Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 157

‫‪1‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫المحاضرة األولى‬

‫هدف المحاضرة ‪ :‬التعرف على مفهوم عام عن القواعد والقواعد الفقهية ومميزاهتا وأقسامها‬
‫ومكانتها يف الشريعة اإلسالمية ومصادرها‪ ،‬وعالقتها بعلم األشباه والنظائر‪.‬‬
‫نتيجة المحاضرة ‪ :‬الدارس قادر على شرح مفهوم القواعد الفقهية وكل شخصيتها اخلاصة‪.‬‬

‫مفهوم القواعد الفقهية‬

‫أوال ‪ :‬تعريف القواعد‬


‫عوداً‪.‬‬
‫القواعد لغة‪ :‬مجع للقاعدة‪ ،‬مأخوذ من قَ َع َد يَ ْقعُد قُ ْ‬
‫القواعد ‪ :‬قضية كلية‬ ‫وال َقعدة مبعىن املرة‪ ،‬و ِ‬
‫الق ْعدة مبعىن اهليئة‪ .‬ومعناها اللغوي ‪:‬‬ ‫ْ‬
‫منطبقة على جميع‬
‫‪ -1‬الثبوت واالستقرار يف املكان‪.‬‬
‫جزئياتها‪.‬‬
‫‪ -2‬األساس ويقال به أسس الشيء وأصوله‪ ،‬حسيا كان‬
‫(مثل قواعد البيت وهي ما يرفع عليه البنيان) أو معنويا‬
‫التدريبات‪:‬‬
‫( مثل قواعد الدين وهي دعائمه)‪.1‬‬
‫‪ -1‬عرف القواعد‬
‫اصطالحا؟‬
‫‪ -2‬هات ثالثا من مميزات‬
‫القواعد‬
‫‪ 1‬ابن منظور(‪ ،)1997‬لسان العرب‪،‬بريوت ‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪126 :‬‬
‫‪2‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ويف االصطالح‪ :‬قال اإلمام اجلُرجاين أن القواعد ‪ :‬قضية‬


‫المميزات والخصائص ‪:‬‬ ‫وعرفها اإلمام الفيومي ‪:‬‬
‫كلية منطبقة على مجيع جزئياهتا‪ّ .‬‬
‫األمر الكلي املنطبق على مجيع جزئياته‪.2‬‬
‫‪ -1‬قضية تركيبية‬

‫‪ -2‬قضية كلية‬
‫ثانيا ‪ :‬مميزات القواعد وخصائصها‬
‫‪ -3‬العموم والتجريد‬ ‫‪ -1‬إهنا قضية تركيبية ‪ :‬أي قضية إخبارية عن أشياء‬
‫‪ -4‬قضية تشتمل على‬ ‫كثرية يف نظم واحد‪.‬‬
‫الحكم الكلي بالقوة‬ ‫إهنا قضية كلية ‪ :‬أي أهنا تشمل على حكم كلي‬ ‫‪-2‬‬
‫‪ -5‬صيغة موجزة‬ ‫جامع لكثري من الفروع واجلزئيات‪.‬‬
‫إهنا ختتص بالعمومية والتجريد ‪ :‬أي أهنا غري‬ ‫‪-3‬‬
‫موجهة إىل شخص أو أشخاص بذواهتم وال إىل‬
‫وقائع معينة‪ ،‬فالعربة بعموم اللفظ‪.‬‬
‫إهنا قضية تشتمل على احلكم الكلي بالقوة ‪ :‬يستخرج من القاعدة بالفعل عند ورود‬ ‫‪-4‬‬
‫الوقائع واجلزئيات وتستخدم يف الكشف عن أحكامها اليت يتحقق فيها معىن القاعدة أو‬
‫موضوعها أو مناطها‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫المصباح المنير ‪700/2‬‬
‫‪3‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫إهنا تصاغ صياغة موجزة حمكمة دقيقة ‪ :‬تدل على الشمول واالستغراق حىت ال تنزل‬ ‫‪-5‬‬
‫القاعدة إىل منزلة الضابط‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬تعريف القواعد الفقهية‬


‫كما سبقنا الشرح عن معىن القواعد لغويا بأنه األساس أو أسس الشيء وأصوله‪ ،‬حسيا كان أو‬
‫معنويا‪.‬‬
‫والفقهية ‪ :‬نسبة إىل الفقه‪ ،‬والفقه هو العلم باألحكام الشرعية العملية املكتسب من أدلتها‬
‫التفصيلية‪.3‬‬

‫وعرف العلماء القواعد الفقهية مبعان عديدة من الناحية‬


‫ّ‬
‫االصطالحية ‪:‬‬
‫‪ -1‬اإلمام التَفتازاين ‪ :‬حكم كلي ينطبق على جزئياته‬
‫ليتعرف أحكامها منه‬
‫التعريف المختار ‪ :‬قضية‬
‫شرعية عملية كلية تشتمل‬ ‫السبكي ‪ :‬األمر الكلي الذي‬‫اإلمام تاج الدين َ‬ ‫‪-2‬‬
‫بالقوة على أحكام جزئيات‬ ‫ينطبق عليه جزئيات كثرية تفهم أحكامها منها‬
‫موضوعه‬
‫اإلمام ابن ُُنَيم ‪ :‬حكم أكثري ال كلي ينطبق على‬ ‫‪-3‬‬
‫أكثر جزئياته لتعرف أحكامها‬

‫‪ 3‬التعريف عند اإلمام اجلرجاين‬


‫‪4‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫الشيخ مصطفى بن حممد ُك َوزل َحصاري ‪ :‬حكم كلي ينطبق على مجيع جزئياته ليتعرف‬ ‫‪-4‬‬
‫به أحكام اجلزئيات واليت تندرج حتتها من احلكم‬
‫األستاذ مصطفى الزرقا ‪ :‬أصول فقهية كلية يف نصوص موجزة دستورية تتضمن أحكاما‬ ‫‪-5‬‬
‫تشريعية عامة يف احلوادث اليت تدخل حتت موضوعها‬
‫الشيح حممد علي الندوي ‪ :‬حكم شرعي يف قضية أغلبية يتعرف منها أحكام ما دخل‬ ‫‪-6‬‬
‫حتتها‬
‫والتعريف األخر عنده ‪ :‬أصل فقهي كلي يتضمن أحكاما تشريعية عامة من أبواب‬
‫متعددة يف القضايا اليت تدخل حتت موضوعه‬

‫التعريف املختار‪ 4‬للقواعد الفقهية ‪ :‬قضية شرعية عملية كلية تشتمل بالقوة على أحكام جزئيات‬
‫موضوعها‪.‬‬

‫ومعظم تعاريف القواعد الفقهية قيدت بقيود معينة حىت ال تتدخل فيها أمر آخر غري متعلق هبا‪.‬‬
‫ومن أهم القيود امللحوظة ‪:‬‬
‫‪ -1‬قيد "شرعي" أو "فقهي" ‪ :‬خيرج منه القواعد غري الشرعية مثل القواعد القانونية‪.‬‬

‫‪ 4‬وهذا ما عرفه واختاره الشيخ حممد عثمان شبري يف كتابه القواعد الكلية والضوابط الفقهية (‪ ،)2000‬ص ‪18:‬‬
‫‪5‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -2‬قيد صفة "أغلبية" أو "كلية"‪ :‬أن هذه القواعد‬


‫م ن ن ن أهن ن ننم القين ن ننود فن ن نني تعن ن نناريف‬ ‫متسمة بصفة األغلبية وقد يُند عن معظم القواعد‬
‫القواعد الفقهية ‪:‬‬
‫بعض فروع‪ ،‬وإن كان خروج تلك الفروع ال يغري‬
‫‪ -1‬قيد شرعي أو فقهي‬
‫‪ -2‬قيد صفة أغلبية أو كلية‬
‫صفة العموم للقواعد وال حيط من قيمتها‪.‬‬

‫التدريبات ‪:‬‬ ‫رابعا ‪ :‬مميزات القواعد الفقهية وخصائصها‬


‫‪ -1‬اش رح امل راد بقي د "الش رعي"‬ ‫‪ -1‬إهنا قضية تركيبية‪.‬‬
‫وقي د "األغلبي ة" يف تع اريف‬
‫‪ -2‬إهنا قضية كلية‪.‬‬
‫القواعد الفقهية‪.‬‬
‫‪ -2‬هات مميزات القواعد الفقهية‪.‬‬ ‫‪ -3‬إهنا ختتص بالعمومية والتجريد‪.‬‬
‫‪ -4‬إهنا قضية تشتمل على احلكم الكلي بالقوة‪.‬‬
‫‪ -5‬إهنا تصاغ صياغة موجزة حمكمة دقيقة‪.‬‬
‫‪ -6‬إهنا تستند إىل أدلة شرعية من الكتاب والسنة‬
‫أو اإلمجاع وغريها‪.‬‬
‫‪ -7‬إهنا ختتص باألحكام الشرعية العملية اليت تتعلق‬
‫بأفعال املكلفني وتصرفاهتم‪.‬‬
‫‪6‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫خامسا ‪ :‬وظيفة القواعد الفقهية وأهميتها ومكانتها في الشريعة‬


‫وظيفة هذه القواعد الفقهية وأمهيتها حنو الفقيه أو َمن يتعلم الفقه أو القضاة‪ ،‬كما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬تيسري الفقه اإلسالمي ول ِّم شعثه حبيث تنتظم الفروع الكثرية يف سلك واحد متسق حتت‬
‫قاعدة واحدة‪.‬‬
‫‪ -2‬تساعد على احلفظ والضبط للمسائل الكثرية املتناظرة حبيث تكون القاعدة وسيلة‬
‫الستحضار األحكام‪.‬‬
‫‪ -3‬تريب يف الباحث امللكة الفقهية وجتعله قادرا على اإلحلاق والتخريج ملعرفة األحكام اليت‬
‫ليست مبسطورة يف الفقه‪.‬‬
‫وحصرها يف‬
‫يسر للباحثني تتبع جزئيات األحكام واستخراجها من موضوعاهتا املختلفة ّ‬‫‪ -4‬تُ ِّ‬
‫موضوع واحد مع مراعاة االستثناء من كل قاعدة‪.‬‬
‫‪ -5‬إن ربْط األحكام املبعثرة يف خيط واحد يدل على أن هذه األحكام جاءت لتحقيق املصاحل‬
‫املتقاربة أو لتحقيق مصاحل أكرب‪.‬‬
‫‪ -6‬إن اإلملام بالقواعد أمر مقدور ميهد لإلملام بفروع الفقه املنتثرة‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫سادسا ‪ :‬أقسام القواعد الفقهية‬


‫إن تقسيم القواعد الفقهية راجع إىل تعلقها مبصادر التشريع‪ ،‬كما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬القواعد اليت هي من حيث ذاهتا نصوص األحاديث النبوية‪ ،‬مث جرت جمرى القواعد عند‬
‫الفقهاء‪ .‬واألمثلة من ذلك‪ ،‬القواعد اليت هي مبنية ومعربة من نص احلديث نفسه ‪":‬ال‬
‫ضرر وال ضرار"‪" ،‬اخلراج بالضمان"‪" ،‬الب يِّنة على املدعِي واليمني على من أنكر"‪.‬‬

‫القواعد املأخوذة من دالالت النصوص العامة املعلّلة‪ .‬أن الفقهاء يف كل عصر احتاجوا‬ ‫‪-2‬‬
‫إىل أن يضبطوا الفروع لوقايتها عن الشتات والضَّياع‪ ،‬ومن هنا جاءت هذه القواعد‬
‫خالصة مرّكزة لكثري من أحكام الفقه‪ .‬ولعل األمر الذي شجع الفقهاء على استنباط‬
‫هذه القواعد عند تعليل األحكام وجتدد‬
‫احلوادث‪ ،‬ما رأوه من بعض اآليات القرآنية‬
‫أقسام القواعد الفقهية ‪:‬‬ ‫واألحاديث النبوية اليت مجعت وأحاطت بكثري‬
‫* القواع د امل أخوذة م ن‬ ‫من األحكام يف بضع كلمات‪ .‬املثال على ذلك‬
‫األحاديث النبوية ذاهتا‬
‫‪ :‬سئل النيب صلى اهلل عليه وسلم عن األشربة‬
‫* القواع د امل أخوذة م ن‬ ‫كالبِْتع واملِزر‪ ،5‬وقال ‪" :‬كل م ِ‬
‫سكر حرام"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ة‬ ‫وص العام‬ ‫دالالت النص‬
‫املعلّلة‬
‫وهذا احلديث يأيت جبوامع الكالم جتمع أنواعا‬

‫‪ 6‬البتع ‪ :‬نبيذ العسل وهو مخر أهل اليمن‪ ،‬واملرز ‪ :‬نبيذ يتخذ من الذرة أو الشعري أو احلنطة‬
‫‪8‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫وإفرادا‪ .‬مث أهنم عن طريق مراهنم ومعايشهم مع الكتاب والسنة‪ ،‬توصلوا إىل نتيجة حتمية‬
‫وهي تعقيد القواعد أمر مهم يتفادى به التب ّدد والتنافر بني الفروع عند كثرهتا‪ .‬املثال عن‬
‫القواعد املأخوذة من دالالت النصوص العامة‬
‫املعللة ‪ :‬قاعدة " األمور مبقاصدها " املأخوذة من‬

‫مصادر القواعد الفقهية ‪:‬‬ ‫مفهوم النصوص العديدة‪ ،‬منها ‪ :‬اآلية (وليس‬

‫‪ -1‬القرآن الكريم‬ ‫عم َدت‬


‫ناح فيما أخطأمت به ولكن َّما تَ َّ‬
‫عليكم ُج ٌ‬
‫قُلوبُكم)(سورة األحزاب ‪ )5 :‬واحلديث النبوي‬
‫‪ -2‬السنة النبوية‬
‫‪":‬إمنا األعمال بالنيات‪ ،‬وإمنا لكل امرئ ما‬
‫‪ -3‬آثار الصحابة والتابعي‬
‫نوى‪."......‬‬
‫‪ -4‬اجتهادات الفقهاء‬
‫وهذا التقسيم يدل على أن القواعد مأخوذة من‬
‫النصوص الشرعية إما بطريقة املباشر أو التعليل‪ .‬فبذلك‪،‬‬
‫ال يصح الرجوع واالستناد إىل هذه القواعد كأدلة شرعية وقضائية لوحدها إال ما بُنيت من نص‬
‫األحاديث نفسه ألهنا يف حينئذ دليل أصو ي بكوهنا حديثا ثابتا مستقال‪.‬‬

‫مصادر القواعد الفقهية‬ ‫سابعا ‪:‬‬


‫ومن خالل شرح موضوع أقسام القواعد‪ ،‬يتضح لنا املصادر اليت أخذت منه القواعد ‪:‬‬
‫‪9‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -1‬القرآن الكريم ‪ :‬املثال على ذلك‪ ،‬اآلية ( يُر ُ‬


‫يد‬
‫سر وال يريد بكم العُ ْسر)‬
‫اهللُ بكم اليُ َ‬
‫واالستقراء لغة ‪ :‬التتبع‪.‬‬
‫(البقرة ‪ )185 :‬وهذه اآلية أصل لقاعدة "‬
‫طالحا ‪ :‬أن تتصن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ننف‬ ‫اص‬
‫املشقة جتلب التيسري"‪.‬‬
‫جزئي ن ننات كثي ن ننرة داخل ن ننة تحن ن ن‬
‫معنى كلي‪.‬‬ ‫‪ -2‬السنة النبوية ‪ :‬املثال على ذلك‪ ،‬احلديث "إمنا‬
‫االس تقراء الن اقص ‪ :‬أن يثبن ن ن ن‬ ‫األعمال بالنيات‪ ،‬وإمنا لكل امرئ ما نوى‪.".....‬‬
‫الحكن ننم فن نني الكلن نني لثبوتن ننه فن نني‬ ‫وهذا احلديث أصل لقاعدة "األمور مبقاصدها"‪.‬‬
‫أكثر جزئياته‪.‬‬
‫‪ -3‬آثار الصحابة والتابعي ‪ :‬كما أخذ من قول‬
‫علي ابن طالب قاعدة "ليس على صاحب‬
‫العارية ضمان"‪.‬‬

‫‪ -4‬اجتهادات الفقهاء ‪ :‬أن الفقيه جيمع األحكام املتشاهبة اليت تنظيمها وتعقيدها قاعدة كلية‬
‫جامعة‪ ،‬وذلك عن طريقة االستقراء‪ .‬واالستقراء لغة التتبع‪ ،‬ويف االصطالح ‪ :‬أن تتصفح‬
‫جزئيات كثرية داخلة حتت معىن كلي حىت إذا وجدت حكما يف تلك اجلزئيات حكمت‬
‫على ذلك الكلي به‪ .‬واالستقراء الذي استخدم واتبع الفقهاء به يف استخراج القواعد‬
‫الفقهية ‪ :‬االستقراء الناقص‪ ،‬وهو أن يثبت احلكم يف الكلي لثبوته يف أكثر جزئياته‬
‫(‪.)deductive‬‬
‫‪10‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫واملثال على ذلك‪ ،‬فقد استند الفقهاء قاعدة "الضرر‬


‫يزال" إىل جمموعة من النصوص الشرعية اليت تشتمل على‬
‫* الش به ‪ :‬الص ن ن ن ننفة الجامع ن ن ن ننة‬ ‫أحكام جزئية‪ ،‬منها ‪ :‬احلديث " ال ضرر وال ضرار"‪،‬‬
‫الص ن ن ننحيحة الت ن ن نني ا اش ن ن ننتر‬ ‫لود له بولَ ِده )‬ ‫واآلية ( ال تُ َّ ِ‬
‫ضآر والدةٌ بولَدها وال مو ٌ‬
‫فيهن ننا األصن ننل والفن ننر وج ن ن‬ ‫كاتب وال شهي ٌد )‬
‫ضآر ٌ‬‫(البقرة ‪ )233 :‬واآلية ( ال يُ َّ‬
‫اشن ن ن ن ن ننتراكهما فن ن ن ن ن نني الحكن ن ن ن ن ننم‬ ‫(البقرة ‪.)282 :‬‬
‫الواحد‪.‬‬

‫ثامنا ‪ :‬األشباه والنظائر‬


‫* النظ رية ‪ :‬االشن ن ننترا ب صن ن ننله‬ ‫اشتهر علم القواعد الفقهية بعلم األشباه والنظائر‪ .‬وذلك‬
‫ولو بوجه واحد منها‪.‬‬ ‫لكثرة مؤلفات فقهية من بداية القرن الثامن اهلجري هبذا‬
‫العنوان‪ .‬وأصل هذا العنوان يرجع إىل كتاب أمري املؤمنني‬
‫الفهم‬
‫عمر ابن اخلطاب إىل أيب موسى األشعري ‪َ " :‬‬
‫التدريبات ‪:‬‬
‫الفهم فيما خيتلج يف صدرك مما مل يبلغك يف الكتاب‬ ‫َ‬
‫‪ -1‬ه ل يص ح أن تك ون‬ ‫والسنة‪ ،‬اعرف األمثال واألشباه‪ ،‬مث قس األمور عند‬
‫القاع دة الفقهي ة دل يال‬
‫ذلك‪ ،‬فاعمد إىل أحبها إىل اهلل وأشبهها باحلق فيما‬
‫مستقال للحكم؟‬
‫ترى"‪.‬‬
‫‪ -2‬وض ح العالق ة ب ني املثي ل‬
‫والشبيه والنظري؟‬ ‫من الناحية اللغوية‪ ،‬كلمة األشباه (مفردها ِشْبه أو َشبَه)‬
‫تعين املِثْل يف اللغة‪ .‬ومعناها االصطالحي‪ ،‬الشبه هو‬
‫‪11‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫الصفة اجلامعة الصحيحة اليت إذا اشرتك فيها األصل والفرع‪ ،‬وجب اشرتاكهما يف احلكم الواحد‪.‬‬
‫وهبذا املعىن أنه ميثل بالعلة اجلامعة يف القياس‪.‬‬

‫والنظائر (مجع للنظرية) مبعىن املثل املساوي أي إذا نظرت إىل أحدمها فقد نظرت إىل اآلخر‪.‬‬
‫والنظرية تعين االشرتاك بأصله ولو بوجه واحد منها‪ .‬فأضافوها الفقهاء إىل األشباه حىت ميكن‬
‫مجع كل فروق وحقائق وأحكام ووقائع متشاهبة ال سيما قواعد متعددة حتت عنوان شامل وال‬
‫يعد ما يندرج حتته دخيال مقتحما‪.‬‬
‫فبذلك‪ ،‬حصلنا إىل ما استخدمه الفقهاء غالبا من مفهوم الكلمات املعينة ‪:‬‬
‫‪ -1‬املِثْل ‪ /‬املثِيل ‪ /‬األمثال ‪ /‬املُماثلة ‪ :‬مساواة شيء بشيء من كل وجه‬
‫َ‬
‫الشبيه ‪ /‬األ ْشباه ‪ /‬املشاهبة ‪ :‬اشرتاك شيء بشيء يف أكثر الوجوه ال كلها‬ ‫ِ‬
‫شبه ‪َ /‬‬
‫‪ -2‬ال ْ‬
‫‪ -3‬النظر ‪ /‬النظري ‪ /‬النظائر ‪ /‬املناظرة ‪ :‬اشرتاك شيء بشيء يف بعض الوجوه ولو وجها‬
‫واحدا‬

‫فاملثيل أخص من الشبيه‪ ،‬والشبيه أعم منه وأخص من النظري‪ ،‬فالنظري أعم منهما‪.‬‬
‫‪12‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫المثيل‬

‫الشبيه‬

‫النظير‬

‫المحاضرة الثانية‬

‫هدف المحاضرة ‪ :‬التعرف على العلوم املشاهبة بالقواعد الفقهية من خالل دراسة ومقارنة‬
‫املفاهم والعالقات واخلصائص والتطبيقات‪.‬‬
‫نتيجة المحاضرة ‪ :‬الدارس قادر على الشرح والتفريق والتعليق بني العلوم املشاهبة بالقواعد‬
‫الفقهية مع املثال املطبق‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫الفقه لغة ‪ :‬العلم بالشيء‬


‫والفهم له أي فهم الشيء‬
‫العالقة بي القواعد الفقهية والعلوم المشابهة بها‬
‫بدقة الفهم‪.‬‬

‫وشرعا ‪ :‬العلم باألحكام‬ ‫أوال ‪ :‬القواعد الفقهية والفقه وأصول الفقه‬


‫الشرعية العملية المكتسبة م‬ ‫تعريف القواعد الفقهية هو قضية شرعية عملية كلية‬
‫أدلتها التفصيلية‪.‬‬ ‫تشتمل بالقوة على أحكام جزئيات موضوعها‪ .‬وتعريف‬
‫الفقه لغة ‪ :‬العلم بالشيء والفهم له أي فهم الشيء بدقة‬
‫تعريف أصول الفقه ‪ :‬العلم‬
‫الفهم‪ .‬وتعريفه شرعا ‪ :‬العلم باألحكام الشرعية العملية‬
‫بالقواعد واألدلة االجمالية‬
‫املكتسبة من أدلتها التفصيلية‪.6‬‬
‫التي يتوصل بها لى استنباط‬
‫الفقه‪.‬‬
‫أما تعريف أصول الفقه ‪ :‬العلم بالقواعد واألدلة االمجالية‬
‫التدريبات ‪:‬‬ ‫اليت يتوصل هبا إىل استنباط الفقه‪ .‬أو ما عرفه اإلمام‬
‫‪ -1‬الفقه مكتسب من أصول‬ ‫التفتازاين ‪ :‬العلم بالقواعد اليت يتوصل هبا إىل استنباط‬
‫الفقه‪ .‬وقواعد الفقه‬ ‫األحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية‪ .‬واملراد‬
‫مكتسبة من الفقه وأصول‬
‫باألدلة التفصيلية هي األدلة اجلزئية اليت يتعلق كل منها‬
‫الفقه‪ .‬هل هذا صحيح؟‬
‫مبسألة خاصة وينص على حكم معني هلا‪ .7‬املثال ‪ :‬قوله‬
‫‪ّ -2‬‬
‫عرف االستقراء الناقص‪.‬‬

‫‪ 6‬التعريف عند اإلمام البيضاوي ( منهاج األصول)‪ ،‬واإلمام األمدي الشافعي (اإلحكام يف أصول األحكام)‬
‫‪ 4‬د‪ .‬عبد الكرمي زيدان‪ ،1994 ،‬الوجيز يف أصول الفقه‪ ،‬األردن ‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ص ‪10 :‬‬
‫‪14‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫تعاىل (حرمت عليكم أمهاتكم)( سورة النسآء ‪ )23 :‬فهذا دليل تفصيلي أو جزئي يتعلق مبسألة‬
‫خاصة ‪ :‬مسألة نكاح األمهات‪ .‬ويدل به حكم معني ‪ :‬حرمة نكاح األمهات‪.‬‬

‫بعد تأمل النظر واملقارنة بينها وجدت العالقة اجلذرية واالرتباط الوثيق بني هذه العلوم الثالث‪،‬‬
‫والعالقة العامة بينها هي‪:‬‬
‫أن أصول الفقه هي الدليل أو النص الذي يستنبط منه اجملتهد ويتوصل به إىل الفقه من األحكام‬
‫الشرعية الصحيحة‪ ،‬كما قاله اإلمام ابن تيمية بأهنا األدلة العامة‪ ،‬أو بالعبارة األخرى ‪ :‬أن أصول‬
‫الفقه هي تبني مناهج الوصول وطرق االستنباط‪ ،‬أما الفقه هو استنباط األحكام فعال على ضوء‬
‫تلك املناهج اليت رمسها علم أصول الفقه وتطبيق القواعد اليت قررها‪.‬‬

‫مث أخذت من تلك خربة عملية استنباط األحكام يف جزئيات الفقه العديدة وفروعه املتناثرة‬
‫وأبوابه املتنوعة قواعد جتمع فيها أشتات الفروع الفقهية وتربط بينها وجتمع ملعانيها‪ .‬ومت استقراء‬
‫الفقهاء من خالل تلك عمليات اجلمع والربط بتقعيد القواعد أو األصول اليت تستطيع هبا املرء‬
‫يف حبث عن احلكم الفقهي سهال وسريعا‪.‬‬

‫الفرو‬
‫األحكام الشرعية‬

‫القواعند‬
‫النصوص الشرعية‬

‫القواعند‬
‫الفقهنية‬ ‫الفقهية‬ ‫األصنوليية‬
‫‪15‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫القواعد األصولية ‪:‬‬

‫* العل م بالقواع د ال يت يتوص ل‬


‫هب ا إىل اس تنباط األحك ام‬ ‫شرح الصورة ‪ :‬النصوص الشرعية مصادر األحكام‪.‬‬
‫الش رعية الفرعي ة م ن أدلته ا‬
‫وكيفية معرفة األحكام من النصوص ال بد من أصول‬
‫التفصيلية‪.‬‬
‫ومناهج (القواعد األصولية) أو ما يرجع إىل علم أصول‬
‫* قض ية كلي ة يتوص ل هب ا إىل‬ ‫الفقه‪ .‬وإذا تتوست الوقائع احلديثة أو األحكام‬
‫اس تنباط األحك ام الش رعية‬
‫املستجدة (الفروع الفقهية) أرجعها إىل النصوص‬
‫الفرعية من أدلتها التفصيلية‪.‬‬
‫الشرعية باستخدام القواعد األصولية‪ .‬وبعد مرور‬
‫* ال دليل أو ال نص ال ذي‬ ‫األزمان الطويلة‪ ،‬تظهر من الفروع الفقهية العديدة رموز‬
‫يس تنبط من ه اجملته د ويتوص ل ب ه‬
‫أو أمناط تساوي بعضها البعض‪ .‬ومن تلك األمناط‬
‫إىل الفق ه م ن األحك ام الش رعية‬
‫خلصها الفقهاء بصيغة موجزة مقننة تيسر هبا عملية‬
‫الصحيحة‬
‫استنباط األحكام‪ .‬وخالصتها‪ ،‬كال من القواعد‬
‫* قواع د ناش ئة م ن األلف ا‬
‫األصولية والفقهية تتجهان إىل الوصول باألدلة إىل‬
‫العربية‪.‬‬
‫األحكام الشرعية‪.‬‬
‫‪16‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ثانيا ‪ :‬العالقة بي القواعد الفقهية والقواعد األصولية‬


‫التدريبات ‪:‬‬ ‫القواعد األصولية هي العلم بالقواعد اليت يتوصل هبا إىل‬
‫‪ -1‬ه ات وج وه االش رتاك ب ني‬ ‫استنباط األحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية‪،‬‬
‫القواع د الفقهي ة والقواع د‬ ‫أو ما يقال بقضية كلية يتوصل هبا إىل استنباط األحكام‬
‫األصولية‪.‬‬ ‫الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية‪ .‬وإهنا قواعد ناشئة‬
‫‪ -2‬ه ات أربع ة م ن أمثل ة‬ ‫من األلفا العربية وما يعرض لتلك األلفا من النسخ‬
‫القواعد األصولية‪.‬‬ ‫والرتجيح وغريمها فهي راجعة إىل علم أصول الفقه‪.‬‬
‫‪ -3‬اختلف ت القواع د‬
‫الفقهي ة م ن القواع د‬ ‫من أمثلة القواعد األصولية ‪:‬‬
‫األص ولية بع دة وج وه‪،‬‬ ‫‪ -1‬األصل أن فرض إال بيقني‬
‫ّبني ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬الرتجيح ال يقع بكثرة العلل‬

‫‪ -3‬التأسيس أوىل من الت أكي د‬

‫‪ -4‬حق الكالم أن حيمل على عمومه‬

‫‪ -5‬إذا تعذرت احلقيقة يصار إىل اجمل از‬

‫‪ -6‬ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب‬

‫‪ -7‬حق الك الم أن حيمل على عموم ه‬


‫‪17‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -8‬األصل أن تزول األحكام بزوال عللها‬

‫‪ -9‬األصل يف األشياء ‪ :‬اإلباحة حىت يصح املنع‬

‫‪ -10‬ال ينسب إىل ساكت قول‪ ،‬ولكن السكوت يف‬

‫معرض احلاجة بيان‪.‬‬

‫وجوه االشرتاك بني القواعد الفقهية والقواعد األصولية ‪:‬‬


‫‪ -1‬كال منهما قضايا كلية وأصول عامة‪.‬‬
‫‪ -2‬كال منهما قواعد تندرج حتتها فروع وجزئيات متعددة‪ ،‬فهما يقومان بتأصيل الفروع‬
‫واجلزئيات الفقهية اليت ال تتناهى‪.‬‬
‫‪ -3‬أهنما يشرتكان يف خدمة الفقه اإلسالمي والكشف عن احلكم الشرعي لكثري من األفعال‬
‫والتصرفات‪.‬‬

‫واختلفت القواعد الفقهية من القواعد األصولية يف عدة وجوه ‪:‬‬


‫القواعد األصولية‬ ‫القواعد الفقهية‬ ‫الوجه‬
‫ناشئة عن األلفا العربية وما يعرض هلا‬ ‫ناشئة من عملية االستقراء بتتبع‬ ‫المنش‬
‫من نسخ وترجيح وعموم وخصوص‬ ‫األحكام الواقعة على أفعال املكلفني‬
‫وغريها‬ ‫يف الفقه‬
‫‪18‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫متقدمة‪/‬سابقة عن اجلزئيات والفروع‬ ‫متأخرة عن اجلزئيات والفروع‬ ‫وجودها‬


‫الفقهية‬ ‫الفقهية‬ ‫الذهني‬
‫والواقعي‬

‫‪ ‬جانب استنباط األحكام من الدليل‬ ‫‪ ‬جانب الرابط بني الفروع واجلزئيات‬ ‫التركيز‬
‫‪ ‬تالحظ جوانب التعارض والرتجيح‬ ‫املتعددة‬
‫وغريها‬ ‫‪ ‬املقاصد الشرعية وأسرارها اليت دعت‬
‫إليها‬
‫يصح االعتماد عليها وحدها الستنادها‬ ‫ال يصح االعتماد عليها وحدها إال‬ ‫الحجية‬
‫بأدلتها التفصيلية‬ ‫يعضدها دليل شرعي‬ ‫والقوة‬
‫الدليل‪ /‬النص واحلكم‬ ‫فعل املكلف من قول أو فعل‬ ‫موضو‬
‫القواعد‬
‫‪ ‬ذريعة الستنباط األحكام‬ ‫‪ ‬تقريب املسائل الفقهية وتسهيل‬ ‫الغرض‬
‫مجعها‬ ‫والوظيفة‬
‫‪ ‬الستدالل هبا يف استنباط احلكم‬
‫‪ ‬الستحضار احلكم هبا‬
‫‪ ‬تُعرب عن ذات احلكم‬
‫‪ ‬ال تعرب عن ذات احلكم‬

‫أكثر إطرادا وعموما من القواعد الفقهية‬ ‫كثري من املستثنيات جتعلها قواعد‬ ‫اإلطراد‬
‫من حيث ال تكاد تذكر منها املستثنيات‬ ‫أغلبية أو أكثرية فقط‬ ‫والعموم‬
‫‪19‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫المالحظة ‪ :‬أن بعض القواعد قد تتداخل وترتاوح بني القواعد الفقهية والقواعد األصولية‪ ،‬فذلك‬
‫نتيجة اختالف النظر إىل القاعدة‪ .‬فإذا نظر إليها باعتبارها دليال شرعيا كانت قاعدة أصولية‪.‬‬
‫وإذا نظر إليها باعتبارها فعال للمكلف‪ ،‬كانت قاعدة فقهية‪ .‬املثال منها ‪ :‬العرف‪ .‬إذا فسر‬
‫باإلمجاع العملي أو املصلحة املرسلة كانت قاعدة أصولية‪ ،‬وإذا فسر بالقول الذي غلب يف معىن‬
‫معني أو بالفعل الذي غلب اإلتيان به كانت قاعدة فقهية‪ .‬وبذلك يعرف أن قواعد الفقه‬
‫مساسا وثيقا بأصول الفقه وال سيما مببحث األدلة إذ إهنا تشبه األدلة‪ ،‬مثل القواعد الفقهية "ال‬
‫ضرر وال ضرار" وقاعدة "اخلراج بالضمان" املأخوذة من تعبري النص نفسه‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬العالقة بي القواعد الفقهية والنظريات الفقهية‬


‫كلمة النظريات مشتقة من أصله اللغوي "النظر" وهو تأمل الشيء بالعني‪ .‬والنظري مبعىن هو‬
‫الذي يتوقف حصوله على نظر وكسب كتصور النفس والعقل والتصديق بأن العامل حادث‪.‬‬
‫والنظرية (ومجعها النظريات) هي مجلة تصورات مؤلفة تأليفا عقليا هتدف إىل ربط النتائج‬
‫باملقدمات‪.‬‬

‫ومن الناحية االصطالحية نقول بأن النظريات هي موضوعات فقهية أو موضوع يشتمل على‬
‫مسائل فقهية أو قضايا فقهية‪ .‬وحقيقتها أركان وشروط وأحكام تقوم بني كل منها صلة فقهية‬
‫جتمعها وحدة موضوعية حتكم هذه العناصر مجيعا‪ .8‬واستخدمت العلوم املتنوعة كلمة النظرية‬
‫مبعناها اللغوي أي مجلة تصورات عقلية وارتباطها بني النتائج واملقدمات (‪ )theory‬مثل نظرية‬

‫‪ 8‬علي أمحد الندوي‪ ،1994 ،‬القواعد الفقهية‪ ،‬دمشق ‪ :‬دار القلم‪ ،‬ص ‪54 :‬‬
‫‪20‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫الطلب يف علوم االقتصاد وغريها‪ ،‬واحتمل فيها الصدق‬


‫والكذب‪ ،‬أما استعماهلا يف علم الفقه اإلسالمي رغم‬
‫ة ‪ :‬جمل ن ن ن ن ن ن ن ن ننة‬ ‫ة لغ‬ ‫النظري‬
‫تص ن ننورات مؤلف ن ننة ت ليف ن ننا عقلي ن ننا‬
‫أهنا "نظرية" ال حتتمل فيها الكذب أو الصدق ألن‬
‫ته ن ن ن نندف ل ن ن ن ننى ربن ن ن ن ن النت ن ن ن ننائ‬ ‫حقيقتها أركان وشروط وأحكام شرعية جتمع كلها يف‬
‫بالمقدمات‪.‬‬ ‫موضوع واحد‪.‬‬

‫واص طالحا ‪ :‬موض ن ن ن ن ن ن ننوعات‬


‫فقهي ن ن ن ننة أو موض ن ن ن ننو يش ن ن ن ننتمل‬ ‫وعرفه األستاذ مصطفى الزرقاء النظريات الفقهية بأهنا ‪:‬‬
‫ّ‬
‫علن ننى مسن ننائل فقهين ننة أو قضن ننايا‬ ‫الدساتري واملفاهيم الكربى اليت تؤلف كل منها على‬
‫فقهين ن ن ن ن ننة‪ .‬وحقيقتهن ن ن ن ن ننا أركن ن ن ن ن ننان‬ ‫حدة نظاما حقوقيا موضوعيا منبثا يف الفقه اإلسالمي؛‬
‫وشن ن ننروط وأحكن ن ننام تقن ن ننوم بن ن نني‬ ‫كانبثات أقسام اجلملة العصبية يف نواحي اجلسم‬
‫ك ن ن ن ن ننل منه ن ن ن ن ننا ص ن ن ن ن ننلة فقهي ن ن ن ن ننة‬ ‫اإلنساين‪ ،‬وحتكم عناصر ذلك النظام يف كل ما يتصل‬
‫تجمعهن ن ن ن ننا وحن ن ن ن نندة موضن ن ن ن ننوعية‬ ‫مبوضوعه من شعب األحكام‪ .‬وقال األستاذ أمحد أبو‬
‫تحكم هذه العناصر جميعا‪.‬‬ ‫سنة أهنا ‪ :‬القاعدة الكربى اليت موضوعها كلي‪ ،‬حتته‬
‫موضوعات متشاهبة يف األركان والشروط واألحكام‬
‫العامة‪.‬‬

‫هناك الوجه املشرتك بني القواعد الفقهية والنظريات الفقهية ‪ :‬كال منهما يشتمل على فروع‬
‫فقهية كثرية من أبواب خمتلفة‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫وعلى رغم االشرتاك املذكور أهنما يفرتقان من عدة وجوه‪،‬‬


