Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 152

‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫المقدمة‬

‫إتسم العصر الحديث بتطور الظاهرة اإلجرامية التي أدت إلى النيل من أمن المجتمع‬

‫واستق ارره‪ .‬فبالتوازي مع تطور األسلحة والتقنيات الحربية وانتشار العولمة‪ ،‬عرفت الجريمة‬

‫تطو ار موازيا من حيث أشكالها وأهدافها ووسائلها‪ ،‬فابتعدت بذلك عن مقومات الجريمة‬

‫الفردية البسيطة إلى أن أخذت أشكال الجريمة المنظمة‪ .1‬هذا ما أدى إلى تشعب الجرائم‬

‫وصعوبة التمييز بينها في الكثير من الحاالت‪ ،‬نظ ار الى طابعها المنظم والعابر للحدود‬

‫الوطنية‪.‬‬

‫وتعتبر جريمة اإلتجار باألشخاص وتهريب المهاجرين من الجرائم المعقدة والمنظمة‪ ،‬فهذه‬

‫الجريمة تكتسي أهمية خاصة باعتبار تنامي حجمها وسرعة إنتشارها خاصة في الخمس‬

‫سنوات االخيرة‪ .‬فقد أثبتت التقارير الدولية بروز العديد من المؤشرات عن وجود العديد من‬

‫الضحايا اإلستغالل االقتصادي في مجال العمل والتسول واإلستغالل الجنسي فضال عن‬

‫الخطر المحدق بالمهاجرين خلسة ‪.2‬‬

‫‪ 1‬الجريمة المنظمة يعرفها الدكتور محمد فاروق اللتي أفرزتها الحضارة المادية لكي تمكن اإلنسان المجرم من تحقيق أهدافه‬
‫اإلجرامية بطريقة متقدمة ال يتمكن القانون من مالحقته بفضل ما أحاط نفسه من وسائل يخفي بها أغراضه اإلجرامية ‪ ،‬وال بد لتحقيق‬
‫هذه الغاية من تعاون مجموعة من المجرمين ''‪.‬‬
‫‪2‬بينت الدراسة األولية حول اإلتجار باألشخاص في تونس التي تم إعدادها من طرف فريق عمل متعدد اإلختصاصات وذلك في‬
‫إطار مشروع المنظمة الدولية للهجرة في تونس )‪ (OMI‬باإلشتراك مع وزارة العدل حول ''دعم ونقل آليات المساعدة والتوجيه‬
‫وتبادل الخبرات في مجال مكافحة اإلتجار بالبشر '' (مشروع شار ‪ )SHARE‬والذي إنطلق منذ أوت ‪ 2012‬بدعم من وزارة الخارجية‬
‫األمريكية أن تونس هي بلد انطالق ووجهة وكذلك عبور لإلتجار باألشخاص‪ .‬وتضمنت جملة من التوصيات والمقترحات تمثلت في‬
‫وضع إطار قانوني وطني شامل حول اإلتجار باألشخاص وتنفيذ خطة عمل وطنية في هذا المجال كتدعيم الجانب الوقائي والمساعدة‬
‫والحماية وتعزيز التعاون والتنسيق على المستوى الدولي والوطني ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫وبالتالي جريمة اإلتجار باألشخاص وتهريب المهاجرين من الجرائم التي تكون في أغلب‬

‫األحيان مرتبطة بجماعات إجرامية منظمة ودولية تنشط في أكثر في مجال‪ ،3‬كما أن األرباح‬

‫الناجمة عنها كثي ار ما تعتمد في تمويل نشاطات جرائم ال تقل خطورة عنها‪ ،‬كجرائم االرهاب‬

‫وتهريب السالح والمخدرات وغسل االموال‪.4‬‬

‫أمام تشعب الجرائم وتنوعها وتنوع الجرائم المرتبطة بها وامكانية إرتكابها على المستوى‬

‫الوطني والدولي‪ ،‬وبالرغم من خطورتها على أمن وسلم البشر فإنه من الممكن أن يتفصى‬

‫المتهم بارتكاب هاته الجرائم من العقاب‪ ،‬وذلك عن طريق الفرار إلى مكان يصعب مالحقته‬

‫إليه‪ .‬هذه الوضعية أوجبت على الدول أن يتعاونوا فيما بينهم لوضع حد أمام هذه الجرائم‬

‫باعتبار أنها أصبحت تنال من هيبة الدولة وسالمتها واستقرار المجتمع الدولي‪.‬‬

‫بصفة عامة تتطلب مسالة مكافحة الجريمة على المستوى الدولي الكثير من التعاون وال‬

‫يمكن تحقيق ذلك إال بتدعيم التعاون المتبادل بين الدول‪ .5‬وهذا ما سعت إلى تحقيقه العديد‬

‫من الدول‪ ،‬وكمثال ذلك ما جاءت به توصيات مؤتمر هافانا لسنة ‪ 1990‬والتي أحدثت‬

‫‪ 3‬تم تصنيف تونس في التقرير السنوي لمكتب مراقبة ومكافحة االتجار باألشخاص التابع لوزارة الخارجية األمريكية على التوالي‬
‫للسنوات ‪ 2012‬و ‪ 2013‬و ‪ 2014‬و‪ 2015‬ضمن قائمة الدول المعنية بالمراقبة ) ‪ )Tier 2 watch list‬بعد أن كانت قد غادرة سنة‬
‫‪ 2012‬هذه القائمة لتمر الى الفئة الثانية (‪ )Tier 2‬بقائمة المكتب المذكور في ما يخص تطبيق القواعد الدنيا للقضاء على ظاهرة‬
‫اإلتجار باألشخاص خاصة الوقاية والمنع والتعاون‪ .‬يعني ان تونس مصنفة ضمن الدول التي لم تتمكن من إحترام كل المعايير الدنيا‬
‫لمقاومة اإلتجار باألشخاص وهو من شأنه أن يقلص من مجاالت التعاون الدولي مع الواليات المتحدة األمريكية ‪.‬‬
‫‪ 4‬مكتب األمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة المتعلقة باإلتجارباألشخاص وتهريب المهاجرين‪.‬‬
‫‪5‬حسب برنامج ‪ TUN-X80‬تم إعداده من طرف مكتب األمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة والذي يتعلق موضوعه بالمساعدة‬
‫القانوني ة المتبادلة في المادة الجزائية ‪'':‬التعاون القضائي الدولي في المادة الجزائية يتعلق بالتسليم والمساعدة القانونية المتبادلة‬
‫وتفويض المالحقة الجزائية إضافة إلى تنفيذ األحكام الجزائية األجنبية يضاف لها التعاون مع الهيئات القانونية الدولية يقتضي اإللمام‬
‫بمبادئه ( تعريفه‪ ،‬مصادره‪ ،‬أسسه‪ ،‬قنوات التواصل‪ , ) ...‬خاصة وأنه ال يقتصر على طلبات المساعدة القانونية الصادرة عن الدولة‬
‫الطالبة بل يشمل أيضا تنفيذ طلبات المساعدة القانونية الواردة عليها''‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫نماذج التعاون العقابي الدولي وانتهت بإبرام إتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة‬

‫عبر الوطنية ‪.‬‬

‫يق صد بالمساعدة القانونية المتبادلة قيام دولة بطلب من دولة أخرى عبر السلطات القانونية‬

‫المختصة ونيابة عنها بأي إجراء قضائي يتعلق بتتبع أو مالحقة معروضة على قضائها‪.‬‬

‫فالميزة التي يتميز بها التعاون القضائي هو التقريب والتنسيق بين مختلف التشريعات‬

‫الوطنية وايجاد إجراءات قضائية مشتركة تساعد في التحقيق في الجريمة والقبض على‬

‫المجرمين‪ .6‬وذلك لتحقيق هدف مشترك أال وهو الحصول على مجتمع خالي من الجريمة‬

‫والمجرمين‪.‬‬

‫في هذا اإلطار نصت المادة ‪ 18‬من إتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر‬

‫الوطنية‪ ،‬أن المقصود بالمساعدة هو قيام السلطات القضائية للدول بتقديم العون لمثيالتها‬

‫وذلك فيما يخص سماع الشهود‪ ،‬وايقاف المشتبه فيهم والقيام بعملية التفتيش وجمع‬

‫المعلومات والتحقيق‪ ،‬وتبليغ الوثائق القضائية‪ ،‬وتتم هذه العمليات الواردة على سبيل الذكر‬

‫بموجب اإلتفاقيات الرابطة بين الدولتين أو أكثر معنيتين بالجريمة‪ ،‬أو حتى بدون اإلتفاقية‬

‫وانما إستثنائيا بأحكام هذه المادة‪ .‬بالنسبة إلى نقل اإلجراءات الجنائية‪ ،‬فقد نصت اإلتفاقية‬

‫أنها تعتبر من إحدى آليات التعاون القضائي في المادة الجزائية بين الدول‪.‬‬

‫‪ 6‬دليل المساعدة القانونية وتسليم المجرمين الصادرعن مكتب األمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة‪'' ،‬التعاون هو طريقة‬
‫للتفكير والعمل وهو كذلك مجموعة "أدوات" أو عمليات إجرائية'' ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫إن أري البعض أن هذا التعاون قد يتعارض مع سيادة الدول وتدخال في سياستها العقابية‪،‬‬

‫فإن الوضع الراهن فرض القيام بعالقات بين الدول من أجل تحقيق إستقرار كل‬

‫المجتمعات‪ .‬هذا التعاون نظ ار ألهميته البالغة نص عليه الدستور التونسي الجديد وكذلك‬

‫مجلة اإلجراءات الجزائية ضمن الفصلين ‪ 305‬و‪ 306‬التي تتعلق بجواز تتبع القضاء‬

‫التونسي للمواطن المرتكب لجرم خارج تراب الجمهورية أو كذلك تتبع األجنبي بشأن جرائم‬

‫مرتكبة على المستوى الدولي وهو يجسم التكريس التشريعي للتعاون الدولي في المادة‬

‫القضائية‪.‬‬

‫المقصود بالتعاون القضائي ليس التعاون الدولي اإلداري‪ ،‬وانما هو التعاون الدولي المنظم‬

‫قانونا وفق إتفاقيات ثنائية أو متعددة األطراف تحدد إلتزامات كل دولة بخصوص تسليم‬

‫المجرمين‪ .‬والتعاون القضائي يمكن أن يأخذ العديد من األشكال مثل أخذ شهادة‬

‫األشخاص‪ ،‬تبليغ األوراق القضائية‪ ،‬إجراء التفتيش‪ ،‬فحص األشياء‪ ،‬مد المعلومات واألدلة‪،‬‬

‫ويعد أهم مظهر من مظاهر التعاون القضائي تلك اإلتفاقيات المتعلقة بتسليم المجرمين‪.7‬‬

‫في هذا اإلطار يجيب التمييز بين اإلنابة القضائية الدولية في المادة الجزائية والتي تعتبر‬

‫من أهم أشكال التعاون القضائي بين الدول ومطلب تسليم المجرمين الذي يعتبر بمثابة‬

‫العمل الذي تقبل بمقتضاه دولة تسليم شخص يوجد فوق إقليمها إلى دولة أخرى تطالب‬

‫بمحاكمته من اجل جريمة تنسبها له أو لتنفيذ عقاب عليه أصدرته محاكمها‪ .8‬فهوى إذا‬

‫‪ 7‬قرار مجلس األمن عدد ‪ 1373‬لسنة ‪ 2001‬مجلس األمن يطلب من الدول التعاون‪.‬‬
‫‪8‬رضا خماخم "العدالة الجزائية في تونس "‪،‬منشورات مركز الدراسات القانونية والقضائية بوزارة العدل ‪.‬طبعة ‪،1997‬ص‪.135‬‬
‫‪4‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫نظام قانوني يهدف إلى تحقيق التعاون القضائي الجنائي بين الدول لتحقيق العدالة الجزائية‬

‫وتتبع المجرمين ومالحقتهم ومحاكمتهم أو تنفيذ العقوبات البدنية الصادرة ضدهم وتجاوز‬

‫عراقيل الحدود بين الدول‪. 9‬‬

‫فقد جاء بالفصل ‪ 331‬من م‪.‬ا‪.‬ج انه "في حالة التتبعات الجزائية الغير سياسية بدولة‬

‫أجنبية‪ ،‬فإن اإلنابات العدلية الصادرة عن السلط األجنبية ترد بالطريق الدبلوماسي وتحال‬

‫وتنفذ عند‬ ‫على كتابة الدولة للعدل طبق الصيغ المقررة بالفصل ‪ 317‬من م‪.‬ا‪.‬ج‪،‬‬

‫اإلقتضاء تلك اإلنابات حسب القانون التونسي‪ .‬وفي صورة التأكد يجوز لسلط القضائية‬

‫للدولتين أن تتبادل االنابات مباشرة حسب الصيغ الواردة بالفصل ‪ 325‬من المجلة‬

‫المذكورة''‪.‬‬

‫في حين أن اإلنابة العدلية هو تفويض صادر عن القاضي المكلف بالتحقيق في جريمة‬

‫معينة في بلد ما إلى قاض أخر موجود في بلد أخر للقيام مكانه بأي عمل من أعمال‬

‫التحقيق‪ .10‬واإلنابة العدلية الدولية تختلف ليس فقط عن مطلب تسليم المجرمين وانما أيضا‬

‫على اإلنابة العدلية الوطنية التي نص عليها الفصل ‪ 57‬من م‪.‬ا‪.‬ج‪ .‬فإجراءات تسليم‬

‫‪ 9‬حسب المادة االولى من قانون هايتي لسنة ‪: 1912‬‬


‫‪‘’L’extradition est l’acte par lequel un Etat livre a un autre Etat sur demande un individu prévenu‬‬
‫‪commis une telle infraction déterminée par la loi ou les traites ou condamne pour l’avoir commise‬‬
‫‪sur le‬‬
‫‪territoire de l’Etat qui le réclame afin de le faire juger par l’ autorité compétente ou lui faire subir sa‬‬
‫‪peine ‘’.‬‬
‫المادة االولى من االتفاقية االوروبية لتسليم المجرمين تنص ‪:‬‬
‫‪‘’ Les parties contractantes s’engagent a se livrer réciproquement selon les règles et sous les‬‬
‫‪conditions déterminées par les articles suivants les individus qui sont poursuivis pour une infractions‬‬
‫‪ou recherches aux fins d’exécution d’une peine ou d’une mesure de suretés par les autorités‬‬
‫’’‪judiciaires de la partie requérante‬‬
‫‪10‬دليل تطبيقي لالنابات القضائية الدولية في المادة الجزائية ‪2015‬‬
‫‪5‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫المجرمين تختلف عن إجراءات االنابات العدلية الدولية وان كانت تشتركان في الهدف أال‬

‫وهو تحقيق التعاون القضائي بين الدول ومنع المجرم من التفصي من العقاب وتحقيق‬

‫‪11‬‬
‫‪.‬‬ ‫العدلة الجزائية‬

‫من هذا المنطلق التعاون القضائي بين الدول يعتبر التسليم أحد ركائزه وقد عرفه الدكتور‬

‫جندي عبد الملك بأنه "عمل تقوم بمقتضاه الدولة لجأ أرضها شخص متهم أو محكوم عليه‬

‫في جريمة بتسليمه إلى الدولة المختصة بمحاكمته أو تنفيذ العقوبة عليه "‪.12‬‬

‫تسليم المجرمين'' ‪ '' l’extradition‬هو عبارة عن آلية قانونية من أجل التصدي للجريمة‬

‫سواءا كانت داخلية أو دولية‪ ،13‬يتم بين دولتين تسمى األولى الدولة الطالبة التي تسعى إلى‬

‫إسترداد المتهم لتحاكمه أو لتوقيع العقاب عليه‪ ،‬وتسمى الدولة الثانية بالدولة المطلوب منها‬

‫التسليم وهي التي يكون الشخص المطلوب تسليمه موجودا على أراضيها فتقوم بإلقاء‬

‫‪14‬‬
‫‪.‬‬ ‫القبض عليه تحفظيا بمعرفة سلطاتها االمنية والقضائية تمهيدا إلى تسليمه‬

‫أما المادة األولى من المعاهدة النموذجية لتسليم المجرمين الصادرة بقرار الجمعية العامة‬

‫لألمم المتحدة رقم ‪ 116-45‬تعرف التسليم بأنه جملة اإلجراءات القانونية الهادفة إلى قيام‬

‫‪ 11‬فيصل بن زحاف‪ ''،‬تسليم مرتكبي الجرائم الدولية ''‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الدولي والعالقات السياسية الدولية‬
‫‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بوهران ‪.2012/2011 ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪ 12‬جندي عبد الملك ‪،‬الموسوعة الجنائية ج‪.2‬ص ‪.590‬‬
‫‪ 13‬مصطلح ‪ EXTRADITION‬استخدم ألول مرة رسميا في المرسوم الفرنسي الصادر سنة ‪ 1791‬ومنذ ذلك التاريخ بدأت فرنسا‬
‫تستخدمه في إتفاقياتها مع نظرتها من الدول وقبل هذا التاريخ كان يستخدم مصطلح '' ‪ ''RESTITUTION‬لمزيد التفاصيل إلهام محمد‬
‫العاقل ‪ ''،‬مبدأ عدم تسليم المجرمين في الجرائم السياسية ''‪ ،‬مركز دراسات العالم االسالمي بمالطا الطبعة االولى ‪، 1993‬ص ‪197.‬‬
‫‪Mikael POUTIERS, L’extradition des auteurs d’infractions internationales, dans HERVE 14ASCENSIO ,‬‬
‫‪EMMANUE DECAUX , DROIT INTERNATIONAL PENAL Pedone .Paris 2000.P .933‬‬
‫‪6‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫دولة بتسليم أحد المتهمين أو المحكوم عليهم إلى دولة أخرى قصد محاكمته أو بقصد أن‬

‫ينفذ فيه الحكم الصادر عليه من محاكمها ‪.‬‬

‫إن تعريف مؤسسة التسليم يقتضي منا تمييزها عن بعض المفاهيم المجاورة مثل منع‬

‫الدخول وهو أن الدولة يمكنها منع دخول أي شخص إلى ترابها فهو إجراء إداري داخلي يتم‬

‫أما الطرد‬ ‫حينما تمنع الدولة األجنبي من الدخول إلى أراضيها بصفة غير قانونية مثال ‪.‬‬

‫واإلبعاد فهو إجراء إداري داخلي أيضا يدخل في اختصاص األجهزة الساهرة على الحفاظ‬

‫على األمن في البالد وليس للشخص الذي تم طرده أن يمتنع عن تنفيذ قرار الطرد واال يتم‬

‫طرده بااللتجاء إلى القوة‪.‬‬

‫على عكس التسليم فإن الشخص الذي يتم تسليمه ال يسلم إال إلى الدولة التي طلبت‬

‫تسليمه مع تحملها مصاريف الناجمة عن تنفيذ طلب التسليم‪ .‬أما التسليم المستتر أو‬

‫المقنع فهو إجراء تلجئ إليه الدول أحيانا حيث تقوم بمقتضاه دولة بنفسها أو من خالل‬

‫تمكين سلطات دولة أخرى القبض على متهم ألجل محاكمته أمام محاكمها دون التثبت من‬

‫توفر الشروط الموضوعية أو اإلجرائية المنصوص عليها بالتشريع الوطني أو االتفاقيات‬

‫الدولية‪.‬‬

‫يجيب كذلك التمييز بين التسليم والتقديم إلى المحكمة الجنائية بموجب المادة ‪ 102‬من‬

‫النظام األساسي للمحكمة الجنائية الذي يعرف التقديم بكونه نقل دولة ما شخصا إلى‬

‫‪7‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫المحكمة عمال بالنظام األساسي للمحكمة في حين أن التسليم فهو نقل دولة ما شخص‬

‫إلى دولة أخرى بموجب معاهدة أو اتفاقية أو تشريع وطني ‪.‬‬

‫بالنسبة إلى مصادر التسليم تاريخيا كان المصدر األساسي لمؤسسة التسليم هو القانون‬

‫الدولي العام سواءا المكتوب مثل االتفاقيات والمعاهدات الدولية أو العرفي مثل المعاملة‬

‫بالمثل‪ .‬مع بداية القرن العشرين أصبح لكل دولة قانونها الخاص بها والذي تم بموجبه‬

‫تكريس أحكام مضمنة بقوانينها الداخلية لتنظيم مسالة تسليم المجرمين‪ .‬وكانت فرنسا من‬

‫أول الدول التي قامت بتن ظيم مؤسسة التسليم ضمن قانونها الداخلي وذلك بمقتضى القانون‬

‫الصادر في ‪ 10‬مارس ‪ .1927‬ولقد أثر المشرع الفرنسي على المشرع التونسي عند وضعه‬

‫لمجلة اإلجراءات الجزائية وخاصة عند تنظيمه لهذه المؤسسة في فصولها من ‪ 308‬إلى‬

‫‪ 330‬من مجلة اإلجراءات الجزائية ‪.‬‬

‫لمؤسسة تسليم المجرمين أهمية في العالقات الدولية باعتبار أن الدولة الموجه لها مطلب‬

‫التسليم تتخلص من الشخص الذي يكون موجودا فوق إقليمها إلى دولة أخرى بناءا على‬

‫للتولى محاكمته على الجريمة المنسوبة إليه أو لتتولى تنفيذ حكم صادر عن‬ ‫طلبها‬

‫محاكمها باعتبار أن هذه الدولة هي صاحبة االختصاص في ذلك المحاكمة أو التنفيذ ‪.‬‬

‫يخضع تسليم المتهمين في القانون التونسي إلى أحكام الفصول من ‪ 308‬إلى ‪ 330‬من‬

‫مجلة اإلجراءات الجزائية إضافة إلى مقتضيات اإلتفاقيات الدولية الثنائية واإلقليمية والدولية‬

‫‪8‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫المبرمة في مجال التعاون الجزائي الدولي وتسليم المجرمين‪ .‬أي أن مؤسسة التسليم تخضع‬

‫إلى نظام قانوني وفق شروط واجراءات محددة سواءا بالقانون الداخلي أو االتفاقيات الدولية‪.‬‬

‫لكن ما تجدر مالحظته عند دراسة النظام القانوني للتسليم أن تسمية "المجرمين " المستعملة‬

‫سوءا في مجلة اإلجراءات الجزائية أو معظم االتفاقيات الدولية ال تبدو في محلها باعتبار‬

‫أنها تتحدث عن "المجرم" وهو ما يفترض أنه الشخص الذي قد صدر فيه حكم باإلدانة‪ ،‬في‬

‫حين أن التسليم يمكن أن يتعلق بشخص لم تتأكد بعد إدانته ولم يصدر في حقه حكم‬

‫قضائي‪ .‬مما يجعل إ ستعمال مصطلح "متهم" سواءا في مجلة اإلجراءات الجزائية أو في‬

‫االتفاقيات الدولية التي تعتني بتنظيم مسألة التسليم في غير طريقه من الناحية القانونية‪،‬‬

‫واحتراما لقرينة البراءة التي تنص على أن كل متهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة‬

‫عادلة تضمن له حقوق الدفاع‪ ،‬إضافة إلى أن هذه القاعدة من القواعد الدستورية الواجب‬

‫إحترامها‪.‬‬

‫بالتالي تسليم المتهمين يعتبر من أهم آليات المالحقة الجنائية عبر الوطنية تسد طريق‬

‫الفرار على المتهمين بارتكاب الجرائم والمحكوم عليهم باإلدانة مما يجعل مسالة فرارهم‬

‫إن ظاهرة فرار المجرمين من البلدان التي ارتكبوا بها جرائم كثرة وتعددت‬ ‫مستحيال‪.‬‬

‫حاالتها وذلك بفعل تطور وسائل المواصالت ورفع الحدود بين الدول مما يسهل هروب‬

‫المجرمين‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫دراسة مسأ لة تسليم المجرمين ومدى تأثير العوامل السياسية عليه في غاية من األهمية‬

‫باعتبار أن النظام القانوني لتسليم يشكوا من عديد اإلنتقادات إما بسبب تباين التشريعات‬

‫الوطنية المنظمة لمؤسسة التسليم أو كذلك بسبب إختالف الطبيعة القانونية للتسليم أو‬

‫بسبب تأثير العوامل السياسية على نظام التسليم مما جعل بالبعض يتحدث عن ''تسييس‬

‫‪15‬‬
‫‪.‬‬ ‫نظام التسليم''‬

‫بالنسبة لتطور التاريخي لتسليم المجرمين فقد تراوح من مجرد ممارسة تتم بين الدول استنادا‬

‫إلى عرف دولي أو معاملة بالمثل دون أن يخضع إلى نظام قانوني معين‪ .‬ثم تطور في‬

‫مرحلة الحقة فأصبحت الدول تلتجئ إلى إبرام اتفاقيات ثنائية حتى انتهت المسالة إلى إبرام‬

‫معاهدات عالمية تنظم التسليم في إطار مكافحة الجرائم المنظمة عبر الوطنية أو في إطار‬

‫مكافحة ظواهر إجرامية معينة ‪.‬‬

‫أقدم اتفاقية لتسليم المجرمين تعود إلى العهد الفرعوني‪ ،‬فقد عثر في معبد الكرنك على‬

‫إتفاقية منحوتة على الحائط أبرمت قبل الميالد أي حوالي سنة ‪ 1269‬قبل الميالد بين‬

‫الفرعون رمسيس الثاني وملوك صور وأمراء شيتا‪ .‬وذلك لتسليم كل من الرعاة والغزاة الذين‬

‫كانوا يلحقون أضرار في ارض سيناء إلى البلد المتضرر في حال إلقاء القبض عليهم من‬

‫‪16‬‬
‫‪.‬‬ ‫طرف البلد األخر‬

‫‪.‬‬ ‫‪15‬سليمان عبد المنعم "الجوانب اإلشكالية في النظام القانوني لتسليم المجرمين "‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنشر‪ ،2007‬ص‪11‬‬
‫‪ 16‬المنصف بوسكاية " تطور مؤسسة تسليم المجرمين على ضوء التحوالت العالمية الراهنة "‪ ،‬مجلة القضاء والتشريع عدد ‪8‬‬
‫اكتوبر‪. 2005‬‬
‫‪10‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫مؤسسة تسليم المجرمين ظهرت مع أول اتفاقية أبرمتها الدولة التونسية مع الدولة الفرنسية‬

‫في ‪ 16‬ماي ‪ 1884‬التي جاء بها أن التونسيون الذين يقع تتبعهم من أجل جنايات أو جنح‬

‫ارتكبوها بالبالد الجزائية يمكن تسليمهم بمقتضى بطاقة صادرة من الحاكم الجزائري ذي‬

‫النظر‪ .‬وأن الجزائريين الذين يرتكبون جنايات أو جنح بالتراب التونسي ثم يلتجئون إلى‬

‫الجزائر يقع ضبطهم كسائر األجانب بطلب من وكيل الجمهورية بتونس ثم يرجعون إلى‬

‫تونس لمحاكمتهم لدى المحاكم الفرنسية‪.‬‬

‫ثم بعد ذلك وبمقتضى األمر المؤرخ في ‪ 1‬فيفري ‪ 1897‬إنسحب مفعول كل المعاهدات‬

‫التي أبرمتها تونس مع فرنسا وبقي األمر على حاله حتى تحصلت تونس على إستقاللها‬

‫وأبرمت العديد من اإل تفاقيات الدولية المتعلقة بتسليم المجرمين األجانب‪ .‬وقد أعطى المشرع‬

‫األولوية في التطبيق لالتفاقيات الدولية على القانون الوضعي‪ ،‬والسبب في ذلك أن القانون‬

‫الساري المفعول في تلك الفترة هو قانون المرافعات الجنائي الصادر به األمر المؤرخ في‬

‫‪ 30‬ديسمبر‪ 1921‬والذي إستمر العمل به إلى تاريخ ‪ 24‬جويلية ‪ 1968‬تاريخ إصدار‬

‫مجلة اإلجراءات الجزائية والذي لم يتعرض بدوره إلى إجراءات تسليم المجرمين األجانب ‪.‬‬

‫وكان ذلك بداية النطالق إبرام إتفاقيات ثنائية مع عديد الدول منها إتفاقية مع ليبيا بتاريخ‬

‫‪ 14‬جوان ‪ 1961‬واتفاقية مع الجزائر في ‪ 26‬جويلية ‪.1963‬‬

‫ما يجدر مالحظته أن نظام تسليم المجرمين طبقا للمعاهدات الدولية هوعمل حديث نسبيا‪،‬‬

‫ففي الماضي كانت المعاهدة تعقد من أجل تسليم المجرمين المتهمين بجرائم سياسية‪ .‬دور‬

‫‪11‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫تسليم المجرمين حاليا يختلف عما كان قديما ألن نظام التسليم المجرمين يعتبر بمثابة‬

‫مجاملة بين الملوك والحكام‪.‬‬

‫وفي حقيقة األمر نظام تسليم المجرمين قد مر بمراحل‪ ،‬المرحلة أولى كان اإلهتمام يتمحور‬

‫حول الجرائم السياسية والدينية‪ .‬وفي مرحلة ثانية ما بين القرن الثامن عشر ونصف والقرن‬

‫التاسع عشر إهتمت معاهدات تسليم المجرمين بالجرائم العسكرية‪ .‬أما في المرحلة الثالثة‬

‫إهتمت بمحاربة الجريمة المشتركة وتحديدا بعد الحرب العالمية الثانية بدا االهتمام بحقوق‬

‫اإلنسان ‪.17‬‬

‫كذلك مؤسسة تسليم المجرمين كانت محل اهتمام جميع فئات المجتمع في فترة ما بعد ثورة‬

‫الرابع عشر من جانفي والذي أصبحت معه مؤسسة التسليم محل إهتمام سواءا األوساط‬

‫القانونية أو االجتماعية أو السياسية في إطار ما يعرف بالعدالة االنتقالية‪ .‬وذلك السترجاع‬

‫رموز النظام البائد سواءا الرئيس السابق أو أفراد عائلته أو حتى بعض االشخاص الذين‬

‫ينتمون الى محيطه والذين تورطوا معه‪ .‬بالتالي كانت تونس من البلدان الطالبة للتسليم‬

‫للمطالبة باسترجاع الرئيس السابق زين العابدين بن علي وزوجته من السعودية باعتبارها‬

‫الدولة المستقبلة لهم‪ ،‬كذلك كانت قطر دولة مطلوبة لتسليم صخر الماطري‪ ،‬إضافة إلى‬

‫سويسرية وغيرها من البلدان ‪.‬كذلك برزت البالد التونسية في فترة ما بعد الثورة كدولة‬

‫مطالب منها التسليم في قضية البغدادي المحمودي عندما طلبت منها السلطات الليبية‬

‫تسليمه إليها ‪.‬‬

‫‪17‬عبد الغنيث محمود‪ " ،‬تسليم المجرمين على أساس المعاملة بالمثل"‪، 1991 ،‬ص ‪.5‬‬
‫‪12‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫إن التأمل في النظام القانوني للتسليم يدرك أنه يرتبط أشد اإلرتباط بسيادة الدولة‪،‬‬

‫فإجراءات التسليم تنطلق من الزمن الذي يكون فيه الشخص مفتش عنه من قبل العدالة‬

‫لمحاكمته أو تنفيذا للعقوبة الصادرة ضده‪ .‬أول شرط في التسليم هو أن يكون الشخص‬

‫المطلوب تسليمه موجودا فوق التراب التونسي بالتالي ال يمكن النظر في مطلب التسليم إذ‬

‫لم يكن الشخص مقيم فوق التراب التونسي‪ . 18‬هذا المبدأ نص عليه الدستور التونسي‬

‫والعديد من اإلتفاقيات الدولية التي أبرمتها تونس مع الدول الشقيقة‪.‬‬

‫في مقابل ذلك تتمسك كل دولة بحماية مواطنيها وتتجسد هذه الحماية في تكريس مبدأ عدم‬

‫جواز تسليم الدولة لمواطنيها مما يستوجب عيش المواطن فوق تراب دولته وان يحاكم عن‬

‫طريق محاكمه الوطنية وبعد التحقق من جنسية المشبوه فيه وكونه ليس تونسيا وال أجنبيا ‪.‬‬

‫بالنسبة للدولة الطالبة إذا كانت الفعلة المطلوب من أجلها التسليم لم ترتكب فوق ترابها يقع‬

‫البحث في الجريمة المطلوب من أجلها التسليم ‪ . 19‬فالجرائم التي من الممكن من اجلها‬

‫التسليم هي الجرائم التي تخضع لمبدأ االتهام المزدوج والذي يقوم على فكرة عدم عقاب‬

‫شخص على فعلة غير مجرمة بمقتضى قانون الدولة المطلوبة‪ .‬وتخضع كذلك إلى مبدأ‬

‫أخر وهو المتمثل في الحد األدنى من العقاب أي أن المشرع إستبعد من التسليم الجرائم‬

‫التي توصف بمخالفات والعقوبات المالية ويمنح التسليم إذا كان العقاب المستوجب حسب‬

‫قانون الدولة الطالبة عقابا سالبا للحرية تساوي مدته أو تزيد على ستة اشهر بالنسبة لجملة‬

‫‪ 18‬الفصل ‪ 310‬م‪.‬ا‪.‬ج‪.‬‬
‫‪ 19‬الفص ‪ 311‬م‪.‬ا‪.‬ج‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫الجرائم موضوع الطلب‪ .‬وفي صورة المحاكمة يجب أن يكون العقاب المحكوم به من‬

‫محكمة الدولة الطالبة عقابا سالبا للحرية مساويا أو يزيد على شهرين‪.‬‬

‫تجدر اإلشارة أن هذه المبادئ إعتمدت في جل اإلتفاقيات المبرمة بين تونس وعدد من‬

‫الدول مثل ليبيا والجزائر ولبنان والسنيغال والمغرب وموريطانيا ‪.‬إال أنه وقع الترفيع فيها إلى‬

‫ستة أشهر في اإلتفاقية المبرمة بين تونس وايطاليا والى أربعة أشهر في اإلتفاقية المبرمة‬

‫بين تونس وألمانيا‪ ،‬أما المعاهدة المبرمة بين تونس وفرنسا فقد اشترطت أن تقل العقوبة‬

‫المحكوم بها عن ثالثة أشهر سجنا ‪.‬‬

‫من خالل دراسة جميع األحكام المنظمة لمؤسسة التسليم نستخلص أن هذه المؤسسة‬

‫تخضع إلى نظام قانوني محدد سواءا بالقوانين الداخلية أو ضمن اإلتفاقيات الدولية‪ .‬وأخذا‬

‫بعين اإلعتبار كل هذه األحكام نستخلص أنه ال يمكن تسليم المجرم إلى الدولة الطالبة إال‬

‫بتوفر شروطه كما يتوقف إتخاذ قرار التسليم على جملة من اإلجراءات‪ .20‬التجريم المزدوج‬

‫شرط الزم في التسليم يجيب أن تمثل األفعال جريمة في كال النظامين وليس ضروريا أن‬

‫يكون وصف الجريمة من حيث التسمية أو التصنيف متطابقا‪ .‬مع المالحظة أن جميع‬

‫النظم تعاقب كل األفعال الغير مشروعة حتى وان كانت تحت وصف أو تصنيف مختلف‪.‬‬

‫هذه الشروط تتعلق باألشخاص الذين يجوز تسليمهم كذلك بالجرائم والعقوبات الموجبة‬

‫للتسليم‪ .‬بالنسبة لألشخاص الذين يجوز تسليمهم أوال يشترط أن يكون الشخص المطلوب‬

‫تسليمه مفتش عنه من قبل الدولة الطالبة لمحاكمته أو لتنفيذ حكم قد صدر ضده أن يكون‬

‫‪20‬المادة من ‪ 16‬اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية‪.‬‬


‫‪14‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫هذا الشخص موجود ساعة تقديم المطلب بالدولة التونسية‪ .21‬كذلك من الشروط المنصوص‬

‫عليها هو أن يكون الشخص المطلوب تسليمه أجنبيا ذلك انه ال يمكن تسليم التونسيين وهذا‬

‫المبدأ نصت عليه جميع االتفاقيات التي صادقت عليها تونس في مجال التعاون القضائي‪.‬‬

‫و بالتالي يمكن أن يكون الشخص المطلوب تسليمه من مواطني الدولة الطالبة أو من‬

‫مواطني دولة ثالثة أو كذلك من عديمي الجنسية المهم أن ال يكون هذا الشخص من‬

‫مواطني الدولة المطلوبة‪.‬‬

‫نصت المادة السادسة عشر من إتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر‬

‫الوطنية أن تسليم المجرمين بمفهومه العام ينطبق على الجرائم المشمولة بهذه االتفاقية‪ ،‬أو‬

‫في الحاالت التي تنطوي على ضلوع جماعة إجرامية منظمة في ارتكاب مشار إليه في‬

‫الفقرة (ا) و (ب) من المادة الثالثة‪ .‬وضرورة وجود الشخص الذي هو موضوع طلب التسليم‬

‫في إقليم الدولة الطرف متلقية الطلب‪ .‬واليجوز فرض التسليم إذا كان طلب التسليم بسبب‬

‫نوع جنس المتهم‪ ،‬أو عرقه أو ديانته أو أصله أو أراءه السياسية أو أن اإلمتثال لطلب‬

‫التسليم سيلحق ضر ار بوضعية ذلك الشخص ألي سبب من األسباب‪.‬‬

‫ما تجدر مالحظته هو أنه بالرغم من توفر شروط التسليم مثل شرط إزدواج التجريم يمكن‬

‫أن يتوفر مانع من موانع التسليم تحول دون التسليم‪ .‬ويرجع إما ألسباب ذاتية مثل التي‬

‫تتعلق بالشخص المطلوب تسليمه كان يكون منتميا لجنسية الدولة المطلوب منه التسليم أو‬

‫حالة كونه أجنبيا ويخشى أن يمس تسليمه من حقوقه وحرياته األساسية كإنسان أو من‬

‫‪ 21‬الفصل ‪ 310‬م‪.‬ا‪.‬ج ‪.‬‬


‫‪15‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫موانع التسليم ما هو متعلق بمسالة إجرائية متعلقة بمخالفة قواعد االختصاص الجنائي‬

‫الدولي‪ .‬وبصفة عامة فإن اإلختالف بين تشريع الدولة الطالبة والدولة المطلوبة يثير العديد‬

‫من الصعوبات ‪.‬‬

‫كذلك تنص العديد من التشريعات الوطنية واإلتفاقيات الدولية على إمتناع التسليم إذا كانت‬

‫الدعوى الناشئة عن الجريمة قد انقضت بالتقادم أو أن العقوبة المحكوم بها على الشخص‬

‫المطلوب تسليمه قد انقضت أيضا بالتقادم‪ ،‬كذلك من موانع التسليم هو الصبغة السياسية‬

‫للجريمة ‪.‬‬

‫إذا تعددت طلبات اإلسترداد من دول مختلفة على جريمة واحدة فتكون األولوية أوالً للدولة‬

‫التي أخذت الجريمة بمصالحها أو لدولة التي ارتكبت الجريمة في إقليمها‪ .‬واذا كانت‬

‫المطالب متعددة مقدمة ألجل جرائم مختلفة فإنه يؤخذ بعين اإلعتبار في منح االولوية جميع‬

‫الظروف وخاصة مدى خطورة الجريمة ومكان إرتكابها وتاريخ ورود المطالب‪.22‬‬

‫أما إذا إتحدت الظروف فتفضل الدولة التي هي أسبق في طلبات اإلسترداد‪ ،‬واذا لم يتم تسليم‬

‫الشخص بعد مرور ‪ 15‬يوماً على هذا التاريخ جاز اإلفراج عنه وفي جميع األحوال فال بد من‬

‫اإلفراج عنه بانقضاء ‪ 30‬يوماً على التاريخ المحدد للتسليم وال تجوز المطالبة مرة أخرى‬

‫باسترداد عن الفعل أو األفعال التي طلب من أجلها االسترداد‪.‬‬

‫في ختام هذا العرض نالحظ أن بعض الفقهاء يعتقدون أن نظام تسليم المجرمين هو نظام‬

‫يختلط فيه القانون الجنائي بغيره من المواد األخرى‪ ،‬تحكمه قواعد سلوك دولي يصعب فيها‬

‫‪ 22‬الفصل ‪ 314‬م‪.‬ا‪.‬ج‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫توحيد المعايير التي تحكمها‪ .‬وبالرغم من تأثير القواعد اإلجرائية والموضوعية في مجال تسليم‬

‫‪23‬‬
‫من ناحية والى‬ ‫المجرمين فهو مازال في نظر هؤالء الفقهاء يفتقر إلى اإلنضباط القانوني‬

‫الوحدة واالنسجام الذي يحكمه من ناحية أخرى‪.‬‬

‫بالنسبة إلى االنضباط القانوني يالحظ ذاك من خالل التداخل بين الجريمة السياسية‬

‫والجريمة اإلرهابية وبعض أصناف الجرائم األخرى وصعوبة التمييز بين كل هذه الجرائم في‬

‫الكثير من األحيان‪ .‬أما بالنسبة إلى النظام القانوني للتسليم فهو يفتقر إلى الوحدة واإلنسجام‬

‫وذلك من خالل الموانع اإلجرائية التي تحول دون التسليم‪ ،‬فمن شروط الجريمة التجريم‬

‫المزدوج ‪،‬خطورة الجريمة المطلوب من أجلها التسليم‪ ،‬إقصاء الجرائم السياسية واقصاء‬

‫الجرائم التي سقطت بالتقادم‪ .‬بالنسبة إلى مسالة التسليم في الجرائم السياسية يجيب التمييز‬

‫بينها بين العديد من الظواهر اإلجرامية التي قد تؤدي إلى بعض الخلط مثل التداخل‬

‫الحاصل بين الجريمة السياسية والجريمة اإلرهابية ‪.24‬‬

‫إعتبا ار لكون التعريف بنظام التسليم ال يقتصر على بيان المدلول اللغوي واإلصطالحي‬

‫لفكرة تسليم المجرمين ''‪ ،''extradition‬فمصطلح تسليم المجرمين ذو اصل التيني يطلق‬

‫عليه بالالتينية ''‪ ''Extradee‬وأغلب التشريعات الوطنية إستعملت نفس المصطلح والفقه‬

‫وفقه القضاء إستعملوا مصطلح ''‪ ''extradition‬سواءا باللغة الفرنسية أو االنكليزية‬

‫وترجمته إلى اللغة العربية '' تسليم المجرمين ''‪ .‬بالتالي وان كانت أغلب التشريعات‬

‫‪23‬‬
‫سليمان عبد المنعم‪ ،‬نفس المرجع‪,‬ص‪. 28‬‬

‫‪17‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫واإلتفاقيات قد توحدت في استخدام المصطلح هل توحدت في النظام القانوني للتسليم ومن‬

