Professional Documents
Culture Documents
استراتيجيات روسيا من خلال الخرائط الجيوسياسية
استراتيجيات روسيا من خلال الخرائط الجيوسياسية
بينما يعتقد كثير من الناس أن للخرائط هد ًفا أساسيًّا وهو إظهار تفاصيل خاصة بالدول تتعلق بجغرافية البلد
والتضاريس ،إال أن الخرائط يمكنها أن تعكس أهمية أخرى تتمثل في تبيان األبعاد السياسية والعسكرية
.واالقتصادية
تقرير نشره موقع فوربس أخيرً ا جاء تحت عنوان 10 :خرائط تشرح اإلستراتيجية الروسية ،استعرض
تفاصيل جغرافية خاصة بالدولة الروسية ،باإلضافة إلى الفرص والمخاطر التي تشكلها الطبيعة الجغرافية
.لروسيا
وذكر التقرير أن الخرائط تأتي العامل األول للبدء في التفكير في إستراتيجية أي دولة ،والتي يمكن أن
.تكشف عن العوامل التي عادة ما تكون غير واضحة
بحسب التقرير H،تبين العشر خرائط التالية موقف روسيا الصعب منذ انهيار االتحاد السوفياتي وتشرح نوايا
.الرئيس الروسي ،فالديمير بوتين على المدى الطويل في أوروبا
.أحد المفاتيح لفهم االستراتيجية الروسية هو أن ننظر إلى موضعها بالنسبة إلى بقية دول أوروبا
شبه الجزيرة األوروبية محاط من ثالث جهات ببحر البلطيق وبحر الشمال والمحيط األطلسي والبحر
المتوسط والبحر األسود .ويمتد الطرف الشرقي لحدود شبه الجزيرة األوروبية من الطرف الشرقي لبحر
.البلطيق جنوبًا إلى البحر األسود
في الخريطة أعاله ،يشار إلى هذا التقسيم عن طريق الخط من سان بطرسبرج الى روستوف على نهر
الدون .هذا الخط أيضً ا يحدد الحدود الشرقية لدول البلطيق وروسيا البيضاء وأوكرانيا .هذه الدول هي
.الطرف الشرقي من شبه الجزيرة األوروبية
ال يكاد أي جزء من أوروبا يمتد ألكثر من 400ميل من البحر ،ومعظم دول أوروبا أقل من 300ميل.
معظم روسيا ،من ناحية أخرى ،غير ساحلي على نحو فعال .المحيط المتجمد الشمالي بعيد عن المراكز
السكانية في روسيا ،وعدد قليل من المنافذ التي تتواجد في معظمها غير صالحة لالستعمال في فصل
.الشتاء
تتحكم أوروبا في وصول روسيا إلى المحيطات
يعتبر وصول روسيا إلى محيطات العالم ،بغض النظر عن المنطقة القطبية الشمالية ،هو أيضً ا محدود.
.الوصول الذي لديها يتم غلقه من قبل الدول األخرى H،وهو ما يمكن مالحظته من خالل الخريطة أدناه
لدى روسيا األوروبية ثالث نقاط محتملة يمكن من خاللها الوصول إلى التجارة البحرية العالمية .أحد هذه
النقاط عبر البحر األسود ومضيق البوسفور وهو ممر مائي ضيق تسيطر عليه تركيا ،والذي يمكن بسهولة
.أن يكون مغلقًا أمام روسيا
والنقطة الثانية هي من سانت بطرسبرغ ،حيث يمكن للسفن أن تبحر في المياه الدنماركية ،ولكن يمكن
أيضً ا أن يتم غلق هذا المعبر بسهولة .والنقطة الثالثة هي الطريق الطويل للمحيط المتجمد الشمالي ،بدءًا من
.مورمانسك ثم يمتد عبر الفجوات بين جرينالند وأيسلندا ،والمملكة المتحدة
خالل الحرب الباردة ،عملت القواعد الجوية في النرويج واسكتلندا وأيسلندا ،إلى جانب مجموعة من
حامالت الطائرات ،عملت على حرمان روسيا من الوصول إلى البحر .وهذا يدل على الضعف الذي
.تواجهه روسيا بسبب افتقارها إلى الوصول إلى المحيطات والمجاري المائية
يكشف أيضً ا عن أن وصول أي دولة إلى البحر يمكن أن يؤثر إلى حد كبير في القوة االقتصادية
.والسياسية
تتجمع مجموعات السكان في روسيا على امتداد حدودها الغربية مع أوروبا وحدودها الجنوبية مع القوقاز
(.المنطقة الواقعة بين البحر األسود وبحر قزوين إلى الجنوب) .سيبيريا منطقة مزدحمة بالسكان
ويتمركز قلب الزراعة الروسية في جنوب غرب البالد .مناخ روسيا الشمالي ال يمكنه توفير الزراعة
