Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 3

‫الوحدة الدراسية‪ :‬الثالثة‬

‫املدخل‪ :‬القتداء‬
‫املوضوع‪ :‬عثمان بن عفان رض ي هللا عنه وقوة الحياء والبذل‬
‫أهمية املوضوع‪ّ :‬إن انحراف منهج التفكير وفساد العقيدة يؤدي إلى اختالل القيم‪ .‬وإن من أهم هذه القيم التي‬
‫اختلت في سلوكنا اليوم‪ ،‬قيمة الحياء‪ .‬والناظر املتأمل في سير األنبياء عليهم السالم يجد الحياء قيمة مشتركة بينهم‬
‫جميعا‪ .‬وقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪« :‬لكل دين خلقا‪ ،‬وخلق اإلسالم الحياء»‪ ،‬وهو ما يؤكد أهمية هذه‬
‫القيمة ومكانتها في اإلسالم‪ ،‬وإن أعظم من تمثل هذا الخلق بعد رسول هللا الصحابي الجليل عثمان بن عفان رض ي‬
‫هللا عنه‪ ،‬لذلك أهمية املوضوع تتمثل في حديثنا عن أهمية خلق الحياء وعن أهم مظاهره وتجلياته‪ ،‬بالتركيز على‬
‫هذا النموذج في القتداء‪.‬‬

‫‪ I‬السند‪:‬‬
‫ً‬
‫مضطجعا في بيتي‪،‬‬ ‫عن عائشة رض ي هللا عنها قالت‪« :‬كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫ثم استأذن‬ ‫َّ‬
‫فتحدث‪َّ ،‬‬ ‫كاشفا عن ساقيه‪ ،‬فاستأذن أبو بكر فأذن له‪ ،‬وهو على تلك الحال‪،‬‬ ‫ً‬
‫ثم استأذن عثمان‪ ،‬فجلس رسول هللا صلى هللا عليه‬ ‫َّ‬
‫فتحدث‪َّ ،‬‬ ‫عمر‪ ،‬فأذن له‪ ،‬وهو كذلك‪،‬‬
‫فلما خرج‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬دخل أبو بكر‪ ،‬فلم تهتش له‬ ‫فتحدث‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫وسلم‪َّ ،‬‬
‫وسوى ثيابه‪ ،‬فدخل‬
‫وسويت ثيابك‪،‬‬ ‫ثم دخل عثمان فجلست َّ‬ ‫ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله‪َّ ،‬‬‫ولم تباله‪َّ ،‬‬
‫فقال‪« :‬أل أستحي من رجل تستحي منه املالئكة»‪ ،‬رواه مسلم في صحيحه‪:‬‬
‫‪ .1‬الشرح والفهم‬
‫‪ −‬مضطجعا‪ :‬مستلقيا على جنبه‬
‫‪ −‬كاشفا عن ساقيه‪ :‬يدل على هيئة اطمئنان للنبي صلى هللا عليه وسلم في بيته‬
‫‪ −‬لم تهتش له‪ :‬أي لم تتحرك ألجله ولم تغير من وضعك‬
‫‪ .2‬املضمون‬
‫سلوك النبي صلى هللا عليه وسلم دليل على املنهج التربوي الذي كان ينتهجه في إعداد صحابته‬
‫لحمل الرسالة‪ ،‬واستحياؤه من عثمان بن عفان دليل على قيمة هذا الخلق وعلى سمو مقامه رض ي‬
‫هللا تعالى عنه كنموذج للتأس ي والقتداء‪.‬‬
‫‪ II‬تحليل املضمون‪:‬‬
‫‪ .1‬املنهج النبوي في تربية الصحابة وإعدادهم لتحمل املسؤولية‪:‬‬
‫يقول هللا تعالى في سورة يوسف مخاطبا نبيه الكريم‪﴿ :‬قل هذه سبيلي أدعو إلى هللا على بصيرة أنا ومن‬
‫اتبعني﴾ [اآلية‪ ،]108 :‬فالرسول صلى هللا عليه و سلم لم يكن يشتغل بالدعوة إلى دين هللا وحده‪ ،‬بل‬