‫هذا المنطلق فان دراسة مسالة تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات‬

‫السياسية تطرح اإلشكالية القانونية التالية‪:‬‬

‫ما مدى تأثير العوامل السياسية على النظام القانوني لتسليم المجرمين ؟‬

‫الإلجابة عن هذه اإلشكالية ولإللمام بكل الجوانب التي تقتضيها دراسة هذا الموضوع تقتضي‬

‫منا التعرض في ( جزء أول) إلى تأثير العوامل السياسية على شروط التسليم و في (جزء‬

‫ثاني ) إلى تأثير العوامل السياسية على إجراءات التسليم ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫الجزء أول‪ :‬تأثير العوامل السياسية على شروط‬


‫التسليم‬

‫‪19‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫يعد موضوع تسليم المجرمين من المسائل الهامة والحساسة باعتبار انه آلية فعالة لمكافحة‬

‫الجريمة التي تمس من سيادة الدولة خاصة أمام تفاقم الجرائم التي أصبحت تستهدف‬

‫اإلنسانية بوجود شبكات دولية منظمة الرتكاب الجرائم‪ ،‬كتهريب المخدرات واإلرهاب الدولي‬

‫الذي تفشى في أكثر من دولة‪ ،‬وبالنظر ألهمية هذه المؤسسة وضع المشرع لمؤسسة تسليم‬

‫المجرمين نظاما قانونيا خاص به‪.‬‬

‫بالنسبة إلى شروط تسليم المجرمين فهي تنقسم إلى شروط متعلقة بالجريمة والمجرمين‬

‫وشروط متعلقة بالعقوبة‪ .‬في هذا الجزء ستقوم بدراسة تأثير الصبغة السياسية للجريمة على‬

‫شروط التسليم المتعلقة بالجريمة والمجرمين ‪.‬‬

‫شروط التسليم حسب مقتضيات مجلة اإلجراءات الجزائية واالتفاقيات المبرمة بين‬

‫الجمهورية التونسية وعدد من الدول تتعلق بالجريمة مثل شرط التجريم المزدوج‪ ،‬خطورة‬

‫الجريمة المطلوب ألجلها التسليم والذي تم في ظله إقصاء بعض الجرائم من التسليم مثل‬

‫الجرائم السياسية ‪.‬إضافة إلى الشروط المتعلقة بالمجرم والتي بفضل تأثير العوامل السياسية‬

‫أصبح من الممكن أن يتمتع المجرم السياسي من اإلعفاء من التسليم ‪ .‬بالتالي في هذا‬

‫الجزء سنقوم بتحديد شروط التسليم التي قد تؤثر فيها الصبغة السياسية للجريمة ‪.‬‬

‫من هذا المنطلق سنقوم في هذا الجزء بدراسة تأثير العوامل السياسية على الشروط الخاصة‬

‫بالجريمة والمجرمين (الفصل االول ) ‪ .‬ومظاهر تأثير العوامل السياسية على شروط التسليم‬

‫(الفصل الثاني)‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫الفصل الول‪ :‬تأثير العوامل السياسية على الشروط الخاصة بالجريمة‬

‫والمجرمين‪:‬‬

‫يتسم التسليم كإجراء تعاون دولي بتأثره ببعض المفاهيم الدولية المشتركة والمرتبطة بحماية‬

‫حقوق اإلنسان من ذلك منع التسليم في الجرائم السياسية أو إذا كان الهدف من التسليم‬

‫معاقبة شخص ألسباب دينية أو عرقية أو عنصرية أو تتعلق بجنسية أو رأي سياسي‪.‬‬

‫بالتالي نظام التسليم في تتبع الجرائم الدولية يثير عددا من الصعوبات تتعلق بطبيعة‬

‫الجريمة الدولية في حد ذاتها والتي تختلف عن باقي الجرائم من حيث خطورتها وارتكابها‬

‫داخل الدولة ولحسابها لتحقيق اغراض سياسية وفي أغلب األحيان يكون مرتكبوا هذه‬

‫الجرائم من أصحاب السلطة أو من األشخاص الذين يتمتعون بالحصانة مما يحول دون‬

‫مساءلتهم قانونيا ومتابعتهم قضائيا ‪.‬‬

‫بحيث أ ن مؤسسة التسليم تتأثر بمفاهيم دولية مثل حماية حقوق اإلنسان خاصة تلك‬

‫المرتبطة بحماية الحرية السياسية وتكريس ضمانات المتهم الشرعية‪ .‬دراسة تأثير العوامل‬

‫السياسية على الشروط المتعلقة بالجريمة والمجرم تتطلب التعمق في دراسة الشروط‬

‫الخاصة بالجريمة السياسية (المبحث الول) والشروط الخاصة بالمجرم السياسي (مبحث‬

‫ثاني ) ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫المبحث ال ول ‪ :‬الشروط الخاصة بالجريمة السياسية‪:‬‬

‫جل اإلتفاقيات والتشريعات الوطنية إستبعدت بعض الجرائم والعقوبات من التسليم‪ ،‬فالبعض‬

‫منها كان يستبعد الجرائم السياسية والعسكرية وحتى بعض الجرائم المالية من نطاق التسليم‪.‬‬

‫وان كان إقصاء بعض الجرائم من التسليم ال يثير إشكاال فإن األمر ليس كذلك بالنسبة إلى‬

‫التسليم في الجرائم السياسية وذلك نظ ار إلى غموض مفهوم الجريمة السياسية‪ .‬التسليم في‬

‫الجرائم السياسية يطرح العديد من اإلشكاليات من ذلك صعوبة تعريف الجريمة السياسية‬

‫واختالط الجريمة السياسية بغيرها من الجرائم األخرى مثل الجريمة اإلرهابية ‪.‬‬

‫يمثل تعريف الجريمة السياسية عائقا أمام إعمال شرط ازدواج التجريم‪ ،‬فبالرغم من أن جل‬

‫التشاريع الوطنية واإلتفاقيات تمنع التسليم في الج ارئم السياسية ‪ .‬إال أن صعوبة تعريف‬

‫الجريمة السياسية مرتبط بعقلية معينة للمجتمع ومدى إعترافه بالحقوق والحريات السياسية‪.‬‬

‫مبدئيا إ ضفاء الوصف القانوني للجريمة بكونها جريمة سياسية أم ال يتأثر بالنظام السياسي‬

‫السائد أي إن كان نظاما ديمقراطيا أم ديكتاتوريا ‪ .‬كما أن اإلشكال المطروح يتعلق بمعرفة‬

‫ما إذا كانت الجريمة العادية المرتبطة بالجريمة السياسية تعتبر سياسية في مجملها وتنطبق‬

‫عليها أحكام الجريمة السياسية ‪.‬‬

‫األهم وقبل الخوض في هذه المسائل ولإللمام بالنظام القانوني للتسليم والبحث عن‬

‫اإلشكاليات القانونية التي يطرحها التسليم في الجرائم السياسية يجيب تعريف الجريمة‬

‫السياسية (فقرة أولى ) ومن ثم البحث في خصائص الجريمة السياسية (فقرة ثانية )‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫الفقرة ال ولى ‪ :‬تعريف الجريمة السياسية‪:‬‬

‫بالرغم من أن العديد من التشريعات الوطنية واإلتفاقيات تكرس مبدأ عدم التسليم في الجرائم‬

‫السياسية إال أن مفهوم الجريمة السياسية يبقى مفهوما غامضا يعتريه بعض اللبس‪ .‬أدى‬

‫ظهور الحكومات الديكتاتورية في النصف األول من القرن العشرين إلى توسع مفهوم‬

‫الجريمة السياسية‪ .‬فقد أضاف مشروع اتفاقية هارفارد لتسليم المجرمين إلى قائمة المخالفات‬

‫السياسية أعماال أخرى كالتجنس والخيانة واثارة الفتنة ‪.‬‬

‫في العديد الحاالت قد يؤدي الخالف السياسي إلى أن ترتكب عرضا جرائم عادية يصبح‬

‫معها تصنيف الجريمة أم ار مستعصيا‪ .‬فعادة إذا كانت الصبغة السياسية هي الغالبة تكون‬

‫الجريمة سياسية ويتمتع مرتكبها باإلعفاء من التسليم أما إذا كان اإلج ارم العادي هو الذي‬

‫يغلب عليها تخضع بذلك الجريمة إلى القانون العام ‪.‬‬

‫هذه المسأ لة تطرح إشكالية حقيقية تتمثل في صحة تطبيق القانون باعتبار أن السياسة‬

‫مسالة غير قانونية تأثر إلى حد ما على تطبيق القانون‪ .‬كذلك مسألة إرتباط الجريمة‬

‫العادية بالجرائم السياسية هل أنها تأخذ حكم الجريمة السياسية أم أنها تبقى من الجرائم التي‬

‫يجوز فيها التسليم هذه أيضا تبقى من أهم اإلشكاليات القانونية التي تواجه رجل القانون‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫يرى بعض الفقهاء أن الجريمة السياسية هي كل إعتداء يمثل جريمة في قانون العقوبات‬

‫ينال بالضر أو خطر اإلضرار بمصلحة سياسية للدولة أو يكون الباعث على إرتكابها‬

‫سياسيا إما دفاعا عن رأي سياسي أو فكري ‪.25‬‬

‫السؤال الذي يطرحه تعريف الجريمة السياسية هو معرفة المعيار الذي يمكننا من تكييف‬

‫الجريمة على أنها سياسية والمعايير التي تميزها عن الجرائم األخرى‪ .‬المشرع عادة ال‬

‫يتطرق إلى تعريف الجريمة السياسية في نصوص قانونية‪ .‬سبب هذا العزوف عن تعريف‬

‫الجريمة السياسية هو كون تعريف هذه الجريمة يعكس بالضرورة الفكر السياسي والنظام‬

‫القانوني القائم ومدى اإلعتراف بالحقوق والحريات األساسية ‪.‬‬

‫بالنسبة إلى المعايير المميزة للجرائم السياسية فهي تختلف من دولة إلى أخرى فان كانت‬

‫كل الدول تتفق في منع التسليم في الجرائم السياسية إال أنها تختلف في األحكام اإلجرائية‬

‫والموضوعية التي تخص الجرائم والمجرمين السياسيين‪ .‬فالسؤال الذي يطرح نفسه من يحدد‬

‫الطبيعة السياسية للجريمة خاصة في غياب تعريف واضح للجريمة السياسية في القوانين‬

‫الداخلية وفي اإلتفاقيات ؟‬

‫إن المتفق عليه هو أن الدولة المطلوب منها التسليم هي من تحدد الصفة السياسية‬

‫للجريمة لكن بالتأمل في األحكام القضائية وبعض اإلتفاقيات ندرك أن تعريف الجريمة‬

‫السياسية كان ضيقا نوعا ما‪ .‬مما قد يؤدي إلى إختالف في تكييف الجريمة السياسية بين‬

‫‪25‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪. .103‬‬


‫‪24‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫الدولة الطالبة والدولة المطلوبة‪ .‬هذه المسألة تعد ايضا من أهم اإلشكاليات القانونية التي‬

‫تطرحها مسالة تسليم المجرمين ‪.‬‬

‫يرى بعض الفقهاء أن الجريمة تكون سياسية بالنظر للظروف التي إرتكبت في ظلها‬

‫والدوافع التي حثت على إرتكابها حتى وان كان في بعض األحيان هذا العمل يشكل في حد‬

‫ذاته جريمة عادية ‪ .‬وعلى الرغم من صيرورة عدم جواز التسليم في الجرائم السياسية التي‬

‫تعتبر من مسلمات النظام القانوني للتسليم‪ .‬إال أن الجريمة السياسية تطرح إشكال ليس فقط‬

‫حول تعريفها وانما أيضا صعوبات أخرى تتعلق بالجرائم المرتبطة بها والجرائم المتداخلة‬

‫معها ‪.‬‬

‫بالنسبة للمعايير التي يمكن االستناد إليها لتكييف الجريمة السياسية اسند الفقهاء في تكييفهم‬

‫لهذه الجريمة إلى معيارين اثنين وهما المعيار الموضوعي والشخصي‪ .‬بذلك تتعدد التعاريف‬

‫الفقهية المقترحة لتعريف الجريمة السياسية باختالف المعيار المعتمدة‪.‬‬

‫بالنسبة للمعيار الموضوعي فهو يعتبر الجريمة سياسية متى كانت تمثل عدوانا على‬

‫مصلحة سياسية للدولة أو على حق سياسي للفرد بصرف النظر عن الدافع الرتكابها‪.‬‬

‫بالتالي تستمد الصفة السياسية من الموضوع الذي إنصبت عليه الجريمة‪ .‬وتعد جرائم‬

‫سياسية محاولة قلب نظام الحكم في الدولة واإلخالل بأمنها والغش في االنتخابات‬

‫والتجمهر‪ .‬فالمعيار الموضوعي هو المعيار األكثر قبوال لدى الفقه إذ يستند على طبيعة‬

‫الحق المعتدي عليه‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫بالنسبة للمعيار الشخصي فيعتبر الجريمة سياسية متى كان الهدف من إرتكابها هدفا‬

‫سياسيا حتى ولو كانت الجريمة من حيث موضوعها جريمة عادية‪ ،‬كجريمة القتل أو‬

‫السرقة ‪ .‬هذا المعيار يوسع من نطاق الجريمة السياسية إذ يجعلها تشمل جرائم قد تبدو في‬

‫جوهرها جرائم عادية‪ ،‬كاإلعتداء على حياة رئيس الدولة أو قتل معارضي الحكومة ‪.‬‬

‫اإلتجاه السائد يالحظ أن هناك تسييس للجريمة ففي التطبيق ال يوجد معيار محدد معتمد‬

‫بشأن تكييف الجريمة السياسية‪ .‬تكييف الجريمة على أنها سياسية له طبيعة نسبية ومختلفة‬

‫ترتبط بالنظام السياسي القائم في دولة ما من ناحية ومنظومة الحقوق والحريات السياسية‬

‫المعترف بها لألفراد من ناحية أخرى‪ .‬كلما تم تضييق رقعة حقوق والحريات كلما يتم تضيق‬

‫رقعة الحقوق السياسية المعترف بها‪ .‬وذلك بعكس النظم السياسية الديمقراطية والتي يتسع‬

‫في ظلها دائرة الحقوق والحريات السياسية وتفرد بعقوبات مخففة‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك يجيب التمييز بين الجريمة السياسية الخالصة والجريمة التي يطلق عليها‬

‫الفقهاء الجريمة الشبه سياسية‪ .‬فالجريمة السياسية هي التي تكتسب طبيعتها السياسية وفقا‬

‫للمعيار الشخصي والمعيار الموضوعي معا‪ .‬فهي التي تمثل بدافع سياسي عدوانا على‬

‫النظام السياسي للدولة فيما يجسده من المصالح السياسية الداخلية‪ ،‬أو فيما يعترف به من‬

‫حقوق سياسية لإلفراد‪ . 26‬المعيار الشخصي يتمثل في الدافع السياسي من وراء إرتكاب‬

‫الجريمة أما المعيار الموضوعي فيتجسد في وقوع الجريمة على النظام السياسي للدولة ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫بالتالي هناك أفعال مستبعدة من مفهوم الجريمة السياسية والتي تمثل اإلعتداء على‬

‫المصالح الخارجية للدولة مثل جرائم التجسس والخيانة وبصفة عامة كافة الجرائم المخلة‬

‫بأمن الدولة‪ .‬أم ا الجريمة السياسية العارضة فهي في الحقيقة من جرائم القانون العام العادية‬

‫مثل جرائم التخريب واإلتالف التي تحدث بمناسبة أحداث سياسية كالتمرد أو العصيان‬

‫المدني‪ .‬بالنسبة للجريمة الشبه سياسية فهي الجريمة التي يتوفر فيها أحد المعيارين دون‬

‫األخر‪.‬‬

‫تعريف الجريمة السياسية يقتضي منا التمييز بينها وبين اإلعتداء على األمن الداخلي‬

‫والخارجي للدولة‪ .‬فلئن كانت جرائم اإلعتداء على األمن الداخلي مثل الشروع في تغيير‬

‫الدستور أو شكل الحكومة بالقوة أو إنشاء تنظيمات مخالفة للدستور وج ارئم التظاهر‬

‫السياسي واإلنتخابات والنشر تنتمي إلى صنف الجرائم السياسية‪ . 27‬فاألمر ليس كذلك‬

‫بالنسبة لجرائم اإل عتداء على األمن الخارجي مثل الخيانة والتجسس فهي ال تعتبر جريمة‬

‫سياسية بالتالي تم نزع الصفة السياسية عن جرائم اإلعتداء على أمن الدولة الخارجي‪.‬‬

‫يمكن تب رير ذلك بأنه ال يمكن إضفاء البعد األخالقي على الجريمة العادية مقارنة بالجريمة‬

‫السياسية‪ ،‬فاإلعتداء على األمن الخارجي يتنافى مع مفهوم اإلنتماء كذلك تكييف الجريمة‬

‫السياسية ال يكون إال في إطار نظام قانوني داخلي أما األمن الدولي الخارجي فهي يتعلق‬

‫بنظام قانوني دولي ‪.‬‬

‫‪ 27‬سليمان عبد المنعم ‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬ص ‪.165‬‬


‫‪27‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫في خصوص إ رتباط الجريمة السياسية بجرائم القانون العام يالحظ من خالل التعاريف‬

‫الفقهية والتشريعية أنها تتسم بالغموض‪ .‬بحيث يبرز تداخل كبير بين الجرائم السياسية‬

‫والجرائم األخرى المتعلقة بأمن الدولة الداخلي والخارجي مما يجعل التعاريف قاصرة عن‬

‫‪28‬‬
‫‪.‬‬ ‫بيان المعنى الحقيقي للجريمة السياسية‬

‫ونستخلص مما سبق أن إشكالية الجريمة السياسية في العصر الراهن تكمن في إنتشار‬

‫ظواهر إجرامية تشبه الجريمة السياسية دون أن تكون منها مثل الجرائم المذهبية والجرائم‬

‫السياسية العارضة التي تكون بمناسبة أحداث سياسية عارضة ‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬خصائص الجريمة السياسية‪:‬‬

‫الجريمة السياسية تطرح العديد من اإلشكاليات سواءا على المستوى النظري أو التطبيقي‪.‬‬

‫هذا المصطلح كما رأينا في فقرة سابقة يشوبه اإللتباس ويفتقر إلى الوضوح وذلك بسبب‬

‫اإلفتقار لتعريف واضح لهذه الجريمة وصعوبة إضفاء الوصف السياسي على هذه الجريمة‬

‫عندما تكون مرتبطة بجرائم أخرى مثل الجريمة اإلرهابية أو الجريمة العادية أو حتى أنواع‬

‫أخرى من الجرائم‪ .‬ومن هذا المنطلق تعريف الجريمة السياسية ليس محل إتفاق وقد يختلط‬

‫تعريف الجريمة السياسية بالجريمة العادية أو حتى بالجريمة االرهابية‪.‬‬

‫‪ 28‬خباب الماجري‪ " ،‬التعاون القضائي العربي في مجال مكافحة الجريمة االرهابية "‪ ،‬الهيئة الوطنية للمحامين فرع تونس‪،‬‬
‫‪ .2013/20152‬ص‪.9‬‬
‫‪28‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫أ‪ -‬الجريمة السياسية والجريمة العادية‪:‬‬

‫بالنسبة إلى التمييز بين الجريمة العادية والجريمة السياسية يرى بعض الفقهاء أنه يمكن‬

‫اإلعتماد على ثالث مذاهب المذهب الشخصي والمذهب الموضوع والمذهب المختلط‬

‫للتمييز بين كلتا الجريمتين‪ .‬بالنسبة للمذهب الشخصي فهو يرتكز للتفريق بين الجرائم‬

‫العادية والجرائم السياسية على الدافع أو القصد أو الغرض الذي من اجله ارتكبت الجريمة‬

‫دون اإللتفات إلى موضوع الجريمة أو المصلحة التي تهددها‪ .29‬أما المذهب الموضوعي‬

‫يرى أنصاره أن إضفاء الصفة السياسية على جريمة يتوقف على طبيعة الفعل ذاته فتكون‬

‫الجريمة سياسية إذا كانت موجهة ضد الدولة أما في غير هاته الحالة فهي جريمة عادية‪.‬‬

‫بالنسبة للمذهب المختلط وهو مذهب يمزج بين المذهب الشخصي والمذهب الموضوعي‬

‫الذي يعتبر معيا ار توفيقيا يرى الغاية والموضوع متالزمان‪ .‬وبالتالي يكون تحديد الجريمة‬

‫السياسية معتمدا على محل الجريمة والشخص الفاعل ونوع الفعل والهدف من إرتكاب‬

‫الجريمة‪.‬‬

‫من خالل دراسة القوانين المنظمة لمؤسسة التسليم نستخلص أن الجريمة العادية هي‬

‫الجريمة التي ال تنتمي إلى مجموعة من الجرائم التي ال ينطبق عليها نظام تسليم‬

‫المجرمين‪ .‬وقد جرى العرف الدولي على عدم جواز التسليم في الجرائم معينة منها الجرائم‬

‫العسكرية والجرائم السياسية والجرائم ضد الدين‪.‬‬

‫‪ 29‬غمام حسنين عطا هللا ‪ "،‬اإلرهاب البنيان القانوني للجريمة " ‪ ،‬دارالمطبوعات الجامعية‪.2004 ،‬ص ‪.352‬‬
‫‪29‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫وقد كانت القاعدة القديمة هي جواز تسليم المجرمين السياسيين إال أنه منذ سنة ‪ 1832‬بدأ‬

‫االتفاق على عدم تسليم المجرمين السياسيين ( معاهدة بين فرنسا وسويس ار) وانقسم الفقه‬

‫إلى فريقين‪ .‬فريق أول يجيز تسليم المجرمين السياسيين مقارنة بالمجرمين العاديين ألن‬

‫جرائهم ال تقل خطورة عن جرائم الحق العام وقد تفوقها خطورة ألنها تهدد أمن الدولة‪.‬‬

‫والفريق الثاني يرفض تسليم المجرمين لعدة أسباب‪:‬‬

‫أوال ألن عنصر اإلجرام في الجرائم السياسيه أقل خطورة مقارنة بالجرائم العادية‪ ،‬وثانيا ألن‬

‫تسليم المجرمين السياسيين يعتبر تدخال في شؤون الدولة التى تطالب بالتسليم‪ ،‬وكذلك ألن‬

‫الدولة طالبة التسليم قد ال تستطيع محاكمة خصومها السياسيين ويمكن أن تلجأ إلى أساليب‬

‫أخرى مثل اإلنتقام ‪.‬‬

‫ب‪ -‬الجريمة السياسية والجريمة اإلرهابية‪:‬‬

‫إتسم العصر الحديث بانتشار ظاهرة اإلرهاب التي أدت إلى إهتزاز أمن المجتمعات‬

‫واستقرارها‪ .‬فالجريمة اإلرهابية تختلف عن الجريمة الفردية البسيطة من حيث أهدافها‬

‫وأشكالها ووسائلها‪ .‬وتأكيدا على خطورة الجريمة اإلرهابية مقارنة بالجريمة السياسية نصت‬

‫إتفاقية منظمة الوحدة اإلفريقية لمنع ومكافحة اإلرهاب في ديباجتها أنه ''نحن الدول‬

‫األعضاء في منظمة الوحدة اإلفريقية آخذين بعين االعتبار ولقلقنا الشديد على مدى خطورة‬

‫ظاهرة اإلرهاب والمخاطر التي تشكلها على الإلستقرار وأمن الدول ورغبة منا في تعزيز‬

‫التعاون بين الدول األعضاء من أجل إحباط ومواجهة اإلرهاب‪ .‬وإلعادة تأكيد الحق الشرعي‬

‫‪30‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫للشعوب في حق تقرير المصير واالستقالل الذي يتفق مع مبادئ القانون الدولي ونصوص‬

‫ميثاق منظمة الوحدة اإلفريقية‪ ،‬وكذلك الميثاق األفريقي فيما يتعلق بحقوق اإلنسان‬

‫والشعوب‪ .‬ولقلقنا من أن اإلرهاب يشكل إنتهاكا خطي اًر لحقوق اإلنسان وبصفة خاصة‬

‫الحقوق المتعلقة بالتكامل الطبيعي‪ ،‬والحياة والحرية‪ ،‬واألمن‪ ،‬واعاقة التطور اإلجتماعي‬

‫واإلقتصادي الناجم عن عدم إستقرار الدول‪ .‬ولقناعتنا أكثر بأن اإلرهاب أمر ال يمكن تبريره‬

‫تحت أية ظروف‪ ،‬وبناء على ذلك يجب مواجهته في جميع أشكاله ومظاهره‪ ،‬بما في ذلك‬

‫اإلرهاب الذي تتورط فيه دول بشكل مباشر‪ ،‬أوغير مباشر‪ ،‬بغض النظر عن جذوره ‪،‬‬

‫وأسبابه ‪ ،‬وأهدافه ‪ .‬وألننا على دراية بالروابط المتنامية بين اإلرهاب والجريمة المنظمة‪ ،‬بما‬

‫في ذلك التجارة المحظورة لألسلحة‪ ،‬والمخدرات‪ ،‬وغسيل األموال‪ ،‬فقد عقدنا العزم على‬

‫القضاء على اإلرهاب بجميع أشكاله ''‪.‬‬

‫بالتالي مواجهة اإلرهاب ليس فقط على مستوى تكريس آليات فعالة للتصدي للجريمة‬

‫اإلرهابية وانما أيضا مواجهة اإلرهاب تكون بوضع نصوص قانونية واضحة المعالم ال‬

‫تطرح إشكاالت قانونية شائكة تجعل من نجاعة النص القانوني مسألة نسبية‪ .‬غموض‬

‫النص القانوني من األسباب التي تجعل تطبيق النص الجزائي فاقدا لجدواه باعتبار أن‬

‫الشك في القانون الجزائي يستفيد به المتهم‪ .‬فغياب تعريف للجريمة اإلرهابية أو عدم توخي‬

‫الدقة في تعريف الجريمة من شأنه أن يخلق مشاكل قانونية ال يستفيد منها إال المتهم الذي‬

‫يمكن له التفصي من العقاب‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫و بما أن العنف هو أ حد حقائق العصر الذي نعيشه حسب رأي العديد من الفقهاء وهو في‬

‫نفس الوقت من العناصر المكونة لإلرهاب وأهم مظهر من مظاهر الممارسة السياسية‪.‬‬

‫ومع تعدد المسميات والتعريفات وتباين المبررات والمسببات حصل خلط واضح في الكثير‬

‫من األحيان بين مختلف الجرائم نظ ار لتشابهها جميعها لما تتسم به من عنف ووحشية وقهر‬

‫لإلرادة اإلنسانية ومغاالة في سفك الدماء‪.30‬‬

‫هذا ما أدى إلى الخلط بين الجريمة اإلرهابية والجريمة السياسية‪ ،‬واألسباب في هذا الخلط‬

‫تعود إلى المجتمع الدولي الذي لم يتوصل إلى حد هذا اليوم إلى تحديد مفهوم الجريمة‬

‫السياسية وتحديد معالم الظاهرة اإلرهابية بصفة عامة‪ .‬السبب في ذلك يرجع إلى إختالف‬

‫مصالح الدول ومحاولة كل منها فرض رأيها وتوجهاتها بما يحمي مصالحها الخاصة وما‬

‫يتفق مع مبادئها‪ . 31‬خاصة وأن مصطلح اإلرهاب دخيل على اللغة العربية حتى اليوم‪،‬‬

‫والذي كان‬ ‫فالمعنى األصلي للكلمة له ارتبط بالسياسة رغم أنه يرجع إلى الثورة الفرنسية‬

‫أسلوبا تعتمده لإلطاحة بالديكتاتوريات ‪.‬‬

‫غياب تعريف للجريمة اإلرهابية يطرح إشكال كبير على المستوى القانوني والسبب في ذلك‬

‫هو تعدد األفعال المادية التي تكون الجريمة اإلرهابية وهي أفعال متأتية من القانون العام‪.‬‬

‫هذه المسائل تجعل من اإلرهاب جريمة معقدة‪ ،‬يجعل تكييف الوقائع التي تتعلق بها ليس‬

‫باألمر الهين ‪.‬‬

‫‪ 30‬محمود داوود يعقوب ‪"،‬المفهوم القانوني لالرهاب "‪،‬منشورات زين الحقوقية ‪. 2012,‬ص‪.14‬‬
‫‪ 31‬نزار كرمي ‪" ،‬الجريمة اإلرهابية "‪ ،‬مجمع األطرش للكتاب المختص ‪ .2016,‬ص ‪.10‬‬
‫‪32‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫‪-1‬الخلط في المفهوم‪:‬‬

‫إنطلق التعرض إلى الجريمة اإلرهابية بنصوص تشريعية منظمة لإلرهاب من ذلك الفصل‬

‫‪ 113‬من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية‪ .‬بموجب تنقيح هذه المجلة في ‪ 27‬فيفري‬

‫‪ .1989‬ثم تم تنقيح المجلة الجزائية بمقتضى القانون عدد ‪ 112‬لسنة ‪ 1993‬المؤرخ في‬

‫‪ 22‬فيفري ‪ 1993‬بإضافة الفصل ‪ 52‬مكرر المتعلق بالجريمة اإلرهابية والذي الغي فيما‬

‫بعد بالفصل ‪ 103‬من قانون ‪ 10‬ديسمبر ‪.2003‬‬

‫وكما نعرف كانت الدوافع وراء إصدار هذا النص سياسية بحتة‪ ،‬باعتبار كان وسيلة‬

‫للسيطرة على المتطرفين الدينيين بغاية الوصول إلى السلطة والمعارضين لنظام الحكم وكان‬

‫أداة لدى النظام الحاكم لقمع المعارضة‪ .‬كما قام المشرع بتنقيح مجلة اإلجراءات الجزائية‬

‫بموجب القانون عدد ‪ 113‬لسنة ‪ 1998‬المؤرخ في ‪ 1998/11/22‬وأضاف فقرة جديدة‬

‫للفصل ‪ 305‬من نفس المجلة وفصال جديدا الفصل وهو ‪ 307‬مكرر فضال عن تنقيح‬

‫الفصل ‪ 313‬من م ‪.‬ا‪.‬ج‪.‬‬

‫لكن اإلشكال يتعلق بإبقاء نفس اإلجراءات المتعلقة بالجريمة العادية لتطبق على الجريمة‬

‫اإلرهابية‪ .‬وبموجب قانون ‪ 2003‬تم تنقيح األحكام سالفة الذكر فقد صدر قانون ‪ 12‬أوت‬

‫‪ 2009‬وكان هذا القانون شامال لعديد األحكام تطبق على جملة من الج ارئم ويمكن تطبيق‬

‫هذا القانون على الجرائم اإلرهابية وكذلك على المعارضين السياسيين ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫بالتالي غياب تعريف الجريمة اإلرهابية يجعلها ظاهرة إجرامية يشوبها الغموض واإلبهام‬

‫مما يصعب معه تكييفها بالجريمة على أنها إرهابية أو سياسية‪ .‬فحتى قانون عدد ‪ 75‬لسنة‬

‫‪ 2003‬المؤرخ في ‪ 2003 /12/10‬المتعلق بمكافحة اإلرهاب وغسل األموال عرف الجرائم‬

‫اإلرهابية بكونها الج ارئم العامة التي تستهدف األشخاص والممتلكات وتكون بغرض إلى‬

‫تخويف والترويع‪ . 32‬من أسباب إلغاء هذا القانون هو قصوره عن تحديد واضح لمفهوم‬

‫الجريمة اإلرهابية وكذلك فقد إتسم بالشدة في العقاب وتوسيع دائرة التجريم إضافة إلى‬

‫إحتوائه على عبارات فضفاضة في جملة الفصوله الشيء الذي قد يؤدي في الكثير من‬

‫الحاالت الى تصنيف بعض الجرائم العادية أو السياسية بكونها جرائم إرهابية ‪.‬‬

‫بالنسبة لقانون عدد ‪ 26‬لسنة ‪ 2015‬مؤرخ في ‪ 07‬أوت ‪ 2015‬الذي يتعلق بمكافحة‬

‫اإلرهاب ومنع غسل األموال هذا القانون جاء لتفادي نقائص القانون السابق عدد‪2003/75‬‬

‫الذي كان محل نقد ‪.‬‬

‫وأوضح وزير العدل السابق محمد صالح بن عيسى أن اللجنة المكلفة بإعداد مشروع‬

‫القانون إستلهمت أعمالها من المعايير الدولية ومن الممارسات الفضلى في مجال مقاومة‬

‫اإلرهاب والحرص على تحقيق معادلة صلب هذا القانون بين حق المجتمع في األمن‬

‫واالستقرار والحق في محاكمة عادلة‪.33‬‬

‫‪ 32‬الفصل عدد ‪ 4‬من القانون عدد ‪ 75‬لسنة المؤرخ في ‪ 10‬ديسمبر‪ 2003‬المتعلق بمكافحة المجهود الدولي لمكافحة اإلرهاب وغسل‬
‫االموال ‪.‬‬
‫‪i33‬نص الفصل االول من قانون عدد ‪ 26‬لسنة ‪ 2015‬مؤرخ في ‪ 7‬اوت ‪ 2015‬و الذي يتعلق بمكافحة االرهاب ومنع غسل االموال‬
‫أنه '' يهدف هذا القانون االساسي إلى التصدي لإلرهاب وغسل االموال والوقاية منها‪ ،‬كما يدعم المجهود الدولي في هذا المجال طبقا‬
‫للمعايير الدولية وفي إطار االتفاقيات الدولية واإلقليمية والثنائية المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية ''‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫وأضاف أنه تم تحديد نطاق التجريم من خالل توضيح الجريمة اإلرهابية والغاء األحكام‬

‫الجزائية العامة وأن تعريف الجريمة اإلرهابية في هذا القانون أكثر وضوحا من قانون‬

‫‪ ،2003‬فقد تم التنصيص على جرائم جديدة مستقلة بذاتها مثل التحريض على الجرائم‬

‫اإلرهابية وأفعال المساندة‪ ،‬وأنه من خصائص القانون الجديد دعم وسائل التحري الخاصة‬

‫بالجرائم اإلرهابية مثل االختراق ووسائل التجسس واإلتصال بصفة سرية‪ .34‬وأفاد أن القانون‬

‫أكد على ضرورة توفير المعطيات الداخلية والخارجية الالزمة لمكافحة اإلرهاب وعلى‬

‫ضرورة إحداث اللجنة الوطنية لمكافحة اإلرهاب ويعمل على دعم المجهود الدولي لمكافحة‬

‫اإلرهاب من خالل رفضه لتصنيف أو تكييف الجرائم اإلرهابية كجرائم سياسية وتكريس‬

‫لواجب االمتناع عن فتح حسابات مصرفية سرية‪.‬‬

‫مسالة الخلط بين الجريمة االرهابية والجريمة السياسية كانت إحدى إهتمامات المشرع عند‬

‫سنه لقانون ‪ 2015‬المتعلق بمكافحة اإلرهاب ومنع غسل األموال‪ .‬لكن بالرغم من تعريف‬

‫هذا القانون للجريمة اإلرهابية إال أن اللبس مزال قائما باعتبار التشابه الكبير لألفعال‬

‫المكونة لكلتا الجريمتين ‪.‬‬

‫فقد نص الفصل ‪ 87‬من هذا القانون أنه'' ال يمكن إعتبار الجرائم اإلرهابية‪ ،‬بأي حال‬

‫من األحوال‪ ،‬جرائم سياسية غير موجبة للتسليم‪ .‬وال يمكن إعتبار جرائم تمويل اإلرهاب‪،‬‬

‫بأي حال من األحوال‪ ،‬جرائم جبائية غير موجبة للتسليم''‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫عرف العديد من الفقهاء اإلرهاب بأنه " إستخدام للعنف من أجل إحداث حالة من الخوف‬

‫داخل المجتمع بغاية تحقيق أهداف سياسية "‪ .35‬أما الجريمة السياسية فقد عرفها الفقيه‬

‫"فابريجيت" بأنها " األعمال التي يقصد منها بطرق جنائية تحديد أو تحوير أو هدم أو قلب‬

‫النظام السياسي واثارة اظطربات فهي إذن الجريمة التي تهاجم بها الحكومة في ذاتها‬

‫معتبرة في نظامها السياسي وحقوقها المعترف بها "‪.36‬‬

‫لكن رغم الجهود المبذولة من أجل مكافحة كل أشكال الجرائم بما في ذلك الجريمة‬

‫المنظمة والجريمة اإلرهابية إال أن العالم اليوم يعاني من تفاقم الجريمة اإلرهابية بنسق‬

‫تصاعدي حتى كادت المسألة تخرج عن سيطرة المجتمع الدولي بأكمله ‪.‬‬

‫من خالل هذا العرض ندرك أن المشكل الذي تطرحه الجريمة اإلرهابية هو إصطباغ‬

‫اإلرهاب بالصبغة السياسية‪ .‬فهناك خلط بين اإلرهاب كشكل من أشكال العنف أو اإلكراه‬

‫الديني أو السياسي وبين المقاومة المشروع ة‪ . 37‬فالعديد من الحكومات قد تتواطأ مع‬

‫المنظمات اإلرهابية مما يجعل المشكل الحقيقي هو أن بعض الجرائم ال تصنف بكونها‬

‫إرهابية إذا ارتكبها دول قوية ومهيمنة وتجرم إذا ارتكبتها دول نامية وضعيفة‪ .‬كل هذه‬

‫المسائل أدت إلى ظهور ما يعرف باإلرهاب السياسي‪ .‬ويرى الفقيه "أودنيس العكرة " أن‬

‫‪35‬يونس زكور‪" ،‬اإلرهاب مقاربة للمفهوم من خالل الفقه والقانون "‪ ،‬مشروع نهاية دراسة القانون‪.2006/2005,‬‬
‫‪36‬علي بن فايز الجحني ‪ ''،‬الفهم المفروض لإلرهاب "‪ ،‬الرياض ‪ ،‬أكادمية نايف العربية للعلوم االمنية‪.‬ص ‪.109‬‬

‫‪ 37‬الدكتور محمد بوالروايح‪" ،‬مقاربة قانونية في ظل المعطيات الفكرية والسياسية والواقعية "‪،‬الميثاق الدولي لمكافحة الجريمة‬
‫المنظمة ‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫اإلرهاب السياسي هو منهج نزاع عنيف يرمي الفاعل بمقتضاه بواسطة الرهبة الناجمة على‬

‫عالقات اجتماعية عامة‪،‬أو من أجل تدميرها أو تغييرها‪.38‬‬

‫فقد تنوعت أراء الفقهاء حول تعريف الجريمة اإلرهابية‪ ،‬هناك ثالث إتجاهات إعتمدت في‬

‫تعريف الجريمة اإلرهابية‪ .‬شق يعتمد عنصر العشوائية وشق يعتمد على عنصر الرعب‬

‫المصاحب لإلعمال اإلرهابية وهناك شق يعتمد على األهداف السياسية للجريمة‬

‫اإلرهابي ة‪ . 39‬هذه المسائل أدت بالبعض إلى التفكير بأن اإلرهاب هو نمط من أنماط‬

‫إستخدام القوة في الصراع السياسي‪ ،‬وهو إستخدام قد تمارسه الجماعات السياسية أو‬

‫الحكومات من أجل التأثير على القرار السياسي لغيرها‪.40‬‬

‫من خالل دراسة الجريمة اإلرهابية نالحظ أن التعريفات قد إنحصرت في شقين أساسيين‪.‬‬

‫شق يعتمدعلى المعيار المادي أي الذي يرتكز على الوسائل المستخدمة لتكوين العملية‬

‫اإلرهابية‪ .‬أما الشق الثاني فهو الذي يرتكز على المعيار الموضوعي الذي يركز على الغاية‬

‫أو الهدف الذي يسعى إليه مرتكب العمل اإلرهابي وهو الهدف السياسي باألساس‪.‬‬

‫بالرغم من أن التفرقة بين الجريمة اإلرهابية والجريمة السياسية هي مسالة محسومة في‬

‫المجتمع الدولي منذ معاهدة باريس لسنة ‪ 1937‬الخاصة بمكافحة اإلرهاب والتي إستبعدت‬

‫‪ 38‬اودنيس العكرة ‪"،‬اإلرهاب السياسي "‪ ،‬بحث في أصول الظاهرة وأبعادها اإلنسانية ‪,‬دار الطليعة للطباعة والنشر ’بيروت ‪.‬ص‬
‫‪.80‬‬

‫‪39‬كلمة اإلرهاب في اللغة العربية هي مصدر الفعل أرهب بمعنى أخاف وافزع و يقال في هذا الصدد "رهبوت خير من رهوت "‬
‫بمعنى أن ترهب خير من أن ترحم ‪ .‬و في اللغة الفرنسية فان كلمة ‪ terrorisme‬تعني اإلخافة واإلرعاب والترويع واألصل‬
‫اللغوي للكلمة في اللغة اللالتينسية هو فعل ‪ terror‬بمعنى حركة الجسم تفزع الغير‪ .‬أما في اللغة االنكليزية فمصدر كلمة‬
‫‪ terrorism‬هو الفعل الالتيني ‪ ters‬الذي اشتقت منه كلمة ‪ terror‬ومعناها الرعب والخوف الشديد ‪.‬‬
‫‪40‬نزار كرمي "الجريمة اإلرهابية "‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬ص‪.23‬‬
‫‪37‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫بصفة مطلقة جرائم اإلرهاب من نطاق الجرائم السياسية‪ .‬وقد تكرر النص على إستبعاد‬

‫جرائم اإلرهاب من نطاق الجرائم السياسية في أغلب اإلتفاقيات الثنائية وكل اإلتفاقيات‬

‫المتعددة األطراف وجميع اإلتفاقيات الدولية واإلقليمية بشأن تسليم المجرمين‪ .41‬من ذلك‬

‫اإلتفاقية العربية لمكافحة اإلرهاب الموقعة بالقاهرة في ‪ 22‬أفريل ‪ 1998‬التي نصت في‬

‫المادة األولى منها على تعريف اإلرهاب ''بأنه كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا‬

‫كانت بواعثه أوأغراضه‪ ،‬يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي‪ ،‬ويهدف إلى إلقاء‬

‫الرعب بين الناس‪ ،‬أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر‪ ،‬أو‬

‫إلحاق الضر بالبيئة أو بأحد المرافق أو األمالك العامة أو الخاصة‪ ،‬أو احتاللها أو‬

‫االستيالء عليها‪ ،‬أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر‪ .‬أما الجريمة اإلرهابية فهي أي‬

