Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 7

‫قراءة في وجهة نظر خبراء روس حول مستقبل دول آسيا المركزية‬

‫كتبها‪ ‬أ‪.‬د‪ .‬محمد البخاري‪ :‬دكتوراه في العلوم السياسية (‪ ،)DC‬تخصص‪ :‬الثقافة السياسية‬


‫واأليديولوجية‪ ،‬والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور‪ 1‬العولمة ‪ ،‬ودكتوراه فلسفة في األدب (‪،)PhD‬‬
‫تخصص‪ :‬صحافة‪ .‬بروفيسور متقاعد‪.‬‬

‫عتبر خبراء روس بعد انهيار اإلتحاد السوفييتي أن آسيا المركزية من أهم مواقع السياسة العالمية في ذلك‬
‫الوقت‪ ،‬ألن األعمال اإلرهابية التي جرت بتاريخ ‪ 11/9/2011‬في نيويورك وواشنطن أظهرت أن إنهيار‬
‫الدول في منطقة آسيا المركزية وتوقفها عن مراقبة حدودها الدولية يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية على‬
‫غيرها من مناطق العالم‪ .‬وباإلضافة لذلك ستثير إهتمامات سياسة جدية لدى القوى العظمى في العالم‬
‫المعاصر كالصين‪ ،‬وروسيا‪ ،‬والواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬ودول اإلتحاد األوروبي‪ 1،‬والهند‪ ،‬وباكستان‪،‬‬
‫للتدخل بشؤون دول آسيا المركزية‪ ،‬وأن هذا يشير إلى إمكانية تغيير حدود دول آسيا المركزية لمصلحة‬
‫العبين كبار من خارج اإلقليم‪.‬‬

‫فكيف يمكن أن تتغير حدود هذه الدول خالل المئة عام القادمة ؟‬
‫اعتبر‪ ‬كازانتسيف أ‪.‬أ‪  .‬الخبير بمعهد العالقات الدولية الحكومي في موسكو أن الحدود في آسيا المركزية‬
‫متنقلة‪ ،‬وأن مناقشة موضوع مستقبل الحدود بين دول آسيا المركزية ليس سهالً ولو أن تلك الحدود هي‬
‫حدود ًا إقليمية دولية "قائمة"‪ ،‬وهي مرتبطة بغيرها من أقاليم العالم‪ ،‬وكل ما جرى‪ 1‬أنه لم يتم تحديدها بدقة‬
‫قبل إستقالل تلك الدول‪ ،‬استناد ًا لوجهة نظر الجغرافيين الكالسيكيين في القرن الـ ‪.19‬‬

‫وتضم "آسيا المركزية " من وجهة نظر العالقات الدولية المعاصرة خمسة جمهوريات سوفييتية سابقة‬
‫هي‪ :‬قازاقستان‪ ،‬وقرغيزستان‪ ،‬وطاجكستان‪ ،‬وتركمانستان‪ ،‬وأوزبكستان‪ .‬وتجري‪ 1‬فيها أنهار ًا داخلية‬
‫التصب في المحيطات‪ ،‬وتشغل منطقة آسيا المركزية مساحة كبيرة تمتد من الصين والهند شرق ًا نحو‬
‫الشرق األوسط غرب ًا‪.‬‬

‫وكان مفهوم "آسيا المركزية" في العهد السوفييتي منحصر ًا بالمنطقة المحيطة بمنغوليا‪ ،‬واستخدم‬
‫السوفييت آنذاك مصطلح "آسيا الوسطى" للمنطقة التي كانت ال تضم قازاقستان‪.‬‬

‫ومن وجهة نظر المصطلحات المعاصرة في العالقات الدولية فإن مفهوم "آسيا المركزية" هو مفهوم‬
‫ظهر إثر إنهيار إتحاد الجمهوريات السوفييتية اإلشتراكية‪ ،‬الذي كان يضم الجمهوريات السوفييتية السابقة‬
‫الخمس‪ ،‬وهي‪ :‬قازاقستان‪ ،‬وقرغيزستان‪ ،‬وطاجكستان‪ ،‬وتركمانستان‪ ،‬وأوزبكستان‪.‬‬

