Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 69

‫‪Nº 1 - 2020‬‬ ‫كتب السفير العربي‬

‫الفساد و النهب‬
‫في ممارسة السلطة‬
‫حالتا الجزائر والعراق‬

‫داحو جربال‪ ،‬رشيد سيدي بومدين‪ ،‬محسن أحمد علي‬ ‫مساهمات‬


‫ّ‬
‫الجفال‬ ‫عبد الرحمن المشهداني‪ ،‬عمر‬

‫نهلة الشهال‬ ‫إشراف‬


‫كتب السفير العربي‬
‫‪Nº 1‬‬

‫‪2020‬‬

‫تقاطعات‬
‫تقاطعـات جمعيـة مسـجلة يف لبنـان‪ ،‬هدفهـا االضاءة على مواقع مقاومـة الخراب يف العـامل العريب‪،‬‬
‫الـذي تجتاحـه الحـروب وتعـاين مجتمعاتـه مـن االفقـار ومن أشـكال متنوعـة من العنـف‪ .‬املرشوع‬
‫الرئيسي ل"تقاطعـات" هـو املجلـة االلكرتونية "السـفري العـريب" التي تأسسـت يف العام ‪2012‬‬

‫السفير العربي‬
‫السـفري العـريب" منصـة إعالميـة مسـتقلة‪ ،‬توفـر تحليالت تخـص العامل العـريب بأقالم كاتباتهـا وكتابها‬
‫وجميعهـم فاعلـون يف مجتمعاتهـم‪ ،‬منغرسـون فيها ومعنيون بشـؤونها‪.‬‬
‫ويحـرص السـفري العـريب على تقديـم تلـك النصـوص الجـادة والجديـدة بلغـة يسيرة لـكل القـراء‬
‫وليـس لألكادمييين فحسـب‪.‬‬
‫‪www.assafirarabi.com‬‬ ‫هـدف املنصـة هـو التقـاط تعبيرات الواقع عن نفسـه حتـى عندما تكـون متوارية السـباب مختلفة‬
‫أو تكـون يف حالتهـا األوليـة‪ ،‬وباالخـص منها محـاوالت مواجهة الخـراب القائم‪.‬‬
‫اسـتفاد هـذا املشروع الـذي انجزتـه‬ ‫وال يسـتثني "السـفري العـريب" مـن دائـرة اهتاممـه أي جـزء مـن املنطقـة العربيـة وال أي فئـة‪ ،‬وال‬
‫تقاطعـات ‪ /‬السـفري العـريب مـن دعم‬
‫مؤسسـة فورد‬ ‫يخضـع ألي رقابـة أو ضغـوط‪.‬‬
‫الفساد و النهب في ممارسة السلطة‬

‫ا لمحتو يا ت‬
‫حالتا الجزائر والعراق‬

‫اإلطار العام‬ ‫‪07‬‬


‫ما هو الفساد‪ ،‬من هو الفاسد؟‬ ‫‪08‬‬
‫نهلة الشهال‬

‫الجزء األول‪ :‬الجزائر‬ ‫‪13‬‬


‫الفساد كمنظومة سلطة في الجزائر‬
‫داحو جربال‬ ‫‪15‬‬

‫تشريح الفساد‪ :‬حالة الجزائر‬


‫رشيد سيدي بومدين‬ ‫‪57‬‬

‫الجزء الثاني‪ :‬العراق‬ ‫‪91‬‬


‫الفساد كطريقة حكم في العراق ما‬ ‫‪93‬‬
‫بعد ‪2003‬‬
‫محسن احمد علي‬
‫عبد الرحمن المشهداني‬
‫عمر الجفال‬

‫هذا العمل متوفر كذلك باالنجليزية والفرنسية‬


‫‪7‬‬ ‫اإلطار العام‬

‫اإلطار العام‬
‫نهلة الشهال‬

‫نهلة الشهال استاذة علم االجتامع السيايس ومديرة جمعية تقاطعات ورئيسة تحرير السفري العريب‬
‫‪9‬‬ ‫اإلطار العام‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪8‬‬

‫االشرتايك‪.‬‬
‫ما هو الفساد‪ ،‬من هو الفاسد؟‬
‫وهـو منظومـة ريـع بـدت كنظـام ضبـط سـيايس واقتصـادي‪ ،‬حيـث تخضـع ضمنـه عالقـات الدولـة‬
‫مبؤسسـاتها‪ ،‬والشركات برشكائهـا‪ ،‬واملجتمـع املـدين مبنظامتـه‪ ،‬عـن طيب خاطـر أو بالقـوة‪ ،‬إىل منطق‬ ‫ليـس الفسـاد ع َرضـاً ميكـن معالجتـه بذاتـه وبتدابري تخصـه‪ ،‬بل هو موظّـف لتمكني الحاكـم ‪/‬الحكام‪،‬‬
‫تحكـم ريعـي يحـدد حصص جميـع املوارد الوطنيـة (البرشية‪ ،‬الطبيعيـة‪ ،‬املالية‪ ،‬التقنيـة والتنظيمية)‪،‬‬ ‫والسـتدامة سـلطتهم وهيمنتهـم‪ .‬وهـو قـد يكون أشـد فعاليـ ًة من القمع متنوع األشـكال الـذي ينهال‬
‫وطـرق تنميتهـا وتوزيـع الدخـل الناتـج عنهـا‪ .‬وقـد أصبـح الفسـاد مرحلـ ًة "رضوريـة" للحصـول على‬ ‫على املجتمـع‪ ،‬ومـن اإلخضـاع بالتدجين‪ ،‬وبتيئيس الناس مـن التغيري‪ ،‬كما بإفقارهم‪ .‬يتغلغل الفسـاد‬
‫العديـد مـن الخدمـات العمومية‪.‬‬ ‫يف كل مـكان ويُشرِك معـه بدرجـات متفاوتـة عـددا ً واسـعاً مـن النـاس‪ ،‬أو يقودهـم إىل التواطؤ معه‪،‬‬
‫أو ‪ -‬على األقـل ‪ -‬إىل القبـول بـه لتيسير حياتهـم‪ .‬كما توجـد رشائـح اجتامعيـة تسـتفيد منـه بشـكل‬
‫وأما املراسـيم فقد ُوضعت لتجنب مناقشـة الخيارات الرئيسـية من قبل املجالس املنتخبة والسـلطات‬ ‫خـاص ألنهـا ُمسـتامل ٌة إىل السـلطات القامئـة بفضـل اعتبـارات أيديولوجية أحيانـاً‪ ،‬أو النتماءات قبلية‬
‫املفوضـة دميقراطيـاً‪ .‬وهـي أدوات مبتكـرة لضمان توسـيع رقعة منظومة الكسـب الجديد‪ ،‬وللسماح‬ ‫أو مذهبية‪.‬‬
‫للسـلطة التنفيذيـة باالنفـراد لوحدهـا بتقييـم القضايا االقتصاديـة‪ ،‬وإليجاد آليات تحكيـم بني املصالح‬
‫املتناقضـة بهـدف إنتـاج ريـوع أكثر‪ ،‬وتنظيـم حصـص توزيعهـا‪ .‬ويعتبر جربـال أن هنـاك عالقـ ًة بين‬ ‫تناولـت أبحـاث كثيرة مسـألة الفسـاد باعتبارهـا مـؤرشا ً على الحكـم غير الرشـيد‪ ،‬وعلى انعـدام‬
‫الفسـاد والدميقراطيـة‪ .‬فظهـور "مامرسـات براغامتيـة" للسـلطة يسـتند إىل نظـام املبالـغ املقطوعـة‪،‬‬ ‫الشـفافية‪ ،‬وكإخفـاق يف نظـم املراقبـة واملحاسـبة‪ ،‬أو كضعـف يف سـلطة القانـون‪ .‬وقـد شـاع هـذا‬
‫وتوزيـع الهبـات‪ ،‬وتقسـيم الفضـاءات واألمكنـة والجهـات الفاعلـة فيما يتعلق بـإدراك ما هـو قانوين‬ ‫التأطير ملسـألة الفسـاد داخـل الخطـوط النظرية واملعايير الدولية التي رسـمتها منظمات مثل البنك‬
‫ومـا هـو غير قانـوين‪ ،‬مـا هـو أخالقـي أو غير أخالقي‪ ،‬ومـا هو رشعـي أو غير رشعي‪...‬‬ ‫وصنـدوق النقـد الدوليين‪ ،‬أو منظمـة "الشـفافية العامليـة" الخ‪ ..‬التـي ركزت عىل املحسـوبية والرسقة‬
‫ومـلء جيـوب املتنفذيـن‪ ،‬أو اقرتحـت إجـراءات لحاميـة املبلّغين عـن الفسـاد‪ ،‬وتحسين القـدرة عىل‬
‫وهـو يقـدم أمثلـ ًة عديـدة من واقع الجزائـر لتوضيح مقاربته تلـك‪ ،‬فيحلل "الفضائح" التي انكشـفت‪،‬‬ ‫الوصـول للمعلومـات‪ ،‬وإفسـاح املجـال للمجتمـع املـدين‪ ،‬وإرسـاء املحاسـبة املجتمعيـة‪ ...‬وقـ ّدم ذلك‬
‫ومنطـق املحاكمات التـي أحاطت بها‪ ،‬ثـم األحكام الصادرة بحـق أبطالها‪.‬‬ ‫كلـه قاعـدة بيانـات كبيرة ومفيدة‪.‬‬
‫تقصيه للفسـاد يف الجزائر‪ ،‬عام يُعترب فسـادا ً‪ِ ،‬‬
‫مالحظاً أن هناك‬ ‫ويتسـاءل رشـيد سـيدي بومدين ‪ ، 2‬يف ّ‬ ‫رص‪ ،‬ألنـه ال يلتقط دينامية الفسـاد ووظيفته‪ .‬فلا بد أن لكل تلـك املظاهر صلة‬
‫لكـن ذلـك لوحـده قـا ٌ‬
‫تفرقـة ثقافيـة بين الفسـاد و"الرشـوة" املعروفـة عامـة باسـم "التشـيبا" أو "القهـوة"‪ ،‬وهـي َمبالغ من‬ ‫معنـى‪ ،‬ويجعلهـا "نُظْمـة"‪ .‬سـعت هـذه األبحـاث التـي أرشف عليها "السـفري‬
‫ً‬ ‫فيما بينهـا‪ ،‬مـا يعطيهـا‬
‫املـال يدفعهـا املواطـن العـادي للحصـول عىل الخدمات (البسـيطة أحيانـاً) أو أي حاجـات أخرى‪ ،‬عىل‬ ‫العـريب" وننرشهـا هنـا‪ ،‬لتفحـص هذه الفرضيـة‪ ،‬وكذلك لتعيين الظروف التـي تجعل الفسـاد مزدهرا ً‪.‬‬
‫الرغـم مـن أن القانـون يخـ ّول له ذلك‪.‬‬
‫وهنـاك بالطبـع عالقـة طرديـة بين اسـترشاء الفسـاد‪ ،‬وانهيار مشروع التحـرر الوطنـي – أو هزميته –‬
‫وتظهــر خاصيــة النظــام الزبائنــي يف الســاح بغ ـزارة للرتاخيــص بالتجــاوز‪ ،‬بــدءا ً مــن أعــى مراتــب‬ ‫والـذي ال ميكـن اعتبـار من َجـز التخلـص مـن االسـتعامر القديـم تحققـاً مكتملاً لـه‪ .‬وقـد ترافـق هـذا‬
‫هــرم الســلطة‪ ،‬مــا يضــع يف الوقــت نفســه الفئــات الدنيــا تحــت رحمــة الدوائــر الحاكمــة التــي‬ ‫النكـوص مـع الخصخصـات الواسـعة‪ ،‬التـي كانـت بابـاً جديدا ً للفسـاد‪.‬‬
‫ميكنهــا أن ت ُنــزل بهــا العقوبــات بقــدر مــا يلــزم‪ ،‬بحجــة مخالفــة القانــون املكتــوب‪.‬‬
‫وكذلـك يُال َحـظ تـواري آليـات اتخـاذ القـرار الحقيقيـة خلـف اإلخـراج الشـكيل للقـرارات‪ ،‬يف مـا نراه‬
‫وقــد الحــظ بومديــن كيــف أن شــبكات الريــع تعمــل "داخليــاً" كأنهــا يف عالقــة أرسيــة (األرسة‪،‬‬ ‫مجالـس وزراء أو برملانـات‪ .‬أو اللجـوء إىل املراسـيم‪ .‬وهـي التغطيـات القانونية للمامرسـات الفاسـدة‪.‬‬
‫القريــة‪ ،‬مجتمــع االنتــاء)‪ .‬وت ُ َكـ ّون أنســاق تبــادل التربعــات والهدايــا املعهــودة ‪ -‬واملتميــزة بطابعهــا‬
‫اإللزامــي وقـ ّوة وقعهــا ‪ -‬منظومــة مــن الحقــوق والواجبــات مح َّبــذة مــن قبــل املجتمــع‪ .‬ت ُقــوي هــذه‬ ‫يقـول دحـو جربـال ‪ 1‬يف ورقتـه عـن الجزائـر املعنونـة "الفسـاد كمنظومـة سـلطة"‪ ،‬إن الفسـاد ال‬
‫القاعــدة متاسـ َـك النظــام الزبائنــي مــن خــال إنشــاء التزامــات متبا َدلــة بــن أعضائــه‪ ،‬والحفــاظ عليهــا‬ ‫يعتبر مؤسسـاتياً عندمـا يكـون مع َّمماً فحسـب‪ ،‬وإمنـا حين يكـون منظَّامً عىل أسـاس شـبكات زبائ َن‬
‫وعــى دميومتهــا‪ .‬وهــو يعتــر أن النظــام يف الجزائــر صــار "نيــو باترميونالي ـاً"‪( ،‬ينتمــي إىل الدولــة‬ ‫تناوب‬
‫اجتامعيـة واقتصاديـة ُمث ّبتـة يف أجهـزة الدولـة‪ ،‬تعمل عىل نشره يف املجتمع من خالل أوسـاط ٍ‬
‫متفاوتـة‪ .‬وأنـه ظهـر بقـوة حيث عمـدت الدولة إىل احتـكار االقتصاد‪ ،‬سـواء يف النموذج الرأسمايل أو‬
‫‪ - 2‬عامل اجتامع من الجزائر‬ ‫‪ -- 1‬أستاذ التاريخ املعارص يف جامعة الجزائر ‪ 2‬يف العاصمة الجزائر‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫اإلطار العام‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪10‬‬

‫مــا جعــل ثــروات البــاد نهبــاً لــذوي النفــوذ والســيطرة داخــل العــراق وخارجــه‪ .‬وقــد ســجلت‬ ‫الغنامئيــة املعــارصة)‪.‬‬
‫املخالفــات املاليــة أرقامـاً مهولــة‪ ،‬وبلغــت قيمــة الهــدر املــايل مــا بــن ‪ 2003-2018‬مبلغـاً يزيــد عــن‬
‫‪ 350‬مليــار دوالر‪ .‬ويؤكــد الباحثــان أن هنــاك عالق ـ ًة وثيقــة بــن اســترشاء الفســاد وتفاقمــه‪ ،‬وبــن‬ ‫وتســتمد منظومــة النهــب والفســاد هــذه دميومتهــا مــن قبــول املجتمــع لهــا‪ ،‬حيــث هــي ال ت ُعتــر ‪-‬‬
‫العوامــل الخارجيــة املح ّرضــة عليــه والداعمــة لــه‪ ،‬إذ ترتبــط العديــد مــن حــاالت الفســاد بتحقيــق‬ ‫جزئيـاً عــى األقــل ‪ -‬رسقـ ًة عــى حســاب الجامعــة‪.‬‬
‫أهــداف اس ـراتيجية لــدول أخــرى‪ .‬ويتنــاول النــص مظاهــر الفســاد يف الع ـراق وقطاعاتــه‪ ،‬وكذلــك‬ ‫هكــذا يُصبــح املخطــط األيديولوجــي ‪ -‬الــذي يجعــل مــن النهــب فع ـاً مرشوع ـاً‪ ،‬ألنــه موج ـ ٌه يف‬
‫األدوات التــي تســتخدمها الســلطة لتأمــن اســتمرارها يف حكــم البــاد‪ ،‬وتلــك التــي توظفهــا ملحاولــة‬ ‫نهايــة األمــر ضــد دولــة مجهولــة‪ ،‬غــر محــددة‪ ،‬ويكرههــا النــاس منــذ فــرة طويلــة ‪ -‬منفــذا ً لنمــوذج‬
‫إرضــاء املجتمــع‪.‬‬ ‫اجتامعــي جديــد‪ .‬ويعطــي مثــاالً عــى ذلــك العمليــات الدوريــة لتوزيــع مســاعدات "للمعوزيــن"‪،‬‬
‫معرقـل فعلاً‪ ،‬منهـا عـدم‬
‫ٌ‬ ‫تواجـه األبحـاث يف موضوعـة الفسـاد خصوصـاً صعوبـات مختلفـة‪ ،‬بعضهـا‬ ‫أو تلــك التــي تخــص تســليم مســاكن عــى أســاس قوائــم تكــون محــل اعـراض دائــم‪ ،‬ألن الجميــع‬
‫وجـود معطيـات منشـورة‪ ،‬وعـدم السماح بالوصـول إىل الوثائـق‪ ،‬وعدم التوثيـق أصلاً‪ ،‬واالرتياب مبن‬ ‫يعتربهــا موضوعــة وفــق رشوط غامضــة‪ .‬ولكــن هــذه العمليــات تســاهم يف انغــاس املســتفيدين‬
‫يبحـث‪ ،‬واألذى الـذي ميكـن أن يَلحـق بـه حتى قبـل أن ينرش بحثه‪ .‬هـذا عالوة عىل صعوبـات تتعلق‬ ‫يف وحــل هــذا القبــول لنظــام ظــامل بشــكل واضــح‪ ،‬ولكنــه مفي ـ ٌد ملــن يعــرف كيــف يحافــظ عــى‬
‫بالباحثين أنفسـهم‪ ،‬مـن االعتياد على منهج هو الشـائع‪ ،‬ومحاكاته‪ ،‬إىل ضعف وجود املؤسسـات التي‬ ‫عالقــات جيــدة مــع وكالء الشــبكات‪ ،‬حتــى يضمــن وجــوده عــى تلــك القوائــم‪.‬‬
‫تحيـط بالباحثين وتسـندهم‪ ،‬أو انعدامها‪ ،‬إىل التنافـس عىل القليل املتوفر‪ ،‬إىل تراجع املسـتوى الثقايف‬ ‫وأمــا بخصــوص العـراق‪ ،‬فيعتــر الباحثــان محســن أحمــد عــي‪ 3‬وعبــد الرحمــن املشــهداين‪ ، 4‬اللــذان‬
‫واملعريف بشـكل عـام الخ‪..‬‬ ‫ـص موحــد راجعــه ودققــه الكاتــب عمــر الجفــال‪ ، 5‬أن احتــال القــوات األمريكيــة‬ ‫عمــا عــى نـ ٍ‬
‫ِ‬
‫يسـتوف بعد حقه مـن البحث واملحاولة‪ ،‬سـؤاله‬ ‫ويف خالصـة األمـر‪ ،‬ينتمـي هـذا الجهـد إىل هاجس مل‬ ‫للبــاد يف عــام ‪ ،2003‬وإســقاط النظــام الســيايس‪ ،‬ثــم تفكيــك معظــم مفاصــل الدولــة العراقيــة‪ ،‬ومــن‬
‫هـو‪ :‬كيف تحكم السـلطات القامئـة يف بلداننا؟‬ ‫ثــم إعــادة تشــكيلها وفــق رؤيــة االحتــال األمريــي وإدارة "الحاكــم األمريــي املــدين للعـراق"‪ ،‬بــول‬
‫كل ذلــك أدى إىل تح ـ ّول الفســاد مــن ظاهــرة ُيكــن محاربتهــا والســيطرة عليهــا‪ ،‬إىل نظــام‬ ‫برميــر‪ُّ ،‬‬
‫محمــي بقوانــن وترشيعــات‪ ،‬أو مامرســة يوم ّيــة محم ّيــة بقـ ّوة الســاح واإلعــام واملنابــر والفتــاوى‬
‫الدينيــة‪ .‬وأن تدمــر القطــاع العــام ج َعــل الوظائــف مضمونــة الدخــل‪ ،‬محتكــرة لــدى الســلطة‬
‫وأحزابهــا‪ .‬وهــي تُســتعمل كورقــة ل ـراء أصــوات النــاس يف االنتخابــات الربملانيــة‪ ،‬فت ِع ـ ُد األح ـزاب‬
‫منارصيهــا والعشــائر بالوظائــف مقابــل التصويــت لهــا يف االنتخابــات‪ .‬وقــد بلــغ عــدد العاملــن يف‬
‫الوظائــف الحكوميــة يف العــام ‪ 2018‬أكــر مــن ‪ 4.5‬مليــون شــخص بعــد أن كان ‪ 880‬ألــف موظــف يف‬
‫عــام ‪ .2003‬ويقــول الباحثــان إن تنامــي الفســاد وتح ّولــه إىل ظاهــرة اجتامعيــة "مقبولــة" بعــد عــام‬
‫اب سياســية جــاءت مــع‬ ‫‪ 2003‬ترافــق مــع تحـ ّول النظــام الســيايس نحــو اقتصــاد ســوق تقــوده أحـز ٌ‬
‫املحتــل و‪ /‬أو ظهــرت بعــد عــام ‪ .2003‬وهــي أحـزاب ترتكــز أجنداتهــا عــى أســس طائف ّيــة وعرق ّيــة‪.‬‬
‫وأق ـ ّرت هــذه األح ـزاب نظ ـاً وقوانين ـاً لصالحهــا كقوانــن "الخدمــة الجهاديــة" لألشــخاص الذيــن‬
‫أسســوا تنظيــات مسـلّحة ضــد نظــام صـ ّدام حســن‪ ،‬و"الســجناء السياســيني"‪ .‬ولــذا فلســنا بصــدد‬
‫نــوع مــن أنــواع الفســاد فحســب‪ ،‬يحــدث مــن خــال الرشــوة ضمــن األنشــطة غــر القانونيــة‪ ،‬بــل‬
‫أمــام صــور للفســاد املحمــي بإطــار قانــوين يتضمــن نطاقاً أوســع مــن األنشــطة االقتصاديــة املختلفة‪،‬‬

‫‪ - 3‬بروفيسور يف االقتصاد السيايس من جامعة البرصة يف العراق‬


‫‪ - 4‬استاذ يف «الجامعة العراقية» ‬
‫‪- 5‬كاتب وباحث من العراق‬
‫‪13‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪12‬‬

‫‪01‬‬
‫الجزء‬
‫ُ‬

‫الجزائر‬
‫‪15‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪14‬‬

‫الفساد‬
‫كمنظومة سلطة‬
‫في الجزائر‬
‫دحو جربال‬

‫دحو جربال استاذ التاريخ املعارص يف جامعة الجزائر الثانية‪ ،‬اشتغل بشكل عام عىل العالقة بني التاريخ والذاكرة‪.‬‬
‫وهو منذ ‪ 1993‬مدير تحرير فصلية «نقد للدراسات والنقد االجتامعي»‪.‬‬

‫ترجمة النص من الفرنسية‪ :‬سعيدة رشف الدين‬


‫مراجعة النص املرتجم‪ :‬عامد الدين رائف‬
‫‪17‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪16‬‬

‫‪22-18‬‬
‫بعض الرشوط املنهجية األولية بخصوص العالقة بني الفساد والسلطة السياسية‬

‫‪27-23‬‬
‫املقاربة التاريخية لظهور الفساد كمنظومة سلطة‪ ،‬حالة الجزائر يف الثامنينيات‬
‫والتسعينيات‬

‫‪...‬‬
‫في دراسـتنا عن الفسـاد كأداة سـلطة‪ ،‬مـن الضروري أن نطرح منـذ البداية عنصرا ً‬
‫‪31-28‬‬
‫األوليغارشيات كأشكال جديدة للتنظيم االجتامعي‬

‫مبدئيـاً وهـو التشـابك الثالثـي بيـن الريـع االحتـكاري‪ ،‬ونظـام األوليغارشـية‪،‬‬ ‫‪40-32‬‬
‫والزبائـن‪ .‬فالدولـة االحتكاريـة تقـوم بمركـزة الفائـض االقتصـادي وإعـادة‬
‫العقد االول من األلفية الجديدة‪ :‬االستيالء عىل جهاز الدولة من قبل املصالح الخفية‬
‫توزيعـه‪ ،‬وفـي الوقـت نفسـه‪ ،‬توفـر الهيـكل اإلداري (الواليـات والبلديـات) وأذرع‬
‫السـلطة (أجهـزة الدولـة) التـي تفتـح طريـق الوصـول إلـى اإليـرادات‪ .‬وسـرعان‬ ‫‪51-41‬‬
‫مـا تبيـن أن الوصـول إلـى الفائـض االقتصـادي يكـون مـن خلال المناصـب في‬ ‫حول تجريد األجهزة الترشيعية والقضائية من صالحياتها من قبل السلطة التنفيذية‬
‫الدولـة وأجهزتهـا‪ ،‬و»طبقـة الدولـة» واألوليغارشـية‪ ،‬التـي اسـتحوذت علـى‬
‫عوامـل اإلنتـاج (رأس المـال واألرض والعقـارات) و كذلـك علـى قـوة العمـل‬ ‫‪54-52‬‬
‫(العمالـة الرخيصـة والتشـغيل)‪.‬‬ ‫الخامتة‬
‫‪19‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪18‬‬

‫املنقولــة‪ ،‬تــم رصف هــذه «املمتلــكات الشــاغرة» ضمــن امللكيــة الوطنيــة‪ .‬ثــم جعلــت منهــا املادتــان‬ ‫بعض الشروط المنهجية األولية بخصوص العالقة بين الفساد‬ ‫‪1‬‬
‫‪ 17‬و ‪ 18‬مــن دســتور ‪ 1989‬ملكيــة منقولــة وغــر منقولــة للدولــة والســلطات املحليــة (الواليــات‬ ‫والسلطة السياسية‬
‫والبلديــات)‪ ،‬يف حــن أن األمــاك الخاصــة للدولــة واملجتمعــات املحليــة تتكــون مــن «جميــع املمتلكات‬
‫املنقولــة وغــر املنقولــة‪ ،‬التابعــة لهــا وغــر املصنفــة يف األمــاك العموميــة»‪.‬‬ ‫يتفــق العديــد مــن املحللــن عــى أن الفســاد ال يعــرف حــدودا ً سياســية وال أيديولوجيــة‪ ،‬وأن ظواهــره‬
‫وبلورتــه وحدهــا تختلــف يف الزمــان واملــكان‪ .‬ومــع ذلــك يبــدو أن اإلشــكال هنــا يكمــن يف اللحظــة‬
‫وعــى أســاس هــذه املراوغــة القانونيــة‪ ،‬تحــول امللــك العــام إىل ملــك خــاص للدولــة والســلطات‬ ‫التــي يصبــح فيهــا مــا ميكــن اعتبــاره خلــاً عمليــاً أو انحرافــاً عرضيــاً يف جهــاز الدولــة االقتصــادي‬
‫املحليــة‪ .‬وصــارت كل األماكــن الســكنية وملحقاتهــا‪ ،‬وجميــع املبــاين واألرايض ملــكاً للدولــة أو الواليــة‬ ‫والقانــوين‪ ،‬منظومــة للســلطة السياســية‪.‬‬
‫أو البلديــة‪ ،‬عــى أن يتــم تكريســها مبدئي ـاً إىل مصالــح عموميــة ومؤسســات إداريــة‪ .‬لكــن بجعلهــا‬ ‫وال يعتــر الفســاد مؤسســاتياً عندمــا يكــون فقــط معم ـاً‪ ،‬وإمنــا عندمــا يكــون أيض ـاً منظ ـاً عــى‬
‫حكــرا ً للدولــة‪ ،‬أصبحــت هــذه العقــارات الشاســعة تشــكل املخــزون األول والكــ ّوة التــي ســتغرف‬ ‫أســاس شــبكات زبائــن اجتامعيــة واقتصاديــة ُمث ّبتــة يف أجهــزة الدولــة‪ ،‬وتعمــل عــى نــره يف املجتمــع‬
‫منهــا الطبقــة الحاكمــة وأزالمهــا‪ .‬ثــم أن غيــاب التــوازن بــن العــرض والطلــب يف هــذا املجــال‪ ،‬أحــدث‬ ‫مــن خــال أوســاط تنــاوب متفاوتــة الغمــوض‪.‬‬
‫ظاهــرة الريــع‪ ،‬وجعــل مــن تلــك املمتلــكات أحــد املَراتِــع األوىل للفســاد املؤسســايت‪.‬‬
‫ولكــن طــرح مثــل هــذه اإلشــكالية يفــرض مــن الناحيــة النظريــة كــا يف املامرســة العمليــة‪ ،‬تشــابك‬
‫هكــذا فتــح احتــكار الدولــة للرتاخيــص والتصاريــح وصالحيــة تســليمها‪ ،‬املجــال لعمليــات البحــث عــن‬ ‫مختلــف مســتويات التحليــل (االقتصــادي واالجتامعــي والســيايس)‪ .‬لذلــك يجــب أن نــرح األســباب‬
‫الريــع التــي تؤثــر خاصــة عــى قطاعــات االقتصــاد اإلسـراتيجية مثــل اســتغالل أو نقــل مــوارد الطاقــة‪،‬‬ ‫التــي جعلــت ظاهــرة الفســاد املعمــم هــذه‪ ،‬تبــدو يف بعــض البلــدان عــى أنهــا أداة للســلطة‪ ،‬والســيام‬
‫والتجــارة الدوليــة‪ ،‬والبنــاء‪ ،‬والصفقــات العموميــة‪ ،‬واإلســكان‪...‬الخ‪.‬‬ ‫يف تلــك البلــدان التــي عمــدت فيهــا الدولــة إىل احتــكار االقتصــاد‪ ،‬ســواء أكان مــن األمنــوذج الرأســايل‬
‫أو االشـرايك‪.‬‬
‫باإلضافــة إىل ذلــك‪ ،‬أثبتــت عــدة دراســات متخصصــة أن أمنــاط اإلنتــاج القامئــة عــى الريــع تتميــز‬ ‫يف العديــد مــن البلــدان التــي اختــارت‪ ،‬ألســباب تاريخيــة معينــة‪ ،‬إقامــة اقتصــاد احتــكاري بــن يــدي‬
‫بظهــور وتطــور «طبقــة الدولــة»‪ ،‬مــع أوليغارشــية تعمــل عــى أســاس االســتبعاد االجتامعــي‪ .‬ويتــم‬ ‫الدولــة‪ ،‬نــرى أن تأميــم مــوارد األرض ومــا يف باطــن األرض أدى إىل ظهــور إيـرادات‪ .‬ويف حالــة الجزائــر‬
‫عــى هــذا األســاس تشــكيل نخبــة حرصيــة‪ ،‬تكســب رأس املــال‪ ،‬مــن جهــة‪ ،‬وقــوى عاملــة ال تجــد شــغالً‬ ‫بالــذات‪ ،‬كان ال بــد أن تجعــل عمليــات التأميــم خــال الســتينيات‪ ،‬مــن املــوارد البرتوليــة وســيلة‬
‫مــن جهــة أخــرى‪ ،‬وهــو الــرط الهيــكيل األول لنظــام الفســاد والنهــب‪.‬‬ ‫لتمويــل االقتصــاد الوطنــي‪ .‬لكــن ومبــرور الوقــت‪ ،‬تحــول مــا تــم تأميمــه طبقــاً ألهــداف معركــة‬
‫التحريــر الوطنــي واســتعادة الســيادة والصالــح العــام‪ ،‬إىل اســتيالء مــن قبــل الدولــة عــى مــوارد البــاد‬
‫تتميـز أنمـاط اإلنتـاج القائمـة علـى الريـع بظهـور وتطـور «طبقة الدولـة»‪ ،‬مع أوليغارشـية‬
‫َصصتهــا‪. 1‬‬
‫بغــرض خ َ‬
‫تعمـل علـى أسـاس االسـتبعاد االجتماعـي‪ .‬ويتـم علـى هـذا األسـاس تشـكيل نخبـة‬
‫حصريـة‪ ،‬تكسـب رأس المـال مـن جهـة‪ ،‬وقـوى عاملـة ال تجد شـغالً مـن جهة أخـرى‪ ،‬وهو‬
‫ومــع ضعــف هــذه الدولــة ووهــن املســؤولني عنهــا‪ ،‬وعــدم كفايــة البنيــة التحتيــة املوروثــة عــن‬
‫الشـرط الهيكلـي األول لنظـام الفسـاد والنهـب‪.‬‬
‫االســتعامر‪ ،‬وأمــام تفاقــم احتياجــات املجتمــع املحــرر حديث ـاً مــن ســيطرة ذلــك االســتعامر‪ ،‬أصبــح‬
‫العــرض العمومــي للســلع والخدمــات املدعومــة‪ ،‬مثــل الســكن و الكهربــاء أو املــاء‪ ،‬يواجــه إفراط ـاً‬
‫مــع اســتبعاد غالبيــة الســكان مــن التمتــع بالفائــض االقتصــادي‪ ،‬يتطــور الفســاد بالتناثــر (مــن أعــى إىل‬ ‫نســبياً يف الطلــب‪ ،‬وظهــر بالتــايل نقصــاً يف العــرض العمومــي يف املجــاالت الحيويــة أو األساســية‪.‬‬
‫أســفل ومــن أســفل إىل أعــى) ويصبــح إسـراتيجية للوصــول إىل اإليـرادات أو لحاميتهــا‪.‬‬
‫وعــى إثــر تأميــم ممتلــكات األقليــة األوروبيــة االســتعامرية التــي غــادرت البــاد‪ ،‬املنقولــة منهــا وغــر‬
‫وتقــوم الدولــة االحتكاريــة بتجميــع مركــزي للفائــض االقتصــادي وإعــادة توزيعــه‪ ،‬وتوفــر يف الوقــت‬
‫نفســه‪ ،‬الهيــكل اإلداري (الواليــات والبلديــات) وأذرع الســلطة (أجهــزة الدولــة) لتفتــح الطريــق إىل‬
‫اإليـرادات‪ .‬وبصفــة مطلقــة‪ ،‬ميكــن ظهــور شــكلني مختلفــن مــن التخصيــص‪ ،‬حيــث إن النخبــة تُعتــر‬ ‫‪ - 1‬وفق دستور الجزائر للعام ‪ ،1989‬امللكية العامة غري قابلة للتقادم وغري قابلة للتخصيص وال للحجز‪ .‬ومع بعض‬
‫االستثناءات‪ ،‬يخضع استخدامها الجامعي من قبل العموم ملبادئ الحرية واملساواة والتمتع املجاين‪ .‬عىل العكس‬
‫«طبقــة الدولــة» يف حــال متتعهــا بالفائــض مــن خــال مناصبهــا يف الدولــة وأجهزتهــا‪ ،‬وأوليغارشــية‬ ‫من ذلك‪ ،‬يتطلب استخدامها الخاص حصول املستخدمني عىل رخصة إدارية مسبقة‪ .‬وتشمل امللكية الخاصة‬
‫يف حــال متتعهــا بالفائــض عــى أســاس نفوذهــا االقتصــادي‪ .‬و يف الحالــن يكــون التحكــم يف الفائــض‬ ‫للدولة واملجتمعات املحلية جميع املمتلكات املنقولة وغري املنقولة التي متلكها مبارشة وليست مصنفة يف امللكية‬
‫العامة‪ .‬‬
‫‪21‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪20‬‬

‫ويلخــص كل هــذا أحــد الجوانــب التــي تــرز بشــكل الفــت يف الدراســات املتعــددة املقدمــة مــن قبــل‬ ‫االقتصــادي‪ ،‬عــر الســيطرة مــن جهــة عــى عوامــل اإلنتــاج (رأس املــال‪ ،‬العقــاري واملعــاري)‪ ،‬ومــن‬
‫اختصاصيــن يف مجــال االقتصــاد الســيايس‪ .‬فهــي تبـ ّـن بالفعــل التشــابك الثــايث بــن الفســاد وال ّريــع‬ ‫جهــة أخــرى عــى القــوى العاملــة (يــد عاملــة غــر ُمكلفــة وإمكانيــة التشــغيل)‪ .‬مــن املفــرض نظريـاً‬
‫االحتــكاري وإنشــاء شــبكات الزبائــن‪ .‬ونذكــر هنــا أن مــا يســمى بـــ «االنتقــال» مــن نظــام إىل آخــر‬ ‫أن تدافــع األوليغارشــية عــى ثروتهــا بنفســها‪ ،‬مــن دون أن تلجــأ بالــرورة إىل الدولــة‪ .‬ومــن الناحيــة‬
‫(مــن دولــة احتكاريــة إىل نظــام لي ـرايل جديــد للتحكــم االقتصــادي واالجتامعــي) ســواء يف البلــدان‬ ‫النظريــة أيضـاً‪ ،‬تكــون األوليغارشــيات‪ ،‬عــى عكــس «طبقــات الدولــة»‪ ،‬أكــر خصوصيــة واســتقاللية يف‬
‫االش ـراكية ســابقاً أو يف مجتمعــات مــا بعــد االســتعامر‪ ،‬عــادة مــا يكــون مصحوب ـاً بانهيــار الدولــة‪،‬‬ ‫إدراجهــا املنظــم للزبائــن مــن الطبقــة الســفىل‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬ال بــد لألوليغارشــية لــي تســتمر كطبقــة‬
‫مــا يــؤدي إىل أزمــة اقتصاديــة وسياســية‪ ،‬يصعــب فيهــا تثبيــت الحــدود بــن املجــال العــام واملجــال‬ ‫مهيمنــة‪ ،‬أن تعتمــد عــى االســتقرار الســيايس للحكومــة القامئــة‪ .‬ثــم إن «طبقــة الدولــة» واألوليغارشــية‬
‫الخــاص‪ ،‬بــن املــدين والعســكري‪ ،‬بــن الوطنــي والــدويل‪ ،‬وبــن الفــرد واملجتمــع‪.‬‬ ‫تحتاجــان‪ ،‬كالهــا إىل االســتقرار االجتامعــي حتــى تســتطيعا إعــادة إنتــاج نظــام هيمنتهــا الــذي‬
‫يعتمــد عــى اســتقطاب الريــع‪ .‬حــول هــذه املســألة بالضبــط يُعقــد التحالــف بــن «طبقــة الدولــة»‬
‫مــن املهــم أن نذكــر هنــا مــرة أخــرى أن اإلي ـرادات تــؤدي إىل االنغــاق االجتامعــي‪ . 2‬و يبـ ّـن هــذا‬ ‫واألوليغارشــية‪.‬‬
‫االنغــاق كيــف ميكــن تحويــل املــوارد املاديــة إىل مــوارد رمزيــة (مثــل الحظــوة)‪ ،‬حيــث ال بــد مــن‬
‫اســتحداث الــوالء الســيايس واالجتامعــي لــي ميكــن االســتيالء عــى تلــك اإلي ـرادات‪.‬‬ ‫ُتعتبـر النخبـة «طبقـة الدولـة» فـي حـال تمتعهـا بالفائـض مـن خلال مناصبهـا فـي‬
‫الدولـة وأجهزتهـا‪ ،‬وتعتبـر أوليغارشـية في حـال تمتعهـا بالفائض على أسـاس نفوذها‬
‫ومبــا أن الحصــول عــى الريــوع يعتمــد أيض ـاً عــى الفئــات الرمزيــة والفــروق االجتامعيــة‪ ،‬تتحــول‬ ‫االقتصـادي‪.‬‬
‫هــذه الريــوع مــع االنغــاق االجتامعــي‪ ،‬إىل مــوارد رمزيــة أساســها االنتــاء إىل املجموعــة‪ .‬ويعتمــد‬
‫ذلــك عــى خصوصيــات التحالفــات الطبقيــة‪ ،‬حيــث غالبـاً مــا ميتــزج التضــاد الطبقــي (بــن رأس املــال‬ ‫وقــد تجــاوزت عواقــب هــذا الواقــع املجــال االقتصــادي البحــت‪ ،‬ودمجــت السياســة كأداة للســلطة‬
‫والعمــل)‪ ،‬يف ظــل هيمنــة الريــع‪ ،‬مــع الزبائنيــة ومــن يرعاهــا‪.‬‬ ‫والســيطرة عــى النظــام االقتصــادي واالجتامعــي القائــم‪ .‬بالنســبة لبعــض بلــدان الجنــوب‪ ،‬وللجزائــر‬
‫عــى وجــه الخصــوص‪ ،‬متــت هيكلــة هــذا التحالــف بــن «طبقــة الدولــة» واألوليغارشــية يف منظومــة‬
‫إن الزبائنيــة هــي يف الواقــع‪ ،‬تأكيــد متبــادل بــن النخــب ومختلــف فصائــل الطبقــة التابعــة عــى‬ ‫بحالهــا قامئــة بذاتهــا فتحــت بدورهــا الطريــق لتعميــم الفســاد‪ .‬ومل تعــد هــذه املنظومــة تقتــر عــى‬
‫الروابــط األخالقيــة بــن الطرفــن والتــي متثــل عوامــل أساســية يف اســتقرار املجتمعــات‪ .‬ثــم إنهــا يف‬ ‫وجــود إيـرادات النفــط‪ ،‬وال عــى دولــة ريعيــة «تعيــش» بشــكل أســايس مــن الرضائــب التــي تفرضهــا‬
‫الوقــت نفســه‪ ،‬إســراتيجية عيــش بالنســبة لتلــك الطبقــة التابعــة‪ ،‬الســيام أن أي فــرص أخــرى غــر‬ ‫عــى النفــط وحســب‪ ،‬بــل انتهــي األمــر إىل أن بــدت وكأنهــا نظــام تحكــم ســيايس واقتصــادي يســتهدف‬
‫متوفــرة لهــا‪ ،‬أو تبقــى ممنوعــة عليهــا مــن قبــل النخــب‪.‬‬ ‫الحريــات‪ ،‬ويكــرس اإلقصــاء االجتامعــي‪.‬‬