المكثفة ،األمر الذي يجعل من الحدود الروسية مع أوكرانيا والحدود الروسية في القوقاز وآسيا الوسطى
.حيوية .كما هو الحال مع السكان ،تمثل روسيا وجنوبها المناطق الزراعية األكثر حيوية وإنتاجية
.ويمكن أيضً ا أن ننظر إلى أهمية المناطق الغربية والجنوبية في بنية النقل في البالد
وال يزال النقل بالسكك الحديدية بالغ األهمية لروسيا .مرة أخرى ،يتم التركيز على الغرب والجنوب اثنين
فقط من خطوط السكك الحديدية تربط روسيا األوروبية بالمنطقة البحرية الروسية في المحيط الهادئ،
.ومعظم سيبيريا هو خارج نطاق النقل
وتبين هذه الخرائط الثالثة النمط الداخلي األساسي لروسيا .التركيز األساسي والضعف الروسي في
الغرب ،مع مصلحة ثانوية في منطقة القوقاز .وتمتلك سيبيريا حيزً ا كبيرً ا على الخريطة ،ولكن معظمها ذو
.حد أدنى بالسكان وذو قيمة تذكر من الناحية اإلستراتيجية
أول هذه الخرائط الثالث يبين أن الحدود الغربية الحالية لروسيا تتطابق مع القاعدة في شبه الجزيرة
األوروبية .وتظهر الخرائط األخرى أن السكان والزراعة والنقل تقع على طول الحدود الغربية (مع
مجموعة ثانوية في القوقاز) .هذه المنطقة هي الجوهر الروسي ،وجميع المناطق األخرى شر ًقا في آسيا
.تمثل الهامش
وباإلضافة إلى ذلك ،فإن روسيا لديها عدد قليل من األنهار ،مما يصعب من النقل الداخلي ويقلل الكفاءة
.االقتصادية
ومع الكثير من النشاط االقتصادي الذي يقع على مقربة من الحدود ،وعدد قليل ج ًّدا من الحواجز الطبيعية،
.فإن روسيا في خطر
ال يجب أن نتفاجأ إ ًذ ا إن قلنا أن االستراتيجية الوطنية لروسيا هي في تحريك خطوطها األمامية غربًا قدر
االمكان .الطبقة األولى من البلدان في شرق شبه الجزيرة األوروبي – دول البلطيق وروسيا البيضاء،
.وأوكرانيا – توفر العمق الذي يمكن روسيا من حماية نفسها ،وكذلك توفير فرص اقتصادية إضافية
عندما هاجمت ألمانيا اإلمبراطورية النمساوية المجرية روسيا في عام ،1914سمح عمق هذه المنطقة
.للروس Hبمقاومة دون قتال تمتد إلى روسيا نفسها حتى عام 1917
وفي عام ،1941عندما هاجمت ألمانيا مرة أخرى روسيا ،كان انتشارها أكثر تطر ًفا .تظهر هذه الخريطة
المقبلة مدى التقدم .سيطرت ألمانيا على كامل هذه المنطقة عند نقطة واحدة ،ولكن ليس كلها في نفس
.الوقت
استولى األلمان على شبه الجزيرة األوروبية ،وانتقلوا شر ًقا وجنوبًا إلى القوقاز .في نهاية المطاف ،هزمت
.روسيا ألمانيا من خالل عمق وصالبة قواتها
.إذا لم يكن لدى الروس هذا العمق االستراتيجي ،لكانوا قد خسروا الحرب
.لذلك ،كانت االستراتيجية الروسية في ختام الحرب العالمية الثانية هي دفع حدودها غربًا قدر اإلمكان
وكانت روسيا قد استولت على الطبقة األولى من بلدان البلطيق وبيالروسيا وأوكرانيا وكذلك النصف
.الشرقي من ألمانيا
الموقع المثالي لروسيا شكل تهديدًا وجوديًا لبقية أوروبا .فيما كان لألوروبيين والواليات المتحدة ميزتين.
.كان لديهم تطويق واسع لروسيا وغلق قدرتها على الوصول إلى البحر في أي وقت شاؤوا
لكن األهم من ذلك ،أنشأوا الكتلة التجارية البحرية التي ولدت ثروة هائلة مقارنة مع التحالف السوفياتي.
.خلف سباق التسلح في الغرب تكلفة ال يمكن التغلب عليها لروسيا
عندما انخفضت أسعار النفط في الثمانينات ،لم يتمكن الروس من الحفاظ على انخفاض اإليرادات .وهو ما
.كان من شأنه أن يحد من قدرة االتحاد السوفياتي
ضم الغرب دول البلطيق الى حلف شمال األطلسي (الناتو) .ولم يكن لدى الروس ما يقومون به حيال ذلك.
