Professional Documents
Culture Documents
توجهات روسيا الجديدة
توجهات روسيا الجديدة
أظهرت األزمة األوكرانية األخيرة أن ثمة تغيراً في توجهات السياسة الخارجية الروسية التي ب اتت أك ثر ميالً
لالقتراب من القارة اآلسيوية ،وعلى وج ه التحدي د "الص ين" ،وأك ثر تفض يالً لالبتع اد عن الوالي ات المتح دة
وأوروبا عما كانت عليه في الماضي ،وهو م ا يع ني أن عص ر التكام ل الروس ي م ع الغ رب ق د انتهى ،وأن
.موس كو س وف تس عى في العص ر الجدي د إلى توس يع عالقته ا م ع الق وة غ ير الغربية
هذا ما تؤكده دراسة نشرها "معهد كارنيجي للسالم الدولي ـ موس كو" ،تحت عن وان "من أوروب ا العظمى إلى
مدير "Dmitri Treninآسيا العظمى ..التقارب الروسي -الصيني" ،حيث تناول من خاللها "ديمتري ترينين
مرك ز "ك ارنيجي موس كو" ،مالمح التوج ه الروس ي نح و الص ين في اآلون ة األخ يرة ،ودوافع ه السياس ية
واالقتصادية ،ونت ائج ه ذا التق ارب على ص عيد العالق ات الثنائي ة بين البل دين من ناحي ة ،وعلى تش كيل نظ ام
رى ة أخ د من ناحي المي جدي .ع
أوضح الكاتب أن االهتمام الروسي بآسيا سابق لألزمة األوكرانية ،حيث يقع ج زء من دول الق ارة على ح دود
روسيا ،وهو ما حدا بالرئيس "بوتين" خالل إلقاء خطابه السنوي بالبرلمان الروسي ع ام ،2013إلى الترك يز
على تطوير مناطق "سيبيريا والشرق األقصى الروسي" تنموياً ،مشيراً إلى الس عي الروس ي لتحقي ق الت وازن
.في عالقته ا الخارجي ة م ع كاف ة الف اعلين ح ول الع الم (الوالي ات المتح دة والص ين وأوروب ا)
وأكد الكاتب على أن األزم ة األوكراني ة ال تي نش بت في ف براير ،2014وال دعم األوروبي للتم رد في منطق ة
دونباس الشرقية ،ق د غيَّر من السياس ة الروس ية؛ إذ جعله ا تتح رر من الهيمن ة األمريكي ة وتتح دى واش نطن،
األمر الذي أدى إلى فرض عقوبات أوروبية وأمريكية عليها على الرغم من وجو د مصالح اقتصادية وتجارية
انبين األوروبي والروسي يرة بين الج .كب
وأوضحت الدراسة أن ثم ة آم االً أمريكي ة ك انت منعق دة على الموق ف الص يني ،وه و أن ت دين بكين "الغ زو
الروسي" لشبه جزي رة الق رم ،وه و م ا لم يح دث ،حيث رفض ت بكين إدان ة الس لوك الروس ي ،وامتنعت عن
ذه األزمة ق به دة المتعل رار األمم المتح ويت على ق .التص
هذا باالضافة إلى استفادة الصين التجارية ،حيث تم توقيع اتفاق لتوفير الغاز الروسي للصين بقيمة 400مليار
دوالر على م دار 30عام اً ،كم ا اس تفادت بكين من األزم ة األوكراني ة من خالل وض ع الص ين في موق ع
المنتصف بين موسكو وواشنطن ،حيث أصبحت تتمتع بعالقات جيدة مع البلدين أكثر مما يتمتعا بعالقات جي دة
هما البعض ع بعض .م
من جانب آخر أصبحت السياسة الخارجية الصينية في عهد الرئيس "أكسي جيبينغ" أك ثر نش اطاً ،حيث ب اتت
العالقات الصينية -األمريكية أك ثر تنافس ية ،وذل ك بع د أن أص بح التوس ع الص يني في الش رق ص عباً ،بينم ا
أصبح الطريق للغرب ُمحفزاً للصين لكي تحصل على الموارد واألسواق ،وتبسط نفوذها في الق ارة اآلس يوية،