‫يف هــذا الســياق‪ ،‬وحدهــا التغيـرات يف هيــكل الفائــض مــن شــأنها أن تســبب إخــاالً يف املحافظــة عــى‬ ‫فقــد أصبحــت بالفعــل عالقــات الدولــة مبؤسســاتها والــركات برشكائهــا واملجتمــع املــدين مبنظامتــه‪،‬‬
‫النســيج االجتامعــي والنظــام القائــم‪ ،‬إذ ميكــن أن تتفاقــم الرصاعــات يف حــاالت التغيــر أو األزمــات‬ ‫تخضــع ضمــن هــذا النظــام‪ ،‬عــن طيــب خاطــر أو بالقــوة‪ ،‬إىل منطــق تحكــم ريعــي يف تخصيــص‬
‫االقتصاديــة‪ ،‬وذلــك لســبب انخفــاض الدخــل وانتشــار الهشاشــة عــى املســتوى الســفيل‪ ،‬مــا يجعــل‬ ‫جميــع املــوارد الوطنيــة (البرشيــة‪ ،‬الطبيعيــة‪ ،‬املاليــة‪ ،‬التقنيــة والتنظيميــة) ويف طــرق تنميتهــا وتوزيــع‬
‫االحتيــاج الس ـراتيجيات العيــش أكــر إلحاح ـاً‪ .‬أ ّمــا عــى مســتوى النخبــة‪ ،‬فيتأجــج ال ـراع مــن أجــل‬ ‫الدخــل الناتــج عنهــا‪.‬‬
‫الحصــول عــى الريــع وذلــك بالحفــاظ عــى دور النخبــة (طبقــة الدولــة) االجتامعــي وتشــديد عمليــات‬
‫اســتبعاد الطبقــات الضعيفــة‪.‬‬ ‫هكــذا أصبحــت املســألة عمومـاً‪ ،‬عمليــة عــرض وطلــب يف ســوق الفســاد‪ ،‬يســهلها منصب مــا‪ ،‬والتمكن‬
‫مــن ســلطة مــا‪ ،‬وتكــون غالب ـاً متييزيــة وقامئــة أيض ـاً عــى انعــدام فعاليــة نظــام املراقبــة واملســاءلة‪.‬‬
‫يف كال االتجاهــن‪ ،‬يــرز تناقــض مســألة الريــع‪ .‬ففــي حــن أن وجــوده يجــب أن يث ّبــت‪ ،‬مــن الناحيــة‬ ‫حتــى أن الفســاد أصبــح يف بعــض الحــاالت‪ ،‬عــى مــا يبــدو‪ ،‬مرحلــة رضوريــة – أو شــبه قاعــدة‬
‫اجتامعيــة ‪ -‬للحصــول عــى العديــد مــن الخدمــات العموميــة‪ .‬وصــار الفســاد‪ ،‬مــن هــذا املنظــور‪ ،‬يؤثــر‬
‫يف تحديــد خيــارات السياســات العامــة أو حتــى يف أهدافهــا‪ ،‬الســيام يف مــا يتعلــق بالصحــة‪ ،‬ومكافحــة‬
‫‪- 2‬يدل مفهوم اإلنغالق االجتامعي عىل عملية التهميش‪ ،‬واالستبعاد‪ ،‬وعدم االنتامء‪ ،‬واالغرتاب‪ ،‬والنفور من الغرباء‪،‬‬
‫وأخريا ً إنشاء مجموعات مغلقة (‪ ) we-groups‬أو مجموعات داخلية (‪)intra-groupes‬‬ ‫الفقــر‪ ،‬والتــرف يف األرايض والســكن‪ ،‬وإدارة املــوارد البرشيــة والســيطرة عــى النخبــة‪.‬‬
‫(‪ )Elwert&Wimmer‬‬
‫‪23‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪22‬‬

‫مقاربة تاريخية لظهور الفساد كنظام سلطة‪ ،‬حالة الجزائر في‬ ‫‪2‬‬ ‫النظريــة‪ ،‬اســتقرار الهيــاكل االجتامعيــة خــال ف ـرات األزمــات‪ ، 3‬تدفــع التغي ـرات التــي تطــرأ عــى‬
‫الثمانينيات والتسعينيات‬
‫مركــزه املهيمــن يف االقتصــاد‪ ،‬وبالتــايل يف هيــكل الفائــض‪ ،‬الجهــات الفاعلــة إىل إعــادة تحديــد أهدافهــا‬
‫وإعــادة النظــر يف إمكانيــات املنــاورة تجــاه املنافســن‪ .‬تؤثــر التحــوالت االقتصاديــة إذا ً عــى ظــروف‬
‫بعدمــا ذكّرنــا بالعنــارص النظريــة واملنهجيــة التــي ترتكــز عليهــا ظاهــرة الفســاد‪ ،‬علينــا اآلن أن نُبـ ّـن‬ ‫التعامــل ضمــن «طبقة‪-‬الدولــة» نفســها كــا بينهــا وبــن الطبقــة التابعــة‪ .‬ويف أعقــاب هكــذا وضــع‪،‬‬
‫كيــف اســتطاع الفســاد‪ ،‬يف فــرة تاريخيــة قصــرة‪ ،‬أن يصبــح أداة للســلطة‪.‬‬ ‫يتفاقــم الــراع مــن أجــل الريــع عــى جميــع املســتويات مزعزعــاً األشــكال الثابتــة الســتقطابه‬
‫واالســتيالء عليــه‪.‬‬
‫الم ّعمم‬
‫مفترق الثمانينيات والتسعينيات والدخول إلى فضاء التبادل التجاري ُ‬
‫وندخــل هكــذا يف مرحلــة تاريخيــة‪ ،‬أي مرحلــة تغيــر حكــم أو نظــام ســيايس‪ ،‬مــن دون تغيــر النظــام‬
‫حــدث يف املجتمــع الجزائــري‪ ،‬جــراء املخططــات الرباعيــة وطــوال الفــرة ‪ ،1970-1980‬تجديــد‬ ‫نفسه ‪.‬‬
‫مكثــف يف مجــال العمــل‪ ،‬حيــث حلــت بالنســبة للطبقــة العاملــة‪ ،‬رشيحــة جديــدة مــن األهــايل‬
‫محــل القدميــة (املوروثــة مــن الســتينيات)‪ ،‬لكــن وزنهــا االجتامعــي متيــز برسعــة تزايــد عددهــا أكــر‬
‫منــه بوعيهــا بذاتهــا‪ .‬ومل يُنقــل إرث الرشائــح القدميــة (ثقافــة الطبقــة العاملــة‪ ،‬التســييس‪ ،‬مكافحــة‬
‫ـر» أكــر ارتباطـاً‬ ‫االســتغالل والســيطرة األجنبيــة) إىل الجيــل الجديــد‪ .‬فــكان العــال الشــبان «ال َحـ َ‬
‫بالنمــوذج االســتهاليك الجديــد يف املــدن الغربيــة‪ .‬أي أن العمــل مل يكــن ميثــل بالنســبة إليهــم ال ثقافــة‬
‫موروثــة وال وســيلة لتحقيــق تطلعــات وجوديــة‪.‬‬

‫وبــدأتْ يف الواقــع أمنــاط التطــور االجتامعــي تبعــد أكــر فأكــر عــن مجــال اإلنتــاج (والعمــل) لتقرتب‬
‫مــن دوائــر الدولــة أو مراكــز القـرار الســيايس (ريــع املنصــب أو الريــع التفاضــي)‪ .‬فلــم يعــد األجــر‬
‫املســتلم يعتمــد عــى اإلنتــاج نفســه‪ ،‬بــل عــى إعــادة توزيــع حصــة مــن ريــع النفــط الــذي تتحكــم‬
‫فيــه الدولــة‪ ،‬وأصبــح األجــر مكافــأة وليــس ســعرا ً يقابــل عمـاً ُمنجـزا ً‪.‬‬

‫إبادة التصنيع‪ ،‬استبعاد الدولة‪ ،‬وتوقف أيديولوجي عن االستثمار‬

‫مــن املهــم جــدا ً يف البدايــة‪ ،‬أن نفهــم االضطرابــات الناجمــة عــن انعــكاس االتجــاه االقتصــادي‬
‫يف أســواق النفــط الــذي حــدث يف ‪ .1985-1986‬فقــد نفــدت احتياطيــات الدولــة‪ ،‬مــا أثــر عــى‬
‫اقتصــاد البــاد بأكملــه‪ .‬وافتقــرت البنــوك إىل األمــوال حتــى تلــك التــي تضمــن فقــط توفــر أبســط‬
‫ظــروف اإلنتــاج الوطنــي‪ .‬ومل يعــد هنــاك مجــال لتجديــد املعــدات الصناعيــة‪ ،‬وأصبحــت الــركات‬
‫العموميــة والخاصــة تبطــئ أنشــطتها‪ ،‬فتضاءلــت االســتثامرات يف املجــاالت األكــر إنتاجـاً‪ .‬ومل يطــل‬
‫تقلــص عــدد القــوى العاملــة يف الــركات املحليــة واإلقليميــة‪ ،‬ثــم يف الــركات الوطنيــة‪ ،‬الوظائــف‬
‫املأجــورة فقــط بــل أيض ـاً أنشــطة إنتاجيــة‪ ،‬أعتُــرت أنهــا ال تحقــق أرباح ـاً كافيــة‪.‬‬

‫‪ - 3‬تنجم هذه األزمات عادة عن عوامل خارجية مثل تدهور أسعار املواد األولية يف أسواق األسهم‪ .‬‬
‫‪25‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪24‬‬

‫عصاميــون متكنــوا مــن اغتنــام الفــرص التــي أتاحتهــا عــودة الســلم األهــي وارتفــاع قــدرة‬ ‫وأصبــح الوضــع االجتامعــي متفجـرا ً‪ ،‬بــدءا ً مــن تصاعــد االحتجاجــات العامليــة‪ . 4‬لكــن شــهدنا بداية‬
‫املســتهلك عــى الســداد‪ .‬فأصبحــوا أثريــاء يف أقــل مــن عــر ســنوات‪ ،‬وجمعــوا أحيانـاً ثــروات‬ ‫مــن ترشيــن األول‪ /‬أكتوبــر ‪ 1988‬ثــم الســنوات التــي تبعــت‪ ،‬نهايــة الحركــة االجتامعيــة املرتبطــة‬
‫ضخمــة‪ .‬وقــد متيــز نشــاطهم‪ ،‬باإلضافــة إىل املــدن الكبــرة حيــث ميتــزج بغــره‪ ،‬بوجــود خــاص‬ ‫بالطبقــة العاملــة بشــكل أو بآخــر‪ .‬فبعــد أن هزمهــا التحالــف بــن ســلطة الدولــة واملنظــات املاليــة‬
‫يف املــدن الصغــرة‪ ،‬الســيام تلــك التــي تحتــاج إىل عــرض تجــاري متخصــص‪.‬‬
‫يف شــال رشق الجزائــر‪ ،‬وقــع اختيارنــا عــى أربــع مــدن هــي عــن فكــرون والعلمــة وعــن‬ ‫الدوليــة (البنــك الــدويل وصنــدوق النقــد الــدويل) تجــاوزت تلــك الحركــة االجتامعيــة نطــاق املصنــع‬
‫مليلــة وتاجنانــت‪ .‬وتشــرك هــذه املــدن (الرســم ‪ )1‬يف أنهــا شــهدت منــوا ً دميوغرافيـاً وتجاريـاً‬ ‫والعالقــة بــن رأس املــال والعمــل‪ ،‬لتعـ ّم الشــارع‪.‬‬
‫هامــاً عــى مــدى العقديــن املاضيــن‪ .‬ومــع زيــادة حجمــه‪ ،‬تغــر هــذا االزدهــار التجــاري‬
‫أيض ـاً يف طبيعتــه‪ .‬إذ أن قنــوات ال ـراء أصبحــت ُمعوملــة وتغــرت أيض ـاً طــرق البيــع واملبــاين‬ ‫وقــد دفعــت األزمــة االجتامعيــة والسياســية بالغــة الخطــورة‪ ،‬التــي مــرت بهــا الجزائــر يف نهايــة‬
‫التجاريــة عــى الصعيــد املحــي‪ .‬كــا تخصــص املســتوردون يف اســترياد أنــواع معينــة مــن‬ ‫الثامنينيــات‪ ،‬البــاد إىل هــوة شــبيهة بالحــرب األهليــة دامــت عقــدا ً كامــاً‪ ،‬ظهــرت خاللــه بُــؤر‬
‫الســلع‪ ،‬وأصبحــوا يذهبــون بانتظــام إىل الخليــج العــريب ‪-‬الفــاريس والــرق األوســط وآســيا‬
‫تســيطر عليهــا جامعــات إســامية مســلحة‪ .‬وبانــت مالمــح دولــة مضــادة‪ ،‬أصبحــت تهــدد النظــام‬
‫القتنائهــا‪ ،‬مــا جعــل هــذه املــدن الصغــرة التــي خرجــت بالــكاد مــن النمــط الريفــي‪ ،‬تصبــح‬
‫القائــم‪ ،‬يف املــدن ويف الريــف‪.‬‬
‫مرتبطــة باالقتصــاد امل ُ َعولَــم»‪. 6‬‬
‫عــى الرغــم مــن ذلــك‪ ،‬اســتمرت عمليــة الخصخصــة واملتاجــرة باالقتصــاد‪ ،‬التــي بــدأت يف منتصــف‬
‫وقــد خلّــف تحريــر التجــارة‪ ،‬بدايــة مــن الثامنينيــات وخاصــة يف التســعينيات‪ ،‬عــدة تأثـرات‪ ،‬منهــا‬
‫الثامنينيــات‪ ،‬بشــكل ال رجعــة فيــه وتــم تعميمهــا‪ .‬حتــى أن مــا يقــارب ‪ 200‬ألــف شــخص فقــدوا‬
‫تكاثــر عــدد صغــار املســتوردين‪ ،‬وأغلبهــم مــن ذوي خلفيــة يف «الرتابنــدو» (االقتصــاد املــوازي‪،‬‬
‫وظائفهــم يف القطــاع العــام‪ 5‬بــن عامــي ‪ 1992‬و‪ .1997‬ويف عــام ‪ ،1998‬عرضــت الحكومــة للبيــع‬
‫التهريــب)‪ ،‬إىل حــد أنــه يف نهايــة عــام ‪ ،1995‬بلــغ عــدد أصحــاب األعــال الخاصــة ‪ ،702‬انضمــوا إىل‬
‫أكــر مــن ‪ 200‬مؤسســة عموميــة يف قطاعــات اإلســكان والخدمــات واإللكرتونيــات ومــواد البنــاء‪ ،‬مــع‬
‫‪ 158‬رشكــة عموميــة الســترياد ســلعٍ مبقــدار ‪ 3.9‬مليــار دوالر‪ .‬ثــم يف العــام ‪ ،1997‬كان عــدد املشــاركني‬
‫خســارة قــدرت بـــ ‪ 180‬الــف منصــب عمــل‪.‬‬
‫الخــواص يف التجــارة الخارجيــة ‪ 24‬الفـاً ‪.7‬‬

‫بفضــل تعميــم اقتصــاد الســوق هــذا‪ ،‬انتــرت دوائــر جديــدة لتحــرك رؤوس األمــوال وترويــج‬ ‫اقتصاد موا ٍز وفاعلون جدد وممارسات جديدة‬
‫املنتجــات االســتهالكية األساســية أو الفاخــرة يف مســاحات عابــرة للحــدود‪ ،‬ويف مــا بــن املناطــق‬
‫إىل جانــب العامــل الدميوغ ـرايف (طفــرة املواليــد بعــد االســتقالل)‪ ،‬متيــزت الجزائــر بظاهــرة ثانيــة‬
‫أيضـاً‪ .‬وظهــرت مســالك تهريــب يف بعــض واليــات الداخــل رشق البــاد وغربهــا‪ ،‬ويف صحـراء الجنــوب‬
‫كــرى يف الثامنينيــات والتســعينيات‪ .‬فمنــذ منتصــف الثامنينيــات‪ ،‬ويف ظــل التعديــل الهيــكيل الــذي‬
‫أيضــاً‪ .‬كــا شــاهدنا مدنــاً بحالهــا تنبــت مــن ال يشء وتنمــو رسيعــاً بنعمــة االقتصــاد املــوازي‪،‬‬
‫فرضتــه املؤسســات املاليــة املانحــة‪ ،‬ظهــرت مجــاالت إثـراء يف مــا يســمى عــادة «االقتصــاد املــوازي»‪.‬‬
‫وتحويــل األمــوال غــر القانونيــة وشــبكات التهريــب بــكل أشــكالها وأمناطهــا‪ .‬وبــدأت خطــوط طـران‬
‫وبــدأ عــدد صغــر مــن أصحــاب األعــال الخاصــة‪ ،‬املتحالفــن مــع «بارونــات» « طبقة‪-‬الدولــة»‬
‫جديــدة تعمــل تحــت رايــات رشكات خليجيــة لتنقــل املســافرين والبضائــع (متســر ًة أحيانـاً بالحــج‬
‫الناشــئة‪ ،‬يف نســج شــبكة ترويــج واســع النطــاق ملنتجــات آتيــة مــن األســواق األوروبيــة يف البدايــة‪،‬‬
‫أو العمــرة)‪ .‬وأقبلــت بنــوك خاصــة ســعودية وإماراتيــة وقطريــة لتقديــم الدعــم املــايل لهــذه التجــارة‬
‫ثــم مــن دول الخليــج‪ ،‬وأيضـاً مــن جنــوب آســيا والــرق األقــى‪ .‬وقــد تــم التفطــن لهــذه الظاهــرة‬
‫ودراســتها يف وقتهــا مــن قبــل بيــار بريجــل وإبراهيــم بــن لخلــف‪ ،‬وهــا يؤكــدان مــا يــي‪:‬‬
‫‪ - 6‬بيار برجيل (‪ ) Pierre Bergel‬وإبراهيم بن لخلف «األثرياء الجدد» من التوريد الجزائري‪ :‬عوامل التحول‬
‫االجتامعي والحرضي؟( (�‪Les « nouveaux riches » de l’importation algérienne: des agents de la transfor‬‬ ‫«لقــد أنهــى ق ـرار العــام ‪ 1991‬احتــكار الدولــة الجزائريــة للتجــارة الخارجيــة‪ ،‬فاتح ـاً بذلــك‬
‫‪ )mation sociale et urbaine‬دراسة يف أربع مدن صغرية يف شامل رشق الجزائر (عني فكرون‪ ،‬عني مليلة‪ ،‬العلمة‪،‬‬ ‫املجــال لصالــح الخــواص مــن املســتوردين‪ .‬ونشــأ نشــاطهم خــال الحــرب األهليــة يف‬
‫تاجنانت)‪ .‬حوليات البحوث الحرضية (‪ )Les Annales de la recherche urbaine‬العدد ‪ ،108‬ترشين األول‪ /‬أكتوبر‬ ‫التســعينيات‪ ،‬لكنــه تطــور بدايــة مــن ســنة ‪ .2000‬وهــم أفــراد أرس تعمــل يف التجــارة أو‬
‫‪.2013‬‬
‫‪ ،Bradford L. Dillman - 7‬الدولة والقطاع الخاص يف الجزائر‪ :‬سياسة البحث عن الريع والتنمية الفاشلة (‪State‬‬ ‫‪ - 4‬وفقاً لبعض التقديرات‪ ،‬بلغت عمليات توقف العمل يف العامني ‪ 1988‬و‪ 1989‬أرقاماً غري مسبوقة (راجع أعامل‬
‫‪And Private Sector In Algeria: The Politics Of Rent-seeking And Failed Devlopment,) - mars‬‬ ‫سعيد شيخي حول الحركة االجتامعية)‪ .‬‬
‫‪ 2000 edit., Westview Presse‬‬ ‫‪ - 5‬نسبة كبرية ممن فقدوا وظائفهم كانوا أرباب عائالت معيلني ألرسهم‪.‬‬
‫‪27‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪26‬‬

‫مل تكــن تخضــع ألي تنظيــم أو رقابــة رضيب ّيــة‪ ،‬بــل تعتمــد عــى الشــبكات الخفيــة املدسوســة يف‬ ‫العابــرة للحــدود‪ ،‬وكذلــك لتســتثمر يف العقــارات (عــن طريــق تحويــل ورصف مبالــغ ضخمــة مــن‬
‫األجهــزة الحكوميــة‪.‬‬ ‫األربــاح غــر املعلــن عنهــا يف مســاحات عقاريــة وغريهــا مــن البنــاءات املرتبطــة بالســياحة والفنــادق‬
‫الفاخــرة)‪.‬‬
‫وكــا أوضــح هارمتــوت إلســنهانز‪ ، )Elsenhans Hartmut(9‬فإنــه يف حــال التهميــش‪ ،‬تســاهم وفــرة‬
‫القــوى العاملــة ذات املســتوى املتوســط مــن املؤهــات يف اســتبعاد العامــل الفــردي مــن إمكانيــة‬ ‫وقــد ركــز البحــث األكادميــي عــى عمليــة الهيكلــة اإلقليميــة مــن خــال التبــادل االقتصــادي‪ .‬كــا‬
‫الحصــول عــى شــغل [‪.]...‬‬ ‫جــاء عــن أرميــل شــوبلني (‪ )Armelle Choplin‬وليــى فينيــال (‪:)LaïlaVignal‬‬

‫«ميكــن مــع ذلــك‪ ،‬لهــذا العامــل‪ ،‬أن يقــدم خدمــات غــر ملموســة مثــل الدعــم الســيايس‪،‬‬ ‫«[‪ ]...‬هــذه التدفقــات االقتصاديــة الجديــدة‪ ،‬شــكل مــن أشــكال التكامــل اإلقليمــي وهــي‬
‫والتبجيــل‪ ،‬وغــره‪ .‬ويؤخــذ مثــل هــذا التــرف بعــن االعتبــار مــن قبــل أولئــك الذيــن‬ ‫ليســت بالــرورة نتيجــة سياســات تقودهــا الجهــات الفاعلــة املؤسســاتية‪ ،‬بل نتيجة مامرســات‬
‫يتحكمــون يف الفائــض‪ ،‬ألن قدرتهــم عــى مامرســة الســيطرة عــى املجتمــع تعتمــد عــى هيــكل‬ ‫ملموســة لجهــات فاعلــة يف املجتمــع‪ ،‬مثــل أصحــاب الــركات العقاريــة‪ ،‬ورجــال األعــال‪ ،‬أو‬
‫هرمــي ليــس لــه عالقــة بالســوق‪ ،‬عــادة مــا يســمى سياســة‪.‬‬ ‫الــركات متعــددة الجنســيات‪ ]...[ .‬وطــرق التجــارة العابــرة للحــدود‪ ،‬مثــل تلــك التــي فتحــت‬
‫وال يقتــر التنافــس يف مثــل هــذه الهيــاكل عــى املــوارد املاديــة وحدهــا‪ ،‬ألن التأثــر الســيايس‬ ‫بــن الجزائــر وديب والصــن‪ ،‬مــن قبــل تجــار‪ ،‬وجهــات فاعلــة عــى صعيــد «عوملــة خفيــة»‬
‫يخـ ّول أيضـاً جــذب تلــك املــوارد اإلضافيــة‪.‬‬ ‫[ ‪ ]mondialisation discrète- Belguidoum, Pliez 2012‬أو أيضــاً تلــك التــي تعمــل عــى‬
‫تســتمد الــروة والســلطة تأثريهــا مــن ارتبــاط كل منهــا باألخــرى‪ ،‬بحيــث يفضــل «ســيد»‬ ‫هيكلــة شــبكات تبــادل جديــدة بــن تركيــا وســوريا واألردن والعـراق [‪ .]Roussel, 2014‬وهــي‬
‫محــي أن تخدمــه قــوة عاملــة تزيــد مــن هيبتــه أو مــن إمكاناتــه السياســية‪ ،‬عــى قــوة عاملــة‬ ‫أخـرا ً نتيجــة الدعــم العــريب للتنميــة‪ ،‬تلــك األداة املزدوجــة‪ ،‬ألنهــا بقــدر مــا متثــل عامـاً حيويـاً‬
‫يكــون والؤهــا لقضيتــه ضعيف ـاً‪ .‬ويصبــح ذلــك «الســيد» «ذا شــأن» بالنســبة إىل غــره مــن‬ ‫بالنســبة للــدول العربيــة الناميــة‪ ،‬تبقــى ذات أهميــة كــرى مــن حيــث التأثــر الســيايس‪ ،‬كــا‬
‫«األســياد» املحليــن‪ ،‬ألنــه قــادر عــى أن يســيطر عــى املــوارد غــر املاديــة‪ ،‬وبالتــايل ميكنــه أن‬ ‫هــي الحــال بالنســبة لدولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة عــى ســبيل املثــال [‪Al-Mezaini,‬‬
‫يكــون رشيــكاً يف التحالفــات التــي تتيــح املجــال للتواجــد يف مســتويات أعــى عــى صعيــد تلــك‬ ‫‪ .]2011‬ومــن وجهــة النظــر هــذه‪ ،‬ميكننــا أن نعتــر أن االســتثامر األجنبــي املبــارش‪ ،‬اآليت مــن‬
‫الهيــاكل الهرميــة نفســها‪]...[ .‬‬ ‫الخليــج يعــ ّوض تدريجيــاً املســاعدات اإلمنائيــة‪ ،‬كأدوات للدبلوماســية االقتصاديــة ولتقــارب‬
‫النخــب اإلقليميــة الحاكمــة ‪.»8‬‬
‫يف قمــة الهــرم االجتامعــي‪ ،‬ال يعتــر اح ـرام هــذه الروابــط بقبــول دخــل مــن العمــل يفــوق‬ ‫ويبــدو مــن الواضــح أن انتشــار الشــبكات الوطنيــة واإلقليميــة والدوليــة لســر رؤوس األمــوال‬
‫بقيمتــه الدخــل املعتمــد الناتــج عــن العمــل البيولوجــي البســيط‪ ،‬وســيلة ملواجهــة أي نقــص‬ ‫والســلع‪ ،‬جـراء تحريــر التجــارة الخارجيــة مــن حــوزة الدولــة وترسيــع خصخصتهــا‪ ،‬مل يكــن ممكنـاً‬
‫محتمــل يف اليــد العاملــة فحســب‪ ،‬بــل تعزيــز لالســتقرار الســيايس مــن خــال تخفيــض طفيــف‬ ‫مــن دون تغطيــة وحاميــة مــن قبــل أعــى أعضــاء الهــرم يف ســلطة الدولــة‪ ،‬الذيــن يحصلــون بدورهــم‬
‫يف الفائــض املتــاح الســتهالك الكامليــات الفاخــرة‪ .‬لذلــك يف نظــام يتميــز بصبغتــه الهامشــية‬ ‫عــى حصصهــم تحــت ســتار رشكات ‪ -‬واجهــة للتجــارة أو النقــل‪.‬‬
‫عــى مســتوى االقتصــاد الجــزيئ واملجتمــع الجــزيئ‪ ،‬تختــار فئتــا املجتمــع اسـراتيجيات مواتيــة‬
‫الســتقرار مثــل هــذا النظــام‪. »10‬‬ ‫يف الوقــت نفســه انتــرت بــؤر الفقــر يف جميــع أنحــاء البــاد‪ ،‬ويف املقابــل نشــأت ثــروات جديــدة‬
‫وأصبــح عــدد متزايــد مــن الســكان يعيــش مــن األنشــطة التــي تطــورت يف القطــاع غــر الرســمي‪.‬‬
‫هكــذا إذا ظهــرت‪ ،‬بالتــوازي مــع نشــأة قاعــدة جامهرييــة متقلبــة وغــر واضحــة‪ ،‬فئــة مــن أصحــاب‬
‫املشــاريع التجاريــة‪ ،‬صغــارا ً أو كبــارا ً‪ ،‬ممــن مل يُعــرف بهــم بعــ ُد كجهــات فاعلــة بالكامــل عــى‬ ‫كــا ظهــرت حــرف صغــرة تطــورت أحيانـاً عــى منــط رشكات صغــرى‪ ،‬لكنهــا‪ ،‬يف كثــر مــن الحــاالت‪،‬‬
‫الصعيــد االجتامعــي‪ ،‬وبقــوا « ُم ْســقطني يف خــزي الكســب غــر املــروع» ينتظــرون متثي ـاً سياســياً‬
‫‪ Choplin - 8‬و ‪« ،Laïla Vignal‬االستثامرات العربية من الخليج إىل املغرب العريب والرشق األوسط‪ ،‬عوامل تكامل‬
‫اإلقليمي؟»‬
‫‪( ,Elsenhans Hartmut in Economie de rente et culture rentientière - 9‬إقتصاد اإليجار وثقافة الريع) ‪،‬‬ ‫‪Les investissements arabes du Golfe au Maghreb et au Moyen-Orient, vecteurs d’une intégratio régionale‬‬
‫«نقد» عدد ‪ ،36‬آذار‪ /‬مارس – نيسان‪ /‬أبريل ‪ .2018‬‬ ‫‪.Autrepart2015/4, N°76 p.29 à 48‬‬
‫‪29‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪28‬‬

‫األوليغارشيات كأشكال جديدة من الموازنة االجتماعية‬ ‫‪3‬‬


‫ولعــل املثــال األكــر داللــة عــى هــذا هــو «مجمــع بروفيلــور للمــواد املعدنيــة» (‪،)PROFILOR‬‬
‫الــذي يديــره عيــى ربـراب‪ .‬كان هــذا األخــر مديــر «الرشكــة الحكوميــة لصنــع الفــوالذ – ســيدار»‬ ‫نشأة األوليغارشيات عن طريق نقل وتحويل إيرادات الدولة‬
‫(‪ ،)SIDER‬ومديــر «الرشكــة الوطنيــة للغــازات الصناعيــة»‪ ،‬ثــم أنشــأ رشكتــه الخاصــة بــدءا ً مــن‬
‫اقتنــاء مخــزون أربــع رشكات للصناعــات املعدنيــة (‪PROFILOR - SACM - METALSIDER -‬‬ ‫تحدثنــا يف مــا ســبق عــن ظهــور وتطــور دوائــر الهامشــية واالقتصــاد غــر الرســمي‪ .‬وقــد بــدأت هــذه‬
‫‪ .)SOCOMED‬وبعدمــا اســتوىل املجمــع الــذي يديــره ربـراب عــى مجــال اإلنتــاج املعــدين وصــارت‬ ‫الظاهــرة‪ ،‬التــي درســها االقتصاديــون‪ ،‬كــا قلنــا‪ ،‬مــع انكــاش الوضــع االقتصــادي يف الثامنينيــات‪،‬‬
‫لــه أيضــا مكانــة يف البنــاء واألشــغال العامــة‪ ،‬دخــل مجــال الصناعــات الغذائيــة‪ ،‬وأصبــح منــذ نهايــة‬ ‫حــن ســببت أزمــة املدفوعــات الخارجيــة عجــزا ً يف عائــدات النقــد األجنبــي‪ ،‬وبالتــايل انخفاضــاً‬
‫التســعينيات‪ ،‬يحتكــر تقريبـاً كامــل إنتــاج وتســويق الدهــون والزيــوت املكــررة‪ .‬وكان يخطــط آنــذاك‬ ‫يف الــواردات‪ ،‬وأيض ـاً يف قيمــة العملــة املحليــة‪ ،‬مــا أدى إىل اســتبعاد الفئــات االجتامعيــة األكــر‬
‫إلنشــاء خمســة عــر مرشوعــاً صناعيــاً يف الســنوات الخمــس التاليــة‪ ،‬بالتوافــق مــع «إونيالفــر»‬ ‫هشاشــة مــن الحصــول عــى الســكن واملنتجــات املســتوردة‪ ،‬مبــا يف ذلــك املــواد األوليــة الرضوريــة‪.‬‬
‫(‪ ،)Unilever‬العمــاق العاملــي لصناعــات املــواد الكثــرة االســتهالك‪ .‬كــا كان يعتــزم بنــاء مينــاء‬ ‫فلــم يعــد لتلــك الفئــات خيــار آخــر ســوى الحصــول عــى دخــل إضــايف عــن طريــق أنشــطة موازيــة‬
‫لتصديــر ملنتجاتــه ورشاء وحــدات نقــل بحــري (أســطول مؤلــف مــن عــر ســفن بقــدرة تـراوح بــن‬ ‫أو غــر رســمية‪.‬‬
‫‪ 5‬آالف و‪ 60‬ألــف طــن)‪ .‬مــن املفيــد أيضـاً أن نذكــر أن عيــى ربـراب يســيطر مبــارشة عــى إحــدى‬
‫الصحــف الرئيســية يف البــاد‪( »Liberté« ،‬الحريــة)‪.‬‬ ‫وبينــا كانــت هــذه الحركــة تنمــو عــى الهامــش‪ ،‬كانــت مجموعــات أخــرى تعمــل عــى إنشــاء‬
‫قنــوات موازيــة لتصنيــع واســترياد وتوزيــع منتجــات مل تكــن متوفــرة يف الســوق‪ .‬فتكونــت مجموعات‬
‫للوصـول إلـى جعـل الفسـاد أداة للسـلطة‪ ،‬كان ال بـد مـن االسـتيالء علـى النفـوذ‪ ،‬وكسـب‬ ‫مصالــح‪ ،‬ال ميكــن نك ـران صالتهــا بالســلطة املركزيــة وبأعــى مراتــب التسلســل الهرمــي للجيــش‪،‬‬
‫القـدرة علـى إنشـاء المؤسسـات وتفكيكهـا‪ ،‬وعلـى تعييـن هـذا أو ذاك‪ ،‬ونقلـه‪ ،‬وإقصائـه‬ ‫تعمــل بشــكل شــبه حــري‪ ،‬يف ظــل تحريــر الســوق وتراجــع احتــكار الدولــة للتجــارة الخارجيــة‪ ،‬يف‬
‫فـي تقاعـد مبكـر‪ ،‬أو فـي كثيـر مـن الحـاالت‪ ،‬رفـع دعـاوى قضائيـة ضـد أولئـك الموظفين‬ ‫مجــات مربحــة جــدا ً (األدويــة‪ ،‬الصناعــة الغذائيــة‪ ،‬اإللكرتونيــات‪ ،‬أنشــطة الــرف األجنبــي‪ ،‬الرتويــج‬
‫الذيـن يصعـب إرضاؤهـم ويرفضـون التخلـي عـن واجباتهـم بانتهـاك القوانيـن والقواعـد‪.‬‬ ‫العقــاري‪ ...‬إلــخ)‪ .‬وتكونــت مــن هــذه األنشــطة ثــروات هائلــة‪.‬‬

‫مل يكن جم ُع مثل هذه الرثوات ممكناً يف وضع تكررت فيه انتفاضات مختلفة لجامهري متمردة‬ ‫بازدهــار هــذه النشــاطات تــرك العديــد مــن كبــار املســؤولني والكــوادر مناصبهــم يف الجيــش واإلدارة‬
‫ومتقلبة إال من خالل عمليات نقل وتحويل هائلة لرؤوس األموال العمومية‪ .‬هكذا‪ ،‬ت ّم يف العام‬ ‫أو املؤسســات العموميــة لينضمــوا إىل قطــاع األعــال الخاصــة‪ .‬كان األمــر كذلــك بالنســبة لرشكــة‬
‫‪ 1989‬تخصيص مبلغ بالعملة األجنبية‪ ،‬قدره أربعة مليارات دينار جزائري‪ ،‬السترياد املواد الصناعية‬ ‫«فورتيــك» (‪ ،)VORTIC‬التــي أغــرت مديــر املبيعــات يف «الرشكــة الوطنيــة لتصنيع وتركيــب املعدات‬
‫الخام‪ ،‬و‪ 1.8‬مليار ملعدات التجهيز و مليارا ً ملواد البناء ‪. 11‬‬ ‫الكهربائيــة واإللكرتونيــة» (‪ )SONELEC‬وعينتــه عندهــا وكذلــك «رشكــة ســوناكات للمعــدات‬
‫اإللكرتونيــة» (‪ .)SONACAT‬خــال الســنة نفســها‪ ،‬دخلــت مؤسســة كــرى للتصنيــع والخدمــات يف‬
‫االرتباط برؤوس األموال األجنبية‬ ‫مجــال الكمبيوتــر (‪ ،)ASTEIN‬يف رشاكــة مــع املديــر الســابق لـــ «الرشكــة الوطنيــة لدراســة وتنفيــذ‬
‫البنيــة التحتيــة للطاقــة» (‪ ،)ENERI‬فأنشــآ الرشكــة املغاربيــة للصناعــات اإللكرتونيــة‪ ،‬بهــدف إنتــاج‬
‫منــذ العــام ‪ ،1988‬كـ ّرس البنــك الخارجــي الجزائــري وبنــك القــرض الشــعبي الجزائــري عــدة مئــات‬ ‫أكــر مــن ‪ 10000‬كمبيوتــر يف الســنة الواحــدة‪ .‬واشــرت الرشكــة أرايض كبــرة يف املنطقــة الصناعيــة‬
‫مــن ماليــن الدنانــر لتمويــل رشكات تعمــل يف مجــات إنتــاج املعــدات اإللكرتونيــة‪ ،‬ومــردات‬ ‫يف رويبــة ‪ -‬رغايــة إلقامــة ورش التصنيــع العائــدة لهــا‪ .‬كــا متكــن بعــض الكــوادر يف املؤسســات‬
‫الهــواء‪ ،‬واآلجــر‪ ،‬واإلســكان‪ ...‬إلــخ‪ .‬وأصبــح الحقـاً معظــم هــذه الــركات‪ ،‬يعمــل يف املقاولــة لصالــح‬ ‫العموميــة مــن إنشــاء «أعاملهــم الخاصــة»‪ ،‬وســاعدتهم الروابــط الشــخصية التــي حافظــوا عليهــا‬
‫املؤسســات العموميــة‪ ،‬وبذلــك ضمنــت الدولــة لهــا التمتــع باألمــوال العامــة‪ ،‬وأصبحــت الدولــة‬ ‫مــع غريهــم مــن الكــوادر ممــن بقــوا يف مناصبهــم يف القطــاع العــام أو يف الجيــش‪ ،‬عــى حـ ّـل العديــد‬
‫واملؤسســات العموميــة ســوقاً رئيســية ألنشــطة هــذه الــركات‪ .‬ومــن املهــم هنــا التأكيــد عــى أنــه‬ ‫مــن املشــاكل التــي واجهوهــا مثــل الحصــول عــى القــروض واملنــح‪ ،‬واقتنــاء األرايض (الصناعيــة)‪،‬‬
‫واملعــدات‪ ،‬وحـ ّـل مســائل الهندســة املدنيــة‪ ،‬ووضــع الخطــط والتمتــع بالخدمــات األخــرى التــي‬
‫‪ - 11‬دفعت هذه املبالغ بالعمالت األجنبية‪ .‬‬ ‫تتطلــب مــوارد كبــرة أو تخضــع لرتاخيــص مــن الدولــة‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪30‬‬

