Professional Documents
Culture Documents
تيودور أدورنو - نقد الحداثة وما بعدها - كوة - couua
تيودور أدورنو - نقد الحداثة وما بعدها - كوة - couua
تيودور أدورنو - نقد الحداثة وما بعدها - كوة - couua
بحث
إبراهيم الحيدري
ارتبط اسم
تيودور أدورنو مع اسم ماكس هوركهايمر بتأسيس “معهد البحث االجتماعي” في جامعة
فرانكفورت ،الذي عرف في ما بعد بـ”مدرسة فرانكفورت” في علم االجتماع النقدي،
وأصبح
أستاذا للفلسفة وعلم الجمال ثم مساعدا لهوركهايمر في إدارة المعهد ،وعمل معه على
تطوير وإغناء النظرية النقدية .ويعتبر أدورنو ،إلى جانب إرنست بلوخ وماكس
هوركهايمر ،في
مقدمة الفالسفة األلمان الشموليين لما بعد الحرب العالمية الثانية.
عمل أدورنو
على ترسيخ أسس ومبادئ النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت وتقديم نظرية نقدية
للمجتمع ال تكون علما إمبيريقيا فحسب ،بل علما اجتماعيا نقديا يحقق ما دعت إليه
الطبقة
الوسطى في أوروبا في حق الحرية والصراع االجتماعي والقضاء على الظلم ،وأال
تبقى هذه المبادئ على المستوى النظري ،وإنما عليها أن تنزل إلى مستوى الممارسة
العملية ،مثلما عليها
أال تهادن أي سلطة ،ما دام هدفها سيطرة اإلنسان على حياته
الذاتية مثلما هي على الطبيعة ،بهدف رفع الوعي االجتماعي الشامل الذي يستطيع تحمل
مسؤولية التغيير في المجتمع.
ولد أدورنو
في فرانكفورت ( )1969-1903ودرس الفلسفة والموسيقى وعلم االجتماع في جامعتها .وبسبب
تردده المبكر على األوساط الفنية والموسيقية في فينا واهتمامه على نحو خاص
بتقنيات
الموسيقى “الدوديكافونية” ذات النظام االثني عشر صوتا ،التي طورها شونبرغ منذ عام
ُ ،1922عرف أدورنو كناقد ومنظر للموسيقى الحديثة ،باإلضافة إلى كونه فيلسوفا وعالم
اجتماع وناقدا اجتماعيا طبع تاريخ الفكر الفلسفي واالجتماعي النقدي في ألمانيا
وتعداه إلى أوروبا وأميركا.
تعود
األصول الفكرية ألدورنو إلى أسس النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت في الفلسفة وعلم
االجتماع من جهة ،وإلى حسه الفني الرفيع ورؤيته الجمالية إلى األشياء من جهة
ثانية ،التي
جعلت منه فيلسوفا شموليا تعدت نظريته النقدية للحداثة علم الجمال
والجدل السلبي والثقافة الجماهيرية إلى تساؤالته النقدية حول العقل والعقالنية
والسياسة التوتاليتارية والصراعات
االجتماعية والثقافية التي أفرزتها الحداثة.
تأثر
أدورنو بالجدل الهيغلي كثيرا ،وبالرغم من أنه اعتبر فيلسوفا يساريا ،إال أنه لم
يؤمن بإمكانية تطبيق االشتراكية على أرض الواقع .فمهمة الفيلسوف عنده تكثفت في
النقد ،ليس نقد
المجتمع ومؤسساته فحسب ،بل المدارس واالتجاهات الفلسفية وأشكال
األدب والفن والموسيقى وغيرها من الفنون.