بداًل من ذلك ،ركزوا على استقرار الوضع ،من وجهة نظرهم ،وشمل ذلك قتال المتمردين الشيشان على
.الحدود ،والتدخل في جورجيا H،وإرسال قوات إلى أرمينيا
ولكن كما تظهر هذه الخرائط H،فإن الدولة المفتاحية والرئيسية بالنسبة لروسيا بعد عام 1991كانت
أوكرانيا .كانت دول البلطيق بعيدة المنال ،وكان لدى بيالروسيا حكومة موالية لروسيا .لكن في كلتا
الحالتين ،كانت أوكرانيا المفتاح ،ألن الحدود األوكرانية مرت بقلب األراضي الزراعية في روسيا ،فضاًل
.عن المراكز السكانية الكبيرة وشبكات النقل
وكان هذا أحد األسباب التي دفعت في الحرب العالمية الثانية للتقدم نحو الحدود االوكرانية للوصول إلى
.روسيا
وفيما يتعلق بالصراع الحالي في أوكرانيا ،فإن على الروس أن يفترضوا أن مصلحة أوروبا والواليات
المتحدة في خلق نظام موا ٍل للغرب يكتنفها غرض يتجاوز أوكرانيا .من وجهة النظر الروسية ،ليس فقط
ألنها فقدت منطقة عازلة للغاية ،لكن أيضً ا ألن القوات األوكرانية المعادية لروسيا تحركت باتجاه الحدود
.الروسية
وتجدر اإلشارة إلى أن المنطقة التي يدافع عنها الروس بشراسة هي المنطقة الواقعة إلى الغرب من
.الحدود الروسية
حقيقة أن هذا السيناريو يترك روسيا في موقف ال تحسد عليه ،يعني أن الروس من غير المرجح أن يتركوا
المسألة األوكرانية كما هي اآلن .لم يكن لدى روسيا خيار لتفترض أن مصلحة الغرب في المنطقة تأتي من
.النوايا الحسنة
وفي الوقت نفسه ،ال يمكن للغرب أن يفترض أن روسيا – إذا استعادت أوكرانيا – سوف تتوقف عند هذا
الحد .لذلك ،نحن في حالة كالسيكية حيث تفترض القوتان األسوأ فيما يتعلق ببعضهما البعض .لكن روسيا
تحتل المركز األضعف ،بعد أن فقدت الطبقة األولى من شبه الجزيرة األوروبية .إنها تكافح للحفاظ على
.السالمة الجسدية للوطن األم
وليس لدى روسيا القدرة على إبراز قوة ال يستهان بها ألن قواتها البحرية ال تمتلك الخيارات األفضل
للمناورة ،وألنها ال يمكنها االعتماد على القوات الجوية في عملية الدعم بمفردها .على الرغم من أنها
انخرطت في الصراع السوري إلظهار قدراتها العسكرية وكسب النفوذ مع الغرب ،فإن هذه العملية تعتبر
ثانوية بالنسبة إلى المصالح الرئيسية لروسيا .القضية الرئيسية هي الحدود الغربية وأوكرانيا .في الجنوب،
.والتركيز على منطقة القوقاز
ومن الواضح أن االقتصاد الروسي ،استنادًا إلى صادرات الطاقة ،في ورطة خطيرة نظرً ا النخفاض
أسعار النفط في العام والنصف الماضية .ولكن روسيا كانت دائ ًما في ورطة اقتصادية خطيرة H.كان
اقتصادها كارثي قبل الحرب العالمية الثانية ،ولكنها فازت في الحرب على أي حال بتكلفة يمكن لعدد قليل
.من البلدان األخرى أن تتحملها
ولذلك ،فإن األثينيين كانوا أثرياء ،ولكن في تلك الثروة هناك نوعان من العيوب .أواًل ،الثروة تخلق مفاسد
.الترف والفخامة .ثانيًا ،الخبرة الواسعة في العالم تخلق الغموض األخالقي
لم تحظ اسبرطة بكثير من الثروة كما فعلت أثينا .كما لم تُبنَ هذه المدينة اليونانية من خالل التجارة ولكن
من خالل العمل الجاد .وبالتالي ،فإنها لم تعرف العالم ،ولكن بداًل من ذلك كان لديها شعور بسيط وقويH
.للصواب والخطأ
وكان الصراع بين قوة الثروة والقوة من خالل الجهد تاريخي .يمكن أن ينظر إليه في التمييز بين شبه
الجزيرة األوروبية وروسيا .أوروبا دنيوية وتستمد قوة كبيرة من ثروتها ،ولكنها أيضا عرضة لالقتتال
.الداخلي
.روسيا هي أكثر اتحادًا ،لكنها بلد في موقف ضعيف من الناحية الجغرافية وجوهرها غير ساحلي بطبيعتها
لذلك ،ال يمكن لروسيا أن تكون أثينا .يجب أن تكون إسبرطة ،وهذا يعني أنها يجب أن تستمد قوتها من
األرض .يجب أن يكون لروسيا قوات متطورة .كما يجب أن تكون قادرة على إنتاج ما يكفي من الثروة
للحفاظ على الجيش H،وكذلك توفير مستوى معقول من المعيشة لشعبها ،ولكن روسيا لن تكون قادرة على
.مواكبة أوروبا في هذا الصدد
.ال يزال الدعم لألمة الروسية قو ًيّا ،على الرغم من وجود مجموعات عرقية متنوعة في جميع أنحاء البالد
كل هذا يعطي الروس فرصة .ورغم اقتصادهم السيء في الوقت الراهن ،فإن بساطة موقعهم الجغرافي في
جميع النواحي يمنحهم القدرات التي يمكن أن تفاجئ خصومهم ،وربما يجعل الروس أكثر خطورة.