‫جريمة أو شروع فيها ترتكب تنفيذا لغرض إرهابي في أي من الدول المتعاقدة‪ ،‬أو على‬

‫رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها يعاقب عليها قانونها الداخلي‪ ،‬كما تعد من الجرائم‬

‫اإلرهابية الجرائم المنصوص عليها في االتفاقيات التالية‪ ،‬عدا ما استثنته منها تشريعات‬

‫الدول المتعاقدة أو التي لم تصادق عليها ‪:‬‬

‫أ‪ -‬اتفاقية طوكيو والخاصة بالجرائم واألفعال التي ترتكب على متن الطائرات والموقعة‬

‫بتاريخ ‪ 1963/09/14‬م‪.‬‬

‫ب‪ -‬اتفاقية الهاي بشأن مكافحة االستيالء غير المشروع على الطائرات والموقعة بتاريخ‬

‫‪1970/12/ 16‬م‪.‬‬

‫‪ 41‬احمد جالل عزالدين ‪''،‬اإلرهاب و العنف السياسي''‪ ،‬كتاب الجريمة ‪،‬مارس ‪. 1986‬ص ‪. 67‬‬
‫‪38‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫ج‪ -‬اتفاقية مونتلاير الخاصة بقمع األعمال غير المشروعة الموجهة ضد سالمة الطيران‬

‫المدني والموقعة في ‪1971/09/3+2‬م‪ ،‬والبرتوكول الملحق بها والموقع في مونتلاير‬

‫‪.1984/05/10‬‬

‫د‪ -‬اتفاقية نيويورك الخاصة بمنع ومعاقبة الجرائم المرتكبة ضد األشخاص المشمولين‬

‫بالحماية الدولية بمن فيهم الممثلون الدبلوماسيون والموقعة في ‪1973/12/14‬م‪.‬‬

‫هـ‪ -‬اتفاقية اختطاف واحتجاز الرهائن والموقعة في ‪1979/12/17‬م‪.‬‬

‫و‪ -‬اتفاقية األمم المتحدة لقانون البحار لسنة ‪1983‬م‪ ,‬ما تعلق منها بالقرصنة البحرية‪.‬‬

‫أما المادة الثانية من نفس االتفاقية فقد نصت في النقطة األولى منها انه ''ال تعد جريمة‪،‬‬

‫حاالت الكفاح بمختلف الوسائل‪ ،‬بما في ذلك الكفاح المسلح ضد االحتالل األجنبي‬

‫والعدوان من أجل التحرر وتقرير المصير‪ ،‬وفقا لمبادئ القانون الدولي‪ ،‬وال يعتبر من هذه‬

‫الحاالت كل عمل يمس بالوحدة الترابية ألي من الدول العربية''‪ .‬وتضيف بأنه ال تعد أي‬

‫من الجرائم اإلرهابية المشار إليها في المادة السابقة من الجرائم السياسية‪.‬‬

‫وفي تطبيق أحكام هذه االتفاقية‪ ،‬ال تعد من الجرائم السياسية ولو كانت بدافع سياسي‬

‫الجرائم المتعلقة بالتعدي على ملوك ورؤساء الدول المتعاقدة والحكام وزوجاتهم أو أصولهم‬

‫أو فروعهم‪ .‬التعدي على أولياء العهد‪ ،‬أو نواب رؤساء الدول‪ ،‬أورؤساء الحكومات‪ ،‬أو‬

‫الوزراء في أي من الدول المتعاقدة‪ .‬والتعدي على األشخاص المتمتعين بحماية دولية‪ ،‬بمن‬

‫فيهم السفراء والدبلوماسيون في الدول المتعاقدة أو المعتمدون لديها‪ .‬إضافة الى القتل العمد‬

‫‪39‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫والسرقة المصحوبة بإكراه ضد األفراد أو السلطات أو وسائل النقل والمواصالت‪ .‬وأعمال‬

‫التخريب واإلتالف للممتلكات العامة والممتلكات المخصصة لخدمة عامة حتى ولو كانت‬

‫مملوكة لدولة أخرى من الدول المتعاقدة‪ .‬وأخي ار جرائم تصنيع أو تهريب أو حيازة األسلحة‬

‫أو الذخائر أو المتفجرات‪ ،‬أو غيرها من المواد التي تعد الرتكاب جرائم إرهابية‪.‬‬

‫ونصت بدورها المادة األولى من اتفاقية منظمة الوحدة اإلفريقية لمنع ومكافحة اإلرهاب أن‬

‫العمل االرهابى يعنى أي عمل يعتبر انتهاك ًا للقانون الجنائي للدولة الطرف‪ ،‬والذي يمكن‬

‫أن يعرض حياة األفراد للخطر أو يشكل خط اًر على التكامل الطبيعي‪ ،‬والحرية‪ ،‬أو يسبب‬

‫إصابة خطيرة‪ ،‬أو يسبب الموت ألي شخص‪ ،‬أو أي عدد أو مجموعة من األشخاص‪ ،‬أو‬

‫قد يسبب خسارة للممتلكات العامة والخاصة‪ ،‬أو الموارد الطبيعية أو التراث البيئي أو‬

‫الثقافي‪ ،‬أو كان الهدف منه إرعاب أو وضع أية حكومة في حالة خوف‪ ،‬أو إكراهها أو‬

‫إجبارها أو إغراء أية حكومة أو هيئة أو مؤسسة أو أي قطاع للقيام أو االمتناع عن القيام‬

‫بأي عمل أو تبنى أية وجهه نظر أو التخلي عنه أو العمل وفقا لمبادئ معينة و أضاف في‬

‫النقطة '' ب '' أو دعم أية هيئة عامة أو تعطيل تقديم أي خدمات أساسية للجمهور أو خلق‬

‫حالة طوارئ عامة أو خلق حالة عصيان عام في دولة ما‪ .‬أو أي تعزيز‪ ،‬أو رعاية ‪ ،‬أو‬

‫مساهمه لـ ‪ ،‬أو أمر ‪ ،‬أو مساعدة ‪ ،‬أو تحريض ‪ ،‬أو تشجيع ‪ ،‬أو محاولة أو تهديد أو‬

‫خيانة أو تنظيم أو قيام أي شخص بالتدبير بهدف ارتكاب أي فعل من األفعال المشار إليها‬

‫فى الفقرة (أ) ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫أما المادة الثالثة فقد نصت انه ''ال يعد عمال إرهابيا حاالت الكفاح الذي تشنه الشعوب وفقا‬

‫لمبادئ القانون الدولي من أجل حريتها وحق تقرير مصيرها بما في ذلك الكفاح المسلح ضد‬

‫االستعمار واالحتالل ‪ ،‬والعدوان وسيطرة القوات األجنبية‪ .‬و قد أضافت انه ال تعد البواعث‬

‫السياسية أو الفلسفية أو العقائدية أو الجنسية أو العرقية أو الدينية أو غيرها دفاعاً مبر اًر‬

‫ألي عمل إرهابي ''‪.‬‬

‫من خاللهذه االتفاقيات نستخلص أن كل الجرائم التي تتسم بالفظاعة والوحشية أو تنطوي‬

‫على اإلرهاب والفوضى ال تدخل في الجرائم السياسية وان كان مرتكبوها يهدفون إلى تحقيق‬

‫أهداف سياسية‪ .‬فالجريمة اإلرهابية ال تندرج بأي حال من األحوال ضمن مفهوم الجريمة‬

‫السياسية رغم أن الباعث على إرتكابها من الممكن أن يكون سياسيا‪ .‬فمثل هذه الجرائم قد‬

‫تمثل إنتهاكا لمصالح وحقوق فردية كالتفجيرات العشوائية وتخريب وسائل اإلتصاالت‬

‫وتدمير المباني فحتى في صورة اإلعتداء على ممتلكات الدولة فهي من قبيل األموال العامة‬

‫أكثر ما تعكس فكرة النظام السياسي للدولة ‪.‬‬

‫يرى البعض أن الجرائم اإلرهابية من الجرائم العادية بالنظر إلى الجرائم السياسية‪ ،‬التي‬

‫تتعلق بجرائم الرأي مثل إعتناق أو رأي أو عقيدة أو اإلنضمام إلى جمعية سياسية محظورة‬

‫أو التظاهر أو اإلعتصام أما اإلختطاف واإلغتيال والقتل حتى ولوكان الدافع سياسيا فإنها‬

‫تصبح جرائم إرهابية باستثناء الكفاح المسلح المشروع ‪.42‬‬

‫‪42‬‬
‫امام حسنين عطا هللا ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.371‬‬
‫‪41‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫من خالل هذا العرض نلمس اإلختالف والتباين الشديد في مواقف الدول إزاء تعريف‬

‫الجريمة اإلرهابية‪ ،‬وماساهم في تداخل بين الجريمتين هو أن كل دولة تسعى إلى وضع‬

‫المصطلحات والمفاهيم بالشكل الذي يخدم مصالحها ويحقق أهدافها الشخصية مع المجتمع‬

‫خدمة للمصالح‬ ‫الدولي‪ .‬وهو ما جعل البعض يتحدث عن تسييس القانون الدولي‬

‫الشخصية للدول بدون األخذ بعين االعتبار الضوابط القانونية ‪.‬‬

‫بالرغم من تداخل الجريمة اإلرهابية بالجريمة السياسية إال أن لكل جريمة أهدافها‪ ،‬فالجريمة‬

‫اإلرهابية لها أهداف مختلفة تتمثل في العنف‪ ،‬نشر الرعب والذعر في النفوس بينما الجريمة‬

‫السياسية لها أهداف محددة فهي تستعمل مثل الجريمة اإلرهابية العنف من أجل تحقيق‬

‫هدف سياسي‪ .‬مثال ذلك في اإل غتيال السياسي الهدف هو قتل الشخص بذاته في الجريمة‬

‫السياسية زعزعة النظام السياسي بذاته ‪ .‬أما الجريمة اإلرهابية فمجالها أوسع باعتبار أن‬

‫هدفها إثارة الخوف والرعب في حين أن الجريمة السياسية تستهدف األفكار واآلراء للوصول‬

‫إلى هدف معين ‪.‬‬

‫سبب الخلط بين الجريمتين هو الهدف السياسي للجريمة اإلرهابية فالدوافع السياسية للجريمة‬

‫اإلرهابية تكون على مستويين دوافع سياسية داخلية ودوافع سياسية خارجية‪.‬‬

‫اإلرهاب أصبح اليوم عنص ار فعاال في اتخاذ القرار السياسي وأسلوب تعتمده الدول في‬

‫بعض األحيان للضغط على الدول األخرى وخاصة خصومها لفرض سياستها‪ .‬وبالتالي‬

‫‪42‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫تلجأ هذه الدول إلى العنف لتحقيق أهداف سياسية تتمثل إما في االنفراد بالسلطة أو قمع‬

‫المعارضة‪.‬‬

‫بالنسبة للدوافع الخارجية فاإلرهاب كما نعرف ظاهرة دولية من الممكن أن تقف وراءها قوى‬

‫سياسية دولية لفرض سياستها الدولية بما يخدم مصالحها‪ .‬كمثال على ذلك تشهده الساحة‬

‫السياسية الدولية من أعمال إرهابية كان الهدف منها سياسيا بحتا مثل ما يحصل اليوم في‬

‫سوريا وليبيا من إبادات جماعية هدفها سياسي بحت ‪.‬‬

‫من خالل هذا العرض فإذا كانت الجريمة اإلرهابية والجريمة السياسية تشتركان في الهدف‬

‫فإنهما تختلفان في اآلليات المعتمدة لتحقيق هذا الهدف‪ .‬ويرى البعض أن الفرق بين‬

‫الجريمتين هو أن اإلرهاب يعد من الجرائم العادية أما الجريمة السياسية فهي تتعلق بجرائم‬

‫الرأي المتمثلة في إ عتناق عقيدة أو االنضمام إلى جمعية رياضية محظورة أو التظاهر‬

‫واإلعتصام أما اإلغتيال والقتل والخطف وان كان الدافع سياسيا فإنها تأخذ صبغة الجرائم‬

‫العادية وان إتخذت هذه الجرائم صفة اإلستمرار والتنظيم والنضال بقصد إفشاء الرعب‬

‫‪43‬‬
‫‪.‬‬ ‫والخوف العام تصبح جرائم إرهاب مع إستثناء أعمال الكفاح المسلح المشروع‬

‫ب‪ -‬إختالف الساس القانوني للتسليم ‪:‬‬

‫التسليم في الجرائم اإلرهابية يعد من أهم اآلليات لمكافحة الجريمة اإلرهابية باعتبار أنه يمنع‬

‫مرتكبيها من التفصي من العقاب‪ .‬فالشخص الذي يعتزم إرتكاب جريمة بهذه الفظاعة‬

‫يجيب أن يدرك مسبقا أنه ال يمكن أن يحتمي بدولة أخرى وينفذ من تنفيذ العقوبة عليه‪.‬‬

‫‪43‬امام حسنين عطاااله ‪،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.371‬‬


‫‪43‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫وبالتالي دعم المجهود الدولي لمكافحة الجريمة اإلرهابية يتمثل في سن قوانين داخلية وابرام‬

‫إتفاقيات دولية تلزم على الدول تسليم أي مجرم إرهابي أو متهم بارتكاب جريمة إرهابية‪،‬‬

‫والذي يكون قد التجأ إليها هروبا من العقاب‪ .‬بالتالي كل دولة يكون محمول عليها واجب‬

‫تسليم كل شخص إ قترف جريمة إرهابية للدولة الطالبة التسليم والتي ينتمي إليها المتهم أو‬

‫‪44‬‬
‫‪.‬‬ ‫المحكوم عليه قصد محاكمته أو تنفيذ العقوبة الصادرة عنه‬

‫إن التمييز بين الجريمة اإلرهابية والجريمة السياسية هي مسالة محسومة في المجتمع‬

‫الدولي منذ معاهدة باريس ‪ 1937‬المتعلقة بمكافحة اإلرهاب والجريمة السياسية‪ .‬ونصت‬

‫عليها أغلب االتفاقيات الثنائية وكل اإلتفاقيات المتعددة األطراف وجل اإلتفاقيات الدولية‬

‫واإلقليمية بشأن تسليم المجرمين‪ .‬وكما أرينا وان كانت الجريمة اإلرهابية والجريمة السياسية‬

‫تشتركان أحيانا في الهدف‪ ،‬فإنهما تختلفان في اآلليات المعتمدة للوصول إلى الهدف وكذلك‬

‫في التأثير على الرأي العام‪ .‬فإن كانت الجريمة السياسية تحضي بالتعاطف فان الجريمة‬

‫اإلرهابية دائما تكون محل إستنكار ‪.‬‬

‫صنفت مختلف المواثيق الدولية الجرائم اإلرهابية ضمن الجرائم العادية الخاضعة للتسليم‬

‫دون التمييز بين دوافع إرتكابها‪ ،‬ومن هذا المنطلق قد يتعرض القاضي أثناء إجراءات‬

‫التحقيق أو المحاكمة على وجوب مناقشة إجراءات التسليم ومدى توافر شروطه خاصة عند‬

‫دفع المتهم بالبطالن‪.‬‬

‫‪ 44‬رضا خماخم ‪ ،‬مرجع سابق ص‪.135 .‬‬


‫‪44‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫نظم المشرع مسألة تسليم المجرم اإلرهابي بالفصل ‪ 60‬من قانون ‪ 2003/12/10‬الذي تم‬

‫الغاءه‪ .‬والفصول من‪ 87‬إلى ‪ 89‬من قانون ‪ 7‬أوت ‪ .2015‬إضافة إلى المصادقة على‬

‫جملة من اإلتفاقيات اإلقليمية والدولية المنظمة للجريمة اإلرهابية‪ .‬لكن يحصل أن إعتمد‬

‫التسليم في الجرائم اإلرهابية أساسا ضد السياسيين ووصفهم باإلرهابيين لضمان تسليمهم‬

‫ومحاكمتهم على أرض الدولة الطالبة لذلك وحسب أحد الفقهاء نعت إرهابي إصطبغ بالفعل‬

‫السياسي واستعمل كأداة لقهر الخصوم السياسيين ولو خارج تراب البالد‪.45‬‬

‫من أسس التسليم في الجرائم اإلرهابية في القانون التونسي الفصـل ‪ 88‬من قانون ‪2015‬‬

‫الذي ينص على انه ''تستوجب الجرائم اإلرهابية المنصوص عليها بهذا القانون التسليم وفقا‬

‫ألحكام مجلة اإلجراءات الجزائية إذا ارتكبت خارج تراب الجمهورية ضد أجنبي أو مصالح‬

‫أجنبية من قبل أجنبي أو شخص عديم الجنسية وجد بالتراب التونسي‪ .‬وال يتم التسليم إال‬

‫في صورة تلقي السلط التونسية ذات النظر طلبا قانونيا في ذلك‪ ،‬من قبل دولة مختصة‬

‫بالنظر وفقا لقانونها الداخلي''‪.‬‬

‫المادة ‪ 14‬من إتفاقية األمم المتحدة لقمع تمويل‬ ‫بالنسبة للقانون الدولي فقد نصت‬

‫اإلرهاب نجدها تنص على أنه ال يجوز للدول رفض تسليم على إعتبار أن الجريمة‬

‫اإلرهابية هي جريمة سياسية أو جريمة متصلة بجريمة سياسية أو جريمة إرتكبت بدوافع‬

‫سياسية‪.‬‬

‫‪ 45‬نزار كرمي ‪"،‬الجريمة اإلرهابية "‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص ‪.128.‬‬


‫‪45‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫بالنسبة لإلتفاقية العربية لمكافحة اإلرهاب لعام ‪ 1998‬فقد تناولت مسألة تسليم المجرمين‬

‫في المادة الخامسة من الفصل الثاني منها‪ ،‬حيث تنص على أن كل دولة تتعهد بتسليم‬

‫المتهمين أو المحكوم عليهم في الجرائم اإلرهابية المطلوب تسليمهم من أي من هذه الدول‬

‫واستثنت اإلتفاقية تطبيق مبدأ تسليم المجرمين في حاالت محددة تم ذكرها في اإلتفاقية على‬

‫وجرائم اإلخالل بالواجبات العسكرية‬ ‫سبيل الذكر وهي الجرائم ذات الصبغة السياسية‬

‫والجرائم التي صدر فيها حكم بات غير قابل للطعن والجرائم التي سقطت فيها العقوبة‬

‫بالتقادم والجرائم التي صدر فيها العفو لدى الدولة طالبة التسليم في الحالة التي يكون فيها‬

‫اإلرهابي من مواطني الدولة المطلوب إليها التسليم وكان النظام القانوني لهذه الدولة ال‬

‫يجيز لها تسليم مواطنيها ‪.‬‬

‫من خالل هذا العرض يكون التسليم في الجرائم االرهابية آلية دولية كرستها اإلتفاقيات‬

‫والقوانين الداخلية‪ ،‬فالتسليم في الجرائم اإلرهابية حسب الفقيه نزار كرمي هو ''آلية من‬

‫اليات مكافحة االرهاب والتصدي للظاهرة بصفة عامة‪ .‬والتسليم هو أن تسلم الدولة شخصا‬

‫منسوبا إليه اقتراف جريمة إرهابية للدولة طالبة التسليم والتي ينتمي إليها المتهم أو المحكوم‬

‫عليه قصد محاكمته أو تنفيذ العقوبة الصادرة ضده‪ ،‬وهو يمثل مظهر من مظاهر التعاون‬

‫في مجابهة أخطار الجريمة عموما والجريمة اإلرهابية خصوصا‪ ،‬وهو آلية مكنت الدول من‬

‫معاقبة المجرم خاصة في حالة الهروب من العقاب''‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫ج‪-‬الجريمة السياسية واالغتيال السياسي‪:‬‬

‫المشكلة األساسية التي تتعلق بتكييف الجريمة السياسية هي مشكلة العنف‪ ،‬فقد عالجت‬

‫العديد من المعاهدات هذه المسألة وتم اإلجماع بموجب اإلتفاقيات الدولية والعديد من‬

‫القوانين الداخلية حول استثناء إغتيال رؤساء الدول وعائالتهم من الحماية‪ ،‬أي من إستثناء‬

‫التسليم وبالتالي إعتبار جريمة إغتيال رؤساء الدول وعائالتهم جريمة عادية يجوز فيها‬

‫التسليم ولو كان الدافع األساسي من الجريمة هو باألساس دافع سياسي ‪.‬‬

‫فليس كل إعتداء على النظام السياسي للدولة يعتبر جريمة سياسية بل يجيب أن يكون كما‬

‫رأينا بدافع سياسي‪ ،‬بمعنى ذلك أن الجاني يدافع عن مبدأ سياسي أو فكرة سياسية يؤمن‬

‫بها‪ .‬لكن اإل عتداء على حياة رئيس الدولة بالرغم من كونه يمثل رم از لنظام الحكم وبالرغم‬

‫من أن الباعث لقتله هو باألساس دافع سياسي لكن الجريمة تعتبر عدوانا على حق كرسته‬

‫جل الدساتير وهو الحق في الحياة ‪.46‬‬

‫أيضا يمكن الخلط بين الجريمة السياسية واإلغتيال السياسي والجريمة اإلرهابية‪ ،‬فاالغتيال‬

‫السياسي يتعدى جريمة القتل العادية ذلك أنه في أغلب األحيان وخاصة في الوضع الحالي‬

‫الذي يعيشه العالم هو النيل من النظام الحاكم وليس ازحاق روح بشرية‪ .‬غالبا االغتيال‬

‫السياسي يكون له أغراض تمس باألمن القومي لدولة ما كما يمكن أن يكون من داخل‬

‫الدولة لتصفية حسابات سياسية ‪.‬‬

‫‪ 46‬نص الفصل ‪ 22‬من الدستور التونسي أن '' الحق في الحياة مقدس ‪،‬ال يجوز المساس به إال في حاالت قصوى يضبطها القانون ''‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫بالنسبة للقانون الوضعي التونسي فقد حسم هذه المسألة ضمن الفصل ‪ 313‬جديد من‬

‫م‪.‬ا‪.‬ج الذي ينص على انه "ال يمنح التسليم أيضا أوال إذا كانت الجناية أوالجنحة تكتسي‬

‫صبغة سياسية أو اتضح أن طلب التسليم كان لغاية سياسية‪ ،‬واإلعتداء على حياة رئيس‬

‫الدولة أو أحد أفراد عائلته أو أحد أعضاء الحكومة ال يعتبر جريمة سياسية "‪.‬‬

‫د‪ -‬الجريمة السياسية والجرائم ضد اإلنسانية‪:‬‬

‫المحكمة الجنائية الدولية تمارس إختصاصها في الجرائم الدولية الخطيرة الخاضعة لواليتها‬

‫وهي جريمة اإلبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد اإلنسانية وجريمة العدوان وذلك‬

‫بموجب القانون األساسي المتعلق بالمحكمة الجنائية ‪.‬‬

‫في هذا اإلطار إنتهت الجمعية العامة لألمم المتحدة إلى إعتبار جريمة اإلبادة الجماعية‬

‫من الجرائم الدولية وذلك بعد أن وضع المجلس اإلقتصادي واإلجتماعي لألمم المتحدة‬

‫مشروع إتفاقية اإلبادة الجماعية‪ .‬وقد وافقت الجمعية على هذه اإلتفاقية سنة ‪ 1948‬تحت‬

‫إسم إتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية وأصبحت من الجرائم المعاقب عنها وأصبحت نافذة‬

‫بتاريخ ‪.1951/12/1‬‬

‫وقد عرفت إ تفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقب عنها هاته الجريمة بكونها ''تلك‬

‫األفعال التي ترتكب بقصد إهالك جماعة قومية أو أثنية أو عرقية أو دينية‪ ،‬إهالكا جزئيا أو‬

‫كليا بقتل أفرادها‪ ،‬إلحاق الضرر الجسدي الجسيم أو العقلي بهم أو إخضاعهم عمدا ألحوال‬

‫‪48‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫معيشة صعبة بقصد تدميرهم ماديا كليا أو جزئيا‪ ،‬أو فرض تدابير تهدف إلى منع اإلنجاب‬

‫داخل الجماعة‪ ،‬أونقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى''‪ .‬وتبني النظام األساسي‬

‫المحكمة الجنائية الدولية ذات التعريف ‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬شروط التسليم الخاصة بالمجرم السياسي‪:‬‬

‫أقرت أغلب المعاهدات الدولية والقوانين الداخلية إستثناء بعض األشخاص من نطاق التسليم‬

‫إما أل ن األشخاص المطلوب تسليمهم خاضعين لقضاء إقليم الدولة أو بالنظر لوظيفته أو‬

‫النتمائه السياسي أو إلى السلك الدبلوماسي‪ . 47‬ومن بين أهم اإلمتيازات التي أفردها له‬

‫القانون في معظم التشريعات يتعلق بالمعاملة العقابية‪ .‬حيث إتبعت أغلبية القوانين الحديثة‬

‫نظاما خاصا في معاملة المجرم السياسي يقوم على أساس اللين واإلحترام وتمتعه ببعض‬

‫القواعد التفضيلية‪.‬‬

‫بالنسبة إلى تسليم المجرمين فقد نصت جل القوانين تماشيا مع ما أقرته األوفاق الدولية‬

‫والعرف الدولي على عدم جواز تسليم المجرم السياسي إذا التجأ إلى دولة أخرى غير الدولة‬

‫التي إرتكب فيها الجريمة‪.‬‬

‫ذهب بعض التشريعات في إطار تفضيل المجرم السياسي عن المجرم العادي بالتنصيص‬

‫صراحة على عدم إصدار عقوبات إضافية كالمنع من حق التوظيف وحق التصويت‬

‫والترشيح في االنتخابات وعدم أحقية مزاولة بعض المهن كمهمة الطب وحمل السالح وغيرها‬

‫‪47‬‬
‫حسن بنعيشة " تسليم المجرمين االجانب "‪ ،‬الهيئة الوطنية للمحامين بتونس ‪،2013/ 2012،‬ص ‪.15‬‬
‫‪49‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫من الحقوق ‪ .‬عدم اعتبار الجريمة السياسية سابقة في العود الختالف طبيعتها عن الجرائم‬

‫العادية‪ ،‬إضافة إلى تخفيف العقوبات في الجرائم السياسية كاستبدال عقوبة اإلعدام بالسجن‬

‫المؤبد في الجرائم السياسية واإلستفادة من حق اللجوء السياسي‪.‬‬

‫في إطار التعرض إلى مسألة تأثير الصفة السياسية للمجرم على شروط التسليم يجيب وقبل‬

‫كل شيء تحديد مفهوم المجرم السياسي( فقرة اولى ) وفي فقرة ثانية خصائص التسليم‬

‫المتعلقة بالمجرم السياسي (فقرة ثانية )‪.‬‬

‫الفقرة ال ولى‪ :‬تعريف المجرم السياسي‪:‬‬

‫أقرت أغلب المعاهدات الدولية والقوانين الداخلية إستثناء بعض األشخاص من نطاق‬

‫التسليم إما ألن األشخاص المطلوب تسليمهم خاضعين لقضاء إقليم الدولة أو بالنظر‬

‫لوظيفته أو النتمائه إلى السلك الديبلوماسي‪ . 48‬تتعلق هذه المسألة بالحصانة باعتبارها‬

‫إعفاء لبعض األشخاص واألموال التابعة للدولة‪ ،‬رؤساء الدول األعوان الدبلوماسيون‪،‬‬

‫الموظفون القنصليون‪ ،‬المنظمات الدولية وموظفوها‪ ،‬القوات العسكرية واألمنية والسفن‬

‫والطائرات من الخضوع ألي إجراء أو إلتزام قانوني طبقا للقواعد العامة‪ . 49‬وينجم عن‬

‫الحصانة عدم خضوع هذه األموال ألي إجراء من إجراءات التنفيذ الجبري من طرف الدولة‬

‫المضيفة أو الدولة الغير ويسمى بالحصانة التنفيذية‪ ،‬وعدم متابعة بعض األشخاص‬

‫والكيانات القضائية أمام المحاكم التابعة للدولة األجنبية ويسمى بالحصانة القضائية‪.‬‬

‫‪ 48‬حسن بنعيشة ’" تسليم المجرمين االجانب "‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.15 .‬‬
‫‪Jean SALMON .’’ dictionnaire de droit international public ‘’.op .cit .p558 49‬‬
‫‪50‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫بالتالي الحصانة هو نظام دولي تقليدي يتم من خالله تحصين كيانات الدولة من الخضوع‬

‫للقواعد العامة المتعلقة بالمتابعة القضائية‪ ،‬وتحصين أشخاص يمثلون دولتهم من الخضوع‬

‫إلى القضاء سواءا المدني أو الجزائي‪ .‬السؤال الذي يطرح نفسه عندما يكون هؤوالء‬

‫األشخاص مسؤولون جزائيا الرتكابهم ألفعال تشكل جرائم في نظر القانون هل يجوز‬

‫تسليمهم من الدولة المطلوب منها التسليم إلى الدولة الطالبة ‪.‬‬

‫أ‪-‬االشخاص المتمتعين بالحصانة الرئاسية‪:‬‬

‫يقصد برئيس الدولة العضو األعلى في الدولة‪ ،‬وقد يكون ملكا إذا كان النظام ملكيا ـأو‬

‫رئيسا للجمهورية إذا كان النظام جمهوريا‪ ،‬ويقوم الرئيس بتمثيل دولته في عالقتهما بباقي‬

‫الدول أو على مستوى العالقات الدولية ‪.50‬‬

‫تجسيد السلطة في شخص رئيس الجمهورية جعلته يتمتع بحصانة مطلقة في جميع األعمال‬

‫التي يقوم بها وال يخضع ألي متابعة قضائية أو مساءلة قانونية من دولة اجنبية ألن‬

‫الحصانة هي تجسيد لسيادة الدولة التي يمثلها رئيس الجمهورية‪ ،‬وأي مساءلة لرئيس‬

‫الجمهورية تمثل إنتهاكا لسيادة الدولة التي يمثلها‪ .‬وبالتالي الحصانة التي يتمتع بها رئيس‬

‫الدولة تعفيه من الخضوع لقضاء الدولة التي يوجد فيها حتى ولو كانت الجريمة التي‬

‫إرتكبها أاثناء أو خارج ممارسته لوظيفته كرئيس للجمهورية واإلجراء الوحيد المخول للدولة‬

‫الذي يوجد رئيس الجمهورية فوق إقليمها هو تكليفه بترك اإلقليم أو إبعاده إلى حدودها‬

‫ووضعه تحت المراقبة والحجز إلى غاية مغادرة االقليم‪ .‬وقد يرتكب رئيس الجمهورية‬
‫‪50‬‬
‫‪Ibid ,p.169‬‬
‫‪51‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫جريمة خارج دولته ثم يتوجه الى دولة أخرى فإنه ال يحق لهذه الدولة تسليمه حتى وان لم‬

‫يتحصل على حق اللجوء السياسي‪ .‬حتى في الصورة التي يفر فيها رئيس الجمهورية إلى‬

‫دولته بعد إرتكاب الجريمة فإنه من الصعب الموافقة على طلب التسليم ألن هذه المسألة‬

‫ستأخذ بعدا سياسيا وليس قانونيا ‪.‬‬

‫إن إعفاء رئيس الجمهورية من المسؤولية الجزائية عند إرتكابه لجريمة خارج دولته والتزام‬

‫الدولة التي يوجد فوق إقليمها بعدم تسليمه إلى الدولة الطالبة حتى في حالة توفر شروط‬

‫التسليم‪ ،‬يجعل رئيس الجمهورية يتمتع بحصانة جزائية مطلقة تمنع تتبعه قضائيا أو حتى‬

‫تسليمه‪ .‬لكن مسألة تسليم رئيس الجمهورية وضعت لها بعض الدساتير بعض القيود مثال‬

‫عند ارتكابه لجريمة داخل حدود إقليم دولته كجريمة الخيانة العظمى أو عند إرتكابه لجريمة‬

‫دولية ‪.‬‬

‫ب‪-‬الشخاص المتمتعين بالحصانة الدبلوماسية‪:‬‬

‫دأبت األعراف الدولية والقوانين على ضرورة تمتع األشخاص المتمتعين بالحصانة‬

‫الدبلوماسية بامتيازات منها عدم إمكانية تسليمهم من البلد الذين يباشرون فيها وظائفهم ‪.‬‬

‫هذه المسألة تمت المصادقة عليها في معاهدة فيانا المبرمة في ‪ 18‬افريل ‪ 1961‬من بينها‬

‫الدولة التونسية‪ ،‬وأساس هذا المنع هو أن الهيئات الدبلوماسية هي إمتداد للتراب الوطني ‪.‬‬

‫يشمل مفهوم أعضاء السلك الديبلوماسي أعضاء البعثات التي توفدهم الدولة الموفدة‬

‫لتمثيلها لدى دولة أخرى‪ .‬ويتمتع اعضاء البعثة بالحصانة القضائية التي تشمل أفراد البعثة‬

‫‪52‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫وزوجاتهم وأوالدهم والموظفين اإلداريين والفنيين‪ . 51‬وهذه الحصانة تعفيهم من المسؤولية‬

‫الجزائية في حالة إرتكابهم جريمة طالما أنهم ال يحملون جنسية الدولة المعتمدين لديها‪،‬‬

‫بحيث ال يجوز القبض عليهم أو تفتيشهم وفقا لقواعد القانون الجزائي الوطني للدولة‬

‫‪52‬‬
‫‪.‬‬ ‫المتواجدين على إقليمها‬

‫إستثناء التسليم بالنسبة إلى بعض األشخاص بالنظر إلى وظيفتهم من ذلك السلك‬

‫الدبلوماسي قد أجمعت عليه جل الدول في معاهدة فيانا المؤرخة في ‪ 18‬افريل ‪1961‬‬

‫والتي صادقت عليها الدولة التونسية ‪.‬‬

‫الحصانة التي يتمتع بها أعضاء السلك الديبلوماسي ليست مطلقة بحيث يمكن محاكمته من‬

‫طرف دولته بعد أن تسلمه الدولة المعتمد لديها‪ ،‬أو يمكن لها محاكمته أو توقيع العقاب‬

‫عليها إذا قبلت دولته محاكمته وتنازلت عن الحصانة‪ .‬وبالتالي يمكن للديبلوماسي أن‬

‫يخضع ألحكام التسليم إذا رفعت عنه الحصانة أو إذا إرتضت الدولة محاكمته وتتوقف هذه‬

‫المسألة على طبيعة العالقة بين الدولة الموفدة والدولة المضيفة ومدى خطورة الجريمة‬

‫المرتكبة ‪.‬‬

‫الحصانة التي يتمتع بها هؤوالء األشخاص منحت لهم ليس ألشخاصهم وانما لصفتهم لكن‬

‫الحصانة تشكل عائقا أمام التصدي للجريمة ومعاقبة المجرمين ‪.‬‬

‫‪ 51‬الفصل االول من اتفاقية فيانا لسنة ‪1961‬‬


‫‪52‬الفصل الثامن من اتفاقية فيانا لسنة ‪1961‬‬
‫‪53‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫ج‪ -‬الالجئين السياسيين‪:‬‬

‫تسليم المجرمين كمفهوم قانوني يرتبط بعديد فروع القانون غير القانون الجزائي مثل القانون‬

‫الدستوري‪ .‬فقد نص الدستور القديم للجمهورية التونسية في فصله ‪ 17‬على أنه "يحجر‬

‫تسليم الالجئين "‪ .‬أما دستور ‪ 14‬جانفي ‪ 2014‬فقد كرس نفس المبدأ في فصله ‪ 26‬الذي‬

‫ينص على أن " حق اللجوء السياسي مضمون طبق ما يضبطه القانون‪ ،‬ويحجر تسليم‬

‫المتمتعين باللجوء السياسي"‪ .‬ومن خالل هذه األحكام يعتبر الالجئ السياسي مجرما سياسيا‬

‫بامتياز‪.‬‬

‫في نفس السياق نص الفصل ‪ 14‬من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان لسنة ‪1948‬‬

‫الواردة فيه "حق كل إنسان تعرض لإلضطهاد في البحث عن لجوء والحصول عليه في‬

‫دول أخرى مالم يكن قد إرتكب جريمة حق عام أو إعتداء على مبادئ وأهداف األمم‬

‫المتحدة" ‪.‬‬

‫أما بالنسبة للقانون الوضعي التونسي فقد نص الفصل ( ‪ 313‬جديد ) من م‪.‬ا‪.‬ج انه "ال‬

‫يمنح التسليم أيضا أوال إذا كانت الجناية أو الجنحة تكتسي صبغة سياسية أو اتضح أن‬

‫طلب التسليم كان لغاية سياسية‪ ،‬واإلعتداء على حياة رئيس الدولة أو أحد أفراد عائلته أو‬

‫أحد أعضاء الحكومة ال يعتبر جريمة سياسية "‪.‬‬

‫مسالة تسليم المجرمين السياسيين طرحت كثي ار وكانت محل جدل الرأي العام والسلط‬

‫السياسية ورجال القانون في قضية تسليم رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي‬

‫‪54‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫من قبل السلطات التونسية الى الدولة الليبية‪ .‬الحكومة التونسية قبلت تسليمه بالرغم من أنه‬

‫قدم مطلبا للتمتع باللجوء السياسي‪ ،‬فكان من الممكن النظر في مطلب اللجوء السياسي قبل‬

‫إتخاذ قرار في تسليمه‪ .‬لكن الحكومة دافعت عن قرارها بكونه قد إرتكب جرائم غير إنسانية‬

‫ضد الشعب الليبي يجعل من قرار التسليم ق ار ار صائبا في نظر الحكومة ‪.‬‬

‫بالنسبة للقانون الدولي نصت إتفاقية منظمة الوحدة اإلفريقية لمنع ومكافحة اإلرهاب في‬

‫مادتها الرابعة أنه "عند منح اللجوء يتعين التأكد أن طالب اللجوء ليس متورطاً في أي‬

‫أعمال إرهابية"‪ .‬بالتالي ال يمكن الموافقة على طلب اللجوء السياسي إن كان الطالب‬

‫متورطا في جرائم إرهابية وهذه المسألة محل إجماع المجتمع الدولي برمته‪.‬‬

‫مسأ لة تسليم الالجئ السياسي لها عالقة وطيدة بحقوق اإلنسان‪ ،‬فمصلحة الفرد هي دائما‬

‫في عالقة معقدة بدولته وبالدول األخرى‪ .‬بالنسبة للمجرم العادي فإن التسليم يتفق مع‬

‫المصلحة العامة للدول في مقاومة اإلجرام والمحافظة على تكريس العدالة الجزائية كما يقوم‬

‫بتكريس حق الدولة الطالبة في ممارسة إختصاصها الجزائي‪ .‬فال يمكن بأي شكل من‬

‫األشكال أن نسمح لمرتكب الجريمة من الفرار والتفصي من العقاب ‪.‬‬

‫بالنسبة إلى مسألة خطف المجرمين إلى الدولة التي هربوا إليها‪ ،‬تواجه المحاكم الجنائية‬

‫في العديد من الحاالت القضايا التي تم القبض فيها بشكل غير قانوني على متهم‪ .‬وفي‬

‫هذا اإلطار يمكن توفير الحماية المالئمة لألفراد المطلوبين ضد التسليم التعسفي من خالل‬

‫‪55‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫قوانين تسليم المجرمين الداخلية التي يجيب أن توفق بين مصلحة العدالة والحقوق‬

‫المشروعة للهارب‪.‬‬

‫لتحقيق هذه الحماية منحت األمم المتحدة بمقتضى إتفاقية جنيف ‪ 1991‬حق البحث عن‬

‫ملجأ سياسي لكل اللذين يعانون من اإل ضطهاد السياسي في بلدانهم ‪ .‬ومفوضية األمم‬

‫المتحدة لشؤون الالجئين المضطهدين وأصحاب الوضعيات الخاصة تقوم بإرسالهم إلى دول‬

‫تقوم باستقبال هؤوالء الالجئين وتوفر لهم األمن السياسي واالقتصادي‪ .‬وبمجرد دخول‬

‫هؤوالء فأنهم يتمتعون بكل الحقوق التي يتمتع بها المواطنين وبعد سنوات محددة من‬

‫‪53‬‬
‫‪.‬‬ ‫إقامتهم يمنحون إقامة البلد الذين يقيمون فيه‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أسباب إعفاء المجرم السياسي من التسليم‪:‬‬

‫يعد الصراع على السلطة العامل األساسي الرتكاب الجرائم السياسية‪ ،‬وحفاظا على‬

‫التوازن بين القوى السياسية وتحقيق المساواة بين األفراد وتحسين أداء النظام السياسي‬

‫يجيب إقرار جملة من اإلصالحات التي يطلبها الشعب ويفرضها الواقع السياسي‪.‬‬

‫وتدعيما لمسألة حرية كل شخص في إختيار ممثليه وابداء رأيه فيمن هم في السلطة‬

‫حتى لو كان بالرفض‪ .‬وتكريسا للحقوق السياسية لجميع األفراد وذلك بتوفير غطاء‬

‫تشريعي يحمي المشاركة السياسية التي تنبع من فكرة الحرية التي يضمها مبدأ (الشعب‬

‫‪ 53‬فاتن السهيلي ‪ "،‬ردع جريمة الهجرة السرية"‪ ،‬الهيئة الوطنية للمحامين بتونس‪ ،‬الفرع الجهوي بتونس‪ ،‬السنة القضائية‬
‫‪.2013/2012‬‬
‫‪56‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫صاحب السيادة )‪ .‬وتتمثل هذه الحرية في مشاركة الفرد في الشؤون السياسية‪ ،‬وحقه في‬

‫ممارسة السلطات السياسية والمشاركة في جميع نشاطاتها‪.54‬‬

‫ويشهد العالم مظاهر متعددة من اإلستهانة بحقوق اإلنسان‪ ،‬األمر الذي يوجب المزيد‬

‫من العمل في مستويات التشريع والرقابة والمتابعة‪ ،‬هذه المسألة جعلت المشرع يستثني‬

‫من التسليم الجرائم السياسية‪ ،‬باعتبار أن المجرم السياسي في صورة تسليمه إلى الدولة‬

‫الطالبة يمكن أن يتعرض إلى أقصى أشكال التعذيب خاصة في ظل الحكومات‬

‫الديكتاتورية‪ .‬مثل ممارسات اإلبادة الجماعية والقتل الجماعي‪ ،‬واإلعدامات التعسفية‪ ،‬أو‬

‫تلك التي تنفذ بدون محاكمات‪.‬‬

‫فما يبرر إ ستثناء الجرائم السياسية من مجال التسليم هو ما يشهده العالم من مظاهر‬

‫متعددة من اإلستهانة بحقوق اإلنسان‪ ،‬األمر الذي يوجب المزيد من العمل في مستويات‬

