Professional Documents
Culture Documents
قراءة في وجهة نظر خبراء روس حول مستقبل دول آسيا المركزية
قراءة في وجهة نظر خبراء روس حول مستقبل دول آسيا المركزية
عتبر خبراء روس بعد انهيار اإلتحاد السوفييتي أن آسيا المركزية من أهم مواقع السياسة العالمية في ذلك
الوقت ،ألن األعمال اإلرهابية التي جرت بتاريخ 11/9/2011في نيويورك وواشنطن أظهرت أن إنهيار
الدول في منطقة آسيا المركزية وتوقفها عن مراقبة حدودها الدولية يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية على
غيرها من مناطق العالم .وباإلضافة لذلك ستثير إهتمامات سياسة جدية لدى القوى العظمى في العالم
المعاصر كالصين ،وروسيا ،والواليات المتحدة األمريكية ،ودول اإلتحاد األوروبي 1،والهند ،وباكستان،
للتدخل بشؤون دول آسيا المركزية ،وأن هذا يشير إلى إمكانية تغيير حدود دول آسيا المركزية لمصلحة
العبين كبار من خارج اإلقليم.
فكيف يمكن أن تتغير حدود هذه الدول خالل المئة عام القادمة ؟
اعتبر كازانتسيف أ.أ .الخبير بمعهد العالقات الدولية الحكومي في موسكو أن الحدود في آسيا المركزية
متنقلة ،وأن مناقشة موضوع مستقبل الحدود بين دول آسيا المركزية ليس سهالً ولو أن تلك الحدود هي
حدود ًا إقليمية دولية "قائمة" ،وهي مرتبطة بغيرها من أقاليم العالم ،وكل ما جرى 1أنه لم يتم تحديدها بدقة
قبل إستقالل تلك الدول ،استناد ًا لوجهة نظر الجغرافيين الكالسيكيين في القرن الـ .19
وتضم "آسيا المركزية " من وجهة نظر العالقات الدولية المعاصرة خمسة جمهوريات سوفييتية سابقة
هي :قازاقستان ،وقرغيزستان ،وطاجكستان ،وتركمانستان ،وأوزبكستان .وتجري 1فيها أنهار ًا داخلية
التصب في المحيطات ،وتشغل منطقة آسيا المركزية مساحة كبيرة تمتد من الصين والهند شرق ًا نحو
الشرق األوسط غرب ًا.
وكان مفهوم "آسيا المركزية" في العهد السوفييتي منحصر ًا بالمنطقة المحيطة بمنغوليا ،واستخدم
السوفييت آنذاك مصطلح "آسيا الوسطى" للمنطقة التي كانت ال تضم قازاقستان.
ومن وجهة نظر المصطلحات المعاصرة في العالقات الدولية فإن مفهوم "آسيا المركزية" هو مفهوم
ظهر إثر إنهيار إتحاد الجمهوريات السوفييتية اإلشتراكية ،الذي كان يضم الجمهوريات السوفييتية السابقة
الخمس ،وهي :قازاقستان ،وقرغيزستان ،وطاجكستان ،وتركمانستان ،وأوزبكستان.
ووردت بدائل أخرى للمصطلح الجديد ،منها المفهوم األمريكي لـ"آسيا المركزية الكبرى" ،الذي كان
يمكن أن يضم أفغانستان وجزء ًا من باكستان أيض ًا .باإلضافة للمفاهيم الثقافية والتاريخية ،والجغرافية
واالقتصادية ،والسياسية المتعددة المرتبطة بمنطقة آسيا المركزية ،التي تتصارع فيها القوى العظمى اآلن
حول البعد األيديولوجي الرمزي لـ"اللعبة الكبيرة الجديدة" ،التي تلعبها القوى العظمى المتصارعة من
أجل التأثير على هذه المنطقة الحساسة من العالم (أنظركازانتسيف أ.أ" :.اللعبة الكبيرة" مع قواعد غير
معروفة :السياسة العالمية وآسيا المركزية .موسكو ،معهد العالقات الدولية الحكومي بموسكو؛ تراث
يوروآسيا.).2008 ،
وعلى ما نعتقد أن األهمية النهائية لتغيير الحدود الدولية لدول اإلقليم على آفاق المئة عام القادمة تأتي من
خالل عاملين اثنين:
وعلى هذا األساس يمكن تصور عدة سيناريوهات لتغيير الحدود الدولية داخل آسيا المركزية .أو ما يطلق
عليه اليوم تسمية" اللعبة الكبرى" حول مستقبل الحدود الدولية في آسيا المركزية والتي قد تشمل حتى
أفغانستان.