بدأ أدورنو
مشروعه الفلسفي مع هوركهايمر من منطلق نقدي وبدأ بتحليل األسباب التي أدت إلى
إخفاق الثورات البرجوازية في أوروبا ،غير أنه تّحول بعد ذلك إلى دراسة نظرية
المعرفة
وعلم الجمال ليكافح األيديولوجية النازية وأشكالها التطبيقية التي غذتها
وطورتها لمد هيمنتها الشمولية على المجتمع ،وأخذ يوجه هجومه ضد الفلسفة التقليدية
المفرغة من وظيفتها ودورها
الثوريين .فالفلسفة ،كما يراها أدورنو ،تحولت إلى
أيديولوجيا فوقية هي امتداد ألنظمة مثالية تجسدت في أفكار مدرسة ماربورغ الفلسفية
والوجودية والفلسفة الوضعية ،تلك االتجاهات الفلسفية
التي كانت موضع نقد أدورنو
،التي جعلت اإلنسان محاصرا بتناقضات الذات والهوية ،ودفعته إلى دراسة وضعية الفرد
المتأزمة وإشكالية وعيه في محاولة إلخراج الفلسفة من فوقيتها وطرح
نموذج من
التحليل المادي ،الذي هو انعكاس سلبي لمواجهة الفلسفة الوجودية األلمانية الممنهجة
التي وقفت على رأسها وجودية هايدغر األنطولوجية وكذلك وجودية ياسبرز.
هاجر
أدورنو إلى إنكلترا بعد صعود هتلر إلى الحكم ودرس الفلسفة في كلية ميرتون في جامعة
أكسفورد وكان يخطط لكتابة أطروحة دكتوراه حول الفيلسوف إدموند هوسرل .وخالل تلك
الفترة كتب بحثا حول علم اجتماع المعرفة عند كارل منهايم ومقاال حول الموسيقى الطليعية
لمجلة الموسيقى في فينا وكذلك حول موسيقى الجاز لمجلة البحث االجتماعي لمدرسة
فرانكفورت.
وفي عام 1938هاجر إلى أميركا للعمل مع هوركهايمر في فرع معهد البحث
االجتماعي في جامعة كولومبيا ،ثم عاد إلى فرانكفورت بعد انتهاء الحرب عام 1949حيث
أصبح مديرا لمعهد
البحث االجتماعي في فرانكفورت حتى وفاته في .1969/ 8 /6
بعد عودته
إلى ألمانيا استعاد أدورنو نشاطه العلمي وأخذ يشارك في إعادة البناء الفكري
أللمانيا الفيدرالية ،وأخذ يكتب في قضايا مختلفة ترتبط بالنظرية النقدية وتعكس
اتجاها خاصا ومتميزا
نحو فلسفة للفن ،فقد فهم علم الجمال على أنه أكثر من مجرد
نظرية في الفن ،وأنه مثلما عند هيغل ،نوع خاص من العالقة بين الذات والموضوع .وقد
أصبح أدورنو الضمير المفكر أللمانيا
في الخمسينات والستينات إلى جانب هوركهايمر
وماركوزه ،وأخذ يجسد في شخصيته المثقف الملتزم الذي يعمل على هدم عصره وقضاياه
ليبني مكانا جديدا وقضايا جديدة.
كان المنفى
بالنسبة ألدورنو عامل تلقيح وإغناء ألفكاره النظرية ،بعد أن عايش في أميركا
مفارقات المجتمع الرأسمالي في قمة تطبيقاته العملية وخلق عنده ردود فعل جديدة
قادته إلى تحليل
نقدي لطبيعة المجتمع وطبيعة الفن ومكانته في مجتمع وصل إلى مرحلة
استهالكية متقدمة ،كما ربط بين اإلنتاج الفني بجميع أشكاله ومظاهره ومحتوياته وبين
وسائل اإلعالم والدعاية
واإلعالن وكذلك الدور االقتصادي المهيمن الذي لعبته في
المجتمع.
يمكن إيجاز
أطروحات أدورنو النقدية في ثالث جدليات مركبة ومتداخلة بعضها مع البعض اآلخر
:جدلية العقل ،والجدل السلبي والنظرية الجمالية ،وتشكل مفهوما مركبا لنقد الحداثة
وما بعد
الحداثة .وفي كل ذلك ينطلق أدورنو في نقده الجدلي من الداخل ،فهو ينقد
الفلسفة التقليدية وينقد اإلنسان المحاصر بتناقضات الذات والهوية ،وخاصة بعد
انهيار منظومات الفكر الفلسفي
المثالي ،الذي أنتج بدوره تناقضا يقوم على اختراق
الفرد المحاصر بتصور معين لهويته وشموليته التي تذوب في مؤسسات الدولة والسلطة
والمنظومات االجتماعية واالقتصادية والسياسية
التابعة لها.
