Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 11

‫الحصة الخامسة‪:‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الالمركزية اإلدارية‬


‫يعتبر أسلوب الالمركزية اإلدارية إحدى أهم أساليب التنظيم اإلداري‪ ،‬لذا فإن التعرض له يتطلب‬
‫منا تحديد أنواع الالمركزية اإلدارية وأركانها‪ ،‬إضافة إلى تمييزها عما شابهها من األنظمة‪ ،‬وأخيرا‬
‫تقدير نظام الالمركزية اإلدارية‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف وتحديد عناصر الالمركزية اإلدارية‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف الالمركزية اإلدارية‬
‫بعدما تناولنا في المطلب األول أسلوب المركزية اإلدارية‪ ،‬باعتبارها أسلوب يقوم على أساس‬
‫تجميع وتركيز السلطة اإلدارية في يد السلطة التنفيذيـة المركزية بالعاصمة‪ .‬وذلك بالنظر لوجود‬
‫شخص معنوي واحد يتمتع بالشخصية المعنوية (الدولة)‪ ،‬فإنه وبالمقابل لهذا األسلوب نجـد أسلوب‬
‫الالمركزية اإلدارية‪ ،‬وهو "أسلوب يقوم على أساس توزيـع العمـل اإلداري بين السلطة التنفيذية‬
‫المركزية‪ ،‬وبين هيئـات مستقلة إقليمية أو مصلحية مرفقية متمتعة بالشخصية المعنوية أي تتمتع في‬
‫تدبير شؤونها باستقالل مالي وإداري مع خضوعها "للوصاية أو الرقابة اإلدارية للسلطات‬
‫المركزية"‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬عناصر الالمركزية اإلدارية‬


‫انطالقا من التعريف السابق يمكن تحديد العناصر األساسية التي يقوم عليها أسلوب الالمركزية‬
‫اإلدارية كالتالي‪:‬‬
‫أ‪ -‬وجود هيئات ترابية أو مصلحية تتمتع بالشخصية المعنوية‪ ،‬تكون غالبا منتخبة من طرف السكان‬
‫المحليين على المستوى الترابي الذي ينتمون له‪ .‬ويترتب عن تمتعها بالشخصية المعنوية ضرورة‬
‫التوفر على أموال ذاتية وممتلكات مادية وموظفين وميزانية مستقلة عن ميزانية الدولة‪ .‬وكذا‬
‫األهلية للتقاضي للدفاع عن مصالحها‪.‬‬
‫ب‪ -‬االعتراف لهذه الهيئات بتسيير وتصريف الشؤون الترابية بواسطة مرافق متميزة عن المرافق‬
‫العمومية الوطنية‪ .‬ألن الدولة هي الشخص المعنوي الوحيد المختص بتحديد الحاجيات العمومية‬
‫المشتركة بين جميع سكان التراب الوطني أو التي تكون شؤون الدولة‪ ،‬أي المرافق العمومية‬
‫الوطنية‪،‬والحاجيات الخاصة بالسكان والتي تكون الشؤون الترابية تسير من طرف مرافق عمومية‬
‫ترابية‪ ،‬ومن هنا فإن الدولة تختص بكل ما له طابع وطني‪ ،‬بينما الالمركزية اإلدارية فتختص بما‬
‫هو ترابي الذي يكون محددا من طرف المشرع أو القانون‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الالمركزية اإلدارية هي نوع من التسيير الذاتي وليس باالستقالل التام عن السلطة المركزية‬
‫التي تمارس عليها ما يسمى بالوصاية اإلدارية أو الرقابة اإلدارية‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أنواع الالمركزية اإلدارية‬
‫يوجد نوعين لالمركزية اإلدارية فهناك الالمركزية اإلدارية المحلية أو اإلقليمية "الترابية" (الفرع‬
‫األول)‪ ،‬وهناك النوع الثاني وهو ما يعرف بالالمركزية المصلحية أو المرفقية (الفرع الثاني)‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الالمركزية اإلدارية المحلية أو اإلقليمية‪:‬‬
‫تقوم هذه الصورة على أساس إقليمي‪ ،‬أي على أساس استقالل مجموعة من السكان بإدارة بعض‬
‫شؤونهم اإلدارية المحلية‪ ،‬حيث يمنح المشرع الشخصية القانونية ألجزاء محددة من إقليم الدولة‬
‫(مجالس‪ :‬الجهات ـ والعماالت واألقاليم ـ الجماعات‪...‬الخ) بكل ما يترتب على ذلك من ممارسة‬
‫الحقوق المعترف بها للشخص المعنوي وتحمله لبعض االلتزامات‪.‬‬
‫والقصد من هذا االتجاه التشريعي هو قيام األشخاص الالمركزية بإدارة المرافق المحلية (الترابية)‪،‬‬
‫في النطاق اإلقليمي عن طريق مجالس محلية منتخبة تتمتع باالستقالل إزاء السلطة المركزية مع‬
‫خضوعها لرقابتها وإشرافها في الحدود التي يبينها القانون‪ .‬وتطبق الكثير من دول العالم بما فيها‬
‫المغرب هذه الصورة من الالمركزية وترسم أنظمة قانونية متكاملة لتجسيدها‪ .‬بشكل قانوني‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الالمركزية اإلدارية المرفقية (المصلحية)‪:‬‬
‫ارتبط ظهور هذه الصورة من صور الالمركزية اإلدارية بتغيير دور الدولة التي أصبحت تتدخل‬
‫في العديد من الشؤون التي كانت تحجم عن ممارستها سابقاً‪ ،‬فكثرت المشاريع والمرافق والمصالح‬
‫العامة‪ ،‬وظهرت الحاجة إلى منح بعض المرافق والمشاريع الشخصية المعنوية من أجل إدارة‬
‫شؤونها على نحو مستقل عن الدولة وبعيدا ً عن "الروتين" والتعقيدات الحكومية مع خضوعها‬
‫إلشراف السلطة المركزية‪ ،‬بحيث نجد هذا النوع من الالمركزية عندما يمنح المشرع الشخصية‬
‫المعنوية لمرفق عمومي سواء أكان وطنيا أو ترابيا مع خضوعه للرقابة اإلدارية للسلطة المركزية‬
‫بالعاصمة‪.‬‬
‫وبتالي فكال النظامين اإلداريين سواء المركزي أو الالمركزي رغم اختالفهما إال أنهما يلتقيان في‬
‫عدة أمور أهمها‪ :‬أن كالهما يتوفر شخصية معنوية‪ ،‬ويدبران مرافق عمومية مع خضوعهما لقيد‬
‫الرقابة اإلدارية‪ ،‬إال أن ذلك لم يحل دون وجود اختالف مهم بينهما نوجزه فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬تنشأ األشخاص اإلدارية بتأثر عوامل سياسية أهمها ظهور األفكار الديمقراطية ومبادئ الحرية‬
‫السياسية‪ ،‬التي تقوم على منح السكان المحليين صفة حكم أنفسهم بأنفسهم‪ .‬لذا فإن أعضاء‬
‫المجالس الترابية يتم انتخابهم بينما في إطار الالمركزية المرفقية يتم عن طريق التعيين‪.‬‬
‫‪ -‬ينشا الشخص اإلداري الترابي لرعاية مصالح عامة السكان المتواجدين داخل إطاره الجغرافي‬
‫في دائرة معينة‪ ،‬بينما الشخص المعنوي المرفقي فيرتبط بالنشاط بمجال تدخل هذه المؤسسات‬
‫العمومية‪ ،‬أي الخضوع لقيد التخصص‪.‬‬
‫‪ -‬يعتبر الشخص المعنوي اإلداري الترابي أوسع سلطانا ودرجة من الشخص المعنوي اإلداري‬
‫المرفقي‪ ،‬إذ أن اختصاص الشخص المعنوي الترابي يشمل إنشاء وإدارة المرافق العامة‬
‫المرفقية أو المصلحية على مستوى الجهة –العمالة واإلقليم أو الجماعات‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أركان اإلدارة الترابية أو الالمركزية اإلدارية‬


