Professional Documents
Culture Documents
التنظيم الإداري قاعدة رشيد الحصة 5
التنظيم الإداري قاعدة رشيد الحصة 5
3
بـ"الوصاية اإلدارية" أو "الرقابة اإلدارية" التي تختلف في جوهرها عن السلطة الرئاسية القائمة بين
الرئيس والمرؤوس في ظل النظام المركزي.
ويقصد بالوصاية اإلدارية "مجموع السلطات التي يقررها القانون لسلطة عليا على أشخاص الهيئات
الالمركزية وأعمالهم حماية للمصلحة العامة.
كما عرف األستاذ جاك دمبور الرقابة اإلدارية بأنها " :مجموعة من السلطات يمنحها المشرع لسلطة عليا
لمنع انحراف الهيئات الالمركزية ولتحقيق مشروعية أعمالها وقراراتها وعدم تعارضها مع المصلحة
العامة".
فالوصاية أو الرقابة اإلدارية أداة قانونية لمنع انحراف الهيئات الالمركزية عن صالحياتها المحددة
بموجب القوانين واألنظمة التشريعية المعمول بها في هذا اإلطار.
حيث أن استقالل الهيئات الترابية ليس مطلقا ،بالشكل الذي يترتب عليه فصل نطاق المصالح الترابية عن
المصالح الوطنية ،بل أن الهيئات الترابية تشكل جزأ ال يتجزأ من مجموعة أوسع ،وهي المجموعة
الوطنية ،ألن الجماعات الترابية ليست دوال داخل الدولة.
لذلك كان من الضروري إيجاد وسيلة قانونية لمنع انحراف الهيئات الالمركزية عن اختصاصاتها وذلك
عبر تقنية الوصاية أو الرقابة اإلدارية التي تمكن السلطة المركزية من الرقابة ،وكذا تنسيق نشاطات
الهيئات الالمركزية.
غير أن هذه الرقابة ال يجب أن تتعدى الحدود التي سنها المشرع حتى ال يمس ذلك باستقالل الهيئات
الالمركزية التي يعتبر استقاللها أصيال وأن الرقابة اإلدارية عمال استثنائيا.
وقد عرف المغرب في تنظيمه اإلداري تطبيق نظام الالمركزية اإلدارية منذ سنة ،1960ومر بعدة
إصالحات وتعديالت كان أخرها القوانين التنظيمية لسنة 2015المنظمة للهيئات الالمركزية بمستوياتها
الثالث:الجهات -العماالت واألقاليم -الجماعات .حيث أن جميع القوانين المنظمة لالمركزية اإلدارية
بالمغرب كانت تقنية الوصاية أو الرقابة اإلدارية حاضرة ،وهو ما يتطلب منا تحديد أشكال الرقابة
اإلدارية (الفقرة األولى) ،ثم تمييزها عما شابهها من األنظمة األخرى (الفقرة الثانية).
5
غير أن هذه الصالحيات المخولة للسلطات المركزية يجب أن تمارس في الحدود التي حددها القانون حتى
ال تمس باستقالل الجماعات الترابية باعتبارها اختصاصات ذات طابع دستوري وحددها القانون ،ومن
أهم تطبيقات هذه الحدود:
أ -الجماعات الترابية هي صاحبة االختصاص األصيل في ممارستها لصالحياتها وبتالي اتخاذ القرارات
التي تراها مناسبة لتحقيق أهدافها التنموية على الصعيد الترابي ،وبتالي ال يمكن للسلطة المركزية اتخاذ
قرارات أو الحلول محلها إال إذا كان هناك نص قانون صريح يجيز ذلك.
ب -ليس لسلطة الرقابة في الحاالت التي ينص القانون على خضوع أعمال الهيئات الالمركزية لرقابتها
إال أن توافق على تلك األعمال أو ترفضها ،جملة وتفصيال وليس من حقها أن تقوم بتعديل تلك األعمال أو
استبدالها بغيرها.
ج-تصديق السلطات المركزية على مقررات الهيئات الالمركزية ال يعني تقييد حرية هذه المجالس الترابية
في التراجع عن تنفيذ بعض مقرراتها التي سبق وأن اتخذتها ،كما أن عدم تصديق سلطات الرقابة ال يعني
قبر المشروع المعترض عليه ،إذ يمكن للهيئات الالمركزية في هذا اإلطار أن تطلب من سلطة الرقابة
إعادة النظر في أسباب الرفض وفي حالة التعنت يمكن االلتجاء للقضاء اإلداري لحل النزاع.