‫التشريع والرقابة والمتابعة‪ ،‬وبناء األجهزة والمؤسسات المختلفة والمتخصصة‪.‬‬

‫كذلك رفض التسليم في الجرائم السياسية يندرج في إطار إلغاء عقوبة اإلعدام بسبب‬

‫الممارسة السياسية‪ ،‬باعتبار أن التوسع في إصدار عقوبة اإلعدام بسبب الموقف والرأي‬

‫‪54‬أكدت المادة ‪ 25‬من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية‪،‬والسياسية على حق المواطن في المشاركة العامة وفقا للدور‬
‫الذي يحدده أو يرضاه‪،‬وفي ظل ما تؤهله له مقوماته الشخصية أو تدفعه له آماله وطموحاته الشخصية‪،‬وتكون لكل مواطن دون‬
‫أي وجه من أوجه التمييز الحقوق اآلتية التي يجب أن تتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة ‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن يشارك في إدارة الشؤون العامة إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية دون أي تأثيرات‬
‫ب‪ -‬أن ينتخب وينتخب في انتخابات نزيهة تجري دوريا باالقتراع العام‪ ,‬وعلى قدم المساواة بين الناخبين‪،‬وبالتصويت السري‪،‬‬
‫تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين‪.‬‬
‫ج ‪-‬أن تتاح له على قدم المساواة عموما مع سواه تقلد الوظائف العامة في بلده‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫السياسي من أبشع صور اإلرهاب واإلنتهاك لحقوق اإلنسان الذي يتصور وجوده في أي‬

‫نظام سياسي أو قانوني‪.‬‬

‫وقد تأخذ عقوبة اإلعدام أشكاال متباينة في درجاتها ومداها وطبيعتها فقد تكون بال‬

‫محاكمة‪ ،‬أو في محاكمة صورية‪ ،‬وقد تكون بصورة اختفاء قسري‪ ،‬وقد تصدر بحق من‬

‫لم يرتكبوا أيا من أعمال العنف‪ ،‬بل قد تتوسع بعض االنظمة متجاوزة بتنفيذ حكم‬

‫اإلعدام ليس المتهم أو المذنب فقط ولكن أيضا أفراد أسرته‪ .‬لذا فأن إلغاء عقوبة‬

‫اإلعدام بسبب الممارسة السياسية تعد أساسية لتشجيع المشاركة السياسية ضمن األطر‬

‫القانونية للدولة ‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪:‬مظاهر تأثير العوامل السياسية على شروط التسليم‪:‬‬

‫ر غم وحدة مصطلح الجريمة السياسية فالتشريعات الجزائية ال تتبع سياسة عقابية موحدة‪،‬‬

‫فهناك تشريعات تتخذ سياسة عقابية مخففة في الجرائم السياسية وهناك دول تعتمد نفس‬

‫العقوبات المقررة في الجرائم العادية‪ .‬ومكافحة الجريمة ال تكون فقط على المستوى الوطني‬

‫وانما كذلك على المستوى الدولي‪.‬‬

‫منع التسليم في الجرائم السياسية له أساس قانوني وفقه قضائي وبذلك سنتعرض في(مبحث‬

‫أول ) إلى التكريس القانوني والفقه قضائي لمبدأ التسليم في الجرائم العادية (مبحث ‪)2‬‬

‫والتكريس القانوني والفقه قضائي الستثناء التسليم في الجرائم السياسية‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫المبحث الول‪ :‬التكريس القانوني والفقه قضائي لمبدأ التسليم في الجرائم‬

‫العادية‪:‬‬

‫أولت القوانين الجنائية الوطنية أهمية بالغة لنظام التسليم من أجل قمع الجرائم الداخلية‪،‬‬

‫باإلضافة‬ ‫وذلك بوضعها تشريعات وطنية خاصة بتحديد إجراءات وشروط وموانع التسليم‬

‫إلى المصادقة على جميع اإلتفاقيات الدولية الثنائية والمتعددة األطراف ذات الصلة بتسليم‬

‫المجرمين‪ .‬وأولى القانون الجزائي الدولي أهمية بالغة لنظام تسليم المجرمين‪.‬‬

‫فقد كرست معظم القوانين سواءا الوطنية أو اإلتفاقيات التي أبرمتها تونس مع العديد من‬

‫الدول مسألة تسليم المتهمين بارتكاب جرائم حق عام أو ما يصفها الفقهاء بالج ارئم العادية‪.‬‬

‫التكريس القانوني لمبدأ التسليم في الجرائم العادية (فقرة اولى ) كان له أثر عميق على فقه‬

‫القضاء وبالتالي سنتعرض في(فقرة ثانية ) إلى التكريس الفقه قضائي لمبدأ التسليم في‬

‫الجرائم العادية‪.‬‬

‫فقرة أولى‪ :‬التكريس القانوني لمبدأ التسليم في الجرائم العادية‪:‬‬

‫أ‪ -‬تكريس مبدأ التسليم في القانون الوضعي التونسي‪:‬‬

‫تعتبر الجريمة الدولية من الجرائم التي اثارة جدال واسعا في تعريفها وضبط أركانها وصورها‪،‬‬

‫وبالرغم من هذا الجدل فإنه نظ ار لتفاقم الجرائم وخطورتها حثت التشاريع الوطنية واإلتفاقيات‬

‫الدولية على وجوبية التسليم في الجرائم العادية ‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫بالنسبة إلى التشريع التونسي فقد نص الفصل ‪ 311‬من مجلة االجراءات الجزائية أن‬

‫التسليم يمنح أوال إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها التسليم يعاقب عليها القانون التونسي‬

‫بعقاب جنائي أو جناحي وثانيا إذا كان العقاب المستوجب حسب الدولة الطالبة عقابا سالبا‬

‫للحرية تساوي مدته أو تزيد على ستة أشهر بالنسبة لجملة الجرائم موضوع الطلب ''‪.‬‬

‫ويضيف في فقرة أخرى أنه '' وفي صورة المحاكمة يجب أن يكون العقاب المحكوم به من‬

‫محكمة الدولة الطالبة عقابا سالبا للحرية مساويا أو يزيد عن شهرين ''‪.‬‬

‫بالنسبة الى التشريع الوطني فهناك مشروع قانون وطني متعلق بمنع االتجار باألشخاص‬

‫ومكافحته أقر صراحة مبدأ التسليم اذ نصت المادة ‪ 28‬أنه ال يمكن إعتبار جرائم اإلتجار‬

‫باألشخاص‪ ،‬بأي حال من األحوال جرائم سياسية أو جرائم مالية غير موجبة للتسليم ‪ ،‬إال‬

‫أنه حجر التسليم متى توفرت أسباب حقيقية تدعو لإلعتقاد بأن الشخص موضوع طلب‬

‫التسليم سيكون عرضة لخطر التعذيب او ان طلب التسليم يرمي إلى تتبع او عقاب شخص‬

‫بسبب عنصره أو لونه أو اصله او دينه او جنسيته او جنسه او أرائه السياسية ‪.55‬‬

‫كما إقتضى الفصل ‪ 29‬من المشروع بأنه إذا تقرر عدم تسليم شخص موضوع تتبع أو‬

‫محاكمة ألجل جريمة من الجرائم المنصوص عليها بهذا القانون‪ ،‬يقع تتبعه وجوبا أمام‬

‫المحاكم التونسية إذا كان موجودا بالتراب التونسي سواءا إرتكبت الجريمة أم لم ترتكب‬

‫بالتراب المذكور وبقطع النظر عن جنسية الجاني أو كونه عديم الجنسية ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫مكتب األمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة دليل المتكون المتعلق باالتجار باألشخاص وتهريب المهاجرين‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫ب‪ -‬تكريس مبدأ التسليم في القانون المقارن واإل تفاقيات الدولية‪:‬‬

‫مكافحة الجريمة والتصدي لجميع الظواهر اإلجرامية ال تكون فقط على المستوى الوطني‬

‫وانما كذلك على المستوى الدولي‪ .‬بالنسبة للقانون المقارن فقد إتفقت معظم القوانين المقارنة‬

‫على ضرورة التسليم المتهم أو المجرم الذي إرتكب فعال يجرم عليه القانون‪ .‬من ذلك المادة‬

‫‪ 718‬من قانون المسطرة المغربي الذي ينص على أنه تخول مسطرة تسليم المجرمين لدولة‬

‫أجنبية الحصول من الدولة المغربية على تسليم متهم أو محكوم عليه غير مغربي يوجد في‬

‫أراضي المملكة ويكون موضوع متابعة جارية باسم الدولة الطالبة أو محكوم عليه بعقوبة‬

‫صادرة من إحدى محاكمها العادية‪ .‬وتضيف المادة ‪ 319‬من نفس القانون أنه ال يمكن أن‬

‫يسلم لدولة أجنبية أي شخص إذا لم يكن متابعا أو محكوما عليه بعقوبة من أجل أفعال‬

‫ينص عليها هذا القانون‪ .‬فبالنسبة للقانون المغربي التسليم يتعلق باألفعال التي يعاقب‬

‫عليها قانون الدولة الطالبة بعقوبات جنحية سالبة للحرية‪ ،‬إذا كان الحد األقصى للعقوبة‬

‫المقررة بمقتضى ذلك القانون ال يقل عن سنة واحدة فأكثر‪ .‬أو إذا تعلق األمر بشخص‬

‫محكوم عليه‪ ،‬عندما تكون مدة العقوبة المحكوم بها عليه من إحدى محاكم الدولة الطالبة‬

‫تعادل أو تفوق أربعة أشهر؛ وال يوافق بأي حال من األحوال على التسليم إذا لم يكن الفعل‬

‫معاقبا عليه حسب القانون المغربي بعقوبة جنائية أو جنحية‪.56‬‬

‫‪ 56‬المادة ‪ 320‬من قانون المسطرة المغربية‪.‬‬


‫‪61‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫الفصل ‪ 697‬من قانون اإلجراءات الجزائري يتبنى نفس موقف المشرع التونسي والمغاربي‬

‫في خصوص التسليم في الجرائم العادية‪ ،‬حيث أن األفعال التي تجيز التسليم سواءا كان‬

‫مقبوال أو مطلوبا هي جميع األفعال التي يعاقب عليها قانون الدولة الطالبة بعقوبة جنائية و‬

‫األفعال التي يعاقب عليها قانون الدولة الطالبة بعقوبة جنحة إذا كان الحد األقصى للعقوبة‬

‫المطبقة طبقا لقانون لنصوص ذلك القانون سنتين أو أقل أو إذا تعلق األمر بمتهم قضي‬

‫عليه بالعقوبة إذا كانت العقوبة التي قضي عليه بها من الجهة القضائية للدولة الطالبة‬

‫تساوي أو تجاوز الحبس لمدة سنتين‪ .‬من خالل اإلطالع على القوانين المقارنة نالحظ أن‬

‫التسليم في الجرائم التي تم تكييفها على أنها جنحة أو جناية أصبح مبدأ عاما مكرسا في‬

‫معظم القوانين المقارنة‪ ،‬و إن إختلفت هذه القوانين في مدة العقوبة المستوجبة أو المحكوم‬

‫بها فقد أجمعت حول تطبيق المبدأ ‪.‬‬

‫الدولية فقد كرست كذلك نفس المبدأ من ذلك اإلتفاقية المبرمة بين‬ ‫بالنسبة لإلتفاقية‬

‫الجمهورية التونسية والجمهورية الفرنسية والتي تتعلق بالتعاون القضائي في المادة الجزائية‬

‫وتسليم المجرمين فقد نص الفصل األول منها أنه '' يلتزم الطرفان الساميان المتعاقدان‬

‫بتبادل اإلعانة القضائية في مادة الجنايات والجنح وفقا للشروط المبينة بهذه اإلتفاقية '' ‪.‬‬

‫ويضيف الفصل الثالث منها أنه ال تنطبق احكام هذا العنوان على الجرائم التي تعتبرها‬

‫الدولة المطلوب منها ج ارئم سياسية أو جرائم مرتبطة بها وثانيا إذا كانت الدولة المطلوب‬

‫منها تعتبر تنفيذ طلب اإلعانة القضائية من شانه ان ينال من سيادتها أو من أمنها أو من‬

‫‪62‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫نظامها العام ''‪ .‬بقراة موازية للفصلين نستخلص بأن التسليم شكل من أشكال اإلعانة‬

‫القضائية في المادة الجزائية وأن طلب التسليم يشمل جميع الجنح والجنايات وفقا للشروط‬

‫التي تم ضبطها بموجب هذه اإلتفاقية أي جميع األفعال التي تشكل جريمة سواءا جنحة أو‬

‫جناية‪ .‬في الفصل الثالث إستثنت االتفاقية من التسليم الجرائم السياسية والجرائم المرتبطة بها‬

‫أو إذا كان طلب اإلعانة من شأنه ان ينال من سيادة أو أمن أو النظام العام للدولة‬

‫المطلوب منها التسليم ‪ .‬وبالتالي سواءا تعلق األمر بطلب إعانة قضائية أو بطلب تسليم‬

‫متهم ال يمكن اإلستجابة لهذا الطلب اذا كان موضوعه جريمة سياسية ‪.‬‬

‫وفي الوقت الحاضر أصبح تسليم المجرمين عرفاً دولياً سائداً‪ ،‬ففي حال غياب التشريع‬

‫الداخلي أو االتفاقيات الدولية في دولة من الدول‪ ،‬فإن بإمكان هذه الدولة أن تطلب‬

‫االسترداد‪ ،‬أو أن تقوم بالتسليم‪ ،‬استناداً إلى األعراف الدولية‪.‬‬

‫فقد كرست معظم اإلتفاقيات التي أبرمتها تونس مع العديد من الدول مبدأ التسليم في جرائم‬

‫العادية من ذلك اإلتفاقية المبرمة بين الجمهورية التونسية والجمهورية الفرنسية والتي تتعلق‬

‫بالتعاون القضائي في المادة الجزائية وتسليم المجرمين فقد نص الفصل ‪ 24‬منها أنه ''يمنح‬

‫التسليم إذا كانت الفعلة او األفعال تشكل وفقا لتشريع الطرفين الساميين المتعاقدين جنايات‬

‫أ و جنحا و كان هذا التشريع يقرر لها عقابا سالبا للحرية ال يقل عن سنة أو عقابا أشد‬

‫وثانيا إذا كانت المحاكمات قاضية بعقاب سالب للحرية و ا يقل عن ثالثة أشهر وصادر‬

‫عن محاكم الدولة الطالبة في الجرائم المشار إليها بالفقرة المتقدمة '' ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫فيما يتعلق بتسليم المجرمين في جرائم اإلتجار باالشخاص فقد إعتبر برتوكول اإلتجار‬

‫باألشخاص صراحة في المادة األولى منه أن األفعال المجرمة وفقا للمادة الخامسة منه هي‬

‫أفعال مجرمة وفقا لإلتفاقية واذا ما علمنا أن من بين صور تسليم المجرمين مثلما تم‬

‫تبيانها بالمادة ‪ 16‬من '' اإلتفاقية األم '' أن تكون الجريمة المرتكبة مشمولة بهذه اإلتفاقية‬

‫فإنه يجوز الجزم بأن جريمة اإلتجار بالبشر تعتبر من بين الجرائم التي توجب تسليم‬

‫‪57‬‬
‫‪.‬‬ ‫مرتكبيها‬

‫بالنسبة التفاقية مجلس أورو بشان مكافحة اإلتجار بالبشر فقد نصت في المادة ‪ 23‬منها‬

‫أنه '' تتخذ كل دولة التدابير التشريعية الالزمة أو أي تدابير أخرى تستلزمها الضرورة من‬

‫أجل التأكد من أن االفعال المجرمة وفقا للمواد من ‪ 18‬الى ‪ 21‬يعاقب عليها بعقوبات‬

‫فعلية ومتناسبة ورادعة ‪ .‬وتشمل هذه العقوبات‪ ،‬بالنسبة لألفعال المجرمة وفقا للمادة ‪18‬‬

‫عندما ترتكب من قبل األشخاص الطبيعيين‪ ،‬بعقوبات سالبة للحرية يمكن أن تفضي إلى‬

‫تسليم المجرمين إلى دولة اخرى '' ‪.58‬‬

‫فقرة ثانية‪ :‬تكريس الفقه قضائي لمبدأ التسليم في الجرائم العادية‪:‬‬

‫دائرة االتهام‬ ‫دأب فقه القضاء التونسي على تفعيل مبدأ التسليم في الجرائم العادية‪،‬‬

‫بوصفها الهيأة القضائية المختصة في النظر في مطلب التسليم ال تتردد في الحكم بالتسليم‬

‫في كل مطلب توفرت فيه الشروط التي نص عليها القانون ‪.‬‬

‫‪ 57‬برتوكول منع وقمع ومعاقبة اإلتجار باألشخاص‪ ،‬وبخاصة النساء واألطفال‪ ،‬المكمل التفاقية األمم المتحدة لمكافحة الجريمة‬
‫المنظمة عبر الوطنية‬
‫‪ 58‬المادة ‪ 18‬التي تتعلق بتجريم االتجار بالبشر تنص على ان '' تتخذ كل دولة طرف التدابير التشريعية الالزمة أو أي تدابير أخرى‬
‫ضرورية من أجل التجريم الجنائي لألفعال المشار إليها في المادة الرابعة من هذه اإلتفاقية‪ ،‬عندما ترتكب عمدا‪'' .‬‬
‫‪64‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫في السنوات األخيرة هناك العديد من الق اررات الصادرة عن دائرة االتهام في مادة التسليم‬

‫والتي تتعلق بالتسليم المتهمين إلى بعض الدول مثل الدولة اإليطالية واأللمانية والفرنسية‬

‫والليبية ومن أمثلة الق اررات الصادرة عن دائرة االتهام القرارعدد ‪ 91783/13‬بتاريخ ‪02‬‬

‫اكتوبر ‪ ،2010‬وحيث تبين من ملف طلب التسليم المقدم من النيابة العمومية بدولة ليبيا‬

‫أ ن المطلوب تسليمه الليبي الجنسية متهم بجريمة القتل العمد‪ .‬وتطبيقا لمقتضيات الفصل‬

‫‪ 310‬من م ‪.‬ا‪.‬ج الذي نص على أنه ''للحكومة أن تسلم لحكومات الدول األجنبية بناء‬

‫على طلبها كل شخص غير تونسي وجد بتراب الجمهورية التونسية وكان موضوع تتبع‬

‫جاري باسم الدولة الطالبة او موضوع حكم صادر عن محاكمها ''ويضيف انه ''ال يمكن‬

‫منح التسليم إال في حاالت من بينها إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها التسليم قد‬

‫إرتكبت خارج ترابها من أحد رعاياها ''‪ .‬وكذلك نص الفصل ‪ 309‬من م‪.‬ا‪.‬ج أنه '' ال يجوز‬

‫تسليم أي شخص لدولة أجنبية إال إذا كان موضوع تتبع او محاكمة ألجل جريمة من‬

‫الجرائم المنصوص عليها بهذا الباب ''‪ .‬والمقصود بها الجرائم التي تتوفر فيها جميع أركان‬

‫التجريم والتي يمكن وصفها بجرائم الحق العام ‪.‬‬

‫وبما أن المتهم هو ليبي الجنسية وهو محل تتبع من الدولة الليبية من أجل ما نسب إليه‬

‫والتهمة الموجهة إليه من هي جنايات وجنح يعاقب عليها قانون البلدين بالتالي تكون شروط‬

‫الفصل ‪ 312‬من م‪.‬ا‪.‬ج متوفرة والفصل ‪ 21‬من اإلتفاقية القضائية المبرمة بين الجمهورية‬

‫اليبية والدولة التونسية ‪ .‬وقد جاء بأحد حيثيات القرار بأن'' الجرائم التي هي موضوع تتبع‬

‫‪65‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫ضد المطلوب تسليمه هي جرائم حق عام وال تكتسي أي صبغة سياسية كما أنها ال تتمثل‬

‫في اإلخالل بواجب عسكري ''‪ .‬وانتهت في حكمها إلى إستخالص أن جميع الشروط‬

‫الشكلية واألصلية التي أوجبتها مجلة اإلجراءات الجزائية واإلتفاقية التونسية الليبية المؤرخة‬

‫في ‪ 14‬جويلية ‪ 1961‬قد توفرت في مطلب التسليم األمر الذي يتجه معه قبوله‪ ،‬وقررت‬

‫تسليم المتهم إلى السلطات الليبية بالرغم من أن نائبة المتهم قد تمسكت بأن مطلب التسليم‬

‫هدفه هو تحقيق أغراض سياسية باعتبار أن المتهم ينتمي إلى الكتائب المساندة للنظام‬

‫الليبي السابق ‪.‬‬

‫كذلك القرار عدد ‪ 13 / 88839‬الصادر عن دائرة االتهام بتاريخ ‪ 14‬فيفري ‪2014‬‬

‫والمتعلق بتسليم المواطن اليبي نبيل بن محمد بن الجيالني الشتيوي الى السلطات القضائية‬

‫اليبية والمتهم بارتكابه للتهم التالية وهي ‪ :‬جناية القتل العمد المعاقب عليها بالمواد ‪1‬و‪2‬‬

‫و‪ 7‬من القانون رقم ‪ 06‬لسنة ‪ 1430‬هجري بشان القصاص والديه‪ .‬وكذلك جناية حيازة‬

‫السالح بدون ترخيص المعاقب عليها بالمادتين ‪2‬و‪ 3‬فقرة ثانية من القانون رقم ‪ 07‬لسنة‬

‫‪ 1981‬ميالدي بشان حيازة األسلحة والذخائر ولمفرقعات‪ .‬وأخي ار من أجل جنحة الهروب‬

‫من السجن المنصوص عليها بالمادة ‪ 277‬من قانون العقوبات‪ .‬قررت دائرة اإلتهام قبول‬

‫مطلب التسليم بالرغم من أن المتهم كان متمسكا برفض تسليمه إلى السلطات الليبية‬

‫باعتبار أنه لم يرتكب أي جرم مالحظا أن األمر يتعلق بخالف بين قبيلتين زلطين وبني‬

‫الوليد وأن اخاه قد توفي إثر هذه األحداث ‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫في القرار عدد ‪ 89697‬بتاريخ ‪ 8‬اوت ‪ 2015‬المتعلق بتسليم المتهم ''لفاتوري ميكالي‬

‫باسكوالي '' اإليطالي الجنسية إلى السلطات اإليطالية ورفض مطلب اإلفراج عنه والصادر‬

‫في حقه بطاقة جلب دولية من طرف السلطات اإليطالية التي تطلب إسترداده وتسليمه من‬

‫أجل إنتماءه إلى عصابة إجرامية في تجارة المخدرات‪ .‬الذي يعرض عن التمتع باألحكام‬

‫المقررة بتسليم المجرمين األجانب ويرضى صراحة بتسليمه إلى سلطة الدولة اإليطالية حتى‬

‫يتمكن من إظهار براءته لدى السلط اإليطالية طبقا لمقتضيات الفصل ‪ 322‬من م‪.‬ا‪.‬ج‬

‫الذي ينص على أنه ''إذا صرح األجنبي عند مثوله بأنه يعرض عن التمتع باألحكام المقررة‬

‫بهذا الباب ويرضى صراحة بتسليه إلى سلط الدولة الطالبة فإن دائرة اإلتهام تسجل هذا‬

‫التصريح ''ويضيف في فقرته ثانية أنه ''وتوجه نسخة من قرارها في الحال عن طريق‬

‫الوكيل العام للجمهورية إلى كاتب الدولة للعدل الذي يقرر ما يراه صالحا''‪.‬‬

‫ومن أهم الق اررات المتعلقة بتسليم المجرمين القرار الصادرة عن دائرة االتهام في السنوات‬

‫االخيرة القرار عدد ‪ 86599/ 9‬الصادر بتاريخ ‪ 25‬جانفي ‪ 2012‬والمتعلق بتسليم المتهم‬

‫ميالد أبو زتاية إبراهيم عبد السالم المتهم بجرائم اإلشتراك في إختالس مال عام واإلدعاء‬

‫بالتأثير والكسب الغير مشروع المنصوص عليه صلب المادة ‪ 27‬من القانون رقم ‪ 2‬لسنة‬

‫‪ 1972‬المتعلق بالجرائم اإلقتصادية والمادة ‪ 257‬من قانون العقوبات الليبي والمادتين ‪6‬‬

‫و‪ 16‬من القانون رقم ‪ 10‬لسنة ‪ 1994‬والذي قررت دائرة االتهام قبول مطلب التسليم في‬

‫حقه معتبرة أنه '' إتضح أن الجرائم المؤسس عليها طلب التسليم هي جرائم حق عام وال‬

‫‪67‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫تكتسي أي صبغة سياسية ''‪ .‬مضيفة في حيثية أخرى أنه ''وحيث ال توجد بالملف أي قرائن‬

‫أو معطيات تشير إلى أن مطلب التسليم قدم ألغراض سياسية لكون المطلوب تسليمه كان‬

‫من المقربين للنظام الليبي قبل قيام الثورة الليبية وأنه سوف لن يحضى بمحاكمة عادلة بعد‬

‫أن تم تغيير النظام الحاكم في البلد المذكور ''‪.‬‬

‫مؤكدة كذلك على أنه '' حيث ثبت من ملف الحال أن طلب التسليم تعلق بتتبعات من أجل‬

‫جرائم حق عام بعيدة كل البعد عن الصبغة السياسية كما أن ظروف التتبع والتحقيق‬

‫الجاري ضد ميالد أبوزتاية ابراهيم عبد السالم قد أخذت منحى عاديا حسب ما يظهر من‬

‫االطالع على النسخ الرسمية من محاضر البحث والتحقيق التي تم الشروع فيها من‬

‫الهيئات القضائية الليبية وقد تأسس التتبع على صك محجوز وأقوال شهود ‪. ''...‬‬

‫من ق اررات التسليم إلى الدولة األلمانية يمكن أن نذكر القرار عدد ‪ 9 /97102‬بتاريخ ‪25‬‬

‫ديسمبر ‪ 2015‬والذي يتعلق بتسليم المتهم األلماني'' كونراد كارل اوبتيز'' الصادرة ضده‬

‫أحكام جزائية بالسجن من أجل التحيل األول لمدة عامين وشهرين والثاني لمدة ثالث سنوات‬

‫تطبيقا لمقتضيات مجلة اإلجراءات الجزائية والفصل ‪ 21‬من اإلتفاقية القضائية المبرمة بين‬

‫الجمهورية التونسية والجمهورية الفدرالية األمانية الذي نص على أنه يسوغ تسليم مواطن‬

‫إحدى الدولتين طبق اإلجراءات الواردة باالتفاقية ‪.‬‬

‫من ق اررات التسليم إلى الدولة الفرنسية نذكر القرار عدد ‪ 95516‬بتاريخ ‪ 04‬نوفمبر ‪2015‬‬

‫القاضي بتسليم المتهم الفرنسي الجنسية ''برنار اندري تيبو'' الصادر ضده حكم من محكمة‬

‫‪68‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫اإلستئناف بليون القاضي بسجنه مدة خمسة عشر سنة من أجل إتصال بقاصر ومحاولة‬

‫إغتصاب وهو محل تفتيش من األنتربول الفرنسي بالرغم من أنه مقيم بالبالد التونسية منذ‬

‫خمسة سنوات وله عائلة مستقرة ومحاولة اإلغتصاب تعود الى‪ 2006‬و‪ 2007‬وينتهي أجل‬

‫التقادم المسقط في شأنها في ‪ 2017‬وبالرغم من ذلك إعتبرت دائرة اإلتهام أن جميع‬

‫الشروط الشكلية واألصلية التي إستوجبتها مجلة اإلجراءات الجزائية في فصولها من ‪308‬‬

‫وما بعده واإلتفاقية التونسية الفرنسية المؤرخة في ‪ 28‬جوان ‪ 1972‬قد توفرت في مطلب‬

‫التسليم وقررت على أساس ذلك القضاء بتسليمه إلى السلطات القضائية الفرنسية ‪.‬‬

‫والقرار عدد ‪ 95165‬الصادر في ‪ 02‬سبتمبر ‪ 2015‬القاضي بتسليم المدعو ''جون‬

‫فرانسوا توماس'' محل تتبعات جزائية في فرنسا من أجل عدة تهم منها التحيل والتدليس‬

‫ومسك واستعمال مدلس واستيالء على أموال شركة وغيرها من التهم وأصدرت المحكمة‬

‫االبتدائية ب ‪ Cahors‬حكما بالسجن مدة خمسة سنوات وحرمانه من الحقوق المدنية مدة‬

‫خمسة أعوام واصدار بطاقة إيداع في شانه ‪.‬‬

‫كذلك من المكن أن ترفض دائرة اإلتهام التسليم في جرائم حق عام وكمثال عن ذلك قرار‬

‫دائرة االتهام عدد ‪ 95084‬الصادر بتاريخ ‪ 22‬أفريل ‪ 2015‬في حق المدعو عماد رجب‬

‫محمد عبد السالم الزغداني المطلوب من السلطات الليبية بتهمة القتل العمد‪ .‬قررت دائرة‬

‫االتهام في خصوص هذا المتهم رفض مطلب التسليم الصادر في حقه واالفراج عنه من‬

‫سجن إيقافه ورفع تدبير تحجير السفر المتخذ في شأنه‪ .‬وبالرغم من قبول مطلب التسليم‬

‫‪69‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫من حيث الشكل إال أنه من حيث األصل رفضت الدائرة مطلب التسليم وسبب الرفض هو‬

‫ورود مراسلة عن و ازرة الشؤون الخارجية عدد ‪ 1389‬بتاريخ ‪ 13‬أفريل ‪ 2015‬ومذكرة‬

‫شفوية صادرة عن السفارة الليبية عدد ‪ 403‬بتاريخ ‪ 1‬افريل ‪ 2015‬تتعلق بطلب وقف‬

‫مالحقة وتسليم كافة المطلوبين الليبيين لحين إشعار آخر‪ .‬وقد جاء مكتوب بو ازرة العدل‬

‫بالحكومة الليبية المؤقتة الموجه للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية انه بالنظر الى ما تمر به‬

‫البالد من أوضاع أمنية نتيجة لألعمال االرهابية التي تقوم بها المجموعات الخارجة عن‬

‫السيطرة وانتشار السالح في أيدي الخارجة عن الحكومة الشرعية وما نتج عنه من خروج‬

‫بعض المد ن بغرب ليبيا عن سيطرة الحكومة المؤقتة فان الحكومة تطلب على وجه السرعة‬

‫وقف مالحقة وتسليم المطلوبين إلى السلطات اليبية الى حين إشعار آخر مع التنبيه إلى‬

‫عدم اإلعتداد بأي كتاب أو مذكرة صادرة عن مكتب النائب العام لعدم وجود من يحمل‬

‫الصفة حليا وال تتحمل و ازرة العدل مسؤولية سالمة المطلوبين في حال تسليمهم‪ .‬وبالتالي‬

‫وردت على و ازرة الخارجية التونسية مطالب متناقضة ففي حين طلبت حكومة اإلنقاذ‬

‫الوطني بطرابلس تسليم المتهم من أجل محاكمته من أجل ما نسب إليه‪ ،‬في المقابل‬

‫الحكومة الليبية المؤقتة بطبرق والتي تتمسك بالشرعية قد طلبت من كافة المطلوبين الليبيين‬

‫عدم تسليمهم إ لى السلطات اليبية وهو ما يجعل شروط المحاكمة العادلة غير متوفرة مما‬

‫اتجه معه رفض دائرة االتهام لمطلب التسليم ‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التكريس القانوني والفقه قضائي الستثناء التسليم في الجرائم‬

‫السياسية‪:‬‬

‫منع التسليم في الجرائم السياسية من المبادئ القانونية التي نصت عليها أغلب التشاريع‬

‫سواءا ضمن قانونها الداخلي أو ضمن اإلتفاقيات المتعلقة بالتعاون الدولي أو المتعلقة‬

‫بتسليم المجرمين‪ .‬أسس عدم التسليم في الجرائم السياسية قانونية باألساس ( فقرة أولى)‬

‫أثرته الق اررات الفقه قضائية الصادرة عن دائرة االتهام (الفقرة الثانية )‪.‬‬

‫فقرة أولى ‪:‬التكريس القانوني لإلستثناء‪:‬‬

‫أ‪ -‬تكريس اإلستثناء في القانون الوضعي التونسي ‪:‬‬

‫المشرع التونسي إهتم بمسألة التسليم في القسم الثاني من الباب الثامن مجلة اإلجراءات‬

‫الجزائية وذلك في الفصول من ‪ 308‬إلى ‪ .330‬هذه القواعد المضمنة بالمجلة مقتبسة‬

‫للقانون الفرنسي لسنة ‪ 1729‬فهي ذات تطبيق ثانوي ال يتم تطبيقها إلى في صورة غياب‬

‫معاهدة تربط الدولة التونسية مع الدولة الطالبة‪ .‬نص الفصل ‪ 308‬من مجلة اإلجراءات‬

‫الجزائية انه ''تخضع شروط تسليم المجرمين واجراءاته وأثاره ألحكام هذا الباب ما لم‬

‫تتضمن المعاهدات أحكاما مخالفة لها '' ‪.‬‬

‫كما نص الفصل ‪ 313‬من مجلة اإلجراءات الجزائية في فقرته األولى أن التسليم ال يمنح "‬

‫إذا كانت الجناية أو الجنحة تكتسي صبغة سياسيا أو إتضح من الظروف أن طلب التسليم‬

‫‪71‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫كان لغاية سياسية‪ ،‬واإلعتداء على حياة رئيس الدولة أو احد أعضاء الحكومة ال يعتبر‬

‫جريمة سياسية "‪.‬‬

‫على غرار التشريعات المقارنة لم يعرف المشرع المغربي الجريمة السياسية‪ ،‬واكتفى باإلشارة‬

‫إليها في مجموعة من النصوص القانونية كمجموعة القانون الجنائي ضمن مقتضيات‬

‫الفصل ‪ 26‬منه الذي نص على أن التجريد من الحقوق الوطنية عندما يكون يحكم به لزجر‬

‫الجنايات السياسية‪ ،‬وكذالك ضمن مقتضيات قانون المسطرة الجنائية في المادة ‪ 636‬التي‬

‫نصت على عدم الحكم باإلكراه المدني في الجرائم السياسية‪ ،‬والمادة ‪ 721‬بشأن عدم‬

‫الموافقة على تسليم المجرمين إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها التسليم جريمة سياسية‬

‫أو مرتبطة بجريمة سياسية‬

‫بالنسبة للقانون الجزائري نصت المادة ‪ 698‬من قانون اإلجراءات الجزائري أنه ال يجوز‬

‫التسليم إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها التسليم جريمة ذات صيغة سياسية أو أن‬

‫التسليم مطلوب لغرض سياسي ‪.‬‬

‫ب‪ -‬تكريس اإلستثناء في القانون المقارن واإل تفاقيات الدولية ‪:‬‬

‫لقد أقر المجتمع الدولي إلزامية تسليم مرتكبي الجرائم اإلرهابية طبقا لمبدأ ''إما التسليم أو‬

‫المحاكمة '' المنصوص عليه في اإلتفاقيات الدولية ذات الصلة بالجرائم الدولية ‪ .‬خاصة‬

‫وأن قرار الجمعية العامة لألمم المتحدة لم يكن ناجعا أمام سد الطريق أمام المتهمين من‬

‫اإلفالت من العقاب نظ ار للعراقيل التي واجهت إعمال نظام التسليم‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫بالنسبة للتسليم في الجرائم السياسية تم العمل حاليا من جانب معظم الدول بمبدأ عدم جواز‬

‫التسليم في الجرائم السياسية سواءا في القانون المقارن أو اإلتفاقيات الخاصة‪ .‬ولكن‬

‫الصعوبة تكمن في تحديد الجرائم السياسية وتميزها عن باقي الجرائم العادية حيث تعددت‬

‫المعايير لتحديد الجرائم السياسية وفصلها عن الجرائم العادية‪ ،‬ولكنها فشلت في أن تقدم‬

‫حلوال جزئية للتمييز وفي غياب هذا المعيار أصبح لكل دولة الحق في تقدير نوع الفعل‬

‫المنسوب صدوره إلى الشخص وعم إذا كان هذه الفعل يشكل جريمة سياسية أو جريمة‬

‫عادية والقول الفصل في ذلك ما زال يعتبر من متطلبات السلطة التقديرية لكل دولة‪.‬‬

‫إن امتناع التسليم في الجرائم السياسية كما رأينا يعتبر من أحد المبادئ الهامة التي تكرسها‬

‫أغلب اإلتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية‪ .‬هذا المنع يجد تبريره في كون المجرم‬

‫السياسي يدافع على مبدأ وليس على مصلحة ذاتية‪ ،‬مبدئيا بالرغم من أن المتفق عليه هو‬

‫أن الجريمة السياسية تمثل أقل خطورة من الجرائم العادية األخرى إال أنه لم يمكن الجزم‬

‫بذلك باعتبار أن الجريمة في حد ذاتها تشكل أفعاال محظورة مهما كانت خطورتها‪ .‬في‬

‫المقابل تكريس استثناء تسليم المجرمين السياسيين هو تدعيم للحريات األساسية مثل الحرية‬

‫السياسية والدستورية المنصوص عليها ضمن الدستور‪ ،‬فاالختالف بين الجريمة السياسية‬

‫والجريمة العادية يكمن في تقدير الضرر والدافع لذلك‪.‬‬

‫بالنسبة للقانون المقارن فقد نصت المادة ‪ 321‬من قانون المسطرة المغربية أنه ال يوافق على‬

‫‪73‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫التسليم إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها التسليم تعتبر جريمة سياسية أو مرتبطة‬

‫بجريمة سياسية‪.‬‬

‫بالنسبة للقانون الجزائري نص الفصل ‪ 698‬من قانون اإلجراءات الجزائية الجزائري أنه‬

‫ال يقبل التسليم في حاالت منها إذا كانت للجناية أو الجنحة صفة سياسية أو إذا تبين من‬

‫الظروف أن التسليم مطلوب لغرض سياسي‪ .‬بالتالي اتفقت جل القوانين المقارنة على منع‬

‫التسليم في الجرائم التي تكتسي صبغة سياسية‪.‬‬

‫بالنسبة لإلتفاقيات الدولية فقد نصت العديد منها على منع التسليم في الجرائم السياسية مثل‬

‫االتفاقية الثنائية المبرمة بين الجمهورية التونسية و الجمهورية السينغالية فقد نص الفصل‬

‫‪ 44‬منه أنه يجوز رفض التسليم إذا كانت الجريمة التي طلب من أجلها معتبرة في نظر‬

‫الدولة المطلوب منها جريمة سياسية أو مرتبطة بجريمة سياسية ‪ .‬البحث عن أساس قانوني‬

‫أو قضائي لمنع التسليم في الجرائم السياسية هو من األمر اليسير باعتبار أن جل القوانين‬

‫الداخلية واإلتفاقيات سواءا الثنائية أو الدولية قد نصت على هذا المنع ضمن أحكامها ‪.‬‬

‫بدورها نصت المادة ‪ 31‬من االتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود أنه‬

‫من الحاالت التي ال يجوز فيها التسليم إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها التسليم معتبرة‬

‫بمقتضى القوانين النافذة لدى الطرف المطلوب فيه التسليم جريمة ذات صبغة سياسية أو‬

‫تنحصر في االخالالت بالواجبات العسكرية‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫إتفاقية التعاون القضائي في المادة الجزائية بين الجمهورية التونسية واألرجنتين تنص في‬

‫مادته األولى أنه '' يتبادل الطرفان المتعاقدان التعاون على أوسع نطاق في كل قضية‬

‫جزائية وفقأ لهذه اإلتفاقية ''‪ .‬وأضافت أنه يقصد بالتعاون المساعدة التي يقدمها الطرف‬

‫المطلوب منه في ما يتعلق باألبحاث والمحاكمات أو التتبعات المثارة في القضايا الجزائية‬

‫السلطة القضائية للطرف الطالب ‪.‬‬

‫وتنص المادة الرابعة أن ترفض المساعدة القضائية إذا كان الطلب يتعلق في نظر الطرف‬

‫المطلوب إليه بجريمة سياسية أو بجريمة مرتبطة بجريمة سياسية‪.‬‬

‫كما يرفض التعاون القضائي أيضا إذا كان يبعث إلى اإلعتقاد جديا أن الطلب قد قدم في‬

‫الحقيقة بهدف إضطهاد شخص بسبب عنصره أو جنسيته أو رأيه السياسي وأن وضع هذا‬

‫الشخص قد يتعكر ألي سبب من هذه األسباب ‪.‬‬

‫و كذلك اإلتفاقية العربية لمكافحة اإلرهاب الموقعة بالقاهرة فقد نصت في المادة السادسة‬

‫منها أ نه ''ال يجوز التسليم في أي من الحاالت التالية ‪ :‬إذا كانت الجريمة المطلوب من‬

‫أجلها التسليم معتبرة‪ ،‬بمقتضى القواعد القانونية النافذة لدى الدولة المتعاقدة المطلوب إليها‬

‫التسليم‪ ،‬جريمة لها صبغة سياسية ''‪.‬‬

‫كما نص الفصل ‪ 26‬في فقرته األولى من اإلتفاقية المبرمة بين الجمهورية التونسية‬

‫والجمهورية الفرنسية حول التعاون القضائي في المادة الجزائية وتسليم المجرمين أنه ''ال‬

‫‪75‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫يمنح التسليم إذا كانت الجريمة التي طلب من أجلها معتبرة في نظر الدولة المطلوبة منها‬

‫التسليم جريمة سياسية أو مرتبطة بجريمة سياسية ''‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التكريس الفقه قضائي لالستثناء‪:‬‬

‫بالنسبة إلى األساس الفقه القضائي الستثناء التسليم في الجرائم السياسية نجد ق اررات نصت‬

‫بصفة صريحة على عدم التسليم في الجرائم السياسية وفي ق اررات أخرى القراءة المعاكسة‬

‫لما ورد بالقرار تكشف أن التسليم في الجرائم السياسية غير ممكن مثال عندما نجد ضمن‬

‫حيثيات الحكم حيثية يذكر بها أنه ما دامت الجريمة جريمة حق عام وال تكتسي صبغة‬

‫سياسية فإنه يمكن تسليم المتهم‪.‬‬

‫من ذلك القرار عدد ‪ 86599/9‬الصادر عن دائرة اإلتهام في ‪ 2012/01/25‬والمتعلق‬

‫بتسليم المتهم الليبي " ميالد أبو زنتاية إبراهيم عبد السالم " الرتكابه لجرائم اإلشتراك في‬

