تيودور أدورنو - نقد الحداثة وما بعدها - كوة - couua

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 3

‫‪02/10/2022 17:59‬‬ ‫‪ – couua‬تيودور أدورنو‪ :‬نقد الحداثة وما بعدها – كوة‬

‫‪‬‬
‫بحث‬

‫‪      ‬‬ ‫تيودور أدورنو‪ :‬نقد الحداثة وما بعدها‬


‫‪ 1,307‬زيارة‬ ‫‪‬دراسات وأبحاث‪ ,‬فالسفة‪ ,‬مجالت
‬ ‫‪ 29‬أكتوبر ‪ 2020‬‬

‫إبراهيم الحيدري‬

‫ارتبط اسم
تيودور أدورنو مع اسم ماكس هوركهايمر بتأسيس “معهد البحث االجتماعي” في جامعة
فرانكفورت‪ ،‬الذي عرف في ما بعد بـ”مدرسة فرانكفورت” في علم االجتماع النقدي‪،‬‬
‫وأصبح
أستاذا للفلسفة وعلم الجمال ثم مساعدا لهوركهايمر في إدارة المعهد‪ ،‬وعمل معه على
تطوير وإغناء النظرية النقدية‪ .‬ويعتبر أدورنو‪ ،‬إلى جانب إرنست بلوخ وماكس
هوركهايمر‪ ،‬في‬
‫مقدمة الفالسفة األلمان الشموليين لما بعد الحرب العالمية الثانية‪.‬‬

‫عمل أدورنو
على ترسيخ أسس ومبادئ النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت وتقديم نظرية نقدية
للمجتمع ال تكون علما إمبيريقيا فحسب‪ ،‬بل علما اجتماعيا نقديا يحقق ما دعت إليه
الطبقة‬
‫الوسطى في أوروبا في حق الحرية والصراع االجتماعي والقضاء على الظلم‪ ،‬وأال
تبقى هذه المبادئ على المستوى النظري‪ ،‬وإنما عليها أن تنزل إلى مستوى الممارسة
العملية‪ ،‬مثلما عليها‬
‫أال تهادن أي سلطة‪ ،‬ما دام هدفها سيطرة اإلنسان على حياته
الذاتية مثلما هي على الطبيعة‪ ،‬بهدف رفع الوعي االجتماعي الشامل الذي يستطيع تحمل
مسؤولية التغيير في المجتمع‪.‬‬

‫ولد أدورنو
في فرانكفورت (‪ )1969-1903‬ودرس الفلسفة والموسيقى وعلم االجتماع في جامعتها‪ .‬وبسبب
تردده المبكر على األوساط الفنية والموسيقية في فينا واهتمامه على نحو خاص‬
‫بتقنيات
الموسيقى “الدوديكافونية” ذات النظام االثني عشر صوتا‪ ،‬التي طورها شونبرغ منذ عام
‪ُ ،1922‬عرف أدورنو كناقد ومنظر للموسيقى الحديثة‪ ،‬باإلضافة إلى كونه فيلسوفا وعالم‬
‫اجتماع وناقدا اجتماعيا طبع تاريخ الفكر الفلسفي واالجتماعي النقدي في ألمانيا
وتعداه إلى أوروبا وأميركا‪.‬‬

‫تعود
األصول الفكرية ألدورنو إلى أسس النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت في الفلسفة وعلم
االجتماع من جهة‪ ،‬وإلى حسه الفني الرفيع ورؤيته الجمالية إلى األشياء من جهة
ثانية‪ ،‬التي‬
‫جعلت منه فيلسوفا شموليا تعدت نظريته النقدية للحداثة علم الجمال
والجدل السلبي والثقافة الجماهيرية إلى تساؤالته النقدية حول العقل والعقالنية
والسياسة التوتاليتارية والصراعات‬
‫االجتماعية والثقافية التي أفرزتها الحداثة‪.‬‬

‫تأثر
أدورنو بالجدل الهيغلي كثيرا‪ ،‬وبالرغم من أنه اعتبر فيلسوفا يساريا‪ ،‬إال أنه لم
يؤمن بإمكانية تطبيق االشتراكية على أرض الواقع‪ .‬فمهمة الفيلسوف عنده تكثفت في
النقد‪ ،‬ليس نقد‬
‫المجتمع ومؤسساته فحسب‪ ،‬بل المدارس واالتجاهات الفلسفية وأشكال
األدب والفن والموسيقى وغيرها من الفنون‪.‬‬

