Professional Documents
Culture Documents
Ins FFFFFFFFFFFF
Ins FFFFFFFFFFFF
المقدمة
إتسم العصر الحديث بتطور الظاهرة اإلجرامية التي أدت إلى النيل من أمن المجتمع
واستق ارره .فبالتوازي مع تطور األسلحة والتقنيات الحربية وانتشار العولمة ،عرفت الجريمة
تطو ار موازيا من حيث أشكالها وأهدافها ووسائلها ،فابتعدت بذلك عن مقومات الجريمة
الفردية البسيطة إلى أن أخذت أشكال الجريمة المنظمة .1هذا ما أدى إلى تشعب الجرائم
وصعوبة التمييز بينها في الكثير من الحاالت ،نظ ار الى طابعها المنظم والعابر للحدود
الوطنية.
وتعتبر جريمة اإلتجار باألشخاص وتهريب المهاجرين من الجرائم المعقدة والمنظمة ،فهذه
الجريمة تكتسي أهمية خاصة باعتبار تنامي حجمها وسرعة إنتشارها خاصة في الخمس
سنوات االخيرة .فقد أثبتت التقارير الدولية بروز العديد من المؤشرات عن وجود العديد من
الضحايا اإلستغالل االقتصادي في مجال العمل والتسول واإلستغالل الجنسي فضال عن
1الجريمة المنظمة يعرفها الدكتور محمد فاروق اللتي أفرزتها الحضارة المادية لكي تمكن اإلنسان المجرم من تحقيق أهدافه
اإلجرامية بطريقة متقدمة ال يتمكن القانون من مالحقته بفضل ما أحاط نفسه من وسائل يخفي بها أغراضه اإلجرامية ،وال بد لتحقيق
هذه الغاية من تعاون مجموعة من المجرمين ''.
2بينت الدراسة األولية حول اإلتجار باألشخاص في تونس التي تم إعدادها من طرف فريق عمل متعدد اإلختصاصات وذلك في
إطار مشروع المنظمة الدولية للهجرة في تونس ) (OMIباإلشتراك مع وزارة العدل حول ''دعم ونقل آليات المساعدة والتوجيه
وتبادل الخبرات في مجال مكافحة اإلتجار بالبشر '' (مشروع شار )SHAREوالذي إنطلق منذ أوت 2012بدعم من وزارة الخارجية
األمريكية أن تونس هي بلد انطالق ووجهة وكذلك عبور لإلتجار باألشخاص .وتضمنت جملة من التوصيات والمقترحات تمثلت في
وضع إطار قانوني وطني شامل حول اإلتجار باألشخاص وتنفيذ خطة عمل وطنية في هذا المجال كتدعيم الجانب الوقائي والمساعدة
والحماية وتعزيز التعاون والتنسيق على المستوى الدولي والوطني .
1
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
وبالتالي جريمة اإلتجار باألشخاص وتهريب المهاجرين من الجرائم التي تكون في أغلب
األحيان مرتبطة بجماعات إجرامية منظمة ودولية تنشط في أكثر في مجال ،3كما أن األرباح
الناجمة عنها كثي ار ما تعتمد في تمويل نشاطات جرائم ال تقل خطورة عنها ،كجرائم االرهاب
أمام تشعب الجرائم وتنوعها وتنوع الجرائم المرتبطة بها وامكانية إرتكابها على المستوى
الوطني والدولي ،وبالرغم من خطورتها على أمن وسلم البشر فإنه من الممكن أن يتفصى
المتهم بارتكاب هاته الجرائم من العقاب ،وذلك عن طريق الفرار إلى مكان يصعب مالحقته
إليه .هذه الوضعية أوجبت على الدول أن يتعاونوا فيما بينهم لوضع حد أمام هذه الجرائم
باعتبار أنها أصبحت تنال من هيبة الدولة وسالمتها واستقرار المجتمع الدولي.
بصفة عامة تتطلب مسالة مكافحة الجريمة على المستوى الدولي الكثير من التعاون وال
يمكن تحقيق ذلك إال بتدعيم التعاون المتبادل بين الدول .5وهذا ما سعت إلى تحقيقه العديد
من الدول ،وكمثال ذلك ما جاءت به توصيات مؤتمر هافانا لسنة 1990والتي أحدثت
3تم تصنيف تونس في التقرير السنوي لمكتب مراقبة ومكافحة االتجار باألشخاص التابع لوزارة الخارجية األمريكية على التوالي
للسنوات 2012و 2013و 2014و 2015ضمن قائمة الدول المعنية بالمراقبة ) )Tier 2 watch listبعد أن كانت قد غادرة سنة
2012هذه القائمة لتمر الى الفئة الثانية ( )Tier 2بقائمة المكتب المذكور في ما يخص تطبيق القواعد الدنيا للقضاء على ظاهرة
اإلتجار باألشخاص خاصة الوقاية والمنع والتعاون .يعني ان تونس مصنفة ضمن الدول التي لم تتمكن من إحترام كل المعايير الدنيا
لمقاومة اإلتجار باألشخاص وهو من شأنه أن يقلص من مجاالت التعاون الدولي مع الواليات المتحدة األمريكية .
4مكتب األمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة المتعلقة باإلتجارباألشخاص وتهريب المهاجرين.
5حسب برنامج TUN-X80تم إعداده من طرف مكتب األمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة والذي يتعلق موضوعه بالمساعدة
القانوني ة المتبادلة في المادة الجزائية '':التعاون القضائي الدولي في المادة الجزائية يتعلق بالتسليم والمساعدة القانونية المتبادلة
وتفويض المالحقة الجزائية إضافة إلى تنفيذ األحكام الجزائية األجنبية يضاف لها التعاون مع الهيئات القانونية الدولية يقتضي اإللمام
بمبادئه ( تعريفه ،مصادره ،أسسه ،قنوات التواصل , ) ...خاصة وأنه ال يقتصر على طلبات المساعدة القانونية الصادرة عن الدولة
الطالبة بل يشمل أيضا تنفيذ طلبات المساعدة القانونية الواردة عليها''.
2
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
نماذج التعاون العقابي الدولي وانتهت بإبرام إتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة
يق صد بالمساعدة القانونية المتبادلة قيام دولة بطلب من دولة أخرى عبر السلطات القانونية
المختصة ونيابة عنها بأي إجراء قضائي يتعلق بتتبع أو مالحقة معروضة على قضائها.
فالميزة التي يتميز بها التعاون القضائي هو التقريب والتنسيق بين مختلف التشريعات
الوطنية وايجاد إجراءات قضائية مشتركة تساعد في التحقيق في الجريمة والقبض على
المجرمين .6وذلك لتحقيق هدف مشترك أال وهو الحصول على مجتمع خالي من الجريمة
والمجرمين.
في هذا اإلطار نصت المادة 18من إتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر
الوطنية ،أن المقصود بالمساعدة هو قيام السلطات القضائية للدول بتقديم العون لمثيالتها
وذلك فيما يخص سماع الشهود ،وايقاف المشتبه فيهم والقيام بعملية التفتيش وجمع
المعلومات والتحقيق ،وتبليغ الوثائق القضائية ،وتتم هذه العمليات الواردة على سبيل الذكر
بموجب اإلتفاقيات الرابطة بين الدولتين أو أكثر معنيتين بالجريمة ،أو حتى بدون اإلتفاقية
وانما إستثنائيا بأحكام هذه المادة .بالنسبة إلى نقل اإلجراءات الجنائية ،فقد نصت اإلتفاقية
أنها تعتبر من إحدى آليات التعاون القضائي في المادة الجزائية بين الدول.
6دليل المساعدة القانونية وتسليم المجرمين الصادرعن مكتب األمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة'' ،التعاون هو طريقة
للتفكير والعمل وهو كذلك مجموعة "أدوات" أو عمليات إجرائية'' .
3
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
إن أري البعض أن هذا التعاون قد يتعارض مع سيادة الدول وتدخال في سياستها العقابية،
فإن الوضع الراهن فرض القيام بعالقات بين الدول من أجل تحقيق إستقرار كل
المجتمعات .هذا التعاون نظ ار ألهميته البالغة نص عليه الدستور التونسي الجديد وكذلك
مجلة اإلجراءات الجزائية ضمن الفصلين 305و 306التي تتعلق بجواز تتبع القضاء
التونسي للمواطن المرتكب لجرم خارج تراب الجمهورية أو كذلك تتبع األجنبي بشأن جرائم
مرتكبة على المستوى الدولي وهو يجسم التكريس التشريعي للتعاون الدولي في المادة
القضائية.
المقصود بالتعاون القضائي ليس التعاون الدولي اإلداري ،وانما هو التعاون الدولي المنظم
قانونا وفق إتفاقيات ثنائية أو متعددة األطراف تحدد إلتزامات كل دولة بخصوص تسليم
المجرمين .والتعاون القضائي يمكن أن يأخذ العديد من األشكال مثل أخذ شهادة
األشخاص ،تبليغ األوراق القضائية ،إجراء التفتيش ،فحص األشياء ،مد المعلومات واألدلة،
ويعد أهم مظهر من مظاهر التعاون القضائي تلك اإلتفاقيات المتعلقة بتسليم المجرمين.7
في هذا اإلطار يجيب التمييز بين اإلنابة القضائية الدولية في المادة الجزائية والتي تعتبر
من أهم أشكال التعاون القضائي بين الدول ومطلب تسليم المجرمين الذي يعتبر بمثابة
العمل الذي تقبل بمقتضاه دولة تسليم شخص يوجد فوق إقليمها إلى دولة أخرى تطالب
بمحاكمته من اجل جريمة تنسبها له أو لتنفيذ عقاب عليه أصدرته محاكمها .8فهوى إذا
7قرار مجلس األمن عدد 1373لسنة 2001مجلس األمن يطلب من الدول التعاون.
8رضا خماخم "العدالة الجزائية في تونس "،منشورات مركز الدراسات القانونية والقضائية بوزارة العدل .طبعة ،1997ص.135
4
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
نظام قانوني يهدف إلى تحقيق التعاون القضائي الجنائي بين الدول لتحقيق العدالة الجزائية
وتتبع المجرمين ومالحقتهم ومحاكمتهم أو تنفيذ العقوبات البدنية الصادرة ضدهم وتجاوز
فقد جاء بالفصل 331من م.ا.ج انه "في حالة التتبعات الجزائية الغير سياسية بدولة
أجنبية ،فإن اإلنابات العدلية الصادرة عن السلط األجنبية ترد بالطريق الدبلوماسي وتحال
وتنفذ عند على كتابة الدولة للعدل طبق الصيغ المقررة بالفصل 317من م.ا.ج،
اإلقتضاء تلك اإلنابات حسب القانون التونسي .وفي صورة التأكد يجوز لسلط القضائية
للدولتين أن تتبادل االنابات مباشرة حسب الصيغ الواردة بالفصل 325من المجلة
المذكورة''.
في حين أن اإلنابة العدلية هو تفويض صادر عن القاضي المكلف بالتحقيق في جريمة
معينة في بلد ما إلى قاض أخر موجود في بلد أخر للقيام مكانه بأي عمل من أعمال
التحقيق .10واإلنابة العدلية الدولية تختلف ليس فقط عن مطلب تسليم المجرمين وانما أيضا
على اإلنابة العدلية الوطنية التي نص عليها الفصل 57من م.ا.ج .فإجراءات تسليم
المجرمين تختلف عن إجراءات االنابات العدلية الدولية وان كانت تشتركان في الهدف أال
وهو تحقيق التعاون القضائي بين الدول ومنع المجرم من التفصي من العقاب وتحقيق
11
. العدلة الجزائية
من هذا المنطلق التعاون القضائي بين الدول يعتبر التسليم أحد ركائزه وقد عرفه الدكتور
جندي عبد الملك بأنه "عمل تقوم بمقتضاه الدولة لجأ أرضها شخص متهم أو محكوم عليه
في جريمة بتسليمه إلى الدولة المختصة بمحاكمته أو تنفيذ العقوبة عليه ".12
تسليم المجرمين'' '' l’extraditionهو عبارة عن آلية قانونية من أجل التصدي للجريمة
سواءا كانت داخلية أو دولية ،13يتم بين دولتين تسمى األولى الدولة الطالبة التي تسعى إلى
إسترداد المتهم لتحاكمه أو لتوقيع العقاب عليه ،وتسمى الدولة الثانية بالدولة المطلوب منها
التسليم وهي التي يكون الشخص المطلوب تسليمه موجودا على أراضيها فتقوم بإلقاء
14
. القبض عليه تحفظيا بمعرفة سلطاتها االمنية والقضائية تمهيدا إلى تسليمه
أما المادة األولى من المعاهدة النموذجية لتسليم المجرمين الصادرة بقرار الجمعية العامة
لألمم المتحدة رقم 116-45تعرف التسليم بأنه جملة اإلجراءات القانونية الهادفة إلى قيام
11فيصل بن زحاف ''،تسليم مرتكبي الجرائم الدولية '' ،رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الدولي والعالقات السياسية الدولية
،كلية الحقوق والعلوم السياسية بوهران .2012/2011 ،ص .7
12جندي عبد الملك ،الموسوعة الجنائية ج.2ص .590
13مصطلح EXTRADITIONاستخدم ألول مرة رسميا في المرسوم الفرنسي الصادر سنة 1791ومنذ ذلك التاريخ بدأت فرنسا
تستخدمه في إتفاقياتها مع نظرتها من الدول وقبل هذا التاريخ كان يستخدم مصطلح '' ''RESTITUTIONلمزيد التفاصيل إلهام محمد
العاقل ''،مبدأ عدم تسليم المجرمين في الجرائم السياسية '' ،مركز دراسات العالم االسالمي بمالطا الطبعة االولى ، 1993ص 197.
Mikael POUTIERS, L’extradition des auteurs d’infractions internationales, dans HERVE 14ASCENSIO ,
EMMANUE DECAUX , DROIT INTERNATIONAL PENAL Pedone .Paris 2000.P .933
6
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
دولة بتسليم أحد المتهمين أو المحكوم عليهم إلى دولة أخرى قصد محاكمته أو بقصد أن
إن تعريف مؤسسة التسليم يقتضي منا تمييزها عن بعض المفاهيم المجاورة مثل منع
الدخول وهو أن الدولة يمكنها منع دخول أي شخص إلى ترابها فهو إجراء إداري داخلي يتم
أما الطرد حينما تمنع الدولة األجنبي من الدخول إلى أراضيها بصفة غير قانونية مثال .
واإلبعاد فهو إجراء إداري داخلي أيضا يدخل في اختصاص األجهزة الساهرة على الحفاظ
على األمن في البالد وليس للشخص الذي تم طرده أن يمتنع عن تنفيذ قرار الطرد واال يتم
على عكس التسليم فإن الشخص الذي يتم تسليمه ال يسلم إال إلى الدولة التي طلبت
تسليمه مع تحملها مصاريف الناجمة عن تنفيذ طلب التسليم .أما التسليم المستتر أو
المقنع فهو إجراء تلجئ إليه الدول أحيانا حيث تقوم بمقتضاه دولة بنفسها أو من خالل
تمكين سلطات دولة أخرى القبض على متهم ألجل محاكمته أمام محاكمها دون التثبت من
الدولية.
يجيب كذلك التمييز بين التسليم والتقديم إلى المحكمة الجنائية بموجب المادة 102من
النظام األساسي للمحكمة الجنائية الذي يعرف التقديم بكونه نقل دولة ما شخصا إلى
7
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
المحكمة عمال بالنظام األساسي للمحكمة في حين أن التسليم فهو نقل دولة ما شخص
بالنسبة إلى مصادر التسليم تاريخيا كان المصدر األساسي لمؤسسة التسليم هو القانون
الدولي العام سواءا المكتوب مثل االتفاقيات والمعاهدات الدولية أو العرفي مثل المعاملة
بالمثل .مع بداية القرن العشرين أصبح لكل دولة قانونها الخاص بها والذي تم بموجبه
تكريس أحكام مضمنة بقوانينها الداخلية لتنظيم مسالة تسليم المجرمين .وكانت فرنسا من
أول الدول التي قامت بتن ظيم مؤسسة التسليم ضمن قانونها الداخلي وذلك بمقتضى القانون
الصادر في 10مارس .1927ولقد أثر المشرع الفرنسي على المشرع التونسي عند وضعه
لمجلة اإلجراءات الجزائية وخاصة عند تنظيمه لهذه المؤسسة في فصولها من 308إلى
لمؤسسة تسليم المجرمين أهمية في العالقات الدولية باعتبار أن الدولة الموجه لها مطلب
التسليم تتخلص من الشخص الذي يكون موجودا فوق إقليمها إلى دولة أخرى بناءا على
للتولى محاكمته على الجريمة المنسوبة إليه أو لتتولى تنفيذ حكم صادر عن طلبها
محاكمها باعتبار أن هذه الدولة هي صاحبة االختصاص في ذلك المحاكمة أو التنفيذ .
يخضع تسليم المتهمين في القانون التونسي إلى أحكام الفصول من 308إلى 330من
مجلة اإلجراءات الجزائية إضافة إلى مقتضيات اإلتفاقيات الدولية الثنائية واإلقليمية والدولية
8
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
المبرمة في مجال التعاون الجزائي الدولي وتسليم المجرمين .أي أن مؤسسة التسليم تخضع
إلى نظام قانوني وفق شروط واجراءات محددة سواءا بالقانون الداخلي أو االتفاقيات الدولية.
لكن ما تجدر مالحظته عند دراسة النظام القانوني للتسليم أن تسمية "المجرمين " المستعملة
سوءا في مجلة اإلجراءات الجزائية أو معظم االتفاقيات الدولية ال تبدو في محلها باعتبار
أنها تتحدث عن "المجرم" وهو ما يفترض أنه الشخص الذي قد صدر فيه حكم باإلدانة ،في
حين أن التسليم يمكن أن يتعلق بشخص لم تتأكد بعد إدانته ولم يصدر في حقه حكم
قضائي .مما يجعل إ ستعمال مصطلح "متهم" سواءا في مجلة اإلجراءات الجزائية أو في
االتفاقيات الدولية التي تعتني بتنظيم مسألة التسليم في غير طريقه من الناحية القانونية،
واحتراما لقرينة البراءة التي تنص على أن كل متهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة
عادلة تضمن له حقوق الدفاع ،إضافة إلى أن هذه القاعدة من القواعد الدستورية الواجب
إحترامها.
بالتالي تسليم المتهمين يعتبر من أهم آليات المالحقة الجنائية عبر الوطنية تسد طريق
الفرار على المتهمين بارتكاب الجرائم والمحكوم عليهم باإلدانة مما يجعل مسالة فرارهم
إن ظاهرة فرار المجرمين من البلدان التي ارتكبوا بها جرائم كثرة وتعددت مستحيال.
حاالتها وذلك بفعل تطور وسائل المواصالت ورفع الحدود بين الدول مما يسهل هروب
المجرمين.
9
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
دراسة مسأ لة تسليم المجرمين ومدى تأثير العوامل السياسية عليه في غاية من األهمية
باعتبار أن النظام القانوني لتسليم يشكوا من عديد اإلنتقادات إما بسبب تباين التشريعات
الوطنية المنظمة لمؤسسة التسليم أو كذلك بسبب إختالف الطبيعة القانونية للتسليم أو
بسبب تأثير العوامل السياسية على نظام التسليم مما جعل بالبعض يتحدث عن ''تسييس
15
. نظام التسليم''
بالنسبة لتطور التاريخي لتسليم المجرمين فقد تراوح من مجرد ممارسة تتم بين الدول استنادا
إلى عرف دولي أو معاملة بالمثل دون أن يخضع إلى نظام قانوني معين .ثم تطور في
مرحلة الحقة فأصبحت الدول تلتجئ إلى إبرام اتفاقيات ثنائية حتى انتهت المسالة إلى إبرام
معاهدات عالمية تنظم التسليم في إطار مكافحة الجرائم المنظمة عبر الوطنية أو في إطار
أقدم اتفاقية لتسليم المجرمين تعود إلى العهد الفرعوني ،فقد عثر في معبد الكرنك على
إتفاقية منحوتة على الحائط أبرمت قبل الميالد أي حوالي سنة 1269قبل الميالد بين
الفرعون رمسيس الثاني وملوك صور وأمراء شيتا .وذلك لتسليم كل من الرعاة والغزاة الذين
كانوا يلحقون أضرار في ارض سيناء إلى البلد المتضرر في حال إلقاء القبض عليهم من
16
. طرف البلد األخر
. 15سليمان عبد المنعم "الجوانب اإلشكالية في النظام القانوني لتسليم المجرمين " ،دار الجامعة الجديدة للنشر ،2007ص11
16المنصف بوسكاية " تطور مؤسسة تسليم المجرمين على ضوء التحوالت العالمية الراهنة " ،مجلة القضاء والتشريع عدد 8
اكتوبر. 2005
10
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
مؤسسة تسليم المجرمين ظهرت مع أول اتفاقية أبرمتها الدولة التونسية مع الدولة الفرنسية
في 16ماي 1884التي جاء بها أن التونسيون الذين يقع تتبعهم من أجل جنايات أو جنح
ارتكبوها بالبالد الجزائية يمكن تسليمهم بمقتضى بطاقة صادرة من الحاكم الجزائري ذي
النظر .وأن الجزائريين الذين يرتكبون جنايات أو جنح بالتراب التونسي ثم يلتجئون إلى
الجزائر يقع ضبطهم كسائر األجانب بطلب من وكيل الجمهورية بتونس ثم يرجعون إلى
ثم بعد ذلك وبمقتضى األمر المؤرخ في 1فيفري 1897إنسحب مفعول كل المعاهدات
التي أبرمتها تونس مع فرنسا وبقي األمر على حاله حتى تحصلت تونس على إستقاللها
وأبرمت العديد من اإل تفاقيات الدولية المتعلقة بتسليم المجرمين األجانب .وقد أعطى المشرع
األولوية في التطبيق لالتفاقيات الدولية على القانون الوضعي ،والسبب في ذلك أن القانون
الساري المفعول في تلك الفترة هو قانون المرافعات الجنائي الصادر به األمر المؤرخ في
مجلة اإلجراءات الجزائية والذي لم يتعرض بدوره إلى إجراءات تسليم المجرمين األجانب .
وكان ذلك بداية النطالق إبرام إتفاقيات ثنائية مع عديد الدول منها إتفاقية مع ليبيا بتاريخ
ما يجدر مالحظته أن نظام تسليم المجرمين طبقا للمعاهدات الدولية هوعمل حديث نسبيا،
ففي الماضي كانت المعاهدة تعقد من أجل تسليم المجرمين المتهمين بجرائم سياسية .دور
11
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
تسليم المجرمين حاليا يختلف عما كان قديما ألن نظام التسليم المجرمين يعتبر بمثابة
وفي حقيقة األمر نظام تسليم المجرمين قد مر بمراحل ،المرحلة أولى كان اإلهتمام يتمحور
حول الجرائم السياسية والدينية .وفي مرحلة ثانية ما بين القرن الثامن عشر ونصف والقرن
التاسع عشر إهتمت معاهدات تسليم المجرمين بالجرائم العسكرية .أما في المرحلة الثالثة
إهتمت بمحاربة الجريمة المشتركة وتحديدا بعد الحرب العالمية الثانية بدا االهتمام بحقوق
اإلنسان .17
كذلك مؤسسة تسليم المجرمين كانت محل اهتمام جميع فئات المجتمع في فترة ما بعد ثورة
الرابع عشر من جانفي والذي أصبحت معه مؤسسة التسليم محل إهتمام سواءا األوساط
رموز النظام البائد سواءا الرئيس السابق أو أفراد عائلته أو حتى بعض االشخاص الذين
ينتمون الى محيطه والذين تورطوا معه .بالتالي كانت تونس من البلدان الطالبة للتسليم
للمطالبة باسترجاع الرئيس السابق زين العابدين بن علي وزوجته من السعودية باعتبارها
الدولة المستقبلة لهم ،كذلك كانت قطر دولة مطلوبة لتسليم صخر الماطري ،إضافة إلى
سويسرية وغيرها من البلدان .كذلك برزت البالد التونسية في فترة ما بعد الثورة كدولة
مطالب منها التسليم في قضية البغدادي المحمودي عندما طلبت منها السلطات الليبية
17عبد الغنيث محمود " ،تسليم المجرمين على أساس المعاملة بالمثل"، 1991 ،ص .5
12
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
إن التأمل في النظام القانوني للتسليم يدرك أنه يرتبط أشد اإلرتباط بسيادة الدولة،
فإجراءات التسليم تنطلق من الزمن الذي يكون فيه الشخص مفتش عنه من قبل العدالة
لمحاكمته أو تنفيذا للعقوبة الصادرة ضده .أول شرط في التسليم هو أن يكون الشخص
المطلوب تسليمه موجودا فوق التراب التونسي بالتالي ال يمكن النظر في مطلب التسليم إذ
لم يكن الشخص مقيم فوق التراب التونسي . 18هذا المبدأ نص عليه الدستور التونسي
في مقابل ذلك تتمسك كل دولة بحماية مواطنيها وتتجسد هذه الحماية في تكريس مبدأ عدم
جواز تسليم الدولة لمواطنيها مما يستوجب عيش المواطن فوق تراب دولته وان يحاكم عن
طريق محاكمه الوطنية وبعد التحقق من جنسية المشبوه فيه وكونه ليس تونسيا وال أجنبيا .
بالنسبة للدولة الطالبة إذا كانت الفعلة المطلوب من أجلها التسليم لم ترتكب فوق ترابها يقع
التسليم هي الجرائم التي تخضع لمبدأ االتهام المزدوج والذي يقوم على فكرة عدم عقاب
شخص على فعلة غير مجرمة بمقتضى قانون الدولة المطلوبة .وتخضع كذلك إلى مبدأ
أخر وهو المتمثل في الحد األدنى من العقاب أي أن المشرع إستبعد من التسليم الجرائم
التي توصف بمخالفات والعقوبات المالية ويمنح التسليم إذا كان العقاب المستوجب حسب
قانون الدولة الطالبة عقابا سالبا للحرية تساوي مدته أو تزيد على ستة اشهر بالنسبة لجملة
18الفصل 310م.ا.ج.
19الفص 311م.ا.ج.
13
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
الجرائم موضوع الطلب .وفي صورة المحاكمة يجب أن يكون العقاب المحكوم به من
محكمة الدولة الطالبة عقابا سالبا للحرية مساويا أو يزيد على شهرين.
تجدر اإلشارة أن هذه المبادئ إعتمدت في جل اإلتفاقيات المبرمة بين تونس وعدد من
الدول مثل ليبيا والجزائر ولبنان والسنيغال والمغرب وموريطانيا .إال أنه وقع الترفيع فيها إلى
ستة أشهر في اإلتفاقية المبرمة بين تونس وايطاليا والى أربعة أشهر في اإلتفاقية المبرمة
بين تونس وألمانيا ،أما المعاهدة المبرمة بين تونس وفرنسا فقد اشترطت أن تقل العقوبة
من خالل دراسة جميع األحكام المنظمة لمؤسسة التسليم نستخلص أن هذه المؤسسة
تخضع إلى نظام قانوني محدد سواءا بالقوانين الداخلية أو ضمن اإلتفاقيات الدولية .وأخذا
بعين اإلعتبار كل هذه األحكام نستخلص أنه ال يمكن تسليم المجرم إلى الدولة الطالبة إال
بتوفر شروطه كما يتوقف إتخاذ قرار التسليم على جملة من اإلجراءات .20التجريم المزدوج
شرط الزم في التسليم يجيب أن تمثل األفعال جريمة في كال النظامين وليس ضروريا أن
يكون وصف الجريمة من حيث التسمية أو التصنيف متطابقا .مع المالحظة أن جميع
النظم تعاقب كل األفعال الغير مشروعة حتى وان كانت تحت وصف أو تصنيف مختلف.
هذه الشروط تتعلق باألشخاص الذين يجوز تسليمهم كذلك بالجرائم والعقوبات الموجبة
للتسليم .بالنسبة لألشخاص الذين يجوز تسليمهم أوال يشترط أن يكون الشخص المطلوب
تسليمه مفتش عنه من قبل الدولة الطالبة لمحاكمته أو لتنفيذ حكم قد صدر ضده أن يكون
هذا الشخص موجود ساعة تقديم المطلب بالدولة التونسية .21كذلك من الشروط المنصوص
عليها هو أن يكون الشخص المطلوب تسليمه أجنبيا ذلك انه ال يمكن تسليم التونسيين وهذا
المبدأ نصت عليه جميع االتفاقيات التي صادقت عليها تونس في مجال التعاون القضائي.
و بالتالي يمكن أن يكون الشخص المطلوب تسليمه من مواطني الدولة الطالبة أو من
مواطني دولة ثالثة أو كذلك من عديمي الجنسية المهم أن ال يكون هذا الشخص من
نصت المادة السادسة عشر من إتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر
الوطنية أن تسليم المجرمين بمفهومه العام ينطبق على الجرائم المشمولة بهذه االتفاقية ،أو
في الحاالت التي تنطوي على ضلوع جماعة إجرامية منظمة في ارتكاب مشار إليه في
الفقرة (ا) و (ب) من المادة الثالثة .وضرورة وجود الشخص الذي هو موضوع طلب التسليم
في إقليم الدولة الطرف متلقية الطلب .واليجوز فرض التسليم إذا كان طلب التسليم بسبب
نوع جنس المتهم ،أو عرقه أو ديانته أو أصله أو أراءه السياسية أو أن اإلمتثال لطلب
ما تجدر مالحظته هو أنه بالرغم من توفر شروط التسليم مثل شرط إزدواج التجريم يمكن
أن يتوفر مانع من موانع التسليم تحول دون التسليم .ويرجع إما ألسباب ذاتية مثل التي
تتعلق بالشخص المطلوب تسليمه كان يكون منتميا لجنسية الدولة المطلوب منه التسليم أو
حالة كونه أجنبيا ويخشى أن يمس تسليمه من حقوقه وحرياته األساسية كإنسان أو من
موانع التسليم ما هو متعلق بمسالة إجرائية متعلقة بمخالفة قواعد االختصاص الجنائي
الدولي .وبصفة عامة فإن اإلختالف بين تشريع الدولة الطالبة والدولة المطلوبة يثير العديد
كذلك تنص العديد من التشريعات الوطنية واإلتفاقيات الدولية على إمتناع التسليم إذا كانت
الدعوى الناشئة عن الجريمة قد انقضت بالتقادم أو أن العقوبة المحكوم بها على الشخص
المطلوب تسليمه قد انقضت أيضا بالتقادم ،كذلك من موانع التسليم هو الصبغة السياسية
للجريمة .
إذا تعددت طلبات اإلسترداد من دول مختلفة على جريمة واحدة فتكون األولوية أوالً للدولة
التي أخذت الجريمة بمصالحها أو لدولة التي ارتكبت الجريمة في إقليمها .واذا كانت
المطالب متعددة مقدمة ألجل جرائم مختلفة فإنه يؤخذ بعين اإلعتبار في منح االولوية جميع
الظروف وخاصة مدى خطورة الجريمة ومكان إرتكابها وتاريخ ورود المطالب.22
أما إذا إتحدت الظروف فتفضل الدولة التي هي أسبق في طلبات اإلسترداد ،واذا لم يتم تسليم
الشخص بعد مرور 15يوماً على هذا التاريخ جاز اإلفراج عنه وفي جميع األحوال فال بد من
اإلفراج عنه بانقضاء 30يوماً على التاريخ المحدد للتسليم وال تجوز المطالبة مرة أخرى
في ختام هذا العرض نالحظ أن بعض الفقهاء يعتقدون أن نظام تسليم المجرمين هو نظام
يختلط فيه القانون الجنائي بغيره من المواد األخرى ،تحكمه قواعد سلوك دولي يصعب فيها
22الفصل 314م.ا.ج.