اإلرهاب ،أو "مصير الدول غير المكتملة" أو تجارة المخدرات .باإلضافة لمحاوالت القوى العظمى
للمحافظة على مصالحها في المنطقة التي تشكل مصدر ًا لنواقل الطاقة ،ومن الطرق الجديدة المحتملة
لمرور التجارة بين الشرق والغرب ،ومن الشمال نحو جنوب منطقة أوروآسيا.
وفي هذه الحالة يمكن توقع خيارات عديدة لنتائج التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة من قبل قوى
خارجية من خارج اإلقليم .وفي حال حدوث تعاون موجه نحو تطوير المنطقة ،فسيتم الحفاظ على الحدود
الدولية الحالية لدول المنطقة ،مع تصاعد المنافسة بين القوى العظمى لخلق توازن بينها ،وعلى سبيل
المثال:
المنافسة الجارية بين الصين أو "التحالف" بين جمهورية الصين الشعبية والفيدرالية الروسية ،مع القوى
الغربية ،وهذا قد ال يؤدي إلى حدوث تغيير في الحدود اإلقليمية ،ألن قيادات هذه الدول تعتمد في إطار
التقاليد "السياسة الممتدة عبر قرون عديدة" والباقية حتى اليوم ،على التوازن القائم بين أعمدة تلك القوى.
وألن الجغرافية السياسية "المركزية" آلسيا المركزية ،وحاجات دول المنطقة للحصول على مساعدات
خارجية تستدعي تدخل نشيط من قبل القوى العظمى في شؤونها الداخلية .وفي حال توافق العديد من
عوامل الهيمنة على آسيا المركزية يمكن إنتقالها بالكامل إلى أيدي الصين (السيناريو رقم " 1سالم صيني
مركزي") 1.ومن بين تلك الحقائق الخروج الكامل لألمريكيين من أفغانستان وآسيا المركزية خالل األعوام
الممتدة من عام 2014وحتى عام ،2020واألزمة االقتصادية الطويلة والمستمرة في أوروبا والتي سببت
وتسببت الـ"ركود" االقتصادي والديموغرافي في الفيدرالية الروسية والتي يمكن أن تتجنب الفشل من
خالل عملية التكامل األوروآسيوي.
ولكن انتقال الهيمنة إلى الصين سيجرى على مراحل :في البداية ستكون بمساعدة األدوات االقتصادية،
وسياسة عدم فرض الهيمنة ،وبعدها تأتي إليهم بـ"القوة الخفيفة" على شكل نشر اللغة والثقافة وسط
الشرائح العليا في المجتمع .وستجد الصين لغة مشتركة مع النخب العلمانية في المنطقة ،ومع المتطرفين
اإلسالميين (بمساعدة حليفتها باكستان) ،وستحاول توجيه طاقاتهم لمواجهة التأثير الغربي .ومن عام 2015
وعلى قاعدة "السوق المشتركة " المحدثة بين دول منظمة شنغهاي للتعاون ،وبغض النظر عن المقاومة
الخفية للفيدرالية الروسية ،بدأت الهيمنة الصينية باإلنتشار على آسيا المركزية والقسم اآلسيوي من
روسيا ،وضمت جملة من األعضاء المنتسبين على الساحة السوفييتية السابقة ،مثل :القسم األوروبي من
روسيا ،وأرمينيا ،وبيالروسيا .لتبدأ عملية تعميق التكامل االقتصادي والسياسي .وفي النهاية وخالل ستة
عقود او قرن من الزمن سيتم "تمدد الصين".