‫إن ظاهــرة نقــل وتحويــل ريــع الدولــة‪ ،‬املقــرن بعمليــات رشاكــة مــع رؤوس أمــوال أجنبيــة‪ ،‬كانــت‬ ‫يف منتصــف التســعينيات (أي يف ذروة العنــف اإلرهــايب) أُبرمــت عقــود رشاكــة مــع مؤسســات ذات‬
‫مثابــة إعــان عــن نشــأة مجتمــع جديــد قائــم عــى جهــات فاعلــة اجتامعيــة حديثــة العهــد‪،‬‬ ‫رأس مــال مختلــط‪ ،‬بــن تلــك الــركات الخاصــة نفســها ورشكات أجنبيــة‪.‬‬
‫اســتولت عــى أجهــزة الدولــة أو اســتبعدت الدولــة عــن عــدد مــن صالحياتهــا‪ ،‬ثــم أصبحــت تعتمــد‬ ‫رشعــت «كــوكا كــوال» خــال ســنة ‪ ،1993‬يف ترويــج منتجاتهــا تحــت غطــاء رشكــة فرويتــال (‪NCA‬‬
‫عــى املجموعــات السياســية أو تســتخدمها للدفــاع عــن مصالحهــا الكــرى‪.‬‬ ‫‪)Fruital‬‬
‫إلنتــاج عصــر الفواكــه التابعــة مل ُج ّمــع «عثــاين» ‪ .‬وهيــأت معــدات بأكــر مــن ‪ 70‬مليــون دوالر‪،‬‬
‫‪12‬‬

‫ملــلء القواريــر‪ ،‬ثــم أنشــأت وحدتــن جديدتــن مبــا قــدره ‪ 50‬مليــون دوالر للغــرض نفســه‪ .‬ويف العــام‬
‫‪ ،1997‬أبرمــت منافســتها‪.‬‬

‫«ببــي كــوال» بدورهــا‪ ،‬مــع جيــايل مهــري (وهــو مليارديــر مــن واد ســوف ومرشــح «حركــة مجتمــع‬
‫الســلم ‪ -‬حــاس» يف االنتخابــات الترشيعيــة للعــام ‪ )1997‬اتفاقيــة بقيمــة ‪ 50‬مليــون دوالر لتعبئــة‬
‫منتجاتهــا يف القواريــر أيضــا‪. 13‬‬

‫وتبــ ّدت الظاهــرة نفســها يف جميــع قطاعــات األعــال املتعلقــة بالبــرول والــركات الهندســية‬
‫وصناعــة األدويــة‪ .‬ويف هــذا املجــال األخــر‪ ،‬أصبــح املخــر الصيــديل الجزائــري الــذي يديــره مصطفــى‬
‫آيــت أدجيجــو‪ ،‬يف العــام ‪ ،1992‬يســيطر وحــده عــى ‪ 21.5‬يف املئــة مــن ســوق اســترياد املنتجــات‬
‫الطبيــة (‪ 550‬مليــون دوالر)‪ .‬ويف العــام ‪ 1995‬كان يبيــع مســتورداته عــن طريــق ‪ 200‬مــوزع‪ ،‬مبــا‬
‫يبلــغ ‪ 300‬مليــون فرنــك فرنــي‪.‬‬

‫كــا اســتثمرت بيوفــارم (‪ )Biopharm‬يف عــام ‪ ،1997‬مــع رون بوالنــك (‪Rhône Poulenc) 300‬‬
‫مليــون فرنــك فرنــي لتغطيــة ‪ 30‬يف املئــة مــن الطلــب عــى األدويــة‪.‬‬

‫‪ - 12‬ولد سليم العثامين يف ‪ 3‬آذار‪ /‬مارس ‪ 1957‬يف تونس العاصمة‪ ،‬وهو رئيس مجلس إدارة «‪»NCA-Rouiba‬‬
‫املتخصصة يف عصري ومرشوبات الفاكهة‪ .‬تخرج من كلية العلوم بتونس ومن «امليديتارين سكول لألعامل» يف تونس‪،‬‬
‫وأصبح مهندساً إعالمياً‪ ،‬متخصصاً يف الشبكات‪ .‬وهو يحمل ثالث جنسيات‪ :‬جزائرية وتونسية وكندية‪ .‬قبل أن يعود‬
‫ليستقر يف الجزائر سنة ‪ ،1991‬استثمر يف الرشكة الكندية الناشئة «‪ »Alis Technologies‬يف مونرتيال‪ ،‬حيث عمل‬
‫مدير مبيعات إقليمياً لشامل إفريقيا‪ .‬ثم توىل مهمة مدير العمليات يف «‪ .»Fruital-Coca-Cola‬يف العام ‪1999‬‬
‫‪ ،‬انضم إىل «‪ ،»NCA-Rouiba‬التي أسسها والده وجده ‪ ،‬وهي متخصصة يف العصائر ومرشوبات الفاكهة‪ .‬وبات‬
‫مديرها العام حتى سنة ‪ ،2010‬ثم رئيس مجلس إدارتها‪ .‬يف العام ‪ ،2003‬أسس «حلقة العمل والتفكري حول رشكة كري»‬
‫(‪ ،)CARE‬التي يرأسها منذ العام ‪ .2012‬هو أيضاً مؤسس ورئيس «جمعية منتجي املرشوبات الجزائرية» (‪،)APAB‬‬
‫كام أسس ورأس «إنجاز الجزائر»‪ ،‬وهي جمعية تهدف إىل تعزيز ريادة األعامل يف الجزائر‪ ،‬وكذلك عضو مؤسس‬
‫يف «املعهد الجزائري للحوكمة» ‪« -‬حوكمة الجزائر»‪ ،‬وكذلك عضو مؤسس لـ «املنتدى االقتصادي املغاريب» (‪)MEF‬‬
‫ومقره تونس‪ .‬راجع‪ wikipedia.org/wiki/Slim_Othmani :‬‬
‫‪ - 13‬أنظر‪ wikipedia.org/wiki/Djillali_Mehri :‬‬
‫‪33‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪32‬‬

‫ألصحــاب الــروات الجــدد بالحفــاظ عــى أرباحهــم وبإمنائهــا‪ .‬وبطبيعــة الحــال‪ ،‬ليــس لهــؤالء أي‬ ‫العقد االول من االلفية الجديدة‪ :‬االستيالء على جهاز الدولة من‬ ‫‪4‬‬
‫مصلحــة يف املطالبــة بتعزيــز املؤسســات وإقامــة دولــة القانــون‪.‬‬ ‫أجل المصالح الخفية‬

‫قضية الخليفة‬ ‫نشــأت رصاعــات خفيــة مــن أجــل اإلنفـراد بجــزء مــن مجــاالت إنتــاج أو اســتغالل املــوارد الريعيــة‪،‬‬
‫وتــم يف الوقــت نفســه‪ ،‬تنظيــم شــبكات مــن الزبائــن متتــد يف املجتمــع بأكملــه وحتــى داخــل أجهــزة‬
‫إن يف مــا ُس ـ ّم َي يف الجزائــر «قضيــة الخليفــة»‪ 14‬يف أواخــر التســعينيات وأوائــل ســنوات األلفــن‪،‬‬ ‫الدولــة‪ .‬ولــي تتمكــن مــن التحكــم يف إحــدى قنــوات إنتــاج وتحويــل الدخــل الريعــي‪ ،‬كان عــى‬
‫مل يكــن أصــل الفضيحــة يف العمليــات التــي ســبقت‪ ،‬واملتمثلــة يف اختــاس أمــوال بصــدد التبييــض‪،‬‬ ‫كل شــبكة أن تعمــل عــى إدمــاج أحــد األوفيــاء لهــا يف موقــع مــن مواقــع الق ـرار‪ ،‬حيــث ت ُحبــك‬
‫ولكــن الفضيحــة ظهــرت يف آخــر حلقــة حيــث أصبــح الفســاد منظومــة حكــم‪ .‬لقــد أعطتنــا املقــاالت‬ ‫القوانــن‪ ،‬ومتنــح التصاريــح أو الحقــوق‪ ،‬وحيــث تتــم أيضــا املراقبــة وإصــدار العقوبــات‪ .‬وهــذا يؤدي‬
‫املنشــورة يف الصحــف الوطنيــة فكــرة عــن الــوزن االقتصــادي واملــايل لطبقــة رجــال األعــال الجــدد‪.‬‬ ‫حتـاً‪ ،‬إىل رضورة إيجــاد طــرق تعايــش بــن الشــبكات‪ ،‬تُــرم عــى أساســها تحالفــات هشــة (وطنيــة‬
‫كــا ســرى أدنــاه ‪ ،‬فقــد كان ُمجمــع خليفــة ميتلــك البنــك الخــاص الرائــد يف البــاد مــن حيــث حجــم‬ ‫ودوليــة)‪ ،‬فقــط لالســتحواذ عــى مختلــف مجــاالت األعــال أو للدفــاع عــن مواقــف مشــركة‪.‬‬
‫شــبكة فروعــه والــركات التابعــة لــه‪ ،‬وكان لديــه أيضـاً مختــر متخصــص يف إنتــاج األدويــة (‪KRG‬‬
‫‪ ،)Pharma‬وثــاين أكــر رشكــة طـران يف البــاد بعــد الخطــوط الجويــة الجزائريــة‪ ،‬وهــو يســيطر عــى‬ ‫نحـن أمـام وضـع يحقـق فيـه القـرب مـن مراكـز القـرار وسـيطرة الدولـة علـى إنتـاج وتوزيع‬
‫مــا يقــرب مــن ‪ 40٪‬مــن الحركــة الجويــة‪ .‬وكان يخطــط لبنــاء مطــار خــاص بنحــو ‪ 400‬مليــون دوالر‪،‬‬ ‫حقيقيـة‪ ،‬ويصبح بالتالي مصدر ثروة تـكاد تكون غير محدودة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫السـلع والخدمـات‪ ،‬إيرادات‬
‫واقتنــاء أســطول مــن طائ ـرات ايربــاص و‪ ATR 72-500‬بنحــو ‪ 3.4‬مليــار دوالر عــى مــدى ثــاث‬ ‫الم َمنهجـة «لإلسـتالء علـى الدولـة»‪ ،‬كمـا يوضـح الوضع نفسـه‬
‫هـذا مـا يفسـر المحـاوالت ُ‬
‫ســنوات‪.‬‬ ‫لمـاذا تكـررت سياسـات التراجـع عـن عمليـات التأميـم واالبتعـاد عـن ضوابـط التحكـم‪،‬‬
‫وكيـف فُ تـح المجـال لخصخصة مـا كانت الدولـة تحتكـره‪ ،‬وبالتالي لنقل وتحويـل األموال‬
‫عندمــا قــام ب ـراء مكثــف ملكونــات الق ـرار الــذي ســمح بإيــداع االدخــار املؤسســايت لــدى بنــك‬ ‫أوليغارشـيات جديـدة ضاريـة تنهـب البالد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫العامـة‪ ،‬إلـى أن بـرزت‬
‫الخليفــة‪ ،‬واســتخدم تلــك الودائــع مــن أجــل أن ُيـ ّول بصفــة شــبه كُلّيَــة‪ ،‬ويف انتهــاك تــام لــكل قواعد‬
‫الحيطــة‪ ،‬التطــور املذهــل الــذي عرفــه َمجمعــه الخــاص‪ ،‬مل يكتــف «الفتــى الذهبــي»‪ ،‬بتقديــم هدايــا‬ ‫نحــن إذا ً أمــام وضــع يحقــق فيــه القــرب مــن مراكــز الق ـرار وســيطرة الدولــة عــى إنتــاج وتوزيــع‬
‫لكبــار املودعــن فقــط‪ ،‬بــل اشــرى أيضـاً غطــا ًء سياســياً ميكنــه مــن اســتخدام تلــك األمــوال العامــة‬ ‫الســلع والخدمــات‪ ،‬إي ـرادات حقيقيّــة‪ ،‬ويصبــح بالتــايل مصــدر ثــروة تــكاد تكــون غــر محــدودة‪.‬‬
‫يف النطــاق الخــاص‪.‬‬ ‫هــذا مــا يفــر املحــاوالت امل ُ َمنهجــة «لإلســتالء عــى الدولــة»‪ ،‬كــا يوضــح الوضــع نفســه ملــاذا‬
‫تكــررت سياســات الرتاجــع عــن عمليــات التأميــم واالبتعــاد عــن ضوابــط التحكــم‪ ،‬وكيــف فُتــح‬
‫مــن املهــم أن نتطــرق بتــأنٍ إىل هــذه القضيــة ألنهــا مبثابــة الرمــز لتلــك القضايــا التــي ســتتبعها طــوال‬ ‫املجــال لخصخصــة مــا كانــت الدولــة تحتكــره‪ ،‬وبالتــايل لنقــل وتحويــل األمــوال العامــة‪ ،‬إىل أن بــرزت‬
‫العقــد األول مــن القــرن الحــادي والعرشيــن‪ ،‬وحتــى ســقوط الرئيــس بوتفليقة يف العــام ‪.2019‬‬ ‫أوليغارش ـ ّيات جديــدة ضاريــة تنهــب البــاد‪.‬‬
‫نــرت الصحافيــة ياســمني ســعيد يف آذار‪ /‬مــارس ‪ ،2013‬مقــاالً طويـاً تســتعيد فيــه الصعــود املبهــر‬
‫الــذي عرفــه رجــل األعــال هــذا‪ ،‬يف أوائــل ســنوات الـــ ‪.2000‬‬ ‫ومــن الواضــح أن بعــض القطاعــات اإلس ـراتيجية تحــث عــى النهــم ألنهــا تســمح بتكديــس بــدايئ‬
‫لــرأس املــال عــى وتــرة قلــا عــرف التاريــخ نظ ـرا ً لهــا‪ .‬هكــذا تحــرك هــؤالء الفاعلــون الجــدد يف‬
‫«أســس رفيــق خليفــة مرصف ـاً خاص ـاً مبوجــب القانــون الجزائــري‪ .‬بعــد أقــل مــن ســنة‪ ،‬تــم‬ ‫عــامل خــا ٍل مــن القيــود القانونيــة أو حتــى األخالقيــة‪ .‬لقــد كانــت تلــك هــي حــال األوليغارشــية‬
‫فتــح ســوق الطـران الجزائــري للــركات الخاصــة‪ ،‬فأنشــأ الصيــديل رشكتــه «الخطــوط الجويــة‬ ‫الروســية يف قطــاع النفــط‪ .‬وهــي أيض ـاً حــال األوليغارشــية التــي ظهــرت يف الجزائــر خــال الحــرب‬
‫شــبه األهليــة التــي عرفتهــا البــاد يف التســعينيات‪.‬‬

‫‪ - 14‬عائلة من الوجهاء‪ ،‬كان أحد أعضائها‪ ،‬العرويس خليفة‪ ،‬وزيرا ً للتصنيع والطاقة يف الحكومة الجزائرية بني ‪1962‬‬ ‫إن إضعــاف نفــوذ القانــون بالتأويــات املفرطــة واملراســيم والق ـرارات اإلداريــة املتتاليــة‪ ،‬وبالتــايل‬
‫و‪ ،1963‬ثم سفريا ً يف اململكة املتحدة من ‪ 1964‬إىل ‪ .1965‬وتوىل من ‪ 1965‬إىل ‪ 1967‬منصب املدير العام لـ «رشكة‬
‫التحايــل امل ُعمــم عــى القواعــد الرضائبيــة والقانونيــة‪ ،‬مــن خــال األحــكام االســتثنائية‪ ،‬يســمح‬
‫الخطوط الجوية الجزائرية»‪ .‬‬
‫‪35‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪34‬‬

‫نظــام مافيــا حقيقــي ســبب خســارة للمؤسســات العموميــة واملنظــات الوطنيــة تناهــز‬ ‫الخليفــة»‪ )Khalifa Airways( 15‬ملنافســة الخطــوط الجويــة الجزائريــة ‪ .‬يف نهايــة العــام‬
‫‪ 200‬مليــار دينــار [‪ ]...‬حيــث إن رفيــق خليفــة‪ ،‬ملــا أنشــأ مرصفــه‪ ،‬أرســل مبعوثيــه‬ ‫‪ ،2001‬أصبحــت الرشكــة متلــك ‪ 30‬طائــرة ‪ 16‬وتنقــل ‪ 800‬ألــف راكــب‪ .‬ثــم أنشــأت الرشكــة‬
‫إىل الــركات العموميــة إلقناعهــا بإيــداع أموالهــا يف بنــك الخليفــة‪ .‬وكان وعــده آنــذاك‬ ‫الجديــدة مدرســة للطياريــن‪ ،‬ويف الجزائــر‪ ،‬أنشــأ رفيــق خليفــة أيض ـاً رشكــة لتأجــر الســيارات‬
‫يتمثــل يف فائــدة بنســبة تـراوح بــن ‪ 8‬و ‪ 15‬يف املئــة عــى املبالــغ املودعــة‪ ،‬بينــا مل تكــن‬ ‫باســم «خليفــة لوكايشــن» ‪ . )KRC Khalifa Location( 17‬كــا اقتحــم مجمــع خليفــة عــامل‬
‫البنــوك األخــرى تقــدم إال نســبة تـراوح بــن ‪ 3‬و‪ 10‬يف املئــة فقــط‪ . 19‬وكان مــدراء تلــك‬ ‫الرياضــة‪ ،‬وأصبــح رفيــق خليفــة بفضــل مرصفــه يقيــم رشاكات ألنديــة كــرة القــدم املحليــة‬
‫املؤسســات العموميــة يتلقــون‪ ،‬مقابــل موافقتهــم‪ ،‬هدايــا هامــة‪ ،‬مثــل رحــات مجانيــة‬ ‫ويرعــى ســباقات الســيارات‪ .‬حتــى أنــه متكــن يف حزيـران‪ /‬يونيــو ‪ 2001‬مــن أن يصبــح راعــي‬
‫عــى مــن طائـرات رشكــة الخليفــة‪ ،‬أو بطاقــات دخــول إىل مجمــع ســيدي فــرج للعــاج‬ ‫«أوملبيــك مرســيليا»‪ .‬ويف العــام ‪ ،2002‬أطلــق رجــل األعــال الشــاب قنــاة تلفزيونيــة خاصــة‬
‫مبيــاه البحــر‪ . 20‬و كانــت أكادمييــة الطياريــن الشــهرية ال تنتــدب طالبهــا إال مــن بــن‬ ‫تبــث مــن باريــس باســم «الخليفــة يت يف» ومل يــردد لتشــغيلها يف انتــداب الصحفيــن مــن‬
‫أبنــاء كل هــؤالء املســؤولني الذيــن أبرمــوا رشاكات مــع مجمــع الخليفــة‪ .‬كــا أن العديــد‬ ‫وســائل اإلعــام الوطنيــة […]‪ .‬وملناســبة إطالقــه القنــاة‪ ،‬نظــم حف ـاً ضخ ـاً يف فيــا فاخــرة‬
‫مــن هــؤالء املســؤولني متتعــوا بقــروض كانــت تــرف لهــم نقــدا ً ومل يســددوها يف مــا‬ ‫يف مدينــة كان الفرنســية‪ ،‬دعــا إليــه نجــوم الشــو بزنــس العامليــن‪ .‬وتتــاىل إحيــاء الحفــات‬
‫بعــد بالكامــل‪ .‬ولقــد كانــت حســابات بنــك الخليفــة محــل تالعــب دائــم لــي ال تثــر‬ ‫الباذخــة‪ ،‬حيــث مل يكــن يــردد أحيان ـاً يف دفــع األمــوال للمشــاهري ليضمــن وجودهــم فيهــا‪.‬‬
‫الشــك بشــكل ملحــوظ [‪.»]...‬‬ ‫حتــى صــار رفيــق خليفــة ذلــك الفتــى الذهبــي الــذي تناشــده الدولــة ليكــون وســيطاً لهــا لــدى‬
‫الحكومــات األجنبيــة ‪» .18‬‬
‫أثناء املحاكمة يف هذه القضية‪،‬‬
‫«صــدرت عقوبــات تـراوح بــن ســنتني وخمــس ســنوات ســجناً عــى مختلــف الوســطاء‬
‫مــن بــن املؤسســات العموميــة التــي مكنــت ُمجمــع الخليفــة مــن الحصــول عــى رأس املــال‬
‫واملســؤولني عــى املؤسســات العموميــة التــي اســتثمرت يف ُمجمــع خليفــة‪ .‬لكــن وزيــر‬
‫والســيولة لتمويــل أعاملــه‪ ،‬باإلضافــة إىل القــروض التــي تحصــل عليهــا مــن البنــوك الحكوميــة‪ ،‬ميكننــا‬
‫املاليــة آنــذاك [‪ ،]...‬ورئيــس االتحــاد العــام للعــال الجزائريــن [‪ ،]...‬ورئيــس حركــة‬
‫أن نذكــر إيداعــات صناديــق الضــان االجتامعــي وتعاونيــة الرشطــة‪ ،‬و»االتحــاد العــام للعــال‬
‫مجتمــع الســلم‪ ،]...[ 21‬حــروا جميعهــم عــى أنهــم شــهود مــن دون أن يتعرضــوا ألي‬
‫الجزائريــن»‪ ،‬و»الوكالــة الجزائريــة لتنميــة اإلســكان»‪ ،‬و»ديــوان التنميــة والتــرف العقــاري»‪،‬‬
‫إزعــاج‪ .‬مل يكــن هنــاك موجــب الزعاجهــم حتــى يف تلــك املــرة»‪.‬‬
‫وأيض ـاً «الصنــدوق الوطنــي للتأمــن االجتامعــي»‪ ،‬و»الصنــدوق الوطنــي للضــان االجتامعــي لغــر‬
‫املوظفــن»‪ ،‬و»الصنــدوق الوطنــي للتقاعــد»‪ .‬باختصــار‪ ،‬كانــت رؤوس األمــوال والســيولة تأتيــه مــن‬
‫قضايــا فســاد ونهــب أخــرى‪ ،‬تصــدرت عــى نطــاق واســع‪ ،‬عناويــن الصحــف عــى مــدار العقديــن‬
‫األمــوال العامــة والودائــع املســتمدة مــن دخــل العــال وموظفــي الدولــة والتجــار‪.‬‬
‫األول والثــاين مــن القــرن الحــادي والعرشيــن‪ ،‬وظهــرت يف وضــح النهــار خــال املحاكــات التــي‬
‫رافقــت وتلــت ســقوط الرئيــس عبــد العزيــز بوتفليقــة‪. 22‬‬
‫لكــن ال ينتهــي النهــب املنظــم عــى أســاس الفســاد الشــامل ملوظفــي الدولــة واملؤسســات العموميــة‬
‫عنــد هــذا الحــد‪.‬‬
‫وبحســب وســائل اإلعــام الجزائريــة‪ ،‬فــإن أجهــزة األمــن والعدالــة الجزائريــة بصــدد التحقيــق يف‬
‫يف ترشيــن الثــاين‪ /‬نوفمــر‪ ،2002‬كشــف ســجل النقــد يف «بنــك الخليفــة» عــن فجــوة قدرهــا ‪3.27‬‬
‫أكــر مــن خمســن قضيــة فســاد‪ ،‬كان قــد تــورط فيهــا وزراء ومســؤولون حكوميــون ســابقون‪ .‬وهــذا‬
‫مليــار دينــار‪ .‬وكانــت تلــك عالمــة اإلفــاس املعلــن‪.‬‬

‫‪ - 19‬تجدر اإلشارة إىل غياب أي رقابة أو معاقبة من قبل السلطات املالية للدولة عىل هذه اإلعفاءات من قانون‬ ‫«خــال املحاكمــة‪ ،‬كشــفت التحقيقــات وجلســات االســتامع املختلفــة أنــه تــم إرســاء‬
‫املالية ومن األحكام التي تضبط عمل القطاع‪ .‬‬
‫‪ - 20‬وكذلك بطاقات قروض غري محدودة بضامن من قبل «بنك الخليفة»‪ .‬‬ ‫‪ - 15‬كانت الخطوط الجوية الجزائرية حتى ذلك الحني تحتكر االستغالل التجاري للنقل الجوي‪ .‬‬
‫‪«- 21‬حركة مجتمع السلم ‪ -‬حامس»‪.‬‬ ‫‪ - 16‬معظم تلك الطائرات‪ ،‬وهي من طراز «اإليرباص» أو خاصة بالنقل املحيل (‪ )ATR‬كانت جديدة متاماً‪ ،‬مام يثري‬
‫‪ - 22‬من بني تلك القضايا‪ ،‬قضية ‪ Brown & Root Condor- BRC‬و«سوناطراك» ‪ 2، 1‬و‪( 3‬الرشكة الوطنية ألبحاث‬ ‫تساؤالت حول قروض التمويل والتأمني والضامنات املمنوحة من الدولة الجزائرية والدولة الفرنسية‪ .‬‬
‫وإنتاج ونقل وتحويل وتجارة الهيدروكربونات)‪ ،‬والطرق الرسيعة بني رشق البالد وغربها‪ ،‬وغريها‪ .‬‬ ‫‪ - 17‬وهي من الرشكات العديدة التابعة ملجمع الخليفة‪ ،‬أنظر‪ algeria-watch.org/?p=59031 :‬‬
‫‪37‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪36‬‬

‫عوملــي االنتبــاه ملــا اشــرى‪ ،‬يف العــام ‪ ،2006‬منــزل نيكــوال ســاركوزي الفاخــر املوجــود يف نويــي‬ ‫مــا يفــوق قــدرة القضــاء الجزائــري بســبب عــدد القضــاة واملحققــن املتخصصــن املحــدود (صحيفــة‬
‫ســور ســان‪ ،‬بســعر ‪ 1.993‬مليــون يــورو‪ ]...[ .‬كــا كشــف التحقيــق الــذي اســتهدف شــقيقه‬ ‫الخــر)‪ .‬وفــق الصحيفــة نفســها‪ ،‬فــإن «قضايــا الفســاد املؤكــدة أو املفرتضــة‪ ،‬واملرتبطــة كلهــا بعــدد‬
‫خيــدر عــن عنــارص ال تصــدق‪ .‬كان هــذا األخــر رشيــكاً بســيطاً يف مصنــع ســكودا لرتكيــب‬ ‫كبــر مــن القطاعــات‪ ،‬تتجــاوز قــدرة الســلطة القضائيــة الجزائريــة ألن عــددا ً كب ـرا ً منهــا يقتــي‬
‫الســيارات الــذي يديــره م ـراد عوملــي‪ ،‬لكنــه ميلــك ثالثــة منــازل فاخــرة يف فرنســا‪ :‬اثنــان يف‬ ‫التحقيــق فيهــا ألن النيابــة العامــة مطالبــة بالتحقيــق يف جميــع قضايــا الفســاد التــي شــهدتها البالد»‪.‬‬
‫موناكــو وواحــد يف كــوت دازور‪ .‬وكان املبلــغ الــذي دفعــه لـراء تلــك املنــازل يزيــد عــن ‪2.5‬‬
‫مليــون يــورو‪ .‬ثــم اقتنــى‪ ،‬يف العــام ‪ ،2014‬منــزالً رابع ـاً‪ ،‬ولكــن يف باريــس هــذه املــرة‪ ،‬مببلــغ‬
‫قضية عولمي‬
‫‪ 1.270‬مليــون يــورو [‪.]...‬‬
‫يعتــر القضــاء الجزائــري أن تعــدد ممتلــكات عوملــي يف الخــارج ناتــج عــن غســل لألمــوال‬ ‫ومــن بــن أحــدث القضايــا‪ ،‬ســنتناول هنــا تلــك التــي صــدم حجمهــا وأهميــة رؤوس األمــوال الضخمة‬
‫وتحويــل غــر قانــوين ألمــوال أخــرى مــن ال ـراب الجزائــري‪.‬‬ ‫التــي كانــت تــدور حولهــا‪ ،‬الــرأي العام‪.‬‬
‫وكانــت شــكوك العديــد مــن املؤسســات الجزائريــة تحــوم حــول عنــر ثــان يف مــا بــن ‪2010‬‬ ‫يف مقــال نرشتــه جريــدة «لــو ســواردلجريي» (‪ ، )Le Soir d´Algérie‬تــروي الصحافيــة عبلــة‬
‫‪23‬‬

‫و‪ ،2019‬يتمثــل يف مخالفــات لوحظــت عــى مســتوى مختلــف البنــوك حيــث كان مـراد عوملــي‬ ‫رشيــف بالتفصيــل فضيحــة قضيــة م ـراد عوملــي املريعــة‪.‬‬
‫ُيكــر مــن االقـراض بحجــة نشــاطاته يف مجــال الســيارات‪ .‬وكانــت ديونــه قــد تراكمــت حتــى‬
‫وصلــت إىل ‪ 46‬مليــار دينــار جزائــري‪ .‬يف العــام ‪ ،2013‬حــاول الحصــول عــى قــرض جديــد مــن‬ ‫«مل تُفاجــئ عــى مــا يبــدو‪ ،‬العنــارص التــي تــم جمعهــا يف ســياق التحقيقــات املؤديــة إىل‬
‫بنــك القــرض الشــعبي الجزائــري‪ .‬لكــن مديــر البنــك آنــذاك كان عنيــدا ً ورفــض الطلــب‪ .‬بعــد‬ ‫إدانتــه‪ ،‬مؤلفــي هــذا البحــث‪ .‬ألن مـراد عوملــي مــن أولئــك الذيــن ال ميكــن أن يلمســهم أحــد‬
‫ثــاث ســنوات‪ ،‬تغــر الوضــع إذ تغــر املديــر العــام للبنــك ومنــح املديــر الجديــد لرجــل األعــال‬ ‫بــأذى‪ .‬وقــد عــرف الرجــل لفــرة طويلــة كيــف ينجــو مــن رشاك العدالــة‪ ،‬بفضــل الدعــم الكبــر‬
‫القــروض املطلوبــة‪ .‬ويقــال إنــه كان صديــق عوملــي لدرجــة أنــه قبــل أن يتدخــل لــدى البنــك‬ ‫الــذي كان يحظــى بــه داخــل البــاد ومــن قبــل بعــض دوائــر رجــال دولــة أجانــب‪ ]...[ .‬كان‬
‫الجزائــري للتنميــة الريفيــة‪ ،‬ملســاعدته يف الحصــول عــى قــروض مهمــة‪ .‬وانتهــى األمــر إىل أن‬ ‫ميثــل أربــع عالمــات تجاريــة مرموقــة للســيارات‪ ]...[ 1024‬وعــى هــذا األســاس كان ميكــن‬
‫بلــغ حجــم هــذه القــروض ‪ 12‬مليــار دينــار بــن ‪ 2014‬و‪2016‬‬ ‫أن تبــدو رحالتــه عاديــة‪ ،‬وحتــى رضوريــة‪ ،‬لــو مل يصــل عددهــا إىل أرقــام قياســية‪ ،‬حتــى أن‬
‫وتشــر مصــادر مطلعــة إىل أن مـراد عوملــي كان يفضــل العمــل مــع البنــوك الخاصــة يف إطــار‬ ‫املحققــن وجــدوا صعوبــة يف تفســر ذلــك‪ .‬فلنحكــم بأنفســنا‪ :‬قــام عوملــي بــــ‪ 157‬رحلــة بــن‬
‫أنشــطة ســوفاك‪ ،‬رشكــة بيــع الســيارات‪ .‬كانــت العمليــة تتلخــص يف التمتــع بقــروض بشــكل‬ ‫شــباط‪ /‬فربايــر ‪ 2017‬وآذار‪ /‬مــارس ‪ .2019‬باإلضافــة إىل ذلــك‪ ،‬هنــاك ‪ 18‬عمليــة دخــول وخــروج‬
‫أرسع وأســهل مــن البنــوك العامــة‪ .‬والجميــع يتســاءل اليــوم عــن وجهــة املبالــغ التــي تــم‬ ‫مــن األرايض الوطنيــة عــى مــن طائــرة خاصــة مســتأجرة مببلــغ ‪ 600‬الــف دينــار جزائــري يف‬
‫الحصــول عليهــا‪ ]...[ .‬كانــت األعــال هــي الرابــط الوحيــد بــن عوملــي وبلــده‪ ،‬إذ أن عائلتــه‬ ‫الســاعة‪ .‬وتكــررت أغلــب الرحــات نحــو يف فرنســا‪ ،‬مــكان إقامــة أرستــه الرســمي وبطبيعــة‬
‫كانــت مســتقرة يف فرنســا‪ ،‬كــا كانــت عقاراتــه أيض ـاً‪ .‬فــا الــذي نحتاجــه أكــر لفهــم مــا‬ ‫الحــال إقامتــه هــو أيضــا‪ ،‬ألنــه يحمــل الجنســية الفرنســية‪ ]...[ .‬و كانــت هنــاك شــكوك ثقيلــة‬
‫حــدث؟ [‪]...‬‬ ‫تحــوم حــول شــخصه ولكــن أيض ـاً حــول إخوتــه الذيــن كانــوا رشكائــه [‪ ]...‬وأكــدت مصــادر‬
‫وكان لعوملــي دفــر اتصــاالت ثري ـاً إىل درجــة أنــه متكــن برسعــة مــن التعــرف عــى دوائــر‬ ‫مطلعــة عــى امللــف أن التحقيــق الــذي تــم إج ـراؤه قــد كشــف عــن وجــود رشكات عقاريــة‬
‫القــادة الجزائريــن‪ .‬أمــا مرشوعــه لرتكيــب الســيارات فكانــت تشــوبه مخالفــات عــدة‪ ،‬لكــن‬ ‫مقرهــا يف فرنســا‪ ،‬خاصــة أنــه ميلــك أيضــاً عــددا ً مــن العقــارات املذهلــة‪ :‬خمســة منــازل‬
‫املؤسســات املختصــة كانــت تقبلــه بســهولة غريبــة‪ ،‬ومتنــح الرجــل ميـزات مهمــة‪ .‬هكــذا متكــن‬ ‫يف نويــي (‪ ،)Neuilly-sur-Seine‬بنايــة فاخــرة يف ســان تروبــاز (‪ ،)Saint-Tropez‬وأخــرى يف‬
‫مــن الحصــول عــى قطعــة أرض جــد كبــرة يف غلي ـزان‪ ،‬قيمتهــا ثابتــة عنــد ‪ 58‬مليــار دينــار‬ ‫باريــس‪ ،‬ومنــزالً يف ضاحيــة شــال باريــس‪ .‬وكان املبلــغ املعلــن مــن األمــوال املدفوعــة لـراء‬
‫جزائــري لبنــاء مصنــع‪ .‬دفــع مـراد عوملــي ‪ 40.8‬مليــار دينــار وأخذهــا‪ .‬كــا تحصــل عــى ميزات‬ ‫هــذه العقــارات ‪ 24‬مليــون يــورو‪ ...‬وقبــل فــرة طويلــة مــن بدايــة التحقيــق معــه‪ ،‬لفــت مـراد‬
‫وتســهيالت هائلــة أخــرى‪ ،‬ســيتم الكشــف عنهــا خــال املحاكمــة املقــررة يف ‪ 11‬أيــار‪ /‬مايــو‬
‫املقبــل‪ ]...[ .‬وقــد علمنــا أخـرا ً أن جــزءا ً مــن الخســائر التــي تســبب فيهــا مـراد عوملــي تبلــغ‬ ‫‪ ،Le Soir d´Algérie - 23‬عدد ‪ 2‬أيار‪ /‬مايو ‪ 2020‬‬
‫مليــار ونصــف املليــار يــورو‪ ،‬ناهيــك عــن املي ـزات التــي تحصــل عليهــا مــن الوكالــة الوطنيــة‬ ‫‪« - 24‬سوفاك الجزائر» (‪ )SOVAC ALGERIE SPA‬هي املمثل الرسمي لـ ‪ Volkswagen‬يف الجزائر منذ ‪.1999‬‬
‫كام أنها متثل سيارات ‪ Audi، Seat‬و ‪ .Skoda‬‬
‫‪39‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪38‬‬

‫يف مقــال نرشتــه الصحيفــة الجزائريــة اليوميــة «الوطــن»‪ ، 28‬قــدم لنــا الصحــايف محمــد ح‪ .‬بعــض‬ ‫للتنميــة واالســتثامر ومــن املجلــس الوطنــي لالســتثامر‪ .‬و يف خصــوص صــادرات ‪ CKD 25‬و‬
‫العنــارص لفهــم أهميــة هــذا املجمــع الورقــي الــذي يغطــي مســاحة ‪ 45‬هكتــارا ً والــذي كان يعتــر‬ ‫‪« . SKD‬ميثــل هــذا امللــف وصمــة عــار يف أعــال الصناعــة ويحتــوي عــى أدلــة وثيقــة أدت‬
‫آنــذاك األكــر يف إفريقيــا‪.‬‬ ‫إىل تثبيــت اإلدانــة ضــده وضــد متهمــن آخريــن معــه‪ ،‬هــم رئيــس الحكومــة الســابق‪ ،‬ووزيـرا‬
‫الصناعــة الســابقان يوســف يوســفي وعبــد الســام بوشــوارب‪ .‬وهــؤالء يحاكمــون ألجــل تنازلهم‬
‫«يف وقــت قامــت فيــه العديــد مــن الــركات تعيــش صعوبــات‪ ،‬بوضــع حــد لنشــاطاتها‪ ،‬تعهــد‬ ‫عــن ميـزات غــر مســتحقة أثنــاء إبـرام عقــود غــر قانونيــة‪ ،‬وإســاءة اســتخدام وظائفهــم‪ ،‬مــع‬
‫املجمــع «تونيــك» باالســتثامر يف قطــاع الــورق والتغليــف لــي يضمــن اســتقالليته بالنســبة‬ ‫اعتبــار أن الفعــل كان إرادي ـاً‪ ،‬وألجــل تضــارب مصالــح أيض ـاً‪ ،‬والرشــاوى التــي تلقوهــا مقابــل‬
‫للخــارج ويؤكــد إرادتــه يف التوســع‪ ]...[ .‬و قــد حقــق عمــاق الــورق والتغليــف هــذا يف ســنة‬ ‫املي ـزات املمنوحــة وكذلــك هــدر املــال العــام»‪.‬‬
‫‪ ،2004‬وهــو آنــذاك عــى وشــك الدخــول يف مــدار الفلــك‪ ،‬حجــم أعــال يبلــغ ‪ 17‬مليــار دينــار‪.‬‬
‫ويف العــام ‪ ،2005‬كانــت رشكــة «تونيــك» تخطــط الجتيــاح الســوق الخارجيــة مبــا قــدره ‪36‬‬ ‫إن فســاد موظفــي القطــاع العــام وأعضــاء الحكومــة‪ ،‬والحصــول عــى فوائــد غــر مــررة يف الصفقــات‬
‫مليــون يــورو مــن البيوعــات‪ ]...[ .‬يبلــغ االســتهالك الوطنــي مــن ورق التغليــف ‪ 600‬ألــف طــن‬ ‫العموميــة‪ ،‬والتمويــه‪ ،‬وغــره مــن أعــال الفســاد‪ ،‬تكشــف كلهــا فشــل جميــع هيئــات الرقابــة املاليــة‬
‫ســنوياً‪ ،‬بينــا ال يتجــاوز اإلنتــاج الوطنــي مــن الــورق ‪ 50‬ألــف طــن ســنويا‪ ]...[ .‬وقــد كشــف‬ ‫أو السياســية‪ .‬إن عمليــة تــآكل املنظومــة املاليــة واملرصفيــة قــد ســارت هنــا بالتــوازي مــع تدخــل‬
‫لنــا مديــر مشــاريع رشكــة «تونيــك» [‪ ]...‬حيثيــات عمليــة االســتثامر الجاريــة والتــي ســتختم يف‬ ‫أعضــاء الدوائــر العليــا يف الجيــش والحكومــة يف عمليــة انهيــار الدولــة‪.‬‬
‫نهايــة ‪ .2005‬وتتعلــق مبصنــع إلنتــاج الــورق القــايش (مــن القطــن) والــورق املمــوج‪ .‬وســتصل‬
‫الطاقــة اإلنتاجيــة مــن الــورق القــايش (مناديــل‪ ،‬ومفــارش مائــدة‪ ،‬وورق التواليــت‪ ،‬وغريهــا)‬ ‫قضية «تونيك للتعبئة والتغليف» (‪)Tonic Emballages‬‬
‫إىل ‪ 25000‬طــن ســنوياً‪ ،‬بينــا يبلــغ إنتــاج الــورق املمــوج ‪ 145000‬طــن ســنوياً‪.‬‬
‫آخــر عمليــة اســتثامر قبــل بــدء تشــغيل هذيــن املصنعــن‪ ،‬كانــت عــى مــا يبــدو‪ ،‬أن رشكــة‬ ‫يف شــباط‪ /‬فربايــر ‪ ،2007‬اندلعــت قضيــة رمزيــة أخــرى بحجــم تلــك التــي ســبقتها‪ ،‬حيــث ظهــر يف‬
‫تونيــك قامــت برتكيــب وحــدة تحليــة ميــاه البحــر بإنتــاج يومــي يبلــغ ‪ 5000‬مــر مكعــب‪،‬‬ ‫صحيفــة «لوماتــان»‪ 26‬اليوميــة مقــال بقلــم مصطفــى ف‪ .‬يزيــح الحجــاب جزئيـاً عــن خفايــا مــا بــدا‬
‫بالقــرب مــن تلــك التــي تشــتغل مــن مــدة يف بــو إســاعيل‪ .‬وســيتم نقــل امليــاه إىل مصنــع‬ ‫أنــه تســوية حســابات بــن «جامعــات الســلطة»‪ ،‬كان الج ـرال العــاري‪ 27‬متــورط فيهــا‪ ،‬حســب‬
‫الـ�ورق عـبر شـ�بكة متتـ�د عـلى ثالثـ�ة كيلومـترات‪ .‬وسـ�تتكلف املجموعـ�ة األمريكيـ�ة إيونكـ�س( (�‪Io‬‬ ‫مــا قيــل‪.‬‬
‫‪ )nics‬بتنفيــذ هــذا املــروع‪ ،‬بينــا تتــوىل الرشكــة الهولنديــة بيــو واتــر (‪ )Bio-Water‬ومقرهــا‬
‫جنــوب إفريقيــا‪ ،‬باالســتثامر املتعلــق بجــودة امليــاه وفق ـاً للمعايريالدوليــة‪ .‬كــا ســيتم إنشــاء‬ ‫لكــن قبــل التطــرق إىل الجانــب القضــايئ للمســألة حتــى نفهــم مــدى تــورط الجيــش يف هــذه القضايا‬
‫محطــة معالجــة ميــاه الــرف الصحــي بطاقــة ‪ 2000‬مــر مكعــب يف اليــوم‪ .]...[ .‬مــن املعــدات‬ ‫وأبعــاد الــرر الــذي لحــق بالخزينــة العامــة‪ ،‬ينبغــي رمبــا أن نقــول بضــع كلــات عــن املجمــع‬
‫األخــرى املوجــودة أيضـاً عــى املوقــع تلــك التــي تتعلــق بإنتــاج الطاقــة‪ ،‬وهــي محطــة غازيــة‬ ‫الصناعــي املعــروف باســم «تونيــك امبــاالج»‪.‬‬
‫تعمــل بنظــام بخــار وتنتــج ‪ 35‬ميجــاوات‪ ]...[ .‬وأخ ـرا ً‪ ،‬تنــوي الرشكــة االســتثامر يف مــروع‬
‫ضخــم يتمثــل يف وحــدة حــرق‪ .‬املهــم أن هــذا الربنامــج االســتثامري مــن شــأنه أن يجعــل رشكــة‬
‫«تونيــك» تنتــج بنفســها املــواد الالزمــة الحتياجــات إنتاجهــا مــن الــورق مــن دون أن تكــون‬ ‫‪ SKD / CKD - 25‬هو نظام تفضييل متعلق بامليزات الرضيبية املمنوحة عند استرياد منتج مفكك ومكون من‬
‫تجميعات فرعية (‪ )SKD‬أو منتج مفكك متاماً (‪( .)CKD‬مالحظة من الباحث) ‬
‫تابعــة ألي عمليــة توريــد‪»]...[ .‬‬
‫‪b enchicou.unblog.fr/2007/05/22/affaire-tonic-emballage-le-plan-contre-le-general-lamari-dejoue- 26‬‬