16
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
توحيد المعايير التي تحكمها .وبالرغم من تأثير القواعد اإلجرائية والموضوعية في مجال تسليم
23
من ناحية والى المجرمين فهو مازال في نظر هؤالء الفقهاء يفتقر إلى اإلنضباط القانوني
بالنسبة إلى االنضباط القانوني يالحظ ذاك من خالل التداخل بين الجريمة السياسية
والجريمة اإلرهابية وبعض أصناف الجرائم األخرى وصعوبة التمييز بين كل هذه الجرائم في
الكثير من األحيان .أما بالنسبة إلى النظام القانوني للتسليم فهو يفتقر إلى الوحدة واإلنسجام
وذلك من خالل الموانع اإلجرائية التي تحول دون التسليم ،فمن شروط الجريمة التجريم
المزدوج ،خطورة الجريمة المطلوب من أجلها التسليم ،إقصاء الجرائم السياسية واقصاء
الجرائم التي سقطت بالتقادم .بالنسبة إلى مسالة التسليم في الجرائم السياسية يجيب التمييز
بينها بين العديد من الظواهر اإلجرامية التي قد تؤدي إلى بعض الخلط مثل التداخل
إعتبا ار لكون التعريف بنظام التسليم ال يقتصر على بيان المدلول اللغوي واإلصطالحي
لفكرة تسليم المجرمين '' ،''extraditionفمصطلح تسليم المجرمين ذو اصل التيني يطلق
عليه بالالتينية '' ''Extradeeوأغلب التشريعات الوطنية إستعملت نفس المصطلح والفقه
وترجمته إلى اللغة العربية '' تسليم المجرمين '' .بالتالي وان كانت أغلب التشريعات
23
سليمان عبد المنعم ،نفس المرجع,ص. 28
17
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
هذا المنطلق فان دراسة مسالة تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات
ما مدى تأثير العوامل السياسية على النظام القانوني لتسليم المجرمين ؟
الإلجابة عن هذه اإلشكالية ولإللمام بكل الجوانب التي تقتضيها دراسة هذا الموضوع تقتضي
منا التعرض في ( جزء أول) إلى تأثير العوامل السياسية على شروط التسليم و في (جزء
18
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
19
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
يعد موضوع تسليم المجرمين من المسائل الهامة والحساسة باعتبار انه آلية فعالة لمكافحة
الجريمة التي تمس من سيادة الدولة خاصة أمام تفاقم الجرائم التي أصبحت تستهدف
اإلنسانية بوجود شبكات دولية منظمة الرتكاب الجرائم ،كتهريب المخدرات واإلرهاب الدولي
الذي تفشى في أكثر من دولة ،وبالنظر ألهمية هذه المؤسسة وضع المشرع لمؤسسة تسليم
بالنسبة إلى شروط تسليم المجرمين فهي تنقسم إلى شروط متعلقة بالجريمة والمجرمين
وشروط متعلقة بالعقوبة .في هذا الجزء ستقوم بدراسة تأثير الصبغة السياسية للجريمة على
شروط التسليم حسب مقتضيات مجلة اإلجراءات الجزائية واالتفاقيات المبرمة بين
الجمهورية التونسية وعدد من الدول تتعلق بالجريمة مثل شرط التجريم المزدوج ،خطورة
الجريمة المطلوب ألجلها التسليم والذي تم في ظله إقصاء بعض الجرائم من التسليم مثل
الجرائم السياسية .إضافة إلى الشروط المتعلقة بالمجرم والتي بفضل تأثير العوامل السياسية
الجزء سنقوم بتحديد شروط التسليم التي قد تؤثر فيها الصبغة السياسية للجريمة .
من هذا المنطلق سنقوم في هذا الجزء بدراسة تأثير العوامل السياسية على الشروط الخاصة
بالجريمة والمجرمين (الفصل االول ) .ومظاهر تأثير العوامل السياسية على شروط التسليم
(الفصل الثاني).
20
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
والمجرمين:
يتسم التسليم كإجراء تعاون دولي بتأثره ببعض المفاهيم الدولية المشتركة والمرتبطة بحماية
حقوق اإلنسان من ذلك منع التسليم في الجرائم السياسية أو إذا كان الهدف من التسليم
معاقبة شخص ألسباب دينية أو عرقية أو عنصرية أو تتعلق بجنسية أو رأي سياسي.
بالتالي نظام التسليم في تتبع الجرائم الدولية يثير عددا من الصعوبات تتعلق بطبيعة
الجريمة الدولية في حد ذاتها والتي تختلف عن باقي الجرائم من حيث خطورتها وارتكابها
داخل الدولة ولحسابها لتحقيق اغراض سياسية وفي أغلب األحيان يكون مرتكبوا هذه
الجرائم من أصحاب السلطة أو من األشخاص الذين يتمتعون بالحصانة مما يحول دون
بحيث أ ن مؤسسة التسليم تتأثر بمفاهيم دولية مثل حماية حقوق اإلنسان خاصة تلك
المرتبطة بحماية الحرية السياسية وتكريس ضمانات المتهم الشرعية .دراسة تأثير العوامل
السياسية على الشروط المتعلقة بالجريمة والمجرم تتطلب التعمق في دراسة الشروط
الخاصة بالجريمة السياسية (المبحث الول) والشروط الخاصة بالمجرم السياسي (مبحث
ثاني ) .
21
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
جل اإلتفاقيات والتشريعات الوطنية إستبعدت بعض الجرائم والعقوبات من التسليم ،فالبعض
منها كان يستبعد الجرائم السياسية والعسكرية وحتى بعض الجرائم المالية من نطاق التسليم.
وان كان إقصاء بعض الجرائم من التسليم ال يثير إشكاال فإن األمر ليس كذلك بالنسبة إلى
التسليم في الجرائم السياسية وذلك نظ ار إلى غموض مفهوم الجريمة السياسية .التسليم في
الجرائم السياسية يطرح العديد من اإلشكاليات من ذلك صعوبة تعريف الجريمة السياسية
واختالط الجريمة السياسية بغيرها من الجرائم األخرى مثل الجريمة اإلرهابية .
يمثل تعريف الجريمة السياسية عائقا أمام إعمال شرط ازدواج التجريم ،فبالرغم من أن جل
التشاريع الوطنية واإلتفاقيات تمنع التسليم في الج ارئم السياسية .إال أن صعوبة تعريف
الجريمة السياسية مرتبط بعقلية معينة للمجتمع ومدى إعترافه بالحقوق والحريات السياسية.
مبدئيا إ ضفاء الوصف القانوني للجريمة بكونها جريمة سياسية أم ال يتأثر بالنظام السياسي
السائد أي إن كان نظاما ديمقراطيا أم ديكتاتوريا .كما أن اإلشكال المطروح يتعلق بمعرفة
ما إذا كانت الجريمة العادية المرتبطة بالجريمة السياسية تعتبر سياسية في مجملها وتنطبق
األهم وقبل الخوض في هذه المسائل ولإللمام بالنظام القانوني للتسليم والبحث عن
اإلشكاليات القانونية التي يطرحها التسليم في الجرائم السياسية يجيب تعريف الجريمة
السياسية (فقرة أولى ) ومن ثم البحث في خصائص الجريمة السياسية (فقرة ثانية ).
22
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
بالرغم من أن العديد من التشريعات الوطنية واإلتفاقيات تكرس مبدأ عدم التسليم في الجرائم
السياسية إال أن مفهوم الجريمة السياسية يبقى مفهوما غامضا يعتريه بعض اللبس .أدى
ظهور الحكومات الديكتاتورية في النصف األول من القرن العشرين إلى توسع مفهوم
الجريمة السياسية .فقد أضاف مشروع اتفاقية هارفارد لتسليم المجرمين إلى قائمة المخالفات
في العديد الحاالت قد يؤدي الخالف السياسي إلى أن ترتكب عرضا جرائم عادية يصبح
معها تصنيف الجريمة أم ار مستعصيا .فعادة إذا كانت الصبغة السياسية هي الغالبة تكون
الجريمة سياسية ويتمتع مرتكبها باإلعفاء من التسليم أما إذا كان اإلج ارم العادي هو الذي
هذه المسأ لة تطرح إشكالية حقيقية تتمثل في صحة تطبيق القانون باعتبار أن السياسة
مسالة غير قانونية تأثر إلى حد ما على تطبيق القانون .كذلك مسألة إرتباط الجريمة
العادية بالجرائم السياسية هل أنها تأخذ حكم الجريمة السياسية أم أنها تبقى من الجرائم التي
يجوز فيها التسليم هذه أيضا تبقى من أهم اإلشكاليات القانونية التي تواجه رجل القانون.
23
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
يرى بعض الفقهاء أن الجريمة السياسية هي كل إعتداء يمثل جريمة في قانون العقوبات
ينال بالضر أو خطر اإلضرار بمصلحة سياسية للدولة أو يكون الباعث على إرتكابها
السؤال الذي يطرحه تعريف الجريمة السياسية هو معرفة المعيار الذي يمكننا من تكييف
الجريمة على أنها سياسية والمعايير التي تميزها عن الجرائم األخرى .المشرع عادة ال
يتطرق إلى تعريف الجريمة السياسية في نصوص قانونية .سبب هذا العزوف عن تعريف
الجريمة السياسية هو كون تعريف هذه الجريمة يعكس بالضرورة الفكر السياسي والنظام
بالنسبة إلى المعايير المميزة للجرائم السياسية فهي تختلف من دولة إلى أخرى فان كانت
كل الدول تتفق في منع التسليم في الجرائم السياسية إال أنها تختلف في األحكام اإلجرائية
والموضوعية التي تخص الجرائم والمجرمين السياسيين .فالسؤال الذي يطرح نفسه من يحدد
الطبيعة السياسية للجريمة خاصة في غياب تعريف واضح للجريمة السياسية في القوانين
إن المتفق عليه هو أن الدولة المطلوب منها التسليم هي من تحدد الصفة السياسية
للجريمة لكن بالتأمل في األحكام القضائية وبعض اإلتفاقيات ندرك أن تعريف الجريمة
السياسية كان ضيقا نوعا ما .مما قد يؤدي إلى إختالف في تكييف الجريمة السياسية بين
الدولة الطالبة والدولة المطلوبة .هذه المسألة تعد ايضا من أهم اإلشكاليات القانونية التي
يرى بعض الفقهاء أن الجريمة تكون سياسية بالنظر للظروف التي إرتكبت في ظلها
والدوافع التي حثت على إرتكابها حتى وان كان في بعض األحيان هذا العمل يشكل في حد
ذاته جريمة عادية .وعلى الرغم من صيرورة عدم جواز التسليم في الجرائم السياسية التي
تعتبر من مسلمات النظام القانوني للتسليم .إال أن الجريمة السياسية تطرح إشكال ليس فقط
حول تعريفها وانما أيضا صعوبات أخرى تتعلق بالجرائم المرتبطة بها والجرائم المتداخلة
معها .
بالنسبة للمعايير التي يمكن االستناد إليها لتكييف الجريمة السياسية اسند الفقهاء في تكييفهم
لهذه الجريمة إلى معيارين اثنين وهما المعيار الموضوعي والشخصي .بذلك تتعدد التعاريف
بالنسبة للمعيار الموضوعي فهو يعتبر الجريمة سياسية متى كانت تمثل عدوانا على
مصلحة سياسية للدولة أو على حق سياسي للفرد بصرف النظر عن الدافع الرتكابها.
بالتالي تستمد الصفة السياسية من الموضوع الذي إنصبت عليه الجريمة .وتعد جرائم
سياسية محاولة قلب نظام الحكم في الدولة واإلخالل بأمنها والغش في االنتخابات
والتجمهر .فالمعيار الموضوعي هو المعيار األكثر قبوال لدى الفقه إذ يستند على طبيعة
25
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
بالنسبة للمعيار الشخصي فيعتبر الجريمة سياسية متى كان الهدف من إرتكابها هدفا
سياسيا حتى ولو كانت الجريمة من حيث موضوعها جريمة عادية ،كجريمة القتل أو
السرقة .هذا المعيار يوسع من نطاق الجريمة السياسية إذ يجعلها تشمل جرائم قد تبدو في
جوهرها جرائم عادية ،كاإلعتداء على حياة رئيس الدولة أو قتل معارضي الحكومة .
اإلتجاه السائد يالحظ أن هناك تسييس للجريمة ففي التطبيق ال يوجد معيار محدد معتمد
بشأن تكييف الجريمة السياسية .تكييف الجريمة على أنها سياسية له طبيعة نسبية ومختلفة
ترتبط بالنظام السياسي القائم في دولة ما من ناحية ومنظومة الحقوق والحريات السياسية
المعترف بها لألفراد من ناحية أخرى .كلما تم تضييق رقعة حقوق والحريات كلما يتم تضيق
رقعة الحقوق السياسية المعترف بها .وذلك بعكس النظم السياسية الديمقراطية والتي يتسع
إضافة إلى ذلك يجيب التمييز بين الجريمة السياسية الخالصة والجريمة التي يطلق عليها
الفقهاء الجريمة الشبه سياسية .فالجريمة السياسية هي التي تكتسب طبيعتها السياسية وفقا
للمعيار الشخصي والمعيار الموضوعي معا .فهي التي تمثل بدافع سياسي عدوانا على
النظام السياسي للدولة فيما يجسده من المصالح السياسية الداخلية ،أو فيما يعترف به من
حقوق سياسية لإلفراد . 26المعيار الشخصي يتمثل في الدافع السياسي من وراء إرتكاب
الجريمة أما المعيار الموضوعي فيتجسد في وقوع الجريمة على النظام السياسي للدولة .
26
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
بالتالي هناك أفعال مستبعدة من مفهوم الجريمة السياسية والتي تمثل اإلعتداء على
المصالح الخارجية للدولة مثل جرائم التجسس والخيانة وبصفة عامة كافة الجرائم المخلة
بأمن الدولة .أم ا الجريمة السياسية العارضة فهي في الحقيقة من جرائم القانون العام العادية
مثل جرائم التخريب واإلتالف التي تحدث بمناسبة أحداث سياسية كالتمرد أو العصيان
المدني .بالنسبة للجريمة الشبه سياسية فهي الجريمة التي يتوفر فيها أحد المعيارين دون
األخر.
تعريف الجريمة السياسية يقتضي منا التمييز بينها وبين اإلعتداء على األمن الداخلي
والخارجي للدولة .فلئن كانت جرائم اإلعتداء على األمن الداخلي مثل الشروع في تغيير
الدستور أو شكل الحكومة بالقوة أو إنشاء تنظيمات مخالفة للدستور وج ارئم التظاهر
السياسي واإلنتخابات والنشر تنتمي إلى صنف الجرائم السياسية . 27فاألمر ليس كذلك
بالنسبة لجرائم اإل عتداء على األمن الخارجي مثل الخيانة والتجسس فهي ال تعتبر جريمة
سياسية بالتالي تم نزع الصفة السياسية عن جرائم اإلعتداء على أمن الدولة الخارجي.
يمكن تب رير ذلك بأنه ال يمكن إضفاء البعد األخالقي على الجريمة العادية مقارنة بالجريمة
السياسية ،فاإلعتداء على األمن الخارجي يتنافى مع مفهوم اإلنتماء كذلك تكييف الجريمة
السياسية ال يكون إال في إطار نظام قانوني داخلي أما األمن الدولي الخارجي فهي يتعلق
في خصوص إ رتباط الجريمة السياسية بجرائم القانون العام يالحظ من خالل التعاريف
الفقهية والتشريعية أنها تتسم بالغموض .بحيث يبرز تداخل كبير بين الجرائم السياسية
والجرائم األخرى المتعلقة بأمن الدولة الداخلي والخارجي مما يجعل التعاريف قاصرة عن
28
. بيان المعنى الحقيقي للجريمة السياسية
ونستخلص مما سبق أن إشكالية الجريمة السياسية في العصر الراهن تكمن في إنتشار
ظواهر إجرامية تشبه الجريمة السياسية دون أن تكون منها مثل الجرائم المذهبية والجرائم
الجريمة السياسية تطرح العديد من اإلشكاليات سواءا على المستوى النظري أو التطبيقي.
هذا المصطلح كما رأينا في فقرة سابقة يشوبه اإللتباس ويفتقر إلى الوضوح وذلك بسبب
اإلفتقار لتعريف واضح لهذه الجريمة وصعوبة إضفاء الوصف السياسي على هذه الجريمة
عندما تكون مرتبطة بجرائم أخرى مثل الجريمة اإلرهابية أو الجريمة العادية أو حتى أنواع
أخرى من الجرائم .ومن هذا المنطلق تعريف الجريمة السياسية ليس محل إتفاق وقد يختلط
28خباب الماجري " ،التعاون القضائي العربي في مجال مكافحة الجريمة االرهابية " ،الهيئة الوطنية للمحامين فرع تونس،
.2013/20152ص.9
28
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
بالنسبة إلى التمييز بين الجريمة العادية والجريمة السياسية يرى بعض الفقهاء أنه يمكن
اإلعتماد على ثالث مذاهب المذهب الشخصي والمذهب الموضوع والمذهب المختلط
للتمييز بين كلتا الجريمتين .بالنسبة للمذهب الشخصي فهو يرتكز للتفريق بين الجرائم
العادية والجرائم السياسية على الدافع أو القصد أو الغرض الذي من اجله ارتكبت الجريمة
دون اإللتفات إلى موضوع الجريمة أو المصلحة التي تهددها .29أما المذهب الموضوعي
يرى أنصاره أن إضفاء الصفة السياسية على جريمة يتوقف على طبيعة الفعل ذاته فتكون
الجريمة سياسية إذا كانت موجهة ضد الدولة أما في غير هاته الحالة فهي جريمة عادية.
بالنسبة للمذهب المختلط وهو مذهب يمزج بين المذهب الشخصي والمذهب الموضوعي
الذي يعتبر معيا ار توفيقيا يرى الغاية والموضوع متالزمان .وبالتالي يكون تحديد الجريمة
السياسية معتمدا على محل الجريمة والشخص الفاعل ونوع الفعل والهدف من إرتكاب
الجريمة.
من خالل دراسة القوانين المنظمة لمؤسسة التسليم نستخلص أن الجريمة العادية هي
الجريمة التي ال تنتمي إلى مجموعة من الجرائم التي ال ينطبق عليها نظام تسليم
المجرمين .وقد جرى العرف الدولي على عدم جواز التسليم في الجرائم معينة منها الجرائم
29غمام حسنين عطا هللا "،اإلرهاب البنيان القانوني للجريمة " ،دارالمطبوعات الجامعية.2004 ،ص .352
29
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
وقد كانت القاعدة القديمة هي جواز تسليم المجرمين السياسيين إال أنه منذ سنة 1832بدأ
االتفاق على عدم تسليم المجرمين السياسيين ( معاهدة بين فرنسا وسويس ار) وانقسم الفقه
إلى فريقين .فريق أول يجيز تسليم المجرمين السياسيين مقارنة بالمجرمين العاديين ألن
جرائهم ال تقل خطورة عن جرائم الحق العام وقد تفوقها خطورة ألنها تهدد أمن الدولة.
أوال ألن عنصر اإلجرام في الجرائم السياسيه أقل خطورة مقارنة بالجرائم العادية ،وثانيا ألن
تسليم المجرمين السياسيين يعتبر تدخال في شؤون الدولة التى تطالب بالتسليم ،وكذلك ألن
الدولة طالبة التسليم قد ال تستطيع محاكمة خصومها السياسيين ويمكن أن تلجأ إلى أساليب
إتسم العصر الحديث بانتشار ظاهرة اإلرهاب التي أدت إلى إهتزاز أمن المجتمعات
وأشكالها ووسائلها .وتأكيدا على خطورة الجريمة اإلرهابية مقارنة بالجريمة السياسية نصت
إتفاقية منظمة الوحدة اإلفريقية لمنع ومكافحة اإلرهاب في ديباجتها أنه ''نحن الدول
األعضاء في منظمة الوحدة اإلفريقية آخذين بعين االعتبار ولقلقنا الشديد على مدى خطورة
ظاهرة اإلرهاب والمخاطر التي تشكلها على الإلستقرار وأمن الدول ورغبة منا في تعزيز
التعاون بين الدول األعضاء من أجل إحباط ومواجهة اإلرهاب .وإلعادة تأكيد الحق الشرعي
30
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
للشعوب في حق تقرير المصير واالستقالل الذي يتفق مع مبادئ القانون الدولي ونصوص
ميثاق منظمة الوحدة اإلفريقية ،وكذلك الميثاق األفريقي فيما يتعلق بحقوق اإلنسان
والشعوب .ولقلقنا من أن اإلرهاب يشكل إنتهاكا خطي اًر لحقوق اإلنسان وبصفة خاصة
الحقوق المتعلقة بالتكامل الطبيعي ،والحياة والحرية ،واألمن ،واعاقة التطور اإلجتماعي
واإلقتصادي الناجم عن عدم إستقرار الدول .ولقناعتنا أكثر بأن اإلرهاب أمر ال يمكن تبريره
تحت أية ظروف ،وبناء على ذلك يجب مواجهته في جميع أشكاله ومظاهره ،بما في ذلك
اإلرهاب الذي تتورط فيه دول بشكل مباشر ،أوغير مباشر ،بغض النظر عن جذوره ،
وأسبابه ،وأهدافه .وألننا على دراية بالروابط المتنامية بين اإلرهاب والجريمة المنظمة ،بما
في ذلك التجارة المحظورة لألسلحة ،والمخدرات ،وغسيل األموال ،فقد عقدنا العزم على
بالتالي مواجهة اإلرهاب ليس فقط على مستوى تكريس آليات فعالة للتصدي للجريمة
اإلرهابية وانما أيضا مواجهة اإلرهاب تكون بوضع نصوص قانونية واضحة المعالم ال
تطرح إشكاالت قانونية شائكة تجعل من نجاعة النص القانوني مسألة نسبية .غموض
النص القانوني من األسباب التي تجعل تطبيق النص الجزائي فاقدا لجدواه باعتبار أن
الشك في القانون الجزائي يستفيد به المتهم .فغياب تعريف للجريمة اإلرهابية أو عدم توخي
الدقة في تعريف الجريمة من شأنه أن يخلق مشاكل قانونية ال يستفيد منها إال المتهم الذي
31
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
و بما أن العنف هو أ حد حقائق العصر الذي نعيشه حسب رأي العديد من الفقهاء وهو في
نفس الوقت من العناصر المكونة لإلرهاب وأهم مظهر من مظاهر الممارسة السياسية.
ومع تعدد المسميات والتعريفات وتباين المبررات والمسببات حصل خلط واضح في الكثير
من األحيان بين مختلف الجرائم نظ ار لتشابهها جميعها لما تتسم به من عنف ووحشية وقهر
هذا ما أدى إلى الخلط بين الجريمة اإلرهابية والجريمة السياسية ،واألسباب في هذا الخلط
تعود إلى المجتمع الدولي الذي لم يتوصل إلى حد هذا اليوم إلى تحديد مفهوم الجريمة
السياسية وتحديد معالم الظاهرة اإلرهابية بصفة عامة .السبب في ذلك يرجع إلى إختالف
مصالح الدول ومحاولة كل منها فرض رأيها وتوجهاتها بما يحمي مصالحها الخاصة وما
يتفق مع مبادئها . 31خاصة وأن مصطلح اإلرهاب دخيل على اللغة العربية حتى اليوم،
والذي كان فالمعنى األصلي للكلمة له ارتبط بالسياسة رغم أنه يرجع إلى الثورة الفرنسية
غياب تعريف للجريمة اإلرهابية يطرح إشكال كبير على المستوى القانوني والسبب في ذلك
هو تعدد األفعال المادية التي تكون الجريمة اإلرهابية وهي أفعال متأتية من القانون العام.
هذه المسائل تجعل من اإلرهاب جريمة معقدة ،يجعل تكييف الوقائع التي تتعلق بها ليس
30محمود داوود يعقوب "،المفهوم القانوني لالرهاب "،منشورات زين الحقوقية . 2012,ص.14
31نزار كرمي " ،الجريمة اإلرهابية " ،مجمع األطرش للكتاب المختص .2016,ص .10
32
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
-1الخلط في المفهوم:
إنطلق التعرض إلى الجريمة اإلرهابية بنصوص تشريعية منظمة لإلرهاب من ذلك الفصل
113من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية .بموجب تنقيح هذه المجلة في 27فيفري
.1989ثم تم تنقيح المجلة الجزائية بمقتضى القانون عدد 112لسنة 1993المؤرخ في
22فيفري 1993بإضافة الفصل 52مكرر المتعلق بالجريمة اإلرهابية والذي الغي فيما
وكما نعرف كانت الدوافع وراء إصدار هذا النص سياسية بحتة ،باعتبار كان وسيلة
للسيطرة على المتطرفين الدينيين بغاية الوصول إلى السلطة والمعارضين لنظام الحكم وكان
أداة لدى النظام الحاكم لقمع المعارضة .كما قام المشرع بتنقيح مجلة اإلجراءات الجزائية
للفصل 305من نفس المجلة وفصال جديدا الفصل وهو 307مكرر فضال عن تنقيح
لكن اإلشكال يتعلق بإبقاء نفس اإلجراءات المتعلقة بالجريمة العادية لتطبق على الجريمة
اإلرهابية .وبموجب قانون 2003تم تنقيح األحكام سالفة الذكر فقد صدر قانون 12أوت
2009وكان هذا القانون شامال لعديد األحكام تطبق على جملة من الج ارئم ويمكن تطبيق
هذا القانون على الجرائم اإلرهابية وكذلك على المعارضين السياسيين .
33
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
بالتالي غياب تعريف الجريمة اإلرهابية يجعلها ظاهرة إجرامية يشوبها الغموض واإلبهام
مما يصعب معه تكييفها بالجريمة على أنها إرهابية أو سياسية .فحتى قانون عدد 75لسنة
اإلرهابية بكونها الج ارئم العامة التي تستهدف األشخاص والممتلكات وتكون بغرض إلى
تخويف والترويع . 32من أسباب إلغاء هذا القانون هو قصوره عن تحديد واضح لمفهوم
الجريمة اإلرهابية وكذلك فقد إتسم بالشدة في العقاب وتوسيع دائرة التجريم إضافة إلى
إحتوائه على عبارات فضفاضة في جملة الفصوله الشيء الذي قد يؤدي في الكثير من
الحاالت الى تصنيف بعض الجرائم العادية أو السياسية بكونها جرائم إرهابية .
اإلرهاب ومنع غسل األموال هذا القانون جاء لتفادي نقائص القانون السابق عدد2003/75
وأوضح وزير العدل السابق محمد صالح بن عيسى أن اللجنة المكلفة بإعداد مشروع
القانون إستلهمت أعمالها من المعايير الدولية ومن الممارسات الفضلى في مجال مقاومة
اإلرهاب والحرص على تحقيق معادلة صلب هذا القانون بين حق المجتمع في األمن
32الفصل عدد 4من القانون عدد 75لسنة المؤرخ في 10ديسمبر 2003المتعلق بمكافحة المجهود الدولي لمكافحة اإلرهاب وغسل
االموال .
i33نص الفصل االول من قانون عدد 26لسنة 2015مؤرخ في 7اوت 2015و الذي يتعلق بمكافحة االرهاب ومنع غسل االموال
أنه '' يهدف هذا القانون االساسي إلى التصدي لإلرهاب وغسل االموال والوقاية منها ،كما يدعم المجهود الدولي في هذا المجال طبقا
للمعايير الدولية وفي إطار االتفاقيات الدولية واإلقليمية والثنائية المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية ''.
34
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
وأضاف أنه تم تحديد نطاق التجريم من خالل توضيح الجريمة اإلرهابية والغاء األحكام
الجزائية العامة وأن تعريف الجريمة اإلرهابية في هذا القانون أكثر وضوحا من قانون
،2003فقد تم التنصيص على جرائم جديدة مستقلة بذاتها مثل التحريض على الجرائم
اإلرهابية وأفعال المساندة ،وأنه من خصائص القانون الجديد دعم وسائل التحري الخاصة
بالجرائم اإلرهابية مثل االختراق ووسائل التجسس واإلتصال بصفة سرية .34وأفاد أن القانون
أكد على ضرورة توفير المعطيات الداخلية والخارجية الالزمة لمكافحة اإلرهاب وعلى
ضرورة إحداث اللجنة الوطنية لمكافحة اإلرهاب ويعمل على دعم المجهود الدولي لمكافحة
اإلرهاب من خالل رفضه لتصنيف أو تكييف الجرائم اإلرهابية كجرائم سياسية وتكريس
مسالة الخلط بين الجريمة االرهابية والجريمة السياسية كانت إحدى إهتمامات المشرع عند
سنه لقانون 2015المتعلق بمكافحة اإلرهاب ومنع غسل األموال .لكن بالرغم من تعريف
هذا القانون للجريمة اإلرهابية إال أن اللبس مزال قائما باعتبار التشابه الكبير لألفعال
فقد نص الفصل 87من هذا القانون أنه'' ال يمكن إعتبار الجرائم اإلرهابية ،بأي حال
من األحوال ،جرائم سياسية غير موجبة للتسليم .وال يمكن إعتبار جرائم تمويل اإلرهاب،
35
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
عرف العديد من الفقهاء اإلرهاب بأنه " إستخدام للعنف من أجل إحداث حالة من الخوف
داخل المجتمع بغاية تحقيق أهداف سياسية " .35أما الجريمة السياسية فقد عرفها الفقيه
"فابريجيت" بأنها " األعمال التي يقصد منها بطرق جنائية تحديد أو تحوير أو هدم أو قلب
النظام السياسي واثارة اظطربات فهي إذن الجريمة التي تهاجم بها الحكومة في ذاتها
لكن رغم الجهود المبذولة من أجل مكافحة كل أشكال الجرائم بما في ذلك الجريمة
المنظمة والجريمة اإلرهابية إال أن العالم اليوم يعاني من تفاقم الجريمة اإلرهابية بنسق
تصاعدي حتى كادت المسألة تخرج عن سيطرة المجتمع الدولي بأكمله .
من خالل هذا العرض ندرك أن المشكل الذي تطرحه الجريمة اإلرهابية هو إصطباغ
اإلرهاب بالصبغة السياسية .فهناك خلط بين اإلرهاب كشكل من أشكال العنف أو اإلكراه
المنظمات اإلرهابية مما يجعل المشكل الحقيقي هو أن بعض الجرائم ال تصنف بكونها
إرهابية إذا ارتكبها دول قوية ومهيمنة وتجرم إذا ارتكبتها دول نامية وضعيفة .كل هذه
المسائل أدت إلى ظهور ما يعرف باإلرهاب السياسي .ويرى الفقيه "أودنيس العكرة " أن
35يونس زكور" ،اإلرهاب مقاربة للمفهوم من خالل الفقه والقانون " ،مشروع نهاية دراسة القانون.2006/2005,
36علي بن فايز الجحني ''،الفهم المفروض لإلرهاب " ،الرياض ،أكادمية نايف العربية للعلوم االمنية.ص .109
37الدكتور محمد بوالروايح" ،مقاربة قانونية في ظل المعطيات الفكرية والسياسية والواقعية "،الميثاق الدولي لمكافحة الجريمة
المنظمة .
36
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
اإلرهاب السياسي هو منهج نزاع عنيف يرمي الفاعل بمقتضاه بواسطة الرهبة الناجمة على
فقد تنوعت أراء الفقهاء حول تعريف الجريمة اإلرهابية ،هناك ثالث إتجاهات إعتمدت في
تعريف الجريمة اإلرهابية .شق يعتمد عنصر العشوائية وشق يعتمد على عنصر الرعب
اإلرهابي ة . 39هذه المسائل أدت بالبعض إلى التفكير بأن اإلرهاب هو نمط من أنماط
إستخدام القوة في الصراع السياسي ،وهو إستخدام قد تمارسه الجماعات السياسية أو
من خالل دراسة الجريمة اإلرهابية نالحظ أن التعريفات قد إنحصرت في شقين أساسيين.
شق يعتمدعلى المعيار المادي أي الذي يرتكز على الوسائل المستخدمة لتكوين العملية
اإلرهابية .أما الشق الثاني فهو الذي يرتكز على المعيار الموضوعي الذي يركز على الغاية
أو الهدف الذي يسعى إليه مرتكب العمل اإلرهابي وهو الهدف السياسي باألساس.
بالرغم من أن التفرقة بين الجريمة اإلرهابية والجريمة السياسية هي مسالة محسومة في
المجتمع الدولي منذ معاهدة باريس لسنة 1937الخاصة بمكافحة اإلرهاب والتي إستبعدت
38اودنيس العكرة "،اإلرهاب السياسي " ،بحث في أصول الظاهرة وأبعادها اإلنسانية ,دار الطليعة للطباعة والنشر ’بيروت .ص
.80
39كلمة اإلرهاب في اللغة العربية هي مصدر الفعل أرهب بمعنى أخاف وافزع و يقال في هذا الصدد "رهبوت خير من رهوت "
بمعنى أن ترهب خير من أن ترحم .و في اللغة الفرنسية فان كلمة terrorismeتعني اإلخافة واإلرعاب والترويع واألصل
اللغوي للكلمة في اللغة اللالتينسية هو فعل terrorبمعنى حركة الجسم تفزع الغير .أما في اللغة االنكليزية فمصدر كلمة
terrorismهو الفعل الالتيني tersالذي اشتقت منه كلمة terrorومعناها الرعب والخوف الشديد .
40نزار كرمي "الجريمة اإلرهابية " ،مرجع سابق .ص.23
37
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
بصفة مطلقة جرائم اإلرهاب من نطاق الجرائم السياسية .وقد تكرر النص على إستبعاد
جرائم اإلرهاب من نطاق الجرائم السياسية في أغلب اإلتفاقيات الثنائية وكل اإلتفاقيات
المتعددة األطراف وجميع اإلتفاقيات الدولية واإلقليمية بشأن تسليم المجرمين .41من ذلك
اإلتفاقية العربية لمكافحة اإلرهاب الموقعة بالقاهرة في 22أفريل 1998التي نصت في
المادة األولى منها على تعريف اإلرهاب ''بأنه كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا
كانت بواعثه أوأغراضه ،يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ،ويهدف إلى إلقاء
الرعب بين الناس ،أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر ،أو
إلحاق الضر بالبيئة أو بأحد المرافق أو األمالك العامة أو الخاصة ،أو احتاللها أو
االستيالء عليها ،أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر .أما الجريمة اإلرهابية فهي أي
جريمة أو شروع فيها ترتكب تنفيذا لغرض إرهابي في أي من الدول المتعاقدة ،أو على
رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها يعاقب عليها قانونها الداخلي ،كما تعد من الجرائم
اإلرهابية الجرائم المنصوص عليها في االتفاقيات التالية ،عدا ما استثنته منها تشريعات
أ -اتفاقية طوكيو والخاصة بالجرائم واألفعال التي ترتكب على متن الطائرات والموقعة
بتاريخ 1963/09/14م.