وفي نقده
للفلسفة التقليدية ينقد بدوره الوضع االجتماعي المتأزم للفرد الذي يتجاوز حدود
إشكاليات الوعي المتحكمة به وبأفراد المجتمع .وبهذا ينزل أدورنو الفلسفة من
عليائها إلى الواقع
االجتماعي ،ليربط بين النظرية والممارسة العملية ربطا جدليا
.فهو يقول “من يريد اختيار الفلسفة كعمل مهني دؤوب ،عليه أن يستغني ومنذ البداية عن
األوهام التي عملت بها الفلسفة القديمة،
وأن يدرك الواقع من خالل الفكر” .بهذه
المنهجية السوسيولوجية التحليلية يطرح أدورنو جدله السلبي ليواجه به الفلسفة
األلمانية التقليدية ،من الميتافيزيقيا الهايدغرية إلى الوجودية
األنطولوجية .ومن
يتأمل أعمال أدورنو طيلة العقود األربعة األخيرة من عمره يالحظ بوضوح تشديده على
نقد هايدغر وبخاصة في الستينات من القرن الماضي حيث انتقد “لغو الوجودية”
ومشروع
هايدغر الفلسفي في العشرينات من القرن الماضي الذي توجه بكتاب “الكينونة والزمن”
الذي صدر عام .1927وكان هدف أدورنو فيه هو فضح الخطاب الفلسفي األلماني لما بعد
الحرب العالمية الثانية الذي يذكر المرء بتعابير وشعارات ولغة نازية .كما سعى من
جهة أخرى إلى الكشف عن وجود عالقة بين فلسفة هايدغر واأليديولوجية النازية.
الجدل السلبي
في كتابه
الهام “الجدل السلبي” Negative Dialektikالذي صدر
عام 1966والذي يعتبر من أهم أعمال أدورنو الفلسفية ،مجموعة من المقاالت الفلسفية
الرصينة التي تعكس اهتماماته
المعرفية المتنوعة التي صاغها في حبكة فنية رصينة
ونسجها بخيوط غير مرئية ،يتداخل بعضها مع البعض اآلخر في وحدة محكمة .وتأتي صرامة
أدورنو من قوة أسلوبه وعدم انتظام أفكاره
وصعوبة مسكها ،وعدم تنازله ألي نظام
سياسي أو اجتماعي.
والواقع أن
“الجدل السلبي” هو عمل فلسفي رفيع المستوى عالج فيه موضوع الفرد واستالبه في
المجتمع الصناعي محاوال االنحياز إلنقاذ الذات ،في عالم متسلط ،منطلقا من أن نقد “السلبي”
هو في ذات الوقت نقد أيديولوجي يرفض بقوة العالم الحالي وتسلطه ،مؤكدا التحطيم
الذاتي الذي قام به العقل لمحتوياته منذ كانت ،وكذلك الطريقة التي أدت بهذه األداة
الهامة ،أي العقل ،إلى
أن تكون مستلبة وعاجزة عن الفهم واإلدراك والنقد الموضوعي
لواقعها ،بالرغم من التطور المادي وارتفاع مستوى رفاهية الفرد وحريته الشكلية
وسعيه المتواصل نحو تحقيق ذاته عن طريق
عقلنة ما يحيط به .وبهذا تحول العقل إلى
“أداة” موضوعية استغلتها الطبقة الوسطى المسيطرة وسّيرتها حسب مصالحها.
كما يحّلل
أدورنو الفكر الفلسفي التنويري وأثره في إخفاق العقل ومن ثم نقده ،فيبدأ بكانت
،الذي طور أول مفهوم فلسفي للنقد ،حيث كان العقل قبل كانت في حالة استالب أمام
المطلق ،وفي
حالة قمع من قبل الالهوت وسلطته المهيمنة .أما هيغل فكان أول من طبق
الطابع الشكلي الذي قدمه كانت لتحليل التجربة اإلنسانية من أجل اكتشاف حركة العقل
وآليته الداخلية التي تجسدت
في الجدل في جوهره السلبي لطبيعة األشياء.
وإذا اتجه
النقد عند كانت للبرهنة على محدودية العقل ،توجه النقد عند أدورنو إلى اإلنسان
بالذات متأثرا بهيغل في صياغته للجدلية بوصفها تعبيرا عن السلب ،الذي يتحقق
بالعملية الجدلية.