‫ووردت بدائل أخرى للمصطلح الجديد‪ ،‬منها المفهوم األمريكي لـ"آسيا المركزية الكبرى"‪ ،‬الذي كان‬
‫يمكن أن يضم أفغانستان وجزء ًا من باكستان أيض ًا‪ .‬باإلضافة للمفاهيم الثقافية والتاريخية‪ ،‬والجغرافية‬
‫واالقتصادية‪ ،‬والسياسية المتعددة المرتبطة بمنطقة آسيا المركزية‪ ،‬التي تتصارع فيها القوى العظمى اآلن‬
‫حول البعد األيديولوجي الرمزي لـ"اللعبة الكبيرة الجديدة"‪ ،‬التي تلعبها القوى العظمى المتصارعة من‬
‫أجل التأثير على هذه المنطقة الحساسة من العالم (أنظركازانتسيف أ‪.‬أ‪" :.‬اللعبة الكبيرة" مع قواعد غير‬
‫معروفة‪ :‬السياسة العالمية وآسيا المركزية‪ .‬موسكو‪ ،‬معهد العالقات الدولية الحكومي بموسكو؛ تراث‬
‫يوروآسيا‪.).2008 ،‬‬

‫وعلى ما نعتقد أن األهمية النهائية لتغيير الحدود الدولية لدول اإلقليم على آفاق المئة عام القادمة تأتي من‬
‫خالل عاملين اثنين‪:‬‬

‫األول‪ :‬خارجي (وتلعبه السياسة العالمية‪ ،‬وخاصة سياسة الدول العظمى)؛‬


‫والثاني ‪ :‬داخلي (وتلعبه التغيرات الهيكلية الجارية داخل دول آسيا المركزية)‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس يمكن تصور عدة سيناريوهات لتغيير الحدود الدولية داخل آسيا المركزية‪ .‬أو ما يطلق‬
‫عليه اليوم تسمية‪" ‬اللعبة الكبرى"‪  ‬حول مستقبل الحدود الدولية في آسيا المركزية والتي قد تشمل حتى‬
‫أفغانستان‪.‬‬

‫ولنبدأ من‪ ‬العامل الخارجي‪:‬‬


‫فالجغرافية السياسية "المركزية" آلسيا المركزية‪Frank A.G. The Centrality of Central( ،‬‬
‫‪ ).Asia. Amsterdam: VU University Press, 1992‬وحاجة دول المنطقة للمساعدات الخارجية‬
‫تجلب لها تدخالت واقعية في شؤونها الداخلية من قبل قوى عظمى مثل‪ :‬جمهورية الصين الشعبية‪،‬‬
‫والفيدرالية الروسية‪ ،‬والواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬ودول اإلتحاد األوروبي‪ ،‬وجمهورية الهند‪ ،‬وغيرها من‬
‫القوى المؤثرة في العالم‪ .‬وهذه اإلتجاهات يمكن تمريرها مستقبالً ولو أن دول المنطقة غير ملزمة بقبول‬
‫صراعات القوى العظمى الواردة ضمن آفاق "اللعبة الكبرى الجديدة"‪ .‬ولكن الحديث يمكن أن يدور‬
‫حول التعاون من أجل حل القضايا اإلقليمية الهامة‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫اإلرهاب‪ ،‬أو "مصير الدول غير المكتملة" أو تجارة المخدرات‪ .‬باإلضافة لمحاوالت القوى العظمى‬
‫للمحافظة على مصالحها في المنطقة التي تشكل مصدر ًا لنواقل الطاقة‪ ،‬ومن الطرق الجديدة المحتملة‬
‫لمرور التجارة بين الشرق والغرب‪ ،‬ومن الشمال نحو جنوب منطقة أوروآسيا‪.‬‬

‫وفي هذه الحالة يمكن توقع خيارات عديدة لنتائج التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة من قبل قوى‬
‫خارجية من خارج اإلقليم‪ .‬وفي حال حدوث تعاون موجه نحو تطوير المنطقة‪ ،‬فسيتم الحفاظ على الحدود‬
‫الدولية الحالية لدول المنطقة‪ ،‬مع تصاعد المنافسة بين القوى العظمى لخلق توازن بينها‪ ،‬وعلى سبيل‬
‫المثال‪:‬‬