ب -اتفاقية الهاي بشأن مكافحة االستيالء غير المشروع على الطائرات والموقعة بتاريخ
1970/12/ 16م.
41احمد جالل عزالدين ''،اإلرهاب و العنف السياسي'' ،كتاب الجريمة ،مارس . 1986ص . 67
38
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
ج -اتفاقية مونتلاير الخاصة بقمع األعمال غير المشروعة الموجهة ضد سالمة الطيران
.1984/05/10
د -اتفاقية نيويورك الخاصة بمنع ومعاقبة الجرائم المرتكبة ضد األشخاص المشمولين
و -اتفاقية األمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1983م ,ما تعلق منها بالقرصنة البحرية.
أما المادة الثانية من نفس االتفاقية فقد نصت في النقطة األولى منها انه ''ال تعد جريمة،
حاالت الكفاح بمختلف الوسائل ،بما في ذلك الكفاح المسلح ضد االحتالل األجنبي
والعدوان من أجل التحرر وتقرير المصير ،وفقا لمبادئ القانون الدولي ،وال يعتبر من هذه
الحاالت كل عمل يمس بالوحدة الترابية ألي من الدول العربية'' .وتضيف بأنه ال تعد أي
وفي تطبيق أحكام هذه االتفاقية ،ال تعد من الجرائم السياسية ولو كانت بدافع سياسي
الجرائم المتعلقة بالتعدي على ملوك ورؤساء الدول المتعاقدة والحكام وزوجاتهم أو أصولهم
أو فروعهم .التعدي على أولياء العهد ،أو نواب رؤساء الدول ،أورؤساء الحكومات ،أو
الوزراء في أي من الدول المتعاقدة .والتعدي على األشخاص المتمتعين بحماية دولية ،بمن
فيهم السفراء والدبلوماسيون في الدول المتعاقدة أو المعتمدون لديها .إضافة الى القتل العمد
39
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
التخريب واإلتالف للممتلكات العامة والممتلكات المخصصة لخدمة عامة حتى ولو كانت
مملوكة لدولة أخرى من الدول المتعاقدة .وأخي ار جرائم تصنيع أو تهريب أو حيازة األسلحة
أو الذخائر أو المتفجرات ،أو غيرها من المواد التي تعد الرتكاب جرائم إرهابية.
ونصت بدورها المادة األولى من اتفاقية منظمة الوحدة اإلفريقية لمنع ومكافحة اإلرهاب أن
العمل االرهابى يعنى أي عمل يعتبر انتهاك ًا للقانون الجنائي للدولة الطرف ،والذي يمكن
أن يعرض حياة األفراد للخطر أو يشكل خط اًر على التكامل الطبيعي ،والحرية ،أو يسبب
إصابة خطيرة ،أو يسبب الموت ألي شخص ،أو أي عدد أو مجموعة من األشخاص ،أو
قد يسبب خسارة للممتلكات العامة والخاصة ،أو الموارد الطبيعية أو التراث البيئي أو
الثقافي ،أو كان الهدف منه إرعاب أو وضع أية حكومة في حالة خوف ،أو إكراهها أو
إجبارها أو إغراء أية حكومة أو هيئة أو مؤسسة أو أي قطاع للقيام أو االمتناع عن القيام
بأي عمل أو تبنى أية وجهه نظر أو التخلي عنه أو العمل وفقا لمبادئ معينة و أضاف في
النقطة '' ب '' أو دعم أية هيئة عامة أو تعطيل تقديم أي خدمات أساسية للجمهور أو خلق
حالة طوارئ عامة أو خلق حالة عصيان عام في دولة ما .أو أي تعزيز ،أو رعاية ،أو
مساهمه لـ ،أو أمر ،أو مساعدة ،أو تحريض ،أو تشجيع ،أو محاولة أو تهديد أو
خيانة أو تنظيم أو قيام أي شخص بالتدبير بهدف ارتكاب أي فعل من األفعال المشار إليها
40
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
أما المادة الثالثة فقد نصت انه ''ال يعد عمال إرهابيا حاالت الكفاح الذي تشنه الشعوب وفقا
لمبادئ القانون الدولي من أجل حريتها وحق تقرير مصيرها بما في ذلك الكفاح المسلح ضد
االستعمار واالحتالل ،والعدوان وسيطرة القوات األجنبية .و قد أضافت انه ال تعد البواعث
السياسية أو الفلسفية أو العقائدية أو الجنسية أو العرقية أو الدينية أو غيرها دفاعاً مبر اًر
من خاللهذه االتفاقيات نستخلص أن كل الجرائم التي تتسم بالفظاعة والوحشية أو تنطوي
على اإلرهاب والفوضى ال تدخل في الجرائم السياسية وان كان مرتكبوها يهدفون إلى تحقيق
أهداف سياسية .فالجريمة اإلرهابية ال تندرج بأي حال من األحوال ضمن مفهوم الجريمة
السياسية رغم أن الباعث على إرتكابها من الممكن أن يكون سياسيا .فمثل هذه الجرائم قد
تمثل إنتهاكا لمصالح وحقوق فردية كالتفجيرات العشوائية وتخريب وسائل اإلتصاالت
وتدمير المباني فحتى في صورة اإلعتداء على ممتلكات الدولة فهي من قبيل األموال العامة
يرى البعض أن الجرائم اإلرهابية من الجرائم العادية بالنظر إلى الجرائم السياسية ،التي
تتعلق بجرائم الرأي مثل إعتناق أو رأي أو عقيدة أو اإلنضمام إلى جمعية سياسية محظورة
أو التظاهر أو اإلعتصام أما اإلختطاف واإلغتيال والقتل حتى ولوكان الدافع سياسيا فإنها
42
امام حسنين عطا هللا ،مرجع سابق ،ص .371
41
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
من خالل هذا العرض نلمس اإلختالف والتباين الشديد في مواقف الدول إزاء تعريف
الجريمة اإلرهابية ،وماساهم في تداخل بين الجريمتين هو أن كل دولة تسعى إلى وضع
المصطلحات والمفاهيم بالشكل الذي يخدم مصالحها ويحقق أهدافها الشخصية مع المجتمع
خدمة للمصالح الدولي .وهو ما جعل البعض يتحدث عن تسييس القانون الدولي
بالرغم من تداخل الجريمة اإلرهابية بالجريمة السياسية إال أن لكل جريمة أهدافها ،فالجريمة
اإلرهابية لها أهداف مختلفة تتمثل في العنف ،نشر الرعب والذعر في النفوس بينما الجريمة
السياسية لها أهداف محددة فهي تستعمل مثل الجريمة اإلرهابية العنف من أجل تحقيق
هدف سياسي .مثال ذلك في اإل غتيال السياسي الهدف هو قتل الشخص بذاته في الجريمة
السياسية زعزعة النظام السياسي بذاته .أما الجريمة اإلرهابية فمجالها أوسع باعتبار أن
هدفها إثارة الخوف والرعب في حين أن الجريمة السياسية تستهدف األفكار واآلراء للوصول
سبب الخلط بين الجريمتين هو الهدف السياسي للجريمة اإلرهابية فالدوافع السياسية للجريمة
اإلرهابية تكون على مستويين دوافع سياسية داخلية ودوافع سياسية خارجية.
اإلرهاب أصبح اليوم عنص ار فعاال في اتخاذ القرار السياسي وأسلوب تعتمده الدول في
بعض األحيان للضغط على الدول األخرى وخاصة خصومها لفرض سياستها .وبالتالي
42
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
تلجأ هذه الدول إلى العنف لتحقيق أهداف سياسية تتمثل إما في االنفراد بالسلطة أو قمع
المعارضة.
بالنسبة للدوافع الخارجية فاإلرهاب كما نعرف ظاهرة دولية من الممكن أن تقف وراءها قوى
سياسية دولية لفرض سياستها الدولية بما يخدم مصالحها .كمثال على ذلك تشهده الساحة
السياسية الدولية من أعمال إرهابية كان الهدف منها سياسيا بحتا مثل ما يحصل اليوم في
من خالل هذا العرض فإذا كانت الجريمة اإلرهابية والجريمة السياسية تشتركان في الهدف
فإنهما تختلفان في اآلليات المعتمدة لتحقيق هذا الهدف .ويرى البعض أن الفرق بين
الجريمتين هو أن اإلرهاب يعد من الجرائم العادية أما الجريمة السياسية فهي تتعلق بجرائم
الرأي المتمثلة في إ عتناق عقيدة أو االنضمام إلى جمعية رياضية محظورة أو التظاهر
واإلعتصام أما اإلغتيال والقتل والخطف وان كان الدافع سياسيا فإنها تأخذ صبغة الجرائم
العادية وان إتخذت هذه الجرائم صفة اإلستمرار والتنظيم والنضال بقصد إفشاء الرعب
43
. والخوف العام تصبح جرائم إرهاب مع إستثناء أعمال الكفاح المسلح المشروع
التسليم في الجرائم اإلرهابية يعد من أهم اآلليات لمكافحة الجريمة اإلرهابية باعتبار أنه يمنع
مرتكبيها من التفصي من العقاب .فالشخص الذي يعتزم إرتكاب جريمة بهذه الفظاعة
يجيب أن يدرك مسبقا أنه ال يمكن أن يحتمي بدولة أخرى وينفذ من تنفيذ العقوبة عليه.
وبالتالي دعم المجهود الدولي لمكافحة الجريمة اإلرهابية يتمثل في سن قوانين داخلية وابرام
إتفاقيات دولية تلزم على الدول تسليم أي مجرم إرهابي أو متهم بارتكاب جريمة إرهابية،
والذي يكون قد التجأ إليها هروبا من العقاب .بالتالي كل دولة يكون محمول عليها واجب
تسليم كل شخص إ قترف جريمة إرهابية للدولة الطالبة التسليم والتي ينتمي إليها المتهم أو
44
. المحكوم عليه قصد محاكمته أو تنفيذ العقوبة الصادرة عنه
إن التمييز بين الجريمة اإلرهابية والجريمة السياسية هي مسالة محسومة في المجتمع
الدولي منذ معاهدة باريس 1937المتعلقة بمكافحة اإلرهاب والجريمة السياسية .ونصت
عليها أغلب االتفاقيات الثنائية وكل اإلتفاقيات المتعددة األطراف وجل اإلتفاقيات الدولية
واإلقليمية بشأن تسليم المجرمين .وكما أرينا وان كانت الجريمة اإلرهابية والجريمة السياسية
تشتركان أحيانا في الهدف ،فإنهما تختلفان في اآلليات المعتمدة للوصول إلى الهدف وكذلك
في التأثير على الرأي العام .فإن كانت الجريمة السياسية تحضي بالتعاطف فان الجريمة
صنفت مختلف المواثيق الدولية الجرائم اإلرهابية ضمن الجرائم العادية الخاضعة للتسليم
دون التمييز بين دوافع إرتكابها ،ومن هذا المنطلق قد يتعرض القاضي أثناء إجراءات
التحقيق أو المحاكمة على وجوب مناقشة إجراءات التسليم ومدى توافر شروطه خاصة عند
نظم المشرع مسألة تسليم المجرم اإلرهابي بالفصل 60من قانون 2003/12/10الذي تم
الغاءه .والفصول من 87إلى 89من قانون 7أوت .2015إضافة إلى المصادقة على
جملة من اإلتفاقيات اإلقليمية والدولية المنظمة للجريمة اإلرهابية .لكن يحصل أن إعتمد
ومحاكمتهم على أرض الدولة الطالبة لذلك وحسب أحد الفقهاء نعت إرهابي إصطبغ بالفعل
السياسي واستعمل كأداة لقهر الخصوم السياسيين ولو خارج تراب البالد.45
من أسس التسليم في الجرائم اإلرهابية في القانون التونسي الفصـل 88من قانون 2015
الذي ينص على انه ''تستوجب الجرائم اإلرهابية المنصوص عليها بهذا القانون التسليم وفقا
ألحكام مجلة اإلجراءات الجزائية إذا ارتكبت خارج تراب الجمهورية ضد أجنبي أو مصالح
أجنبية من قبل أجنبي أو شخص عديم الجنسية وجد بالتراب التونسي .وال يتم التسليم إال
في صورة تلقي السلط التونسية ذات النظر طلبا قانونيا في ذلك ،من قبل دولة مختصة
المادة 14من إتفاقية األمم المتحدة لقمع تمويل بالنسبة للقانون الدولي فقد نصت
اإلرهاب نجدها تنص على أنه ال يجوز للدول رفض تسليم على إعتبار أن الجريمة
اإلرهابية هي جريمة سياسية أو جريمة متصلة بجريمة سياسية أو جريمة إرتكبت بدوافع
سياسية.
بالنسبة لإلتفاقية العربية لمكافحة اإلرهاب لعام 1998فقد تناولت مسألة تسليم المجرمين
في المادة الخامسة من الفصل الثاني منها ،حيث تنص على أن كل دولة تتعهد بتسليم
واستثنت اإلتفاقية تطبيق مبدأ تسليم المجرمين في حاالت محددة تم ذكرها في اإلتفاقية على
وجرائم اإلخالل بالواجبات العسكرية سبيل الذكر وهي الجرائم ذات الصبغة السياسية
والجرائم التي صدر فيها حكم بات غير قابل للطعن والجرائم التي سقطت فيها العقوبة
بالتقادم والجرائم التي صدر فيها العفو لدى الدولة طالبة التسليم في الحالة التي يكون فيها
اإلرهابي من مواطني الدولة المطلوب إليها التسليم وكان النظام القانوني لهذه الدولة ال
من خالل هذا العرض يكون التسليم في الجرائم االرهابية آلية دولية كرستها اإلتفاقيات
والقوانين الداخلية ،فالتسليم في الجرائم اإلرهابية حسب الفقيه نزار كرمي هو ''آلية من
اليات مكافحة االرهاب والتصدي للظاهرة بصفة عامة .والتسليم هو أن تسلم الدولة شخصا
منسوبا إليه اقتراف جريمة إرهابية للدولة طالبة التسليم والتي ينتمي إليها المتهم أو المحكوم
عليه قصد محاكمته أو تنفيذ العقوبة الصادرة ضده ،وهو يمثل مظهر من مظاهر التعاون
في مجابهة أخطار الجريمة عموما والجريمة اإلرهابية خصوصا ،وهو آلية مكنت الدول من
46
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
المشكلة األساسية التي تتعلق بتكييف الجريمة السياسية هي مشكلة العنف ،فقد عالجت
العديد من المعاهدات هذه المسألة وتم اإلجماع بموجب اإلتفاقيات الدولية والعديد من
القوانين الداخلية حول استثناء إغتيال رؤساء الدول وعائالتهم من الحماية ،أي من إستثناء
التسليم وبالتالي إعتبار جريمة إغتيال رؤساء الدول وعائالتهم جريمة عادية يجوز فيها
التسليم ولو كان الدافع األساسي من الجريمة هو باألساس دافع سياسي .
فليس كل إعتداء على النظام السياسي للدولة يعتبر جريمة سياسية بل يجيب أن يكون كما
رأينا بدافع سياسي ،بمعنى ذلك أن الجاني يدافع عن مبدأ سياسي أو فكرة سياسية يؤمن
بها .لكن اإل عتداء على حياة رئيس الدولة بالرغم من كونه يمثل رم از لنظام الحكم وبالرغم
من أن الباعث لقتله هو باألساس دافع سياسي لكن الجريمة تعتبر عدوانا على حق كرسته
أيضا يمكن الخلط بين الجريمة السياسية واإلغتيال السياسي والجريمة اإلرهابية ،فاالغتيال
السياسي يتعدى جريمة القتل العادية ذلك أنه في أغلب األحيان وخاصة في الوضع الحالي
الذي يعيشه العالم هو النيل من النظام الحاكم وليس ازحاق روح بشرية .غالبا االغتيال
السياسي يكون له أغراض تمس باألمن القومي لدولة ما كما يمكن أن يكون من داخل
46نص الفصل 22من الدستور التونسي أن '' الحق في الحياة مقدس ،ال يجوز المساس به إال في حاالت قصوى يضبطها القانون ''.
47
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
بالنسبة للقانون الوضعي التونسي فقد حسم هذه المسألة ضمن الفصل 313جديد من
م.ا.ج الذي ينص على انه "ال يمنح التسليم أيضا أوال إذا كانت الجناية أوالجنحة تكتسي
صبغة سياسية أو اتضح أن طلب التسليم كان لغاية سياسية ،واإلعتداء على حياة رئيس
الدولة أو أحد أفراد عائلته أو أحد أعضاء الحكومة ال يعتبر جريمة سياسية ".
المحكمة الجنائية الدولية تمارس إختصاصها في الجرائم الدولية الخطيرة الخاضعة لواليتها
وهي جريمة اإلبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد اإلنسانية وجريمة العدوان وذلك
في هذا اإلطار إنتهت الجمعية العامة لألمم المتحدة إلى إعتبار جريمة اإلبادة الجماعية
من الجرائم الدولية وذلك بعد أن وضع المجلس اإلقتصادي واإلجتماعي لألمم المتحدة
مشروع إتفاقية اإلبادة الجماعية .وقد وافقت الجمعية على هذه اإلتفاقية سنة 1948تحت
إسم إتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية وأصبحت من الجرائم المعاقب عنها وأصبحت نافذة
بتاريخ .1951/12/1
وقد عرفت إ تفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقب عنها هاته الجريمة بكونها ''تلك
األفعال التي ترتكب بقصد إهالك جماعة قومية أو أثنية أو عرقية أو دينية ،إهالكا جزئيا أو
كليا بقتل أفرادها ،إلحاق الضرر الجسدي الجسيم أو العقلي بهم أو إخضاعهم عمدا ألحوال
48
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
معيشة صعبة بقصد تدميرهم ماديا كليا أو جزئيا ،أو فرض تدابير تهدف إلى منع اإلنجاب
داخل الجماعة ،أونقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى'' .وتبني النظام األساسي
أقرت أغلب المعاهدات الدولية والقوانين الداخلية إستثناء بعض األشخاص من نطاق التسليم
إما أل ن األشخاص المطلوب تسليمهم خاضعين لقضاء إقليم الدولة أو بالنظر لوظيفته أو
النتمائه السياسي أو إلى السلك الدبلوماسي . 47ومن بين أهم اإلمتيازات التي أفردها له
القانون في معظم التشريعات يتعلق بالمعاملة العقابية .حيث إتبعت أغلبية القوانين الحديثة
نظاما خاصا في معاملة المجرم السياسي يقوم على أساس اللين واإلحترام وتمتعه ببعض
القواعد التفضيلية.
بالنسبة إلى تسليم المجرمين فقد نصت جل القوانين تماشيا مع ما أقرته األوفاق الدولية
والعرف الدولي على عدم جواز تسليم المجرم السياسي إذا التجأ إلى دولة أخرى غير الدولة
ذهب بعض التشريعات في إطار تفضيل المجرم السياسي عن المجرم العادي بالتنصيص
صراحة على عدم إصدار عقوبات إضافية كالمنع من حق التوظيف وحق التصويت
والترشيح في االنتخابات وعدم أحقية مزاولة بعض المهن كمهمة الطب وحمل السالح وغيرها
47
حسن بنعيشة " تسليم المجرمين االجانب " ،الهيئة الوطنية للمحامين بتونس ،2013/ 2012،ص .15
49
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
من الحقوق .عدم اعتبار الجريمة السياسية سابقة في العود الختالف طبيعتها عن الجرائم
العادية ،إضافة إلى تخفيف العقوبات في الجرائم السياسية كاستبدال عقوبة اإلعدام بالسجن
في إطار التعرض إلى مسألة تأثير الصفة السياسية للمجرم على شروط التسليم يجيب وقبل
كل شيء تحديد مفهوم المجرم السياسي( فقرة اولى ) وفي فقرة ثانية خصائص التسليم
أقرت أغلب المعاهدات الدولية والقوانين الداخلية إستثناء بعض األشخاص من نطاق
التسليم إما ألن األشخاص المطلوب تسليمهم خاضعين لقضاء إقليم الدولة أو بالنظر
لوظيفته أو النتمائه إلى السلك الديبلوماسي . 48تتعلق هذه المسألة بالحصانة باعتبارها
إعفاء لبعض األشخاص واألموال التابعة للدولة ،رؤساء الدول األعوان الدبلوماسيون،
والطائرات من الخضوع ألي إجراء أو إلتزام قانوني طبقا للقواعد العامة . 49وينجم عن
الحصانة عدم خضوع هذه األموال ألي إجراء من إجراءات التنفيذ الجبري من طرف الدولة
المضيفة أو الدولة الغير ويسمى بالحصانة التنفيذية ،وعدم متابعة بعض األشخاص
والكيانات القضائية أمام المحاكم التابعة للدولة األجنبية ويسمى بالحصانة القضائية.
48حسن بنعيشة ’" تسليم المجرمين االجانب " ،مرجع سابق ،ص.15 .
Jean SALMON .’’ dictionnaire de droit international public ‘’.op .cit .p558 49
50
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
بالتالي الحصانة هو نظام دولي تقليدي يتم من خالله تحصين كيانات الدولة من الخضوع
للقواعد العامة المتعلقة بالمتابعة القضائية ،وتحصين أشخاص يمثلون دولتهم من الخضوع
إلى القضاء سواءا المدني أو الجزائي .السؤال الذي يطرح نفسه عندما يكون هؤوالء
األشخاص مسؤولون جزائيا الرتكابهم ألفعال تشكل جرائم في نظر القانون هل يجوز
يقصد برئيس الدولة العضو األعلى في الدولة ،وقد يكون ملكا إذا كان النظام ملكيا ـأو
رئيسا للجمهورية إذا كان النظام جمهوريا ،ويقوم الرئيس بتمثيل دولته في عالقتهما بباقي
تجسيد السلطة في شخص رئيس الجمهورية جعلته يتمتع بحصانة مطلقة في جميع األعمال
التي يقوم بها وال يخضع ألي متابعة قضائية أو مساءلة قانونية من دولة اجنبية ألن
الحصانة هي تجسيد لسيادة الدولة التي يمثلها رئيس الجمهورية ،وأي مساءلة لرئيس
الجمهورية تمثل إنتهاكا لسيادة الدولة التي يمثلها .وبالتالي الحصانة التي يتمتع بها رئيس
الدولة تعفيه من الخضوع لقضاء الدولة التي يوجد فيها حتى ولو كانت الجريمة التي
إرتكبها أاثناء أو خارج ممارسته لوظيفته كرئيس للجمهورية واإلجراء الوحيد المخول للدولة
الذي يوجد رئيس الجمهورية فوق إقليمها هو تكليفه بترك اإلقليم أو إبعاده إلى حدودها
ووضعه تحت المراقبة والحجز إلى غاية مغادرة االقليم .وقد يرتكب رئيس الجمهورية
50
Ibid ,p.169
51
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
جريمة خارج دولته ثم يتوجه الى دولة أخرى فإنه ال يحق لهذه الدولة تسليمه حتى وان لم
يتحصل على حق اللجوء السياسي .حتى في الصورة التي يفر فيها رئيس الجمهورية إلى
دولته بعد إرتكاب الجريمة فإنه من الصعب الموافقة على طلب التسليم ألن هذه المسألة
إن إعفاء رئيس الجمهورية من المسؤولية الجزائية عند إرتكابه لجريمة خارج دولته والتزام
الدولة التي يوجد فوق إقليمها بعدم تسليمه إلى الدولة الطالبة حتى في حالة توفر شروط
التسليم ،يجعل رئيس الجمهورية يتمتع بحصانة جزائية مطلقة تمنع تتبعه قضائيا أو حتى
تسليمه .لكن مسألة تسليم رئيس الجمهورية وضعت لها بعض الدساتير بعض القيود مثال
عند ارتكابه لجريمة داخل حدود إقليم دولته كجريمة الخيانة العظمى أو عند إرتكابه لجريمة
دولية .
دأبت األعراف الدولية والقوانين على ضرورة تمتع األشخاص المتمتعين بالحصانة
الدبلوماسية بامتيازات منها عدم إمكانية تسليمهم من البلد الذين يباشرون فيها وظائفهم .
هذه المسألة تمت المصادقة عليها في معاهدة فيانا المبرمة في 18افريل 1961من بينها
الدولة التونسية ،وأساس هذا المنع هو أن الهيئات الدبلوماسية هي إمتداد للتراب الوطني .
يشمل مفهوم أعضاء السلك الديبلوماسي أعضاء البعثات التي توفدهم الدولة الموفدة
لتمثيلها لدى دولة أخرى .ويتمتع اعضاء البعثة بالحصانة القضائية التي تشمل أفراد البعثة
52
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
الجزائية في حالة إرتكابهم جريمة طالما أنهم ال يحملون جنسية الدولة المعتمدين لديها،
بحيث ال يجوز القبض عليهم أو تفتيشهم وفقا لقواعد القانون الجزائي الوطني للدولة
52
. المتواجدين على إقليمها
إستثناء التسليم بالنسبة إلى بعض األشخاص بالنظر إلى وظيفتهم من ذلك السلك
الحصانة التي يتمتع بها أعضاء السلك الديبلوماسي ليست مطلقة بحيث يمكن محاكمته من
طرف دولته بعد أن تسلمه الدولة المعتمد لديها ،أو يمكن لها محاكمته أو توقيع العقاب
عليها إذا قبلت دولته محاكمته وتنازلت عن الحصانة .وبالتالي يمكن للديبلوماسي أن
يخضع ألحكام التسليم إذا رفعت عنه الحصانة أو إذا إرتضت الدولة محاكمته وتتوقف هذه
المسألة على طبيعة العالقة بين الدولة الموفدة والدولة المضيفة ومدى خطورة الجريمة
المرتكبة .
الحصانة التي يتمتع بها هؤوالء األشخاص منحت لهم ليس ألشخاصهم وانما لصفتهم لكن
تسليم المجرمين كمفهوم قانوني يرتبط بعديد فروع القانون غير القانون الجزائي مثل القانون
الدستوري .فقد نص الدستور القديم للجمهورية التونسية في فصله 17على أنه "يحجر
تسليم الالجئين " .أما دستور 14جانفي 2014فقد كرس نفس المبدأ في فصله 26الذي
ينص على أن " حق اللجوء السياسي مضمون طبق ما يضبطه القانون ،ويحجر تسليم
المتمتعين باللجوء السياسي" .ومن خالل هذه األحكام يعتبر الالجئ السياسي مجرما سياسيا
بامتياز.
في نفس السياق نص الفصل 14من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان لسنة 1948
الواردة فيه "حق كل إنسان تعرض لإلضطهاد في البحث عن لجوء والحصول عليه في
دول أخرى مالم يكن قد إرتكب جريمة حق عام أو إعتداء على مبادئ وأهداف األمم
المتحدة" .
أما بالنسبة للقانون الوضعي التونسي فقد نص الفصل ( 313جديد ) من م.ا.ج انه "ال
يمنح التسليم أيضا أوال إذا كانت الجناية أو الجنحة تكتسي صبغة سياسية أو اتضح أن
طلب التسليم كان لغاية سياسية ،واإلعتداء على حياة رئيس الدولة أو أحد أفراد عائلته أو
مسالة تسليم المجرمين السياسيين طرحت كثي ار وكانت محل جدل الرأي العام والسلط
السياسية ورجال القانون في قضية تسليم رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي
54
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
من قبل السلطات التونسية الى الدولة الليبية .الحكومة التونسية قبلت تسليمه بالرغم من أنه
قدم مطلبا للتمتع باللجوء السياسي ،فكان من الممكن النظر في مطلب اللجوء السياسي قبل
إتخاذ قرار في تسليمه .لكن الحكومة دافعت عن قرارها بكونه قد إرتكب جرائم غير إنسانية
ضد الشعب الليبي يجعل من قرار التسليم ق ار ار صائبا في نظر الحكومة .
بالنسبة للقانون الدولي نصت إتفاقية منظمة الوحدة اإلفريقية لمنع ومكافحة اإلرهاب في
مادتها الرابعة أنه "عند منح اللجوء يتعين التأكد أن طالب اللجوء ليس متورطاً في أي
أعمال إرهابية" .بالتالي ال يمكن الموافقة على طلب اللجوء السياسي إن كان الطالب
متورطا في جرائم إرهابية وهذه المسألة محل إجماع المجتمع الدولي برمته.
مسأ لة تسليم الالجئ السياسي لها عالقة وطيدة بحقوق اإلنسان ،فمصلحة الفرد هي دائما
في عالقة معقدة بدولته وبالدول األخرى .بالنسبة للمجرم العادي فإن التسليم يتفق مع
المصلحة العامة للدول في مقاومة اإلجرام والمحافظة على تكريس العدالة الجزائية كما يقوم
بتكريس حق الدولة الطالبة في ممارسة إختصاصها الجزائي .فال يمكن بأي شكل من
بالنسبة إلى مسألة خطف المجرمين إلى الدولة التي هربوا إليها ،تواجه المحاكم الجنائية
في العديد من الحاالت القضايا التي تم القبض فيها بشكل غير قانوني على متهم .وفي
هذا اإلطار يمكن توفير الحماية المالئمة لألفراد المطلوبين ضد التسليم التعسفي من خالل
55
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
قوانين تسليم المجرمين الداخلية التي يجيب أن توفق بين مصلحة العدالة والحقوق
المشروعة للهارب.
لتحقيق هذه الحماية منحت األمم المتحدة بمقتضى إتفاقية جنيف 1991حق البحث عن
ملجأ سياسي لكل اللذين يعانون من اإل ضطهاد السياسي في بلدانهم .ومفوضية األمم
المتحدة لشؤون الالجئين المضطهدين وأصحاب الوضعيات الخاصة تقوم بإرسالهم إلى دول
تقوم باستقبال هؤوالء الالجئين وتوفر لهم األمن السياسي واالقتصادي .وبمجرد دخول
هؤوالء فأنهم يتمتعون بكل الحقوق التي يتمتع بها المواطنين وبعد سنوات محددة من
53
. إقامتهم يمنحون إقامة البلد الذين يقيمون فيه
يعد الصراع على السلطة العامل األساسي الرتكاب الجرائم السياسية ،وحفاظا على
التوازن بين القوى السياسية وتحقيق المساواة بين األفراد وتحسين أداء النظام السياسي
يجيب إقرار جملة من اإلصالحات التي يطلبها الشعب ويفرضها الواقع السياسي.
وتدعيما لمسألة حرية كل شخص في إختيار ممثليه وابداء رأيه فيمن هم في السلطة
حتى لو كان بالرفض .وتكريسا للحقوق السياسية لجميع األفراد وذلك بتوفير غطاء
تشريعي يحمي المشاركة السياسية التي تنبع من فكرة الحرية التي يضمها مبدأ (الشعب
53فاتن السهيلي "،ردع جريمة الهجرة السرية" ،الهيئة الوطنية للمحامين بتونس ،الفرع الجهوي بتونس ،السنة القضائية
.2013/2012
56
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
صاحب السيادة ) .وتتمثل هذه الحرية في مشاركة الفرد في الشؤون السياسية ،وحقه في
ويشهد العالم مظاهر متعددة من اإلستهانة بحقوق اإلنسان ،األمر الذي يوجب المزيد
من العمل في مستويات التشريع والرقابة والمتابعة ،هذه المسألة جعلت المشرع يستثني
من التسليم الجرائم السياسية ،باعتبار أن المجرم السياسي في صورة تسليمه إلى الدولة
الديكتاتورية .مثل ممارسات اإلبادة الجماعية والقتل الجماعي ،واإلعدامات التعسفية ،أو
فما يبرر إ ستثناء الجرائم السياسية من مجال التسليم هو ما يشهده العالم من مظاهر
متعددة من اإلستهانة بحقوق اإلنسان ،األمر الذي يوجب المزيد من العمل في مستويات
كذلك رفض التسليم في الجرائم السياسية يندرج في إطار إلغاء عقوبة اإلعدام بسبب
الممارسة السياسية ،باعتبار أن التوسع في إصدار عقوبة اإلعدام بسبب الموقف والرأي
54أكدت المادة 25من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية،والسياسية على حق المواطن في المشاركة العامة وفقا للدور
الذي يحدده أو يرضاه،وفي ظل ما تؤهله له مقوماته الشخصية أو تدفعه له آماله وطموحاته الشخصية،وتكون لكل مواطن دون
أي وجه من أوجه التمييز الحقوق اآلتية التي يجب أن تتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة :
أ -أن يشارك في إدارة الشؤون العامة إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية دون أي تأثيرات
ب -أن ينتخب وينتخب في انتخابات نزيهة تجري دوريا باالقتراع العام ,وعلى قدم المساواة بين الناخبين،وبالتصويت السري،
تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين.
