علوي بن طاهر الحداد وإنكاره الخرافات التي كانت جارية في بعض مناطق حضرموت في عصره

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 4

‫السيد العالمة علوي بن طاهر الحداد‪( 1‬ت ‪1382‬هـ)‪ ،‬وإنكاره الخرافات التي كانت جارية في بعض وديان ومناطق‬

‫حضرموت في عصره‬

‫غلب على أذهان بعض الناس‪ ،‬أن علماء حضرموت‪ ،‬ممن يسمونهم (التقليديين)‪ ،‬أو شيوخ الحلقات‪ ،‬أو أن السادة العلويين‬
‫بالخصوص ومن في محيطهم‪ ،‬لم يكن لهم إنكار أو احتساب في نصح العوام المرتكبين للطوام‪ ،‬وأنهم جميعا ً بال استثناء‬
‫كانت تروق لهم األفعال الجاهلية التي يقوم بها البادية عند بعض قبور المشهورين بالوالية والصالح‪ .‬وهذا ظن خاطئ‪.‬‬
‫وإنما سبب انتشار هذا الظن‪ ،‬أو هذا التصور‪ ،‬أن من كتب عن المصلحين والمنكرين‪ ،‬ال يذكر إال علماء من غير العلويين‪،‬‬
‫كالشيخ باصبرين‪ ،‬أو الشيخ البيحاني‪ ،‬مع أن هذين الشيخين الجليلين إنما تخرجا على شيوخ عصرهما‪ ،‬وأكابر شيوخهما‬
‫هم من السادة العلويين‪ ،‬أيعقل أن يتخرج عالم فذ على شيخ ذو نهج مختلف؟‬
‫ألم يطنب الشيخ البيحاني في مدح شيخه العالمة عبدهللا الشاطري‪ ،‬وما رثائيته الحزينة فيه إال مثال صادق على حسن أدبه‬
‫مع شيخه ومربيه ومعلمه‪..‬‬
‫وقد يكون سبب التركيز على تلك الشخصيات بالتحديد‪ ،‬وجود مؤلفات مفردة لهم في هذه المواضيع‪ ،‬ولكن ‪ ..‬عدم وجود‬
‫كتابات لعلماء تريم وغيرها في هذه األمور ال يعني أنهم لم يكونوا يحتسبون في إنكار المنكر‪..‬‬
‫ولنأخذ مثاال صريحا‪ ،‬فالعالمة الجليل‪ ،‬السيد المتبحر في العلوم‪ ،‬علوي بن طاهر الحداد‪ ،‬كتب الكثير من التنبيهات المهمة‬
‫على تلك المنكرات‪ ،‬في كتابه التاريخي الشهير (الشامل في تاريخ حضرموت ومخاليفها)‪..‬‬
‫فيبدو أن الباحثين ومن كتب في موضوع اإلصالح الديني‪ ،‬ومن يحلو لهم أن يطلقوا مصطلح (القبورية)‪ ،‬لم يقفوا على ذلك‬
‫الكالم الرائق المهم‪ ،‬لهذا العلم الجليل ‪ ..‬فنجدهم ال يذكرونه في أبحاثهم‪ ،‬وكتاب (القبورية) للشيخ أحمد المعلم مثال لذلك‪.‬‬
‫فإنه لم يشر من قريب وال من بعيد الى جهود السيد الحداد في محاربة الخرافات في حضرموت‪..‬‬