‫الوج ه املش رتك ‪ :‬ك ن ننال منهم ن ننا‬ ‫منها ‪:‬‬
‫يشن ن ننتمل علن ن ننى فن ن ننرو فقهين ن ننة‬
‫أ‪ -‬النظرية الفقهية أكثر اتساعا ومشوال من القاعدة‬
‫كثيرة م أبواب مختلفة‪.‬‬
‫الفقهية ألن النظرية قد يندرج حتتها كثري من‬
‫القواعد الكلية والضوابط الفقهية ذات الصلة‬
‫الوج ه املختل ف ع ن القواع د‬
‫مبوضوع النظرية‪ ،‬مثل "نظرية الضمان" يدخل‬
‫الفقهية‪:‬‬
‫فيها كثري من القواعد الفقهية مثل "اخلراج‬
‫* النظري ن ن ن ن ننة الفقهي ن ن ن ن ننة أكث ن ن ن ن ننر‬
‫بالضمان" و"الضرر يزال" وغريمها‪ .‬وقد تكون‬
‫اتساعا وشموال‬
‫يف بعض األحيان القاعدة أعم من النظرية من‬
‫* النظرين ن ن ننة الفقهين ن ن ننة تتضن ن ن ننم‬ ‫وجه آخر‪ ،‬فقد تكون القواعد الفقهية ذات‬
‫فيهن ن ن ننا المقومن ن ن ننات األساسن ن ن ننية‬ ‫صلة بعدة نظريات فقهية ‪ :‬مثل قاعدة "األمور‬
‫م أركان وشروط وضواب‬
‫مبقاصدها" تتصل بعدة نظريات عامة مثل "نظرية‬
‫* النظرين ن ن ن ن ن ن ن ن ن ننة الفقهين ن ن ن ن ن ن ن ن ن ننة ال‬ ‫العقد" و"نظرية امللكية" و"نظرية احلقوق"‬
‫تتض ن ن ننم حكم ن ن ننا فقهي ن ن ننا ف ن ن نني‬ ‫وغريها‪ .‬فتكون العالقة بني النظرية والقاعدة‬
‫اتها‬
‫الفقهية عالقة العموم واخلصوص الوجهي‪.‬‬
‫* النظرين ن ن ن ننة الفقهين ن ن ن ننة تصن ن ن ن ننا‬ ‫ب‪ -‬النظرية الفقهية تتضمن يف الغالب املقومات‬
‫علن ننى شن ننكل بح ن ن أو كتن نناب‬ ‫األساسية من أركان وشروط وضوابط وهذا ما ال‬
‫مطول‬
‫تتضمنه كثري من القواعد الفقهية‪.‬‬
‫ج‪ -‬النظرية الفقهية ال تتضمن حكما فقهيا يف ذاهتا‬
‫‪22‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ألهنا جمرد هيكل َعظَمي ينتظم جمموعة من القضايا املتجانسة يف إطار ذلك اهليكل‪ ،‬يف‬
‫حني أن القاعدة الفقهية تتضمن حكما فقهيا يف ذاهتا ويستند ذلك احلكم إىل أدلة‬
‫شرعية من الكتاب أو السنة أو القياس أو غري ذلك‪.‬‬
‫النظرية الفقهية تصاغ على شكل حبث أو كتاب مطول‪ ،‬يف حني أن القاعدة الفقهية‬ ‫د‪-‬‬
‫موجزة دقيقة يف الغالب‪.‬‬
‫تصاغ بعبارة َ‬

‫العالقة بي القواعد الفقهية والضواب الفقهية‬ ‫رابعا ‪:‬‬


‫ضبط الشيء يضبطه ضبطا ‪ :‬أي حفظه حفظا بليغا أو‬ ‫الضوابط مجع ضابط وهو مأخوذ من َ‬
‫حازما‪ .‬ومعناه اللغوي ‪ :‬لزوم الشيء وحبسه وحصره‪ .‬والضبط اإلتقان واإلحكام‪.‬‬
‫والضابط يف االصطالح ‪ :‬قال اإلمام التهانوي "أنه حكم كلي ينطبق على جزئيات"‪ .‬وهو‬
‫مرادف للقاعدة‪.‬‬
‫‪23‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫وقد استعمل الفقهاء الضابط يف عدة معان منها ‪:‬‬


‫الضابط لغة ‪ :‬لزوم الشيء‬
‫‪ -1‬القضية الشرعية العملية الكلية املختصة بباب من‬
‫وأيضا‬ ‫وحصره‪.‬‬ ‫وحبسه‬
‫اإلتقان واإلحكام‪.‬‬ ‫أبواب الفقه واملشتملة بالقوة على أحكام جزئيات‬
‫موضوعها‪ .‬املثال ‪" :‬حيرم من الرضاع ما حيرم من‬
‫واصطالحا ‪ :‬أنه حكم كلي‬ ‫النسب"‪.‬‬
‫ينطبق على جزئيات @‬
‫‪ -2‬تعريف الشيء‪ .‬واملثال "ضابط العصبة (تعريف‬
‫العملية‬ ‫الشرعية‬ ‫القضية‬
‫الكلية المختصة بباب م‬ ‫العصبة)‪ :‬كل ذكر ليس بينه وبني امليت أنثى"‪.‬‬
‫أبواب الفقه والمشتملة بالقوة‬ ‫‪ -3‬املعيار الذي يكون عالمة على حتقق معىن من املعاين‬
‫جزئيات‬ ‫أحكام‬ ‫على‬ ‫يف الشيء‪ .‬واملثال منه كما قاله اإلمام القرايف يف‬
‫موضوعها‪.‬‬
‫اجلواب عن السؤال ‪" :‬ما ضابط املشقة املؤثرة يف‬
‫معاين الضابط ‪:‬‬ ‫التخفيف؟ جيب على الفقيه أن يفحص عن أذى‬
‫‪ -1‬القضية الشرعية العملية‬ ‫مشاق تلك العبادة املعينة فيحققه بنص أو إمجاع أو‬
‫الكلية‬
‫استدالل‪ .‬مث ما ورد عليه بعد ذلك من املشاق مثل‬
‫‪ -2‬تعريف الشيء‬
‫تلك املشقة أو أعلى منها جعله مسقطا‪ ،‬وإن كان‬
‫‪ -3‬معيار الشيء‬
‫‪ -4‬أقسام الشيء أو تقاسيمه‬ ‫أدىن منها مل جيعله مسقطا‪ .‬مثاله ‪ :‬التأذى بالقمل‬
‫‪ -5‬الشروط واألسباب‬ ‫يف احلج مبيح احللق باحلديث‪ .‬فأي مرض أذى مثله‬
‫أو أعلى منه أباح (احللق) وإال فال‪ .‬والسفر مبيح‬
‫‪24‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫للفطر بالنص‪ ،‬فيعترب به غريه من املشاق"‪.‬‬


‫التدريبات ‪:‬‬
‫‪ -4‬أقسام الشيء أو تقاسيمه‪ .‬املثال من ذلك كما‬
‫معاين الضوابط ‪:‬‬
‫‪ -1‬ع رف النظري ة الفقهي ة‬
‫قاله اإلمام السيوطي ‪":‬ضابط الو ي يف اإلجبار‬
‫اصطالحا‪.‬ن ننية الش ن ن ن ن ن ن ن ن ن ننرعية‬
‫لغة‪-‬و القض ن ن ن ن ن ن ن ن‬
‫‪1‬‬
‫صن نرني ن ن ةنة‬ ‫أقسام‪ ،‬أحدها ‪ :‬جيرب وحيرب وهو األب ‪.......‬‬
‫المختالنظ‬
‫العالقن ن ن نةنةب ني‬
‫ون الكلين‬ ‫العمليكن ن ن ن ننة‬
‫‪-2‬‬
‫عالققن ن ن ن ن ةنه‬
‫نواب الف‬
‫الفقهين ن ن ة‬
‫دةن ن ن أبن ن‬
‫القاعناب م ن ن‬ ‫بوبن ن ن ن ن‬ ‫(وبعد ذلك أقسام عديدة مطولة)"‪.‬‬
‫وجهي‪.‬نى‬‫نالقوة علن ن ن ن ن ن‬
‫وص ال‬‫اخلص بن ن ن ن ن ن‬
‫والمشن نومن ن ن نونتملة‬‫العم‬ ‫‪ -5‬الشروط واألسباب املتعلقة بأمر من األمور‪ .‬املثال‪،‬‬
‫ذلك‪.‬جزئيات موضوعها‬ ‫أحكام‬ ‫ّبني‬ ‫ما قاله اإلمام النووي ‪":‬ضابط انفساخ العقد‬
‫الضيفابطالشيء‬
‫الفقه ي أص غر‬ ‫‪ --23‬تعر‬
‫باألسباب التالية ‪ :‬خيار اجمللس‪ ،‬وخيار الشرط‪،‬‬
‫الفقهية‪ .‬ملاذا؟‬
‫القاعدة الشيء‬
‫من‪ -‬معيار‬
‫‪3‬‬
‫وخيار العيب‪ ،‬وخيار اخللف بأن الشرط يف العبد‬
‫نيءابط‬
‫أو‬ ‫الضن ن و‬ ‫اتن ن ن نمعنام الاين‬
‫ش ننننننن‬ ‫‪ --44‬هأقس ن ن ن ن ن‬ ‫كونه كاتبا فخرج غري كاتب‪ ،‬واإلقالة‪ ،‬والتحالف‪،‬‬
‫استخدمها الفقهاء‪.‬‬ ‫اليت تقاسيمه‬
‫وتلف املبيع قبل القبض"‪.‬‬
‫نروطواعواألسدن ن ن نمن ن ن ن‬
‫نباب‬ ‫ارن الق‬
‫‪ --55‬قالش ن ن ن ن ن ن ن‬
‫بالشيء ن حي ث‬ ‫الفقهي ة م‬ ‫المتعلقة‬ ‫الض وابط‬ ‫الخالصة ‪ :‬أن الضوابط الفقهية هلا معىن واسع وشامل‬
‫ائتالف الوجوه واختالفها‪.‬‬ ‫لكل ما حيصر وحيبس‪ ،‬سواء أكان بالقضية الكلية أم‬
‫‪ -6‬ه ات ثالث ة أمثل ة‬ ‫بالتعريف‪ ،‬أم بذكر عالمة الشيء‪ ،‬أم بالتقسيم‪ ،‬أم‬
‫الضوابط الفقهية‪.‬‬ ‫بالشروط واألسباب‪ .‬وعرفها املعاصرين بأهنا ‪ :‬ما انتظم‬
‫صورا متشاهبة يف موضوع فقهي واحد غري ملتفت فيها‬
‫إىل معىن جامع مؤثر‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫من أمثلة الضوابط الفقهية ‪:‬‬


‫‪ -1‬أميا إهاب دبغ فقد طهر‬

‫التحرمي مغلب يف األبضاع‬ ‫‪-2‬‬

‫امليتات كلها ُنسة إال يف مسائل‬ ‫‪-3‬‬

‫كل حيوان حي طاهر إال يف مسائل‬ ‫‪-4‬‬

‫يتغري أحد أوصافه طهور‬


‫كل ماء مل ّ‬ ‫‪-5‬‬

‫كل ما جاز بيعه صحت هبته وما ال فال‬ ‫‪-6‬‬

‫كل شيء منع اجللد من الفساد فهو دباغ‬ ‫‪-7‬‬

‫كل كفارة سببها معصية فهي على الفور‬ ‫‪-8‬‬

‫شعر احليوان يف حكم املنفصل عنه ال يف حكم املتصل‬ ‫‪-9‬‬

‫‪ -10‬كل من يشك يف ُناسته فحكم األصل األخذ بالطه ارة‬

‫وعالقة بينها وبني القواعد الفقهية ( الوجه اإلئ تالف ) ترتجم بالعبارة التالية ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن كال منهما ينطبق على عدد من الفروع الفقهية‪.‬‬
‫‪ .2‬كال منهما مستقاة من األدلة الشرعية من الكتاب والسنة واإلمجاع والقياس‬
‫وغريها‪ ،‬ومنسجمة مع مقاصد الشرعية اإلسالمية وخمتصة باألحكام العملية‪.‬‬
‫‪26‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫واختلفت القواعد الفقهية من الضوابط الفقهية يف عدة وجوه ‪:‬‬


‫القواعد الفقهية‬ ‫الضواب الفقهية‬ ‫الوجه المختلف‬
‫تشتمل أبواب كثرية منه‬ ‫ختتص بباب واحد من أبواب الفقه‬ ‫النطاق والمجال‬
‫فيها شذوذ واستثناءات كثرية‬ ‫ال يتسامح فيها بشذوذ كثرية‬ ‫االستثناءات‬
‫تصاغ بعبارة مطولة أو يف مجل أو فقرة تصاغ بعبارة موجزة وألفا تدل على‬ ‫التعبير والصيغة‬
‫العموم واالستغراق‬ ‫أو أكثر من ذلك‬
‫ال تقتصر على قضية كلية فحسب بل تقتصر على قضية كلية‬ ‫استعمال الكلمة‬
‫تشمل التعاريف وعالمة الشيء وغريها‬

‫القواعد‬
‫الضواب‬
‫‪27‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫المحاضرة الثالثة‬

‫هدف المحاضرة ‪ :‬العرض عن خلفية تارخيية علم القواعد الفقهية من أول أطوار نشأهتا إىل‬
‫يومنا احلاضر ومؤلفاهتا العديدة قدمها فقهاء املذاهب طول هذه األطوار‪.‬‬
‫نتيجة المحاضرة ‪ :‬يستطيع الدارس الذكر واإلتيان والشرح على املعلومات التارخيية عن‬
‫تطورات علم القواعد الفقهية وكتبها املشهورة‪.‬‬

‫نش ة علم القواعد الفقهية وتطوره وأشهر المؤلفات‬

‫أوال ‪ :‬طور النشوء والتكوي ( م البعثة النبوية لى القرن الرابع الهجري )‬


‫عصر الرسالة الذي كانت فيه البذرة األوىل للقواعد الفقهية‪ .‬ووجدت تلك البذور من القرآن‬
‫الكرمي وأقوال النيب صلى اهلل عليه وسلم الذي أنطقه اهلل جبوامع الكلم‪ .‬وجبانب كون اآلحاديث‬
‫الشريفة مصدرا خصبا للتشريع واستنباط األحكام أهنا متثل القواعد الكلية الفقهية‪ .‬واملثال على‬
‫ذلك‪ ،‬قوله صلى اهلل عليه وسلم "اخلراج بالضمان"‪.‬‬

‫مث منت وترعرعت تلك البذور يف عصر الصحابة والتابعني وأتباعهم‪ ،‬على سبيل املثال ما قاله‬
‫عمر ابن اخلطاب "مقاطع احلقوق عند الشروط" وقول علي ابن أيب طالب "من قاسم الربح فال‬
‫‪28‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ضمان عليه"‪ .‬ومن أشهر ما نقل يف عصر التابعني ما قاله‬


‫أط وار نش أة عل م القواع د‬ ‫اإلمام القاضي ُشَريْح بن احلارث "الناتج أوىل من العارف"‬
‫الفقهية ‪:‬‬ ‫وقوله "من ضمن ماال فله رحبه"‪.‬‬
‫‪ -1‬ط ور النش وء والتك وين (ق‬
‫‪ 4 -1‬ه )‬ ‫ويف عصر أئمة الفقهاء‪ ،‬ضمن كثري منهم كتبهم الكثري من‬
‫‪ -2‬ط ور النم و والت دوين (ق‬ ‫القواعد الفقهية ( ومل يكن يف هذا الطور تسمية خاصة‬
‫‪ 13 – 4‬ه )‬ ‫مدونة مستقلة)‪ .‬ومن أشهر‬ ‫للقواعد الفقهية وال يف ّ‬
‫‪ -3‬طور الرس وخ والتنس يق (ق‬ ‫املؤلفات الضامنة فيها القواعد الفقهية العديدة ‪:‬‬
‫‪ –13‬اآلن)‬ ‫"املدونة" لإلمام مالك بن أنس ( ‪179‬ه )‬
‫‪ -1‬كتاب ّ‬
‫* م ن ق رن ‪4 -1‬ه ‪ ،‬مل يك ن‬ ‫‪ -2‬كتاب "اخلراج" أليب يوسف يعقوب بن إبراهيم‬
‫هن اك تس مية خاص ة للقواع د‬ ‫(‪182‬ه )‬
‫مدونة مستقلة‪.‬‬
‫الفقهية وال يف ّ‬ ‫‪ -3‬كتاب "األم" لإلمام حممد بن إدريس الشافعي‬
‫* وبع د مت ام عملي ة ت دوين‬ ‫(‪204‬ه )‬
‫الكت ب الفقهي ة املذهبي ة م ن‬
‫ث روات إجتهادي ة الفقه اء‬ ‫ثانيا ‪ :‬طور النمو والتدوي (م القرن الرابع لى القرن‬
‫األول ني‪ ،‬كت ب القواع د الفقهي ة‬
‫الثال عشر الهجري)‬
‫كفن مستقل‪.‬‬
‫تأخرت القواعد الفقهية يف إعتبارها فنا مستقال إىل بداية‬
‫القرن الرابع اهلجري‪ .‬وبذلك بعد متام عملية تدوين‬
‫الكتب الفقهية املذهبية من ثروات إجتهادية الفقهاء‬
‫‪29‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫األولني‪ ،‬وموازنتهم ومقارنتهم بني املذاهب فال يبقى ملن‬


‫* ّأول م ن مج ع القواع د الفقهي ة ‪:‬‬ ‫خالفهم إالّ عملية التخريج للمسائل على أصول‬
‫اإلم ام أب و ط اهر ال َّدبَّاس‬ ‫إمامهم‪.9‬‬
‫احلنفي‪.‬‬

‫* ّأول م ن كتبه ا يف مؤلف ة خاص ة‬ ‫وكان فقهاء املذهب احلنفي ممن أسبق يف هذا املضمار‬
‫‪ :‬اإلم ام أب و احلس ن الكرخ ي يف‬ ‫(عملية ختريج الفروع ووضعوها يف قاعدة) ولعل ذلك‬
‫" أصول الكرخي"‬
‫للتوسع عندهم يف الفروع‪ .‬و ّأول من مجع القواعد الفقهية‬
‫* الق رن الث امن اهلج ري = الق رن‬ ‫املصوغة بصيغتها الفقهية املأثورة ‪ :‬اإلمام أبو طاهر‬
‫ّ‬
‫الذهيب لعملية تدوين القواعدا‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الدبَّاس احلنفي( حممد بن حممد الدباس‪ ،‬املتوىف ‪340‬ه )‬
‫* مؤلفو كتب األشباه والنظائر‪:‬‬ ‫وهو ضرير يكرر كل ليلة القواعد العديدة مبسجده بعد‬
‫‪ -1‬ابن الوكيل الشافعي‬ ‫انصراف الناس‪ .‬و ّأول من كتبها يف مؤلفة خاصة هو‬
‫السبكي الشافعي‬ ‫الفقيه احلنفي‪ ،‬اإلمام أبو احلسن الكرخي (‪340‬ه )‬
‫‪ -2‬تاج الدين ُّ‬
‫برسالته الصغرية تعرف ب "أصول الكرخي"‪.‬‬
‫‪ -3‬مج ال ال دين اإلس نوي‬
‫الشافعي‬
‫وممن اهتم هبذا العلم من فقهاء املذهب املالكي‪ ،‬اإلمام‬
‫‪ -4‬جالل الدين السيوطي‬
‫حممد بن حارث اخلُ ْشين (‪361‬ه ) بكتابه "أصول الفتيا"‪.‬‬
‫‪ -5‬ابن ُنيم احلنفي‬

‫‪ 8‬وقول الندوي ‪ :‬بأن ظاهرة التقليد برزت يف هذا القرن كما اضمحل االجتهاد وتقاصرت اهلمم بوجود الثروة الفقهية العظيمة واشتغل‬
‫الفقهاء بتخريج املسائل والفروع الفقهية عن طريق إمامهم ووضعوا منها أساليب جديدة للفقه بعنوان خاص تارة باسم القواعدوالضوابط‬
‫وتارة أخرى باسم عديد من األلغاز واملطارحات وغريها‪.‬‬
‫‪30‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫وكتب اإلمام أبو زيد الدبوسي (‪430‬ه ) كتاب "تأسيس النظر"‪ ،‬واإلمام عالء الدين حممد بن‬
‫أمحد السمرقندي (‪540‬ه ) "إيضاح القواعد"‪ .‬وبرز هذا العلم يف القرن السابع اهلجري إىل حد‬
‫كبري حيث تكاثرت املؤلفات واملدونات‪ ،‬وعلى رأس املؤلفني يف ذلك العصر ‪ :‬اإلمام حممد بن‬
‫الس ْهلَ ِكي الشافعي ( ‪613‬ه ) بكتابه " القواعد يف الفروع الشافعية"‪ ،‬مث اإلمام‬ ‫ِ‬
‫اجلاج ْرمي َ‬
‫إبراهيم َ‬
‫عز الدين بن عبد السالم الشافعي (‪660‬ه ) "قواعد األحكام يف مصاحل األنام"‪ .‬ومن الفقهاء‬
‫املالكية‪ ،‬ألّف العالمة حممد بن عبد اهلل بن راشد البكري القفصي (‪685‬ه ) كتاب " امل ْذ َهب‬
‫ُ‬
‫يف ضبط قواعد املذهب"‪.‬‬
‫َ‬

‫مث القرن الثامن اهلجري يعترب بأنه القرن الذهيب لعملية تدوين القواعد وتأليف كتبها املسلسلة‬
‫وتفوقت فيه عناية الشافعية إلبراز هذا الفن‪ .‬ومن أشهر املؤلفات يف هذا القرن ‪:‬‬
‫واملدققة‪َّ .‬‬
‫السبكي الشافعي‬‫‪ .1‬األشباه والنظائر ‪ :‬البن الوكيل الشافعي (‪716‬ه )‪ ،‬ولتاج الدين ُّ‬
‫(‪771‬ه )‪ ،‬وجلمال الدين اإلسنوي الشافعي (‪772‬ه )‬
‫‪ .2‬كتاب القواعد ‪ :‬لإلمام املقري املالكي (‪758‬ه )‬
‫‪ .3‬اجملموع امل ْذ َهب يف ضبط قواعد املذهب ‪ :‬لإلمام العالئي الشافعي (‪761‬ه )‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الزركشي الشافعي (‪794‬ه )‬ ‫‪ .4‬املنثور يف القواعد ‪ :‬لإلمام بدرالدين َّ‬
‫‪ .5‬القواعد يف الفقه ‪ :‬لإلمام ابن رجب احلنبلي (‪795‬ه )‬
‫الغزي ( ‪799‬ه )‬‫‪ .6‬القواعد يف الفروع ‪ :‬لإلمام علي بن عثمان ِّ‬
‫‪31‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ويف القرن التاسع اهلجري‪ ،‬منها ‪:‬‬


‫الزبَريي (‪808‬ه )‬
‫‪ .1‬أسىن املقاصد يف حترير القواعد ‪ :‬لإلمام حممد بن حممد ُّ‬
‫قدسي الشافعي (‪815‬ه ) وقام بتحرير كتاب اجملموع‬ ‫‪ .2‬القواعد املنظومة ‪ :‬لإلمام ابن اهلائِم امل ِ‬
‫َ‬
‫امل ْذ َهب يف ضبط قواعد املذهب لإلمام العالئي وأمساه كتاب حترير القواعد العالئية ومتهيد‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫املسالك الفقهية‪.‬‬
‫صين (‪829‬ه )‬ ‫ِ‬
‫‪ .3‬كتاب القواعد ‪ :‬لإلمام تقي الدين احل ْ‬
‫‪ .4‬نظم الذخائر يف األشباه والنظائر ‪ :‬لعبد الرمحن بن علي املقدسي (‪876‬ه )‬
‫‪ .5‬القواعد والضوابط ‪ :‬البن عبد اهلادي (‪880‬ه )‬

‫ويف القرن العاشر اهلجري‪ ،‬قام اإلمام جالل الدين السيوطي (‪910‬ه ) باستخالص أهم القواعد‬
‫الفقهية املتناثرة املبدَّدة عند العالئي والسبكي والزركشي ومجعها يف كتابه "األشباه والنظائر"‪.‬‬
‫وكذلك فعله اإلمام ابن ُنيم احلنفي (‪970‬ه ) يف كتابه "األشباه والنظائر" وابن الغازي املالكي‬
‫(‪919‬ه ) ب "الكليات الفقهية"‪ .‬وتعترب من بداية هذا القرن (إىل ما قبل تأليف جملة األحكام‬
‫العدلية سنة ‪1293‬ه ) مرحلة استقرار القواعد الفقهية من حيث متيزت مباحثها وحددت‬
‫القواعد الفقهية والضوابط الفقهية ومتيزت عن غريها‪.‬‬

‫وعلى رغم ازدحام املؤلفني يف كتابة القواعد الفقهية وتدوينها يف كتب خاصة‪ ،‬يتعرض بعض‬
‫الفقهاء للقواعد اجلديدة أو امللخصة عند تعليل األحكام الفقهية وترجيح األقوال يف كتبهم‬
‫‪32‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫الفقهية طول هذا الطور‪ .‬ومنهم اإلمام الكاساين وقاضيخان‬


‫ومجال الدين احل ِ‬
‫صريي من احلنفية‪ ،‬والقرايف من املالكية‪،‬‬
‫التدريبات ‪:‬‬ ‫َ‬
‫واإلمام اجلويين والنووي من الشافعية‪ ،‬وابن تيمية وابن قيم‬
‫‪ -1‬هل القواعد الفقهية‬
‫من احلنابلة‪.‬‬
‫موجودة يف القرن األول‬
‫اهلجري؟‬
‫ومن أشهر املؤلفات يف القرن احلادي عشر إىل أوائل القرن‬
‫‪ -2‬إن القرن الذهيب لعلم‬
‫الثالث عشر‪:‬‬
‫القواعد هو القرن الثامن‪.‬‬
‫‪ .1‬نزهة النواظر على األشباه والنظائر ‪ :‬خري الدين أمحد بن‬
‫ملاذا؟‬
‫علي الرملي العليمي (‪1081‬ه ) وحملمد أمني بن عمر‬
‫‪ -3‬ماذا فعلت جلنة العلماء‬
‫املعروف بأبن عابدين (‪1252‬ه )‬
‫يف طور النهضة العلمية؟‬
‫‪ .2‬غمز عيون البصائر شرح األشباه والنظائر ‪ :‬أمحد بن‬
‫‪ -4‬من كاتب " األشباه‬
‫حممد احلموي (‪1098‬ه )‬
‫والنظائر"؟‬

‫ثالثا ‪ :‬طور الرسوخ والتنسيق (م نهاية القرن الثال‬


‫عشر لى اآلن)‬
‫قام ت جلن ة العلم اء يف عه د الس لطان الغ ازي عب د العزي ز خ ان العثم اين باس تخالص القواع د‬
‫الفقهي ة ومجعه ا م ن املص ادر الفقهي ة وم دوناهتا مث س جلها يف جمل ة األحك ام العدلي ة ( واش تهر‬
‫ب "اجمللة")‪ .‬وال ب د م ن االع رتاف ب أن الواض عني للمجل ة أحس نوا يف انتقائه ا واختياره ا‪ ،‬مث يف‬
‫تنسيقها تنسيقا قانونيا رائعا يف أوج ز العب ارات‪ ،‬ح ىت اش تهر ذك ر القواع د وش اع أمره ا ع ن طري ق‬
‫‪33‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫اجملل ة وارتفع ت مكانته ا حي ث ش رحت م ع ش روح اجملل ة املش هورة‪ .‬وص در أم ر العم ل هب ا لل دول‬
‫الرتكية يف سنة ‪1293‬ه ‪ .‬ويعترب هذا الطور‪ ،‬طور النهضة العلمية‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬أشهر مؤلفات القواعد الفقهية في المذاه األربعة‬


‫من أشهر الكتب املؤلفة يف القواعد الفقهية وأقدمها ‪:‬‬
‫كتاب تأسيس النظر لإلمام أيب زيد الدبوسي املتوىف سنة‬
‫كتاب تأسيس النظر أليب زيد‬ ‫‪430‬ه حيث ضمن كتابه هذا طائفة هامة من الضوابط‬
‫الدبوسي يعترب من أول الكتب‬
‫الفقهية اخلاصة مبوضوع معني‪ ،‬ومن القواعد الكلية مع‬
‫يف علم اخلالف (الفقه املقارن)‪.‬‬
‫التفريع عليها‪ .‬وكتاب تأسيس النظر هذا يعترب من أول‬
‫الكتب يف علم اخلالف‪ .‬أي املسمى اآلن بالفقه املقارن‬
‫بني أئمة املذهب الواحد من ناحية‪ ،‬وبني املذاهب‬
‫املختلفة من ناحية ثانية‪ .‬ومل يقل الدبوسي إنه مجع قواعد‪ ،‬وإمنا أطلق لفظ األصل على ما اعتقد‬
‫أنه جامع ملسائل شىت‪ ،‬وطريقته أن يذكر األصل وصاحبه‪ ،‬مث يتبعه بذكر مسائل خمتلفة‪ ،‬ويذكر‬
‫بعدها الرأي املخالف‪ .‬وقد اشتمل كتاب تأسيس النظر على مخسة ومثانني أصال‪ ،‬وتأسيس‬
‫النظر مطبوع ومعه قواعد الكرخى‪.‬‬

‫‪‎‬ومل يشتهر مؤلف للحنفية يف القواعد بعد الدبوسي خالل القرنني اخلامس والسادس غري ما‬
‫شرحه النسفي لقواعد الكرخي ‪ ،‬ويظهر أن غري احلنفية وخاصة الشافعية‪ .‬وهنضوا هبذا العلم يف‬
‫القرون التالية فرأينا من مؤلفيهم‪ ،‬ومؤلفاهتم ما يلي‪:‬‬
‫‪34‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ .1‬كتاب قواعد األحكام يف مصاحل األنام لإلمام عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم السلمي‬
‫الشافعي املتوىف سنة ‪616‬ه وهو املسمى بالقواعد الكربى‪ ،‬وهو مطبوع‪ ،‬كما أن له كتاباً‬
‫آخر يسمى بالقواعد الصغرى‪.‬‬
‫‪ .2‬كتاب أنوار الربوق يف أنواء الفروق املعروف بكتاب الفروق‪ ،‬لإلمام شهاب الدين أمحد بن‬
‫إدريس القرايف املالكي املتوىف سنة ‪684‬ه ‪.‬‬
‫‪ .3‬كتاب األشباه والنظائر لإلمام صدر الدين حممد بن عمر الشافعي الشهري بابن الوكيل‬
‫وبابن املرحل املتوىف سنة ‪716‬ه ‪.‬‬
‫‪ .4‬كتاب القواعد أليب عبداهلل حممد بن حممد بن أمحد املقري املالكي املتويف سنة ‪758‬ه وهذا‬
‫الكتاب مجع فيه مؤلفه مائتني وألف قاعدة ‪.‬‬
‫‪ .5‬كتاب األشباه والنظائر لإلمام تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي الشافعي املتوىف سنة‬
‫‪771‬ه ‪.‬وقد سلك يف كتابه طريقة ابن الوكيل‪ ،‬وفاقه يف استيعابه واستيفائه ولغته‪ ،‬وهو يعترب‬
‫حبق معلمة فقهية عظيمة‪ .‬وقد طبع أخرياً‪.‬‬
‫‪ .6‬كتاب املنثور يف ترتيب القواعد الفقهية لإلمام بدر الدين حممد بن عبداهلل الزركشي املتوىف‬
‫سنة ‪794‬ه وقد رتب الزركشي يف كتابه هذا القواعد الفقهية ترتيباً ألفاً بائياً ليسهل تناوهلا‪.‬‬
‫‪ .7‬كتاب تقرير القواعد وحترير الفوائد أليب الفرج عبد الرمحن بن رجب احلنبلي املتوىف سنة‬
‫‪795‬ه ‪ ،‬وهذا الكتاب مطبوع بتحقيق الشيخ حامد الفقي حتت عنوان القواعد يف الفقه‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫‪‎.8‎‬كتاب القواعد لإلمام تقي الدين أيب بكر بن حممد احلسيين احلصين الشافعي املتوىف سنة‬
‫‪ 829‬ه ‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ .9‬كتاب األشباه والنظائر لإلمام جالل الدين عبد الرمحن السيوطي الشافعي املتوىف سنة‬
‫‪911‬ه وهو مطبوع متداول‪ ،‬وهو من أشهر الكتب املؤلفة يف القواعد‪.‬‬
‫‪ .10‎‬كتاب إيضاح املسالك إىل قواعد اإلمام مالك‪ ،‬أليب العباس أمحد بن حيىي الونشريسي‬
‫املالكي املتوىف سنة ‪914‬ه ‪ ،‬وقد حققه أمحد أبو طاهر اخلطايب‪ ،‬وطبع بإشراف اللجنة‬
‫املشرتكة لنشر الرتاث اإلسالمي بني املغرب ودولة اإلمارات سنة ‪1400‬ه بالرباط‪.‬‬
‫‪ .11‬كتاب األشباه والنظائر لإلمام زين الدين بن إبراهيم الشهري بابن ُنيم احلنفي املتوىف سنة‬
‫‪970‬ه وهو مشهور ومطبوع ومتداول‪ ،‬وهو من أشهر كتب القواعد الفقهية‪.‬‬
‫‪ .12‬جملة األحكام العدلية العثمانية الصادرة سنة ‪1286‬ه ‪ ،‬إذ صدرت بتسع وتسعني قاعدة‬
‫فقهية خمتارة من أهم ما مجعه ابن ُنيم واخلادمي بإضافة بعض القواعد األخرى‪ ،‬وشرح‬
‫هذه القواعد شراح اجمللة أمثال علي حيدر وحممد طاهر األتاسي‪.‬‬
‫‪ .13‬كتاب الفوائد البهية يف القواعد والفوائد الفقهية للشيخ حممود محزة مفيت دمشق يف عهد‬
‫السلطان عبد احلميد واملتوىف سنة ‪1305‬ه ‪ ،‬إذ قام يف كتابه هذا باستقصاء القواعد‬
‫والضوابط واألصول يف معظم أبواب الفقه‪ ،‬وبلغ ما فيه من القواعد ثالثاً وأربعني ومائيت‬
‫قاعدة فقهية‪ ،‬متثل يف جمموعها قواعد املذهب احلنفي‪.‬‬
‫‪ .14‎‬كتاب املدخل الفقهي العام ملصطفى الزرقا‪.‬‬
‫‪ .15‬كتاب شرح القواعد الفقهية للشيخ أمحد الزرقا والد الشيخ مصطفى الزرقاء‪ ،‬وكان شرح‬
‫أبيه خمطوطاً فقام بطبعه مبطبعة الغرب اإلسالمي ببريوت سنة ‪1403‬ه وهو شرح لقواعد‬
‫جملة األحكام العدلية التزم فيه الشارح رمحه اهلل املذهب احلنفي متثيالً وخترجياً‪.‬‬
‫‪36‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ .16‬كتاب القواعد الفقهية نشأهتا وتطورها تأليف الشيخ على بن أمحد الندوي الذي أعده‬
‫لنيل درجة املاجستري من جامعة أم القرى وطبع يف دمشق بدار القلم سنة ‪1406‬ه ‪.‬‬

‫المحاضرة الرابعة‬

‫هدف المحاضرة ‪ :‬العرض والنقاش عن دور القواعد األمهات يف التطبيقات الفقهية وذلك‬
‫من خالل شرح معىن القاعدة وأصلها وأمثلتها أو مستثنيات منها‪.‬‬
‫نتيجة المحاضرة ‪ :‬يستطيع الدارس الذكر واإلتيان والشرح على املعلومات التارخيية عن‬
‫تطورات علم القواعد الفقهية وكتبها املشهورة‪.‬‬

‫القواعد الخمس الكبرى‬

‫القواعد الفقهية األساسية هي أمهات اخلمس اليت يدور عليها معظم األحكام الفقهية‪،‬‬
‫تندرج حتتها القواعد الفروعية العديدة‪ .‬إن بعض القواعد الفقهية أعم وأمشل من بعضها‬
‫اآلخر‪ ،‬وإن قسماً منها يدخل حتت قاعدة أخرى‪ ،‬ولذلك تقسم القواعد إىل صنفني ‪:‬‬
‫قواعد أصلي ة‪ ،‬وقواعد فرعية اليت تنضوي حتت القواعد األصلي ة‪.‬‬
‫‪37‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫والقواعد األصلية قسمان ‪:‬‬


‫األول ‪ :‬قواعد أساسية بالنسبة إىل غريها لعمومها ومشوهلا وأمهيتها‪ ،‬وحاول بعض الفقهاء‬
‫إرجاع مجيع الفروع إليها‪ ،10‬وتبناها مجيع الفقهاء يف خمتلف املذاهب ووضعوها يف كتبهم‬
‫املذهبية‪ ،‬وهي القواعد اخلمس الكربى‪.‬‬

‫الثاين ‪ :‬قواعد أصلية كلية تأيت يف الدرجة الثانية بعد اخلمس األوىل‪.‬‬

‫ومن خالل شرح القاعدة‪ ،‬عرضت فيه األمثلة أو الفروع الفقهية املنسجمة بالقاعدة‪ .‬ويف‬
‫بعض األحيان‪ ،‬كون األمثلة متكرر يف القواعد املختلفة‪ .‬وذلك ألن األمثلة املذكورة تتكون‬
‫فيها عناصر مالئمة مبا ركزها قواعد خمتلفة‪ .‬املثال من ذلك ‪:‬‬
‫جواز أكل امليتة للضرورة‪ .‬وهذا املثال مالئم بقاعدة "الضرورات تبيح احملظورات"‪ ،‬أيضا‬
‫بقاعدة "املشقة جتلب التيسري"‪.‬‬

‫ويف أحيان أخرى‪ ،‬تتدخل أمثلة القاعدة يف موضوع املستثنيات لقاعدة أخرى‪ .‬وذلك ألن‬
‫األمثلة إذا خرجت من قاعدة معينة دخلت فيما هو أخص منها‪ .‬املثال من ذلك ‪:‬‬
‫لو استشهد اجلنب فإنه ال يغسل‪ .‬وهذا مستثىن من قاعدة "درء املفاسد أوىل من جلب‬
‫املصاحل"‪ ،‬ويدخل إىل قاعدة "إذا تعارض املانع واملقتضى قدم املانع"‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫السيوطي‪ .‬جالل الدين عبد الرمحن بن أ يب بكر‪ .‬األشباه والنظائر يف قواعد وفروع فقه الشافعية ‪ .1998.‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ .‬ج ‪ 1‬ص‪.7‬‬
‫‪38‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫(‪)1‬‬
‫األُمنُْوُر‬
‫اص ِد َها‬
‫بِم َق ِ‬
‫َ‬
‫(‪)2‬‬
‫(‪)5‬‬
‫القواعند‬ ‫اليَ ِق ْي ُ الَ يُ َنز ُ‬
‫ال‬
‫العادةُ ُم َح َّك َمة‬
‫َ‬ ‫الخمس‬ ‫الشك‬ ‫بِ َّ‬
‫الكبرى‬
‫(‪)3‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ش َّقةُ ِ‬
‫ال‬ ‫اَ َّ‬
‫لض َنرُر يُ َنز ُ‬ ‫تجنل ُ‬
‫اَ ْلمنَ َ َ‬
‫التيَّ ِس ْي ِر‬