ج -أن تتاح له على قدم المساواة عموما مع سواه تقلد الوظائف العامة في بلده.
57
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
السياسي من أبشع صور اإلرهاب واإلنتهاك لحقوق اإلنسان الذي يتصور وجوده في أي
وقد تأخذ عقوبة اإلعدام أشكاال متباينة في درجاتها ومداها وطبيعتها فقد تكون بال
محاكمة ،أو في محاكمة صورية ،وقد تكون بصورة اختفاء قسري ،وقد تصدر بحق من
لم يرتكبوا أيا من أعمال العنف ،بل قد تتوسع بعض االنظمة متجاوزة بتنفيذ حكم
اإلعدام ليس المتهم أو المذنب فقط ولكن أيضا أفراد أسرته .لذا فأن إلغاء عقوبة
اإلعدام بسبب الممارسة السياسية تعد أساسية لتشجيع المشاركة السياسية ضمن األطر
ر غم وحدة مصطلح الجريمة السياسية فالتشريعات الجزائية ال تتبع سياسة عقابية موحدة،
فهناك تشريعات تتخذ سياسة عقابية مخففة في الجرائم السياسية وهناك دول تعتمد نفس
العقوبات المقررة في الجرائم العادية .ومكافحة الجريمة ال تكون فقط على المستوى الوطني
منع التسليم في الجرائم السياسية له أساس قانوني وفقه قضائي وبذلك سنتعرض في(مبحث
أول ) إلى التكريس القانوني والفقه قضائي لمبدأ التسليم في الجرائم العادية (مبحث )2
58
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
العادية:
أولت القوانين الجنائية الوطنية أهمية بالغة لنظام التسليم من أجل قمع الجرائم الداخلية،
باإلضافة وذلك بوضعها تشريعات وطنية خاصة بتحديد إجراءات وشروط وموانع التسليم
إلى المصادقة على جميع اإلتفاقيات الدولية الثنائية والمتعددة األطراف ذات الصلة بتسليم
المجرمين .وأولى القانون الجزائي الدولي أهمية بالغة لنظام تسليم المجرمين.
فقد كرست معظم القوانين سواءا الوطنية أو اإلتفاقيات التي أبرمتها تونس مع العديد من
الدول مسألة تسليم المتهمين بارتكاب جرائم حق عام أو ما يصفها الفقهاء بالج ارئم العادية.
التكريس القانوني لمبدأ التسليم في الجرائم العادية (فقرة اولى ) كان له أثر عميق على فقه
القضاء وبالتالي سنتعرض في(فقرة ثانية ) إلى التكريس الفقه قضائي لمبدأ التسليم في
الجرائم العادية.
تعتبر الجريمة الدولية من الجرائم التي اثارة جدال واسعا في تعريفها وضبط أركانها وصورها،
وبالرغم من هذا الجدل فإنه نظ ار لتفاقم الجرائم وخطورتها حثت التشاريع الوطنية واإلتفاقيات
59
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
بالنسبة إلى التشريع التونسي فقد نص الفصل 311من مجلة االجراءات الجزائية أن
التسليم يمنح أوال إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها التسليم يعاقب عليها القانون التونسي
بعقاب جنائي أو جناحي وثانيا إذا كان العقاب المستوجب حسب الدولة الطالبة عقابا سالبا
للحرية تساوي مدته أو تزيد على ستة أشهر بالنسبة لجملة الجرائم موضوع الطلب ''.
ويضيف في فقرة أخرى أنه '' وفي صورة المحاكمة يجب أن يكون العقاب المحكوم به من
محكمة الدولة الطالبة عقابا سالبا للحرية مساويا أو يزيد عن شهرين ''.
بالنسبة الى التشريع الوطني فهناك مشروع قانون وطني متعلق بمنع االتجار باألشخاص
ومكافحته أقر صراحة مبدأ التسليم اذ نصت المادة 28أنه ال يمكن إعتبار جرائم اإلتجار
باألشخاص ،بأي حال من األحوال جرائم سياسية أو جرائم مالية غير موجبة للتسليم ،إال
أنه حجر التسليم متى توفرت أسباب حقيقية تدعو لإلعتقاد بأن الشخص موضوع طلب
التسليم سيكون عرضة لخطر التعذيب او ان طلب التسليم يرمي إلى تتبع او عقاب شخص
بسبب عنصره أو لونه أو اصله او دينه او جنسيته او جنسه او أرائه السياسية .55
كما إقتضى الفصل 29من المشروع بأنه إذا تقرر عدم تسليم شخص موضوع تتبع أو
محاكمة ألجل جريمة من الجرائم المنصوص عليها بهذا القانون ،يقع تتبعه وجوبا أمام
المحاكم التونسية إذا كان موجودا بالتراب التونسي سواءا إرتكبت الجريمة أم لم ترتكب
بالتراب المذكور وبقطع النظر عن جنسية الجاني أو كونه عديم الجنسية .
55
مكتب األمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة دليل المتكون المتعلق باالتجار باألشخاص وتهريب المهاجرين.
60
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
مكافحة الجريمة والتصدي لجميع الظواهر اإلجرامية ال تكون فقط على المستوى الوطني
وانما كذلك على المستوى الدولي .بالنسبة للقانون المقارن فقد إتفقت معظم القوانين المقارنة
على ضرورة التسليم المتهم أو المجرم الذي إرتكب فعال يجرم عليه القانون .من ذلك المادة
718من قانون المسطرة المغربي الذي ينص على أنه تخول مسطرة تسليم المجرمين لدولة
أجنبية الحصول من الدولة المغربية على تسليم متهم أو محكوم عليه غير مغربي يوجد في
أراضي المملكة ويكون موضوع متابعة جارية باسم الدولة الطالبة أو محكوم عليه بعقوبة
صادرة من إحدى محاكمها العادية .وتضيف المادة 319من نفس القانون أنه ال يمكن أن
يسلم لدولة أجنبية أي شخص إذا لم يكن متابعا أو محكوما عليه بعقوبة من أجل أفعال
ينص عليها هذا القانون .فبالنسبة للقانون المغربي التسليم يتعلق باألفعال التي يعاقب
عليها قانون الدولة الطالبة بعقوبات جنحية سالبة للحرية ،إذا كان الحد األقصى للعقوبة
المقررة بمقتضى ذلك القانون ال يقل عن سنة واحدة فأكثر .أو إذا تعلق األمر بشخص
محكوم عليه ،عندما تكون مدة العقوبة المحكوم بها عليه من إحدى محاكم الدولة الطالبة
تعادل أو تفوق أربعة أشهر؛ وال يوافق بأي حال من األحوال على التسليم إذا لم يكن الفعل
الفصل 697من قانون اإلجراءات الجزائري يتبنى نفس موقف المشرع التونسي والمغاربي
في خصوص التسليم في الجرائم العادية ،حيث أن األفعال التي تجيز التسليم سواءا كان
مقبوال أو مطلوبا هي جميع األفعال التي يعاقب عليها قانون الدولة الطالبة بعقوبة جنائية و
األفعال التي يعاقب عليها قانون الدولة الطالبة بعقوبة جنحة إذا كان الحد األقصى للعقوبة
المطبقة طبقا لقانون لنصوص ذلك القانون سنتين أو أقل أو إذا تعلق األمر بمتهم قضي
عليه بالعقوبة إذا كانت العقوبة التي قضي عليه بها من الجهة القضائية للدولة الطالبة
تساوي أو تجاوز الحبس لمدة سنتين .من خالل اإلطالع على القوانين المقارنة نالحظ أن
التسليم في الجرائم التي تم تكييفها على أنها جنحة أو جناية أصبح مبدأ عاما مكرسا في
معظم القوانين المقارنة ،و إن إختلفت هذه القوانين في مدة العقوبة المستوجبة أو المحكوم
الدولية فقد كرست كذلك نفس المبدأ من ذلك اإلتفاقية المبرمة بين بالنسبة لإلتفاقية
الجمهورية التونسية والجمهورية الفرنسية والتي تتعلق بالتعاون القضائي في المادة الجزائية
وتسليم المجرمين فقد نص الفصل األول منها أنه '' يلتزم الطرفان الساميان المتعاقدان
بتبادل اإلعانة القضائية في مادة الجنايات والجنح وفقا للشروط المبينة بهذه اإلتفاقية '' .
ويضيف الفصل الثالث منها أنه ال تنطبق احكام هذا العنوان على الجرائم التي تعتبرها
الدولة المطلوب منها ج ارئم سياسية أو جرائم مرتبطة بها وثانيا إذا كانت الدولة المطلوب
منها تعتبر تنفيذ طلب اإلعانة القضائية من شانه ان ينال من سيادتها أو من أمنها أو من
62
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
نظامها العام '' .بقراة موازية للفصلين نستخلص بأن التسليم شكل من أشكال اإلعانة
القضائية في المادة الجزائية وأن طلب التسليم يشمل جميع الجنح والجنايات وفقا للشروط
التي تم ضبطها بموجب هذه اإلتفاقية أي جميع األفعال التي تشكل جريمة سواءا جنحة أو
جناية .في الفصل الثالث إستثنت االتفاقية من التسليم الجرائم السياسية والجرائم المرتبطة بها
أو إذا كان طلب اإلعانة من شأنه ان ينال من سيادة أو أمن أو النظام العام للدولة
المطلوب منها التسليم .وبالتالي سواءا تعلق األمر بطلب إعانة قضائية أو بطلب تسليم
متهم ال يمكن اإلستجابة لهذا الطلب اذا كان موضوعه جريمة سياسية .
وفي الوقت الحاضر أصبح تسليم المجرمين عرفاً دولياً سائداً ،ففي حال غياب التشريع
الداخلي أو االتفاقيات الدولية في دولة من الدول ،فإن بإمكان هذه الدولة أن تطلب
فقد كرست معظم اإلتفاقيات التي أبرمتها تونس مع العديد من الدول مبدأ التسليم في جرائم
العادية من ذلك اإلتفاقية المبرمة بين الجمهورية التونسية والجمهورية الفرنسية والتي تتعلق
بالتعاون القضائي في المادة الجزائية وتسليم المجرمين فقد نص الفصل 24منها أنه ''يمنح
التسليم إذا كانت الفعلة او األفعال تشكل وفقا لتشريع الطرفين الساميين المتعاقدين جنايات
أ و جنحا و كان هذا التشريع يقرر لها عقابا سالبا للحرية ال يقل عن سنة أو عقابا أشد
وثانيا إذا كانت المحاكمات قاضية بعقاب سالب للحرية و ا يقل عن ثالثة أشهر وصادر
عن محاكم الدولة الطالبة في الجرائم المشار إليها بالفقرة المتقدمة '' .
63
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
فيما يتعلق بتسليم المجرمين في جرائم اإلتجار باالشخاص فقد إعتبر برتوكول اإلتجار
باألشخاص صراحة في المادة األولى منه أن األفعال المجرمة وفقا للمادة الخامسة منه هي
أفعال مجرمة وفقا لإلتفاقية واذا ما علمنا أن من بين صور تسليم المجرمين مثلما تم
تبيانها بالمادة 16من '' اإلتفاقية األم '' أن تكون الجريمة المرتكبة مشمولة بهذه اإلتفاقية
فإنه يجوز الجزم بأن جريمة اإلتجار بالبشر تعتبر من بين الجرائم التي توجب تسليم
57
. مرتكبيها
بالنسبة التفاقية مجلس أورو بشان مكافحة اإلتجار بالبشر فقد نصت في المادة 23منها
أنه '' تتخذ كل دولة التدابير التشريعية الالزمة أو أي تدابير أخرى تستلزمها الضرورة من
أجل التأكد من أن االفعال المجرمة وفقا للمواد من 18الى 21يعاقب عليها بعقوبات
فعلية ومتناسبة ورادعة .وتشمل هذه العقوبات ،بالنسبة لألفعال المجرمة وفقا للمادة 18
عندما ترتكب من قبل األشخاص الطبيعيين ،بعقوبات سالبة للحرية يمكن أن تفضي إلى
دائرة االتهام دأب فقه القضاء التونسي على تفعيل مبدأ التسليم في الجرائم العادية،
بوصفها الهيأة القضائية المختصة في النظر في مطلب التسليم ال تتردد في الحكم بالتسليم
57برتوكول منع وقمع ومعاقبة اإلتجار باألشخاص ،وبخاصة النساء واألطفال ،المكمل التفاقية األمم المتحدة لمكافحة الجريمة
المنظمة عبر الوطنية
58المادة 18التي تتعلق بتجريم االتجار بالبشر تنص على ان '' تتخذ كل دولة طرف التدابير التشريعية الالزمة أو أي تدابير أخرى
ضرورية من أجل التجريم الجنائي لألفعال المشار إليها في المادة الرابعة من هذه اإلتفاقية ،عندما ترتكب عمدا'' .
64
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
في السنوات األخيرة هناك العديد من الق اررات الصادرة عن دائرة االتهام في مادة التسليم
والتي تتعلق بالتسليم المتهمين إلى بعض الدول مثل الدولة اإليطالية واأللمانية والفرنسية
والليبية ومن أمثلة الق اررات الصادرة عن دائرة االتهام القرارعدد 91783/13بتاريخ 02
اكتوبر ،2010وحيث تبين من ملف طلب التسليم المقدم من النيابة العمومية بدولة ليبيا
أ ن المطلوب تسليمه الليبي الجنسية متهم بجريمة القتل العمد .وتطبيقا لمقتضيات الفصل
310من م .ا.ج الذي نص على أنه ''للحكومة أن تسلم لحكومات الدول األجنبية بناء
على طلبها كل شخص غير تونسي وجد بتراب الجمهورية التونسية وكان موضوع تتبع
جاري باسم الدولة الطالبة او موضوع حكم صادر عن محاكمها ''ويضيف انه ''ال يمكن
منح التسليم إال في حاالت من بينها إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها التسليم قد
إرتكبت خارج ترابها من أحد رعاياها '' .وكذلك نص الفصل 309من م.ا.ج أنه '' ال يجوز
تسليم أي شخص لدولة أجنبية إال إذا كان موضوع تتبع او محاكمة ألجل جريمة من
الجرائم المنصوص عليها بهذا الباب '' .والمقصود بها الجرائم التي تتوفر فيها جميع أركان
وبما أن المتهم هو ليبي الجنسية وهو محل تتبع من الدولة الليبية من أجل ما نسب إليه
والتهمة الموجهة إليه من هي جنايات وجنح يعاقب عليها قانون البلدين بالتالي تكون شروط
الفصل 312من م.ا.ج متوفرة والفصل 21من اإلتفاقية القضائية المبرمة بين الجمهورية
اليبية والدولة التونسية .وقد جاء بأحد حيثيات القرار بأن'' الجرائم التي هي موضوع تتبع
65
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
ضد المطلوب تسليمه هي جرائم حق عام وال تكتسي أي صبغة سياسية كما أنها ال تتمثل
في اإلخالل بواجب عسكري '' .وانتهت في حكمها إلى إستخالص أن جميع الشروط
الشكلية واألصلية التي أوجبتها مجلة اإلجراءات الجزائية واإلتفاقية التونسية الليبية المؤرخة
في 14جويلية 1961قد توفرت في مطلب التسليم األمر الذي يتجه معه قبوله ،وقررت
تسليم المتهم إلى السلطات الليبية بالرغم من أن نائبة المتهم قد تمسكت بأن مطلب التسليم
هدفه هو تحقيق أغراض سياسية باعتبار أن المتهم ينتمي إلى الكتائب المساندة للنظام
والمتعلق بتسليم المواطن اليبي نبيل بن محمد بن الجيالني الشتيوي الى السلطات القضائية
اليبية والمتهم بارتكابه للتهم التالية وهي :جناية القتل العمد المعاقب عليها بالمواد 1و2
و 7من القانون رقم 06لسنة 1430هجري بشان القصاص والديه .وكذلك جناية حيازة
السالح بدون ترخيص المعاقب عليها بالمادتين 2و 3فقرة ثانية من القانون رقم 07لسنة
1981ميالدي بشان حيازة األسلحة والذخائر ولمفرقعات .وأخي ار من أجل جنحة الهروب
من السجن المنصوص عليها بالمادة 277من قانون العقوبات .قررت دائرة اإلتهام قبول
مطلب التسليم بالرغم من أن المتهم كان متمسكا برفض تسليمه إلى السلطات الليبية
باعتبار أنه لم يرتكب أي جرم مالحظا أن األمر يتعلق بخالف بين قبيلتين زلطين وبني
66
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
في القرار عدد 89697بتاريخ 8اوت 2015المتعلق بتسليم المتهم ''لفاتوري ميكالي
باسكوالي '' اإليطالي الجنسية إلى السلطات اإليطالية ورفض مطلب اإلفراج عنه والصادر
في حقه بطاقة جلب دولية من طرف السلطات اإليطالية التي تطلب إسترداده وتسليمه من
أجل إنتماءه إلى عصابة إجرامية في تجارة المخدرات .الذي يعرض عن التمتع باألحكام
المقررة بتسليم المجرمين األجانب ويرضى صراحة بتسليمه إلى سلطة الدولة اإليطالية حتى
يتمكن من إظهار براءته لدى السلط اإليطالية طبقا لمقتضيات الفصل 322من م.ا.ج
الذي ينص على أنه ''إذا صرح األجنبي عند مثوله بأنه يعرض عن التمتع باألحكام المقررة
بهذا الباب ويرضى صراحة بتسليه إلى سلط الدولة الطالبة فإن دائرة اإلتهام تسجل هذا
التصريح ''ويضيف في فقرته ثانية أنه ''وتوجه نسخة من قرارها في الحال عن طريق
الوكيل العام للجمهورية إلى كاتب الدولة للعدل الذي يقرر ما يراه صالحا''.
ومن أهم الق اررات المتعلقة بتسليم المجرمين القرار الصادرة عن دائرة االتهام في السنوات
االخيرة القرار عدد 86599/ 9الصادر بتاريخ 25جانفي 2012والمتعلق بتسليم المتهم
ميالد أبو زتاية إبراهيم عبد السالم المتهم بجرائم اإلشتراك في إختالس مال عام واإلدعاء
بالتأثير والكسب الغير مشروع المنصوص عليه صلب المادة 27من القانون رقم 2لسنة
1972المتعلق بالجرائم اإلقتصادية والمادة 257من قانون العقوبات الليبي والمادتين 6
و 16من القانون رقم 10لسنة 1994والذي قررت دائرة االتهام قبول مطلب التسليم في
حقه معتبرة أنه '' إتضح أن الجرائم المؤسس عليها طلب التسليم هي جرائم حق عام وال
67
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
تكتسي أي صبغة سياسية '' .مضيفة في حيثية أخرى أنه ''وحيث ال توجد بالملف أي قرائن
أو معطيات تشير إلى أن مطلب التسليم قدم ألغراض سياسية لكون المطلوب تسليمه كان
من المقربين للنظام الليبي قبل قيام الثورة الليبية وأنه سوف لن يحضى بمحاكمة عادلة بعد
مؤكدة كذلك على أنه '' حيث ثبت من ملف الحال أن طلب التسليم تعلق بتتبعات من أجل
جرائم حق عام بعيدة كل البعد عن الصبغة السياسية كما أن ظروف التتبع والتحقيق
الجاري ضد ميالد أبوزتاية ابراهيم عبد السالم قد أخذت منحى عاديا حسب ما يظهر من
االطالع على النسخ الرسمية من محاضر البحث والتحقيق التي تم الشروع فيها من
الهيئات القضائية الليبية وقد تأسس التتبع على صك محجوز وأقوال شهود . ''...
من ق اررات التسليم إلى الدولة األلمانية يمكن أن نذكر القرار عدد 9 /97102بتاريخ 25
ديسمبر 2015والذي يتعلق بتسليم المتهم األلماني'' كونراد كارل اوبتيز'' الصادرة ضده
أحكام جزائية بالسجن من أجل التحيل األول لمدة عامين وشهرين والثاني لمدة ثالث سنوات
تطبيقا لمقتضيات مجلة اإلجراءات الجزائية والفصل 21من اإلتفاقية القضائية المبرمة بين
الجمهورية التونسية والجمهورية الفدرالية األمانية الذي نص على أنه يسوغ تسليم مواطن
من ق اررات التسليم إلى الدولة الفرنسية نذكر القرار عدد 95516بتاريخ 04نوفمبر 2015
القاضي بتسليم المتهم الفرنسي الجنسية ''برنار اندري تيبو'' الصادر ضده حكم من محكمة
68
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
اإلستئناف بليون القاضي بسجنه مدة خمسة عشر سنة من أجل إتصال بقاصر ومحاولة
إغتصاب وهو محل تفتيش من األنتربول الفرنسي بالرغم من أنه مقيم بالبالد التونسية منذ
خمسة سنوات وله عائلة مستقرة ومحاولة اإلغتصاب تعود الى 2006و 2007وينتهي أجل
الشروط الشكلية واألصلية التي إستوجبتها مجلة اإلجراءات الجزائية في فصولها من 308
وما بعده واإلتفاقية التونسية الفرنسية المؤرخة في 28جوان 1972قد توفرت في مطلب
التسليم وقررت على أساس ذلك القضاء بتسليمه إلى السلطات القضائية الفرنسية .
فرانسوا توماس'' محل تتبعات جزائية في فرنسا من أجل عدة تهم منها التحيل والتدليس
ومسك واستعمال مدلس واستيالء على أموال شركة وغيرها من التهم وأصدرت المحكمة
االبتدائية ب Cahorsحكما بالسجن مدة خمسة سنوات وحرمانه من الحقوق المدنية مدة
كذلك من المكن أن ترفض دائرة اإلتهام التسليم في جرائم حق عام وكمثال عن ذلك قرار
دائرة االتهام عدد 95084الصادر بتاريخ 22أفريل 2015في حق المدعو عماد رجب
محمد عبد السالم الزغداني المطلوب من السلطات الليبية بتهمة القتل العمد .قررت دائرة
االتهام في خصوص هذا المتهم رفض مطلب التسليم الصادر في حقه واالفراج عنه من
سجن إيقافه ورفع تدبير تحجير السفر المتخذ في شأنه .وبالرغم من قبول مطلب التسليم
69
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
من حيث الشكل إال أنه من حيث األصل رفضت الدائرة مطلب التسليم وسبب الرفض هو
شفوية صادرة عن السفارة الليبية عدد 403بتاريخ 1افريل 2015تتعلق بطلب وقف
مالحقة وتسليم كافة المطلوبين الليبيين لحين إشعار آخر .وقد جاء مكتوب بو ازرة العدل
بالحكومة الليبية المؤقتة الموجه للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية انه بالنظر الى ما تمر به
البالد من أوضاع أمنية نتيجة لألعمال االرهابية التي تقوم بها المجموعات الخارجة عن
السيطرة وانتشار السالح في أيدي الخارجة عن الحكومة الشرعية وما نتج عنه من خروج
بعض المد ن بغرب ليبيا عن سيطرة الحكومة المؤقتة فان الحكومة تطلب على وجه السرعة
وقف مالحقة وتسليم المطلوبين إلى السلطات اليبية الى حين إشعار آخر مع التنبيه إلى
عدم اإلعتداد بأي كتاب أو مذكرة صادرة عن مكتب النائب العام لعدم وجود من يحمل
الصفة حليا وال تتحمل و ازرة العدل مسؤولية سالمة المطلوبين في حال تسليمهم .وبالتالي
وردت على و ازرة الخارجية التونسية مطالب متناقضة ففي حين طلبت حكومة اإلنقاذ
الوطني بطرابلس تسليم المتهم من أجل محاكمته من أجل ما نسب إليه ،في المقابل
الحكومة الليبية المؤقتة بطبرق والتي تتمسك بالشرعية قد طلبت من كافة المطلوبين الليبيين
عدم تسليمهم إ لى السلطات اليبية وهو ما يجعل شروط المحاكمة العادلة غير متوفرة مما
70
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
السياسية:
منع التسليم في الجرائم السياسية من المبادئ القانونية التي نصت عليها أغلب التشاريع
سواءا ضمن قانونها الداخلي أو ضمن اإلتفاقيات المتعلقة بالتعاون الدولي أو المتعلقة
بتسليم المجرمين .أسس عدم التسليم في الجرائم السياسية قانونية باألساس ( فقرة أولى)
أثرته الق اررات الفقه قضائية الصادرة عن دائرة االتهام (الفقرة الثانية ).
المشرع التونسي إهتم بمسألة التسليم في القسم الثاني من الباب الثامن مجلة اإلجراءات
للقانون الفرنسي لسنة 1729فهي ذات تطبيق ثانوي ال يتم تطبيقها إلى في صورة غياب
معاهدة تربط الدولة التونسية مع الدولة الطالبة .نص الفصل 308من مجلة اإلجراءات
الجزائية انه ''تخضع شروط تسليم المجرمين واجراءاته وأثاره ألحكام هذا الباب ما لم
كما نص الفصل 313من مجلة اإلجراءات الجزائية في فقرته األولى أن التسليم ال يمنح "
إذا كانت الجناية أو الجنحة تكتسي صبغة سياسيا أو إتضح من الظروف أن طلب التسليم
71
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
كان لغاية سياسية ،واإلعتداء على حياة رئيس الدولة أو احد أعضاء الحكومة ال يعتبر
على غرار التشريعات المقارنة لم يعرف المشرع المغربي الجريمة السياسية ،واكتفى باإلشارة
الفصل 26منه الذي نص على أن التجريد من الحقوق الوطنية عندما يكون يحكم به لزجر
الجنايات السياسية ،وكذالك ضمن مقتضيات قانون المسطرة الجنائية في المادة 636التي
نصت على عدم الحكم باإلكراه المدني في الجرائم السياسية ،والمادة 721بشأن عدم
الموافقة على تسليم المجرمين إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها التسليم جريمة سياسية
بالنسبة للقانون الجزائري نصت المادة 698من قانون اإلجراءات الجزائري أنه ال يجوز
التسليم إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها التسليم جريمة ذات صيغة سياسية أو أن
لقد أقر المجتمع الدولي إلزامية تسليم مرتكبي الجرائم اإلرهابية طبقا لمبدأ ''إما التسليم أو
المحاكمة '' المنصوص عليه في اإلتفاقيات الدولية ذات الصلة بالجرائم الدولية .خاصة
وأن قرار الجمعية العامة لألمم المتحدة لم يكن ناجعا أمام سد الطريق أمام المتهمين من
72
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
بالنسبة للتسليم في الجرائم السياسية تم العمل حاليا من جانب معظم الدول بمبدأ عدم جواز
الصعوبة تكمن في تحديد الجرائم السياسية وتميزها عن باقي الجرائم العادية حيث تعددت
المعايير لتحديد الجرائم السياسية وفصلها عن الجرائم العادية ،ولكنها فشلت في أن تقدم
حلوال جزئية للتمييز وفي غياب هذا المعيار أصبح لكل دولة الحق في تقدير نوع الفعل
المنسوب صدوره إلى الشخص وعم إذا كان هذه الفعل يشكل جريمة سياسية أو جريمة
عادية والقول الفصل في ذلك ما زال يعتبر من متطلبات السلطة التقديرية لكل دولة.
إن امتناع التسليم في الجرائم السياسية كما رأينا يعتبر من أحد المبادئ الهامة التي تكرسها
أغلب اإلتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية .هذا المنع يجد تبريره في كون المجرم
السياسي يدافع على مبدأ وليس على مصلحة ذاتية ،مبدئيا بالرغم من أن المتفق عليه هو
أن الجريمة السياسية تمثل أقل خطورة من الجرائم العادية األخرى إال أنه لم يمكن الجزم
بذلك باعتبار أن الجريمة في حد ذاتها تشكل أفعاال محظورة مهما كانت خطورتها .في
المقابل تكريس استثناء تسليم المجرمين السياسيين هو تدعيم للحريات األساسية مثل الحرية
السياسية والدستورية المنصوص عليها ضمن الدستور ،فاالختالف بين الجريمة السياسية
بالنسبة للقانون المقارن فقد نصت المادة 321من قانون المسطرة المغربية أنه ال يوافق على
73
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
التسليم إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها التسليم تعتبر جريمة سياسية أو مرتبطة
بجريمة سياسية.
بالنسبة للقانون الجزائري نص الفصل 698من قانون اإلجراءات الجزائية الجزائري أنه
ال يقبل التسليم في حاالت منها إذا كانت للجناية أو الجنحة صفة سياسية أو إذا تبين من
الظروف أن التسليم مطلوب لغرض سياسي .بالتالي اتفقت جل القوانين المقارنة على منع
بالنسبة لإلتفاقيات الدولية فقد نصت العديد منها على منع التسليم في الجرائم السياسية مثل
االتفاقية الثنائية المبرمة بين الجمهورية التونسية و الجمهورية السينغالية فقد نص الفصل
44منه أنه يجوز رفض التسليم إذا كانت الجريمة التي طلب من أجلها معتبرة في نظر
الدولة المطلوب منها جريمة سياسية أو مرتبطة بجريمة سياسية .البحث عن أساس قانوني
أو قضائي لمنع التسليم في الجرائم السياسية هو من األمر اليسير باعتبار أن جل القوانين
الداخلية واإلتفاقيات سواءا الثنائية أو الدولية قد نصت على هذا المنع ضمن أحكامها .
بدورها نصت المادة 31من االتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود أنه
من الحاالت التي ال يجوز فيها التسليم إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها التسليم معتبرة
بمقتضى القوانين النافذة لدى الطرف المطلوب فيه التسليم جريمة ذات صبغة سياسية أو
74
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
إتفاقية التعاون القضائي في المادة الجزائية بين الجمهورية التونسية واألرجنتين تنص في
مادته األولى أنه '' يتبادل الطرفان المتعاقدان التعاون على أوسع نطاق في كل قضية
جزائية وفقأ لهذه اإلتفاقية '' .وأضافت أنه يقصد بالتعاون المساعدة التي يقدمها الطرف
وتنص المادة الرابعة أن ترفض المساعدة القضائية إذا كان الطلب يتعلق في نظر الطرف
كما يرفض التعاون القضائي أيضا إذا كان يبعث إلى اإلعتقاد جديا أن الطلب قد قدم في
الحقيقة بهدف إضطهاد شخص بسبب عنصره أو جنسيته أو رأيه السياسي وأن وضع هذا
و كذلك اإلتفاقية العربية لمكافحة اإلرهاب الموقعة بالقاهرة فقد نصت في المادة السادسة
منها أ نه ''ال يجوز التسليم في أي من الحاالت التالية :إذا كانت الجريمة المطلوب من
أجلها التسليم معتبرة ،بمقتضى القواعد القانونية النافذة لدى الدولة المتعاقدة المطلوب إليها
كما نص الفصل 26في فقرته األولى من اإلتفاقية المبرمة بين الجمهورية التونسية
والجمهورية الفرنسية حول التعاون القضائي في المادة الجزائية وتسليم المجرمين أنه ''ال
75
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
يمنح التسليم إذا كانت الجريمة التي طلب من أجلها معتبرة في نظر الدولة المطلوبة منها
بالنسبة إلى األساس الفقه القضائي الستثناء التسليم في الجرائم السياسية نجد ق اررات نصت
بصفة صريحة على عدم التسليم في الجرائم السياسية وفي ق اررات أخرى القراءة المعاكسة
لما ورد بالقرار تكشف أن التسليم في الجرائم السياسية غير ممكن مثال عندما نجد ضمن
حيثيات الحكم حيثية يذكر بها أنه ما دامت الجريمة جريمة حق عام وال تكتسي صبغة
بتسليم المتهم الليبي " ميالد أبو زنتاية إبراهيم عبد السالم " الرتكابه لجرائم اإلشتراك في
إختالس المال العام واإلدالء بالتأثير والكسب الغير مشروع المنصوص عليها صلب المادة
27من القانون رقم 2لسنة 1972المتعلق بالجرائم االقتصادية والمادة 257من قانون
نجد في أحد حيثيات قرار التسليم أنه " وحيث إتضح أن الجرائم المؤسس عليها التسليم هي
وفي حيثية أخرى " وحيث ثبت من ملف الحال أن طلب التسليم تعلق بتبعات من أجل
جرائم حق عام بعيدة كل البعد عن الصبغة السياسية كما أن ظروف التتبع والتحقيق
76
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
الجاري ضد ميالد ابوزنتاية ابراهيم عبد السالم قد أخذت منحى عاديا حسب ما يظهر من
اإلطالع على النسخ الرسمية محاضر البحث والتحقيق التي تم الشروع فيها من طرف
الهيئات القضائية الليبية وقد تتأسس التتبع على صك محجوز وأقوال شهود فضال عن إبداء
السلطات القضائية في البلد المذكور إستعدادها وتعهدها بتتبع ومحاكمة المطلوب تسليمه
محاكمة عادلة ونزيهة ومستقلة تتوفر فيها جميع الضمانات مع الحفاظ على على حياته
وسالمته الجسدية والمعنوية ومراعات ظروفه الصحية وأن مطلب التسليم ال صلة له بأي
وعلى هذا األ ساس قررت دائرة التهام فبول مطلب التسليم المقدم من السلطات الليبية في
حق ميالد أبو زنتاية ابراهيم عبد السالم ورفض مطلب االفراج .