وهنا البد من تذكر أن حدود إمبراطورية تانغ في الصين إمتدت بعمق نحو غرب الحدود المعاصرة،
حتى أن الشاعر الصيني الشهير لي بو ولد على أراضي قرغيزيا الحالية ،أو المقاطعة الصينية السابقة
آنذاك .وباإلضافة لذلك هناك حدود ًا مشتركة لدول آسيا المركزية اليوم مع جمهورية الصين الشعبية تختلف
عن حدود المرحلة السوفييتية ،ألن عملية ترسيم الحدود في إطار "عملية شنغهاي" تم تحريكها لصالح
جمهورية الصين الشعبية.
وفي إطار إعالن التكامل االقتصادي األوروآسيوي الذي وقع في الكرملين عام ،2011من الممكن أن
تتمكن الفيرالية الروسية من تشكيل نموذج فعال وجذاب للدول الجارة من أجل التطور اإلجتماعي
واالقتصادي السريع ،ليكون السناريو الـ 2وهو" :إعادة دمج الساحة السوفييتية السابقة" .ولكن هذا
المسار لـ"اللعبة الكبيرة الحديدة " كان غير واقعي قبل نحو عشرين سنة مضت .حيث كان من الممكن
أكثر إحياء االتحاد السوفييتي أو اإلمبراطورية الروسية .وهذه اإلمكانية تعادل عامل الصفر اليوم ،وتتراجع
عام ًا بعد عام .وإذا استطاعت الفيدرالية الروسية أن تشكل نموذج ًا للتطور اإلجتماعي واالقتصادي الفعال
والجذاب للجيران بشكل سريع ،فهذا يعني إمكانية أن يصبح السيناريو الـ 2وهو" :إعادة دمج الساحة
السوفييتية السابقة" أمر ًا ممكن ًا.
مثال :التكامل االقتصادي األوروآسيوي .وعندها يمكن في المستقبل توقع اختفاء الحدود والعودة لألوضاع
التي كانت قائمة في النصف الثاني من القرن الـ 19وحتى تسعينات القرن الـ .20
وخالل تسعينات القرن الماضي نوقش بديل آخر لتغيير الحدود الدولية الداخلية في آسيا المركزية .اعتماد ًا
على فكرة تكامل آسيا المركزية وفق النموذج األوروبي .وكانت كل محاوالت دول آسيا المركزية للتعاون
داخل اإلقليم حتى الوقت الراهن فعالة ،من خالل األجهزة اإلقليمية ،مثل :جماعة آسيا المركزية
االقتصادية ،ومنظمة التعاون في آسيا المركزية ،رغم أنها لم تؤدي إلى نتائج إيجابية بسبب بعض قضايا
الخالف في العالقات بين دول المنطقة وخاصة حول المياه ،والطاقة ،والبيئة ،والتي يصعب حلها على آفاق
السنوات القريبة القادمة.باإلضافة للتوتر الناجم عن أسباب موضوعية في العالقات بين أوزبكستان
وطاجكستان والتي يمكن أن تستمر لفترة طويلة.
ومع ذلك يمكن تصور أنه خالل الثالثين سنة القادمة ومن خالل نموذج اإلدارة الفعالة لمياه األنهار العابرة
آلراضي دول اإلقليم يمكن أن يبدأ تكامل ناجح في آسيا المركزية ،ليظهر في النهاية وخالل المئة عام
القادمة "إتحاد آسيا المركزية " مع أجهزته المشابهة لإلتحاد األوروبي .كما ويمكن أن نتصور توسعه
وفق نموذج ضغوط الواليات المتحدة األمريكية إلى "آسيا المركزية الكبرى" ليضم أفغانستان
وباكستان مع إجراء إصالحات ليبرالية في إيران وهو :السيناريو الـ " :3تكامل آسيا المركزية" .وهناك
تكهنات لتنفيذ سيناريو التكامل على ساحة أصغر ،عن طريق إقامة إتحاد اقتصادي بين قازاقستان
وقرغيزستان أو عن طريق إقامة حلف عسكري وسياسي حول أوزبكستان التي تتعزز قدراتها يوم ًا بعد
يوم.