‫القاعدة األولى ‪ :‬األمور بمقاصدها‬

‫أوال ‪ :‬معنى المفردات‬


‫األمور يف اللغة ‪ :‬مجع أمر‪ ،‬واألمر‪ :‬استدعاء الفعل بالقول على وجه االستعالء‪ .11‬ويأيت‬
‫األمر مبعىن احلال والشأن والفعل‪ .‬قال تعاىل ‪:‬ولََق ْد أَرس ْلنَا موس ٰى بِآياتِنَا وس ْلطَ ٍ‬
‫ان ُمبِ ٍ‬
‫ني‬ ‫َ َْ ُ َ َ َُ‬

‫‪11‬‬
‫قلعة جي‪ .‬معجم لغة الفقهاء‪ .‬مادة "أمر"‪.‬‬
‫‪39‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫﴿‪ ﴾96‬إِ َ ٰىل فِرعو َن وملَئِ ِه فَاتَّب عوا أَمر فِرعو َن ۖ وما أَمر فِرعو َن بِرِش ٍ‬
‫يد ﴿‪ {﴾97‬هود ‪:11‬‬ ‫ََ ُْ ْ َْ َ‬ ‫َ ُ َْ ْ َْ‬ ‫ْ َْ ََ‬
‫‪ }97‬أي حاله‪.‬‬
‫األمر يف االصطالح ‪ :‬وهو عمل اجلوارح ومنها األقوال واألفعال كلها‪.12‬‬

‫املقاص د لغ ة ‪ :‬مج ع مقص د‪ .‬القص د وه و إتي ان الش يء‪ ،‬و ِ‬


‫املقص د ‪ :‬الوجه ة‪ .13‬املقاص د‬ ‫َ‬
‫‪14‬‬
‫اصطالحا ‪ :‬قصد يف األمر قصدا توسط وطلب األسد ومل جياوز احلد ‪.‬‬

‫إن القصد والنية واإلرادة واالعتماد واالستقامة والوجهة عبارات تتوارد على معىن واحد وهو‬
‫التوجه إىل الشىء وإرادته‪ .‬والقصد أقوى من اإلرادة ؛ ألن لفظه يوحي بقوة العزم وصدق‬
‫اإلرادة‪ .15‬وحمل النية هو القلب وال حتسب إال أن تقرتن بالفعل‪ .‬تعريف النِّية لغة ‪ :‬العزم‬
‫على الشيء‪ .16‬واصطالحا ‪ :‬هي قصد الطاعة والتقرب إىل اهلل تعاىل بإجياد الفعل أو‬
‫االمتناع عنه‪.17‬‬

‫‪12‬‬
‫القرءان‪ .‬بريوت‪ :‬دار الفكر‪ .‬ص ‪.91‬‬ ‫الراغب األصفهاين احلسني بن حممد بن املفضل‪ .‬معجم مفردات ألفا‬
‫‪13‬‬
‫معجم لغة الفقهاء‪ .‬مادة " قصد"‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫الرافعي‪ .‬املصباح املنري يف غريب الشرح الكبري‪ .1978.‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية ج ‪ 2‬ص ‪.609‬‬
‫‪15‬‬
‫السدالن‪ .‬صاحل غامن‪ .1403 .‬النية وأثرها يف األحكام الشرعية‪ .‬رياض‪ :‬مكتبة اخلرجيي‪ .‬ج ‪ 1‬ص ‪.103-102‬‬
‫‪16‬‬
‫لسان العرب‪ .‬مادة "نوى"‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫ابن ُنيم‪ .‬األشباه والنظائر‪ .‬ص ‪.29‬‬
‫‪40‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫النية عبادة مشروعة‪ ،‬وركنها األعظم إخالصها هلل‬


‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعاىل‪ ،‬قال تعاىل‪َ :‬وَما أُم ُروا إَِّال ليَ ْعبُ ُدوا اللَّهَ ُْخملص َ‬
‫ني لَهُ‬
‫* األمر لغة ‪ :‬استدعاء الفعل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‬‫الزَكا َة ۖ َو َٰذل َ‬
‫الص َال َة َويُ ْؤتُوا َّ‬
‫يموا َّ‬ ‫ِّين ُحنَ َفاءَ َويُق ُ‬
‫الد َ‬
‫بالقول على وجه االستعالء‪/‬‬ ‫ِ‬
‫ين الْ َقيِّ َم ِة ﴿‪{ ﴾5‬البينة ‪ .}98:5‬وقد اختلف يف‬ ‫دُ‬
‫احلال والشأن والفعل‪.‬‬
‫كوهنا ركنا أو شرطا‪ ،‬أو هي ركن يف بعض العبادات‬
‫واصطالحا ‪ :‬عمل اجلوارح من‬
‫وشرط يف غريها‪ .‬وحمل النية القلب إمجاعا‪ ،‬ألهنا من‬
‫األقوال واألفعال‪.‬‬
‫عمله‪.18‬‬
‫* القصد لغة ‪ :‬إتيان الشيء‪.‬‬

‫واصطالحا ‪ :‬قصد يف األمر‬ ‫ملا كانت النية عبادة‪ ،‬كان هلا شروط ال تصح إال هبا‬
‫قصدا توسط وطلب األسد ومل‬ ‫وال يعتد بالنية إذا فقدت واحد منها‪ .‬وشروط النية‬
‫جياوز احلد‪ /‬النية واإلرادة‬
‫أربعة‪:‬‬
‫واالعتماد واالستقامة والوجهة‪/‬‬
‫‪ -1‬اإلسالم ‪ :‬أن يكون الناوى مسلما ألن النية‬
‫التوجه إىل الشىء وإرادته‪.‬‬
‫عبادة‪ ،‬ونية العبادة ال تصح من الكافر ألن العبادة ال‬
‫* النية لغة ‪ :‬العزم على الشيء‪.‬‬
‫تصح منه‪ ،‬ألنه فقد شرط صحة قبول العبادة وهو‬
‫واصطالحا ‪ :‬هي قصد الطاعة‬ ‫‪19‬‬
‫اإلميان باهلل تعاىل‪.‬‬
‫والتقرب إىل اهلل تعاىل بإجياد‬
‫الفعل أو االمتناع عنه‪.‬‬
‫‪ -2‬التمييز ‪ :‬القوة اليت يف الدماغ وهبا تستنبط املعاين‪.‬‬
‫فال يصح عبادة صيب ال مييز ‪ ،‬وال جمنون‪ .‬والطفل‬

‫‪18‬‬
‫عبد العزيز حممد عزام‪ .2001 .‬املقاصد الشرعية يف القواعد الفقهية‪ .‬قاهرة‪ :‬دار البيان‪ .‬ص ‪.59‬‬
‫‪19‬‬
‫الوجيز يف إيضاح قواعد الفقه الكلية‪ .‬ص ‪.53-52‬‬
‫‪41‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫املميز هو الطفل الذي أصبح له بصر عقلي يستطيع به‬


‫الفصل بني احلسن والقبيح من األمور‪ ،‬ويعرف به‬
‫* محل النية ‪ :‬القلب‬
‫الفرق بني اخلري والشر والنفع والضر‪ .‬وحد بلوغه سبع‬
‫* شروط النية ‪:‬‬ ‫سنني‪.‬‬
‫‪ -1‬اإلسالم‬ ‫‪ -3‬العلم باملنوى ‪ :‬أن يعلم حكم ما نواه إن كان‬
‫‪ -2‬التمييز‬ ‫فرضا أو نفال‪ ،‬عبادة أو غريها‪ ،‬فمن جهل فرضية‬
‫الصالة أو الوضوء مل يصح منه فعلهما‪ ،‬لكن الذي‬
‫‪ -3‬العلم باملنوي‬
‫مييز الفرائض من السنن تصح عبادته بشرط أن ال‬
‫‪ -4‬ع دم املن ايف ب ني الني ة‬
‫يقصد التنفل مبا هو مفروض‪.‬‬
‫واملنوي‬
‫‪ -4‬عدم املنايف بني النية واملنوى ‪ :‬املراد باملنايف وهو أن‬
‫* مقصود النية في العبادات ‪:‬‬
‫ال يأيت مبا ينافيها دو ًاما وابتداء‪ ،‬كمن ارتد بعد نية‬
‫‪ -1‬متييز العبادات عن العادات‬ ‫العبادة‪ ،‬فإذا ارتد فقد بطلت عبادته‪ .‬ومن املناىف نية‬
‫‪ -2‬متييز رت ب العب ادات بعض ها‬ ‫قطع الصالة‪ ،‬بطلت عند الشافعية ألهنا شبيهة‬
‫عن بعض‬ ‫باإلميان‪ ،‬ومل تبطل عند احلنفية‪ ،‬ومن نوى قطع الصالة‬
‫بعد الفراغ منهامل تبطل عند اجلميع‪.20‬‬

‫املقصود من مشروعية النية يف العبادات أمران‪:21‬‬


‫‪20‬‬
‫عبد العزيز حممد عزام‪ .2001 .‬املقاصد الشرعية يف القواعد الفقهية‪ .‬قاهرة‪ :‬دار البيان‪ .‬ص ‪.66‬‬

‫‪21‬‬
‫السيوطي‪ .‬جالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر‪ .1998 .‬األشباه والنظائر يف قواعد وفروع فقه الشافعية‪ .‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ .‬ج ‪ 1‬ص ‪.41-40‬‬
‫‪42‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫األمر األول ‪ :‬متييز العبادات عن العادات‪ .‬فاجللوس يف املسجد مثالً قد يكون لالسرتاحة أو‬
‫لالعتكاف‪ ،‬واإلمساك عن املفطرات‪ ،‬قد يكون محية أو تداويا أو لعدم احلاجة‪ ،‬وقد يكون‬
‫ابتغاء الثواب‪ ،‬فالنية متيز ذلك‪.‬‬

‫األمر الثاين ‪ :‬متييز رتب العبادات بعضها عن بعض‪ .‬فالتقرب إىل اهلل تعاىل يكون بالفرض‬
‫والنفل والواجب فشرعت النية لتمييزها‪ .‬فالوضؤ‪ ،‬والغسل‪ ،‬والصالة‪ ،‬والصوم‪ ،‬قد يكون‬
‫فرضا أو نذراً أو نفالً‪ ،‬وصورة األداء والفعل هلذه األمور واحدة‪ ،‬فشرعت النية لتمييز رتب‬
‫هذه العبادات بعضها عن بعض‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫املقصود هبذه القاعدة أن األحكام الشرعية يف أمور الناس ومعامالهتم تتكيف حسب‬
‫قصودهم – أي نياهتم – من إجرائها‪ ،‬فقد يعمل اإلنسان عمال بقصد معني فيرتتب على‬
‫عمله حكم معني‪ ،‬وقد يعمل نفس العمل بقصد آخر فيرتتب على عمله حكم آخر‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬أدلة ‪ /‬أصل القاعدة ‪:‬‬


‫‪ -1‬ورد يف حديث عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه قال ‪ :‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم يقول ‪ :‬إمنا األعمال بالنيات‪ ،‬وإمنا لكل امرئ ما نوى‪ ،‬فمن كانت هجرته إىل‬
‫‪43‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫اهلل ورسوله فهجرته إىل اهلل ورسوله‪ ،‬ومن كانت هجرته إىل دنيا يصيبها أو امرأة‬
‫ينكحها فهجرته إىل ما هاجر إليه‪.22‬‬
‫‪ -2‬قوله تعاىل‪{ :‬واصرب نفسك مع الذين يدعون رهبم بالغدوة والعشي يريدون وجهه}‬
‫وهذا دليل على أنه ال بد من مالحظة القصد والنية يف العمل‪ ،‬وذلك بإرادة وجه اهلل‬
‫فيه‪.‬‬
‫‪ -3‬قوله تعاىل ‪{ :‬ومن خيرج من بيته مهاجراً إىل اهلل ورسوله مث يدركه املوت فقد وقع أجره‬
‫على اهلل وكان اهلل غفوراً رحيماً}‪ .‬ففيها بناء احلكم على اإلرادة‪ ،‬وضرورة إخالص‬
‫القصد والنية يف العمل‪.‬‬
‫‪ -4‬وقوله عليه الصالة والسالم ‪ :‬إنك لن تنفق نفقة تبتغي هبا وجه اهلل إال أجرت عليها‬
‫حىت ما جتعل يف فم امرأتك‪.23‬‬
‫‪ -4‬حديث أخر قال عليه الصالة والسالم ‪ :‬إمنا يبعث الناس على نياهتم‪.24‬‬

‫رابعا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬من قال ‪ :‬خذ هذه رُنيت‪ ،‬فإن نوى التربع هبا كان هبة‪ ،‬وإن كان قرضا وجب الوفاء‪.‬‬
‫علي حرام وينوي الطالق والظّهار‪ ،‬فاألصح أنه خيري بينهما فما‬
‫‪ -2‬قال أحد لزوجته ‪ :‬أنت َّ‬
‫اختار به ثبت‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫صحيح البخاري بشرح العسقالين‪ ،9/1 .‬رياض الصاحلني‪ .‬ص ‪.13-12‬‬
‫‪23‬‬
‫رواه البخاري‪ .‬كتاب "اإلميان " باب "ما جاء إن األعمال بالنية‪ .165/1 "...‬رقم ‪.56‬‬
‫‪24‬‬
‫صحيح مسلم‪ .‬كتاب "الفنت" باب "اخلسف باجليش الذي يؤم البيت"‪ 3211-221/4 .‬رقم ‪.8‬‬
‫‪44‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫خامسا ‪ :‬االستثناءات‬
‫واملستثنيات من هذه القاعدة كثرية‪ ،‬منها‪:25‬‬
‫التدريبات ‪:‬‬
‫‪ -1‬ذبح أضحية هلل تعاىل وللصنم‪ ،‬فتحرم الذبيحة‬
‫‪ -1‬ه ات مع ىن األم ر واملقص د‬
‫بانضمام النية للصنم‪ ،‬ألنه تشريك يف نية عبادة‬
‫لغة واصطالحا‪.‬‬
‫مع ما ليس بعبادة فيبطلها‪.‬‬
‫‪ -2‬اش رح القاع دة ش رحا وافي ا‬
‫‪ -2‬ال تشرتط النية يف عبادة قلبية واعتقادات كاإلميان‬
‫مع الدليل واملثال‪.‬‬
‫باهلل تعاىل‪ ،‬واخلوف‪ ،‬والرجاء‪ ،‬ألهنا متميزة بصورهتا‪.‬‬
‫‪ -3‬م ا املقص ود م ن مش روعية‬ ‫‪ -3‬ال تشرتط النية يف الرتوك (ترك املعصية) كالزىن‪،‬‬
‫النية يف العبادات؟‬
‫وشرب اخلمر وغريها‪ ،‬فإن الرتك ال حيتاج إىل النية‬
‫وضح شروط النية األربعة‪.‬‬
‫‪ّ -4‬‬ ‫حلصول املقصود منها‪ ،‬وهو اجتناب املنهي عنه‬
‫‪ -5‬ه ل تص ح العب ادة بني ة‬ ‫بكونه مل يوجد‪ ،‬وإن مل يكن نية‪ .‬لكن الرتك حيتاج‬
‫فقط؟ وملاذا؟‬ ‫إىل نية يف حصول الثواب املرتتب على الرتك‪ ،‬ألنه‬
‫‪ -6‬هات اإلستثناءات م ن ه ذه‬ ‫ال ثواب وال عقاب إال بالنية‪.‬‬
‫القاعدة‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫الزحيلي‪.‬حممد مصطفى‪ . 2006 .‬القواعد الفقهية وتطبيقاهتا يف املذاهب األربعة ‪ .‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪ .‬ص ‪.73-72‬‬
‫‪45‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫القواعد المندرجة تح قاعدة "األمور بمقاصدها"‪.‬‬

‫العبرة في العقود‬
‫للمقاصد والمعاني ال لأللفاظ والمباني‬

‫الفرض ال يت دى بنية النفل‬


‫األمور بمقاصدها‬

‫مقاصد اللفظ على نية الالفظ ال في‬


‫اليمي عند القاضي‬

‫النية في اليمي تُخصص اللفظ العام وال تُعمم الخاص‬

‫اص ِد والمعانِي ال لألَلْن َف ِ‬


‫اظ والمنَبَانِي "‬ ‫العن ْبنرةُ فِي العن ُقوِد للمن َق ِ‬
‫ِ‬
‫ُ ْ َ‬ ‫األولى ‪ :‬قاعدة " َ‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫إن يف أحكام العقود‪ ،‬إذا تعارضت بني األلفا املستخدمة واملقاصد امللحوظة يف الصيغة‬
‫فإنه ال ينظر إىل ألفاظها بل ينظر إىل مقاصدها‪ ،‬فعليها تبىن أحكام العقود‪.‬‬
‫‪46‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ثانيا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬لو اشرتى شخص من بقال سلعة وقال له‪ :‬خذ هذه الساعة أمانة عندك حىت أحضر‬
‫الثمن‪ ،‬فإن هذه الساعة تعد رهناً وتأخذ حكم الرهن‪ ،‬وال تكون أمانة؛ ألن العقد وإن‬
‫كان لفظه أمانةً إال أن معناه الرهن فأخذنا مبعناه ومل نلتفت إىل لفظه؛ ألن العربة يف‬
‫العقود للمقاصد واملعاين ال لأللفا واملباين‪.‬‬
‫‪ -2‬لو قال شخص لشخص آخر ‪ :‬وهبتك هذه السيارة على أن تعطيين سيارتك فإن هذا‬
‫العقد يأخذ حكم البيع وإن كان بلفظ اهلبة؛ ألن هذا العقد وإن كان بلفظ اهلبة إال أن‬
‫بيع والعربة يف العقود للمقاصد واملعاين ال لأللفا واملباين‪.‬‬
‫معناه ٌ‬
‫‪ -3‬لو قال شخص آلخر ‪ :‬قد أحلتك بالدين املطلوب مين على فالن‪ ،‬على أن تبقى ذميت‬
‫مشغولة حىت يدفع احملال عليه الدين‪ ،‬فإن هذا العقد يأخذ حكم الكفالة أو الضمان‬
‫وال يكون حوالةٌ؛ ألن هذا العقد وإن كان بلفظ احلوالة إال أن معناه ضم ذمة إىل ذمة‬
‫أخرى وهو ضمان‪ ،‬والعربة يف العقود للمقاصد واملعاين ال لأللفا واملباين‪.‬‬
‫اشرتط فيها عدم مطالبة الدائن املدين املكفول انقلبت حوالة وأخذت‬ ‫‪ -4‬أن الكفالة إذا ُِ‬
‫أحكامها ألهنا تصبح يف معناها‪.‬‬
‫‪47‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ِ‬ ‫الع ِام وال تُن َعم ُم‬ ‫ص الَّل ْف ُ‬ ‫ِ‬


‫الخاص "‬ ‫ظ َ‬ ‫الثانية ‪ :‬قاعدة " النينةُ في اليَمي ِ تُ َخص ُ‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫أن نية املتكلم هلا أثر يف باب األميان من جهة أن املتكلم لو تلفظ بيم ٍ‬
‫ني لفظها عام ونوى‬
‫شيئاً خاصاً فإن النية ُختصص لفظه هذا‪ ،‬ويعامل حبكم ما نواه‪ ،‬وكذا العكس فيما لو تلفظ‬
‫ٍ‬
‫بلفظ ٍ‬
‫خاص ونوى شيئاً ليس عاماً فإن النية ال تعمم لفظه‪ ،‬وال يعامل حبكم ما نواه‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬لو حلف شخص أن ال يكلم أحداً‪ ،‬ونوى أن ال يكلم شخصاً معيناً‪ ،‬فإنه ال حينث لو‬
‫كلم غري هذا الشخص ألن ميينه وإن كانت عامة يف لفظها إال أنه قد خصصها بنيته‪،‬‬
‫والنية يف اليمني ختصص اللفظ العام‪.‬‬
‫معينة أو من أسرةٍ ٍ‬
‫معينة‪،‬‬ ‫‪ -2‬لو قال رجل‪ :‬كل امرأة أتزوجها فهي طالق‪ ،‬ونوى نساء بلدةٍ ٍ‬
‫فإن له أن يتزوج من غري البلدة اليت عينها ومن غري نساء تلك األسرة اليت عينها‪ ،‬ال‬
‫تطلق ألن ميينه وإن كانت عامة يف لفظها إال أنه خصصها بنيته‪ ،‬والنية يف اليمني‬
‫ختصص اللفظ العام‪.‬‬
‫فالن من عطش‪ ،‬ونوى أن ال ينتفع منه بشيء‪،‬‬‫‪ -3‬لو حلف شخص أن ال يشرب من ماء ٍ‬
‫فإنه ال حينث إذا انتفع منه بشيء بسبب لفظه خاصاً بالشرب منه من عطش‪ ،‬ألن‬
‫نيته عامة‪ ،‬والنية يف اليمني ال تعمم اللفظ اخلاص‪.‬‬
‫‪48‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -4‬لو حلف شخص أن ال يدخل هذا البيت ونوى هجران أهل هذا البيت‪ ،‬مث إنه دخل‬
‫عليهم بيتاً آخر‪ ،‬فإنه ال حينث يف ميينه بسبب لفظه خاصاً بالدخول عليهم يف هذا‬
‫البيت؛ ألن نيته عامةٌ‪ ،‬والنية يف اليمني ال تعمم اللفظ اخلاص‪.‬‬

‫نية الالفِظ "‬ ‫قاص ُد ِ‬


‫اللفظ على ِ‬ ‫الثالثة ‪ :‬قاعدة " م ِ‬
‫َ‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫التدريبات ‪:‬‬ ‫أن األصل يف معىن اللفظ راجع إىل حقيقتها اللغوية‪ ،‬لكن‬
‫‪ -1‬ما املراد يقاعدة " العربة‬ ‫ال يظهر منه القصد احلقيقي من قِبل الفِظه إال بعد أن‬
‫يف العقود للمقاصد واملعاين ال‬ ‫يسأل به‪ .‬واألصل أن حتمل معىن اللفا مبا نواه الالفظ‪،‬‬
‫لأللفا واملباين "؟‬ ‫ويستثىن من هذا موضع واحد وهو ‪ :‬اليمني أمام القاضي‬
‫‪ -2‬هل جيوز ألحد أن حيلف‬ ‫أو أمام من له حق التحليف فإن اليمني ُحتمل وتُفسر‬
‫بعدم التزوج إىل األبد بعد‬ ‫حبسب داللة اللفظ ال حبسب نية الالفظ‪.‬‬
‫فشاله بنكاح األوىل؟‬

‫‪ -3‬هل يثبت عقد البيع إذا‬ ‫ثانيا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫تعاقد اإلثنان بالريال ويقصدان‬ ‫‪ -1‬لو قال أحد لزوجته "انت طالق‪ ،‬وطالق‪ ،‬وطالق" ف إن‬
‫منه الرُنيت؟‬ ‫قص د م ن ذل ك التعدي د فطلق ت ثالث ا‪ ،‬وإن توكي د‬
‫اللفظ هو املقصود لسبب علة زوجته من عدم السمع‬
‫وغريه‪ ،‬فلم يقع من ذلك ثالث‪.‬‬
‫‪49‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -2‬لو اختذ احللي بقصد استعماله يف مباح مل جتب فيه الزكاة‪ ،‬أو بقصد كنزه وجبت فيه‬
‫الزكاة‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬االستثناءات‬
‫‪ -1‬لو حلّف القاضي منكر الدين أنه ما أخذ ٍ‬
‫لفالن شيئاً‪ ،‬فحلف ونوى أنه ما أخذ هذا‬
‫اليوم‪ ،‬وكان يف الواقع قد أخذ قبل ذلك‪ ،‬فإن هذا احلالف حينث يف ميينه‪ ،‬ألنه وإن كان‬
‫األصل يف اليمني أن ُحتمل على نية احلالف إال أهنا هنا أمام القاضي‪ ،‬فتُحمل على ما‬
‫َّ‬
‫دل عليه لفظها‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬قاعدة " ال َفرض ال يت َّدى ِ‬


‫بنية النَّن ْف ِل "‬ ‫ْ ُ َ‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫نية النفل يف عبادة معينة ال يقوى هبا على الفرض شيئا ولو تساوي فيهما الفعل أو الكيفية‪.‬‬
‫وذلك ألن معيار الفرض خيتلف عن النفل‪ .‬الفرض أصل والنفل فرع‪ .‬وإذا فعل النوافل وإن‬
‫كثرت ال يتأدى به الفرض‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬لو سلّم التسليمة األوىل ونوى هبا التسليمة الثانية مث بان خالف ذلك مل حيسب‪.‬‬
‫‪ -2‬لو اغتسل بنية اجلمعة ال جيزئه عن غسل اجلنابة يف األصح‪.‬‬
‫‪50‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -3‬لو ترك املصلى سجدة مث سجد للتالوة ال جتزئه عن الفرض يف األصح‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬االستثناءات‬
‫وقد استثىن عن هذه القاعدة مسائل يتأدى فيها الفرض بنية النفل‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬لو جلس للتشهد األخري وهو يظنه التشهد األول مث تذكر‪ ،‬أجزأه‪.‬‬
‫تطوعا وعليه الفرض انصرف إليه بال خالف‪.‬‬
‫‪ -2‬لو نوى احلج أو العمرة أو الطواف ّ‬

‫القاعدة الثانية ‪ :‬اليَ ِق ْي ُ ال يُ َنز ُ‬


‫ال بِ َّ‬
‫الشك‬

‫أوال ‪ :‬معنى المفردات‬


‫اليقني لغة ‪ :‬العلم وإزاحة الشك وحتقيق األمر‪ ،‬واليقني نقيض الشك‪ .26‬واليقني كذلك يأيت‬
‫مبعىن آخر وهو العلم وزوال الشك‪ .27‬قال اجلرجاين هو العلم الذي ال شك معه‪ .28‬وقال‬
‫الفريوز آبادي هو إزاحة الشك فقط‪ 29.‬فاجلميع متفقون على أن اليقني يف اللغة هو ضد‬
‫الشك‪ ،‬ومبعىن العلم ‪.‬‬

‫‪ 26‬لسان العرب ‪457/13‬‬


‫‪ 27‬خمتار الصحاح ‪310‬‬
‫‪ 28‬التعريفات ‪ ، 332‬التعاريف ‪750‬‬
‫‪ 29‬القاموس احمليط ‪1601‬‬
‫‪51‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫واليقني اصطالحا ‪ :‬اعتقاد الشيء بأنه كذا مع اعتقاد أنه ال ميكن إال كذا مطابقا للواقع غري‬
‫ممكن الزوال‪ 30.‬وقيل هو اعتقاد جازم ال يقبل التغري من غري داعية الشرع‪ .31‬وقال أبو البقاء‬
‫‪ :‬العلم املستقر يف القلب لثبوته عن سبب متعني له‪ ،‬حبيث ال يقبل االهندام‪ .32‬وخالصته‪،‬‬
‫اليقني هو االعتقاد اجلازم الثابت املطابق للواقع‪ .‬وقال ابو احلسن علي الندوي ‪ :‬أن اليقني‬
‫هي كيفية االستقرار والطمأنينة علىحقيقة الشيء حبيث ال يبقى تردد‪.‬‬

‫تعريف الشك لغة ‪ :‬نقيض اليقني ومجعه شكوك‪ .‬والشك ضد اليقني‪ .‬وقال ابن ُنيم هو‬
‫الشك تساوي الرتدد‪.33‬أما الشك يف االصطالح ‪ :‬خالف اليقني فقوهلم خالف اليقني هو‬
‫الرتدد بني شيئني سواء استوى طرفاه أو رجع أحدمها على اآلخر‪.34‬‬

‫وقال اجلرجاين ‪ :‬الرتدد بني النقيضني بال ترجيح ألحدمها على اآلخر عند الشك‪ .35‬وقيل‬
‫بأنه ما استوى طرفاه وهو الوقوف بني الشيئني ال مييل القلب إىل أحدمها فإذا ترجح أحدمها‬
‫ومل يطرح اآلخر فهو ظن فإذا طرحه فهو غالب الظن وهو مبنزلة اليقني‪.36‬وقال ابن القيم ‪:‬‬

‫‪ 30‬التعريفات ‪ ، 322‬التعاريف ‪750‬‬


‫‪ 31‬احلدود األنيقة ‪68/1‬‬
‫‪ 32‬الكليات ‪116/5‬‬
‫‪ 33‬االشباه والنظائر ابن ُنيم ‪82‬‬
‫‪ 34‬املصباح املنري ‪320/1‬‬
‫‪ 35‬التعريفات ‪168 /1‬‬
‫‪ 36‬التعريفات ‪168 /1‬‬
‫‪52‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫الرتدد بني الشيء وعدمه‪ ،‬تساوى االحتماالن أو رجح‬


‫أحدمها‪ .37‬وقال النووي ‪ :‬الرتدد بني وجود الشيء وعدمه‬
‫‪:‬‬ ‫رتبة االعتقاد‬
‫سواء استوى االحتماالن أو ترجح أحدمها‪ .‬وعند‬
‫‪ -1‬اليقني‬
‫األصوليني ‪ :‬إن تساوى االحتماالن فهو شك وإال‬
‫‪ -2‬غلبة الظن‬ ‫فالراجح ظن واملرجوح وهم وقول الفقهاء موافق للغة‪.‬‬
‫‪ -3‬الظن‬
‫‪ -4‬الشك‬ ‫هناك شروط إلعمال القاعدة‪ .‬فبذلك ال بد أن يتحقق‬
‫كل شرط من شروط آتية ‪:‬‬
‫‪ -5‬الوهم‬
‫‪ -1‬احتاد القضيتني املتيقنة واملشكوك فيها يف املتعلق ‪:‬‬
‫املقصود بذلك أن يكون ما تعلق به اليقني هو ما‬
‫اليق ن ن نني لغ ة ‪ :‬العل م وإزاح ة‬ ‫تعلق به الشك‪ ،‬ووجه اشرتاط هذا يف القاعدة‪ ،‬أنه‬
‫الش ك وحتقي ق األم ر‪،‬‬
‫يف حدوث قضية جديدة‪ .‬فال يكون هناك نقض‬
‫واليقني نقيض الشك‪.‬‬
‫لليقني بالشك‪.‬‬
‫اص طالحا ‪ :‬االعتق اد اجل ازم‬ ‫‪ -2‬اختالف زماين يف حدوث اليقني والشك ‪ :‬ويكون‬
‫الثاب ت املط ابق للواق ع‬
‫ذلك بتقدم زمن اليقني على زمن الشك‪ ،‬ليصدق‬
‫كيفي ة االس تقرار والطمأنين ة‬
‫عدم نقض اليقني بالشك‪ ،‬ألنه من املستحيل‬
‫عل ى حقيق ة الش يء حبي ث ال‬
‫اجتماع زمان اليقني والشك‪ ،‬مع كون املتيقن هو‬
‫يبقى تردد‪.‬‬
‫املشكوك فيه نفسه‪.‬‬

‫‪ 37‬بدائع الفوائد ‪829/4‬‬


‫‪53‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -3‬اجتماع اليقني والشك يف آن واحد ‪ :‬املقصود أن‬


‫يتفق حصول اليقني والشك على شيء يف آن واحد‪.‬‬
‫غلبن ن ننة الظ ن ن ن ‪ :‬رجح ان أح د‬
‫‪ -4‬اتصال زمان الشك بزمان اليقني ‪ :‬املقصود بذلك أن‬
‫اجل انبني عل ى اجلان ب اآلخ ر‬
‫رجحانا مطلقا‪.‬‬ ‫ال يوجد فاصل بينهما يتخلله يقني آخر‪ ،‬ألن دخول‬
‫اليقني على اليقني ينقضه‪ ،‬فتخرج املسألة من نطاق‬
‫الظ ن ن ن ‪ :‬الوق وف ب ني ش يئني‬
‫عنوان القاعدة‪.‬‬
‫جبي ث ي رتجح أح دمها دون‬
‫أن يطرح اآلخر‪.‬‬ ‫‪ -5‬فعلية الشك واليقني ‪ :‬أن يتحقق كل من الشك‬
‫واليقني بالفعل‪ ،‬فال عربة بالشك التقديري‪ ،‬لعدم‬
‫الشك لغة ‪ :‬نقيض اليقني‪.‬‬
‫صدق النقض به‪ ،‬وال اليقني التقديري‪ ،‬لعدم صدق‬
‫اص طالحا ‪ :‬ال رتدد ب ني‬
‫ناقضه بالشك‪.‬‬
‫رجيح‬ ‫النقيض ني ب ال ت‬
‫‪ -6‬وجود األثر العملي املصحح إلجراء القاعدة ‪ :‬أن‬
‫ألحدمها على اآلخر‪.‬‬
‫يكون إلبقاء حكم املتيقن يف حالة الشك أثر عملي‪.‬‬
‫الوهم ‪ :‬اجلانب املرجوح‬
‫‪ - 7‬أن ال يعارض يقني القاعدة ما هو أرجح منه‪ ،‬فإذا‬
‫حصل التعارض عمل بالراجح‪.38‬‬

‫ثانيا ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫إن األشياء حيكم ببقائها على أصوهلا حىت يتيقن خالف‬

‫‪ 38‬قاعدة اليقني ال يزول بالشك أباحسني ص ‪55 - 46‬‬


‫‪54‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ذلك وال يضر الشك الطاريء عليها‪ .‬وما كان ثابت متيقناً من األمور‪ ،‬ال يرتفع مبجرد طروء‬
‫الشك عليه‪ ،‬وذلك ألن األمر اليقيين ال يعقل أن يزيله مبا هو أضعف منه‪ ،‬بل يزيله ما كان‬
‫أقوى منه أو ما كان مثله‪ .‬واحلكم الثابت بالدليل يبقى ثابتاً مامل يرد دليل يرفعه‪ ،‬فيعترب‬
‫بقاؤه يقينياً استناداً إىل دليل‪ ،‬فال يزيله احتماالت ليس هلا ما يربرها‪ .‬فمن ملك شيئاً بعقد‬
‫أو إرث أو أي سبب صحيح‪ ،‬يبقى مالكاً ملا يف حوزته‪ ،‬وال ينتقل إىل غريه إال بدليل‪ ،‬ألن‬
‫امللك استند إىل سبب صحيح‪ ،‬فثبوته يقيين‪ ،‬فال يزول إال بيقني مثله‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬دليل ‪ /‬أصل القاعدة‬


‫هلذه القاعدة العظيمة أدلة من الكتاب والسنة واإلمجاع واملعقول ‪.‬‬
‫من هذه األدلة ما جاء يف ( القرآن الكرمي )‪:‬‬
‫وك َع ْن َسبِ ِيل اللَّ ِه إِ ْن يَتَّبِعُو َن إَِّال الظَّ َّن‬ ‫ضيِ‬
‫ضلُّ َ‬ ‫‪ -1‬قوله تعاىل ِ ِ‬
‫(وإ ْن تُط ْع أَ ْكثَ َر َم ْن ِيف ْاأل َْر ِ ُ‬ ‫َ‬
‫صو َن)(سورة األنعام ‪ :‬آية ‪)116‬‬ ‫َوإِ ْن ُه ْم إَِّال َخيُْر ُ‬
‫يم ِمبَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(وَما يَتَّبِ ُع أَ ْكثَ ُرُه ْم إَِّال ظَنّاً إِ َّن الظَّ َّن ال يُ ْغ ِين ِم َن ْ‬
‫احلَ ِّق َشْيئاً إ َّن اللَّهَ َعل ٌ‬ ‫‪ -2‬وقوله تعاىل َ‬
‫يَ ْف َعلُو َن)(سورة األنعام ‪ :‬آية ‪)116‬‬
‫ين يَ ْدعُو َن ِم ْن‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ات َوَم ْن ِيف ْاأل َْر ِ‬ ‫السماو ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫ض َوَما يَتَّب ُع الذ َ‬ ‫‪ -3‬وقوله تعاىل (أَال إ َّن للَّه َم ْن يف َّ َ َ‬
‫ِ ِ‬
‫صو َن) (سورة يونس ‪ :‬آية ‪)36‬‬ ‫ُدون اللَّه ُشَرَكاءَ إِ ْن يَتَّبِعُو َن إَِّال الظَّ َّن َوإِ ْن ُه ْم إَِّال َخيُْر ُ‬
‫ض الظَّ ِّن إِ ْمثٌ )(سورة يونس‬ ‫‪ -4‬وقوله تعاىل (يا أَيُّها الَّ ِذين آمنُوا ِ ِ ِ‬
‫اجتَنبُوا َكثرياً م َن الظَّ ِّن إِ َّن بَ ْع َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫‪ :‬آية ‪)66‬‬
‫‪55‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫(وَما َهلُ ْم بِِه ِم ْن ِع ْل ٍم إِ ْن يَتَّبِعُو َن إَِّال الظَّ َّن َوإِ َّن الظَّ َّن ال يُ ْغ ِين ِم َن ْ‬
‫احلَ ِّق َشْيئاً)‬ ‫‪ -5‬وقوله تعاىل َ‬
‫(سورة احلجرات ‪ :‬آية ‪)12‬‬
‫فالظن يف هذه اآليات مبعىن التوهم ‪.‬‬

‫ومن األحاديث الشريفة ‪:‬‬


‫‪ -1‬حديث عباد بن متيم عن عمه أنه شكا إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الرجل‬
‫الذي خييل إليه أنه جيد الشيء يف الصالة فقال ‪ ":‬مث ال ينفتل أوال ينصرف حىت يسمع‬
‫صوتا أو جيد رحيا"‪.‬‬
‫‪ -2‬حديث أيب سعيد اخلدري قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ":‬مث إذا شك‬
‫أحدكم يف صالته فليلق الشك ولينب على اليقني‪ .‬فإذا استيقن التمام سجد سجدتني‬
‫فإن كانت صالته تامة كانت الركعة نافلة والسجدتان وإن كانت ناقصة كانت الركعة‬
‫متاما لصالته وكانت السجدتان مرغميت الشيطان"‪.39‬‬
‫‪ -3‬حديث أيب هريرة قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ":‬مث إذا وجد أحدكم يف‬
‫بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم ال فال خيرجن من املسجد حىت يسمع صوتا‬
‫أو جيد رحيا"‪.40‬‬

‫‪ 39‬صحيح البخاري ج‪1‬ص‪ ، 64‬صحيح مسلم‪ 276/1‬سنن أيب داود ‪45/1‬‬


‫‪ 40‬سنن أيب داود ‪ ،269/1‬سنن النسائي ‪ ،27/3‬سنن ابن ماجة ‪ ، 382/1‬مسند أمحد ‪ 83/3‬صحيح مسلم‬
‫‪400/1‬‬
‫‪56‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -4‬حديث عبدالرمحن بن عوف رضى اهلل عنه قال ‪ :‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم يقول ‪ ":‬مث إذا شك أحدكم يف الثنتني والواحدة فليجعلها واحدة وإذا شك يف‬
‫الثنتني والثالث فليجعلها اثنتني وإذا شك يف الثالث واألربع فليجعلها ثالثا مث ليتم ما‬
‫بقي من صالته حىت يكون الوهم يف الزيادة مث يسجد سجدتني وهو جالس قبل أن‬
‫يسلم"‪.41‬‬