و في حيثية أخرى أنه " وحيث ال توجد بالملف أي قرائن أو معطيات تشير أن مطلب
التسليم قدم ألغراض سياسية لكون المطلوب تسليمه كان من المقربين للنظام الليبي قبل
قيام النظام بليبيا وأنه لن يحضى بمحاكمة عادلة بعد أن تم تغيير النظام الحاكم في البلد
المذكور ".
77
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
الخاتمة
مؤسسة التسليم لها أهمية بالغة ليس فقط فيما يتعلق بالتسليم في الجرائم العادية وانما أيضا
في الجرائم السياسية والجريمة اإلرهابية ،التي أصبحت حديث الساعة نظ ار لكونها شكل من
أشكال العنف الذي يهدد إستقرار المجتمع الدولي بإشاعة الرعب والقتل والتشريد.
التسليم كما رأينا آلية كرستها اإلتفاقيات والقوانين الداخلية وهي تخضع لجملة من الشروط
اإلجرائية لتنفيذه .فبالتأمل في شروط التسليم الواردة سواءا بمجلة اإلجراءات الجزائية
أواإلتفاقيات التي صادقت عليها تونس ندرك أن نظام التسليم بصفة عامة مرتبط أشد
اإلرتباط بسيادة الدولة باعتبار أنه عمل من أعمال السيادة ال يمكن التخلي عنه لطرف
أخر.
ومن أهم اإلشكاليات التي يطرحها هذا الموضوع هو تحديد الجرائم التي يجوز فيها التسليم
والتي يعتريها الكثير من اللبس والغموض ،مما أدى إلى تعدد اإلجتهادات الفقهية في
تكييف الجرائم المستثناة من التسليم .بالتالي وضع معيار واضح يميز بين الجريمة السياسية
المستثناة من التسليم والجريمة الغير سياسية التي يجوز فيها التسليم من األمور المعقدة في
من ناحية أخرى إصطباغ اإلرهاب بالصبغة السياسية يساعد على إنتشار الظاهرة
اإلرهابية .فأمام هذه الظروف فإنه على المجتمع الدولي أن يبذل مجهدات أكبر لمنع
تفاقم هذه الجرائم في كل بقاع العالم وذلك حفاظا على سالمة المجتمع الدولي بأسره.
78
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
عدم وجود تعريف موحد لإلرهاب يرجع باألساس إلى إرادة الدول الكبرى التي تسعى إلى
تحقيق أهداف شخصية ال تخدم إال مصالحها ،ومن خالل العديد من األمثلة ودراسة شروط
التسليم ،تتبين أن التسليم من الممكن أن يكون وسيلة للمقايضة بين الدول ،التسليم مقابل
بعض المطالب أو بعض السجناء .بالتالي اإلطار القانوني للتسليم ومدى توفر شروطه
يكون في بعض األحيان من المسائل النظرية ويخرج بذلك التسليم من نطاقه العام ليصبح
وفي النهاية دراسة تأثير العوامل السياسية على شروط التسليم ترتبط بمسألة ضمانات المتهم
باعتبار أن القوانين الوطنية تشكل في حد ذاتها ضمانات قانونية له تؤسس إلى عدم التسليم
الهدف من خالل دراسة تأثير العوامل السياسية على شروط التسليم هو وضع معايير
قانونية وفقهية تمكننا من التمييز بين الجريمة السياسية والجرائم األخرى .تكريس مبدأ التسليم
في الجرائم العادية له أساس قانوني وفقه قضائي ،كذلك تأثير العوامل السياسية على نظام
التسليم كان على مستوى تطبيق القانون وعلى مستوى فقه القضاء.
79
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
80
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
دراسة النظام القانوني للتسليم يكشف لنا عن الطبيعة اإلجرائية لهذه المؤسسة فمن خصائص
التسليم أوال انه إجراء وثانيا إجراء تعاون بين الدول وأخي ار فهو إجراء ذو طابع دولي .كل
هذه الخصائص تتأثر بالطبيعة القانونية للتسليم فإجراءات التسليم تختلف حسب ما إذا كان
بذلك تختلف الطبيعة القانونية للتسليم من دولة إلى أخرى فهناك من دول من تعهد إلى
السلطة التنفيذية صالحية إتخاذ قرار التسليم ،يقابله النظام القضائي للتسليم التي تأخذ به
األنظمة االنقلوسكسونية وهو أن السلطة القضائية هي التي لها صالحية إتخاذ هذا قرار.
وبنهاية القرن التاسع عشر أصبح اإلتجاه السائد هو اإلشتراك بين السلطة القضائية
والتنفيذية في التسليم والذي يطلق عليه البعض تسمية التسليم اإلداري القضائي.
وباعتبار أن نظام التسليم في تونس هو نظام مختلط يرتبط بسيادة الدولة ويتأثر بالعوامل
السياسية السائدة بين الدولة التونسية والدول األخرى .الطابع الدولي للتسليم يجعل منه
إجراء ذو صبغة دولية يتأثر ببعض األفكار والمفاهيم مما يؤثر على طبيعة اإلجراءات
المتخذة سواءا قبل اتخاذ قرار التسليم أو إثر البت فيه .من ذلك العوامل السياسية التي تؤثر
على إجراءات التسليم من تلقي المطلب الى صدور القرار بالتسليم ،لذلك تختلف إجراءات
التسليم المتبعة قبل البت في مطلب التسليم (فصل أول ) عن اإلجراءات المتبعة عند البت
81
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
سعى المشرع من خالل النصوص القانونية إلى استنباط قواعد تحقق المعادلة الصعبة بين
الحفاظ على مصلحة المجتمع واستق ارره ،ووضع حد لظاهرة اإلجرام التي تهدده من جهة
أخرى ،وبين ضمانات المتهم خاصة في مرحلة ما قبل المحاكمة والتي يكون فيها متهما أو
مظنونا فيه.
بالنسبة إلى وضعية المظنون فيه خارج إطار مؤسسة التسليم والموجود في حالة إيقاف
تحفظي وضعيته تستوجب اإلسراع في اإلجراءات للوصول إلى الحقيقة ومن ثم اإلفراج عنه
بحفظ التهمة أواحالته على الدائرة الجنائية لمحاكمته إما بحالة إيقاف أو بحالة إفراج مع
59
لذا وجب اإلسراع وجود تدابير إحت ارزية أو بدونها ألن اإليقاف التحفظي وسيلة استثنائية.
في إتخاذ االجراءات المناسبة حتى ال يبقى المظنون فيه بحالة إيقاف وحتى يتحدد مصيره
ال سيما أن دائرة االتهام بوصفها مرحلة ثانية من مراحل التحقيق في الجنايات تمارس رقابتها
على كامل ملف البحث خاصة الق اررات المتعلقة بحرية المظنون فيه.
الحقيقة تمثل شاغل الباحث والقاضي عموما ومطلبا للمجتمع والمظنون فيه والمطلوب
هوالتوصل إليها في أسرع وقت ممكن ولكن في ظل إحترام المـبادئ اإلجـرائية التي أرساها
المشرع ودون أن تكون هذه السرعة على حساب نجاعة وعدالة البحث.
يجوز لدائرة اإلتهام إتخاذ نوعين من الق اررات المتعلقة بحرية المظنون فيه فهي إما أن تقرر
إيقافه إيقافا تحفظيا وذلك بإصدار بطاقة إيداع ضده أو تقرر اإلفراج عنه إذا كان رهن
اإليقاف التحفظي بموجب قرار صادر عن قاضي التحقيق الذي أحال إليها الملف.
ومن هذا المنطلق يعتبر القانون التونسي في هذا الصدد األكثر حرصا على حماية الحريات
الفردية مقارنة بالعديد من التشريعات المقارنة التي لم تضع حدا أقصى لمدة اإليقاف
التحفظي ،وحتى التي وضعت حال جزئيا مثل القانون الفرنسي فهي لم تحدد المدة القصوى
لإليقاف في الجنايات .60وهكذا فإن أبرز الضمانات التي يتمتع بهذا المظنون فيه تتمثل في
إمكانية الطعن في قرار التمديد كما نصت على ذلك الفقرة الرابعة من الفصل ،85وللمظنون
فيه الحق في طلب مراجعة مدة اإليقاف التحفظي التي أقرها حاكم التحقيق ،وطلب اإلفراج
عنه مؤقتا حتى إذا مدد هذا األخير إيقافه .وقد شبه األستاذ جون قيبونو دائرة االتهام في
بالتالي صالحيات دائرة االتهام واسعة فقد أعطى لها المشرع والية شاملة على الحقوق
والحريات المتعلقة بالمتهم .والسؤال الذي يطرح نفسه هل دائرة اإلتهام باعتبارها السلطة
المخول لها قانونا النظر في مطلب التسليم تتمتع بهاته الصالحيات الواسعة بالنسبة للمتهم
المطلوب تسليمه .بالتأمل في نظام التسليم واجراءاته نالحظ أن دور دائرة االتهام محدود في
60الفصل 145م.إ.ج.ف.
61
Le pouvoir de révision et le droit d’évocation : Jean Guyenot.
83
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
جوانب معينة (مبحث أول ) وذلك بسبب تأثر إجراءات التسليم بالطبيعة القانونية
في بعض القوانين مثل القانون البريطاني القاضي مطالب بالبحث عن ثبوت إدانة المطلوب
تسليمه من عدمها لكن القانون التونسي أعطى لدائرة اإلتهام بمحكمة اإلستئناف بتونس
العاصمة صالحية النظر في مطلب التسليم .فقد نص الفصل 321م.ا.ج أن "النظر في
مطالب التسليم من خصائص دائرة اإلتهام لدى محكمة االستئناف بتونس " .62قراءة هذا
الفصل توحي بأ ن قرار التسليم هو قرار قضائي لكن من خالل دراسة النظام اإلجرائي
للتسليم ندرك أن دور دائرة االتهام ليس إال مرحلة من سلسلة من اإلجراءات يتميز بالصبغة
الدبلوماسية .
محدودية دور دائرة التهام في إتخاذ قرار التسليم نستشفه من خالل الحد من سلطة دائرة
اإلتهام بالنظر في مطلب التسليم (فقرة أولى) والحد من سلطة دائرة اإلتهام في إصدار
قرارات اإليقاف التحفظي(فقرة ثانية) والحد من سلطة دائرة االتهام في إصدار قرارات
62الطيب اللّومي يعرف دائرة االتهام بكونها "عبارة عن هيئة حكمية أناط بعهدتها القانون حق التحقيق واالستقراء وإصدار القرارات
التي تتعهد بمقتضاها المحاكم بالدعوى العمومية في نطاق ما خوله لها القانون زيادة عما أسند لها من حق النظر على أوجه
االستئناف في قرارات قاضي التحقيق وما تبت فيه من مطالب تسليم المجرمين .يراجع مقال بعنوان "دائرة االتهام" للرّئيس الطيّب
اللّومي مجلّة القضاء وال ّتشريع جويلية . 199
84
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
الفقرة ال ولى :الحد من سلطة دائرة اإل تهام بالنظر في مطلب التسليم:
دائرة اإلتهام لدى محكمة اإلستئناف بتونس هي الهيأة القضائية التي خول لها القانون حق
النظر في مطالب تسليم المجرمين .63يمكن تعريف دائرة االتهام بكونها ''هيأة حكمية أناط
بعهدتها القانون حق التحقيق واإلستقراء واصدار الق اررات ،التي تتعهد بمقتضاها المحاكم
بالدعوى العمومية في نطاق ما خول لها القانون زيادة عن ما أسند لها النظر على وجه
اإلستئناف لق اررات قاضي التحقيق وما تبت فيه من مطالب تسليم المجرمين ''.64
ف المبدأ العام المعمول به في الدول التي تحترم مبدأ التفريق بين السلط هو أن السلطة
القضائية هي التي تملك حق أخذ القرار في خصوص فصل النزاعات .وق ارراتها ملزمة
بمجرد أن يصبح الحكم باتا مستوفيا لجميع طرق الطعن .لكن بالنسبة إلى نظام تسليم
المتهمين فإن سلطة أخذ القرار تخرج من يد السلطة القضائية وتبقى بيد السلطة السياسية.
دور دائرة اإلتهام في خصوص التسليم ال يتعلق بإصدار ق اررات وانما تصدر الدائرة رأيا
يمكنه وصفه باالستشاري ويكون إما بالرفض أو القبول .فهي تنظر في مطلب التسليم من
ا لجوانب القانونية فقط وال تنظر في األصل باعتبار أن النظر في األصل من إختصاص
في القانون التونسي تتلقى الحكومة التونسية مطلب التسليم بالطريقة الدبلوماسية مرفوقا
باألصل أو بنسخة رسمية من الحكم القابل للتنفيذ أو من بطاقة جلب أو من أية وثيقة
63دائرة االتهام هي درجة ثانية من درجات التحقيق وهي هيأة حكمية اوكل لها المشرع النظر في استئناف قرارات قاضي التحقيق
التي ترفع لها من قبل المضنون فيه او نائبه او من قبل وكيل الجمهورية.
64الطيب اللومي''،دائرة االتهام '' ،مجلة القانون التونسية ،جويلية 1992 ،ص . 9
85
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
أخرى لها نفس الحجية وصادرة حسب الصيغ المقررة بتشريع الدولة الطالبة .65وينبغي أن
يشمل مطلب التسليم وصفا مدققا للظروف التي أحاطت باألفعال المطلوب من أجلها
التسليم وتاريخ ومكان إرتكابها والوصف القانوني للجريمة .مع اإلشارة للنصوص القانونية
وتضاف إلى المطلب نسخة من النصوص القانونية المنطبقة على المنطبقة عليها
الجريمة .66وتضمن بالمطلب أيضا أوصاف المطلوب تسليمه وجميع اإلرشادات التي تمكن
وعند بلوغ مطلب التسليم إلى و ازرة الخارجية يقع التثبت فيه وفي وثائقه ثم يحيل وزير
الخارجية المطلب رفقة الملف إلى وزير العدل الذي يتولى النظر في صحته فان رأى أنه
من المتجه قبول مطلب التسليم فإنه يحيل الملف على النيابة العمومية التي تتخذ في الحين
الوسائل الالزمة إليقاف المطلوب تسليمه وتقديمه إلى الوكيل العام للجمهورية .ويستنطق
وكيل الجمهورية فو ار الموقوف للتثبت من هويته ويعلمه بالوثيقة التي تم بمقتضاها إيقافه
ويحرر محض ار في ذلك ويودع المعني باألمر في السجن ،67وعلى وكالء الجمهورية أن
68
. يعلموا باإليقاف الوكيل العام للجمهورية
بالتالي إذا تم إيقاف المضنون فيه من طرف وكيل الجمهورية المنتصب بالمكان الذي تم
فيه اإليقاف عليه أ ن يعلم الوكيل العام للجمهورية الذي يتعهد بالملف ويتخذ اإلجراءات
المناسبة.
بالتالي دائرة االتهام بمحكمة اإلستئناف بتونس هي المختصة بالنظر في مطلب التسليم.
ويحضر األجنبي لديها في أجل 15يوما من تاريخ إعالمه بوثيقة ثم تشرع في استنطاقه
وتحرر محضر في الغرض .69بذلك يكون هناك إختالف بين إج ارءات دائرة اإلتهام بدورها
العادي وبين اإلجراءات المتبعة لديها إثر النظر في مطلب التسليم .فهي تتعهد بمطلب
التسليم في أجل ال يتعدى 15يوما في حين في اإلجراءات العادية يحال الملف في اجل
10أيام . 70هناك إشكال قانوني آخر يطرحه النظام القانوني لتسليم المجرمين وهو أن
بالتأمل في العديد من اإلتفاقيات من ذلك الفصل 47من االتفاقية المبرمة بين الجمهورية
التونسية والسينيغال فإنه يوجه مطلب التسليم من وزير العدل بالدولة الطالبة إلى وزير
العدل بالدولة المطلوب منها .ويجيب أن يرفق باألصل أو بنسخة رسمية من الحكم القابل
للتنفيذ أو من بطاقة اإليقاف أو من إي وثيقة أخرى لها نفس القوة ومسلمة من طرف
السلطة العدلية ومحتوية على بيان مدقق لتاريخ الجريمة ومكان إرتكابها والوقائع المادية
المكونة لها ووصفها القانوني كذلك النصوص القانونية المنطبقة عليها .وتضاف إليها
نسخة من تلك النصوص وتبين بقدر اإلمكان أوصاف الشخص المطلوب تسليمه وكل
69الفصل 321م.ا.ج
70الفصل 114م.ا.ج
71نص الفصل 323م.اج ان '' في غير الصور المنصوص عليها بالفصل المتقدم فان دائرة االتهام تبدي في مطلب التسليم رأيا
معلال غير قابل للطعن'' و يضيف في فقرة ثانية أنه'' و اذا ظهر لدائرة االتهام ان شروط التسليم القانونية غير متوفرة او ان هنالك
غلطا واضحا فإنها تبدي رأيها برفض التسليم .و هذا الرأي نهائي ,وال يمكن معه منح التسليم ''.
87
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
بذلك سلطة دائرة االتهام في النظر في مطلب التسليم تختلف باختالف نوع التسليم
فإجراءات التسليم تختلف بحسب الجهة المختصة بالبت في مطلب التسليم .فالتسليم يمكن
ان يكون إداريا ،قضائيا أو مختلطا .72وتتعهد دائرة االتهام في مرحلة الحقة بمطلب التسليم
وكافة الوثائق المتعلقة به أي بعد قبوله من طرف وزير العدل .ويقع بذلك إحضار المطلوب
تسليمه إليها في اجل أقصاه خمسة عشر يوما من تاريخ إعالمه باإليقاف وتتولى استنطاقه
وتحرير محضر في ذلك ويقع سماع ممثل النيابة العمومية والمعني باألمر.
حسب عديد اإلتفاقيات التي أبرمتها تونس مع العديد من الدول باإلمكان إرجاء النظر في
القضية في مطلب التسليم وذلك للمطالبة بمعلومات إضافية للتحقق من توفر الشروط
المطلوبة قبل أن ترفض المطلب ولها أن تحدد أجال للحصول على هذه المعلومات .في
هذا اإلطار فقد نص الفصل 33من االتفاقية المبرمة بين تونس والدولة الجزائرية أن دائرة
االتهام تبدي رأيها في قبول المطلب من عدمه دون أن يكون لها الحق في النظر في أصل
القضية وال حتى في جدوى التسليم من عدمه .ومن هنا نستشف أن سلطات دائرة االتهام
في النظر في طلب التسليم تبدو محدودة نسبيا .خاصة وأن دائرة االتهام ليس لها أن
تصدر حكما أو ق ار ار بل تبدي فقط رأيا معلال ذلك أن األحكام هي فقط القابلة للطعن
بالتعقيب.
تم تكريس هذه المسألة قانونيا بموجب الفصل 323من مجلة اإلجراءات الجزائية الذي
ينص على أن دائرة االتهام تبدي في مطلب التسليم رأيا معلال غير قابل للطعن وهذا الرأي
72جمال شهلول "تسليم المجرمين في النظام الجزائي التونسي " .وزارة العدل و حقوق االنسان
88
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
يكون ملزما للحكومة في صورة الرفض وهو بذلك رأي نهائي غير قابل للطعن ويتم
بمقتضاه تسريح المعني باألمر فو ار بينما تبقى الحكومة حرة في صورة الرأي اإليجابي
نص بدوره الفصل 36من االتفاقية المبرمة بين تونس والدولة الفرنسية أنه'' تعلم بالطرق
الديبلوماسية الدولة المطلوب منها التسليم الدولة الطالبة بالقرار الذي إتخذته بشأن التسليم
وكل قرار يرفض التسليم كال أو بعضا يكون معلال'' .فاإلعالم بقرار التسليم يكون بالطرق
الديبلوماسية وليس بالطرق القضائية وهذا دليل على محدودية دور دائرة االتهام في النظر
من خالل دراس ة إجراءات تسليم المجرمين في المرحلة السابقة للبت في مطلب التسليم
تتبين أن الدور الموكول لدائرة االتهام هو التثبت من مدى توفر الشروط في قرار التسليم
وليس الحكم في القضية أو على الشخص المطلوب تسليمه .بعد التأكد من توفر جميع
شروط التسليم تقوم دائرة التهام بدراسة مطلب التسليم إلبداء رأي معلل حوله ولقد نص
الفصل 323م.ا.ج " دائرة االتهام تبدي في مطلب التسليم رأيا معلال غير قابل للطعن " .
دائرة االتهام ليست مطالبة بالتثبت من اإلدانة أو البراءة دورها يقتصر على مراقبة مدى
تطابق األفعال المطلوب من أجلها التسليم مع الوثائق المقدمة بمطلب التسليم .إذا عاينت
دائرة االتهام نقصا في الوثائق يمكنها ان تطلبها عن طريق النيابة العمومية أو بالطرق
الدبلوماسية وبعد ذلك تصدر دائرة االتهام رأيا إما بالتسليم أو برفض التسليم .
89
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
بعد التأكد من توفر الشروط القانونية في مطلب التسليم دائرة اإلتهام تبدي رأيها في طلب
التسليم ويكون رأيها معلال ،لكن قبول مطب التسليم ال يعني تسليم المطلوب نهائيا لفائدة
الدولة الطالبة ،ألن الرأي النهائي بيد الحكومة فقد نص الفصل 34م .ا.ج " إذا كان رأي
دائرة االتهام قاضيا بقبول مطلب التسليم فللحكومة منح التسليم أو رفضه .واذا تقر منح
التسليم يعرض كاتب الدولة للعدل على إمضاء رئيس الجمهورية أم ار يقضي بذلك".
بالتالي قبول دائرة اإلتهام بالتسليم ال يعني التسليم الفعلي بل قرار التسليم بيد الحكومة التي
تأخذ في قرارها بعدة إعتبارات سياسية ودبلوماسية .فدائرة االتهام ليس لها دور '' تقريري ''
الحد من سلطة دائرة اإل تهام في إصدار قرارات اإليقاف الفقرة الثانية:
التحفظي:
ال يمكن تجاوزها لضمان السرعة في في الجرائم العادية المشرع التونسي حدد أجاال
اإلجراءات أمام دائرة االتهام بوصفها درجة ثانية من درجات التحقيق في الجنايات .فمن
واجب الوكيل العام لدى محكمة االستئناف إذا أحيلت عليه القضية في هذه الحالة أن ينهيها
في ظرف عشرة أيام إلى دائرة االتهام مصحوبة بطلباته .وهذه الدائرة تبت فيها في األسبوع
الموالي ليوم اتصالها بها بمحضر المدعي العمومي وبدون حضور الخصوم .73وقد حدد
أجل العشرة أيام كحد أقصى للوكيل العام لدى محكمة اإلستئناف حتى يطلع على ملف
90
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
القضية بتأني إلعداد طلباته بطريقة ال يمس فيها بضمانات المتهم المكتسبة وبصورة يلم فيها
بتفاصيل األبحاث حتى ال يؤدي التسرع في إعداد وتقديم الطلبات أمام دائرة االتهام إلى
كما أن إختزال هذا األجل بات ضرورة ملحة فالقانون عدد 75لسنة 2008المؤرخ في 11
ديسمبر 2008المنقح لبعض فصول م.إ.ج أضاف للفصل 85من المجلة فقرة قبل أخيرة
جاء فيها " :وال يمكن أن يترتب عن قرار دائرة االتهام بإحالة الملف إلى قاضي التحقيق
لمواصلة بعض األعمال التي تقتضيها تهيئة القضية للفصل تجاوز المدة القصوى لإليقاف
التحفظي للمتهم الذي يتحتم في هذه الحالة على قاضي التحقيق أو دائرة االتهام حسب
األحوال اإلذن باإلفراج عنه مؤقتا دون أن يمنع ذلك في اتخاذ التدابير الالزمة بضمان
حضوره".74
المشرع لم يتبناه في التنقيح الجديد إال في حالة واحدة وهي تلك التي تحيل فيها دائرة االتهام
الملف على قاضي التحقيق الستكمال األبحاث حسب مقتضيات الفصل 116م.إ.ج وذلك
بربط آجال البحث بالمدة القصوى لإليقاف التحفظي حفاظا على ضمانات هذا األخير .وكان
من األجدر تعميم هذا الموقف على جميع حاالت البحث التي تمارسها دائرة االتهام.
وفي هذه الحالة الوحيدة فإن من ضمانات المظنون فيه عدم تجاوز المدة القصوى لإليقاف
التحفظي مما يجبر دائرة االتهام على اإلسراع في إجراءات بحثها حتى ال تتجاوز هذه المدة
91
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
وحتى تقوم بأبحاثها على أكمل وجه فهي الراعية لمصلحة األبحاث التي قد تتعارض
المشرع كما رأينا سابقا منح لدائرة اإلتهام العديد من الصالحيات إضافة لكونها درجة ثانية
من التحقيق منها تلك المتعلقة بتسليم المجرمين .بصفة عامة دور القضاء في نظام التسليم
في المرحلة السابقة لعرض مطلب التسليم على دائرة االتهام وهي المرحلة التي يتم فيها
إيقاف المضنون فيه .مرحلة ما قبل عرض المتهم على دائرة االتهام هي مرحلة لها عالقة
ووطيدة بحقوقه .باعتبار أنه ال يجب التعسف في إيقاف المضنون فيه لذلك أكد المشرع
ضمن أحكام الفصل 319من م .ا.ج انه " يقدم األجنبي حاال بعد إيقافه إلى وكيل
الجمهورية المنصب بالمكان الذي تم فيه اإليقاف " .ونص الفصل 325من المجلة أيضا
أن '' عند التأكد وبناءا على طلب مباشر صادر عن السلطات القضائية للدولة الطالبة يجوز
لوكالء الجمهورية أن يأذنوا بإيقاف األجنبي إيقافا تحفظيا بمجرد اتصالهم بإعالم عن طريق
البريد أو عن طريق أخر أسرع يترك أث ار كتابيا يدل على وجود الوثائق يدل على وجود
بالنسبة لإلتفاقيات الدولية فقد نص الفصل 28من اإلتفاقية المبرمة بين الجمهورية الليبية
والدولة التونسية أنه يصح للدولة المطلوبة حجز المضنون فيه بصفة إحتياطية على أن ال
تتجاوز مدة حجزه ثالثين يوما يخلى سبيله بعدها اذا لم يصل خاللها ملف طلب تسليمه
92
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
كامال أو طلب تجديد مدة حجزه بثالثين يوما أخرى على األكثر و تخصم مدة الحجز من
كذلك نص الفصل 31من اإلتفاقية المبرمة بين الجمهورية التونسية والجمهورية الفرنسية
انه '' يمكن عند تأكد األمر للسلطات القضائية بالدولة الطالبة أن تطلب إيقاف الشخص
المطلوب إيقافا ووقتيا قصد تسليمه '' .ويضيف نفس الفصل في فقرته الثانية والثالثة أنه ''
ينص بطلب االيقاف الوقتي على وجود إحدى الوثائق المبينة بالفقرة 'ا' كما يذكر به
الجريمة المرتكبة ومدة العقاب المستوجب او المحكوم به وتاريخ ومكان ارتكاب الجريمة
......و يحال الطلب إ لى السلط القضائية للدولة المطلوب منها التسليم سواءا مباشرة عن
و يضيف الفصل 32من نفس اإلتفاقية أنه '' ال يمكن في أي حال من األحوال أن
تتجاوز مدة اإليقاف الوقتي أربعين يوما من تاريخ اإليقاف '' و يضيف أنه '' يمكن اإلذن
باإلفراج المؤقت في أي وقت من األوقات على أن تتخذ الدولة المطلوب منها اإليقاف كل
اإلجراءات التي تحول دون فرار الشخص المطلوب تسليمه '' .مؤكدا على أن'' اإلفراج
المؤقت ال يتعارض مع اإليقاف والتسليم إذا ورد طلب التسليم فيما بعد ‘‘.
75ينص الفصل 30في فقرته الثانية من االتفاقية انه '' لتاييد الطلب يقع االدالء بما يلي :
_ عرض للوقائع التي من اجلها يطلب التسليم يتضمن تاريخ و مكان اقترافها ووصفها القانوني و النصوص المنطبقة عليها و نسخة
من تلك النصوص .
_ عرض للوقائع التي من اجلها يطلب التسليم يتضمن تاريخ و مكان اقترافها ووصفها القانوني و النصوص المنطبقة عليها و نسخة
من تلك النصوص .
_ وصف يتوخى فيه اكثر ما يمكن من الدقة للشخص المطلوب تسليمه و كذلك سائر المعلومات االخرى التي من شانها ظبط هويته و
جنسيته ''.
93
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
نستخلص من خالل جميع هذه األحكام سواءا الواردة ضمن مجلة االجراءات الجزائية او
االتفاقيات الدولية ان إرادة المشرع متجهة نحو تكريس حماية لحقوق المضنون فيه الذي يتم
إيقافه لكن هناك نقد موجه للمشرع من خالل إستعماله لعبارة "حاال" في الفصل 319من
المجلة المذكور خاصة أن المشرع الفرنسي قد ضرب اجل 24ساعة من إيقاف المضنون
فيه لعرضه على النيابة العمومية .وترك اآلجال مفتوحة لعرض المتهم على وكيل
الجمهورية من شأنه المساس من ضمان حقوقه كمتهم باعتبار أن مهمة القضاء التدخل
مباشرة بعد إيقاف المضنون فيه الذي يعلم المتهم بسبب إيقافه بالوثيقة التي اعتمدت في
76
. ذلك بعد التثبت من هوية الشخص الذي تم إيقافه ويحرر محضر في الغرض
كما نعلم أنه في الجرائم العادية اإليقاف التحفظي يعتبر إجراءا إستثنائيا نص عليه الفصل
84من مجلة اإلجراءات الجزائية ،فالمبدأ هو أن يبقى المضنون فيه في حالة سراح الى
أن تثبت إدانته وال يلجا الى إيقافه تحفظيا إال بصفة إستثنائية ووفق قواعد إجرائية محددة
وذلك حرصا من المشرع على توفير ضمانات للمتهم .فقد ضيق المشرع في نطاق تطبيق
اإل يقاف التحفظي فجعله يقتصر على الجنح والجنايات المتلبس بها وعند ظهور قرائن قوية
تستلزم اإليقا ف . 77كما أقر واجب اإلفراج عن المضنون فيه بضمان أو بدونه بعد
اإلستنطاق بخمسة أيام اذا كان له مقر معلوم بالبالد التونسية ولم يسبق أن حكم عليه
76الفصل 319م.ا.ج
77الفصل 85من م.ا.ج
94
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
بأكثر من ثالثة أشهر سجنا اذا كان أقصى العقاب المقرر سنة سجن ،كما منح حق طلب
لكن بمقارنة هذه الضمانات التي كرسها المشرع في الجرائم العادية الخارجة عن نطاق
مؤسسة التسليم واإليقاف التحفظي في ظل نظام التسليم نالحظ محدودية هذه الضمانات
بالنسبة للمطلوب تسليمه باعتبار أنه يمكن إيقافه دون التأكد من إدانته ودون توفر أدلة قوية
تبرر إيقافه .اإليقاف إجراء يتخذه وكيل الجمهورية في بعض األحيان بناءا على منشور
تفتيش أو بطاقة جلب أو طلب مباشر صادر عن السلطات القضائية للدولة الطالبة.
ويحصل في الكثير من الحاالت أن يتم إيقاف المضنون فيه ويصدر فيه قرار تسليم دون أن
الفقرة الثالثة :الحد من سلطة دائرة االتهام في إصدار ق اررات اإلفراج عن
المطلوب تسليمه:
بالنسبة إلى اإلفراج المؤقت عن الشخص المطلوب تسليمه ال يتعلق باإلفراج المؤقت
القضائية لإلفراج المؤقت عن المظنون فيه يكون قبل وبعد تلقي مطلب التسليم.
وقد نص المشرع التونسي ضمن الفصل 326م .أنه يجوز اإلفراج عن الشخص الموقوف
مؤقتا حسب الشروط الواردة بالفصل المتقدم إن كان مقيما إقامة قانونية بالبلد التونسية ولم
95
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
تتسلم الحكومة التونسية في غضون شهر من إيقافه الواقع بناء على طلب الدولة األجنبية
الفصل 36في فقرته الرابعة من االتفاقية المبرمة بين تونس و فرنسا فقد نص على اجل
مختصر باعتبار انه اذا لم يقع تسلم الشخص المطلوب في التاريخ المعين يمكن سراحه
عند انقضاء خمسة عشر يوما إبتداءا من ذلك التاريخ وفي كل األحوال يقع االفراج عنه
بعد إنقضاء أجل الثالثون يوما وللدولة المطلوب منها التسليم رفضه ألجل الفعلة نفسها.