‫المنافسة الجارية بين الصين أو "التحالف" بين جمهورية الصين الشعبية والفيدرالية الروسية‪ ،‬مع القوى‬
‫الغربية‪ ،‬وهذا قد ال يؤدي إلى حدوث تغيير في الحدود اإلقليمية‪ ،‬ألن قيادات هذه الدول تعتمد في إطار‬
‫التقاليد "السياسة الممتدة عبر قرون عديدة" والباقية حتى اليوم‪ ،‬على التوازن القائم بين أعمدة تلك القوى‪.‬‬

‫وألن الجغرافية السياسية "المركزية" آلسيا المركزية‪ ،‬وحاجات دول المنطقة للحصول على مساعدات‬
‫خارجية تستدعي تدخل نشيط من قبل القوى العظمى في شؤونها الداخلية‪ .‬وفي حال توافق العديد من‬
‫عوامل الهيمنة على آسيا المركزية يمكن إنتقالها بالكامل إلى أيدي الصين (السيناريو رقم ‪" 1‬سالم صيني‬
‫مركزي")‪ 1.‬ومن بين تلك الحقائق الخروج الكامل لألمريكيين من أفغانستان وآسيا المركزية خالل األعوام‬
‫الممتدة من عام ‪ 2014‬وحتى عام ‪ ،2020‬واألزمة االقتصادية الطويلة والمستمرة في أوروبا والتي سببت‬
‫وتسببت الـ"ركود" االقتصادي والديموغرافي في الفيدرالية الروسية والتي يمكن أن تتجنب الفشل من‬
‫خالل عملية التكامل األوروآسيوي‪.‬‬

‫ولكن انتقال الهيمنة إلى الصين سيجرى على مراحل‪ :‬في البداية ستكون بمساعدة األدوات االقتصادية‪،‬‬
‫وسياسة عدم فرض الهيمنة‪ ،‬وبعدها تأتي إليهم بـ"القوة الخفيفة" على شكل نشر اللغة والثقافة وسط‬
‫الشرائح العليا في المجتمع‪ .‬وستجد الصين لغة مشتركة مع النخب العلمانية في المنطقة‪ ،‬ومع المتطرفين‬
‫اإلسالميين (بمساعدة حليفتها باكستان)‪ ،‬وستحاول توجيه طاقاتهم لمواجهة التأثير الغربي‪ .‬ومن عام ‪2015‬‬
‫وعلى قاعدة "السوق المشتركة " المحدثة بين دول منظمة شنغهاي للتعاون‪ ،‬وبغض النظر عن المقاومة‬
‫الخفية للفيدرالية الروسية‪ ،‬بدأت الهيمنة الصينية باإلنتشار على آسيا المركزية والقسم اآلسيوي من‬
‫روسيا‪ ،‬وضمت جملة من األعضاء المنتسبين على الساحة السوفييتية السابقة‪ ،‬مثل‪ :‬القسم األوروبي من‬
‫روسيا‪ ،‬وأرمينيا‪ ،‬وبيالروسيا‪ .‬لتبدأ عملية تعميق التكامل االقتصادي والسياسي‪ .‬وفي النهاية وخالل ستة‬
‫عقود او قرن من الزمن سيتم "تمدد الصين"‪.‬‬

‫وهنا البد من تذكر أن حدود‪ ‬إمبراطورية تانغ‪ ‬في الصين إمتدت بعمق نحو غرب الحدود المعاصرة‪،‬‬
‫حتى أن الشاعر الصيني الشهير‪ ‬لي بو ولد على أراضي قرغيزيا الحالية‪ ،‬أو المقاطعة الصينية السابقة‬
‫آنذاك‪ .‬وباإلضافة لذلك هناك حدود ًا مشتركة لدول آسيا المركزية اليوم مع جمهورية الصين الشعبية تختلف‬
‫عن حدود المرحلة السوفييتية‪ ،‬ألن عملية ترسيم الحدود في إطار "عملية شنغهاي" تم تحريكها لصالح‬
‫جمهورية الصين الشعبية‪.‬‬