‫وإليكم هذه النقوالت المهمة من كتاب (الشامل) ‪ ..‬تأملوها جيدا ‪ ..‬وسوف أنشرها تباعا ً ‪ ..‬وهي من ترجمة أعددتها للسيد‬
‫اإلمام المذكور‪ ،‬في مقدمة (الشامل) ‪ ..‬أرى أن الواجب والحال يقضي بسرعة نشرها والداللة عليها‪.‬‬

‫كتب‪ /‬د‪.‬محمد بن أبوبكر باذيب‬

‫ً‬
‫مشتغال بالعلم والتأليف ونظم الشعر‪.‬‬ ‫‪ 1‬علوي بن طاهر بن عبد هللا الحداد (‪ 1382 - 1301‬هـ)‪ :‬مفتي ومؤرخ وعالم لغوي ‪،‬كان‬
‫هاجر إلى جزيرة جاوة وزار سنغافورة ودعا فيهما إلى هللا‪ ،‬وكان من أعضاء جمعية خير في بناء المدارس بإندونيسيا‪ ،‬وأحد‬
‫الشركاء المؤسسين للرابطة العلوية بها‪ .‬ثم سافر إلى ماليزيا وتولى وظيفة اإلفتاء في سلطنة جوهور وتوفي فيها‪.‬‬
‫آراؤه الدينية‪:‬‬
‫كأي مؤرخ ناقد بصير‪ ،‬وعالم فقيه متشرع‪ ،‬لم يدع المؤلف العالمة رحمه هللا‪ ،‬أي مناسبة تواتيه ليعلق على بعض العادات‬
‫الدينية التي كان لها انتشار ووجود في المنطقة التي يؤرخ لها‪ ،‬إال وعلق عليها بما يناسبها‪ ،‬مدحا ً أو قدحا ً‪.‬‬
‫‪ ‬فنجده يشدد النكير على بعض عادات البدو‪ ،‬مما ال يوافق الشرع‪ .‬مثل عادة عقد النسب‪ ،‬التي كان يفعلها بعض القبائل‪ ،‬فقال‬
‫عنها‪« :‬هذه العادة موجودة في وادي حبان وأحور وما واالهما‪ ،‬فيأتي من كان اسم ابنه (سعيد)‪ ،‬مثالً‪ ،‬إلى قبيلي آخر‪،‬‬
‫(القبيلي‪ :‬هو أحد أفراد القبيلة ذات العصبية والسالح)‪ ،‬عنده ابن اسمه (سعيد) أيضاً‪ ،‬ويقول له‪ :‬إني جئت مناسبا ً لك‪ ،‬ونريد‬
‫عقد النسب بيننا على َولدي وولدك‪ ،‬اللذين يس ّمى كل منها بسعيد‪ ،‬ويلزم هذا أن يقبل هذا العرض والطلب‪ ،‬وأن يعقد بينه‬
‫بعض الوالة ونحوهم على‬‫ُ‬ ‫وبين الطالب عقد النسب‪ ،‬ويلزمه حينئذ القتا ُل معه‪ ،‬والدخول معه في الحرب والسلم‪ .‬وقد َ‬
‫لعب‬
‫ت لنا عن ذلك حكايات مؤلمة‪ ،‬وال توجد هذه العادة عند قبائل‬ ‫ناس من الرعايا بهذه العادة‪ ،‬فاستهلكوا أموالهم‪ ،‬وحك َي ْ‬
‫حضرموت»‬
‫‪ ‬كالمه عن نصب المشاهد في مواضع ليست هي بالمقابر‪ ،‬وإنما هي أعالم يطلق عليها اسم شخص مدفون في موضع بعيد‬