‫لقيام الالمركزية اإلدارية فإن ذلك يتطلب توفر مجموعة من األركان األساسية من بين أهمها‪:‬‬
‫وجود قضايا ترابية ‪ ،‬ثم إدارة القضايا ا لترابية بواسطة هيئات منتخبة على صعيد كل وحدة‪ ،‬إضافة إلى‬
‫ممارسة الوصايا أو الرقابة اإلدارية على الهيئات الترابية‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫الفرع األول‪ :‬وجود قضايا ترابية‬
‫يقوم أسلوب الالمركزية على توزيع الصالحيات والمهام‪ ،‬إذ تتولى األجهزة المركزية شؤون البالد‬
‫ذات الطابع السيادي‪ ،‬وكذا مختلف التوجهات الكبرى للدولة‪ ،‬كرسم السياسة العامة في المجال‬
‫السياسي واالقتصادي واالجتماعي وغيرها ويطلق عليها المهام الوطنية‪.‬‬
‫أما األجهزة الترابية المحلية فتتولى النظر في المسائل ذات الطابع المحلي الترابي كما هو محدد في‬
‫القوانين التنظيمية المنظمة لذلك‪ .‬وهي ما تسمى بالمهام المحلية (الترابية)‪.‬‬
‫وتحديد هذه االختصاصات يختلف باختالف األساليب التي يأخذ بها كل نظام معين‪ ،‬فمثال األسلوب‬
‫"األنجلوساكسوني" يقوم على تحديد هذه االختصاصات على سبيل الحصر ويترتب عن هذه‬
‫الطريقة في توزيع االختصاصات وجود تباين بين اختصاصات هذه الهيئات الترابية‪.‬‬
‫أما النوع الثاني فيتعلق بتحديد القضايا الخاصة للوحدات الترابية بصفة عامة وهو ما يطلق عليه‬
‫باألسلوب "الالتيني"‪ ،‬فتقوم بجميع االختصاصات التي تمارسها السلطة المركزية لتحقيق ما يعرف‬
‫بالتنمية الترابية‪ ،‬وبتالي فإن لهذه الوحدات الترابية اختصاص عام وشامل‪ ،‬إال ما ثم استثنائه من‬
‫ذلك بموجب القوانين التنظيمية للجماعات الترابية لتفادي التداخل في االختصاصات بين ما هو‬
‫مركزي وما هو محلي ترابي‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬إدارة القضايا الترابية بواسطة هيئات منتخبة على صعيد كل وحدة‬
‫بمعنى االعتراف بوجود هيئات محلية أو مصلحية مستقلة‪ ،‬ويقصد بهذا الركن أن الهيئات الترابية مستقلة‬
‫عن السلطة المركزية‪ ،‬وهذا االستقالل يخولها حق اتخاذ القرارات اإلدارية وتسيير شؤونها دون تدخل‬
‫الجهاز المركزي‪ ،‬فاالعتراف بالشخصية المعنوية يمكنها من اكتساب الحقوق وتحمل االلتزامات‪ .‬غير أن‬
‫استقالل هذه الهيئات والوحدات اإلدارية الالمركزية ال يتم إال من خالل االعتماد على أسلوب االنتخاب‬
‫في اختيار السكان لممثليهم في تدبير شؤونهم الترابية داخل اإلطار الترابي الجغرافي الذي ينتمون إليه‪،‬‬
‫فاالنتخاب هو الضمانة األساسية والوسيلة المثلى لتحقيق الديمقراطية التي تفرض مشاركة الشعب في‬
‫تسيير الشؤون المحلية كما أنه عنصر مهم لقيام الالمركزية اإلدارية‪.‬‬
‫ويرى بعض الفقهاء أن االنتخاب ليس ركنا أساسيا لقيام الالمركزية اإلدارية‪ ،‬إذ ليس هناك ما يمنع من‬
‫تعيين أعضاء الهيئات الترابية دون أن تفقد صفتها الالمركزية‪ ،‬طالما أنها تتمتع باستقالل اتجاه اإلدارة‬
‫المركزية‪ ،‬غير أنه الجانب الراجح في الفقه هو أن الالمركزية اإلدارية ال يمكن أن تقوم إال من خالل‬
‫االعتماد على أسلوب االنتخاب ألنه يعد من مقومات الالمركزية اإلدارية‪ ،‬وهو أسلوب ديمقراطي يجعل‬
‫الشخص المنتخب على الصعيد الترابي والممارس لمهامه التدبيرية الترابية يشعر أنه يستند لقاعدة شعبية‬
‫هي صاحبة الفضل عليه في االختيار‪ ،‬قصد انجاز الخدمات التي هي في حاجة إليها‪ ،‬وأن تلك القاعدة هي‬
‫من ستتولى إعادة انتخابه إن كان جدير بذلك‪ .‬أما العنصر المعين فهو على العكس من ذلك يبقى دائما‬
‫خاضعا لإلدارة التي عين ته وهي من تمتلك حق إعادة تعينه أو إعفائه من مهامه‪ ،‬وهو ما يوضح الفرق بين‬
‫األسلوبين معا‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬ممارسة الوصايا أو الرقابة اإلدارية على الهيئات الترابية‬