‫مــن الواضــح أن الجـرال العــاري‪ ،‬باعــث هــذا املــروع‪ ،‬قــد اســتفاد مــن ســخاء مؤسســات الدولــة‬ ‫‪ - 27‬يف كانون الثاين‪ /‬يناير ‪ ،1992‬أجرب الجرنال العامري‪ ،‬مع مجموعة من كبار الضباط العسكريني‪ ،‬الرئيس الشاذيل‬
‫املاليــة واملرصفيــة حتــى متكــن مــن مثــل هــذه االســتثامرات الضخمــة‪ .‬مــرف «بــدر» هــو الــذي‬ ‫بن جديد عىل االستقالة‪ ،‬وألغوا أول انتخابات ترشيعية حرة يف البالد‪ .‬و ُعني يف العام ‪ 1993‬رئيساً ألركان الجيش‬
‫الوطني الشعبي‪ ،‬فقاد الجيش خالل كامل فرتة الحرب األهلية تقريباً التي خلفت ما بني ‪ 100‬ألف و‪ 200‬ألف قتيل‪.‬‬
‫منحــه قرضـاً هائـاً بقيمــة ‪ 65‬مليــار دينــار جزائــري إلطــاق هــذا املــروع الصناعــي‪ .‬لكــن عندمــا‬
‫بعد إعادة انتخاب عبد العزيز بوتفليقة رئيساً يف نيسان‪ /‬أبريل ‪ ،2004‬أقيص اللواء العامري‪ ،‬ثم يف آب‪ /‬أغسطس‬
‫‪ ،2004‬دفعه الرئيس بوتفليقة لالستقالة من منصب رئيس األركان «ألسباب صحية»‪ ،‬وحل محله اللواء أحمد قايد‬
‫‪ www.elwatan.com/archives/actualites/tonic-emballage-3-19-07-2005 - 28‬‬ ‫صالح‪ ،‬قائد القوات الربية ‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪40‬‬

‫ن‪‭‬صالحياته ‬ا‪‭‬من‬‪‭‬قبل‪‭‬‬
‫ة‪‭‬م ‬‬
‫تجريد‬األجهزة‬‪‭‬التشريعية‬‪‭‬والقضائي ‬‬ ‫‪5‬‬
‫دارت الريــاح مبــا ال تشــتهي ســفن الجـرال الجبــار‪ ،‬أصبــح مــن الــروري تســديد الديــون املرتاكمــة‬
‫‬السلطة‬‪‭‬التنفيذية‬ ‫ملــرف «بــدر»‪ ،‬ومل يعــد هنــاك أي مجــال إلعفــاء أو أفضليــة‪ .‬وتبــن تفاصيــل عمليــات تصفيــة‬
‫ممتلــكات رشكــة «تونيــك امبــاج» بالضبــط أبعــاد اإلف ـراط الجائــر يف املي ـزات التــي منحهــا نظــام‬
‫لقــد ب ّينــا يف مــا قدمنــاه أعــاه كيــف أن توجــه األوليغارشــية نحــو االســتيالء عــى ريــع الدولــة يعتمــد‬ ‫الرقابــة املاليــة واملرصفيــة للج ـرال‪.‬‬
‫عــى القــرب مــن الســلطة والنفــوذ إىل مصــدر الق ـرار الســيايس‪ .‬وهــذا يعنــي قبــل كل يشء قــدرة‬
‫أعضــاء األوليغارشــية عــى حاميــة الــروات التــي اكتســبوها مــن خــال القـرارات السياســية املواتيــة‬ ‫«ال ميكــن ألحــد أن ينكــر بطبيعــة الحــال أن القــرض الضخــم الــذي منحــه مــرف «بــدر»‬
‫ملصالحهــم‪ ،‬الســيام مــن خــال القوانــن املعتمــدة مــن قبــل املجالــس املنتخبــة‪ ،‬ولكــن أيض ـاً مــن‬ ‫خــال فــرة الرئيــس املديــر العــام بويعقــوب‪ ،‬كان مبثابــة «مخاطــرة غــر مدروســة»‪ ]...[ .‬كان‬
‫خــال املراســيم الرئاســية والقـرارات الوزاريــة التنفيذيــة‪.‬‬ ‫جــزء كبــر مــن األحــد عــر مليــار دينــار التــي ســددتها «تونيــك»‪ ،‬متأتيـاً مــن عائــدات ال ُعقلــة‬
‫القضائيــة التــي كانــت تحــت تــرف «بــدر» عــى املكتســبات «خــارج عمليــات االق ـراض»‪.‬‬
‫ومــن املهــم أن نشــر يف هــذا الســجل‪ ،‬إىل أن متثيــل املجتمــع مــن قبــل املجالــس املنتخبــة‪ ،‬وعــى‬ ‫وهــي ممتلــكات اقتناهــا اإلخــوان جــ ّرار و تراكمــت عندهــا يف مرحلــة الجشــع واإلنفــاق‬
‫وجــه الخصــوص مــن قبــل املجلــس الشــعبي الوطنــي‪ ،‬قــد تــم إفراغــه مــن فحــواه كمصــدر للســلطة‬ ‫املتباهــي‪ :‬مبــانٍ فخمــة عــى مرتفعــات العاصمــة‪ ،‬صــاالت عــرض فاخــرة يف وســط مدينــة‬
‫الســيادية‪ ،‬بشــكل تدريجــي‪ ،‬قبــل أن يطولــه الفســاد هــو اآلخــر‪.‬‬ ‫الجزائــر‪ ،‬مجموعــة ســيارات تســوى الواحــدة منهــا أكــر مــن ‪ 50‬ألــف يــورو‪ ،‬رشكات جديــدة‬
‫ملــاركات يف نطــاق االمتيــاز التجــاري‪ ،‬ناهيــك عــن املمتلــكات املكتســبة يف الخــارج والتــي مل‬
‫ميكــن تطبيــق ال ُعقلــة عليهــا»‪.‬‬
‫حول إخضاع السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية‬

‫مــن املهــم أن نذكــر يف البدايــة أن الجزائــر املســتقلة أبقــت يف العــام ‪« 1962‬بصفــة مؤقتــة»‪ ،‬عــى‬ ‫يظهــر إذا بوضــوح تشــابك املســتويات التــي تحدثنــا عنهــا يف املقدمــة‪ ،‬بعــد ق ـراءة هــذه أحــداث‬
‫القوانــن والهيــاكل املوروثــة مــن الفــرة االســتعامرية‪ ،‬عــى غـرار باقــي هيئــات الدولــة‪.‬‬ ‫هــذه القضايــا وع ـرات القضايــا األخــرى التــي نظــرت فيهــا محاكــم النظــام الجديــد‪ ،‬الــذي أقيــم‬
‫بعــد ســحب ترشــح عبــد العزيــز بوتفليقــة وإقالتــه يف مرحلــة تزامنــت فيهــا االنتفاضــة الشــعبية‬
‫خــال املرحلــة األخــرة مــن الوجــود الفرنــي يف الجزائــر‪ ،‬ومبوجــب قانــون ‪ 20‬أيلــول‪ /‬ســبتمرب ‪،1947‬‬ ‫(الح ـراك) مــع رضبــة جديــدة أظهــر بهــا الجيــش قوتــه‪.‬‬
‫كانــت تطبــق عــى الجزائــر بــدون رشط أو قيــد‪ ،‬القوانــن واملراســيم املتعلقــة بالحريــات الدســتورية‬ ‫مــن حــاالت عــدم التق ّيــد بالقوانــن وأحــكام الدولــة‪ ،‬إىل مخاطــر غــر مدروســة يخوضهــا كــوادر‬
‫وبأحــكام األحــوال املدنيــة‪ ،‬وقانــون مــا يســمى بالخدمــات امللحقــة‪ ،‬واملعاهــدات مــع القــوى‬ ‫املؤسســات املاليــة واملرصفيــة‪ ،‬مــرورا ً بإمكانيــة رشاء مكتســبات «خــارج عمليــات االق ـراض»‪ ،‬عــى‬
‫األجنبيــة‪ ،‬وكذلــك املتعلقــة بالتنظيــم العســكري‪ ،‬والنظــام االنتخــايب‪ ،‬والنظــام األســايس للجمعيــات‬ ‫أســاس مكاملــات هاتفيــة بســيطة مــن كبــار املســؤولني السياســيني أو العســكريني‪ ،‬إىل عجــز أجهــزة‬
‫املحليــة‪ ،‬والتنظيــم اإلداري والتنظيــم القضــايئ (املــواد مــن ‪ 9‬إىل ‪ 12‬مــن قانــون الجزائــر‪.)1947‬‬ ‫املراقبــة يف الدولــة أو حتــى عــدم وجودهــا‪...‬‬
‫ومبوجــب هــذا النظــام «املمنــوح بســخاء» مــن قبــل القــوة االســتعامرية‪ ،‬أصبحــت الجزائــر تتمتــع‬ ‫كانــت العواقــب رهيبــة‪ .‬فعــى املســتوى الســيايس‪ ،‬أنشــأ عــدد معــن مــن الــوزراء ممــن كانــوا‬
‫بوجــود قانــوين خــاص‪ ،‬حيــث ال تنطبــق عليهــا بالــرورة القوانــن الفرنســية‪ .‬وقــد أنشــئ مجلــس‬ ‫يســيطروا عــى الحكومــة وكذلــك عــى وزارات الســيادة‪ ،‬منظومــة زبائــن تفشــت داخــل األح ـزاب‬
‫جزائــري ليتــوىل‪ ،‬باالتفــاق مــع الحاكــم العــام (الفرنــي)‪ ،‬إدارة املصالــح الخاصــة بالجزائــر‪.‬‬ ‫السياســية‪ ،‬وبــن النخــب الثقافيــة واألمــن والعدالــة والبنــوك واإلعــام والجيــش واالقتصــاد والنقابــات‬
‫والجمعيــات والجامعــات‪ ،‬وعــامل الرياضــة والدبلوماســية‪ ،‬وكذلــك بــن عــدد مــن املســؤولني‬
‫وينــص القانــون عــى املســاواة الفعليــة بــن جميــع املواطنــن الفرنســيني ودعوتهــم للتمتــع بجميــع‬ ‫واملؤسســات اإلداريــة‪.‬‬
‫الحريــات الدميقراطيــة‪ ،‬وجميــع الحقــوق السياســية واالقتصاديــة واالجتامعيــة املرتبطــة بوضــع‬
‫املواطــن يف االتحــاد الفرنــي والتــي تضمنهــا ديباجــة دســتور الجمهوريــة الفرنســية‪ ،‬وكذلــك‬ ‫للوصــول إىل هــذا الحــد وجعــل الفســاد أداة للســلطة‪ ،‬كان ال بــد مــن االســتيالء عــى النفــوذ‪،‬‬
‫الوصــول إىل جميــع الوظائــف العموميــة‪ .‬وأثنــاء العمليــة نفســها‪ ،‬أُلغــي النظــام الخــاص (قانــون‬ ‫وكســب القــدرة عــى إنشــاء املؤسســات وتفكيكهــا‪ ،‬وعــى تعيــن هــذا أو ذاك‪ ،‬ونقلــه‪ ،‬وإقصائــه يف‬
‫األهــايل) ومنــح حــق التصويــت «للنســاء مــن أصــل مســلم»‪.‬‬ ‫تقاعــد مبكــر‪ ،‬أو يف كثــر مــن الحــاالت‪ ،‬رفــع دعــاوى قضائيــة ضــد أولئــك املوظفــن الذيــن يصعــب‬
‫إرضاؤهــم و يرفضــون التخــي عــن واجباتهــم بانتهــاك القوانــن والقواعــد‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪42‬‬

‫املشــكلة الوحيــدة هــي أن القانــون يفــرض بعــض القيــود عــى مامرســة املواطنــة‪ ،‬تظهــر بالخصــوص‬
‫منــذ هــذا النقــاش الــذي بــدأ داخــل املجلــس التأســييس‪ ،‬بانــت واضحــة طبيعــة املشــكلة التــي‬ ‫يف طــرق متثيــل املنتخبــن‪ .‬إذ بقــي التمييــز قامئـاً‪ ،‬فاملواطنــون الفرنســيون (أوروبيــو الجزائــر وعــدد‬
‫ســتقلق رجــال القانــون الدســتوري ممــن دعتهــم األنظمــة املتتاليــة‪ ،‬منــذ العــام ‪ 1962‬وحتــى اآلن‪،‬‬ ‫قليــل مــن الجزائريــن املســلمني ممــن قبلــوا مرســوم ‪ 4‬آذار‪ /‬مــارس ‪ 1944‬الــذي مينحهــم وضــع‬
‫إىل إضفــاء طابــع رســمي‪ ،‬مــن خــال مجموعــة مــن اإلصالحــات الدســتورية و تفتيــق القانــون‪ ،‬عــى‬ ‫املواطنــن الفرنســيني) يشــكلون املجمــع األول‪ ،‬أم املجمــع الثــاين فيتكــون مــن غالبيــة الناخبــن‬
‫إطاحــة الســلطة الســيادية للشــعب املواطــن مــن قبــل الســلطة التنفيذيــة‪.‬‬ ‫املســلمني‪ ،‬بصفتهــم «مســلمني فرنســيني غــر مواطنــن»‪ . 29‬كان املجلــس الجزائــري يضــم إذا ً‬
‫مجمعــن يشــمل كل منهــا ‪ 60‬مندوب ـاً لكــن األفضليــة املطلقــة كانــت لألقليــة األوروبيــة‪.‬‬
‫تفكيك السلطة التشريعية و فقدان المجالس المنتخبة لمصداقيتها‬ ‫وكان املجلــس الجزائــري كذلــك مجــردا ً مــن كامــل أشــكال الســيادة ألنــه ال ميلــك أي ســلطة سياســية‬
‫ويخضــع لســيطرة الحاكــم العــام والحكومــة الفرنســية‪ ،‬و لهيمنــة أقليــة مفروضــة بالقــوة‪.‬‬
‫تــم اعتــاد دســتور العــام ‪ 198931‬بعــد أزمــة غــر مســبوقة يف النظــام‪ ،‬فاتحـاً الطريــق أمــام نظــام‬ ‫مجلــس جزائــري مــن دون ســيادة‪ ،‬وكتلــة انتخابيــة مكونــة مــن ممثلــن يعملــون باســم أقليــة‬
‫متعــدد األحـزاب‪ ،‬فبــدا بالتــايل وللمــرة األوىل‪ ،‬يف صالــح التعبــر عــن الســيادة الشــعبية‪ .‬ومــع ذلــك‪،‬‬ ‫أجنبيــة تهيمــن عــى البــاد‪ ،‬ضامنــة أيضـاً والء أقليــة أخــرى مكونــة مــن متواطئــن مــع املســتعمر‪.‬‬
‫كــا يشــر الهــادي شــلبي‪:‬‬ ‫ذلــك هــو ال ـراث االســتعامري‪.‬‬

‫«مل تُحــرم جبهــة التحريــر الوطنــي مــن ســلطتها عــى أجهــزة الدولــة‪ .‬كــا أن الدســتور مل يعــزز‬ ‫لكــن يف العــام ‪ 1962‬ظهــر ســؤال أســايس مــع الفــوز باالســتقالل الــذي تــم الحصــول عليــه بعــد‬
‫التعبــر عــن تعدديــة حقيقيــة عــى الرغــم مــن مظاهــر نظــام متعــدد األح ـزاب‪ ،‬ال تخلــو‬ ‫نضــال شــاق وبعــد اســتعادة الســيادة الجزائريــة‪ :‬مــن الــذي ينبغــي اعتبــاره‪ ،‬يف الدولــة الجزائريــة‬
‫طبيعتــه مــا يبعــث عــى التســاؤالت‪ .‬لقــد عمــل دســتور البــاد حتــى اآلن مــن خــال مجلــس‬ ‫الحديثــة العهــد باالســتقالل ويف املجلــس الدســتوري الجزائــري‪ ،‬مصــدرا ً أساســياً لتلــك الســيادة‬
‫بعيــد كل البعــد عــن الصفــات التــي تقتضيهــا الســيادة الوطنيــة‪ ،‬طاملــا أنــه ظـ ّـل مقــر ســيادة‬ ‫الوطنيــة التــي اسـ ُـرجعت أخ ـرا ً؟‬
‫«حزبيــة»‪ .‬وميكــن ألجهــزة الدولــة أن تحتمــي بالنصــوص الدســتورية‪ ،‬لتعــدل تدخالتهــا وتفــك‬
‫ارتباطهــا حســب مصالــح الســلطة‪ .‬مــا ينــذر بعالمــات تحلــل الهيــاكل‪ ،‬ويجعــل مامرســة‬ ‫منــذ أيــام االســتقالل األوىل‪ ،‬وضعــت مســألة الفصــل بــن الســلطات‪ ،‬داخــل املجلــس التأســييس‬
‫وضــان الحريــات العامــة وه ـاً‪ .‬لذلــك نجــد ســيناريو اللجــوء إىل حالــة الحصار(الطــوارئ)‬ ‫نفســه (‪ ،)1962-1963‬وأثــار حســن آيــت أحمــد ‪ 30‬تلــك املســألة املبدئيــة الســابقة لــكل األحــكام‪،‬‬
‫املعروفــة‪ ،‬والتــي تجعــل الجيــش «درع الدميقراطيــة والحريــات» بعدمــا كان درع «الثــورة‬ ‫قائ ـاً يف مداخلتــه‪:‬‬
‫واالشــراكية»‪ .‬وهــذا مــا ُيكّــن مــن تحديــد مصــدر الســلطة وأصحابهــا الحقيقيــن‪ .‬لذلــك‬
‫وعــى الرغــم مــن الترصيحــات الرســمية والخــدع القانونيــة‪ ،‬فــإن الجيــش احتفــظ بــدوره‬ ‫«أمامنــا اليــوم مهمــة تنصيــب أول حكومــة للجمهوريــة الدميقراطيــة الشــعبية‪ .‬ومــن البديهــي‬
‫كقــوة «تنظيميــة» حاســمة»‪. 32‬‬ ‫أن تكــون صالحيــات هــذه الحكومــة محــددة بوضــوح وأن متــارس ســلطتها تحــت مراقبــة‬
‫هــذا املجلــس الــذي أودعنــاه الســيادة الوطنيــة‪ .‬لكــن مــا لفــت نظــري هــو أن يف ترصيــح األخ‬
‫وفقـاً لهــذا الدســتور‪ ،‬ميكــن للمجلــس أن يوافــق عــى برنامــج الحكومــة أو أن يرفضــه‪ ،‬لكــن رئيــس‬ ‫بنبلّــة‪ ،‬رئيــس املجلــس‪ ،‬مل يــرد ذكــر آليــة العالقــات التــي يجــب أن تحكــم ســلطة املجلــس‬
‫الجمهوريــة‪ ،‬الــذي ميثــل يف الوقــت نفســه االق ـراع العــام املبــارش والســلطة التنفيذيــة‪ ،‬غــر ملــزم‬ ‫وســلطة الحكومــة‪ .‬كل مــا أمتنــاه هــو أن نتمكــن يف املســتقبل مــن إيجــاد الوقــت الــكايف حتــى‬
‫بقــرار املجلــس‪ ،‬بينــا يعتــر هــذا األخــر تعبــرا ً عــن الســيادة الوطنيــة‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فقــد كان‬ ‫نحــدد قانوني ـاً وفعلي ـاً األدوات الالزمــة إلقامــة تــوازن ديناميــي بــن الســيادة الشــعبية التــي‬
‫مــن املمكــن للمجلــس الوطنــي ولرئاســة الجمهوريــة أن ميثــا حق ـاً الســيادة الوطنيــة لــو مل يكــن‬ ‫ميثلهــا املجلــس والســلطة التنفيذيــة»‪.‬‬

‫‪ - 31‬الدستور الثاين‪ ،‬بعد األول الذي اعتمد من قبل املجلس التأسييس سنة ‪.1962‬‬ ‫‪ - 29‬الصيغة املدرجة يف بطاقات الناخبني الجزائريني خالل االنتخابات التي نظمت سنة ‪ .1947‬‬
‫‪ - 32‬الهادي شلبي‪« ،‬دستور ‪ 23‬شباط‪ /‬فرباير بني الديكتاتورية والدميقراطية» (‪La Constitution du 23 février‬‬ ‫‪ - 30‬عضو يف مجموعة املناضلني الثوريني الذين أسسوا «جبهة التحرير الوطني» و»جيش التحرير الوطني»‪،‬‬
‫‪ ، )entre dictature et démocratie‬مجلة «نقد»‪ ،‬العدد ‪ ، 1‬الجزائر العاصمة‪ ،‬ترشين الثاين‪ /‬نوفمرب ‪ – 1991‬كانون‬ ‫وأطلقوا الكفاح املسلح يف ترشين الثاين‪ /‬نوفمرب ‪ ،1954‬نائب رئيس الحكومة املؤقتة للجمهورية الجزائرية ومندوب‬
‫الثاين‪ /‬يناير ‪1992‬‬ ‫يف املجلس التأسييس يف أيلول‪ /‬سبتمرب ‪ .1962‬‬
‫‪45‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪44‬‬

‫أحــداث القضيــة‪ ،‬ألنهــا مبثابــة قــايض القانــون‪ .‬فهــي تراقــب فقــط تطبيــق القانــون‪.‬‬ ‫كالهــا نتيجــة تزويــر انتخــايب أصبــح منظومــة تالعــب باالق ـراع الــذي عـ ّـر عنــه الناخبــون‪ .‬لذلــك‬
‫فــإن املجلــس عندمــا يقــوم «بوضــع قانــون والتصويــت عليــه»‪ ، 33‬ال يفعــل ذلــك بشــكل ســيادي‪،‬‬
‫يف هــذا النطــاق أيضــا تكــون كفــاءة القضــاة مهمــة‪ ،‬إذ ميكــن لهــؤالء أن يجعلــوا حكمهــم مــررا ً‬ ‫وإمنــا تحــت ضغــط دائــم مــن قبــل الســلطة التنفيذيــة‪ . 34‬ثــم هــل مــن الــروري أن نضيــف إىل‬
‫متامـاً مــن حيــث الشــكل عــى أســاس قـرارات قضائيــة ســابقة‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬غالبـاً مــا صــدرت أحــكام‬ ‫ذلــك أن معظــم مشــاريع القوانــن تُقــدم إىل الربملــان مــن قبــل الحكومــة وليــس مــن قبــل األحـزاب‬
‫عــن املحكمــة العليــا تناقــض غريهــا مــن األحــكام التــي أقرتهــا املحكمــة نفســها‪ ،‬الســيام يف املســائل‬ ‫السياســية‪.‬‬
‫العقاريــة‪ .‬ونحــن ال نـزال هنــا يف مــا يســمى باألمــر القضــايئ الــذي يحكــم القانــون العــام‪.‬‬
‫سيطرة التنفيذي على السلطة القضائية أو فتح الطريق أمام تفشي الفساد‬
‫يف املجــال اإلداري‪َ ،‬يثُــل أمــام املحكمــة اإلداريــة أطـراف النزاعــات املتعلقــة بالخالفــات بــن املواطنني‬
‫واإلدارة‪ ،‬أو باألفعــال التــي ترتكبهــا الســلطات وبالقـرارات السياســية التــي تأخذهــا وتكــون مخالفــة‬ ‫يرتكــز تنظيــم العدالــة يف الجزائــر عــى جهــاز هرمــي مــوروث هــو أيض ـاً مــن فرنســا‪ ،‬نجــد فيــه‬
‫للقانــون ‪ .‬وفيهــا يجلــس رئيــس ومستشــاران‪ .‬وتصــدر املحكمــة اإلداريــة أحكامــاً ميكــن الطعــن‬ ‫املحكمــة‪ ،‬ومحكمــة االســتئناف‪ ،‬واملحكمــة العليــا‪ ،‬ومجلــس الدولــة‪ .‬عــى مســتوى املحكمــة‪ ،‬يجلــس‬
‫فيهــا أمــام مجلــس الدولــة‪ .‬لكــن هــذا األخــر‪ ،‬عــى عكــس املحكمــة العليــا‪ ،‬يحكــم عــى الحــدث‬ ‫ثالثــة أشــخاص أهمهــم القــايض‪ ،‬ألنــه يــرأس املحكمــة‪ ،‬ومدعــي النيابــة وميثــل املجتمــع‪ ،‬وكاتــب‬
‫والقانــون معـاً‪.‬‬ ‫املحكمــة أي ذاكرتهــا وشــاهدها‪ .‬ويف قبالتهــم يوجــد طرفــان يف القضيــة‪ ،‬ميكــن أن ميثــل كل منهــا‬
‫محــام أو ال‪ .‬ويقــوم القــايض بالفصــل يف الدعــوى ســواء كانــت يف الشــأن املــدين أو التجــاري‪ ،‬أو‬
‫عندمــا تطــرح مســائل سياســية حساســة أو يتعلــق األمــر بشــخصيات مــن أعــى هــرم الســلطة‬ ‫االجتامعــي‪ ،‬أو األرسي‪ ،‬أو العقــاري‪ .‬أمــا يف مجــال العقوبــات‪ ،‬فيفصــل يف املســائل اإلصالحيــة أو‬
‫السياســية أو العســكرية‪ ،‬يكــون لتدخــات األجهــزة السياســية ولفســاد القضــاة دو ٌر مهــم للغايــة‪.‬‬ ‫الجنائيــة أو تلــك البســيطة املتعلقــة بالرشطــة‪ .‬ويُصـ ِـدر حك ـاً بعــد أن يأخــذ يف االعتبــار طلبــات‬
‫فقــد حــدث أن أصــدر مجلــس الدولــة حكـاً يف النهــار وتــم إلغــاؤه مــن قبــل قــاض مــن املجلــس‬ ‫أطـراف النـزاع‪ .‬ويجــب أن يكــون الحكــم معلّــا‪ ،‬وملّــا يكــون القــايض عــى درايــة كاملــة باإلجـراءات‬
‫نفســه‪ ،‬قبــل صبــاح اليــوم التــايل‪ .‬هــذا مــا يســمى يف الجزائــر «عدالــة الليــل»‪. 36‬‬ ‫القانونيــة ومســتوى عــا ٍل مــن الكفــاءة‪ ،‬ال ميكــن القــدح يف حكمــه شــكالً‪ .‬أمــا إذا كان فاســدا ً‪،‬‬
‫فيحــاول أن يقــدم أســباباً تجعــل أي اعـراض مــن جانــب دفــاع املدعــى صعبـاً‪ .‬وميكنــه بالتــايل تربئــة‬
‫متهــم أو إقنــاع ُمـ ّدع بأنــه ال يحــق لــه التــاس العدالــة‪ .‬وعــى عكــس ذلــك‪ ،‬إذا كان القــايض غــر‬
‫حاالت صارخة لتدخل السلطة التنفيذية في المسائل القضائية‬ ‫كفــؤ فقــد يبــدو الحكــم الــذي يصــدره ضعيف ـاً شــكالً ومضمون ـاً‪ ،‬وتكــون إذاك فرصــة للطعــن بــه‬
‫يف قضيــة «تونيــك إمبــاالج» التــي تــم تناولهــا أعــاه‪ ،‬تفاجــأ الصحــايف املكلــف بتغطيــة املحاكمــة‪ ،‬بأن‬ ‫واملطالبــة مبراجعتــه مــن قبــل املحامــن عندمــا يكونــون صادقــن ومؤهلــن‪.‬‬
‫الرئيــس املديــر العــام ملؤسســة «بــدر»‪ ،‬وهــي املؤسســة املاليــة التــي تكبــدت خســارة عــدم ســداد‬
‫القــروض املخصصــة للجــاين‪ ،‬كان آخــر مــن علــم بأنــه قــد تــم القبــض عــى رئيــس رشكــة «تونيــك»‬ ‫يف الشــؤون الجنائيــة‪ ،‬عــى النيابــة‪ ،‬وهــي الجهــة املدعيــة‪ ،‬أن تــرر العقوبــة املطلوبــة‪ .‬وإذا مل يوافــق‬
‫وإيداعــه الســجن‪.‬‬ ‫القــايض عــى مــا جــاء يف الئحــة االتهــام‪ ،‬أو مل تــرض النيابــة عــى الحكــم‪ ،‬ميكنهــا طلــب االســتئناف‬
‫أمــام محكمــة االســتئناف‪ .‬وتنظيــم هــذه األخــرة هــو تنظيــم املحكمــة نفســه مــا عــدا أن فيهــا‬
‫تخربنا الصحيفة اإللكرتونية اليومية «لوماتان»‪ )Le Matin( 37‬أنه‪:‬‬ ‫مجموعــة‪ ،‬أي ال تتشــكل مــن قــاض واحــد فقــط بــل مــن ثالثــة‪ ،‬رئيــس ومستشــاريْن‪ .‬وأمــام هــذه‬
‫املحكمــة‪ ،‬يقــدم األط ـراف املعنيــون أســباب االســتئناف‪ ،‬ويحاولــون تفكيــك الحكــم الصــادر عــن‬
‫«مل تتــم استشــارته بشــأن هويــة املكلــف بالعقلــة القضائيــة كــا باختيــار الســيد الــداودي‪،‬‬ ‫املحكمــة‪ ،‬بتقديــم حجــج مضــادة‪ .‬ثــم تصــدر املحكمــة حكـاً‪ .‬وإذا مل يكــن أحــد األطـراف مقتنعـاً‬
‫بالحكــم الصادرعــن محكمــة االســتئناف‪ ،‬فلــه إمكانيــة أن يواصــل شــكواه أمــام املحكمــة العليــا‪.‬‬
‫‪ - 36‬كانت تلك هي الحال بالنسبة إىل حكم مجلس الدولة للعام ‪ 2004‬املتعلق بإلغاء قرار مؤمتر «جبهة التحرير‬ ‫تأخــذ املحكمــة العليــا يف االعتبــار أســباب اإلحــاالت‪ ،‬لكنهــا ال تخــوض يف التفاصيــل‪ ،‬وال تنظــر يف‬
‫الوطني» بتعيني عيل بن فليس كمرشح الحزب لالنتخابات الرئاسية‪ ،‬حيث تم إلغاء الحكم األول الصادر يومها‪ ،‬بحكم‬
‫آخر صدر يف صباح اليوم التايل‪.‬‬ ‫‪ - 33‬املادة ‪ 92‬الفقرة ‪ .2‬‬
‫‪ - 37‬راجع اإلحالة الرقم ‪ .22‬‬ ‫‪ - 34‬الهادي شلبي‪ - ،‬مرجع سابق‪ .‬‬
‫‪47‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪46‬‬

‫حيــث أن نزاعـاً تجاريـاً مــع بنــك عمومــي قــد يُعالــج عــى أنــه جنــايئ أو ال‪« .‬ال يعتمــد األمــر عــى‬ ‫الرئيــس املديــر العــام الســابق لبنــك التنميــة املحليــة‪ ،‬لهــذه املهمــة‪ .‬وهــذه وســيلة إضافيــة‬
‫القانــون وإمنــا عــى هويــة املســتفيد مــن القــرض وعــى تــوازن القــوى السياســية التــي تحميــه يف‬ ‫إلبعــاد مؤسســة «بــدر» عــن ملــف قــد يعرضهــا ملعانــاة أكــر األرضار بالنســبة لحقيبــة أســهمها‬
‫أعاملــه»‪ ،‬كــا قــال رئيــس وحــدة إلنتــاج األدويــة كان يواجــه مالحقــات قضائيــة‪ ،‬لعــدم احرتامــه‬ ‫[‪ ]...‬وقــد أطلــق أمــس [االثنــن ‪ 21‬أيــار‪ /‬مايــو] يف نهايــة الصبــاح‪ ،‬رساح عبــد الغنــي ج ـرار‪،‬‬
‫املواعيــد املحــددة لســداد قرضــه‪ .‬وهنــا علينــا أن نعــود إىل ترصيــح عقبــة جــرار‪ :‬إنهــا «قضيــة‬ ‫الرئيــس املديــر العــام للمجمــع الورقــي الخــاص «تونيــك إمبــاالج»‪ ،‬الــذي كان مســجوناً يف‬
‫سياســية»‬ ‫ســجن رسكاجــي منــذ قرابــة ثالثــة أســابيع! وكانــت عمليــة إطــاق رساحــه‪ ،‬يف الحقيقــة غامضــة‬
‫‪.‬‬ ‫ومفاجئــة مثــل عمليــة إيداعــه الســجن يف ‪ 3‬أيــار‪ /‬مايــو‪ :‬غرفــة االتهــام مبحكمــة الجزائــر‬
‫العاصمــة هــي التــي قــررت هــذا اإلف ـراج بعــد جلســتها يف اليــوم الســابق ودراســة طلــب‬
‫سيطرة السلطة التنفيذية على المجلس األعلى للقضاء‬
‫االســتئناف املقــدم مــن قبــل الســيد زراعــة‪ ،‬محامــي املتهــم‪ .‬لكــن ليــس مــن عــادة غــرف‬
‫ال ميكننــا فهــم مثــل هــذه التدابــر والتقلبــات يف مســائل العدالــة إال إذا ذكرنــا أن القضــاة يتــم‬ ‫االتهــام أن تكــون متســاهلة بهــذا القــدر يف مثــل هــذه القضايــا الثقيلــة‪ .‬مــن الواضــح إذا أن‬
‫تعيينهــم‪ ،‬وترقيتهــم أو معاقبتهــم مــن قبــل املجلــس األعــى للقضــاء‪.‬‬ ‫تد ّخ ـاً سياســياً قــد طــرأ‪]...[ .‬‬
‫كل يشء يوحــي يف الحقيقــة‪ ،‬بــأن قضيــة «تونيــك امبــاالج»‪ ،‬قضيــة سياســية عنيفــة وأننــا نشــهد‬
‫تجــدر اإلشــارة إىل أنــه مبوجــب القانــون العضــوي الــذي يحــدد تكويــن وعمــل وصالحيــات‬ ‫معركــة بــن جامعــات يف الســلطة‪ُ .‬يقــال يف الجزائــر العاصمــة إن هــذا امللــف‪ ،‬الــذي يتابعــه‬
‫املجلــس األعــى للقضــاء‪ ، 40‬فــإن هــذه املؤسســة يرأســها رئيــس الجمهوريــة‪ ،‬وتتألــف مــن‬ ‫الرئيــس بوتفليقــة شــخصياً‪ ،‬قــد أخــرج للضــوء مــن جديــد خصيص ـاً لفضــح الج ـرال محمــد‬
‫وزيــر العــدل بصفتــه نائبـاً للرئيــس الــذي يــرأس املجلــس ومــن املدعــي العــام لــدى املحكمــة‬ ‫العــاري‪ ،‬رئيــس أركان الجيــش األســبق‪ ،‬وخصــم بوتفليقــة‪ ،‬والــذي تقــول فيــه الشــائعات أنــه‬
‫العليــا وعــرة قضــاة ينتخبهــم أقرانهــم‪ .‬ويكــون هــؤالء القضــاة موزعــن عــى النحــو التــايل‪:‬‬ ‫مرتبــط برشكــة «تونيــك امبــاالج»‪ .‬إن التــرع يف ســجن عبــد الغنــي ج ـرار متــأت مــن هــذه‬
‫قاضيــان مــن املحكمــة العليــا‪ ،‬أحدهــا قــاض جالــس والثــاين قــايض النيابــة العامــة‪ ،‬واثنــان‬ ‫املؤامــرة‪ ،‬إذ أن إيــذاء الجـرال العــاري هــو جــزء مــن حــرب الخالفــة التــي يقــال يف الجزائــر‬
‫مــن قضــاة مجلــس الدولــة مبــا يف ذلــك قــاض جالــس ومفــوض الدولــة‪ ،‬وقاضيــان مــن محاكــم‬ ‫العاصمــة إنهــا اندلعــت بجديــة‪ .‬أمــا اإلف ـراج املفاجــئ عــن ج ـرار فيعنــي أن الخطــة ضــد‬
‫األمــر القضــايئ مبــا يف ذلــك قــاض جالــس وآخــر مــن النيابــة‪ .‬وباإلضافــة إىل القضــاة املنتخبــن‪،‬‬ ‫العــاري قــد أُحبِطــت وأن املجموعــة املناهضــة للرئيــس بوتفليقــة قــد اســرجعت قواهــا‪.‬‬
‫يشــمل تكويــن املجلــس األعــى للقضــاء ســت شــخصيات يعينهــم رئيــس الجمهوريــة ألجــل‬ ‫يتبــع…»‪. 38‬‬
‫كفاءتهــم ويكونــون مــن خــارج الهيئــة القضائيــة‪. 41‬‬
‫مل تقــدم «بــدر» شــكوى ضــد «تونيــك» أبــدا ً‪ ،‬بينــا كانــت قــد قاضــت «ديجيامكــس» ‪)Digimex(39‬‬
‫هكذا ندرك إذا ً ثقل ممثيل السلطة التنفيذية الساحق داخل الهيئات العليا للسلطة القضائية‪.‬‬ ‫‪ ،‬ثــم تــم اســتبعادها مــن إج ـراءات املحاكمــة‪ .‬ومل يتــم تضمــن قضيــة قــرض «تونيــك امبــاالج» يف‬
‫املجــال الجنــايئ‪ ،‬بــل يف القانــون العــام باعتبارهــا «قضيــة تجاريــة»‪ ،‬ويخلــص الصحــايف إىل أنــه‪:‬‬

‫عندما يطول اإلكراه والفساد مجلس الدولة‬ ‫«يف الواقــع‪ ،‬مل يتــم أبــدا ً‪ ،‬احـرام أي معيــار يف هــذا املجــال‪ ،‬عــى مــدى تاريــخ الرأســالية الجزائريــة‪.‬‬

‫قضية علي بن فليس‬ ‫‪benchicou.unblog.fr/2007/05/22/affaire-tonic-emballage-le-plan-contre-le-general-lamari-dejoue‬‬ ‫‪- 38‬‬