‫بدأ أدورنو
مشروعه الفلسفي مع هوركهايمر من منطلق نقدي وبدأ بتحليل األسباب التي أدت إلى
إخفاق الثورات البرجوازية في أوروبا‪ ،‬غير أنه تّحول بعد ذلك إلى دراسة نظرية
المعرفة‬
‫وعلم الجمال ليكافح األيديولوجية النازية وأشكالها التطبيقية التي غذتها
وطورتها لمد هيمنتها الشمولية على المجتمع‪ ،‬وأخذ يوجه هجومه ضد الفلسفة التقليدية
المفرغة من وظيفتها ودورها‬
‫الثوريين‪ .‬فالفلسفة‪ ،‬كما يراها أدورنو‪ ،‬تحولت إلى
أيديولوجيا فوقية هي امتداد ألنظمة مثالية تجسدت في أفكار مدرسة ماربورغ الفلسفية
والوجودية والفلسفة الوضعية‪ ،‬تلك االتجاهات الفلسفية‬
‫التي كانت موضع نقد أدورنو‪
،‬التي جعلت اإلنسان محاصرا بتناقضات الذات والهوية‪ ،‬ودفعته إلى دراسة وضعية الفرد
المتأزمة وإشكالية وعيه في محاولة إلخراج الفلسفة من فوقيتها وطرح‬
‫نموذج من
التحليل المادي‪ ،‬الذي هو انعكاس سلبي لمواجهة الفلسفة الوجودية األلمانية الممنهجة
التي وقفت على رأسها وجودية هايدغر األنطولوجية وكذلك وجودية ياسبرز‪.‬‬

‫هاجر
أدورنو إلى إنكلترا بعد صعود هتلر إلى الحكم ودرس الفلسفة في كلية ميرتون في جامعة
أكسفورد وكان يخطط لكتابة أطروحة دكتوراه حول الفيلسوف إدموند هوسرل‪ .‬وخالل تلك‬
‫الفترة كتب بحثا حول علم اجتماع المعرفة عند كارل منهايم ومقاال حول الموسيقى الطليعية
لمجلة الموسيقى في فينا وكذلك حول موسيقى الجاز لمجلة البحث االجتماعي لمدرسة
فرانكفورت‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1938‬هاجر إلى أميركا للعمل مع هوركهايمر في فرع معهد البحث
االجتماعي في جامعة كولومبيا‪ ،‬ثم عاد إلى فرانكفورت بعد انتهاء الحرب عام ‪ 1949‬حيث
أصبح مديرا لمعهد‬
‫البحث االجتماعي في فرانكفورت حتى وفاته في ‪.1969/ 8 /6‬‬

‫بعد عودته
إلى ألمانيا استعاد أدورنو نشاطه العلمي وأخذ يشارك في إعادة البناء الفكري
أللمانيا الفيدرالية‪ ،‬وأخذ يكتب في قضايا مختلفة ترتبط بالنظرية النقدية وتعكس
اتجاها خاصا ومتميزا‬
‫نحو فلسفة للفن‪ ،‬فقد فهم علم الجمال على أنه أكثر من مجرد
نظرية في الفن‪ ،‬وأنه مثلما عند هيغل‪ ،‬نوع خاص من العالقة بين الذات والموضوع‪ .‬وقد
أصبح أدورنو الضمير المفكر أللمانيا‬
‫في الخمسينات والستينات إلى جانب هوركهايمر
وماركوزه‪ ،‬وأخذ يجسد في شخصيته المثقف الملتزم الذي يعمل على هدم عصره وقضاياه
ليبني مكانا جديدا وقضايا جديدة‪.‬‬

‫كان المنفى
بالنسبة ألدورنو عامل تلقيح وإغناء ألفكاره النظرية‪ ،‬بعد أن عايش في أميركا
مفارقات المجتمع الرأسمالي في قمة تطبيقاته العملية وخلق عنده ردود فعل جديدة
قادته إلى تحليل‬
‫نقدي لطبيعة المجتمع وطبيعة الفن ومكانته في مجتمع وصل إلى مرحلة
استهالكية متقدمة‪ ،‬كما ربط بين اإلنتاج الفني بجميع أشكاله ومظاهره ومحتوياته وبين
وسائل اإلعالم والدعاية‬
‫واإلعالن وكذلك الدور االقتصادي المهيمن الذي لعبته في
المجتمع‪.‬‬

‫أطروحات أدورنو النقدية‬

‫يمكن إيجاز
أطروحات أدورنو النقدية في ثالث جدليات مركبة ومتداخلة بعضها مع البعض اآلخر‪
:‬جدلية العقل‪ ،‬والجدل السلبي والنظرية الجمالية‪ ،‬وتشكل مفهوما مركبا لنقد الحداثة
وما بعد‬
‫الحداثة‪ .‬وفي كل ذلك ينطلق أدورنو في نقده الجدلي من الداخل‪ ،‬فهو ينقد
الفلسفة التقليدية وينقد اإلنسان المحاصر بتناقضات الذات والهوية‪ ،‬وخاصة بعد
انهيار منظومات الفكر الفلسفي‬
‫المثالي‪ ،‬الذي أنتج بدوره تناقضا يقوم على اختراق
الفرد المحاصر بتصور معين لهويته وشموليته التي تذوب في مؤسسات الدولة والسلطة
والمنظومات االجتماعية واالقتصادية والسياسية‬
‫التابعة لها‪.‬‬