‫إختالس المال العام واإلدالء بالتأثير والكسب الغير مشروع المنصوص عليها صلب المادة‬

‫‪ 27‬من القانون رقم ‪ 2‬لسنة ‪ 1972‬المتعلق بالجرائم االقتصادية والمادة ‪ 257‬من قانون‬

‫العقوبات الليبي والمادتين ‪ 6‬و ‪ 16‬من القانون عدد ‪ 10‬لسنة ‪.1994‬‬

‫نجد في أحد حيثيات قرار التسليم أنه " وحيث إتضح أن الجرائم المؤسس عليها التسليم هي‬

‫جرائم حق عام وال تكتسي أي صبغة سياسية "‪.‬‬

‫وفي حيثية أخرى " وحيث ثبت من ملف الحال أن طلب التسليم تعلق بتبعات من أجل‬

‫جرائم حق عام بعيدة كل البعد عن الصبغة السياسية كما أن ظروف التتبع والتحقيق‬

‫‪76‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫الجاري ضد ميالد ابوزنتاية ابراهيم عبد السالم قد أخذت منحى عاديا حسب ما يظهر من‬

‫اإلطالع على النسخ الرسمية محاضر البحث والتحقيق التي تم الشروع فيها من طرف‬

‫الهيئات القضائية الليبية وقد تتأسس التتبع على صك محجوز وأقوال شهود فضال عن إبداء‬

‫السلطات القضائية في البلد المذكور إستعدادها وتعهدها بتتبع ومحاكمة المطلوب تسليمه‬

‫محاكمة عادلة ونزيهة ومستقلة تتوفر فيها جميع الضمانات مع الحفاظ على على حياته‬

‫وسالمته الجسدية والمعنوية ومراعات ظروفه الصحية وأن مطلب التسليم ال صلة له بأي‬

‫غاية سياسية طبق ما جاء بملحوظات النائب العام بليبيا "‪.‬‬

‫وعلى هذا األ ساس قررت دائرة التهام فبول مطلب التسليم المقدم من السلطات الليبية في‬

‫حق ميالد أبو زنتاية ابراهيم عبد السالم ورفض مطلب االفراج ‪.‬‬

‫و في حيثية أخرى أنه " وحيث ال توجد بالملف أي قرائن أو معطيات تشير أن مطلب‬

‫التسليم قدم ألغراض سياسية لكون المطلوب تسليمه كان من المقربين للنظام الليبي قبل‬

‫قيام النظام بليبيا وأنه لن يحضى بمحاكمة عادلة بعد أن تم تغيير النظام الحاكم في البلد‬

‫المذكور "‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫الخاتمة‬

‫مؤسسة التسليم لها أهمية بالغة ليس فقط فيما يتعلق بالتسليم في الجرائم العادية وانما أيضا‬

‫في الجرائم السياسية والجريمة اإلرهابية‪ ،‬التي أصبحت حديث الساعة نظ ار لكونها شكل من‬

‫أشكال العنف الذي يهدد إستقرار المجتمع الدولي بإشاعة الرعب والقتل والتشريد‪.‬‬

‫التسليم كما رأينا آلية كرستها اإلتفاقيات والقوانين الداخلية وهي تخضع لجملة من الشروط‬

‫اإلجرائية لتنفيذه‪ .‬فبالتأمل في شروط التسليم الواردة سواءا بمجلة اإلجراءات الجزائية‬

‫أواإلتفاقيات التي صادقت عليها تونس ندرك أن نظام التسليم بصفة عامة مرتبط أشد‬

‫اإلرتباط بسيادة الدولة باعتبار أنه عمل من أعمال السيادة ال يمكن التخلي عنه لطرف‬

‫أخر‪.‬‬

‫ومن أهم اإلشكاليات التي يطرحها هذا الموضوع هو تحديد الجرائم التي يجوز فيها التسليم‬

‫والتي يعتريها الكثير من اللبس والغموض‪ ،‬مما أدى إلى تعدد اإلجتهادات الفقهية في‬

‫تكييف الجرائم المستثناة من التسليم‪ .‬بالتالي وضع معيار واضح يميز بين الجريمة السياسية‬

‫المستثناة من التسليم والجريمة الغير سياسية التي يجوز فيها التسليم من األمور المعقدة في‬

‫القانون التونسي في غياب نظرية عامة للجريمة السياسية‪.‬‬

‫من ناحية أخرى إصطباغ اإلرهاب بالصبغة السياسية يساعد على إنتشار الظاهرة‬

‫اإلرهابية ‪ .‬فأمام هذه الظروف فإنه على المجتمع الدولي أن يبذل مجهدات أكبر لمنع‬

‫تفاقم هذه الجرائم في كل بقاع العالم وذلك حفاظا على سالمة المجتمع الدولي بأسره‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫عدم وجود تعريف موحد لإلرهاب يرجع باألساس إلى إرادة الدول الكبرى التي تسعى إلى‬

‫تحقيق أهداف شخصية ال تخدم إال مصالحها‪ ،‬ومن خالل العديد من األمثلة ودراسة شروط‬

‫التسليم‪ ،‬تتبين أن التسليم من الممكن أن يكون وسيلة للمقايضة بين الدول‪ ،‬التسليم مقابل‬

‫بعض المطالب أو بعض السجناء‪ .‬بالتالي اإلطار القانوني للتسليم ومدى توفر شروطه‬

‫يكون في بعض األحيان من المسائل النظرية ويخرج بذلك التسليم من نطاقه العام ليصبح‬

‫أداة تلجأ إليه الدول للضغط والحصول على ما تريده‪.‬‬

‫وفي النهاية دراسة تأثير العوامل السياسية على شروط التسليم ترتبط بمسألة ضمانات المتهم‬

‫باعتبار أن القوانين الوطنية تشكل في حد ذاتها ضمانات قانونية له تؤسس إلى عدم التسليم‬

‫في صورة عدم توفر شروطه ‪.‬‬

‫الهدف من خالل دراسة تأثير العوامل السياسية على شروط التسليم هو وضع معايير‬

‫قانونية وفقهية تمكننا من التمييز بين الجريمة السياسية والجرائم األخرى‪ .‬تكريس مبدأ التسليم‬

‫في الجرائم العادية له أساس قانوني وفقه قضائي‪ ،‬كذلك تأثير العوامل السياسية على نظام‬

‫التسليم كان على مستوى تطبيق القانون وعلى مستوى فقه القضاء‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫الجزء الثاني ‪:‬تأثير العوامل السياسية على إجراءات التسليم ‪:‬‬

‫‪80‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫دراسة النظام القانوني للتسليم يكشف لنا عن الطبيعة اإلجرائية لهذه المؤسسة فمن خصائص‬

‫التسليم أوال انه إجراء وثانيا إجراء تعاون بين الدول وأخي ار فهو إجراء ذو طابع دولي‪ .‬كل‬

‫هذه الخصائص تتأثر بالطبيعة القانونية للتسليم فإجراءات التسليم تختلف حسب ما إذا كان‬

‫التسليم يكتسي طابعا قضائيا أو إداريا أو مختلطا ‪.‬‬

‫بذلك تختلف الطبيعة القانونية للتسليم من دولة إلى أخرى فهناك من دول من تعهد إلى‬

‫السلطة التنفيذية صالحية إتخاذ قرار التسليم‪ ،‬يقابله النظام القضائي للتسليم التي تأخذ به‬

‫األنظمة االنقلوسكسونية وهو أن السلطة القضائية هي التي لها صالحية إتخاذ هذا قرار‪.‬‬

‫وبنهاية القرن التاسع عشر أصبح اإلتجاه السائد هو اإلشتراك بين السلطة القضائية‬

‫والتنفيذية في التسليم والذي يطلق عليه البعض تسمية التسليم اإلداري القضائي‪.‬‬

‫وباعتبار أن نظام التسليم في تونس هو نظام مختلط يرتبط بسيادة الدولة ويتأثر بالعوامل‬

‫السياسية السائدة بين الدولة التونسية والدول األخرى‪ .‬الطابع الدولي للتسليم يجعل منه‬

‫إجراء ذو صبغة دولية يتأثر ببعض األفكار والمفاهيم مما يؤثر على طبيعة اإلجراءات‬

‫المتخذة سواءا قبل اتخاذ قرار التسليم أو إثر البت فيه‪ .‬من ذلك العوامل السياسية التي تؤثر‬

‫على إجراءات التسليم من تلقي المطلب الى صدور القرار بالتسليم‪ ،‬لذلك تختلف إجراءات‬

‫التسليم المتبعة قبل البت في مطلب التسليم (فصل أول ) عن اإلجراءات المتبعة عند البت‬

‫في مطلب التسليم (فصل ثاني )‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫الفصل ال ول‪ :‬العوامل السياسية واإلجراءات السابقة للبت في مطلب التسليم‪:‬‬

‫سعى المشرع من خالل النصوص القانونية إلى استنباط قواعد تحقق المعادلة الصعبة بين‬

‫الحفاظ على مصلحة المجتمع واستق ارره‪ ،‬ووضع حد لظاهرة اإلجرام التي تهدده من جهة‬

‫أخرى‪ ،‬وبين ضمانات المتهم خاصة في مرحلة ما قبل المحاكمة والتي يكون فيها متهما أو‬

‫مظنونا فيه‪.‬‬

‫بالنسبة إلى وضعية المظنون فيه خارج إطار مؤسسة التسليم والموجود في حالة إيقاف‬

‫تحفظي وضعيته تستوجب اإلسراع في اإلجراءات للوصول إلى الحقيقة ومن ثم اإلفراج عنه‬

‫بحفظ التهمة أواحالته على الدائرة الجنائية لمحاكمته إما بحالة إيقاف أو بحالة إفراج مع‬

‫‪59‬‬
‫لذا وجب اإلسراع‬ ‫وجود تدابير إحت ارزية أو بدونها ألن اإليقاف التحفظي وسيلة استثنائية‪.‬‬

‫في إتخاذ االجراءات المناسبة حتى ال يبقى المظنون فيه بحالة إيقاف وحتى يتحدد مصيره‬

‫ال سيما أن دائرة االتهام بوصفها مرحلة ثانية من مراحل التحقيق في الجنايات تمارس رقابتها‬

‫على كامل ملف البحث خاصة الق اررات المتعلقة بحرية المظنون فيه‪.‬‬

‫الحقيقة تمثل شاغل الباحث والقاضي عموما ومطلبا للمجتمع والمظنون فيه والمطلوب‬

‫هوالتوصل إليها في أسرع وقت ممكن ولكن في ظل إحترام المـبادئ اإلجـرائية التي أرساها‬

‫المشرع ودون أن تكون هذه السرعة على حساب نجاعة وعدالة البحث‪.‬‬

‫‪59‬الفصل ‪ 84‬من م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬‬


‫‪82‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫يجوز لدائرة اإلتهام إتخاذ نوعين من الق اررات المتعلقة بحرية المظنون فيه فهي إما أن تقرر‬

‫إيقافه إيقافا تحفظيا وذلك بإصدار بطاقة إيداع ضده أو تقرر اإلفراج عنه إذا كان رهن‬

‫اإليقاف التحفظي بموجب قرار صادر عن قاضي التحقيق الذي أحال إليها الملف‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق يعتبر القانون التونسي في هذا الصدد األكثر حرصا على حماية الحريات‬

‫الفردية مقارنة بالعديد من التشريعات المقارنة التي لم تضع حدا أقصى لمدة اإليقاف‬

‫التحفظي‪ ،‬وحتى التي وضعت حال جزئيا مثل القانون الفرنسي فهي لم تحدد المدة القصوى‬

‫لإليقاف في الجنايات‪ .60‬وهكذا فإن أبرز الضمانات التي يتمتع بهذا المظنون فيه تتمثل في‬

‫إمكانية الطعن في قرار التمديد كما نصت على ذلك الفقرة الرابعة من الفصل ‪ ،85‬وللمظنون‬

‫فيه الحق في طلب مراجعة مدة اإليقاف التحفظي التي أقرها حاكم التحقيق‪ ،‬وطلب اإلفراج‬

‫عنه مؤقتا حتى إذا مدد هذا األخير إيقافه‪ .‬وقد شبه األستاذ جون قيبونو دائرة االتهام في‬

‫وظيفتها هذه "باألستاذ الذي يباشر إصـالح ما قام به تـلميذه من أعمال"‪.61‬‬

‫بالتالي صالحيات دائرة االتهام واسعة فقد أعطى لها المشرع والية شاملة على الحقوق‬

‫والحريات المتعلقة بالمتهم‪ .‬والسؤال الذي يطرح نفسه هل دائرة اإلتهام باعتبارها السلطة‬

‫المخول لها قانونا النظر في مطلب التسليم تتمتع بهاته الصالحيات الواسعة بالنسبة للمتهم‬

‫المطلوب تسليمه‪ .‬بالتأمل في نظام التسليم واجراءاته نالحظ أن دور دائرة االتهام محدود في‬

‫‪ 60‬الفصل ‪ 145‬م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬ف‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫‪Le pouvoir de révision et le droit d’évocation : Jean Guyenot.‬‬
‫‪83‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫جوانب معينة (مبحث أول ) وذلك بسبب تأثر إجراءات التسليم بالطبيعة القانونية‬

‫للتسليم(مبحث ثاني )‪.‬‬

‫المبحث الول‪ :‬الحد من سلطة دائرة االتهام‪:‬‬

‫في بعض القوانين مثل القانون البريطاني القاضي مطالب بالبحث عن ثبوت إدانة المطلوب‬

‫تسليمه من عدمها لكن القانون التونسي أعطى لدائرة اإلتهام بمحكمة اإلستئناف بتونس‬

‫العاصمة صالحية النظر في مطلب التسليم‪ .‬فقد نص الفصل ‪ 321‬م‪.‬ا‪.‬ج أن "النظر في‬

‫مطالب التسليم من خصائص دائرة اإلتهام لدى محكمة االستئناف بتونس "‪ .62‬قراءة هذا‬

‫الفصل توحي بأ ن قرار التسليم هو قرار قضائي لكن من خالل دراسة النظام اإلجرائي‬

‫للتسليم ندرك أن دور دائرة االتهام ليس إال مرحلة من سلسلة من اإلجراءات يتميز بالصبغة‬

‫الدبلوماسية ‪.‬‬

‫محدودية دور دائرة التهام في إتخاذ قرار التسليم نستشفه من خالل الحد من سلطة دائرة‬

‫اإلتهام بالنظر في مطلب التسليم (فقرة أولى) والحد من سلطة دائرة اإلتهام في إصدار‬

‫قرارات اإليقاف التحفظي(فقرة ثانية) والحد من سلطة دائرة االتهام في إصدار قرارات‬

‫اإلفراج المؤقت (فقرة ثالثة)‪.‬‬

‫‪62‬الطيب اللّومي يعرف دائرة االتهام بكونها "عبارة عن هيئة حكمية أناط بعهدتها القانون حق التحقيق واالستقراء وإصدار القرارات‬
‫التي تتعهد بمقتضاها المحاكم بالدعوى العمومية في نطاق ما خوله لها القانون زيادة عما أسند لها من حق النظر على أوجه‬
‫االستئناف في قرارات قاضي التحقيق وما تبت فيه من مطالب تسليم المجرمين‪ .‬يراجع مقال بعنوان "دائرة االتهام" للرّئيس الطيّب‬
‫اللّومي مجلّة القضاء وال ّتشريع جويلية ‪. 199‬‬
‫‪84‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫الفقرة ال ولى‪ :‬الحد من سلطة دائرة اإل تهام بالنظر في مطلب التسليم‪:‬‬

‫دائرة اإلتهام لدى محكمة اإلستئناف بتونس هي الهيأة القضائية التي خول لها القانون حق‬

‫النظر في مطالب تسليم المجرمين‪ .63‬يمكن تعريف دائرة االتهام بكونها ''هيأة حكمية أناط‬

‫بعهدتها القانون حق التحقيق واإلستقراء واصدار الق اررات‪ ،‬التي تتعهد بمقتضاها المحاكم‬

‫بالدعوى العمومية في نطاق ما خول لها القانون زيادة عن ما أسند لها النظر على وجه‬

‫اإلستئناف لق اررات قاضي التحقيق وما تبت فيه من مطالب تسليم المجرمين ''‪.64‬‬

‫ف المبدأ العام المعمول به في الدول التي تحترم مبدأ التفريق بين السلط هو أن السلطة‬

‫القضائية هي التي تملك حق أخذ القرار في خصوص فصل النزاعات‪ .‬وق ارراتها ملزمة‬

‫بمجرد أن يصبح الحكم باتا مستوفيا لجميع طرق الطعن‪ .‬لكن بالنسبة إلى نظام تسليم‬

‫المتهمين فإن سلطة أخذ القرار تخرج من يد السلطة القضائية وتبقى بيد السلطة السياسية‪.‬‬

‫دور دائرة اإلتهام في خصوص التسليم ال يتعلق بإصدار ق اررات وانما تصدر الدائرة رأيا‬

‫يمكنه وصفه باالستشاري ويكون إما بالرفض أو القبول‪ .‬فهي تنظر في مطلب التسليم من‬

‫ا لجوانب القانونية فقط وال تنظر في األصل باعتبار أن النظر في األصل من إختصاص‬

‫السلطة السياسية ‪.‬‬

‫في القانون التونسي تتلقى الحكومة التونسية مطلب التسليم بالطريقة الدبلوماسية مرفوقا‬

‫باألصل أو بنسخة رسمية من الحكم القابل للتنفيذ أو من بطاقة جلب أو من أية وثيقة‬

‫‪63‬دائرة االتهام هي درجة ثانية من درجات التحقيق وهي هيأة حكمية اوكل لها المشرع النظر في استئناف قرارات قاضي التحقيق‬
‫التي ترفع لها من قبل المضنون فيه او نائبه او من قبل وكيل الجمهورية‪.‬‬
‫‪ 64‬الطيب اللومي‪''،‬دائرة االتهام ''‪ ،‬مجلة القانون التونسية‪ ،‬جويلية ‪ 1992 ،‬ص ‪. 9‬‬
‫‪85‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫أخرى لها نفس الحجية وصادرة حسب الصيغ المقررة بتشريع الدولة الطالبة‪ .65‬وينبغي أن‬

‫يشمل مطلب التسليم وصفا مدققا للظروف التي أحاطت باألفعال المطلوب من أجلها‬

‫التسليم وتاريخ ومكان إرتكابها والوصف القانوني للجريمة‪ .‬مع اإلشارة للنصوص القانونية‬

‫وتضاف إلى المطلب نسخة من النصوص القانونية المنطبقة على‬ ‫المنطبقة عليها‬

‫الجريمة‪ .66‬وتضمن بالمطلب أيضا أوصاف المطلوب تسليمه وجميع اإلرشادات التي تمكن‬

‫من التعرف على هويته ‪.‬‬

‫وعند بلوغ مطلب التسليم إلى و ازرة الخارجية يقع التثبت فيه وفي وثائقه ثم يحيل وزير‬

‫الخارجية المطلب رفقة الملف إلى وزير العدل الذي يتولى النظر في صحته فان رأى أنه‬

‫من المتجه قبول مطلب التسليم فإنه يحيل الملف على النيابة العمومية التي تتخذ في الحين‬

‫الوسائل الالزمة إليقاف المطلوب تسليمه وتقديمه إلى الوكيل العام للجمهورية‪ .‬ويستنطق‬

‫وكيل الجمهورية فو ار الموقوف للتثبت من هويته ويعلمه بالوثيقة التي تم بمقتضاها إيقافه‬

‫ويحرر محض ار في ذلك ويودع المعني باألمر في السجن‪ ،67‬وعلى وكالء الجمهورية أن‬

‫‪68‬‬
‫‪.‬‬ ‫يعلموا باإليقاف الوكيل العام للجمهورية‬

‫بالتالي إذا تم إيقاف المضنون فيه من طرف وكيل الجمهورية المنتصب بالمكان الذي تم‬

‫فيه اإليقاف عليه أ ن يعلم الوكيل العام للجمهورية الذي يتعهد بالملف ويتخذ اإلجراءات‬

‫المناسبة‪.‬‬

‫‪ 65‬رضا خماخم "العدالة الجزائية في تونس‪ ،‬مرجغ سايق ‪.‬ص‪139 .‬‬


‫‪ 66‬الفصل ‪ 316‬م‪.‬ا‪.‬ج‬
‫‪ 67‬الفصل ‪ 319‬م‪.‬ا‪.‬ج‬
‫‪ 68‬الفصل ‪ 325‬م‪.‬ا‪.‬ج‬
‫‪86‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫بالتالي دائرة االتهام بمحكمة اإلستئناف بتونس هي المختصة بالنظر في مطلب التسليم‪.‬‬

‫ويحضر األجنبي لديها في أجل ‪ 15‬يوما من تاريخ إعالمه بوثيقة ثم تشرع في استنطاقه‬

‫وتحرر محضر في الغرض‪ .69‬بذلك يكون هناك إختالف بين إج ارءات دائرة اإلتهام بدورها‬

‫العادي وبين اإلجراءات المتبعة لديها إثر النظر في مطلب التسليم‪ .‬فهي تتعهد بمطلب‬

‫التسليم في أجل ال يتعدى ‪ 15‬يوما في حين في اإلجراءات العادية يحال الملف في اجل‬

‫‪ 10‬أيام‪ . 70‬هناك إشكال قانوني آخر يطرحه النظام القانوني لتسليم المجرمين وهو أن‬

‫المشرع لم يحدد أجال للنظر في مطلب التسليم من طرف دائرة االتهام‪.71‬‬

‫بالتأمل في العديد من اإلتفاقيات من ذلك الفصل ‪ 47‬من االتفاقية المبرمة بين الجمهورية‬

‫التونسية والسينيغال فإنه يوجه مطلب التسليم من وزير العدل بالدولة الطالبة إلى وزير‬

‫العدل بالدولة المطلوب منها ‪ .‬ويجيب أن يرفق باألصل أو بنسخة رسمية من الحكم القابل‬

‫للتنفيذ أو من بطاقة اإليقاف أو من إي وثيقة أخرى لها نفس القوة ومسلمة من طرف‬

‫السلطة العدلية ومحتوية على بيان مدقق لتاريخ الجريمة ومكان إرتكابها والوقائع المادية‬

‫المكونة لها ووصفها القانوني كذلك النصوص القانونية المنطبقة عليها ‪ .‬وتضاف إليها‬

‫نسخة من تلك النصوص وتبين بقدر اإلمكان أوصاف الشخص المطلوب تسليمه وكل‬

‫المعلومات األخرى التي من شانها على تعيين هويته و جنسيته ‪.‬‬

‫‪ 69‬الفصل ‪ 321‬م‪.‬ا‪.‬ج‬
‫‪ 70‬الفصل ‪ 114‬م‪.‬ا‪.‬ج‬
‫‪71‬نص الفصل ‪ 323‬م‪.‬اج ان '' في غير الصور المنصوص عليها بالفصل المتقدم فان دائرة االتهام تبدي في مطلب التسليم رأيا‬
‫معلال غير قابل للطعن'' و يضيف في فقرة ثانية أنه'' و اذا ظهر لدائرة االتهام ان شروط التسليم القانونية غير متوفرة او ان هنالك‬
‫غلطا واضحا فإنها تبدي رأيها برفض التسليم ‪ .‬و هذا الرأي نهائي ‪,‬وال يمكن معه منح التسليم ''‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫بذلك سلطة دائرة االتهام في النظر في مطلب التسليم تختلف باختالف نوع التسليم‬

‫فإجراءات التسليم تختلف بحسب الجهة المختصة بالبت في مطلب التسليم‪ .‬فالتسليم يمكن‬

‫ان يكون إداريا‪ ،‬قضائيا أو مختلطا‪ .72‬وتتعهد دائرة االتهام في مرحلة الحقة بمطلب التسليم‬

‫وكافة الوثائق المتعلقة به أي بعد قبوله من طرف وزير العدل‪ .‬ويقع بذلك إحضار المطلوب‬

‫تسليمه إليها في اجل أقصاه خمسة عشر يوما من تاريخ إعالمه باإليقاف وتتولى استنطاقه‬

‫وتحرير محضر في ذلك ويقع سماع ممثل النيابة العمومية والمعني باألمر‪.‬‬

‫حسب عديد اإلتفاقيات التي أبرمتها تونس مع العديد من الدول باإلمكان إرجاء النظر في‬

‫القضية في مطلب التسليم وذلك للمطالبة بمعلومات إضافية للتحقق من توفر الشروط‬

‫المطلوبة قبل أن ترفض المطلب ولها أن تحدد أجال للحصول على هذه المعلومات‪ .‬في‬

‫هذا اإلطار فقد نص الفصل ‪ 33‬من االتفاقية المبرمة بين تونس والدولة الجزائرية أن دائرة‬

‫االتهام تبدي رأيها في قبول المطلب من عدمه دون أن يكون لها الحق في النظر في أصل‬

‫القضية وال حتى في جدوى التسليم من عدمه‪ .‬ومن هنا نستشف أن سلطات دائرة االتهام‬

‫في النظر في طلب التسليم تبدو محدودة نسبيا‪ .‬خاصة وأن دائرة االتهام ليس لها أن‬

‫تصدر حكما أو ق ار ار بل تبدي فقط رأيا معلال ذلك أن األحكام هي فقط القابلة للطعن‬

‫بالتعقيب‪.‬‬

‫تم تكريس هذه المسألة قانونيا بموجب الفصل ‪ 323‬من مجلة اإلجراءات الجزائية الذي‬

‫ينص على أن دائرة االتهام تبدي في مطلب التسليم رأيا معلال غير قابل للطعن وهذا الرأي‬

‫‪72‬جمال شهلول "تسليم المجرمين في النظام الجزائي التونسي " ‪.‬وزارة العدل و حقوق االنسان‬
‫‪88‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫يكون ملزما للحكومة في صورة الرفض وهو بذلك رأي نهائي غير قابل للطعن ويتم‬

‫بمقتضاه تسريح المعني باألمر فو ار بينما تبقى الحكومة حرة في صورة الرأي اإليجابي‬

‫فيمكنها أن تسلم أو ترفض تسليم المعني باألمر‪.‬‬

‫نص بدوره الفصل ‪ 36‬من االتفاقية المبرمة بين تونس والدولة الفرنسية أنه'' تعلم بالطرق‬

‫الديبلوماسية الدولة المطلوب منها التسليم الدولة الطالبة بالقرار الذي إتخذته بشأن التسليم‬

‫وكل قرار يرفض التسليم كال أو بعضا يكون معلال''‪ .‬فاإلعالم بقرار التسليم يكون بالطرق‬

‫الديبلوماسية وليس بالطرق القضائية وهذا دليل على محدودية دور دائرة االتهام في النظر‬

‫في مطلب التسليم ‪.‬‬

‫من خالل دراس ة إجراءات تسليم المجرمين في المرحلة السابقة للبت في مطلب التسليم‬

‫تتبين أن الدور الموكول لدائرة االتهام هو التثبت من مدى توفر الشروط في قرار التسليم‬

‫وليس الحكم في القضية أو على الشخص المطلوب تسليمه‪ .‬بعد التأكد من توفر جميع‬

‫شروط التسليم تقوم دائرة التهام بدراسة مطلب التسليم إلبداء رأي معلل حوله ولقد نص‬

‫الفصل ‪ 323‬م‪.‬ا‪.‬ج " دائرة االتهام تبدي في مطلب التسليم رأيا معلال غير قابل للطعن " ‪.‬‬

‫دائرة االتهام ليست مطالبة بالتثبت من اإلدانة أو البراءة دورها يقتصر على مراقبة مدى‬

‫تطابق األفعال المطلوب من أجلها التسليم مع الوثائق المقدمة بمطلب التسليم‪ .‬إذا عاينت‬

‫دائرة االتهام نقصا في الوثائق يمكنها ان تطلبها عن طريق النيابة العمومية أو بالطرق‬

‫الدبلوماسية وبعد ذلك تصدر دائرة االتهام رأيا إما بالتسليم أو برفض التسليم ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫بعد التأكد من توفر الشروط القانونية في مطلب التسليم دائرة اإلتهام تبدي رأيها في طلب‬

‫التسليم ويكون رأيها معلال‪ ،‬لكن قبول مطب التسليم ال يعني تسليم المطلوب نهائيا لفائدة‬

‫الدولة الطالبة‪ ،‬ألن الرأي النهائي بيد الحكومة فقد نص الفصل ‪ 34‬م ‪.‬ا‪.‬ج " إذا كان رأي‬

‫دائرة االتهام قاضيا بقبول مطلب التسليم فللحكومة منح التسليم أو رفضه‪ .‬واذا تقر منح‬

‫التسليم يعرض كاتب الدولة للعدل على إمضاء رئيس الجمهورية أم ار يقضي بذلك"‪.‬‬

‫بالتالي قبول دائرة اإلتهام بالتسليم ال يعني التسليم الفعلي بل قرار التسليم بيد الحكومة التي‬

‫تأخذ في قرارها بعدة إعتبارات سياسية ودبلوماسية‪ .‬فدائرة االتهام ليس لها دور '' تقريري ''‬

‫في طلب التسليم ‪.‬‬

‫الحد من سلطة دائرة اإل تهام في إصدار قرارات اإليقاف‬ ‫الفقرة الثانية‪:‬‬

‫التحفظي‪:‬‬

‫ال يمكن تجاوزها لضمان السرعة في‬ ‫في الجرائم العادية المشرع التونسي حدد أجاال‬

‫اإلجراءات أمام دائرة االتهام بوصفها درجة ثانية من درجات التحقيق في الجنايات‪ .‬فمن‬

‫واجب الوكيل العام لدى محكمة االستئناف إذا أحيلت عليه القضية في هذه الحالة أن ينهيها‬

‫في ظرف عشرة أيام إلى دائرة االتهام مصحوبة بطلباته‪ .‬وهذه الدائرة تبت فيها في األسبوع‬

‫الموالي ليوم اتصالها بها بمحضر المدعي العمومي وبدون حضور الخصوم‪ .73‬وقد حدد‬

‫أجل العشرة أيام كحد أقصى للوكيل العام لدى محكمة اإلستئناف حتى يطلع على ملف‬

‫‪ 73‬الفقرة األولى من الفصل ‪ 114‬م إ ج‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫القضية بتأني إلعداد طلباته بطريقة ال يمس فيها بضمانات المتهم المكتسبة وبصورة يلم فيها‬

‫بتفاصيل األبحاث حتى ال يؤدي التسرع في إعداد وتقديم الطلبات أمام دائرة االتهام إلى‬

‫النيل من حقوق وضمانات المتهم‪.‬‬

‫كما أن إختزال هذا األجل بات ضرورة ملحة فالقانون عدد ‪ 75‬لسنة ‪ 2008‬المؤرخ في ‪11‬‬

‫ديسمبر ‪ 2008‬المنقح لبعض فصول م‪.‬إ‪.‬ج أضاف للفصل ‪ 85‬من المجلة فقرة قبل أخيرة‬

‫جاء فيها‪ " :‬وال يمكن أن يترتب عن قرار دائرة االتهام بإحالة الملف إلى قاضي التحقيق‬

‫لمواصلة بعض األعمال التي تقتضيها تهيئة القضية للفصل تجاوز المدة القصوى لإليقاف‬

‫التحفظي للمتهم الذي يتحتم في هذه الحالة على قاضي التحقيق أو دائرة االتهام حسب‬

‫األحوال اإلذن باإلفراج عنه مؤقتا دون أن يمنع ذلك في اتخاذ التدابير الالزمة بضمان‬

‫حضوره"‪.74‬‬

‫المشرع لم يتبناه في التنقيح الجديد إال في حالة واحدة وهي تلك التي تحيل فيها دائرة االتهام‬

‫الملف على قاضي التحقيق الستكمال األبحاث حسب مقتضيات الفصل ‪ 116‬م‪.‬إ‪.‬ج وذلك‬

‫بربط آجال البحث بالمدة القصوى لإليقاف التحفظي حفاظا على ضمانات هذا األخير‪ .‬وكان‬

‫من األجدر تعميم هذا الموقف على جميع حاالت البحث التي تمارسها دائرة االتهام‪.‬‬

‫وفي هذه الحالة الوحيدة فإن من ضمانات المظنون فيه عدم تجاوز المدة القصوى لإليقاف‬

‫التحفظي مما يجبر دائرة االتهام على اإلسراع في إجراءات بحثها حتى ال تتجاوز هذه المدة‬

‫‪ 74‬الرائد الرسمي عدد ‪ 101‬لسنة ‪ 2008‬مؤرخ في ‪ 16‬ديسمبر ‪ ،2008‬صفحة ‪.4652‬‬

‫‪91‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫وحتى تقوم بأبحاثها على أكمل وجه فهي الراعية لمصلحة األبحاث التي قد تتعارض‬

‫ومصلحة وضمانات المظنون فيه‪.‬‬

‫المشرع كما رأينا سابقا منح لدائرة اإلتهام العديد من الصالحيات إضافة لكونها درجة ثانية‬

‫من التحقيق منها تلك المتعلقة بتسليم المجرمين‪ .‬بصفة عامة دور القضاء في نظام التسليم‬

‫في المرحلة السابقة لعرض مطلب التسليم على دائرة االتهام وهي المرحلة التي يتم فيها‬

‫إيقاف المضنون فيه‪ .‬مرحلة ما قبل عرض المتهم على دائرة االتهام هي مرحلة لها عالقة‬

‫ووطيدة بحقوقه‪ .‬باعتبار أنه ال يجب التعسف في إيقاف المضنون فيه لذلك أكد المشرع‬

‫ضمن أحكام الفصل ‪ 319‬من م ‪.‬ا‪.‬ج انه " يقدم األجنبي حاال بعد إيقافه إلى وكيل‬

‫الجمهورية المنصب بالمكان الذي تم فيه اإليقاف "‪ .‬ونص الفصل ‪ 325‬من المجلة أيضا‬

‫أن '' عند التأكد وبناءا على طلب مباشر صادر عن السلطات القضائية للدولة الطالبة يجوز‬

‫لوكالء الجمهورية أن يأذنوا بإيقاف األجنبي إيقافا تحفظيا بمجرد اتصالهم بإعالم عن طريق‬

‫البريد أو عن طريق أخر أسرع يترك أث ار كتابيا يدل على وجود الوثائق يدل على وجود‬

‫الوثائق المبنية بالفصل ‪.''.... 316‬‬

‫بالنسبة لإلتفاقيات الدولية فقد نص الفصل ‪ 28‬من اإلتفاقية المبرمة بين الجمهورية الليبية‬

‫والدولة التونسية أنه يصح للدولة المطلوبة حجز المضنون فيه بصفة إحتياطية على أن ال‬

‫تتجاوز مدة حجزه ثالثين يوما يخلى سبيله بعدها اذا لم يصل خاللها ملف طلب تسليمه‬

‫‪92‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫كامال أو طلب تجديد مدة حجزه بثالثين يوما أخرى على األكثر و تخصم مدة الحجز من‬

‫العقوبة المحكوم بها من الدولة طالبة التسليم ‪.‬‬

‫كذلك نص الفصل ‪ 31‬من اإلتفاقية المبرمة بين الجمهورية التونسية والجمهورية الفرنسية‬

‫انه '' يمكن عند تأكد األمر للسلطات القضائية بالدولة الطالبة أن تطلب إيقاف الشخص‬

‫المطلوب إيقافا ووقتيا قصد تسليمه ''‪ .‬ويضيف نفس الفصل في فقرته الثانية والثالثة أنه ''‬

‫ينص بطلب االيقاف الوقتي على وجود إحدى الوثائق المبينة بالفقرة 'ا' كما يذكر به‬

‫الجريمة المرتكبة ومدة العقاب المستوجب او المحكوم به وتاريخ ومكان ارتكاب الجريمة‬

‫‪ ......‬و يحال الطلب إ لى السلط القضائية للدولة المطلوب منها التسليم سواءا مباشرة عن‬

‫طريق البريد أو البرق أو بأي وسيلة أخرى تترك أث ار كتابيا ''‪.75‬‬

‫و يضيف الفصل ‪ 32‬من نفس اإلتفاقية أنه '' ال يمكن في أي حال من األحوال أن‬

‫تتجاوز مدة اإليقاف الوقتي أربعين يوما من تاريخ اإليقاف '' و يضيف أنه '' يمكن اإلذن‬

‫باإلفراج المؤقت في أي وقت من األوقات على أن تتخذ الدولة المطلوب منها اإليقاف كل‬

‫اإلجراءات التي تحول دون فرار الشخص المطلوب تسليمه ''‪ .‬مؤكدا على أن'' اإلفراج‬

‫المؤقت ال يتعارض مع اإليقاف والتسليم إذا ورد طلب التسليم فيما بعد ‘‘‪.‬‬

‫‪ 75‬ينص الفصل ‪ 30‬في فقرته الثانية من االتفاقية انه '' لتاييد الطلب يقع االدالء بما يلي ‪:‬‬
‫_ عرض للوقائع التي من اجلها يطلب التسليم يتضمن تاريخ و مكان اقترافها ووصفها القانوني و النصوص المنطبقة عليها و نسخة‬
‫من تلك النصوص ‪.‬‬
‫_ عرض للوقائع التي من اجلها يطلب التسليم يتضمن تاريخ و مكان اقترافها ووصفها القانوني و النصوص المنطبقة عليها و نسخة‬
‫من تلك النصوص ‪.‬‬
‫_ وصف يتوخى فيه اكثر ما يمكن من الدقة للشخص المطلوب تسليمه و كذلك سائر المعلومات االخرى التي من شانها ظبط هويته و‬
‫جنسيته ''‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫نستخلص من خالل جميع هذه األحكام سواءا الواردة ضمن مجلة االجراءات الجزائية او‬

‫االتفاقيات الدولية ان إرادة المشرع متجهة نحو تكريس حماية لحقوق المضنون فيه الذي يتم‬

‫إيقافه لكن هناك نقد موجه للمشرع من خالل إستعماله لعبارة "حاال" في الفصل ‪ 319‬من‬

‫المجلة المذكور خاصة أن المشرع الفرنسي قد ضرب اجل ‪ 24‬ساعة من إيقاف المضنون‬

‫فيه لعرضه على النيابة العمومية‪ .‬وترك اآلجال مفتوحة لعرض المتهم على وكيل‬

‫الجمهورية من شأنه المساس من ضمان حقوقه كمتهم باعتبار أن مهمة القضاء التدخل‬

‫مباشرة بعد إيقاف المضنون فيه الذي يعلم المتهم بسبب إيقافه بالوثيقة التي اعتمدت في‬

‫‪76‬‬
‫‪.‬‬ ‫ذلك بعد التثبت من هوية الشخص الذي تم إيقافه ويحرر محضر في الغرض‬

‫كما نعلم أنه في الجرائم العادية اإليقاف التحفظي يعتبر إجراءا إستثنائيا نص عليه الفصل‬

‫‪ 84‬من مجلة اإلجراءات الجزائية‪ ،‬فالمبدأ هو أن يبقى المضنون فيه في حالة سراح الى‬

‫أن تثبت إدانته وال يلجا الى إيقافه تحفظيا إال بصفة إستثنائية ووفق قواعد إجرائية محددة‬

‫وذلك حرصا من المشرع على توفير ضمانات للمتهم ‪ .‬فقد ضيق المشرع في نطاق تطبيق‬

‫اإل يقاف التحفظي فجعله يقتصر على الجنح والجنايات المتلبس بها وعند ظهور قرائن قوية‬

‫تستلزم اإليقا ف‪ . 77‬كما أقر واجب اإلفراج عن المضنون فيه بضمان أو بدونه بعد‬

‫اإلستنطاق بخمسة أيام اذا كان له مقر معلوم بالبالد التونسية ولم يسبق أن حكم عليه‬

‫‪ 76‬الفصل ‪ 319‬م‪.‬ا‪.‬ج‬
‫‪ 77‬الفصل ‪ 85‬من م‪.‬ا‪.‬ج‬
‫‪94‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫بأكثر من ثالثة أشهر سجنا اذا كان أقصى العقاب المقرر سنة سجن‪ ،‬كما منح حق طلب‬

‫االفراج المؤقت بنفسه أو بواسطة نائبه ‪.‬‬

‫لكن بمقارنة هذه الضمانات التي كرسها المشرع في الجرائم العادية الخارجة عن نطاق‬

‫مؤسسة التسليم واإليقاف التحفظي في ظل نظام التسليم نالحظ محدودية هذه الضمانات‬

‫بالنسبة للمطلوب تسليمه باعتبار أنه يمكن إيقافه دون التأكد من إدانته ودون توفر أدلة قوية‬

‫تبرر إيقافه‪ .‬اإليقاف إجراء يتخذه وكيل الجمهورية في بعض األحيان بناءا على منشور‬

‫تفتيش أو بطاقة جلب أو طلب مباشر صادر عن السلطات القضائية للدولة الطالبة‪.‬‬

‫ويحصل في الكثير من الحاالت أن يتم إيقاف المضنون فيه ويصدر فيه قرار تسليم دون أن‬

‫تتسلمه الدولة الطالبة‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬الحد من سلطة دائرة االتهام في إصدار ق اررات اإلفراج عن‬

‫المطلوب تسليمه‪:‬‬

‫بالنسبة إلى اإلفراج المؤقت عن الشخص المطلوب تسليمه ال يتعلق باإلفراج المؤقت‬

‫المنصوص عليه بمجلة االجراءات الجزائية بالفصول من ‪ 86‬الى ‪ . 92‬فتتدخل السلطة‬

‫القضائية لإلفراج المؤقت عن المظنون فيه يكون قبل وبعد تلقي مطلب التسليم‪.‬‬

‫وقد نص المشرع التونسي ضمن الفصل ‪326‬م ‪ .‬أنه يجوز اإلفراج عن الشخص الموقوف‬

‫مؤقتا حسب الشروط الواردة بالفصل المتقدم إن كان مقيما إقامة قانونية بالبلد التونسية ولم‬

‫‪95‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫تتسلم الحكومة التونسية في غضون شهر من إيقافه الواقع بناء على طلب الدولة األجنبية‬

‫إحدى الوثائق المبينة بالفصل ‪ 316‬م‪.‬ا‪.‬ج '' ‪.‬‬

‫الفصل ‪ 36‬في فقرته الرابعة من االتفاقية المبرمة بين تونس و فرنسا فقد نص على اجل‬

‫مختصر باعتبار انه اذا لم يقع تسلم الشخص المطلوب في التاريخ المعين يمكن سراحه‬

‫عند انقضاء خمسة عشر يوما إبتداءا من ذلك التاريخ وفي كل األحوال يقع االفراج عنه‬

‫بعد إنقضاء أجل الثالثون يوما وللدولة المطلوب منها التسليم رفضه ألجل الفعلة نفسها‪.‬‬