يرى أدورنو
أن التطور العقالني الذي انبثق من دور العقل نفسه ،يحكمه قانون السيطرة وفق
المعادلة التالية :الطبيعة /اإلنسان ،واإلنسان /الطبيعة .إن هذه السيطرة خلقت
وعيا جديدا أطلق
عليه أدورنو “الوعي التكنولوجي” الذي جعل من العقل مجرد “آلة”
انحرفت عن مسارها الموضوعي وتوجهت إلى خدمة مصالحها الخاصة .كما وجه أدورنو نقده
في “الجدل السلبي” إلى
العقل كموضوع ورفعه إلى قوة ديناميكية تقوم على قدرة
تأويلية أخرى للعقل أطلق عليها “التفكير الثاني” الذي يعبر عن حركة جديدة تعمل ضد
العقل ،وبفعل عقالني آخر يفرزه العقل نفسه.
وبهذا يتحول العقل نفسه إلى رقيب على
ديمومة جدلية السترداد طاقاته التي سلبها الواقع من دون السقوط في ميدان هيمنة
الوعي السائد.
ويعتبر
كتاب “الجدل السلبي” أهم ما أنجزه هذا الفيلسوف طيلة حياته كلها ،حيث يعلن فيه
ثورته العارمة على العقل الغربي دون هوادة ،الذي خان مبادئه التنويرية أو انحرف
عنها مما أنتج
الفاشية والنازية وتخلى بذلك عن الرؤية المتفائلة للتاريخ وراح يصب
جام غضبه على العقل األداتي-النفعي للحضارة الغربية باعتباره عقال شموليا
واستئصاليا.
سوسيولوجيا الجمال
في نقده
للحداثة وما بعد الحداثة في مجاالت الفن واألدب والثقافة خرج عن سياق تفكيره في
الجدل السلبي ،حيث عالج في “جدل التنوير” ،الذي صدر عام 1947باالشتراك مع
هوركهايمر،
مرحلة المجتمع الصناعي المتقدم الذي تميز بتقدم علمي وتقني أكثر صرامة
،مركزا في نظريته “سوسيولوجيا الجمال” على مفهوم جديد أطلق عليه “الثقافة المصنعة”
،محاوال تقديم تحليل
نقدي لطبيعة المجتمع والفن والثقافة في مجتمع وصل إلى مرحلة
متقدمة من االستهالك ،وربط فيه بين اإلنتاج الفني بجميع أشكاله ومظاهره ومحتوياته
وبين وسائل الدعاية واإلعالن والدور
االقتصادي المهيمن الذي تلعبه أجهزة االستهالك
الجماهيرية.
يرى أدورنو
أن الفن يتضمن خصائص معرفية ،فهو مطبوع بأفكار التحرر التي تظهر بوضوح في األعمال
الفنية الراقية ،وما يقرر ذلك هو الوسيلة التي تربط بين الشكل والمضمون ،الذي
يربط
دوما بخصوصية اجتماعية تطبع العمل الفني الراقي وكذلك مضمونه ،اللذين يحتاجان إلى
وسيط ،وهو الحماية النظرية ،التي تدعم وظيفته النقدية.
فالفن له
وظيفة نقدية ،ألنه يخلق عالما جماليا جديدا معادال النغالق الواقع ومواجهته ،وفي
ذات الوقت لتغييره .ففي المجتمع الصناعي المتقدم تصبح الحياة اليومية أداة سلب
للوعي وقمعه،
ولذلك فالعمل الفني يخلق “فضاء” إلعادة إنتاج الوعي االجتماعي
وتثويره ومنحه طاقة رفض جديدة يتجاوز بها ما يفرضه المجتمع االستهالكي من سلع
مغرية ،وبذلك يستعيد العقل قابليته
على الحلم والتحليق في فضاءات غير محدودة ،وهو
فضاء التخّيل الذي يقود إلى إدراك الهوية المستلبة للواقع ،وتشكيل موقف فكري سالب
جديد .وبهذا فإن العمل الفني يشكل في الحقيقة
الوسيلة األخيرة الممكنة لحماية
الوعي ومقاومة االستالب وإعادة اكتشاف قوة المقاومة الفنية ،كما تظهر في الفنون
وفي الموسيقى على وجه الخصوص ،التي تمنح للفنون الحس المعاصر
والحديث برفضها
الواقع من أجل إعادة إنتاجه وتغييره ،وخلق “الفن األصيل” الذي يحمل إمكانية هدم ما
هو قائم ،والذي يمثل جميع أنواع الخلق الفني وليس التشكيلي وحده ،الذي يتشبه بكل
ما هو راهن وساخن ومغترب ويتطلب الجدة والتفرد والدينامية والتنافر ،ألن الطابع
المميز للتجربة الفنية هو المغايرة لما يجري في الواقع.