يا ع روس ات م د العالق ية من خالل توطي فة رئيس ق بص ا تحق وم .وه
رون يويون اآلخ اعلون اآلس الف
اعتبرت الدراسة أن التحول الروسي نحو آسيا ،الس يما الص ين ،عقب األزم ة األوكراني ة ،ج اء نتاج ا ً لغي اب
الشركاء اآلسيويين في المنطق ة؛ فالياب ان وافقت على العقوب ات المفروض ة ض د روس يا في ظ ل تحالفه ا م ع
.الوالي ات المتح دة األمريكي ة ،ل ذا تم تأجي ل زي ارة "ب وتين" للياب ان في أواخ ر ع ام 2014
أما العالقات الروسية -الكورية الجنوبية ،فهي أفضل ح االً من الروس ية – الياباني ة ،بس بب الحاج ة الروس ية
للتكنولوجيا واالستثمارات الكورية ،وإن كان التقارب الروسي مع كوريا الجنوبية وسنغافورة وت ايوان يتوق ف
بها ير غض ذي ال يث نطن ،وال ه واش مح ب ذي تس در ال .على الق
وفيما يتعلق بالهند ،فقد سعت روسيا لعدم تطوير العالقات معها ،وكذلك م ع فيتن ام ،إلى مس توى ن وعي جدي د
بسبب عدم استجابة روسيا للتطلع الهندي للتنمية االقتصادية ،إضافة لعدم تصدر الهند قائم ة أولوي ات السياس ة
الخارجية الروسية .وبالنسبة لفيتنام ،فعلى الرغم من أهميتها لروسيا كونها البواب ة الرئيس ية لالنض مام لتجم ع
دول جنوب شرق آسيا (اآلسيان) ،بيد أن عالقة موسكو بدول جنوب شرق آسيا تتسم بالضعف بس بب ال تراجع
الي ادي والم ي االقتص .الروس
ورأت الدراس ة أن األزم ة األوكراني ة والص عوبات االقتص ادية الروس ية ق د غيَّرت من طبيع ة العالق ات بين
روسيا ودول وسط آسيا ،فبينما سعت كازاخستان قبل هذه األوض اع لالنض مام لالتح اد االقتص ادي األوروبي
.اآلس يوي ،بي د أن األزم ة أدت إلى تحف ظ كازاخس تان على العالق ات م ع روس يا
كما تشترك موسكو وبكين منذ أواخر التسعينيات في أن نظام "التعددي ة القطبي ة" ه و الش كل األمث ل للمجتم ع
الدولي؛ وحتى عام 2014كانت روس يا تس عى إليج اد مك ان لنفس ها من خالل العض وية في مجموع ة ال دول
الثماني الكبرى ،والشراكة مع الواليات المتحدة واالتحاد األوروبي وحلف شمال األطلسي "الناتو" ،وهو ما ال
ة األوكرانية تمرة لألزم داعيات المس ل الت ق في ظ ه يتحق دو أن .يب
وقد نظرت الصين بارتياح النتهاء الش راكة الروس ية -الغربي ة بع د ه ذه األزم ة ،وإن لم تص رح بكين ب ذلك
ق روسي – صيني ،خاصةً فيما يتعلق بالسياسة األمريكية التي برها الطرف ان ته دف إلى عالنية ،فقد حدث تال ٍ
نشر الفوضى في الش رق األوس ط ،وخل ق ع دم اس تقرار في المحي ط الص يني (ه ونج ك ونج ،والتبت) لع زل
.الصين وتقويضها ،ونق ل تح الف "الن اتو" ب القرب من روس يا إلحب اط خط ط التكام ل الروس ية في أوراس يا
وعلى ه ذا األس اس ،ق امت الص ين ب دعم روس يا فيم ا يتعل ق باألزم ة في أوكراني ا؛ حيث رأت أن ه ليس من
مصالحها األمنية واالقتصادية والجيواستراتيجية أن ت رى موس كو مهزوم ة من قِب ل واش نطن ،أو أن يس ودها
الفوضى ألن ذلك يمثل خطراً على بكين .وعليه ،فقد اعتبرت الض غط األم ريكي على روس يا وعقابه ا بمثاب ة
