Professional Documents
Culture Documents
كتاب من لينين إلى بوتين
كتاب من لينين إلى بوتين
#1
يأتي كتاب «من لينين إلى بوتين – روسيا في الشرق األوسط واألدنى» ثمرة لتاريخ طويل امتد لنصف قرن قضاها مؤلفه
المستشرق الروسي ألكسي فاسيليف في إجراء تقييم أراده موضوعي ًا للسياسة الخارجية لبالده ،بعيد ًا عن األحكام المسبقة
على األهداف واألساليب والوسائل التي انتهجتها موسكو ،وما جنته من إنجازات حقيقية ،وكذا لحظات الفشل والخطأ في
.الحسابات التي ارتكبتها في مناطق من «العالم الثالث» ،شديدة األهمية بالنسبة إليها ،سواء في الحقبة السوفياتية أو ما بعدها
ويركز Bفاسيليف في كتابه ،الذي صدرت ترجمته العربية عن دار نشر «أنباء روسيا» المصرية بترجمة
الدكتور محمد نصر الدين الجبالي ،رئيس شعبة اللغة الروسية بكلية األلسن ،جامعة عين شمس ،على
عملية اتخاذ القرارات داخل الكرملين تجاه منطقة الشرق األوسط .ومن أجل فهم العملية بشكل أوضح،
عاد المؤلف إلى عام ، 1969ألنه في هذا العام ،باعتقاده ،وصل النفوذ السوفياتي في منطقة الشرق
األوسط إلى ذروته .لكن في الوقت نفسه كان هناك الكثيرون بين المتخصصين في شؤون الشرق األوسط
يطرحون التساؤالت التالية :ما األهداف والوسائل واألساليب التي تنتهجها السياسة السوفياتية في المنطقة،
وهل تتفق والمصالح الوطنية لالتحاد السوفياتي أم تتناقض معها؟ وما مفهوم مصطلح «المصلحة
الوطنية»؟ ومتى وكيف تُتخذ القرارات؟ ومتى وكيف يتم تنفيذها؟
بدأ فاسيليف تأليف كتابه في أوائل التسعينات ،وكان االتحاد السوفياتي قد اختفى في تلك الفترة ،وقتها رأى
أنه حان الوقت للتحدث بصدق وبصراحة وطرْ ح Bمالحظاته وأفكاره وما جمع من حقائق ووثائق ومقابالت
صحافية .وبعد مرور ما يقرب من ربع قرن على ذلك قرر فاسيليف تحديث مادته ،وأضاف جزء ًا ثاني ًا إلى
كتابه ،وغيّر عنوانه إلى «من لينين إلى بوتين» ليغطي مساحة قرن من الزمان تقريب ًا بعد أن ضم إلى
تحليالته فترة ما بعد غورباتشوف والتي مثّلت «حدود البراجماتية».
أشار فاسيليف إلى أنه بعد انهيار االتحاد السوفياتي ثار التساؤل التالي :أ ُّ
ي سياسة خارجية أو داخلية يمكن
أن يدور الحديث عنها في السياسة الروسية؟
وذكر أن االعتراف بروسيا بوصفها وريث ًا لالتحاد السوفياتي في مجلس األمن ،وسرعة إبدال العلم
الروسي بالسوفياتي على مباني السفارات السوفياتية السابقة ،كان مؤشر ًا على شيء واحد ،هو أن روسيا
التي أصبحت ترتدي عباءة سياسية خاصة بها ما هي إال االتحاد السوفياتي السابق ،إذ كانت السياسة
السوفياتية في جوهرها سياسة روسية سواء على المستوى اإلقليمي أو العالمي.
ورغم أن البلدان العربية تعد جوهر اهتمام مؤلف الكتاب ،فإنه ال يمكن تجاهل سياسة االتحاد السوفياتي
تجاه ك ٍ ّل من تركيا وإيران وأفغانستان ،فمن دون ذلك سيبدو التناول لدور ومكانة البلدان العربية غير
مكتمل ،فالعالقات بين االتحاد السوفياتي والبلدان الحدودية المذكورة B،من وجهة نظر فاسيليف ،كانت
باالتساع والمتانة .وهو يخصص لها مساحة أكبر في الفصل الثاني من الكتاب ،عند الحديث عن فترة ما
بعد غورباتشوف.