‫إن الالمركزية اإلدارية تمكن الهيئات الترابية من تسيير شؤونها بنفسها دون تدخل للسلطة المركزية‪.‬غير‬
‫أ ن هذا االستقالل ال يصل إلى حد االنفصال المطلق‪ ،‬وإلى إعدام العالقة بين هذه األشخاص والدولة‪،‬‬
‫فانطالقا من مبدأ وحدة الدولة دستوريا وسياسيا يستلزم قيام عالقة في صورة رقابة بموجب نظام يعرف‬

‫‪3‬‬
‫بـ"الوصاية اإلدارية" أو "الرقابة اإلدارية" التي تختلف في جوهرها عن السلطة الرئاسية القائمة بين‬
‫الرئيس والمرؤوس في ظل النظام المركزي‪.‬‬
‫ويقصد بالوصاية اإلدارية "مجموع السلطات التي يقررها القانون لسلطة عليا على أشخاص الهيئات‬
‫الالمركزية وأعمالهم حماية للمصلحة العامة‪.‬‬
‫كما عرف األستاذ جاك دمبور الرقابة اإلدارية بأنها‪ " :‬مجموعة من السلطات يمنحها المشرع لسلطة عليا‬
‫لمنع انحراف الهيئات الالمركزية ولتحقيق مشروعية أعمالها وقراراتها وعدم تعارضها مع المصلحة‬
‫العامة"‪.‬‬
‫فالوصاية أو الرقابة اإلدارية أداة قانونية لمنع انحراف الهيئات الالمركزية عن صالحياتها المحددة‬
‫بموجب القوانين واألنظمة التشريعية المعمول بها في هذا اإلطار‪.‬‬
‫حيث أن استقالل الهيئات الترابية ليس مطلقا‪ ،‬بالشكل الذي يترتب عليه فصل نطاق المصالح الترابية عن‬
‫المصالح الوطنية‪ ،‬بل أن الهيئات الترابية تشكل جزأ ال يتجزأ من مجموعة أوسع‪ ،‬وهي المجموعة‬
‫الوطنية‪ ،‬ألن الجماعات الترابية ليست دوال داخل الدولة‪.‬‬
‫لذلك كان من الضروري إيجاد وسيلة قانونية لمنع انحراف الهيئات الالمركزية عن اختصاصاتها وذلك‬
‫عبر تقنية الوصاية أو الرقابة اإلدارية التي تمكن السلطة المركزية من الرقابة‪ ،‬وكذا تنسيق نشاطات‬
‫الهيئات الالمركزية‪.‬‬
‫غير أن هذه الرقابة ال يجب أن تتعدى الحدود التي سنها المشرع حتى ال يمس ذلك باستقالل الهيئات‬
‫الالمركزية التي يعتبر استقاللها أصيال وأن الرقابة اإلدارية عمال استثنائيا‪.‬‬
‫وقد عرف المغرب في تنظيمه اإلداري تطبيق نظام الالمركزية اإلدارية منذ سنة ‪ ،1960‬ومر بعدة‬
‫إصالحات وتعديالت كان أخرها القوانين التنظيمية لسنة ‪ 2015‬المنظمة للهيئات الالمركزية بمستوياتها‬
‫الثالث‪:‬الجهات‪ -‬العماالت واألقاليم‪ -‬الجماعات‪ .‬حيث أن جميع القوانين المنظمة لالمركزية اإلدارية‬
‫بالمغرب كانت تقنية الوصاية أو الرقابة اإلدارية حاضرة‪ ،‬وهو ما يتطلب منا تحديد أشكال الرقابة‬
‫اإلدارية (الفقرة األولى) ‪ ،‬ثم تمييزها عما شابهها من األنظمة األخرى (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أشكال الرقابة اإلدارية‬


‫يوجد للرقابة اإلدارية مستويين اثنين حيث نجد الرقابة على مستوى األشخاص (البند األول)‪ ،‬ثم الرقابة‬
‫على مستوى األعمال (البند الثاني)‪ ،‬فكيف ذلك؟‪.‬‬