‫من خالل هذه األحكام يستخلص أن قرار اإلفراج الصادر عن دائرة االتهام يمكن أن يكون‬

‫سابقا للبت في مطلب التسليم أو الحقاله‪ .‬بالنسبة إلى قرار التسليم الصادر قبل إتخاذ قرار‬

‫التسليم فقد صدر عن دائرة اإلتهام بمحكمة اإلستئناف بتونس في القضية عدد‪98150/ 9‬‬

‫بتاريخ ‪ 13‬ماي ‪ 2016‬قرار اإلفراج مؤقتا عن المدعو ''‪''DOMENICO SCOTTI‬‬

‫اإليطالي الجنسية من سجن إيقافه‪ .‬صدر هذا القرار تطبيقا لمقتضيات الفصل ‪ 321‬م‪.‬ا‪.‬ج‬

‫الذي ينص على أنه يسوغ منح المطلوب تسليمه السراح المؤقت في أي طور من أطوار‬

‫اإلجراءات ومن الفصل ‪ 321‬من اتفاقية التعاون القضائي بين الدولتين الذي ينص على‬

‫أنه ''اذا لم تتسلم الدولة المطلوب منها التسليم إحدى الوثائق المنصوص عليها بالفقرة الثانية‬

‫من الفصل ‪ 21‬خالل عشرين يوما بعد وقوع اإليقاف أمكن اإلفراج عن الشخص‬

‫الموقوف''‪ .‬وحيث إعتبرت دائرة االتهام أنه '' تم إيقاف المطلوب تسليمه منذ ‪ 22‬أفريل‬

‫‪96‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫‪ 2016‬ويكون قد مضى أكثر من ‪ 20‬يوما إلى حد التاريخ وحيث لم يرد إلى حد التاريخ‬

‫مطلب تسليم المعني باألمر وال الوثائق المنصوص عليه بالفصل ‪ 21‬من اإلتفاقية''‪.‬‬

‫بالتالي قررت الدائرة اإلفراج المؤقت أو قرار إنهاء اإليقاف التحفظي و "إخالء سبيل المتهم‬

‫‪78‬‬
‫المحبوس إحتياطيا لزوال مبرر الحبس‪".‬‬

‫محدودية دور دائرة االتهام في إصدار ق اررات الإلفراج المؤقت مرتبط بكون هذا قرار مقترن‬

‫بعديد الشروط منها أن يكون الشخص المراد اإلفراج عنه مقيما في تونس إقامة قانونية وله‬

‫مقر معلوم‪ ،‬والشرط الثاني أن تكون السلطات التي طلبت إيقافه لم تمد الحكومة التونسية‬

‫بالوثائق الالزمة وذلك في أجل شهر لكن هناك إتفاقيات أقرت أجال مختص ار مثل االتفاقية‬

‫المبرمة بين الدولة التونسية والدولة الفرنسية والتي حددت األجل ب‪ 14‬يوما ‪.79‬‬

‫من الق اررات الصادرة عن دائرة االتهام والمتعلقة باإلفراج عن المطلوب تسليمه في مادة‬

‫تسليم المجرمين نذكر القرار عدد ‪ 95084‬الصادر في ‪ . 2015/04/22‬في هذا القرار‬

‫قررت دائرة االتهام بمحكمة اإلستئناف بتونس رفض تسليم المدعو عماد رجب مسعود عبد‬

‫السالم واإلفراج عنه من سجن إيقافه ورفع تدبير تحجير السفر المتخذ ضده‪ .‬وقد صدر‬

‫مطلب التسليم عن مكتب النائب العام بحكومة اإلنقاذ الوطني بطرابلس بتاريخ‬

‫‪ 2015/03/18‬والمصادق عنه من طرف وزير العدل بتاريخ ‪ .2015/03/23‬وطلب‬

‫الطبعة ّ‬
‫الثانية ‪.1990‬‬ ‫الذهبي‪ :‬اإلجراءات الجزائيّة ‪ ،‬مكتبة غريب مصر ّ‬
‫‪ 78‬إدوارد غالي ّ‬
‫‪ 79‬الفصل ‪ 326‬م‪.‬ا‪.‬ج‬
‫‪97‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫التسليم كان سببه ان المتهم هو محل تتبعات عدلية من النيابة العامة من أجل ارتكاب‬

‫جرائم القتل العمد وحيازة السالح والذخائر بدون ترخيص إضافة إلى جرائم أخرى ‪.‬‬

‫هذا الرفض كان بناءا على ماجاء بالبيان و ازرة العدل بالحكومة الليبية المؤقتة رقم ‪ 2‬لسنة‬

‫‪ 2014‬في هذا البيان أعلنت الو ازرة عدم مسؤوليتها عن أي محاكمات بالمناطق الغير‬

‫خاضعة لسيطرة الحكومة الليبية المؤقتة‪ .‬بما فيها محاكمة رموز النظام السابق وتستنجد‬

‫بالمنظمات الدولية والمعنية بحقوق اإلنسان وخاصة مجلس حقوق اإلنسان التابع لمنظمة‬

‫األمم المتحدة بسرعة التحرك لمتابعة ورصد مجريات هذه المحاكمات و ما يصدر عنها من‬

‫أحكام‪.‬‬

‫وقد جاء بأحد حيثيات القرار أنه " وحيث ينتج من كل ما ذكر أنه وردت على و ازرة‬

‫الخارجية التونسية مطالب متناقضة ففي حين تطلب حكومة اإلنقاذ الوطني بطرابلس تسليم‬

‫المدعو عماد رجب محمد عبد السالم لمحاكمته من أجل الجرائم المنسوبة إليه فإن الحكومة‬

‫الليبية المؤقتة بطبرق والتي تتمسك بالشرعية قد طلبت من كافة المنظمات الدولية والمعنية‬

‫بحقوق اإلنسان ومن النائب العام من تولي عدم تسليم كافة المتهمين الليبيين للسلطات‬

‫الليبية وهو ما يجعل شروط المحاكمة العادلة غير متوفرة مما يتجه معه رفض مطلب‬

‫التسليم "‪.‬‬

‫بالنسبة إلى مسالة عدم إتخاذ الدولة التونسية لقرار في تسليم المتهم الموقوف من عدمه‬

‫وهل أنه في هذه الحالة دائرة االتهام هي التي عليها التدخل واصدار قرار في اإلفراج عن‬

‫‪98‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫المضنون فيه أم ان عليه إنتظار رأي الحكومة في ذلك أي الحكومة وحدها هي التي تقرر‬

‫اإلفراج عنه أو االحتفاظ به تعتبر هذه المسألة من اإلشكاليات الهامة التي يجيب التعرض‬

‫إليها في إطار هذه المذكرة‪.‬‬

‫مبدئيا وتطبيقا لمقتضيات الفصل ‪ 102‬من الدستور التونسي الجديد لسنة ‪ 2014‬الذي‬

‫ينص على أ ن "القضاء سلطة مستقلة تضمن إقامة العدل وعلوية الدستور وسيادة القانون‬

‫وحماية الحقوق والحريات"‪ .‬فهذه المسألة هي مسالة قانونية نصت عليها أغلب التشاريع‬

‫الوطنية والمواثيق الدولية‪ .‬والتي ال يمكن للسلطة التنفيذية بأي شكل من اإلشكال التدخل‬

‫فيها باعتبار أن هذه المسأ لة تدخل في إطار ضمانات المحاكمة العادلة التي ال يمكن‬

‫المساس بها أو النيل منها‪ .‬فضمانات المتهم تشمل الضمانات اإلجرائية والضمانات‬

‫الموضوعية‪ . 80‬خاصة وأن دائرة االتهام لها والية شاملة على الحقوق والحريات العامة‬

‫بمقتضى الدستور ومجلة اإلجراءات الجزائية في فصله ‪ 114‬الذي أعطى والية عامة‬

‫‪81‬‬
‫‪.‬‬ ‫للقضاء العدلي وبالتحديد دائرة االتهام‬

‫إضافة إلى ذلك فقد نص الفصل التاسع والعشرين من الدستور التونسي أنه"ال يمكن إيقاف‬

‫شخص أو اإل حتفاظ به إال في حالة التلبس أو بقرار قضائي ويعلم فو ار بحقوقه وبالتهمة‬

‫المنسوبة إليه وله أن ينيب محاميا‪ .‬وتحدد مدة اإليقاف أو اإلحتفاظ بقانون‪ ".‬وينص كذلك‬

‫‪ 80‬مصطفى الصخري "قرينة البراءة وضمانات المتهم اثناء المحاكمة الجزائية "‪ ،‬المجلة القانونية اكتوبر ‪.2010‬ص‪.22.‬‬
‫‪ 81‬الفصل ‪ 102‬من الدستور التونسي ‪.‬‬
‫‪99‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫في المقابل الفصل ‪ 92‬م‪.‬ا‪.‬ج أن "اإلفراج المؤقت يمكن طلبه في كل طور من أطوار‬

‫‪82‬‬
‫القضية من المحكمة المتعهدة بها "‪.‬‬

‫لذلك يعتبر بطالن اإلجراءات واألحكام المخالفة للقانون من أهم الضمانات التي أقرها‬

‫القانون لفرض نصوص م‪.‬إ‪.‬ج والنص الوحيد العام الذي تحدث عن البطالن هو الفصل‬

‫‪ 199‬م‪.‬إ‪.‬ج الذي ورد بالكتاب الثاني الخاص بمحاكم القضاء ينص على أنه‪" :‬تبطل كل‬

‫األعمال واألحكام المنافية للنصوص المتعلقة بالنظام العام أو للقواعد اإلجرائية األساسية أو‬

‫لمصلحة المتهم الشرعية والحكم الذي يصدر بالبطالن يعين نطاق مرماه"‪.‬‬

‫باإلطالع على الفصل ‪ 199‬نالحظ أن المشرع قد تبنى نظرية البطالن الجوهري متخليا‬

‫بذلك عن نظرية البطالن الشكلي‪ ،‬إذ تقتضي نظرية البطالن الشكلي انه "ال بطالن بدون‬

‫نص " ويعني ذلك أن المشرع هو الذي يتكفل بتحديد حاالت البطالن بنصوص صريحة‬

‫وبذلك يقع تسليط هذا الجزاء بمجرد اإلخالل باإلجراء المنصوص عليه بنص القانون أي أن‬

‫القاضي يقضي بالبطالن دون أن يلتجأ إلى التحليل أو االجتهاد الذين قد يكونان في غير‬

‫محلهما في بعض األحيان‪ .‬بالتالي التعسف في إستعمال اإليقاف التحفظي يمكن أن يؤدي‬

‫إلى بطالن اإلجراءات واإلفراج عن المطلوب تسليمه الذي تجاوزت مدة إيقافه المدة المعقولة‬

‫مما يستوجب تدخل دائرة اإلتهام لإلفراج عنه ‪ .‬لكن المشكل المطروح في خصوص هذه‬

‫المسألة هو انه لم يقع تكريس ذلك بنص صريح‪.‬‬

‫‪ 82‬مع ّز بن سالم‪ :‬تعليق على الفصل ‪ 199‬م إ ج‪ :‬رسالة تخرج من المعهد األعلى للقضاء‪.2001 / 2000 :‬‬
‫‪100‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫في هذا اإلطار أصدرت دائرة اإلتهام بمحكمة اإلستئناف بتونس في قرارها عدد ‪86599‬‬

‫قرار في اإلفراج عن المتهم الليبي " ميالد ابو زنتاية ابراهيم عبد السالم "‪ .‬فبعد أن أصدرت‬

‫دائرة االتهام قرار في التسليم بتاريخ ‪ 2012/12/25‬إال أن الحكومة التونسية لم تتخذ أي‬

‫قرار سواءا بالتسليم أو رفضه طبق احكام الفصل ‪ 324‬من مجلة اإلجراءات الجزائية ‪.‬‬

‫وبما أن المشرع لم يقيد الحكومة بأجل معين التخاذ قرار بمنح التسليم من عدمه فإنه ال‬

‫يمكن إبقاء المضنون فيه موقوفا لما ال نهاية له حسب رأي دائرة االتهام‪ ،‬لما لهذه المسألة‬

‫من مساس بالحريات التي حماها الدستور التونسي وبالمواثيق والمعاهدات الدولية المصادق‬

‫عليها من طرف الحكومة التونسية ‪.‬‬

‫فقد جاء في حيثيات القرار أنه " وحيث أن القضاء حسب أحكام الفصل ‪ 102‬من الدستور‬

‫يضمن حماية الحقوق والحريات كما أ ن دائرة االتهام تبقى مختصة بالنظر في مطلب‬

‫اإلفراج في كل طور من أطوار اإلجراءات حسب أحكام الفصل ‪ 321‬م ‪.‬ا‪.‬ج‪ .‬لذلك‬

‫واعتمادا على ما سبق شرحه أعاله فإن دائرة اإلتهام التاسعة بمحكمة اإلستئناف بتونس‬

‫المجتمعة بحجرة الشورى يوم ‪ .... 2015/07/15‬تقرر اإلفراج عن المواطن الليبي ميالد‬

‫ابو زنتاية ابراهيم عبد السالم ومنعه من مغادرة تراب الجمهورية إلى حين إتخاذ قرار صريح‬

‫من الجمهورية التونسية بمنح التسليم أو رفضه كمنعه من الظهور في األماكن العامة‬

‫والزامه مقر له بدائرة قضاء محكمة اإلستئناف بتونس "‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫في خصوص نفس المتهم صدر قرار بالتسليم وقرار باإلفراج المؤقت‪ ،‬دائرة اإلتهام‬

‫أصدرت قرار في التسليم المتهم بتاريخ ‪ 2012/12/25‬والى غاية ‪ 2015/07/15‬تاريخ‬

‫إصدار قرار باإلفراج من دائرة اإلتهام الحكومة لم تتخذ قرار في التسليم من عدمه ألكثر‬

‫من سنتين والمتهم موقوف تحت ذمة القضاء‪ .‬هذه المسألة فيها خرق لكل الضوابط‬

‫القانونية وتمس من ضمانات المحاكمة العادلة‪ .‬وبالتالي مسألة إسناد اإلختصاص المطلق‬

‫لدائرة اإلتهام في إصدار قرار اإلفراج عن المتهم في صورة عدم إتخاذ الحكومة لقرار‬

‫التسليم من عدمه بعد إنقضاء أجل معقول هي مسألة من المستوجب تكريسها قانونا باعتبار‬

‫أنها تكرس ضمانات المتهم في محاكمة عادلة‪.‬‬

‫بالتالي ال يجيب تقييد سلطة دائرة التهام ال من طرف الحكومة وال بنصوص قانونية أو‬

‫تطبيقات فقه قضائية‪ .‬في خصوص مسألة إصدار قرار في اإلفراج عن المتهم في حالة‬

‫عدم إبداء الحكومة لرأي يحسم المسألة وخاصة بعد انقضاء فترة طويلة من اإلحتفاظ‪.‬‬

‫صدر القرار عدد ‪ 13 /88839‬عن دائرة االتهام بتاريخ ‪ 14‬فيفري ‪ 2013‬والمتعلق‬

‫بتسليم المواطن اليبي نبيل بن محمد بن الجيالني اشتيوي إلى السلطات القضائية الليبية‬

‫فقد صدر في حق المتهم قرار إفراج بتاريخ ‪ 07‬جانفي ‪ 2016‬باعتبار أن قرار التسليم‬

‫صدر في ‪ 14‬فيفري ‪ 2013‬والحكومة لم تتخذ أي إجراء سواء بالرفض أو بالتسليم إلى‬

‫تاريخ االفراج عنه‪ .‬وحيث استند قرار اإلفراج كذلك إلى مقتضيات الفصل ‪ 92‬من م‪.‬ا‪.‬ج‬

‫والفصل ‪ 29‬و ‪ 102‬من الدستور التونسي واعتبرت دائرة االتهام في هذا القرار أن ''حماية‬

‫‪102‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫الحريات الفردية هو من صميم إختصاص ودور القاضي العدلي دون غيره وله الوالية‬

‫العامة على ذلك وبالذات دائرة االتهام التي تبقى مختصة بالنظر في كل طور من‬

‫االجراءات حسب احكام الفصلين ‪ 92‬و ‪ 321‬من م ‪.‬ا‪.‬ج '' واعتبرت بذلك انه '' وأن لم‬

‫يقيد المشرع الحكومة بأجل معين التخاذ قرار بمنح التسليم أو رفضه فإنه ال يمكن بأي‬

‫حال من األحوال إبقاء المعني باألمر موقوفا إلى ما نهاية له األمر الذي يجعل الحكومة‬

‫ملزمة باتخاذ قرار في أجل معقول ودون تعسف فيما منحه القانون لها من سلطة وهو أمر‬

‫يتنافى وابقاء المعني باألمر موقوفا لمدة تفوق ثالثة سنوات لما في ذلك من مساس‬

‫بالحريات للتي حماها دستور الجمهورية التونسية والمواثيق والمعاهدات المصادق عليها من‬

‫الدولة التونسية '' ‪.‬‬

‫وباعتبار ان الفصل ‪ 28‬من االتفاقية المبرمة بين الجمهورية التونسية والدولة الليبية مكن‬

‫القاضي الوطني من إ تخاذ االحتياطات الالزمة لحسن تنفيذ قرار التسليم لذلك قررت دائرة‬

‫االتهام التاسعة بمحكمة اإلستئناف بتونس اإلفراج على المتهم نبيل بن محمد بن الجيالني‬

‫الشتوي ومنعه من مغادرة تراب الجمهورية ومنعه من الظهور باألماكن العامة وباتخاذ مقر‬

‫له بدائرة قضاء محكمة اإلستئناف بتونس‪.‬‬

‫من خالل االطالع على الق اررات الصادرة عن دائرة االتهام بتونس والمتعلقة باإلفراج على‬

‫بعض األشخاص المطلوب تسليمهم نالحظ أن فقه القضاء مستقر في خصوص صالحية‬

‫دائرة االتهام في إصدار ق اررات اإلفراج المؤقت سواءا قبل النظر في مطلب التسليم أو بعد‬

‫‪103‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫إصدار قرار التسليم‪ .‬وذلك في حالتين الحالة األولى إذا لم تتسلم الدولة التونسية في‬

‫غضون شهر من إيقافه الواقع بناءا على طلب الدولة األجنبية الوثائق الالزمة أو إذا لم‬

‫تتخذ الحكومة القرار المتعلق بالتسليم بعد مرور فترة طويلة نسبيا على إيقافه‪ .‬أو كذلك بعد‬

‫إصدار قرار التسليم وهي الحالة التي لم يتسلم فيها أعوان الدولة الطالبة الشخص المطلوب‬

‫تسليمه في ظرف شهر من تاريخ اإلعالم أو بعد إصدار قرار التسليم‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪:‬تأثير الطبيعة القانونية للتسليم على إجراءاته‪:‬‬

‫تسليم المجرمين كان في الماضي يخضع إلى إرادة السلطة الحاكمة فالتسليم لم يكن يخضع‬

‫للقانون‪ .‬لكن مع تكريس حقوق اإلنسان وخاصة بعد صدور الميثاق العالمي لحقوق‬

‫اإلنسان في ‪ 10‬ديسمبر ‪ .1948‬كان لذلك أثر على تكريس نظام قانوني للتسليم فتم إدراج‬

‫أحكام تنظم التسليم في القوانين الداخلية لبعض الدول وذلك لتدعيم وحماية الحقوق‬

‫ا ألساسية لألشخاص‪ .‬لكن مع ذلك فان مؤسسة التسليم ال تخلو من اإلنتقادات باعتبار‬

‫أنها تخضع قي بداية اإلجراءات وفي أخرها إلى السلطة المطلقة للحكومة‪.‬‬

‫بالنسبة للطبيعة القانونية للتسليم تختلف اآلراء حول هذه المسألة فهناك ثالث أراء إجتمع‬

‫الفقهاء حولها‪ .‬الرأي األول يرى أن التسليم هو عمل قضائي غايته تسليط العقاب العادل‬

‫على المجرم‪ .83‬أما الرأي الثاني فيعتبر التسليم عمل إداري من أعمال السيادة وال يمكن‬

‫للسلطة القضائية أو الدولة طالبة التسليم أن تجبر الحكومة المطلوب منها التسليم أن لم‬

‫تتوفر شروط ذلك‪ .‬أما الرأي الثالث فهو يعتبر التسليم ذو طبيعة مزدوجة من جهة يعتبر‬

‫‪ 83‬الباشا البجار ‪ .‬تسليم المجرمين االجانب ‪ .‬مجلة القضاء ة التشريع ‪.‬مارس ‪.1995‬‬
‫‪104‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫عمال قضائيا من حيث اإلجراءات التي يقوم بها القضاء من جهة أخرى فان القرار النهائي‬

‫لقبول التسليم يبقى للحكومة ومن هذا المنطلق يكون رأي القضاء ليس إال دو ار استشاريا‪.‬‬

‫وعلى هذا االساس سنتطرق في (فقرة أولى ) الى مظاهر تأثير الطبيعة القانونية للتسليم‬

‫على اجراءاته و في (فقرة ثانية ) الى تأثير الطبيعة القانونية للتسليم على دور دائرة االتهام ‪.‬‬

‫الفقرة ال ولى ‪ :‬مظاهر تأثير الطبيعة القانونية للتسليم على إجراءاته‪:‬‬

‫أ‪ -‬الطبيعة اإلدارية للتسليم‪:‬‬

‫يقوم هذا النوع من التسليم على مبدأ عدم تدخل المحكمة في إجراءات التسليم وانما تتولى‬

‫النيابة العمومية القيام بجميع اإلجراءات ومن ذلك تحديد مكان المطلوب تسليمه ثم تقدير‬

‫قبول التسليم من عدمه ثم تتولى النيابة العمومية أو جهة إدارية اتخاذ أمر بالتسليم أو‬

‫رفضه بناءا على اعتبارات قانونية وسياسية واجتماعية ‪.‬‬

‫الصبغة اإلدارية للتسليم من شأنها ان تؤدي إلى النيل من احترام مبدأ الفصل بين السلط‬

‫الذي نصت عليه الدساتير الوطنية والتشاريع الداخلية للدول والتي تظل الى حد اليوم في‬

‫ظل القانون الداخلي فحسب‪ .‬فحتى المشرع التونسية لم يمنح السلطة القضائية صالحية‬

‫النظر في مطلب التسليم من تلقي مطلب التسليم إلى إصدار القرار بالتسليم أو بالرفض‪.‬‬

‫قرار تسليم المجرم إلى تقدير السلطة‬ ‫النظام االداري لتسليم المجرمين الذي يخضع‬

‫التنفيذية من شأنه أن يحرم الشخص المطلوب تسليمه من الضمانات التي توفره لها السلطة‬

‫القضائية‪ .‬إذ أن السلطة اإلدارية تصدر قرارها حسبما يظهر لها ومن الممكن أن ال يتحقق‬

‫‪105‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫دفاع المتهم ألن فحص مطلب التسليم يكون بالطريقة اإلدارية‪ .‬وعلى عكس ذلك فإن‬

‫النظام القضائي لتسليم المجرمين يوفر إلى المتهم العديد من المزايا والضمانات‪ .‬لكن مسألة‬

‫تسليم المجرمين ال ترتبط فقط بالمتهم وانما هناك إعتبارات أخرى تأخذ بعين اإلعتبار مثل‬

‫السياسة الخارجية للدول‪ ،‬فقرار التسليم يدخل في إطار العالقات الديبلوماسية بين الدول‬

‫وهذه المسالة سياسية بحتة تخرج عن نطاق اإلختصاص القضائي لتدخل ضمن صالحيات‬

‫السلطة التنفيذية ‪.‬‬

‫والدول التي تأخذ بهذا النظام قليلة جداً‪ ،‬فإذا كانت محاسنه هي السرعة والبساطة‪ ،‬فإن من‬

‫عيوبه الخطيرة عدم توفير الضمانات الكافية للشخص المطلوب تسليمه للدفاع عن حقوقه‬

‫لخضوع ملفه ومصيره لإلتفاق المنجز بين الدولتين دون مراعاة للمركز القانوني للشخص‬

‫موضوع الطلب ودون مراعاة لمآالت تسليمه وما يمكن أن ينجر عنه من حرمانه فرصة‬

‫الدفاع عن نفسه أو حتى تبرير الوقائع الصادرة عنه‪.‬‬

‫بالتأمل في ق اررات دائرة اإلتهام نالحظ أيضا أن‬

‫ب‪ -‬الطبيعة القضائية للتسليم‪:‬‬

‫تعود أصول هذا النظام إلى الدول األنجلوسكسونية‪ ،‬وفيه يكون التسليم عمالً من أعمال‬

‫القضاء‪ ،‬فالشخ ص المطلوب استرداده يدعى للمثول أمام القاضي المختص الذي يجري له‬

‫محاكمة علنية يترافع فيها الخصوم‪ ،‬ويستمع إلى أقوال الشهود‪ ،‬وللمطلوب استرداده الحق في‬

‫توكيل محام عنه‪ ،‬والدفاع عن قضيته بمختلف الوسائل القانونية‪ ،‬وبعد اكتمال اإلجراءات‬

‫‪106‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫يقرر القاضي قبول طلب التسليم أو رفضه وق ارره هذا قابل للطعن بطريق االستئناف‪ ،‬وعندما‬

‫يصبح القرار القضائي مبرماً‪ ،‬تلتزم السلطة التنفيذية بالقبول به وتنفيذه‪ ،‬والنظام القضائي‬

‫مطبق حالياً في كل من انجلت ار والواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬

‫منح دور للسلطة القضائية للنظر في مطلب التسليم يعود إلى القانون الفرنسي لسنة ‪1927‬‬

‫وتبناه القانون التونسي في مجلة اإلجراءات الجزائية‪ .‬قبل ذلك كانت السلطة اإلدارية هي‬

‫الوحيدة التي لها صالحية دراسة مطلب التسليم ‪.84‬‬

‫ويعني التسليم القضائي أ ن تكون السلطة القضائية هي المختصة بإصدار قرار التسليم وذلك‬

‫بإتباع إجراءات محددة‪ .‬النيابة العمومية تتلقى مطلب التسليم من الدولة الطالبة بالطرق‬

‫الدبلوماسية وتتولى النيابة العمومية القيام بإجراءات عرض مطلب التسليم على المحكمة‬

‫المختصة التي تتولى بدورها إصدار قرار قضائي في شأن االستجابة لمطلب التسليم من‬

‫عدمه‪ .‬تتولى الجهة القضائية المخول لها ذلك بدورها في صورة صدور قرار بالتسليم للنيابة‬

‫العمومية تنفيذ القرار وتسليم المجرم إلى السلطات القضائية للدولة الطالبة ويسمح هذا النظام‬

‫بإعطاء الشخص المطلوب تسليمه فرصة للدفاع عن نفسه أمام المحكمة المختصة والتمتع‬

‫بضمانات قضائية‪.‬‬

‫من مزايا هذا النظام أنه يضمن للفرد حقوقه في الدفاع عن نفسه‪ ،‬ويعاب عليه أنه بطيء‪،‬‬

‫ويخشى أن يؤثر القرار القضائي في القضاة الذين سيحاكمونه في الدولة طالبة التسليم‪ ،‬وأن‬

‫يتخذ هذا القرار قرينة على ثبوت التهمة المنسوبة إلى الشخص المطلوب استرداده‪.‬‬

‫‪ 84‬شكري التريكي ‪ "،‬تسليم المجرمين االحانب "‪ ،‬مجلة القضاء و التشريع ‪ ، 1993,‬ص ‪.223‬‬
‫‪107‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫ج‪ -‬الطبيعة المختلطة للتسليم‪:‬‬

‫يقوم هذا النظام على تدخل السلطتين القضائية واإلدارية في قرار التسليم ‪ .‬حيث تتدخل في‬

‫بداية اإلجراءات األجهزة القضائية للنظر والبت في جدية مطلب التسليم وبعد أن يتولى‬

‫القضاء إصدار قرار في لتسليم من عدمه يصبح الملف من أنظار الجهات اإلدارية العليا‬

‫للدولة التي تبقى لها الكلمة األخيرة في إصدار أمر التسليم من عدمه وذلك أخذا بعين‬

‫االعتبار العوامل السياسية واالجتماعية وسيادة الدولة وأمنها و مصلحتها العليا والمعاملة‬

‫بالمثل ‪.‬‬

‫يرى العديد من الفقهاء ان الدولة التونسية تعتمد نظام التسليم المختلط أي أن األجهزة‬

‫القضائية هي التي تتعهد بمطلب التسليم وتبت فيه مع تمتع الشخص المطلوب تسليمه‬

‫بجميع الضمانات القضائية وفقأ للقانون الداخلي واالتفاقيات الدولية‪ .‬وفي مرحلة الحقة‬

‫الحكومة هي التي تصدر في صورة موافقة القضاء على المطلب القرار النهائي بالموافقة‬

‫على مطلب التسليم أو رفضه‪.‬‬

‫فالتسليم يقع النظر فيه بمقتضى مطلب يقدم من الحكومة األجنبية إلى الحكومة التونسية‬

‫بالطرق الدبلوماسية تطلب فيه الدولة الطالبة الدولة التونسية أن تسلمها الشخص المطلوب‬

‫تسليمه الموجود فوق التراب التونسي لمحاكمته أو لتنفيذ العقاب عليه‪ .‬بالتالي فإن السلطة‬

‫التي تتولى النظر في مطلب التسليم هي و ازرة الشؤون الخارجية ويقوم وزير الخارجية‬

‫بالتأكد من صحة الوثائق المعروضة ومن أنها صادرة عن السلطة المختصة بالدولة الطالبة‬

‫‪108‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫ثم يحيلها على وزير العدل الذي خول له المشرع بمقتضى الفصل ‪ 318‬م‪.‬ا‪.‬ج إمكانية‬

‫رفضه أو قبوله ‪.‬‬

‫جريان العمل لدى و ازرة العدل التونسية دأب في الحاالت التي يتطلب فيها إعداد الملف‬

‫مدة معينة أن يقدم وزير العدل بالدولة التونسية إلى وزير الشؤون الخارجية بالدولة المطلوبة‬

‫مطلب عزم على طلب التسليم يتمحور موضوعه حول '' عزم السلطات التونسية على طلب‬

‫تسليم مواطنها( مع ذكر هوية المطلوب تسليمه) من السلطات القضائية (التنصيص على‬

‫الدولة الطالبة) ''‪ .‬و يطلب بمقتضاه التفضل باإلذن بتوجيه مطلب عزم السلطات التونسية‬

‫االيطالية مثال‬ ‫على تسلم المواطن التونسي ''‪ ''...‬المفتش عنه دوليا‪ ,‬إلى السلطات‬

‫وتدعوها إلى مواصلة إيقافه في إنتظا ار إعداد ملف مطلب التسليم كامل بشأنه وارساله إليها‬

‫بالطرق الدبلوماسية عمال بمقتضيات اإلتفاقية المبرمة بين الجمهورية التونسية والجمهورية‬

‫اإليطالية الموقع عليها بروما بتاريخ ‪ 15‬نوفمبر ‪ 1967‬المتعلقة بالتعاون القضائي في‬

‫المادة المدنية والتجارية والجزائية وباالعتراف باألحكام وبق اررات التحكيم وتنفيذها وبتسليم‬

‫المجرمين والمصادق عليها من البلدين وعمال بمبدأ المعاملة بالمثل‪ ،‬وتطلب في األخير‬

‫إعالمها بتاريخ توصلها بذلك وبالمآل‪ .‬ثم يمضي عليها وزير العدل بنفسه ويجيب أن‬

‫يضمن في مطلب العزم على طلب التسليم تاريخ المطلب وموضوعه إضافة إلى مصاحيب‬

‫طلب التسليم والحكم الجزائي الذي صدر ضده والتهم المنسوبة إليه والعقوبة المحكوم بها‬

‫ضده ودرجة الحكم والنصوص المنطبقة على األفعال التي تم إرتكابها‪ .‬وان لم يصدر ضد‬

‫‪109‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫المتهم حكم قضائي فيقع التنصيص على بطاقة الجلب الدولية التي صدرت ضد المتهم‬

‫وتاريخها‪.‬‬

‫عادة عند القبض على المتهم من جنسية تونسية مكتب االنتربول بتونس يتلقى مراسلة من‬

‫الدولة التي تم بها القبض على المتهم التونسي يعلمه بموجبها ن مصالح األمن قامت‬

‫باإليقاف بتاريخ يتم تحديده على المواطن التونسي مع ذكر إسمه‪ .‬عادة بعد تلقي هذه‬

‫المراسلة تقوم الدولة التونسية بتقديم مطلب عزم على طلب تسليم مواطنها من تلك الدولة‪.‬‬

‫بالتالي فان مطلب التسليم في مرحلة أولى هو إجراء إداري ويمكن اإلدارة من رفض‬

‫التسليم دون حاجة إلى الرجوع إلى السلطة القضائية باعتبار ان التسليم في حقيقة األمر‬

‫هومسالة سياسية يرجع فيها النظر للحكومة‪ .‬تجدر المالحظة في هذا اإلطار أن القانون‬

‫الدولي ال يفرض على الدولة المطلوب منها التسليم أن تسلم المجرم المطلوب تسليمه إلى‬

‫الدولة الطالبة باعتبار أن أمر التسليم يرجع إلى سلطتها التقديرية باعتباره مسالة تهم سيادة‬

‫الدولة‪.‬‬

‫في حقيقة األمر الدولة المطلوب منها التسليم تجد نفسها أمام معادلتين وهي الحرص على‬

‫ضمان معاقبة مرتكب الجريمة من ناحية والحفاظ على مصالحها وعدم المساس من‬

‫سيادتها‪ .‬مؤسسة التسليم مرتبطة بالعالقة القائمة بين الدولة الطالبة والدولة المطلوبة وكذلك‬

‫في بعض األحيان قرار التسليم قد يمس من السياسة الداخلية للدولة المطلوبة‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫يمكن أن نستعرض في هذا اإلطار الموقف الذي اتخذته الحكومة التونسية في قضية‬

‫المحمودي البغدادي عندما قبلت تسليمه إلى السلطات الليبية وسايرت موقف دائرة اإلتهام‬

‫بمحكمة االستئناف بتونس‪ .‬السؤال الذي طرح في هذه القضية هل أن في قرار التسليم‬

‫إقتداء بالقرار القضائي الصادر عن دائرة االتهام أو أن الغاية منه هو تحقيق أهداف‬

‫سياسية مع الحكومة الليبية في تلك الفترة الحساسة ؟‬

‫هناك إختالف ايضا ا حول طبيعة الق اررات القضائية المتعلقة بتسليم المجرمين‪ ،‬في تونس‬

‫المحاكم ال تعطي إال رأيا استشاريا قد تتبعه الحكومة وقد تتجاهله ‪ .‬هذه المسألة تطرح‬

‫إشكاال يتعلق بمسالة حق الحكومة في رفض ما تعتبره المحاكم جائ از من الناحية القانونية‪،‬‬

‫خاصة عندما ال توافق دولة على تسليم المجرمين بدون وجود معاهدة فإنه من الصعب‬

‫تفسير السلطة التقديرية التي من الممكن أن تتمتع بها الحكومة بعد أن توصل القضاء أن‬

‫الشروط القانونية للتسليم مستوفاة ‪.‬‬

‫الشيء الوحيد الذي من الممكن مؤاخذته عن النظام القضائي للتسليم هو أنه يتنافى مع‬

‫قواعد االختصاص الذي تعهد باالختصاص للمحكمة الكائنة بمكان إرتكاب الجريمة‪ .‬ففي‬

‫العام للجمهورية إلى دائرة اإلتهام بمطلب التسليم المتعلق‬ ‫صورة ما إذا تعهد وكيل‬

‫بالمضنون فيه األجنبي‪ .‬دائرة اإلتهام كما رأينا تبت في مطلب التسليم وتصدر ق ار ار في ذلك‬

‫ان كان رأيها بالرفض أو التسليم‪ ،‬رئيس الجمهورية إن رأى داعيا إلى ذلك يصدر ام ار في‬

‫التسليم كما ان من حقه االمتناع عن ذلك‪ .‬هنا تدخل مسالة الطبيعة القانونية للتسليم هل‬

‫‪111‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫هي ق اررات قضائية أم ق اررات إدارية خاصة وأن القرار القاضي بالتسليم ال يمكن تنفيذه‬

‫مباشرة بل يجيب ان يصدر امر خاص لتنفيذه وان أصدر رئيس الجمهورية قرار بالرفض‬

‫فان القرار دائرة االتهام لن ينفذ‪.‬‬

‫ق اررات دائرة االتهام بوصفها محكمة تحقيق من درجة ثانية أو قرارها المتعلق بإجراء بحث‬

‫تكميلي‪ .85‬أو قرارها القاضي باإلحالة أو قرارها المتمثل في انه ال وجه للتبع تعتبر كلها‬

‫ق اررات قضائية لكن القرار المتعلق بالتسليم كأنه يحول دائرة االتهام من هيئة قضائية إلى‬

‫هيئة قضائية إستشارية وبالتالي ال يمكن إعتباره ق ار ار قضائيا ألن الق اررات القضائية هي‬

‫تلك الق اررات القابلة للتنفيذ بعد إحرازها على قوة ما اتصل بها القضاء ‪.‬‬

‫تكريس القانوني للطبيعة المختلطة للتسليم بموجب مجلة اإلجراءات الجزائية واإلتفاقيات‬

‫الدولية‪ .‬فقد نص الفصل ‪ 316‬كما تعرضنا له سابقا أن مطلب التسليم يوجه للحكومة‬

‫التونسية بالطريق الديبلوماسي‪ .‬أما بالنسبة لإلتفاقيات الدولية فقد جاء بالفصل ‪ 25‬من‬

‫اإلتفاقية المبرمة بين الجمهورية التونسية والدولة الليبية أنه '' تقدم طلبات التسليم بالطرق‬

‫الديبلوماسية وتفصل فيها السلطات المختصة بمقتضى قوانين كل دولة ''‪.‬أما الفصل ‪30‬‬

‫من االتفاقية المبرمة بين الجمهورية التونسية والدولة الفرنسية فقد نص على أنه'' يحرر‬

‫طلب التسليم كتابة و يوجه بالطريق الدبلوماسي '' ‪.‬‬

‫‪ 85‬الفصل ‪ 116‬م‪.‬ا‪.‬ج‬
‫‪112‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تأثير الطبيعة القانونية للتسليم على قرار دائرة االتهام‪:‬‬

‫ترتبط الطبيعة القضائية للتسليم بكون السلطة المختصة بالبت في طلب التسليم هي السلطة‬

‫القضائية أو اإلدارية‪ .‬ويصدر قرار التسليم في شكل حكم أو قرار قضائي قابل للطعن فيه‬

‫وأ ساس هذا النظام هو المعاهدات الدولية التي تعتبر التسليم عمل من أعمال المساعدة‬

‫القضائية الدولية في المجال الجزائي يهدف إلى نقل شخص محل تتبع من نطاق السيادة‬

‫القضائية للدولة المطلوب إليها إلى نطاق الوالية القضائية للدولة الطالبة‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق هناك العديد من الفقهاء اللذين يعتبرون التسليم عمل من أعمال القضاء‬

‫ويرى الفقيه ‪ Grivaz‬أن الدولة بتسليمها المجرم الهارب‪ ،‬إنما تباشر عمال قضائيا وذلك‬

‫لمحاكمته ومعاقبته عن الجريمة المرتكبة‪ .86‬بالتالي إذا كانت السلطة القضائية صالحية‬

‫إتخاذ قرار التسليم دون تدخل السلطة التنفيذية يعتبر أكبر ضمانة لحماية الحقوق الفردية‬

‫وتكريس حقوق المتهم الشرعية‪ .‬لكن في التشريع التونسي تدخل القضاء يكون في المرحلة‬

‫التي تسبق عرض مطلب التسليم على دائرة االتهام هذه المرحلة هي مرحلة حساسة من‬

‫شأنها النيل من جوهر الحقوق والحريات فخاللها يتم اإلحتفاظ المضنون فيه حتى في‬

‫غياب دليل على اإلدانة وهذا من شأنه المساس بحقوق المتهم باعتبار أن اإلحتفاظ بذي‬

‫الشبهة ال يكون إال بناءا على أدلة دامغة بارتكاب الجناية أو الجنحة موضوع التتبع ‪.87‬‬

‫‪ 86‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬ص ‪. 68‬‬


‫‪ 87‬مصطفى الصخري ‪ ''،‬قرينة البراءة و ضمانات المتهم '' ‪,‬المجلة القانونية عدد ‪ ،97/ 96‬سبتمبر‪ .2010‬ص ‪18‬‬
‫‪113‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫وبالرغم من إ عمال المعايير المنصوص عليها في مختلف التشريعات لتحديد الطبيعة‬

‫القضائية للتسليم إال ان قرار التسليم يخضع في تنفيذه إلى السلطة التنفيذية ولها سلطة‬

‫تقديرية في قبوله أو رفضه وغالبا ما يكون هذا القبول أو الرفض بناءا على إعتبارات‬

‫سياسية وليس على أسس قانونية ثابتة‪ .‬األمر الذي يجعل من قرار التسليم ليس عمال‬

‫قضائيا صرفا من إختصاص دائرة اإلتهام وانما يتم إعمال مبدأ السيادة‪.‬‬

‫بالتالي إختالف النظم القانونية للتسليم في تحديد الجهة المختصة في إتخاذ قرار التسليم‬

‫وعمن يصدر هذا القرار يحدد دور دائرة االتهام في نظام التسليم بصفة عامة ويعطي فكرة‬

‫على مدى نجاعة نظام التسليم‪ .‬فما من شك أن القضاء العدلي له والية شاملة على الحقوق‬

‫والحريات لكن قرار التسليم يتعلق بالسياسة العامة للدولة التي تحدده السلطة التنفيذية ‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫كبعض الدول‬ ‫اتبعت بعض الدول نظاما وسطاً يجمع بين األسلوب اإلداري والقضائي‬

‫العربية ففي األردن والعراق تطبق إجراءات قضائية مستقاة من األعراف اإلنجليزية‪ ،‬ولكن‬

‫قرار القاضي ال يلزم الحكومة‪ ،‬فهو رأي استشاري صرف‪ ،‬وفي المغرب تبت في مطلب‬

‫التسليم الغرفة الجنائية التابعة لمجلس أعلى‪ ،‬فإذا ارتأى هذا المجلس رفض التسليم فإن رأيه‬

‫يكون نهائياً‪ ،‬وال يرخص بتسليم الشخص المطلوب استرداده‪ ،‬أما إذا ارتأى الموافقة‪ ،‬فإن‬