ج -تتحمل مجالس الهيئات الترابية مسؤوليتها عن أعمالها من تاريخ شروعها في تنفيذها وليس من تاريخ
مصادقة السلطات المركزية عليها.
د -من حق رؤساء الجماعات الترابية اللجوء للقضاء اإلداري للطعن في قرارات السلطات المركزية.
ومن خالل ما سبق يتضح لنا الدور الذي تلعبه الوصاية أو الرقابة اإلدارية باعتبارها صلة وسط بين
السلطة المركزية والسلطات الالمركزية وبذلك فإن هذه الرقابة تحقق هدفين أساسيين كالتالي:
الهدف األول :إداري ،إذ يضمن حسن سير المرفق العمومي الترابي وذلك عبر الرفع من قيمة خدماته
بجودة أكبر وتكلفة أقل.
الهدف الثاني :سياسي ،يتجلى في وحدة الدولة السياسية ووحدة االتجاه اإلداري.
7
عن أعمالها على سلطة الرقابة اإلدارية بل على الممثل القانوني للشخص المعنوي كرئيس الجماعة
الترابية أو مدير المؤسسة العمومية.
ويترتب على تقرير استقالل الهيئات الالمركزية ،وأنه ال يجوز أن تنال الرقابة اإلدارية من هذا
االستقالل ،وأن تتحمـل الهيئـات الالمركزية كامل المسؤولية عن تصرفاتها وأعمالها .بل وتنعقد
المسؤولية علـى كاهل الهيئات الالمركزية حتى ولو صاـدقت الـسلطة المركزيـة علـى هـذه
التصرفات وأقرتها.
وذات الحكم إذا حدث وحلت السلطة المركزية محل الهيئـة الالمركزية في عمل ما في الحاالت
وبالشروط واإلجراءات التـي يـستلزمها القانون فإن الهيئة المركزية هي المسؤولة أيضاﹰ عن هذا
العمل ،ألنه يعتبر من وجهة نظر القانون صادراﹰ عن الوحـدة الالمركزيـة ذاتها وتحت
مسؤوليتها.
هذه هي أهم الفوارق التي تميز بين الرقابة اإلدارية والسلطة الرياسية .وهي في مجموعها عدد
من النتائج المترتبة على التباين بين األساس الذي ترتكز إليه كـل منهما.
المطلب الرابع :تمييز الالمركزية اإلدارية عما يشابهها من األنظمة اإلدارية
إذا كان أسلوب الالمركزية له مميزاته الخاصة فإنه وال شك يقترب من أسلوبين اثنين هما :عدم
التركيز اإلداري أو لالتمركز اإلداري ،والالمركزية السياسية أو النظام الفيدرالي.
الفرع األول :الالمركزية اإلدارية والالتمركز اإلداري
توجد عدة أوجه التشابه بين الالمركزية وعدم التركيز اإلداري تتجلى في أن كالهما يؤديان إلى
توزيع السلطات اإلدارية وإلى عدم تركيزها في يد سلطة واحدة ،مما يساعد على السرعة في البت
في األمور اإلدارية إال أنهما يختلفان في عدة أوجه كالتالي:
أوال :عدم التركيز اإلداري يقوم على عنصر التعيين ،بينما الالمركزية تقوم على االنتخاب سواء
أكان هذا االنتخاب مباشرا أو غير مباشر.
ثانيا :عدم التركيز اإلداري هو صورة من صور المركزية بينما الالمركزية هي مبدأ مقابل
ومختلف تماما عن المركزية.
ثالثا :أن السلط المعترف بها لبعض األشخاص أو لبعض الهيئات في عدم التركيز اإلداري للبت
في األمور دون الرجوع للمركز ،وكذا االستقالل الذي يتمتعون به في هذا اإلطار هو استقالل
عارض يجوز سحبه في أي وقت من طرف الوزير باعتباره يمارس السلطة الرئاسية بما تحمله
من معاني وأحكام ،بينما استقالل الهيئات الالمركزية فهو استقالل أصيل مستمد من الدستور أو
القانون وليس منحة أو تفضيل من السلطة المركزية ،وبتالي فهي تتحمل مسؤولياتها عن
تصرفاتها.
رابعا :إذا كان كال األسلوبين عدم التركيز اإلداري ،والالمركزية اإلدارية يؤديان إلى توزيع
االختصاصات وعدم تركيزها في يد واحدة ،فإن الفارق بين النظامين فارق في الجوهر والطبيعة
وليس في الدرجة والمدى.