وهناك تكهنات أخرى حول مسار "اللعبة الجديدة الكبرى" .برزت تحت تأثير األوضاع السائدة في
أفغانستان ،وتصاعد التطرف اإلسالمي على ضوء القضايا اإلجتماعية واالقتصادية والديموغرافية
الضخمة ،آخذين بعين اإلعتبار الصراعات العشائرية والسياسة التي يمكن أن تؤدي إلى تنفيذ السيناريو الـ
4وهو" :الخالفة " ،ومن المتوقع أن ال يشمل هذا السناريو كل دول آسيا المركزية ،بل بعض مناطقها فقط
وخاصة وادي فرغانة.
وتشير العوامل المشتركة للمصالح متعددة الجوانب في آسيا المركزية باالضافة لضعف دول المنطقة،
وهشاشة حدودها القائمة ،إلى أنه يمكن أن يكون من طبيعة تطور األحداث في آسيا المركزية خالل القرن
القادم ،العمل المشترك من خالل عاملين داخليين هامين ،يعتمدان على التقارب القومي من جانب ،وعلى
التناقضات القومية الداخلية من خالل التركيبة الموضوعية المشتركة واإلقليمية من جهة أخرى .وسنبحث
العوامل الداخلية .التي ظهرت في دول المنطقة عام 1991على أساس الجمهوريات السوفياتية السابقة،
والتي كنت كلها تتعرض لتحديات أمنية غير عادية عالية كاإلرهاب ،والتطرف الديني ،وتهريب المخدرات.
وتميز بعضها كقرغيزستان ،وطاجكستان بـ"الضعف" واعتمادهما على توازن "الدول الفاشلة" .والدور
الكبير في تصاعد التهديدات الجديدة تلعبه الجارة أفغانستان ،ففي "الدول الفاشلة" كالسيكي ًا كل العوامل
الموضوعية حدثت في نهاية القرن الـ 20وبداية القرن الـ ،21وتحدثت عن آفاق إمكانية تغيير نظام حدود
دول المنطقة خالل فترة محددة.
والحدود الداخلية في آسيا المركزية المعاصرة جرى تحديدها نتيجة إليجاد تركيبات عرقية ،وعرقية
مشتركة متناقضة .وكما هو معروف قام البالشفة برسم حدود الدول القائمة بشكل مصطنع أثناء رسم
الحدود القومية التي جرت خالل الفترة الممتدة من عام 1920وحتى عام .1930وتجاهل البالشفة فيها
تركيبة الجوزات ،والقبائل (لدى القازاق والتركمان) ،والمناطق (لدى القرغيز ،واألوزبك 1،والطاجيك)
وفوق كل ذلك تجاهلوا تركيبة القبائل "سارتي" ،و"تركي" 1،و"مسلمين" ،وتجاهلوا ما حددته اإلدارات
السياسية القديمة كإمارة بخارى ،وخانية خيوة ،وخانية قوقند.
وتجاهلوا العوامل اللغوية لدى السكان الناطقين باللغة الطاجيكية في سمرقند ،والسكان الناطقين باللغة
األوزبكية في طاجكستان ،وتجاهلوا كذلك رسم الحدود بين الواحات:
وادي فرغانة ،الجزء السابق من خانية قوقند ،والوادي الممتد أسفل مجرى نهر أموداريا والذي كان ضمن
خانية خيوة ،وهكذا .وكل هذا كان سبب ًا لحدوث نزاعات عشائرية وقبائلية وإقليمية جدية داخل الدول
المستقلة الجديدة .وال توجد أية آمال لتوقع إمكانية تجاوز هذه النزاعات نهائي ًا خالل السنوات القريبة
القادمة.