‫‪1‬‬
‫كان الصحابة أيضا معنيون بهذا األمر‪ ،‬و لذلك كان عليه الصالة و السالم يربيهم ّ‬
‫ويعدهم لتحمل‬
‫مشاق الدعوة‪ ،‬فكلما أى منهم خلال ّ‬
‫سدده‪ ،‬وكلما رأى ضعفا قواه‪ ،‬وكلما رأى بذل وشجاعة وتضحية‬ ‫ر‬
‫وجهه‪ ،‬حتى صاروا مثال يقتدى ويحتذى به‪ ،‬فصاروا رضوان هللا عليهم صفوة الخلق بعد الرسول‬ ‫ّ‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬اختارهم هللا تعالى لصحبة نبيه ليتعلموا منه دينهم وينشروه في أصقاع األرض‪،‬‬
‫ويكونوا حجة على الناس‪.‬‬

‫‪ .2‬نماذج للتأس ي والقتداء‪ :‬عثمان بن عفان رض ي هللا عنه و قوة الحياء والبذل‪:‬‬
‫ارتباطا بموضوع الحياء وفي عالقة بنبي هللا يوسف عليه السالم ونبي هللا محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬اخترنا الحديث‬
‫عن عثمان بن عفان رض ي هللا عنه ألن الحياء صفة مشتركة بينهم‪ ،‬وهو ما يؤكد أمرا بالغ األهمية وهو أن هذه القيم‬
‫ل تخص األنبياء والرسل لوحدهم وإنما خاطب هللا بها جميع الناس وما عثمان بن عفان الذي عرف بشدة حيائه إل‬
‫دليل وحجة‪ ،‬وقبل التعريف بهذا الرجل الفذ ل بد أن نمر بمفهومي الحياء والبذل‪:‬‬

‫أ‪ .‬تعريف الحياء‬


‫هو خلق يبعث صاحبه على اجتناب القبيح‪ ،‬ويمنع من التقصير في حق ذي حق‪.‬‬

‫إن النظر في هذا التعريف يبين أن الحياء ليس باملفهوم الذي نتمثله حقيقة في حياتنا بل هو أشمل وأعمق من‬
‫ذلك بكثير فقولنا خلق بمعنى أنه صفة ثابتة في سلوك صاحبه‪ ،‬وقولنا يبعث صاحبه أي يحثه ويحفزه ويشجعه‬
‫على اجتناب القبيح‪ ،‬والقبيح كل ما حرمه هللا تعالى وأدركه العقل فهما ومعرفة وخبرة‪ ،‬وأما قولنا يمنع من‬
‫التقصير في حق ذي حق فهو يظهر عظمة هذه القيمة ونتائجها في حياة وسلوك املسلم‪ .‬فالحياء ليس ضعفا في‬
‫الشخصية ول خجال كما يتمثله البعض بل هو إيمان اإلنسان بأهمية ما يفعله‪ ،‬ويقينه بالنتائج‪ ،‬ومن هنا تتبين‬
‫أهمية هذا الخلق في عفة اإلنسان ومنعه من كل مظاهر الفاحشة والفساد وبعثه على الوفاء بالحقوق وتحمل‬
‫ً‬
‫معطاء‪ ،‬يبذل ما في وسعه لتحقيق هذه الغاية‪.‬‬ ‫املسؤولية‪ ،‬وتجعل منه فردا نافعا‬
‫ب‪ .‬تعريف البذل‪:‬‬
‫العطاء وإنفاق الجهد واملال عن طيب نفس ابتغاء وجه هللا تعالى‪.‬‬