‫عنها‪ ،‬ليتذكروه ويترحموا عليه‪ .‬فقال عند سياق تاريخ قرية الباقحوم‪« :‬وقرية الباقُ ُحوم؛ فيها الباقحوم‪ ،‬وعندها علَ ٌم مشيد‬
‫بالنّورة‪ ،‬وهم يسمونه‪ :‬مشهد الحبيب عبدهللا الهدار‪ .‬والمراد به‪ :‬جدّي ‪ ،..‬وكان في بدايته‪ ،‬بل وفي نهايته‪ ،‬يتردد إلى األودية‬
‫مر بقريتهم‪ ،‬وقد ينزل عندهم‪ .‬فلما توفي أقاموا‬ ‫الخالية والشعاب‪ ،‬للخلوة والتفرغ للعبادة والذكر‪ .‬فكان إذا أص َعد إلى الشعب َّ‬
‫له ذلك العلَم ليتذكروه فيقرؤوا له الفاتحة‪.‬‬
‫ولم أر من تكلَّم على حكم مث ِل هذه األعالم من فقهاء الشافعي ِة‪ ،‬ومن المقطوع به‪ :‬أنه إن ترت َّ َ‬
‫ب عليها ما يخ ُّل باإليمان‪ ،‬من‬
‫ب نفسه من أراد أن يجد لها أصالً من كتا ٍّ‬
‫ب أو‬ ‫ضر‪ ،‬أو نفعٍّ‪ ،‬لغير هللا تعالى‪ ،‬فال َّ‬
‫شك في حرمة إقامتها‪ .‬وسوف يت ِع ُ‬ ‫اعتقاد ٍّ ّ‬
‫سنةٍّ‪ ،‬أو يجعلَها من قسم البدع المطلوبة»‬
‫ما أشد ثباته رحمه هللا في هذا الموضع‪ ،‬حيث لم تأخذه العاطفة‪ ،‬ولم يجامل أو يحاب‪ ،‬أو يتكلف أن يأتي بدليل للمشهد الذي‬
‫أقيم لجده‪ ،‬أبي أبيه‪ ،‬وهذا دليل على عظم تدينه‪ ،‬ووقوفه عند الحدود الشرعية‪ ،‬وعدم خلطه العاطفة بالدين‪.‬‬

‫‪ ‬كالمه عن قبور األنبياء في حضرموت؛ قال في سياق حديثه عن وادي النبي‪ ،‬الواقع في دوعن‪« :‬وهناك صورة ٍّ‬
‫قبر‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫نظيرها في البالد اإلسالمي ِة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫إنه قبر نبي‪ .‬وهذه المواض ُع كالتي بوادي فَيْل‪ ،‬وفي ناحية بَ ْور‪ ،‬وفي وادي ع ْسنَب‪ ،‬يوجد‬
‫العلماء ينكر صحةَ‬
‫ِ‬ ‫أحاديث مرويةٌ في ذلك‪ ،‬وال أخبار صحيحة‪ ،‬وأكثر‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫وأكثرها في الشام‪ .‬وال توجد‬
‫ُ‬ ‫كالمغرب‪ ،‬ومصر‪،‬‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وقد ذكر السيد الشريف‪ ،‬يوسف بن عابد الحسني‪ ،‬في «رحلته»‪ :‬أنه وص َل في طريقه إلى قري ٍّة فيها شباكٌ من حديد‪ ،‬وقال‬
‫ولربّما قالوا‪ :‬هذا قبر النبي خالد بن سنان‪ ،‬الذي بعث لقومه بعد عيسى ابن مريم‪ ،‬على نبينا‬ ‫أه ُل هذه القرية‪ :‬هذا ٌ‬
‫قبر قديم‪ُ ،‬‬
