ‫ات فَ ََّأما الذ َ‬
‫ال الص حابة – رضي اهلل عنهم – وال غ ريهم ‪ ،‬خالفًا للرافضة الق ائلني بعص مة األئمة‬
‫االثين عشر ‪ ،‬وغالة الصوفية يف غلوهم يف شيوخهم‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) منهاج السنة‪.544-4/543 ،‬‬
‫‪36‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫اء تَْأ ِويلِ ِه‪[ ‬آل عمران‪ .]7 :‬ويف احلديث‬ ‫ِم ْنهُ ابْتِغَ ِ ِ ِ‬
‫اء الْف ْتنَة َوابْتغَ َ‬
‫َ‬
‫عن عائشة – رضي اهلل عنها – أن رسول اهلل ‪ ،‬تال هذه اآلية مث‬
‫قال‪« :‬فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى‬
‫اهلل فاحذروهم»(‪.)1‬‬
‫فصاحب اهلوى يتتبع املتشابه(‪ )2‬ويقرأ نصوص الشرع ال‬
‫ومنهجا يقوم به فكره وتصوره ‪ ،‬بل ليأخذ منها‬
‫ً‬ ‫ليستفيد منها ح ًقا‬
‫ردا على من خالفه ولذا روى ابن بطة‬ ‫ما يرى أن فيه حجة له أو ً‬
‫أحدا من أهل األهواء خياصم إال‬
‫بسنده عن أيوب قال‪« :‬ال أعلم ً‬
‫باملتشابه» ومن ذلك ما جاء أن واصل بن عطاء رأس املعتزلة كان‬
‫يصلي يف الليل ‪ ،‬ولوح ودواة موضوعان فإذا مرت به آية فيها‬
‫حجة على خمالف ‪ ،‬جلس فكتبها مث عاد إىل صالته(‪.)3‬‬
‫وكما يتبع صاحب اهلوى املتشابه من النصوص الشرعية فإنه‬
‫أيضا – املتشابه من كالم العلماء وعباراهتم ويدع ما يبينه‬
‫يتبع – ً‬
‫من حمكم كالمهم‪.‬‬
‫وصاحب اهلوى يكره مساع وقراءة النصوص الشرعية املخالفة‬
‫ملا هو عليه كما ذكر ذلك غري واحد من السلف عن بعض أهل‬
‫البدع ‪ ،‬ومن املعلوم أنه ال يلزم أن يقف كل صاحب هوى من‬
‫النصوص الشرعية موقف هؤالء املبتدعة‪ ،‬فهذا أمر يتفاوت فيه أهل‬
‫‪1‬‬
‫(?) رواه البخ اري يف ص حيحه‪ ،‬يف كت اب تفسري الق رآن‪ ،‬س ورة آل عم ران‪،‬‬
‫‪.5/166‬ومسلم يف كتاب العلم رقم ‪.4/2053 ،1‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) اإلبانة البن بطة ‪.2/501 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) انظر املنية واألمل البن املرتضى‪ ،‬ص‪.141‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪37‬‬

‫األهواء حبسب غلوهم يف اتباع أهوائهم لكن جيمعهم على األقل‬


‫استثقال مساع تلك النصوص املخالفة ملنهجهم وعقيدهتم‪ ،‬والتربم‬
‫هبا‪ ،‬واحلرج عند مساعها وإمساعها‪.‬‬
‫وما ذاك إال ألن أهل األهواء يأخذون ببعض النصوص دون‬
‫بعض يأخذون منها ما يوافق أهواءهم ويردون ما خيالفهم‬
‫بالتأويالت الفاسدة والتحريفات الظاهرة‪.‬‬
‫فتجد صاحب اهلوى ينادي بالتمسك بالشرع والتأسي‬
‫بالرسول ‪ ‬يف األمور املوافقة هلواه أو اليت له فيها مصلحة وله فيها‬
‫حق يريد أن يستخرجه‪ ،‬أما ما كان خمال ًفا هلواه أو ما كان فيه بيان‬
‫حلقوق غريه عليه وحنو ذلك ‪ ،‬فإنه يصد ويعرض ويتغافل عن حتكيم‬
‫ردا صرحيًا أو غري صريح‪ ،‬وهؤالء هلم نصيب من‬ ‫الشرع أو يرده ًّ‬
‫الر ُس ِ‬
‫ول‬ ‫الذم املذكور يف قوله تعاىل‪َ  :‬و َي ُقولُو َن آ ََمنَّا بِاللَّ ِه َوبِ َّ‬
‫ك وما ُأولَِئ َ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ين‬‫ك بال ُْمْؤ من َ‬ ‫َوَأطَ ْعنَا ثُ َّم َيَت َولَّى فَ ِري ٌق م ْن ُه ْم م ْن َب ْعد ذَل َ َ َ‬
‫* َوِإذَا ُدعُوا ِإلَى اللَّ ِه َو َر ُسولِ ِه لِيَ ْح ُك َم َب ْيَن ُه ْم ِإذَا فَ ِري ٌق ِم ْن ُه ْم‬
‫ين * َأفِي ُقلُوبِ ِه ْم‬ ‫ِ ِِ‬
‫ْح ُّق يَْأتُوا ِإلَْيه ُم ْذعن َ‬ ‫ضو َن * َوِإ ْن يَ ُك ْن لَ ُه ُم ال َ‬ ‫ُم ْع ِر ُ‬
‫يف اللَّهُ َعلَْي ِه ْم َو َر ُسولُهُ بَ ْل‬ ‫ض َِأم ْارتَابُوا َْأم يَ َخافُو َن َأ ْن يَ ِح َ‬ ‫َم َر ٌ‬
‫ين ِإذَا ُدعُوا ِإلَى اللَّ ِه‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ُأولَِئ َ‬
‫ك ُه َم الظَّال ُمو َن * ِإنَّ َما َكا َن َق ْو َل ال ُْمْؤ من َ‬
‫ك ُه ُم‬ ‫َو َر ُسولِ ِه لِيَ ْح ُك َم َب ْيَن ُه ْم َأ ْن َي ُقولُوا َس ِم ْعنَا َوَأطَ ْعنَا َوُأولَِئ َ‬
‫ش اللَّهَ َو َيَّت ْق ِه فَُأولَِئ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫ال ُْم ْفل ُحو َن * َو َم ْن يُط ِع اللَّهَ َو َر ُسولَهُ َويَ ْخ َ‬
‫ُه ُم الْ َفاِئُزو َن‪[ ‬النور‪.]52-47 :‬‬
‫ضا الكراهية للناصحين من أهل‬
‫ثامنًا‪ :‬ومن المظاهر أي ً‬
‫‪38‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫اإليمان والتقوى وأهل العدل واإلنصاف املتبعني للسنة ومنهج‬


‫ومنهجا‪ .‬فاملتبع هلواه جيد يف هؤالء‬ ‫ً‬ ‫واعتقادا‬
‫ً‬ ‫السلف قوالً وفعالً‬
‫وصدا له عن هواه‪ ،‬ونط ًقا باحلجة والربهان‬ ‫تقوميًا لقوله وفعله‪ً ،‬‬
‫الذي يسكته وهذا ما ال يعجبه وال يرتضيه‪ ،‬إذ إن من مسات أهل‬
‫األهواء حبهم ملن ميدحهم ولو بالباطل وبغضهم ملن ينصحهم‬
‫ين‪‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وينكر عليهم أهواءهم قال تعاىل‪َ  :‬ولَك ْن اَل تُحبُّو َن النَّاصح َ‬
‫[األعراف‪ .]79 :‬بل رمبا اهتموا من ينصحهم ويبني هلم عيوهبم بأنه‬
‫متبع هلواه ومريد للفتنة وسيئ القصد واإلرادة ‪ ...‬وقد يكون منطق‬
‫بعضهم مشاهبًا ملنطق فرعون حني قال يف موسى عليه الصالة‬
‫والسالم ما حكاه اهلل تعاىل عنه بقوله‪ِ :‬إنِّي َأ َخ ُ‬
‫اف َأ ْن ُيبَد َ‬
‫ِّل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اد‪[ ‬غافر‪ ،]26 :‬ومشاهبًا‬ ‫سَ‬‫ض الْ َف َ‬ ‫دينَ ُك ْم َْأو َأ ْن يُظْ ِه َر في ْ‬
‫اَأْلر ِ‬
‫ود َّن فِي‬ ‫ملوقف من قالوا لرسلهم‪ :‬لَنُ ْخ ِرجنَّ ُكم ِمن َأر ِ‬
‫ضنَا َْأو لََتعُ ُ‬ ‫َ ْ ْ ْ‬
‫ِملَّتِنَا‪[ ‬إبراهيم‪.]13 :‬‬
‫تاسعا‪ :‬ومن مظاهر اتباع اهلوى كثرة التفرق واالختالف‬
‫ً‬
‫وتعدد الطوائف واألحزاب وتناحرها ‪ ،‬وطعن كل فريق يف اآلخر‬
‫والزعم بأن احلق كله معه والباطل كله مع من خالفه وحنو ذلك‪.‬‬
‫فهذا كله ال شك أنه ليس من دين اإلسالم يف شيء قال‬
‫ت ِم ْن ُه ْم فِي‬‫ين َف َّرقُوا ِد َين ُه ْم َو َكانُوا ِشَي ًعا لَ ْس َ‬ ‫َّ ِ‬
‫تعاىل‪ِ :‬إ َّن الذ َ‬
‫ين َت َف َّرقُوا‬ ‫َّ ِ‬ ‫ٍ‬
‫َش ْيء‪[ ‬األنعام‪ .]159 :‬وقال تعاىل‪َ  :‬واَل تَ ُكونُوا َكالذ َ‬
‫يم‪‬‬ ‫ِ‬ ‫ات َوُأولَِئ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫اب َعظ ٌ‬ ‫ك لَ ُه ْم َع َذ ٌ‬ ‫اء ُه ُم الَْبِّينَ ُ‬
‫َوا ْخَتلَ ُفوا م ْن َب ْعد َما َج َ‬
‫يل‬ ‫ِ ِإ ِئ‬
‫[آل عمران‪ .]105 :‬وقال تعاىل‪َ  :‬ولََق ْد َآَت ْينَا بَني ْس َرا َ‬
‫اه ْم َعلَى‬ ‫اهم ِمن الطَّيِّب ِ‬
‫ات َوفَ َّ‬
‫ضلْنَ ُ‬
‫ِ‬
‫ْح ْك َم َوالن ُُّب َّوةَ َو َر َزقْنَ ُ ْ َ َ‬ ‫اب َوال ُ‬‫الْكتَ َ‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪39‬‬