تطورت
النظرية الجمالية ألدورنو من خالل نقده لطبيعة الحياة االجتماعية اليومية في
المجتمع الصناعي المتقدم وثقافته المصنعة ،مركزا على المجتمع االستهالكي الذي
يمارس قدرة على
تحويل الثقافة الحقيقية إلى ثقافة جماهيرية استهالكية ،بسبب التسلط
والقمع ،اللذين لم يعودا يمارسان عن طريق المؤسسات العسكرية واألمنية ،وإنما عن
طريق السيطرة على وسائل الدعاية
واإلعالم وتسخير الثقافة والفنون لمصلحته
وااللتفاف حولها وتزييفها .وقد أصدر أدورنو أحد أهم كتبه الموسوم بـ”النظرية
الجمالية ” عام 1971الذي شرح فيه مفهوم الفن وليس تاريخ الفن،
/تيودور-أدورنو-نقد-الحداثة-وما-بعدهاhttps://couua.com/2020/10/29/ 1/3
02/10/2022 17:59 – couuaتيودور أدورنو :نقد الحداثة وما بعدها – كوة
وناقش فيه العالقة
بين الفن والمجتمع ومفاهيم الجمال والجميل والقبيح ،والفن والتكنولوجيا ،والجمال
والطبيعة وكذلك الفن والميتافيزيقيا والعالقة بين الذات والموضوع وغيرها .وإذا
اعتبر
أدورنو العمل الفني انعكاسا ماديا للواقع االجتماعي السائد ،فإنه ال يعبر عن
طبقة ما ،ألنه تعبير عن الكون اإلنساني .وإذا كانت ملكة الفن هي التخّيل ،فعلى
المرء أال يطالب بالتعبير عن طبقة
معينة ،وإال تخلى الفن عن التخّيل الذي هو في
ماهيته غير واقعي ،في حين أن الطبقة هي مبدأ فعال في الواقع .وبحسب أدورنو ،فإن
ملكة التخّيل في الفن تربط بين الحساسية وعالم العقل،
وعندما يتخلى الفن عن
التخّيل فإنه يتخلى أيضا عن الجمالي ،الذي يفصح عن االستقالل الذاتي للفن عن نفسه
ويسقط في األخير في أسر الواقع ،الذي يسعى الفن إلى فهمه وتجاوزه ،وبالعكس
فإن
التخلي عن الجمالي يعني التنازل عن المسؤولية في خلق الواقع اآلخر من داخل الواقع
القائم .والتخّيل عند أدورنو هو عملية عقلية لها قواعدها وقيمها ووظيفتها
اإلدراكية ،التي تقود إلى
عالم الفن الذي يخفي وراءه الصورة الجمالية واالنسجام
الحسي والعقلي الذي يكتبه الواقع المعيش .ومن هنا تظهر مسؤولية الفنان في محاربة
التشيؤ والتسلط والقمع.
رأى أدورنو
أن في القرن العشرين زمنا يهدم فيه العقل نفسه ليضيع في وعي تكنوقراطي وثقافة
مصنعة وذلك بسبب الجدل السلبي لعصر التنوير ،الذي عجز عن تجاوز محنته والخروج عن
الطريق المسدود .وقد وجد في الفن واألدب والموسيقى قوة إبداع قادرة على أن تقول
“ال” في وجه المجتمع االستهالكي .فالفن هو البديل والوسيلة الوحيدة للنضال ضد
الرأسمالية ،التي لم
يفكر يوما في إمكانية القضاء عليها عن طريق الثورة ،وأن
المعرفة التي يصل إليها اإلنسان عن طريق الفن ،هي أعظم معرفة ،أما المعرفة عن طريق
العلم فهي معرفة قاصرة ،ألنها تعكس
الحقيقة فقط .كما أن تحرر الفرد من سيطرة
الرأسمالية يتم من خالل االحتجاج وليس عن طريق التحرر الجنسي ،كما حدث في
الستينات ،وإنما من خالل “الفن األصيل” الذي يحمل إمكانية
هدم ما هو قائم ويعُد
دوما بالسعادة.