‫العلم‬
‫َ‬ ‫وعليهم الصالة والسالم‪ .‬ووقعت فيه مراجعة بيني وبين علماء المكان‪ ،‬إلى أن قلتُ لهم‪ :‬إنني سمعتُ ممن أخ ْذنا عنهم‬
‫قبورهم غير ظاهرةِ األثر‪ ،‬إال قبر نبينا محمد عليه الصالة والسالم»‪ ،‬إلى آخر ما‬‫ُ‬ ‫في مدينة فاس‪ :‬أن األنبياء عليهم السالم‬
‫ذكره‪ ،‬وللحفاظ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬والسيوطي‪ ،‬وابن تيمية‪ ،‬في هذه المسألة كال ٌم مشهور»‬
‫‪ ‬إنكاره الحلف بغير هللا وخطره على العقيدة‪ .‬قال في سياق تاريخ صيف‪« :‬وفي إحدى ت ُ َربها‪ :‬الشيخ أحمد باعثمان العمودي‪،‬‬
‫ٌ‬
‫يمين‪،‬‬ ‫بحكم فيه‬
‫ٍّ‬ ‫مت لهم طواغيتهم‬ ‫ال نعلم له ترجمةً‪ ،‬ولكن أهل قيدون وصيف وما واالهما‪ ،‬يح ِلفُون على قبره‪ ،‬وإذا ح َك ْ‬
‫قبره‪ ،‬وصيغتها عندهم هكذا‪ :‬وهللا‪ ،‬وهذا ولي هللا‪ .‬والحلف بغير هللا حرام‪ ،‬فإن قص َد تعظيمه‬
‫ظها‪ ،‬جعلوها على ِ‬ ‫وأرادوا تغلي َ‬
‫ع‬
‫يسر ُ‬
‫الحلف به وعلى قبره ِ‬
‫َ‬ ‫كتعظيم هللا كان كفرا ً بَواحاً‪ ،‬كما هو معلو ٌم حتى للمبتدئين في طلب العلم‪ ،‬وهم يعتقدون‪ :‬أن‬
‫ِ‬
‫الحلف بغَيره من الصالحين‪ .‬ومنهم‪ :‬من لو طلبتَ منه يمينا ً باهلل‪ ،‬ألعطاك ما شئْتَ من‬
‫ِ‬ ‫بهالك الكاذب‪ .‬وكذلك عقيدتهم في‬
‫يخاف أن ينتقم منه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫بيمين على هذا القبر‪ ،‬المتنع‪ ،‬ألنه‬
‫ٍّ‬ ‫وس‪ ،‬تغمسه في نار جهنم‪ ،‬وال تهتز له شعرةٌ‪ .‬ولو طالبت َه‬ ‫يمين غ ُم ٍّ‬
‫ٍّ‬
‫مجاز‪ ،‬وال تأويل»‬
‫ٍّ‬ ‫وال‬ ‫ٍّ‪،‬‬
‫ة‬ ‫موارب‬ ‫غير‬ ‫من‬ ‫بهذا‪،‬‬ ‫ون‬ ‫ح‬ ‫يصر‬
‫ّ‬ ‫وهم‬

‫‪ ‬كالمه عن تأثير الخرافة على الناس‪ ،‬قال في سياق تاريخ قيدون‪« :‬وما ذكرتُه من جريان األمر على الموافقة واالجتماعِ‬
‫من أهل البلد‪ ،‬لم يكن مانعا ً من حصول التهويش من كثير منهم باألذى بالكالم‪ .‬فمنهم من يقولُ‪ :‬هذا أ ٌ‬
‫مر لن يت َّم‪ ،‬واحلقوا‬
‫الماء‪ ،‬ولهم بذلك ثوابٌ ‪ ،‬واآلن سينقطع!‪ .‬وقال آخر‪ ،‬وكان‬ ‫ِ‬ ‫لحيتي هذه إن ت َّم‪ ... .‬وقال اآلخر‪ :‬إن الناس يتعبون على تحصيل‬