‫اَأْلم ِر فَ َما ا ْخَتلَ ُفوا ِإاَّل ِم ْن َب ْع ِد َما‬ ‫الْعالَ ِمين * و َآَتيناهم بِّين ٍ ِ‬
‫ات م َن ْ‬ ‫َ َ َ َْ ُ ْ َ َ‬
‫يما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫جاء ُهم ال ِْعلْم بغْيا ب ْيَن ُهم ِإ َّن ربَّ َ ِ‬
‫ك َي ْقضي َب ْيَن ُه ْم َي ْو َم الْقيَ َامة ف َ‬ ‫ََ ُ ًَُ َ ْ َ‬
‫اَأْلم ِر فَاتَّبِ ْع َها‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َكانُوا فِ ِيه يَ ْختَلِ ُفو َن * ثُ َّم َج َعلْنَ َ‬
‫اك َعلَى َش ِر َيعة م َن ْ‬
‫ك ِم َن اللَّ ِه‬ ‫ين اَل َي ْعلَ ُمو َن * ِإَّن ُه ْم لَ ْن ُيغْنُوا َع ْن َ‬ ‫واَل َتتَّبِع َْأهو َّ ِ‬
‫اء الذ َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َه َذا‬ ‫ض َواللَّهُ َول ُّي ال ُْمتَّق َ‬ ‫ض ُه ْم َْأوليَاءُ َب ْع ٍ‬ ‫َش ْيًئا َوِإ َّن الظَّالم َ‬
‫ين َب ْع ُ‬
‫َّاس َو ُه ًدى َو َر ْح َمةٌ لَِق ْوٍم يُوقِنُو َن‪[ ‬اجلاثية‪.]20-16 :‬‬ ‫صاِئُر لِلن ِ‬ ‫بَ َ‬
‫قال شيخ اإلسالم بعد أن ذكر هذه اآليات األخريات وغريها‬
‫«فهذه املواضع من القرآن تبني أن املختلفني ما اختلفوا حىت جاءهم‬
‫العلم والبينات‪ ،‬فاختلفوا للبغي والظلم‪ ،‬ال ألجل اشتباه احلق‬
‫بالباطل عليهم‪ ،‬وهذا حال أهل االختالف املذموم من أهل األهواء‬
‫كلهم‪ ،‬ال خيتلفون إال من بعد أن يظهر هلم احلق وجييئهم العلم‪،‬‬
‫فيبغي بعضهم على بعض ‪.)1(»...‬‬
‫وقال الشيخ عبد اهلل الغنيمان حفظه اهلل‪:‬‬
‫«ومن نظر يف كثري من اخلالفات بني اجلماعات واألفراد سواء‬
‫كان ذلك يف مسائل العلم أو يف جمال التوجيه والعمل وجد ظاهرها‬
‫يف طلب العدل واإلنصاف‪ ،‬أو الصواب وترك االحنراف‪ ،‬وحقيقتها‬
‫حب عبادة النفس واتباع اهلوى أو أغراض سيئة دنيئة»(‪.)2‬‬
‫فهذه التحزبات واالنتسابات اليت يكون عليها مدار ومعقد‬
‫الوالء والرباء واليت حيصل بسببها التفرق والشحناء وظهور العداوة‬

‫‪1‬‬
‫(?) منهاج السنة‪.5/264 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) اهلوى وأثره يف اخلالف‪ ،‬للشيخ عبد اهلل الغنيمان‪ ،‬ص‪.21-20‬‬
‫‪40‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫والبغضاء بني املسلمني هي من طرق أهل األهواء واالبتداع ال من‬


‫منهج أهل السنة واالتباع‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم – رحمه اهلل –‬
‫«فأما االنتساب الذي يفرق بني املسلمني وفيه خروج عن‬
‫اجلماعة واالئتالف إىل الفرقة‪ ،‬وسلوك طريق االبتداع ومفارقة‬
‫السنة واالتباع‪ ،‬فهذا مما ينهى عنه‪ ،‬ويأمث فاعله وخيرج بذلك عن‬
‫طاعة اهلل ورسوله ‪.)1(»‬‬
‫وال يدخل يف هذا من جيتمعون على التعاون على الرب والتقوى‬
‫ويوالون مجيع املؤمنني حبسب ما فيهم من الطاعة سواء كانوا يف‬
‫مجاعتهم أم ال‪ ،‬ويعادون من كان فيه سبب العداوة حبسب ما فيه‬
‫من املعصية سواء كان يف مجاعتهم أم ال‪.‬‬
‫عاشرا‪ :‬في األخذ ببعض المسائل العلمية وترجيحها‪ ،‬ال‬
‫ً‬
‫يكون رائد صاحب اهلوى احلق ومعرفة الدليل الصحيح والداللة‬
‫الصرحية بل يتبىن بعض املسائل ويرجح بعض األمور هلوى يف نفسه‬
‫جديدا أو‬
‫إما موافقة لشيخه أو خمالفة لقرينه ومنازعه أو لكونه رأيًا ً‬
‫غريبًا أو لغرض دنيوي‪ ،‬وقد يكون هواه يف األخذ باألسهل وتتبع‬
‫مرجوحا ودون‬
‫ً‬ ‫الرخص وقد يكون هواه يف األخذ باألشد وإن كان‬
‫مراعاة ملصاحل شرعية‪.‬‬
‫وقد وقفت على كالم نفيس طويل للشيخ عبد الرمحن املعلمي‬
‫– رمحه اهلل – تكلم فيه عن غلبة اهلوى على كثري من النفوس ودقة‬
‫‪1‬‬
‫(?) جمموع الفتاوى‪.514 ،11 ،‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪41‬‬

‫مداخله‪ ،‬وضرب لذلك أمثاالً تصوره وتقربه ومما جاء فيه قوله‪:‬‬
‫«افرض أنك قرأت آية فالح لك منها موافقة قول إلمامك‬
‫وقرأت أخرى فالح لك منها خمالفة قول أخر له‪ ،‬أيكون نظرك‬
‫إليهما سواء ال تبايل أن يتبني منهما بعد التدبر صحة ما الح لك‪،‬‬
‫أو عدم صحته؟‬
‫افرض أنك وقفت على حديثني ال تعرف صحتهما وال‬
‫ضعفهما أحدمها يوافق قوالً إلمامك واآلخر خيالفه‪ ،‬أيكون نظرك‬
‫فيهما سواء‪ ،‬ال تبايل أن يصح سند كل منهما أو يضعف؟‬
‫تنازعا يف قضية فاستفتيت‬
‫افرض أن رجالً حتبه وأخر تبغضه ً‬
‫فيها وال تستحضر حكمها‪ ،‬وتريد أن تنظر‪ ،‬أال يكون هواك يف‬
‫موافقة الذي حتبه؟‬
‫افرض أنك وعاملا حتبه وأخر تكرهه أفىت كل منكم يف قضية‬
‫ً‬
‫واطلعت على فتويي صاحبيك فرأيتهما صوابًا ‪ ،‬مث بلغك أن عاملا‬
‫ً‬
‫أخر اعرتض على واحدة من تلك الفتاوى وشدد النكري عليها ‪،‬‬
‫أتكون حالك واحدة سواء كانت هي فتواك أم فتوى صديقك أم‬
‫فتوى مكروهك؟‬
‫منكرا وتعذر نفسك يف عدم‬
‫افرض أنك تعلم من رجل ً‬
‫اإلنكار عليه مث بلغك أن عاملا أنكر عليه وشدد النكري‪ ،‬أيكون‬
‫ً‬
‫استحسانك لذلك سواء فيما إذا كان املنكر صديقك أم عدوك‪،‬‬
‫واملنكر عليه صديقك أم عدوك؟ فتش نفسك جتدك مبتلى مبعصية‬
‫أو نقص يف الدين‪ ،‬وجتد من تبغضه مبتلى مبعصية أو نقص أخر ليس‬
‫‪42‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫يف الشرع بأشد مما أنت مبتلى به؟ فهل جتد استشناعك ما هو عليه‬
‫مساويًا الستشناعك ما أنت عليه‪ ،‬وجتد مقتك نفسك مساويًا‬
‫ملقتك إياه؟‬
‫وباجلملة فمسالك اهلوى أكثر من أن حتصى وقد جربت نفسي‬
‫زاعما أنه ال هوى يل فيلوح يل فيها معىن‪،‬‬
‫أنين رمبا أنظر يف القضية ً‬
‫تقريرا يعجبين‪ ،‬مث يلوح يل ما خيدش يف ذاك املعىن‪ ،‬فأجدين‬
‫فأقرره ً‬
‫أتربم بذلك اخلادش وتنازعين نفسي إىل تكلف اجلواب عنه وغض‬
‫النظر عن مناقشة ذاك اجلواب؛ وإمنا هذا ألين ملا قررت ذاك املعىن‬
‫تقريرا أعجبين صرت أهوى صحته‪ ،‬هذا مع أنه مل يعلم بذلك‬ ‫أوالً ً‬
‫أحد من الناس‪ ،‬فكيف إذا كنت قد أذعته يف الناس مث الح يل‬
‫اخلدش؟ فكيف لو مل يلح يل اخلدش ولكن رجالً آخر اعرتض علي‬
‫به؟ فكيف لو كان املعرتض ممن أكرهه‪.‬‬
‫والعامل قد يقصر يف االحرتاس من هواه ويسامح نفسه فتميل‬
‫إىل الباطل فينصره‪ ،‬وهو يتوهم أنه مل خيرج من احلق ومل يعاده وهذا‬
‫ال يكاد ينجو منه إال املعصوم‪ ،‬وإمنا يتفاوت العلماء‪ ،‬فمنهم من‬
‫يكثر منه االسرتسال مع هواه‪ ،‬ويفحش حىت يقطع من ال يعرف‬
‫طباع الناس ومقدار تأثري اهلوى بأنه متعمد‪ ،‬ومنهم من يقل ذلك‬
‫منه وخيف‪ ،‬ومن تتبع كتب املؤلفني الذين مل يسندوا اجتهادهم إىل‬
‫رأسا رأى فيها العجب العجاب‪ ،‬ولكنه ال يتبني له‬‫الكتاب والسنة ً‬
‫ذلك إال يف املواضع اليت ال يكون له فيها هوى‪ .‬أو يكون هواه‬
‫خمال ًفا ملا يف تلك الكتب على أنه إذا اسرتسل مع هواه زعم أن‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪43‬‬