‫ومن اإلمجاع ‪ :‬وقد أمجع العلماء على أصل العمل هبذه القاعدة‪ .‬فقد نقل اإلمجاع عن‬
‫اإلمام القرايف بقوله ‪ :‬هذه قاعدة جممع عليها‪ ،‬وهي أن كل مشكوك فيه جيعل كاملعدوم‬
‫الذي جيزم بعدمه‪ 42.‬وقد أشار به اإلمام ابن دقيق العيد ‪ :‬وكأن العلماء متفقون على هذه‬
‫القاعدة‪ ،‬لكنهم خيتلفون يف كيفية استعماهلا‪43.‬وقال أبو بكر السرخسي ‪ :‬إن التمسك‬
‫‪44‬‬
‫باليقني وترك املشكوك فيه أصل يف الشرع‪.‬‬
‫ومن املعقول ‪ :‬فال شك إن اليقني أقوى من الشك‪ ،‬ألن اليقني يتصف بالثبات واالستقرار‪،‬‬
‫يف مقابل أن الشك حيمل معىن الرتدد واالحتمال فال يقوى على إزالة اليقني‪ ،‬وإىل هذا أشار‬
‫مصطفى الزرقاء ‪ :‬اليقني أقوى من الشك ألن اليقني حكماً قطعياً جازماً فال ينهدم‬
‫‪45‬‬
‫بالشك‪.‬‬

‫‪ 41‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪49/4‬‬


‫‪ 42‬سنن ابن ماجة ‪381/1‬‬
‫‪ 43‬الفروق ‪111/1‬‬
‫‪ 44‬إحكام األحكام شرح عمدة األحكام ‪78/1‬‬
‫‪ 45‬أصول السرخسي ‪116 /2‬‬
‫‪57‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫رابعا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬إذا شك يف طهارة املاء أو غريه أو ُناسته بىن على‬
‫التدريبات ‪:‬‬
‫اليقني‪. 46‬‬
‫‪ -1‬اش رح القاع دة اليق ني ال‬
‫‪ -2‬لو شك هل صلى ثالثا أو أربعا وهو منفرد بىن‬
‫يزال بالشك شرحا وافيا‪.‬‬
‫على اليقني إذ األصل بقاء الصالة يف ذمته وإن‬
‫‪ -2‬م ا الف رق ب ني اليق ني وغلب ة‬
‫كان إماما فعلى غالب ظنه ألن املأموم ينبهه فقد‬
‫الظن؟‬
‫عارض األصل هنا ظهور تنبيه املأموم على‬
‫‪ -3‬هات رتبة االعتقاد‪.‬‬ ‫الصواب‪ .‬وقال الشافعي ومالك يبين على اليقني‬
‫‪ -4‬ه ات ش روط إلعم ال‬ ‫مطلقا ألنه األصل‪.‬‬
‫القاع دة " اليق ني ال ي زال‬ ‫‪ -3‬إذا شك هل طاف ستا أو سبعا أو رمى ست‬
‫بالشك"‪.‬‬ ‫حصيات او سبعا بىن على اليقني‪.‬‬
‫‪ -5‬ش ك رج ل يف مح ل زوجت ه‪،‬‬ ‫‪ -4‬إذا شك هل عم املاء بدنه وهو جنب أم ال لزمه‬
‫أه ي من ه أو غ ريه لك ون‬ ‫يقني تعميمه مامل يكن ذلك وسواسا‪.‬‬
‫احلمل أكرب عمر من زواجه‪.‬‬
‫‪ -5‬إذا اشرتى ثوبا جديدا أو لبيسا وشك هل هو‬
‫م ا رأي ك يف مس اعدة ه ذا‬ ‫طاهر أو ُنس فيبين األمر على الطهارة ومل يلزمه‬
‫الرجل‪.‬‬ ‫‪47‬‬
‫غسله‪.‬‬
‫‪ -6‬إذا كان عليه حق هلل عز وجل من صالة أو زكاة أو‬

‫‪ 46‬بدائع الفوائد ‪779/3‬‬


‫‪ 47‬بدائع الفوائد ‪779/3‬‬
‫‪58‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫كفارة أو عتق أو صيام وشك هل أتى به أم ال لزمه اإلتيان به‪.‬‬


‫‪ -7‬إذا شك هل مات مورثه فيحل له ماله أو مل ميت مل حيل له املال حىت يتيقن موته‪.‬‬
‫‪ -8‬إذا شك الصائم يف غروب الشمس مل جيز له الفطر ألن األصل بقاء النهار‪ .‬وإذا شك‬
‫‪48‬‬
‫يف طلوع الفجر جاز له األكل (ألن األصل بقاء الليل) ولو أكل مل يفطر‪.‬‬
‫‪ -9‬وإذا وقع الشك يف وجود الرضاع أو يف عدد الرضاع احملرم هل كمال أو ال‪،‬مل يثبت‬
‫التحرمي ألن األصل عدمه فال نزول عن اليقني بالشك‪. 49‬‬

‫‪ 48‬بدائع الفوائد ‪789/3‬‬


‫‪ 49‬املغين ‪138/8‬‬
‫‪59‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫القواعد المندرجة تح قاعدة "اليقي ال يزال بالشك"‪.‬‬

‫األصل بقاء‬
‫ما كان على ما‬
‫كان‬

‫اليقي‬
‫األصل في األبضا التحريم‬ ‫األصل في حادث تقديره ب قرب زم‬
‫ال يزال بالشك‬

‫األصل العدم‬
‫‪60‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫األولى ‪ :‬قاعدة " األصل بقاء ما كان على ما كان "‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫إن ما كان حمكوماً له حبكم فيما مضى ما مل يرد دليل شرعي آخر يفيد تغري احلكم‪ ،‬فما‬
‫كان حالالً يبقى حالالً إىل أن يرد دليل على احلرمة‪ ،‬وما كان واجباً يبقى واجباً إىل أن يرد‬
‫دليل ينقله من الوجوب إىل الندب‪ ،‬وما كان طاهراً يبقى طاهراً إىل أن يرد دليل يفيد‬
‫النجاسة‪ ،‬وهكذا يف مجيع األشياء ينسحب األمر عليه ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬من أكل آخر الليل يف رمضان وشك يف طلوع الفجر صح صومه‪ ،‬ألن األصل بقاء‬
‫الليل‪ ،‬ومن أكل آخر النهار يف رمضان بال اجتهاد ن وشك يف غروب الشمس فصومه‬
‫غري صحيح‪ ،‬ألن األصل بقاء النهار‪. 50‬‬
‫‪ -2‬إذا اشرتى إنسان من آخر سيارة وادعى املشرتي أن فيها عيباً قدمياً وأنكر البائع فالقول‬
‫قول البائع‪ ،‬ألن األصل عدم العيب ‪.‬‬
‫‪ -3‬تعاشر الزوجان مدة مديدة‪ ،‬مث ادعت عدم الكسوة والنفقة‪ ،‬فالقول قوهلا ألن األصل‬
‫بقاؤمها يف ذمته‪ ،‬وعدم أدائهما‪. 51‬‬

‫‪ 50‬االشباه والنظائر السيوطي ‪ 52‬االشباه والنظائر ابن ُنيم ‪63‬‬

‫‪ 51‬االشباه والنظائر السيوطى ‪52‬‬


‫‪61‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -4‬اشرتى ماء‪ ،‬وادعى ُناسته‪ ،‬لريده فالقول قول البائع ألن األصل طهارة املاء ‪. 52‬‬
‫‪ -5‬ادعت الرجعية امتداد الطهر وعدم انقضاء العدة‪ .‬صدقت وهلا النفقة‪ ،‬ألن األصل‬
‫بقاؤها‪.53‬‬
‫‪ -6‬من تيقن الطهارة وشك يف احلدث فهو متطهر‪.54‬‬
‫‪ -7‬لو ادعى املستأجر دفع األجرة إىل املؤجر‪ ،‬وأنكر املؤجر ذلك‪ ،‬كان القول مع اليمني‪،‬‬
‫ألن األصل بقاء األجرة يف ذمة املستأجر إىل أن يثبت دفعها إىل املؤجر‪. 55‬‬
‫‪ -8‬اختلف الزوجان يف التمكني‪ ،‬فقالت سلمت نفسى إليك من وقت كذا‪ ،‬وأنكر فالقول‬
‫قوله‪ ،‬ألن األصل عدم التمكني‪. 56‬‬
‫‪ -9‬إذا شك الزوجان بعد الدخول فقال الزوج أسلمت يف عدتك فالنكاح باق فقالت بل‬
‫أسلمت بعد انقضاء عديت فوجهان‪ .‬احدمها أن القول قوله ألن األصل بقاء النكاح‪.‬‬
‫والثاين أن القول قوهلا ألن األصل عدم السالمة يف العدة‪. 57‬‬

‫‪ 52‬االشباه والنظائر السيوطي ‪53‬‬


‫‪ 53‬املغين ‪ ، 168/8‬االشباه والنظائر السيوطي ‪ ، 53‬شرح القواعد الفقهية ‪88‬‬
‫‪ 54‬االشباه والنظائر ابن ُنيم ‪. 62‬‬
‫‪ 55‬املدخل الفقهي الزرقاء ‪ ، 982/2‬القواعد الكلية ‪. 145‬‬
‫‪ 56‬االشباه والنظائر السيوطي‪ ، 52‬االشباه والنظائر ابن ُنيم ‪. 63‬‬
‫‪ 57‬القواعد ألبن رجب ‪ ، 337‬املغين ‪.120/7‬‬
‫‪62‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫زم "‬ ‫ِ‬


‫حادث ت ْقديره ب ِ‬
‫قرب َ‬ ‫ُ‬ ‫األصل في كل‬
‫ُ‬ ‫الثانية ‪ :‬قاعدة "‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫إذا وجد أمراً أو حادثاً‪ ،‬وأمكن أن يكون وقته قريباً أو بعيداً‪ ،‬وال بيِّنة‪ ،‬فإن القاعدة هي أن‬
‫وقته املعترب هو القريب؛ ألنه هو املتيقن‪ ،‬والبعيد مشكوك فيه‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬لو رأى يف ثوبه منياً‪ ،‬يعلم أنه من أثر احتالم‪ ،‬ومل يذكر احتالماً‪ ،‬فإنه يُرجعه إىل آخر‬
‫نومة نامها‪ ،‬ويعيد الصلوات اليت صالها بعد تلك النومة‪.58‬‬
‫‪ -2‬ل و ض رب إنسان بطن حامل فوضعت جنينها حياً‪ ،‬وبقي زمناً بال أمل‪ ،‬مث مات‪ ،‬فإن‬
‫موته يُنسب إل ى س بب آخر بعد الضرب‪ ،‬خبالف ما لو وضعته ميتاً‪ ،‬أو حياً متأملاً‬
‫حىت مات‪ ،‬فإنه يُنسب إىل ضربه هلا‪ ،‬فتجب فيه دية كاملة‪.59‬‬
‫‪ -3‬توضأ من بئر أياماً وصلى مث وجد فيها فأرة‪ ،‬مل يلزمه قضاء إال ما تيقن أنه صاله‬
‫‪60‬‬
‫بالنجاسة‬
‫‪ -4‬ادعت أن زوجها أباهنا يف املرض وصار فاراً ‪ ،‬فرتث وقالت الورثة أباهنا يف صحته‪ ،‬فال‬
‫ترث كان القول قوهلا فرتث‪. 61‬‬

‫‪ 58‬االشباه والنظائر ابن ُنيم ‪ ، 71‬املنثور يف القواعد ‪174/1‬‬


‫‪ 59‬االشباه والنظائر السيوطي ‪ ، 59‬املنثور يف القواعد ‪174/1‬‬
‫‪ 60‬االشباه والنظائر السيوطي ‪59‬‬
‫‪63‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫"‬ ‫َال يَن ْرتَف ُنع ِالَّ بِيَ ِق ْي ٍ‬ ‫الثالثة ‪ :‬قاعدة " َما ثَنبَ َ بِيَ ِق ْي ٍ‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫أن اليقني ال يرتفع مبا هو دونه كالشك‪ .‬وقد ذكر ابن عبد الرب وفيه (حديث ذا اليدين‬
‫املشهور) أن اليقني ال جيب تركه للشك حىت يأيت يقني يزيله‪. 62‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬إذا شك إنسان يف ترك مأمور يف الصالة فإنه يسجد للسهو‪ ،‬وأما إذا شك يف ارتكاب‬
‫فعل منهي عنه فإنه ال يسجد‪ ،‬ألن األصل املتيقن عدم فعله‪. 63‬‬
‫‪ -2‬إذا شك إنسان يف عدد أشواط الطواف أو السعي أهي ستة أو سبعة بىن على اليقني‬
‫األقل‪ ،‬ألنه هو املتيقن‪ ،‬فالذمة شغلت بالطواف أو السعي بيقني‪ ،‬وال يرتفع إال بيقني‬
‫وهو اإلتيان بالشوط السابع‪.‬‬
‫‪ -3‬شك هل طلق واحدة أو أكثر‪ ،‬بىن على اليقني‪. 64‬‬
‫‪ -4‬شك هل أحرم حبج أو عمرة‪ ،‬نوى القران مث ال جيزيه إال احلج فقط الحتمال أن يكون‬
‫أحرم إدخال العمرة عليه‪.65‬‬

‫‪61‬‬
‫االشباه والنظائر ابن نجيم ‪ ، 72‬القواعد الكلية ‪155‬‬
‫‪ 62‬التمهيد ‪342/1‬‬
‫‪63‬‬
‫االشباه والنظائر السيوطي ‪55‬‬
‫‪ 64‬االشباه والنظائر السيوطي ‪56‬‬
‫‪64‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫نراءةُ الذ ّمنَةُ "‬


‫َص ُل بَ َ‬
‫الرابعة ‪ :‬قاعدة " األ ْ‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫أن األصل يف ذمم الناس فراغها من مجيع أنواع التحمل وااللتزام إىل أن يثبت ذلك بدليل‪،‬‬
‫ألن الناس يولدون وذممهم فارغة‪ .‬والتحمل وااللتزام صفة طارئة‪ ،‬فيستصحب األصل املتيقن‬
‫به‪ ،‬وهو فراغ الذمة إىل أن يثبت خالف ذلك‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬إذا ادعى شخص على آخر َديناً مل تقبل دعواه إال بدليل‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا اهتم إنسان شخصاً بالقتل أو غريه فإن املتهم بريء إىل أن تثبت هذه الدعوى‬
‫بالدليل‪.‬‬
‫‪ -3‬توجهت اليمني على املدعى عليه فنكل‪ ،‬ال يقضى مبجرد نكوله‪ ،‬ألن األصل براءة‬
‫ذمته‪ ،‬بل تعرض على املدعى‪.‬‬
‫‪ -4‬لو اختلف املؤجر مع املستأجر يف مقدار األجرة فالقول قول املستأجر مع ميينه‪ ،‬وعلى‬
‫‪66‬‬
‫املؤجر البينة‪.‬‬

‫‪ 65‬االشباه والنظائر السيوطي ‪56‬‬


‫‪ 66‬القواعد الكلية ‪147‬‬
‫‪65‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫نل العنَ َد ُم "‬


‫َص ُ‬
‫الخامسة ‪ :‬قاعدة " األ ْ‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫أن الصفات واألحوال الطارئة على الشيء حيكم بعدم وجودها إىل أن يثبت دليل الوجود‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬إذا باع شخص سيارة وسلمها إىل املشرتي‪ ،‬فادعى املشرتي وجود عيب فيها‪ ،‬وادعى‬
‫البائع سالمتها من العيوب‪ ،‬فالقول قول البائع مع ميينه‪ ،‬ألن السالمة من العيوب من‬
‫الصفات األصلية واألصل فيها الوجود‪ .‬وأما العيب فصفة عارضة فال يقبل قوله إال‬
‫‪67‬‬
‫ببينة‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا اختلف املضارب ورب املال يف وجود ربح فالقول للمضارب‪ ،‬وعلى رب املال البينة‪،‬‬
‫ألن الربح حالة عارضة‪. 68‬‬
‫‪ -3‬لو ثبت عليه دين بإقرار أو بينة فادعى األداء أو اإلبراء‪ ،‬فالقول للدائن ألن األصل‬
‫‪69‬‬
‫العدم‪.‬‬
‫‪ -5‬إذا أكل طعام غريه‪ ،‬وقال كنت أحبته وأنكر املالك‪ ،‬صدق املالك‪ .‬ألن األصل عدم‬
‫‪70‬‬
‫اإلباحة‬

‫‪ 67‬الوجيز يف إيضاح قواعد الفقه ‪185‬‬


‫‪ 68‬شرح القواعد الفقهية ‪118‬‬
‫‪ 69‬االشباه والنظائر ابن ُنيم ‪ ، 70‬االشباه والنظائر السيوطي ‪58‬‬
‫‪66‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫َصل فِي الْكالَِم ِ‬


‫الحق ْين َقة "‬ ‫السادسة ‪ :‬قاعدة " األ ْ ُ‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫أن الراجح عند السامع أن حيمل كالم املتكلم على معناه احلقيقي وإعمال كالم املتكلم‬
‫(الشارع‪ ،‬أو املكلف العاقل) إمنا يكون حبمل ألفاظه على معانيها احلقيقية‪ ،‬عند اخللو من‬
‫القرائن اليت ترجح إرادة اجملاز‪.‬‬

‫* الحقيقن ننة اص طالحا ‪ :‬اللف ظ‬ ‫واحلقيقة يف االصطالح هي اللفظ املستعمل يف املعىن‬


‫املس تعمل يف املع ىن ال ذي وض ع‬ ‫الذي وضع له يف أصل اللغة‪ .‬كلفظ السماء لكل ما عال‬
‫له يف أصل اللغة‪.‬‬ ‫وارتفع‪ ،‬ولفظ اجلنة للبستان كثيف األشجار‪ ،‬ولفظ النور‬
‫* المج ن نناز اص طالحا ‪ :‬اللف ظ‬ ‫للنور املعروف‪ .‬أما اجملاز هو اللفظ املستعمل يف غري‬
‫املس تعمل يف غ ري املع ىن األص لي‬ ‫املعىن األصلي الذي وضع له يف أصل اللغة لقرينة مانعة‬
‫ال ذي وض ع ل ه يف أص ل اللغ ة‬ ‫من إرادة املعىن األصلي‪ .‬كاستعمال لفظ النور للعلم أو‬
‫لقرين ة مانع ة م ن إرادة املع ىن‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وكاستعمال لفظ األسد للقوي الشجاع‪.‬‬
‫األصلي‪.‬‬
‫ويشرتط فيه ‪ :‬وجود عالقة بني املعىن األصلي واملعىن‬
‫املنقول إليه‪ ،‬كما يشرتط وجود قرينة تدل على إرادة‬
‫املتكلم للمعىن اجملازي دون احلقيقي‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫االشباه والنظائر السيوطي ‪58‬‬
‫‪67‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ثانيا ‪:‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬لو قال إنسان أوقفت هذه الدار على حفا القرآن الكرمي‪ ،‬مل يدخل يف ذلك من كان‬
‫حافظاً مث نسيه‪ ،‬ألنه يطلق عليه حافظ جمازاً ال حقيقة‪. 71‬‬
‫‪ -2‬لو قال هذه الدار لزيد كان إقرارا له بامللك‪ ،‬حىت لو قال أردت أهنا مسكنه مل‬
‫يسمع‪.72‬‬
‫‪ -3‬لو حلف أن ال يأكل من هذه احلنطة‪ ،‬فإنه حينث بأكل عينها لإلمكان‪ ،‬فال حينث‬
‫بأكل خبزها‪. 73‬‬

‫اح ِنة "‬ ‫َص ُل فِي ْاألَ ْشيَ ِاء ِْ‬


‫اإلبَ َ‬ ‫السابعة ‪ :‬قاعدة " األ ْ‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫إن اهلل سبحانه وتعاىل قد أحل املباحات وحرم احملرمات وسكت عن أشياء رمحة لألمة‪ ،‬فما‬
‫حكم هذه األشياء‪ ،‬األصل فيها احلل واإلباحة بدليل حديث أيب ثعلبة قال قال رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬مث أن اهلل فرض فرائض فال تضيعوها وهنى عن أشياء فال تنتهكوها‬
‫‪74‬‬
‫وحد حدودا فال تعتدوها وغفل عن أشياء نسيان فال تبحثوا عنها "‬

‫‪ 71‬االشباه والنظائر السيوطي ‪63‬‬


‫‪ 72‬االشباه والنظائر السيوطي ‪ ، 63‬االشباه والنظائر ابن ُنيم ‪79‬‬
‫‪ 73‬االشباه والنظائر ابن ُنيم ‪79‬‬
‫‪ 74‬املعجم الكبري ‪222/22‬‬
‫‪68‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ثانيا ‪:‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬احليوان املشكل أمره‪ ،‬األصل فيه احلل‪.75‬‬
‫‪ -2‬األرض وما تولد فيها األصل فيها الطهارة حلديث جابر بن عبد اهلل رضى اهلل عنه أن‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ " :‬أعطيت مخسا مل يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب‬
‫مسرية شهر وجعلت ي األرض مسجدا وطهورا فأميا رجل من أميت أدركته الصالة‬
‫‪76‬‬
‫فليصل"‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫مجيعاً)‬ ‫(ه َو الَّ ِذي َخلَ َق لَ ُك ْم َما ِيف ْاأل َْر ِ‬
‫ض َِ‬
‫‪ -3‬األصل يف املنافع احلل واإلباحة لقوله تعاىل ُ‬
‫الرْزق)‪. 78‬‬ ‫ات ِم َن ِّ‬ ‫وقوله تعاىل (قُل من حَّرم ِزينَةَ اللَّ ِه الَِّيت أَخرج لِعِب ِادهِ والطَّيِّب ِ‬
‫َْ َ َ َ َ‬ ‫ْ َْ َ َ‬
‫الس َم ِاء َماءً طَ ُهوراً) ‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫(وأَنْ َزلْنَا ِم َن َّ‬
‫‪ -4‬املياه فاألصل فيها اإلباحة لقوله تعاىل َ‬
‫‪ -5‬األصل يف التصرفات أو األفعال احلل حىت يأيت الدليل على منعها‪.‬‬
‫‪ -6‬األصل يف العمل واحلرفة اإلباحة حىت يأيت الدليل على التحرمي‪.‬‬

‫‪ 75‬االشباه والنظائر السيوطي ‪60‬‬


‫‪ 76‬صحيح البخاري ‪128/1‬‬
‫‪ 77‬سورة البقرة آية ‪29‬‬
‫‪ 78‬سورة األعراف آية ‪32‬‬
‫‪ 79‬سورة الفرقان آية ‪48‬‬
‫‪69‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫َّح ِريم "‬ ‫ص ُل في األَبْ َ‬


‫ضا ِ الت ْ‬ ‫الثامنة ‪ :‬قاعدة " األَ ْ‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫املراد باألبضاع الفروج وهي أن عالقة الرجال بالنساء مبناها على التحرمي واحلظر فال حيل‬
‫َخ َواتُ ُك ْم‬
‫ت َعلَْي ُك ْم أ َُّم َهاتُ ُك ْم َوبَنَاتُ ُك ْم َوأ َ‬‫(حِّرَم ْ‬
‫منهن إال ما أحله الشرع لدليل قوله تعاىل ُ‬
‫َخ َواتُ ُك ْم ِم َن‬ ‫الالِيت أ َْر َ‬
‫ض ْعنَ ُك ْم َوأ َ‬ ‫ُ‬
‫َخ وب نَات ْاألُخ ِ‬
‫ت َوأ َُّم َهاتُ ُكم َّ‬ ‫ات ْاأل ِ َ َ ُ ْ‬ ‫َو َع َّماتُ ُك ْم َو َخاالتُ ُك ْم َوبَنَ ُ‬
‫ِِ‬ ‫الالِيت ِيف ُح ُجوِرُك ْم ِم ْن نِسائِ ُكم َّ‬ ‫ات نِسائِ ُك ْم َوَربَائِبُ ُكم َّ‬ ‫الرض ِ‬
‫الالِيت َد َخ ْلتُ ْم هب َّن فَِإ ْن َملْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫اعة َوأ َُّم َه ُ َ‬ ‫َّ َ َ‬
‫تَ ُكونُوا دخ ْلتُم هبِِ َّن فَال جنَاح علَي ُكم وحالئِل أَب نَائِ ُكم الَّ ِذ ِ‬
‫َصالبِ ُك ْم َوأَ ْن َْجت َمعُوا بَ ْ َ‬
‫ني‬ ‫ين م ْن أ ْ‬ ‫ُ َ َْ ْ ََ ُ ْ ُ َ‬ ‫ََ ْ‬
‫ف إِ َّن اللَّهَ َكا َن َغ ُفوراً َرِحيماً)‪.80‬‬
‫ني إَِّال َما قَ ْد َسلَ َ‬
‫ُختَ ْ ِ‬
‫ْاأل ْ‬

‫ثانيا ‪:‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬لو أدخلت املرأة حلمة ثديها يف فم رضيعة ووقع الشك يف وصول اللنب إىل جوفها مل‬
‫‪81‬‬
‫حترم ألن املانع شكاً‪.‬‬
‫‪ -2‬امتنع االجتهاد للنكاح فيما إذا اختلطت حمرمات (غري معروفة احلال) بنسوة حمصورات‪.‬‬
‫‪ -3‬الزىن حمرم ألن األصل يف األبضاع التحرمي‪.‬‬

‫‪ 80‬سورة النساء آية ‪23‬‬


‫‪ 81‬االشباه والنظائر ابن ُنيم ‪76‬‬
‫‪70‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫المحاضرة الخامسة‬

‫هدف المحاضرة ‪ :‬التعرف على مفهوم املشقة وأقسامها وأسباهبا وشروطها وأحكامها حىت‬
‫جتلب منها الرخص الشرعية من خالل األمثلة واحلوادث‪.‬‬
‫نتيجة المحاضرة ‪ :‬الدارس قادر على شرح مفهوم املشقة ويستطيع أن خيتار بالرخصة املعينة‬
‫املنسجمة يف املسائل املطروحة‪.‬‬

‫ش َّقةُ تَ ْجلِ ُ التن َّْي ِس ْي ِر‬


‫الم َ‬
‫القاعدة الثالثة ‪َ :‬‬

‫أوال ‪ :‬معنى المفردات‬


‫املشقة لغة ‪ :‬مجعها مشاق ومشقات وهي العسر والعناء اخلارجني عن حد العادة يف‬
‫‪82‬‬
‫االحتمال‪.‬‬
‫والتيسري لغة ‪ :‬السهولة والليونة‪83‬؛ يقال‪ :‬يسر األمر إذا سهل‪.‬‬
‫ويفهم من معناها اللغوي اإلمجا ي ‪ :‬أن الصعوبة والعناء تصبح سببا للتسهيل‪.‬‬

‫‪ 82‬املنجد يف اللغة واألعالم ص ‪ 396‬ومعجم لغة الفقهاء ص ‪.431‬‬


‫‪ 83‬ومعجم لغة الفقهاء ص ‪.152‬‬
‫‪71‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫أما معناه الشرعي االصطالحي ‪ :‬أن األحكام اليت ينشاء‬


‫عن تطبيقها حرج على املكلف ومشقة يف نفسه أو ماله‪،‬‬
‫المش ن ن ن ن ننقة ‪ :‬العس ر والعن اء‬
‫فالشريعة ختففها مبا يقع حتت قدرة املكلف دون عسر أو‬
‫اخل ارجني ع ن ح د الع ادة يف‬
‫االحتمال‬
‫إحراج‪.84‬‬

‫التيسير ‪ :‬السهولة والليونة‬ ‫ثانيا ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫يعين أن الصعوبة تصري سببا للتسهيل والتخفيف عن‬
‫المش ننقة تجلن ن التيس ننير ‪ :‬أن‬ ‫املكلّف ويلزم التّسامح يف حني املضايقة‪ .‬وبناء على املعىن‬
‫الص عوبة ال يت يوجهه ا املكل ف‬ ‫هذه القاعدة يكون املراد باملشقة اليت تقتضي التخفيف يف‬
‫يف تطبي ق أحك ام الش رع تص بح‬
‫األحكام التكليفيّة هي املشقة غري املعتادة وغري املالوفة‪.‬‬
‫س ببا للتس هيل بق در اس تطاعته‬
‫كاملريض ال يستطيع الصالة قائما‪ ،‬فيصري مرضه سببا‬
‫دون عسر أو إحراج‪.‬‬
‫شرعيا للتخفيف عنه بعدم تكليفه بالصالة قائما بل‬
‫باإلذن له والسماح له بأداء الصالة قاعدا واعتبار صالته‬
‫هذه صحيحة وجمزية‪ ،‬كصالته قائما يف حال صحته‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬دليل ‪ /‬أصل القاعدة‬


‫السمحة‪ "85‬أي السهلة‪.‬‬
‫"بعثت باحلنيفية ّ‬
‫ُ‬ ‫‪ -1‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬

‫‪ 84‬الوجيز يف إيضاح قواعد الفقه الكلية ص ‪.157‬‬


‫‪ 85‬مسند اإلمام أمحد ‪ ،233 ،116/6 ،266/5‬واحلنيفية‪ :‬دين إبراهيم عليه الصالة والسالم بالتوحيد‪.‬‬
‫‪72‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ميسرين‪،‬‬ ‫الصالة والسالم ‪ " :‬إمنا بُعثتم ِّ‬ ‫قال عليه َّ‬ ‫‪-2‬‬
‫التدريبات ‪:‬‬ ‫معسرين‪."86‬‬ ‫ومل تبعثوا ِّ‬
‫يد بِ ُك ُم‬‫يد اللَّهُ بِ ُك ُم الْيُ ْسَر َوَال يُِر ُ‬
‫قوله تعاىل‪ :‬يُِر ُ‬ ‫‪-3‬‬
‫ة‬ ‫قة لغ‬ ‫رف املش‬ ‫‪ -1‬ع‬
‫واصطالحا؟‬
‫الْعُ ْسَر [البقرة‪]185/2 :‬‬
‫‪ -2‬اش رح القاع دة "املش قة‬ ‫قوله تعاىل‪َ :‬وَما َج َع َل َعلَْي ُك ْم ِيف الدِّي ِن ِم ْن َحَرٍج‬ ‫‪-4‬‬
‫جتلب التيسري" باختصار‪.‬‬ ‫ۖ [احلج‪]78/22 :‬‬
‫‪ -3‬ه ات أص ل القاع دة م ن‬ ‫ِّف َعْن ُك ْم ۖ َو ُخلِ َق‬ ‫يد اللَّهُ أَ ْن ُخيَف َ‬‫قوله تعاىل‪ :‬يُِر ُ‬ ‫‪-5‬‬
‫القاع دة "املش قة جتل ب‬ ‫ضعِي ًفا ﴿‪[ ﴾28‬النساء‪]28/:4‬‬ ‫ِْ‬
‫اإلنْ َسا ُن َ‬
‫التيسري"؟‬ ‫قال السيدة عائشة رضي اهلل عنها ‪" :‬ما خري‬ ‫‪-6‬‬
‫‪ -4‬عرف املصطلحني اآلتيتني‪:‬‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بني أمرين إال‬
‫‪ -1‬املشقة‪.‬‬
‫اختار أيسرمها ما مل يكن إمثا‪."87‬‬
‫‪ -2‬عموم البلوى‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬جواز نظر الطبيب لألجنبية عند احلاجة للكشف عليها ما مل تتيسر طبيبة لذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬إباحة الفطر للمريض الذي ميكن أن يكون الصيام سببا يف زيادة مرضه أو تأخر برئه‪.‬‬
‫‪ -3‬قصر ومجع الصالة وإسقاط اجلمعة للمريض مرضا شديدا‪.‬‬
‫‪ -4‬جواز أداء الصالة قاعدا ومضجعا وراقدا للمريض الذي ال يستطيع الصالة قائما‪.‬‬

‫‪ 86‬صحيح البخاري ‪.89/1‬‬


‫‪ 87‬فتح الباري ‪ 643/10‬رقم ‪6126‬‬
‫‪73‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -5‬التيمم للمريض إذا مل يستطع استخدام املاء أو كان فيه مشقة‪.‬‬


‫‪ -6‬اإلغماء إذا زاد عن يوم وليلة أسقط التكليف‪.‬‬
‫‪ -7‬مشروعية الوصية عند املوت ليتدارك اإلنسان ما فرط فيه أثناء حياته‪.‬‬

‫شروط المشقة التي منها تجل التيسير‪:88‬‬


‫‪ -1‬أال تكون مصادمة لنص شرعي‪ ،‬فإذا صادمت نصا روعي دوهنا‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -2‬أن تكون املشقة زائدة عن احلدود العادية‪ ،‬أما املشقة العادية فال مانع منها لتأدية‬
‫التكاليف الشرعية‪ ،‬كمشقة العمل‪ ،‬واكتساب املعيشة‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -3‬أال تكون املشقة مما ال تنفك عنها العبادة غالبا كمشقة الربد يف الوضؤ‪ ،‬و مشقة الصوم‬
‫‪‬‬‫يف شدة احلر وطول النهار‪ ،‬ومشقة السفر يف احلج‪.‬‬
‫‪ -4‬أال تكون املشقة مما ال تنفك عنها التكاليف الشرعية كمشقة اجلهاد‪ ،‬وأمل احلدود‪ ،‬ورجم‬
‫الزناة‪ ،‬وقتل البغاة واملفسدين واجلناة‪.‬‬
‫فهذه املشقات األربع ‪ :‬ال أثر هلا يف جلب التيسري وال التخفيف‪ ،‬ألن التخفيف عندئذ‬
‫إمهال وتضييع للشرع‪.‬‬

‫‪ 88‬حممد مصطفى الزحيلي‪ .2006 .‬القواعد الفقهية وتطبيقاهتا يف املذاهب األربعة ‪ .‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪ .‬ص ‪.258‬‬
‫‪74‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫أسباب التخفيف في الشر م حي السب‬

‫الس َفنر‬
‫ّ‬

‫النقص‬ ‫المرض‬

‫أسباب‬
‫العسر‬ ‫التخفيف م‬
‫وعموم‬ ‫حي السب‬ ‫اإلكراه‬
‫البلوى‬

‫الجهل‬ ‫النسيان‬

‫أسباب التخفيف م حي السب وبعض فرو تطبيقاته‬


‫‪ ‬جواز قصر الصالة الرباعية يف السفر‪.‬‬ ‫السفر‬ ‫‪1‬‬
‫‪ ‬جواز اإلفطار يف رمضان للمسافر‪.‬‬
‫‪75‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ ‬جواز القعود يف صالة الفرض وخطبة اجلمعة ويف النافلة مطلقا‪.‬‬ ‫المرض‬ ‫‪2‬‬
‫‪ ‬جواز التيمم عند مشقة اسنعمال املاء‪.‬‬

‫‪ ‬إذا أكره التلفظ بكلمة الكفر‪.‬‬ ‫اإلكراه‬ ‫‪3‬‬


‫‪ ‬إذا أكره الصائم على األكل أو الشرب‪.‬‬

‫‪ ‬من أكل أو شرب يف هنار رمضان ناسيا للصوم مل يبطل صومه‪.‬‬ ‫النسيان‬ ‫‪4‬‬
‫‪ ‬من سلم من ركعتني ناسيا وتكلم عامدا لظنه إكمال الصالة فال تبطل‬
‫صالته‪.‬‬

‫‪ ‬اجلهل بكون ه مال الغري يرف ع اإلمث ال الضمان‪.‬‬ ‫الجهل‬ ‫‪5‬‬


‫‪ ‬من أسلم يف دار احلرب ‪ ،‬ومل تبلغه أحكام الشريعة ‪ ،‬فتناول احملرمات جاهال‬
‫حرمتها ‪ ،‬يعذر جلهله‪.‬‬

‫‪ ‬العفو عن أثر ُناسة ُ‬


‫عسر زواله‪.‬‬ ‫العسر‬ ‫‪6‬‬
‫‪ ‬العفو عن زرق الطيور إذا عم يف املساجد واملطاف‪.‬‬ ‫وعموم‬
‫‪ ‬العفو عما ال يدركه الطرف‪ ،‬وما ال نفس له سائلة‪.‬‬ ‫البلوى‬

‫‪ ‬الصغر واجلنون جيلبان التخفيف لعدم تكليفهما أصال فيما يرجع إىل خطاب‬ ‫النقص‬ ‫‪7‬‬
‫التكليف يف الوجوب واحلرمة‪.‬‬
‫‪ ‬األنوثة سبب للتخفيف ‪ ،‬بعدم تكليف النساء بكثري مما كلف به الرجال ‪،‬‬
‫كاجلهاد واجلزية واجلمعة وإباحة لبس احلرير وحلي الذهب‪.‬‬
‫‪ ‬عدم تكليف األرقاء بكثري مما على األحرار ‪ ،‬ككونه على النصف من احلر يف‬
‫احلدود والعدة‪.‬‬
‫‪76‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫أسباب التخفيف في الشر م حي العمل‬

‫تخفيفات الشر م حي العمل وبعض فرو تطبيقاته‬


‫‪ ‬إسقاط اجلمعة‪ ،‬واحلج‪ ،‬والعمرة واجلهاد باألعذار املعروفة‪.‬‬ ‫سقاط‬ ‫‪1‬‬
‫‪ ‬القصر يف الصالة‪.‬‬ ‫تنقيص‬ ‫‪2‬‬
‫إبدال الوضوء والغسل بالتيمم‪ ،‬وكإبدال القيام يف الصالة بالقعود‬ ‫‪‬‬ ‫بدال‬ ‫‪3‬‬
‫واالضطجاع واإلمياء‪ ،‬وكإبدال الصيام باإلطعام‪.‬‬
‫‪ ‬مجع التقدمي يف السفر‪ ،‬وتقدمي الزكاة على احلول‪ ،‬وزكاة الفطر يف رمضان‪.‬‬ ‫تقديم‬ ‫‪4‬‬
‫مجع التأخري يف السفر‪ ،‬وتأخري رمضان للمريض واملسافر‪ ،‬وتأخري الصالة‬ ‫‪‬‬ ‫ت خير‬ ‫‪5‬‬
‫عن وقتها يف حق مشتغل بإنقاذ غريق‪ ،‬أو حنوه من أعذار الصالة‪.‬‬
‫‪ ‬شرب اخلمر للغصة‪ ،‬وأكل امليتة للمضطر‪.‬‬ ‫ترخيص‬ ‫‪6‬‬
‫‪ ‬تغيري نظم الصالة يف اخلوف‪.‬‬ ‫تغيير‬ ‫‪7‬‬

‫أسباب التخفيف في الشر م حي الحكم‬


‫تخفيفات الشر م حي الحكم وبعض فرو تطبيقاته‬
‫‪ ‬أكل امليتة للمضطر‬ ‫رخصة واجبة‬ ‫‪1‬‬
‫‪ ‬إساغة الغصة باخلمر‬
‫‪77‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ ‬قصر الصالة يف السفر‬ ‫رخصة مندوبة‬ ‫‪2‬‬