‫وفي نقده
للفلسفة التقليدية ينقد بدوره الوضع االجتماعي المتأزم للفرد الذي يتجاوز حدود
إشكاليات الوعي المتحكمة به وبأفراد المجتمع‪ .‬وبهذا ينزل أدورنو الفلسفة من
عليائها إلى الواقع‬
‫االجتماعي‪ ،‬ليربط بين النظرية والممارسة العملية ربطا جدليا‪
.‬فهو يقول “من يريد اختيار الفلسفة كعمل مهني دؤوب‪ ،‬عليه أن يستغني ومنذ البداية عن
األوهام التي عملت بها الفلسفة القديمة‪،‬‬
‫وأن يدرك الواقع من خالل الفكر”‪ .‬بهذه
المنهجية السوسيولوجية التحليلية يطرح أدورنو جدله السلبي ليواجه به الفلسفة
األلمانية التقليدية‪ ،‬من الميتافيزيقيا الهايدغرية إلى الوجودية‬
‫األنطولوجية‪ .‬ومن
يتأمل أعمال أدورنو طيلة العقود األربعة األخيرة من عمره يالحظ بوضوح تشديده على
نقد هايدغر وبخاصة في الستينات من القرن الماضي حيث انتقد “لغو الوجودية”‬
‫ومشروع
هايدغر الفلسفي في العشرينات من القرن الماضي الذي توجه بكتاب “الكينونة والزمن”
الذي صدر عام ‪ .1927‬وكان هدف أدورنو فيه هو فضح الخطاب الفلسفي األلماني لما بعد‬
‫الحرب العالمية الثانية الذي يذكر المرء بتعابير وشعارات ولغة نازية‪ .‬كما سعى من
جهة أخرى إلى الكشف عن وجود عالقة بين فلسفة هايدغر واأليديولوجية النازية‪.‬‬
‫‪‬‬

‫الجدل السلبي‬

‫في كتابه
الهام “الجدل السلبي” ‪ Negative Dialektik‬الذي صدر
عام ‪ 1966‬والذي يعتبر من أهم أعمال أدورنو الفلسفية‪ ،‬مجموعة من المقاالت الفلسفية
الرصينة التي تعكس اهتماماته‬
‫المعرفية المتنوعة التي صاغها في حبكة فنية رصينة
ونسجها بخيوط غير مرئية‪ ،‬يتداخل بعضها مع البعض اآلخر في وحدة محكمة‪ .‬وتأتي صرامة
أدورنو من قوة أسلوبه وعدم انتظام أفكاره‬
‫وصعوبة مسكها‪ ،‬وعدم تنازله ألي نظام
سياسي أو اجتماعي‪.‬‬

‫والواقع أن
“الجدل السلبي” هو عمل فلسفي رفيع المستوى عالج فيه موضوع الفرد واستالبه في
المجتمع الصناعي محاوال االنحياز إلنقاذ الذات‪ ،‬في عالم متسلط‪ ،‬منطلقا من أن نقد “السلبي”‬
‫هو في ذات الوقت نقد أيديولوجي يرفض بقوة العالم الحالي وتسلطه‪ ،‬مؤكدا التحطيم
الذاتي الذي قام به العقل لمحتوياته منذ كانت‪ ،‬وكذلك الطريقة التي أدت بهذه األداة
الهامة‪ ،‬أي العقل‪ ،‬إلى‬
‫أن تكون مستلبة وعاجزة عن الفهم واإلدراك والنقد الموضوعي
لواقعها‪ ،‬بالرغم من التطور المادي وارتفاع مستوى رفاهية الفرد وحريته الشكلية
وسعيه المتواصل نحو تحقيق ذاته عن طريق‬
‫عقلنة ما يحيط به‪ .‬وبهذا تحول العقل إلى
“أداة” موضوعية استغلتها الطبقة الوسطى المسيطرة وسّيرتها حسب مصالحها‪.‬‬