‫وفي إطار إعالن التكامل االقتصادي األوروآسيوي الذي وقع في الكرملين عام ‪ ،2011‬من الممكن أن‬
‫تتمكن الفيرالية الروسية من تشكيل نموذج فعال وجذاب للدول الجارة من أجل التطور اإلجتماعي‬
‫واالقتصادي السريع‪ ،‬ليكون السناريو الـ ‪ 2‬وهو‪" :‬إعادة دمج الساحة السوفييتية السابقة"‪ .‬ولكن هذا‬
‫المسار لـ"اللعبة الكبيرة الحديدة " كان غير واقعي قبل نحو عشرين سنة مضت‪ .‬حيث كان من الممكن‬
‫أكثر إحياء االتحاد السوفييتي أو اإلمبراطورية الروسية‪ .‬وهذه اإلمكانية تعادل عامل الصفر اليوم‪ ،‬وتتراجع‬
‫عام ًا بعد عام‪ .‬وإذا استطاعت الفيدرالية الروسية أن تشكل نموذج ًا للتطور اإلجتماعي واالقتصادي الفعال‬
‫والجذاب للجيران بشكل سريع‪ ،‬فهذا يعني إمكانية أن يصبح السيناريو الـ ‪ 2‬وهو‪" :‬إعادة دمج الساحة‬
‫السوفييتية السابقة" أمر ًا ممكن ًا‪.‬‬

‫مثال‪ :‬التكامل االقتصادي األوروآسيوي‪ .‬وعندها يمكن في المستقبل توقع اختفاء الحدود والعودة لألوضاع‬
‫التي كانت قائمة في النصف الثاني من القرن الـ ‪ 19‬وحتى تسعينات القرن الـ ‪.20‬‬
‫وخالل تسعينات القرن الماضي نوقش بديل آخر لتغيير الحدود الدولية الداخلية في آسيا المركزية‪ .‬اعتماد ًا‬
‫على فكرة تكامل آسيا المركزية وفق النموذج األوروبي‪ .‬وكانت كل محاوالت دول آسيا المركزية للتعاون‬
‫داخل اإلقليم حتى الوقت الراهن فعالة‪ ،‬من خالل األجهزة اإلقليمية‪ ،‬مثل‪ :‬جماعة آسيا المركزية‬
‫االقتصادية‪ ،‬ومنظمة التعاون في آسيا المركزية‪ ،‬رغم أنها لم تؤدي إلى نتائج إيجابية بسبب بعض قضايا‬
‫الخالف في العالقات بين دول المنطقة وخاصة حول المياه‪ ،‬والطاقة‪ ،‬والبيئة‪ ،‬والتي يصعب حلها على آفاق‬
‫السنوات القريبة القادمة‪.‬باإلضافة للتوتر الناجم عن أسباب موضوعية في العالقات بين أوزبكستان‬
‫وطاجكستان والتي يمكن أن تستمر لفترة طويلة‪.‬‬

‫ومع ذلك يمكن تصور أنه خالل الثالثين سنة القادمة ومن خالل نموذج اإلدارة الفعالة لمياه األنهار العابرة‬
‫آلراضي دول اإلقليم يمكن أن يبدأ تكامل ناجح في آسيا المركزية‪ ،‬ليظهر في النهاية وخالل المئة عام‬
‫القادمة "إتحاد آسيا المركزية " مع أجهزته المشابهة لإلتحاد األوروبي‪ .‬كما ويمكن أن نتصور توسعه‬
‫وفق نموذج ضغوط الواليات المتحدة األمريكية إلى "آسيا المركزية الكبرى" ليضم أفغانستان‬
‫وباكستان مع إجراء إصالحات ليبرالية في إيران وهو‪ :‬السيناريو الـ ‪" :3‬تكامل آسيا المركزية"‪ .‬وهناك‬
‫تكهنات لتنفيذ سيناريو التكامل على ساحة أصغر‪ ،‬عن طريق إقامة إتحاد اقتصادي بين قازاقستان‬
‫وقرغيزستان أو عن طريق إقامة حلف عسكري وسياسي حول أوزبكستان التي تتعزز قدراتها يوم ًا بعد‬
‫يوم‪.‬‬

‫وهناك تكهنات أخرى حول مسار "اللعبة الجديدة الكبرى"‪ .‬برزت تحت تأثير األوضاع السائدة في‬
‫أفغانستان‪ ،‬وتصاعد التطرف اإلسالمي على ضوء القضايا اإلجتماعية واالقتصادية والديموغرافية‬
‫الضخمة‪ ،‬آخذين بعين اإلعتبار الصراعات العشائرية والسياسة التي يمكن أن تؤدي إلى تنفيذ السيناريو الـ‬
‫‪ 4‬وهو‪" :‬الخالفة "‪ ،‬ومن المتوقع أن ال يشمل هذا السناريو كل دول آسيا المركزية‪ ،‬بل بعض مناطقها فقط‬
‫وخاصة وادي فرغانة‪.‬‬