‫فابقروا بطني‪ ،‬وخذوا شحمها فاذهبوا به العَتْم‪ ،‬أي مجرى الماء ‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫كالجرة العظيمة‪ :‬إن صل َح هذا‬
‫ّ‬ ‫سمينا ً عظيم البطن‪،‬‬
‫ضهم بتولي ِكبْر األمر وتكثيره‪ ،‬وتوشيته وتكريره‪ ،‬فكان الذ ّم والنكير ِه ِ ّجيراهُ أينما ح ّل‪ ،‬وحيثما ارتحل‪ ،‬يقسم باهلل‬
‫ش ِهر بع ُ‬‫و ُ‬
‫قائال‪ :‬إن الشيخ سعيد ال يريدُه‪ ،‬وال‬‫األمر لن يكون‪ ،‬ولن يت ّم‪ .‬متألّيا ً على هللا‪ ،‬ومتجرئا على غيبه‪ً .‬‬ ‫َ‬ ‫ج ْه َد يمينه‪ :‬إن هذا‬
‫ي‪ ،‬الصال َح المشهور المقبور بقيدون‪ .‬وهذا‬ ‫الصالحون‪ ،‬فلن يكون أبداً‪ .‬ويعني بالشيخ سعيد‪ :‬الشي َخ سعيد بن عيسى العمود َّ‬
‫الكالم عظي ُم الخطر‪ ،‬إذا صدَّقه أهل ذلك المحل‪ ،‬فإنه يدعو إلى إسرا ِعهم فيما يدَّعون إليه من اإلضرار واألذى»‬

‫‪ ‬إنكاره أحوال الجبت والطاغوت الواقع على العامة من المتسلطين‪ ،‬قال بعد أن نقل كالما ً شديد التأثير عن مؤرخ حبان السيد‬
‫سالم المحضار‪ « :‬وما ذكره هنا‪ ،‬يوجد ما يقاربه في الجهات الحضرمية األخرى‪ ،‬على اختالف في عوائدهم الجبتية‪،‬‬
‫وأحوالهم الطاغوتية الجاهلية‪﴿ ،‬وإن كثيرا ً من الناس لفاسقون﴾‪﴿ ،‬أفَح ْك َم الجاهلية يبغون * ومن أحسن من هللا حكما لقوم‬
‫يوقنون﴾»‬

‫‪ ‬إنكاره االختالط في الزيارات العامة‪ ،‬منها ما شرحه وفصله حول ما يجري في زيارة الشيخ سعيد بن عيسى العمودي‬
‫فيصلُون قبة الشيخ سعيد‪،‬‬ ‫السنوية في (قيدون)‪ ،‬فقال‪« :‬ويدخل العبيد ضحْ وة َ يوم الجمعة في زفّتهم‪ ،‬وقد أحاط بهم الغوغا ُء‪ِ ،‬‬
‫وضربهم التوابيتَ ‪ ،‬فال‬
‫ْ‬ ‫واإلمام يخطب‪ ،‬فتمتلئ جوانب المسجد بضجيجِ مزاميرهم‪ ،‬ون ْف ِرهم وطبولهم‪ ،‬ولغ َِطهم بر َ‬
‫طانتهم‪،‬‬
‫زحام‪ ،‬يتضاغطون‪ ،‬يموج‬ ‫ٍّ‬ ‫اإلمام‪ ،‬إال َمن دنا‪ .‬وتمتلئ شوارع السوق بالنساء والرجال‪ ،‬في‬ ‫ِ‬ ‫ب‪ ،‬وال قراءة َ‬‫يسم ُع خطبةَ الخطي ِ‬
‫وبرقُع‪،‬‬
‫أمور ين َدى لها الجبين‪ ،‬وتضحك لها الشياطين‪ .‬والنسا ُء مزيناتٌ ‪ ،‬يستترون بشقّة ْ‬ ‫ٌ‬ ‫بعض‪ ،‬ويصدر عن ذلك‬ ‫ٍّ‬ ‫بعضهم في‬
‫ّ‬
‫ورهن‪،‬‬ ‫ّ‬
‫أعناقهن‪ ،‬ون ُح‬ ‫ّ‬
‫منهن‪ ،‬وهن األكثر‪ ،‬من‬ ‫الخناجر‪ ،‬ويظ ِهر المتبرجاتُ‬