‫كما يحّلل
أدورنو الفكر الفلسفي التنويري وأثره في إخفاق العقل ومن ثم نقده‪ ،‬فيبدأ بكانت‪
،‬الذي طور أول مفهوم فلسفي للنقد‪ ،‬حيث كان العقل قبل كانت في حالة استالب أمام
المطلق‪ ،‬وفي‬
‫حالة قمع من قبل الالهوت وسلطته المهيمنة‪ .‬أما هيغل فكان أول من طبق
الطابع الشكلي الذي قدمه كانت لتحليل التجربة اإلنسانية من أجل اكتشاف حركة العقل
وآليته الداخلية التي تجسدت‬
‫في الجدل في جوهره السلبي لطبيعة األشياء‪.‬‬

‫وإذا اتجه
النقد عند كانت للبرهنة على محدودية العقل‪ ،‬توجه النقد عند أدورنو إلى اإلنسان
بالذات متأثرا بهيغل في صياغته للجدلية بوصفها تعبيرا عن السلب‪ ،‬الذي يتحقق
بالعملية الجدلية‪.‬‬

‫يرى أدورنو
أن التطور العقالني الذي انبثق من دور العقل نفسه‪ ،‬يحكمه قانون السيطرة وفق
المعادلة التالية‪ :‬الطبيعة ‪ /‬اإلنسان‪ ،‬واإلنسان ‪ /‬الطبيعة‪ .‬إن هذه السيطرة خلقت
وعيا جديدا أطلق‬
‫عليه أدورنو “الوعي التكنولوجي” الذي جعل من العقل مجرد “آلة”
انحرفت عن مسارها الموضوعي وتوجهت إلى خدمة مصالحها الخاصة‪ .‬كما وجه أدورنو نقده
في “الجدل السلبي” إلى‬
‫العقل كموضوع ورفعه إلى قوة ديناميكية تقوم على قدرة
تأويلية أخرى للعقل أطلق عليها “التفكير الثاني” الذي يعبر عن حركة جديدة تعمل ضد
العقل‪ ،‬وبفعل عقالني آخر يفرزه العقل نفسه‪.‬‬
‫وبهذا يتحول العقل نفسه إلى رقيب على
ديمومة جدلية السترداد طاقاته التي سلبها الواقع من دون السقوط في ميدان هيمنة
الوعي السائد‪.‬‬

‫ويعتبر
كتاب “الجدل السلبي” أهم ما أنجزه هذا الفيلسوف طيلة حياته كلها‪ ،‬حيث يعلن فيه
ثورته العارمة على العقل الغربي دون هوادة‪ ،‬الذي خان مبادئه التنويرية أو انحرف
عنها مما أنتج‬
‫الفاشية والنازية وتخلى بذلك عن الرؤية المتفائلة للتاريخ وراح يصب
جام غضبه على العقل األداتي‪-‬النفعي للحضارة الغربية باعتباره عقال شموليا
واستئصاليا‪.‬‬

‫سوسيولوجيا الجمال‬

‫في نقده
للحداثة وما بعد الحداثة في مجاالت الفن واألدب والثقافة خرج عن سياق تفكيره في
الجدل السلبي‪ ،‬حيث عالج في “جدل التنوير”‪ ،‬الذي صدر عام ‪ 1947‬باالشتراك مع
هوركهايمر‪،‬‬
‫مرحلة المجتمع الصناعي المتقدم الذي تميز بتقدم علمي وتقني أكثر صرامة‪
،‬مركزا في نظريته “سوسيولوجيا الجمال” على مفهوم جديد أطلق عليه “الثقافة المصنعة”‪
،‬محاوال تقديم تحليل‬
‫نقدي لطبيعة المجتمع والفن والثقافة في مجتمع وصل إلى مرحلة
متقدمة من االستهالك‪ ،‬وربط فيه بين اإلنتاج الفني بجميع أشكاله ومظاهره ومحتوياته
وبين وسائل الدعاية واإلعالن والدور‬
‫االقتصادي المهيمن الذي تلعبه أجهزة االستهالك
الجماهيرية‪.‬‬

‫يرى أدورنو
أن الفن يتضمن خصائص معرفية‪ ،‬فهو مطبوع بأفكار التحرر التي تظهر بوضوح في األعمال
الفنية الراقية‪ ،‬وما يقرر ذلك هو الوسيلة التي تربط بين الشكل والمضمون‪ ،‬الذي‬
‫يربط
دوما بخصوصية اجتماعية تطبع العمل الفني الراقي وكذلك مضمونه‪ ،‬اللذين يحتاجان إلى
وسيط‪ ،‬وهو الحماية النظرية‪ ،‬التي تدعم وظيفته النقدية‪.‬‬