قارن فاسيليف في كتابه بين جهده البحثي وما أنتجه غيرُ ه من علماء ومفكرين ،مشير ًا إلى أنه ال يمكن
تناول ما يطرحه دون التعرف إلى أعمال الباحثين الغربيين ،وهم ُكثر .كما أنه من غير اإلنصاف التأكيد أن
أحدهم بمقدوره وحده اإللمام بكل ما نُشر حول الموضوع ،ولفت إلى أنه في الحقبة السوفياتية تنامى
االهتمام بالشرق األوسط واألدنى ،وصدرت العشرات من الكتب التي تتناول السياسة السوفياتية تجاه
المنطقة ،وكان الباحثون الغربيون على دراية واسعة بالمصادر والمراجع السوفياتية المنشورة .وأحيان ًا
كانت أعمالهم وكتاباتهم تتسم بكونها أكثر اكتماالً وصراحة من نظيرتها السوفياتية.
وأكد ما ذهب إليه حول جهد الباحثين الغربيين بقوله «إنه على سبيل المثال لم يقرأ لدى أ ٍّ
ي من الكتاب
السوفيات في حينها عن القلق الذي سيطر على قوات اإلنزال السوفياتية في أثناء الحرب العربية
اإلسرائيلية في عام ،» 1973وعاب عليهم تورطهم مثل نظرائهم السوفيات في أدلجة أبحاثهم ودراساتهم،
مستفيدين من معادلة «اللعبة ذات النتيجة الصفرية» .أي أنه في المناطق التي كان االتحاد السوفياتي عاد ًة
ما يفوز فيها ،أصبحت الواليات المتحدة تفوز B،والعكس .لكن حسب رأي المؤلف بعد انهيار االتحاد
السوفياتي انخفض القلق من السياسة الروسية في المنطقة إلى الصفر تقريب ًا ،وما لبث أن تزايد مرة أخرى
في بداية القرن الحادي والعشرين ،لتعود بعد ذلك فكرة األدلجة وإسباغ صفة «رسول وداعية السالم
والعدل» لتلتصق بسياسة الدول ،وتسيطر على كتابات معظم المؤلفين الغربيين رغم وجود بعض
االستثناءات.
وعند حديثه عن فترة التسعينات ،طرح المؤلف مسألة معقدة وطموحة ،أمالً أن تحقق نجاح ًا ولو جزئي ًا،
يسمح بإلقاء الضوء بشكل جديد على السياسة السوفياتية في الشرق األوسط واألدنى .حيث كان الحديث
الدائر عن محاولة إيجاد نقاط التقاء بين مستويات مختلفة للحقيقة أو على األقل أخذها بعين االعتبار دائم ًا
عند القيام بأي تحليل.
وقال إن المستوى األول يتمثل في الوضع السياسي واالجتماعي الحقيقي في الشرق األوسط واألدنى،
والذي أسهم في بلورته القائمون على السياسة الخارجية السوفياتية .أما المستوى الثاني فيخضع لقوانينه
الخاصة في األداء ،ويتجلى في الهياكل والمؤسسات السياسية والبيروقراطية المرتبطة بمفهوم السياسة
الخارجية والتي تتمتع بتنظيم آيديولوجي محدد .أما الثالث فيكمن في الجانب األقل دراسة وهو البشر
أنفسهم؛ بمعارفهم وجهلهم ،وذكائهم وغبائهم ،وشجاعتهم وجبنهم.