إن آراء
أدورنو الموجهة إلى حركات الطالب والشباب “الثورية” تذكرني بحادثة هامة كان لها
تأثير على نهاية أدورنو المأساوية .ففي نهاية الستينات من القرن الماضي عندما كنت
طالبا في
جامعة فرانكفورت بألمانيا الغربية لدراسة علم االجتماع حدثت واقعة هامة
عايشتها عن كثب .فقد كان أدورنو يقدم للجيل الجديد من الطالب والشباب نصائحه كي ال
تقع ألمانيا مرة أخرى في
براثن النازية أو الفاشية أو األيديولوجية التوتاليتيرية
،بعد أن أصبح مع هربرت ماركوزه ويورغن هابرماس “الضمير المفكر أللمانيا” ،الذين
أخذوا يفككون أيديولوجيا الحداثة الرأسمالية التي
أدت إلى الخراب وأصبحت آراؤهم
“الثورية” ذات التوجه الماركسي القاعدة األيديولوجية للحركات االحتجاجية من طالبية
وعمالية ويسار متطرف وشعارات الزمة لمحاربة الرأسمالية
الصناعية المتقدمة.
فخالل إلقاء أدورنو محاضرته حول “علم الجمال” في القاعة الكبرى بجامعة فرانكفورت في 22أبريل ،1969تقدمت طالبات يلبسن جاكيتات جلدية ،وكانت كل واحدة منهن تحمل في يدها
وردة حمراء ،من منصة أدورنو وخلعن جاكيتاتهن وتعّر ين ثم قدمت كل واحدة منهن الوردة الحمراء إلى أدورنو بطريقة مسرحية ساخرة ،احتجاجا على آرائه النظرية البحتة التي لم تنزل إلى
واقع الممارسة العملية في الواقع االجتماعي ،فهو لم يكن مثقفا راديكاليا يشارك الطالب والشباب في تظاهراتهم في شوارع فرانكفورت ،وإنما كان يحاول تهدئتهم بآرائه “الثورية” واتهموه
بأنه مفكر “رجعي محافظ” ومتواطئ مع البرجوازية .ولم يكن أمام أدورنو سوى النزول من المنصة بامتعاض والخروج من القاعة مصدوما .وقد توفى أدورنو بعد بضعة أشهر يائسا وحزينا
بالسكتة القلبية وهو في الخامسة والستين من عمره.
خلدون النبواني حول استقبال فرنسا المتأخر لفكر تيودور أدورنو :إننا إذ نختار فكرة “الحضور” بدًال من ِفكرة “التأثير” عنوانًا لمقاربتنا هذه ،فإننا نفعل ذلك بدواعي عَّدة قد تستدعي مّنا
بعض التوضيحات؛ فما نقصده ﺑ”الحضور” هنا هو محاولة إظهار التجّلي الشبحّي لفكر أدورنو الذي “يسكن” hanteنظرية الُّسلطة عند ميشال فوكو …أكمل القراءة »
مرسلي لعرج مرسلي لعرج قسم علوم االعالم واالتصال ،جامعة وهران 1أحمد بن بلة الجزائر من يكون ثيودور دبليو أدورنو ، Theodor W.Adornoالذي توفي عام 1969في
ألمانيا )خالل فترة االحتجاجات الطالبية ،والذي كان فكره يهدف إلى تغيير العالم من خالل نقد زيفه ومغاالطاته؟ كيف ميز الفن والثقافة؟ ما …أكمل القراءة »
خلدون النبواني خلدون النبواني “الدين والفضاء العام” :سيتوضح موقف هابرماس ومطالبه بتغيير نظرة الدولة الحديثة ومواطنيها العلمانيين نحو دور الدين والمتدينين في الحياة السياسية
أكثر في مقاله الثالث واألخير من كتاب بين الطبيعانية والدين والمعنون ﺑ “الدين والفضاء العام”ُ .يبّر ر هابرماس ،مرة جديدة ،هنا اهتمامه بالمسألة الدينية لكونها فرضت نفسها …أكمل
القراءة »
خلدون النبواني خلدون النبواني العقل والدين :الحوار مع راتزنغر ( )2004على خالف خطاب “اإليمان والمعرفة” المتحمس لعودة الديني ،سيتدارك هابرماس حماسه ذاك ويعود إلى دقته