‫فالفن له
وظيفة نقدية‪ ،‬ألنه يخلق عالما جماليا جديدا معادال النغالق الواقع ومواجهته‪ ،‬وفي
ذات الوقت لتغييره‪ .‬ففي المجتمع الصناعي المتقدم تصبح الحياة اليومية أداة سلب
للوعي وقمعه‪،‬‬
‫ولذلك فالعمل الفني يخلق “فضاء” إلعادة إنتاج الوعي االجتماعي
وتثويره ومنحه طاقة رفض جديدة يتجاوز بها ما يفرضه المجتمع االستهالكي من سلع
مغرية‪ ،‬وبذلك يستعيد العقل قابليته‬
‫على الحلم والتحليق في فضاءات غير محدودة‪ ،‬وهو
فضاء التخّيل الذي يقود إلى إدراك الهوية المستلبة للواقع‪ ،‬وتشكيل موقف فكري سالب
جديد‪ .‬وبهذا فإن العمل الفني يشكل في الحقيقة‬
‫الوسيلة األخيرة الممكنة لحماية
الوعي ومقاومة االستالب وإعادة اكتشاف قوة المقاومة الفنية‪ ،‬كما تظهر في الفنون
وفي الموسيقى على وجه الخصوص‪ ،‬التي تمنح للفنون الحس المعاصر‬
‫والحديث برفضها
الواقع من أجل إعادة إنتاجه وتغييره‪ ،‬وخلق “الفن األصيل” الذي يحمل إمكانية هدم ما
هو قائم‪ ،‬والذي يمثل جميع أنواع الخلق الفني وليس التشكيلي وحده‪ ،‬الذي يتشبه بكل‬
‫ما هو راهن وساخن ومغترب ويتطلب الجدة والتفرد والدينامية والتنافر‪ ،‬ألن الطابع
المميز للتجربة الفنية هو المغايرة لما يجري في الواقع‪.‬‬

‫تطورت
النظرية الجمالية ألدورنو من خالل نقده لطبيعة الحياة االجتماعية اليومية في
المجتمع الصناعي المتقدم وثقافته المصنعة‪ ،‬مركزا على المجتمع االستهالكي الذي
يمارس قدرة على‬
‫تحويل الثقافة الحقيقية إلى ثقافة جماهيرية استهالكية‪ ،‬بسبب التسلط
والقمع‪ ،‬اللذين لم يعودا يمارسان عن طريق المؤسسات العسكرية واألمنية‪ ،‬وإنما عن
طريق السيطرة على وسائل الدعاية‬
‫واإلعالم وتسخير الثقافة والفنون لمصلحته
وااللتفاف حولها وتزييفها‪ .‬وقد أصدر أدورنو أحد أهم كتبه الموسوم بـ”النظرية
الجمالية ” عام ‪ 1971‬الذي شرح فيه مفهوم الفن وليس تاريخ الفن‪،‬‬

‫‪/‬تيودور‪-‬أدورنو‪-‬نقد‪-‬الحداثة‪-‬وما‪-‬بعدها‪https://couua.com/2020/10/29/‬‬ ‫‪1/3‬‬
‫‪02/10/2022 17:59‬‬ ‫‪ – couua‬تيودور أدورنو‪ :‬نقد الحداثة وما بعدها – كوة‬
‫وناقش فيه العالقة
بين الفن والمجتمع ومفاهيم الجمال والجميل والقبيح‪ ،‬والفن والتكنولوجيا‪ ،‬والجمال
والطبيعة وكذلك الفن والميتافيزيقيا والعالقة بين الذات والموضوع وغيرها‪ .‬وإذا
اعتبر‬
‫أدورنو العمل الفني انعكاسا ماديا للواقع االجتماعي السائد‪ ،‬فإنه ال يعبر عن
طبقة ما‪ ،‬ألنه تعبير عن الكون اإلنساني‪ .‬وإذا كانت ملكة الفن هي التخّيل‪ ،‬فعلى
المرء أال يطالب بالتعبير عن طبقة‬
‫معينة‪ ،‬وإال تخلى الفن عن التخّيل الذي هو في
ماهيته غير واقعي‪ ،‬في حين أن الطبقة هي مبدأ فعال في الواقع‪ .‬وبحسب أدورنو‪ ،‬فإن
ملكة التخّيل في الفن تربط بين الحساسية وعالم العقل‪،‬‬
‫وعندما يتخلى الفن عن
التخّيل فإنه يتخلى أيضا عن الجمالي‪ ،‬الذي يفصح عن االستقالل الذاتي للفن عن نفسه
ويسقط في األخير في أسر الواقع‪ ،‬الذي يسعى الفن إلى فهمه وتجاوزه‪ ،‬وبالعكس‬
‫فإن
التخلي عن الجمالي يعني التنازل عن المسؤولية في خلق الواقع اآلخر من داخل الواقع
القائم‪ .‬والتخّيل عند أدورنو هو عملية عقلية لها قواعدها وقيمها ووظيفتها
اإلدراكية‪ ،‬التي تقود إلى‬
‫عالم الفن الذي يخفي وراءه الصورة الجمالية واالنسجام
الحسي والعقلي الذي يكتبه الواقع المعيش‪ .‬ومن هنا تظهر مسؤولية الفنان في محاربة
التشيؤ والتسلط والقمع‪.‬‬