8
الفرع الثاني :الالمركزية اإلدارية والالمركزية السياسية (الفيدرالية)
من المعلوم أن الدول تنقسم من حيث طبيعة تكوينها إلى دول بسيطة ودول مركبة ،حيث أن الدول
البسيطة يمارس بها السيادة سلطة واحدة في العاصمة ،تملك سلطة التشريع والتنفيذ والقضاء،
سواء أكانت هذه الدول تأخذ بأسلوب المركزية أو الالمركزية فيما يتعلق بممارسة الوظيفة
اإلدارية.
أما الدول المركبة فهي تلك الدول التي تتكون من عدة دويالت أو واليات كما هو الشأن بالنسبة
للواليات المتحدة األمريكية وسويسرا ،حيث أن ممارسة السيادة ال تتركز في الحكومة المركزية
وحدها،إنما تتوزع هذه السيادة بين الحكومة االتحادية (المركزية) وبين الواليات،إذ نجد السلطة
التشريعية والتنفيذية والقضائية تمارسها السلطة المركزية على صعيد جميع أرجاء الدولة ،وفي
نفس الوقت نجد الدويالت المكونة للدولة االتحادية لها برلمان وحكومة محلية وقضاء مستقلين عن
السلطة المركزية (الدولة االتحادية).
إذن يتضح أن هناك فروق عدة بين الالمركزية اإلدارية والالمركزية السياسية تتضح فيما يلي:
أوال :أن الالمركزية السياسية ال توجد إال في الدول االتحادية ،أما الالمركزية اإلدارية فتوجد في
جميع الدول سواء أكانت بسيطة أم مركبة.
ثانيا :الالمركزية السياسية تظهر من خالل ممارسة السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية من
طرف الدويالت المكونة للدولة االتحادية ،بينما الالمركزية اإلدارية فتنحصر في تقاسم ممارسة
الوظيفة اإلدارية بين الدولة والهيئات الترابية الالمركزية.
ثالثا :ال سلطان للبرلمان االتحادي على االختصاصات التي تتمتع بها الدويالت ،حيث أن تعديل
هذه االختصاصات ال تتم إال من خالل تعديل الدستور االتحادي ،بينما اختصاصات الهيئات
الترابية في ظل النظام الالمركزي فهي محددة بموجب القانون أي التشريع العادي ،وبالتالي
فالبرلمان له صالحيات واسعة لتضييق أو توسيع صالحيات هذه الهيئات الالمركزية حسب ما
تمليه الظروف االقتصادية واالجتماعية والسياسية بالبالد.
ومن هنا فإن كال النظامين بينهما فروق كبيرة وبتالي فإن الفرق بينهما هو:
-فرق في الطبيعة والجوهر وليس في الدرجة والمدى،
-الالمركزية اإلدارية هي ظاهرة إدارية بينما الالمركزية السياسية ظاهرة سياسية وهي أوسع
مجاال من الالمركزية السياسية ،وهي لها ارتباط وثيق بالقانون الدستوري والقانون الدولي بينما
الالمركزية اإلدارية لها ارتباط وثيق بالقانون اإلداري.
المطلب الخامس :تقدير نظام الالمركزية اإلدارية
لنظام الالمركزية اإلدارية عدة مزايا تساهم والشك في تحقيق أهدافها األساسية المتمثلة في تحقيق
الديمقراطية المحلية وتقريب اإلدارة من المواطنين...غير أن ذلك لم يمنع من وجود عدة عيوب
ومساوئ تعتري هذا النظام.
الفرع األول :مزايا الالمركزية اإلدارية
9
أوال :الالمركزية اإلدارية نظام ديمقراطي :حيث أنها تسمح للمواطنين داخل المجال الترابي الذي
ينتمون إليه في االشتراك والمساهمة في تدبير شؤونهم الترابية بأنفسهم ،وذلك عبر انتخاب ممثليهم
في المجالس التداولية للهيئات الالمركزية ،مما يمكنهم من اتخاذ القرارات التي تتناسب
وخصوصياتهم المحلية.
ثانيا :الالمركزية اإلدارية مدرسة للناخبين :حيث يساعد هذا النظام على تربية الناخبين والممثلين
في المساهمة في الشؤون العامة ،فضال على مد الهيئة التشريعية بمنتخبين ذوي تجربة تمرسوا
على تدبير الشؤون الترابية.