‫‪ ‬النظر إىل املخطوبة‬
‫‪ ‬بيع السلم‬ ‫رخصة مباحة‬ ‫‪3‬‬
‫‪ ‬عقد احلوالة واإلجارة‬
‫‪ ‬مسح اخلفني يف السفر ملن ال يتضرر‬ ‫رخصة خالف‬ ‫‪4‬‬
‫‪ ‬مجع الصالة والفطر يف السفر ملن ال يتضرر‬ ‫األولى‬
‫‪ ‬قصر الصالة يف أقل من ثالث مراحل‬ ‫رخصة مكروهة‬ ‫‪5‬‬
‫‪ ‬استقبال القبلة يف قضاء احلاجة يف البنيان إذا اتسع له من دون ذلك‬

‫خامسا ‪ :‬االستثناءات‬
‫‪ -1‬ال تأثري للنسيان على احلنث يف التعليق‪ ،‬فلو علق على فعل شيئ‪ ،‬مث فعله ناسيا التعليق‬
‫فإنه يقع‪ ،‬كما لو علق الطالق على دخوله بيتا‪ ،‬فدخله ناسيا فإنه يقع‪.‬‬
‫‪ -2‬ويستثىن من كون العقود اجلائزة‪ ،‬ألن لزومها يشق‪ ،‬ما لو تقاسم الورثة الرتكة‪ ،‬مث ادعى‬
‫أحدهم أهنا ملكه‪ ،‬وأراد نقض القسمة‪ ،‬ال تسمع دعواه‪.‬‬
‫‪ -3‬لو اشرتى شخص أرضا‪ ،‬مث ادعى بأن بائعها كان وقفها مسجدا أو مقربة‪ ،‬تسمع‬
‫دعواه‪ ،‬صيانة حلقوق القاصرين واجلماعة‪ ،‬وإذا ثبت ذلك ينقض العقد‪.‬‬
‫‪78‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ش َّقةُ تَ ْجلِ ُ التن َّْي ِس ْي ِر "‬


‫الم َ‬
‫القواعد المندرجة تح قاعدة " َ‬
‫المشقة تجل التيسير‬

‫ا ضاق األمر اتسع‬

‫ا اتسع األمر ضاق‬

‫ِ‬
‫الثانية ‪ :‬قاعدة " َا ضا َق ْاألَ ْم ُر اتَّ َ‬
‫س َع "‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫إذا اطردت مشقة وتضايق الناس أو املرء من حكم شرعي يف األحوال العادية‪ ،‬جاز هلم‬
‫الرتخيص يف األحكام وعدم التزام القواعد العامة املطردة‪ ،‬وخفف عليهم بأخذ األيسر‬
‫واألسهل ما دام هناك حرج وضيق‪ .‬ويفهم منها‪ :‬أنه إذا وجد أو شوهد ضيق ومشقة يف‬
‫‪79‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫فعل أو أمر جيب إجياد رخصة وتوسعة لذلك الضيق‪ ،‬فإلزالة املشقة جتوز األشياء غري اجلائزة‬
‫قياسا واملغايرة للقواعد‪.89‬‬

‫ثانا‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬قليل الدم إذا اضطر إليه سومح به‪.‬‬
‫‪ -2‬قليل العمل يف الصالة ملا اضطر إليه سومح به‪.‬‬
‫‪ -3‬سومح بكشف جزء من العورة ملا اضطر إليه لعمل معني يف وقت حمدد‪ .‬مثل كشف‬
‫اليد إىل املرفق عند املرأة أثناء غسل األواين أو املالبس‪.‬‬

‫ِ‬
‫الثانية ‪ :‬قاعدة " َا اتَّ َ‬
‫س َع ْاألَ ْم ُر َ‬
‫ضا َق "‪.‬‬

‫أوال‪ :‬شرح القاعدة‬


‫أنه إذا زالت املشقة وانفرجت الضرورة عاد األمر إىل ما كان‪ .‬وقد مجع اإلمام الغزا ي‪ 90‬بني‬
‫س ِض َّدهُ"‪ .‬وقال اإلمام عز الدين عبد‬ ‫القاعدتني يف قوله ‪" :‬كلُّما جاوز األمر َّ‬
‫حده انْ َع َك َ‬
‫السالم‪ " : 91‬هذه الشريعة مبنية على أن األشياء إذا ضاقت اتسعت"‪.‬‬

‫‪ 89‬املدخل الفقهي العام ‪ 993/2‬ونظرية الضرورة الشرعية ص ‪ 222‬وجملة احلكام العدلية ص ‪.32‬‬
‫‪ 90‬جالل الدين السيوطي‪ .‬األشباه والنظائر‪ .‬ص ‪.83‬‬
‫‪ 91‬قواعد األحكام يف مصاحل األنام ‪.113/2‬‬
‫‪80‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪92‬‬
‫ثانيا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬
‫‪ -1‬كثرة العمل يف الصالة تبطلها ولو جوز بقليله‪.‬‬
‫‪ -2‬ال جتوز للمتوىف عنها زوجها أن خترج من بيتها خالل عدهتا للتلهي ولو سوحمت‬
‫لكسب معيشتها أو حاجتها قبل ذلك‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ -3‬ال جيوز التيمم ملن جيد املاء‪ ،‬ولو يرخص له بذلك قبل أن جيده‪.‬‬

‫المحاضرة السادسة‬
‫التدريبات ‪:‬‬
‫‪ -1‬اذك ر ثالث ة م ن ختفيف ات‬ ‫هدف المحاضرة ‪ :‬العرض والنقاش عن مفهوم الضرورة‬
‫الش رع م ن حي ث العم ل م ع‬ ‫والضرر والضروريات يف التطبيقات الفقهية وذلك من‬
‫ذكر املثال لكل واحد منها‪.‬‬ ‫خالل شرح معىن القاعدة وأصلها وأمثلتها أو مستثنياهتا‪.‬‬
‫‪ -2‬اش رح القاع دة "إذا ض اق‬ ‫نتيجة المحاضرة ‪ :‬يستطيع الطالب الشرح بأحوال‬
‫األم ر اتس ع" ش رحا وافي ا م ع‬
‫تغري األحكام‪ ،‬وحد الذي مسح‬
‫الضرورة اليت تسبب منها ّ‬
‫املثال‪.‬‬
‫به الشرع يف حتمل الضرر‪ ،‬واخلروج من الكرب بأخذ ما‬
‫هو األهم من املهم‪.‬‬

‫‪ 92‬عمر عبداهلل كامل‪ .1999 .‬الرخصة الشرعية يف األصول والقواعد الفقهية‪ .‬بريوت‪ :‬دار ابن حزم‪ .‬ص‪-282‬‬
‫‪.283‬‬
‫‪81‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ال‬
‫القاعدة الرابعة ‪ :‬الض ََّرُر يُن َز ُ‬

‫هذه القاعدة من أهم القواعد وأجلها شأنا يف الفقه‬


‫ضن ن ننرر لغ ة ‪ :‬الض رر ض د‬
‫* ال َ‬
‫اإلسالمي‪ .‬وهلا تطبيقات واسعة يف خمتلف اجملاالت‬
‫النفع وهو اهلزال وسوء احلال‬
‫الفقهية‪ .‬بل فيها من الفقه ما ال حصر له‪ ،‬ولعلها‬
‫اصطالحا ‪ :‬إحلاق مفسدة‬
‫تتضمن نصفه؛ فإن األحكام إما جللب املنافع أو‬
‫بالغري مطلقا‪.‬‬ ‫لدفع املضار‪ ،‬فيدخل فيها دفع الضروريات اخلمس‬
‫* الض ن ن ن ن نرار ‪ :‬مقابل ة الض رر‬ ‫اليت هي حفظ الدين والنفس والنسب واملال‬
‫بالض رر‪ ،‬أو إحل اق مفس دة‬ ‫والعرض‪ .‬وهذه القاعدة ترجع إىل حتصيل املقاصد‬
‫بالغري على جهة املقابلة‪.‬‬ ‫وتقريرها بدفع املفاسد أو ختفيفها‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬معنى المفردات‬


‫صِربُوا‬
‫الضرر يف اللغة ‪ :‬الضرر ضد النفع وهو اهلزال وسوء احلال‪ ،‬ومنه قوله تعاىل ‪َ :‬وإِ ْن تَ ْ‬
‫‪93‬‬

‫ط ﴿‪ ﴾120‬الضرر يف االصطالح ‪:‬‬ ‫ضُّرُك ْم َكْي ُد ُه ْم َشْيئًا ۖ إِ َّن اللَّهَ ِمبَا يَ ْع َملُو َن ُِحمي ٌ‬
‫َوتَتَّ ُقوا َال يَ ُ‬
‫إحلاق مفسدة بالغري مطلقا‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫لسان العرب ‪ 2573/4 :‬مادة ضرر ‪ .‬معجم الوسيط ‪.558/1 :‬‬
‫‪82‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ثانيا ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫أي أن الضرر جتب إزالته‪ ،‬ألن الضرر ظلم وغدر‬
‫والواجب عدم إيقاعه‪ ،‬ألن األضرار مرفوعة ومزالة وال‬
‫التدريبات‪:‬‬
‫حيق أن تقع أصال‪ .‬واملراد هبا هنا أنه ليس هناك تكليف‬
‫‪ -1‬ع رف الض رر لغ ة‬
‫واصطالحا؟‬ ‫من الشارع فيه ضرر أو أضرار على النفس‪ ،‬بل هو مزال‬
‫‪ -2‬ه ات أص ل القاع دة‬ ‫ومدفوعا شرعا‪ ،‬وكذلك جيب على الناس أن يزيل الضرر‬
‫"الضرر يزال"؟‬ ‫عن نفسه‪ ،‬ألن نفسه ليس ملكا له‪ ،‬فاألوىل ال جيوز له‬
‫‪ -3‬اش رح القاع دة "الض رر‬ ‫أن يلحق الضرر على غريه‪.‬‬
‫يزال" باختصار‪.‬‬
‫‪ -4‬ه ات قاع دتني متف رعتني‬
‫ثالثا ‪ :‬دليل ‪ /‬أصل القاعدة‬
‫من القاعدة "الض رر ي زال"‬
‫أصل هذه القاعدة أهنا استنبطت من قوله صلى اهلل عليه‬
‫م ع ذك ر املث ال لك ل‬
‫ِ‬
‫ضرار "‪.94‬‬
‫منهما‪.‬‬ ‫ضَرر َوالَ َ‬
‫وسلم ‪ " :‬الَ َ‬
‫الضََّرر يف هذا احلديث هو إحلاق مفسدة بالغري مطلقا‪.‬‬
‫الضرار ‪ :‬مقابلة الضرر بالضرر‪ ،‬أو إحلاق مفسدة‬ ‫و ِّ‬
‫بالغري على جهة املقابلة‪ .‬وفسره بعضهم ‪ :‬بأن ال يضر الرجل أخاه ابتداء وال جزاء‪.95‬‬

‫‪94‬‬
‫رواه ابن ماجه يف كتابه األحكام باب ‪ . 17‬واملوطأ يف كتابه األقضية حديث ‪ . 31‬وأمحد يف مسنده [‪.]327/5‬‬
‫‪95‬‬
‫غمز عيون البصائر ص ‪.118‬‬
‫‪83‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫واحلديث نص يف حترمي الضرر‪ ،‬ألن النفي بِ " ال االستغراقية " يفيد حترمي سائر أنواع الضرر‬
‫يف الشرع‪ ،‬ألنه نوع من الظلم‪ ،‬إال ما خص بدليل كاحلدود والعقوبات‪ ،‬أي أن الضرر‬
‫احملرمني إذا كانا بغري حق‪ ،‬وأما إيقاع الضرر حبق فهو مطلوب شرعا‪ ،‬ألن إدخال‬ ‫واالضرار َ‬
‫الضرر على من يستحقه كمن تعدى حدود اهلل فيعاقب بقدر جرميته‪ ،‬أو كونه ظلم غريه‬
‫فيطلب املظلوم مقابلته بالعدل‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬الرد بالعيب‪ 96،‬إلزالة الضرر عن املشرتي‪.‬‬
‫‪ -2‬مجيع اخليارات‪ ،‬كخيار الشرط‪ ،‬واختالف الوصف املشروط‪ ،‬والتغرير‪ ،‬وإفالس املشرتي‪.‬‬
‫‪ -3‬القسمة‪ ،‬لرفع الضرر عن أحد الشريكني أو كليهما‪.‬‬
‫‪ -4‬نصب األئمة والقضاة‪ ،‬ملنع الضرر عن األمة‪ ،‬ليقيموا احلدود ومينعوا اجلرائم وغريها‪.‬‬
‫‪ -5‬احلجر‪ 97‬بأنواعه‪ ،‬للمحافظة على مال غري القادر على التصرف وحلماية الغرماء‪.‬‬
‫‪ -6‬الشفعة‪ ،‬اليت شرعت لدفع ضرر القسمة‪ ،‬وللجار لدفع ضرر اجلار السوء‪.‬‬
‫‪ -7‬القصاص واحلدود‪ ،‬لدفع الضرر عن اجملتمع‪.‬‬
‫‪ -8‬الكفارات‪ ،‬إلزالة سبب املعصية‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫أي إذا دلس البائع على املشرتي واخفى العيب عنه ‪ ،‬أو خرج املبيع معيبا فإن الشارع أجاز للمشرتي الرد هبذا العيب ليزول الضرر عنه‪.‬‬
‫‪97‬‬
‫أنواعه مخسة ‪ :‬احلجر للجنون ‪ ،‬واإلفالس ‪ ،‬والسفه ‪ ،‬واملرض ‪ ،‬والصبا‪.‬‬
‫‪84‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫الضرورات تبي‬
‫الحاجة تننزل‬ ‫المحظورات‬ ‫ما أبي‬
‫مننزلة الضرورة‬ ‫للضرورة‬
‫يقدر بقدرها‬
‫درء المفاسد‬ ‫الضرر‬
‫يزال‬ ‫الضرر ال‬
‫مقدم على‬
‫يزال بالضرر‬
‫جل المصال‬
‫الضرر األشد‬ ‫يتحمل الضرر‬
‫يزال بالضرر‬ ‫الخاص لدفع‬
‫األخف‬ ‫الضرر العام‬

‫القواعد المندرجة تح قاعدة " الضرر يزال "‬


‫ات تُبِْي المن ْحظُور ِ‬
‫ات "‬ ‫األولى‪ :‬قاعدة " َّ‬
‫الض ُرْور ُ ُ َ ْ َ‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫إذا وج دت ض رورة ملجئ ة يرف ع احلك م الع ام م ا دام ت الض رورة قائم ة‪ ،‬يع ين أن حال ة‬
‫االض طرار الش ديد تب يح ارتك اب املنه ي ع ن فعل ه ش رعا بق در دف ع الض رورة دون جتاوزه ا‪.‬‬
‫فاحلاجة الشديدة واالضطرار مشقة تتطلب التيسري والتخفيف ورفع احلرج‪.‬‬
‫‪85‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫التدريبات‪:‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬دليل ‪ /‬أصل القاعدة‬


‫‪ -1‬ع ّني احلك م الش رعي‬ ‫واألدلة على هذه القاعدة كثرية ؛ منها ‪:‬‬
‫والقاع دة املناس بة للمس ائل‬
‫اضطَُّر َغْي َر بَ ٍاغ َوَال َع ٍاد فَ َال إِ ْمثَ َعلَْي ِه‬
‫‪ -1‬قوله تعاىل ‪ :‬فَ َم ِن ْ‬
‫اآلتية ‪:‬‬
‫يم ﴿‪) ﴾173‬البقرة ‪)173 :2‬‬ ‫ۖ إِ َّن اللَّه َغ ُف ِ‬
‫ور َرح ٌ‬
‫َ ٌ‬
‫أ‪ -‬كش ف الع ورة م ن أج ل‬
‫التداوي‪.‬‬ ‫اضطَُّر ِيف خمَْمص ٍة َغْي ر متَجانِ ٍ‬
‫ف‬ ‫‪ -2‬وقوله تعاىل ‪ :‬فَ َم ِن ْ‬
‫َ َ َ ُ َ‬
‫يم ﴿‪﴾3‬‬ ‫ِِإل ٍْمث ۖ فَِإ َّن اللَّه َغ ُف ِ‬
‫ب‪ -‬الت داوي باألنس ولني‬ ‫ور َرح ٌ‬ ‫َ ٌ‬
‫امل أخوذ م ن اخلن زير وإن‬
‫(املائدة ‪)3 :5‬‬
‫كان ت األنس ولني م ن‬
‫احلالل موجود‪.‬‬ ‫ص َل لَ ُك ْم َما َحَّرَم َعلَْي ُك ْم إَِّال َما‬
‫‪ -3‬وقوله تعاىل ‪َ :‬وقَ ْد فَ َّ‬
‫ج‪ -‬التعام ل ب البنوك الربوي ة ول و‬ ‫اضطُِرْرُْمت إِلَْي ِه ۖ (األنعام ‪.)119 :6‬‬ ‫ْ‬
‫كان ت املص رف اإلس المي‬
‫موجود‪.‬‬ ‫هذه القاعدة مستفادة من استثناء القرآن الكرمي يف حاالت‬
‫االضطرار الطارئة يف ظروف استثنائية بقوله تعاىل ‪ :‬إال ما‬
‫د‪ -‬االنتح ار النفس ي خروج ا‬
‫اضطررمت إليه {األنعام ‪ }119 :‬بعد ذكر طائفة من‬
‫من هتديد االغتصاب ل دى‬
‫املرأة‪.‬‬ ‫احملرمات‪.‬‬
‫‪86‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ثالثا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬كشف العورة من أجل التداوي‪.‬‬
‫‪ -2‬جيوز أكل امليتة عند املخمصة‪.‬‬
‫‪ -3‬إساغة اللقمة باخلمر عند الغصة‪.‬‬
‫التدريبات‪:‬‬
‫‪ -4‬التلفُّظ بكلمة الكفر لإلكراه‪.‬‬
‫ه ات القاع دة املناس بة للمس ائل‬ ‫‪ -5‬إتالف امل ال وأخ ذ م ال املمتن ع م ن أداء ال َدين بغ ري‬
‫اآلتية ‪:‬‬ ‫إذنه‪.‬‬
‫‪ -1‬بي ع الس لم يف املع امالت‬ ‫‪ -6‬استعمال التخدير يف اجلراح ة‪ ،‬والت داوي باألنس ولني‬
‫املعاصرة‪.‬‬ ‫امل أخوذ م ن اخلن زير‪ ،‬واس تخدام جل د اخلن زير لرتقي ع‬
‫‪ -2‬نق ل العض و م ن ش خص‬ ‫اجللد‪.‬‬
‫حي إىل شخص آخر‪.‬‬ ‫‪ -7‬دفع الصائل ولو أدى إىل قتله‪.‬‬
‫‪ -3‬أك ل املض طر طع ام مض طر‬ ‫‪ -8‬ج واز ن بش املي ت بع د دفن ه للض رورة ك أن دف ن لغ ري‬
‫آخر‪.‬‬ ‫القبلة أو بدون الغسل‪.‬‬
‫‪ -4‬أكل شخص ُنس ه يف حال ة‬
‫اجملاعة‪.‬‬ ‫الثانية ‪ :‬قاعدة " ما أُبِْي ُ لِ َّ‬
‫لضرورةِ يُن َقن َّدر بَِقن َد ِرها "‬
‫‪ -5‬ن بش املي ت لغ رض الفح ص‬
‫اجلنائي‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬شرح القاعدة‬
‫أن األوىل دفع الضرر قبل أن يقع‪ ،‬فإذا وقع وجبت‬
‫‪87‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫إزالته‪ ،‬ولكن إذا حصل العجز عن إزالته كله‪ ،‬فإنه يزال منه بالقدر املمكن‪ ،‬ألن امليسور ال‬
‫يسقط باملعسور‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬استعمال التخدير يف العمليات اجلراحية بقدر الضرورة واحلاجة‪.‬‬
‫‪ -2‬كشف العورة من أجل التداوي يكون بقدر الضرورة واحلاجة‪.‬‬
‫‪ -3‬استعمال األشعة بقدر الضرورة واحلاجة‪.‬‬
‫‪ -4‬املضطر ال يأكل من امليتة إال بقدر سد الرمق‪.‬‬
‫‪ -5‬جواز إساغة اللقمة باخلمر عند الغصة‪ ،‬وإن ُنا وكفا‪.‬‬
‫‪ -6‬الضرب حنو الزوجة الناشزة بالتأديب ال باألمارة‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬االستثناءات‬
‫‪ -1‬بيع العرايا ‪ :‬وهو بيع رطب أو عنب على شجر خرصا بتمر أو زبيب كيال دون مخسة‬
‫أوسق‪ .‬واألصل‪ ،‬فإهنا أبيح للفقراء مث جاز لألغنياء‪.‬‬
‫جوز للزوج حيث تعسر إقامة البينة على زناها مث جاز له حيث ميكن إقامتها‬ ‫‪ -2‬اللعان ‪ّ :‬‬
‫أيضا‪.‬‬
‫‪ -3‬اخللع ‪ :‬األصل أنه أبيح للمراءة على سبيل الرخصة مث جاز مع األجنيب‪.‬‬
‫‪88‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫التدريبات‪:‬‬ ‫ال بالض ََّرِر "‬


‫الثالثة ‪ :‬قاعدة " الض ََّرُر َال يُن َز ُ‬
‫اشرح بإجياز القاعدتني اآلتيتني‬
‫مع املثال‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬شرح القاعدة‬
‫إن األصل ال يعاجل اخلطأ باخلطأ‪ ،‬وال تقابل السيئة‬
‫‪ -1‬الضرورات تبيح احملظورات‪.‬‬
‫بالسيئة‪ .‬وهذه القاعدة متثل القسم اآلخر للقاعدة وهو‬
‫‪ -2‬الضرر ال يزال بالضرر‪.‬‬
‫ال ضرار‪ ،‬وهي أيضاً كالقيد للقاعدة السابقة‪ ،‬فبذلك‬
‫أن الضرر يزال‪ ،‬ولكن بشرط أال يكون بالضرر‪ ،‬لكن‬
‫من املعلوم أن أخذ احلق من صاحبه أو ضمان املتلف‬
‫ملا أتلفه ليس هو بضرر عليه‪ ،‬ولكن الضرر أن يرتتب عليه أمر فوق ما وجب عليه‪ ،‬أو كان‬
‫ميكن إزالة الضرر الواقع من غري إضرار بأحد فهو املتعني‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬عملية نقل العضو من شخص حي إىل شخص آخر‪ ،‬وزراعة الوجه‪ ،‬واجلراحة التجميلية‬
‫التحسينية اليت تؤدي أىل الضرر‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا احتاجت الزوجة إىل من خيدمها حلاجتها‪ ،‬أو كوهنا ممن ال خيدم نفسه‪ ،‬لزم الزوج‬
‫إحضار خادم‪ ،‬بشرط أن يكون قادراً عليه‪ ،‬ألن الضرر ال يزال مبثله‪.‬‬
‫‪ -3‬ال حيل ملضطر أن يأكل طعام مضطر مثله‪.‬‬
‫‪89‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -4‬إذا غصب لوحاً فرقع به سفينته‪ ،‬فطالبه به وهي يف ُجلَّة البحر‪ ،‬وخيف غرقُه‪ ،‬أو غرق‬
‫متاع للغاصب فيها إن قلعه‪ ،‬مل يلزمه قلعه حىت ترسو السفينة‪ ،‬ألنه بتأخر قلعه حىت‬ ‫ٍ‬
‫مال‬
‫ترسو السفينة إزالة لضرر صاحب اللوح‪ ،‬وعدم تضرر صاحب السفينة‪ ،‬فيَ ْسلَ ُم ُ‬
‫الغاصب من غري ضرر‪.‬‬
‫‪ -5‬حرمة أخذ ُكلية حي مثالً لزرعها يف آخر‪ ،‬إذا شككنا أن املنزوعة منه ميوت أو يتضرر‬
‫ضرراً شديداً‪.‬‬
‫‪ -6‬ال جيوز إلنسان حمتاج إىل دفع اهلالك جوعاً عن نفسه أن يأخذ مال حمتاج مثله‪ ،‬كما‬
‫ال جيوز ملن أكره على القتل أن يقتل إذا كان املراد قتله بغري وجه حق‪ ،‬ألن هذا إزالة‬
‫ضرر مبثله‪ .‬خبالف أكل ماله‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬االستثناءات‬
‫‪ -1‬مشروعية احلدود والقصاص والتعذير والكفارات والديات والضمانات وغريها‪.‬‬
‫‪ -2‬قتل البغاة وقاطع الطريق ودفع الصائل وغريها‪.‬‬
‫‪ -3‬جواز نبش امليت بعد دفنه للضرورة كأن دفن لغري القبلة أو بدون الغسل‪.‬‬
‫‪ -4‬فسخ النكاح باالعسار‪.‬‬
‫‪ -5‬الضرب التأدييب حنو الزوجة الناشزة‪.‬‬
‫‪90‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ال بالض ََّرِر األَ َخ ّ‬


‫ف"‬ ‫الرابعة ‪ :‬قاعدة " الض ََّرُر األَ َش ُّد يُن َز ُ‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫إذا اجتم ع أم ران يف حم ل واح د‪ ،‬وك ان ال ميك ن إزال ة ض ررمها إال بارتك اب‬
‫ض رر‪ُ ،‬فريتك ب أخ ف الض ررين دفع اً لألك رب منهم ا‪ ،‬وه و مع ىن قاع دة "‬
‫ترتك ب أدىن املفس دتني ل دفع أعاله م " أو " ارتك اب أخ ف الض ررين "‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬شق بطن امليتة احلامل إلخراج اجلنني‪ ،‬وإجراء اجلراحة التجميلية لألنف املشوه واجللد‬
‫املصاب باحلروق‪.‬‬
‫أسها يف قدر وحنوه‪ ،‬ومل ميكن التخليص‬ ‫‪ -2‬إذا أدخلت شاة ‪ -‬من غري تفريط صاحبها‪ -‬ر َ‬
‫إال بذحبها‪ ،‬أو كسره‪ ،‬نظر يف األقل ضرراً من كسر اإلناء‪ ،‬أو ذبح البهيمة‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا ترتس الكفار بأسارى املسلمني وخيف على املسلمني منهم‪ ،‬جاز قتلهم ولو أدى إىل‬
‫قتل األسارى؛ ألن دفع الضرر العام على املسلمني أعظم من ضرر موت األسارى‪ ،‬على‬
‫أن ال يقصد األسارى بالقتل‪.‬‬
‫‪ -4‬لو صلى قائما ينكشف من عورته ما مينع من جواز الصالة‪ ،‬ولو صلى قاعداً ال‬
‫ينكشف منه شيء‪ ،‬فإنه يصلي قاعداً ألن الرتك القيام أهون‪.‬‬
‫‪91‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -5‬ولو ابتلعت دجاجة شخص لؤلؤة مثينة لغريهن فلصاحب اللؤلؤة أن يتملك الدجاجة‬
‫بقيمتها ليذحبها‪.‬‬

‫الخاص لِ َدفْ ِع الض ََّرِر ال َْع ِام "‬


‫الخامسة ‪ :‬قاعدة " يَنتَ َح َّم ُل الض ََّرر َ‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫املراد باخلاص ما يتعلق بعدد قليل من الناس‪ ،‬والعام ما كان متعلقاً بعموم املسلمني‪ ،‬أو‬
‫أكثرهم‪ .‬وهو يف احلقيقة فرع للقاعدة السابقة ‪ :‬الضرر األشد يزال بالضرر األخف؛ ألن‬
‫الضرر اخلاص أخف والعام أشد‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬إذا احتاج املسلمون لتوسعة طريق أو مسجد‪ ،‬فأىب بعضهم البيع‪ ،‬فيجرب عليه دفعاً‬
‫للضرر العام‪ ،‬وإن كان حيصل له ضرر ببعده وحنو ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬إلزام احملتكر للطعام بالبيع كما يبيع الناس‪ ،‬ألن ضرر االحتكار عام على الناس‪ ،‬وضرر‬
‫املنع خاص باحملتكر‪.‬‬
‫‪ -3‬جواز احلجر على املفيت املاجن حرصاً على دين الناس‪.‬‬
‫‪ -4‬احلجر على الطبيب اجلاهل حرصاً على أرواح الناس‪.‬‬
‫‪92‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -5‬احلجر على الكاري املفلس حرصاً على أمواهلم وأوقاهتم‪.‬‬


‫‪ -6‬جيوز التسعري على الباعة ‪ -‬يف بعض األحوال ‪ -‬دفعاً لضررهم عن العامة‪.‬‬

‫صالِ ِ "‬ ‫اسد أَو ِ‬


‫السادسة ‪ :‬قاعدة " َدرء الم َف ِ‬
‫لى م ْ َج ْل ِ ْ‬
‫المنَ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُْ َ‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫إ َّن املقتضي للفعل مصلحة مأمور هبا‪ ،‬والفعل مع املانع‬
‫التدريبات ‪:‬‬
‫مفسدة منهي عنها‪ ،‬فقدم رفع الضرر وهو املفسدة على‬
‫‪ -1‬ق ا ِرن ب ني احلاج ة العام ة‬
‫جلب املصلحة‪.‬‬
‫واحلاجة اخلاصة‪.‬‬

‫‪ -2‬ح ّل املس ائل اآلتي ة م ع‬ ‫ثانيا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫ذكر القاعدة املناسبة‪.‬‬ ‫‪ -1‬الكذب حمرم ومفسد ولو حتصل منه الدنيا‪ ،‬درأ عن‬
‫أ‪ -‬اخ تلط م وتى الك افرين‬ ‫االستغالل واملكر لدى الناس‪.‬‬
‫بقتلى املسلمني‪.‬‬ ‫‪ -2‬املتولد بني مأكول وغري مأكول حيرم صيده للمحرم‪.‬‬
‫ب‪ -‬اس تعمال التخ دير يف‬ ‫‪ -3‬يكره للصائم املبالغ ة يف املضمض ة واالستنش اق خوف ا‬
‫العمليات اجلراحية‪.‬‬ ‫من وصول املاء إىل اجلوف‪.‬‬
‫ج‪ -‬ال تلفُّظ بكلم ة الكف ر‬ ‫‪ -4‬حت رمي ش رب اخلم ر واض ح ول و ق ال بعض هم بنفع ه يف‬
‫لإلكراه‪.‬‬ ‫الصحة من تسخني اجلسم عند الربد وغريها‪.‬‬
‫‪ -5‬تتعام ل ب العقود الربوي ة ح رام ول و حص ل منه ا أرب اح‬
‫‪93‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫كثرية‪.‬‬
‫* احلاجة نوعان ‪:‬‬
‫ثالثا ‪ :‬االستثناءات‬
‫‪ -1‬الحاجة العامة ‪ :‬تعم مجيع‬
‫الناس‬ ‫إذا اختلط الواجب باحملرم فرتاعى مصلحة الواجب‪،‬‬
‫ومنها‪:‬‬
‫‪ -2‬الحاجة الخاصة ‪ :‬ختص‬
‫بعض املكلفني أو أحدهم‬
‫‪ -1‬اخلروج إىل القتال واجب ولو قتل فيه ألن األصل‬
‫مصلحة رعاية الدين مقدمة من غريها‪.‬‬
‫* من العقود املالية اليت جوزت‬
‫‪ -2‬اهلجرة على املرأة من بالد الكفار واجبة وإن كان‬
‫حلاجة عامة الناس إليها ‪:‬‬
‫اإلجارة‪ ،‬السلم‪ ،‬اجلعالة‪ ،‬احلوالة‪،‬‬ ‫سفرها وحدها دون حمرم حراماً‪.‬‬
‫بيع العرايا‪ ،‬االستصناع‪.‬‬
‫الحاجةُ تَن ْنن ِز ُل َم ْنن ِزلَة َّ‬
‫الض ُرْوَرة‬ ‫َ‬ ‫السابعة ‪ :‬قاعدة "‬
‫اصة "‬ ‫َع َّامة َكانَ ْ أَ ْو َخ َّ‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫قال الدكتور عبد الفتاح حممد النجار "ليس كل حاجة تنزل منزلة الضرورة‪ ،‬كما تشعر عبارة‬
‫السيوطي يف هذه العبارة‪ ،‬لكن قد تنزل بعض احلاجات منزلة الضرورة‪ ،‬فتبيح احلاجة ما‬
‫تبيحه الضرورة‪ ،‬وجتعل املمنوع مباحا‪ ،‬وهلذا كان األصح التعبري ب "قد" فيقال "احلاجة قد‬
‫تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة"‪ .‬وقوله "عامة" أي تعم مجيع الناس‪ ،‬وقوله‬
‫"خاصة" أي ختص بعض املكلفني أو أحدهم‪.‬‬
‫‪94‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ثانيا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة ( للحاجة العامة )‬


‫‪ -1‬بيع السلم‪ ،‬فاألصل أن بيع السلم ال يصح‪ ،‬ألنه بيع معدوم وقت التعاقد فيؤدي إىل‬
‫اجلهالة والغرر‪ ،‬إال أن الناس مجيعا حيتاجون هلذا البيع فأجازه الشارع تنزيال للحاجة‬
‫منزلة الضرورة‪ .‬ودليل اجلواز قوله صلى اهلل عليه وسلم "من أسلف فليسلف يف كيل‬
‫معلوم ووزن معلوم إىل أجل معلوم"‪.‬‬
‫جوزت على خالف القياس‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية عقد اإلجارة واجلعالة واحلوالة وحنوها من العقود ّ‬
‫ألن األصل يف اإلجارة من العقد الوارد على منافع معدومة‪ ،‬واجلعالة فيها جهالة‪،‬‬
‫فجوز لعموم احلاجة اليها‪.‬‬
‫بالدين‪ّ ،‬‬
‫الدين َ‬
‫واحلوالة من بيع َ‬
‫‪ -3‬النظر إىل أجنبية حمرمة شرعا وقد هنى اهلل تعاىل عنه بقوله (قل للمؤمنني يغضضن من‬
‫أبصارهم)‪ ،‬وهذا مبدأ عامة قررته الشريعة اإلسالمية حىت تصان املرأة يف اجملتمع‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وحتفظ األعراض من كل عبث‪ ،‬لكن قد توجد بعض احلاجات اليت تدعو‬
‫إىل النظر إىل وجه املرأة األجنبية أو كفيها‪ ،‬مثل التعامل بالبيع أو الشراء وسائر‬
‫املعامالت املالية وحنوها‪ ،‬وكذلك العالج والشهادة‪ ،‬فإنه يصح للطبيب املعاجل أن ينظر‬
‫إىل موطن الداء فقط وال يتجاوزه‪ ،‬وإال يكون آمثا‪ ،‬وكذلك يف شهادة املرأة أمام‬
‫القضاء‪ ،‬يصح أن يرى منها الوجه والكفني للحاجة وقت الشهادة‪ ،‬وإمنا جاز النظر إىل‬
‫األجنبية يف هذه املواضع وأمثلتها للحاجة اليت تدعو إىل ذلك فنزلت منزلة الضرورة‪.‬‬
‫‪95‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ثالثا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة ( للحاجة الخاصة )‬


‫‪ -1‬األكل من الغنيمة يف دار احلرب جائز للحاجة وال يشرتط لآلكل أن يكون معه غريه‪،‬‬
‫فاألصل أن اخذ شيء من الغنيمة قبل توزيعها حمرم وغلول‪.‬‬
‫‪ -2‬التربع باألعضاء‪ ،‬واجلراحة العالجية احلاجية‪ ،‬والتلقيح االصطناعي‪.‬‬
‫‪ -3‬النظر إىل املرأة املخطوبة‪.‬‬
‫‪96‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫المحاضرة السابعة‬

‫هدف المحاضرة ‪ :‬النقاش عن مفهوم العادة والعرف عامة كانت أو خاصة‪ .‬والعرض على‬
‫التطبيقات الفقهية يف ذلك من خالل شرح معىن القاعدة وأصلها وأمثلتها وأقسامها‬
‫واالقواعد املتفرعة منها‪.‬‬
‫نتيجة المحاضرة ‪ :‬يستطيع الطالب الشرح مبوضوع العادة اليت يستخدم الشرع هبا يف ضبط‬
‫احلكم‪.‬‬

‫العادةُ ُم َح َّك َمة‬


‫القاعدة الخامسة ‪َ :‬‬

‫أوال ‪ :‬معنى المفردات‬


‫العادة لغة هي الديدن وهو الدأب واإلستمرار على الشيء‪ .‬ومسيت بذلك ألن صاحبها‬
‫َخ ِر ْجنَا ِمْن َها فَإِ ْن عُ ْدنَا فَِإنَّا‬
‫يعاودها ويرجع إليها مرة بعد أخرى كما قال اهلل عز وجل { َربَّنَا أ ْ‬
‫َّه ْم لَ َك ِاذبُو َن}‪.‬‬ ‫ظَالِمو َن}‪ ,‬وقال سبحانه وتعاىل {ولَو رُّدوا لَع ِ‬
‫ادوا ل َما نُ ُهوا َعْنهُ َوإِن ُ‬
‫َْ ُ َُ‬ ‫ُ‬

‫العادة يف اإلصطالح‪ :‬عرفت العادة بعدة تعريفات منها‪:‬‬


‫‪ -1‬وقال اجلرجاين ‪ :‬ما استمر الناس عليه على حكم املعقول وعادوا إليه مرة بعد أخرى‪.‬‬
‫‪97‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -2‬ما استقر يف النفوس من األمور املتكررة املعقولة عند‬


‫* العن ن ن ن ن ن ننادة لغ ة ‪ :‬ال دأب‬ ‫الطباع السليمة‪.‬‬
‫واإلستمرار على الشيء‬ ‫‪ -3‬األمر املتكرر من غري عالقة عقلية‪.‬‬
‫اص طالحا ‪ :‬م ا اس تقر يف‬ ‫‪ -4‬وقال ابن فرحون رمحه اهلل ‪ :‬العادة هي غلبة معىن‬
‫النف وس م ن األم ور املتك ررة‬ ‫من املعاين على مجيع البالد أو بعضها‪.‬‬
‫املعقولة عند الطباع السليمة‪.‬‬
‫* َّ‬
‫محكمننة ‪ :‬وه و جع ل الش يء‬ ‫حمكمة فهي من التحكيم ‪ :‬وهو جعل الشيء‬ ‫معىن َّ‬
‫حكما‬ ‫حكما وجاء يف شرح اجمللة لعلي حيدر أن معىن حمكمة‬
‫* الع ننرف لغ ة ‪ :‬املع روف وه و‬ ‫أي هي املرجع عند النزاع ألهنا دليل يبىن عليه احلكم‪.‬‬
‫اسم لكل فعل يعرف بالعق ل أو‬ ‫والفقهاء يوردون لفظ العادة‪ ،‬وأحياناً يوردون العرف‪،‬‬
‫الشرع حسنه‪.‬‬ ‫وقوهلم‪« :‬العادة حمكمة» واملراد والعرف أيضاً‪ ،‬ألن بعض‬
‫اص طالحا ‪ :‬م ا اس تقر يف‬ ‫العلماء اليرى التفريق بينهما‪.‬‬
‫النفوس م ن جه ة العق ول وتلقت ه‬
‫الطباع السليمة بالقبول‪.‬‬ ‫معاين العرف يف اللغة ‪:‬‬
‫* الع ننادة محكم ننة ‪ :‬أن الع ادة‬ ‫‪ -1‬ضد النُّكر‪ ،‬واسم من االعرتاف‬
‫س واء كان ت عام ة أو خاص ة‬ ‫‪ -2‬املكان املرتفع من األرض وغريها‬
‫جتع ل حكم ا إلثب ات احلك م‬ ‫‪ -3‬املعروف وهو اسم لكل فعل يعرف بالعقل أو الشرع‬
‫الشرعي ما مل ي رد ن ص يف ذل ك‬ ‫حسنه‪.‬‬
‫احلكم املراد إثباته‪.‬‬
‫‪98‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ومعاين العرف اصطالحا ‪:‬‬