‫موافقيه براء من اهلوى‪ ،‬وأن خمالفيه كلهم متبعون للهوى»(‪.)1‬‬


‫حادي عشر‪ :‬الجدل بالباطل وعدم االعتراف بالخطأ‬
‫ومحاولة إيجاد األعذار الوهمية والكاذبة للنفس والتسويغ‬
‫للتقصير‪ ،‬واستبدال املناقشة اهلادئة املبنية على األدلة والرباهني‬
‫وتفهم الرأي اآلخر‪ ،‬استبدال ذلك برفع األصوات وتسفيه وحتقري‬
‫الطرف اآلخر والتعامل عليه‪ ،‬ومن استحكم يف نفسه اتباع اهلوى قد‬
‫يعلم يف قرارة نفسه أن احلق مع خصمه ‪ ،‬وأنه يف جدله هذا إمنا‬
‫حياول إلباس نفسه ألبسة الزور وذر الرماد يف العيون والظهور مبظهر‬
‫العصمة من اخلطأ‪ ،‬وادعاء الصواب والرشد يف كل أقواله وأفعاله‬
‫بل ويف توقعاته وظنونه ‪ ،‬فهذه كلها دليل على أن صاحبها متبع‬
‫هلواه معجب بقوله غري خملص يف جمادلته‪.‬‬
‫ومن أخطر األمور أن يضفي على باطله صفة احلق‪ ،‬وأن‬
‫يستدل ألخطائه وتقصريه مبا ال يدل على ذلك من النصوص‬
‫الشرعية ويضعها يف غري موضعها‪.‬‬
‫ومما ذكره إمام الحرمين الجويني في آداب الجدل قال‪:‬‬
‫«فأول شيء فيه مما على الناظر أن يقصد التقرب إىل اهلل‬
‫سبحانه وطلب مرضاته يف امتثال أمره – سبحانه – فيما أمر به من‬
‫األمر باملعروف والنهي عن املنكر والدعاء إىل احلق عن الباطل‪،‬‬
‫وعما خيرب فيه‪ ،‬ويبالغ قدر طاقته يف البيان والكشف عن حتقيق احلق‬
‫ومتحيق الباطل ‪ ،‬ويتقي اهلل أن يقصد بنظره املباهاة وطلب اجلاه‬
‫‪1‬‬
‫(?) القائد إىل تصحيح العقائد ضمن التنكيل ‪ 198-2/196‬باختصار‪.‬‬
‫‪44‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫والتكسب واملماراة واحملك والرياء وحيذر أليم عقاب اهلل – سبحانه‬


‫– وال يكن قصده الظفر باخلصم والسرور بالغلبة والقهر فإن من‬
‫دأب األنعام الفحولة كالكباش والديكة»(‪.)1‬‬
‫فصاحب اهلوى معجب برأيه ولذا جتده ينفذ وميضي كل ما‬
‫خيطر بباله وما هتواه نفسه دون أن يسرتشد بآراء اآلخرين أو‬
‫يستشريهم‪ .‬وإن استشار فإمنا يستشري من يغلب على ظنه أنه يوافقه‬
‫يف هواه‪ ،‬أو يستشري يف أشياء تافهة ليست ذات بال‪.‬‬
‫ثاني عشر‪ :‬التقصير في محاسبة النفس ورؤيتها بعين‬
‫الكمال واالعتذار هلا عن تسويفها وتقصريها واتباعها هواها ‪،‬‬
‫واإلسراف يف املباحات والتقصري يف املندوبات وغشيان املكروهات‬
‫واملشتبهات‪ ،‬وعدم أخذ النفس بالعزائم واالحتياطات وعدم تطلعها‬
‫إىل مقامات الورع والتسابق واملنافسة يف اخلريات‪.‬‬
‫فكل هذه عالمات على أن صاحبها واقع يف أسر شيء من‬
‫اهلوى ‪.‬‬
‫قال ابن الجوزي – رحمه اهلل ‪.-‬‬
‫«وقد كان أهل احلزم يعودون أنفسهم خمالفة هواها وإن كان‬
‫مباحا‪ ،‬ليقع التمرين للنفس على ترك اهلوى مطل ًقا وليطلب األرباح‬
‫ً‬
‫(‪) 2‬‬
‫يف املعاملة برتك املباح» ‪.‬‬
‫ثالث عشر‪ :‬الخمول والكسل والدعة والخلود للراحة‬
‫‪1‬‬
‫(?) الكافية يف اجلدل‪ ،‬ص‪.529‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) ذم اهلوى‪ ،‬ص‪.54‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪45‬‬

‫والبطالة وتوهم كثرة االنشغال وعدم التطلع ملعايل األمور بل‬


‫يهون من شأن من يسعى لذلك ويعيب عليه‪ ،‬ويكون داعية ختذيل‬
‫وحتقري ويشهد هلذا ما روى يف احلديث‪« :‬الكيس من دان نفسه‬
‫وعمل لما بعد الموت‪ ،‬والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على‬
‫اهلل األماني»(‪.)1‬‬
‫رابع عشر‪ :‬اختراع العيوب والعراقيل أمام األعمال التي ال‬
‫أمرا ما بصورة املستحيل ويوهم وجود‬ ‫تهواها نفسه‪ ،‬فقد يصور ً‬
‫العقبات والصعوبات أمام القيام به وفعله‪ .‬لكن لو وافق هذا األمر‬
‫هوى يف نفسه فإن كل ما صوره من العقبات والصعوبات يتالشى‬
‫ويزول ويذهب أدراج الرياح وجتد هذا اهلاوي يقوم هبذا العمل خري‬
‫قيام متناسبًا أوهامه وأهواءه السابقة وقد يقلل صاحب اهلوى من‬
‫شأن عمل ما ألنه ال يرغب فيه أو ال هتواه نفسه أو ألنه يكلفه‪،‬‬
‫رغم قناعته الداخلية بأمهيته ومثرته وجدواه لكنك جتده يف وقت أو‬
‫موقف آخر ينتصر هلذا العمل نفسه ويعلي من شأنه وحياول إقناع‬
‫الناس به ويسفه من ينتقصه وما ذاك إال ألنه وافق هوى يف نفسه أو‬
‫وجد مصلحة شخصية من ورائه دون وزن مواقفه هذه مبيزان‬
‫الشرع‪.‬‬

‫خامس عشر‪ :‬الغموض وعدم الوضوح أو اإلفصاح عن‬


‫حقيقة أهدافه ومقاصده اليت محلته على قول ما قال أو فعل ما فعل‬
‫‪1‬‬
‫(?) احلديث رواه أمحد يف املس ند ‪ ،4/124‬وابن ماجة يف الزه د‪ ،‬ب اب ذكر املوت‬
‫واالستعداد له‪ ،2/1423 ،‬وضعفه األلباين يف ضعيف اجلامع الصغري‪.4/167 ،‬‬
‫‪46‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫أو ترك ما ترك‪ ،‬وإذا سئل عن ذلك حاد عن اجلواب ألنه ليس لديه‬
‫جواب مقنع‪ ،‬وقد جييب ويعلل ملوقفه مبا ال يدل على حقيقة فعله‬
‫أو تركه ولذا فإن صاحب اهلوى يكون متص ًفا بلي لسانه وإعراضه‬
‫عن قول احلق والشهادة به‪ ،‬وقد قال تعاىل‪ :‬فَاَل َتتَّبِعُوا ال َْه َوى َأ ْن‬
‫َت ْع ِدلُوا َوِإ ْن َتل ُْووا َْأو ُت ْع ِر ُ‬
‫ضوا فَِإ َّن اللَّهَ َكا َن بِ َما َت ْع َملُو َن َخبِ ًيرا‪‬‬
‫[النساء‪.]135 :‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫سادس عشر‪ :‬إن صاحب الهوى «ال يرى إال الهوى»‬
‫كما قاله ابن اجلوزي – رمحه اهلل – فكما أنه يعمل ما يعمل هلواه‪،‬‬
‫كثريا من أعمال الناس أو أكثر ما يصدر‬
‫فإنه يف الوقت نفسه يفسر ً‬
‫منهم باهلوى‪ ،‬فإذا تكلم شخص نسبه للهوى وإذا سكت فكذلك‪،‬‬
‫وإذا زاره شخص زعم أنه إمنا زاره لغرض وملصلحة ‪ ،‬وإذا تركه‬
‫شخص اهتمه باهلوى وإذا أحسن إليه أحد زعم أنه غري خملص‬
‫وهكذا ال يكاد يسلم منه أحد وكما قيل‪«:‬كل إناء مبا فيه ينضح»‬
‫وما ذاك إال ألنه ينظر مبنظار اهلوى فال يرى إال اهلوى‪.‬‬