من خالل هذه األحكام يستخلص أن قرار اإلفراج الصادر عن دائرة االتهام يمكن أن يكون
سابقا للبت في مطلب التسليم أو الحقاله .بالنسبة إلى قرار التسليم الصادر قبل إتخاذ قرار
التسليم فقد صدر عن دائرة اإلتهام بمحكمة اإلستئناف بتونس في القضية عدد98150/ 9
اإليطالي الجنسية من سجن إيقافه .صدر هذا القرار تطبيقا لمقتضيات الفصل 321م.ا.ج
الذي ينص على أنه يسوغ منح المطلوب تسليمه السراح المؤقت في أي طور من أطوار
اإلجراءات ومن الفصل 321من اتفاقية التعاون القضائي بين الدولتين الذي ينص على
أنه ''اذا لم تتسلم الدولة المطلوب منها التسليم إحدى الوثائق المنصوص عليها بالفقرة الثانية
من الفصل 21خالل عشرين يوما بعد وقوع اإليقاف أمكن اإلفراج عن الشخص
الموقوف'' .وحيث إعتبرت دائرة االتهام أنه '' تم إيقاف المطلوب تسليمه منذ 22أفريل
96
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
2016ويكون قد مضى أكثر من 20يوما إلى حد التاريخ وحيث لم يرد إلى حد التاريخ
مطلب تسليم المعني باألمر وال الوثائق المنصوص عليه بالفصل 21من اإلتفاقية''.
بالتالي قررت الدائرة اإلفراج المؤقت أو قرار إنهاء اإليقاف التحفظي و "إخالء سبيل المتهم
78
المحبوس إحتياطيا لزوال مبرر الحبس".
محدودية دور دائرة االتهام في إصدار ق اررات الإلفراج المؤقت مرتبط بكون هذا قرار مقترن
بعديد الشروط منها أن يكون الشخص المراد اإلفراج عنه مقيما في تونس إقامة قانونية وله
مقر معلوم ،والشرط الثاني أن تكون السلطات التي طلبت إيقافه لم تمد الحكومة التونسية
بالوثائق الالزمة وذلك في أجل شهر لكن هناك إتفاقيات أقرت أجال مختص ار مثل االتفاقية
المبرمة بين الدولة التونسية والدولة الفرنسية والتي حددت األجل ب 14يوما .79
من الق اررات الصادرة عن دائرة االتهام والمتعلقة باإلفراج عن المطلوب تسليمه في مادة
قررت دائرة االتهام بمحكمة اإلستئناف بتونس رفض تسليم المدعو عماد رجب مسعود عبد
السالم واإلفراج عنه من سجن إيقافه ورفع تدبير تحجير السفر المتخذ ضده .وقد صدر
مطلب التسليم عن مكتب النائب العام بحكومة اإلنقاذ الوطني بطرابلس بتاريخ
الطبعة ّ
الثانية .1990 الذهبي :اإلجراءات الجزائيّة ،مكتبة غريب مصر ّ
78إدوارد غالي ّ
79الفصل 326م.ا.ج
97
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
التسليم كان سببه ان المتهم هو محل تتبعات عدلية من النيابة العامة من أجل ارتكاب
جرائم القتل العمد وحيازة السالح والذخائر بدون ترخيص إضافة إلى جرائم أخرى .
هذا الرفض كان بناءا على ماجاء بالبيان و ازرة العدل بالحكومة الليبية المؤقتة رقم 2لسنة
2014في هذا البيان أعلنت الو ازرة عدم مسؤوليتها عن أي محاكمات بالمناطق الغير
خاضعة لسيطرة الحكومة الليبية المؤقتة .بما فيها محاكمة رموز النظام السابق وتستنجد
بالمنظمات الدولية والمعنية بحقوق اإلنسان وخاصة مجلس حقوق اإلنسان التابع لمنظمة
األمم المتحدة بسرعة التحرك لمتابعة ورصد مجريات هذه المحاكمات و ما يصدر عنها من
أحكام.
وقد جاء بأحد حيثيات القرار أنه " وحيث ينتج من كل ما ذكر أنه وردت على و ازرة
الخارجية التونسية مطالب متناقضة ففي حين تطلب حكومة اإلنقاذ الوطني بطرابلس تسليم
المدعو عماد رجب محمد عبد السالم لمحاكمته من أجل الجرائم المنسوبة إليه فإن الحكومة
الليبية المؤقتة بطبرق والتي تتمسك بالشرعية قد طلبت من كافة المنظمات الدولية والمعنية
بحقوق اإلنسان ومن النائب العام من تولي عدم تسليم كافة المتهمين الليبيين للسلطات
الليبية وهو ما يجعل شروط المحاكمة العادلة غير متوفرة مما يتجه معه رفض مطلب
التسليم ".
بالنسبة إلى مسالة عدم إتخاذ الدولة التونسية لقرار في تسليم المتهم الموقوف من عدمه
وهل أنه في هذه الحالة دائرة االتهام هي التي عليها التدخل واصدار قرار في اإلفراج عن
98
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
المضنون فيه أم ان عليه إنتظار رأي الحكومة في ذلك أي الحكومة وحدها هي التي تقرر
اإلفراج عنه أو االحتفاظ به تعتبر هذه المسألة من اإلشكاليات الهامة التي يجيب التعرض
مبدئيا وتطبيقا لمقتضيات الفصل 102من الدستور التونسي الجديد لسنة 2014الذي
ينص على أ ن "القضاء سلطة مستقلة تضمن إقامة العدل وعلوية الدستور وسيادة القانون
وحماية الحقوق والحريات" .فهذه المسألة هي مسالة قانونية نصت عليها أغلب التشاريع
الوطنية والمواثيق الدولية .والتي ال يمكن للسلطة التنفيذية بأي شكل من اإلشكال التدخل
فيها باعتبار أن هذه المسأ لة تدخل في إطار ضمانات المحاكمة العادلة التي ال يمكن
المساس بها أو النيل منها .فضمانات المتهم تشمل الضمانات اإلجرائية والضمانات
الموضوعية . 80خاصة وأن دائرة االتهام لها والية شاملة على الحقوق والحريات العامة
بمقتضى الدستور ومجلة اإلجراءات الجزائية في فصله 114الذي أعطى والية عامة
81
. للقضاء العدلي وبالتحديد دائرة االتهام
إضافة إلى ذلك فقد نص الفصل التاسع والعشرين من الدستور التونسي أنه"ال يمكن إيقاف
شخص أو اإل حتفاظ به إال في حالة التلبس أو بقرار قضائي ويعلم فو ار بحقوقه وبالتهمة
المنسوبة إليه وله أن ينيب محاميا .وتحدد مدة اإليقاف أو اإلحتفاظ بقانون ".وينص كذلك
80مصطفى الصخري "قرينة البراءة وضمانات المتهم اثناء المحاكمة الجزائية " ،المجلة القانونية اكتوبر .2010ص.22.
81الفصل 102من الدستور التونسي .
99
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
في المقابل الفصل 92م.ا.ج أن "اإلفراج المؤقت يمكن طلبه في كل طور من أطوار
82
القضية من المحكمة المتعهدة بها ".
لذلك يعتبر بطالن اإلجراءات واألحكام المخالفة للقانون من أهم الضمانات التي أقرها
القانون لفرض نصوص م.إ.ج والنص الوحيد العام الذي تحدث عن البطالن هو الفصل
199م.إ.ج الذي ورد بالكتاب الثاني الخاص بمحاكم القضاء ينص على أنه" :تبطل كل
األعمال واألحكام المنافية للنصوص المتعلقة بالنظام العام أو للقواعد اإلجرائية األساسية أو
لمصلحة المتهم الشرعية والحكم الذي يصدر بالبطالن يعين نطاق مرماه".
باإلطالع على الفصل 199نالحظ أن المشرع قد تبنى نظرية البطالن الجوهري متخليا
بذلك عن نظرية البطالن الشكلي ،إذ تقتضي نظرية البطالن الشكلي انه "ال بطالن بدون
نص " ويعني ذلك أن المشرع هو الذي يتكفل بتحديد حاالت البطالن بنصوص صريحة
وبذلك يقع تسليط هذا الجزاء بمجرد اإلخالل باإلجراء المنصوص عليه بنص القانون أي أن
القاضي يقضي بالبطالن دون أن يلتجأ إلى التحليل أو االجتهاد الذين قد يكونان في غير
محلهما في بعض األحيان .بالتالي التعسف في إستعمال اإليقاف التحفظي يمكن أن يؤدي
إلى بطالن اإلجراءات واإلفراج عن المطلوب تسليمه الذي تجاوزت مدة إيقافه المدة المعقولة
مما يستوجب تدخل دائرة اإلتهام لإلفراج عنه .لكن المشكل المطروح في خصوص هذه
82مع ّز بن سالم :تعليق على الفصل 199م إ ج :رسالة تخرج من المعهد األعلى للقضاء.2001 / 2000 :
100
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
في هذا اإلطار أصدرت دائرة اإلتهام بمحكمة اإلستئناف بتونس في قرارها عدد 86599
قرار في اإلفراج عن المتهم الليبي " ميالد ابو زنتاية ابراهيم عبد السالم " .فبعد أن أصدرت
دائرة االتهام قرار في التسليم بتاريخ 2012/12/25إال أن الحكومة التونسية لم تتخذ أي
قرار سواءا بالتسليم أو رفضه طبق احكام الفصل 324من مجلة اإلجراءات الجزائية .
وبما أن المشرع لم يقيد الحكومة بأجل معين التخاذ قرار بمنح التسليم من عدمه فإنه ال
يمكن إبقاء المضنون فيه موقوفا لما ال نهاية له حسب رأي دائرة االتهام ،لما لهذه المسألة
من مساس بالحريات التي حماها الدستور التونسي وبالمواثيق والمعاهدات الدولية المصادق
فقد جاء في حيثيات القرار أنه " وحيث أن القضاء حسب أحكام الفصل 102من الدستور
يضمن حماية الحقوق والحريات كما أ ن دائرة االتهام تبقى مختصة بالنظر في مطلب
اإلفراج في كل طور من أطوار اإلجراءات حسب أحكام الفصل 321م .ا.ج .لذلك
واعتمادا على ما سبق شرحه أعاله فإن دائرة اإلتهام التاسعة بمحكمة اإلستئناف بتونس
المجتمعة بحجرة الشورى يوم .... 2015/07/15تقرر اإلفراج عن المواطن الليبي ميالد
ابو زنتاية ابراهيم عبد السالم ومنعه من مغادرة تراب الجمهورية إلى حين إتخاذ قرار صريح
من الجمهورية التونسية بمنح التسليم أو رفضه كمنعه من الظهور في األماكن العامة
101
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
في خصوص نفس المتهم صدر قرار بالتسليم وقرار باإلفراج المؤقت ،دائرة اإلتهام
إصدار قرار باإلفراج من دائرة اإلتهام الحكومة لم تتخذ قرار في التسليم من عدمه ألكثر
من سنتين والمتهم موقوف تحت ذمة القضاء .هذه المسألة فيها خرق لكل الضوابط
القانونية وتمس من ضمانات المحاكمة العادلة .وبالتالي مسألة إسناد اإلختصاص المطلق
لدائرة اإلتهام في إصدار قرار اإلفراج عن المتهم في صورة عدم إتخاذ الحكومة لقرار
التسليم من عدمه بعد إنقضاء أجل معقول هي مسألة من المستوجب تكريسها قانونا باعتبار
بالتالي ال يجيب تقييد سلطة دائرة التهام ال من طرف الحكومة وال بنصوص قانونية أو
تطبيقات فقه قضائية .في خصوص مسألة إصدار قرار في اإلفراج عن المتهم في حالة
عدم إبداء الحكومة لرأي يحسم المسألة وخاصة بعد انقضاء فترة طويلة من اإلحتفاظ.
بتسليم المواطن اليبي نبيل بن محمد بن الجيالني اشتيوي إلى السلطات القضائية الليبية
فقد صدر في حق المتهم قرار إفراج بتاريخ 07جانفي 2016باعتبار أن قرار التسليم
تاريخ االفراج عنه .وحيث استند قرار اإلفراج كذلك إلى مقتضيات الفصل 92من م.ا.ج
والفصل 29و 102من الدستور التونسي واعتبرت دائرة االتهام في هذا القرار أن ''حماية
102
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
الحريات الفردية هو من صميم إختصاص ودور القاضي العدلي دون غيره وله الوالية
العامة على ذلك وبالذات دائرة االتهام التي تبقى مختصة بالنظر في كل طور من
االجراءات حسب احكام الفصلين 92و 321من م .ا.ج '' واعتبرت بذلك انه '' وأن لم
يقيد المشرع الحكومة بأجل معين التخاذ قرار بمنح التسليم أو رفضه فإنه ال يمكن بأي
حال من األحوال إبقاء المعني باألمر موقوفا إلى ما نهاية له األمر الذي يجعل الحكومة
ملزمة باتخاذ قرار في أجل معقول ودون تعسف فيما منحه القانون لها من سلطة وهو أمر
يتنافى وابقاء المعني باألمر موقوفا لمدة تفوق ثالثة سنوات لما في ذلك من مساس
بالحريات للتي حماها دستور الجمهورية التونسية والمواثيق والمعاهدات المصادق عليها من
وباعتبار ان الفصل 28من االتفاقية المبرمة بين الجمهورية التونسية والدولة الليبية مكن
القاضي الوطني من إ تخاذ االحتياطات الالزمة لحسن تنفيذ قرار التسليم لذلك قررت دائرة
االتهام التاسعة بمحكمة اإلستئناف بتونس اإلفراج على المتهم نبيل بن محمد بن الجيالني
الشتوي ومنعه من مغادرة تراب الجمهورية ومنعه من الظهور باألماكن العامة وباتخاذ مقر
من خالل االطالع على الق اررات الصادرة عن دائرة االتهام بتونس والمتعلقة باإلفراج على
بعض األشخاص المطلوب تسليمهم نالحظ أن فقه القضاء مستقر في خصوص صالحية
دائرة االتهام في إصدار ق اررات اإلفراج المؤقت سواءا قبل النظر في مطلب التسليم أو بعد
103
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
إصدار قرار التسليم .وذلك في حالتين الحالة األولى إذا لم تتسلم الدولة التونسية في
غضون شهر من إيقافه الواقع بناءا على طلب الدولة األجنبية الوثائق الالزمة أو إذا لم
تتخذ الحكومة القرار المتعلق بالتسليم بعد مرور فترة طويلة نسبيا على إيقافه .أو كذلك بعد
إصدار قرار التسليم وهي الحالة التي لم يتسلم فيها أعوان الدولة الطالبة الشخص المطلوب
تسليم المجرمين كان في الماضي يخضع إلى إرادة السلطة الحاكمة فالتسليم لم يكن يخضع
للقانون .لكن مع تكريس حقوق اإلنسان وخاصة بعد صدور الميثاق العالمي لحقوق
اإلنسان في 10ديسمبر .1948كان لذلك أثر على تكريس نظام قانوني للتسليم فتم إدراج
أحكام تنظم التسليم في القوانين الداخلية لبعض الدول وذلك لتدعيم وحماية الحقوق
ا ألساسية لألشخاص .لكن مع ذلك فان مؤسسة التسليم ال تخلو من اإلنتقادات باعتبار
أنها تخضع قي بداية اإلجراءات وفي أخرها إلى السلطة المطلقة للحكومة.
بالنسبة للطبيعة القانونية للتسليم تختلف اآلراء حول هذه المسألة فهناك ثالث أراء إجتمع
الفقهاء حولها .الرأي األول يرى أن التسليم هو عمل قضائي غايته تسليط العقاب العادل
على المجرم .83أما الرأي الثاني فيعتبر التسليم عمل إداري من أعمال السيادة وال يمكن
للسلطة القضائية أو الدولة طالبة التسليم أن تجبر الحكومة المطلوب منها التسليم أن لم
تتوفر شروط ذلك .أما الرأي الثالث فهو يعتبر التسليم ذو طبيعة مزدوجة من جهة يعتبر
83الباشا البجار .تسليم المجرمين االجانب .مجلة القضاء ة التشريع .مارس .1995
104
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
عمال قضائيا من حيث اإلجراءات التي يقوم بها القضاء من جهة أخرى فان القرار النهائي
لقبول التسليم يبقى للحكومة ومن هذا المنطلق يكون رأي القضاء ليس إال دو ار استشاريا.
وعلى هذا االساس سنتطرق في (فقرة أولى ) الى مظاهر تأثير الطبيعة القانونية للتسليم
على اجراءاته و في (فقرة ثانية ) الى تأثير الطبيعة القانونية للتسليم على دور دائرة االتهام .
يقوم هذا النوع من التسليم على مبدأ عدم تدخل المحكمة في إجراءات التسليم وانما تتولى
النيابة العمومية القيام بجميع اإلجراءات ومن ذلك تحديد مكان المطلوب تسليمه ثم تقدير
قبول التسليم من عدمه ثم تتولى النيابة العمومية أو جهة إدارية اتخاذ أمر بالتسليم أو
الصبغة اإلدارية للتسليم من شأنها ان تؤدي إلى النيل من احترام مبدأ الفصل بين السلط
الذي نصت عليه الدساتير الوطنية والتشاريع الداخلية للدول والتي تظل الى حد اليوم في
ظل القانون الداخلي فحسب .فحتى المشرع التونسية لم يمنح السلطة القضائية صالحية
النظر في مطلب التسليم من تلقي مطلب التسليم إلى إصدار القرار بالتسليم أو بالرفض.
قرار تسليم المجرم إلى تقدير السلطة النظام االداري لتسليم المجرمين الذي يخضع
التنفيذية من شأنه أن يحرم الشخص المطلوب تسليمه من الضمانات التي توفره لها السلطة
القضائية .إذ أن السلطة اإلدارية تصدر قرارها حسبما يظهر لها ومن الممكن أن ال يتحقق
105
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
دفاع المتهم ألن فحص مطلب التسليم يكون بالطريقة اإلدارية .وعلى عكس ذلك فإن
النظام القضائي لتسليم المجرمين يوفر إلى المتهم العديد من المزايا والضمانات .لكن مسألة
تسليم المجرمين ال ترتبط فقط بالمتهم وانما هناك إعتبارات أخرى تأخذ بعين اإلعتبار مثل
السياسة الخارجية للدول ،فقرار التسليم يدخل في إطار العالقات الديبلوماسية بين الدول
وهذه المسالة سياسية بحتة تخرج عن نطاق اإلختصاص القضائي لتدخل ضمن صالحيات
والدول التي تأخذ بهذا النظام قليلة جداً ،فإذا كانت محاسنه هي السرعة والبساطة ،فإن من
عيوبه الخطيرة عدم توفير الضمانات الكافية للشخص المطلوب تسليمه للدفاع عن حقوقه
لخضوع ملفه ومصيره لإلتفاق المنجز بين الدولتين دون مراعاة للمركز القانوني للشخص
موضوع الطلب ودون مراعاة لمآالت تسليمه وما يمكن أن ينجر عنه من حرمانه فرصة
تعود أصول هذا النظام إلى الدول األنجلوسكسونية ،وفيه يكون التسليم عمالً من أعمال
القضاء ،فالشخ ص المطلوب استرداده يدعى للمثول أمام القاضي المختص الذي يجري له
محاكمة علنية يترافع فيها الخصوم ،ويستمع إلى أقوال الشهود ،وللمطلوب استرداده الحق في
توكيل محام عنه ،والدفاع عن قضيته بمختلف الوسائل القانونية ،وبعد اكتمال اإلجراءات
106
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
يقرر القاضي قبول طلب التسليم أو رفضه وق ارره هذا قابل للطعن بطريق االستئناف ،وعندما
يصبح القرار القضائي مبرماً ،تلتزم السلطة التنفيذية بالقبول به وتنفيذه ،والنظام القضائي
منح دور للسلطة القضائية للنظر في مطلب التسليم يعود إلى القانون الفرنسي لسنة 1927
وتبناه القانون التونسي في مجلة اإلجراءات الجزائية .قبل ذلك كانت السلطة اإلدارية هي
ويعني التسليم القضائي أ ن تكون السلطة القضائية هي المختصة بإصدار قرار التسليم وذلك
بإتباع إجراءات محددة .النيابة العمومية تتلقى مطلب التسليم من الدولة الطالبة بالطرق
الدبلوماسية وتتولى النيابة العمومية القيام بإجراءات عرض مطلب التسليم على المحكمة
المختصة التي تتولى بدورها إصدار قرار قضائي في شأن االستجابة لمطلب التسليم من
عدمه .تتولى الجهة القضائية المخول لها ذلك بدورها في صورة صدور قرار بالتسليم للنيابة
العمومية تنفيذ القرار وتسليم المجرم إلى السلطات القضائية للدولة الطالبة ويسمح هذا النظام
بإعطاء الشخص المطلوب تسليمه فرصة للدفاع عن نفسه أمام المحكمة المختصة والتمتع
بضمانات قضائية.
من مزايا هذا النظام أنه يضمن للفرد حقوقه في الدفاع عن نفسه ،ويعاب عليه أنه بطيء،
ويخشى أن يؤثر القرار القضائي في القضاة الذين سيحاكمونه في الدولة طالبة التسليم ،وأن
يتخذ هذا القرار قرينة على ثبوت التهمة المنسوبة إلى الشخص المطلوب استرداده.
84شكري التريكي "،تسليم المجرمين االحانب " ،مجلة القضاء و التشريع ، 1993,ص .223
107
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
يقوم هذا النظام على تدخل السلطتين القضائية واإلدارية في قرار التسليم .حيث تتدخل في
بداية اإلجراءات األجهزة القضائية للنظر والبت في جدية مطلب التسليم وبعد أن يتولى
القضاء إصدار قرار في لتسليم من عدمه يصبح الملف من أنظار الجهات اإلدارية العليا
للدولة التي تبقى لها الكلمة األخيرة في إصدار أمر التسليم من عدمه وذلك أخذا بعين
االعتبار العوامل السياسية واالجتماعية وسيادة الدولة وأمنها و مصلحتها العليا والمعاملة
بالمثل .
يرى العديد من الفقهاء ان الدولة التونسية تعتمد نظام التسليم المختلط أي أن األجهزة
القضائية هي التي تتعهد بمطلب التسليم وتبت فيه مع تمتع الشخص المطلوب تسليمه
بجميع الضمانات القضائية وفقأ للقانون الداخلي واالتفاقيات الدولية .وفي مرحلة الحقة
الحكومة هي التي تصدر في صورة موافقة القضاء على المطلب القرار النهائي بالموافقة
فالتسليم يقع النظر فيه بمقتضى مطلب يقدم من الحكومة األجنبية إلى الحكومة التونسية
بالطرق الدبلوماسية تطلب فيه الدولة الطالبة الدولة التونسية أن تسلمها الشخص المطلوب
تسليمه الموجود فوق التراب التونسي لمحاكمته أو لتنفيذ العقاب عليه .بالتالي فإن السلطة
التي تتولى النظر في مطلب التسليم هي و ازرة الشؤون الخارجية ويقوم وزير الخارجية
بالتأكد من صحة الوثائق المعروضة ومن أنها صادرة عن السلطة المختصة بالدولة الطالبة
108
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
ثم يحيلها على وزير العدل الذي خول له المشرع بمقتضى الفصل 318م.ا.ج إمكانية
جريان العمل لدى و ازرة العدل التونسية دأب في الحاالت التي يتطلب فيها إعداد الملف
مدة معينة أن يقدم وزير العدل بالدولة التونسية إلى وزير الشؤون الخارجية بالدولة المطلوبة
مطلب عزم على طلب التسليم يتمحور موضوعه حول '' عزم السلطات التونسية على طلب
تسليم مواطنها( مع ذكر هوية المطلوب تسليمه) من السلطات القضائية (التنصيص على
الدولة الطالبة) '' .و يطلب بمقتضاه التفضل باإلذن بتوجيه مطلب عزم السلطات التونسية
االيطالية مثال على تسلم المواطن التونسي '' ''...المفتش عنه دوليا ,إلى السلطات
وتدعوها إلى مواصلة إيقافه في إنتظا ار إعداد ملف مطلب التسليم كامل بشأنه وارساله إليها
بالطرق الدبلوماسية عمال بمقتضيات اإلتفاقية المبرمة بين الجمهورية التونسية والجمهورية
اإليطالية الموقع عليها بروما بتاريخ 15نوفمبر 1967المتعلقة بالتعاون القضائي في
المادة المدنية والتجارية والجزائية وباالعتراف باألحكام وبق اررات التحكيم وتنفيذها وبتسليم
المجرمين والمصادق عليها من البلدين وعمال بمبدأ المعاملة بالمثل ،وتطلب في األخير
إعالمها بتاريخ توصلها بذلك وبالمآل .ثم يمضي عليها وزير العدل بنفسه ويجيب أن
يضمن في مطلب العزم على طلب التسليم تاريخ المطلب وموضوعه إضافة إلى مصاحيب
طلب التسليم والحكم الجزائي الذي صدر ضده والتهم المنسوبة إليه والعقوبة المحكوم بها
ضده ودرجة الحكم والنصوص المنطبقة على األفعال التي تم إرتكابها .وان لم يصدر ضد
109
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
المتهم حكم قضائي فيقع التنصيص على بطاقة الجلب الدولية التي صدرت ضد المتهم
وتاريخها.
عادة عند القبض على المتهم من جنسية تونسية مكتب االنتربول بتونس يتلقى مراسلة من
الدولة التي تم بها القبض على المتهم التونسي يعلمه بموجبها ن مصالح األمن قامت
باإليقاف بتاريخ يتم تحديده على المواطن التونسي مع ذكر إسمه .عادة بعد تلقي هذه
المراسلة تقوم الدولة التونسية بتقديم مطلب عزم على طلب تسليم مواطنها من تلك الدولة.
بالتالي فان مطلب التسليم في مرحلة أولى هو إجراء إداري ويمكن اإلدارة من رفض
التسليم دون حاجة إلى الرجوع إلى السلطة القضائية باعتبار ان التسليم في حقيقة األمر
هومسالة سياسية يرجع فيها النظر للحكومة .تجدر المالحظة في هذا اإلطار أن القانون
الدولي ال يفرض على الدولة المطلوب منها التسليم أن تسلم المجرم المطلوب تسليمه إلى
الدولة الطالبة باعتبار أن أمر التسليم يرجع إلى سلطتها التقديرية باعتباره مسالة تهم سيادة
الدولة.
في حقيقة األمر الدولة المطلوب منها التسليم تجد نفسها أمام معادلتين وهي الحرص على
ضمان معاقبة مرتكب الجريمة من ناحية والحفاظ على مصالحها وعدم المساس من
سيادتها .مؤسسة التسليم مرتبطة بالعالقة القائمة بين الدولة الطالبة والدولة المطلوبة وكذلك
في بعض األحيان قرار التسليم قد يمس من السياسة الداخلية للدولة المطلوبة.
110
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
يمكن أن نستعرض في هذا اإلطار الموقف الذي اتخذته الحكومة التونسية في قضية
المحمودي البغدادي عندما قبلت تسليمه إلى السلطات الليبية وسايرت موقف دائرة اإلتهام
بمحكمة االستئناف بتونس .السؤال الذي طرح في هذه القضية هل أن في قرار التسليم
إقتداء بالقرار القضائي الصادر عن دائرة االتهام أو أن الغاية منه هو تحقيق أهداف
هناك إختالف ايضا ا حول طبيعة الق اررات القضائية المتعلقة بتسليم المجرمين ،في تونس
المحاكم ال تعطي إال رأيا استشاريا قد تتبعه الحكومة وقد تتجاهله .هذه المسألة تطرح
إشكاال يتعلق بمسالة حق الحكومة في رفض ما تعتبره المحاكم جائ از من الناحية القانونية،
خاصة عندما ال توافق دولة على تسليم المجرمين بدون وجود معاهدة فإنه من الصعب
تفسير السلطة التقديرية التي من الممكن أن تتمتع بها الحكومة بعد أن توصل القضاء أن
الشيء الوحيد الذي من الممكن مؤاخذته عن النظام القضائي للتسليم هو أنه يتنافى مع
قواعد االختصاص الذي تعهد باالختصاص للمحكمة الكائنة بمكان إرتكاب الجريمة .ففي
العام للجمهورية إلى دائرة اإلتهام بمطلب التسليم المتعلق صورة ما إذا تعهد وكيل
بالمضنون فيه األجنبي .دائرة اإلتهام كما رأينا تبت في مطلب التسليم وتصدر ق ار ار في ذلك
ان كان رأيها بالرفض أو التسليم ،رئيس الجمهورية إن رأى داعيا إلى ذلك يصدر ام ار في
التسليم كما ان من حقه االمتناع عن ذلك .هنا تدخل مسالة الطبيعة القانونية للتسليم هل
111
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
هي ق اررات قضائية أم ق اررات إدارية خاصة وأن القرار القاضي بالتسليم ال يمكن تنفيذه
مباشرة بل يجيب ان يصدر امر خاص لتنفيذه وان أصدر رئيس الجمهورية قرار بالرفض
ق اررات دائرة االتهام بوصفها محكمة تحقيق من درجة ثانية أو قرارها المتعلق بإجراء بحث
تكميلي .85أو قرارها القاضي باإلحالة أو قرارها المتمثل في انه ال وجه للتبع تعتبر كلها
ق اررات قضائية لكن القرار المتعلق بالتسليم كأنه يحول دائرة االتهام من هيئة قضائية إلى
هيئة قضائية إستشارية وبالتالي ال يمكن إعتباره ق ار ار قضائيا ألن الق اررات القضائية هي
تلك الق اررات القابلة للتنفيذ بعد إحرازها على قوة ما اتصل بها القضاء .
تكريس القانوني للطبيعة المختلطة للتسليم بموجب مجلة اإلجراءات الجزائية واإلتفاقيات
الدولية .فقد نص الفصل 316كما تعرضنا له سابقا أن مطلب التسليم يوجه للحكومة
التونسية بالطريق الديبلوماسي .أما بالنسبة لإلتفاقيات الدولية فقد جاء بالفصل 25من
اإلتفاقية المبرمة بين الجمهورية التونسية والدولة الليبية أنه '' تقدم طلبات التسليم بالطرق
الديبلوماسية وتفصل فيها السلطات المختصة بمقتضى قوانين كل دولة ''.أما الفصل 30
من االتفاقية المبرمة بين الجمهورية التونسية والدولة الفرنسية فقد نص على أنه'' يحرر
85الفصل 116م.ا.ج
112
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
الفقرة الثانية :تأثير الطبيعة القانونية للتسليم على قرار دائرة االتهام:
ترتبط الطبيعة القضائية للتسليم بكون السلطة المختصة بالبت في طلب التسليم هي السلطة
القضائية أو اإلدارية .ويصدر قرار التسليم في شكل حكم أو قرار قضائي قابل للطعن فيه
وأ ساس هذا النظام هو المعاهدات الدولية التي تعتبر التسليم عمل من أعمال المساعدة
القضائية الدولية في المجال الجزائي يهدف إلى نقل شخص محل تتبع من نطاق السيادة
القضائية للدولة المطلوب إليها إلى نطاق الوالية القضائية للدولة الطالبة.
ومن هذا المنطلق هناك العديد من الفقهاء اللذين يعتبرون التسليم عمل من أعمال القضاء
ويرى الفقيه Grivazأن الدولة بتسليمها المجرم الهارب ،إنما تباشر عمال قضائيا وذلك
لمحاكمته ومعاقبته عن الجريمة المرتكبة .86بالتالي إذا كانت السلطة القضائية صالحية
إتخاذ قرار التسليم دون تدخل السلطة التنفيذية يعتبر أكبر ضمانة لحماية الحقوق الفردية
وتكريس حقوق المتهم الشرعية .لكن في التشريع التونسي تدخل القضاء يكون في المرحلة
التي تسبق عرض مطلب التسليم على دائرة االتهام هذه المرحلة هي مرحلة حساسة من
شأنها النيل من جوهر الحقوق والحريات فخاللها يتم اإلحتفاظ المضنون فيه حتى في
غياب دليل على اإلدانة وهذا من شأنه المساس بحقوق المتهم باعتبار أن اإلحتفاظ بذي
الشبهة ال يكون إال بناءا على أدلة دامغة بارتكاب الجناية أو الجنحة موضوع التتبع .87
القضائية للتسليم إال ان قرار التسليم يخضع في تنفيذه إلى السلطة التنفيذية ولها سلطة
تقديرية في قبوله أو رفضه وغالبا ما يكون هذا القبول أو الرفض بناءا على إعتبارات
سياسية وليس على أسس قانونية ثابتة .األمر الذي يجعل من قرار التسليم ليس عمال
قضائيا صرفا من إختصاص دائرة اإلتهام وانما يتم إعمال مبدأ السيادة.
بالتالي إختالف النظم القانونية للتسليم في تحديد الجهة المختصة في إتخاذ قرار التسليم
وعمن يصدر هذا القرار يحدد دور دائرة االتهام في نظام التسليم بصفة عامة ويعطي فكرة
على مدى نجاعة نظام التسليم .فما من شك أن القضاء العدلي له والية شاملة على الحقوق
والحريات لكن قرار التسليم يتعلق بالسياسة العامة للدولة التي تحدده السلطة التنفيذية .