‫وتشير العوامل المشتركة للمصالح متعددة الجوانب في آسيا المركزية باالضافة لضعف دول المنطقة‪،‬‬
‫وهشاشة حدودها القائمة‪ ،‬إلى أنه يمكن أن يكون من طبيعة تطور األحداث في آسيا المركزية خالل القرن‬
‫القادم‪ ،‬العمل المشترك من خالل عاملين داخليين هامين‪ ،‬يعتمدان على التقارب القومي من جانب‪ ،‬وعلى‬
‫التناقضات القومية الداخلية من خالل التركيبة الموضوعية المشتركة واإلقليمية من جهة أخرى‪ .‬وسنبحث‬
‫العوامل الداخلية‪ .‬التي ظهرت في دول المنطقة عام ‪ 1991‬على أساس الجمهوريات السوفياتية السابقة‪،‬‬
‫والتي كنت كلها تتعرض لتحديات أمنية غير عادية عالية كاإلرهاب‪ ،‬والتطرف الديني‪ ،‬وتهريب المخدرات‪.‬‬
‫وتميز بعضها كقرغيزستان‪ ،‬وطاجكستان بـ"الضعف" واعتمادهما على توازن "الدول الفاشلة"‪ .‬والدور‬
‫الكبير في تصاعد التهديدات الجديدة تلعبه الجارة أفغانستان‪ ،‬ففي "الدول الفاشلة" كالسيكي ًا كل العوامل‬
‫الموضوعية حدثت في نهاية القرن الـ‪ 20‬وبداية القرن الـ‪ ،21‬وتحدثت عن آفاق إمكانية تغيير نظام حدود‬
‫دول المنطقة خالل فترة محددة‪.‬‬

‫والحدود الداخلية في آسيا المركزية المعاصرة جرى تحديدها نتيجة إليجاد تركيبات عرقية‪ ،‬وعرقية‬
‫مشتركة متناقضة‪ .‬وكما هو معروف قام البالشفة برسم حدود الدول القائمة بشكل مصطنع أثناء رسم‬
‫الحدود القومية التي جرت خالل الفترة الممتدة من عام ‪ 1920‬وحتى عام ‪ .1930‬وتجاهل البالشفة فيها‬
‫تركيبة الجوزات‪ ،‬والقبائل (لدى القازاق والتركمان)‪ ،‬والمناطق (لدى القرغيز‪ ،‬واألوزبك‪ 1،‬والطاجيك)‬
‫وفوق كل ذلك تجاهلوا تركيبة القبائل "سارتي"‪ ،‬و"تركي"‪ 1،‬و"مسلمين"‪ ،‬وتجاهلوا ما حددته اإلدارات‬
‫السياسية القديمة كإمارة بخارى‪ ،‬وخانية خيوة‪ ،‬وخانية قوقند‪.‬‬

‫وتجاهلوا العوامل اللغوية لدى السكان الناطقين باللغة الطاجيكية في سمرقند‪ ،‬والسكان الناطقين باللغة‬
‫األوزبكية في طاجكستان‪ ،‬وتجاهلوا كذلك رسم الحدود بين الواحات‪:‬‬
‫وادي فرغانة‪ ،‬الجزء السابق من خانية قوقند‪ ،‬والوادي الممتد أسفل مجرى نهر أموداريا والذي كان ضمن‬
‫خانية خيوة‪ ،‬وهكذا‪ .‬وكل هذا كان سبب ًا لحدوث نزاعات عشائرية وقبائلية وإقليمية جدية داخل الدول‬
‫المستقلة الجديدة‪ .‬وال توجد أية آمال لتوقع إمكانية تجاوز هذه النزاعات نهائي ًا خالل السنوات القريبة‬
‫القادمة‪.‬‬
‫وهنا يمكن اإلشارة إلى الخبرة المشابهة في إفريقيا‪ ،‬حيث أدت القضايا المصطنعة المشابهة لرسم الحدود‬
‫وارتباطاتها بالتوترات الداخلية للدول التي غلبت عليها مظاهر تصاعد التوتر‪ ،‬واإلبتعاد عن الحلول‪ .‬ومن‬
‫بينها كانت تلك الدولة التي ولدت على أساس التقسيمات القبلية القديمة‪ ،‬وأثمرت منذ مدة قريبة عن ظهور‬
‫دولة جديدة حملت إسم "جنوب السودان"‪.‬‬