‫ِ‬ ‫س ّل‬
‫وتر َمى منها النصا ُل وت َ‬
‫تبدو منه الم َحاجر‪ْ ،‬‬
‫لهن‪ ،‬ويقع مع شدة الزحام‪ ،‬وتضاغط األجسام‪ ،‬ما‬ ‫ق ّ‬ ‫قهن‪ ،‬ما يستجلبْنَ به نظر الرجال إليه ّن‪ ،‬وتتبع الفسا ِ‬ ‫وأذرعتهن‪ ،‬وأس ُْو ّ‬
‫ال يعبَّر عنه‪.‬‬
‫حدث منذ سبعين سنةً‪ ،‬أو نحوها‪ .‬وما كان النسا ُء يأتينَ لهذه الزيارة‪ ،‬وال‬ ‫َ‬ ‫ب هللا على فاعله‪ ،‬إنما‬‫ض ُ‬
‫وهذا المنكر الذي يغ َ‬
‫ض من بعضهم‪ ،‬وكاد األمر‬ ‫ور َ‬‫يخرجْ نَ إلى األسواق بهذه الصفة‪ .‬وقد قام في منعه شي ُخنا الحبيب الطاهر بن عمر الحداد‪ ،‬فعُ ِ‬
‫يفضي إلى تعب شديدٍّ‪ .‬وذوو العقائ ِد الزائغة من الجهالء والحمقَى‪ ،‬يعتقدون أن بحْ َر الشيخ سعيد ِ‬
‫يحم ُل إثمهم‪ ،‬ويسكتُ لهم‬
‫ض من الدنيا قليل‪ .‬ويسعى في بقاء الحا ِل على ما هو عليه‪ :‬من اجتمع له‬ ‫على ذلك‪ ،‬موهما ً لهم صحت َه‪ :‬من يبي ُع دينه َ‬
‫بعر ٍّ‬
‫الجاهُ ونفوذ الكلمة‪ ،‬والجهل والبع ُد عن الدين‪ ،‬والجفاء عن اإلسالم‪.‬‬
‫حرم هللا‪ .‬ومن صدَّق قول هللا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫‪...‬وعندهم‪ :‬أن بحره ينس ُخ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ويمحو حكم القرآن‪ ،‬ويرد َ‬
‫نهي هللا‪ ،‬ويحل ما‬
‫ق هنالكَ ‪ ،‬فهو زائغ العقيدة‪ .‬فهل سمعْتَ بجه ٍّل‬ ‫الزنا والفس ِ‬‫حرمة ّ‬ ‫ورسوله صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬وكتا َبه العزيزَ ‪ ،‬في ْ‬
‫العرب قبل اإلسالم إال دونَ هذه الجاهلية!‪ .‬ألن أولئك لم يكن‬ ‫ُ‬ ‫ظ من هذا الجهل؟‪ .‬وهل كانت الجاهلية التي كان عليها‬ ‫أغل َ‬
‫سل‪ ،‬بخالف هؤالء‪ .‬وليعلم ك ُّل من وقف على كتابنا هذا‪:‬‬ ‫قرآن يتلى‪ ،‬وإنما كانوا في فترةٍّ من الر ُ‬ ‫ٌ‬ ‫عندهم ٌ‬
‫دين محفوظ‪ ،‬وال‬
‫الذنوب‬
‫َ‬ ‫ت منه كثيرةٍّ‪ ،‬وقد أخبرنا هللا فيه‪ :‬أنه ال يغ ِف ُر أح ٌد‬ ‫ب بآيا ٍّ‬‫أن من كذب بحرف واح ٍّد من القرآن كفَر‪ ،‬فكيف بمن يكذّ ُ‬ ‫ّ‬
‫إال هللا تعالى‪﴿ :‬ومن يغفر الذنوب إال هللا﴾»‬
‫‪ ‬إنكاره ما يجري من الذبح عند القبور تقربا ً إلى األموات مع االستغاثة بهم‪ ،‬قال رحمه هللا في سياق تاريخ قيدون‪ ...« :‬تأتي‬