88
كبعض الدول اتبعت بعض الدول نظاما وسطاً يجمع بين األسلوب اإلداري والقضائي
العربية ففي األردن والعراق تطبق إجراءات قضائية مستقاة من األعراف اإلنجليزية ،ولكن
قرار القاضي ال يلزم الحكومة ،فهو رأي استشاري صرف ،وفي المغرب تبت في مطلب
التسليم الغرفة الجنائية التابعة لمجلس أعلى ،فإذا ارتأى هذا المجلس رفض التسليم فإن رأيه
يكون نهائياً ،وال يرخص بتسليم الشخص المطلوب استرداده ،أما إذا ارتأى الموافقة ،فإن
التسليم ال يتم إال بمرسوم يأذن بالتسليم ،ويوقعه رئيس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل.
88فريدة العبيدي''،نظام تسليم المجرمين من دولة الى اخرى '' ،محاضرة ختم تمرين '' ،الهيئة الوطنية للمحامين بتونس/2010،
.2011
114
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
أما في سوريا فنظام تسليم المجرمين هو في األساس ،نظام قضائي ،مطعم بالنظام اإلداري،
«لجنة تسليم المجرمين» ،هي الجهة المختصة بالنظر في طلبات االسترداد ،وهي لجنة
قضائية ،وهذه اللجنة مخول لها سلطة تدقيق طلبات االسترداد من حيث الشكل والموضوع
معاً ،والبحث في مدى توافر الشروط القانونية للتسليم من عدمها ،وهي مخولة أيضاً ،إذا
رأت ضرورة لذلك ،تمحيص التهمة المنسوبة إلى الشخص المطلوب استرداده ،وتقدير األدلة،
بعد االستماع إلى الشخص المطلوب استرداده ،والى دفاع محاميه ،واذا قررت اللجنة رفض
التسليم ،فالحكومة تكون ملزمة به ،أما إذا قررت التسليم ،فالرأي النهائي يعود للسلطة
التنفيذية ،إذ ال يتم التسليم إال بمرسوم بناء على اقتراح وزير العدل .من خالل هذه األمثلة
نلتمس مدى تأثير الطبيعة القانونية للتسليم على القرار الصادر عن دائرة االتهام أو في
القانون المقارن على الجهة القضائية المخول لها النظر في مطلب التسليم .
للخوض في مدى تأثير العوامل السياسية على اإلجراءات المتبعة للبت في مطلب التسليم
يجب التعرض إلى (المبحث الول) إلى إجراءات البت في مطلب التسليم و في( مبحث
ثاني) إلى تحديد تأثير العوامل الساسية على قرار منح أو رفض التسليم.
تنوعت األسس القانونية لتسليم المجرمين فتجد النصوص الدولية ذات التطبيق الشاسع
والنصوص اإلقليمية ذات تطبيق محدود مقارنة بالنصوص الدولية والمعاهدات الدولية( فقرة
115
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
أولى ) واإلتفاق على المعاملة بالمثل( فقرة ثانية ) كل هذه األسس القانونية تتكامل فيما
إستقر العرف الدولي على أن التسليم يتوقف على وجود إتفاقية ثنائية أو متعددة األطراف
تكون الدولة المطالبة بالتسليم طرفا فيها .وبالتالي قواعد التسليم تعتمد على المصادر
الدولية ،من إتفاقيات معقودة بين الدولتين المعنيتين ومن مبادئ العرف في غياب
اإلتفاقيات .فإذا وجدت بين الدول إتفاقية فإن التسليم ال يبقى كشكل من أشكال التعاون
الودي بين الدول ونوع من المجاملة بل يصبح إلتزاما واجبا يفرض على الدولة المطلوبة
تنفيذه .89فاإلتفاقيات الدولية ظلت لفترة طويلة تمثل األساس القانوني للتسليم في ظل غياب
تشريع وطني ينظم التسليم .في الوقت الحالي بالنسبة إلى مصادر التسليم نتحدث عن
ازدواجية في المصدر القانوني للتسليم بسبب انتشار التشريعات الوطنية المنظمة للتسليم
قد تكون المعاهدة الثنائية كمصدر للتسليم مقتصرة على مسالة تسليم المجرمين ،أو إتفاقية
متعددة األطراف ترمي إلى مكافحة نشاط إجرامي دولي وتنص على مسالة تسليم المجرمين
89محمد بن رزيق الماجري '' ،تسليم المجرمين األجانب '' ،المعهد األعلى للقضاء السنة القضائية 1993/1992
.ص . 4
116
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
صادق مجلس نواب الشعب اليوم الثالثاء 22مارس ،2016على مشروع القانون
األساسي المتعلق باتفاقية بين الجمهورية التونسية والمملكة المغربية حول التعاون القضائي
وتندرج هذه االتفاقية في إطار دعم التعاون القضائي بين حكومتي الجمهورية التونسية
والمملكة المغربية وتطوير االتفاقية المبرمة سنة 1964والمتعلقة بالتعاون القضائي وتنفيذ
وتهدف هذه االتفاقية إلى توفير الضمانات الكافية للشخص المعني بالتسليم وكيفية ايقافه
واجراءات نقله بين اقليمي الدولتين المتعاقدتين وتحديد شروط وأجال التوقيف والنقل وبيان
ترمي هذه اإلتفاقية إلى مكافحة الجريمة بصفة عامة كمكافحة جرائم اإلبادة والجرائم
اإلرهابية واتخاذ جميع التدابير الالزمة لمواجهة اإلرهاب الدولي ،وتساهم هذه اإلتفاقية في
تعزيز التعاون بين البلدين في أهم المسائل ذات الصبغة الجزائية من ذلك توضيح كيفية
التعاون في مجال تبليغ الوثائق القضائية واإلعالم باألحكام الجزائية واجراءات إستدعاء
ونظ ار إلى االختالف في طبيعة التعاون بين المادة الجزائية والمادة المدنية فقد تناولت هذه
االتفاقية المسائل المشار اليها سابقا بالنظر الى خصوصية المادة الجزائية.90
90
http://soutour.tn
117
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
كذلك تطور اإلتفاقيات الدولية لتسليم المجرمين مرتبط بالتطورات السياسية و االجتماعية
والثقافية للدول الذين أمضوا على االتفاقية وكذلك مدى تطور السياسة اإلجرامية العالمية
والحاجة إلى التصدي إلى الظواهر اإلجرامية الجديدة مثل جريمة اإلرهاب وغسل األموال
والجريمة المنظمة.
من هذا المنطلق تسليم المجرمين يخضع إلى االتفاقية الثنائية بين الدولة الطالبة والدولة
المطلوب منها التسليم والمتعلقة بالتعاون القضائي .لكن في حالة عدم وجود هذه اإلتفاقية
الثنائية يمكن تطبيق االتفاقيات المتعددة األطراف واعتبارها األساس القانوني للتسليم وهو ما
نصت عليه المادة 16فقرة 4من إتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر
الوطنية .
وباإلطالع على مختلف المواثيق الدولية والثنائية نجدها تنص على أن تسليم المجرمين
يخضع شروطه ،واجراءاته إلى القانون الداخلي لكل دولة وذلك وفقا لنصوص اإلتفاقيات
وتطبيقا لذلك نجد أن المادة 694من قانون اإلجراءات الجزائية الفرنسية تنص على أن
شروط تسليم المجرمين واجراءاته وآثاره تحدد وفقا لقانون اإلجراءات الجزائية وذلك ما لم
تنص المعاهدات واإلتفاقيات السياسية على خالف ذلك ،ومن تم من خالل هذه المادة فإن
اإلتفاقيات الدولية الثنائية أو المتعددة األطراف هي التي تطبق على تسليم المجرمين في
118
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
الجزائية ،وذلك تطبيقا لمبدأ سمو المعاهدات على القانون الداخلي طبقا للمادة 132من
حول هذه المسألة السؤال الذي يطرح هل يمكن للقاضي تطبيق بنود اإلتفاقية الخاصة
باإلجراءات مباشرة رغم أن نص االتفاقية المصادق عليها يتعارض مع القانون الداخلي ولم
اإلجابة عن هذا السؤال تتطلب منا التفرقة بين ما إذا كانت البنود المراد تطبيقها مباشرة
دون إدماج دقيقة وواضحة قابلة للتطبيق المباشر أم غامضة مبهمة تحتاج إلى تدابير
تشريعية داخلية من أجل جعلها قابلة للتطبيق .ومن ثم إذا كانت اإلجراءات المنصوص
للقاضي عندئذ من تطبيقها مباشرة بمجرد المصادقة على اإلتفاقية .أما إذا كانت اإلجراءات
غامضة فال يمكن للقاضي تطبيقها إال بعد إدماجها في القانون الداخلي.
فقد اتجهت الدول على اختالف أنظمتهم السياسية واإلقتصادية إلى إبرام إتفاقيات دولية تهم
التسليم .وقد تكون إتفاقيات ثنائية تقتصر على تنظيم مسالة تسليم المجرمين ،او إتفاقية
متعددة األطراف تهدف إلى مكافحة نشاط إجرامي معين وتنص على تسليم المجرمين
هذه المسالة تختلف باختالف الدول هناك دول تكرس علوية اإلتفاقية الدولية على التشريع
الوطني مثل فرنسا وتونس فقد نص الفصل 20من الدستور التونسي الجديد ان " المعاهدات
119
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
الموافق عليها من قبل المجلس النيابي والمصادق عليها ،أعلى من القوانين وأدنى من
الدستور" .وتمثل األ حكام الدستورية سندا للتعاون القضائي بين الدول وهو ما يشكل أداة
وهناك بلدان تكرس المساواة بين المصدرين مثل القانون المصري فالمعاهدات الدولية
النافذة تساوي في قوتها الملزمة التشريع الوطني .فمن العوامل التي تجعل الدول تتخذ ق ار ار
بتسليم المجرمين هو وجود معاهدة دولية بين الدولة الطالبة والدولة المطلوب منها التسليم .
ويوجد كما رأينا نوعان من المعاهدات المتعلقة بمسألة تسليم المجرمين إتفاقيات ثنائية
واتفاقيات متعددة األطراف مبرمة في إطار السياسية العالمية لمقاومة بعض الجرائم مثال
تعرضت لمسالة تسليم المجرمين كإتفاقية المم المتحدة لمكافحة الجريمة عبر الوطنية
واإلتفاقيات التي أبرمتها الدولة التونسية لها علوية على القانون الداخلي وال يمكن أن
تتعارض اإلتفاقية مع القانون الداخلي الذي ال يطبق بصريح الفصل 308م.ا.ج إال اذا لم
توجد معاهدات تخالف أحكامه .وعلى الرغم من إعتبار المعاهدات الدولية في مجال التسليم
ذات أ ولوية في التطبيق على التشريع الوطني لكن تطبيق هذا المبدأ ال يخلو في الواقع من
120
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
فالمؤتمر الثامن لألمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين أكد وجوب التصدي
لألنشطة االجرامية واإلرهابية والجريمة وذلك باتخاذ التدابير المتعلقة بتسليم المجرمين عن
طريق وضع إتفاقيات تسليم دولية سواءا كانت متعددة األطراف أو إقليمية أو ثنائية .
كما أكد المؤتمر التاسع لألمم المتحدة لمنع الجريمة والمجرمين بوضع تشريعات نموذجية
بشان تسليم المجرمين .وفي هذا اإلتجاه وضعت الجمعية العامة لهيأة االمم المتحدة معاهدة
نموذجية لتسليم المجرمين .كما نصت إتفاقية األمم المتحدة المتعلقة بمكافحة الجريمة
المنظمة في المادة 20منها على ضرورة تدعيم التعاون فيما يتعلق بالتشريعات الخاصة
بالتحقيق ،حيث ألزمة كل دولة عضو أن تتخذ التدابير الضرورية بقدر إستطاعتها و
بالشروط المنصوص عليها على قانونها الوطني لإلستخدام المناسب للتسليم المراقب
واإلجراءات األخرى التي تهدف الى مكافحة الجريمة المنظمة بشكل فعال.
للرفع من مستوى التعاون الدولي ،يؤكد '' إطار العمل الدولي لتنفيذ بروتوكول اإلتجار
باألشخاص (يشار إليه بإطا األمم المتحدة ) الصادر عن مكتب األمم المتحدة المعني
بالمخدرات والجريمة ''على ضرورة وضع الدول األعضاء أساسا قانونيا للتعاون الدولي
يشمل التوصل إلى إتفاقية تعاون ،واقترح عقد إتفاقية للتعاون بين الدول ذات الحدود
المشتركة تضع معايير المساعدة القانونية المتبادلة في فحص مالحقة القضايا وتتضمن
قواعد مشتركة لتنسيق تسليم األشخاص المحكوم عليهم ومصادرة العائدات والممتلكات
121
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
وباإلطالع على اإلتفاقيات الدولية المتعلقة بتسليم المجرمين بين الدولة التونسية ومجموعة
من الدول األخرى نالحظ أنها تؤسس على جملة من المبادئ من أهمها ،دولة القانون،
الطبيعة الجزائية للقضية ،المصلحة العليا للدولة ،عدم خرق حقوق االنسان والحريات
المزدوج.
بالتالي قابلية التعاون تتوقف على مدى إلتزام الدولة الطالبة باإلجراءات التي تقتضيها
اإلتفاقية ،من ذلك اإلتفاقية األوروبية المؤرخة في 4نوفمبر 1956بما توجبه من ضرورة
إحترام حقوق اإلنسان والحريات األساسية أو التي يقتضيها العهد الدولي للحقوق المدنية
يستند إلى من خالل هذا العرض يستخلص أن التعاون القضائي بين الدول إن كان
اإلتفاقيات الثنائية والجماعية التي أبرمتها تونس مع العديد من الدول ،فهو يفترض من جهة
أخرى إحترام سيادة الدولة بما يقتضيه بمنع إمتداد سلطات الدولة إلى دولة أخرى إال بموجب
إتفاق تعاون يجيز طلب إعمال إجراءات من الدولة الطالبة إلى الدولة المطلوبة . 91فال
تستطيع دولة أن تمارس إختصاصها في تطبيق القوانين الجزائية على المتهمين أو المحكوم
عليهم على أرض دولة أخرى .فاألصل أن الدولة تمارس إختصاصها الجزائي في حدود
اإلقليم الذي تمارس عليه سيادتها إستنادا إلى مبدأ اقليمية القانون الجزائي.
91
دليل تطبيقي لالنابات القضائية الدولية في المادة الجزائية .2015
122
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
كما نعلم تسليم المجرمين هو اإلجراء التي تسلم به دولة ما إستنادا الى معاهدة أو معاملة
بالمثل إلى دولة أخرى شخصا تطلبه الدولة الطالبة لمجرد إتهامه بارتكاب جريمة معينة أو
وبالتالي يعتبر شرط المعاملة بالمثل مصد ار غير قاعدي للتسليم بمعنى أنه يستند إلى سلوك
متبادل من جانب دولتين على أن يتم التسليم بينهما ولو لم تكن بينهما معاهدة تسليم
تلزمهما بذلك .فشرط المعاملة بالمثل يفتقر إلى الصبغة اإللزامية باعتبار انه ينطوي على
في غياب إتفاقيات تجمع الدولة الطالبة بالدولة المطلوبة إستقر العمل على إعتماد قاعدة
المعاملة بالمثل وهي قاعدة مستمدة من مبدأ الثقة و حسن النية .92الذي من المفترض أن
تقوم عليها عالقات التعاون بين الدول .وتتخذ هذه القاعدة شكل التصريح بالمعاملة بالمثل
العدل للدولة الطالبة وذلك لفائدة الدولة المطلوب لديها التعاون القضائي.
بالتالي المعاملة بالمثل يمكن أن يكون أساسا كاف لوحده لتسليم المجرمين في غياب
معاهدة دولية .وكذلك القانون الدولي العرفي يفرض على الدولة إلتزاما قانونيا بتسليم
المجرمين وذلك ما لم تكن مرتبطة بمعاهدة تسليم .مثال بالنسبة إلى بعض الدول مثل
الدولة السويسرية وعلى غرار بقية الدول التي تنخرط في التعاون الدولي فإن سيادة الدولة
والنظام العام والمصلحة العليا للدولة السويسرية هي التي ترسم حدود هذا التعاون.93
في الماضي كانت المعاملة بالمثل تقوم على المجاملة بين الدول واليوم أصبحت تتأسس
على قواعد قانونية مدرجة في القوانين الداخلية للدول أو في ممارسات بين السلطات.
السؤال الذي يطرح هل أن نظام التسليم في غياب معاهدة دولية واسنادا إلى شرط المعاملة
اإلعتراف بأن السلطة التنفيذية هي المختصة بكل من عرض وقبول مبدأ المعاملة بالمثل
هو بمثالية إعتراف صحيح .ألن مبدأ المعاملة بالمثل هو من مبادئ السيادة العامة
للدولة .فال تقوم بها إال الدولة الطالبة والمطلوب منها التسليم .و يكون بالطرق
الديبلوماسية العادية فالقاعدة العامة تقول بأنه ال يجوز للسلطة القضائية بتقديم طلب
التسليم مباشرة للدولة األجنبية المطلوب منها التسليم .أو أن تتلقى مباشرة الطلبات األجنبية
لتسليم المجرمين .وذلك لما قد تثيره طلبات التسليم من أمور سياسية ال يتسنى للسلط
إذا كانت المعاملة بالمثل مثل المعاهدات ترتب اإللتزامات الدولية على إحدى الطرفين أو
كليهما ،في هذه الحالة يمكن قياس اإلجراءات المتعلقة بالبت في هذه المسألة على
اإلجراءات المتعلقة بإبرام المعاهدات واذا كانت الدولة يسمح نظامها القانوني بالمعاملة
بالمثل كأساس بديل في حالة عدم وجود معاهدة في التسليم وكان دستورها يعهد للسلطة
التنفيذية سلطة ابرام المعاهدات وتنفيذها بدون موافقة البرلمان فانه في هذه الحالة لها سلطة
مستقلة في تقدير المعاملة بالمثل والوضع يختلف في البلدان التي تخضع فيها المعاهدات
الدولية إلى مصادقة البرلمان فإنه من الصعب أن يكون تقدير المعاملة بالمثل من
لغاية تفعيل مبدأ التعاون الدولي ،أسند مشروع القانون الوطني المتعلق بمنع اإلتجار
باألشخاص ومكافحته للهيئة الوطنية مكافحة اإلتجار باالشخاص مهام تنشيط التعاون مع
نظيراتها بالبالد األجنبية التي تربطها بها إتفاقيات تعاون ،واوجب عليها التعجيل بتبادل
المعلومات معها بما من شأنه أن يكفل اإلنذار المبكر بالجرائم المعنية بهذا القانون وتفادي
إرتكابها شريطة مبدأ المعاملة بالمثل ومبدأ عدم إستغالل المعطيات والمعلومات في أغراض
94
. أخرى غير مكافحة اإلتجار باألشخاص
المبحث الثاني :تأثير العوامل السياسية على قرار رفض او منح التسليم:
إذا قررت دائرة االتهام قبول المطلب فإن رأيها ال يقيد الحكومة إذ يبقى لهذه األخيرة حق
إتخاذ القرار النهائي في منح التسليم أو رفضه واذا تقرر منح التسليم يعرض وزير العدل
على إمضاء رئيس الجمهورية أم ار في ذلك .ثم تتولى األجهزة المختصة بو ازرة العدل توجيه
إعالم بأمر التسليم للدولة الطالبة فإذا لم يتسلم أعوان الدولة الطالبة الشخص المطلوب
94بتاريخ 6ماي 2015تمت المصادقة على مشروع القانون األساسي المتعلق بمنع اإلتجار باألشخاص ومكافحته من قبل مجلس
وزاري وإحالته على مجلس نواب الشعب تضمن مشروع القانون المحاور األساسية لإلستراتيجية الوطنية لمكافحة اإتجار
باألشخاص.
125
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
تسليمه في ظرف شهر من تاريخ اإلعالم بأمر التسليم فغنه يخلى سبيله وال يمكن فيما بعد
من البديهي أنه عندما يقع توجيه مطلب التسليم من الدولة الطالبة إلى الدولة المطلوبة فإن
الدولة المطلوبة تستجيب إلى طلب التسليم إذا ما توفرت شروطه (الفقرة اولى) العوامل
إذا رأت دائرة اإلتهام أن شروط التسليم القانونية غير متوفرة وأن هناك غلط واضح فإنها
تبدي رأيها برفض التسليم وهذا رأي نهائي وال يقع التسليم مطلقا (فقرة ثانية) العوامل
باعتبار أن قرار التسليم في القانون التونسي ال يكتسي طبيعة قضائية ،فتدخل الحكومة في
اتخاذ هذا القرار يجعل أثار التسليم ال تقتصر فقط على اآلثار القانونية (أ) وانما ايضا
إن قرار التسليم هو قرار في الحقيقة تغلب عليه ليس فقط المصالح السياسية وانما أيضا
المصالح االقتصادية واإلجتماعية .من اآلثار القانونية للتسليم اإلعتراف الضمني للدولة
المسليم لها ( )1وكذلك إمكانية الطعن في قرار التسليم أمام المحكمة اإلدارية (. )2
126
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
اوال:اإلعتراف الضمني بالدولة المسلم لها األزمة الليبية أو الحرب الليبية هو صراع بين
عدة أطراف في الساحة الليبية ،تبلورت في الوقت الراهن بين صراع بين عدة اطراف في
الساحة الليبية سلطة تسيطر على العاصمة طرابلس وسلطة اخرى معترف بها دوليا ومقرها
طبرق ولها نفوذ اوسع في منطقة شرق ليبيا.هذا الصراع كانت له نتائج سلبية على الوضع
األمني بتونس مما أدى الى إتخاذ إجراءات أمنية صارمة ضد الدولة الليبية في فترة ما
تتمثل في غلق الحدود مع ليبيا ثم غلق القنصلية العامة التونسية في العاصمة الليبية .هذه
اإلجراءات المتخذة ضد الحكومة الليبية هل سيكون لها تأثير على مؤسسة تسليم المجرمين
ال يخفي على أحد الوضع في ليبيا اآلن من تأزم سياسي وتعقد أمني حيث الخالفات
السياسية وما نتج عن ذلك من تعقيد أمني دخلت علي الخط فيه جماعات إرهابية.
وقد أبرمت الجمهورية التونسية وحكومة المملكة الليبية المتحدة إتفاقية تعاون قضائي
تتعلق باإلعانات اإل نابات وتنفيذ األحكام وتسليم المجرمين المصادق عليها بتونس بقانون
127
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
فقد نص الفصل 19من اإلتفاقية أن '' يلتزم الجانبان المتعاقدان بأن يسلم أحدهما األخر
طبقا للقواعد والشروط المقررة في الفصول التالية كل فرد موجود بأرض إحدى الدولتين وهو
بالرغم من التعقد األمني والسياسي الذي تعيشه الدولة الليبية اليوم باعتبار وجود حكومتين
تسيطر على الدولة الليبية .فالدولة التونسية تلتزم الحياد في خصوص هذه المسالة باعتبار
أنها تستجيب إلى مطالب التسليم المتأتية من الحكومتين .وهذا الموقف ال يمكن تفسيره إال
وأهم ما يدعم موقف الدولة التونسية إزاء مطالب التسليم المتأتية من الدولة التونسية هي
قرار تسليم رئيس الوزراء الليبي البغدادي المحمودي من أجل مرتكبه في عهد الرئيس
السابق معمر القذافي من إنتهاكات إزاء الشعب الليبي .والذي إعتبرته الدولة التونسية في
البيان التوضيحي حول تسليم البغدادي المحمودي '' إلتزاما بدعم عالقات الشراكة
اإلستراتيجية مع الشقيقة ليبيا سواءا من خالل تنفيذ اإلتفاقيات المبرمة بين البلدين ومنها
إ تفاقية تسليم المجرمين تماما كدفاعنا عن مالحقة من أجرم في حق شعبنا '' .وتسليم
البغدادي أدى إلى أزمة سياسية حول السلطة المخول لها إصدار القرار هل هو رئيس
المتعلق بتسليم المواطن الليبي نبيل بن محمد بن الجيالني اشتيوي إلى السلطات القضائية
128
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
اليبية مطلب التسليم كان صاد ار عن نائب النيابة بمكتب النائب العام رمضان صالح
القرقطوني واعتبرت دائرة االتهام انه '' خالفا لما تمسك به دفاع المطلوب تسليمه فإن
الجهة الطالبة هي سلطة شرعية وقد إعترف بها دوليا ومن طرف الدولة التونسية .وبالتالي
أصبحت تمثل قانونا الدولة الطالبة التسليم كما كانت اإلجراءات سليمة إذ تم إتباع الطريقة
من المعلوم ان قرار تسليم المجرمين من شأنه تدعيم التعاون بين الدول بذلك تسعى كل
دولة إلى تعزيز تقديم المساعدات القانونية والقضائية من التحقيقات وجمع االدلة وسماع
الشهود وتنفيذ عمليات التفتيش ومعاينة االماكن واالشياء وتقديم المعلومات واألدلة وتقارير
الخبراء .كما يمكن أن تتمثل المساعدة في تيسير مثول االشخاص طواعية .إستعمال
معدات ووسائل تقنية حديثة سواءا لتسجيل تحركات االشخاص المشبوهة وغير الشرعية أو
فالتفاقيات المبرمة بين الدول في مجال التعاون القضائي إهتمت باألساس بإزالة العوائق
التي تحول دون القبض على المجرم .ولهذا السبب تجاوزت الدولة التونسية الوضع
المضطرب في الدولة الليبية واعتمدت سياسية مرنة في معالجة مطالب التسليم القادمة من
الدولة الليبية .وتدعيما للتعاون مع هذه الدولة تعمل الدولة التونسية على مراقبة الحدود بين
الدولتين بصفة فعالة ورصد تحركات المجرمين وابالغ السلطات الرسمية واغالق األبواب
129
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
بصفة عامة صورة اإلجرام في العالم ال تبعث على التفاؤل ألن معدل الجريمة في تصاعد
ملحوظ لذلك إقتضت هذه الوضعية خلق إستراتيجية تعاون دولي مرنة تتعلق بتسليم كل
مجرم إن توفرت شروطه .فعندما تكون العالقات الديبلوماسية جيدة ذلك يساهم في تدعيم
التعاون والتنسيق بين الدول لعقاب المجرمين والقبض عليهم في أي بلد كانوا .بالتالي
يتدعم دور جهاز الشرطة الدولية وهي المنظمة الدولية للشرطة الجنائي (األنتربول) ،الذي
أوكلت له مهمة مطاردة المجرمين الدوليين والذي له دور اساسي في مطاردة المجرمين
الدوليين .يضطلع األنتربول بكثير من اإلجراءات المتعلقة بمكافحة الجريمة المنظمة .كما
يقوم بدور فعال في مجال تسليم المجرمين سواءا متهمين إرهابيين أو محكوم عليهم في .
التسليم يؤدي إلى تحسين العالقات بين الدولتين الطالبة والمطلوبة في المستقبل وبالتالي
تسعى كل دولة إلى تبسيط اإلجراءات وتذليل الصعوبات للوصول إلى مرتكبي الجرائم وعدم
إفالتهم من العقاب .بالتالي التعاون بين الدول تعد من أهم اآلليات التي تساعد للتصدي
للجريمة بمختلف أنواعها .مثل جريمة اإلرهاب واإلتجار الغير المشروع بالسالح والمخدرات
يتضح باالطالع على النصوص المنظمة لمرفق القضاء تمسك المشرع التونسي بتدعيم
التخصص القضائي بهدف تعصير الجهاز القضائي ودعم نجاعت ه . 95فإرساء قضاء
مت خصص بنوع معين من النزاعات ومنفصل عن القضاء العام يدعم مبدأ الفصل بين
95عصام اليحياوي ''،تخصص القضاء ''،مجلة القضاء و التشريع ،جانفي . 2014ص . 52
130
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
السلط ،وبذلك إحداث قضاء إداري منفصل عن القضاء العدلي هو بمثابة الحصانة
96
. لإلدارة
فإن أقر المشرع والية عامة للقضاء العدلي في النزاعات المتعلقة بجرائم الحق العام فإنه
أعطى والية شاملة للقضاء اإلداري للنظر في النزاعات المتعلقة بالمادة اإلدارية ال يستثنى
منها شيئا إال بقانون خاص .هذا ما يدعم فكرة تخصص القضاء باعتبار أن النظر في
مطلب التسليم هو من إختصاص دائرة اإلتهام وقرار التسليم هو قرار صادر عن الحكومة.
الطبيعة المختلطة لقرار التسليم تثير مسألة في غاية األهمية وهي هل أن قرار التسليم من
الممكن أن يقبل الطعن بدعوى تجاوز السلطة أمام المحكمة اإلدارية ؟ وبعبارة أخرى هل
أن تدخل الحكومة في قرار التسليم من الممكن أن يبرر تدخل المحكمة اإلدارية في مرحلة
إمكانية الطعن أمام المحكمة اإلدارية في قرار التسليم يفرض أن يكتسي هذا القرار صبغة
إدارية .فقه القضاء الفرنسي منذ سنة 1927إستقر على إعتبار قرار التسليم ق ار ار إداريا
قابال للطعن فيه أمام المحكمة اإلدارية بدعوى تجاوز السلطة كذلك فقه القضاء التونسي
نص الفصل الخامس من القانون عدد 40لسنة 1972المؤرخ في غرة جوان 1972
المتعلق بالمحكمة اإلدارية المتمم والمنقح بنصوص أخرى أنه '' تهدف دعوى تجاوز
96من خالل المحاضرة التي ألقيت خالل الملتقى العلمي الذي نظمه مخبر فض النزاعات وطرق التنفيذ بكلية الحقوق والعلوم
السياسية بتونس يوم 10ماي 2013حول موضوع إصالح مرفق القضاء تم تعريف التخصص القضائي بكونه '' إلمام القاضي
وتعمقه بالقاعدة القانونية المتعلقة بميدان معين'' .وبالتالي التخصص القضائي يختلف عن االختصاص القضائي ,مثال ذلك القاضي
من الممكن أن يكون مختصا ترابيا أو دون او حكميا بالنظر في النزاع دون أن يكون متخصصا فيه'' .
131
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
السلطة إلى ضمان إحترام المشروعية القانونية من طرف السلطة التنفيذية وذلك طبقا
للقوانين والتراتيب الجاري بها العمل والمبادئ القانونية العامة '' .
فقد جاء في القرار الصادر عن المحكمة االدارية عدد 1500بتاريخ 26نوفمبر 1991
زقوربة ضد المجلس االعلى للقضاء أن دعوى تجاوز السلطة وسيلة دائمة لتحقيق
المشروعية تمتد إلى رقابة كل الق اررات اإلدارية وال يمكن إستبعادها إلى بنص صريح
وأضاف أنه ولئن إقتضى القانون األساسي للقضاة أن ق ارراته '' ال تقبل الطعن '' فإن هذه
العبارة ال يفهم منها تحصين هذه الق اررات من رقابة القاضي اإلداري التي ال تستبعد الى
بالرغم من اإلستفهام الذي يحوم حول هذا اإلجراء فإنه ال يمنح أي حماية إضافية إلى
المتهم باعتبار أن قرار الطعن لتجاوز السلطة ليس له مفعول تعليقي .فالقائم أمام المحكمة
االدارية يمكن ان بقع تسليمه قبل البت في دعوى تجاوز السلطة .القانون الفرنسي أجاز
امكانية الطعن أمام القضاء االداري ،مجلس الدولة الفرنسي إعتبر أن األمر الرئاسي
القاضي بتسليم المتهم هو قابل للطعن أمام القضاء اإلداري لكن اإلشكال الذي يطرح في
بالنسبة للقانون التونسي فقد أخذ نفس المنحى ففي الحالة التي تصدر فيه دائرة االتهام رأيا
ايجابيا يكون من المنتظر أن يصدر عن السلطة التنفيذية أمر يقضي بالتسليم .فقرار
97
عبد الرزاق بن خليفة '' ،إجراءات النزاع اإلداري ( القانون فقه القضاء ) ،دار إسهامات في أدبيات المؤسسة ''.ص . 55
132
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
التسليم يكون بأمر رئاسي ومبدئيا من خالل تطبيق مقتضيات الفصل الثالث من القانون
المحدث للمحكمة االدارية يمكن الطعن في هذا القرار بدعوى تجاوز السلطة .
أمر التسليم يصدر عن رئيس الجمهورية وذلك حسب مقتضيات دستور 1959وتطبيقا
ألحكام مجلة اإلجراءات الجزائية هذه المسألة طرحت ألول مرة أمام القضاء اإلداري
التونسي في قضية رئيس الوزراء الليبي المحمودي البغدادي .قرار تسليمه طرح جدال كبي ار
حول من له صالحية إصدار أمر التسليم هل رئيس الدولة أم رئيس الحكومة خاصة ان
العمل بدستور 1956قد الغي في تلك الفترة .دائرة االتهام عدد 9بمحكمة اإلستئناف
بتونس أبدت رأيا ايجابيا يقضي بتسليمه وقام رئيس الحكومة آنذاك باإلمضاء على امر
التسليم الذي تم تنفيذه في 24جوان ،2012إمضاء رئيس الحكومة ألمر التسليم كان
محل جدل في األوساط القانونية مع العلم أن قبل إمضاء القرار قام رئيس الحكومة
باستشارة رئيس المحكمة اإلدارية الذي أكد له ان من صالحيات رئيس الحكومة اإلمضاء
على قرار التسليم .هذه اإلستشارة بقيت غلى اليوم محل كتمان ال يمكن اإلطالع على
فحواها وهذا ما جعل من قرار التسليم يشوبه العديد من الغموض ،بالتالي يمكن القول أن
الطعن في قرار التسليم أمام المحكمة اإلدارية هو طعن نظري بحت قليل التطبيق في
الواقع.