‫***‬

‫‪1‬‬
‫(?) ذم اهلوى‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪47‬‬

‫خطر اتباع الهوى وآثاره السيئة‬


‫التباع اهلوى أضرار كثرية وآثار سيئة ميكن إجيازها فيما يلي‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنه سبب لفساد األمور‪ ،‬قال تعاىل‪َ  :‬ولَ ِو َّاتبَ َع ال َ‬
‫ْح ُّق‬
‫ض َو َم ْن فِي ِه َّن‪‬‬
‫اَأْلر ُ‬
‫ات َو ْ‬‫الس َم َو ُ‬
‫ت َّ‬‫َْأهواء ُهم لََفس َد ِ‬
‫َ َ ْ َ‬
‫[املؤمنون‪.]71 :‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه سبب الضالل عن الهدى والهوان في الدنيا‪ ،‬قال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫سلَ َخ م ْن َها فََأْتَب َعهُ‬ ‫تعاىل‪َ  :‬واتْ ُل َعلَْي ِه ْم َنبََأ الذي َآَت ْينَاهُ آَيَاتنَا فَانْ َ‬
‫ين * َولَ ْو ِشْئ نَا لََر َف ْعنَاهُ بِ َها َولَ ِكنَّهُ َأ ْخلَ َد‬ ‫ِ‬
‫الش ْيطَا ُن فَ َكا َن م َن الْغَا ِو َ‬ ‫َّ‬
‫ْب ِإ ْن تَ ْح ِم ْل َعلَْي ِه‬ ‫ض َو َّاتبَ َع َه َواهُ فَ َم َثلُهُ َك َمثَ ِل الْ َكل ِ‬ ‫ِإلَى ْ‬
‫اَأْلر ِ‬
‫ين َك َّذبُوا بِآَيَاتِنَا‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ث ذَلِ َ‬
‫ك َمثَ ُل الْ َق ْوم الذ َ‬ ‫ث َْأو َت ْت ُر ْكهُ َيل َْه ْ‬‫َيل َْه ْ‬
‫ص لَ َعلَّ ُه ْم َيَت َف َّك ُرو َن‪[ ‬األعراف‪.]176 :‬‬ ‫ص َ‬ ‫ْص ِ‬
‫ص الْ َق َ‬ ‫فَاق ُ‬
‫الثالث‪ :‬أنه سبب فساد الرأي والفكر والوقوع في‬
‫التناقض‪ .‬وهلذا حذرنا – سبحانه وتعاىل – من طاعة صاحب‬
‫اهلوى ألنه يتكلم بغري هدى ويقع يف الغفلة والعمى‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬
‫‪َ ‬واَل تُ ِط ْع َم ْن َأ ْغ َفلْنَا َقلْبَهُ َع ْن ِذ ْك ِرنَا َو َّاتبَ َع َه َواهُ َو َكا َن َْأم ُرهُ‬
‫ُف ُرطًا‪‬‬
‫منكرا إال ما وافق‬ ‫[الكهف‪ ]28 :‬وألنه ال يعرف معروفًا وال ينكر ً‬
‫هواه وهلذا ورد يف احلديث الذي رواه حذيفة‪ ،‬قال‪ :‬مسعت رسول‬
‫عودا‪،‬‬
‫عودا ً‬ ‫اهلل ‪ ‬يقول‪« :‬تُعرض الفتن على القلوب كالحصير ً‬
‫فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء‪ ،‬وأي قلب أنكرها‬
‫نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل‬
‫‪48‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫الصفا‪ ،‬فال تضره فتنة ما دامت السماوات واألرض‪ ،‬واألخر‬


‫منكرا‬
‫أسود ُمربادًّا كالكوز مجخيًا ال يعرف معروفًا وال ينكر ً‬
‫إال ما ُأشرب من هواه»(‪.)1‬‬
‫الرابع‪ :‬أنه سبب التفرق واالختالف وكثرة الشقاق والنزاع‬
‫يقول اإلمام ابن بطة‪:‬‬
‫«أعاذنا اهلل وإياكم من اآلراء املخرتعة واألهواء املتبعة‬
‫واملذاهب املبتدعة‪ ،‬فإن أهلها خرجوا عن اجتماع إىل شتات وعن‬
‫نظام إىل تفرق‪ ،‬وعن أنس إىل وحشة‪ ،‬وعن ائتالف إىل اختالف‪،‬‬
‫وعن حمبة إىل بغضة‪ ،‬وعن نصيحة ومواالة إىل غش ومعاداة‪،‬‬
‫وعصمنا وإياكم من االنتماء إىل كل اسم خالف اإلسالم‬
‫والسنة»(‪.)2‬‬
‫الخامس‪ :‬أنه موجب للعقوبة من اهلل ألنه يؤدي بصاحبه إىل‬
‫تزيني الباطل والزهد يف احلق وتأليه اهلوى فيطبع على قلبه وخيتم‬
‫ت َم ِن‬ ‫على مسعه‪ ،‬وجيعل على بصره غشاوة‪ ،‬قال تعاىل‪َ :‬أ َف َرَأيْ َ‬
‫ضلَّهُ اللَّهُ َعلَى ِعل ٍْم َو َختَ َم َعلَى َس ْم ِع ِه َو َق ْلبِ ِه‬ ‫اتَّ َخ َذ ِإلَ َههُ َه َواهُ َوَأ َ‬
‫او ًة فَ َم ْن َي ْه ِد ِيه ِم ْن َب ْع ِد اللَّ ِه َأفَاَل تَ َذ َّك ُرو َن‪‬‬
‫شَ‬ ‫ص ِر ِه ِغ َ‬
‫َو َج َع َل َعلَى بَ َ‬
‫[اجلاثية‪ .]23 :‬وقال سبحانه وتعاىل‪ :‬ومن َأ َ ِ‬
‫ض ُّل م َّم َن َّاتبَ َع َه َواهُ‬ ‫ََ ْ‬
‫بِغَْي ِر ُه ًدى ِم َن اللَّ ِه‪[ ‬القصص‪.]50 :‬‬
‫السادس‪ :‬أنه يورث الكبر والعجب فيزري بصاحبه أمام‬

‫‪1‬‬
‫(?) رواه مسلم يف كتاب اإلميان‪ ،‬برقم ‪.129-1/128 ،231‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) اإلبانة البن بطة‪.389-1/388 ،‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪49‬‬

‫اآلخرين‪ ،‬ال سيما أهل الصدق والعدل‪ ،‬ويكون مستثقالً عندهم‬


‫ممقوتًا يف نفوسهم ملا يرونه فيه من املخالفة للحق والتكرب عن اتباعه‬
‫وإعجاب صاحبه برأيه وهواه‪.‬‬
‫السابع‪ :‬أن يصد عن قبول الحق واتباعه‪ ،‬ويزين الباطل‬
‫منافحا عن الباطل‬
‫ويقلبه يف صورة احلق‪ ،‬بل رمبا صار صاحبه ً‬
‫مضادا للصواب من حيث يشعر أو ال يشعر‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد سبق ذكر قول علي بن أبي طالب – رضي اهلل عنه ‪:-‬‬
‫«إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان‪ :‬طول األمل‪ ،‬واتباع اهلوى‪،‬‬
‫فأما طول األمل فينسي اآلخرة‪ ،‬وأما اتباع اهلوى فيصد عن احلق»‪.‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم – رحمه اهلل ‪:-‬‬
‫«وما أكثر ما تفعل النفوس ما هتواه ظانة أهنا تفعله طاعة‬
‫هلل»(‪.)1‬‬
‫الثامن‪ :‬أنه سبب في ظلم العبد لنفسه ولغيره‪ ،‬فيظلم نفسه‬
‫بارتكابه ما حرم اهلل وإعراضه عما أمر اهلل به‪ ،‬ويظلم غريه بالبغي‬
‫والعدوان يف أقواله وأفعاله‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬أنه يضعف اإلرادة والعزيمة وخيذل عن طلب املعايل‪،‬‬
‫وجيعل صاحبه يف عداد أهل اجلهل واخلذالن وحيجبه عن منازل أهل‬
‫الشرف والعرفان‪.‬‬
‫العاشر‪ :‬أنه سبب في البعد عن السنة والنطق بالبدعة ولذا‬

‫‪1‬‬
‫(?) جمموع الفتاوى‪.28/207 ،‬‬
‫‪50‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫يقول أبو عثمان النيسابوري ‪ ...‬من أمر السنة على نفسه قوالً‬
‫وفعالً نطق باحلكمة‪ ،‬ومن َّأمر اهلوى على نفسه قوالً وفعالً نطق‬
‫بالبدعة؛ ألن اهلل يقول‪َ  :‬وِإ ْن تُ ِطيعُوهُ َت ْهتَ ُدوا‪[ ‬النور‪.)1(]54 :‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬أنه سبب للهموم واألحزان يقول شيخ‬
‫اإلسالم رمحه اهلل‪« :‬من اتبع هواه يف مثل طلب الرئاسة والعلو‪،‬‬
‫وتعلقه بالصور اجلميلة‪ ،‬أو مجعه للمال جيد يف أثناء ذلك من اهلموم‬
‫والغموم واألحزان واآلالم وضيق الصدر ما ال يعرب عنه ورمبا ال‬
‫يطاوعه قلبه على ترك اهلوى‪ ،‬وال حيصل له ما يسره‪ ،‬بل هو يف‬
‫دائما‪ :‬إن كان طالبًا ملا يهواه فهو قبل إدراكه حزين‬
‫خوف وحزن ً‬
‫متأمل حيث مل حيصل‪ ،‬فإذا أدركه كان خائ ًفا من زواله وفراقه»(‪.)2‬‬

‫***‬

‫‪1‬‬
‫(?) جمموع الفتاوى‪.11/586 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) جمموع الفتاوى ‪.10/651‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪51‬‬