وذكر فاسيليف أنه ،كحال أي مؤرخ ،يعمل مع اآلثار والشواهد التاريخية في السياسة ،أي مع الوثائق
واإلعالنات والتصريحات واألحاديث والبروتوكوالت واالتفاقيات .إال أن معظم الموجود في األرشيفات
الرئيسية بوزارة الخارجية والجهات التابعة لها كان ممنوع ًا على الباحثين .لذا قام بعمل لقاءات صحافية مع
العديد من رجال الدولة في العهود السابقة بوصفهم أحد مستويات الحقيقة ،وكذا أجرى لقاءات مع بعض
ممن تبقوا في السلطة ،والذين وافقوا على عقد لقاءات مماثلة ،من بينها حواره مع «د.ت.شيبيلوف»
صاحب الستة والثمانين عام ًا الذي سلم التحذير النووي الصاروخي الشهير في الخامس من نوفمبر (تشرين
الثاني) عام ،1956إلى سفراء ك ٍ ّل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ،وكانت لديه فرصة تقلد موقع قيادي في
االتحاد السوفياتي ولكنه فوّ تها على نفسه ،الفت ًا إلى أن لقاءه إياه كان ربما آخر اللقاءات الصحافية التي
أجراها الرجل في حياته.
ومن بين الشخصيات التي اعتمد عليها المؤلف في تحليالته وزير الخارجية السوفياتي السابق «إدوارد
شيفرنادزه» ،الذي صار رئيس ًا لجورجيا بعد تفكك االتحاد ،و«أ .زاسوخوف» الرئيس الفعلي للجنة
السوفياتية لتضامن بلدان آسيا وأفريقيا وسفير االتحاد السوفياتي في سوريا ،و«ن .يجوريتشيف» الذي كان
يشغل في السبعينات منصب سكرتير اللجنة الفرعية بالحزب الشيوعي السوفياتي في مدينة موسكو ،فضالً
عن الكثير من السفراء والعاملين في الحقل الدبلوماسي واألعضاء السابقين في القسم الدولي باللجنة
المركزية بالحزب الشيوعي السوفياتي وفي إدارة المخابرات العامة ولجنة األمن القومي والهيئات
االقتصادية الخارجية.واستخدم فاسيليف مصطلح «دبلوماسي» و«موظف بالقسم الدولي باللجنة المركزية»
كمترادفين يعادالن المصطلح الصحافي المستخدم الشهير «مصدر معلومات مطلع» .
وقال إن هناك من لم يعارض نشر اسمه ،وهناك من فضل أن يبقى مجهوالً حرص ًا على الوظيفة ،وهم
األكثرية ،وهو ما أثّر سلب ًا بالطبع على قيمة كتابه الذي تضمن 15فصالً وخاتمة .لكنه أعلن حرصه على
أن يلتزم حرفي ًا بمقوالت األشخاص المجهولين ،وبما قالوه دون إضافة أو نقصان ،وقد رآهم أكثر ثقة من
غيرهم الذين صرّ حوا بأسمائهم علن ًا.وتناول فاسيليف في كتابه ،الذي يقع في نحو 750صفحة من القطع
الكبير ،رحلته إلى واشنطن زمن الثورة المصرية في يناير (كانون الثاني) ،2011حيث التقى مجموعة من
المستشرقين الروس والعلماء األميركيين ،كانت القنوات التلفزيونية وقتها عامرة ببرامج التوك شو عالية
المشاهدة حول الثورات العربية .
ولفت إلى أنها كانت غائبة عن المشهد وقراءة الواقع ،وهو ما بدا في حديث مراسل صحافي أميركي كان
يقف في ميدان التحرير ،مركز األحداث بالعاصمة في مصر ،ويتحدث بكلمات صوغت بإتقان قائ ً
ال:
«المتظاهرون هنا ال يعبّرون عن أي مشاعر معادية ألميركا» ،بينما تظهر في الخلفية يافطة كبيرة مكتوب ًا
عليها بالعربية «إرحل إرحل يا جبان يا عميل األميركان» ،وحينها توصل العلماء الروس إلى النتيجة
وقالوا« :انتهى األمر! وتحدثوا عن النمو المتوقع لنفوذ التيارات اإلسالمية في العالم العربي ،ولم يعلق
الزمالء األميركان بشيء وفضّ لوا الصمت».
وخلص فاسيليف في كتابه المهم إلى أن «روسيا تسعى في القرن الحادي والعشرين إلى العودة إلى الشرق
األوسط .وشاءت األقدار أن يكون ذلك عبر البوابة السورية ،وقد ظهرت روسيا من خاللها إمكاناتها
وقدراتها العسكرية للمرة األولى بعد انهيار االتحاد السوفياتي».