‫التدريبات‪:‬‬ ‫‪ -1‬ما استقر يف النفوس من جهة العقول وتلقته الطباع‬
‫‪ -1‬ف ا ِرق ب ني الع رف الق و ي‬ ‫السليمة بالقبول‪.‬‬
‫والعرف العملي‪.‬‬ ‫‪ -2‬ما اعتاده الناس وساروا عليه من كل فعل شاع‬
‫‪ -2‬ه ات أص ل القاع دة‬
‫بينهم‪ ،‬أو لفظ تعارفوا إطالقه على معىن خاص ال‬
‫"العادة حمكمة"؟‬
‫تألفه اللغة‪ ،‬وال يتبادر غريه عند مساعه‪ ،‬وهو مبعىن‬
‫‪ -3‬ه ات أقس ام الع رف‬
‫العادة اجلماعية‪.‬‬
‫باعتبارها الثالث‪.‬‬
‫‪ -4‬ه ات الش روط املعت ربة يف‬ ‫‪ -3‬ما اعتاده أكثر الناس وساروا عليه يف مجيع‬
‫تطبيق هذه القاعدة؟‬ ‫البلدان‪ ،‬أو يف بعضها سواء أكان ذلك يف مجيع‬
‫العصور‪ ،‬أم يف عصر معني‪.‬‬
‫والذي يرتجح ‪ -‬واهلل اعلم ‪ -‬التعريف األول؛ لوجازته‬
‫ووفائه باملقصود إذ أدخل العرف القو ي والعملي‪ ،‬كما أخرج العادة الفردية مبا يفهم من قوله‬
‫(ما استقر يف النفوس)‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫معىن القاعدة أن العادة سواء كانت عامة أو خاصة جتعل حكماً إلثبات حكم شرعي‪.‬‬
‫والعرف والعادة إمنا جتعل حكما إلثبات احلكم الشرعي إذا مل يرد نص يف ذلك احلكم املراد‬
‫إثباته فإذا ورد النص عمل مبوجبه وال جيوز ترك النص والعمل بالعادة ألنه ليس للعباد حق‬
‫تغيري النصوص والنص أقوى من العرف ألن العرف قد يكون مستندا على باطل‪ ...‬أما نص‬
‫‪99‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫الشارع فال جيوز مطلقا أن يكون مبنيا على باطل فلذلك ال يرتك القوي ألجل العمل‬
‫بالضعيف‬

‫ثالثا ‪ :‬الفرق بي العرف والعادة‬


‫قيل يف الفرق بينهما ثالثة أقوال‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه ال فرق بينهما‪ ،‬فهما مبعىن واحد‪.‬‬
‫أن العرف خمصوص بالقول‪ ،‬وأن العادة خمصوصة بالعمل‪.‬‬ ‫‪َّ -2‬‬
‫‪ -3‬أن بينهما عموم وخصوص مطلق‪ ،‬فالعادة أعم‪ ،‬إذ تطلق على العادة اجلماعية وهي‬
‫العرف‪ ،‬كما تطلق على العادة الفردية فكل عرف عادة‪ ،‬وال عكس‪ ،‬ولعل هذا هو‬
‫األرجح‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬أقسام العرف‬


‫أقسام العرف والعادة باعتبار السب‬
‫‪ -1‬العرف القولي ‪ :‬كل ما إذا أطلق فُهم منه معىن مل يوضع ذلك اللفظ له‪ ،‬من غري‬
‫قرينة‪.‬‬
‫املثال ‪ :‬لفظ الشواء يطلق على اللحم فقط‪ ،‬دون ما يشوى من غريه‪.‬‬
‫‪ -2‬العرف العملي ‪ :‬كل ما جرى عليه عمل الناس يف مجيع البلدان أو بعضها‪.‬‬
‫املثال ‪ :‬استخدام النقود الورقيىة يف البيع‪.‬‬
‫‪100‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫أقسام العرف باعتبار موافقة أو مخالفة قواعد الشر‬


‫ومصادما لنصوصها‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -1‬العرف الفاسد ‪:‬كل ما يكون خمالفا لقواعد الشريعة‪،‬‬
‫املثال ‪ :‬كاعتياد بعض الناس للتربج والسفور‪ ،‬أو اعتياد بعضهم أكل الربا والغش والكذب‬
‫يف املعاملة‬
‫‪ -2‬العرف الصحي ‪ :‬مامل خيالف قواعد الشريعة ونصوصها‪.‬‬
‫املثال ‪ :‬الذكر خلف الصالة‬

‫أقسام العرف باعتبار المصدر‬


‫‪ -1‬العرف العام ‪ :‬ما تعامل به املسلمون يف قدمي الدهر أو حديثه يف سائر األقطار‪.‬‬
‫املثال ‪:‬‬
‫‪ -2‬العرف الخاص ‪ :‬ما اختص به أهل بلد أو حرفة دون سواهم‪.‬‬
‫املثال ‪:‬‬
‫‪ -3‬العرف الشرعي ‪ :‬املنقوالت الشرعية‪.‬‬
‫املثال ‪ :‬كلفظ الصالة حيث نقل من املعىن اللغوي وهو الدعاء إىل العبادة املخصوصة‬
‫املفتتحة بالتكبري واملختتمة بالتسليم‪.‬‬
‫‪101‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫خامسا ‪ :‬شروط تطبيق القاعدة‬


‫‪ -1‬أال خيالف العرف أو العادة أصالً أو نصاً شرعياً‪ ،‬أو قاعدة متفقاً عليها‪ ،‬أو إمجاعاً‪ ،‬ومن‬
‫ذلك إذا جرت عادة أهل بلد على فعل عبادة معينة‪ ،‬فال يقبل ألن األصل يف العبادات‬
‫التوقيف‪.‬‬
‫‪ -2‬أال يعارضه ما يدل على خالف املراد منه‪ ،‬بأن يصرح صاحب الشأن خبالف ما يدل‬
‫عليه العرف فيسقط اعتباره‪ ،‬وكذا إن كان له معىن يدل عليه يف اللغة أو يف الشرع‪ .‬قال‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬إن هذه األمساء جاءت يف كتاب اهلل وسنة رسوله‬
‫معلقاً هبا أحكام شرعية‪ ،‬وكل اسم فال بد له من حد‪ ،‬فمنه ما يُعلم حده باللغة‪،‬‬
‫كالشمس والقمر والرب‪ ،…،‬ومنه ما يعلم بالشرع‪ ،‬كاملؤمن‪ ،‬والكافر‪ ،‬واملنافق‪،‬‬
‫وكالصالة‪ ..،‬وما مل يكن له حد يف اللغة‪ ،‬وال يف الشرع‪ ،‬فاملرجع فيه إىل عرف الناس‪،‬‬
‫كالقبض"‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون مطرداً‪ .‬مبعىن أنه لو كان يفعل أحياناً‪ ،‬فهو عادة غري مطردة‪ ،‬فال تعترب‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يكون العرف موجوداً عند إنشاء التصرف املستند عليه‪ .‬مبعىن أن ال يكون العرف قد‬
‫ذهب ومل يكن عرفاً حال إنشاء التصرف‪ ،‬مبعىن أن اليستدل باحلادث على القدمي‪.‬‬

‫وهذه القاعدة من قواعد الفقه الكربى اليت سهلت أمور الناس ويسرت حاجاهتم‪ ،‬ومن‬
‫األدلة الناصعة على صالحية الشريعة لكل زمان ومكان‪ ،‬فإن الشرع ما نزل باحلرج كقوله‬
‫تعاىل ‪( :‬وما جعل عليكم يف الدين من حرج) ؛ ألن ترك الناس وما اعتادوا يف بعض‬
‫شؤوهنم على عرفهم وعادهتم تسهيل وتيسري عليهم‪ ،‬لذا فإن الشرع املطهر‪ ،‬يقر األحكام‬
‫‪102‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫اليت تكون وفق عادات الناس وأعرافهم غري املخالفة للنصوص وهذه القاعدة جيب على كل‬
‫مفت للناس أن يستحضرها إفتاء‪ ،‬وأن يبينها تعليماً؛‬

‫قال ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬من أفىت الناس مبجرد املنقول يف الكتب على اختالف عرفهم‬
‫وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم وأحواهلم وقرائن أحواهلم فقد ضل وأضل‪ ،‬وكانت جنايته على‬
‫الدين أعظم من جناية من طبب الناس كلَّهم على اختالف بالدهم وعوائدهم‪ ،‬وأزمنتهم‬
‫وطبائعهم مبا يف كتاب من كتب الطب على أبداهنم‪ ،‬بل هذا الطبيب اجلاهل‪ ،‬وهذا املفيت‬
‫اجلاهل‪ ،‬أضر ما يكون على أديان الناس وأبداهنم "‪ .‬ومما يدل على أمهية هذه القاعدة‬
‫ختصيص العادة للعموم‪ ،‬قال ابن رجب رمحه اهلل ‪ " :‬قاعدة خيص العموم بالعادة على‬
‫املنصوص "‪.‬‬

‫التدريبات‪:‬‬
‫‪ -1‬اش رح "الع رف الفاس د" و‬ ‫واحلكم بالعرف من أقدم مصادر القانون‪ ،‬كما يذكر‬
‫"العرف الصحيح"‪.‬‬ ‫ذلك املؤرخون‪ ،‬فكان هو حاكم حياهتم ومنظم‬
‫‪ -2‬ق ا ِرن ب ني الع رف الع ام‬ ‫شئوهنم‪ .‬وللعرف يف الشريعة شأن كبري‪ ،‬فإنه ُحيكم‬
‫والعرف اخلاص‪.‬‬ ‫به يف مواضع ال حتصى يف أكثر أبواب الفقه‪.‬‬
‫‪ -3‬هات األصل هلذه القاعدة‪.‬‬

‫وخالصة القول ‪ :‬إن القاعدة أفادت أنه إذا جرت‬


‫عادة الناس على أمر من األمور فإن هذه العادة‬
‫حجة معتربة‪.‬‬
‫‪103‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫سادسا ‪ :‬دليل ‪ /‬أصل القاعدة‬


‫يدل على مشروعية هذه القاعدة الفقهية أدلة متعددة من الكتاب والسنة واإلمجاع‪.‬‬

‫األدلة من القرآن الكرمي ‪:‬‬


‫ف وأَع ِرض ع ِن ْ ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني)‬
‫اجلَاهل َ‬ ‫‪ -1‬قوله تعاىل ‪ُ ( :‬خذ الْ َع ْف َو َوأْ ُم ْر بِالْعُْر َ ْ ْ َ‬

‫فقد استدل هبا الفقهاء على اعتبار العرف يف التشريع ألن لفظ العرف هنا عام وفسره‬
‫العلماء بعدة تفسريات منها أنه كل ما أمرك اهلل به وفُ ِّسر بأنه كل خصلة حسنة‬
‫ترتضيها العقول وتطمأن إليها النفوس وفسر بأنه التوحيد وغري ذلك‪.‬‬

‫ِِ‬ ‫الرس َ ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫ني لَهُ ا ْهلُ َدى َويَتَّبِ ْع َغْي َر َس بِ ِيل الْ ُم ْؤمن َ‬
‫ني‬ ‫ول م ْن بَ ْعد َما تَبَ َّ َ‬ ‫(وَم ْن يُ َشاق ِق َّ ُ‬
‫‪ -2‬قوله تعاىل ‪َ :‬‬
‫تمِ‬
‫ص ًريا)‪.‬‬ ‫نُولِِّه ما تَوَّىل ونُ ِ ِ‬
‫َّم َو َساءَ ْ َ‬
‫صله َج َهن َ‬‫َ َ َ َ ْ‬
‫ووج ه اإلس تدالل ‪ :‬أن الس بيل معن اه لغ ة الطري ق وس بيل امل ؤمنني ط ريقهم ال يت‬
‫استحسنوها وقد توعد اهلل بالعقاب والعذاب من اتبع غري سبيلهم فيجب العمل هبا‪.‬‬

‫ود لَه ِرْزقُه َّن وكِسوتُه َّن بِالْمعر ِ‬


‫وف)‬ ‫ِ‬
‫‪ -3‬قوله جل شأنه ‪َ ( :‬و َعلَى الْ َم ْولُ ُ ُ َ ْ َ ُ َ ْ ُ‬
‫وج ه الدالل ة‪:‬أن اهلل أوج ب النفق ة عل ى الوال د حبس ب م ا تقتض يه الع رف ألن كلم ة‬
‫املعروف هنا مبعىن ما يتعارف عليه الناس فنفقة املرأة يرجع إىل العرف‪.‬‬
‫‪104‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫اخ ُذ ُكم اللَّه بِاللَّ ْغ ِو ِيف أَْميَانِ ُكم ولَ ِكن ي ؤ ِ‬


‫اخ ُذ ُك ْم ِمبَا‬ ‫ِ‬
‫ْ َ ْ َُ‬ ‫‪ -4‬قوله تعاىل يف كفارة اليمني ‪(َ :‬ال يُ َؤ ُ ُ‬
‫ني ِم ْن أ َْو َس ِط َما تُطْعِ ُمو َن أ َْهلِي ُك ْم)‬‫ِ‬
‫َّارتُهُ إِطْ َع ُام َع َشَرةِ َم َساك َ‬
‫َع َّق ْد ُمتُ ْاألَْميَا َن فَ َكف َ‬
‫وجه الداللة ‪ :‬أن اهلل سبحانه يقرر لنا ضابط حتديد مقدار اإلطعام وهو من أوسط ما‬
‫تطعمون أهليكم وهو عرف الناس‪.‬‬

‫اشروه َّن بِالْمعر ِ‬


‫وف)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫(و َع ُ ُ‬
‫‪ -5‬وقوله تعاىل ‪َ ( :‬وَهلُ َّن مثْ ُل الذي َعلَْيه َّن بالْ َم ْع ُروف)‪ .‬وقوله ‪َ :‬‬
‫أرشد اهلل سبحانه وتعاىل الزوجني يف عشرهتما ‪،‬وأداء حق كل منهما لآلخر إىل املعروف‬
‫املعتاد الذي يرتديه العقل ‪،‬ويطمئن إليه القلب ‪،‬وال شك أن ذلك متغري حسب‬
‫اإلختالف بني املناطق وأحوال الناس ‪.‬‬

‫األدلة من السنة النبوية ‪:‬‬

‫‪ -1‬روى البخاري يف صحيحة من حديث عائشة رضي اهلل عنها أن هنداً بنت عتبة رضي‬
‫اهلل عنها قالت يا رسول اهلل إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيين ما يكفيين وولدي إال‬
‫ما أخذت منه وهو ال يعلم فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬خذي ما يكفيك وو ِ‬
‫لدك‬
‫باملعروف "‪ .‬قال النووي يف شرح مسلم عند هذا احلديث‪ ،‬يف هذا احلديث فؤائد كثرية وذكر‬
‫منها‪ :‬اعتماد العرف يف األمور اليت ليس فيها حتديد شرعي‪.‬‬

‫‪ -2‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬ما رآه املسلمون حسن فهو عند اهلل حسن "‪ .‬يضاف‬
‫إىل هذا ما تعارف عليه الناس يف زمن النيب عليه السالم من أموراً تتعلق بشؤون احلياة فلم‬
‫‪105‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫حيرمها أو ينههم عنها‪ ،‬فدل على جوازها‪ ،‬كما تعارفوا أموراً جاء ما يفيد أن النيب عليه‬
‫الصالة والسالم أقرهم عليها أو شاركهم يف فعلها‪ ،‬فهذا أيضاً يدل على جوازها‪.‬‬

‫ومن أظهر األمثلة على ذلك ‪ :‬عقد السلم‪ ،‬فقد عرفه العرب يف اجلاهلية وأقرهم عليه الرسول‬
‫عليه الصالة والسالم وفيه ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي اهلل عنهما أنه قال قدم النيب‬
‫عليه الصالة والسالم املدينة وهم يُسلِ ُفون الثمر السنة والسنتني فقال ‪ " :‬من أسلف يف‬
‫أجل معلوم "‪.‬‬ ‫كيل معلوم ٍ‬
‫ووزن معلوم إىل ٍ‬ ‫شيء ففي ٍ‬

‫األدلة من اإلج ماع ‪:‬‬


‫إتفق الفقهاء على التطبيق العملي هلذه القاعدة وأن العادة يرجع إليها على اعتبارها إحدى‬
‫القواعد اخلمس اليت يرجع إليها‪.‬‬

‫سابعا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬إذا اتفق املتبايعان هنا يف اململكة العربية السعودية على أن سعر السلعة مائة ألف‪ ،‬مث‬
‫بعد ذلك اختلفا‪ ،‬فقال البائع إمنا هو بالدوالر‪ ،‬وقال املشرتي بل الريال‪ ،‬فاملعترب الريال؛‬
‫ألنه الذي جرت به العادة يف التبايع فيها‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم الضمان على من وضع يف املسجد شيئاً ينتفع به الناس‪ ،‬ومل يتعد يف وضعه‪ ،‬إذا‬
‫تلف به أحد؛ ألن العرف جار بأنه مأذون فيه من غري استئذان أحد‪.‬‬
‫‪106‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -3‬محل اليمني على العرف والعادة‪ ،‬فمن حلف ال يتكلم مث قرأ القرآن‪ ،‬ال حينث؛ ألن‬
‫العرف ال يطلق الكالم إال على كالم اآلدميني‪ ،‬وكذا لو حلف اليأكل من هذه الشجرة‪،‬‬
‫فال حينث بأكل ورقها‪ ،‬وإمنا احلنث بأكل الثمرة؛ ألهنا ما يؤكل عادة‪.‬‬
‫‪ -4‬جواز املسح على العمامة إذا كانت ساترة جلميع الرأس إال ما جرت العادة بكشفه‬
‫كمقدم الرأس واألذنني وجوانب الرأس‪.‬‬
‫‪ -5‬أن مثن املثل للماء معترب مبا جرت به العادة‪ ،‬يف تلك البقعة‪.‬‬
‫‪ -6‬أن الوعاء الذي فيه اهلدية‪ ،‬إن جرت العادة بإعادته أعاده‪ ،‬وإال فهو هدية معه‪.‬‬
‫‪ -7‬أن حرز املال ما جرت العادة حبفظه فيه‪.‬‬
‫‪ -8‬ال جيوز صوم يوم الشك إال ملن كانت له عادة يف صوم مثله وذلك حبسب العادة‪.‬‬
‫‪ -9‬حيرم قبول القاضي للهدية إال ملن له عادة يف‬
‫إهدائه‪.‬‬
‫التدريبات‪:‬‬ ‫‪ -10‬األجرة يف دخول احلمام حسب العادة‪.‬‬
‫‪1‬ماملراد ب "العرف الفاسد" و‬
‫‪ -11‬العادة يف ركوب سفينة املالح أهنا بأجرة‬
‫"العرف الصحيح"‪.‬‬
‫وكذا العادة يف أجرة الدابة‪.‬‬
‫‪ -2‬قا ِرن بني العرف العام‬
‫والعرف اخلاص‪.‬‬
‫‪ -12‬اإلستصناع أجازه مجهور الفقهاء ألنه تعارفه‬
‫الناس وجرى عليه التعامل فجاز استحسانا‬
‫مبنيا على العرف‪.‬‬
‫‪ -13‬القلة والكثرة يف شيء راجعة إىل العادة‪.‬‬
‫‪ -14‬قصر املدة وطوهلا راجع إىل العادة‪.‬‬
‫‪107‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫القواعد المندرجة تح القاعدة " العادة مح ّكمة "‬

‫استعمال‬
‫الناس حجة‬
‫يج العمل‬
‫ال ينكر تغير‬ ‫بها‬
‫الحقيقة‬
‫األحكام‬ ‫تتر بداللة‬
‫بتغير األزمان‬ ‫العادة‬
‫العادة‬
‫مح ّكمة‬
‫المعروف‬ ‫التعيي‬
‫عرفاً‬ ‫بالعرف‬
‫كالمشروط‬ ‫كالتعيي‬
‫شرطاً‬ ‫بالنص‬
‫ا‬

‫األولى ‪ :‬قاعدة " اِ ْستِ ْع َم ُ‬


‫ال النَاس ُح َّجة يَ ِج ُ الْ َع َمل بِ َها "‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫هذه القاعدة تدل على نفس املعىن الذي تدل عليه القاعدة ‪ :‬العادة حمكمة؛ ألن االستعمال‬
‫معن اه ع ادة الن اس يف أق واهلم وأفع اهلم‪ ،‬وعلي ه فيكتف ى بش رح القاع دة األم ع ن ش رحها‪ .‬لك ن‬
‫‪108‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫من أهل العلم من فسر االستعمال بأنه نقل اللفظ عن موضعه األص لي‪ ،‬واس تعماله يف معن اه‬
‫اجمل ازي‪ ،‬وعل ى ه ذا املع ىن تك ون القاع دة دال ة عل ى أن اس تعمال الن اس للف ظ يف مع ىن م ن‬
‫املعاين جيعله حقيقة عرفية‪ ،‬جيب حتكيمها يف فهم األلفا ‪.‬‬

‫وخالص ته‪ ،‬أن اس تعمال الن اس غ ري املخ الف للش رع وال لنص وص الفقه اء يُع ّد حج ة كبي ع‬
‫مست احلاجة إليهما مع‬ ‫السلم وعقد االستصناع مثالً‪ ،‬فقد اتفق الفقهاء على جوازها ملا ّ‬
‫أهنما يف األصل غري جائزين ألهنما بيع معدوم‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬إذا اتفق املتبايعان هنا يف اململكة العربية السعودية على أن سعر السلعة مائة ألف‪ ،‬مث‬
‫بعد ذلك اختلفا‪ ،‬فقال البائع إمنا هو بالدوالر‪ ،‬وقال املشرتي بل الريال‪ ،‬فاملعترب الريال؛‬
‫ألنه الذي جرت به العادة يف التبايع فيها‪.‬‬

‫‪ -2‬إذا صنع طعاما وأهداه جلاره‪ ،‬فال يدخل فيه اإلناء‪،‬ألن العرف جرى على عدم دخوله‪.‬‬

‫‪ -3‬لو حلف ال يستضيء بسراج مل حينث بالشمس‪ ،‬ولو حلف على ترك الشواء مل حينث‬
‫بغري اللحم‪ ،‬ألن استعمال الناس جعل املراد هبذه األشياء غري ما وضعت له‪.‬‬

‫‪ -4‬لو اتفق إنسان مع مقاول أو متعهد أن يبين له بيتاً طبقاً ملخطط مرسوم ومواصفات‬
‫خاصة بثمن مبني وشروط واضحة‪ ،‬انعقد االستصناع وجازت املعاملة‪.‬‬
‫‪109‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫الثانية ‪ :‬قاعدة " الحقيقةُ تتر بداللة العادة "‬

‫أوال ‪ :‬معنى المفردات‬


‫حق الشيء إذا ثبت‪ .‬واملراد باحلقيقة هنا ‪ :‬داللة اللفظ يف أصل وضع اللغة‪ ،‬وهو املعرب‬
‫من ّ‬
‫عنه يف اصطالح البالغيني باللفظ املستعمل فيما ُوضع له‪ ،‬أي تعني له حبيث يدل عليه بغري‬
‫قرينة‪ ،‬سواء كان التعيني من جهة واضع اللغة فيكون حقيقة لغوية‪ ،‬أم غريه فيكون حقيقة‬
‫عرفية أو شرعية‪.‬‬

‫أقسام الحقيقة‬
‫‪ -1‬حقيقة شرعية ‪ :‬استعمال لفظ الصالة للصالة املعروفة يف الشرع‪ ،‬وهي األقوال واألفعال‬
‫املخصوصة املفتتحة بالتكبري واملختتمة بالتسليم‪.‬‬

‫‪ -2‬حقيقة لغوية ‪ :‬استعمال األلفا العربية فيما وضعت هلا كأسد للحيوان املفرتس‬

‫‪ -3‬حقيقة عرفية ‪ :‬املرادة هنا بقوله (العادة) كاستعمال لفظ " الدابة " لذوات األربع‪ ،‬مع أنه يف اللغة‬
‫لكل ما يدب على األرض‪ ،‬وكالراوية‪ ،‬والغائط‪ .‬فحقيقة هذه األشياء صارت مغمورة غري معروفة‪.‬‬
‫فاإلطالق ال ينصرف إليها بل إىل احلقيقة العرفية‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫حقيقي يف لغة العرب‪ ،‬مث تعارف الناس على استعمال هذا اللفظ يف‬ ‫ٌ‬ ‫إذا كان للفظ معىن‬
‫معىن آخر‪ ،‬وشاع ذلك املعىن بينهم‪ ،‬حىت أُمهل املعىن احلقيقي‪ ،‬فإنه يرتك حينئذ املعىن‬
‫‪110‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫احلقيقي‪ ،‬ويصار يف تفسري كالم الناس إىل املعىن املتعارف عليه‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬االستثناءات‬
‫‪ -1‬إذا حلف أن ال يأكل اللحم‪ ،‬فإنه ال حينث بأكل حلم السمك والدجاج‪ ،‬وإن كان‬
‫املعىن احلقيقي للحم متناوال لذلك؛ ألن العرف حيمل لفظ اللحم على معىن خاص‪،‬‬
‫وهو ما كان من هبيمة األنعام‪.‬‬
‫‪ -2‬محل اليمني على العرف والعادة‪ ،‬فمن حلف أن ال يتكلم مث قرأ القرآن‪ ،‬ال حينث؛ ألن‬
‫العرف ال يطلق الكالم إال على كالم اآلدميني‪.‬‬
‫‪ -3‬لو حلف أن ال يأكل من هذه الشجرة‪ ،‬فال حينث بأكل ورقها‪ ،‬وإمنا احلنث بأكل‬
‫الثمرة؛ ألهنا ما يؤكل عادة‪.‬‬

‫ف عُرفًا كالمن ْش ِ‬
‫روط َش ْرطاً "‬ ‫َ‬ ‫الثالثة ‪ :‬قاعدة " المعرو ُ ْ‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫وهو أن العرف اجلاري بني الناس كاملشروط بينهم لفظًا ولو مل يتكلموا به‪ ،‬ويكون له قوة‬
‫النص مامل يوجد نص صريح على خالفه‪ .‬لكن اللفظ الثالث قد يفهم منه معىن أوسع من‬
‫الشرط‪ ،‬وهو أن يكون العرف داال على احلكم أو على املقصود كداللة النص‪ ،‬وأن ما عيّنه‬
‫العرف‪ ،‬فهو مثل ما عيّنه النص‪.‬‬
‫‪111‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ثانيا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫عوض املهدي‬ ‫شخص لشخص هدية‪ ،‬وقد جرى العرف بينهم أن املهدى إليه يُ ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -1‬إذا قدم‬
‫عن هديته فإن ذلك العرف يدل على وجوب التعويض‪ ،‬فإن أىب املهدى إليه أن يعوض‬
‫جاز للمهدي أن يرجع يف هديته‪.‬‬
‫‪ -2‬العقود املطلقة عن شيء يقيدها‪ ،‬تتقيد مبا تعارف عليه الناس‪.‬‬
‫‪ -3‬من استعار سيارة عارية مطلقة‪ ،‬فإنه ال جيوز له أن يستعملها االستعمال غري املعتاد‪ ،‬كأن‬
‫يذهب هبا إىل الربية‪ ،‬أو حيملها فوق طاقتها‪.‬‬
‫‪ -4‬األموال الربوية اليت مل يرد نص يبني هل هي مكيلة أو موزونة يرجع يف حتديد ذلك‬
‫وتعيينه إىل العرف‪ ،‬فما كان يف عرف الناس مكيالً أخذ حكم املكيل‪ ،‬وما كان يف عرف‬
‫الناس موزونًا‪ ،‬كان حكمه حكم املوزون‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬قاعدة " ال ينكر تغيّر األحكام بتغيّر األزمان "‬

‫أوال ‪ :‬معنى المفردات‬


‫ال ينكر ‪ :‬أي ال جيهل‪ ،‬أو يستغرب‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪( :‬قال إنكم قوم منكرون)‪.‬‬
‫تغري ‪ :‬التبدل والتحول‪.‬‬
‫ّ‬
‫األحكام ‪ :‬أي اليت ثبتت بطريق شرعي‪.‬‬
‫‪112‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ثانيا ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫تبعا لتغري األوضاع واألحوال الزمنية اليت يكون هلا تأثري‬
‫ال يستغرب أن يتغري احلكم الشرعي ً‬
‫على هذه األحكام‪ ،‬والتغري تارة يكون للحكم نفسه‪ ،‬وتارة يكون بكيفية احلكم وتطبيقه‪.‬‬

‫األحكام التي تتغير بتغير الزمان‬

‫رمبا يفهم بعض الناس من كلمة (األحكام) الواردة يف القاعدة أن كل حكم يتغري بتغري‬
‫الزمان‪ ،‬وهذا الفهم ليس صحيحا؛ ألن (أل) يف كلمة (األحكام) للعهد الذهين؛ أي أن‬
‫األحكام اليت تتغري هي أحكام معهودة‪ ،‬وهي ‪:‬‬

‫األحكام التي ربطها الشار بعلل معينة يؤثر فيها تغير الزمان‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫األحكام التي ربط ب سماء يرجع في تفسيرها لى العرف‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫األحكام التي تكون وسائل لبعض المقاصد ويكون المقصود بها‬ ‫‪-3‬‬
‫الترتي والتنظيم‪.‬‬

‫أما األحكام الثابتة بنصوص الكتاب والسنة‪ ،‬وكانت عللها ومصاحلها مطردة ومتحققة يف‬
‫كل زمان‪ ،‬أو كانت من أمور العبادات‪ ،‬أو من املقدرات الشرعية فإهنا ال تتغري بتغري‬
‫األزمان واألحوال‪.‬‬
‫‪113‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ثالثا ‪ :‬أسباب تغيّر األحكام‬


‫* ال ينكر ‪ :‬أي ال جيهل‪ ،‬أو‬ ‫إن لفظ القاعدة مشعر بأن سبب تغري احلكم هو تغري‬
‫يستغرب‬ ‫الزمن‪ ،‬ومعلوم أن الزمن يف ذاته ال حيمل أي سبب‬
‫* تغيّر ‪ :‬التبدل والتحول‪.‬‬ ‫للتغيري‪ ،‬وإمنا املقصود ما يكون يف هذا الزمن من تغريات‬
‫* األحكام ‪ :‬أي اليت ثبتت‬ ‫تؤثر على بعض األحكام‪ ،‬وميكن حصر األسباب اليت‬
‫بطريق شرعي‪.‬‬ ‫تتغري هبا األحكام املرتبطة هبا فيما يلي‪:‬‬
‫تغري األحكام ‪:‬‬
‫* أسباب ّ‬ ‫‪ -1‬فساد الزمان واحنراف أهله‪ .‬قال عمر بن عبد العزيز‬
‫‪ -1‬فساد الزمان واحنراف أهله‪.‬‬
‫رمحه اهلل‪" :‬حتدث للناس أقضية بقدر ما حيدثون من‬
‫‪ -2‬تغري العادات وتبدل‬
‫فجور"‪.‬‬
‫األعراف‪.‬‬
‫‪ -3‬اختالف املصاحل وتطور‬ ‫‪ -2‬تغري العادات وتبدل األعراف‪.‬‬
‫الزمن‪.‬‬ ‫‪ -3‬اختالف املصاحل وتطور الزمن‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬دليل ‪ /‬أصل القاعدة‬


‫وصدرا من خالفة عمر إذا مجع الطالق‬
‫ً‬ ‫‪ -1‬كان املطلِّق يف زمان رسول اهلل وأيب بكر‬
‫الثالث بلفظ واحد جعلت طلقه واحدة‪ ،‬مث إن عمر ‪ -‬رأى تتابع الناس على فعل‬
‫ذلك‪ ،‬فاستشار الصحابة يف أن جيعلها ثالثًا‪.‬‬
‫نظرا لكثرة‬
‫‪ -2‬زيادة عمر رضي اهلل عنه ومعه الصحابة حد شارب اخلمر إىل مثانني جلدة؛ ً‬
‫وقوع الناس فيه‪ ،‬وهي زيادة يف التعزير ال يف أصل احلد‪ ،‬على الصحيح من أقوال أهل‬
‫العلم‪.‬‬
‫‪114‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -3‬أمر عثمان ‪ -‬بضم ضالة اإلبل والبقر إىل بيت املال‪ ،‬بعد معرفة أوصافها‪ ،‬مع أن النيب‬
‫هنى عن التقاطها؛ ألن عثمان الحظ فساد الناس وأخذهم لضوال اإلبل‪ ،‬وفعل ذلك‬
‫ليحفظ على الناس ماهلم‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬من املتقرر يف أصول بعض املذاهب أن املدين تنفذ‬
‫التدريبات‪:‬‬
‫‪ -1‬هات ثالثة من القواعد‬ ‫تصرفاته يف أمواله باهلبة والوقف وغري ذلك ولو‬
‫املتفرعة عن القاعدة "‬ ‫كانت ديونه تستغرق أمواله‪ ،‬لكن ملا فسد أمر‬
‫العادة حممكة" مع ذكر‬ ‫الناس‪ ،‬واختذ بعضهم ذلك ذريعة إىل هتريب‬
‫املثال لكل قاعدة‪.‬‬ ‫األموال‪ ،‬حىت ال يطالبهم هبا الدائن‪ ،‬أفىت املتأخرون‬
‫‪ -2‬حل املسائل اآلتية مع ذكر‬ ‫من فقهاء احلنفية واحلنابلة بعدم نفاذ هذه‬
‫القاعدة املناسبة هلا‪:‬‬
‫التصرفات من املدين‪ ،‬إال يف األموال الزائدة عن‬
‫(أ) حلف حممد أن ال يتكلم‬
‫الدين‪.‬‬
‫مث قرأ القرآن‪.‬‬
‫صاعا من طعام‪ ،‬وكان‬
‫‪ -2‬فرض رسول اهلل صدقة الفطر ً‬
‫(ب) األجرة يف دخول‬
‫طعامهم الشعري والقمح واألقط والزبيب‪ ،‬مث تغري‬
‫احلمام‪.‬‬
‫طعام الناس‪ ،‬فجاء األرز‪ ،‬وأصبح هو الطعام‬
‫(ج ) مقدار النفقة للزوجة‪.‬‬
‫األساسي للناس‪ ،‬فتتعلق به صدقة الفطر‪ ،‬ولو‬
‫أخرج املسلم الشعري مل جيزئه؛ ألنه ليس بطعام‬
‫اآلدميني يف هذا الوقت‪.‬‬
‫‪115‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -3‬األصل قبول شهادة العدل ورد شهادة الفاسق‪ ،‬لكن أحوال الناس تغريت‪ ،‬وكثرت فيهم‬
‫الذنوب واملعاصي‪ ،‬فاضطر القضاة لقبول شهادة من فيه فسق؛ حفظًا حلقوق الناس‪.‬‬
‫‪ -4‬امتنع النيب من تسعري السلع ملا غلت يف عهده‪ ،‬وطلب منه ذلك‪ ،‬ويرى بعض العلماء‬
‫جواز التسعري‪ ،‬إذا كان يف عدمه فساد ألموال الناس وضياع حلقوق بعضهم؛ ألن النيب‬
‫إمنا امتنع من التسعري ألن ارتفاع السعر مل يكن بسبب من التجار‪ ،‬ومل يكن يف التسعري‬
‫فائدة‪ ،‬بل فيه ضرر على التاجر‪ ،‬وتعريض له باخلسارة‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬قاعدة " التَّنعيِي بِالعر ِ‬


‫ف كالتَّن ْعيِْي بِالنَّص "‬ ‫ْ ُ ُْ‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫أن ما مل يرد تعيينه بالنص عليه من الشارع أو العاقد وكان فيه عرف‪ ،‬فكأنه نُص على‬‫َّ‬
‫تعيينه‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬مقدار النفقة للزوجة‪ ،‬فيكون هلا من املأكل وامللبس ما يقتضيه العرف‪ ،‬كالثوب‬

‫والسراويل‪ ،‬وغريها‪ ،‬ومن الطعام األرز واللحم أو الدجاج وحنوه‪ ،‬فكأن ما ذكر قد نُص‬
‫عليه من الشارع ‪.‬‬
‫‪116‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -2‬أن من مل يفرض هلا املهر‪ ،‬فيجب هلا ما جرت العادة بإعطاء مثلها‪.‬‬

‫‪ -3‬ارسال املواشي هنارا وحفظها ليال‪ ،‬اعتربت يف ذلك العادة‪.‬‬

‫المحاضرة الثامنة‬

‫هدف المحاضرة ‪ :‬النقاش عن مفهوم العادة والعرف عامة كانت أو خاصة‪ .‬والعرض على‬
‫التطبيقات الفقهية يف ذلك من خالل شرح معىن القاعدة وأصلها وأمثلتها وأقسامها والقواعد‬
‫املتفرعة منها‪.‬‬
‫نتيجة المحاضرة ‪ :‬يستطيع الطالب الشرح مبوضوع العادة اليت يستخدم الشرع هبا يف ضبط‬
‫احلكم‪.‬‬

‫االجتهاد ال ين ُقض باالجتِ ِ‬


‫هاد‬ ‫القاعدة ‪:‬‬
‫ُ َ ُ‬

‫أوال ‪ :‬معنى المفردات‬


‫‪98‬‬
‫االجتهاد لغة ‪ :‬بذل اجلهد أي الطاقة يف عمل شاق‪.‬‬
‫االجتهاد اصطالحا ‪ :‬بذل الفقيه وسعه يف استنباط األحكام الشرعية الفرعية من أدلتها‬
‫‪99‬‬
‫التفصيلية‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫حممد فؤاد سواري‪.381 :‬‬
‫‪99‬‬
‫‪ -‬الندوي ‪.439‬‬
‫‪117‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫النقض‪ :‬إفساد ما أبرم وتغيريه وإبطاله‪ 100.‬ونقض االجتهاد إبطال حكمه وتغيريه‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫أن القاضى أو اجملتهد إذا اجتهد يف مسألة شرعية اجتهادية مث عرضت له مسألة مشاهبة‬
‫فحكم فيها برأي آخر فال ينقض االجتهاد األول باالجتهاد الثاين‪ .‬وكذا إذا حكم جمتهد يف‬
‫مسألة مبوجب اجتهاده مث حكم جمتهد آخر يف تلك املسألة عينها وكان اجتهاده الثاين‬
‫خمالفا لألول‪ ،‬فال ينقض احلكم املستند على االجتهاد األول‪101.‬ألن االجتهاد الثاين ليس‬
‫بأقوى من األول‪ ،‬وألن االنقضاض يؤدي إىل عدم استقرار احلكم‪.‬‬