‫‪ - 39‬هي محاكمة يف االستئناف يف قضية تبذير أكرث من ‪ 12‬مليار دينار ملرصف «بدر» (بنك الزراعة والتنمية‬
‫تعــد قضيــة مؤمتــر «جبهــة التحريــر الوطنــي»‪ ،‬التــي طرحــت للحكــم يف العــام ‪ 2004‬بشــأن مرشــح‬
‫الريفية) لصالح مجمع ‪ .Digimex‬واملتهمون‪ ،‬ومنهم الرئيس املدير العام السابق لبنك «بدر»‪ ،‬ومدير «ديجيامكس»‬
‫الحــزب لالنتخابــات الرئاســية‪ ،‬مثــاالً متميـزا ً لتدخــل الســلطة التنفيذيــة يف مجــال العدالــة‪.‬‬ ‫ز‪.‬ي‪ ،.‬والعديد من كوادر البنك متت إدانتهم‪ ،‬وفقا لسجل املحكمة‪ ،‬ألجل التبذير والتواطؤ يف تبديد األموال العامة‬
‫والتزوير واستخدام التزوير واالحتيال‪ ..‬وقام بالتحقيق يف القضية محققون من الدائرة املركزية ملقاومة العصابات‪.‬‬
‫‪ - 40‬القانون العضوي ‪ 04-11‬الصادر يف ‪ ،06/09/2004‬واملتعلق بالنظام األسايس للسلطة القضائية‪ .‬القانون العضوي‬ ‫‪www.algerie360.com/proces-en-appel-aujourdui-opposant-la-badr-a-digimex-laffaire-de-dilapida-‬‬
‫‪ 04-12‬املتعلق بتكوين وعمل وصالحيات املجلس األعىل للقضاء‪ .‬‬ ‫‪/tion-de-1200-milliards-de-centimes-remonte-a-la-surface‬‬
‫‪ - 41‬سليمة الطواهرية‪« ،‬املجاهد»‪ 1 ،‬متوز‪ /‬يوليو ‪ 2019‬‬ ‫ ‬
‫‪49‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪48‬‬

‫ونتيجــة لقرارهــم‪ ،‬تــم تســليط عقــاب شــديد عــى أعضــاء غرفــة األحــكام املســتعجلة يف مجلــس‬ ‫يعــود أصــل القضيــة إىل الطعــون التــي قدمهــا مناضلــون مــن «جبهــة التحريــر الوطنــي» (قضيــة يف‬
‫الدولــة (باســتثناء عضــو واحــد معــروف بقدرتــه عــى «قبــول إمــاءات الســلطة التنفيذيــة») حيــث‬ ‫املضمــون وتأجيــل التنفيــذ) أمــام الغرفــة اإلداريــة ملحكمــة الجزائــر العاصمــة‪ .‬وكان الهــدف منهــا‬
‫تــم إعفاؤهــم مــن مناصبهــم ألســباب زائفــة‪.‬‬ ‫إبطــال املؤمتــر الثامــن للحــزب‪ ،‬وتجميــد حســاباته وودائعــه املرصفيــة‪ ،‬وأخـرا ً منــع جميــع أنشــطة‬
‫أعضــاء القيــادة يف ذلــك الوقــت وعــى رأســهم األمــن العــام للحــزب عــي بــن فليــس‪.‬‬
‫وملــا كان ملجلــس الدولــة أن ينظــر يف اســتئناف الدعــوى عــى أســاس املضمــون بــادرت وزارة العــدل‬
‫برفــع قــاض مل يكــن لــه ســوى لقــب مستشــار‪ ،‬إىل رتبــة رئيــس الغرفــة حتــى تضمــن الغالبيــة أثنــاء‬ ‫ولــي يؤكــدوا اختصــاص القضــاء اإلداري‪ ،‬اتهــم هــؤالء املناضلــون وزيــر الداخليــة واملجموعــات‬
‫املداولــة‪ .‬باإلضافــة إىل ذلــك‪ ،‬تعــرض بعــض القضــاة مــن أعضــاء الغرفــة‪ ،‬لضغــوط وتهديــدات خطــرة‬ ‫املحليــة‪ .‬يف الواقــع وإذا متســكنا بأحــكام األمــر ‪ 97/09‬املتعلــق باألحــزاب السياســية‪ ،‬فــإن وزيــر‬
‫(ابت ـزاز) إلجبارهــم عــى تأكيــد الق ـرار األول‪ .‬وذلــك مــا فعلــوه يف الغالــب‪ ،‬وبالتــايل مل يــرددوا يف‬ ‫حــل حــزب‪ ،‬وفقــط يف‬ ‫الداخليــة ال يصــح لــه أن يتجــه إىل القضــاء اإلداري إال لطلــب تعليــق أو ّ‬
‫التنكــر ألنفســهم كأعضــاء يف مجلــس الدولــة‪ .‬يف آخــر األمــر متــت ترقيــة بعضهــم وأحيــل البعــض‬ ‫الحــاالت املنصــوص عليهــا بطريقــة تقييديــة يف املــادة ‪ 66‬ومــا يليهــا مــن األمــر‪.‬‬
‫اآلخــر عــى التقاعــد!‬
‫أمــا يف خصــوص الصعوبــات الداخليــة يف عمــل أي حــزب‪ ،‬فــإن الخــاف بــن أعضائــه منصــوص عليــه‬
‫عمومـاً يف القانــون األســايس‪ ،‬وألن الحــزب ليــس ســلطة إداريــة‪ ،‬ال يكــون الخــاف ضمــن اختصــاص‬
‫السلطة التنفيذية تمارس اإلكراه ضد القضاة‬ ‫القضــاء اإلداري‪ .‬كــا أن التهمــة املوجهــة للوزيــر كانــت غــر مقبولــة مــن حيــث الشــكل عــى األقــل‪،‬‬
‫تتدخــل الســلطات الحكوميــة‪ ،‬مــن خــال وزارة العــدل‪ ،‬يف تعيــن القضــاة واملدعــن العامــن‪ ،‬مــن‬ ‫طاملــا أن الطلــب األويل الــذي تســتند إليــه هــو نفســه غــر مقبــول‪ ،‬ألن الن ـزاع متعلــق بأشــخاص‬
‫بــن الخاضعــن للســلطة التنفيذيــة أو املطيعــن‪ ،‬وكذلــك غالبيــة أعضــاء املجلــس األعــى للقضــاء‪.‬‬ ‫خــواص‪.‬‬

‫وكــا أرشنــا أعــاه‪ ،‬فــإن صالحيــات املجلــس األعــى للقضــاء تكمــن بشــكل خــاص يف تعيــن ونقــل‬ ‫لكــن القضــاة ثبتــوا تلــك التهمــة‪ ،‬بعــد تعرضهــم لضغوطــات واعرتافهــم بذلــك شــخصياً‪ ،‬قائلــن أنــه‬
‫وترقيــة القضــاة ومراقبــة انضباطهــم‪ .‬وعنــد البــت يف اإلجــراءات التأديبيــة ضــد القضــاة‪ ،‬يــرأس‬ ‫«ال ميكنهــم املخاطــرة بخبــز أطفالهــم»‪.‬‬
‫املجلــس يف تشــكيلته التأديبيــة الرئيــس األول للمحكمــة العليــا‪ .‬وميكــن اتخــاذ الق ـرارات لضــان‬
‫الرتقيــة الرسيعــة يف التسلســل الهرمــي أو عــى العكــس مــن ذلــك‪ ،‬إلبعــاد القضــاة املتمرديــن‬ ‫يف قضيــة تأجيــل التنفيــذ‪ ،‬خــال االســتئناف الــذي قدمــه مرشــح املؤمتــر عــي بــن فليــس‪ ،‬فــإن‬
‫عــن املناصــب األكــر أهميــة أو حتــى إقصائهــم يف املناطــق النائيــة‪ .‬بــل حــدث أيض ـاً أن تعــرض‬ ‫مجلــس الدولــة الــذي تلقــى طلــب االســتئناف‪ ،‬أعلــن أن املســألة ليســت مــن اختصاصــه‪ ،‬بحكــم أن‬
‫بعــض القضــاة إلج ـراءات قانونيــة يف قضايــا ملفقــة‪ ،‬يكــون الدافــع وراءهــا مــن حيــث الشــكل‪،‬‬ ‫الن ـزاع متعلــق بالنشــاط الداخــي للحــزب‪.‬‬
‫مث ـاً االعتبــارات املتعلقــة «بخــرق االلت ـزام بالرسيــة» أو «أخطــاء مهنيــة ناتجــة عــن عــدم اح ـرام‬
‫أخالقيــات املهنــة»‪ .‬لكــن يبقــى كل يشء مرتبط ـاً بطريقــة تقديــم الدافــع ودرجــة الخطــورة التــي‬ ‫مــن الناحيــة القانونيــة كان ال بــد لهــذا القـرار أن يكــون ملزمـاً لقــايض الدرجــة األوىل‪ .‬ومــع ذلــك‪،‬‬
‫تُنســب للمعنــي‪ .‬حيــث ميكــن أن يتهــم القــايض لســبب غيــاب غــر مــرر‪ ،‬أو عالقاتــه الشــخصية‬ ‫وخالفــاً لــكل التوقعــات‪ ،‬ويف انتهــاك تــام للقوانــن ولقــرار مجلــس الدولــة‪ ،‬أكــد هــذا القــايض‬
‫أو ألنــه تفــ ّوه بحديــث أمــام أشــخاص غــر مخولــن (ســاعه)‪ .‬وكلهــا تفاســر وحجــج تتحــول‬ ‫اختصاصــه مــن خــال املوافقــة عــى طلبــات املتقدمــن‪.‬‬
‫معايريهــا كمعــادالت «الهندســة املتغــرة»‪ .‬كــا أنــه يجــوز للســلطة التنفيذيــة التدخــل يف إنشــاء‬
‫ملــف الرشطــة املطلــوب قبــل كل تعيــن بقـرار مــن رئيــس الجمهوريــة‪ ،‬وميكــن إذاك ألجهــزة األمــن‬ ‫ميثــل إذا ق ـرار محكمــة الجزائــر العاصمــة هــذا خرق ـاً ألحــكام القانــون العضــوي ‪ 98/01‬املتعلــق‬
‫املكلفــة بالتحقيــق (الرشطــة‪ ،‬الــدرك‪ ،‬الجيــش) التالعــب مبلفــات الرتشــيح أو الرتقيــة بإدخــال عبــارات‬ ‫بإنشــاء مجلــس الدولــة و خاصــة املــادة ‪ 2‬التــي تنــص عــى أن «مجلــس الدولــة هــو الهيئــة‬
‫مثــل «متعجــرف تجــاه املصالــح اإلداريــة» أو «مــرن للغايــة»‪.‬‬ ‫التنظيميــة لنشــاط املحاكــم اإلداريــة ويضمــن توحيــد األحــكام اإلداريــة يف جميــع أنحــاء البــاد»‪.‬‬

‫عنــد التــداول اللفظــي‪ ،‬يجــب أن يجتمــع املجلــس األعــى للقضــاء بحضــور مــا ال يقــل عــن ثلثــي‬ ‫كان ال بــد لهــذا القـرار‪ ،‬الــذي حكــم يف االســتئناف بــأن القضــاء اإلداري غــر مختــص‪ ،‬أن يُفــرض يف‬
‫هــذه الحالــة عــى القــايض األول‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪50‬‬

‫كــا تؤكــد النقابــة أن «تعليــل إيقــاف مدعــي النيابــة‪ ،‬بنــا ًء عــى املــادة ‪ 26‬مــن القانــون‬ ‫أعضائــه‪ .‬وتصــدر قراراتــه بغالبيــة األصــوات‪ ،‬ويف حــال تعــادل األصــوات‪ ،‬يكــون صــوت الرئيــس هــو‬
‫العضــوي للقضــاة هــو أمــر يف غــر محلــه»‪ .‬إذ «تســمح هــذه املــادة لوزيــر العــدل أن ينقــل‬ ‫الغالــب‪ ،‬مــع العلــم أن أعضــاء املجلــس ملزمــون برسيــة املــداوالت‪. 42‬‬
‫القضــاة وأن يعينهــم يف مناصــب أخــرى (‪ )...‬بعــد إبــاغ املجلــس الوطنــي للقضــاء‪ .‬مــع التأكيــد‬
‫عــى أن هــذه املــادة ال تخــول عــى اإلطــاق لوزيــر العــدل أن ينهــي مهــام القضــاة»‪ .‬وأشــارت‬ ‫مــع تفاقــم تناقضــات منظومــة الحكــم‪ ،‬التــي زادت رسعتهــا بســقوط حكــم بوتفليقــة‪ ،‬تضاعفــت‬
‫النقابــة إىل أن «إقالــة القضــاة هــي مــن صالحيــات املجلــس األعــى للقضــاء وحــده‪ ،‬وذلــك‬ ‫«عمليــات مطــاردة الســاحرات»‪ ،‬وكذلــك أيضـاً تحــركات املقاومــة مــن قبــل نقابــة القضــاة الوطنيــة‪.‬‬
‫وفق ـاً للمــواد ‪ 68‬و‪ 84‬و‪ 86‬مــن القانــون العضــوي للقضــاة»‪. 44‬‬
‫فمنــذ ســحب ترشــيح الرئيــس بوتفليقــة لواليــة خامســة‪ ،‬وإقالتــه التــي قُدمــت عــى أنهــا اســتقالة‪،‬‬
‫وقــد جــاءت الــدورة التأديبيــة بعــد فــرة وجيــزة مــن التحــرك التاريخــي املشــفوع بــإرضاب مفتــوح‬ ‫تشــجعت هيئــة القضــاة خاصــة بصعــود الح ـراك‪ ،‬وبــدأت تكــرر بواســطة نقابتهــا مواقــف تديــن‬
‫قــام بــه القضــاة (‪ 27-28-29‬ترشيــن األول‪ /‬أكتوبــر ‪ ، )2019‬لالحتجــاج ضــد حركــة نقــل طالــت أكــر‬ ‫مــن خاللهــا اإلجـراءات اإلكراهيــة ضــد قضــاة رفضــوا التســر عــى عمليــات فســاد‪ .‬يف املقابــل قــام‬
‫مــن ثالثــة آالف قـ ٍ‬
‫ـاض‪.‬‬ ‫املجلــس التأديبــي للمجلــس األعــى للقضــاء‪ ،‬برفــع وتــرة العقوبــات ألســباب أعتُــر الكثــر منهــا‬
‫مخالفــة لالنضبــاط‪ .‬حتــى أنــه خــال دورة املجلــس يف ‪ 13‬و‪ 14‬كانــون الثــاين‪ /‬ينايــر ‪ ،2020‬كان مــن‬
‫هكــذا‪ ،‬ومــع هــذه االعتــداءات عــى الســلطة القضائيــة واســتقالليتها‪ ،‬ميكــن أن نفهــم ملــاذا وكيــف‬ ‫املقــرر أن يــدرس أعضــاء املجلــس التأديبــي ‪ 35‬ملف ـاً مــن ملفــات القضــاة‪. 43‬‬
‫اســتطاعت القضايــا التــي تصــدرت عناويــن األخبــار خــال العقديــن ‪ ،2000-2020‬أن تصــل إىل هــذا‬
‫املســتوى مــن االنحـراف وأن تهــدد حتــى وجــود الدولــة الجزائريــة‪.‬‬ ‫«كان مــن املفــرض أن تقــوم هــذه الهيئــة التأديبيــة بفحــص أخطــاء مهنيــة مرتبطــة بانتهــاك‬
‫أخالقيــات املهنــة مــن قبــل القضــاة الخمســة والثالثــن املعنيــن‪ ،‬حســب مــا قيــل‪ .‬لكــن يف‬
‫املــايض القريــب‪ ،‬مل يكــن عــدد امللفــات التــي يعالجهــا املجلــس التأديبــي يتعلــق بأكــر مــن‬
‫خمســة عــر قــاض [‪ ]...‬وحســب وزارة اإلرشاف‪ ،‬فــإن هــذه اإلجــراءات التأديبيــة تطبيقــاً‬
‫للــادة ‪ 65‬مــن القانــون العضــوي املؤســس للنظــام األســايس للقضــاء‪ .‬وينــص هــذا األخــر عــى‬
‫أنــه «يف حــال إعــام الوزيــر بخطــأ جســيم ارتكبــه قــاض (‪ ،)...‬فــإن الوزيــر يــرع فــورا ً يف‬
‫إيقافــه عــن العمــل بعــد تحقيــق أويل يتضمــن تفسـرات القــايض املعنــي‪ ،‬وبعــد إبــاغ مكتــب‬
‫املجلــس األعــى للقضــاء» ‪.‬‬

‫أمــام هــذه اإلج ـراءات‪ ،‬اتهمــت النقابــة (االتحــاد الوطنــي للقضــاة) يف بيــان صحــايف‪ ،‬وزارة العــدل‬
‫«بخــرق القانــون»‪.‬‬

‫«النقابــة [‪ ]...‬كانــت قــد ذكّــرت أن الفقــرة الثانيــة مــن املــادة ‪ 65‬مــن القانــون العضــوي‬
‫للقضــاة «متنــع بوضــوح أن يتــم نــر ق ـرار اإليقــاف عــن العمــل‪ ،‬علــا بــأن هــذا الضــان‬
‫يتوافــق مــع مبــدأ اف ـراض ال ـراءة‪ ،‬املكــرس عاملي ـاً‪ ،‬كــا أن هــذا الضــان يهــدف إىل حاميــة‬
‫ســمعة ومكانــة الســلطة القضائيــة مــن كل مــا مــن شــأنه أن ينقــص مــن ثقــة املواطــن بهــا»‪.‬‬

‫‪ - 42‬سليمة الطواهرية‪« ،‬املجتهد» ‪ 1‬متوز‪ /‬يوليو ‪ 2019‬‬


‫‪ - 43‬ملياء بوفاسة ‪ Le Courrier d’Algérie 26‬أيار‪ /‬مايو ‪lecourrier-dalgerie.com/conseil-superieur- 2020‬‬
‫‪ - 44‬املرجع نفسه‪ .‬‬ ‫‪ /de-la-magistrature-35-magistrats-devant-le-conseil-de-discipline‬‬
‫‪53‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪52‬‬

‫احرتمــت صالحياتهــا وقامــت بدورهــا‪ ،‬لكــن هــذا مل يكــن ممكن ـاً‪ .‬كــا مل تنجــح وســائل اإلعــام يف‬ ‫خاتمة‬ ‫‪6‬‬
‫القيــام بدورهــا وهــو أساس ـاً يف التبليــغ عــن املخالفــات والتنبيــه مــن نتائجهــا‪ ،‬ألن العديــد منهــا‬
‫وضعــت تحــت نــر تحالــف طبقيــة الدولــة مــع األوليغارشــية الضاريــة‪.‬‬ ‫يف دراســتنا عــن الفســاد كأداة ســلطة‪ ،‬كان مــن الــروري أن نطــرح منــذ البدايــة عنـرا ً مبدئيـاً وهو‬
‫التشــابك الثــايث بــن الريــع االحتــكاري‪ ،‬ونظــام األوليغارشــية‪ ،‬والزبائنيــة‪ .‬فالدولــة االحتكاريــة تقــوم‬
‫هــذا مــا ذكرنــاه يف املقدمــة‪ ،‬وهــو أن هنــاك يف الواقــع تشــابكاً ثالثيـاً بــن الفســاد والريــع االحتــكاري‬ ‫بتمركــز الفائــض االقتصــادي وإعــادة توزيعــه‪ ،‬ويف الوقــت نفســه‪ ،‬توفــر الهيــكل اإلداري (الواليــات‬
‫وظهــور شــبكات الزبائــن‪ ،‬أدى إىل االســتيالء عــى دور آليــة الضبــط املركزيــة أو إىل تقليصهــا‬ ‫والبلديــات) وأذرع الســلطة (أجهــزة الدولــة) التــي تفتــح طريــق الوصــول إىل اإليـرادات‪ .‬ورسعــان مــا‬
‫وإبادتهــا‪ ،‬بينــا كان مــن الــروري‪ ،‬كــا يفرضــه املنطــق‪ ،‬أن تكــون هــي املتحكــم الوحيــد يف‬ ‫تبــن أن الوصــول إىل الفائــض االقتصــادي يكــون مــن خــال املناصــب يف الدولــة وأجهزتهــا‪ ،‬و»طبقــة‬
‫الهيئــات التمثيليــة للمجتمــع والوطــن‪.‬‬ ‫الدولــة» واألوليغارشــية‪ ،‬التــي اســتحوذت عــى عوامــل اإلنتــاج (رأس املــال واألرض والعقــارات) و‬
‫يف مــا ميكــن أن نســميه «االنتقــال» مــن نظــام إىل آخــر (مــن دولــة االحتــكار إىل نظــام ليـرايل جديــد‬ ‫كذلــك عــى قــوة العمــل (العاملــة الرخيصــة والتشــغيل)‪.‬‬
‫يلغــي الضوابــط االقتصاديــة واالجتامعيــة)‪ ،‬أدى انهيــار الدولــة إىل ظهــور أزمــة اقتصاديــة وسياســية‬
‫يصعــب ضمنهــا وضــع حــدود بــن العــام والخــاص‪ ،‬بــن املــدين والعســكري‪ ،‬والوطنــي والــدويل‪ ،‬وبــن‬ ‫تجــاوزت عواقــب هــذا الواقــع مجــال االقتصــاد البحــت لتدمــج السياســة كأداة للســلطة والســيطرة‬
‫الفــرد واملجتمــع‪ .‬واندلعــت رصاعــات بــاردة لضــان التفــرد بجــزء مــن نشــاط إنتــاج أو اســتغالل‬ ‫عــى النظــام االقتصــادي واالجتامعــي القائــم‪ .‬وبالنســبة للجزائــر‪ ،‬فــإن هــذا التحالــف بــن «طبقــة‬
‫املــوارد الريعيــة مثــل تجــارة الجملــة ونصــف الجملــة‪ ،‬وظهــرت يف الوقــت نفســه شــبكات الزبائــن‪،‬‬ ‫الدولــة» واألوليغارشــية قــد شــكل نظامــاً بحالــه م ّهــد الطريــق لتعميــم الفســاد‪ .‬ومل يعــد هــذا‬
‫املمتــدة يف املجتمــع وحتــى داخــل أجهــزة الدولــة وخــارج الحــدود الوطنيــة‪ .‬و لــي تتمكــن مــن‬ ‫النظــام يقتــر عــى مجــرد وجــود ريــع النفــط‪ ،‬وال وجــود دولــة ريعيــة تعيــش أساسـاً مــن رضائــب‬
‫التحكــم يف إحــدى قنــوات إنتــاج وتحويــل الدخــل الريعــي‪ ،‬يجــب عــى كل شــبكة زبائــن أن‬ ‫النفــط‪ ،‬بــل انتهــي أمــره إىل الظهــور كنظــام تح ّكــم اقتصــادي وســيايس‪ ،‬يعمــل عــى إبــادة الحريــات‬
‫تعمــل عــى إدمــاج أحــد األوفيــاء لهــا يف موقــع مــن مواقــع القـرار‪ ،‬حيــث ت ُحبــك القوانــن‪ ،‬ومتنــح‬ ‫وعــى االســتبعاد االجتامعــي‪.‬‬
‫التصاريــح أو الحقــوق‪ ،‬وحيــث تتــم أيض ـاً املراقبــة وتصــدر العقوبــات‪ .‬وهــذا يــؤدي حتــاً‪ ،‬إىل‬
‫رضورة إيجــاد طــرق تعايــش بــن الشــبكات‪ ،‬تُــرم عــى أساســها تحالفــات هشــة (وطنيــة ودوليــة)‪،‬‬ ‫يف الواقــع‪ ،‬أصبحــت العالقــات بــن الدولــة ومؤسســاتها‪ ،‬وبــن الــركات ورشكائهــا‪ ،‬واملجتمــع املــدين‬
‫فقــط لالســتحواذ عــى مختلــف مجــاالت األعــال أو للدفــاع عــن مواقــف مشــركة‪.‬‬ ‫ومنظامتــه‪ ،‬تخضــع ‪ ،‬طوعـاً أو قـرا ً‪ ،‬ملنطــق التحكــم الريعــي يف تخصيــص جميــع املــوارد الوطنيــة‬
‫(البرشيــة والطبيعيــة واملاليــة والتقنيــة والتنظيميــة) ويف تنميتهــا وتوزيــع الدخــل الناتــج عنهــا‪.‬‬
‫فـي مـا يمكـن أن نسـميه «االنتقـال» مـن نظـام إلـى آخـر (مـن دولـة االحتـكار إلـى نظـام‬
‫ليبرالـي جديـد يلغـي الضوابـط االقتصاديـة واالجتماعيـة)‪ ،‬أدى انهيـار الدولـة إلـى ظهور‬ ‫تجــاوزت عواقــب هــذا الواقــع مجــال االقتصــاد البحــت لتدمــج السياســة كأداة للســلطة‬
‫أزمـة اقتصاديـة وسياسـية يصعـب ضمنها وضع حـدود بين العـام والخاص‪ ،‬بيـن المدني‬ ‫وللســيطرة علــى النظــام االقتصــادي واالجتماعــي القائــم‪ .‬وبالنســبة للجزائــر‪ ،‬فــإن هــذا‬
‫والعسـكري‪ ،‬والوطنـي والدولـي‪ ،‬وبيـن الفـرد والمجتمع‪.‬‬ ‫مهــد الطريــق‬
‫التحالــف بيــن «طبقــة الدولــة» واألوليغارشــية قــد شــكل نظامــاً بحالــه ّ‬
‫لتعميــم الفســاد‪ .‬ولــم يعــد هــذا النظــام يقتصــر علــى مجــرد وجــود ريــع النفــط‪ ،‬وال وجــود‬
‫إن اإلضعــاف مــن شــأن القانــون‪ ،‬وبالتــايل التحايــل الكامــل واملعمــم عــى األحــكام الرضيبيــة‬ ‫دولــة ريعيــة تعيــش أساس ـاً مــن ضرائــب النفــط‪ ،‬بــل انتهــي أمــره إلــى الظهــور كنظــام‬
‫والقانونيــة‪ ،‬م ّكــن أولئــك الذيــن اســتولوا حديثــا عــى ثــروة البــاد مــن الحفــاظ عــى أرباحهــم و‬ ‫تحكّ ــم اقتصــادي وسياســي‪ ،‬يعمــل علــى إبــادة الحريــات وعلــى االســتبعاد االجتماعــي‪.‬‬
‫تنميتهــا‪ .‬و بطبيعــة الحــال ليــس لهــؤالء أي مصلحــة يف املطالبــة بتعزيــز املؤسســات وإقامــة دولــة‬
‫القانــون‪ .‬وقــد أ ّمــن األوليغارشــيون مــن خــال رشائهــم للقـرار عــى نطــاق واســع‪ ،‬الغطــاء الســيايس‬ ‫عمومـاً‪ ،‬صــارت العمليــة مســألة عــرض وطلــب يف ســوق الفســاد‪ ،‬يسـ ّهلها املنصــب وامتــاك ســلطة‬
‫ليتمكنــوا مــن اســتخدام هــذه األمــوال ألغـراض خاصــة‪ ،‬مــن دون خطــر التعــرض للمقاضــاة (لوقــت‬ ‫مــا‪ ،‬غالبـاً مــا تكــون متييزيــة‪ ،‬وتســتفيد أيضـاً مــن عــدم فعاليــة نظــام الرقابــة‪ ،‬كــا أوضحنــا يف مــا‬
‫مــا عــى األقــل)‪.‬‬ ‫يتعلــق بتغيــر دور املجلــس األعــى للقضــاء والضغــط عــى القضــاة‪ .‬كان مــن املمكــن أن تكــون‬
‫يكشــف فســاد املوظفــن الحكوميــن وأعضــاء الحكومــة‪ ،‬وحصولهــم عــى مي ـزات غــر مــررة يف‬ ‫الهيئــات العليــا للســلطة الترشيعيــة (اللجــان الربملانيــة) والســلطة القضائيــة (املجلــس األعــى‬
‫الصفقــات العموميــة‪ ،‬والتمويــه وأعــال الفســاد األخــرى‪ ،‬عــن فشــل جميــع هيئــات الرقابــة املاليــة‬ ‫للقضــاء) مبثابــة «درع حاميــة» ضــد انتهــاكات النظــام وفســاده املعمــم ونهــب األقويــاء للبــاد‪ ،‬لــو‬
‫‪55‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪54‬‬

‫(التفقديــة العامــة للامليــة) أو السياســية (الربملــان ولجــان التحقيــق الربملانيــة)‪ .‬وقــد تــازم هنــا‬
‫تفــكك النظــام املــايل واملــريف مــع مســاهمة كبــار املســؤولني يف الجيــش والحكومــة يف انهيــار‬
‫الدولــة‪.‬‬

‫نشــهد إذا ً حــاالت اســتثنائية مختلفــة للتهــرب مــن تطبيــق قوانــن وأحــكام البــاد‪ ،‬واســتهتار‬
‫ومجازفــة يف أخــذ القـرارات مــن قبــل مديــري املؤسســات املاليــة واملرصفيــة‪ ،‬وعمليــات رشاء خــارج‬
‫االئتــان‪ ،‬فقــط بعــد مكاملــات هاتفيــة بســيطة مــن كبــار املســؤولني السياســيني أو العســكريني‪،‬‬
‫وغيــاب مؤسســات الرقابــة يف الدولــة أو اختــال ســر عملهــا‪ ...‬للوصــول إىل هــذا الوضــع ولجعــل‬
‫الفســاد يصبــح أداة للســلطة‪ ،‬كان ال بــد مــن االســتيالء عــى الســلطة‪ ،‬وكســب القــدرة عــى إنشــاء‬
‫املؤسســات وتحطيمهــا‪ ،‬وأخــذ قـرارات للتعيــن‪ ،‬والنقــل‪ ،‬واإلحالــة عــى التقاعــد املبكــر‪ ،‬أو يف كثــر‬
‫مــن الحــاالت إمكانيــة رفــع الدعــاوى القضائيــة ضــد مــن يصعــب إرضــاؤه أو يرفــض تجــاوز وظيفته‬
‫بخــرق القوانــن واألحــكام‪.‬‬
‫‪57‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪56‬‬

‫تشريح الفساد‪:‬‬
‫حالة الجزائر‬
‫رشيد سيدي بومدين‬

‫يحـوز رشـيد سـيدي بومدين على تكوين مـزدوج‪ ،‬علمـي وسوسـيولوجي‪ .‬وقـد نرش خلال حياتـه الجامعية‬
‫وكمستشـار يف الجزائـر وخارجهـا‪ ،‬عـدة مؤلفات‪.‬‬

‫ترجمة النص من الفرنسية‪ :‬سعيدة رشف الدين‬


‫مراجعة النص املرتجم‪ :‬عامد الدين رائف‬
‫‪59‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪58‬‬

‫‪66-60‬‬
‫متهيد‪ :‬ما الذي يسمى فسادا ً؟ التدرج املتقن‬

‫‪68-67‬‬
‫تحوير أدوات مكافحة الفساد‬

‫‪74-69‬‬
‫خصائص الدولة النيوباترميونيالية يف الجزائر‬

‫‪...‬‬
‫لكـي نفهـم نظـام الفسـاد بأكملـه‪ ،‬فلا بـد مـن أن ننطلق مـن فرضيـة أن هناك‬
‫‪80-75‬‬
‫مستويات الحوكمة الثالثة‬

‫نوعـاً مـن التماثـل بيـن االضطـرار الـذي يرغـم البعـض علـى اللجـوء إلى الفسـاد‬
‫‪87-81‬‬
‫ألنهـم «خـارج» الشـبكات‪ ،‬والوفـرة المفرطة فـي الحصول على األمالك بالنسـبة‬ ‫«الشكل» كعنرص لرتسيخ النظام‬
‫لآلخريـن‪ ،‬حسـب مرتبـة كل واحـد مـن أعـوان أو أعضـاء الشـبكة‪ .‬والفسـاد هـو‪،‬‬
‫بالتالـي‪ ،‬وفـي الوقـت نفسـه‪ ،‬جـزء ال يتجـزأ مـن نظـام الزبائنيـة وأداة إلدارة‬ ‫‪89-88‬‬
‫وضبـط الحشـود‪.‬‬ ‫خامتة عامة‬
‫‪61‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪60‬‬

‫الدولــة‪ ،‬ممــن يحتلــون أعــى هــرم الســلطة‪ ،‬عــى حاميــة هــذا القاعــدة غــر القانونيــة ولكــن‬
‫«الرضوريــة»‪.‬‬
‫تمهيد‪ :‬ما الذي يسمى فساداً في الجزائر؟‬ ‫‪1‬‬

‫توجــد يف الجزائــر تفرقــة ثقافيــة بــن «الرشــوة» املعروفــة عامــة باســم «التشــيبا» أو «القهــوة»‪،‬‬
‫ونتيجــة لذلــك‪ ،‬وعــى الرغــم مــن طبيعــة الدولــة االســتبدادية التــي توحــي أصـاً بــدور للســلطات‬
‫وهــي مبلــغ مــن املــال يدفعــه املواطــن العــادي للحصــول عــى تذكــرة الوصــول إىل الخدمــات‬
‫األمنيــة‪ ،‬إال أنــه ميكننــا تلمــس الــدور املهيمــن الــذي تلعبــه األجهــزة األمنيــة يف إج ـراءات التحكــم‬
‫(البســيطة أحيانـاً‪ ،‬مثــل الحصــول عــى مطبوعــة وثيقــة الحالــة املدنيــة) أو أي حاجــة أخــرى‪ ،‬عــى‬
‫الداخــي والســيطرة عــى «الفــرق» املتكونــة مــن «عناقيــد» مــن الخــدم‪ ،‬تحولــوا إىل زبائــن‬
‫الرغــم مــن أن القانــون يخولــه ذلــك‪.‬‬
‫(فيســجلون تلــك التجــاوزات الســتعاملها كوســيلة تهديــد بكشــف الفســاد أو مبالحقــات قضائيــة‬
‫وقــد نتــج هــذا الوضــع عــن عمليــة ســلب املواطــن إمكانيــة الوصــول إىل الخدمــة العموميــة‪،‬‬
‫ضــد املخالفــن)‪.‬‬
‫وحرمانــه مــن حقوقــه‪ ،‬والتــي أصبــح ال ميكنــه اســتعادتها إال إذا تنــازل عــن مبلــغ يُقتطــع مــن مالــه‬
‫الخــاص‪.‬‬
‫ويف الخالصــة‪ ،‬إذا كان «الفســاد» ضــاالً وانحرافـاً وانتهــاكاً للقواعــد األخالقيــة والقانونيــة‪ ،‬مــن أجــل‬
‫إنهــا نتيجــة الحوكمــة الشــاملة التــي تعمــل عــى تعميــم االســتعباد والتبعيــة الهــذه منظمــة‪ .‬لــذا‬
‫التقــاط الريــع‪ ،‬فــإن طريقــة العمــل الخاصــة بهــذه الشــبكات تســتخدم االحتيــال واملراوغــة لتعزيــز‬
‫تضطــر فئــات مختلفــة مــن الســكان‪ ،‬مــن تلــك التــي ت ُعتــر «محتاجــة للمســاعدة»‪ ،‬إىل «الدفــع»‬
‫التضامــن الداخــي بينهــا‪.‬‬
‫الســتعادة حقــوق مســلوبة منهــا‪ .‬وتســهر الحوكمــة ذاتهــا عــى أن تشــتغل بشــكل جيد «التســويات»‬
‫و لــي نُبــن بشــكل أفضــل الرتابــط بــن الفســاد واملراوغــة واالحتيــال‪ ،‬مــن جهــة‪ ،‬وأمنــاط الحكــم‬
‫بــن مجموعــات الزبائــن مــن ذوي الرتــب االجتامعيــة العاليــة وشــبكات النهــب‪.‬‬
‫مــن جهــة أخــرى‪ ،‬يتعــن علينــا أن نحــدد مــن املعنــي كفاعــل اجتامعــي و بــأي يشء هــو معنــي‪.‬‬
‫وحتــى ال يبــدو االســتيالء عــى خدمــات الدولــة أو ممتلكاتهــا‪ ،‬لصالــح املقربــن منهــا‪« ،‬رسقــة» عــى‬
‫وبالنســبة ألي عضــو يف تلــك الشــبكات‪ ،‬لــه منصــب مــا يف األجهــزة‪ ،‬تتضمــن هــذه التســويات «حــق‬
‫حســاب الجامعــة‪ ،‬فــا بــد مــن جعــل الفكــرة مقبولــة يف املفهــوم العــام‪ .‬هكــذا تظهــر هنــا «الــروح‬
‫تجــاوز» يكــون مرتبطــا بطبيعــة ومســتوى املنصــب الــذي يشــغله‪ .‬فيكــون يف حــال تخولــه يف الوقــت‬
‫العائليــة»‪ ،‬التــي تشــيد مبــن «يــؤدي الخدمــة»‪ ،‬مضيف ـاً إليهــا االع ـراف بلمســة «شــطارة»‪ .‬ويتــم‬
‫نفســه اســتالم «التذاكــر»‪ ،‬و»تبــادل» الخدمــات مــع نظرائــه‪ ،‬و‪/‬أو متكــن رؤســائه مــن تحقيــق‬
‫بذلــك رســم صــورة ميكــن أن تصبــح مثــاالً للنجــاح االجتامعــي‪ُ ،‬مثَ ّمنــا بالــوالء للقيــم التقليديــة‬
‫مــردود لهــم‪ ،‬وهــذا مــا يتضمــن أيضـاً وضــع نفســه تحــت رحمــة أولئــك الرؤســاء‪ ...‬باســم القانــون‪.‬‬
‫املتعلقــة بالتضامــن العائــي والعشــائري‪.‬‬
‫وتظهــر خاصيــة النظــام الزبائنــي هــذه يف الســاح بغ ـزارة للرتاخيــص بالتجــاوز‪ ،‬بــدءا ً مــن أعــى‬
‫وتســتمد منظومــة النهــب والفســاد هــذه دميومتهــا مــن قبــول املجتمــع لهــا‪ ،‬حيــث إنهــا ال ت ُعتــر‪،‬‬
‫مراتــب هــرم الســلطة‪ ،‬واضع ـاً يف الوقــت نفســه الفئــات الســفلية تحــت رحمــة الدوائــر الحاكمــة‬
‫جزئيـاً عــى األقــل‪ ،‬رسقــة عــى حســاب الجامعــة‪.‬‬
‫التــي ميكنهــا أن تنــزل بهــا العقوبــات بقــدر مــا يلــزم‪ ،‬بحجــة مخالفــة القانــون املكتــوب‪.‬‬
‫يف نظــام زبائنــي‪ ،‬كــا هــي الحــال يف الجزائــر‪ ،‬تعمــل شــبكات الريــع «داخلي ـاً» كأنهــا يف عالقــة‬
‫كـي ال يبدو االسـتيالء علـى خدمات الدولـة أو ممتلكاتها‪ ،‬لصالح المقربين منها‪« ،‬سـرقة»‬
‫علـى حسـاب الجماعـة‪ ،‬فال بـد من جعـل الفكرة مقبولـة في المفهـوم العام‪ .‬هكـذا تظهر‬
‫أرسيــة (األرسة‪ ،‬القريــة‪ ،‬مجتمــع االنتــاء)‪ .‬وتُكَــ ّون أنســاق تبــادل التربعــات والهدايــا املعهــودة‬
‫هنـا «الـروح العائليـة»‪ ،‬التي تشـيد بمن «يـؤدي الخدمـة»‪ ،‬مضيفـاً إليها االعتراف بلمسـة‬
‫واملتميــزة بطابعهــا اإللزامــي وق ـ ّوة وقعهــا‪ ،‬منظومــة مــن الحقــوق والواجبــات مح َبــذة مــن قبــل‬
‫«شـطارة»‪ .‬ويتـم بذلـك رسـم صـورة يمكـن أن تصبـح مثـاالً للنجـاح االجتماعـي‪ُ ،‬مثَ ّمنـا‬ ‫املجتمــع‪.‬‬
‫بالـوالء للقيـم التقليديـة المتعلقة بالتضامـن العائلي والعشـائري‪.‬‬
‫ومــن بــن اآلليــات التــي ميتلكهــا النظــام الزبائنــي‪ ،‬تلــك التــي تتمثــل يف تبــادل «الخدمــات الطيبــة»‬
‫لــذا فــإن جعــل النــاس يعتــرون أن الفــرد الــذي جمــع ثــروة برسعــة كبــرة‪ ،‬ولكنــه يجــد الوقــت‬ ‫بــن أعضــاء شــبكات النهــب‪ ،‬وهــي عبــارة عــن مقايضــة ريعيــة‪ ،‬يســتقطعها كل منهــم حســب‬
‫ملســاعدة أهلــه أو جريانــه‪ ،‬هــي يف الواقــع طريقــة لوضــع أنظمــة القيم القدميــة يف خدمة املامرســات‬ ‫موقعــه‪.‬‬
‫الجديــدة‪ ،‬وبالتــايل لتقليــص كلفــة العقوبــات الرادعــة‪ .‬هكــذا يصبــح املخطــط األيديولوجــي ‪ -‬الــذي‬ ‫وتُقــوي هــذه القاعــدة متاســك النظــام الزبائنــي مــن خــال إنشــاء منظومــة التزامــات متبادلــة بــن‬
‫يجعــل مــن النهــب فعـاً مرشوعـاً‪ ،‬ألنــه موجــه يف نهايــة األمــر ضــد دولــة مجهولــة‪ ،‬غــر محــددة‪،‬‬ ‫أعضائــه‪ ،‬والحفــاظ عليهــا وعــى دميومتهــا‪ .‬وبالتــايل يســهر قــادة الشــبكات املهيمنــة عــى جهــاز‬
‫‪63‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪62‬‬