‫وإقامة التوافق القومي الجديد الناجح يعتبر حقيقة أيض ًا في الوقت الراهن‪ .‬فقد ظهرت هويات عرقية‬
‫وقومية في كل جمهوريات اإلتحاد السوفييتي السابق في وسط آسيا‪ ،‬ففي قازاقستان ظهرت هوية المواطن‬
‫القازاقستاني‪ ،‬وضمت القازاق أو القازاقستانيين‪ ،‬والقرغيز‪ ،‬واألوزبك‪ 1،‬والتركمان‪ ،‬والطاجيك من سكان‬
‫البالد مع ًا ‪ ،‬مع هوية دولتهم المستقلة قازاقستان وأراضيها التي هي بمثابة واقع مفروض‪ ،‬فرضته السلطات‬
‫السوفييتية السابقة والتاريخ السوفييتي‪ .‬ومن غير المتوقع أن يستطيع أي منهم "العودة نحو الوراء" بهذه‬
‫الحقائق الحياتية في القريب العاجل من أجل إقامة "الخالفة"‪ ،‬أو إحياء اإلتحاد السوفييتي السابق أو أية‬
‫تركيبة إمبراطورية فوق القومية‪ .‬وهذه المحاوالت ال تقبلها أكثرية السكان بل حتى باإلجماع‪.‬‬

‫وهكذا سيكون من طبيعة تطور األحداث في آسيا المركزية خالل القرن القادم العمل المشترك من خالل‬
‫عاملين داخليين‪ ،‬يعتمدان على الهوية القومية من جانب‪ ،‬وعلى التناقضات الداخلية بسبب التركيبة العرقية‬
‫والقومية المشتركة من جانب آخر‪.‬‬
‫وما ذكر أعاله يشير بالكامل إلى إمكانية تطبيق السيناريو الـ ‪ 5‬وهو‪" :‬اإلنحالل الكامل"‪ .‬وفي الحاالت‬
‫القصوى يمكن البدء بتطور األحداث في المنطقة وخاصة القسم الجنوبي منها‪ ،‬وفق سيناريو طويل المدى‬
‫يشبه ما يجرى في أفغانستان‪.‬‬

‫ويمكن اعتبار سيناريو "السالم المركزي" معقوالً جد ًا‪ ،‬ألن موقف الصين بالذات يبدو في الوقت الراهن‬
‫وكأنه أكثر قوة مقارنة مع غيرها من القوى العظمى التي لها مصالح في آسيا المركزية‪ .‬و"جزئي ًا" ال‬
‫يستثنى إنحالل الدول‪ ،‬وخاصة "الهشة" منها‪ .‬وهذا يجعل تعديل السيناريو الـ ‪ 5‬الذي هو أكثر إحتماالً‪ .‬ففي‬
‫تسعينات القرن الماضي جرت أحاديث كثيرة حول إضمحالل دول آسيا المركزية في دولة واحدة‪ .‬وأثارت‬
‫الحرب األهلية في طاجكستان مزاودات على موضوع اإلضمحالل الكامل لهذه الدول‪ .‬وأدت المواجهات‬
‫التي جرت على جبال بدهشان في صيف عام ‪ 2012‬إلى "صب الزيت على النار" فقط على تلك‬
‫النقاشات‪ .‬ولم يزل اإلنقسام الجغرافي والسياسي العميق بين الشمال والجنوب مسألة هامة للبحث حول‬
‫انقسام قرغيزستان‪ ،‬ألن سيطرة حكومة بشكيك على جنوب البالد وخاصة مدينة أوش يحمل طابع ًا رمزي ًا‬
‫حتى اآلن‪.‬‬