‫نهاية أدورنو المأساوية‬

‫‪‬‬
‫رأى أدورنو
أن في القرن العشرين زمنا يهدم فيه العقل نفسه ليضيع في وعي تكنوقراطي وثقافة
مصنعة وذلك بسبب الجدل السلبي لعصر التنوير‪ ،‬الذي عجز عن تجاوز محنته والخروج عن‬
‫الطريق المسدود‪ .‬وقد وجد في الفن واألدب والموسيقى قوة إبداع قادرة على أن تقول
“ال” في وجه المجتمع االستهالكي‪ .‬فالفن هو البديل والوسيلة الوحيدة للنضال ضد
الرأسمالية‪ ،‬التي لم‬
‫يفكر يوما في إمكانية القضاء عليها عن طريق الثورة‪ ،‬وأن
المعرفة التي يصل إليها اإلنسان عن طريق الفن‪ ،‬هي أعظم معرفة‪ ،‬أما المعرفة عن طريق
العلم فهي معرفة قاصرة‪ ،‬ألنها تعكس‬
‫الحقيقة فقط‪ .‬كما أن تحرر الفرد من سيطرة
الرأسمالية يتم من خالل االحتجاج وليس عن طريق التحرر الجنسي‪ ،‬كما حدث في
الستينات‪ ،‬وإنما من خالل “الفن األصيل” الذي يحمل إمكانية‬
‫هدم ما هو قائم ويعُد
دوما بالسعادة‪.‬‬

‫إن آراء
أدورنو الموجهة إلى حركات الطالب والشباب “الثورية” تذكرني بحادثة هامة كان لها
تأثير على نهاية أدورنو المأساوية‪ .‬ففي نهاية الستينات من القرن الماضي عندما كنت
طالبا في‬
‫جامعة فرانكفورت بألمانيا الغربية لدراسة علم االجتماع حدثت واقعة هامة
عايشتها عن كثب‪ .‬فقد كان أدورنو يقدم للجيل الجديد من الطالب والشباب نصائحه كي ال
تقع ألمانيا مرة أخرى في‬
‫براثن النازية أو الفاشية أو األيديولوجية التوتاليتيرية‪
،‬بعد أن أصبح مع هربرت ماركوزه ويورغن هابرماس “الضمير المفكر أللمانيا”‪ ،‬الذين
أخذوا يفككون أيديولوجيا الحداثة الرأسمالية التي‬
‫أدت إلى الخراب وأصبحت آراؤهم
“الثورية” ذات التوجه الماركسي القاعدة األيديولوجية للحركات االحتجاجية من طالبية
وعمالية ويسار متطرف وشعارات الزمة لمحاربة الرأسمالية‬
‫الصناعية المتقدمة‪.‬‬

‫فخالل إلقاء أدورنو محاضرته حول “علم الجمال” في القاعة الكبرى بجامعة فرانكفورت في ‪ 22‬أبريل ‪ ،1969‬تقدمت طالبات يلبسن جاكيتات جلدية‪ ،‬وكانت كل واحدة منهن تحمل في يدها‬
‫وردة حمراء‪ ،‬من منصة أدورنو وخلعن جاكيتاتهن وتعّر ين ثم قدمت كل واحدة منهن الوردة الحمراء إلى أدورنو بطريقة مسرحية ساخرة‪ ،‬احتجاجا على آرائه النظرية البحتة التي لم تنزل إلى‬
‫واقع الممارسة العملية في الواقع االجتماعي‪ ،‬فهو لم يكن مثقفا راديكاليا يشارك الطالب والشباب في تظاهراتهم في شوارع فرانكفورت‪ ،‬وإنما كان يحاول تهدئتهم بآرائه “الثورية” واتهموه‬
‫بأنه مفكر “رجعي محافظ” ومتواطئ مع البرجوازية‪ .‬ولم يكن أمام أدورنو سوى النزول من المنصة بامتعاض والخروج من القاعة مصدوما‪ .‬وقد توفى أدورنو بعد بضعة أشهر يائسا وحزينا‬
‫بالسكتة القلبية وهو في الخامسة والستين من عمره‪.‬‬