‫مــا يجــب فعلــه‪ ،‬ويتلقــون بالتــايل ســعر «تذكــرة» الدخــول إمــا لحســابهم الخــاص‪ ،‬أو لحســاب‬ ‫ويكرههــا النــاس منــذ فــرة طويلــة ‪ -‬منفــذا ً لنمــوذج اجتامعــي جديــد‪ ،‬أي تصـ ّورا ً للعــامل وطريقــة يف‬
‫الشــخصية األعــى مرتبــة و»التــي تقــدم الخدمــة»‪.‬‬ ‫رؤيــة األشــياء‪ ،‬ومنوذجـاً متامســكاً يقــوم عــى أســاس محــدد ومقبــول مــن الجميــع‪.‬‬
‫ولكــن أال يوجــد يف الحيــاة اليوميــة نــوع مــن الدرجــة الصفــر مــن «الرشــوة» أو «القهــوة» ؟ ال يعنــي‬
‫هــذا أن األمثلــة املذكــورة تتعلــق حق ـاً بإشــكالية الفســاد‪ ،‬لكنهــا تبــن‪ ،‬مــن األســفل‪ ،‬أن حقيقــة‬ ‫مــن بــن األمثلــة عــى ذلــك نجــد العمليــات الدوريــة لتوزيــع مســاعدات «للمعوزيــن» أو تســليم‬
‫التعويــض عــن عمــل مــا ال يُعتــر خطــأ‪ ،‬بــل فقــط «مكافــأة» أو «مقابــل» لتقديــم خدمــة‪ .‬وميكــن‬ ‫مســاكن عــى أســاس قوائــم‪ ،‬تكــون محــل اعـراض دائــم‪ ،‬ألن الجميــع يعتربهــا موضوعــة وفق رشوط‬
‫أن تكــون تلــك الحقيقــة‪ ،‬يف بعــض األحيــان‪ ،‬حــدا ً أدىن لضــان مقومــات الحيــاة‪.‬‬ ‫غامضــة‪ .‬إن هــذه العمليــات تســاهم يف انغــاس املســتفيدين يف وحــل هــذا القبــول لنظــام ظــامل‬
‫بشــكل واضــح‪ ،‬ولكنــه مفيــد ملــن يعــرف كيــف يحافــظ عــى عالقــات جيــدة مــع وكالء الشــبكات‪،‬‬
‫حمـل النـاس علـى احتـرام الفـرد الـذي جمـع ثـروة بسـرعة كبيـرة‪ ،‬ولكنـه يجـد الوقـت‬ ‫حتــى يضمــن وجــوده عــى تلــك القوائــم‪.‬‬
‫لمسـاعدة أهلـه أو جيرانـه‪ ،‬هي فـي الواقع طريقـة لوضع أنظمـة القيم القديمـة في خدمة‬
‫الممارسـات الجديـدة‪ .‬هكـذا يصبـح المخطـط األيديولوجـي ‪ -‬الـذي يجعل مـن النهب فعالً‬ ‫هــذا الجانــب املعــن مــن الفســاد يف الحوكــات يجعــل مــن الــروري أن نعــرف طبيعــة عالقتــه‬
‫مشـروعاً‪ ،‬ألنـه موجـه فـي نهايـة األمـر ضـد دولـة مجهولة‪ ،‬غيـر محـددة‪ ،‬ويكرههـا الناس‬ ‫بغــره مــن أنــواع الفســاد‪ ،‬حتــى وإن كانــت طفيفــة‪ ،‬ألن لجميعهــا دورا ً يف األجهــزة املعقــدة التــي‬
‫تصـورا ً للعالـم وطريقـة فـي رؤية‬
‫ّ‬ ‫منـذ فتـرة طويلـة ‪ -‬منفـذا ً لنمـوذج اجتماعـي جديـد‪ ،‬أي‬ ‫تحافــظ عــى املنظومــة الزبائنيــة‪.‬‬
‫األشـياء‪ ،‬ونموذجـاً متماسـكاً يقـوم علـى أسـاس محـدد ومقبـول مـن الجميع‪.‬‬

‫هنــاك مثــال يدفعنــا‪ ،‬عــى الرغــم مــن عــدم أهميتــه يف الظاهــر‪ ،‬خطــوة أخــرى نحــو إشــكالية‬ ‫فساد بسيط‪ ،‬مكافأة وخدمات‬
‫الفســاد (البســيط؟)‪ ،‬الــذي يكتــي أحيانــاً أشــكاالً غريبــة‪.‬‬
‫عــادة مــا يكــون الوصــول إىل خدمــة مــن خدمــات الدولــة أســهل بكثــر مــن خــال العالقــة التــي‬ ‫أرشنــا إىل أن أفـراد طبقــات املجتمــع الوســطى والدنيــا يدفعــون مــن أموالهــم الخاصــة‪ ،‬عــى شــكل‬
‫ميكــن للمــرء أن يرعاهــا أو يقيمهــا‪« ،‬مجان ـاً أو مقابــل أجــر»‪ ،‬مــع أحــد املوظفــن ســواء كان مــن‬ ‫«قهــوة»‪ ،‬أو «بقشــيش» أو «تشــيبا»‪ ،‬للتمتــع بحقهــم يف الحصــول عــى الخدمــات التــي يُفــرض أن‬
‫أهلــه‪ ،‬أو صديــق طفولــة‪ ،‬أو جــاره‪ ،‬إلــخ‪. 1‬‬ ‫يضمنهــا لهــم القانــون بصفتهــم مواطنــن‪ .‬وإذا كان أفـراد الطبقــة الدنيــا مــن الخــدم ينالــون عــى‬
‫أســعار هــذه «التذاكــر»‪ ،‬كـ»مكافــأة» عــى خدمتهــم‪ ،‬إضافــة إىل األجــور التــي يتســلمونها‪ ،‬فذلــك ألن‬
‫هكــذا يكــون شــأن موظــف مثــا مــن قســم امليزانيــة يف إدارة مــا‪ ،‬مكلــف بحمــل فواتــر أو مــروع‬ ‫هــذه الطبقــة تشــكل أيض ـاً مصفــاة بــن مــن هــم ثابتــن يف خضوعهــم للهيمنــة وتجــب رعايتهــم‪،‬‬
‫تفويــض‪ ،‬إىل مكتــب املديــر للتوقيــع عليهــا‪ ،‬وبالتــايل لدفــع مقابــل فواتــر أحــد مقدمــي الخدمــات‬ ‫ومــن هــم خاضعــن لكــن ميكــن أن يتمــردوا يف وقــت مــا‪ ،‬ويجــب تدجينهــم‪.‬‬
‫أو اآلخــر‪ .‬هنــاك عــى طاولــة املديــر أو يف دفــر التوقيــع يتــم ترتيــب امللفــات وفقــاً لتوقيــت‬
‫وصولهــا‪ .‬لكــن إذا قــام هــذا املوظــف «برتتيــب» الدفــر و»بتقديــم» بعــض الفواتــر عــى غريهــا‬ ‫ويقــرن دور أولئــك الخــدم يف تدجــن النــاس مــن خــال وضــع قوائــم الوصــول ملــا يُــوزع بطريقــة‬
‫بعــدة درجــات‪ ،‬يكــون قــد أتــاح للمقــاول صاحــب تلــك الفواتــر‪ ،‬اســتالم دفعهــا قبــل أســبوعني أو‬ ‫شــعبوية (ســكن‪ ،‬دعــم مــايل‪ ،‬إعانــات ومختلــف أنــواع اإلعفــاءات) عــى الطبقــات األكــر هشاشــة‬
‫ثالثــة أســابيع مــن األجــل العــادي‪ ،‬وأحيانـاً قبــل شــهر أو شــهرين‪ ،‬وحتــى أربعــة أو خمســة يف الفــرة‬ ‫اقتصاديـاً‪ ،‬بعمــل «بوليــي بســيط» لصالــح األجهــزة‪ ،‬يتمثــل يف الكشــف عــن املــؤذي والخبيــث مــن‬
‫األخــرة مــن الســنة‪ .‬طبعــا يكافــئ املقــاول املعنــي ذلــك املوظــف الــذي ال ينتهــك بفعلتــه تلــك أي‬ ‫النــاس‪ .‬كــا أنهــم يوفــرون‪ ،‬يف أســوأ األحــوال‪ ،‬خدمــات مجموعــات مــن «البلطجيــة» إلخضــاع مــن‬
‫قاعــدة أو قانــون‪ ،‬ســوى القانــون الطبيعــي القائــل بــأن «الــذي يصــل أوالً‪ ،‬يكــون أول مــن يُخــدم»‪.‬‬ ‫هــم أكــر متــردا ً‪ ،‬ممــن يتظاهــرون عــى الطريــق العــام‪ .‬فهــم يف مهمــة القمــع‪ ،‬مبثابــة عــال «ذوي‬
‫ويحصــل مقابــل هــذه الخدمــة عــى تعويــض نقــدي أو غــره‪.‬‬ ‫ياقــة زرقــاء»‪.‬‬
‫وبصــورة أعــم‪ ،‬أصبحــت مســألة آجــال الدفــع مــن قبــل مديــري الشــؤون املاليــة املركزيــن‪ ،‬معقــدة‬ ‫غــر أن أجهــزة اإلدارة تعــج أيضــا مبجموعــة كاملــة مــن « ذوي الياقــات البيضــاء»‪ ،‬مكانهــم يف‬
‫لدرجــة أنــه نشــأت إج ـراءات موازيــة تتمثــل يف تواطــؤ بعــض اإلدارات العموميــة مــع املقاولــن‪،‬‬ ‫أســفل الســلم لكنهــم يشـكّلون فئــة أعــى بقليــل مــن الســابقة‪ ،‬هــي التــي توفــر حشــدا ً مــن َخـ َدم‬
‫الشــبكات املركزيــة واملحليــة‪.‬‬
‫‪ - 1‬أول سؤال يطرحه عليك صديق يحتاج إىل إحدى الخدمات اإلدارية املتعلقة يف أي ملف هام أو بسيط‪ ،‬هو ‪»:‬هل‬ ‫مــن بــن هــؤالء يتــم تعيــن وكالء «التواصــل»‪ ،‬أي أولئــك الذيــن «يعرفــون» شــخصاً مــا‪ ،‬أو يدركــون‬
‫تعرف أحدا ً يف ‪...‬؟» متبوعاً بقامئة جميع الخدمات الوطنية أو املحلية يف كل املجاالت‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪64‬‬

‫«أبلــه اجتامعي ـاً» وليــس منوذج ـاً للــرف واالســتقامة‪ .‬لقــد تغـ ّـر حق ـاً النمــوذج االجتامعــي‪ ،‬ويف‬ ‫بحيــث تســعى تلــك اإلدارات إىل الترسيــع بدفــع فواتــر ُم َم ّونيهــا‪ ،‬وتتجنــب مراقبــة نوعيــة الخدمات‬
‫هــذه املرحلــة مــن تفكرينــا‪ ،‬يظهــر هــذا النمــوذج مدعوم ـاً مــن قبــل الهــرم املكــون مــن مختلــف‬ ‫املقدمــة ومطابقتهــا للطلــب‪ ،‬أو حتــى صالحيــة الفواتــر‪.‬‬
‫الخــدم يف أجهــزة الدولــة بأكملــه‪.‬‬ ‫وتعتمــد طريقــة نشــوء هــذه الشــبكات عــى خروقــات خطــرة عــادة مــا يقرتفهــا موظــف تجــاه‬
‫واجباتــه املهنيــة‪ .‬فتصبــح تلــك الخروقــات مبثابــة مراوغــة جامعيــة حقيقيــة‪ ، 2‬وهــي تبــن أن هــذه‬
‫إن هــذا التعميــم يف مامرســات الكــوادر واملوظفــن عــى جميــع املســتويات‪ ،‬ومــا يفرضــه مــن تغيــر‬ ‫األســاليب منظمــة وناتجــة عــن توافــق ضمنــي‪ ،‬أكــر مــا هــي مجــرد مجموعــة مامرســات فرديــة‪.‬‬
‫واســع النطــاق يف أســس الحكــم االجتامعــي‪ ،‬هــو الــذي خلّــف النســيج املــوايت لقبــول مثــار الريــع‬
‫وتداعياتــه املتواتــرة ‪ :‬فهــو نهــب منهجــي وتوافقــي ملمتلــكات املجموعــة‪.‬‬ ‫هكــذا‪ ،‬عندمــا أصــدرت الســلطات يف العــام ‪ ،1976‬أمـرا ً مينــح البلديــات وحدهــا دون غريهــا القيــام‬
‫والنتيجــة هــي أن أصبحــت مصلحــة ال َخ ـ َدم‪ ،‬موضوعي ـاً‪ ،‬يف بــذل جهــد ألجــل تثبيــت منــوال عمــل‬ ‫بالصفقــات املتعلقــة بــاألرايض داخــل املناطــق الحرضيــة‪ ،‬عرضــت البلديــات عــى املواطنــن بيــع‬
‫األجهــزة القديــم‪ ،‬عــوض تحريرهــا منــه‪ .‬وهــو مــا يفــر الصعوبــات الهائلــة لوضــع أنظمــة إلكرتونيــة‬ ‫قطــع أرض صالحــة للبنــاء يف شــكل مســاحات مقســمة‪ ،‬عــى أن يقــوم املعنيــون بوضــع رســومها‬
‫أو قواعــد بيانــات رقميــة‪. 3‬‬ ‫الفنيــة وعرضهــا ملوافقــة قســم الخدمــات الفنيــة يف الواليــة‪ .‬وكلــف العديــد مــن رؤســاء البلديــات‬
‫لقــد أجــرت التغي ـرات التــي طــرأت عــى السياســات العامــة يف أوائــل مثانينيــات القــرن املــايض‪،‬‬ ‫فنيــن بذلــك القســم مــن الواليــة ببلــورة امللفــات الفنيــة ملشــاريع التقســيم التــي مــن املفــروض أن‬
‫وخاصــة إضعــاف القــدرة الصناعيــة واعتــاد السياســات الليرباليــة‪ ،‬األرس عــى البحــث عـ ّـا يلبــي‬ ‫تقــوم إدارتهــم باملوافقــة عليهــا وفق ـاً لإلج ـراءات التنظيميــة‪ .‬بعــد ذلــك تعــود امللفــات إىل رئيــس‬
‫احتياجاتهــا مــن خــال عمــل غــر مســتقر و»غــر رســمي»‪ ،‬مــا أدى إىل غــزو األســواق باملنتجــات‬ ‫البلديــة فيقــوم بنــر القـرار املتعلــق بتخصيــص حصــص األرايض لألفـراد مبــا يف ذلــك حصــص الفنيــن‬
‫املســتوردة‪ ،‬التــي نجدهــا عامــة يف النشــاط التجــاري الــذي يتعاطــاه البائعــون عــى الطريــق العــام‪.‬‬ ‫املعنيــن ومــن يعلوهــم يف التسلســل الهرمــي‪.‬‬
‫وأصبــح الســكان واملــارة يــرون يف احتــال األماكــن العامــة مــن قبــل تجــار شــبان‪ ،‬ليــس فقــط‬ ‫وحســب هــذه اإلج ـراءات‪ ،‬حصــل كل واحــد مــن الفنيــن‪ ،‬مقابــل كل تقســيم قــام بإعــداده‪ ،‬عــى‬
‫اكتظاظــاً وفــوىض يف الفضــاء املشــرك‪ ،‬بــل أيضــاً مجــاالً ملواجهــات عنيفــة يف بعــض األحيــان‪.‬‬ ‫قطعــة أرض دفــع مقابلهــا ســعرا ً «إداري ـاً» ســخيفاً بالنســبة لقيمــة األرايض الحرضيــة املعتمــدة‪/‬‬
‫ومتثــل هــذه الظاهــرة يف الواقــع تعب ـرا ً غليظــا وفوري ـاً عــن املنافســة الرشســة مــن أجــل الحصــول‬ ‫املجهــزة يف الســوق‪ ،‬خاصــة وأنهــا نــادرة جــدا‪ ،‬فكســب كل فنــي بذلــك ثــروة حقيقيــة‪.‬‬
‫عــى مســاحة اقتصاديــة والحفــاظ عليهــا كمــورد للعيــش‪ .‬فهــو اســتيالء عــى مســاحة معيشــية‬
‫كافيــة لعــرض و بيــع ســلع‪ ،‬باســتخدام القــوة‪ ،‬كلــا لــزم األمــر‪.‬‬ ‫بهــذه العمليــة أصبــح الفنيــون متورطــون يف مســألة غــر رشعيــة‪ ،‬وبالتــايل عرضــة للمالحقــة‬
‫وأدت هــذه املنافســة مــن أجــل احتــال املســاحات املخصصــة لحركــة املــرور‪ ،‬من مشــاة أو ســيارات‪،‬‬ ‫القضائيــة‪ .‬وهــذا مــا ضمــن أنهــم لــن يتجــرؤوا‪ ،‬يف أي حــال مــن األحــوال‪ ،‬عــى إدانــة مســؤول‬
‫إىل عــدة مواجهــات إكراهيــة‪ ،‬حطمــت التوافقــات القدميــة التــي كانــت تحكــم الكياســة الحضاريــة‬ ‫مــا (رئيــس القســم‪ ،‬أو املديــر‪ )...‬إذا مــا «عالــج» ملفــات لشــخصيات تحتــوي عــى حصــص مــن‬
‫ـس املواطنــة‪.‬‬
‫يف األماكــن العامــة باملــدن‪ ،‬وبالتــايل حـ ّ‬ ‫عيــار آخــر‪ .‬وهــذا أيضـاً مــا يفــر ظهــور العديــد مــن مديــري ورؤســاء األقســام اإلداريــة يف ملفــات‬
‫املحاكــات الكــرى املتعلقــة بالفســاد‪ ،‬يف الســنوات األخــرة‪.‬‬
‫ال يجــب أن تلهينــا محنــة ســكان املــدن يف مواجهــة تضخــم األعــال غــر الحضاريــة املقرتنــة بغيــاب‬
‫حــس املواطنــة‪ ،‬عــن التغيـرات الكــرى التــي عرفتهــا املــدن يف العقــود املاضيــة‪ .‬فقــد أطلقــت هــذه‬ ‫كيــف ميكــن نعــت إدارة تفســد موظفـاً أو إدارة أخــرى أو هيئــة مهنيــة؟ هــل هــي خيانــة‪ ،‬أم أنــه‬
‫التغي ـرات آليــات عميقــة‪ ،‬ومتجــددة باســتمرار‪ ،‬غــرت األســس التــي تتــم وفقهــا إعــادة هيكلــة‬ ‫نظــام تبــادل الخدمــات املبنــي عــى اقتطــاع الريــع وهــو يظهــر هنــا مــن جديــد (عل ـاً أن األريض‬
‫العمرانيــة التــي يتــم تقســيمها بغيــة البنــاء‪ ،‬غالبـاً مــا تكــون ملــكاً للدولــة)؟‬
‫‪ - 3‬شغل عبد املجيد تبون‪ ،‬قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية يف العام ‪ ،2020‬منصب وزير اإلسكان مرتني يف نظام‬
‫بوتفليقة‪ .‬وكان قد أعلن حينها أنه‪ ،‬تجنباً لتكرار انتهاكات أولئك الذين يكسبون عدة مساكن‪ ،‬سيشكل قاعدة بيانات‬ ‫هكــذا نشــأت معايــر جديــدة‪ ،‬أولهــا التوافــق عــى رشعيــة االقتطــاع مــن األمــاك العموميــة‪ ،‬ثــم‬
‫وطنيًة (من خالل الربط بني بيانات الواليات)‪ ،‬مام يجعل هذا النوع من املامرسة مستحيالً‪ .‬وقد أعلن ذلك حينام‬ ‫يحصــل مبــا يتناســب مــع منصبــه وإمكانياتــه‬
‫النجــاح االجتامعــي كمرجــع‪ ،‬فأصبــح مــن مل يقبــض أو ّ‬
‫كان وزيرا‪ ،‬أي منذ أكرث من عرش سنوات‪ .‬لكن يجب أن ندرك أن بيانات الدواوين العمومية للممتلكات العقارية‬
‫قد متت حوسبتها منذ أربعني عاماً‪ .‬وبالتايل‪ ،‬مل تكن مشكلة عدم وجود قاعدة البيانات الوطنية‪ ،‬مشكلة تقنية‪ ،‬بل‬
‫عىل العكس من ذلك‪ ،‬هي دليل واضح عىل غياب أي رغبة يف إنشائها‪ ،‬كام أظهرت املعلومات التي كشفت خالل‬ ‫‪ - 2‬املراوغة هي سلسلة من األفعال يزيغ من خاللها املوظف‪ ،‬أو الذي فوضت إليه مهمة ما‪ ،‬عن الوفاء بااللتزامات‬
‫محاكامت كبار املسؤولني‪ .‬‬ ‫املرتبطة مبنصبه أو بالتفويض الذي أوكل إليه‪ .‬‬
‫‪67‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪66‬‬

‫تحوير أدوات مكافحة الفساد‬ ‫‪2‬‬ ‫املــدن واألنظمــة العمرانيــة‪.‬‬


‫يكشــف فحــص بعــض املامرســات‪ ،‬حتــى وإن كان رسيعـاً‪ ،‬أن نوعــا مــن الرأســالية الوحشــية تنغــرس‬
‫يف أعقــاب االســتقالل‪ ،‬وبســبب «الرصامــة الثوريــة» الظاهريــة‪ ،‬كانــت عقوبــة شــديدة تســلط مبدئيـاً‬ ‫بشــكل أكــر فأكــر عمق ـاً‪ ،‬وتظهــر يف الحيــاة اليوميــة مــن خــال تعب ـرات غليظــة ومبــارشة عــى‬
‫عــى مــن يرتكــب جرائــم اقتصاديــة ضــد األمــوال العامــة‪ .‬حتــى أنــه تــم إعــدام موظــف برشكــة‬ ‫عالقــات القــوة بــن األفــراد‪ .‬حيــث أصبــح غــزو الفضــاء الجامعــي‪ ،‬متامــاً مثــل إنشــاء البنــاءات‬
‫عموميــة رميـاً بالرصــاص‪ ،‬يف أوائــل ســبعينيات القــرن املــايض‪ ،‬ألجــل تحايــل‪ ،‬مل تكــن عقوبتــه لتتعدى‬ ‫الفوضويــة الجديــدة‪ ،‬أماكــن مشــركة لتكويــن األربــاح‪. 4‬‬
‫الخمــس ســنوات ســجناً لــو ُحكــم عليــه اليــوم‪.‬‬
‫خالصة‬
‫وقــد كانــت دائــرة املحاســبات‪ ،‬التــي تــم إنشــاؤها مبوجــب دســتور ‪ ،1976‬قــد عاشــت أوج مجدهــا‬
‫خــال مثانينيــات وتســعينات القــرن الفائــت‪ ،‬ملــا كانــت تقــدم للعدالــة كل مــن كانــت «الســلطة»‬ ‫ليــس مــن املجــدي أن نضــع تحــت امل ُس ـ ّمى نفســه أنظمــة مامرســات مختلفــة ألســباب متعــددة‪.‬‬
‫آنــذاك ترغــب يف تشــويه صورتــه‪ ،‬مــن دون أن يــؤدي ذلــك بالــرورة إىل محاكمتــه وســجنه‪ .‬وقتذاك‪،‬‬ ‫فنحــن نجــد مــن ناحيــة‪ ،‬أفـراد أدىن الطبقــات االجتامعيــة‪ ،‬ممــن اسـتُعبدوا وســلبوا مــن حقوقهــم‬
‫وســجن بعضهــم‪.‬‬ ‫املدنيــة واالجتامعيــة‪ ،‬مضطريــن إىل «دفــع تذكــرة» مــن أجــل اســتعادة حــق‪ ،‬عــى الرغــم مــن أنــه‬
‫ُوضــع مســؤولون عــن أكــر الــركات العموميــة يف قفــص االتهــام‪ُ ،‬‬
‫مكتســب ومعــرف بــه يف نصــوص الجمهوريــة والقوانــن الرســمية‪ .‬ومــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬بورجوازيــات‬
‫فـي بدايـة الثمانينـات‪ ،‬تمثلـت أول عملية «سياسـية» قامـت بها دائرة المحسـابات هذه‪،‬‬ ‫الجهــاز ورجــال األعــال وأصحــاب املصانــع وكل طبقــات الخــدم الذيــن يعيشــون مــن الريــع‬
‫فـي توجيـه االتهامـات للتكنوقراطييـن‪ ،‬ممـن درسـوا فـي الجامعـات األجنبيـة أو المعاهد‬ ‫وتوزيعــه‪ .‬وتتبــادل هــذه الطبقــات االجتامعيــة جميعهــا ســلعاً وخدمــات تعــزز رصح رضاوة النهــب‬
‫العليـا‪ ،‬وغالبـاً مـا كانـوا مـن المناضليـن فـي حـرب التحريـر‪ .‬وكانـوا قـد سـاهموا‪ ،‬بعـد‬ ‫وتجعــل منــه منظومــة قامئــة‪.‬‬
‫االسـتقالل‪ ،‬فـي إنعـاش االقتصـاد مـن خلال إنشـاء الصناعـات الجديـدة والبِنـى التحتيـة‬ ‫و يعمــل أفـراد أدىن درجــات ســلم هــذه الشــبكات‪ ،‬التــي اجتاحــت أجهــزة الدولــة لتقديــم خدماتهــا‪،‬‬
‫الكبـرى‪ .‬كانـت عمليـة سياسـية واسـعة النطاق هدفهـا اسـتبدال النخب التـي كانت تبدو‬ ‫كســارسة ووســطاء للتدخــل لــدى «مــن يحــق لــه» مقابــل مكافــأة «تناســب» خدمتهم‪.‬‬
‫مسـتقلة أكثـر مـن اللزوم‪.‬‬ ‫وبصفتهــم هــذه‪ ،‬يلعــب هــؤالء دور «املس ـ ّهلني» مــع ُم ـ َو ّردي الســلع أو الخدمــات‪ ،‬أحيان ـاً ضــد‬
‫اإلجــراءات املؤسســاتية‪ ،‬وعمومــاً حســب رشوط متفــق عليهــا‪ ،‬تهــدف إىل التحايــل عــى أحــكام‬
‫يف بدايــة الثامنينــات‪ ،‬متثلــت أول عمليــة «سياســية» قامــت بهــا دائــرة املحســابات هــذه‪ ،‬يف توجيــه‬ ‫القانــون يف املجــاالت التــي يعملــون فيهــا‪ ،‬وحســب الشــكل املالئــم‪.‬‬
‫االتهامــات للتكنوقراطيــن‪ ،‬ممــن درســوا يف الجامعــات األجنبيــة أو املعاهــد العليــا‪ ،‬وغالبـاً مــا كانــوا‬
‫مــن املناضلــن يف حــرب التحريــر‪ .‬وكانــوا قــد ســاهموا‪ ،‬بعــد االســتقالل‪ ،‬يف إنعــاش االقتصــاد مــن‬ ‫يبــدو إذا أن يف هــذه الفئــة مــن جهــاز النهــب الشــامل – وليــس الفســاد البســيط فحســب –‬
‫خــال إنشــاء الصناعــات الجديــدة والبِنــى التحتيــة الكــرى‪.‬‬ ‫قــد ظ ّهــرت منــاذج جديــدة «تنظــم» معايــر النجــاح االجتامعــي وتحكــم طــرق «أن يكــون املــرء‬
‫موظف ـاً»‪ .‬وألن عمــل املوظــف هنــا يفــرض مخالفــة القانــون املكتــوب‪ ،‬يكــون الفاعــل بالــرورة‬
‫كانــت عمليــة سياســية واســعة النطــاق هدفهــا اســتبدال النخــب التــي كانــت تبــدو مســتقلة أكــر‬ ‫معرضــا للعقوبــة‪ ،‬وبالتــايل يف وضــع يضطــره إىل االنصيــاع لرؤســائه‪.‬‬
‫مــن اللــزوم‪ ،‬بطبقــة جديــدة مــن األشــخاص املقربــن مــن «حــزب جبهــة التحريــر الوطنــي»‪ ،‬الذيــن‬
‫يُعتــرون‪ ،‬قبــل كل يشء‪ ،‬خدمـاً ِمطواعــن‪.‬‬ ‫أمــا أعضــاء الشــبكات الذيــن يشــغلون أعــى املناصــب يف هــرم املجموعــات التــي تهيمــن عــى الدولة‬
‫ودوائــر جمــع ومراقبــة وتوزيــع الريــع‪ ،‬فلهــم طــرق أخــرى لرتتيــب تبــادل املمتلــكات والخدمــات‬
‫وقــد خــدع الخطــاب املتشــدد يف ذلــك الوقــت‪ ،‬وامللخــص يف شــعار «العمــل والرصامــة لضــان‬ ‫الناتجــة عــن عمليــات النهــب بــن أفـراد الطبقــات العليــا أو يف دائــرة األرسة باملعنــى البيولوجــي‪.‬‬
‫املســتقبل»‪« ،‬املبلغــن عــن املخالفــات»‪ ،‬فنــددوا مبراوغــة واختالســات هامــة مــن قبــل مســؤولني‬ ‫وتعــزز هــذه املبــادالت‪ ،‬املبنيــة عــى الهبــة وإرجــاع الهبــة‪ ،‬وضــع هــذا وذاك‪ .‬وهــي ال «تنســخ»‬
‫هامــن يف الــركات أو الهيئــات العموميــة‪ .‬وبصفــة عامــة أدى ذلــك بهــؤالء املبلغــن إىل فقــدان‬ ‫العالقــات األرسيــة‪ /‬املجتمعيــة بشــكل بســيط‪ ،‬بــل تنشــئ تحالفــات مــن نــوع جديــد‬
‫وظائفهــم ومنازلهــم (يف حــال أنهــم مقيمــون يف ســكن متلكــه الرشكــة التــي تشــغلهم)‪ ،‬وإىل قضــاء‬
‫بعــض الوقــت يف الســجن كمتهمــن باالش ـراك يف قضايــا مكافحــة ســوء تــرف أو فســاد‪.‬‬ ‫‪ - 4‬انظر رشيد سيدي بومدين ‪ Occupation des espaces publics : Incivismes et incivilités‬مداخلة يف ندوة‬
‫«‪ »Images et citadinités‬الجزائر‪ 30 ،‬ترشين الثاين‪ /‬نوفمرب – ‪ 1‬كانون األول ‪ /‬ديسمرب ‪ . 2005‬‬
‫‪69‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪68‬‬

‫خصائص الدولة النيوباتريمونيالية (‪ )néo-patrimonial‬في الجزائر‬ ‫‪3‬‬


‫واســتمرت الســلطات يف معالجــة هــذه املســألة بالطريقــة نفســها حتــى بدايــة ِ‬
‫الح ـراك‪ ،‬أي ملــدة‬
‫أربعــة عقــود تقريبــا‪ .‬لقــد رأينــا مدعــن عامــن وقضــاة ممــن تجــرؤوا عــى إصــدار مذكـرات اعتقــال‬
‫شبكات قيد اإلنشاء‬ ‫عــى أســاس أدلــة‪ ،‬ضــد أفــراد مــن دائــرة املقربــن مــن الرئيــس بوتفليقــة‪ ،‬يتعرضــون لتدهــور‬
‫رتبهــم‪ ،‬ونقلهــم مــن دوائــر عملهــم‪ ،‬قبــل إغــاق ملــف القضيــة وتجنــب أي تحقيــق‪. 5‬‬
‫بســبب هيمنــة جامعــات اســتولت عــى الدولــة وترصفــت فيهــا عــى نحــو التــرف يف امللــك الخاص‪،‬‬
‫تعتــر الدولــة يف الجزائــر دولــة نيوباترميونيالية ‪(7‬اإلرثيــة واإلرثيــة املحدثــة)‪ ،‬حيــث يتــم التــرف يف‬ ‫بينــا كانــت أكــر فضائــح الفســاد متعلقــة بــوزراء يف حكومــة بوتفليقــة قــد اندلعــت عــى الســاحة‬
‫مواردهــا وكأنهــا أمــاك خاصــة‪.‬‬ ‫العامــة‪ ،‬قرأنــا يف تقريــر دائــرة الحســابات للعــام ‪ 2019‬بشــأن نفقــات ‪ ،2016‬أن «الدائــرة الحظــت‬
‫عــدة مواقــع خلــل يف التــرف يف النفقــات العموميــة‪ ،‬متعلقــة خاصــة بعــدم تطبيــق قواعــد منــح‬
‫كل عــى قطــاع اقتصــادي معــن‪ ،‬أو قنــاة اســترياد‪ ،‬مثــل‬‫وتنفــرد كل شــبكة بإقامــة احتــكار شــبه ّ‬ ‫القــروض واســتخدامها»‪. 6‬‬
‫املــواد الغذائيــة (قمــح‪ ،‬ســكر‪ ،‬زيــت‪ ...‬وغريهــا)‪ ،‬أو ســوق األشــغال والخدمــات ( محروقــات‪ ،‬أشــغال‬
‫عامــة‪ ،‬اتصــاالت‪ .)...‬ولهــذه الشــبكات وكالء ووســطاء يف جميــع اإلدارات التــي ميكــن أن تفيــد يف‬ ‫مل يصــدر قانــون إنشــاء هيئــة مكافحــة الفســاد (‪ )ONPLC‬إال يف العــام ‪ ،2006‬وقــد حــدد صالحياتها‬
‫مامرســة ذلــك االحتــكار‪ .‬وتتمثــل قاعــدة شــغلهم يف االح ـرام املتبــادل للمجــاالت املخصصــة لــكل‬ ‫وخصائصهــا قانــون ‪ 20‬شــباط‪ /‬فربايــر ‪ 2006‬املتعلــق مبنــع الفســاد ومكافحته‪.‬‬
‫منهــم (مــا ســميته «قاعــدة الثامنيــة عــر مـرا»‪ ،‬أو «املســاحة املحصنــة») ألجــل صيانــة منظومــة‬
‫الريــع والدفــاع عنهــا‪ .‬ولهــذا الســبب يُنتــدب مشــغلو الشــبكة داخــل اإلدارات مــن صفــوف كــوادر‬
‫الشــبكة‪.‬‬

‫بسـبب هيمنـة جماعـات اسـتولت علـى الدولـة وتصرفـت فيهـا علـى نحـو التصـرف فـي‬
‫الملـك الخـاص‪ ،‬تعتبـر الدولـة فـي الجزائـر دولـة نيوباتريمونياليـة (اإلرثيـة واإلرثيـة‬
‫المحدثـة)‪ ،‬حيـث يتـم التصـرف فـي مواردهـا وكأنهـا أملاك خاصـة‪.‬‬

‫وقــد رشح العديــد مــن املؤلفني‪ 8‬كيــف توفــر الهيــاكل «الحزبيــة»‪ ،‬مبختلــف اتجاهاتهــا (قوميــة‪،‬‬
‫إســامية‪ ...‬وغريهــا) مصعــدا ً اجتامعيـاً لرجــال األعــال‪ ،‬فنجــد املقاولــن املحليــن واملســتوردين وتجار‬
‫الجملــة مجمعــن يف شــكل عناقيــد مــن الزبائــن‪ ،‬يجتاحــون املجالــس املحليــة يف البدايــة‪ ،‬ثــم الربملــان‬
‫ليتمكنــوا مــن الترشيــع بقــدر مــا يلــزم مــن أجــل حاميــة مصالــح هــذه الشــبكات‪.‬‬

‫والغريــب أن اإلدارة املركزيــة تؤكــد أنهــا تواجــه صعوبــة يف حوســبة خدماتهــا (الرضائــب‪ ،‬صناديــق‬

‫مؤسسات ودساتري وقوانني ُمشابهة لتلك املوجودة يف الدولة الحديثة‪ّ ،‬إل‬ ‫‪ - 7‬الدولة الغنامئية املعارصة‪ ،‬حيث هناك ّ‬
‫مؤسسات‬
‫أنها تتميّز بوجود نظامني متعايشني‪ ،‬أ ّولهام نظام القواعد الدستورية والقانونية املكتوبة‪ ،‬التي تنظّم تشكيل ّ‬
‫ومهمتها وعالقة املواطن باإلدارة والدولة‪ .‬والنظام الثاين‪ ،‬نظام غري مكتوب مك َّون من عالقات الوالء والتبعية‬
‫السلطة ّ‬
‫والزبائنية‪ ،‬وهو النظام الفعيل يف املامرسة الذي يتف ّوق عىل القانون املكتوب‪ .‬انظر بهذا الصدد لبنان‪ :‬رأساملية‬
‫غنامئية‪ :‬من املزرعة إىل الرشكة إىل الغنيمة‪ ،‬أديب نعمة‪ ،‬جريدة األخبار‪ ،‬بتاريخ ‪( 10-09-2018‬جزءان)‪.‬‬
‫‪ al-akhbar.com/Capital/257646‬‬ ‫‪ - 5‬انظر يف القضايا املتعلقة بـ ‪ BRC, CONDOR‬‬
‫‪ - 8‬من بينهم محمد حشاموي‪ .‬‬ ‫‪ - capaalgérie.dz - 6‬صحيفة إلكرتونية‪ .‬‬
‫‪71‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪70‬‬

‫دون أي مــرر رشعــي أو قانــوين‪ ،‬أفـراد مــن عائــات أقــوى أعضــاء األجهــزة‪ ،‬أو رشكاؤهــم (مــن رجــال‬ ‫الضــان االجتامعــي‪ ،‬قوانــن الشــغل)‪ ،‬وكذلــك يف تثبيــت اســتخدام األمــوال غــر النقديــة‪ ،‬وتطبيــق‬
‫األعــال وأصحــاب مصانــع‪ ،‬ومــا إىل ذلــك)‪.‬‬ ‫معايــر الجــودة عــى الســلع املســتوردة‪.‬‬