ين ةً الص ة خاص ير الغربي وى غ ذار للق .إن
وفي هذا الصدد ،أكد الكاتب أن الصين وروسيا يعقدان أن الهيمن ة األمريكي ة على الع الم ب دأت تض عف ،وأن
العالم يتجه نحو نظام عالمي أك ثر حري ة يعطي كال من بكين وموس كو حري ة حرك ة أك بر .وغ ني عن البي ان
العالقات الطيبة التي تجمع بين الرئيسين الصيني والروسي الحاليين ،وه و م ا ي وفر ُمحف زات جدي دة لتط وير
دين ات بين البل .العالق
يا العظمى ق إلى آس الطري
أوضحت الدراسة أن مستويات التعاون الصيني -الروسي ُمرشحة لكي تتطور في عدد من القضايا الرئيس ية،
وأن تصبح آسيا العظمى من شنغهاي إلى سانت بطرسبرغ ،وهو ما سيحدث في مجال الطاقة من خالل تط ور
التعاون الثن ائي بين البل دين ،ألن الص ين س وف تص بح أك بر مس تهلك للب ترول الروس ي ،بع د أن يس مح له ا
بالوصول إلى المصادر الهيدروكربونية الروسية ،كما سيحدث تطوير هائل في مجال البنية التحتية عن طريق
ة والبحرية ية البري ة الروس وير البني ين في تط تثمار الص .اس
أما في مج ال التموي ل ،فق د أعلنت بكين عن رغبته ا في أن تتوس ع في منح الق روض لموس كو ،كم ا س يؤدي
التوسع الروسي في استخدام "اليوان" الص يني إلى فتح طري ق للعمل ة الص ينية لكي تحت ل مكان ة ب ارزة ،وأن
يا ة أوراس ة في منطق ة المحتمل ة اإلقليمي ة االحتياطي بح العمل .تص
وعالوة على ذلك ،يتوقع أن تصر الصين على تحويل التكنولوجيا العسكرية الروسية المتقدمة إليها "ص واريخ
الدفاعية والجوية" ،خاصة أن البل دين عق دا من ذ ع ام 2005ت دريبات عس كرية مش تركة ،ونجح ا في تحقي ق
ق بين قوتهما ول من التواف توى مقب .مس
أيضاً ،وفيما يخص الشرق األوسط ،فإن الصين وروسيا مرشحتان للتع اون في قض ايا مث ل البرن امج الن ووي
اإلي راني ،والتواف ق بش أن قض ايا اإلقليم المختلف ة في مجلس األمن ،وإطالق مب ادرات واس تراتيجيات ح ول
وريا اع في س ل األوض ددة مث ايا مح .قض
وعالمياً ،من المتوقع أن تلجأ الصين وروسيا إلى تقوية المؤسسات الدولية غ ير الغربي ة مث ل منظم ة ش نغهاي
ال تي تمث ل األح رف األولى من أس ماء دول (البرازي ل ) (BRICSومجموع ة ال بريكس (SCO)،للتع اون
ا) وب إفريقي ين وجن د والص يا والهن .وروس
ينية ية -الص ات الروس اكل العالق ة مش معالج
أكدت الدراسة أن عالقات روسيا والصين تحوي بعض المشاكل المتوارث ة؛ فموس كو ال تري د أن تك ون تابع ة
لبكين ،كما ترفض روسيا أن تصبح شريكا ً صغيراً ألي دولة بما فيها الص ين ،وذل ك على ال رغم مم ا فرض ه
وجوب االنضمام للقطب الصيني من ذ األزم ة األوكراني ة ع ام .2014وتتعه د الص ين في المقاب ل ب أن تس ود
.عالق ات قوامه ا المس اواة والثق ة المتبادل ة وليس العالق ة الهيراركي ة ،وه و م ا س يتم اختب اره مس تقبالً
وثمة خالف حدودي بين البلدين ،والذي تم اإلع داد لتس ويته خالل الف ترة من ع ام 1991وح تى ع ام ،2004
.وه و م ا يف ترض أن يك ون ذو أهمي ة ،وإال ف إن حال ة االغ تراب بين البل دين س تتزايد