‫يصلُون إلى رأس الجبل‬ ‫ْث لبالدها‪ .‬والعادة‪ :‬أنهم [‪ِ ]214/‬‬ ‫هذه القبائل يتلو بعضها بعضاً‪ ،‬زائرة ً للشيخ سعيد‪ ،‬تطلب الغي َ‬
‫المشرف على قيدون‪ ،‬عشية الخميس‪ ،‬فإذا أشرفوا عليها هلَّلُوا‪ ،‬يقولون‪ :‬ع ُموم! ع ُموم! يا شيخ سعيد! يا شيخ سعيد! ثم‬ ‫ِ‬
‫الر َجز‪ .‬وسمعتُ‬ ‫ً‬
‫محركة‪َّ :‬‬‫ّ‬ ‫َّ‬
‫ينزلون العقبة يز ِ ّملون‪ ،‬بالزاي المعجمة‪ ،‬أي‪ :‬يرتجزون‪ .‬قال في ‪«-‬شرح القاموس»‪« :‬والز َمل‪،‬‬‫َ‬
‫يصفُون فيها‬
‫أشطر رصينة‪ِ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫والزامل‪ .‬ولهم في زَ ملهم‬
‫ِ‬ ‫ثقيفا ً و ُه َذيالً يتزاملون‪ ،‬أي يتراجزون»‪ ،‬اهـ‪ .‬ويقال له‪َّ :‬‬
‫الز ْمل‪،‬‬
‫وعار عليكَ إذا رجعنا بال‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫والغيث‪ ،‬فبالدُهم م ْسنِتة‪،‬‬ ‫شقّتهم‪ ،‬وأنهم جاءوا إليك أيها الشي ُخ سعيد يبتغون السي َل‬
‫سيرهم‪ ،‬وبُعد ُ‬
‫تدور حول هذا المعنى‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وأشعارهم‬
‫ُ‬ ‫كرامةٍّ‪.‬‬
‫شاعر ينظم لها الزوامل‪ ،‬فيذهبون إلى ضريح الشيخ سعيد‪ ،‬ويدورون بتابوتِه‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وكل طائف ٍّة منهم تحرص على أن يكون معها‬
‫صمار‪ ،‬فيصبّونها على‬ ‫ص ْمرة‪ ،‬واحدها‪ُ :‬‬‫السمن‪ ،‬ويس ّمونها‪ُ :‬‬
‫ْ‬ ‫وبما عنده من التوابيت‪ ،‬وهم يز ّملون‪ .‬ومنهم من يأتي بآنية‬
‫ب‪ ،‬فإنهم‬ ‫غنم‪ ،‬أو نقدٍّ‪ ،‬أو حبو ٍّ‬
‫يثب أحدُهم إلى أعاله‪ ،‬ليتمكن من صبّه‪ .‬وأما ما يأتون به من النذور‪ ،‬من ٍّ‬ ‫التابوت‪ .‬وقد ُ‬
‫ويذهب منهم رسلٌ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يسلمونها للخطيب‪ ،‬أي القائم من قبيلة آل باراسين‪ ،‬وهم خطبا ُء مسج ِد الجامع‪ ،‬وإليهم تساق النذور‪.‬‬
‫ضوا الزيارة‪،‬‬ ‫شور‪ ،‬أي الزكاة‪ ،‬وما لديهم من نذور‪ ،‬فإذا ق َ‬ ‫يبعثهم القائم المذكور إلى البوادي‪ ،‬فيجمعون له حصةً من العَ ُ‬
‫ع ُموم! ع ُموم! يا شيخ سعيد!‪ .‬وال يزالون‬ ‫دخلوا إلى المسجد‪ ،‬وهم يز ّملون‪ ،‬وطلعوا منارته‪ ،‬فإذا علَوها‪ ،‬صا ُحوا بقولهم‪َ :‬‬