‫البند األول‪ :‬الرقابة اإلدارية على األشخاص‬


‫تعتبر الرقابة اإلدارية على األشخاص بمثابة سلطة تأديبية تمارسها السلطات العليا المركزية على الهيئات‬
‫الالمركزية الترابية‪ ،‬وتمارس هذه الرقابة اعتمادا على النصوص التنظيمية للجماعات الترابية التي تحدد‬
‫أشكال هذه الرقابة بدقة‪ .‬حيث تختلف هذه الرقابة حسب الدوافع التي أدت إلى تحريكها‪ ،‬تأخذ شكل‬
‫االستقالة أو اإلقالة‪ ،‬أو التوقيف أو الحل‪.‬‬
‫أ‪ -‬االستقالة‪ :‬وهي تقدم طواعية وبصفة اختيارية من طرف كل عضو من أعضاء الجماعات الترابية أو‬
‫رؤساء هذه الجماعات ونوابهم‪ ،‬وذلك حسب شروط حددتها القوانين التنظيمية للجماعات الترابية تختلف‬
‫من حالة ألخرى (عضو عادي داخل المجلس أو رئيس للمجلس)‪ ،‬وتقدم هذه االستقالة للسلطة المركزية‬
‫أي وزير الداخلية أو ممثليه على الصعيد الالممركز (الوالي أو العامل)‪ ،‬وذلك بناء على مسطرة تختلف‬
‫حسب نوعية المجالس الترابية الثالث المكونة للنظام الالمركزي بالمغرب‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ب‪ -‬التوقيف‪ :‬يعتبر بمثابة إجراء تأديبي تباشره السلطة المركزية اتجاه رؤساء أو أعضاء المجالس‬
‫الترابية‪ ،‬كما يمكن أن يشمل المجالس برمتها‪ ،‬وهو أيضا إجراء يختلف من حالة ألخرى‪.‬‬
‫ج‪ -‬الحل‪ :‬وهو إجراء تأديبي تباشره السلطات المركزية اتجاه المجالس الترابية‪ ،‬ويكون ذلك بواسطة‬
‫مراسيم حكومية يتم التداول بخصوصها داخل مجلس الوزراء‪ ،‬غير أن القانون لم يحدد الحاالت التي‬
‫يمكن أن يتم بموجبها هذا الحل‪ ،‬بل أكد فقط على أن هذا الحل يجب أن يكون بواسطة مرسوم مدعما‬
‫بأسباب‪ ،‬أي أن يكون قرار الحل معلال تعليال قانونيا واضح‪ ،‬مما يجعل اتخاذ قرار حل المجالس الترابية‬
‫خاضعا للسلطة التقديرية للسلطة المركزية التي تمارس الرقابة اإلدارية على هذه الهيئات الالمركزية‪.‬‬
‫غير أن أهم األسباب التي تدعو السلطات المركزية على اتخاذ هذه اإلجراءات التأديبية هي قيام الهيئات‬
‫الترابية الالمركزية بأعمال غير شرعية‪ ،‬ذات جسامة كبيرة‪ ،‬أو تقصيرها وإهمالها في قيامها بأعمالها‬
‫كما هو محدد لها قانونيا‪.‬‬

‫البند الثاني‪ :‬الرقابة على األعمال‬


‫تمارس السلطة المركزية رقابة على أعمال مختلف الجماعات الترابية‪ ،‬وذلك حتى ال تزيغ هذه المجالس‬
‫عن احترام مبدأ الشرعية‪ ،‬بمعنى أن ال تكون هذه األعمال متناقضة مع التوجهات العامة التي خططت‬
‫السلطات العليا المركزية تسيير شؤون البالد عليها‪ ،‬وكذا أن ال تكون مخالفة للقوانين والمراسيم‬
‫التنظيمية‪ ،‬وتتجلى هذه المراقبة فيما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬مقاضاة السلطات المركزية‪ :‬حيث أنه في هذا اإلطار يمكن للسلطة المركزية أن تلتجئ للقضاء اإلداري‬
‫لمقاضاة الهيئات الالمركزية إذا ما اتسمت أعمالها بمخالفة مبدأ الشرعية‪ ،‬وهي حالة ناذرة الوقوع حيث‬
‫ال يمكن اللجوء إليها إال أذا لم يكون أمام السلطة المركزية أي وسيلة أخرى لوقف تنفيذ األعمال الغير‬
‫المشروعة‪.‬‬
‫ب‪ -‬صالحية السلطة المركزية في أن تقوم بنفسها بعملية إبطال مقررات السلطات الالمركزية إذا تبين لها‬
‫عدم مشروعيتها‪.‬‬
‫ج‪ -‬خضوع بعض األعمال الصادرة عن السلطات الالمركزية لموافقة السلطات المركزية وهي ما تعرف‬
‫"بالمصادقة"‪ :‬حيث أنه هناك من األعمال الصادرة عن الهيئات الالمركزية التي ال يمكن أن تدخل حيز‬