‫وتعتبر أوزبكستان وتركمانستان وقازاقستان عادة دوالً مستقرة‪ ،‬ولكن التطرف اإلسالمي في وادي‬
‫فرغانه‪ ،‬والتوتر العشائري على جميع أراضي البالد مع وجود مطالب حدودية تشمل المتحدثين باللغة‬
‫الطاجيكية في سمرقند من جانب النخبة الطاجيكستانية‪ ،‬أثارت األحاديث حول إمكانية تفكك أوزبكستان‪.‬‬
‫كما ودارت شائعات أيض ًا في أوساط المعارضة التركمانية حول إمكانية خروج األراضي الغنية‬
‫باألوغلوفودورود‪ 1‬والتي تسكنها قبائل يومود‪ ،‬وتشكيل دولة "يوموديستان" في المستقبل‪ .‬وفي النهاية حتى‬
‫قازاقستان التي هي حتى اآلن وفق المقاييس اإلقليمية تتمتع بمستوى عال من اإلستقرار‪ ،‬إال أن المناقشات‬
‫الروسية التي كانت دائرة في تسعينات القرن الماضي أشارت إلى أنها مرشحة للتفكك‪ .‬وأساس تلك‬
‫التوقعات كان حقيقة هيمنة السكان الروس على القسم الشمالي من البالد‪ ،‬وحتى أن القسم الذي يشمل‬
‫القازاق منهم يتمسك بالمشاعر اإلنفصالية‪ .‬وكل هذه اإلحتماالت والتوقعات وبغض النظر عن القضايا‬
‫الممكنة في دول المنطقة‪ ،‬فإنها لم تثبت واقعيتها حتى اآلن‪.‬‬

‫ولكن تصاعد التطرف اإلسالمي والصراعات العشائرية والسياسية يمكن أن يؤدي إلى تنفيذ السيناريو الـ‬
‫‪ 4‬وهو‪" :‬الخالفة اإلسالمية " في وادي فرغانة على األقل‪ .‬وفي النهاية ال بد من اإلشارة إلى أن‬
‫اتجاهات التحليالت الواقعية المتداولة حتى اآلن‪ ،‬والممتدة عبر قرن من الزمن باإلضافة للتفاعالت الجارية‬
‫في الوقت الراهن‪ ،‬فإن أكثر المحللين يعتبرون أن السيناريوهات ‪ 1‬و‪ 5‬هما األكثر إحتما ً‬
‫ال من غيرهما من‬
‫السيناريوهات ويمكن تنفيذها في آن مع ًا‪ ،‬ألنها غير متناقضة‪ .‬بل على العكس إحتمال تفكك بعض دول‬
‫المنطقة يمكن أن يزيد من إهتمام جمهورية الصين الشعبية ونزوعها نحو التدخل في الشؤون الداخلية آلسيا‬
‫المركزية‪ .‬ألن سيناريو "السالم المركزي" يمكن أن يعتبر واقي ًا بشكل كامل‪ ،‬وألنه يمثل موقف الصين‬
‫في الوقت الراهن‪ ،‬ويبدو أكثر قوة مقارنة بمواقف غيرها من القوى العظمى التي لها مصالح في آسيا‬
‫المركزية‪ .‬وألن سيناريو "اإلضمحالل الكامل " يمكن النظر إليه كسيناريو واقعي بشكل كاف في بعض‬
‫الدول األكثر إستقرار ًا في المنطقة‪ ،‬إعتماد ًا على القضايا اإلجتماعية واالقتصادية والسياسية التي تواجهها‬
‫اليوم‪.‬‬

‫واستعراض اإلتجاهات المشار إليها أعاله والسيناريوهات المقدمة‪ ،‬آخذ بعين اإلعتبار أهمية منطقة آسيا‬
‫المركزية للفيدرالية الروسية ويبعث القلق لدى نخبة من السياسيين الروس في عالم اليوم‪.‬‬

‫ولكن الذي حدث بعد انتخاب‪ ‬شوكت ميرضيائيف‪ ‬وتوليه منصب رئيس جمهورية أوزبكستان أن سياسة‬
‫جديدة ظهرت في المنطقة تدعوها بمبادرة منه للتعاون من أجل تحقيق المصالح الوطنية مع مراعاة‬
‫المصالح المتبادلة وحسن الجوار في العالقات المشتركة السياسية واالقتصادية والثقافية واالنسانية‬
‫والبيئية‪ ،‬وبذلك ساعدت سياسته اإلقليمية والدولية الناجحة على طوي صفحة أخرى من صفحات سياسة‬
‫فرق تسد التي مارستها وتمارسها القوى العظمى عادة لتحقيق مآربها في شتى أنحاء العالم منذ عدة قرون‪.‬‬

You might also like