‫والخطيب القائ ُم‬
‫ُ‬ ‫على هذا ال ّد ْي َدن طو َل ليلة الجمع ِة ويومها‪ ،‬قلما يرقُدون أو يستريحون‪ ،‬ويعودون إلى بالدِهم يوم السبت‪،‬‬
‫المذكور‪ ،‬يضيّفُهم ليلةَ ُ‬
‫ورودهم‪.‬‬
‫ت لهم سنين ولم يغاثوا‪ ،‬أو تو ّهموا أن الشيخ سعيد عاتبٌ عليهم‪ ،‬فإنهم يأتون بعقيرةٍّ‪ .‬والمراد بها‪ :‬بقرة‪ ،‬أو جمل‪.‬‬ ‫مر ْ‬
‫وإذا ّ‬
‫الموصل إلى ضريح الشيخ‪ ،‬عقروها‪ ،‬ونحروها‪ ،‬وهم يصي ُحون باسم‬ ‫ِ‬ ‫يأتون بها يزفّونها بزاملهم‪ ،‬حتى إذا و َ‬
‫صلوا إلى الباب‬
‫نطلب بحْ رك‪ .‬وبحْ َرك‪ ،‬معناه‬ ‫ُ‬ ‫الشيخ سعيد‪ ،‬قائلين‪ :‬يا شيخ سعيد! بَحْ َرك! مع نحْ ِرها أو ذبحها‪ .‬ويعنون بقولهم‪ :‬بحْ َرك!‬
‫فيجرونها‬ ‫ُّ‬ ‫ي بأكلها‪،‬‬ ‫ض ِر َ‬ ‫فيتكالب عليها من َ‬
‫ُ‬ ‫التصرف‪ ،‬والتأثير‪ ،‬والكرامات‪ .‬ثم يتركونها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والبرهان‪ :‬هو‬ ‫عندهم‪ :‬بحْ ُر برهانِه‪،‬‬
‫وهرير‪ ،‬ثم‬
‫ٍّ‬ ‫إلى بعض الدور‪ ،‬ويوصدون الباب‪ ،‬ثم يعملون فيها ِشفَارهم بسرعةٍّ‪ ،‬يبادر بعضهم بعضاً‪ ،‬مع ض ّج ٍّة وتهدي ٍّد‬
‫لبعض‬
‫ِ‬ ‫والنصيب األكبر‬
‫ُ‬ ‫المتبر ُم‪ ،‬والغاضب‪ ،‬والمحروم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫جزلةً‪ ،‬ومنهم‬
‫المسرور ألنه أخذ منها قطعةً ْ‬
‫ُ‬ ‫يخرجون ركضاً‪ ،‬منهم‬
‫كبراء أهل البلد‪ ،‬وإذا كثر‪ ،‬طب ُخوه وجفّفُوه‪ ،‬وكنزوه لأليام المقبلة‪ .‬وقد يأتي القبائ ُل بعدةٍّ من العقائر‪ .‬وهم يقولون‪ :‬ال َعقَير‪،‬‬
‫غلبوا مرارا ً في حربهم مع الحالكة‪ ،‬وقد‬ ‫القرابين‪ .‬كما فع َل ذلك قبيلة ّ‬
‫الزي‪ ،‬حين ُ‬ ‫ُ‬ ‫بفتحتين على التخفيف‪ .‬والمراد بها‪ :‬تلك‬
‫ص َر من الشيخ سعي ٍّد على أعدائهم!‪ .‬وهذه العقَائر (القرابين)‪ ،‬مما‬ ‫تقدمت اإلشارة إليه‪ ،‬فإنهم جاءوا بع ّدةٍّ منها‪ ،‬يطلبون بها الن ْ‬
‫ونص على ذلك العلما ُء في‬ ‫ُّ‬ ‫أه َّل به لغير هللا‪ ،‬فهي ميتةٌ‪ ،‬حرام أكلُها‪ ،‬واالنتفاعُ بها‪ ،‬قال هللا تعالى‪﴿ :‬وما أهل لغير هللا به﴾‪،‬‬
‫علم»‪.‬‬ ‫كتب الفقه‪ ،‬ال يخفى على طالب ٍّ‬

You might also like