السلطة المخول لها قانونا اإلمضاء على أمر التسليم قد حسمت بموجب دستور 2014
للجمهورية التونسية ،فقد أعطى هذا الدستور بموجب الفصل 77منه إلى رئيس الجمهورية
133
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
صالحية تمثيل الدولة ويختص بضبط السياسات العامة والعالقات الخارجية واألمن القومي
المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وذلك بعد استشارة
رئيس الحكومة .بما أن قرار التسليم يتعلق بضبط السياسة العامة والعالقات الخارجية
واألمن القومي فيكون قرار التسليم من صالحيات رئيس الجمهورية بعد إستشارة رئيس
الحكومة.
لكن بالتأمل في الق اررات الصادرة عن دائرة اإلتهام نالحظ تمسكها بكون حماية الحريات
الفردية هو من صميم إختصاص ودور القاضي العدلي دون غيره وله الوالية العامة على
ذلك وبالذات دائرة االتهام التي تبقى مختصة بالنظر في كل طور من اإلجراءات حسب
احكام الفصلين 92و 321من م .ا.ج .وكأن دائرة اإلتهام أرادت بذلك إقصاء القضاء
اإلداري ومنعه بصفة ضمنية من التدخل في مسألة تسليم المتهمين ،هذا ما يفسر ندرة وقلة
إن المجتمع الدولي مدرك ألهمية التعاون القضائي في خصوص تسليم المجرمين ،ومن
مظاهر هذا التعاون ظهور العديد من المنظمات الدولية التي تهتم بهذه المسالة .وتعد
منظمة الشرطة الجنائية ااأل نتربول من أبرزها دون إهمال الدور الهام الذي تلعبه األجهزة
المتخصصة في مجال مكافحة الجريمة والتي تعمل في إطار األمم المتحدة .98
98محمد طلعت الغنبمي ،األحكام العامة في قانون األمم المتحدة ،ابتراك للنشر والتوزيع،القاهرة،2000،ص . 5
134
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
على الصعيد العربي صادقت جامعة الدول العربية في القرار المؤرخ في 1960/04/10
على إتفاقية الدول العربية من أجل إنشاء منظمة الهدف منها تحقيق التعاون بين الدول في
مجال مكافحة الجريمة ومالحقة مرتكبيها .تدعى هذه المنظمة المنظمة العربية للدفاع
وال يمكن ألحد ان ينكر أهمية العالقات الدبلوماسية في تدعيم هذا التعاون وتقريب وجهات
النظر .فعندما تتخذ دولة ق ار ار بالتسليم يكون ذلك أداة لدعم التعاون القضائي بين الدول.99
فاإلستجابة إلى مطلب التسليم يؤدي مما ال شك فيه إلى تطوير العالقات الدبلوماسية بين
الدول والعكس بالعكس ،فعدم إستجابة دولة معينة لمطالب تسليم دولة ما يؤثر بشكل سلبي
على العالقات الديبلوماسية التي تربط الدولتين وكذلك على التعاون القضائي بين الدولتين .
أهم مثال على ذلك هو قرار تسليم المحمودي البغدادي الذي ساهم في تلك الفترة في تحسين
العالقة الديبلوماسية بين الدولتين وكذلك ساهم في دعم عالقات الشراكة اإلستراتيجية.
هناك مسالة هامة تؤثر على العالقات الديبلوماسية بين الدول من ذلك ان بعض الدول
تعطي بعض المجرمين تسهيالت جبائية ضمن تشاريعها اإلقتصادية بهدف إستغالل رؤوس
األموال حتى ولو كانت تدرك أن مصدر هذه األموال مشتبه به .هذه الحماية لها تأثير
99وليد الفالح'' ،تسليم المجرمين والعالقات الديبلوماسية '' ،محاضرة ختم التمرين ،الهيئة الوطنية للمحامين الفرع الجهوي بتونس ،
. 2013/2012ص . 19
135
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
قرار رفض التسليم يكون مرتبطا إما بمسالة السر البنكي الذي تتمسك به العديد من الدول
او مسألة خطيرة جدا وهي مسالة تبيض االموال .االسر البنكي هو من أهم األسباب التي
تتمسك بها الدول لرفض التسليم وينتج عن ذلك رفض القيام بتسليم المتهم أو المحكوم
عليه او تسليم األموال او األرصدة الموجودة بالدولة المطلوب منها التسليم .تتمسك هذه
الدول بالسر البنكي بالرغم من أن هذا المانع لم تنص عليه االنفاقيات الدولية المتعلقة
هذه االشكالية التي تتعلق برفض التسليم تمسكا بالسر البنكي كان حائال امام إسترجاع
الحكومة التونسية المودعة بالبنوك األجنبية بأرصدة راجعة للرئيس السابق وعائلته .فالعديد
من الدول تمسكت بهذا سبب لعدم التسليم وحتى لتقديم معلومات حول األرصدة الموجودة
فقد أكدت اتفاقية األمم المتحدة المتعلقة بمكافحة اإلتجار الغير مشروع في المخدرات لسنة
1988في مادتها السابعة أنه " ال يجوز ألي طرف أن يمتنع عن تقديم المساعدة القانونية
نصت اإلتفاقية الدولية لقمع تمويل االرهاب المؤرخة في 09ديسمبر 1999والتي إنضمت
لها تونس بموجب القانون عدد 99لسنة 2002المؤرخ في 25نوفمبر 2002في مادته
12أنه " ال يجوز للدول األطراف التذرع بسرية المعامالت المصرفية لرفض طلب لتبادل
136
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
لكن بالرغم من ذلك فالحقيقة في أغلب األحيان تغلب بعض الدول مصالحها اإلقتصادية
على اإلعتبارات األخرى حتى البلدان الديمقراطية التي تتميز بالصرامة في تطبيق القانون
فهي في أغلب األحيان عندما يتعلق األمر بمصالحها اإلقتصادية تترك المسائل القانونية
جانبا .
األمر كذلك بالنسبة إلى تبييض األموال ففي ظل العولمة أصبح من اليسر إنتقال رؤوس
100
وتزايد حركة األموال عبر الدول المختلفة ،مما أدى إلى تنامي ظاهرة الجريمة المنظمة،
تداول أموال المنظمات اإلجرامية على المستوى المحلي والدولي بهدف تغيير صفة األموال
التي تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة مثل تجارة المخدرات ،لتظهر كما قد تولدت
من مصدر مشروع ويطلق على هذه العملية تبييض االموال .
مسالة حقوق اإلنسان أصبحت تشكل قيمة إنسانية مشتركة بين جميع الدول . 101تطور
السياسة العقابية أدى إلى معاملة الجاني المتهم معاملة إنسانية تهدف إلى إصالحه
100االستاذ سمير شعبان "،مكافحة الجريمة المنظمة من خالل التصدي لعملية تبييض االموال " ،جامعة الحاج لخضر باتنة .
101نشأة القانون الدولي لحقوق اإلنسان يرجع إلى التصريحات المختلفة التي أصدرتها عدد من دول أمريكا الشمالية قرب نهاية
القرن الثامن عشر ,و من أهمها ميثاق الحقوق الصادر في فرجينيا سنة 1776واإلعالن الفرنسي الصادر سنة 1789وكذلك ما
تضمنه الميثاق البريطاني سنة 1928وقانون اإلعالن القضائي لسنة 1979وميثاق الحقوق إلى أن صدر اإلعالن العالمي لحقوق
اإلنسان واالتفاقيتين Rights of Petitionالدوليتين الخاصيتين بالحقوق المدنية والسياسية ,والحقوق االجتماعية و
االقتصادية .
137
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
وتيسيير إعادة إدماجه وحماية حقوقه في مرحلة تنفيذ العقاب . 102أولى المجتمع الدولي
لحقوق اإلنسان أهمية بالغة لمسألة حقوق اإلنسان إيمانا منه بفكرة أن القضاء هو الحارس
والقانون الدولي لحقوق اإلنسان قد عرفه أحد الفقهاء بكونه '' مجموع القواعد القانونية
المتصفة بالعمومية والتجريد التي إرتضتها الجماعة الدولية أصدرتها في صورة معاهدات
وبروتوكوالت دولية ملزمة بقصد حماية حقوق اإلنسان المحكوم بوصفه إنسانا وعضوا في
المجتمع م ن عدوان سلطاته الحاكمة أو تقصيرها وتمثل الحد األدنى من الحماية التي ال
يجوز للدول األعضاء فيها النزول عنه مطلقا أو التحلل من بعضها في غير االستثناءات
103
. المقررة فيها ''
فقد قامت تونس منذ أواخر الثمانينات بالمصادقة على االتفاقية الخاصة بمناهضة التعذيب
1984من طرف الجمعية العامة لألمم المتحدة الموقع عليها في 26أوت .1987
بالتالي فإن مهمة القاضي الجزائي ال تقتصر فقط على الفصل في النزاعات ،وانما أيضا
من أهم اإلشكاليات التي يطرحها موضوع تسليم المجرمين بصفة عامة هي مدى تحقيق
المالئمة الدولية بين تسليم المجرمين وتفعيل ضمانات حقوق المتهم الواردة في التشريع
الداخلية سواءا المضمنة بالقوانين الداخلية أو بالدساتير .تناول مسألة تسليم المجرمين
102انيس ضيف هللا ''،دور قاضي تنفيذ العقوبات في تحقيق أهداف السياسة العقابية المعاصرة''،مجلة القضاء و التشريع
،افريل.2012ص .48
103نسان خيري احمد الكباش '' ،الحماية الجزائية لحقوق اإلنسان دراسة مقارنة في ضوء أحكام الشريعة اإلسالمية و المواثيق
الدولية'' ،دار الجامعيين ،القاهرة، 2000 ،ص. 229 .
138
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
ومدى إستجابة الدول لطلب التسليم مرتبطة بين تحقيق معدلتين وهي الحاجة إلى تفعيل
آلية التسليم من جهة ووضع ضمانات لحماية الحرية الشخصية للشخص موضوع مطلب
104
التسليم .
من خالل هذا التعريف يكون هدف القانون الدولي لحقوق اإلنسان هو حماية حقوق
وحريات األفراد في مواجهة الدولة التي ينتمون إليها .105بصفة عامة فكرة حقوق اإلنسان
هي من األفكار المرنة التي تختلف باختالف قيم الشعوب مما يجعل القانون الدولي
لحقوق اإلنسان من القوانين التي يطغى عليها الطابع السياسي .هذه المسالة دقيقة ومعقدة
نوعا ما باعتبار أن بعض الدول قد تمتع من تسليم بعض المتهمين بتعلة أن في تسليمه
إنتهاك لحقوقه كإنسان مثل إمكانية تسليط عقوبة اإلعدام عليه أو تعرضه إلى التعذيب
بالرغم من أن الجرائم التي إرتكبها شكلت في حد ذاتها تعديا لحقوق أساسية لألشخاص مثل
السؤال الذي يطرح والذي يصعب اإلجابة عنه هل من الممكن التمسك بحقوق اإلنسان
لمنع تسليم المجرم اإلرهابي ؟ وهل أن المجرم اإلرهابي هو شخص يستحق الحماية
القانونية والدولية لكي تمتنع دولة ما على تسليمه بالرغم من توفر الشروط القانونية للتسليم
104االستاذ حسن بنعيشة ''،تسليم المجرمين األجانب '' ،محاضرة ختم تمرين ،الهيئة الوطنية للمحامين بتونس . 2013/2012،ص".
105رمزي نويصر ''،القانون الدولي اإلنساني والقانون الدولي لحقوق االنسان :دراسة مقارنة '' ،مجلة القضاء التشريع ،فيفري
. 2012ص . 56
139
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
تختلف اآلراء حول اإلجابة عن هذا السؤال فهناك من يرى أن القانون الدولي لحقوق
اإلنسان هو قانون يحمي جميع األشخاص مهما كانت خطورة األفعال التي قاموا بها
باعتبار أن الذات البشرية مقدسة وال يجيب المساس بها أو النيل منها ألي سبب من
األسباب .بالتالي ال يقع تسليم المجرم إلى دولته إذا كان في تسليمه نيل لحقوقه كالحكم
عليه باإلع دام أو إمكانية تعذيبه .لكن الرأي الثاني هو رأي مخالف تماما لرأي األول يرى
مساندا الرأي الثاني أن المجرم الخطير خاصة الذي يرتكب جرائم إرهابية ال يمكن أن يتمتع
بالحماية القانونية.
قانون حقوق اإلنسان يخضع لرقابة عالمية تتمثل في األمم المتحدة واألجهزة التابعة لها.
وهناك توجه سياسي يصنف إلى دول تراعي حقوق اإلنسان ودول أخرى ال تراعي حقوق
اإلنسان بالتالي مدى اإلستجابة لمطلب التسليم يتأثر بهذا التصنيف .فمن البديهي أن
يحضى مطلب التسليم من دولة مصنفة باحترامها لحقوق اإلنسان بالقبول او بالجدية في
النظر في المطلب .بالتالي مدى احترام الدول لحقوق اإلنسان يؤثر على مؤسسة تسليم
106
. المجرمين بصفة عامة
ضمانات المتهم يمكن ان تشمل الضمانات القانونية المتعلقة بهيأة المحكمة والتي تشمل
الحق في التقاضي لدى محكمة محايدة ومستقلة وكذلك الحق في التقاضي لدى محكمة
106وقع في 15مارس 2006وقع تعويض لجنة حقوق اإلنسان بمجلس حقوق اإلنسان التي تقوم بتقييم و متبعة ما تقوم به الدول من
انجازات في حقوق اإلنسان .و قد بدا المجلس في تطبيق هذه اآللية خالل سنة 2008من خالل مراقبة وضع حقوق اإلنسان في دول
العالم .كذلك اعتمدت األمم المتحدة آلية تقديم الشكاوي و العرائض الفردية .ووقع التنصيص على هذا الحق في إطار البرتوكول
االختياري الملحق بعهد األمم المتحدة للحقوق المدنية والسياسية والذي نص في مادته األولى انه''تقر كل دولة طرف في البروتوكول
باختصاص اللجنة في استالم و دراسة تبليغات األفراد الخاضعين لواليتها و اللذين يدعون بأنهم ضحايا انتهاكات تلك الدولة الطرف
ألي من الحقوق المبنية في االتفاقية '' .و تضيف المادة الثانية انه '' يجوز لإلفراد الذين يدعون أن أي من حقوقهم المحددة في
االتفاقية قد جرى انتهاكه واللذين استنفذوا كافة الحلول المحلية المتوافرة أن يتقدموا بتبليغاتهم إلى اللجنة للنظر ''.
140
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
لتحقيق المحاكمة متخصصة إضافة إلى الضمانات المتعلقة بإجراءات المحاكم ة. 107
العادلة القاضي مطالب بالحياد وللحياد بعد ذاتي وبعد موضوعي .بالنسبة للبعد الذاتي فهو
داخلي يتعلق بالتركيبة الذاتية للقاضي وبعد موضوعي يتعلق ببعض التأثيرات الخارجية
وخاصة المعطيات السياسية واإلجتماعية .فقد نصت على هذا المبدأ اإلتفاقية الدولية
للحقوق المدنية والسياسية التي تعرضت في المادة 14في فقرتها األولى إلى أن ''جميع
األشخاص متساوون أمام القضاء ولكل فرد الحق عند النظر في أي تهمة جنائية ضده او
في حقوقه والتزاماته في غحدى القضايا القانونية في محاكمة عادلة وعلنية بواسطة محكمة
على الصعيد الداخلي فقد أكد المشرع التونسي ضمن الفصل 22من القانون 29لسنة
1967المؤرخ في 14جويلية 1967والمنظم لسلك القضاة والذي جاء فيه ''على القضاة
أن يقضوا بكامل التجرد وبدون إعتبار لألشخاص أو للمصالح '' .
فالحياد مرتبط باالستقاللية فالقاضي الجزائي ال يمكن أن يكون خاضعا إال للنص الجزائي
وهذا ما نص عليه الفصل 102من الدستور الجديد '' القضاء سلطة مستقلة تضمن إقامة
العدل ،وعلوية الدستور ،وسيادة القانون ،وحماية الحقوق والحريات '' .
بالنسبة للتعاون القضائي العربي وحقوق اإلنسان فيما يتعلق بتسليم المجرمين في الجرائم
اإلرهابية ،فهي تطرح إشكاال يتعلق بربط مسألة التسليم في الجرائم اإلرهابية بمسألة حقوق
107
سنية الجريدي ''،الضمانات القانونية للمتهم ''،مجلة القضاء و التشريع ،أكتوبر . 2007ص . 145
141
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
اإلنسان .بحيث في عديد الحاالت قد يتعطل تنفيذ قرار التسليم النتهاك هذا القرار لحقوق
اإلنسان.
منظمة العفو الدولية تدعو إلى تعديل االتفاقية الدولية لمكافحة اإلرهاب في الدول
العربية.لضمان تماشيها مع حقوق اإلنسان والقانون الدولي اإلنساني .نظ ار لعدم إقرار
االتفاقية لبعض الحقوق التي من الواجب التنصيص عليها هذا باإلضافة إلى التعريف
الواسع و الفضفاض لمصطلح '' اإلرهاب '' والذي من الممكن أن يؤدي إلى انتهاكات
جسيمة لحقوق اإلنسان خاصة أمام عدم تعريف مصطلح '' العنف'' .108كما أنه ال يوضح
بدقة األفعال التي تعتبر إرهابا وهذا من شأنه أن يجرم بعض األشخاص رغم اللبس الذي
يعتري الركن المادي للجريمة والذي يؤثر على قيام الجريمة بصفة عامة ..
كذلك إ تفاقية العربية لمكافحة اإلرهاب تشكل تهديدا حقيقيا لحقوق اإلنسان بالنسبة إلى
البعض باعتبار أنها تنص على توسيع نطاق عقوبة اإلعدام وبالتالي يمكن فرض هذه
العقوبة على أشخاص لم يرتكبوا جريمة إرهابية .اإلتفاقية تلتزم أيضا الصمت إزاء تحديد
تدابير إعتقال المتهمين ومحاكمتهم وبالتالي في نظر البعض اإلتفاقية ال تكرس ضمانات
108تعرف االتفاقية اإلرهاب بكونه '' كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه ,يقع تنفيذا لمشروع إجرامي
فردي أو جماعي ,و يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس ,أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر ،أو
إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو األمالك العامة أو الخاصة ،أو احتاللها أو االستيالء عليها ،أو تعريض احد الموارد الوطنية
للخطر .
142
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
السؤال الذي يفرض نفسه هل من الممكن أن تمتنع دولة ما أمام توفر جميع شروط تسليم
المتهمين بارتكاب جريمة إرهابية واحترام إجراءات التسليم من تسليم هذا المجرم إلى الدولة
بالرغم من بشاعة الجريمة اإلرهابية وما تشكله من تهديد حقيقي على إستقرار المجتمع
الدولي برمته إال أن بعض الدول من الممكن ان تتمسك بعدم إحترام حقوق المتهم األساسية
لترفض تسليم المجرم .فمن الممكن أن ترفض دولة ما تسليم المتهم بارتكاب جريمة إرهابية
إن كانت تخشى تعرض المتهم إلى التعذيب من قبل الدولة الطالبة .ويقصد بالتعذيب كل
فعل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديا كان أو عقليا يلحق عمدا ومن غير بشخص ما
بقصد الحصول منه أو من غيره على معلومات أو على اعتراف أو معاقبته على فعل
ارتكبه أو يشتبه في أنه إ رتكبه هو أو غيره أو عندما يقع إلحاق األلم أو العذاب الشديد
ففي قضية المحمودي البغدادي أوضحت الحكومة التونسية في تلك الوقت أن قرار التسليم
إ تخذ بعد االطالع على تقرير اللجنة التونسية التي ذهبت إلى طرابلس للتأكد من مدى توفر
الشروط القانونية لضمان المحاكمة العادلة له .وبعد أن التزمت الحكومة الليبية بضمان
والمتعلق بتسليم المواطن اليبي نبيل بن محمد بن الجيالني اشتيوي الى السلطات القضائية
109
رضا خماخم ''،التوجهات الحديثة للنظام القضائي في تونس '' ،منشورات مركز الدراسات القانونية و القضائية .ص . 148
143
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
اليبية تمسك نائبا المتهم برفض مطلب التسليم المقدم من السلطات الليبية في حق منوبهما
نظ ار لعدم وجود مؤسسات قضائية يمكن االطمئنان لها باإلضافة الى كون الدولة الليبية
و من اهم الق اررات المتعلقة بتسليم المجرمبن القرار السالف الذكر والمتعلق بتسليم المتهم
ميالد ابو زتاية ابراهيم عبد السالم حيث قضت دائرة االتهام بتسليمه إلى السلطات الليبية
بناءا على غبداء السلطات القضائية الليبية إستعدادها وتعهدها بتتبع ومحاكمة المطلوب
تسليمه محاكمة عادلة ونزيهة ومستقلة تتوفر فيها جميع الضمانات مع الحفاظ على حياته
وسالمته الجسدية والمعنوية ومراعاة ظروفه الصحية وان مطلب التسليم ال صلة له بأي
إشكالية التسليم تتعلق باآلثار التي تترتب عن إنتهاك قرار التسليم لحقوق المتهم الشرعية .
هل يمكن تطبيق الفصل 199م.ا.ج الذي يقضي ببطالن االحكام واألعمال المنافية
لمصلحة المتهم الشرعية باعتباره حكم تشريعي مطلق يطال كل إجراء يمس بمصلحة المتهم
110
؟ الشرعية
بالرغم من ان المساعدة القانونية المتبادلة من أكثر انواع التعاون القضائي الدولي في
المادة الجزائية التي شهدت تطو ار ونموا في العشريتين االخيرتين لكونها تمكن الدول من
مالحقة مجرميها .لكن بالرغم من ذلك اليزال التعاون القضائي في المادة الجزائية يعاني من
110
فتحي الميموني '' ،التكييف في المادة الجزائي '' ،المجلة القانونية عدد 89/88افريل . 2010ص .22
144
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
العديد من اإلشكاليات متصلة غما بالمناخ السياسي أو بتقنيات التعاون نتج عنه تعدد
طلبات المساعدة القانونية الغير منجزة .فمطلب التسليم كشكل من اشكال المساعدة
القانونية يتأثر بعوامل خارجية وهي عوامل ال تتعلق بطلب المساعدة القانونية المتبادلة في
حد ذاته وانما بعوامل اخرى تتمثل في التداخل بين المعطى القانوني والسياسي او ضغط
لكن العكس صحيح فالعديد من الدول يمكن ان ال تستجيب إلى طلب التسليم بالرغم من
توفر جميع شروط التسليم .في هذه الحالة من الطبيعي أن يكون لقرار الرفض إنعكاسات
علة العالقات الديبلوماسية بين الدولة الطالبة والدولة المطلوبة ألن من كل دولة إذا ما
توفرت شروط التسليم تتبع أي شخص لم يحترم قانونها والتجأ الى حماية دولة اخرى تفصيا
هذا ما حصل إ ثر رفض الدولة الجزائرية تسليم عائلة القذافي وما ترتب عنه من توتر في
العالقات الجزائرية الليبية أدى إلى إتخاذ الدولة الجزائرية لقرار بمنع دخول المواطنين
اهم مثال يمكن تقديمه عن تأثير قرار رفض التسليم على العالقات الديبلوماسية بين الدول
هو "قضية لوكربي" والمتمثل في رفض الجماهيرية الليبية تسليم المتهمين في تحطم الطائرة
االمريكية في الرحلة التابعة لشركة " بانام " فوق سماء لوكربي في 21من سبتمبر 1988
145
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
.والذي اتهمت فيه و ازرة الخارجية الليبية الليبيين وهما من المخابرات الليبية بوضع قنبلة
بالرغم من أن الدولة الليبية قد إستندت في قرارها بعدم التسليم إلى مسألة أن المتهمين هم
من مواطنيها إلى أ ن ذلك لم يكن حائال دون تدهور العالقات الدولية ليس فقط بين الدولتين
وانما أيضا بين المجتمع الدولي .ذ صدر قرار عن مجلس األمن في 31مارس 1992
بأغلبية 10أصوات وآمتناع 5اصوات عن التسليم .أوجب على الدولة الليبية التسليم
للمواطنين الليبيين المشتبهين في قضية لوكربي .وهذا القرار قرار قد تضمن تهديدا إلى
الدولة الليبية بفرض عقوبات عليها في صورة عدم التسليم .وهذا ما حصل فقد تم توقيع
العقوبات في 15أفريل .1992ومن بين هذه العقوبات حضر التجول ومنع تصدير
األسلحة وتقليص العالقات التجارية والديبلوماسية .ووقع توسيع هذه العقوبات في مرحلة
الحقة منها حضر البترول الليبي فرض حصار إقتصادي كامل إغالق جميع السفارات
وأمام خطورة هذه العقوبات على ليبيا ولوضع حد لهذه األزمة قبلت ليبيا تسليم المتهمين
بشرط محاكمتهم ببلد محايد و هو هولندا .وبعد إدانة المتهمين وتسليط العقاب عليهم
إلتزمت ليبيا بدفع تعويضات مالية ضخمة إلى عائالت الضحايا .
من أجل التمسك بمبدأ عدم تسليم الدولة لمواطنيها إحتراما و تقيدا بمبدأ االقليمية تعرضت
الجماهيرية الليبية لحضر عسكري وجوي في أفريل 1992بسبب رفضها تسليم مواطنيها
146
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
المتهمين في قضية اإلعتداء على طائرة البيونغ التابعة لشركة البانام في سماء لوكربي
147
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
الخاتمة
من خالل دراسة النظام القانوني لتسليم المتهمين نلمس أن إرادة المشرع متجهة نحو
تكريس حماية قانونية لحقوق المتهم الواقع تتبعه من أجل ارتكابه فعال إجراميا معينا .دراسة
إجراءات تسليم المجرمين ومدى تأثير الجريمة السياسية على إجراءات التسليم تطرح العديد
من اإلشكاليات القانونية التي من الواجب معالجتها بنصوص قانونية واضحة ودقيقة.
من ناحية تأثير العوامل السياسية على إجراءات التسليم فإنها تؤثر على دور دائرة اإلتهام
سواءا في المرحلة السابقة لقرار التسليم أو عند إتخاذ القرار بالتسليم .فالطبيعة القانونية
للتسليم هي التي تحدد طبيعة القرار الصادر عن دائرة اإلتهام .ففي األنظمة األخرى والذي
تتمتع السلطة القضائية بكامل يكون فيها قرار التسليم صاد ار عن السلطة القضائية
صالحياتها كهيأة حكمية فيكون دورها في نظام التسليم تقريريا وليس فقط استشاري .بالنسبة
إلى التسليم اإلداري والمختلط نلمس محدودية دور دائرة اإلتهام يكون على عديد
من ناحية أخرى التمسك المفرط بحقوق االنسان والمتعلق برفض التسليم في الحالة التي من
الممكن تنفيذ عقوبة اإلعدام على المطلوب تسليمه أو إمكانية تعرضه للتعذيب أو إنعدام
ضمانات المحاكمة العادلة أو إنعدام ضمانات حرية التعبير وضمان الحق في الدفاع قد
يؤدي إلى عدم تنفيذ العقاب على المجرم اإلرهابي وعدم تسليمه إلى الدولة الطالبة بالرغم
148
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
من خطورة هذه الجريمة ،وذلك بتعلة أن إعادة المتهم إلى الدولة الطالبة سيواجه فيها
إنتهاكات خطيرة لحقوق االنسان منها التعرض للتعذيب أو اإلعدام وتكون الدول ملزمة
ونظ ار للخلط الحاصل بين الجريمة السياسية وغيرها من الجرائم األخرى التي تشكل خطورة
واستقرار المجتمعات فإنه من أوكد الحاجيات أن يتدخل المشرع على األمن القومي
149
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
الخاتمة
الهدف األساسي الذي يرمي إليه كل مجتمع من تتبع ومالحقة مرتكبي الجرائم هو ضمان
الحماية الكافية للمواطن وحماية األمن العام .لكن من ناحية أخرى إعتبار تتبع المتهيمن
مسأ لة وطنية تطبيقا لمبدأ السيادة ليس ممكنا ،وذلك نظ ار لعدة إعتبارات نذكر منها تطور
الجريمة وتعدد أط ارفها وتنوع طرق وآليات تنفيذها وتعدد أماكن إرتكابها.
وبما أن القانون الجزائي هو القانون الرادع للجريمة وال يمكن لهذا الردع أن يتحقق إال
بالقبض على المجرم وتقديمه للمحاكمة .فإنه كل دولة من مصلحتها التصدي لإلجرام
والمجرمين من هذا المنطلق برزت فكرة عالمية العقاب ،111التي تعتبر العقاب واجب دولي
تقوم به كل دولة يوجد المجرم فوق إقليمها وتسلمه إلى الدولة التي تطلب محاكمته.
لكن هذا الواجب قد يصطدم بمبدأ آخر المتعلق بسيادة الدولة وهذا ما أسس لنظام قانوني
تحكمه ضوابط قانونية ويخضع إلى شروط واجراءات جزائية لتسليم المتهمين .التمسك
بمبدأ السيادة كأساس للتعاون الدولي يؤدي إلى عجز في مكافحة الجريمة ،واختالف
النظام القانوني للتسليم يجيب أن يوفق بين مصلحة العدالة والحقوق المشروعة للمتهم.
كذلك التسليم من المسائل القانونية التي تثير كما رأينا العديد من اإلشكاليات القانونية
والسبب في ذلك عدم وجود إلتزام من قبل الدول يلزمهم على تسليم بعض المجرمين أو
المتهمين .خاصة أن اإلشكال التي تطرحه مسألة تسليم المتهمين يتعلق بصعوبة التمييز
111مجلة القضاء و التشريع ,2004,ص .41الحبيب الغرياني " تسليم المجرمين و التعاون القضائب العمل باالتفاقيات" ,
150
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
بين الجريمة اإلرهابية والجريمة السياسية .باعتبار أن بعض الجرائم التي تعد جرائم إرهابية
بامتياز يقع تكييفها بالجرائم السياسية لكي يتمتع مرتكبها بالحصانة من التسليم .هذه
المسألة تشكل خطورة على إستقرار المجتمع الدولي الذي بالرغم من وعيه التام بمخاطر
اإلرهاب لم يتوصل إلى حد اليوم إلى إرساء ثقافة دولية تعمل على دعم المجهود الدولي
لمالحقة المجرمين اإلرهابيين .فقد وصل األمر إلى اعتبار بعض الجرائم اإلرهابية جرائم
سياسية وذلك تحقيقا لمصالحها الشخصية .كما أن العديد من الدول الراعية لإلرهاب
تمارس حروبها تحت غطاء سياسي عنوانه مكافحة اإلرهاب العالمي .بالتالي الخلط بين
الجريمة السياسية واإلرهابية يؤثر مما شك فيه على مؤسسة التسليم باعتبار أن تكييف
الجريمة اإلرهابية بالجريمة السياسية من شأنه أن يمنع تسليم مرتكب الجرائم االرهابية وتنفيذ
أيضا من التدابير التي يجيب إتخاذها للحد من الجرائم ودعم التعاون لمكافحتها هو اإللمام
بالتدابير الوقائية طبق المعايير الدولية ،وذلك للحد من انتشار الجرائم وكذلك اإللمام بآليات
التعاون على المستوى الدولي ال سيما المتعلقة منها بالتعاون القانوني والقضائي (اإلنابات
وتسليم المجرمين ) وذلك للتصدي للطابع العابر للحدود الوطنية للجريمة القضائية
أيضا من خالل دراسة تأثير العوامل السياسية على نظام التسليم نالحظ أن اإلعتبارات
السياسية والعالقات بين الدول تِؤثر ليس فقط على طبيعة التسليم وانما أيضا على دور
151
تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية
دائرة اإلتهام .فتضفي بذلك على مؤسسة التسليم جانبا سياسيا ،هذا اإلعتبار السياسي
الناشئ على العالقات الخارجية الدولية يعبر على الطبيعة الدولية إلجراء التسليم.
المسألة المهمة أيضا في هذا الموضوع هو أن الكثير من الدول تربط مسألة التسليم
بحقوق اإلنسان وتتمسك بها .وبما أن التسليم هو شكل من أشكال التعاون القضائي الدولي
وأهم وسيلة للتطبيق الغير مباشر للقانون الدولي فهذه المسألة تفترض توحيد القوانين التي
في الختام إن نظام التسليم يجيب أن يحقق الموازنة بين التسليم كوسيلة تردع الجريمة
والتسليم كضمانة للمطلوب تسليمه تحفظ حقوقه األساسية التي تكفلها المواثيق الدولية مع
السعي في نفس الوقت إلى الحد من الصعوبات اإلجرائية التي تواجه عملية التسليم .
152