‫التنفيذ إال بعد المصادقة عليها من طرف السلطة المركزية (وزارة الداخلية أو ممثليها الوالي أو العامل‬
‫على الصعيد الالممركز)‪ ،‬وتأ خذ هذه المصادقة شكلين‪ :‬المصادقة الصريحة‪ ،‬وذلك عندما يفرض القانون‬
‫ضرورة اإلجابة الصريحة بعد توصل السلطة المركزية بمقررات المجالس التداولية للهيئات الالمركزية‪.‬‬
‫وهناك المصادقة الضمنية‪ ،‬وهي التي يحدد القانون ضرورة مرور أجل معين ابتدأ من تاريخ توصل‬
‫السلطات المركزية أو ممثليها على الصعيد الالممركز بمقررات األجهزة التداولية للهيئات الالمركزية‪.‬‬
‫د‪ -‬إمكانية حلول السلطة المركزية محل مجالس الهيئات الترابية لممارسة االختصاصات المسندة لها‬
‫بموجب القانون‪ ،‬لكن هذه اإلمكانية ليست على إطالقها يمكن للسلطات المركزية ممارستها متى شاءت‪،‬‬
‫بل هي مقرونة برفض رؤساء مجالس الجماعات الترابية أو امتناعهم عن القيام بانجاز األعمال‬
‫المفروض عليهم القيام بها بموجب القانون‪ ،‬لكن طبعا شريطة أن تكون السلطات المركزية أو ممثليها‬
‫على الترابيين قد أمرت السلطات الالمركزية بالقيام بإنجاز مهامها كما هي مفروضة عليها قانونا لكن‬
‫رفضت القيام بذلك‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫غير أن هذه الصالحيات المخولة للسلطات المركزية يجب أن تمارس في الحدود التي حددها القانون حتى‬
‫ال تمس باستقالل الجماعات الترابية باعتبارها اختصاصات ذات طابع دستوري وحددها القانون‪ ،‬ومن‬
‫أهم تطبيقات هذه الحدود‪:‬‬
‫أ‪ -‬الجماعات الترابية هي صاحبة االختصاص األصيل في ممارستها لصالحياتها وبتالي اتخاذ القرارات‬
‫التي تراها مناسبة لتحقيق أهدافها التنموية على الصعيد الترابي‪ ،‬وبتالي ال يمكن للسلطة المركزية اتخاذ‬
‫قرارات أو الحلول محلها إال إذا كان هناك نص قانون صريح يجيز ذلك‪.‬‬
‫ب‪ -‬ليس لسلطة الرقابة في الحاالت التي ينص القانون على خضوع أعمال الهيئات الالمركزية لرقابتها‬
‫إال أن توافق على تلك األعمال أو ترفضها‪ ،‬جملة وتفصيال وليس من حقها أن تقوم بتعديل تلك األعمال أو‬
‫استبدالها بغيرها‪.‬‬
‫ج‪-‬تصديق السلطات المركزية على مقررات الهيئات الالمركزية ال يعني تقييد حرية هذه المجالس الترابية‬
‫في التراجع عن تنفيذ بعض مقرراتها التي سبق وأن اتخذتها‪ ،‬كما أن عدم تصديق سلطات الرقابة ال يعني‬
‫قبر المشروع المعترض عليه‪ ،‬إذ يمكن للهيئات الالمركزية في هذا اإلطار أن تطلب من سلطة الرقابة‬
‫إعادة النظر في أسباب الرفض وفي حالة التعنت يمكن االلتجاء للقضاء اإلداري لحل النزاع‪.‬‬
‫ج‪ -‬تتحمل مجالس الهيئات الترابية مسؤوليتها عن أعمالها من تاريخ شروعها في تنفيذها وليس من تاريخ‬
‫مصادقة السلطات المركزية عليها‪.‬‬
‫د‪ -‬من حق رؤساء الجماعات الترابية اللجوء للقضاء اإلداري للطعن في قرارات السلطات المركزية‪.‬‬
‫ومن خالل ما سبق يتضح لنا الدور الذي تلعبه الوصاية أو الرقابة اإلدارية باعتبارها صلة وسط بين‬
‫السلطة المركزية والسلطات الالمركزية وبذلك فإن هذه الرقابة تحقق هدفين أساسيين كالتالي‪:‬‬
‫الهدف األول‪ :‬إداري‪ ،‬إذ يضمن حسن سير المرفق العمومي الترابي وذلك عبر الرفع من قيمة خدماته‬
‫بجودة أكبر وتكلفة أقل‪.‬‬
‫الهدف الثاني‪ :‬سياسي‪ ،‬يتجلى في وحدة الدولة السياسية ووحدة االتجاه اإلداري‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تمييز الرقابة اإلدارية عن الرقابة السياسية‬