ثالثا :الالمركزية اإلدارية تعمل على تخفيف العبء على السلطة المركزية وعلى ممثليها في
األقاليم والجهات ،في ظل تزايد حاجيات المواطنين الواجب االستجابة لها بمختلف الوحدات
الترابية.
رابعا :تساهم الالمركزية اإلدارية في التخفيف العبء على السلطة المركزية ،حيث أن تركيز كل
النشاطات االقتصادية والتنموية والثقافية والسياسية في العاصمة سوف يتسبب في االختالف في
مستوى التقدم والنمو بين أبناء المجتمع الواحد ضمن الدولة الواحدة ،إلى أن جاء الحل باعتماد
نظام الالمركزية اإلدارية حيث إن هذا النظام أقدر على معرفة متطلبات الوحدات المحلية.
خامسا :يوفر األخذ بنظام الالمركزية اإلدارية العدالة في توزيع الضرائب ،فتنال كل وحدة إدارية
محلية نصيبها من الضرائب إلدارة مرافقها المحلية ،أما في ظل المركزية اإلدارية فإن مرافق
العاصمة سوف تطغى على حساب المدن الصغرى والوحدات اإلدارية الصغرى.
سادسا :الالمركزية اإلدارية تصمد أكثر خاصة خالل أوقات األزمات التي تعرفها البالد ،حيث أن
كل وحدة ترابية تتخذ اإلجراءات الضرورية لتجنب األسوأ خاصة في ظل الحروب ،أو األوبئة ،أو
بعض الكوارث الطبيعية ،بدل ترك السلطة المركزية تواجه ذلك لوحدها من العاصمة.
الفرع الثاني :عيوب نظام الالمركزية اإلدارية
أوال :وجود هيئات المركزية متعددة قد يمس بوحدة الدولة وبتماسك الوظائف اإلدارية ،وذلك في
ظل صعوبة الفصل بين القضايا الوطنية والترابية.
ثانيا :وجود هيئات محلية أقل خبرة وكفاءة وأكثر إسرافًا من السلطات المركزية.
ثالثا :وجود تنافس غير ايجابي بين الوحدات الترابية ،مما يؤدي إلى عدم التنسيق بينهم فيما يتعلق
بالتخطيطات والمشاريع المشابهة مما يزيد من النفقات العمومية ويقلل من فرص تحقيق الترابية
المستدامة.
رابعا :قد يؤدي تطبيق نظام الالمركزية إلى تغليب المصالح اإلقليمية على المصالح الوطنية األكثر
أهمية وحيوية ،كما أنها قد تؤدي إلى المساس بوحدة الدولة اإلدارية.
خامسا :عدم قدرة المجالس المحلية بإمكاناتها المادية واإلدارية والفنية على مواكبة متطلبات
العصر األمر الذي يقتضي وضع خطة إنمائية شاملة تطبق على مستويات إدارية واسعة.
سادسا :تحتاج الالمركزية اإلدارية إلى نفقات مالية كبيرة تتحملها خزينة الدولة.
10
وأخيرا ً ال بد من كلمة للرد على هذه االنتقادات غير الجديّة في أن العيوب التي يوجهها خصوم
الالمركزية اإلدارية إلى هذا النظام ال تناسب مطلقا ً المزايا التي يحققها نظام الالمركزية ،كما أنها
عيوب ال تصيب جوهر النظام بقدر ما تعبّر عن أسلوب سيئ في تطبيقه .فال يمكن لالمركزية
اإلدارية أن تهدد وحدة الدولة إطالقا ً ألنها المركزية في المجال اإلداري ،فضالً عن أن الرقابة
التي تمارسها السلطة المركزية تكفل إلى حد كبير هذه الوحدة.
كما أن القول إن الهيئات المحلية تفتقر إلى الخبرة والدراية فهذا أمر طبيعي ،ولكن الحل ال يكون
بإلغاء النظام ،بل بتعزيزه وتمكينه من خالل تقديم المساعدات الفنية والمالية والبشرية لإلدارة
الالمركزية.
باختصار إن اعتماد نظام الالمركزية اإلدارية يعد وسيلة من الوسائل لتحقيق إدارة سليمة للبالد،
وال يجوز التقليل من هذا النظام لكونه يعد بمنزلة صدى لنداء الحرية السياسية وحق الشعوب في
إدارة شؤونهم وفق مبادئ الديمقراطية.
11