وهنا يمكن اإلشارة إلى الخبرة المشابهة في إفريقيا ،حيث أدت القضايا المصطنعة المشابهة لرسم الحدود
وارتباطاتها بالتوترات الداخلية للدول التي غلبت عليها مظاهر تصاعد التوتر ،واإلبتعاد عن الحلول .ومن
بينها كانت تلك الدولة التي ولدت على أساس التقسيمات القبلية القديمة ،وأثمرت منذ مدة قريبة عن ظهور
دولة جديدة حملت إسم "جنوب السودان".
وإقامة التوافق القومي الجديد الناجح يعتبر حقيقة أيض ًا في الوقت الراهن .فقد ظهرت هويات عرقية
وقومية في كل جمهوريات اإلتحاد السوفييتي السابق في وسط آسيا ،ففي قازاقستان ظهرت هوية المواطن
القازاقستاني ،وضمت القازاق أو القازاقستانيين ،والقرغيز ،واألوزبك 1،والتركمان ،والطاجيك من سكان
البالد مع ًا ،مع هوية دولتهم المستقلة قازاقستان وأراضيها التي هي بمثابة واقع مفروض ،فرضته السلطات
السوفييتية السابقة والتاريخ السوفييتي .ومن غير المتوقع أن يستطيع أي منهم "العودة نحو الوراء" بهذه
الحقائق الحياتية في القريب العاجل من أجل إقامة "الخالفة" ،أو إحياء اإلتحاد السوفييتي السابق أو أية
تركيبة إمبراطورية فوق القومية .وهذه المحاوالت ال تقبلها أكثرية السكان بل حتى باإلجماع.
وهكذا سيكون من طبيعة تطور األحداث في آسيا المركزية خالل القرن القادم العمل المشترك من خالل
عاملين داخليين ،يعتمدان على الهوية القومية من جانب ،وعلى التناقضات الداخلية بسبب التركيبة العرقية
والقومية المشتركة من جانب آخر.
وما ذكر أعاله يشير بالكامل إلى إمكانية تطبيق السيناريو الـ 5وهو" :اإلنحالل الكامل" .وفي الحاالت
القصوى يمكن البدء بتطور األحداث في المنطقة وخاصة القسم الجنوبي منها ،وفق سيناريو طويل المدى
يشبه ما يجرى في أفغانستان.
ويمكن اعتبار سيناريو "السالم المركزي" معقوالً جد ًا ،ألن موقف الصين بالذات يبدو في الوقت الراهن
وكأنه أكثر قوة مقارنة مع غيرها من القوى العظمى التي لها مصالح في آسيا المركزية .و"جزئي ًا" ال
يستثنى إنحالل الدول ،وخاصة "الهشة" منها .وهذا يجعل تعديل السيناريو الـ 5الذي هو أكثر إحتماالً .ففي
تسعينات القرن الماضي جرت أحاديث كثيرة حول إضمحالل دول آسيا المركزية في دولة واحدة .وأثارت
الحرب األهلية في طاجكستان مزاودات على موضوع اإلضمحالل الكامل لهذه الدول .وأدت المواجهات
التي جرت على جبال بدهشان في صيف عام 2012إلى "صب الزيت على النار" فقط على تلك
النقاشات .ولم يزل اإلنقسام الجغرافي والسياسي العميق بين الشمال والجنوب مسألة هامة للبحث حول
انقسام قرغيزستان ،ألن سيطرة حكومة بشكيك على جنوب البالد وخاصة مدينة أوش يحمل طابع ًا رمزي ًا
حتى اآلن.