‫التسليم ال يتم إال بمرسوم يأذن بالتسليم‪ ،‬ويوقعه رئيس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل‪.‬‬

‫‪ 88‬فريدة العبيدي‪''،‬نظام تسليم المجرمين من دولة الى اخرى ''‪ ،‬محاضرة ختم تمرين ''‪ ،‬الهيئة الوطنية للمحامين بتونس‪/2010،‬‬
‫‪.2011‬‬
‫‪114‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫أما في سوريا فنظام تسليم المجرمين هو في األساس‪ ،‬نظام قضائي‪ ،‬مطعم بالنظام اإلداري‪،‬‬

‫«لجنة تسليم المجرمين»‪ ،‬هي الجهة المختصة بالنظر في طلبات االسترداد‪ ،‬وهي لجنة‬

‫قضائية‪ ،‬وهذه اللجنة مخول لها سلطة تدقيق طلبات االسترداد من حيث الشكل والموضوع‬

‫معاً‪ ،‬والبحث في مدى توافر الشروط القانونية للتسليم من عدمها‪ ،‬وهي مخولة أيضاً‪ ،‬إذا‬

‫رأت ضرورة لذلك‪ ،‬تمحيص التهمة المنسوبة إلى الشخص المطلوب استرداده‪ ،‬وتقدير األدلة‪،‬‬

‫بعد االستماع إلى الشخص المطلوب استرداده‪ ،‬والى دفاع محاميه‪ ،‬واذا قررت اللجنة رفض‬

‫التسليم‪ ،‬فالحكومة تكون ملزمة به‪ ،‬أما إذا قررت التسليم‪ ،‬فالرأي النهائي يعود للسلطة‬

‫التنفيذية‪ ،‬إذ ال يتم التسليم إال بمرسوم بناء على اقتراح وزير العدل‪ .‬من خالل هذه األمثلة‬

‫نلتمس مدى تأثير الطبيعة القانونية للتسليم على القرار الصادر عن دائرة االتهام أو في‬

‫القانون المقارن على الجهة القضائية المخول لها النظر في مطلب التسليم ‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬العوامل السياسية واجراءات البت في مطلب التسليم‪:‬‬

‫للخوض في مدى تأثير العوامل السياسية على اإلجراءات المتبعة للبت في مطلب التسليم‬

‫يجب التعرض إلى (المبحث الول) إلى إجراءات البت في مطلب التسليم و في( مبحث‬

‫ثاني) إلى تحديد تأثير العوامل الساسية على قرار منح أو رفض التسليم‪.‬‬

‫المبحث ال ول ‪ :‬إجراءات البت في مطلب التسليم ‪:‬‬

‫تنوعت األسس القانونية لتسليم المجرمين فتجد النصوص الدولية ذات التطبيق الشاسع‬

‫والنصوص اإلقليمية ذات تطبيق محدود مقارنة بالنصوص الدولية والمعاهدات الدولية( فقرة‬

‫‪115‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫أولى ) واإلتفاق على المعاملة بالمثل( فقرة ثانية ) كل هذه األسس القانونية تتكامل فيما‬

‫بينها لتأسس وتبرر لتسليم المجرمين إلى دولتهم ‪.‬‬

‫الفقرة الولى‪ :‬إحترام اإل تفاقيات الدولية‪:‬‬

‫إستقر العرف الدولي على أن التسليم يتوقف على وجود إتفاقية ثنائية أو متعددة األطراف‬

‫تكون الدولة المطالبة بالتسليم طرفا فيها‪ .‬وبالتالي قواعد التسليم تعتمد على المصادر‬

‫الدولية‪ ،‬من إتفاقيات معقودة بين الدولتين المعنيتين ومن مبادئ العرف في غياب‬

‫اإلتفاقيات‪ .‬فإذا وجدت بين الدول إتفاقية فإن التسليم ال يبقى كشكل من أشكال التعاون‬

‫الودي بين الدول ونوع من المجاملة بل يصبح إلتزاما واجبا يفرض على الدولة المطلوبة‬

‫تنفيذه‪ .89‬فاإلتفاقيات الدولية ظلت لفترة طويلة تمثل األساس القانوني للتسليم في ظل غياب‬

‫تشريع وطني ينظم التسليم ‪ .‬في الوقت الحالي بالنسبة إلى مصادر التسليم نتحدث عن‬

‫ازدواجية في المصدر القانوني للتسليم بسبب انتشار التشريعات الوطنية المنظمة للتسليم‬

‫الى جانب االتفاقيات الدولية ‪.‬‬

‫قد تكون المعاهدة الثنائية كمصدر للتسليم مقتصرة على مسالة تسليم المجرمين‪ ،‬أو إتفاقية‬

‫متعددة األطراف ترمي إلى مكافحة نشاط إجرامي دولي وتنص على مسالة تسليم المجرمين‬

‫ضمن الوسائل المقررة للتعاون الدولي ‪.‬‬

‫‪ 89‬محمد بن رزيق الماجري ‪ '' ،‬تسليم المجرمين األجانب ''‪ ،‬المعهد األعلى للقضاء السنة القضائية ‪1993/1992‬‬
‫‪.‬ص ‪. 4‬‬
‫‪116‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫صادق مجلس نواب الشعب اليوم الثالثاء ‪ 22‬مارس ‪ ،2016‬على مشروع القانون‬

‫األساسي المتعلق باتفاقية بين الجمهورية التونسية والمملكة المغربية حول التعاون القضائي‬

‫في مجال تسليم المجرمين‪.‬‬

‫وتندرج هذه االتفاقية في إطار دعم التعاون القضائي بين حكومتي الجمهورية التونسية‬

‫والمملكة المغربية وتطوير االتفاقية المبرمة سنة ‪ 1964‬والمتعلقة بالتعاون القضائي وتنفيذ‬

‫االحكام وتسليم المجرمين وهي اتفاقية تشمل المادتين المدنية والجزائية‪.‬‬

‫وتهدف هذه االتفاقية إلى توفير الضمانات الكافية للشخص المعني بالتسليم وكيفية ايقافه‬

‫واجراءات نقله بين اقليمي الدولتين المتعاقدتين وتحديد شروط وأجال التوقيف والنقل وبيان‬

‫الوثائق الضرورية التي يجب أن يتضمنها ملف طلب التسليم‪.‬‬

‫ترمي هذه اإلتفاقية إلى مكافحة الجريمة بصفة عامة كمكافحة جرائم اإلبادة والجرائم‬

‫اإلرهابية واتخاذ جميع التدابير الالزمة لمواجهة اإلرهاب الدولي‪ ،‬وتساهم هذه اإلتفاقية في‬

‫تعزيز التعاون بين البلدين في أهم المسائل ذات الصبغة الجزائية من ذلك توضيح كيفية‬

‫التعاون في مجال تبليغ الوثائق القضائية واإلعالم باألحكام الجزائية واجراءات إستدعاء‬

‫الشهود والخبراء في إطار القضايا الجزائية وكيفية نقل الشهود الموقوفين‪.‬‬

‫ونظ ار إلى االختالف في طبيعة التعاون بين المادة الجزائية والمادة المدنية فقد تناولت هذه‬

‫االتفاقية المسائل المشار اليها سابقا بالنظر الى خصوصية المادة الجزائية‪.90‬‬

‫‪90‬‬
‫‪http://soutour.tn‬‬
‫‪117‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫كذلك تطور اإلتفاقيات الدولية لتسليم المجرمين مرتبط بالتطورات السياسية و االجتماعية‬

‫والثقافية للدول الذين أمضوا على االتفاقية وكذلك مدى تطور السياسة اإلجرامية العالمية‬

‫والحاجة إلى التصدي إلى الظواهر اإلجرامية الجديدة مثل جريمة اإلرهاب وغسل األموال‬

‫والجريمة المنظمة‪.‬‬

‫من هذا المنطلق تسليم المجرمين يخضع إلى االتفاقية الثنائية بين الدولة الطالبة والدولة‬

‫المطلوب منها التسليم والمتعلقة بالتعاون القضائي‪ .‬لكن في حالة عدم وجود هذه اإلتفاقية‬

‫الثنائية يمكن تطبيق االتفاقيات المتعددة األطراف واعتبارها األساس القانوني للتسليم وهو ما‬

‫نصت عليه المادة ‪ 16‬فقرة ‪ 4‬من إتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر‬

‫الوطنية ‪.‬‬

‫وباإلطالع على مختلف المواثيق الدولية والثنائية نجدها تنص على أن تسليم المجرمين‬

‫يخضع شروطه‪ ،‬واجراءاته إلى القانون الداخلي لكل دولة وذلك وفقا لنصوص اإلتفاقيات‬

‫وتطبيقا لذلك نجد أن المادة ‪ 694‬من قانون اإلجراءات الجزائية الفرنسية تنص على أن‬

‫شروط تسليم المجرمين واجراءاته وآثاره تحدد وفقا لقانون اإلجراءات الجزائية وذلك ما لم‬

‫تنص المعاهدات واإلتفاقيات السياسية على خالف ذلك‪ ،‬ومن تم من خالل هذه المادة فإن‬

‫اإلتفاقيات الدولية الثنائية أو المتعددة األطراف هي التي تطبق على تسليم المجرمين في‬

‫حالة ما إذ ا كانت مقتضيات اإلتفاقيات المصادق عليها تتعارض مع قانون اإلجراءات‬

‫‪118‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫الجزائية‪ ،‬وذلك تطبيقا لمبدأ سمو المعاهدات على القانون الداخلي طبقا للمادة ‪ 132‬من‬

‫الدستور ‪ 1996‬الفرنسي‪ .‬باعتبار أن المعاهدة المصادق عليها اقوى من القوانين الداخلية‪.‬‬

‫حول هذه المسألة السؤال الذي يطرح هل يمكن للقاضي تطبيق بنود اإلتفاقية الخاصة‬

‫باإلجراءات مباشرة رغم أن نص االتفاقية المصادق عليها يتعارض مع القانون الداخلي ولم‬

‫تتخذ الدولة التدابير التشريعية الالزمة إلدماجه ؟‬

‫اإلجابة عن هذا السؤال تتطلب منا التفرقة بين ما إذا كانت البنود المراد تطبيقها مباشرة‬

‫دون إدماج دقيقة وواضحة قابلة للتطبيق المباشر أم غامضة مبهمة تحتاج إلى تدابير‬

‫تشريعية داخلية من أجل جعلها قابلة للتطبيق‪ .‬ومن ثم إذا كانت اإلجراءات المنصوص‬

‫عليها في اإلتفاقية والمخالفة لقانون اإلجراءات الجزائية واضحة ودقيقة فيمكن‬

‫للقاضي عندئذ من تطبيقها مباشرة بمجرد المصادقة على اإلتفاقية‪ .‬أما إذا كانت اإلجراءات‬

‫غامضة فال يمكن للقاضي تطبيقها إال بعد إدماجها في القانون الداخلي‪.‬‬

‫فقد اتجهت الدول على اختالف أنظمتهم السياسية واإلقتصادية إلى إبرام إتفاقيات دولية تهم‬

‫التسليم‪ .‬وقد تكون إتفاقيات ثنائية تقتصر على تنظيم مسالة تسليم المجرمين‪ ،‬او إتفاقية‬

‫متعددة األطراف تهدف إلى مكافحة نشاط إجرامي معين وتنص على تسليم المجرمين‬

‫ضمن الوسائل المقررة للتعاون الدولي ‪.‬‬

‫هذه المسالة تختلف باختالف الدول هناك دول تكرس علوية اإلتفاقية الدولية على التشريع‬

‫الوطني مثل فرنسا وتونس فقد نص الفصل ‪ 20‬من الدستور التونسي الجديد ان " المعاهدات‬

‫‪119‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫الموافق عليها من قبل المجلس النيابي والمصادق عليها‪ ،‬أعلى من القوانين وأدنى من‬

‫الدستور"‪ .‬وتمثل األ حكام الدستورية سندا للتعاون القضائي بين الدول وهو ما يشكل أداة‬

‫ناجعة للتصدي للجريمة ‪.‬‬

‫وهناك بلدان تكرس المساواة بين المصدرين مثل القانون المصري فالمعاهدات الدولية‬

‫النافذة تساوي في قوتها الملزمة التشريع الوطني‪ .‬فمن العوامل التي تجعل الدول تتخذ ق ار ار‬

‫بتسليم المجرمين هو وجود معاهدة دولية بين الدولة الطالبة والدولة المطلوب منها التسليم ‪.‬‬

‫ويوجد كما رأينا نوعان من المعاهدات المتعلقة بمسألة تسليم المجرمين إتفاقيات ثنائية‬

‫واتفاقيات متعددة األطراف مبرمة في إطار السياسية العالمية لمقاومة بعض الجرائم مثال‬

‫لمكافحة تهريب المخدرات ومعاهدات الهاي في‬ ‫ذلك معاهدة ‪1986/06/26‬‬

‫‪ 1970/12/15‬المتعلقة بجرائم تحويل وجهات الطائرات‪ .‬كما أن هناك اتفاقيات دولية‬

‫تعرضت لمسالة تسليم المجرمين كإتفاقية المم المتحدة لمكافحة الجريمة عبر الوطنية‬

‫المؤرخة في ‪ 2000/11/15‬والتي تعرضت في فصولها من ‪ 5‬إلى ‪ 8‬إلى جراءات التسليم‪.‬‬

‫واإلتفاقيات التي أبرمتها الدولة التونسية لها علوية على القانون الداخلي وال يمكن أن‬

‫تتعارض اإلتفاقية مع القانون الداخلي الذي ال يطبق بصريح الفصل ‪ 308‬م‪.‬ا‪.‬ج إال اذا لم‬

‫توجد معاهدات تخالف أحكامه‪ .‬وعلى الرغم من إعتبار المعاهدات الدولية في مجال التسليم‬

‫ذات أ ولوية في التطبيق على التشريع الوطني لكن تطبيق هذا المبدأ ال يخلو في الواقع من‬

‫إثارة عديد الصعوبات التطبيقية ‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫فالمؤتمر الثامن لألمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين أكد وجوب التصدي‬

‫لألنشطة االجرامية واإلرهابية والجريمة وذلك باتخاذ التدابير المتعلقة بتسليم المجرمين عن‬

‫طريق وضع إتفاقيات تسليم دولية سواءا كانت متعددة األطراف أو إقليمية أو ثنائية ‪.‬‬

‫كما أكد المؤتمر التاسع لألمم المتحدة لمنع الجريمة والمجرمين بوضع تشريعات نموذجية‬

‫بشان تسليم المجرمين‪ .‬وفي هذا اإلتجاه وضعت الجمعية العامة لهيأة االمم المتحدة معاهدة‬

‫نموذجية لتسليم المجرمين‪ .‬كما نصت إتفاقية األمم المتحدة المتعلقة بمكافحة الجريمة‬

‫المنظمة في المادة ‪ 20‬منها على ضرورة تدعيم التعاون فيما يتعلق بالتشريعات الخاصة‬

‫بالتحقيق‪ ،‬حيث ألزمة كل دولة عضو أن تتخذ التدابير الضرورية بقدر إستطاعتها و‬

‫بالشروط المنصوص عليها على قانونها الوطني لإلستخدام المناسب للتسليم المراقب‬

‫واإلجراءات األخرى التي تهدف الى مكافحة الجريمة المنظمة بشكل فعال‪.‬‬

‫للرفع من مستوى التعاون الدولي‪ ،‬يؤكد '' إطار العمل الدولي لتنفيذ بروتوكول اإلتجار‬

‫باألشخاص (يشار إليه بإطا األمم المتحدة ) الصادر عن مكتب األمم المتحدة المعني‬

‫بالمخدرات والجريمة ''على ضرورة وضع الدول األعضاء أساسا قانونيا للتعاون الدولي‬

‫يشمل التوصل إلى إتفاقية تعاون‪ ،‬واقترح عقد إتفاقية للتعاون بين الدول ذات الحدود‬

‫المشتركة تضع معايير المساعدة القانونية المتبادلة في فحص مالحقة القضايا وتتضمن‬

‫قواعد مشتركة لتنسيق تسليم األشخاص المحكوم عليهم ومصادرة العائدات والممتلكات‬

‫الناتجة عن الجريمة ‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫وباإلطالع على اإلتفاقيات الدولية المتعلقة بتسليم المجرمين بين الدولة التونسية ومجموعة‬

‫من الدول األخرى نالحظ أنها تؤسس على جملة من المبادئ من أهمها‪ ،‬دولة القانون‪،‬‬

‫الطبيعة الجزائية للقضية‪ ،‬المصلحة العليا للدولة‪ ،‬عدم خرق حقوق االنسان والحريات‬

‫التجريم‬ ‫االساسية‪ ،‬المعاملة بالمثل‪،‬عدم إنقضاء الدعوى أو سقوطها بمرور الزمن‪،‬‬

‫المزدوج‪.‬‬

‫بالتالي قابلية التعاون تتوقف على مدى إلتزام الدولة الطالبة باإلجراءات التي تقتضيها‬

‫اإلتفاقية‪ ،‬من ذلك اإلتفاقية األوروبية المؤرخة في ‪ 4‬نوفمبر ‪ 1956‬بما توجبه من ضرورة‬

‫إحترام حقوق اإلنسان والحريات األساسية أو التي يقتضيها العهد الدولي للحقوق المدنية‬

‫والسياسية المؤرخة في ‪ 16‬ديسمبر ‪ 1966‬وخاصة من حيث ضمان حرية الرأي والتوجه‬

‫السياسي واإلنتماء اإلجتماعي أو العرقي أو حتى الديني ‪.‬‬

‫يستند إلى‬ ‫من خالل هذا العرض يستخلص أن التعاون القضائي بين الدول إن كان‬

‫اإلتفاقيات الثنائية والجماعية التي أبرمتها تونس مع العديد من الدول‪ ،‬فهو يفترض من جهة‬

‫أخرى إحترام سيادة الدولة بما يقتضيه بمنع إمتداد سلطات الدولة إلى دولة أخرى إال بموجب‬

‫إتفاق تعاون يجيز طلب إعمال إجراءات من الدولة الطالبة إلى الدولة المطلوبة‪ . 91‬فال‬

‫تستطيع دولة أن تمارس إختصاصها في تطبيق القوانين الجزائية على المتهمين أو المحكوم‬

‫عليهم على أرض دولة أخرى ‪ .‬فاألصل أن الدولة تمارس إختصاصها الجزائي في حدود‬

‫اإلقليم الذي تمارس عليه سيادتها إستنادا إلى مبدأ اقليمية القانون الجزائي‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫دليل تطبيقي لالنابات القضائية الدولية في المادة الجزائية ‪.2015‬‬
‫‪122‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫فقرة ثانية‪ :‬إحترام مبدأ المعاملة بالمثل‪:‬‬

‫كما نعلم تسليم المجرمين هو اإلجراء التي تسلم به دولة ما إستنادا الى معاهدة أو معاملة‬

‫بالمثل إلى دولة أخرى شخصا تطلبه الدولة الطالبة لمجرد إتهامه بارتكاب جريمة معينة أو‬

‫ألنه محكوم عليه في جريمة معينة ‪.‬‬

‫وبالتالي يعتبر شرط المعاملة بالمثل مصد ار غير قاعدي للتسليم بمعنى أنه يستند إلى سلوك‬

‫متبادل من جانب دولتين على أن يتم التسليم بينهما ولو لم تكن بينهما معاهدة تسليم‬

‫تلزمهما بذلك‪ .‬فشرط المعاملة بالمثل يفتقر إلى الصبغة اإللزامية باعتبار انه ينطوي على‬

‫قيمة ادبية ومعنوية ‪.‬‬

‫في غياب إتفاقيات تجمع الدولة الطالبة بالدولة المطلوبة إستقر العمل على إعتماد قاعدة‬

‫المعاملة بالمثل وهي قاعدة مستمدة من مبدأ الثقة و حسن النية‪ .92‬الذي من المفترض أن‬

‫تقوم عليها عالقات التعاون بين الدول‪ .‬وتتخذ هذه القاعدة شكل التصريح بالمعاملة بالمثل‬

‫يصدر إما عن التمثيلية الديبلوماسية أو عن النيابة العمومية المتعهدة بالتتبع أو من و ازرة‬

‫العدل للدولة الطالبة وذلك لفائدة الدولة المطلوب لديها التعاون القضائي‪.‬‬

‫بالتالي المعاملة بالمثل يمكن أن يكون أساسا كاف لوحده لتسليم المجرمين في غياب‬

‫معاهدة دولية‪ .‬وكذلك القانون الدولي العرفي يفرض على الدولة إلتزاما قانونيا بتسليم‬

‫المجرمين وذلك ما لم تكن مرتبطة بمعاهدة تسليم‪ .‬مثال بالنسبة إلى بعض الدول مثل‬

‫‪92‬دليل تطبيقي لالنابات القضائية الدولية في المادة الجزائية‪2015.‬‬


‫‪123‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫الدولة السويسرية وعلى غرار بقية الدول التي تنخرط في التعاون الدولي فإن سيادة الدولة‬

‫والنظام العام والمصلحة العليا للدولة السويسرية هي التي ترسم حدود هذا التعاون‪.93‬‬

‫في الماضي كانت المعاملة بالمثل تقوم على المجاملة بين الدول واليوم أصبحت تتأسس‬

‫على قواعد قانونية مدرجة في القوانين الداخلية للدول أو في ممارسات بين السلطات‪.‬‬

‫السؤال الذي يطرح هل أن نظام التسليم في غياب معاهدة دولية واسنادا إلى شرط المعاملة‬

‫بالمثل هو مسألة سياسية ترجع باألساس إلى تقدير الحكومة ‪.‬‬

‫اإلعتراف بأن السلطة التنفيذية هي المختصة بكل من عرض وقبول مبدأ المعاملة بالمثل‬

‫هو بمثالية إعتراف صحيح ‪ .‬ألن مبدأ المعاملة بالمثل هو من مبادئ السيادة العامة‬

‫للدولة‪ .‬فال تقوم بها إال الدولة الطالبة والمطلوب منها التسليم ‪ .‬و يكون بالطرق‬

‫الديبلوماسية العادية فالقاعدة العامة تقول بأنه ال يجوز للسلطة القضائية بتقديم طلب‬

‫التسليم مباشرة للدولة األجنبية المطلوب منها التسليم ‪ .‬أو أن تتلقى مباشرة الطلبات األجنبية‬

‫لتسليم المجرمين‪ .‬وذلك لما قد تثيره طلبات التسليم من أمور سياسية ال يتسنى للسلط‬

‫القضائية حسمها ‪.‬‬

‫إذا كانت المعاملة بالمثل مثل المعاهدات ترتب اإللتزامات الدولية على إحدى الطرفين أو‬

‫كليهما‪ ،‬في هذه الحالة يمكن قياس اإلجراءات المتعلقة بالبت في هذه المسألة على‬

‫اإلجراءات المتعلقة بإبرام المعاهدات واذا كانت الدولة يسمح نظامها القانوني بالمعاملة‬

‫بالمثل كأساس بديل في حالة عدم وجود معاهدة في التسليم وكان دستورها يعهد للسلطة‬

‫‪ 93‬الدليل التطبيقي لالنابات القضائية الدولية في المادة الجزائية ‪.2015‬‬


‫‪124‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫التنفيذية سلطة ابرام المعاهدات وتنفيذها بدون موافقة البرلمان فانه في هذه الحالة لها سلطة‬

‫مستقلة في تقدير المعاملة بالمثل والوضع يختلف في البلدان التي تخضع فيها المعاهدات‬

‫الدولية إلى مصادقة البرلمان فإنه من الصعب أن يكون تقدير المعاملة بالمثل من‬

‫االختصاص المطلق للسلطة التنفيذية ‪.‬‬

‫لغاية تفعيل مبدأ التعاون الدولي‪ ،‬أسند مشروع القانون الوطني المتعلق بمنع اإلتجار‬

‫باألشخاص ومكافحته للهيئة الوطنية مكافحة اإلتجار باالشخاص مهام تنشيط التعاون مع‬

‫نظيراتها بالبالد األجنبية التي تربطها بها إتفاقيات تعاون‪ ،‬واوجب عليها التعجيل بتبادل‬

‫المعلومات معها بما من شأنه أن يكفل اإلنذار المبكر بالجرائم المعنية بهذا القانون وتفادي‬

‫إرتكابها شريطة مبدأ المعاملة بالمثل ومبدأ عدم إستغالل المعطيات والمعلومات في أغراض‬

‫‪94‬‬
‫‪.‬‬ ‫أخرى غير مكافحة اإلتجار باألشخاص‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬تأثير العوامل السياسية على قرار رفض او منح التسليم‪:‬‬

‫إذا قررت دائرة االتهام قبول المطلب فإن رأيها ال يقيد الحكومة إذ يبقى لهذه األخيرة حق‬

‫إتخاذ القرار النهائي في منح التسليم أو رفضه واذا تقرر منح التسليم يعرض وزير العدل‬

‫على إمضاء رئيس الجمهورية أم ار في ذلك‪ .‬ثم تتولى األجهزة المختصة بو ازرة العدل توجيه‬

‫إعالم بأمر التسليم للدولة الطالبة فإذا لم يتسلم أعوان الدولة الطالبة الشخص المطلوب‬

‫‪ 94‬بتاريخ ‪ 6‬ماي ‪ 2015‬تمت المصادقة على مشروع القانون األساسي المتعلق بمنع اإلتجار باألشخاص ومكافحته من قبل مجلس‬
‫وزاري وإحالته على مجلس نواب الشعب تضمن مشروع القانون المحاور األساسية لإلستراتيجية الوطنية لمكافحة اإتجار‬
‫باألشخاص‪.‬‬
‫‪125‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫تسليمه في ظرف شهر من تاريخ اإلعالم بأمر التسليم فغنه يخلى سبيله وال يمكن فيما بعد‬

‫طلب تسليمه ألجل السبب نفسه ‪.‬‬

‫من البديهي أنه عندما يقع توجيه مطلب التسليم من الدولة الطالبة إلى الدولة المطلوبة فإن‬

‫الدولة المطلوبة تستجيب إلى طلب التسليم إذا ما توفرت شروطه (الفقرة اولى) العوامل‬

‫السياسية وقرار منح التسليم ‪.‬‬

‫إذا رأت دائرة اإلتهام أن شروط التسليم القانونية غير متوفرة وأن هناك غلط واضح فإنها‬

‫تبدي رأيها برفض التسليم وهذا رأي نهائي وال يقع التسليم مطلقا (فقرة ثانية) العوامل‬

‫السياسية وقرار رفض التسليم‪.‬‬

‫الفقرة الولى‪ :‬العوامل السياسية وقرار منح التسليم‪:‬‬

‫باعتبار أن قرار التسليم في القانون التونسي ال يكتسي طبيعة قضائية‪ ،‬فتدخل الحكومة في‬

‫اتخاذ هذا القرار يجعل أثار التسليم ال تقتصر فقط على اآلثار القانونية (أ) وانما ايضا‬

‫تتجاوز االثار القانونية لتشمل اآلثار سياسية (ب)‪.‬‬

‫أ‪-‬ال ثار القانونية لمنح التسليم‪:‬‬

‫إن قرار التسليم هو قرار في الحقيقة تغلب عليه ليس فقط المصالح السياسية وانما أيضا‬

‫المصالح االقتصادية واإلجتماعية ‪ .‬من اآلثار القانونية للتسليم اإلعتراف الضمني للدولة‬

‫المسليم لها (‪ )1‬وكذلك إمكانية الطعن في قرار التسليم أمام المحكمة اإلدارية (‪. )2‬‬

‫‪126‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫اوال‪:‬اإلعتراف الضمني بالدولة المسلم لها األزمة الليبية أو الحرب الليبية هو صراع بين‬

‫عدة أطراف في الساحة الليبية‪ ،‬تبلورت في الوقت الراهن بين صراع بين عدة اطراف في‬

‫الساحة الليبية سلطة تسيطر على العاصمة طرابلس وسلطة اخرى معترف بها دوليا ومقرها‬

‫طبرق ولها نفوذ اوسع في منطقة شرق ليبيا‪.‬هذا الصراع كانت له نتائج سلبية على الوضع‬

‫األمني بتونس مما أدى الى إتخاذ إجراءات أمنية صارمة ضد الدولة الليبية في فترة ما‬

‫تتمثل في غلق الحدود مع ليبيا ثم غلق القنصلية العامة التونسية في العاصمة الليبية‪ .‬هذه‬

‫اإلجراءات المتخذة ضد الحكومة الليبية هل سيكون لها تأثير على مؤسسة تسليم المجرمين‬

‫مع وجود إتفاقية مبرمة بين الدولتين تتعلق بتسليم المجرمين ؟‬

‫ال يخفي على أحد الوضع في ليبيا اآلن من تأزم سياسي وتعقد أمني حيث الخالفات‬

‫السياسية وما نتج عن ذلك من تعقيد أمني دخلت علي الخط فيه جماعات إرهابية‪.‬‬

‫وقد أبرمت الجمهورية التونسية وحكومة المملكة الليبية المتحدة إتفاقية تعاون قضائي‬

‫تتعلق باإلعانات اإل نابات وتنفيذ األحكام وتسليم المجرمين المصادق عليها بتونس بقانون‬

‫عدد ‪ 1‬لسنة ‪ 1962‬المؤرخ في ‪ 9‬جانفي ‪ 1962‬والمصادق عليها من الدولة التونسية في‬

‫‪ 24‬أوت ‪ . 1963‬وقد إهتم الباب الثالث من اإلتفاقية في الفصول من ‪ 19‬إلى ‪34‬‬

‫بمسألة تسليم المجرمين ‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫فقد نص الفصل ‪ 19‬من اإلتفاقية أن '' يلتزم الجانبان المتعاقدان بأن يسلم أحدهما األخر‬

‫طبقا للقواعد والشروط المقررة في الفصول التالية كل فرد موجود بأرض إحدى الدولتين وهو‬

‫متتبع أو محكوم عليه من طرف السلطات القضائية في الدولة األخرى ''‪.‬‬

‫بالرغم من التعقد األمني والسياسي الذي تعيشه الدولة الليبية اليوم باعتبار وجود حكومتين‬

‫تسيطر على الدولة الليبية‪ .‬فالدولة التونسية تلتزم الحياد في خصوص هذه المسالة باعتبار‬

‫أنها تستجيب إلى مطالب التسليم المتأتية من الحكومتين ‪ .‬وهذا الموقف ال يمكن تفسيره إال‬

‫أن الدولة التونسية تعترف بكلتا الحكومتين ‪.‬‬

‫وأهم ما يدعم موقف الدولة التونسية إزاء مطالب التسليم المتأتية من الدولة التونسية هي‬

‫قرار تسليم رئيس الوزراء الليبي البغدادي المحمودي من أجل مرتكبه في عهد الرئيس‬

‫السابق معمر القذافي من إنتهاكات إزاء الشعب الليبي‪ .‬والذي إعتبرته الدولة التونسية في‬

‫البيان التوضيحي حول تسليم البغدادي المحمودي '' إلتزاما بدعم عالقات الشراكة‬

‫اإلستراتيجية مع الشقيقة ليبيا سواءا من خالل تنفيذ اإلتفاقيات المبرمة بين البلدين ومنها‬

‫إ تفاقية تسليم المجرمين تماما كدفاعنا عن مالحقة من أجرم في حق شعبنا '' ‪ .‬وتسليم‬

‫البغدادي أدى إلى أزمة سياسية حول السلطة المخول لها إصدار القرار هل هو رئيس‬

‫الحكومة أو رئيس الجمهورية ‪.‬‬

‫كذلك القرار عدد ‪ 13 /88839‬الصادر عن دائرة االتهام بتاريخ ‪ 14‬فيفري ‪ 2014‬و‬

‫المتعلق بتسليم المواطن الليبي نبيل بن محمد بن الجيالني اشتيوي إلى السلطات القضائية‬

‫‪128‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫اليبية مطلب التسليم كان صاد ار عن نائب النيابة بمكتب النائب العام رمضان صالح‬

‫القرقطوني واعتبرت دائرة االتهام انه '' خالفا لما تمسك به دفاع المطلوب تسليمه فإن‬

‫الجهة الطالبة هي سلطة شرعية وقد إعترف بها دوليا ومن طرف الدولة التونسية‪ .‬وبالتالي‬

‫أصبحت تمثل قانونا الدولة الطالبة التسليم كما كانت اإلجراءات سليمة إذ تم إتباع الطريقة‬

‫الديبلوماسية في تبليغ المطلب '' ‪.‬‬

‫من المعلوم ان قرار تسليم المجرمين من شأنه تدعيم التعاون بين الدول بذلك تسعى كل‬

‫دولة إلى تعزيز تقديم المساعدات القانونية والقضائية من التحقيقات وجمع االدلة وسماع‬

‫الشهود وتنفيذ عمليات التفتيش ومعاينة االماكن واالشياء وتقديم المعلومات واألدلة وتقارير‬

‫الخبراء‪ .‬كما يمكن أن تتمثل المساعدة في تيسير مثول االشخاص طواعية‪ .‬إستعمال‬

‫معدات ووسائل تقنية حديثة سواءا لتسجيل تحركات االشخاص المشبوهة وغير الشرعية أو‬

‫الكتشاف المواد ‪.‬‬

‫فالتفاقيات المبرمة بين الدول في مجال التعاون القضائي إهتمت باألساس بإزالة العوائق‬

‫التي تحول دون القبض على المجرم‪ .‬ولهذا السبب تجاوزت الدولة التونسية الوضع‬

‫المضطرب في الدولة الليبية واعتمدت سياسية مرنة في معالجة مطالب التسليم القادمة من‬

‫الدولة الليبية‪ .‬وتدعيما للتعاون مع هذه الدولة تعمل الدولة التونسية على مراقبة الحدود بين‬

‫الدولتين بصفة فعالة ورصد تحركات المجرمين وابالغ السلطات الرسمية واغالق األبواب‬

‫أمام المجرمين لعدم الفرار من العقاب‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫بصفة عامة صورة اإلجرام في العالم ال تبعث على التفاؤل ألن معدل الجريمة في تصاعد‬

‫ملحوظ لذلك إقتضت هذه الوضعية خلق إستراتيجية تعاون دولي مرنة تتعلق بتسليم كل‬

‫مجرم إن توفرت شروطه‪ .‬فعندما تكون العالقات الديبلوماسية جيدة ذلك يساهم في تدعيم‬

‫التعاون والتنسيق بين الدول لعقاب المجرمين والقبض عليهم في أي بلد كانوا ‪ .‬بالتالي‬

‫يتدعم دور جهاز الشرطة الدولية وهي المنظمة الدولية للشرطة الجنائي (األنتربول)‪ ،‬الذي‬

‫أوكلت له مهمة مطاردة المجرمين الدوليين والذي له دور اساسي في مطاردة المجرمين‬

‫الدوليين‪ .‬يضطلع األنتربول بكثير من اإلجراءات المتعلقة بمكافحة الجريمة المنظمة ‪ .‬كما‬

‫يقوم بدور فعال في مجال تسليم المجرمين سواءا متهمين إرهابيين أو محكوم عليهم في ‪.‬‬

‫التسليم يؤدي إلى تحسين العالقات بين الدولتين الطالبة والمطلوبة في المستقبل وبالتالي‬

‫تسعى كل دولة إلى تبسيط اإلجراءات وتذليل الصعوبات للوصول إلى مرتكبي الجرائم وعدم‬

‫إفالتهم من العقاب ‪ .‬بالتالي التعاون بين الدول تعد من أهم اآلليات التي تساعد للتصدي‬

‫للجريمة بمختلف أنواعها‪ .‬مثل جريمة اإلرهاب واإلتجار الغير المشروع بالسالح والمخدرات‬

‫وتبييض األموال وغير ذلك من الجرائم التي ترتكبها مجموعات إجرامية‪.‬‬

‫‪- 2‬إمكانية الطعن في قرار التسليم أمام المحكمة اإلدارية‪:‬‬

‫يتضح باالطالع على النصوص المنظمة لمرفق القضاء تمسك المشرع التونسي بتدعيم‬

‫التخصص القضائي بهدف تعصير الجهاز القضائي ودعم نجاعت ه‪ . 95‬فإرساء قضاء‬

‫مت خصص بنوع معين من النزاعات ومنفصل عن القضاء العام يدعم مبدأ الفصل بين‬

‫‪ 95‬عصام اليحياوي ‪''،‬تخصص القضاء ''‪،‬مجلة القضاء و التشريع ‪،‬جانفي ‪. 2014‬ص ‪. 52‬‬
‫‪130‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫السلط‪ ،‬وبذلك إحداث قضاء إداري منفصل عن القضاء العدلي هو بمثابة الحصانة‬

‫‪96‬‬
‫‪.‬‬ ‫لإلدارة‬

‫فإن أقر المشرع والية عامة للقضاء العدلي في النزاعات المتعلقة بجرائم الحق العام فإنه‬

‫أعطى والية شاملة للقضاء اإلداري للنظر في النزاعات المتعلقة بالمادة اإلدارية ال يستثنى‬

‫منها شيئا إال بقانون خاص‪ .‬هذا ما يدعم فكرة تخصص القضاء باعتبار أن النظر في‬

‫مطلب التسليم هو من إختصاص دائرة اإلتهام وقرار التسليم هو قرار صادر عن الحكومة‪.‬‬

‫الطبيعة المختلطة لقرار التسليم تثير مسألة في غاية األهمية وهي هل أن قرار التسليم من‬

‫الممكن أن يقبل الطعن بدعوى تجاوز السلطة أمام المحكمة اإلدارية ؟ وبعبارة أخرى هل‬

‫أن تدخل الحكومة في قرار التسليم من الممكن أن يبرر تدخل المحكمة اإلدارية في مرحلة‬

‫الحقة لصدور قرار التسليم ؟‬

‫إمكانية الطعن أمام المحكمة اإلدارية في قرار التسليم يفرض أن يكتسي هذا القرار صبغة‬

‫إدارية‪ .‬فقه القضاء الفرنسي منذ سنة ‪ 1927‬إستقر على إعتبار قرار التسليم ق ار ار إداريا‬

‫قابال للطعن فيه أمام المحكمة اإلدارية بدعوى تجاوز السلطة كذلك فقه القضاء التونسي‬

‫إستقر على نفس الرأي ‪.‬‬

‫نص الفصل الخامس من القانون عدد ‪ 40‬لسنة ‪ 1972‬المؤرخ في غرة جوان ‪1972‬‬

‫المتعلق بالمحكمة اإلدارية المتمم والمنقح بنصوص أخرى أنه '' تهدف دعوى تجاوز‬

‫‪ 96‬من خالل المحاضرة التي ألقيت خالل الملتقى العلمي الذي نظمه مخبر فض النزاعات وطرق التنفيذ بكلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية بتونس يوم ‪ 10‬ماي ‪ 2013‬حول موضوع إصالح مرفق القضاء تم تعريف التخصص القضائي بكونه '' إلمام القاضي‬
‫وتعمقه بالقاعدة القانونية المتعلقة بميدان معين''‪ .‬وبالتالي التخصص القضائي يختلف عن االختصاص القضائي ‪ ,‬مثال ذلك القاضي‬
‫من الممكن أن يكون مختصا ترابيا أو دون او حكميا بالنظر في النزاع دون أن يكون متخصصا فيه'' ‪.‬‬
‫‪131‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫السلطة إلى ضمان إحترام المشروعية القانونية من طرف السلطة التنفيذية وذلك طبقا‬

‫للقوانين والتراتيب الجاري بها العمل والمبادئ القانونية العامة '' ‪.‬‬

‫فقد جاء في القرار الصادر عن المحكمة االدارية عدد ‪ 1500‬بتاريخ ‪ 26‬نوفمبر ‪1991‬‬

‫زقوربة ضد المجلس االعلى للقضاء أن دعوى تجاوز السلطة وسيلة دائمة لتحقيق‬

‫المشروعية تمتد إلى رقابة كل الق اررات اإلدارية وال يمكن إستبعادها إلى بنص صريح‬

‫وأضاف أنه ولئن إقتضى القانون األساسي للقضاة أن ق ارراته '' ال تقبل الطعن '' فإن هذه‬

‫العبارة ال يفهم منها تحصين هذه الق اررات من رقابة القاضي اإلداري التي ال تستبعد الى‬

‫بنص صريح ‪.97‬‬

‫بالرغم من اإلستفهام الذي يحوم حول هذا اإلجراء فإنه ال يمنح أي حماية إضافية إلى‬

‫المتهم باعتبار أن قرار الطعن لتجاوز السلطة ليس له مفعول تعليقي‪ .‬فالقائم أمام المحكمة‬

‫االدارية يمكن ان بقع تسليمه قبل البت في دعوى تجاوز السلطة‪ .‬القانون الفرنسي أجاز‬

‫امكانية الطعن أمام القضاء االداري‪ ،‬مجلس الدولة الفرنسي إعتبر أن األمر الرئاسي‬

‫القاضي بتسليم المتهم هو قابل للطعن أمام القضاء اإلداري لكن اإلشكال الذي يطرح في‬

‫التطبيق هو أ ن السلطة التنفيذية في الكثير من الحاالت تتعمد اإلسراع في تنفيذ قرار‬

‫التسليم قبل أن ينظر القضاء اإلداري في المسألة ويبت في الطعن ‪.‬‬

‫بالنسبة للقانون التونسي فقد أخذ نفس المنحى ففي الحالة التي تصدر فيه دائرة االتهام رأيا‬

‫ايجابيا يكون من المنتظر أن يصدر عن السلطة التنفيذية أمر يقضي بالتسليم‪ .‬فقرار‬

‫‪97‬‬
‫عبد الرزاق بن خليفة‪ '' ،‬إجراءات النزاع اإلداري ( القانون فقه القضاء )‪ ،‬دار إسهامات في أدبيات المؤسسة ''‪.‬ص ‪. 55‬‬
‫‪132‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫التسليم يكون بأمر رئاسي ومبدئيا من خالل تطبيق مقتضيات الفصل الثالث من القانون‬

‫المحدث للمحكمة االدارية يمكن الطعن في هذا القرار بدعوى تجاوز السلطة ‪.‬‬

‫أمر التسليم يصدر عن رئيس الجمهورية وذلك حسب مقتضيات دستور ‪ 1959‬وتطبيقا‬

‫ألحكام مجلة اإلجراءات الجزائية هذه المسألة طرحت ألول مرة أمام القضاء اإلداري‬

‫التونسي في قضية رئيس الوزراء الليبي المحمودي البغدادي ‪ .‬قرار تسليمه طرح جدال كبي ار‬

‫حول من له صالحية إصدار أمر التسليم هل رئيس الدولة أم رئيس الحكومة خاصة ان‬

‫العمل بدستور ‪ 1956‬قد الغي في تلك الفترة‪ .‬دائرة االتهام عدد ‪ 9‬بمحكمة اإلستئناف‬