‫ت‪ .‬التعريف بعثمان بن عفان رض ي هللا عنه‪:‬‬


‫• نسبه ووالدته‪ :‬هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف‪ ،‬فهو قرش ي أموي‬
‫يجتمع والنبي صلى هللا عليه وسلم في عبد مناف‪ .‬هو ثالث الخلفاء الراشدين‪ ،‬ولد بالطائف بعد الفيل‬
‫بست سنين‪.‬‬
‫• كنيته‪ :‬يكنى رض ي هللا عنه بـذي النورين‪ ،‬ألنه تزوج رقية وأم كلثوم ابنتي النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫• إسالمه‪ :‬رابع من أسلم من الرجال‪ ،‬من العشرة املبشرين بالجنة‪ ،‬من الستة الذين توفي رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم وهو راض عنهم‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫• هجرته‪ :‬أول املهاجرين إلى الحبشة‪ ،‬ثم هاجر الهجرة الثانية إلى املدينة املنورة (صاحب الهجرتين)‬
‫• وفاته‪َّ :‬‬
‫تنبأ له النبي صلى هللا عليه وسلم بالشهادة‪ ،‬فاستشهد يوم الجمعة ‪ 18‬ذي الحجة سنة ‪ 35‬هجرية‪.‬‬
‫ث‪ .‬عثمان بن عفان وقوة الحياء والبذل‪:‬‬
‫كان عثمان بن عفان شديد الحياء من هللا يخاف أن يجده في غير طاعة؛ وشديد الحياء من الرسول صلى هللا عليه‬
‫وسلم يطيعه في كل الشؤون ول يتقدم عليه في أي أمر‪ ،‬يخش ى أن يؤذيه أو يس ئ األدب معه؛ وفي خصاله كان ّ‬
‫ستيرا‪،‬‬
‫َ‬
‫خفيض الصوت‪ ،‬لينا حليما‪ ،‬وقورا‪ .‬شهد له الرسول الكريم بالحياء‪ ،‬فقال‪« :‬أرحم أمتي أبو بكر‪ ،‬وأش ُّدها في دين هللا‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ولشدة حيائه كان صلى هللا عليه وسلم يخصه بوقار ومعاملة خاصتين‪ ،‬حيث قال‬ ‫عمر‪ ،‬وأصدقهم حياء ُعثمان»‪.‬‬
‫عليه السالم في حديث عائشة رض ي هللا عنها‪« :‬أل أستحي من رجل تستحي منه املالئكة» وما نال هذه املكانة العظيمة‬
‫إل ألنه كان رض ي هللا عنه من كبار التجار‪ ،‬لكن حياءه منعه من أن يتكبر على الناس‪ ،‬بل كان كثير البذل والعطاء‪،‬‬
‫فكان يبذل ماله بغير حساب في سبيل هللا وطاعة رسوله وإعالء كلمة دينه ومن نماذج بذله‪:‬‬
‫‪ .1‬إنفاقه في الجهاد في سبيل هللا‪ :‬فقد جهز جيش العسرة في تبوك‪ .‬ولم يترك غزوة من الغزوات إل‬
‫وتصدق بمال أو طعام؛‬
‫‪ .2‬إنفاقه في سقي املاء‪ :‬اشترى بئر رومة من رجل من بني غفار وجعلها وقفا للمسلمين في املدينة؛‬
‫‪ .3‬إنفاقه في بناء املساجد‪ :‬اشترى رقعة أرض مجاورة لتوسعة املسجد النبوي؛‬
‫‪ .4‬إنفاقه في إعتاق رقاب املسلمين‪ :‬كان رض ي هللا عنه يعتق كل جمعة رقبة في سبيل هللا منذ أسلم‪،‬‬
‫فجميع ما أعتقه ‪ 2400‬رقبة تقريبا‪.‬‬

‫ج‪ .‬القتداء بعثمان بن عفان رض ي هللا عنه في الدعوة إلى هللا من خالل قيمة الحياء والبذل‪:‬‬
‫يستطيع املؤمن أن يرتقي بنفسه اقتداء بهذا الصحابي في بذله وحيائه وذلك بما تحققه هاتين القيمتين من‪:‬‬

‫✓ تزكية النفس وتطهيرها وصون اللسان واستقامة الجوارج؛‬


‫✓ الوفاء بالحقوق والرقي باملجتمع وتنميته ووقايته من الفواحش الظاهرة والباطنة؛‬
‫✓ املبادرة إلى خدمة الصالح العام وجلب املنفعة لنفسه وملجتمعه؛‬
‫✓ تحقيق التكافل الجتماعي وكسب محبة اآلخرين والقضاء على مظاهر األنانية والكراهية والحقد؛‬
‫✓ جعل اإلنسان قدوة حسنة‪ ،‬يتأس ى به كثير من أفراد مجتمعه‪ ،‬فيكون سببا في صالح غيره؛‬
‫✓ نيل الكرامة في الدنيا والرفعة في اآلخرة؛‬

‫‪3‬‬

You might also like