‫للقيام بمقارنة صـحيحة بـين الرقابة اإلداريـة علـى الوحـدات الالمركزية‪ ،‬وبين السلطة الرئاسية التي‬
‫يمارسها الرؤسـاء علـى المرؤوسين‪ ،‬نعود لنتذكر أساس كل منهما‪ ،‬لننطلق من هذا األسـاس للتعـرف‬
‫علـى النتائج‪ ،‬والوقوف على الفوارق‪.‬‬
‫ففي مجال أساس كل منهما نالحظ أن أسلوب الالمركزية تقوم على أساس استقالل الوحـدات الالمركزية‪.‬‬
‫حيث أنه إذا ما تقـررت رقابـة إداريـة علـى الوحـدات الالمركزية ألسباب أو ألخرى فإنه ال يجوز‬
‫أن تصل هذه الرقابة إلى حد إهـدار استقالل الوحدات الالمركزية‪.‬‬
‫ونتيجة ذلك أن تـصبح الرقابـة اإلدارية رقابة مشروطة‪ ،‬مقيدة غير مطلقة‪ ،‬ومن ثم فإنه ال يجوز‬
‫إعمالهـا إال حيـث يجيز النص ذلك‪ ،‬وفي حدود ما يرد بالنص‪ ،‬دون توسع في التفسير‪ ،‬ودون‬
‫االلتجـاء إلى القياس‪.‬‬
‫فإذا انتقلنا إلى ميدان تطبيق وإعمال السلطة الرئاسية‪ ،‬فإننا نجدها تعمـل فـي ظل أسلوب المركزية‬
‫اإلدارية‪ ،‬وأنها تقوم على أساس تدرج الـسلم اإلداري‪ ،‬والـذي يقوم على أساس التبعية الهرمية‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫ومؤدى ذلك أن تكون سلطة الرئيس على مرؤوسـيه سـلطة تامة ذات اختصاص شامل‪ ،‬وتنشط‬
‫دون نص على أعمالها‪ .‬وهي لذلك تشمل سـلطة إقرار أعمال المرؤوسين والقيام بعملهم ‪ .‬كل ذلك‬
‫دون حاجة لنص‪ ،‬ودون قيـد علـى الرئيس اإلداري‪ ،‬إال قيد المـشروعية الـذي يلـزم كـل أعـضاء‬
‫اإلدارة رؤسـاء ومرؤوسين‪ ،‬أن تكون تصرفاتهم وأعمالهم متفقة مع صحيح القانون نصاﹰ وروحاﹰ‬
‫أي مبدأ الشرعية‪.‬‬
‫وانطالقاﹰ من التعرف على أساس كل من الرقابة اإلدارية والسلطة الرئاسـية‪ ،‬نستطيع أن نستخلص‬
‫الفوارق بينهما كالتالي‪:‬‬
‫أ‪ -‬ال توجد الرقابة اإلدارية إال في العالقة بين سلطة إدارية أعلى وجهة أخرى متمتعة بالشخصية‬
‫المعنوي ة‪ ،‬أما السلطة الرئاسية فتمارس في غير ذلك من الحاالت‪ .‬حيث تمارس السلطة الرئاسية‬
‫في عالقة الرؤساء بالمرؤوسين داخل اإلدارات المركزية‪ ،‬أو فيما يتعلق بالسلطة الرئاسية على‬
‫المستوى المركزي والموظفين التابعيين لها على المستوى الالممركز بمختلف العماالت واألقاليم‪.‬‬
‫ف مثال عالقة رئيس الجامعة بعمداء الكليات ومختلف العاملين هي عالقة سلطة رئاسية أما عالقة‬
‫هؤالء جميعا بوزير التعليم العالي فهي عالقة رقابة إدارية‪ ،‬ونفس األمر بالنسبة لرؤساء مجالس‬
‫الهيئات الترابية بمختلف الموظفين بهذه الوحدات الترابية فهي عالقة سلطة رئاسية‪.‬‬
‫ب‪ -‬الرقابة اإلدارية ال توجد إال بموجب نص صريح بينما تقرر السلطة الرئاسية عكس ذلك دون‬
‫حاجة إلى نـص‪ ،‬باعتبارهـا أمـراﹰ طبيعيـاﹰ تفرضه طبيعة األسلوب المركزي‪ ،‬كما أنه في إطار‬
‫الرقابة اإلدارية يشترط أن ال تفقد الوحدات الالمركزية استقاللها‪ ،‬إال استثناء وفق ما حدده القانون‬
‫في هذا اإلطار‪ ،‬واالسـتثناء ال يكون إال بنص‪ ،‬وهي ال تتقرر إال لضرورة‪ ،‬والضرورة تقدر‬
‫بقدرها‪.‬‬
‫ج‪ -‬للرئيس اإلداري حق إصدار أوامر لمرؤوسيه‪ ،‬وله أن يعدل في قراراتهم‪ ،‬فـإذا انتقلنا إلى‬
‫الرقابة اإلدارية فإننا نجد أنه ال يجوز للسلطة المركزيـة إصـدار أوامر للهيئات الالمركزية أو‬
‫تعديل قراراتها‪ ،‬وما ذلك إال ألن الهيئات الالمركزية تتمتع بالشخصية المعنوية المستقلة‪ ،‬وإتاحة‬
‫إصدار األوامر إليها يفقد الهيئات الالمركزية استقاللها وهـو ركن أصيل في الالمركزية‪.‬‬
‫وتفريعاﹰ على ذلك فإنه ال يجوز للسلطة التنفيذية أن تعدل في قرارات الهيئات الالمركزية‪ ،‬وكل ما‬
‫تملكه سلطات الرقابة اإلداريـة هو أن تقر قـرارات الهيئـات الالمركزيـة أو أن تـرفض إقرارها‪،‬‬
‫أما أن تعدل في هذه القرارات فذلك أمر يعني أنها تـصدر إلـى هـذه الهيئات أوامر‪ ،‬وهو أمر غير‬
‫جائز لمساسه باستقالل هذه الهيئات‪.‬‬
‫د‪ -‬إذا كان للرئيس اإلداري حق الحلول محل المرؤوس في عمله‪ ،‬إعمـاالﹰ لمبـدأ السلطة الرئاسية‪،‬‬
‫فإن الرقابة اإلدارية ال تجيز للسلطة المركزية الحلول محـل الهيئات الالمركزية في عمل يعقد‬
‫القانون االختصاص به للوحدات الالمركزيـة‪ ،‬وتعتبر هذه القاعدة نتيجة لمبدأ استقالل الهيئات‬
‫الالمركزية ‪.‬‬
‫ه‪ -‬ينسب عمل المرؤوس إلى الرئيس وبالتالي ترفع الدعاوى في المركزية اإلدارية على الرئيس‬
‫التسلسلي األعلى وهو الوزير ولو كان الفعل الضار صادرا عن أدنى درجات السلم اإلداري داخل‬
‫وزارته كقاعدة‪ ،‬بينما ال ترفع دعاوى الطعن في قرارات الهيئات الالمركزية أو دعاوى المسؤولية‬