‫عالج اتباع الهوى‬


‫وبعد هذه اجلولة مع مظاهر اتباع اهلوى‪ ،‬وبعد اإلشارة إىل‬
‫شيء من خماطره وأضراره‪ ،‬فإن املسلم الصادق املنصف من نفسه‬
‫كثريا‪.‬‬
‫يدرك أنه واقع يف شيء من تلك األهواء إن قليالً أو ً‬
‫واحلق أن هوى النفس ال يكاد ينجو منه أحد‪ ،‬وهذه األهواء‬
‫ما دامت حديث نفس فإن صاحبها ال يالم عليها‪ ،‬لكن إن اتبعها‬
‫وأظهرها قوالً أو فعالً فإنه يالم على ذلك‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم – رحمه اهلل ‪:-‬‬
‫ونفس اهلوى – وهو احلب والبغض الذي يف النفس – ال يالم‬
‫عليه فإن ذلك قد ال ميلك‪ ،‬وإمنا يالم على اتباعه كما قال تعاىل‪:‬‬
‫ود ِإنَّا جعلْنَ َ ِ ِ‬
‫َّاس بِال َ‬
‫ْح ِّق‬ ‫اح ُك ْم َب ْي َن الن ِ‬ ‫اَأْلر ِ‬
‫ض فَ ْ‬ ‫اك َخلي َفةً في ْ‬ ‫‪‬يَا َد ُاو ُ َ َ‬
‫يل اللَّ ِه‪[ ‬ص‪ .]26 :‬وقال‬ ‫ك َع ْن َسبِ ِ‬ ‫ضلَّ َ‬‫واَل َتتَّبِ ِع ال َْهوى َفي ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأض ُّل م َّم َن َّاتبَ َع َه َواهُ بغَْي ِر ُه ًدى م َن اللَّه‪[ ‬القصص‪:‬‬
‫تعاىل‪َ  :‬و َم ْن َ‬
‫‪ .]50‬وقال النيب ‪« :‬ثالث منجيات‪ :‬خشية اهلل في السر‬
‫والعالنية والقصد في الفقر والغنى‪ ،‬وكلمة الحق في الغضب‬
‫والرضا‪ .‬وثالث مهلكات‪ :‬شح مطاع‪ ،‬وهوى متبع‪ ،‬وإعجاب‬
‫المرء بنفسه»(‪.)2()1‬‬
‫ويشهد لعدم اللوم على حديث النفس قوله ‪« :‬إن اهلل تجاوز‬

‫‪1‬‬
‫(?) احلديث سبق خترجيه ص‪.14‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) جمموع الفتاوى‪.28/132 ،‬‬
‫‪52‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم»(‪.)1‬‬


‫فمنع ورود اهلوى على النفس أمر حمال‪ ،‬وإمنا يكلف اإلنسان‬
‫باالحرتاز منه وعدم اتباعه‪.‬‬
‫يقول الشيخ عبد الرحمن المعلمي‪:‬‬
‫«ومل يكلف العامل بأنه ال يكون له هوى‪ ،‬فإن هذا خارج عن‬
‫الوسع وإمنا الواجب على العامل أن يفتش نفسه عن هواها حىت‬
‫يعرفه مث حيرتز منه‪ ،‬وميعن النظر يف احلق من حيث هو حق‪ ،‬فإن بان‬
‫له أنه خمالف هلواه آثر احلق على هواه ‪.)2(»...‬‬
‫ويف احلقيقة فإن كف النفس عن هواها دليل على القوة‬
‫واحلزم‪ ،‬والعكس بالعكس وميكن أن ميثل لذلك حبال من يغضب‬
‫فيكظم غيظه ومينع جوارحه عن التعدي بالقول أو الفعل‪ ،‬ويعفو‬
‫عمن ظلمه‪ ،‬ويعطي من حرمه‪ ،‬ويصل من قطعه‪ ،‬وغري ذلك مما‬
‫ظ‬
‫ين الْغَْي َ‬ ‫ِِ‬
‫تضافرت النصوص مبدح فاعله كما قال تعاىل‪َ  :‬والْ َكاظم َ‬
‫ين‪[ ‬آل عمران‪.]134 :‬‬ ‫ِِ‬ ‫َّاس َواللَّهُ يُ ِح ُّ‬
‫ين َع ِن الن ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ال ُْم ْحسن َ‬ ‫َوال َْعاف َ‬
‫اُأْلمو ِر‪‬‬ ‫ِ‬ ‫صبر وغَ َفر ِإ َّن ذَلِ َ ِ‬
‫ك لَم ْن َع ْزم ُ‬ ‫وقال تعاىل‪َ  :‬ولَ َم ْن َ َ َ َ َ‬
‫ب‬‫[الشورى‪ .]43 :‬وقال سبحانه وتعاىل‪َ  :‬وَأ ْن َت ْع ُفوا َأق َْر ُ‬
‫لِ َّلت ْق َوى‪[ ‬البقرة‪ .]237 :‬وقال ‪« :‬ليس الشديد ُّ‬
‫بالص َرعة إنما‬
‫الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»(‪ )3‬وغري ذلك من‬
‫‪1‬‬
‫(?) رواه البخاري يف كتاب الطالق‪ ،‬باب الطالق يف اإلغالق ‪ ،6/169‬ومسلم يف‬
‫كتاب اإلميان برقم ‪.1/117 ،202‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) القائد إىل تصحيح العقائد ضمن التنكيل ‪.2/198‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) رواه مسلم يف كتاب الرب والصلة‪ ،‬برقم ‪.4/2014 ،107‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪53‬‬

‫النصوص املعلومة الدالة على هذا املعىن‪.‬‬


‫وال شك أن مغالبة الهوى ومجاهدته أمر صعب على‬
‫النفوس‪ ،‬كما قال أبو العتاهية‪:‬‬
‫أشد الجهاد جهاد الهوى‬
‫كرم المرء إال التقى‬
‫وما َّ‬
‫وأخالق ذي الفضل معروفة‬
‫(‪)1‬‬
‫ببذل الجميل وكف األذى‬
‫ولذا كان اخلوف من اهلل ومنع النفس عن هواها موجبًا‬
‫ام َربِِّه َو َن َهى‬
‫اف َم َق َ‬
‫لدخول اجلنة‪ ،‬كما قال تعاىل‪َ  :‬و ََّأما َم ْن َخ َ‬
‫ْأوى‪‬‬ ‫الن ْفس َع ِن الْهوى * فَِإ َّن ال ِ‬
‫ْجنَّةَ ه َي ال َْم َ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َّ َ‬
‫[النازعات‪ .]41-40 :‬وصار جهاد اهلوى أفضل اجلهاد‪ ،‬كما قال‬
‫رسول اهلل ‪« :‬أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه»(‪.)2‬‬
‫وما ذاك إال ألنه إذا تغلب على هواه عمل الطاعات واجتنب‬
‫احملرمات‪ ،‬خبالف ما لو كان إهله هواه‪.‬‬
‫وعلى كل حال فإذا داوم اإلنسان على جماهدة نفسه ومغالبة‬
‫هواه وخمالفته شعر بلذة وأحس بعزة ونطق باحلكمة‪ .‬وقد قال بعض‬
‫احلكماء‪« :‬أعز العز االمتناع من ملك الهوى» وقال بعض‬
‫البلغاء‪« :‬خير الناس من أخرج الشهوة من قلبه وعصى هواه في‬
‫طاعة ربه»‪ .‬وقال بعض األدباء‪« :‬من أمات شهوته فقد أحيا‬

‫‪1‬‬
‫(?) ديوان أيب العتاهية ص‪.20/‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) احلديث سبق خترجيه‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪54‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫مروءته» وقيل لبعض احلكماء‪« :‬من أشجع الناس وأحراهم‬


‫بالظفر في مجاهدته؟ قال‪ :‬من جاهد الهوى طاعة لربه واحترس‬
‫في مجاهدته من ورود خواطر الهوى على قلبه»(‪.)1‬‬
‫وقال سفيان الثوري‪« :‬أشجع الناس أشدهم من الهوى‬
‫امتناعا»(‪.)2‬‬
‫ً‬
‫عزما؟ قال‪ :‬الغالب‬
‫وقيل ليحىي بن معاذ‪ :‬من أصح الناس ً‬
‫لهواه‪.‬‬
‫وقال بعض العباد‪ :‬أشرف العلماء من هرب بدينه من الدنيا‬
‫قياده على الهوى‪.‬‬
‫واستصعب ُ‬
‫وقال معاوية‪ «:‬المروءة ترك اللذة وعصيان الهوى»‪.‬‬
‫وقال بشر احلايف‪« :‬من جعل شهوات الدنيا تحت قدميه فرق‬
‫الشيطان من ظله‪ .‬ومن غلب علمه هواه فهو الصابر الغالب‪،‬‬
‫واعلم أن البالء كله في هواك والشفاء كله في مخالفتك‬
‫إياه»(‪.)3‬‬
‫واملقصود‪ :‬أن جهاد اهلوى صعب لكن يف قهره لذة وعزة‬
‫حتدو اإلنسان إىل االستمرار يف مغالبة هواه وتسهلها عليه مىت ما‬
‫أخلص النية وصدق الطوية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) انظر هذه احلكم واألقوال يف منهاج اليقني شرح كتاب أدب الدنيا والدين‪ ،‬ج‬
‫‪ ،40‬ديوان أيب العتاهية‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) هبجة اجملالس‪ ،‬البن عبد الرب‪.1/808 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) انظر هذه األقوال وغريها يف ذم اهلوى البن اجلوزي‪ ،‬ص‪.32-22‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪55‬‬