‫فكر تيودور أدورنو‬


‫‪ 10‬أبريل ‪ 2017‬عامة‪0 ‬‬

‫خلدون النبواني حول استقبال فرنسا المتأخر لفكر تيودور أدورنو‪   :‬إننا إذ نختار فكرة “الحضور” بدًال من ِفكرة “التأثير” عنوانًا لمقاربتنا هذه‪ ،‬فإننا نفعل ذلك بدواعي عَّدة قد تستدعي مّنا‬
‫بعض التوضيحات؛ فما نقصده ﺑ”الحضور” هنا هو محاولة إظهار التجّلي الشبحّي لفكر أدورنو الذي “يسكن” ‪ hante‬نظرية الُّسلطة عند ميشال فوكو …أكمل القراءة »‬

‫الفيلسوف أدورنو‪ :‬المضاد للحداثي‬


‫‪ 23‬مايو ‪ 2020‬ترجمة‪ ,‬فالسفة‪ ,‬مجالت‪0 ‬‬

‫مرسلي لعرج مرسلي لعرج قسم علوم االعالم واالتصال‪ ،‬جامعة وهران ‪ 1‬أحمد بن بلة الجزائر من يكون ثيودور دبليو أدورنو ‪ ، Theodor W.Adorno‬الذي توفي عام ‪ 1969‬في‬
‫ألمانيا )خالل فترة االحتجاجات الطالبية‪ ،‬والذي كان فكره يهدف إلى تغيير العالم من خالل نقد زيفه ومغاالطاته؟ كيف ميز الفن والثقافة؟ ما …أكمل القراءة »‬

‫نقد الدين عند هابرماس ‪3-3‬‬


‫‏أسبوعين مضت‪ ‬دراسات وأبحاث‪ ,‬فالسفة‪ ,‬مجالت‪ ,‬مفاهيم‪0 ‬‬

‫خلدون النبواني‪  ‬خلدون النبواني “الدين والفضاء العام”‪ :‬سيتوضح موقف هابرماس ومطالبه بتغيير نظرة الدولة الحديثة ومواطنيها العلمانيين نحو دور الدين والمتدينين في الحياة السياسية‬
‫أكثر في مقاله الثالث واألخير من كتاب بين الطبيعانية والدين والمعنون ﺑ “الدين والفضاء العام”‪ُ .‬يبّر ر هابرماس‪ ،‬مرة جديدة‪ ،‬هنا اهتمامه بالمسألة الدينية لكونها فرضت نفسها …أكمل‬
‫‪‬القراءة »‬

‫نقد الدين عند هابرماس ‪3-2‬‬


‫‏أسبوعين مضت‪ ‬دراسات وأبحاث‪ ,‬كتب‪ ,‬مفاهيم‪0 ‬‬

‫خلدون النبواني‪  ‬خلدون النبواني العقل والدين‪ :‬الحوار مع راتزنغر (‪ )2004‬على خالف خطاب “اإليمان والمعرفة” المتحمس لعودة الديني‪ ،‬سيتدارك هابرماس حماسه ذاك ويعود إلى دقته‬
‫وحذره المعهودين وإلى مواقعه العقالنية الرصينة حين ُسيدعى بعد ثالث سنوات من ذلك إلى مدينة ميونخ األلمانية وتحديدًا في ‪ 19‬جانفيي‪/‬كانون الثاني من عام ‪… 2004‬أكمل القراءة »‬

‫نقد الدين عند هابرماس ‪3-1‬‬


‫‪ 3‬أسابيع مضت‪ ‬دراسات وأبحاث‪ ,‬فالسفة‪ ,‬مقاالت‪0 ‬‬

‫خلدون النبواني‪  ‬خلدون النبواني‪  ‬يأتي هابرماس في مقدمة الطبعة الفرنسية لمؤلفه الضخم نظرية الفعل التواصلي على تطور تفكيره من نظرية الوعي إلى نظرية التواصل وصوًال إلى عالقة‬
‫األخالق والقانون والديمقراطية‪ .‬باإلضافة إلى هذه المراحل الثالث في انتقال هابرماس‪ ،‬أو توسيع دائرة اهتمامه‪ ،‬من مبحث إلى آخر‪ ،‬فإن هناك من يتحدث …أكمل القراءة »‬

‫ماكسيم روفير‪ :‬سبينوزا‪ ..‬النموذج البديل‬


‫‪ 15‬سبتمبر ‪ 2020‬ترجمة‪ ,‬فالسفة‪ ,‬مجالت‪0 ‬‬

‫‪/‬تيودور‪-‬أدورنو‪-‬نقد‪-‬الحداثة‪-‬وما‪-‬بعدها‪https://couua.com/2020/10/29/‬‬ ‫‪2/3‬‬
‫‪02/10/2022 17:59‬‬ ‫‪ – couua‬تيودور أدورنو‪ :‬نقد الحداثة وما بعدها – كوة‬