‫ما املقصود باالجتهاد الذي ال ينقض مبثله؟‬


‫ويقصد به هنا االجتهاد الذي مضى حكمه وتنفيذه ولكنه يغري احلكم يف املستقبل إذا تغري‬
‫االجتهاد‪ .‬وليس املراد هنا ذلك االجتهاد االصطالحي كما مر تعريفه‪ ،‬وإمنا يراد به معىن‬
‫أعم وأمشل‪ .‬وهي ثالثة أنواع‪:‬‬
‫‪ -1‬اجتهاد اجملتهد يف املسائل الظنية الذي مل يرد فيها نص قطعي‪ ،‬فال ينقض االجتهاد‬
‫السابق باجتهاد مثله من اجملتهد نفسه أومن جمتهد آخر‪.‬‬
‫‪ -2‬حكم القاضي يف القضية املعروضة عليه إذا كانت من املسائل االجتهادية اليت ال نص‬
‫فيها أو كانت مقيدة مبذهب من املذاهب الفقهية فال جيوز نقضه باجتهاد فقيه آخر‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫‪ -‬شبري ‪.367‬‬
‫‪101‬‬
‫‪ -‬عبد العزيز ‪.227‬‬
‫‪118‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫وحترى القبلة‬
‫كالتحري يف معرفة القبلة‪ ،‬فإذا كان الشخص يف صحراء ّ‬
‫ّ‬ ‫التحري‬
‫‪ -3‬مسائل ّ‬
‫تغري بعد ذلك‬
‫فتوصل إىل أهنا إىل جهة معينة فصلى‪ ،‬فصالته صحيحة‪ ،‬وال تبطل ولو ّ‬ ‫ّ‬
‫‪102‬‬
‫اجتهاده وكانت القبلة إىل جهة أخري فال يعيد الصالة‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬دليل ‪ /‬أصل القاعدة‬


‫األصل يف هذه القاعدة ‪ :‬إمجاع الصحابة رضي اهلل عنهم كما نقله ابن الصباغ‪ .‬كما أن أبا‬
‫بكر حكم يف مسائل خالفه عمر فيها ومل ينقض حكمه‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫تغري اجتهاد املصلى يف القبلة عمل بالثاين‪ ،‬وال قضاء عليه‪ ،‬حىت لو صلى أربع‬ ‫‪ -1‬لو ّ‬
‫ركعات إىل أربع جهات باالجتهاد‪ ،‬صحت صالته فال قضاء عليه‪.‬‬
‫‪ -2‬لو اجتهد فظن طهارة أحد اإلناءين فاستعمله وترك اآلخر مث تغري ظنه ال يعمل بالثاين‬
‫بل يتيمم‪.‬‬
‫‪ -3‬لو شهد الفاسق ُفرَّدت شهادته‪ ،‬فتاب وأعادها‪،‬مل تقبل شهادته‪ ،‬ألن قبول شهادته‬
‫بعد التوبة يتضمن نقض االجتهاد باالجتهاد‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬االستثناءات‬
‫هناك حاالت ينقض فيها القضاء من القاضي احلاصل من اجتهاده وهي إذا‪:‬‬

‫‪102‬‬
‫‪ -‬شبري ‪.368‬‬
‫‪119‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -1‬خالف نصا‪ 103‬أو امجاعا أو قياسا جليا‪.‬‬


‫االجتهاد لغة‪ :‬بذل اجلهد يف عمل‬ ‫‪ -2‬أو خالف القواعد الكلية‪.‬‬
‫شاق‪.‬‬
‫‪ -3‬أو كان حكما ال دليل عليه‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬بذل الفقيه وسعه يف‬
‫‪ -4‬أو خالف شر َط من وقف‪ ،‬ألنه خمالف للنص‪،‬‬
‫استنباط األحكام الشرعية الفرعية‬
‫من أدلتها التفصيلية‪.‬‬
‫وهو حكم ال دليل عليه‪ ،‬سواء كان نصه يف‬
‫النقض‪ :‬إفساد ما أبرم وتغيريه‬ ‫الوقف نصا أو ظاهرا‪.‬‬
‫وإبطاله‪.‬‬ ‫‪ -5‬أو خالف ما عليه املذهب األربعة‪ ،‬وهو‬
‫كاملخالف لإلمجاع‪.104‬‬
‫ومحل الخط في الحكم ‪:‬‬
‫‪ -1‬نفس احلكم‬
‫ففي هذه احلاالت ينقض حكم القاضي لتبني خطئه‬
‫‪ -2‬السبب‬
‫وال يثبت منها آثار احلكم وجيب العودة إىل ما هو‬
‫‪ -3‬الطريق‬
‫األصل‪.‬‬
‫وحمل اخلطأ قد يكون يف‪:‬‬
‫‪ -1‬نفس احلكم (احلكم الذي أوقع به احلاكم من الوجوب واحلرمة وغريها) ‪ :‬لكونه خالف‬
‫نصا أو شيئا مما تقدم‪ .‬املثال ‪ :‬حكم احلاكم جبواز األخذ شيئا على الرغم هني النص‬
‫واالمجاع فيه‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫‪ -‬والقاعدة تقول‪ " :‬ال مساغ لإلجتهاد يف مورد النص " أو " ال اجتهاد مع النص " وهذا املبدأ مقرر أيضا يف النظر القانوين‪ ،‬فال جمال للقضاة أن جيتهد يف‬
‫أحكامهم مع وجود نص قانوين صريح خبالف اجتهادهم‪ ،‬ألن مهمة القاضي التطبيق ال التشريع‪ .‬حممد نور الدين‪.116 :‬‬
‫‪104‬‬
‫‪ -‬قال يف األشباه والنظائر ‪ :‬صرح يف التحرير أن اإلمجاع انعقد على عدم العمل مبذهب خمالف لألربعة‪ ،‬النضباط مذاهبهم‪ ،‬واتشارها وكثرة أتباعهم‪.‬‬
‫‪120‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -2‬السبب ‪ :‬كأن حيكم ببينة ضرورة مث تبني خالفه‪ ،‬فيكون اخلطأ يف السبب ال يف احلكم‪.‬‬
‫‪ -3‬الطريق ‪ :‬كما إذا حكم ببينة مث بان فسقها‪ .‬واملثال على ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬احلِ َمى‪ :‬ومعناه املنع وذلك بأن حيمى اإلمام أرضا بتخصيصه ملنفعة يراها كبناء مدرسة‬
‫أو مستشفى وغريها من املصاحل العامة‪ ،‬فيجوز نقض ذلك احلمى ورفعه‪ ،‬فيعود كما‬
‫كان‪ ،‬إذا ظهرت مصلحة يف نقضه‪ ،‬بعد ظهورها يف احلمى‪.‬‬
‫‪ -2‬لو أقام اخلارج بينة وحكم له هبا‪ ،‬وصارت الدار يف يده‪ ،‬مث أقام الداخل بينة حكم له‬
‫هبا ونقض احلكم األول‪ ،‬ألنه إمنا قضى للخارج لعدم حجة صاحب اليد‪.‬‬

‫والحرام غُل َ الحر ُام‬


‫ُ‬ ‫الحالل‬
‫ُ‬ ‫اجتمع‬
‫َ‬ ‫القاعدة ‪ :‬ا‬

‫أوال ‪ :‬معنى المفردات‬


‫احلالل لغة ‪ :‬فتح الشيء‪.‬‬
‫واصطالحا ‪ :‬املباح الذي أذن الشارع يف فعله ومل يرد أمر حبظره‪ 105.‬أو ما ليس ممنوعا منعا‬
‫باتا بدليل شرعي‪.‬‬
‫احلرام لغة ‪ :‬ما امتنع فعله‪.‬‬
‫واصطالحا ‪ :‬األمر الذي هنى الشارع عن فعله هنيا جازما‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫‪-‬مسات احلالل شيخ جاد احلق ‪ :‬ص ‪3‬‬
‫‪121‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ثانيا ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫إذا اجتمع يف األمر ما يقتضي احلل واحلرمة‪ ،‬يغَلَّب احملرم على احمللل‪ ،‬عمال مبا هو أحوط يف‬
‫الدين أو إذا اجتمع يف شيء دليالن أحدمها يقتضي التحرمي واآلخر يقتضي اإلباحة قدم‬
‫التحرمي‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬أصل ‪ /‬دليل القاعدة‬


‫واستدل هلذه القاعدة حبديث أورده مجاعة بلفظ ‪ ":‬ما اجتمع احلالل واحلرام إال غلب احلرام‬
‫احلالل"‪ .‬لكنه قال احلافظ أبو الفضل العراقي‪ :‬ال أصل له‪ ،‬وقال السبكي يف األشباه‬
‫والنظائر نقال عن البيهقي ‪ :‬هو حديث رواه جابر اجلعفي رجل ضعيف عن الشعيب عن ابن‬
‫مسعود وهو منقطع‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وأخرجه من هذا الطريق عبد الرزاق يف مصنفه وهو موقوف على ابن مسعود ال‬
‫مرفوع‪ .‬مث قال ابن السبكي ‪ :‬غري أن القاعدة يف نفسها صحيحة‪ .‬قال اجلويين يف السلسلة‬
‫‪106‬‬
‫‪ :‬مل خيرج عنها إال ما ندر‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬إذا تعارض دليالن‪ ،‬أحدمها يقتضي التحرمي واألخر اإلباحة قدم التحرمي يف األصح ومن‬
‫مث قال عثمان ملا سئل عن اجلمع بني أختني مبلك اليمني أحلتهما آية وحرمتهما آية‪:‬‬
‫والتحرمي أحب إلينا وكذلك تعارض حديث "لك من احلائض ما فوق اإلزار" وحديث‬

‫‪106‬‬
‫‪ -‬األشباه والنظائر للسيوطي‪ .‬ص ‪.118-117‬‬
‫‪122‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫"اصنعوا كل شيء إال النكاح" فإن األول يقتضي حترمي ما بني السرة والركبة والثاين‬
‫فريجح التحرمي احتياطا‪.‬‬
‫يقتضي إباحة ما عدا الوطء ّ‬
‫‪ -2‬لو اشتبهت إحدي حمارمه بأجنبيات‪ ،‬وأراد الزواج منهن مع وجود االشتباه‪ ،‬فننظر هل‬
‫هن حمصورات أوال؟ فإن كان حمصورات حرم الزواج منهن ألن الوقوع يف الزواج احملرم‬
‫ممكن‪ .‬وأما إذا كان االشتباه يف غري احملصورات‪ ،‬فإن له أن يتزوج ألنه يندر أن يقع يف‬
‫احملرم‪.‬‬
‫‪َ -3‬من أحد أبويها كتايب واآلخر جموسي أو وثين ‪ :‬ال حيل نكاحها وال ذبيحتها ولو كان‬
‫الكتايب األب‪ ،‬يف األظهر تغليبا جلانب التحرمي‪.‬‬
‫‪َ -4‬من أحد أبويه مأكول واآلخر غري مأكول‪ ،‬ال حيل أكله ولو قتله حمرم ففيه اجلزاء تغليبا‬
‫للتحرمي يف اجلانبني‪.‬‬
‫‪ -5‬لو كان بعض الضبّة للحاجة و بعضها للزينة‪ ،‬حرمت‪.‬‬
‫‪ -6‬لو كان بعض الشجرة يف احلل و بعضها يف احلرم‪ ،‬حرم قطعها‪.‬‬
‫‪ -7‬لو اشتبه ِّ‬
‫مذكى مبيتة أو لنب بقر بلنب أتان أو ماء وبول‪،‬مل جيز تناول شيء منها‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬االستثناءات‬
‫‪ -1‬اإلجتهاد يف األواين والثياب املتنجس بعضها‪ ،‬فإنه جيوز‪ ،‬وال جيب اجتناهبا‪.‬‬
‫‪ -2‬الثوب املنسوج من حرير وغريه‪ ،‬حيل إن كان احلرير أقل وزنا‪ .‬وكذا إن استويا يف‬
‫األصح‪ ،‬خبالف ما إذا زاد وزنا‪.‬‬
‫‪123‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -3‬مس كتب التفسري للمحدث‪ ،‬جيوز إن كان أكثر من القرآن‪ ،‬وكذا إن استويا يف‬
‫األصح‪.‬‬

‫اإليثار في ال ُق َرب مكروه و في غي ِرها محبوب‬


‫ُ‬ ‫القاعدة ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬معنى المفردات‬


‫اإليثار ‪ :‬تفضيل الغري على نفسه وتقدميه عليه‪.‬‬
‫واإليثار نوعان ‪:‬‬
‫‪ -1‬إيثار الغري على النفس يف احلظو الدنياوية وهو حمبوب مطلوب‪.‬‬
‫‪ -2‬إيثار يف احلظو األخروية وهذا النوع قد يكون حراما وقد يكون مكروها أو خالف‬
‫األوىل‪ .‬وهو موضوع هذه القاعدة‪.‬‬
‫والقرب ‪ :‬مجع قربة وهو كل ما يتقرب به إىل اهلل سبحانه وتعاىل من طاعة وعبادة‪ .‬أو ما‬
‫يثاب على فعله‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫إن اختيار الغري وتقدميه على النفس يف األمور املتقرب هبا إىل اهلل تعاىل مكروه أما غري القرب‬
‫فاإليثار هبا حمبوب‪ .‬قال الشيخ عز الدين ‪ :‬ال إيثار يف القربات فال إيثار مباء الطهارة وال‬
‫بسرت العورة وال بالصف األول ألن الغرض بالعبادات‪ ،‬التعظيم واإلجالل فمن آثر به فقد‬
‫ترك إجالل اإلله وتعظيمه‪.‬‬
‫‪124‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫وقد يكون اإليثار يف القرب حراما أو مكروها أو خالف األوىل‪.‬‬


‫‪ -1‬مثال اإليثار احملرم ‪ :‬إيثار غريه مباء الطهارة حيث ال يوجد غريه‪ .‬أو إيثار غريه بسرت‬
‫العورة يف الصالة‪ ،‬أو يؤثر غريه بالصف األول ويتأخر هو‪.‬‬
‫‪ -2‬مثال املكروه ‪ :‬أن يقوم أحد عن جملسه يف الصف لغريه‪.‬‬
‫‪ -3‬مثال اخلالف األوىل ‪ :‬كمن أثر غريه مبكانه يف نفس الصف‪.‬‬

‫واحلاصل أن اإليثار ‪:‬‬


‫‪ -1‬إن ّأدى إىل ترك واجب كماء الطهارة وساتر العورة ومكان اجلماعة الذي ال ميكن أن‬
‫يصلي فيه أكثر من واحد وال تنتهي النوبة آلخرهم إال بعد خروج الوقت فهو حرام‪.‬‬
‫‪ -2‬وإن أدى إىل ترك سنة أو ارتكاب مكروه فمكروه‪ .‬مثال ترك السنة‪ :‬اإليثار بسد فرجة‬
‫يف الصف األول واإليثار بالصف األول بالقيام منه لغريه ومثال ارتكاب املكروه‪ ،‬التطهر‬
‫باملاء املشمس ويؤثر غريه بغري املشمس‪.‬‬
‫‪107‬‬
‫‪ -3‬وإن أدى إىل ارتكاب خالف األوىل فخالف األوىل‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬أصل ‪ /‬دليل القاعدة‬


‫‪108‬‬
‫وأصل هذه القاعدة قوله تعاىل‪{ :‬ويؤثرون على أنفسهم ولو كان هبم خصاصة}‬

‫‪107‬‬
‫‪ -‬الجيز للبورنو ‪99:‬‬
‫‪108‬‬
‫‪ -‬الحشر‪.9:‬‬
‫‪125‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫رابعا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬ال إيثار بالطهارة وال بسرت العورة وال باصف األول ألن الغرض بالعبادات التعظيم‬
‫واإلجالل‪ ،‬فمن آثر به فقد ترك اجالل الإلله وتعظيمه‪.‬‬
‫‪ -2‬يكره إيثار الطالب غريه بنوبته يف القراءة‪ ،‬ألن قراءة العلم واملسارعة إليه قربة‪ ،‬واإليثار‬
‫بالقرب مكروه‪.‬‬
‫‪ -3‬لو دخل وقت الصالة ومعه ماء ليتوضأ به‪ ،‬فوهبه لغريه ليتوضأ به مل جيز‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬االستثناءات‬
‫َمن جاء ومل جيد يف الصف فرجة فإنه جيُُّر شخصا بعد اإلحرام‪ ،‬ويندب للمجرور أن‬
‫يساعده‪ ،‬وهذا يفوت على نفسه قربة وهي أجر الصف األول‪.‬‬

‫القاعدة ‪ :‬التابع تابع‬

‫أوال ‪ :‬معنى المفردات‬


‫التابع لغة ‪ :‬التلو واإلحلاق‪.‬‬
‫واصطالحا ‪ :‬ما ال يوجد مستقال بنفسه بل وجوده تابع لوجود غريه‪.‬‬
‫‪126‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ثانيا ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫إن الشيء التابع لغريه يف الوجود يتبعه يف احلكم‪ ،‬فيسري عليه ما يسري على متبوعه‪ ،‬وال‬
‫ينفرد يف احلكم‪ ،‬بل يدخل يف احلكم مع متبوعه‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬أصل ‪ /‬دليل القاعدة‬


‫‪ -1‬من السنة قوله صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬ذكاة اجلنني ذكاة أمه" فالذكاة الذبح أو النحر‬
‫بشروطه الشرعية‪ .‬وحلديث يدل على أن اجلنني يتبع أمه يف الذكاة‪ ،‬فإذا ذكيت أمه‬
‫حيل بذكاة األم سواء خرج حيا أو ميتا‪ ،‬وال حيتاج إىل تذكية‪.109‬‬
‫‪ -2‬من اإلمجاع‪ ،‬فقد أمجع العلماء على العمل هبذه القاعدة من حيث اجلملة‪ .‬ففي بيع‬
‫األصول والثمار اتفق الفقهاء على أنه يدخل يف بيع الدار األرض وكل بناء حىت‬
‫محامها‪.‬‬
‫‪ -3‬من املعقول‪ ،‬أن التابع متصل باملتبوع اتصال خلقة كما يف اجلنني‪ ،‬يتغذى بغذائها‬
‫فتكون ذكاته كذكاة عضو من أعضاء الذبيحة‪ .‬وألن إفراد التابع حبكم يشق على‬
‫املكلفني‪ ،‬فيلحق التابع باملتبوع يف احلكم عمال بقاعدة "املشقة جتلب التيسري"‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬احلمل يدخل يف بيع األم تبعا هلا‪ ،‬فال يفرد بالبيع‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫‪ -‬الشوكاني نيل األوطار ‪.164/8‬‬
‫‪127‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -2‬القفل يدخل يف البيع مفتاحه‪ ،‬وكذلك توابع املبيع املتصلة به اتصال قرار كاألبواب‬
‫والنوافذ واألحواض يف بيع الدور واألشجار يف بيع احلدائق والبساطني‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا بيعت شاة دخل الصوف يف البيع‪ ،‬ودخل اللنب يف الضرع‪.‬‬
‫‪ -4‬ذهب احلنفية يف قول وهو الصحيح عندهم واملالكية واحلنابلة إىل أن األخرس ال يلزمه‬
‫حتريك لسانه بتكبرية اإلحرام وإمنا يكفيه أنيدخل يف الصالة بقلبه‪ ،‬ألن حتريك اللسان‬
‫عبث‪،‬ومل يرد الشرع به‪ .‬يف حني ذهب الشافعية واحلنفية يف قول إىل وجوب حتريك‬
‫لسانه ملتابعة اإلمام يف صالة اجلماعة‪ .‬والراجح األول ألن األخرس يكفيه النية ألنه أتى‬
‫بأقصى ما يف وسعه‪.‬‬
‫‪ -5‬الربح يف عروض التجارة ونتاج السائمة يتبعان أصلهما يف احلول‪ ،‬فيضمان إىل حول‬
‫أصلهما‪ ،‬ألهنما تبع هلما من جنسهما فأشبه النماء املتصل‪.‬‬
‫‪ -6‬إذا ضرب شخص بطن امرأة فماتت‪ ،‬مث بعد موهتا ألقت جنينا ميتا‪ ،‬فعلى الضارب دية‬
‫األم وال غرة يف اجلنني‪ ،‬وذلك ألن غرته اعتربت داخلة يف دية األم لكونه تبعا له‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬االستثناءات‬
‫‪ -1‬لو أسقط املرهتن حقه يف حبس الرهن جاز مع بقاء حقه يف الدين‪.‬‬
‫‪ -2‬لو أبرأ الدائن الكفيل صح اإلبراء وال يسقط الدين عن األصيل‪.‬‬
‫‪ -3‬إن اجلنني يورث فتكون غرته بني ورثته‪.‬‬
‫‪128‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫م القواعد المتفرعه لقاعدة التابع تابع‬

‫يغتفر في التوابع ما ال يغتفر في المتبو‬ ‫التابع ال يفرد بالحكم‬

‫التابع تابع‬

‫التابع يسق بسقوط المتبو‬ ‫التابع ال يتقدم على المتبو‬

‫األولى ‪ :‬قاعدة "التابع ال يفرد بالحكم"‬

‫أوال ‪ :‬التطبيقات‬
‫‪ -1‬الدود املتولد يف الطعام جيوز أكله معه تبعا وال جيوز أكله منفردا‪.‬‬
‫‪ -2‬لو أحيا شيئا له حرمي ملك احلرمي يف األصح تبعا فلو باع احلرمي دون امللك مل يصح‪.‬‬
‫‪ -3‬ال جيوز بيع اجلنني يف بطن أمه منفردا وال هبته‪ .‬وال بيع حق الشرب أو املرورو دون‬
‫األرض‪.‬‬
‫‪129‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫الثانية ‪ :‬قاعدة "التابع يسق بسقوط المتبو "‬

‫ويقرب من هذه القاعدة "إذا سقط األصل سقط الفرع"‪.110‬‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫أن الذي يكون وجوده مرتبطا بوجود غريه يتبعه يف الوجود والعدم‪ ،‬فإذا سقط األصل سقط‬
‫الفرع كالشجرة إذا ذوى (ذبل) أصلها وجذورها وساقها ذوت فروعها ومثارها‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬من فاتته صالة يف أيام اجلنون ال يستحب قضاء رواتبها ألن الفرض سقط فكذا تابعه‬
‫‪ -2‬من فاته احلج فتحلل بالطواف و السعي و احللق ال يتحلل بالرمي واملبيت ألهنا من‬
‫توابع الوقوف وقد سقط فيسقط التابع‬
‫‪ -3‬لو مات الفارس سقط سهم الفرس ألنه تابع ‪ :‬فإذا فات األصل سقط ولو مات‬
‫الفرس استحق الفارس سهم الفرس ألنه متبوع‬
‫‪ -4‬لو امتنع غسل الوجه يف الوضوء لعلة به وما جاوره صحيح مل يستحب غسله للغرة‪.‬‬
‫كما صرح به اإلمام و نقله يف املطلب و أقره ألنه تابع لغسل الوجه فسقط لسقوطه‬
‫لكن جزموا بأنه لو قطع من فوق الذراع ندب غسل باقي عضده حمافظة على‬
‫التحجيل‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫‪ -‬البورنو‪.281 :‬‬
‫‪130‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -5‬إذا أبرأ الدائن املدين بريء كفيله‪.‬‬


‫‪ -6‬إذا مات املوكل أو ُج َّن انعزل الوكيل‪ ،‬ألن تصرف الوكيل فرع عن تصرف املوكل‪ ،‬فإذا‬
‫سقط تصرف املوكل سقط تصرف الوكيل‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬االستثناءات‬
‫‪ -1‬لو مات اجملتهد الذي له حق يف بيت املال يعطي أوالده من بيت املال وال يسقط‬
‫حقهم بسقوط أصلهم ترغيبا للناس يف اجلهاد يف سبيل اهلل‪ .‬وكذلك العامل الذي له‬
‫حق يف بيت املال ترغيبا يف طلب العلم‪.‬‬
‫‪ -2‬أن احملرم الذي ال شعر على رأسه جيب إمرار املوسى عليهم مع أن األصل قد سقط‬
‫وهو الشعر‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا بطل أمان رجال مل يبطل أمان نسائهم وأطفاهلم يف األصح‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬قاعدة "يغتفر في التوابع ما ال يغتفر في المتبو "‬

‫أوال ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬سجود التالوة يف الصالة جيوز على الراحلة قطعا تبعا وجرى فيه خارجها خالف‬
‫الستقالله‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -2‬اشرتط الفقهاء يف الوقف أن يكون عقارا فال‬


‫يصح وقف املنقول‪ .‬لكنهم أجازوا وقف‬
‫التدريبات ‪:‬‬
‫املنقول إذا كان تابعا للعقار كاألثاث املوجود‬
‫‪ -1‬اشرح القاعدة "التابع ال يفرد‬ ‫يف الدار املوقوفة يصح وقفه تبعا للدار‪.‬‬
‫باحلكم" مع املثال‪.‬‬ ‫‪ -3‬اطالق النار على املسلمني ابتداء ال جيوز‪ ،‬أما‬
‫‪ -2‬هات سبعا من القواعد املندرحة‬ ‫إذا ترتس هبم الكفار احملاربون فيجوز أطالق‬
‫حتت قاعدة "التابع تابع"‪.‬‬ ‫النار على الكفار واملسلمني‪.‬‬
‫‪ -3‬ما املراد ب "اإليثار "؟‬ ‫‪ -4‬املاء املستعمل يف الوضوء ال يستعمل يف اجلنابة‬
‫اتفاقا ويستتبع غسل اجلنابة الوضوء على‬
‫األصح ويندرج فيه الرتتيب واملسح‪.‬‬
‫‪ -5‬ال يثبت النسب بشهادة النساء‪ ،‬فلو شهدن بالوالدة على الفراش ثبت النسب قطعا‬
‫تبعا‪.‬‬
‫‪ -6‬ال يثبت شوال إال بشهادة اثنني قطعا ولو صاموا بشهادة واحد ثالثني يوما ومل يروا‬
‫اهلالل أفطروا يف األصح حلصوله ضمنا وتبعا‪.‬‬
‫‪ -7‬ال يصح بيع الثمر قبل بدو الصالح إال بشرط القطع‪ ،‬فإن باعه مع األرض جاز تبعا‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬االستثناءات‬
‫‪ -1‬قالوا ‪ :‬الفاسق جيوز تقليده القضاء إذا ظن صدقه‪ ،‬هذا عند عدم وجود غريه‪ ،‬لكن إذا‬
‫قُلِّ َد عدال ففسق يف أثناء قضائه انعزل‪ .‬فقد جاز تقليده ابتداءً ومل جيز انتهاءً‪.‬‬
‫‪132‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫الرابعة ‪ :‬قاعدة "التابع ال يتقدم على المتبو "‬

‫أوال ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬ال يصح تقدم املأموم على إمامه يف املوقف‪ ،‬وال يف تكبرية اإلحرام والسالم وال يف سائر‬
‫األفعال‪.‬‬
‫‪ -2‬لو كان بني املأموم وبني اإلمام شخص حيصل به االتصال ولو ال هو مل تصح قدوته‬
‫(ويسمى الرابطة أو املبالغ )‪ ،‬مل يصح للمأموم أن حيرم قبله ألنه تابع له كما أنه تابع‬
‫إلمامه‪.‬‬
‫‪ -3‬لو باع بشرط الرهن‪ ،‬فقدم لفظ الرهن على البيع‪ ،‬مل يصح‪ .‬ألن الرهن تبع للبيع‪.‬‬

‫القاعدة ‪ :‬تصرف اإلمام على الرعية منوط بالمصلحة‬

‫أوال ‪ :‬معنى المفردات‬


‫املراد باإلمام ‪ :‬من يأم الناس وهو قائدهم‪ .‬أن يكون إماما جلميع املسلمني يف بقاع األرض‬
‫كاخللفاء الراشدين‪ ،‬ومن جاء بعدهم كرؤساء الدول اإلسالمية وكل رئيس يتوىل عمال يف‬
‫الدولة‪.‬‬
‫‪133‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫والرعية لغة ‪ِ :‬م ْن رعت املاشية وهي تدل على املراقبة واحلفظ‪ .‬فيقال للحاكم واألمري راع‬
‫لقيامه بتدبري الناس وسياستهم‪ ،‬ويقال للناس رعية‪ ،‬ألنه حتت مراقبة احلاكم أو األمري‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫واصطالحا ‪ :‬كل من كانوا حتت والية العامة ألمري املؤمنني‪.‬‬
‫ومنوط ‪ :‬اسم املفعول معناه معلق ومرتبط ومعهود به‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫أن من كانت له والية على غريه‪ ،‬عامة كانت أو خاصة فتصرفه على ذلك الغري مرتبط‬
‫مبصلحة من يتصرف له‪ .‬فال تكزن تصرفاته على من هو يف رعايته نافذة إال إذا كان يف ذلك‬
‫‪112‬‬
‫التصرف مصلحة له‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬أصل ‪ /‬دليل القاعدة‬


‫أصل هذه القاعدة ‪:‬‬
‫ات إِ َىل أ َْهلِ َها َوإِ َذا َح َك ْمتُ ْم‬ ‫‪ -1‬من الكتاب‪ ،‬قوله تعاىل‪ (( :‬إِ َّن اللَّه يأْمرُكم أَ ْن تُؤُّدوا ْاألَمانَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُُ ْ‬
‫‪113‬‬
‫ص ًريا ))‬ ‫َّاس أَ ْن َْحت ُكموا بِالْع ْد ِل إِ َّن اللَّه نِعِ َّما يعِظُ ُكم بِِه إِ َّن اللَّه َكا َن َِمسيعا ب ِ‬
‫ني الن ِ‬
‫ً َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫بَ ْ َ‬
‫َشدَّهُ َوأ َْوفُوا بِالْ َع ْه ِد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ -2‬وقوله تعاىل‪َ { :‬وَال تَ ْقَربُوا َم َال الْيَتي ِم إَِّال بِالَِّيت ه َي أ ْ‬
‫َح َس ُن َح َّىت يَْب لُ َغ أ ُ‬
‫‪114‬‬
‫إِ َّن الْ َع ْه َد َكا َن َم ْسئُ ًوال }‬

‫‪ -111‬معجم لغة الفقهاء لقلعجي‪.224:‬‬


‫‪ -112‬القواعد الكلية حملمد عثمان شبري ‪.353:‬‬
‫‪ -113‬النساء ‪58:‬‬
‫‪-114‬اإلسراء‪34 :‬‬
‫‪134‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ومن السنة ‪:‬‬


‫‪ -1‬قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته‪ ،‬اإلمام راع ومسؤول‬
‫عن رعيته‪ ،‬والرجل راع يف أهله وهو مسؤول عن رعيته‪ ،‬واملرأة راعية يف بيت زوجها‬
‫ومسؤولة عن رعيتها‪ ،‬واخلادم راع يف مال سيده ومسؤول عن رعيته "‪. 115‬‬
‫‪ -2‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪" :‬ما من عبد يسرتعيه رعية‪ ،‬فلم حيطها بنصحه مل جيد‬
‫‪116‬‬
‫رائحة اجلنة"‬

‫رابعا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬إذا قسم الزكاة على األصناف حيرم عليه التفضيل مع تساوي احلاجات‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا أراد إسقاط بعض اجلند من الديوان بسبب جاز وبغري سبب ال جيوز حكاه يف‬
‫الروضة‪.‬‬
‫‪ -3‬ال جيوز ألحد من والة األمور واحلكام أن ينصب إماما للصلوات فاسقا وإن صححنا‬
‫الصالة خلفه ألهنا مكروهة وو ي األمر مأمور مبراعاة املصلحة وال مصلحة يف محل‬
‫الناس على فعل املكروه‪.‬‬
‫‪ -4‬إذا ختري يف األسرى بني القتل والرق واملن والفداءمل يكن له ذلك بالتشهي بل باملصلحة‬
‫حىت إذا مل يظهر وجه املصلحة حيبسهم إىل أن يظهر‪.‬‬
‫‪ -5‬ال جييز وصية من ال وارث له بأكثر من الثلث‪.‬‬

‫‪ -115‬البخاري‪ ،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب ‪.215/1 ،11‬‬


‫‪ -116‬البخاري‪ ،‬كتاباألحكام‪ ،‬باب ‪.107 /8 ،8‬‬
‫‪135‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -6‬ليس لإلمام أو نائبه العفو عن القصاص جمانا ألنه خالف املصلحة‪ ،‬بل إن رأى‬
‫اقتص أو يف الدية أخذها‪.‬‬
‫املصلحة يف القصاص ّ‬
‫‪ -7‬ليس لإلمام أن يزوج امرأة بغري كفء و إن رضيت ألن حق الكفاءة للمسلمني وهو‬
‫كالنائب عنهم فال يقدر على إسقاطه‪.‬‬
‫‪ -8‬ال جيوز له أن يقدم يف مال بيت املال غري األحوج على األحوج‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬االستثناءات‬
‫‪ -1‬لو سلم مال الصغري قبل قبض مثنه‪،‬ال يسرتده للثمن‪ ،‬خبالف تسليم الصغرية يف باب‬
‫النكاح‪.‬‬
‫‪ -2‬إن األب أو اجلد إذا مل يكن سكرانا ومل يكن معلوما بسوء االختيار ينفذ تزوجيه للصغري‬
‫والصغرية من غري كفء‪ ،‬ولو بغنب فاحش‪.‬‬

‫القاعدة ‪ :‬الحدود تسق بالشبهات‬

‫أوال ‪ :‬معنى المفردات‬


‫احلدود لغة ‪ :‬مجع حد وهو املنع ومسيت العقوبات حدودا لكوهنا مانعة من ارتكاب‬
‫‪117‬‬
‫أسباهبا‪.‬‬

‫‪-117‬القاموس احمليط ج‪.1:284‬‬


‫‪136‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪118‬‬
‫واصطالحا ‪ :‬عقوبة مقدرة شرعا وجبت حقا هلل تعاىل لتمنع من الوقوع يف مثلها‪.‬‬

‫والشبهة لغة ‪ :‬االلتباس وعدم التمييز‪ .‬ومن قوله تعاىل‪َ { :‬وأُتُوا بِِه ُمتَ َش ِاهبًا }‪ 119‬أي يشبه‬
‫بعضه بعضا لونا ال طعما وحقيقة‪ .‬واصطالحا‪ :‬ما التبس أمره فال يدري أحالل أم حرام‪،‬‬
‫وحق هو أم باطل‪120.‬ومسيت شبهة ألهنا تشبه احلق‪ .‬ومجع شبهة شبهات‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫الشبهة هي ما يشبه الثابت وليس بثابت‪ .‬فإذا طرأت شبهة على احلد فإنه يسقط‪ ،‬وال يقام‪.‬‬
‫وميكن معاقبة الفاعل بالتعزير‪.‬‬

‫والشبهة اليت تسقط احلد هبا قد تكون يف ‪:‬‬


‫‪ -1‬الفاعل ‪ :‬كمن وطئ امرأة ظنها حليلته‪.‬‬
‫‪ -2‬احملل ‪ :‬بأن يكون للواطئ فيها ملك‪ ،‬كاألمة املشرتكة واملكاتبة وأمة ولده ومملوكته‬
‫امل ْحَرم‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ -3‬الطريق وهي اجلهة اليت أباح هبا جمتهد ‪ :‬بأن يكون حالال عند قوم وحراما عند آخرين‬
‫كنكاح املتعة والنكاح بال و ي أو بال شهود و كل نكاح خمتلف فيه‪.‬‬

‫‪-118‬األحكام السلطانية للماوردي‪.321:‬‬


‫‪-119‬املفردات‪.254 :‬‬
‫‪-120‬القاموس الفقهي‪ ،‬لسعدي بو حبيب‪.‬‬
‫‪137‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ثالثا ‪ :‬أصل ‪ /‬دليل القاعدة‬


‫‪ -1‬قال صلى اهلل عليه وسلم ‪" :‬ادرؤوا احلدود بالشبهات"‪ .‬أخرجه ابن عدي يف جزء له‬
‫من حديث ابن عباس‪ .‬وأخرج ابن ماجه من حديث أيب هريرة ‪" :‬ادفعوا احلدود ما‬
‫استطعتم"‪.‬‬
‫‪ -2‬حديث عائشة ‪" :‬ادرؤوا احلدود عن املسلمني ما استطعتم فإن وجدمت للمسلم خمرجا‬
‫فخلوا سبيله فإن اإلمام ألن خيطئ يف العفو خري من أن خيطئ يف العقوبة"‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬يسقط احلد بقذف من شهد أربعة بزناها وأربع أهنا عذراء الحتمال صدق بينة الزنا‬
‫واحتمال أهنا عذراء مل تزل بكارهتا بالزنا ‪ :‬وسقط عنها احلد لشبهة الشهادة بالبكارة‪.‬‬
‫‪ -2‬وال قطع بسرقة مال أصله وفرعه وسيده وأصل سيده وفرعه‪ ،‬لشبهة استحقاق النفقة‪.‬‬
‫‪ -3‬وال قطع بسرقة ما ظنه ملكه أو ملك أبيه أو ابنه‪ ،‬ولو ادعى كون املسروق ملكه سقط‬
‫القطع نص عليه الشافعي‪ ،‬للشبهة‪.‬‬
‫‪ -4‬لو زىن مبن ال يعرف أهنا زوجته ‪ :‬فيدعي أهنا زوجته فال حيد‪.‬‬
‫‪ -5‬وال يقتل فاقد الطهورين برتك الصالة متعمدا ألنه خمتلف فيه و كذا من مس أو ملس‬
‫وصلى متعمدا أو توضأ ومل ينو‪ ،‬وهو شافعي‪ ،‬لشبهة خالف العلماء يف ذلك‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬التنبيه‬
‫الشبهة ال تسقط التعزير ولكنها تسقط الكفارة‪ ،‬مثاله‪:‬‬
‫‪138‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -1‬لو جامع ناسيا يف الصوم أو احلج فال كفارة للشبهة‪.‬‬


‫‪ -2‬وكذا لو وطئ على ظن أن الشمس غربت أو أن الليل باق وبان خالفه فإنه يفطر وال‬
‫كفارة‪.‬‬

‫سادسا ‪ :‬االستثناءات‬
‫‪ -1‬ال تسقط الفدية بالشبهة ألهنا تضمنت غرامة خبالف الكفارة‪ ،‬فإهنا تضمنت عقوبة‪،‬‬
‫فالتحقت يف اإلسقاط باحلد‪.‬‬
‫‪ -2‬الشبهة تسقط احلد إذا كانت قوية‪ ،‬وإال فال أثر هلا‪ .‬قال السبكي ‪ :‬ونعين بالقوة ما‬
‫يوجب وقوف الذهن عندها‪ ،‬وتعلق ذي الفطنة بسبيلها ال انتهاض احلجة‪ .‬فإن احلجة‬
‫لو انتهضت هبا ملا كنا خمالفني هلا‪ .‬املثال ‪:‬من شرب النبيذ حيد‪ ،‬وال يراعي خالف أيب‬
‫حنيفة‪.‬‬