‫وميكن أن يقال – على جهة العموم – بأن عالج اهلوى هو يف‬


‫جمانبة اهلوى واالبتعاد عن التلبس بشيء من مظاهره السابقة ويعني‬
‫على ذلك معرفة أضراره وأخطاره‪.‬‬
‫وأما على جهة التفصيل فإن عالج الهوى يكون بأمور منها‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬خشية اهلل ومراقبته في القول والعمل ويف السر‬
‫والعلن وحتري الصدق والعدل والقسط مع األقربني واألبعدين ومع‬
‫املوافقني واملخالفني مع األصدقاء واألعداء‪ .‬كما قال تعاىل‪ :‬يَا‬
‫اء لِلَّ ِه َولَ ْو َعلَى‬ ‫َُّأيها الَّ ِذين آَمنُوا ُكونُوا َق َّو ِام ِ ِ ِ‬
‫ين بالْق ْسط ُش َه َد َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ين ِإ ْن يَ ُك ْن غَنِيًّا َْأو فَق ًيرا فَاللَّهُ َْأولَى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأْن ُفس ُك ْم َأ ِو ال َْوال َديْ ِن َواَأْلق َْربِ َ‬
‫بِ ِه َما فَاَل َتتَّبِعُوا ال َْه َوى َأ ْن َت ْع ِدلُوا َوِإ ْن َتل ُْووا َْأو ُت ْع ِر ُ‬
‫ضوا فَِإ َّن اللَّهَ‬
‫َكا َن بِ َما َت ْع َملُو َن َخبِ ًيرا‪[ ‬النساء‪.]135 :‬‬
‫قال الحافظ ابن كثير‪ :‬على هذه اآلية‪:‬‬
‫«يأمر تعاىل عباده املؤمنني أن يكونوا قوامني بالقسط أي العدل‬
‫فال يعدلوا عنه ميينًا وال مشاالً‪ ،‬وال تأخذهم يف اهلل لومة الئم وال‬
‫يصرفهم عنه صارف‪ ،‬وأن يكونوا متعاونني متساعدين متعاضدين‬
‫ِ‬ ‫متناصرين فيه‪ ،‬وقوله‪ُ  :‬شه َد ِ ِ‬
‫ادةَ‬ ‫يموا َّ‬
‫الش َه َ‬ ‫اء للَّه‪ ‬كما قال‪َ  :‬وَأق ُ‬
‫َ َ‬
‫لِلَّ ِه‪ ‬أي أدوها ابتغاء وجه اهلل‪ ،‬فحينئذ تكون صحيحة عادلة ح ًقا‬
‫خالية من التحريف والتبديل والكتمان‪ ،‬وهلذا قال‪َ  :‬ولَ ْو َعلَى‬
‫َأْن ُف ِس ُك ْم‪ ‬أي اشهد احلق ولو عاد ضررها عليك‪ ،‬وإذا سئلت عن‬
‫األمر فقل احلق فيه ولو عادت مضرته عليك‪ ،‬فإن اهلل سيجعل ملن‬
‫وخمرجا من كل أمر يضيق عليه‪ .‬وقوله‪َ :‬أ ِو ال َْوالِ َديْ ِن‬‫ً‬ ‫فرجا‬
‫أطاعه ً‬
‫‪56‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫ين‪ ‬أي وإن كانت الشهادة على والديك وقرابتك فال‬ ‫َواَأْلق َْربِ َ‬
‫تراعهم فيها بل اشهد باحلق وإن عاد ضررها عليهم‪ ،‬فإن احلق‬
‫حاكم على كل أحد وقوله‪ِ :‬إ ْن يَ ُك ْن غَنِيًّا َْأو فَِق ًيرا فَاللَّهُ َْأولَى‬
‫بِ ِه َما‪ ‬أي ال ترعاه لغناه وال تشفق عليه لفقره‪ ،‬اهلل يتوالمها‪ ،‬بل هو‬
‫أوىل هبما منك وأعلم مبا فيه صالحهما‪ .‬وقوله‪ :‬فَاَل َتتَّبِعُوا ال َْه َوى‬
‫َأ ْن َت ْع ِدلُوا‪ ‬أي فال حيملنكم اهلوى والعصبية وبغض الناس لكم‬
‫على ترك العدل يف أموركم وشؤونكم‪ ،‬بل الزموا العدل على أي‬
‫حال كان»(‪.)1‬‬
‫وقال سيد قطب‪ :‬رحمه اهلل – يف تفسريه هلذه اآلية‪:‬‬
‫«كونوا قوامني بالقسط – حسبة هلل – ال حلساب أحد من‬
‫املشهود هلم أو عليهم‪ .‬وال ملصلحة فرد أو مجاعة أو أمة وال تعامال‬
‫مع املالبسات احمليطة بأي عنصر من عناصر القضية ولكن شهادة‬
‫وجتردا من كل ميل ‪ ..‬ومن كل هوى‪ ،‬ومن‬ ‫هلل‪ ،‬وتعامال مع اهلل‪ً ،‬‬
‫كل مصلحة‪ ،‬ومن كل اعتبار‪.‬‬
‫«ولو على أنفسكم أو الوالدين واألقربين»‪.‬‬
‫وهنا جيند املنهج النفس يف وجه ذاهتا ويف وجه عواطفها جتاه‬
‫ذاهتا أوالً‪ ،‬وجتاه الوالدين واألقربني ثانيًا ‪ ...‬وهي حماولة شاقة ‪...‬‬
‫كثريا من نطقها باللسان‪ .‬ومن إدراك معناها ومدلوهلا‬ ‫أشق ً‬
‫بالعقل ‪ ...‬إن مزاولتها عمليًا شيء آخر غري إدراكها عقليًا ‪...‬‬
‫ولكن املنهج جيند النفس املؤمنة هلذه التجربة الشاقة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) تفسري ابن كثري‪.2/413 ،‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪57‬‬

‫واهلوى صنوف شىت ذكر منها بعضها ‪ ...‬حب الذات‬


‫هوى ‪...‬وحب األهل واألقربني هوى‪ ،‬والعطف على الفقري يف‬
‫موطن الشهادة واحلكم هوى ‪ ...‬وجماملة الغين هوى‪ ،‬ومضارته‬
‫هوى‪ ،‬والتعصب للعشرية والقبيلة واألمة والدولة والوطن‪ ،‬يف‬
‫موضع الشهادة واحلكم هوى‪ ،‬وكراهة األعداء ولو كانوا أعداء‬
‫الدين يف موطن الشهادة واحلكم هوى ‪ ...‬وأهواء شىت الصنوف‬
‫واأللوان ‪ ...‬كلها مما ينهى اهلل الذين آمنوا عن التأثر هبا‪ ،‬والعدول‬
‫عن احلق والصدق حتت تأثريها»(‪.)1‬‬
‫فالعدل واإلنصاف واجب حىت مع الكفار كما قال تعاىل‪:‬‬
‫ْح َر ِام َأ ْن‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬
‫ص ُّدو ُك ْم َع ِن ال َْم ْسجد ال َ‬ ‫‪َ ‬واَل يَ ْج ِر َمنَّ ُك ْم َشنََآ ُن َق ْوم َأ ْن َ‬
‫ين آ ََمنُوا ُكونُوا‬ ‫َّ ِ‬
‫َت ْعتَ ُدوا‪[ ‬املائدة‪ .]2 :‬وقال تعاىل‪ :‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫اء بِال ِْق ْس ِط َواَل يَ ْج ِر َمنَّ ُك ْم َشنََآ ُن َق ْوٍم َعلَى َأاَّل‬ ‫َق َّو ِام َِّ ِ‬
‫ين لله ُش َه َد َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِإ‬ ‫َّ‬
‫ب ل َّلت ْق َوى َو َّات ُقوا اللهَ َّن اللهَ َخب ٌير ب َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َت ْعدلُوا ا ْعدلُوا ُه َو َأق َْر ُ‬
‫َت ْع َملُو َن‪[ ‬املائدة‪.]8 :‬‬
‫قال القرطبي في هذه اآلية‪« :‬واشهدوا باحلق من غري ميل إىل‬
‫أقاربكم وحيف على أعدائكم ‪ ...‬وال جيرمنكم شنآن قوم على‬
‫أيضا على أن‬ ‫ترك العدل وإيثار العدوان على احلق ‪ ...‬ودلت اآلية ً‬
‫كفر الكافر ال مينع من العدل عليه ‪.)2(»...‬‬
‫ويشهد هلذا قول عبد اهلل بن رواحة – رضي اهلل عنه – ملا بعثه‬
‫النيب ‪ ،‬خيرص على أهل خيرب مثارهم وزروعهم فأرادوا أن يرشوه‬
‫‪1‬‬
‫(?) يف ظالل القرآن ‪ ،2/776‬باختصار‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) تفسري القرطيب ‪ 110-6/109‬باختصار‪.‬‬
‫‪58‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫لريفق هبم فقال‪ :‬واهلل لقد جئتكم من عند أحب الناس إيل وألنتم‬
‫أبغض إيل من عدتكم من القردة واخلنازير‪ ،‬وال حيملين بغضي إياكم‬
‫وحيب إياه على أن ال أعدل عليكم‪ .‬فقالوا‪ :‬هبذا قامت السماوات‬
‫واألرض (‪.)1‬‬
‫واملقصود‪ :‬أن على اإلنسان أن يتحرى الصدق والعدل فيما‬
‫يأيت وما يذر وفيما يقول ويفعل‪ ،‬ال هبوى النفس ورغبات الناس‪،‬‬
‫وعليه أال تزيله املواقف العابرة عن األصول الثابتة‪.‬‬
‫ففي مقام الوالء والرباء مثالً عليه أن ينطلق من األصل الثابت‬
‫وهو مواالة املؤمنني كما قال تعاىل‪َ  :‬وال ُْمْؤ ِمنُو َن َوال ُْمْؤ ِمنَ ُ‬
‫ات‬
‫ض‪[ ‬التوبة‪ .]71 :‬فال تزول هذه املواالة خبالف‬ ‫ض ُه ْم َْأولِيَاءُ َب ْع ٍ‬
‫َب ْع ُ‬
‫عابر أو جرم ظاهر ال خيرج عن دائرة اإلسالم‪ .‬وإن كانت هذه‬
‫املواالة تزيد وتنقص حبسب الطاعة واملعصية‪.‬‬
‫كما أن على املسلم أن ينطلق من األصل الثابت يف العداء والرباء‬
‫من الكافرين‪ .‬فال يتوالهم ملعروف صنعوه أو عمل أقاموه لقوله تعاىل‪:‬‬
‫‪‬اَل تَ ِج ُد َقْوًما ُيْؤ ِمنُو َن بِاللَِّه َوالَْيْوِم اآْل َِخ ِر ُيَوادُّو َن َم ْن َح َّ‬
‫اد اللََّه‬
‫َّخ ُذوا‬ ‫ورسولَهُ‪[ ‬اجملادلة‪ ]22 :‬وقوله تعاىل‪ :‬يا َُّأيها الَّ ِذين آَمنُوا اَل َتت ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ ُ‬
‫ِ‬ ‫الْيهود والنَّصارى َأولِياء بع ُ ِ‬
‫ض َوَم ْن َيَتَولَُّه ْم مْن ُك ْم فَِإنَّهُ‬
‫اء َب ْع ٍ‬‫ض ُه ْم َْأولَي ُ‬ ‫َ ُ َ َ َ َ ْ َ َ َْ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‪[ ‬املائدة‪.]51 :‬‬ ‫مْن ُه ْم ِإ َّن اللََّه اَل َي ْهدي اْلَقْو َم الظَّالم َ‬
‫قال شيخ اإلسالم رحمه اهلل‪:‬‬
‫«وليعلم أن املؤمن جتب مواالته وإن ظلمك واعتدى عليك‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) رواه البيهقي‪ ،‬يف دالئل النبوة‪.4/230 ،‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪59‬‬