وفي وسط آسيا ،ثمة احتم ال لح دوث احتك اك أو ن زاع روس ي -ص يني ،خاص ة في ظ ل المس اعي الروس ية
لالن دماج م ع الجمهوري ات الس وفيتية الس ابقة سياس يا ً واقتص اديا ً وعس كريا ً من خالل االتح اد االقتص ادي
األوروآسيوي ،ومنظمة معاهدة األمن الجماعي ،غير أن الصين قد أظهرت ذكا ًء في التعامل مع ه ذه القض ية،
حيث تح ترم الخط وط الحم راء الخاص ة بتأس يس تحالف ات سياس ية وقواع د عس كرية في الفض اء الس وفيتي
ابق .الس
وأوضحت الدراسة أنه في ظل إدراك روسيا لحجم ضعفها ،فإنها ستسعى إلحداث توازن م ع ال دول اآلس يوية
العمالقة "الصين والهند" ،وأنها سوف تسعى لتطوير العالقات معهما لتحقيق هدفين ،أولهما أن تحتفظ بموقعها
ك ُم وفر للمعدات العسكرية للقوات المسلحة الهندية ،وأن تعطي بكين أسلحة تكنولوجية أكثر تطوراً ،وهو م ا ال
له الهند .تفض
وأكدت أن ذلك يوف يؤثر على منطقة أوراسيا ،خاصةً أفغانستان ووسط آسيا ،ويقلل من التدخل األم ريكي في
الشرق األوسط في مقابل زيادة اهتمامها بالساحل اآلسيوي من اليابان وحتى سنغافورة ،لمنع الهيمن ة الص ينية
.عليه
كما يواجه االتحاد األوروبي على المدى الطويل العزل ة عن روس يا ،وك ذلك األم ر للكيان ات األوروبي ة ال تي
تقودها روسيا مثل االتحاد االقتصادي األوروآسيوي ،حيث أصبح االتحاد األوروبي وروسيا متنافسين في عدد
.من القض ايا الجيوسياس ية ،وه و م ا ي دفع االتح اد األوروبي إلى االعتم اد على الن اتو والوالي ات المتح دة
أما اليابان ،فنتيجة لفقدان الخيار الروسي بع د أن انض مت األولى للعقوب ات الغربي ة ض د موس كو ،فإن ه يتحتم
عليها تقوية تحالفها العسكري والسياسي بالواليات المتحدة ،خاصة في ضوء احتمال عدم حياد روسيا مس تقبال
ينكاكو رة س ول جزي ين ح ان والص نزاع بين الياب ا يخص ال .فيم
وسوف يؤثر التق ارب الص يني -الروس ي على الهن د أيض اً ،بم ا ي دفعها إلى لعب دور أك ثر نش اطا ً في مثلث
نغهاي وغيرها لش ات مث ة في منظم برى خاص يوية الك وى اآلس .الق
أما فيما يتعلق بشبه الجزيرة الكورية ،فإن روسيا والصين سيعمالن بالتوازي مع بعض هما البعض ،وفي حال ة
نشوب أزمة بين الكوريتين ،فإن بكين وموسكو سينسقان سياستهما ،وسيتم تفويض الصين -بحكم مص لحتها -
رف .للتص
وفيما يتعلق بقضايا الحكم العالمي ،فإن الصين وروسيا سوف يأخذان زمام المبادرة وليس فقط اتب اع الوالي ات
تها دة أو معارض .المتح
مجمل القول ،سوف تتمكن روسيا مع الصين من تحقيق توازن في مواجهة الغرب ،لكن من غ ير المحتم ل أن
تُشكل موسكو وبكين تكتالً لمعارض ة الغ رب عس كرياً ،كم ا س تكون العالق ات الروس ية ـ الص ينية أك بر من
رن الماضي عينيات الق ذ تس ا من ودة بينهم تراتيجية الموج راكة االس .الش
عرض ُموجز لدراسة نشرت تحت عن وان" :من أوروب ا العظمى إلى آس يا العظمى ..التق ارب الروس ي * -
الص يني" ،المنش ورة في أبري ل ،2015عن "معه د ك ارنيجي ـ موس كو" الت ابع لمعه د ك ارنيجي للس الم
دولي .ال