‫محاكــات ‪ 2020‬توضــح لنــا األمــور بأمثلــة دقيقــة‪ :‬مث ـاً‪ ،‬أن كل مــا ميلــك املديــر العــام الســابق‬ ‫والخاصيــة الثانيــة للدولــة النيوباترميونياليــة‪ ،‬التــي غالبـاً مــا تســمى الدولــة «الزبائنيــة»‪ ،‬هــي أنهــا‬
‫لألمــن مــن عقــارات‪ ،‬باإلضافــة إىل ‪ 25‬حســاباً مرصفيـاً‪ ،‬جــردت عــى النحــو التــايل «‪ 34‬فيــا وشــقة يف‬ ‫تســتند بصفــة كليــة تقريبــا‪ ،‬إىل شــبكات ن ََســب (أو قرابــة)‪ ،‬ي ِك ـ ّن أعضاءهــا الــوالء للقــادة ذوي‬
‫الجزائــر العاصمــة‪ 25 ،‬قطعــة أرض ومنــزالً ونشــر مــرة أخــرى إىل أن يف وهـران‪ 5 ،‬شــقق يف تيبــازة‪،‬‬ ‫الرتــب األعــى‪ ،‬ويتلقــون يف املقابــل جــزءا ً مــن الريــوع املوزعــة‪ .‬ونشــر يف هــذا الســياق إىل نــص‬
‫‪ 5‬شــقق أخــرى يف تلمســان‪ ،‬شــقة يف عــن متوشــنت وأخــرى يف ســطيف! هــذا كل مــا ميلــك رئيــس‬ ‫‪ Leca 9‬و‪ ،Schemeiel‬ألنــه يــرح بوضــوح خصائــص الدولــة النيوباترميونياليــة‪.‬‬
‫الرشطــة الجزائريــة الســابق! بالــكاد ‪ 71‬عقــار! فقــط ال غــر‪ ،‬فقــط وال يشء أكــر‪ !...‬مســكني‪. 11»...‬‬
‫آخــر رئيســن للحكومــة الجزائريــة‪ ،‬أحمــد أويحيــى‬ ‫وتُبــن املفــردات املســتخدمة يف الئحــة اتهــام ِ‬
‫و مــن ناحيتــه ميثــل جهــاز الدولــة الرســمي‪ ،‬مبؤسســاته‪ ،‬وأســاليب عملــه‪ ،‬وقواعــده املكتوبــة (أو‬ ‫وعبــد املالــك ســال‪ ،‬الكثــر عــن الطــرق املســتعملة لخدمــة الدائــرة املقربــة‪ :‬تتعلــق التهــم املوجهــة‬
‫غــر املكتوبــة) وهــي كلهــا ســهلة االخ ـراق مــن قبــل الشــبكات وتتفاعــل مــع عملهــا‪ ،‬ميثــل هــذا‬ ‫لهــم بـــ «مبنــح الغــر‪ ،‬عمــدا ً‪ ،‬امتيــازات غــر ُمســت َحقة أثنــاء إبـرام الصفقــات وتعديــات الصفقــات‪،‬‬
‫الجهــاز عن ـرا ً أساســياً لــي تتمكــن منظومــة الســلطة مــن العمــل بدورهــا وتســتخدم قواعدهــا‬ ‫خالف ـاً ملــا تقتضيــه األحــكام الترشيعيــة والتنظيميــة ســارية املفعــول»‪« ...‬طلــب وقبــول امتيــازات‬
‫لجمــع الريــع وتوزيعــه‪.‬‬ ‫غــر مســت َحقّة»‪« ...‬التحصــل عــى إتــاوات ومنافــع خــال إعــداد أو إجـراء مفاوضــات بهــدف إبـرام‬
‫صفقــات»‪« ...‬تبديــد األمــوال العامــة واســتعامل غــر قانــوين لألمــاك واألمــوال العامــة»‪« ...‬منــح‬
‫و تســتخدم الشــبكات التــي تنفــذ إىل الجهــاز الرســمي‪ ،‬زبائــن خارجيــن‪ ،‬ســبق ذكــر بعضهــم‪ ،‬مثــل‬ ‫امتيــازات تجاريــة وتخفيــض يف الرضائــب والرســوم مــن دون ترخيــص قانــوين» ‪.10‬‬
‫أعضــاء األح ـزاب والجمعيــات‪ ،‬الذيــن يشــكلون أكــر فئــة مــن مجموعــات زبائــن تلــك الشــبكات‪.‬‬
‫ويتــم تجنيدهــم مــن خــال إجـراءات تحــدد كيفيــة اختيــار املرشــحني للدخــول إىل الجهــاز‪.‬‬ ‫وتحتــاج جميــع هــذه الشــبكات‪ ،‬التــي تتحكــم أحيانـاً يف قطاعــات بأكملهــا‪ ،‬إن مل تكــن فروعـاً غايــة‬
‫يف األهميــة‪ ،‬إىل نقــاط عبــور إجباريــة‪ ،‬خاصــة مــن بــن أولئــك الذيــن يــدورون حــول قطــاع توريــد‬
‫وتقــع عمليــة االختيــار عرب»ممــر فــرز» يســمح بتنقيــة املرشــحني للمناصــب وفقـاً لقنــوات مختلفــة‪:‬‬ ‫الســلع والخدمــات‪.‬‬
‫عضويــة يف حــزب ســيايس معــن‪ ،‬وظيفــة يف اإلدارة أظهــر املــرء مــن خاللهــا حامســه وكفاءتــه يف‬
‫تنفيــذ التعليــات الشــفوية وتفســر النصــوص‪ ،‬أو دعــم ألنشــطة سياســية ملــا يتعلــق األمــر برجــل‬ ‫وإذا مــا بــات بعضهــم‪ ،‬بســبب عالقتهــم «الوظيفيــة» مــع وســطاء أجانــب‪ ،‬رجــال «مهــارة وكياســة»‪،‬‬
‫أعــال‪ ...‬الــخ‪.‬‬ ‫فــإن املهمــة تُــوكَل أحيانــا إىل األقــارب البيولوجيــن‪ ،‬ألن «أوالد» أو أقــارب أصحــاب الســلطة‪ ،‬غالبــا‬
‫مــا يكونــوا ضمــن طريقــة العمــل هــذه‪ ،‬الوســيلة املميــزة للوصــول إىل «صانعــي القـرار»‪.‬‬
‫وميكــن أيضــا أن تكــون التبعيــة‪ ،‬عــى عكــس ذلــك‪ ،‬مــن جانــب خــدم مثبتــن يف جهــاز الدولــة‪ ،‬مهــا‬ ‫نذكــر يف هــذا الصــدد أن عــددا ً كبــرا ً مــن الورثــة‪ ،‬قامــوا بفتــح «رشكات ناشــئة» مخصصــة لـــ‬
‫كانــت رتبهــم‪ ،‬وهــؤالء يخضعــون ملراكــز قيــادة خارجيــة‪ ،‬مــن دوائــر األعــال أو لوبيــات النشــاط‬ ‫«االتصــاالت» وكذلــك «مكاتــب اتصــال» وعالقــات عامــة أو خدمــات اإلنرتنــت‪.‬‬
‫غــر الرســمي‪.‬‬
‫وقــد ظهــر هــذا الخلــط بــن الوظائــف واملصالــح العشــائرية والعائليــة للــرأي العــام‪ ،‬خــال‬
‫وألن العالقــة بالســلطة داخــل املؤسســات (أو عــى رأســها) تخضــع لقواعــد الــوالء لقمــة الهــرم أكــر‬ ‫املحاكــات الجاريــة حالي ـاً بفضــل الح ـراك‪ ،‬التــي أظهــرت ممتلــكات ضخمــة كان يتمتــع بهــا‪ ،‬مــن‬
‫مــا تلتــزم بــأي قاعــدة أخــرى‪ ،‬يكــون امتثــال امل ُنتَخبــن يف مختلــف الهيئــات إىل أوامــر املســؤولني‬
‫األعــى رتبــة منهــم أقــوى بكثــر مــن رغبتهــم يف إرضــاء ناخبيهــم‪.‬‬ ‫‪J. Leca et Y. Schemeiel «l’État patrimonial dans les pays arabes», in International Political - 9‬‬
‫‪Sciences Review, USA, et Rachid Sidi Boumedine, «Acteurs, pouvoir et aménagement», HDR.‬‬
‫‪ .Université de Poitiers, juin 2001‬‬
‫‪ ،Algérie1- 11‬صحيفة إلكرتونية‪ ،‬عدد ‪ 12‬آذار‪ /‬مارس ‪ .2020‬‬ ‫‪ ،Algérie1- 10‬صحيفة إلكرتونية‪ ،‬عدد ‪ 19‬آذار‪ /‬مارس ‪ .2020‬‬
‫‪73‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪72‬‬

‫األمــاك املعرضــة للحجــز‪ .‬وقــد رأينــا حــاالت يظــل فيهــا املســكن الرئيــي محمي ـاً حتــى عندمــا‬ ‫ليك نفهم كيفية عمل الدولة التي تصبح أسرية منشأ الريع وتجميعه وتوزيعه‪ ،‬لدينا مدخالن‪:‬‬
‫يغــادر الشــخص املعنــي البــاد «قبــل أيــام فقــط مــن التاريــخ املحــدد العتقالــه»‪ ،‬كــا لــو كان ذلــك‬
‫مــن بــاب الصدفــة‪.‬‬ ‫‪ -‬يفرتض األول أن املجموعات املسيطرة تحتاج يف عملية إنتاج املمتلكات والخدمات وتوزيعها‪،‬‬
‫إىل توظيــف أعضائهــا (مــن خــدم وزبائــن) يف مناصب من الهيــكل التنظيمــي العمومي‪ ،‬حتى‬
‫كــا أكــدت مختلــف محاكــات ربيــع ‪ 2020‬كيــف كان يتــم إعــداد املـراث يف أوائــل الثامنينيــات‪.‬‬ ‫يتســنى لهــا تنفيــذ األعامل واإلجـراءات الالزمة إلنتاج تلك الســلع والخدمــات أو توزيعها عىل‬
‫حيــث كان مــن املعــروف عنــد العمــوم أن العمليــات الكبرية يف إعــادة توزيــع املمتلــكات واالمتيازات‬ ‫شكل ريوع‪.‬‬
‫لصالــح أرس القــادة‪ ،‬كانــت قــد أتاحــت لتلــك األرس التمتــع بــأراض تعتــر «فائضــة» مــن األرايض‬
‫‪ -‬و يتمثــل املدخــل الثــاين يف مجمــوع القوانــن والقواعــد واإلجـراءات‪ ،‬التــي ســيقوم أولئــك‬
‫الزراعيــة العموميــة التــي متــت «إعــادة هيكلتهــا» يف ضواحــي املــدن الكبــرة‪ ،‬أو مبؤسســة امللكيــة‬
‫املوظفــون (بدايــة مــن الوزيــر إىل ســكرتري البلديــة) بـ «تشــويهها» أو تطبيقها بشــكل انتقايئ‬
‫العقاريــة الزراعيــة‪ ،‬يف مناطــق الجنــوب إلــخ‪.‬‬
‫وفقـاً ملصالحهم‪. 12‬‬
‫كيفيـة إعـداد الميـراث فـي أوائـل الثمانينيـات‪.‬‬ ‫أكـدت مختلـف محاكمـات ربيـع ‪2020‬‬
‫حيـث كان مـن المعـروف عنـد العمـوم أن العمليـات الكبيـرة فـي إعـادة توزيـع الممتلكات‬
‫شبكات‪ ،‬دوائر وريوع‬
‫واالمتيـازات لصالـح أسـر القـادة‪ ،‬كانـت قـد أتاحـت لتلـك األسـر التمتـع بـأراض تعتبـر‬
‫«فائضـة»‪.‬‬ ‫مهــا كان الشــكل الــذي تتخــذه الروابــط بــن أعضــاء شــبكة مــا أو بــن شــبكات متعــددة‪ ،‬تعمــل‬
‫عــى أســاس اح ـرام املجــاالت املخصصــة لــكل منهــا‪ ،‬تبقــى دامئ ـاً األرسة أوىل دوائــر املســتفيدين‪،‬‬
‫يف الوقــت نفســه‪ ،‬يتــم تحضــر عمليــة تســليم املشــعل لــأوالد (الذكــور أوالً ثــم يوســع ليشــمل‬ ‫وفيهــا يشــكل األوالد واألحفــاد املرتبــة األوىل (بالنســبة للم ـراث‪ ،‬ولكــن أيض ـاً للكتــان واملــواراة)‬
‫اإلنــاث) وذلــك عــن طريــق إرســالهم إىل جامعــة يف الخــارج مــع منحــة دراســية هامــة‪ ،‬وحصولهــم‬ ‫‪ ،‬ثــم الزوجــة (التــي تــرث ملــكاً يف نطــاق حــق االنتفــاع مثــل َمســكن أو أرض زراعيــة)‪ ،‬فاألشــقاء‬
‫عــى جنســية بلــد الدراســة أو عــى األقــل‪ ،‬عــى بطاقــة إقامــة فيــه‪ ،‬ثــم العــودة إىل الجزائــر الحتــال‬ ‫(الذيــن يبــدؤون بالســيطرة عــى املواقــع الحساســة مثــل الرشطــة والجــارك والرضائــب ‪ .)...‬تــأيت‬
‫مجــال مربــح حيــث «يســتثمرون» مــن دون أن يعــرف أحــد مــن أيــن تــأيت مواردهــم الضخمــة‪. 13‬‬ ‫بعدهــا دائــرة الخــدم املبارشيــن – مــن أهــال فقـراء‪ ،‬وأصدقــاء الطفولــة‪ ،‬ورفــاق املدرســة واملعهــد‬
‫و الثكنــة‪ ،‬ومــا إىل ذلــك‪ ،‬وأخ ـرا ً أعضــاء شــبكات املصالــح املشــركة‪.‬‬
‫هكــذا اتضــح أثنــاء محاكمــة رئيــس الرشطــة الســابق اللــواء عبــد الغنــي الهامــل‪ ،‬أن كل واحــد مــن‬
‫أبنائــه (ثالثــة أبنــاء وابنــة) كان ميلــك ثــاث أو أربــع شــقق وعــدة قطــع أرض‪ ،‬بعضهــا كان صناعيــا‪،‬‬ ‫يجــب أن نــدرك هنــا أن الهــدف النهــايئ بالنســبة لقــادة الشــبكات كــا ألعضائهــا هــو ضــان‬
‫وثــاث أو أربــع رشكات‪ ،‬بينــا كان اثنــان مــن بينهــا ال يـزاالن قـرا ً (‪ 17 ،16‬و‪ 19‬ســنة)‪. 14‬‬ ‫«نســخ» تنظيــم األرسة‪ ،‬نســخاً بســيطاً للحيــاة اليوميــة‪ ،‬و ُم َوســعاً عــى مــدى الطويــل‪ ،‬مــن خــال‬
‫الدفــاع عــن املصالــح املشــركة‪ ،‬وعــن اســراتيجيات التحالفــات السياســات واالقتصاديــة أو تلــك‬
‫الغريــب أن املجــاالت التــي يزعــم العديــد مــن «الخـراء» أنهــم وجــدوا فيهــا «فجــوات» و»تأخريات»‬ ‫املبنيــة عــى الزيجــات‪ ...‬إلــخ‪.‬‬
‫لهــذا الســبب يوجــد‪ ،‬حتــى يف حــال مثــول مســؤولني أمــام العدالــة‪ ،‬نــوع مــن التوافــق عــى أن مــا‬
‫‪ - 13‬يف إجابة عىل سؤال حول رشكته‪ ،‬رصح رئيس مجمع السترياد السيارات‪ ،‬كان متهامً يف محاكمة متعلقة‬ ‫يتــم إعطــاؤه للزوجــة قــد «أعطــي لــأرسة البيولوجيــة» لتأمــن عيشــها‪ .‬وقــد اكتســت هــذه الفكــرة‬
‫مبشاركته يف جمع أموال غري مرشوعة لصالح الحملة االنتخابية للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة‪ ،‬أن فارس سالل‪،‬‬ ‫أهميــة واســعة لدرجــة أنــه خــال املحاكــات‪ ،‬ميكــن أن متثــل «الزوجــات» أمــام املحكمــة مــن دون‬
‫ابن رئيس الوزراء السابق‪« ،‬اشرتى ‪ 923‬سهامً بتسعة ماليني دينار جزائري (‪ 80‬ألف يورو بسعر الرصف الرسمي)‪،‬‬ ‫أن يتعرضــن أبــدا ً لإلدانــة‪ .‬و نــادرا ً مــا يظهــر «منــزل العائلــة» (الــذي قــد يكــون حديثـاً جــدا ً) بــن‬
‫وأنه حصل بعد ثالث سنوات‪ ،‬عىل أرباح بلغت ‪ 11.5‬مليون دينار جزائري»‪ .‬يكفي إذا أن يكون الشخص ابن‬
‫فالن‪ ...‬ليكون قادرا ً عىل تحقيق ربح بأكرث من ‪ 25‬يف املئة خالل ثالث سنوات‪ ،‬هذا ما مل يسبق له مثيل يف أي مكان‬ ‫‪ - 12‬هناك جملة مشهورة قالها رئيس الوزراء بلعيد عبد السالم بعد تعيينه يف أوائل التسعينيات‪ .‬فقد أعلن أنه يريد‬
‫آخر‪ .‬‬ ‫محاربة الفساد لكنه ما لبث أن تراجع بعد شهر أو شهرين‪ ،‬قائالً إنه ال يستطيع فعل أي يشء‪ ،‬ألن عمليات االختالس‬
‫‪ - 14‬انظر إىل مقال صحيفة «الوطن» اليومية‪ ،‬بتاريخ ‪ 14‬آذار‪ /‬مارس ‪ 2020‬حول محاكمة اللواء الهامل‬ ‫هذه متت بشكل قانوين أو عىل األقل تحت غطاء القانون‪ .‬انظر‪ :‬ص ‪ 156‬من‬
‫وعائلته‪ .‬‬ ‫‪Aux sources du Hirak (Français – 1 octobre 2019 de Rachid Sidi Boumdine‬‬
‫‪75‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪74‬‬

‫الحوكمات الثالث‬ ‫‪4‬‬ ‫و «إخفاقــات» مــن طــرف الدولــة‪ ،‬مثــل قطاعــات التكنولوجيــا‪ ،‬وتكنولوجيــا املعلومــات واالتصــاالت‪،‬‬
‫والصيدلــة واالتصــاالت وغريهــا‪ ،‬هــي نفســها التــي اختارهــا هــؤالء الشــبان خريجــو الجامعــات‬
‫مــن بــن اآلليــات التــي تعتمدهــا الجامعــات التــي اســتولت عــى الدولــة لحفــظ هيمنتهــا وضــان‬ ‫الكــرى‪ ،‬إلنشــاء وإمثــار رشكات مليئــة بالوعــود‪.‬‬
‫دميومتهــا‪ ،‬هنــاك الجهــاز األيديولوجــي ومهمتــه جعــل تلــك الهيمنــة تبــدو رشعيــة‪ .‬ألنهــا بوصفهــا‬
‫قانونيــة تكــون غــر قابلــة للطعــن شــكالً‪ ،‬أمــا مــن حيــث الجوهــر فهــي أكــر مــن ذلــك بكثــر‪ ،‬إذ‬ ‫وعــى ضــوء محاكــات العــام ‪ ،2000‬تبــن أن الــركات التــي كانــت تــز ّود الســفارات والبنــوك‬
‫أن املهمــة التــي تقلدتهــا املجموعــات القياديــة باســم الثــورة‪ ،‬هــي تســيري التنميــة وحاميــة الجزائــر‬ ‫والــركات األجنبيــة الكبــرة‪ ،‬بخدمــات اإلنرتنــت كانــت تــدار مــن قبــل «أبنــاء فــان وفــان‪ .»...‬وكان‬
‫مــن أعدائهــا يف الداخــل والخــارج‪.‬‬ ‫هــؤالء «األبنــاء األعجوبــة»‪ 15‬يف بعــض األحيــان رؤســاء ألربــع أو خمــس رشكات تعمــل يف مجــاالت‬
‫مربحــة ويكــر حولهــا الجشــع‪.‬‬
‫الغمـوض المعتمـد عنـد التصـرف فـي الشـؤون العامـة ال يمثـل فقـط تراثـاً مـن الثقافـة‬
‫السياسـية فـي زمـن «حـرب التحريـر الوطنـي»‪ ،‬حيـث كانـت السـرية ُتعتبـر ضروريـة إن‬ ‫تتقاطــع هــذه الدوائــر املتداخلــة لتُك ـ ّون سلســلة أو شــبكة أو هيــكل معــزز‪ ،‬و تؤثــر عــى جميــع‬
‫لـم تكـن حيويـة‪ ،‬ولكنـه ناتـج أيضـاً عـن رغبـة فـي السـيطرة علـى المعلومة بشـكل دائم‬ ‫أجهــزة الدولــة «املفيــدة»‪ ،‬لصالــح الشــبكات‪ ،‬وذلــك بتشــييد رصح مــن التضامــن اإللزامــي ألنهــا‬
‫وحصـري‪ ،‬ألن المعلومـة سلاح إسـتراتيجي‪.‬‬ ‫تفــرض التزامــات متبادلــة مثــل تبــادل الخدمــات‪.‬‬

‫ويظهــر يف هــذا املجــال‪ ،‬أن الغمــوض املعتمــد عنــد التــرف يف الشــؤون العامــة ال ميثــل فقــط تراثـاً‬ ‫لنالحــظ أيضــاً‪ ،‬بشــكل عابــر‪ ،‬كيــف يتــم تعزيــز رصيــد املعنيــن عــى املســتوى االجتامعــي و‬
‫مــن الثقافــة السياســية يف زمــن «حــرب التحريــر الوطنــي»‪ ،‬حيــث كانــت الرسيــة ت ُعتــر رضوريــة إن‬ ‫بالتوصــل إىل إمكانــات تتجــاوز بكثــر «املجــال»‬
‫ّ‬ ‫العالئقــي‪ .‬وهــو مــا مــن شــأنه أن يســمح لهــم‬
‫مل تكــن حيويــة‪ ،‬ولكنــه ناتــج أيض ـاً عــن رغبــة يف الســيطرة عــى املعلومــة بشــكل دائــم وحــري‪،‬‬ ‫الــذي متكنــوا مــن التحكــم فيــه يف البدايــة‪ ،‬والشــبكة التــي كانــوا ينتمــون إليهــا‪.‬‬
‫ألن املعلومــة ســاح إسـراتيجي‪. 16‬‬ ‫رمبــا ينبغــي كذلــك اعتبــار نســج التحالفــات عــر اسـراتيجيات تعتمــد عــى عالقــات الــزواج كإحــدى‬
‫خصائــص النظــام النيوباترميونيــايل‪ .‬حيــث إن هــذه الزيجــات تتــم بــن أعضــاء اإلقطاعيــات الجديــدة‪،‬‬
‫ويتــم قمــع أي تقديــم للواقــع مختلــف أو ناشــز‪ ،‬ســواء كان ناتجـاً عــن العلــوم االجتامعيــة‪ ،‬أو عــن‬ ‫ولكنهــا متتــد أيضــاً يف بعــض األحيــان‪ ،‬ألشــخاص مــن ذوي الســلطة (أي أولئــك الذيــن ينتمــون‬
‫وســائل اإلعــام مهــا كان نوعهــا أو عــن أي وســيلة كانــت‪ .‬كــا يتــم تعديــل آليــات هــذه الرقابــة‬ ‫إىل دوائــر الحكــم)‪ ،‬أو إىل زيجــات مــع أف ـراد مــن دول عربيــة (عائــات أم ـراء الخليــج والعربيــة‬
‫باســتمرار بســبب تطــور تقنيــات املعلومــات واالتصــاالت‪.‬‬ ‫الســعودية‪ ،‬وقــادة فلســطني‪ ...‬إلــخ)‪.‬‬

‫يتــم قمــع أي تقديــم للواقــع مختلــف أو ناشــز‪ ،‬ســواء كان ناتجـاً عــن العلــوم االجتماعيــة‪،‬‬ ‫كـون سلسـلة أو شـبكة أو هيـكل معـزز‪ ،‬و تؤثـر علـى‬
‫لت ّ‬‫تتقاطـع هـذه الدوائـر المتداخلـة ُ‬
‫أو عــن وســائل اإلعــام مهمــا كان نوعهــا أو عــن أي وســيلة كانــت‪ .‬كمــا يتــم تعديــل‬ ‫جميـع أجهـزة الدولـة «المفيـدة»‪ ،‬لصالـح الشـبكات‪ ،‬وذلـك بتشـييد صـرح مـن التضامن‬
‫آليــات هــذه الرقابــة باســتمرار بســبب تطــور تقنيــات المعلومــات واالتصــاالت‪.‬‬ ‫اإللزامـي ألنهـا تفـرض التزامـات متبادلـة مثـل تبـادل الخدمـات‪.‬‬

‫ُيثــل القمــع عن ـرا ً أساســياً يف هــذا الجهــاز‪ ،‬ويرتكــز عــى تقليــل املحتــوى أو حــر مســاحات‬ ‫ويصبــح بالتــايل مــن الصعــب تنــاول عمــل املؤسســات و»اختاللهــا» الظاهــري بقــراءة ذرائعيــة‬
‫التعبــر التــي ميكــن أن تشــغلها آراء أو جهــات فاعلــة تُعتــر معاديــة للســلطة القامئــة‪ .‬فالقمــع‬ ‫وقانونيــة بحتــة‪ ،‬ألنــه غالب ـاً مــا يكــون كل منهــا قناع ـاً ألفعــال تخــرج عــن النطــاق العمومــي‪.‬‬
‫يســاهم إذا ً يف عمليــات تدجــن واســتعباد املجتمــع‪.‬‬

‫‪ - 15‬لطفي نزار هو رجل أعامل جزائري‪ ،‬ابن اللواء خالد نزار‪ .‬نائب رئيس رشكة ‪Smart Link Communication‬‬
‫‪ - 16‬حيث نرى أن كل يشء ُمتاح‪ ...‬وتحت السيطرة‪« :‬دعا السيد ت‪ .‬إىل إعادة بناء املجتمع املدين لحثه عىل االلتزام‬ ‫‪ ،‬مزود خدمة اإلنرتنت يف الجزائر‪ ،‬املعروفة بأنها كانت تؤ ّمن الوصول االلكرتوين إىل سفارات (خدمات التأشريات‬
‫بالرقابة الشعبية‪ ،‬وذلك من خالل تشجيع الجمعيات الخريية»‪ .‬هنا التعاليم واضحة‪ ،‬فقد عرب السيد ت‪ .‬بطريقة‬ ‫بالخصوص) وبنوك أجنبية‪ ،‬إلخ‪ .‬وقد تم سحب الرخصة منه يف العام ‪ 2020‬بعد مالحقات قانونية ضد والده‪ .‬لكن‬
‫أفضل من جميع القادة الذين سبقوه‪ ،‬عن فلسفة السلطة منذ العام ‪ .1962‬‬ ‫االبن متكن من الفرار إىل إسبانيا عىل منت يخت‪ ،‬مع صهره‪ ،‬الذي كان رئيساً لرشكة أدوية‪ .‬‬
‫‪77‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪76‬‬

‫إن نظام املحسوبية يتطلب االستبداد بقدر ما يحتاج إىل الفساد‪.‬‬ ‫والهــدف يف الواقــع هــو الحصــول عــى مــا هــو أهــم مــن االمتثــال‪ ،‬إنهــا مســألة ضــان املوافقــة‬
‫ومبــا أن القمــع يحــرر الجامعــات والشــبكات املهيمنــة مــن املعارضــات التــي تحاربهــا‪ ،‬فيمكنــه‬ ‫الكليــة عــى آراء الجامعــات املســيطرة‪ ،‬وتثبيــت قبــول الخانــع لكونــه عاج ـزا ً‪ .‬والفكــرة تتلخــص يف‬
‫أن يعــود إىل دوره املحــوري‪ ،‬وهوالقيــام بالرتتيبــات والتعديــات التــي تتطلبهــا األوســاط الدوليــة‬ ‫أن قبــول املنظومــة كــا هــي يوفــر حظوظـاً يف الربــح مــن توزيــع الريــوع‪ ،‬مــن خــال الظهــور عــى‬
‫لضــان البقــاء يف الســلطة‪ ،‬وتلــك الوطنيــة للســيطرة عــى الجامعــات املتنافســة‪ ،‬واملحليــة لضــان‬ ‫إحــدى قوائــم األشــخاص املســتحقني‪.‬‬
‫االلت ـزام واالمتثــال يف عمليــات إعــادة التوزيــع االنتقائيــة‪.‬‬
‫وال ميكــن اســتثناء الجمعيــات مــن هــذه القاعــدة‪ .‬ألن األمــر بالنســبة إليهــا ال يتعلــق فقــط بنيــل‬
‫ولكــن علينــا أن نعــود لننظــر يف الطريقــة التــي اســتولت بهــا الشــبكات عــى الدولــة‪ ،‬وكيــف تضمــن‬ ‫إعانــة‪ ،‬ولكــن بالحصــول عــى املوافقــة عــى إنشــاء الجمعيــة وتجديــد رخصــة القيــام بأنشــطة يف كل‬
‫هــذه الشــبكات الحفــاظ عــى تســلطها مــن خــال مراعــاة تــوازن القــوى‪ ،‬آخذيــن باالعتبــار القضايــا‬ ‫مــرة‪ ،‬أو رخصــة عقــد اجتــاع‪ ...‬إلــخ ‪ .17‬إىل أن ينتهــي بهــا األمــر إىل االستســام والقبــول بقواعــد‬
‫الوطنيــة والدوليــة التــي تتعامــل معهــا يف نطــاق عالقــات مقيــدة والزمــة‪.‬‬ ‫اللعبــة‪ .‬وهــذا يعنــي بالنســبة إىل بعــض الجمعيــات‪ ،‬املشــاركة يف لجنــة مــا لدعــم انتخابــات‪.‬‬
‫هنا ال بد من تسليط الضوء عىل ثالثة مستويات من الحوكمة‪:‬‬
‫يحظــر القانــون املكتــوب عــى الجمعيــات أي عمــل ســيايس‪ ،‬بينــا يتطلــب بقاؤهــا انخراطهــا يف‬
‫الحوكمة األولى‬ ‫السياســة وأنشــطتها والقبــول برشعيــة قــادة الســاعة‪.‬‬

‫يف املســتوى األول نجــد الشــأن العاملــي‪ ،‬أي العالقــات مــع القــوى العظمــى ووكالئهــا املحليــن‬ ‫وبقــدر مــا تكــون الرتاخيــص الضمنيــة التــي تخــول الزبائــن مخالفــة القانــون مفيــدة‪ ،‬ألنهــا تســمح‬
‫وأتباعهــا والحكومــات واملنظــات الدوليــة املختلفــة‪ .‬و نشــر إىل أن القــوى العظمــى تــرك ضمــن‬ ‫بتهديدهــم بالعقوبــات يف الوقــت املناســب‪ ،‬فــإن التمتــع بالقانــون‪ ،‬بالنســبة للمواطنــن‪ ،‬أف ـرادا ً أو‬
‫الوصايــة التــي متارســها عــى القــادة الحاكمــن يف الــدول‪ ،‬هامش ـاً للتــرف يشــبه إىل حــد كبــر‬ ‫مجموعــات منظمــة‪ ،‬يكــون متعلق ـاً بقبولهــم بالوصايــة‪.‬‬
‫«معارضــة» الواجهــة‪.‬‬
‫وإن كان الفســاد‪ ،‬بوصفــه انحرافــاً عــن القانــون‪ ،‬يحتــاج لــي يضمــن اســتمراره‪ ،‬إىل أقنعــة مــن‬
‫ومبــا أن مصلحــة القــوى التــي تهيمــن عــى العــامل تكمــن يف الســيطرة عــى املــوارد‪ ،‬أو احتــكار موقــع‬ ‫القانــون الرســمي‪ ،‬فهــو يحتــاج كذلــك إىل أســاليب عمــل اســتبدادية تُســتخدم ألجلهــا أشــكال القمــع‬
‫يف تــداول الســلع والخدمــات‪ ،‬فإنهــا تنتظــر مــن الدولــة املســتهدفة أن تصطــف عــى الخطــوط التــي‬ ‫املختلفــة‪.‬‬
‫وضعتهــا هــي خــارج أي اعتبــار آخــر‪.‬‬ ‫تتضــح العالقــة بيــن الحوكمــة والفســاد‪ :‬فهــي الجانــب اآلخــر مــن القمــع‪ ،‬ألنهــا تبعــث‬
‫علــى اإلحســاس بــأن «الفطنــة» تكمــن فــي االنضمــام إلــى نــادي مــن هــم األقــوى‪ ،‬وأن‬
‫وغال ًبا ما تأخذ هذه الهيمنة شكلني‪:‬‬ ‫هــذا الســلوك يكافــأ فــي اآلخــر‪ ،‬جاعــاً قيــم العمــل أو المســاواة أمــام القانــون الغيــة‬
‫يبــدو أن األبسـ ُط هــو متســك الــدول التابعــة مببــادئ تفــرض أنهــا عامليــة و يدافــع عنهــا «املجتمــع‬ ‫وباطلــة‪ .‬وكل مــن ال يلعــب «اللعبــة» يعاقــب بالحرمــان مــن نصيبــه فــي الريــع‪ ،‬وإذا أصــر‬
‫الــدويل»‪.‬‬ ‫فــي عصيانــه‪ ،‬فبالعقوبــة الجنائيــة‪.‬‬
‫وســبب هــذه الطريقــة يف الحفــاظ عــى تــوازن نســبي مــع القــوى املســيطرة هــو أيض ـاً غيــاب‬
‫االســتقاللية االقتصاديــة واملاليــة واعتــاد األوليغارشــيات املحليــة عــى ُحامتهــا و ُم َز ّوديهــا مــن‬ ‫هكــذا تتضــح إذا ً العالقــة بــن الحوكمــة والفســاد‪ :‬فهــي الجانــب اآلخــر مــن القمــع‪ ،‬ألنهــا تبعــث‬
‫األجانــب‪ .‬ال لكــون هــذه البلــدان الكــرى توفــر املدخــات التكنولوجيــة الالزمــة‪ ،‬ولكــن ألن‬ ‫عــى اإلحســاس بــأن «الفطنــة» تكمــن يف االنضــام إىل نــادي مــن هــم األقــوى‪ ،‬وأن هــذا الســلوك‬
‫الربجوازيــة املحليــة تعمــل عــى بيــع الســلع املرتاكمــة يف مخــازن الغــرب‪ ،‬فتســاهم بذلــك يف إبقــاء‬ ‫يكافــأ يف اآلخــر‪ ،‬جاع ـاً قيــم العمــل أو املســاواة أمــام القانــون الغيــة وباطلــة‪ .‬وكل مــن ال يلعــب‬
‫اقتصــاد الــدول الغربيــة يف حــال التفـ ّوق الــذي مييــزه‪ ،‬وتُــودع يف الوقــت نفســه إيـرادات عموالتهــا‬ ‫«اللعبــة» يعاقــب بالحرمــان مــن نصيبــه يف الريــع‪ ،‬وإذا أرص يف عصيانــه‪ ،‬فبالعقوبــة الجنائيــة‪.‬‬
‫يف الجنــات الرضيبيــة بالعملــة الصعبــة‪ ،‬ويف هــذه األثنــاء تهــدم طبع ـاً أي إمكانيــة تنميــة داخليــة‬
‫يف البلــدان التابعــة‪.‬‬
‫‪ - 17‬يجب تجديد ترخيص السلطات كل سنة‪ .‬‬
‫‪79‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪78‬‬

‫يف قطاعــات مثــل التجــارة غــر الرســمية‪ ،‬وأعــال البنــاء «غــر القانونيــة»‪ ،‬واحتــال األماكــن العامــة‬ ‫ونتيجــة جميــع أشــكال اقتطــاع العمــوالت هــي أن الســعر املدفــوع عــى املســتوى املحــي يصبــح ال‬
‫بــدون مــرر‪ ،‬كل ذلــك تحــت غطــاء تراخيــص وإعفــاءات متنوعــة‪ .‬وهــي عمليــة مربحــة بالنســبة‬ ‫عالقــة لــه بكميــة أو جــودة الخدمــات أو الســلع املــوردة‪ .‬كــا أن اإلفـراط يف مبالــغ الفواتــر‪ ،‬التــي‬
‫لــكل مــن يخالــف القانــون‪ ،‬ومثمــرة بالنســبة للمجموعــات املرتبطــة بســلطة الدولــة‪ ،‬ألن حصيلــة‬ ‫يُدفــع جــزء منهــا‪ ،‬متفــق عليــه مســبقاً إىل «الوســيط الجزائــري» يف حســاب مــريف خارجــي‪ ،‬غالبـاً‬
‫االســترياد (باملعنــى االقتصــادي للمصطلــح) بأســعاره املفرطــة تتــم مــن خاللهــا‪.‬‬ ‫مــا يكــون مرتبطـاً عنــد تنفيــذ العقــود بعيــوب لوحظــت يف منتجــات تســتهلك عــى نطــاق واســع‬
‫(أجهــزة التدفئــة وقطــع غيــار الســيارات وغريهــا‪ ،‬مــا يُســمى «تايــوان» يف الجزائــر) وكانــت لهــا‬
‫وتلعــب هــذه الفئــة دورا ً غايــة يف األهميــة يف تعزيــز الســلطة املحليــة واملركزيــة ألنهــا توفــر‪،‬‬ ‫آثــار قاتلــة عــى املســتخدمني‪.‬‬
‫يف الوقــت املناســب‪ ،‬حشــودا ً مــن الناخبــن املنضبطــن ملختلــف الهيئــات التمثيليــة‪ .‬كــا توفــر‬
‫مجنديــن مــن بــن أفرادهــا يســمون «بلطجيــة» باإلشــارة إىل املجموعــات املامثلــة يف مــر‪ ،‬تــوكل‬ ‫ميكننــا هكــذا التحقــق مــن وجــود ارتبــاط مفصــي قــوي وتضامــن موضوعــي بــن األوليغارشــيات‬
‫إليهــم مهمــة مامرســة العنــف الجســدي ضــد املتظاهريــن الذيــن يحملــون مطالــب قطاعيــة أو‬ ‫املحليــة‪ ،‬والقــادة السياســيني املحليــن‪ ،‬ثــم الــدول املهيمنــة‪ ،‬مــا يفــر «تســاهل» و»تفهــم»‬
‫نقابيــة‪ ،‬أو يعــرون عــن احتجاجــات سياســية‪.‬‬ ‫ســلطات هــذه القــوى األجنبيــة تجــاه قادتنــا‪.‬‬

‫أمــا الفئــة الثالثــة فتضــم «النــاس العاديــن» ممــن ليــس لهــم «رتبــة» معينــة‪ ،‬مثــل موظفــي القطــاع‬ ‫الحوكمة الثانية‬
‫العــام‪ ،‬وغريهــم مــن العاملــن‪ ،‬والفالحــن‪ ،‬إلــخ‪ ،‬الذيــن يعيشــون بفضــل أجورهــم وعملهــم‪ ،‬وال‬
‫ينتمــون إىل أي محيــط أو دائــرة‪ .‬وغالبــاً مــا تكــون ظــروف عيشــهم هشــة‪ ،‬ويصبحــون هدفــاً‬ ‫يتمثــل املســتوى الثــاين مــن الحوكمــة يف ضــان التــوازن بــن أصحــاب مصــادر وإمكانــات الدخــل‬
‫لسياســات اإلســكان املختلفــة التــي ت ُنشــئ لهــم مجموعــات ضخمــة مــن املبــاين الجامعيــة‪ ،‬غــر‬ ‫الريعــي ‪ ،‬مبــا يف ذلــك دخــل االســترياد‪ ،‬ومزوديهــم األجانــب‪.‬‬
‫املجهــزة‪ ،‬والبعيــدة عــن مراكــز املــدن‪ .‬ولكنهــا تخــول تحويــات ضخمــة ملبالــغ بالعمــات األجنبيــة‬
‫واملحليــة لصالــح رعــاة املــروع ومقاوليهــم ورشكات الواجهــة التــي يســتعملونها‪.‬‬ ‫أحيانــا يتأثــر هــذا الشــكل مــن الحوكمــة بتداعــي املفاوضــات بــن املجموعــات‪ ،‬فيتــم اتخــاذ قـرارات‬
‫حكوميــة واإلبــاغ عنهــا برسعــة ألن بعــض املجموعــات تشــعر بأنهــا محرومــة وتعــر عــن ذلــك‪.‬‬
‫وغالبــاً مــا يتــم تغيــر تســمية صيــغ املرشوعــات اإلســكانية‪ ،‬لتربيــر االســتخدام الرســمي لعبــارة‬ ‫ومــن هنــا تبــدو بعــض األحــكام والقوانــن واملراســيم واملفكـرات يف صيغــة معهــودة وشــبه شــخصية‪،‬‬
‫«ينــح لها» الســكن‪،‬‬
‫«الصيغــة الجديــدة»‪ :‬وتشــمل هــذه الصيــغ املختلفــة مجموعــات الســكان التــي ُ‬ ‫ألنهــا مبلــورة لصالــح مجموعــة أو قطــاع بذاتــه‪ ،‬وألن كراســات اإلرشــادات مصممــة عــى طــراز‬
‫واملجموعــات التــي يؤجــر لهــا (مــا يســمى بالســكن االجتامعــي)‪ ،‬وأيضـاً تلــك التــي تشــري الشــقة‪،‬‬ ‫عالمــات تجاريــة محــددة ومعروفــة‪. 18‬‬
‫كل حســب دخلــه‪ .‬لكــن غالبــاً مــا تكــون املبالــغ املكرســة إلنشــاء هــذه املشــاريع هائلــة نظــرا‬
‫لعــدد «الوحــدات» الســنوي (فهــي ت ُعتــر ســلعة وليســت مشــاريع ســكنية) الــذي يبلــغ تقريبــا‬ ‫الحوكمة الثالثة‬
‫‪ 50.000‬وحــدة يف الســنة عــى مــدى عــر ســنوات‪ .‬ومــا مييــز هــذه الربامــج‪ ،‬املســتوحاة مــن تلــك‬
‫أما املستوى الثالث من الحوكمة فيتعلق بطريقة تسيري ثالث فئات من السكان‪:‬‬
‫«املجموعــات الكبــرة» األوروبيــة أو االســتعامرية التــي كانــت ت ُبنــى يف الخمســينيات‪ ،‬هــو أيض ـاً‬
‫رداءة الصنــع وغيــاب أي إتقــان يف اإلنجــاز‪.‬‬
‫تُكـ ّون الفئــة األوىل «عناقيــد» مــن مختلــف الخــدم‪ ،‬الذيــن يعيشــون بالخصــوص مــن جميــع أنــواع‬
‫املكافــآت‪ ،‬التــي يتلقونهــا أو يقتطعونهــا عندمــا يســمح لهــم منصبهــم بذلــك‪ .‬و يكــون هــؤالء مبارشة‬
‫هــذه الفئــات الثــاث‪ ،‬التــي تســرها الحوكمــة الثالثــة‪ ،‬مجــرة عــى اســتخدام «الفســاد الصغــر»‬
‫يف خدمــة الشــبكات املركزيــة أو اإلقليميــة املرتبطــة بأجهــزة ســلطة الدولــة‪.‬‬
‫لــي تحصــل عــى خدمــة مــن املفــرض أن تكــون مــن حقهــا قانونيـاً‪ ،‬كأن تكــون مســجلة عــى قامئــة‬
‫وتشــمل الفئــة الثانيــة الســكان ككل‪ ،‬وألنهــا أوســع بكثــر‪ ،‬يبــدو أنهــا تعيــش مــن مــردود التجــاوزات‬
‫محتملــة لســكان األحيــاء الفقــرة‪ ،‬أو عــى قامئــة العائــات التــي «تســتحق ســكناً» مالمئـاً‪ ،‬أو أيضـاً‬
‫عــى قامئــة املرشــحني لـــ «العمــرة»‪ ...‬إلــخ‪.‬‬
‫‪ - 18‬هذا ما أعطي ذلك الطابع املدوي ملحاكامت رؤساء الوزراء السابقني وأولئك الذين‪ ،‬وهم أقل من عرشة أشخاص‪،‬‬
‫وهنــا نجــد تينــك الحلقتــن املرتابطتــن عــى منــوال الرقــم «‪ .»8‬يف الحلقــة العلويــة‪ ،‬يكــون للــوايل أو‬ ‫استفادوا من امتيازات يف قطاع السيارات‪ .‬وهي امتيازات منصوص عليها يف القانون‪ ،‬بينام تم إعالنها اآلن غري‬
‫للعمــدة‪ ،‬عــى أي برنامــج عمومــي‪ ،‬حصــة مــن املســاكن أو تذاكــر للعمــرة أو جــوازات ســفر خاصــة‬ ‫رشعية‪ .‬‬
‫‪81‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪80‬‬