‫والكافر جتب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك‪ ،‬فإن اهلل – سبحانه‬
‫– بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله هلل‪ ،‬فيكون احلب‬
‫ألوليائه والبغض ألعدائه‪ ،‬واإلكرام ألوليائه واإلهانة ألعدائه‪،‬‬
‫والثواب ألوليائه والعقاب ألعدائه ‪ ،‬وإذا اجتمع يف الرجل الواحد‬
‫خري وشر‪ ،‬وفجور وطاعة‪ ،‬ومعصية‪ ،‬وسنة وبدعة‪ ،‬استحق من‬
‫املواالة والثواب بقدر ما فيه من اخلري‪ ،‬واستحق من املعاداة والعقاب‬
‫حبسب ما فيه من الشر‪ ،‬فيجتمع له من هذا وهذا‪ ،‬كاللص الفقري‬
‫تقطع يده لسرقته‪ ،‬ويعطى من بيت املال ما يكفيه حلاجته وهذا هو‬
‫األصل الذي اتفق عليه أهل السنة واجلماعة‪ .‬وخالفهم اخلوارج‬
‫واملعتزلة ومن وافقهم»(‪.)1‬‬
‫وبعد هذا فإنه حيق لإلنسان أن يعجب من أناس ال يستطيعون‬
‫– عمليًا وواقعيًا – أن يوالوا الشخص من وجه ويعادوه من وجه‬
‫آخر بل ال يعرفون إال املواالة مجلة أو املعاداة مجلة‪ ،‬بل رمبا يعادون‬
‫بعض املسلمني كعدائهم للكافرين‪.‬‬
‫وليس معىن هذا الكالم ترك اإلنكار على املبطلني وال الرضا‬
‫بعمل املفسدين والعاصني وال السكوت عن التحذير من ضالل‬
‫املنحرفني‪ ،‬بل يواجه الزائغون بالطرق املشروعة من اهلجر واإلنكار‬
‫أو التأليف حسب ما تقتضيه املصلحة مع كره أعماهلم وقلة احلب‬
‫هلم وبقاء أصل املواالة اإلميانية هلم ما داموا يف دائرة اإلسالم‪.‬‬
‫وعلى كل حال فامليزان الدقيق يف هذه املسألة إمنا حيصل بالعلم‬

‫‪1‬‬
‫(?) جمموع الفتاوى‪.28/207 ،‬‬
‫‪60‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫والعدل واخلشية هلل‪ ،‬فبالعلم يرتفع احلكم باجلهل‪ ،‬وبالعدل يبعد‬


‫ورعا‬
‫اإلنسان عن الظلم‪ ،‬واخلشية هلل هي اليت تورث اإلنسان ً‬
‫ومراقبة وحتريًا فيما يقوله ويفعله‪ ،‬وتضبط مشاعره وانفعاالته‪،‬‬
‫وحتجزه عن بغيه وعدوانه‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم – رحمه اهلل ‪:-‬‬
‫ظلوما جهوالً‪ ،‬فاألصل فيه عدم العلم وميله‬
‫«واإلنسان خلق ً‬
‫دائما إىل علم مفصل يزول به‬
‫إىل ما يهواه من الشر‪ ،‬فيحتاج ً‬
‫جهله‪ ،‬وعدل يف حمبته وبغضه‪ ،‬ورضاه وغضبه‪ ،‬وفعله وتركه‪،‬‬
‫وإعطائه ومنعه‪ ،‬وأكله وشربه‪ ،‬ونومه ويقظته‪ ،‬فكل ما يقوله‬
‫ويعمله حيتاج فيه إىل علم ينايف جهله‪ ،‬وعدل ينايف ظلمه فإن مل مين‬
‫اهلل عليه بالعلم املفصل والعدل املفصل وإال كان فيه من اجلهل‬
‫والظلم ما خيرج به عن الصراط املستقيم»(‪.)1‬‬
‫وقال يف موطن آخر وهو يتكلم عن احلديث السابق‪« :‬ثالث‬
‫مهلكات ‪ »...‬احلديث «فخشية اهلل بإزاء اتباع اهلوى‪ ،‬فإن اخلشية متنع‬
‫س َع ِن ال َْهَوى‪‬‬ ‫اف َمَق َام َربِِّه َوَن َهى َّ‬
‫النْف َ‬ ‫ذلك كما قال‪َ  :‬و ََّأما َم ْن َخ َ‬
‫[النازعات‪ .]40 :‬والقصد يف الفقر والغىن بإزاء الشح املطاع‪ ،‬وكلمة‬
‫احلق يف الغضب والرضا بإزاء إعجاب املرء بنفسه»(‪.)2‬‬
‫ثانيًا‪ :‬استحضار عواقب اتباع الهوى وآثاره السيئة في‬
‫الدنيا واآلخرة ففي الدنيا تناقض وذلة وفي اآلخرة عذاب‬
‫وحسرة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) جمموع الفتاوى‪.14/38 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) جمموع الفتاوى ‪.14/480‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪61‬‬

‫قال ابن اجلوزي يف ذكر عالج اهلوى‪:‬‬


‫«أن يفكر يف عواقب اهلوى‪ ،‬فكم قد أفات من فضيلة‪ ،‬وكم‬
‫قد أوقع يف رذيلة‪ ،‬وكم من مطعم قد أوقع يف مرض‪ ،‬وكم من زلة‬
‫أوجبت انكسار جاه وقبح ذكر مع إمث‪.‬‬
‫شبها‬
‫غري أن صاحب اهلوى ال يرى إال اهلوى‪ ،‬فأقرب األشياء ً‬
‫به يف املدبغة‪ ،‬فإنه ال جيد رحيها حىت خيرج فيعلم أين كان»(‪.)1‬‬
‫يعود نفسه مخالفة هواها‪ ،‬ويأخذ بزمامها‪ .‬ويقوى‬ ‫ثالثًا‪ :‬أن ّ‬
‫إرادته‪ ،‬ويروض نفسه على احلق والنطق به واالنتصار له ممن كان‬
‫وملن كان‪ ،‬كما يروضها على ترك االنتصار واملتابعة للباطل‪ ،‬وعلى‬
‫ترك املماراة واجلدل بغري علم‪ ،‬ولو كان عن نفسه‪ ،‬فليس لإلنسان‬
‫أن جيادل عن نفسه إذا كانت مبطلة فكيف عن غريه‪.‬‬
‫وما أحسن ما قاله أبو العتاهية‪:‬‬
‫خالف هواك إذا دعاك لريبة‬
‫فلرب خير في مخالفة الهوى‬
‫حتى متى ال ترعوي يا صاحبي‬
‫(‪)2‬‬
‫حتى متى حتى متى وإلى متى‬
‫أيضا‪:‬‬
‫وقال ً‬
‫سبحان ربك كيف يغلبك الهوى‬

‫‪1‬‬
‫(?) ذم اهلوى‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) البيت ان يف دي وان أيب العتاهي ة‪ ،‬ص‪ ،27-26‬ومها من قص يدة واح دة وليسا‬
‫متعاقبني‪.‬‬
‫‪62‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫سبحانه إن الهوى لغلوب‬


‫سبحان ربك ما تزال وفيك عن‬
‫(‪)1‬‬
‫إصالح نفسك فترة ونكوب‬
‫وقال شيخ اإلسالم – رحمه اهلل ‪:-‬‬
‫«إنه ال جيوز اجلدال عن اخلائن‪ ،‬وال جيوز لإلنسان أن جيادل‬
‫عن نفسه إذا كانت خائنة‪ ،‬هلا يف السر أهواء وأفعال باطنة ختفى‬
‫على الناس‪ ،‬فال جيوز اجملادلة عنها‪...‬‬
‫وقد قال تعاىل‪ :‬ب ِل اِإْل نْسا ُن َعلَى َن ْف ِس ِه ب ِ‬
‫ص َيرةٌ * َولَ ْو َألْ َقى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اذ َيرهُ‪[ ‬القيامة‪ .]15-14 :‬وقد قال النيب ‪« :‬أبغض الرجال‬ ‫مع ِ‬
‫ََ‬
‫األلد الخصم» فهو جيادل عن نفسه بالباطل وفيه لدد‪:‬‬ ‫(‪) 2‬‬
‫إلى اهلل ُّ‬
‫أي ميل واعوجاج عن احلق‪ ،‬وهذا على نوعني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أن تكون جمادلته وذبه عن نفسه مع الناس‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬فيما بينه وبني ربه‪ ،‬حبيث يقيم أعذار نفسه ويظنها‬
‫حمقة وقصدها حسنا وهي خائنة ظاملة‪ ،‬هلا أهواء خفية قد كتمتها‬
‫حىت ال يعرف هبا الرجل حىت يرى وينظر»(‪.)3‬‬
‫رابعا‪ :‬أنه يتصور تلك األهواء في حق غيره‪ ،‬ثم يتلمح‬
‫ً‬
‫عاقبتها بفكره‪ ،‬فإنه سيدرك مدى سوئها وقبحها‪ ،‬وافتضاح‬
‫‪1‬‬
‫(?) ديوان أيب العتاهية‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) رواه البخ اري يف كت اب األحك ام‪ ،‬ب اب األل د اخلص م‪ ،8/117 ،‬ومس لم يف‬
‫كتاب العلم برقم ‪.4/2054 ،5‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) جمموع الفتاوى‪ 445-14/444 ،‬باختصار‪.‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪63‬‬