‫ترجمة‪ :‬أيوب هاللي كان الفيلسوف الهولندي مركزًا تعارضه على النماذج الباردة للعقالنيين‪ ,‬في الرياضيات‪ ,‬وبالخصوص في لعبة القوى المؤثرة والفاعلة فينا وفي مقدمتها‪ ,‬الرغبة‪– .‬من‬
‫بين السمات البارزة للوباء الحالي (كوفيد‪ ,)19-‬هو أنه حّث بشكٍل خارق للعادة على ضرورة االستعانة بالنماذج‪ ,‬األرقام والمنحنيات‪ ,‬عموما‪ ,‬بينما األطباء منشغلون بجمع المعطيات‪,‬‬
‫والحواسيب …أكمل القراءة »‬

‫فيرونيك سلمان‪ :‬فيروس كورونا‪ :‬نصائح محللة نفسية لتحمل الحجر‬


‫‪ 27‬يونيو ‪ 2020‬ترجمة‪ ,‬علم النفس‪ ,‬مفاهيم‪0 ‬‬

‫ثالثية الالشعور‪ ،‬فهمها لتصبح أفضل ‪ :‬األلم‪ ،‬اإلسواء‪ ،‬التجدد مرسلي لعرج مرسلي لعرج قسم علوم االعالم واالتصال‪ ،‬جامعة وهران ‪ 1‬أحمد بن بلة‪ ،‬الجزائر فيرونيك سلمان محللة نفسية‬
‫بالقرب من ليل‪ .‬معالجة إلكترونية‪ ،‬ترافق مرضاها‪ ،‬وخاصة المغتربين الفرنسيين‪ ،‬عبر سكايب أو فيس تايم‪ ،‬في جميع أنحاء العالم‪ ،‬تمثل الجلسات عبر …أكمل القراءة »‬

‫كلير كريجنون‪ :‬فيروس كورونا – ما هو الدور الممكن للفيلسوف في زمن الوباء؟‬


‫‪ 20‬يونيو ‪ 2020‬ترجمة‪ ,‬فالسفة‪ ,‬مجالت‪0 ‬‬

‫‪‬‬

‫مرسلي لعرج مرسلي لعرج قسم علوم االعالم واالتصال‪ ،‬جامعة وهران ‪ ،1‬أحمد بن بلة‪ ،‬الجزائر كلير كريجنون دكتورة في الفلسفة في ‪ CNRS‬وأستاذة محاضرة في الفلسفة في جامعة‬
‫باريس ‪-‬السوربون‪ .‬تسلط الضوء الفلسفي على األزمة التي نمر بها‪ ،‬عن طريق استحضار كبار المفكرين منذ أفالطون‪ .‬مقابلة‪ .‬ما هو الدور الممكن …أكمل القراءة »‬

‫مقابلة مع أكسل هونيث‪ :‬طلب االعتراف غير مبرر دائًم ا‬


‫‪ 18‬يونيو ‪ 2020‬ترجمة‪ ,‬حوارات‪ ,‬فالسفة‪0 ‬‬

‫مرسلي لعرج مرسلي لعرج قسم علوم االعالم واالتصال‪،‬جامعة وهران ‪ 1‬أحمد بن بلة‪،‬الجزائر ما هي النطاقات االجتماعية أين يجري التعبير عن طلبات االعتراف؟ في المجتمعات الحديثة‪،‬‬
‫يمكننا تمييز ثالثة نطاقات تقدير تلعب دوًر ا مهًم ا في فهم ممارساتنا وحياتنا االجتماعية‪ .‬مبدأ الحب في النطاق الحميمي‪ ،‬مبدأ المساواة في نطاق القانون‪ ،‬وإنجازات …أكمل القراءة »‬

‫غزافييه بافي‪ :‬ما الذي تكشفه لنا الفلسفة عن وباء فيروس كورونا‬
‫‪ 15‬يونيو ‪ 2020‬ترجمة‪ ,‬مفاهيم‪ ,‬مقاالت‪0 ‬‬

‫مرسلي لعرج مرسلي لعرج قسم علوم االعالم واالتصال‪،‬جامعة وهران ‪ 1‬أحمد بن بلة‪،‬الجزائر عندما يواجه العالم واقًعا يتجاوزه‪ ،‬عندما تكون حياة البشر على المحك‪ ،‬تظهر األسئلة الفلسفية‬
‫مرة أخرى‪ .‬لذا‪ ،‬تجبرنا مرحلة الخوف هذه والذعر والقلق إلى إعادة التفكير في صلب حياتنا اليومية‪ .‬التساؤل الذي يطرح نفسه في مثل هذا …‬

‫‪‬‬

‫‪/‬تيودور‪-‬أدورنو‪-‬نقد‪-‬الحداثة‪-‬وما‪-‬بعدها‪https://couua.com/2020/10/29/‬‬ ‫‪3/3‬‬

You might also like