وحذره المعهودين وإلى مواقعه العقالنية الرصينة حين ُسيدعى بعد ثالث سنوات من ذلك إلى مدينة ميونخ األلمانية وتحديدًا في 19جانفيي/كانون الثاني من عام … 2004أكمل القراءة »
خلدون النبواني خلدون النبواني يأتي هابرماس في مقدمة الطبعة الفرنسية لمؤلفه الضخم نظرية الفعل التواصلي على تطور تفكيره من نظرية الوعي إلى نظرية التواصل وصوًال إلى عالقة
األخالق والقانون والديمقراطية .باإلضافة إلى هذه المراحل الثالث في انتقال هابرماس ،أو توسيع دائرة اهتمامه ،من مبحث إلى آخر ،فإن هناك من يتحدث …أكمل القراءة »
/تيودور-أدورنو-نقد-الحداثة-وما-بعدهاhttps://couua.com/2020/10/29/ 2/3
02/10/2022 17:59 – couuaتيودور أدورنو :نقد الحداثة وما بعدها – كوة
ترجمة :أيوب هاللي كان الفيلسوف الهولندي مركزًا تعارضه على النماذج الباردة للعقالنيين ,في الرياضيات ,وبالخصوص في لعبة القوى المؤثرة والفاعلة فينا وفي مقدمتها ,الرغبة– .من
بين السمات البارزة للوباء الحالي (كوفيد ,)19-هو أنه حّث بشكٍل خارق للعادة على ضرورة االستعانة بالنماذج ,األرقام والمنحنيات ,عموما ,بينما األطباء منشغلون بجمع المعطيات,
والحواسيب …أكمل القراءة »
ثالثية الالشعور ،فهمها لتصبح أفضل :األلم ،اإلسواء ،التجدد مرسلي لعرج مرسلي لعرج قسم علوم االعالم واالتصال ،جامعة وهران 1أحمد بن بلة ،الجزائر فيرونيك سلمان محللة نفسية
بالقرب من ليل .معالجة إلكترونية ،ترافق مرضاها ،وخاصة المغتربين الفرنسيين ،عبر سكايب أو فيس تايم ،في جميع أنحاء العالم ،تمثل الجلسات عبر …أكمل القراءة »
مرسلي لعرج مرسلي لعرج قسم علوم االعالم واالتصال ،جامعة وهران ،1أحمد بن بلة ،الجزائر كلير كريجنون دكتورة في الفلسفة في CNRSوأستاذة محاضرة في الفلسفة في جامعة
باريس -السوربون .تسلط الضوء الفلسفي على األزمة التي نمر بها ،عن طريق استحضار كبار المفكرين منذ أفالطون .مقابلة .ما هو الدور الممكن …أكمل القراءة »
مرسلي لعرج مرسلي لعرج قسم علوم االعالم واالتصال،جامعة وهران 1أحمد بن بلة،الجزائر ما هي النطاقات االجتماعية أين يجري التعبير عن طلبات االعتراف؟ في المجتمعات الحديثة،
يمكننا تمييز ثالثة نطاقات تقدير تلعب دوًر ا مهًم ا في فهم ممارساتنا وحياتنا االجتماعية .مبدأ الحب في النطاق الحميمي ،مبدأ المساواة في نطاق القانون ،وإنجازات …أكمل القراءة »
غزافييه بافي :ما الذي تكشفه لنا الفلسفة عن وباء فيروس كورونا
15يونيو 2020ترجمة ,مفاهيم ,مقاالت0
مرسلي لعرج مرسلي لعرج قسم علوم االعالم واالتصال،جامعة وهران 1أحمد بن بلة،الجزائر عندما يواجه العالم واقًعا يتجاوزه ،عندما تكون حياة البشر على المحك ،تظهر األسئلة الفلسفية
مرة أخرى .لذا ،تجبرنا مرحلة الخوف هذه والذعر والقلق إلى إعادة التفكير في صلب حياتنا اليومية .التساؤل الذي يطرح نفسه في مثل هذا …
/تيودور-أدورنو-نقد-الحداثة-وما-بعدهاhttps://couua.com/2020/10/29/ 3/3