‫‪7‬‬
‫عن أعمالها على سلطة الرقابة اإلدارية بل على الممثل القانوني للشخص المعنوي كرئيس الجماعة‬
‫الترابية أو مدير المؤسسة العمومية‪.‬‬
‫ويترتب على تقرير استقالل الهيئات الالمركزية‪ ،‬وأنه ال يجوز أن تنال الرقابة اإلدارية من هذا‬
‫االستقالل‪ ،‬وأن تتحمـل الهيئـات الالمركزية كامل المسؤولية عن تصرفاتها وأعمالها ‪ .‬بل وتنعقد‬
‫المسؤولية علـى كاهل الهيئات الالمركزية حتى ولو صاـدقت الـسلطة المركزيـة علـى هـذه‬
‫التصرفات وأقرتها‪.‬‬
‫وذات الحكم إذا حدث وحلت السلطة المركزية محل الهيئـة الالمركزية في عمل ما في الحاالت‬
‫وبالشروط واإلجراءات التـي يـستلزمها القانون فإن الهيئة المركزية هي المسؤولة أيضاﹰ عن هذا‬
‫العمل‪ ،‬ألنه يعتبر من وجهة نظر القانون صادراﹰ عن الوحـدة الالمركزيـة ذاتها وتحت‬
‫مسؤوليتها‪.‬‬
‫هذه هي أهم الفوارق التي تميز بين الرقابة اإلدارية والسلطة الرياسية ‪ .‬وهي في مجموعها عدد‬
‫من النتائج المترتبة على التباين بين األساس الذي ترتكز إليه كـل منهما‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬تمييز الالمركزية اإلدارية عما يشابهها من األنظمة اإلدارية‬
‫إذا كان أسلوب الالمركزية له مميزاته الخاصة فإنه وال شك يقترب من أسلوبين اثنين هما‪ :‬عدم‬
‫التركيز اإلداري أو لالتمركز اإلداري‪ ،‬والالمركزية السياسية أو النظام الفيدرالي‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الالمركزية اإلدارية والالتمركز اإلداري‬
‫توجد عدة أوجه التشابه بين الالمركزية وعدم التركيز اإلداري تتجلى في أن كالهما يؤديان إلى‬
‫توزيع السلطات اإلدارية وإلى عدم تركيزها في يد سلطة واحدة‪ ،‬مما يساعد على السرعة في البت‬
‫في األمور اإلدارية إال أنهما يختلفان في عدة أوجه كالتالي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬عدم التركيز اإلداري يقوم على عنصر التعيين‪ ،‬بينما الالمركزية تقوم على االنتخاب سواء‬
‫أكان هذا االنتخاب مباشرا أو غير مباشر‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬عدم التركيز اإلداري هو صورة من صور المركزية بينما الالمركزية هي مبدأ مقابل‬
‫ومختلف تماما عن المركزية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن السلط المعترف بها لبعض األشخاص أو لبعض الهيئات في عدم التركيز اإلداري للبت‬
‫في األمور دون الرجوع للمركز‪ ،‬وكذا االستقالل الذي يتمتعون به في هذا اإلطار هو استقالل‬
‫عارض يجوز سحبه في أي وقت من طرف الوزير باعتباره يمارس السلطة الرئاسية بما تحمله‬
‫من معاني وأحكام‪ ،‬بينما استقالل الهيئات الالمركزية فهو استقالل أصيل مستمد من الدستور أو‬
‫القانون وليس منحة أو تفضيل من السلطة المركزية‪ ،‬وبتالي فهي تتحمل مسؤولياتها عن‬
‫تصرفاتها‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬إذا كان كال األسلوبين عدم التركيز اإلداري‪ ،‬والالمركزية اإلدارية يؤديان إلى توزيع‬
‫االختصاصات وعدم تركيزها في يد واحدة‪ ،‬فإن الفارق بين النظامين فارق في الجوهر والطبيعة‬
‫وليس في الدرجة والمدى‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الالمركزية اإلدارية والالمركزية السياسية (الفيدرالية)‬
‫من المعلوم أن الدول تنقسم من حيث طبيعة تكوينها إلى دول بسيطة ودول مركبة‪ ،‬حيث أن الدول‬
‫البسيطة يمارس بها السيادة سلطة واحدة في العاصمة‪ ،‬تملك سلطة التشريع والتنفيذ والقضاء‪،‬‬
‫سواء أكانت هذه الدول تأخذ بأسلوب المركزية أو الالمركزية فيما يتعلق بممارسة الوظيفة‬
‫اإلدارية‪.‬‬
‫أما الدول المركبة فهي تلك الدول التي تتكون من عدة دويالت أو واليات كما هو الشأن بالنسبة‬
‫للواليات المتحدة األمريكية وسويسرا‪ ،‬حيث أن ممارسة السيادة ال تتركز في الحكومة المركزية‬
‫وحدها‪،‬إنما تتوزع هذه السيادة بين الحكومة االتحادية (المركزية) وبين الواليات‪،‬إذ نجد السلطة‬
‫التشريعية والتنفيذية والقضائية تمارسها السلطة المركزية على صعيد جميع أرجاء الدولة‪ ،‬وفي‬
‫نفس الوقت نجد الدويالت المكونة للدولة االتحادية لها برلمان وحكومة محلية وقضاء مستقلين عن‬
‫السلطة المركزية (الدولة االتحادية)‪.‬‬
‫إذن يتضح أن هناك فروق عدة بين الالمركزية اإلدارية والالمركزية السياسية تتضح فيما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن الالمركزية السياسية ال توجد إال في الدول االتحادية‪ ،‬أما الالمركزية اإلدارية فتوجد في‬
‫جميع الدول سواء أكانت بسيطة أم مركبة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الالمركزية السياسية تظهر من خالل ممارسة السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية من‬
‫طرف الدويالت المكونة للدولة االتحادية‪ ،‬بينما الالمركزية اإلدارية فتنحصر في تقاسم ممارسة‬
‫الوظيفة اإلدارية بين الدولة والهيئات الترابية الالمركزية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬ال سلطان للبرلمان االتحادي على االختصاصات التي تتمتع بها الدويالت‪ ،‬حيث أن تعديل‬
‫هذه االختصاصات ال تتم إال من خالل تعديل الدستور االتحادي‪ ،‬بينما اختصاصات الهيئات‬
‫الترابية في ظل النظام الالمركزي فهي محددة بموجب القانون أي التشريع العادي‪ ،‬وبالتالي‬
‫فالبرلمان له صالحيات واسعة لتضييق أو توسيع صالحيات هذه الهيئات الالمركزية حسب ما‬
‫تمليه الظروف االقتصادية واالجتماعية والسياسية بالبالد‪.‬‬
‫ومن هنا فإن كال النظامين بينهما فروق كبيرة وبتالي فإن الفرق بينهما هو‪:‬‬