‫القاعدة ‪ :‬الخراج بالضمان‬

‫أوال ‪ :‬معنى المفردات‬


‫اخلراج لغة ‪ :‬ما خرج من الشيء‪ ،‬فخراج الشجرة الثمرة‪ ،‬وخراج حيوان دره ونسله‪ ،‬وخراج‬
‫‪121‬‬
‫العبد غلته‪ ،‬واخلراج اسم ملا خيرج من غلة األرض‪.‬‬

‫‪-121‬الوجيز للبورنو‪.311:‬‬
‫‪139‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫واصطالحا ‪ :‬ما حيصل من غلة العني املباعة عبدا مان أو أمة أو ملكا‪ .‬وبعبارة أعم‪ :‬كل‬
‫‪122‬‬
‫منفعة منفصلة حصلت من عني مملوكة‪.‬‬
‫‪123‬‬
‫والضمان لغة ‪ :‬هو الكفالة وااللتزام‪ .‬واصطالحا ‪ :‬التزام بتعويض ما ي عن ضرر للغري‪.‬‬
‫واملراد به يف القاعدة‪ ،‬الغرم وهو ما يتحمله الغارم عند تلف الشيء برد مثله إذا كان مثليا أو‬
‫‪124‬‬
‫قيمته إذا كان قيميا‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫إن منفعة الشيء أو غلته يستحقها من يكون هالك ذلك الشيء على ضمانه وحسابه‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى ‪ :‬أن من يضمن شيئا لو تلف فإنه ينتفع به يف مقابلة الضمان‪ .‬فاملشرتي‬
‫الذي له احلق يف رد املبيع إىل البائع وأخذ الثمن بعيب مل يبينه البائع‪ ،‬يستحق غلة املبيع قبل‬
‫الرد‪ ،‬وال جيب عليه ردها إىل البائع ألهنا جتعل يف مقابلة الضمان عليه فيما لو هلك املبيع‬
‫‪125‬‬
‫وهو يف يده‪.‬‬

‫أو ما خرج من الشيء من غلة ومنفعة وعني فهو للمشرتي عوض ما كان عليه من ضمان‬
‫امللك‪ ،‬فإنه لو تلف املبيع مان من ضمانه‪ .‬فالغلة له ليكون الغنم (املصلحة) يف مقابلة‬
‫‪126‬‬
‫الضمان‪.‬‬

‫‪-122‬القواعد الكلية لشبري‪.312:‬‬


‫‪-123‬القواعد الفقهية للزحيلي‪.420:‬‬
‫‪-124‬الشبري‪.312:‬‬
‫‪-125‬الشبري‪.312:‬‬
‫‪-126‬املنثور للزركشي ‪.119/2‬‬
‫‪140‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ثالثا ‪ :‬أصل ‪ /‬دليل القاعدة‬


‫ما روته عائشة رضي اهلل عنها ‪ :‬أن رجال ابتاع غالما فأقام عنده ما شاء اهلل أن يقم‪ ،‬مث‬
‫وجد به عيبا‪ ،‬فخاصمه إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم فرده عليه فقال الرجل ‪ :‬يا رسول اهلل‬
‫‪127‬‬
‫قد استغل غالمي‪ .‬فقال الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬اخلراج بالضمان "‪.‬‬

‫قال أبو عبيدك ‪ :‬اخلراج يف هذا احلديث غلة العبد يشرتيه الرجل فيشتغله زمانا‪ ،‬مث يعسر منه‬
‫على عيب دلسه ( أخفاه ) البائع فريده ويأخذ مجيع الثمن‪ ،‬ويفوز بغلته كلها‪ ،‬ألنه كان يف‬
‫‪128‬‬
‫ضمانه‪ ،‬ولو هلك‪ ،‬هلك من ماله‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬لو رد املشرتي املبيع بعد قبضه خبيار العيب‪ ،‬وكان قد استعمله مدة‪ ،‬ال يلزمه أجرته‪،‬‬
‫ألنه لو كان قد تلف يف يده قبل الرد لكان يتلف من ماله‪.‬‬
‫‪ -2‬لو رد املشرتي على البائع سيارة أجرة خبيار العيب بعد أن استعملها مدة أسبوع ال تلزم‬
‫املشرتي اجرة تلك املدة‪ ،‬ألنه لو تلف حال وجوده عنده كان عليه ضمان مثله أو‬
‫قيمته‪.‬‬
‫‪ -3‬لو اشرتى شخص شاة‪ ،‬وولدت عنده‪ ،‬مث ردها للبائع بعيب‪ ،‬فالولد للمشرتي‪.‬‬
‫‪ -4‬لو وجد شخص ركازا‪ ،‬واستعمله أو آجره‪ ،‬مث ظهر صاحبه‪ ،‬فال ضمان على الواجد‪.‬‬

‫‪ -127‬سنن أيب داود‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب (‪.)72‬‬


‫‪ -128‬املنثور للزركشي ‪.119/2‬‬
‫‪141‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫خامسا ‪ :‬االستثناءات‬
‫‪ -1‬لو أعتقت املرأة عبدا فإنه والءه ( مرياثه ) يكون البنها‪ .‬ولو جىن العبد جناية خطأ‪،‬‬
‫فالعقل ( الدية ) على عصبة املرأة ال على ابنها‪ ،‬فعصبة املرأة هنا عليهم العقل وال مرياث‬
‫هلم بوجود االبن‪ .‬وقد جييء مثله يف بعض العصبات يعقل وال يرث‪.‬‬

‫عمال الكالم أولى م هماله‬


‫ُ‬ ‫القاعدة ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬معنى المفردات‬


‫‪129‬‬
‫اإلعمال لغة ‪ :‬من عملته‪ ،‬أعمله عمال صنعته‪ .‬وأعملت الكالم استعملته فيما أعد له‪.‬‬
‫وإعمال الكالم يف القاعدة هو إعطاؤه حكما مفيدا حسب مقتضاه اللغوي‪ 130.‬والكالم‬
‫لغة ‪ :‬عبارة عن أصوات متتابعة ملعىن مفهوم‪ .‬واصطالحا ‪ :‬ما تضمن كلمتني باإلسناد‪.‬‬

‫اإلمهال لغة ‪ :‬الرتك‪ ،‬ومنه الكالم املهمل‪ ،‬وهو خالف املستعمل‪ .‬وإمهال الكالم يف االقاعدة‬
‫هو عدم ترتب مثرة عملية عليه بإلغاء مقتضاه ومضمونه‪.‬‬

‫‪-129‬املصباح املنري للفيومي‪.588:‬‬


‫‪-130‬البورنو‪.258:‬‬
‫‪142‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ثانيا ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫إن إعمال الكالم مبا ميكن إعماله حبمله على معىن أوىل من إمهاله‪ ،‬ألن املهمل لغو‪ ،‬والعاقل‬
‫ال يتكلم باللغو والعبث‪ ،‬فكان جديرا أن حيمل كالمه على معىن قدر اإلمكان‪ ،‬فيجب محله‬
‫ما أمكن على أقرب وأوىل وجه جيعله معموال به من حقيقة ممكنة وإال فمجاز‪ ،‬طاملا ميكن‬
‫استعماله يف معىن يناسبه‪ ،‬ألن الكالم الصادر من العاقل حيمل على احلقيقة ما أمكن‪ .‬فإذا‬
‫تعذرت يصار إىل اجملاز لتصحيح كالمه إال إذا تعذر فيلغو‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬أصل ‪ /‬دليل القاعدة‬


‫وأصل هذه القاعدة عمومات القرآن منها‪:‬‬
‫َّ ِ‬
‫ين ُه ْم َع ِن اللَّ ْغ ِو ُم ْع ِر ُ‬
‫‪131‬‬
‫ضو َن }‪.‬‬ ‫‪ -1‬قوله تعاىل ‪َ { :‬والذ َ‬
‫ِ‬
‫‪ -2‬وقوله أيضا ‪َ { :‬وإِ َذا َمسعُوا اللَّ ْغ َو أ َْعَر ُ‬
‫‪132‬‬
‫ضوا َعْنهُ }‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬لو وقف أحد على أوالده‪ ،‬أو أوصى ألوالده فيتناول أوالده الصلبية فقط إن وجدوا‪،‬‬
‫ألنه احلقيقة‪ .‬فإن مل يكن له أوالد من الصلب تناول أوالد أوالده‪ ،‬محال عليهم بطريق‬
‫اجملاز‪ ،‬صونا للفظ عن سقوطه‪ ،‬ألن إعمال الكالم أوىل من إمهاله‪.‬‬
‫‪ -2‬وقال ‪ :‬زوجايت طوالق وليس له إال الرجعيات طلقن قطعا‪.‬‬

‫‪-131‬املؤمنون ‪.3 :‬‬


‫‪-132‬القصص ‪.55 :‬‬
‫‪143‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -3‬لو قال لزوجته ومحار ‪ :‬أحدكما طالق‪ ،‬فإهنا تطلق‪ ،‬خبالف ما لو قال ذلك هلا‬
‫وألجنبية‪ .‬وقصد األجنبية يقبل يف األصح‪ ،‬لكون األجنبية قابلة يف اجلملة‪.‬‬
‫‪ -4‬لو أوصى بطبل‪ ،‬وله طبل هلو وطبل حرب‪ ،‬فتصح الوصية على طبل احلرب جلواز‬
‫استعماله وإعمال الكالم فيه‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬االستثناءات‬
‫‪ -1‬لو قال لزوجته الثابت نسبها من غريه ‪ :‬هذه بنيت‪ ،‬فهذا لغو ألنه تعذر محله على‬
‫احلقيقة‪.‬‬
‫‪ -2‬لو أوصي بعود من عيدانه‪ ،‬وله عيدان ل هو وعيدان قسي‪ ،‬فاألصح بطالن الوصية تنزيال‬
‫على عيدان اللهو‪ ،‬ألن اسم العود عند اإلطالق ينصرف هلو استعماله يف غريه مرجوح‪،‬‬
‫وليس كالطبل لوقوعه على اجلميع وقوعا واحدا‪.‬‬
‫‪َّ -3‬زوجتك فاطمة ومل يقل بنيت‪ ،‬مل يصح على األصح‪ ،‬لكثرة الفواطم‪.‬‬

‫بالمعاصي‬
‫ط َ‬ ‫ص ال تُنا ُ‬
‫الر َخ ُ‬
‫القاعدة ‪ُ :‬‬

‫أوال ‪ :‬معنى المفردات‬


‫‪133‬‬
‫الرخصة لغة ‪ :‬اليسر والسهولة‪ .‬وهي يف األمر خالف التشديد فيه‪ .‬ومجعها الرخص‪.‬‬
‫‪133‬‬
‫خمتار الصحاح‪ ،‬حممد بن أيب بكر بن عبدالقادر الرازي‪،‬‬
‫‪144‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫واصطالحا ‪ :‬ما شرع لعذر شاق‪ ،‬استثناء من أصل كلي يقتضي املنع‪ ،‬مع االقتصار على‬
‫مواضع احلاجة فيه‪134.‬املعصية ‪ :‬مصدر من عصى يعصي عصياناً إذا خالف األمر‪.‬‬
‫واصطالحا ‪ :‬خالف الطاعة‪ ،‬وعصى العبد ربه ‪ :‬إذا خالف أمره‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫إن فعل الرخصة مىت توقف على وجود شيء نظر يف ذلك الشيء‪ .‬فإن كان تعاطيه يف نفسه‬
‫حراما امتنع فعل الرخصة‪ ،‬وإال فال‪ .‬وهبذا يظهر الفرق بني املعصية بالسفر‪ ،‬واملعصية يف‬
‫السفر‪ .‬فالناشزة واملسافر للمكس وحنوه‪ ،‬عاص بالسفر ألن سفرهم نفسه معصية‪ ،‬والرخصة‬
‫منوطة به – أي معلقة به‪ .-‬ومرتتبة عليه ترتب املسبب على السبب‪ .‬فال تباح فيه الرخص‪.‬‬
‫ومن سفر مباحا فشرب اخلمر يف سفره فهو عاص فيه أي مرتكب املعصية يف السفر املباح‪.‬‬
‫فنفس السفر ليس مبعصية‪ ،‬وال هو آمث به‪ ،‬فتباح فيه الرخص‪ ،‬ألهنا منوطة بالسفر‪.‬‬

‫وكذلك إذا غصب املسافر يف سفر مباح ثوبا وصلى فيه‪ ،‬فإنه ال مينع عليه عدم الرتخيص‪،‬‬
‫ملا كان قصر الصالة ال يتوقف على هذا الثوب واملعصية ال ختتص بالصالة‪135.‬واعلم أن‬
‫العاصي بسفره ال يستبيح شيئا من رخص السفر كالقصر‪ ،‬واجلمع‪ ،‬والفطر‪ ،‬وترك اجلمعة‬
‫‪136‬‬
‫وغريها‪.‬‬

‫‪ 134‬املوافقات‪ ،‬ابراهيم بن موسى الشاطيب‪ ،‬دار املعرفة‪1994 ،‬م‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪.266‬‬
‫‪ 135‬عمر عبد اهلل كامل‪324 :‬‬
‫‪ 136‬الزحيلي‪ ،593 :‬إيضاح القواعد الفقهية‪ ،‬اللحجي‪ ،71-71 :‬األشباه والنظائر‪ ،‬السيوطي‪153 :‬‬
‫‪145‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ثالثا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬لو استنجى مبطعوم أو حمرتم‪ ،‬كالذي كتب عليه اسم معظم أو علم شرعي‪ ،‬ال جيزئه‬
‫االستنجاء يف األصح‪ ،‬ألن االقتصار على احلجر واجلمادات رخصة فال يناط باملعصية‪.‬‬
‫‪ -2‬لو ُج ّن املرتد وجب قضاء صلوات أيام اجلنون خبالف ما إذا حاضت املرتدة ال تقضي‬
‫صلوات أيام احليض‪ ،‬ألن سقوط القضاء عن احلائض عزمية‪ ،‬وعن اجملنون رخصة‪،‬‬
‫واملرتد ليس من أهل الرخصة‪.‬‬
‫‪ -3‬لو لبس امل ْح ِرم اخلف‪ ،‬فليس له املسح‪ ،‬ألن املعصية هنا يف نفس اللبس‪ ،‬كما ذكرها‬
‫ُ‬
‫األسنوي‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬االستثناءات‬
‫‪ -1‬لو شربت دواء بنية إسقاط اجلنني‪ ،‬فأسقطت وصارت النفساء‪ ،‬ال تقضي الصالة أيام‬
‫نفاسها‪ ،‬وإن كانت عاصية يف األصح‪.‬‬
‫‪ -2‬جواز االستنجاء بقطعة الذهب والفضة يف األصح‪.‬‬
‫‪ -3‬صحة التيمم برتاب مغصوب‪ ،‬كما جزم النووي يف شرح املهذب مع أن التيمم رخصة‬
‫على رأي‪.‬‬
‫‪ -4‬صحة املسح على اخلف املغصوب واملسروق على األصح‪.‬‬
‫‪146‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫الخ ِ‬
‫الف ُم ْستَ َح‬ ‫الخروج م ِ‬
‫القاعدة ‪ُ ُ :‬‬

‫أوال ‪ :‬معنى المفردات‬


‫اخلالف هو االختالف الواقع بني املذاهب الفقهية‪137.‬واملستحب هو املندوب‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫يستحب ويندب مراعاة اخلالف برتك قول املذهب‪ ،‬واألخذ باملذهب اآلخر‪ ،‬ألنه فيه عونا‬
‫على اجلماعة‪ ،‬وعدم التفرق‪ ،‬والتأليف بني القلوب‪ ،‬وجلب احملبة و مآهلا االحتياط يف الدين‪.‬‬
‫‪138‬‬
‫وملراعاة اخلالف شروط ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن ال يوقع مراعاته يف خالف آخر‪.‬‬
‫‪ -2‬أن ال خيالف سنة ثابتة صحيحة أو حسنةخرق اإلمجاع‪.‬‬
‫‪ -3‬أن ال تؤدي إىل خرق اإلمجاع‪.‬‬
‫مدرُكه أي دليله الذي استند إليه اجملتهد‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يقوى َ‬

‫ثالثا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬يندب اإلتيان باملضمضة واالستنشاق يف غسل اجلنابة ويف الوضوء‪ ،‬باعتبار وجوهبما‬
‫عند احلنفية يف الغسل‪ 139.‬ووجوهبما عند احلنابلة يف كلتا الطهارتني‪.‬‬

‫‪ 137‬الندوي‪.373: :‬‬
‫‪ 138‬الندوي‪376-374:‬؛ الزحيلي‪590 :‬‬
‫‪147‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -2‬يستحب الغسل من ولوغ الكلب سبع مرات مراعاة ملذهب الشافعية واحلنابلة‪.‬‬
‫‪ -3‬يستحب الدلك يف الطهارة‪ ،‬واستيعاب الرأس باملسح‪ ،‬وغسل املين باملاء والرتتيب يف‬
‫قضاء الصلوات‪ ،‬وترك صالة األداء خلف القضاء‪ ،‬وقطع املتيمم الصالة إذا رأى املاء‪،‬‬
‫خروجا من خالف من أوجب اجلميع‪.‬‬
‫‪ -4‬كراهة صالة املنفرد خلف الصف خروجا من خالف من حرمه‪.‬‬
‫‪ -5‬كراهة احليل يف باب الربا‪ ،‬ونكاح احمللّل خروجا من خالف من حرمه‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬االستثناءات‬
‫‪ -1‬الفصل يف الوتر أفضل من وصله‪ ،‬حلديث "ال تشبهوا الوتر باملغرب"‪ 140‬ومل يراع خالف‬
‫أيب حنيفة القائل مبنع الفصل‪ ،‬ألن من العلماء من ال جييز الوصل‪ .‬وهذا االستثناء يتفق‬
‫مع الشرط األول وهو أن ال يوقع مراعاته يف خالف آخر‪.‬‬
‫‪ -2‬يسن رفع اليدين يف الصالة‪ ،‬ومل يراع خالف من قال بإبطاهلا من احلنفية‪ ،‬ألنه ثابت‬
‫عن النيب (ص) من رواية حنو مخسني صحابيا‪ .‬وهذا يتفق مع الشرط الثاين وهو أن ال‬
‫خيالف سنة ثابتة صحيحة أو حسنة‪.‬‬

‫‪ 139‬قال اإلمام القدوري‪ :‬وفرض الغسل‪ :‬املضمضة واالستنشاق – انظر اللباب شرح الكتاب‪ ،‬عبد الغين الغنيمي‪ ،‬املكتبة العلمي‪ ،‬ج‪1‬‬
‫ص‪21-20‬‬
‫‪ 140‬عن أيب هريرة عن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – قال‪ ":‬ال توتروا بثالث ‪ ،‬أوتروا خبمس أو سبع ‪ ،‬وال تشبهوا بصالة املغرب"‪،‬‬
‫اللفظ ملوهب بن يزيد‪ .‬كلهم ثقات‪ .‬رواه الدارقطين وابن حبان واحلاكم والبيهقي بسند صحيح‪ .‬انظر سنن الدارقطين‪ ،‬علي بن عمر‬
‫الدارقطين‪ ،‬دار املؤيد‪1422 ،‬ه ‪2001 /‬م‪.‬‬
‫‪148‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -3‬نقل عن ابن ُسريج أنه كان يغسا أذُنيه مع الوجه وميسحهما مع الرأس‪ ،‬ويُفردمها بالغسل‬
‫مراعا ًة ملن قال إهنما من الوجه‪ ،‬أو الرأس‪ ،‬أو عضوان مستقالن‪ ،‬فوقع يف خالف أو‬
‫خرق اإلمجاع إذا مل يقل أحد باجلمع‪.‬‬
‫‪ -4‬الصوم يف السفر أفضل ملن مل يتضرر به‪ ،‬ومل يراع قول داود الظاهري أنه ال يصح من‬
‫مدرُكه أي دليله الذي استند إليه‬
‫املسافر‪ ،‬وهذا يتفق مع الشرط الرابع وهو أن يقوى َ‬
‫اجملتهد‪.‬‬

‫س ُ لِساكِ ٍ قَن ْول‬


‫القاعدة ‪ :‬الَ يُن ْن َ‬

‫هناك ألفا أخرى هلذه القاعدة ‪":‬ال ينسب إىل ساكت قول‪ ،‬ولكن السكوت يف معرض‬
‫احلاجة إىل البيان بيان"‪ .‬و"السكوت يف معرض احلاجة إقرار وبيان"‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫تتكون هذه القاعدة من شطرين‪ ،‬كل منهما قاعدة يف نفسها األول ‪ :‬ال ينسب إىل ساكت‬
‫قول‪ ،‬والثانية ‪ :‬السكوت يف معرض احلاجة بيان‪.‬‬

‫فتفيد القاعدة ‪ :‬أن الشارع احلكيم إمنا علق األحكام إما على األفعال أو على األقوال‪ ،‬وأما‬
‫الساكت فليس له حكم‪ ،‬فقررت القاعدة أنه ال يصح نسبة قول إىل ساكت مل يتكلم به‪،‬‬
‫إال أن القاعدة ذاهتا استثنت من ذلك حالة ميكن أن ينسب إىل الساكت فيها قول‪ ،‬وهي‬
‫‪149‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫حالة احتياج احلال إىل قبوله ورفضه‪ ،‬فطاملا أنه سكت يف حمل كان جيب فيه أن يتكلم كان‬
‫هذا السكوت داللة على املوافقة‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التنبيه‬
‫األول ‪ :‬املراد بالساكت القادر على الكالم‪ .‬والثاين ‪ :‬إمنا مل يعترب السكوت دليالً على الرضا‬
‫ألنه حمتمل وليس بيقني‪ ،‬إذ حيتمل أن يكون سكوته ‪ :‬لشرود ذهن‪ ،‬أو لعدم االكرتاث‪ ،‬أو‬
‫االستهزاء‪ ،‬أو التعجب‪ ،‬أو اإلنكار‪ ،‬أو غري ذلك من املعاين‪.‬‬

‫ووجه اندراجها حتت قاعدة "اليقني اليزول بالشك"‪ :‬أن املتيقن من الساكت أنه مل يتكلم‬
‫فلم ينسب له قول‪ ،‬ولكن حيتمل أنه أراد بالسكوت املوافقة‪ ،‬فيقال ‪ :‬اليقني اليزول بالشك‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬أصل ‪ /‬دليل القاعدة‬


‫ت بِِه‬
‫‪ -1‬يدل على الشطر األول من القاعدة قوله (ص)‪" :‬إِ َّن اللَّهَ َجتَ َاوَز َع ْن أ َُّم ِيت َما َح َّدثَ ْ‬
‫أَنْ ُف َس َها َما َملْ تَ ْع َم ْل أ َْو تَتَ َكلَّ ْم"‪ .‬وهذا نص على عدم نسبة قول إىل ساكت‪.‬‬

‫ات‬‫اب أَ ْن إِ َذا َِمسعتُم آَي ِ‬ ‫‪ -2‬يدل على الشطر الثاين‪ ،‬قوله تعاىل‪ { :‬وقَ ْد نََّزَل َعلَْي ُكم ِيف الْ ِكتَ ِ‬
‫ْْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اللَّ ِه ي ْك َفر ِهبا ويستَ هزأُ ِهبا فَ َال تَ ْقع ُدوا معهم ح َّىت َخيُوضوا ِيف ح ِد ٍ‬
‫يث َغ ِْريهِ إِنَّ ُك ْم إِ ًذا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ََُ ْ َ‬ ‫ُ ُ َ َُ ْ َْ َ‬
‫مج ًيعا } فدلت اآلية أن من سكت‬ ‫ِمثْ لُهم إِ َّن اللَّه ج ِامع الْمنَافِ ِقني والْ َكافِ ِرين ِيف جهنَّم َِ‬
‫َ ََ َ‬ ‫َ َ ُ ُ ََ‬ ‫ُْ‬
‫يف هذه احلال اليت يستهزأ فيها بآيات اهلل‪ ،‬فحكمه حكم املستهزيء‪.‬‬
‫‪150‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ص َماتُ َها"‪ ،‬فدل احلديث على أن سكوت البكر عند إرادة‬‫‪ -3‬قوله (ص) عن البكر‪" :‬إِ ْذنُ َها ُ‬
‫تزوجيها حيتاج إىل بيان رغبتها أو عدم رغبتها‪ ،‬فلما سكتت دل هذا على إذهنا‪ ،‬ملا يف‬
‫املرأة البكر خاصة من احلياء الذي مينعها عن التصريح باملوافقة‪ ،‬قال ابن بطال ‪" :‬إنه‬
‫جعل جواب البكر بالرضا ىف صماهتا الستحيائها‪ ،‬وجعل جواهبا بالكراهة لذلك يف‬
‫الكالم‪ ،‬ألنه ال حياء عليها يف كراهيتها كما يكون احلياء يف رضاها‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫وصاحب املتاع ينظر إليه وهو ساكت‪ ،‬فال يسقط‬ ‫ُ‬ ‫متاع آخر‪،‬‬
‫‪ -1‬إذا أتلف شخص َ‬
‫الضمان عن اجلاين‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا قال راكب يف سفينة آلخر «ألق متاعك وكل منا ضامن لك متاعك أو قيمته»‪،‬‬
‫والركاب مسعوا وسكتوا‪ ،‬فالضمان جبميع املتاع على القائل وحده‪.‬‬
‫شخص سلعة وصاحبها حاضر ساكت‪ ،‬فبيعه باطل‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -3‬إذا باع‬
‫‪ -4‬إذا علم الشفيع بالبيع فلم يطالب سقط حقه بالشفعة‪ ،‬ألن احلاجة داعية إىل طلبها إذا‬
‫رغبها‪ ،‬فرتكه للطلب دليل على عدم رغبته بالشراء‪.‬‬
‫‪ -5‬سكوت البكر عند سؤاهلا النكاح يعترب إذنا يف اإلنكاح‪.‬‬
‫‪ -6‬إذا بُشِّر بولد فسكت كان اقراراً منه بأبوته له‪ ،‬فلم يصح نفيه بلعان‪.‬‬
‫‪ -7‬إذا استأذن رجل اخلاطب السابق يف التقدم للخطبة فسكت‪ ،‬كان إذنا‪.‬‬
‫‪151‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫القاعدة ‪َ :‬م استَن ْع َج َل شيئًا قَن ْب َل َأوانِِه عُوقِ َ بِ ِح ْرمانِِه‬

‫ألفاظ أخرى‬
‫– من استعجل ما أخره الشرع جيازى برده‪.‬‬
‫– من األصول املعاملة بنقيض املقصود الفاسد‪.‬‬
‫– من تعجل حقه أو ما أبيح له قبل وقته على وجه حمرم عوقب حبرمانه‪.‬‬
‫– من أيت بسبب يفيد امللك أو احلل‪ ،‬أو يسقط الواجبات على وجه حمرم ‪-‬وكان مما‬
‫تدعو النفوس إليه‪ -‬ألغي ذلك السبب وصار وجوده كالعدم‪ ،‬ومل يرتتب عليه‬
‫‪141‬‬
‫أحكامه‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬معنى المفردات‬


‫استعجل الشيء ‪ :‬سارع إليه قبل حصوله ليأخذه بسرعة‪ .‬وأوان الشي ‪ :‬وقت حصوله‬
‫الطبيعي وسببه العام‪ ،‬كموت املورث سبب طبيعي النتقال اإلرث إىل الورثة‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫إذا كان الشخص يستحق شيئا ما مل حيق وقت حصوله‪ ،‬فلم يصرب املستحق وعجل يف‬
‫حصوله ذلك السببب دون وجه حق ليتحقق له استحقاق الشيء‪ .‬فإنه يعاقب باحلرمان من‬
‫االستحقاق‪.‬‬

‫‪ 141‬الندوي‪383 :‬‬
‫‪152‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ثالثا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬من قتل مورثه بغري حق حيرم من املرياث‪ ،‬كأن يقتله عمدا‪.‬‬
‫‪ -2‬من قتل املوصى بغري حق حيرم من الوصية‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا طلق الرجل زوجته يف مرض موته بدون رضاها ومات وهي يف العدة‪ ،‬فإهنا ترثه‪ ،‬وال‬
‫حترم من املرياث بسبب ذلك الطالق‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬استثناءات القاعدة‬


‫لو قتل الدائن املدين ليحل الدين املؤجل‪ ،‬فإنه حيل باملوت وال مينع قتله له حلول الدين‪،‬‬
‫كما هو األصل يف مجيع الديون املؤجلة حتل باملوت‪.‬‬

‫الحريم له ُح ْك ُم ما هو َحريم لَهُ‬


‫ُ‬

‫أوال ‪ :‬دليل ‪ /‬أصل القاعدة‬


‫األصل يف ذلك قوله صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫احلالل ّبني واحلرام ّبني وبينهما مشتبهات ال يعلمهن كثري من الناس فمن اتقى الشبهات‪،‬‬
‫فقد استربأ لدينه وعرضه‪ ،‬ومن وقع يف الشبهات وقع يف احلرام‪ ،‬كالراعي يرعى حول احلمى‪،‬‬
‫‪142‬‬
‫يوشك أن يرتع فيه‪.‬‬

‫‪ 142‬أخرجه البخاري يف كتاب اإلميان (‪)52‬؛ ومسلم يف كتاب املساقاة (‪.)1599/107‬‬


‫‪153‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫قال الزركشي ‪ :‬احلرمي يدخل يف الواجب‪ ،‬واحلرام واملكروه وكل حمرم له حرمي حييط به‪ ،‬واحلرمي‬
‫‪ :‬هو احمليط باحلرام ‪ ،‬كالفخذين فإهنما حرمي للعورة الكربى‪ .‬وحرمي الواجب ‪ :‬ما ال يتم‬
‫الواجب إال به‪ .‬وكل حمرم فحرميه حرام إال صورة واحدة‪ ،‬ومل َير من تفطن الستثنائها‪ ،‬وهي‬
‫‪143‬‬
‫دبر الزوجة‪ ،‬فإنه حرام‪ ،‬وصرحوا جبواز التلذذ حبرميه‪ ،‬وهو ما بني األليتني‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫ثانيا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬
‫‪ -1‬وجب غسل جزء من الرقبة والرأس مع الوجه ليتحقق غسله وغسل جزء من العضد‪،‬‬
‫والساق مع الذراع وسرت جزء من السرة والركبة مع العورة‪ ،‬وجزء من الوجه مع الرأس‬
‫للمرأة‪.‬‬
‫‪ -2‬حرم االستمتاع مبا بني السرة والركبة يف احليض حلرمة الفرج‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمي املسجد حكمه حكم املسجد‪ ،‬وال جيوز اجللوس فيه للبيع وال للجنب‪ ،‬وجيوز‬
‫االقتداء فيه مبن يف املسجد‪ ،‬واالعتكاف فيه‪.145‬‬

‫‪ 143‬انظر روضة الطالبني‪ ،‬حمي الدين أبو زكريا حيىي بن شرف النووي‪ ،‬ج‪ 7‬ص ‪204‬‬
‫‪ 144‬األشباه والنظائر‪ ،‬عبد الرمحن بن أيب بكر بن حممد السيوطي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪1998 ،‬م‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪279‬‬
‫‪145‬‬
‫وأما رحبة املسجد فقال يف شرح املهذب ‪ ،‬قال صاحب الشامل والبيان ‪ :‬هي ما كان مضافا إىل املسجد ‪ ،‬وعبارة احملاملي ‪:‬هي‬
‫املتصلة به خارجه ‪ .‬قال النووي ‪:‬وهو الصحيح خالفا لقول ابن الصالح إهنا صحنه وقال البندنيجي ‪:‬هي البناء املبين جبواره متصال به‬
‫‪ ،‬وقال القاضي أبو الطيب ‪:‬هو ما حواليه ‪ ،‬وقال الرافعي األكثرون على عد الرحبة منه؛ ومل يفرقوا بني أن تكون بينها وبني املسجد طريق‬
‫أم ال ‪ ،‬وهو املذهب وقال ابن كج ‪:‬إن انفصلت عنه فال‪.‬‬
‫‪154‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ما كان أكثَن َر فِ ْعال كان أكثَن َر فَ ْ‬


‫ضال‬

‫أوال ‪ :‬دليل ‪ /‬أصل القاعدة‬


‫‪146‬‬
‫أصله قوله صلى اهلل عليه وسلم لعائشة ‪ ( :‬أجرك على قدر نصبك)‬

‫ثانيا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪147‬‬
‫‪ -1‬فصل الوتر أفضل من وصل‪ ،‬لزيادة النية والتكبري والسالم‪.‬‬
‫‪ -2‬صالة النفل قاعدا على النصف من صالة القائم‪ ،‬ومضطجعا على النصف من القاعد‪.‬‬
‫‪ -3‬الصوم يف الصيف أفضل من الصوم يف الشتاء‪ ،‬ألن اليوم يف الصيف يكون أطول مع‬
‫شدة احلر واملشقة فيه أكثر‪.‬‬
‫‪ -4‬قيام الليل يف الثلث األخري أفضل من القيام يف أول الليل‪ ،‬والوتر أيضاً يف آخر الليل‬
‫‪148‬‬
‫أفضل منه أوهلا‪.‬‬

‫‪ 146‬أخرجه البخاري يف كتاب العمرة (‪)1787‬؛ ومسلم يف كتاب احلج (‪.)1211/126‬‬


‫‪ 147‬ألن الوتر له صورتان‪ :‬األوىل‪ :‬ثالث ركعات بتشهد واحد‪ ،‬وهذا مما فعله النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬واحلالة الثانية‪ :‬أن تصليها‬
‫بالفصل‪ ،‬فتصلي ركعتني‪ ،‬مث تتشهد‪ ،‬وتسلم‪ ،‬مث تأيت بالركعة الثالثة‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫وهذا الذي كان يفعله النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فلذلك قال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬اجعلوا آخر صالتكم بالليل وتراً ‪.‬وأيضاً‬
‫ِ‬ ‫قال اهلل تعاىل ‪ [:‬إِ َّن نَ ِ‬
‫اشئَةَ اللَّْي ِل ه َي أ َ‬
‫َش ُّد َوطْئًا [املزمل‪ ، 6:‬هذا فيه داللة على أن صالة القيام يف الثلث األخري أفضل من الصالة يف‬
‫أوله؛ ملا يف ذلك من ترك الفراش والقيام بني يدي اهلل‪.‬‬
‫‪155‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫ثالثا ‪ :‬االستثناءات‬
‫‪ -1‬الضحى أفضلها مثان‪ ،‬تأسيا بفعله صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬قراءة سورة قصرية يف الصالة أفضل من بعض سورة‪ ،‬وإن طال‪ ،‬كما قاله املتو ي‪ :‬ألنه‬
‫املعهود من فعله صلى اهلل عليه وسلم غالبا‪.‬‬
‫‪ -3‬صالة الصبح أفضل من سائر الصلوات‪ ،‬مع أهنا أقصر من غريها‪.‬‬
‫‪ -4‬الوقوف يف احلج راكبا أفضل منه ماشيا‪ ،‬تأسيا بفعله صلى اهلل عليه وسلم يف‬
‫الصورتني‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬التنبيه‬
‫أنكر الشيخ عز الدين كون الشاق أفضل‪ .‬وقال‪ :‬إن تساوى العمالن من كل وجه يف‬
‫الشرف‪ ،‬والشرائط‪ ،‬والسنن‪ ،‬كان الثواب على أشقهما أكثر‪ ،‬كاغتسال يف الصيف والشتاء‪،‬‬
‫سواء يف األفعال‪ ،‬ويزيد أجر االغتسال يف الشتاء بتحمل مشقة الربد‪ ،‬فليس التفاوت يف‬
‫نفس العملني ‪ ،‬بل فيما لزم عنهما‪.‬‬

‫وكذلك مشاق الوسائل‪ ،‬كقاصد املساجد‪ ،‬أو احلج أو العمرة من مسافة قريبة‪ ،‬وآخر من‬
‫بعيد ‪ ،‬فإن ثواهبما يتفاوت بتفاوت الوسيلة‪ ،‬ويتساويان من جهة القيام بأصل العبادة‪ ،‬وإن مل‬
‫يتساو العمالن‪ .‬فال يطلق القول بتفضيل أشقهم‪ ،‬بدليل أن اإلميان أفضل األعمال‪ ،‬مع‬
‫سهولته وخفته على اللسان‪ ،‬وكذلك الذكر‪ ،‬على ما شهدت به األخبار‪ .‬وكذلك إعطاء‬
‫‪156‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫الزكاة مع طيب النفس‪ ،‬أفضل من إعطائها مع البخل‪ ،‬وجماهدة النفس‪ .‬وكذلك جعل النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم املاهر بالقرآن مع السفرة الكرام الربرة‪ ،‬وجعل الذي يقرؤه ويتتعتع فيه‪،‬‬
‫‪149‬‬
‫وهو عليه شاق له أجران‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضا بما يَنتَن َولَّ ُد م ْنهُ‬
‫بالشيء ِر ً‬ ‫الرضا‬

‫أوال ‪ :‬شرح القاعدة‬


‫إذا فعل بشيء عمدا تتحمل عليه املسؤوليات واآلثار املتعلقة من ذلك الفعل‪ .‬وكذلك إن‬
‫أخذ شيئا فعليه كل مستلزماهتا إجيابية كانت أو سلبية‪ .‬والقاعدة املتقاربة هبذه القاعدة ‪:‬‬
‫"املتولد من مأذون فيه ال أثر له"‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التطبيقات ‪ /‬األمثلة‬


‫‪ -1‬حمل االستجمار معفو عنه‪ ،‬فلو عرق فتلوث منه‪.‬‬
‫‪ -2‬لو سبق ماء املضمضة‪ ،‬أو االستنشاق إىل جوفه‪ ،‬ومل يبالغ‪ ،‬مل يفطر يف األصح‪ .‬أما إذا‬
‫بالغ يفطر‪ ،‬ألنه تولد من منهي عنه‪.‬‬
‫‪150‬‬
‫‪ -3‬رضي أحد الزوجني بعيب صاحبه فال خيار له على الصحيح‪.‬‬

‫‪ 149‬أخرجه البخاري يف كتاب التفسري (‪)3938‬؛ ومسلم يف كتاب املسافرين (‪.)798/244‬‬


‫‪157‬‬ ‫القواعد الجلية في دراسة علم القواعد الفقهية‬

‫‪ -4‬إذا رضيت بتزوج الفاجرة‪ ،‬فال تندم بسوء خلقها بعد ذلك‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬االستثناءات‬
‫‪ -1‬ضرب املعلم التلمي َذ‪ ،‬والزوج حنو زوجتَها الناشزة‪ ،‬والو ي و َلده تأديبا فال يعاقب‪ ،‬ألهنا‬
‫مشروطا بسالمة العاقبة‪.‬‬

‫‪ 150‬األشباه والنظائر‪ ،‬عبد الرمحن بن أيب بكر بن حممد السيوطي‪ ،‬ؤدار الكتب العلمية‪1998 ،‬م‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪305‬‬

You might also like