‫بتونس أبدت رأيا ايجابيا يقضي بتسليمه وقام رئيس الحكومة آنذاك باإلمضاء على امر‬

‫التسليم الذي تم تنفيذه في ‪ 24‬جوان ‪ ،2012‬إمضاء رئيس الحكومة ألمر التسليم كان‬

‫محل جدل في األوساط القانونية مع العلم أن قبل إمضاء القرار قام رئيس الحكومة‬

‫باستشارة رئيس المحكمة اإلدارية الذي أكد له ان من صالحيات رئيس الحكومة اإلمضاء‬

‫على قرار التسليم‪ .‬هذه اإلستشارة بقيت غلى اليوم محل كتمان ال يمكن اإلطالع على‬

‫فحواها وهذا ما جعل من قرار التسليم يشوبه العديد من الغموض‪ ،‬بالتالي يمكن القول أن‬

‫الطعن في قرار التسليم أمام المحكمة اإلدارية هو طعن نظري بحت قليل التطبيق في‬

‫الواقع‪.‬‬

‫السلطة المخول لها قانونا اإلمضاء على أمر التسليم قد حسمت بموجب دستور ‪2014‬‬

‫للجمهورية التونسية‪ ،‬فقد أعطى هذا الدستور بموجب الفصل ‪ 77‬منه إلى رئيس الجمهورية‬

‫‪133‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫صالحية تمثيل الدولة ويختص بضبط السياسات العامة والعالقات الخارجية واألمن القومي‬

‫المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وذلك بعد استشارة‬

‫رئيس الحكومة‪ .‬بما أن قرار التسليم يتعلق بضبط السياسة العامة والعالقات الخارجية‬

‫واألمن القومي فيكون قرار التسليم من صالحيات رئيس الجمهورية بعد إستشارة رئيس‬

‫الحكومة‪.‬‬

‫لكن بالتأمل في الق اررات الصادرة عن دائرة اإلتهام نالحظ تمسكها بكون حماية الحريات‬

‫الفردية هو من صميم إختصاص ودور القاضي العدلي دون غيره وله الوالية العامة على‬

‫ذلك وبالذات دائرة االتهام التي تبقى مختصة بالنظر في كل طور من اإلجراءات حسب‬

‫احكام الفصلين ‪ 92‬و ‪ 321‬من م ‪.‬ا‪.‬ج‪ .‬وكأن دائرة اإلتهام أرادت بذلك إقصاء القضاء‬

‫اإلداري ومنعه بصفة ضمنية من التدخل في مسألة تسليم المتهمين‪ ،‬هذا ما يفسر ندرة وقلة‬

‫اللجوء إلى القضاء اإلداري للطعن في ق اررات التسليم ‪.‬‬

‫ب ‪-‬اآلثار السياسية لمنح التسليم‪:‬‬

‫إن المجتمع الدولي مدرك ألهمية التعاون القضائي في خصوص تسليم المجرمين‪ ،‬ومن‬

‫مظاهر هذا التعاون ظهور العديد من المنظمات الدولية التي تهتم بهذه المسالة‪ .‬وتعد‬

‫منظمة الشرطة الجنائية ااأل نتربول من أبرزها دون إهمال الدور الهام الذي تلعبه األجهزة‬

‫المتخصصة في مجال مكافحة الجريمة والتي تعمل في إطار األمم المتحدة ‪.98‬‬

‫‪ 98‬محمد طلعت الغنبمي‪ ،‬األحكام العامة في قانون األمم المتحدة‪ ،‬ابتراك للنشر والتوزيع‪،‬القاهرة‪،2000،‬ص ‪. 5‬‬
‫‪134‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫على الصعيد العربي صادقت جامعة الدول العربية في القرار المؤرخ في ‪1960/04/10‬‬

‫على إتفاقية الدول العربية من أجل إنشاء منظمة الهدف منها تحقيق التعاون بين الدول في‬

‫مجال مكافحة الجريمة ومالحقة مرتكبيها‪ .‬تدعى هذه المنظمة المنظمة العربية للدفاع‬

‫االجتماعي ضد الجريمة ‪.‬‬

‫وال يمكن ألحد ان ينكر أهمية العالقات الدبلوماسية في تدعيم هذا التعاون وتقريب وجهات‬

‫النظر‪ .‬فعندما تتخذ دولة ق ار ار بالتسليم يكون ذلك أداة لدعم التعاون القضائي بين الدول‪.99‬‬

‫فاإلستجابة إلى مطلب التسليم يؤدي مما ال شك فيه إلى تطوير العالقات الدبلوماسية بين‬

‫الدول والعكس بالعكس‪ ،‬فعدم إستجابة دولة معينة لمطالب تسليم دولة ما يؤثر بشكل سلبي‬

‫على العالقات الديبلوماسية التي تربط الدولتين وكذلك على التعاون القضائي بين الدولتين ‪.‬‬

‫أهم مثال على ذلك هو قرار تسليم المحمودي البغدادي الذي ساهم في تلك الفترة في تحسين‬

‫العالقة الديبلوماسية بين الدولتين وكذلك ساهم في دعم عالقات الشراكة اإلستراتيجية‪.‬‬

‫هناك مسالة هامة تؤثر على العالقات الديبلوماسية بين الدول من ذلك ان بعض الدول‬

‫تعطي بعض المجرمين تسهيالت جبائية ضمن تشاريعها اإلقتصادية بهدف إستغالل رؤوس‬

‫األموال حتى ولو كانت تدرك أن مصدر هذه األموال مشتبه به ‪ .‬هذه الحماية لها تأثير‬

‫سلبي على آلية تسليم المجرمين فيصبح المجرم محصنا من العقاب‪.‬‬

‫‪ 99‬وليد الفالح‪'' ،‬تسليم المجرمين والعالقات الديبلوماسية ''‪ ،‬محاضرة ختم التمرين‪ ،‬الهيئة الوطنية للمحامين الفرع الجهوي بتونس ‪،‬‬
‫‪. 2013/2012‬ص ‪. 19‬‬
‫‪135‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫قرار رفض التسليم يكون مرتبطا إما بمسالة السر البنكي الذي تتمسك به العديد من الدول‬

‫او مسألة خطيرة جدا وهي مسالة تبيض االموال ‪.‬االسر البنكي هو من أهم األسباب التي‬

‫تتمسك بها الدول لرفض التسليم وينتج عن ذلك رفض القيام بتسليم المتهم أو المحكوم‬

‫عليه او تسليم األموال او األرصدة الموجودة بالدولة المطلوب منها التسليم ‪.‬تتمسك هذه‬

‫الدول بالسر البنكي بالرغم من أن هذا المانع لم تنص عليه االنفاقيات الدولية المتعلقة‬

‫بالتعاون القضائي بين الدول ‪.‬‬

‫هذه االشكالية التي تتعلق برفض التسليم تمسكا بالسر البنكي كان حائال امام إسترجاع‬

‫الحكومة التونسية المودعة بالبنوك األجنبية بأرصدة راجعة للرئيس السابق وعائلته‪ .‬فالعديد‬

‫من الدول تمسكت بهذا سبب لعدم التسليم وحتى لتقديم معلومات حول األرصدة الموجودة‬

‫ببنوكهم والراجعة لهؤوالء الشخاص ‪.‬‬

‫فقد أكدت اتفاقية األمم المتحدة المتعلقة بمكافحة اإلتجار الغير مشروع في المخدرات لسنة‬

‫‪ 1988‬في مادتها السابعة أنه " ال يجوز ألي طرف أن يمتنع عن تقديم المساعدة القانونية‬

‫المتبادلة بموجب هذه المادة بحجة سرية العمليات المصرفية "‪.‬‬

‫نصت اإلتفاقية الدولية لقمع تمويل االرهاب المؤرخة في ‪ 09‬ديسمبر ‪ 1999‬والتي إنضمت‬

‫لها تونس بموجب القانون عدد ‪ 99‬لسنة ‪ 2002‬المؤرخ في ‪ 25‬نوفمبر ‪ 2002‬في مادته‬

‫‪ 12‬أنه " ال يجوز للدول األطراف التذرع بسرية المعامالت المصرفية لرفض طلب لتبادل‬

‫المساعدة القانونية "‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫لكن بالرغم من ذلك فالحقيقة في أغلب األحيان تغلب بعض الدول مصالحها اإلقتصادية‬

‫على اإلعتبارات األخرى حتى البلدان الديمقراطية التي تتميز بالصرامة في تطبيق القانون‬

‫فهي في أغلب األحيان عندما يتعلق األمر بمصالحها اإلقتصادية تترك المسائل القانونية‬

‫جانبا ‪.‬‬

‫األمر كذلك بالنسبة إلى تبييض األموال ففي ظل العولمة أصبح من اليسر إنتقال رؤوس‬

‫‪100‬‬
‫وتزايد حركة‬ ‫األموال عبر الدول المختلفة‪ ،‬مما أدى إلى تنامي ظاهرة الجريمة المنظمة‪،‬‬

‫تداول أموال المنظمات اإلجرامية على المستوى المحلي والدولي بهدف تغيير صفة األموال‬

‫التي تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة مثل تجارة المخدرات‪ ،‬لتظهر كما قد تولدت‬

‫من مصدر مشروع ويطلق على هذه العملية تبييض االموال ‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪:‬العوامل السياسية وقرار رفض التسليم‪:‬‬

‫أ‪ -‬الدفع بمبادئ حقوق اإلنسان‪:‬‬

‫مسالة حقوق اإلنسان أصبحت تشكل قيمة إنسانية مشتركة بين جميع الدول‪ . 101‬تطور‬

‫السياسة العقابية أدى إلى معاملة الجاني المتهم معاملة إنسانية تهدف إلى إصالحه‬

‫‪ 100‬االستاذ سمير شعبان‪ "،‬مكافحة الجريمة المنظمة من خالل التصدي لعملية تبييض االموال "‪ ،‬جامعة الحاج لخضر باتنة ‪.‬‬
‫‪ 101‬نشأة القانون الدولي لحقوق اإلنسان يرجع إلى التصريحات المختلفة التي أصدرتها عدد من دول أمريكا الشمالية قرب نهاية‬
‫القرن الثامن عشر‪ ,‬و من أهمها ميثاق الحقوق الصادر في فرجينيا سنة ‪ 1776‬واإلعالن الفرنسي الصادر سنة ‪ 1789‬وكذلك ما‬
‫تضمنه الميثاق البريطاني سنة ‪ 1928‬وقانون اإلعالن القضائي لسنة ‪ 1979‬وميثاق الحقوق إلى أن صدر اإلعالن العالمي لحقوق‬
‫اإلنسان واالتفاقيتين ‪ Rights of Petition‬الدوليتين الخاصيتين بالحقوق المدنية والسياسية ‪ ,‬والحقوق االجتماعية و‬
‫االقتصادية ‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫وتيسيير إعادة إدماجه وحماية حقوقه في مرحلة تنفيذ العقاب‪ . 102‬أولى المجتمع الدولي‬

‫لحقوق اإلنسان أهمية بالغة لمسألة حقوق اإلنسان إيمانا منه بفكرة أن القضاء هو الحارس‬

‫لحقوق وحريات األفراد باعتباره جهاز العدالة في الدولة‪.‬‬

‫والقانون الدولي لحقوق اإلنسان قد عرفه أحد الفقهاء بكونه '' مجموع القواعد القانونية‬

‫المتصفة بالعمومية والتجريد التي إرتضتها الجماعة الدولية أصدرتها في صورة معاهدات‬

‫وبروتوكوالت دولية ملزمة بقصد حماية حقوق اإلنسان المحكوم بوصفه إنسانا وعضوا في‬

‫المجتمع م ن عدوان سلطاته الحاكمة أو تقصيرها وتمثل الحد األدنى من الحماية التي ال‬

‫يجوز للدول األعضاء فيها النزول عنه مطلقا أو التحلل من بعضها في غير االستثناءات‬

‫‪103‬‬
‫‪.‬‬ ‫المقررة فيها ''‬

‫فقد قامت تونس منذ أواخر الثمانينات بالمصادقة على االتفاقية الخاصة بمناهضة التعذيب‬

‫وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اإلنسانية الموافق عليها في ‪ 10‬ديسمبر‬

‫‪ 1984‬من طرف الجمعية العامة لألمم المتحدة الموقع عليها في ‪ 26‬أوت ‪.1987‬‬

‫بالتالي فإن مهمة القاضي الجزائي ال تقتصر فقط على الفصل في النزاعات‪ ،‬وانما أيضا‬

‫من أهم اإلشكاليات التي يطرحها موضوع تسليم المجرمين بصفة عامة هي مدى تحقيق‬

‫المالئمة الدولية بين تسليم المجرمين وتفعيل ضمانات حقوق المتهم الواردة في التشريع‬

‫الداخلية سواءا المضمنة بالقوانين الداخلية أو بالدساتير‪ .‬تناول مسألة تسليم المجرمين‬

‫‪102‬انيس ضيف هللا ‪''،‬دور قاضي تنفيذ العقوبات في تحقيق أهداف السياسة العقابية المعاصرة''‪،‬مجلة القضاء و التشريع‬
‫‪،‬افريل‪.2012‬ص ‪.48‬‬
‫‪ 103‬نسان خيري احمد الكباش‪ '' ،‬الحماية الجزائية لحقوق اإلنسان دراسة مقارنة في ضوء أحكام الشريعة اإلسالمية و المواثيق‬
‫الدولية‪'' ،‬دار الجامعيين ‪ ،‬القاهرة‪، 2000 ،‬ص‪. 229 .‬‬
‫‪138‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫ومدى إستجابة الدول لطلب التسليم مرتبطة بين تحقيق معدلتين وهي الحاجة إلى تفعيل‬

‫آلية التسليم من جهة ووضع ضمانات لحماية الحرية الشخصية للشخص موضوع مطلب‬

‫‪104‬‬
‫التسليم ‪.‬‬

‫من خالل هذا التعريف يكون هدف القانون الدولي لحقوق اإلنسان هو حماية حقوق‬

‫وحريات األفراد في مواجهة الدولة التي ينتمون إليها‪ .105‬بصفة عامة فكرة حقوق اإلنسان‬

‫هي من األفكار المرنة التي تختلف باختالف قيم الشعوب مما يجعل القانون الدولي‬

‫لحقوق اإلنسان من القوانين التي يطغى عليها الطابع السياسي‪ .‬هذه المسالة دقيقة ومعقدة‬

‫نوعا ما باعتبار أن بعض الدول قد تمتع من تسليم بعض المتهمين بتعلة أن في تسليمه‬

‫إنتهاك لحقوقه كإنسان مثل إمكانية تسليط عقوبة اإلعدام عليه أو تعرضه إلى التعذيب‬

‫بالرغم من أن الجرائم التي إرتكبها شكلت في حد ذاتها تعديا لحقوق أساسية لألشخاص مثل‬

‫الحق في الحياة ‪.‬‬

‫السؤال الذي يطرح والذي يصعب اإلجابة عنه هل من الممكن التمسك بحقوق اإلنسان‬

‫لمنع تسليم المجرم اإلرهابي ؟ وهل أن المجرم اإلرهابي هو شخص يستحق الحماية‬

‫القانونية والدولية لكي تمتنع دولة ما على تسليمه بالرغم من توفر الشروط القانونية للتسليم‬

‫واحترام تلك الدولة إلجراءات تسليمه؟‬

‫‪104‬االستاذ حسن بنعيشة ‪ ''،‬تسليم المجرمين األجانب ''‪ ،‬محاضرة ختم تمرين ‪،‬الهيئة الوطنية للمحامين بتونس ‪. 2013/2012،‬ص"‪.‬‬
‫‪105‬رمزي نويصر ‪ ''،‬القانون الدولي اإلنساني والقانون الدولي لحقوق االنسان ‪:‬دراسة مقارنة ''‪ ،‬مجلة القضاء التشريع ‪ ،‬فيفري‬
‫‪ . 2012‬ص ‪. 56‬‬
‫‪139‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫تختلف اآلراء حول اإلجابة عن هذا السؤال فهناك من يرى أن القانون الدولي لحقوق‬

‫اإلنسان هو قانون يحمي جميع األشخاص مهما كانت خطورة األفعال التي قاموا بها‬

‫باعتبار أن الذات البشرية مقدسة وال يجيب المساس بها أو النيل منها ألي سبب من‬

‫األسباب‪ .‬بالتالي ال يقع تسليم المجرم إلى دولته إذا كان في تسليمه نيل لحقوقه كالحكم‬

‫عليه باإلع دام أو إمكانية تعذيبه ‪ .‬لكن الرأي الثاني هو رأي مخالف تماما لرأي األول يرى‬

‫مساندا الرأي الثاني أن المجرم الخطير خاصة الذي يرتكب جرائم إرهابية ال يمكن أن يتمتع‬

‫بالحماية القانونية‪.‬‬

‫قانون حقوق اإلنسان يخضع لرقابة عالمية تتمثل في األمم المتحدة واألجهزة التابعة لها‪.‬‬

‫وهناك توجه سياسي يصنف إلى دول تراعي حقوق اإلنسان ودول أخرى ال تراعي حقوق‬

‫اإلنسان بالتالي مدى اإلستجابة لمطلب التسليم يتأثر بهذا التصنيف‪ .‬فمن البديهي أن‬

‫يحضى مطلب التسليم من دولة مصنفة باحترامها لحقوق اإلنسان بالقبول او بالجدية في‬

‫النظر في المطلب‪ .‬بالتالي مدى احترام الدول لحقوق اإلنسان يؤثر على مؤسسة تسليم‬

‫‪106‬‬
‫‪.‬‬ ‫المجرمين بصفة عامة‬

‫ضمانات المتهم يمكن ان تشمل الضمانات القانونية المتعلقة بهيأة المحكمة والتي تشمل‬

‫الحق في التقاضي لدى محكمة محايدة ومستقلة وكذلك الحق في التقاضي لدى محكمة‬

‫‪106‬وقع في ‪ 15‬مارس ‪ 2006‬وقع تعويض لجنة حقوق اإلنسان بمجلس حقوق اإلنسان التي تقوم بتقييم و متبعة ما تقوم به الدول من‬
‫انجازات في حقوق اإلنسان ‪ .‬و قد بدا المجلس في تطبيق هذه اآللية خالل سنة ‪ 2008‬من خالل مراقبة وضع حقوق اإلنسان في دول‬
‫العالم ‪ .‬كذلك اعتمدت األمم المتحدة آلية تقديم الشكاوي و العرائض الفردية ‪ .‬ووقع التنصيص على هذا الحق في إطار البرتوكول‬
‫االختياري الملحق بعهد األمم المتحدة للحقوق المدنية والسياسية والذي نص في مادته األولى انه''تقر كل دولة طرف في البروتوكول‬
‫باختصاص اللجنة في استالم و دراسة تبليغات األفراد الخاضعين لواليتها و اللذين يدعون بأنهم ضحايا انتهاكات تلك الدولة الطرف‬
‫ألي من الحقوق المبنية في االتفاقية ''‪ .‬و تضيف المادة الثانية انه '' يجوز لإلفراد الذين يدعون أن أي من حقوقهم المحددة في‬
‫االتفاقية قد جرى انتهاكه واللذين استنفذوا كافة الحلول المحلية المتوافرة أن يتقدموا بتبليغاتهم إلى اللجنة للنظر ''‪.‬‬
‫‪140‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫لتحقيق المحاكمة‬ ‫متخصصة إضافة إلى الضمانات المتعلقة بإجراءات المحاكم ة‪. 107‬‬

‫العادلة القاضي مطالب بالحياد وللحياد بعد ذاتي وبعد موضوعي‪ .‬بالنسبة للبعد الذاتي فهو‬

‫داخلي يتعلق بالتركيبة الذاتية للقاضي وبعد موضوعي يتعلق ببعض التأثيرات الخارجية‬

‫وخاصة المعطيات السياسية واإلجتماعية ‪ .‬فقد نصت على هذا المبدأ اإلتفاقية الدولية‬

‫للحقوق المدنية والسياسية التي تعرضت في المادة ‪ 14‬في فقرتها األولى إلى أن ''جميع‬

‫األشخاص متساوون أمام القضاء ولكل فرد الحق عند النظر في أي تهمة جنائية ضده او‬

‫في حقوقه والتزاماته في غحدى القضايا القانونية في محاكمة عادلة وعلنية بواسطة محكمة‬

‫مختصة ومستقلة وحيادية قائمة إستنادا إلى القانون ''‪.‬‬

‫على الصعيد الداخلي فقد أكد المشرع التونسي ضمن الفصل ‪ 22‬من القانون ‪ 29‬لسنة‬

‫‪ 1967‬المؤرخ في ‪ 14‬جويلية ‪ 1967‬والمنظم لسلك القضاة والذي جاء فيه ''على القضاة‬

‫أن يقضوا بكامل التجرد وبدون إعتبار لألشخاص أو للمصالح '' ‪.‬‬

‫فالحياد مرتبط باالستقاللية فالقاضي الجزائي ال يمكن أن يكون خاضعا إال للنص الجزائي‬

‫وهذا ما نص عليه الفصل ‪ 102‬من الدستور الجديد '' القضاء سلطة مستقلة تضمن إقامة‬

‫العدل‪ ،‬وعلوية الدستور‪ ،‬وسيادة القانون‪ ،‬وحماية الحقوق والحريات '' ‪.‬‬

‫بالنسبة للتعاون القضائي العربي وحقوق اإلنسان فيما يتعلق بتسليم المجرمين في الجرائم‬

‫اإلرهابية‪ ،‬فهي تطرح إشكاال يتعلق بربط مسألة التسليم في الجرائم اإلرهابية بمسألة حقوق‬

‫‪107‬‬
‫سنية الجريدي ‪''،‬الضمانات القانونية للمتهم‪ ''،‬مجلة القضاء و التشريع ‪،‬أكتوبر ‪. 2007‬ص ‪. 145‬‬
‫‪141‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫اإلنسان‪ .‬بحيث في عديد الحاالت قد يتعطل تنفيذ قرار التسليم النتهاك هذا القرار لحقوق‬

‫اإلنسان‪.‬‬

‫منظمة العفو الدولية تدعو إلى تعديل االتفاقية الدولية لمكافحة اإلرهاب في الدول‬

‫العربية‪.‬لضمان تماشيها مع حقوق اإلنسان والقانون الدولي اإلنساني‪ .‬نظ ار لعدم إقرار‬

‫االتفاقية لبعض الحقوق التي من الواجب التنصيص عليها هذا باإلضافة إلى التعريف‬

‫الواسع و الفضفاض لمصطلح '' اإلرهاب '' والذي من الممكن أن يؤدي إلى انتهاكات‬

‫جسيمة لحقوق اإلنسان خاصة أمام عدم تعريف مصطلح '' العنف'' ‪ .108‬كما أنه ال يوضح‬

‫بدقة األفعال التي تعتبر إرهابا وهذا من شأنه أن يجرم بعض األشخاص رغم اللبس الذي‬

‫يعتري الركن المادي للجريمة والذي يؤثر على قيام الجريمة بصفة عامة ‪..‬‬

‫كذلك إ تفاقية العربية لمكافحة اإلرهاب تشكل تهديدا حقيقيا لحقوق اإلنسان بالنسبة إلى‬

‫البعض باعتبار أنها تنص على توسيع نطاق عقوبة اإلعدام وبالتالي يمكن فرض هذه‬

‫العقوبة على أشخاص لم يرتكبوا جريمة إرهابية ‪ .‬اإلتفاقية تلتزم أيضا الصمت إزاء تحديد‬

‫تدابير إعتقال المتهمين ومحاكمتهم وبالتالي في نظر البعض اإلتفاقية ال تكرس ضمانات‬

‫المحاكمة العادلة بالنسبة للمتهمين بارتكاب جرائم '' ارهابية ''‪.‬‬

‫‪ 108‬تعرف االتفاقية اإلرهاب بكونه '' كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه ‪,‬يقع تنفيذا لمشروع إجرامي‬
‫فردي أو جماعي ‪ ,‬و يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس ‪ ,‬أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر ‪،‬أو‬
‫إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو األمالك العامة أو الخاصة ‪،‬أو احتاللها أو االستيالء عليها ‪،‬أو تعريض احد الموارد الوطنية‬
‫للخطر ‪.‬‬
‫‪142‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫السؤال الذي يفرض نفسه هل من الممكن أن تمتنع دولة ما أمام توفر جميع شروط تسليم‬

‫المتهمين بارتكاب جريمة إرهابية واحترام إجراءات التسليم من تسليم هذا المجرم إلى الدولة‬

‫الطالبة بتعلة عدم احترام الحقوق الشرعية للمتهم ؟‬

‫بالرغم من بشاعة الجريمة اإلرهابية وما تشكله من تهديد حقيقي على إستقرار المجتمع‬

‫الدولي برمته إال أن بعض الدول من الممكن ان تتمسك بعدم إحترام حقوق المتهم األساسية‬

‫لترفض تسليم المجرم‪ .‬فمن الممكن أن ترفض دولة ما تسليم المتهم بارتكاب جريمة إرهابية‬

‫إن كانت تخشى تعرض المتهم إلى التعذيب من قبل الدولة الطالبة‪ .‬ويقصد بالتعذيب كل‬

‫فعل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديا كان أو عقليا يلحق عمدا ومن غير بشخص ما‬

‫بقصد الحصول منه أو من غيره على معلومات أو على اعتراف أو معاقبته على فعل‬

‫ارتكبه أو يشتبه في أنه إ رتكبه هو أو غيره أو عندما يقع إلحاق األلم أو العذاب الشديد‬

‫ألي سبب من األسباب يقوم على التمييز ايا كان نوعه‪.109‬‬

‫ففي قضية المحمودي البغدادي أوضحت الحكومة التونسية في تلك الوقت أن قرار التسليم‬

‫إ تخذ بعد االطالع على تقرير اللجنة التونسية التي ذهبت إلى طرابلس للتأكد من مدى توفر‬

‫الشروط القانونية لضمان المحاكمة العادلة له‪ .‬وبعد أن التزمت الحكومة الليبية بضمان‬

‫حمايته من كل إنتهاك مادي أو معنوي أو إتنهاك لحقوق اإلنسان ‪.‬‬

‫‪ 13/88839‬الصادر عن دائرة االتهام بتاريخ ‪ 14‬فيفري ‪2014‬‬ ‫كذلك القرار عدد‬

‫والمتعلق بتسليم المواطن اليبي نبيل بن محمد بن الجيالني اشتيوي الى السلطات القضائية‬

‫‪109‬‬
‫رضا خماخم ‪ ''،‬التوجهات الحديثة للنظام القضائي في تونس ''‪ ،‬منشورات مركز الدراسات القانونية و القضائية ‪.‬ص ‪. 148‬‬
‫‪143‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫اليبية تمسك نائبا المتهم برفض مطلب التسليم المقدم من السلطات الليبية في حق منوبهما‬

‫نظ ار لعدم وجود مؤسسات قضائية يمكن االطمئنان لها باإلضافة الى كون الدولة الليبية‬

‫مازالت تعيش حالة فوضى وحرب وطلبا االفراج عن موكلهم ‪.‬‬

‫و من اهم الق اررات المتعلقة بتسليم المجرمبن القرار السالف الذكر والمتعلق بتسليم المتهم‬

‫ميالد ابو زتاية ابراهيم عبد السالم حيث قضت دائرة االتهام بتسليمه إلى السلطات الليبية‬

‫بناءا على غبداء السلطات القضائية الليبية إستعدادها وتعهدها بتتبع ومحاكمة المطلوب‬

‫تسليمه محاكمة عادلة ونزيهة ومستقلة تتوفر فيها جميع الضمانات مع الحفاظ على حياته‬

‫وسالمته الجسدية والمعنوية ومراعاة ظروفه الصحية وان مطلب التسليم ال صلة له بأي‬

‫غاية سياسية طبق ماجاء بملحوظات النائب العام بليبيا ‪.‬‬

‫إشكالية التسليم تتعلق باآلثار التي تترتب عن إنتهاك قرار التسليم لحقوق المتهم الشرعية ‪.‬‬

‫هل يمكن تطبيق الفصل ‪ 199‬م‪.‬ا‪.‬ج الذي يقضي ببطالن االحكام واألعمال المنافية‬

‫لمصلحة المتهم الشرعية باعتباره حكم تشريعي مطلق يطال كل إجراء يمس بمصلحة المتهم‬

‫‪110‬‬
‫؟‬ ‫الشرعية‬

‫ب‪ -‬تأثر الحكومات بالعوامل الداخلية للدول‪:‬‬

‫بالرغم من ان المساعدة القانونية المتبادلة من أكثر انواع التعاون القضائي الدولي في‬

‫المادة الجزائية التي شهدت تطو ار ونموا في العشريتين االخيرتين لكونها تمكن الدول من‬

‫مالحقة مجرميها‪ .‬لكن بالرغم من ذلك اليزال التعاون القضائي في المادة الجزائية يعاني من‬
‫‪110‬‬
‫فتحي الميموني‪ '' ،‬التكييف في المادة الجزائي ''‪ ،‬المجلة القانونية عدد ‪ 89/88‬افريل ‪. 2010‬ص ‪.22‬‬
‫‪144‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫العديد من اإلشكاليات متصلة غما بالمناخ السياسي أو بتقنيات التعاون نتج عنه تعدد‬

‫طلبات المساعدة القانونية الغير منجزة ‪ .‬فمطلب التسليم كشكل من اشكال المساعدة‬

‫القانونية يتأثر بعوامل خارجية وهي عوامل ال تتعلق بطلب المساعدة القانونية المتبادلة في‬

‫حد ذاته وانما بعوامل اخرى تتمثل في التداخل بين المعطى القانوني والسياسي او ضغط‬

‫الرأي العام في قضايا معينة ‪.‬‬

‫لكن العكس صحيح فالعديد من الدول يمكن ان ال تستجيب إلى طلب التسليم بالرغم من‬

‫توفر جميع شروط التسليم‪ .‬في هذه الحالة من الطبيعي أن يكون لقرار الرفض إنعكاسات‬

‫علة العالقات الديبلوماسية بين الدولة الطالبة والدولة المطلوبة ألن من كل دولة إذا ما‬

‫توفرت شروط التسليم تتبع أي شخص لم يحترم قانونها والتجأ الى حماية دولة اخرى تفصيا‬

‫من العقاب ‪.‬‬

‫هذا ما حصل إ ثر رفض الدولة الجزائرية تسليم عائلة القذافي وما ترتب عنه من توتر في‬

‫العالقات الجزائرية الليبية أدى إلى إتخاذ الدولة الجزائرية لقرار بمنع دخول المواطنين‬

‫الجزائريين إلى حدودها ‪.‬‬

‫اهم مثال يمكن تقديمه عن تأثير قرار رفض التسليم على العالقات الديبلوماسية بين الدول‬

‫هو "قضية لوكربي" والمتمثل في رفض الجماهيرية الليبية تسليم المتهمين في تحطم الطائرة‬

‫االمريكية في الرحلة التابعة لشركة " بانام " فوق سماء لوكربي في ‪ 21‬من سبتمبر ‪1988‬‬

‫‪145‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫‪ .‬والذي اتهمت فيه و ازرة الخارجية الليبية الليبيين وهما من المخابرات الليبية بوضع قنبلة‬

‫بالطائرة أدت الى وفاة ‪ 270‬شخص من دول متفرقة ‪.‬‬

‫بالرغم من أن الدولة الليبية قد إستندت في قرارها بعدم التسليم إلى مسألة أن المتهمين هم‬

‫من مواطنيها إلى أ ن ذلك لم يكن حائال دون تدهور العالقات الدولية ليس فقط بين الدولتين‬

‫وانما أيضا بين المجتمع الدولي‪ .‬ذ صدر قرار عن مجلس األمن في ‪ 31‬مارس ‪1992‬‬

‫بأغلبية ‪ 10‬أصوات وآمتناع ‪ 5‬اصوات عن التسليم ‪ .‬أوجب على الدولة الليبية التسليم‬

‫للمواطنين الليبيين المشتبهين في قضية لوكربي‪ .‬وهذا القرار قرار قد تضمن تهديدا إلى‬

‫الدولة الليبية بفرض عقوبات عليها في صورة عدم التسليم ‪ .‬وهذا ما حصل فقد تم توقيع‬

‫العقوبات في ‪ 15‬أفريل ‪ .1992‬ومن بين هذه العقوبات حضر التجول ومنع تصدير‬

‫األسلحة وتقليص العالقات التجارية والديبلوماسية ‪ .‬ووقع توسيع هذه العقوبات في مرحلة‬

‫الحقة منها حضر البترول الليبي فرض حصار إقتصادي كامل إغالق جميع السفارات‬

‫الليبية مع أوروبا ‪.‬‬

‫وأمام خطورة هذه العقوبات على ليبيا ولوضع حد لهذه األزمة قبلت ليبيا تسليم المتهمين‬

‫بشرط محاكمتهم ببلد محايد و هو هولندا‪ .‬وبعد إدانة المتهمين وتسليط العقاب عليهم‬

‫إلتزمت ليبيا بدفع تعويضات مالية ضخمة إلى عائالت الضحايا ‪.‬‬

‫من أجل التمسك بمبدأ عدم تسليم الدولة لمواطنيها إحتراما و تقيدا بمبدأ االقليمية تعرضت‬

‫الجماهيرية الليبية لحضر عسكري وجوي في أفريل ‪ 1992‬بسبب رفضها تسليم مواطنيها‬

‫‪146‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫المتهمين في قضية اإلعتداء على طائرة البيونغ التابعة لشركة البانام في سماء لوكربي‬

‫والذي خلف ‪ 270‬قتيال سنة ‪. 1988‬‬

‫‪147‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫الخاتمة‬

‫من خالل دراسة النظام القانوني لتسليم المتهمين نلمس أن إرادة المشرع متجهة نحو‬

‫تكريس حماية قانونية لحقوق المتهم الواقع تتبعه من أجل ارتكابه فعال إجراميا معينا‪ .‬دراسة‬

‫إجراءات تسليم المجرمين ومدى تأثير الجريمة السياسية على إجراءات التسليم تطرح العديد‬

‫من اإلشكاليات القانونية التي من الواجب معالجتها بنصوص قانونية واضحة ودقيقة‪.‬‬

‫من ناحية تأثير العوامل السياسية على إجراءات التسليم فإنها تؤثر على دور دائرة اإلتهام‬

‫سواءا في المرحلة السابقة لقرار التسليم أو عند إتخاذ القرار بالتسليم‪ .‬فالطبيعة القانونية‬

‫للتسليم هي التي تحدد طبيعة القرار الصادر عن دائرة اإلتهام ‪ .‬ففي األنظمة األخرى والذي‬

‫تتمتع السلطة القضائية بكامل‬ ‫يكون فيها قرار التسليم صاد ار عن السلطة القضائية‬

‫صالحياتها كهيأة حكمية فيكون دورها في نظام التسليم تقريريا وليس فقط استشاري‪ .‬بالنسبة‬

‫إلى التسليم اإلداري والمختلط نلمس محدودية دور دائرة اإلتهام يكون على عديد‬

‫المستويات‪ .‬محدودية في النظر في مطالب التسليم‪ ،‬محدودية في إصدار ق اررات اإليقاف‬

‫التحفظي ومحدودية في اصدار ق اررات اإلفراج المؤقت‪.‬‬

‫من ناحية أخرى التمسك المفرط بحقوق االنسان والمتعلق برفض التسليم في الحالة التي من‬

‫الممكن تنفيذ عقوبة اإلعدام على المطلوب تسليمه أو إمكانية تعرضه للتعذيب أو إنعدام‬

‫ضمانات المحاكمة العادلة أو إنعدام ضمانات حرية التعبير وضمان الحق في الدفاع قد‬

‫يؤدي إلى عدم تنفيذ العقاب على المجرم اإلرهابي وعدم تسليمه إلى الدولة الطالبة بالرغم‬

‫‪148‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫من خطورة هذه الجريمة‪ ،‬وذلك بتعلة أن إعادة المتهم إلى الدولة الطالبة سيواجه فيها‬

‫إنتهاكات خطيرة لحقوق االنسان منها التعرض للتعذيب أو اإلعدام وتكون الدول ملزمة‬

‫بموجب معاهدة حقوق اإلنسان بعدم التسليم ‪.‬‬

‫ونظ ار للخلط الحاصل بين الجريمة السياسية وغيرها من الجرائم األخرى التي تشكل خطورة‬

‫واستقرار المجتمعات فإنه من أوكد الحاجيات أن يتدخل المشرع‬ ‫على األمن القومي‬

‫بتعريف دقيق للجريمة السياسية ليرفع عنها اللبس والغموض ‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫الخاتمة‬

‫الهدف األساسي الذي يرمي إليه كل مجتمع من تتبع ومالحقة مرتكبي الجرائم هو ضمان‬

‫الحماية الكافية للمواطن وحماية األمن العام‪ .‬لكن من ناحية أخرى إعتبار تتبع المتهيمن‬

‫مسأ لة وطنية تطبيقا لمبدأ السيادة ليس ممكنا‪ ،‬وذلك نظ ار لعدة إعتبارات نذكر منها تطور‬

‫الجريمة وتعدد أط ارفها وتنوع طرق وآليات تنفيذها وتعدد أماكن إرتكابها‪.‬‬

‫وبما أن القانون الجزائي هو القانون الرادع للجريمة وال يمكن لهذا الردع أن يتحقق إال‬

‫بالقبض على المجرم وتقديمه للمحاكمة‪ .‬فإنه كل دولة من مصلحتها التصدي لإلجرام‬

‫والمجرمين من هذا المنطلق برزت فكرة عالمية العقاب‪ ،111‬التي تعتبر العقاب واجب دولي‬

‫تقوم به كل دولة يوجد المجرم فوق إقليمها وتسلمه إلى الدولة التي تطلب محاكمته‪.‬‬

‫لكن هذا الواجب قد يصطدم بمبدأ آخر المتعلق بسيادة الدولة وهذا ما أسس لنظام قانوني‬

‫تحكمه ضوابط قانونية ويخضع إلى شروط واجراءات جزائية لتسليم المتهمين ‪ .‬التمسك‬

‫بمبدأ السيادة كأساس للتعاون الدولي يؤدي إلى عجز في مكافحة الجريمة‪ ،‬واختالف‬

‫األنظمة القانونية من الممكن أن تستغله المجموعات اإلجرامية لنفاذ من العقاب‪ .‬بالتالي‬

‫النظام القانوني للتسليم يجيب أن يوفق بين مصلحة العدالة والحقوق المشروعة للمتهم‪.‬‬

‫كذلك التسليم من المسائل القانونية التي تثير كما رأينا العديد من اإلشكاليات القانونية‬

‫والسبب في ذلك عدم وجود إلتزام من قبل الدول يلزمهم على تسليم بعض المجرمين أو‬

‫المتهمين‪ .‬خاصة أن اإلشكال التي تطرحه مسألة تسليم المتهمين يتعلق بصعوبة التمييز‬

‫‪ 111‬مجلة القضاء و التشريع ‪ ,2004,‬ص ‪ .41‬الحبيب الغرياني " تسليم المجرمين و التعاون القضائب العمل باالتفاقيات" ‪,‬‬
‫‪150‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫بين الجريمة اإلرهابية والجريمة السياسية‪ .‬باعتبار أن بعض الجرائم التي تعد جرائم إرهابية‬

‫بامتياز يقع تكييفها بالجرائم السياسية لكي يتمتع مرتكبها بالحصانة من التسليم ‪ .‬هذه‬

‫المسألة تشكل خطورة على إستقرار المجتمع الدولي الذي بالرغم من وعيه التام بمخاطر‬

‫اإلرهاب لم يتوصل إلى حد اليوم إلى إرساء ثقافة دولية تعمل على دعم المجهود الدولي‬

‫لمالحقة المجرمين اإلرهابيين ‪ .‬فقد وصل األمر إلى اعتبار بعض الجرائم اإلرهابية جرائم‬

‫سياسية وذلك تحقيقا لمصالحها الشخصية‪ .‬كما أن العديد من الدول الراعية لإلرهاب‬

‫تمارس حروبها تحت غطاء سياسي عنوانه مكافحة اإلرهاب العالمي‪ .‬بالتالي الخلط بين‬

‫الجريمة السياسية واإلرهابية يؤثر مما شك فيه على مؤسسة التسليم باعتبار أن تكييف‬

‫الجريمة اإلرهابية بالجريمة السياسية من شأنه أن يمنع تسليم مرتكب الجرائم االرهابية وتنفيذ‬

‫العقاب عليه ‪.‬‬

‫أيضا من التدابير التي يجيب إتخاذها للحد من الجرائم ودعم التعاون لمكافحتها هو اإللمام‬

‫بالتدابير الوقائية طبق المعايير الدولية‪ ،‬وذلك للحد من انتشار الجرائم وكذلك اإللمام بآليات‬

‫التعاون على المستوى الدولي ال سيما المتعلقة منها بالتعاون القانوني والقضائي (اإلنابات‬

‫وتسليم المجرمين ) وذلك للتصدي للطابع العابر للحدود الوطنية للجريمة‬ ‫القضائية‬

‫كجريمة اإلتجار باألشخاص ‪.‬‬

‫أيضا من خالل دراسة تأثير العوامل السياسية على نظام التسليم نالحظ أن اإلعتبارات‬

‫السياسية والعالقات بين الدول تِؤثر ليس فقط على طبيعة التسليم وانما أيضا على دور‬

‫‪151‬‬
‫تسليم المجرمين بين المقتضيات القانونية واإلعتبارات السياسية‬

‫دائرة اإلتهام‪ .‬فتضفي بذلك على مؤسسة التسليم جانبا سياسيا‪ ،‬هذا اإلعتبار السياسي‬

‫الناشئ على العالقات الخارجية الدولية يعبر على الطبيعة الدولية إلجراء التسليم‪.‬‬

‫المسألة المهمة أيضا في هذا الموضوع هو أن الكثير من الدول تربط مسألة التسليم‬

‫بحقوق اإلنسان وتتمسك بها‪ .‬وبما أن التسليم هو شكل من أشكال التعاون القضائي الدولي‬

‫وأهم وسيلة للتطبيق الغير مباشر للقانون الدولي فهذه المسألة تفترض توحيد القوانين التي‬

‫تنظم مسألة تسليم المجرمين‪.‬‬

‫في الختام إن نظام التسليم يجيب أن يحقق الموازنة بين التسليم كوسيلة تردع الجريمة‬

‫والتسليم كضمانة للمطلوب تسليمه تحفظ حقوقه األساسية التي تكفلها المواثيق الدولية مع‬

‫السعي في نفس الوقت إلى الحد من الصعوبات اإلجرائية التي تواجه عملية التسليم ‪.‬‬

‫‪152‬‬

You might also like