‫‪ -‬فرق في الطبيعة والجوهر وليس في الدرجة والمدى‪،‬‬
‫‪ -‬الالمركزية اإلدارية هي ظاهرة إدارية بينما الالمركزية السياسية ظاهرة سياسية وهي أوسع‬
‫مجاال من الالمركزية السياسية‪ ،‬وهي لها ارتباط وثيق بالقانون الدستوري والقانون الدولي بينما‬
‫الالمركزية اإلدارية لها ارتباط وثيق بالقانون اإلداري‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬تقدير نظام الالمركزية اإلدارية‬
‫لنظام الالمركزية اإلدارية عدة مزايا تساهم والشك في تحقيق أهدافها األساسية المتمثلة في تحقيق‬
‫الديمقراطية المحلية وتقريب اإلدارة من المواطنين‪...‬غير أن ذلك لم يمنع من وجود عدة عيوب‬
‫ومساوئ تعتري هذا النظام‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬مزايا الالمركزية اإلدارية‬
‫‪9‬‬
‫أوال‪ :‬الالمركزية اإلدارية نظام ديمقراطي‪ :‬حيث أنها تسمح للمواطنين داخل المجال الترابي الذي‬
‫ينتمون إليه في االشتراك والمساهمة في تدبير شؤونهم الترابية بأنفسهم‪ ،‬وذلك عبر انتخاب ممثليهم‬
‫في المجالس التداولية للهيئات الالمركزية‪ ،‬مما يمكنهم من اتخاذ القرارات التي تتناسب‬
‫وخصوصياتهم المحلية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الالمركزية اإلدارية مدرسة للناخبين‪ :‬حيث يساعد هذا النظام على تربية الناخبين والممثلين‬
‫في المساهمة في الشؤون العامة‪ ،‬فضال على مد الهيئة التشريعية بمنتخبين ذوي تجربة تمرسوا‬
‫على تدبير الشؤون الترابية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الالمركزية اإلدارية تعمل على تخفيف العبء على السلطة المركزية وعلى ممثليها في‬
‫األقاليم والجهات‪ ،‬في ظل تزايد حاجيات المواطنين الواجب االستجابة لها بمختلف الوحدات‬
‫الترابية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬تساهم الالمركزية اإلدارية في التخفيف العبء على السلطة المركزية‪ ،‬حيث أن تركيز كل‬
‫النشاطات االقتصادية والتنموية والثقافية والسياسية في العاصمة سوف يتسبب في االختالف في‬
‫مستوى التقدم والنمو بين أبناء المجتمع الواحد ضمن الدولة الواحدة‪ ،‬إلى أن جاء الحل باعتماد‬
‫نظام الالمركزية اإلدارية حيث إن هذا النظام أقدر على معرفة متطلبات الوحدات المحلية‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬يوفر األخذ بنظام الالمركزية اإلدارية العدالة في توزيع الضرائب‪ ،‬فتنال كل وحدة إدارية‬
‫محلية نصيبها من الضرائب إلدارة مرافقها المحلية‪ ،‬أما في ظل المركزية اإلدارية فإن مرافق‬
‫العاصمة سوف تطغى على حساب المدن الصغرى والوحدات اإلدارية الصغرى‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬الالمركزية اإلدارية تصمد أكثر خاصة خالل أوقات األزمات التي تعرفها البالد‪ ،‬حيث أن‬
‫كل وحدة ترابية تتخذ اإلجراءات الضرورية لتجنب األسوأ خاصة في ظل الحروب‪ ،‬أو األوبئة‪ ،‬أو‬
‫بعض الكوارث الطبيعية‪ ،‬بدل ترك السلطة المركزية تواجه ذلك لوحدها من العاصمة‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬عيوب نظام الالمركزية اإلدارية‬
‫أوال‪ :‬وجود هيئات المركزية متعددة قد يمس بوحدة الدولة وبتماسك الوظائف اإلدارية‪ ،‬وذلك في‬
‫ظل صعوبة الفصل بين القضايا الوطنية والترابية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬وجود هيئات محلية أقل خبرة وكفاءة وأكثر إسرافًا من السلطات المركزية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬وجود تنافس غير ايجابي بين الوحدات الترابية ‪ ،‬مما يؤدي إلى عدم التنسيق بينهم فيما يتعلق‬
‫بالتخطيطات والمشاريع المشابهة مما يزيد من النفقات العمومية ويقلل من فرص تحقيق الترابية‬
‫المستدامة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬قد يؤدي تطبيق نظام الالمركزية إلى تغليب المصالح اإلقليمية على المصالح الوطنية األكثر‬
‫أهمية وحيوية‪ ،‬كما أنها قد تؤدي إلى المساس بوحدة الدولة اإلدارية‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬عدم قدرة المجالس المحلية بإمكاناتها المادية واإلدارية والفنية على مواكبة متطلبات‬
‫العصر األمر الذي يقتضي وضع خطة إنمائية شاملة تطبق على مستويات إدارية واسعة‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬تحتاج الالمركزية اإلدارية إلى نفقات مالية كبيرة تتحملها خزينة الدولة‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫وأخيرا ً ال بد من كلمة للرد على هذه االنتقادات غير الجديّة في أن العيوب التي يوجهها خصوم‬
‫الالمركزية اإلدارية إلى هذا النظام ال تناسب مطلقا ً المزايا التي يحققها نظام الالمركزية‪ ،‬كما أنها‬
‫عيوب ال تصيب جوهر النظام بقدر ما تعبّر عن أسلوب سيئ في تطبيقه‪ .‬فال يمكن لالمركزية‬
‫اإلدارية أن تهدد وحدة الدولة إطالقا ً ألنها المركزية في المجال اإلداري‪ ،‬فضالً عن أن الرقابة‬
‫التي تمارسها السلطة المركزية تكفل إلى حد كبير هذه الوحدة‪.‬‬
‫كما أن القول إن الهيئات المحلية تفتقر إلى الخبرة والدراية فهذا أمر طبيعي‪ ،‬ولكن الحل ال يكون‬
‫بإلغاء النظام‪ ،‬بل بتعزيزه وتمكينه من خالل تقديم المساعدات الفنية والمالية والبشرية لإلدارة‬
‫الالمركزية‪.‬‬
‫باختصار إن اعتماد نظام الالمركزية اإلدارية يعد وسيلة من الوسائل لتحقيق إدارة سليمة للبالد‪،‬‬
‫وال يجوز التقليل من هذا النظام لكونه يعد بمنزلة صدى لنداء الحرية السياسية وحق الشعوب في‬
‫إدارة شؤونهم وفق مبادئ الديمقراطية‪.‬‬

‫‪11‬‬

You might also like