‫صاحبها وحقارته وجبنه وسفالته‪.‬‬


‫خامسا‪ :‬اإلكثار من مجالسة أهل التقوى والخشية والعدل‬ ‫ً‬
‫واإلنصاف والرؤية القويمة لألمور‪ ،‬ويف املقابل يبتعد عن جمالسة‬
‫أهل األهواء‪ ،‬وحيذر منهم وميحص كل ما يصدر عنهم من أقوال‬
‫وأفعال وتصرفات وأال يقرتب منهم إال لنصحهم ومعاجلتهم‪ .‬إن‬
‫كان يستطيع ذلك وظن استجابتهم له وانتفاعهم به‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬أن يكون وقافًا عند النصوص الشرعية يزن كل ما‬ ‫ً‬
‫يصدر منه ومن غريه مبيزان الشرع غري متأثر بإرجاف املرجفني‪ ،‬أو‬
‫تزيني املفسدين‪ ،‬أو أهواء البطالني‪ ،‬أو غري ذلك من أحوال الناس‬
‫الفاسدة اليت ليس هلا اعتبار يف الشرع‪ .‬فإن مل تكن لديه القدرة‬
‫واألهلية للنظر يف النصوص الشرعية فليسأل أهل الذكر وليستفت‬
‫أهل العلم‪.‬‬
‫دائما فيما يصدر منها وعدم‬
‫سابعا‪ :‬اتهام النفس ومحاسبتها ً‬ ‫ً‬
‫االغرتار بأهوائها وتزييناهتا وخداعها‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬اإلكثار من استشارة أهل العلم واإليمان واستجالء‬
‫آرائهم حول ما يريد أن يقوله ويفعله وكذلك ترويض النفس على‬
‫استنصاح اآلخرين وتقبل اآلراء الصحيحة الصائبة وإن كانت خمالفة‬
‫ملا يف النفس‪.‬‬
‫تاسعا‪ :‬التريث وعدم االستعجال في إصدار األحكام‬‫ً‬
‫وإمضاء األعمال‪ ،‬واحلذر من ردود األفعال اليت قد يكون فيها‬
‫إفراط أو تفريط وغلو أو تقصري‪ ،‬وجهل وبغي وعدوان‪.‬‬
‫‪64‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫عاشرا‪ :‬اإلكثار من الدعاء والتضرع إلى اهلل تعالى بأن جينبه‬


‫ً‬
‫اتباع اهلوى ومضالت الفنت ويسأله تعاىل أن يوفقه لقول كلمة احلق‬
‫يف الغضب والرضا‪ .‬كما كان من دعائه ‪« :‬وأسألك كلمة الحق‬
‫في الرضا والغضب»(‪ .)1‬ويكثر من الدعاء الذي علمه رسول اهلل‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪ ‬لعلي بن أيب طالب وهو قوله‪« :‬اللهم اهدني وسددني»‬
‫ويدعو بدعاء الرسول ‪« :‬اللهم إني أعوذ بك من منكرات‬
‫األخالق واألعمال واألهواء»(‪.)3‬‬
‫***‬

‫‪1‬‬
‫(?) رواه النسائي يف كتاب السهو‪ ،‬باب الدعاء بعد الذكر ‪ ،3/55‬وصححه األلباين‬
‫كما يف صحيح اجلامع الصغري ‪.1/279‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) رواه مسلم يف كتاب الذكر والدعاء‪ ،‬برقم ‪.4/2090 ،78‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) رواه الرتمذي وصححه األلباين كما يف صحيح سنن الرتمذي‪.3/183 ،‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪65‬‬

‫الخاتمة‬
‫احلمد هلل وبعد‪ ،‬فقد تبني فيما سبق أن اتباع اهلوى خطري‬
‫جدا‪،‬وأرى أنه ال زال حباجة إىل كتابة أو كتابات دقيقة وعميقة‬
‫ً‬
‫لتشخيصه والتذكري خبطورته والتواصي باجتنابه واحلذر منه‪ ،‬ألن‬
‫كثريا ما‬
‫الفنت كثرية‪ ،‬واألهواء جاحمة‪ ،‬والنفوس ضعيفة‪ ،‬وهي ً‬
‫تنساق مع األهواء من حيث تشعر أو ال تشعر‪.‬‬
‫فالواجب على كل مسلم التنبه لذلك وأن يكون له جهد يف‬
‫مقاومته عن نفسه وعن غريه قدر ما يستطيع بالعلم والعدل‬
‫واإلخالص يف ذلك كله‪.‬‬
‫ونسأل اهلل تعاىل أن يوفق املسلمني ملا حيبه ويرضاه وأن يسلك‬
‫هبم صراطه املستقيم وجينبهم مضالت اهلوى والفنت وأن يهديهم‬
‫ويسددهم يف أقواهلم وأفعاهلم وتوجهاهتم‪ ،‬وأن يؤلف بني قلوهبم‬
‫وأن يريهم احلق ح ًقا ويرزقهم اتباعه ‪ ،‬والباطل باطالً ويرزقهم‬
‫اجتنابه ‪ ،‬وأن يوحد صفوف خاصتهم وعامتهم حتت راية السنة‬
‫واتباع منهج سلف األمة ‪ ،‬إنه ويل ذلك والقادر عليه‪ ،‬وصلى اهلل‬
‫على نبينا حممد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫***‬
‫‪66‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫فهرس المراجع‬
‫‪ -‬اإلبانة البن بطة‪ ،‬الناشر دار الراية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1409‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬االعتصام‪ ،‬لإلمام أيب إسحاق إبراهيم الشاطيب‪ ،‬املكتبة‬
‫التجارية الكربى مبصر‪.‬‬
‫‪ -‬البداية والنهاية‪ ،‬إلمساعيل بن كثري‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1966‬م‪،‬‬
‫مكتبة املعارف‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -‬هبجة اجملالس وأنس اجملالس‪ ،‬أليب عمر يوسف بن عبد الرب‪،‬‬
‫حتقيق حممد اخلويل‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬إلمساعيل بن كثري‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪1389‬هـ‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ -‬جامع العلوم واحلكم‪ ،‬للحافظ عبد الرمحن بن رجب‪،‬‬
‫الناشر املكتبة السعيدية بالرياض‪.‬‬
‫‪ -‬اجلامع ألحكام القرآن للقرطيب‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العريب‬
‫‪1387‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬دالئل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة‪ ،‬أليب بكر أمحد‬
‫البيهقي‪ ،‬حتقيق الدكتور عبد املعطي قلعجي‪ ،‬الناشر دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬ديوان أيب العتاهية‪ :‬دار صادر للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت‬
‫‪1384‬هـ‪.‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪67‬‬

‫‪ -‬ذم اهلوى أليب الفرج ابن اجلوزي حتقيق مصطفى عبد‬


‫الواحد‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1381‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬الذيل على طبقات احلنابلة‪ ،‬أليب الفرج ابن رجب‪ ،‬تصحيح‬
‫حممد حامد الفقي‪ ،‬مطبعة السنة احملمدية ‪1372‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬السنة البن أيب عاصم‪ ،‬ختريج احملدث األلباين‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫املكتب اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ -‬سنن الدارمي‪ ،‬الناشر دار إحياء السنة احملمدية‪.‬‬
‫‪ -‬سنن ابن ماجة‪ ،‬حتقيق حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء‬
‫الرتاث العريب‪.‬‬
‫‪ -‬سنن النسائي‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1348‬هـ‪ ،‬املطبعة املصرية‬
‫باألزهر‪.‬‬
‫‪ -‬صحيح البخاري‪ ،‬املكتبة اإلسالمية برتكيا ‪1979‬م‪.‬‬
‫‪ -‬صحيح اجلامع الصغري وزيادته‪ ،‬لأللباين – الطبعة الثانية‬
‫‪1406‬هـ‪ ،‬املكتب اإلسالمي – بريوت‪.‬‬
‫‪ -‬صحيح سنن الرتمذي‪ ،‬للمحدث حممد ناصر الدين األلباين‪،‬‬
‫نشر مكتب الرتبية لدول اخلليج‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1408‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬صحيح مسلم‪ ،‬حتقيق حممد فؤاد عبد الباقي ‪1400‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬صيد اخلاطر‪ ،‬أليب الفرج ابن اجلوزي‪ ،‬حتقيق عبد القادر‬
‫عطا‪ ،‬نشر مكتبة الكليات األزهرية‪.‬‬
‫‪68‬‬ ‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬

‫‪ -‬ضعيف اجلامع الصغري وزيادته‪ ،‬لأللباين‪ ،‬الطبعة الثانية‬


‫‪1399‬هـ‪ ،‬املكتب اإلسالمي – بريوت‪.‬‬
‫‪ -‬يف ظالل القرآن‪ ،‬لسيد قطب‪ ،‬الطبعة التاسعة ‪1400‬هـ‪،‬‬
‫دار الشروق‪.‬‬
‫‪ -‬القائد إىل تصحيح العقائد‪ ،‬لعبد الرمحن املعلمي‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪1401‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬الكافية يف اجلدل‪ ،‬إلمام احلرمني اجلويين‪ ،‬وحتقيق د‪ .‬فوقية‬
‫حسني‪ ،‬مطبعة البايب احلليب عام ‪1399‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬جمموع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪1967‬م‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -‬جمموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪1318‬هـ ‪ -‬مطابع الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬مسند أمحد‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1389‬هـ‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪،‬‬
‫دار صادر – بريوت‪.‬‬
‫‪ -‬منهاج السنة النبوية – شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬حتقيق د‪.‬‬
‫حممد رشاد سامل‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1406‬هـ‪ ،‬جامعة اإلمام حممد بن‬
‫سعود اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -‬منهاج اليقني شرح كتاب الدنيا الدين‪ ،‬خلان زاده‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪1400 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬املنية واألمل‪ ،‬البن املرتضى‪ ،‬حتقيق حممد جواد مشكور‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1399‬هـ‪.‬‬
‫اتباع الهـوى ‪( ..‬مظاهره ‪ .‬خطره ‪ .‬عالجه)‬ ‫‪69‬‬

‫فهرس الموضوعات‬

‫مقدمة ‪5......................................................‬‬
‫تعريف اهلوى ‪8................................................‬‬
‫ذم اتباع اهلوى ‪12.............................................‬‬
‫مظاهر اتباع اهلوى ‪18.........................................‬‬
‫خطر اتباع اهلوى وآثاره السيئة ‪47..............................‬‬
‫عالج اتباع اهلوى ‪51..........................................‬‬
‫اخلامتة ‪65.....................................................‬‬
‫فهرس املراجع ‪66..............................................‬‬
‫فهرس املوضوعات ‪69.........................................‬‬

‫***‬

You might also like