وتعتبر أوزبكستان وتركمانستان وقازاقستان عادة دوالً مستقرة ،ولكن التطرف اإلسالمي في وادي
فرغانه ،والتوتر العشائري على جميع أراضي البالد مع وجود مطالب حدودية تشمل المتحدثين باللغة
الطاجيكية في سمرقند من جانب النخبة الطاجيكستانية ،أثارت األحاديث حول إمكانية تفكك أوزبكستان.
كما ودارت شائعات أيض ًا في أوساط المعارضة التركمانية حول إمكانية خروج األراضي الغنية
باألوغلوفودورود 1والتي تسكنها قبائل يومود ،وتشكيل دولة "يوموديستان" في المستقبل .وفي النهاية حتى
قازاقستان التي هي حتى اآلن وفق المقاييس اإلقليمية تتمتع بمستوى عال من اإلستقرار ،إال أن المناقشات
الروسية التي كانت دائرة في تسعينات القرن الماضي أشارت إلى أنها مرشحة للتفكك .وأساس تلك
التوقعات كان حقيقة هيمنة السكان الروس على القسم الشمالي من البالد ،وحتى أن القسم الذي يشمل
القازاق منهم يتمسك بالمشاعر اإلنفصالية .وكل هذه اإلحتماالت والتوقعات وبغض النظر عن القضايا
الممكنة في دول المنطقة ،فإنها لم تثبت واقعيتها حتى اآلن.
ولكن تصاعد التطرف اإلسالمي والصراعات العشائرية والسياسية يمكن أن يؤدي إلى تنفيذ السيناريو الـ
4وهو" :الخالفة اإلسالمية " في وادي فرغانة على األقل .وفي النهاية ال بد من اإلشارة إلى أن
اتجاهات التحليالت الواقعية المتداولة حتى اآلن ،والممتدة عبر قرن من الزمن باإلضافة للتفاعالت الجارية
في الوقت الراهن ،فإن أكثر المحللين يعتبرون أن السيناريوهات 1و 5هما األكثر إحتما ً
ال من غيرهما من
السيناريوهات ويمكن تنفيذها في آن مع ًا ،ألنها غير متناقضة .بل على العكس إحتمال تفكك بعض دول
المنطقة يمكن أن يزيد من إهتمام جمهورية الصين الشعبية ونزوعها نحو التدخل في الشؤون الداخلية آلسيا
المركزية .ألن سيناريو "السالم المركزي" يمكن أن يعتبر واقي ًا بشكل كامل ،وألنه يمثل موقف الصين
في الوقت الراهن ،ويبدو أكثر قوة مقارنة بمواقف غيرها من القوى العظمى التي لها مصالح في آسيا
المركزية .وألن سيناريو "اإلضمحالل الكامل " يمكن النظر إليه كسيناريو واقعي بشكل كاف في بعض
الدول األكثر إستقرار ًا في المنطقة ،إعتماد ًا على القضايا اإلجتماعية واالقتصادية والسياسية التي تواجهها
اليوم.
واستعراض اإلتجاهات المشار إليها أعاله والسيناريوهات المقدمة ،آخذ بعين اإلعتبار أهمية منطقة آسيا
المركزية للفيدرالية الروسية ويبعث القلق لدى نخبة من السياسيين الروس في عالم اليوم.
ولكن الذي حدث بعد انتخاب شوكت ميرضيائيف وتوليه منصب رئيس جمهورية أوزبكستان أن سياسة
جديدة ظهرت في المنطقة تدعوها بمبادرة منه للتعاون من أجل تحقيق المصالح الوطنية مع مراعاة
المصالح المتبادلة وحسن الجوار في العالقات المشتركة السياسية واالقتصادية والثقافية واالنسانية
والبيئية ،وبذلك ساعدت سياسته اإلقليمية والدولية الناجحة على طوي صفحة أخرى من صفحات سياسة
فرق تسد التي مارستها وتمارسها القوى العظمى عادة لتحقيق مآربها في شتى أنحاء العالم منذ عدة قرون.