‫«الشكل» كعنصر لترسيخ النظام‬ ‫‪5‬‬


‫بالحــج لتوزيعهــا‪ ،‬وتســمى «حصــة الــوايل»‪ .‬ويتــم تقديــم تلــك الحصــص إىل وجهــاء القــوم وعمومـاً‬
‫إىل الزبائــن‪ ،‬للتــرف فيهــا خاصــة أن الشــقة‪ ،‬حتــى مــن الطـراز البســيط‪ ،‬تبلــغ يف الســوق ثــاث‬
‫مــن الصعــب اعتــاد تفســر واحــد يجعلنــا نــدرك الطريقــة التــي تُ كــن الجامعــات الحاكمــة مــن‬ ‫أو أربــع مـرات ســعرها املحــدد إداريـاً‪ .‬ويف املقابــل‪ ،‬عــى أولئــك األعيــان أن يضمنــوا للســلطات والء‬
‫تحويــل فحــوى واســتعامل القوانــن والقواعــد واإلج ـراءات املعتمــدة وامللزِمــة‪ .‬وقــد قدمنــا بعــض‬ ‫قبيلتهــم وقريتهــم ومــا إىل ذلــك‪.‬‬
‫األمثلــة التــي تبــدو ذات صلــة يف الســياق الجزائــري‪ .‬بالنســبة لطبقــات الفســاد والنهــب العليــا‪،‬‬ ‫أمــا الحلقــة الســفىل فتبــدأ عنــد مســتوى األعــوان املكلفــن بجــرد املتواجدين يف هــذا الحــي الُ ُمه ّمش‬
‫يهــدف اســتخدام بعــض اإلج ـراءات‪ ،‬مثــل عــدم إمكانيــة تتبــع التدخــات‪ ،‬إىل حاميــة أعضــاء تلــك‬ ‫أو ذاك‪ ،‬وتســليمهم شــهادة‪ ،‬تصبــح يف واقــع األمــر «شــهادة إقامــة إداريــة»‪ ،‬ثــم «قســيمة» لتجديــد‬
‫الطبقــات مــن الهجــات الخارجيــة (كاملالحقــات أمــام محاكــم العــدل الدوليــة) واحتــال حجــز‬ ‫الســكن‪ .‬يدفــع املواطــن إذا ً ليتمكــن مــن بنــاء كــوخ بشــكل غــر قانــوين‪ ،‬أو ليتــم تســجيله كســاكن‬
‫املمتلــكات املحولــة إىل دول أجنبيــة‪ .‬أمــا عــى الصعيــد املحــي‪ ،‬فتجنبهــم تلــك اإلجـراءات التعــرض‬ ‫يف حــي عشــوايئ‪ ،‬أو كضحيــة كارثــة مــا‪ ،‬حتــى يصبــح لــه الحــق يف أن يســجل اســمه عــى قامئــة‬
‫للمحاكمــة يف حــال انعــكاس التحالفــات‪.‬‬ ‫الذيــن ينتظــرون التمتــع بســكن‪.‬‬

‫وألن الوصــول إىل الريــع بالنســبة «للوســطاء» يكــون مــن خــال موقعهــم داخــل أجهــزة الدولــة‬ ‫إن فســاد أعــوان «الوســاطة»‪ ،‬وفســاد رؤســائهم ممــن يتســرون عــى األعــال‪ ،‬يــؤدي إىل سلســلة‬
‫أو بالقــرب مــن قادتهــا‪ ،‬فــإن «الشــكل» يكــون رشطـاً رضوريـاً القتطــاع الحصــص‪ ،‬وجمــع الحصيلــة‬ ‫مــن االقتطاعــات املاليــة‪ .‬حيــث إنــه باإلضافــة إىل املبالــغ التــي تحصــل لهــم مــن «القهــوة» ويدفعهــا‬
‫املاليــة مــن رؤوس األمــوال التــي تلــف وتتحــول‪ ،‬وإعــادة توزيعهــا‪.‬‬ ‫مــن يرغــب يف إدراج اســمه عــى قامئــة مــا‪ ،‬يشــجع الفســاد أولئــك «الوســطاء» عــى االحتيــال‪،‬‬
‫فيقومــون مثــا بـ»تســجيل كاذب» ويجــد مــن دفــع نفســه ضحيــة انتظــار النهــايئ أمــاً يف أن‬
‫تشــكل «نوتــات التبايــن» يف طريقــة التحايــل عــى القوانــن وعــى القواعــد العامــة‪ ،‬أو تحويلهــا عــن‬ ‫يتمتــع يوم ـاً مــا مبســكن‪ ،‬أو يتحدثــون عــن قوائــم توزيــع ال وجــود لهــا باملــرة‪ ،‬أو أيض ـاً يوهمــون‬
‫وظيفتهــا‪ ،‬عالمــة الصنعــة لــكل تيــار ومنــط ووســيلة يف اقتطــاع الريــع‪.‬‬ ‫املواطنــن أنهــم ذاهبــون إىل املســكن الجديــد‪ ،‬ثــم وبــكل بســاطة يرتكونهــم عــى حافــة الطريــق‪،‬‬
‫(وهــو مشــهد كالســييك يف الجزائــر حيــث ميكــن مشــاهدة عائــات بحالهــا ملقــاة عــى الطريــق مــع‬
‫أمتعتهــا)‪.‬‬
‫التجاوز من فوق‬

‫يف أعــى مســتوى الهــرم‪ ،‬يفقــد مفهــوم االنتهــاك كل معنــاه تقريب ـاً‪ ،‬مبــا أن القــادة املركزيــن هــم‬ ‫بســبب حجــم هــذه الترصفــات وتزايــد االنتهــاكات‪ ،‬ال توجــد قامئــة متعلقــة بالســكن إال وتبعتهــا‬
‫املكلفــون تحديــدا بصياغــة القوانــن وإصدارهــا‪ ،‬ويكفيهــم بالتــايل صياغــة القانــون ونــص تطبيقــه‬ ‫أعــال شــغب مــن قبــل املواطنــن‪ ،‬تليهــا تحقيقــات الرشطــة‪ ،‬التــي تــؤدي بدورهــا إىل ســحب عــرة‬
‫عــى نحــو يســمح بالتحايــل عــى بعــض املتطلبــات امللزمــة‪ .‬ألن اقتطــاع الريــوع يتــم فعــا يف كثــر‬ ‫إىل ثالثــن يف املئــة مــن القوائــم عــى أســاس أن امللفــات غــر مطابقــة ملــا هــو مطلــوب‪ .‬والنتيجــة‬
‫مــن األحيــان مــن خــال إضفــاء طابــع «قانــوين» رســمي عليــه واســتخدامه بطريقــة موارِبــة‪ ،‬أو‬ ‫هــو أن عمليــة منــح املســاكن تتأخــر لعــدة أشــهر يف بعــض األحيــان‪ ،‬ألن الســلطات تعيــد باســتمرار‬
‫بتطبيــق مغلــوط للنصــوص‪ ،‬بدعــوى أن الظــرف يقتــي «العجلــة» مــن أجــل «املصلحــة العليــا‬ ‫فحــص قوامئهــا خشــية ردود فعــل مامثلــة‪.‬‬
‫للبــاد»‪ ،‬فيقــع بذلــك تربيــر االســتثناءات التــي تــأيت «مــن فــوق» (وغالبـاً مــا نســمع بعضهــم يقــول‪:‬‬
‫«لقــد أتانــا األمــر مــن فــوق»)‪.‬‬ ‫أمــا أولئــك الذيــن تسـ ّـرهم الحوكمــة الثانيــة‪ ،‬فــا يلجــأون إىل هــذا النوع مــن الفســاد‪ ،‬ألن الخدمات‬
‫متاحــة لهــم وفقـاً ملواقعهــم يف التسلســل الهرمــي للشــبكات وكثافــة التبــادالت بينها‪.‬‬
‫و مبــا أن الجامعــات املهيمنــة ومــن يتبعهــا تســيطر بالكامــل عــى عمليــات اســتقطاب وتوزيــع‬
‫الريــع‪ ،‬يكفيهــا إنشــاء آليــات قانونيــة وتنظيميــة جديــدة حتــى ميكــن لهــا تخصيصــه ألشــخاص أو‬
‫مجموعــات معيّنــة‪ .‬والهــدف مــن هــذا املســار القــري هــو إضفــاء غطــاء «قانــوين» عــى تلــك‬
‫العمليــات وبالتــايل االحتــاء مــن املقاضــاة مــن قبــل الفــرق املنافســة كــا رشحنــا أعــاه‪.‬‬

‫و لكــن‪ ،‬نظ ـرا ً إىل أنــه ال بــد لألحــكام القانونيــة أو التنظيميــة أن تحافــظ عــى مــا يشــبه اح ـرام‬
‫‪83‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪82‬‬

‫ـخصن»‪ ،‬ويقــال‬
‫املواصفــات متام ـاً‪ .‬حتــى أنــه ميكــن القــول إن ك ـراس الــروط « ُمشـ َ‬ ‫املســاواة بــن املواطنــن والــركات ومــا إىل ذلــك‪ ،‬ألجــل اإلقـرار بهــا‪ ،‬يتــم وضــع عــدة طــرق عمــل‬
‫أحيان ـاً «زائــف» ألنــه ُح ـ ِّرف لــي يتوافــق مــع ملــف شــخيص معــن‪.‬‬ ‫لتخطــي العقبــات‪:‬‬

‫ •التالعــب بعمليــة نــر املناقصــات‪ : 19‬لــي ميكــن إعــداد تخصيــص صفقــة حســب‬ ‫ •الصيغــة ‪ :1‬تُعلَّــل النصــوص أو األحــكام التنفيذيــة‪ ،‬بــرورة دراســة جميــع حــاالت‬
‫صيغــة «االتفــاق املتبــادل»‪ ،‬أي دون فــرز بــن متنافســن‪ ،‬تتعمــد بعــض اإلدارات نــر‬ ‫قابليــة تطبيــق القانــون أو عــدم قابليتــه‪ ،‬لتــرك خرقــاً ُيكّنهــا مــن حشــو حــاالت‬
‫اإلعــان عــن املناقصــة يف ُص ُحــف ضعيفــة التوزيــع‪ ،‬بحيــث ال تتلقــى املناقصــة ردودا ً‪،‬‬ ‫«اســتثنائية» ومــن تربيــر ظهــور حقــوق لصالــح أشــخاص أو جامعــات مل يكــن القانــون‬
‫وبالتــايل يتــم إعالنهــا «غــر ذات جــدوى»‪ .‬و يتحــول التفــاوض عــى الصفقــة بهــذه‬ ‫األصــي يشــملهم باالســتفادة مــن أحكامــه‪.‬‬
‫الطريقــة عــى مســتوى االتفــاق املتبــادل بــن اإلدارة ومــن اختارتــه ليفــوز بالصفقــة‪.‬‬
‫ •الصيغــة ‪ :2‬تحتــوي كل أنــواع النصــوص القانونيــة التــي متنــح الحقــوق (العقاريــة‪،‬‬
‫ •هنــاك أيضــا عمليــة مرتبطــة بالســابقة‪ ،‬تتمثــل يف تســليم الصفقــة لصاحــب «أضعــف‬ ‫املاليــة‪ ،‬مختلــف الرتاخيــص‪ ،‬ومــا إىل ذلــك) عــى مــا يســمى بنــد «املصلحــة الوطنيــة»‬
‫عــرض» بعــد مــا يتــم إبالغــه مســبقاً (انظــر أعــاه)‪ ،‬ثــم‪ ،‬نظـرا ً لضآلــة مبالــغ الصفقــة‪،‬‬ ‫وهــو ملــزم للجميــع‪ .‬وباســم هــذا املبــدأ تحديــدا‪ ،‬يتــم تخصيــص إعفــاءات متعــددة أو‬
‫تتــم إضافــة تعديــات ترفــع تلــك املبالــغ بشــكل كبــر إىل درجــة أنهــا تصــل أحيانـاً إىل‬ ‫حقــوق تعلــو عــى القاعــدة‪ ،‬ألفـراد أو جامعــات‪ .‬ويف بعــض األحيــان يكفــي أن تعتمــد‬
‫ضعفهــا بينــا ال يســمح القانــون مبثــل تلــك الزيــادات إال يف حــدود عــرة يف املئــة مــن‬ ‫هــذه العمليــة عــى مؤهــل واحــد (كلمــة «مســتثمر» مثــا) حتــى يتــم اختيــار مــن‬
‫املبلــغ األويل‪.‬‬ ‫ميكنــه التمتــع بتخصيــص انتقــايئ‪ ،‬مــن دون تحديــد طبيعــة االســتثامر أو حجمــه وال‬
‫رشوطــه‪.‬‬
‫ميكننــا إذا ً أن نــدرك أن للفســاد طابعـاً ترتيبيـاً ونظاميـاً يف الطريقــة التــي يتــم بهــا تخصيــص الريــع‬
‫عــر اآلليــة املتعلقــة بالصفقــات العموميــة‪ .‬ويكشــف لنــا هــذا كيــف أن العمليــة برمتهــا تخضــع‬ ‫باإلضافــة إىل هــذه األحــكام شــبه الترشيعيــة (التــي تأخــذ شــكل القانــون)‪ ،‬هنــاك مامرســات تســمح‬
‫ملراقبــة وتنظيــم وهيكليــة‪ ،‬وبالتــايل إىل توزيــع مهــام‪ . 20‬وتهــدف هــذه اآلليــة إىل التخفيــض مــن‬ ‫للســلطات مبنــح الصفقــات إىل مقربــن مــن القــادة‪ ،‬وذلــك باســتخدام إج ـراءات مختلفــة‪ ،‬نذكــر‬
‫قيمــة القانــون ألنهــا تســمح للفســاد بتقديــم «الريــع غــر املــرر» عــى أنــه «قانــوين أو تنظيمــي»‪.‬‬ ‫منهــا‪:‬‬

‫التعتيم وتسويغ طرق عمل الدولة كشرط ضروري‬ ‫ •التــداول مــن الداخــل‪ ،‬الــذي يتمثــل يف تخصيــص معلومــة أو أكــر متعلقــة بظــروف‬
‫الصفقــة‪ ،‬عنــد نــر مناقصــة عامــة (مثــل حجــم االعتــادات املخصصــة للعمليــة‪،‬‬
‫ال جــدوى ترتجــى مــن التوقــف عنــد معرفــة أمنــاط الحوكمــة‪ ،‬إذا مــا اقترصنــا يف هــذه الدراســة عــن‬ ‫املواصفــات الفنيــة‪ ،‬املــوارد املطلوبــة‪ ...‬إلــخ‪ ).‬ملرشــحني معينــن بحيــث يكــون عرضهــم‬
‫الفســاد‪ ،‬عــى اعتبــار التعتيــم مجــرد نقــص يف املعلومــات‪ ،‬ألن املســألة تكمــن يف معرفــة الكيفيــة‬ ‫أقــرب مــا ميكــن مــن متطلبــات اإلدارة‪ ،‬و تتضاعــف بذلــك حظوظهــم يف الحصــول عــى‬
‫التــي تُدفــع بهــا مؤسســات الدولــة نحــو توزيــع الريــوع بشــكل انتقــايئ عــى مســتفيدين معينــن‪،‬‬ ‫الصفقــة‪ .‬وباإلضافــة إىل أن اإلدالء بهــذه املعلومــات يكــون بطبيعــة الحــال لصالــح‬
‫مــن دون التعــرض إىل عقبــات‪.‬‬ ‫أعضــاء «الشــبكة»‪ ،‬فــإن العمليــة تعتمــد أيضــاً عــى التعتيــم عــى رشوط إعــداد‬
‫الصفقــات‪ ،‬التــي مــن املفــرض أن تكــون «رسيــة» طــوال مــدة إجــراء املناقصــات‬
‫‪ - 19‬يُشتبه يف أن بعض الصحف قد أنشئت لتكون فقط وسيلة ملثل هذا التالعب من قبل مختلف الوزارات أو‬ ‫الوطنيــة والدوليــة‪.‬‬
‫املؤسسات العامة‪ .‬ويتم تشغيلها بفضل منحها إعالنات القطاع العام‪ ،‬ألن عدد قرائها ال يكفي لضامن بقائها‪ .‬وقد‬
‫كشف مقال صحايف أخريا ً أن نجم كرة قدم سابق كان ميلك صحيفتني يوميتني‪ ،‬مل تصدرا إال مرات قليلة‪ ،‬لكنهام كانتا‬
‫تحصالن شهريا عىل عائدات إشهارية (إعالنية) كبرية‪ .‬ومل يقم الشخص املعني بتكذيب ما جاء يف املقال‪ .‬‬ ‫ •إعــداد كراســات الــروط التــي تشــمل بنــود عامــة (تُســمى البنــود اإلداريــة)‬
‫ومواصفــات فنيــة متعلقــة بتنفيــذ األعــال أو الخدمــات املنصــوص عليهــا يف الصفقــة‪.‬‬
‫‪ - 20‬بالنسبة ألنواع معينة من الصفقات (خاصة املتعلقة بالبنية التحتية)‪ ،‬يُعرف «املتمتعون» بأهم املشاريع ويعرف‬
‫عددهم‪ .‬وتوجد أيضاً «رشكات محلية» معروفة تلعب دور االستقطاب نفسه عىل مستويات أقل وملشاريع صغرية‪،‬‬ ‫ويحــدث هنــا التالعــب بك ـراس الــروط يف بنــوده اإلداريــة‪ ،‬الســيام يف املواصفــات‬
‫وهذا ال يعني أنها ليست ذات أهمية‪ .‬‬ ‫املتعلقــة باختيــار املرشــحني‪ ،‬بحيــث يســتويف هــذا املرشــح املعــروف أو ذاك‪ ،‬تلــك‬
‫‪85‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪84‬‬

‫لذلــك نحــن أمــام جهــاز يو ّجــه اإلســنادات لصالــح أشــخاص معينــن‪ ،‬مــن جهــة‪ ،‬ويعاقــب أولئــك‬ ‫يف هــذه الحــال‪ ،‬يكتــي التعتيــم بعــدا ً آخــر مــن حيــث إنــه يُســتعمل كمغلــف وأداة لحجــب‬
‫الذيــن يعتقــدون أن بإمكانهــم تجــاوزه‪ ،‬مــن جهــة أخــرى‪ .‬عل ـاً أن «الصناديــق الســوداء» حيــث‬ ‫الطريقــة التــي تتوخاهــا الدولــة وفروعهــا يف منــح امليــزات بشــكل انتقــايئ‪.‬‬
‫يحــدث كل ذلــك‪ ،‬تخضــع إلرشاف رئيــس الــوزراء مبــارشة (الوكالــة الوطنيــة لتطويــر االســتثامر‪،‬‬
‫املجلــس الوطنــي لالســتثامر‪.)...،‬‬ ‫خــال محاكمــة املديــر العــام الســابق لألمــن الوطنــي الج ـرال عبــد الغنــي الهامــل‪ ،‬كانــت إجابــة‬
‫ابــن الجـرال عــى ســؤال املدعــي العــام عــن كيفيــة حصولــه عــى أرض صناعيــة مهمــة بينــا كان‬
‫ويط ّبــق تأثــر «الصنــدوق األســود» عــى صفقــات الخدمــات أيضـاً‪ ،‬فيــا يتعلــق بدراســات األشــغال‬ ‫عمــره ‪ 19‬عامـاً فقــط‪ ،‬كــا يــي‪« :‬لقــد قدمــت مطلبــي كمواطــن عــادي‪ ،‬فأجابــوين ودفعــت حقوقــي‬
‫الكــرى (النفــط والغــاز‪ ،‬واألشــغال العامــة‪ ،‬وقطــاع الهيدروليــكا) أو الدراســات اإلسـراتيجية (التوريد‪،‬‬ ‫كعامــة النــاس»‪ . 21‬يفهــم هنــا كل يشء مــا مل يُقــال‪ ،‬مبــا أنــه يتــم دامئــاً‪ ،‬كــا أكدنــا‪ ،‬احــرام‬
‫التمويــل‪ ،‬التنميــة االقتصاديــة‪ ،‬إلــخ‪ ).‬التــي تــوكل إىل مكاتــب دراســات دوليــة وتدفــع أجورهــا‬ ‫الشــكل‪ .‬ومــن خــال لجوئــه إىل التفاهــة‪ ،‬بــ ّرأ املتهــم نفســه مــن جميــع االتهامــات‪ ،‬مســتنجدا ً‬
‫بالعملــة األجنبيــة‪ .‬ويطبــق كذلــك لصالــح الزبائــن‪ ،‬فيــا يتعلــق مبشــاريع أقــل أهميــة (لكنهــا تبقــى‬ ‫بوضــوح نــص القانــون‪.‬‬
‫مهمــة) وتدفــع بالدينــار الجزائــري‪.‬‬
‫ولكــن كان مــن املعــروف أيضـاً أن العديــد مــن أصحــاب األعــال ال يتلقــون أي ر ٍد عــى مطالبهــم‪،‬‬
‫ويُـ َـرر اللجــوء إىل املكاتــب األجنبيــة بعــدم كفــاءة االختصاصيــن الجزائريــن‪ ،‬بينــا نعلــم أنــه قــد‬ ‫مبــا يف ذلــك أكرثهــم ث ـرا ًء مثــل يســعد رب ـراب‪ ،‬الــذي أعلــن عــدة م ـرات يف الصحافــة أن مطالبــه‬
‫تــم تفكيــك املكاتــب املحليــة وإجبــار الكفــاءات الوطنيــة عــى االغـراب‪ 22‬إن مل يكــن العمــل عــى‬ ‫ظلــت مــن دون إجابــة ملــدة ســنوات‪.‬‬
‫تهميشــهم بســبب رفضهــم لالنصيــاع‪.‬‬
‫مــن املهــم أن نشــر أن لهــذه األنظمــة التفضيليــة يف الواقــع (قبــول ملــف‪ ،‬والــر ّد عليــه بشــكل‬
‫وطالــت عمليــة التدمــر نفســها رشكات القطــاع العــام الكــرى‪ ،‬يف أوائــل الثامنينيــات‪ ،‬يف حــن بــدأت‬ ‫إيجــايب) امتــداد مامثــل يشــكله نظــام «عقوبــات» ت ـراوح درجاتهــا مــن رفــض ترخيــص االســتغالل‬
‫تصــدر خربتهــا إىل العديــد مــن البلــدان‪ ،‬مبــا يف ذلــك إىل أوروبــا والواليــات املتحــدة‪ .‬وعــى الرغــم‬ ‫مبجــرد إنهــاء بنــاء املصانــع‪ ،‬إىل تجميــد املــواد يف املينــاء‪ ،‬أو حتــى األمــر بإرجــاع تلــك املــواد أو‬
‫مــن ذلــك تــم تربيــر اســتخدام الــركات األجنبيــة (اإليطاليــة‪ ،‬الرتكيــة‪ ،‬الصينيــة) بدعــوى عــدم‬ ‫البضائــع مــع املطالبــة بدفــع غرامــات‪ ...‬إلــخ‪.‬‬
‫وجــود رشكات جزائريــة ذات كفــاءة‪.‬‬
‫ويف مثــال وحــدة «‪ ،»Evcon‬التــي كانــت ســتنتج‪ ،‬باســتخدام تقنيــة خاصــة وجديــدة‪ ،‬ميــاه غايــة‬
‫ويف إطار»الـراكات» التــي تقــدم عــى أنهــا طريقــة مقاربــة جديــدة‪ ،‬ليــس هنــاك مــا مينــع إعطــاء‬ ‫يف النقــاء‪ ،‬مخصصــة للصيدليــات واملستشــفيات‪ ،‬دليــل واضــح‪ :‬يف البدايــة تحصلــت الوحــدة عــى‬
‫األولويــة يف الصفقــات الكبــرة لعضــو يف دائــرة الحكــم‪ ،‬ومــن خاللــه‪ ،‬لــركات أجنبيــة‪ ،‬أعضــاء يف‬ ‫ترخيــص‪ ،‬لكــن حاملــا وصلــت اآلالت إىل املينــاء‪ ،‬أوقفتهــا مصالــح الجــارك ألســباب تتعلــق بالتســعري‬
‫االتحــاد الــذي يتــم تأسيســه لهــذا الغــرض‪.‬‬ ‫الجمــريك‪ .‬ويف نهايــة األمــر زُج بالرئيــس املديــر العــام يف الســجن وحكــم عليــه بدفــع غرامــات‬
‫باهظــة‪.‬‬
‫إن الح ـ ّد مــن القــدرات الوطنيــة‪ ،‬وضيــاع الكفــاءة مــن خــال القضــاء عــى أكــر تلــك القــدرات‬
‫فعاليــة‪ ،‬أشــخاصاً كانــوا أو رشكات‪ ،‬حتــى وإن اقتــى األمــر بجعــل الرمــوز مــن بــن الكــوادر‪ ،‬ميــرون‬ ‫كان مــن املمكــن اعتبــار الحادثــة مجادلــة بســيطة بــن هــذا املســتثمر واإلدارة‪ ،‬إن مل تكــن هنــاك‬
‫عــر مربــع «الســجن» لكرسهــم وتلقــن درس بهــم لغريهــم‪ ،‬يشــكل الذريعــة األوىل لتربيــر اللجــوء‬ ‫ســابقتني‪ :‬الصعوبــات التــي واجههــا الســترياد معــدات رشكــة لطحــن فــول الصويــا (رفــض رخصــة‬
‫إىل الخــارج‪ .‬ألن هــذه العمليــة تســمح بجمــع الريــوع بالعمــات األجنبيــة وليــس بالدينــار الجزائري‪،‬‬ ‫البنــاء‪ ،‬ثــم منــع تنزيــل أجهزتهــا يف املوانــئ‪ ،‬ثــم رفــض رخصــة الجــارك‪ ،‬ومــا إىل ذلــك)‪ .‬لكــن يظهــر‬
‫يف الواقــع أن املشــكلة بــدأت عندمــا مل يوافــق هــذا املشــغل‪ ،‬القريــب جــدا ً مــن دوائــر الســلطة‪،‬‬
‫عــى املســاهمة يف متويــل الحملــة االنتخابيــة للرئيــس عبــد العزيــز بوتفليقــة يف العــام ‪.2004‬‬
‫‪ - 22‬كشفت املقابالت التي أجريت مع األطباء املتخصصني يف فرنسا خالل وباء الكوفيد ‪ 19‬وجودا ً مكثفاً ألطباء‬
‫جزائريني بني مديري مصالح الطوارئ والرعاية املركزة‪ .‬من منا ال يذكر قمع األطباء املقيمني يف الجزائر خالل سنة‬
‫‪2018‬؟ ‬ ‫‪ - 21‬صحيفة «الوطن»‪ ،‬بتاريخ ‪ 14‬آذار‪ /‬مارس ‪ 2020‬‬
‫‪87‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪86‬‬

‫مـا أدى إىل إهمال كبير‪ ،‬وعمليـات توزيـع وإعـادة توزيـع ال مثيـل لهـا‪ ،‬سـواء مـن حيـث حجمها أو‬ ‫وهــو عملــة أصبــح أعضــاء الدوائــر القريبــة مــن الســلطة ميلكــون منهــا املليــارات‪.‬‬
‫طبيعتهـا املمنهجة‪.‬‬
‫والغريــب أن كل عمليــات التوزيــع هــذه تكــون مصحوبــة بتهديــدات تــأيت عــى منــوال التذكــر مبــا‬ ‫التجاوز من األسفل أو «اإلدارة الديمقراطية للحشود»‬
‫هــو ممنــوع قانون ـاً‪ ،‬ولكــن مــن دون أن يصــل ذلــك إىل حيــز التنفيــذ‪ .‬وهــي ليســت تهديــدات‬
‫عبثيــة‪ ،‬كــا قــد نعتقــد‪ .‬إنهــا يف الواقــع إشــارات للخادمــن و»عناقيــد» زبائنهــم تعنــي أن اإلباحــة‬ ‫ليك ال نقترص عىل رسد النوادر‪ ،‬سنعمل عىل تصنيف استنتاجاتنا‪:‬‬
‫التــي يتمتعــون بهــا ميكــن أن تصبــح يف أي وقــت مــن دواعــي العقوبــة إذا تــم تجــاوز حــدود قواعــد‬
‫‪ -‬ظهــر للمــرة األوىل يف الصحافــة مصطلــح مختلــف عــن مصطلــح «الفســاد» املعتــاد‪ ،‬والــذي يحيــط‬
‫اللعبــة بشــكل واضــح‪.‬‬
‫بــه كثــر مــن االلتبــاس‪ ،‬وهــو «النهــب املنظــم»‪ ،‬كــا كتبتــه صحيفــة «الخــر» الناطقــة بالعربيــة‬
‫يف عددهــا الصــادر يف ‪ 19‬آذار‪ /‬مــارس ‪ .2020‬وقــد أكّــدت هــذه الصحيفــة عــدة مـرات عــى هــذه‬
‫املامرســات وقدمتهــا عــى أنهــا «فســاد»‪ ،‬يف بعديــه األخالقــي والدينــي‪.‬‬

‫‪ -‬ثـم كيـف يخـول االنتماء إىل العائلـة البيولوجيـة ألحد أقوياء الشـبكات ‪ -‬ونتحدث هنا عن الشـبكة‬
‫املهيمنـة‪ ،‬املقربـة مـن الرئيـس السـابق‪ - 23‬انتهاك القوانين والقواعد بصفة منتظمة‪ ،‬مـن دون اتخاذ‬
‫تدابير اسـتثنائية‪ .‬كان ابـن الجنرال الهامـل‪ ،‬على سـبيل املثال‪ ،‬يبلغ مـن العمر ‪ 17‬سـنة‪ ،‬ومع ذلك‬
‫حصـل على أراض بصفتـه صاحـب مصالـح صناعية‪ ، 24‬ومتتع مبسـاكن عىل أسـاس أنـه مواطن‪ ...،‬عىل‬
‫الرغـم مـن أن القانـون يقصر املنـح على منـزل واحـد‪ .‬و قـد تـم اسـتبعاد العديـد مـن املواطنني من‬
‫قامئـات رشاء املسـاكن‪ ،‬كما رأينـا أعلاه‪ ،‬على الرغـم مـن أنهـم دفعـوا مسـبقاً مبلـغ املسـكن العائيل‬
‫منـذ أن كان أطفالهـم صغـارا ً‪ .‬ولهـذا نتحـدث عـن حقـوق مفرطة لبعض األشـخاص‪ ،‬ألن امليـزات التي‬
‫يحصلـون عليهـا «خارجة عـن القانون»‪.‬‬

‫يف النظــام الزبائنــي تُ ثــل مخالفــة القوانــن الرســمية مــن قبــل الجامعــات املســيطرة وخدامهــا‪ ،‬مــن‬
‫دون أن يكــون ذلــك متبوعـاً بعقــاب‪ ،‬طريقــة معادلــة مبتذلــة‪ ،‬وتُعتــر مرشوعــة‪.‬‬

‫ال يهـم هنـا كيـف يتـم تجـاوز هـذه الحـدود وارتـكاب هـذه املظـامل (أي عـدم املسـاواة التـي يُنظـر‬
‫إليهـا على أنهـا متييـز)‪ ،‬ما دامت قـد أدت إىل عمليات أكرث شـعبوية‪ ،‬مـن جانب السـلطات العمومية‬
‫– على األقـل طاملـا كانـت املـوارد املاليـة الناتجـة عـن تصديـر املحروقـات تسـمح بذلـك ‪ – 25‬وهـذا‬

‫‪ - 23‬كيف كان الرئيس السابق يتدبر األمور؟ هل كان يترصف مبارشة يف إدارة الشبكة املسيطرة‪ ،‬أم فوض هذه املهام‬
‫ألخيه وللمجموعة التي كانت تحيط به‪ ،‬إلخ؟ من املؤكد أننا لن نحصل أبدا عىل جواب‪ .‬لكن ُعرف أشخاص مثل‬
‫الرئيس السابق للرشطة بكونهم مقربني جدا ً من الرئيس‪ ،‬األمر الذي منحهم منظومة حقوق جد خاصة‪ .‬‬
‫‪ - 24‬كان اإلخوة األربعة‪ ،‬ذكورا وإناثا‪ ،‬قارصين‪ ،‬ومع ذلك ميلكون ‪ 34‬رشكة مزدهرة‪ ،‬وعرش شقق لكل منهم‪ ،‬مع‬
‫قطعتني أو ثالث من األرايض الصناعية (انظر صحيفة «الوطن» األربعاء ‪ 3‬حزيران‪ /‬يونيو‪ ،‬تحت عنوان «محاكمة‬
‫رئيس البوليس السابق عبد الغني الهامل‪ :‬والة يشريون اىل ضغوط وتهديدات»‪.‬‬
‫‪ - 25‬انظر‪ :‬مجلة «نقد»‪ ،‬العدد ‪ 25‬املخصص ملسألة الريع‪ .‬‬
‫‪89‬‬ ‫الجزء االول ‪ :‬الجزائر‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪88‬‬

‫ويكشــف الــكالم العــادي عــن هــذه املامرســات املتعــددة‪ ،‬مــن ذلــك عــى ســبيل املثــال‪ ،‬تعريــف‬ ‫خاتمة عامة‬ ‫‪6‬‬
‫شــخص بأنــه «متاعنــا» أي أننــا «منلكــه ونُسـ ّـره» وأنــه مــن «املقربــن إلينــا»‪ ،‬وبالتــايل يتــم تحديــد‬
‫وضعــه كخــادم ينتمــي إىل جامعــة الشــخص الــذي َع ّرفَــه بهــذه الطريقــة‪.‬‬ ‫مــن الــروري يف هــذه املرحلــة‪ ،‬أن نعــود إىل الطريقــة التــي يتــم عــى منوالهــا تشــابك قواعــد‬
‫اللعبــة واألســاليب التــي تســتخدمها املجموعــات املســيطرة لضــان دميومــة هيمنتهــا وإمكانيــة‬
‫إن هــذا التقاطــع بــن األســس املتعــددة التــي تُبنــى عليهــا الرشعيــة واملصالــح املشــركة واملتشــابكة‪،‬‬ ‫جمــع وتوزيــع الريــوع مــن جهــة‪ ،‬وتلــك القواعــد واألســاليب الواضحــة التــي متيــز الدولــة الحديثــة‬
‫هــو الــذي عــزز ذلــك النمــط «الســلطاين» للســلطة الــذي أدخلــه بوتفليقــة وأعطــى مــن خاللــه‬ ‫مــن جهــة أخــرى‪ .‬ال ســيام وأنــه ال بــد لتلــك املجموعــات مــن أن تتظاهــر باحـرام مــا مييــز الدولــة‬
‫تلــك العنجهيــة الغالبــة ملجتمــع جديــد ع ّجــل بإطاحتــه‪.‬‬ ‫الحديثــة‪ ،‬ألن أي فشــل جــي ميكــن أن يتســبب لهــا يف فقــدان وظائفهــا‪ ،‬إن مل تكــن حريتهــا أو‬
‫حياتهــا‪.‬‬
‫ولكن من الذي يضط ّر إىل اللجوء إىل الفساد يف مثل هذه الظروف؟‬
‫يبــدو واضحــا أن تلــك املجموعــات (و‪ /‬أو خ ّدامهــا) تلجــأ‪ ،‬خــال هــذه اللعبــة الدامئــة‪ ،‬وعندمــا ال‬
‫ال يتعلق األمر دامئاً بدفع مبالغ أو تسليم أمالك أو خدمات من دون حق‪.‬‬ ‫ميكنهــا تســخري القانــون بشــكل مبــارش لخدمــة مشــاريعها‪ ،‬إىل تجــاوز القوانــن بدرجــات مختلفــة‪.‬‬
‫وتشــكل هــذه التجــاوزات بدورهــا وســيلة وفــرة مــن الوقــت لتثبيــت املعادلــة وضــان الحوكمــة‬
‫لــي نفهــم نظــام الفســاد بكاملــه‪ ،‬ال بــد مــن أن نفــرض أن هنــاك نوعـاً مــن التامثــل بــن الضغــط‬ ‫واســتبقاء النظــام الســيايس واالجتامعــي‪.‬‬
‫الــذي يرغــم البعــض عــى اللجــوء إىل الفســاد ألنهــم «خــارج» الشــبكات‪ ،‬والوفــرة املفرطــة بالنســبة‬
‫لآلخريــن‪ ،‬يف التحصــل عــى املمتلــكات‪ ،‬حســب مرتبــة كل واحــد مــن أعــوان أو أعضــاء الشــبكة‪.‬‬ ‫وعندمــا ال تكــون التجــاوزات رسيــة‪ ،‬وحتــى تضمــن الشــبكات «قبــول» جمــع الريــوع وتوزيعهــا‬
‫االنتقــايئ‪ ،‬يصبــح مــن الــروري‪ ،‬كاملعتــاد يف مثــل هــذه الحــاالت‪ ،‬أن يعــري العمليــات يشء مــن‬
‫وبالتــايل فــإن الفســاد هــو يف الوقــت نفســه‪ ،‬جــزء ال يتجــزأ مــن نظــام املحســوبية وأداة لتســيري‬ ‫الرشعيــة االجتامعيــة‪ ،‬أو عــى األقــل أن يتــم قبولهــا‪ ،‬حتــى يُحفــظ النظــام االجتامعــي‪.‬‬
‫الحشــود‪.‬‬
‫باختصــار وحســب القوانــن االجتامعيــة واألخــاق‪ ،‬فــإن مــا هــو رشعــي يكتــي طابــع األولويــة‬
‫لقــد انهــار الــرح جزئي ـاً يف الجزائــر‪ ،‬عــى الرغــم مــن أن أج ـزاء كبــرة مــن الشــبكات املهيمنــة ال‬ ‫بالنســبة إىل مــا هــو قانــوين رش َط أال يحصــل مــن قــام بالفعــل عــى أي ربــح ظاهــر (؟) مــن فعلــه‪،‬‬
‫تـزال قامئــة‪ ،‬أصبــح املســؤولون الســابقون‪ ،‬ممــن كانــوا يحتلــون أعــى الهــرم‪ ،‬بدورهــم ضحايــا هــذا‬ ‫باســتثناء الرضــا املعنــوي املتــأيت مــن إحساســه بأنــه قــام بالواجــب‪. 26‬‬
‫التحويــر باســم القانــون‪.‬‬
‫النهــب املبــارش هــو ذلــك الــذي يتعاطــاه املســؤول الكبــر مســتغالً منصبــه لـــ «اســتالم» ملــك أو‬
‫خدمــة مــن الدولــة‪ ،‬عــى أنــه «مواطــن بســيط ق ـ ّدم مطلبــا يف ذلــك الشــأن»‪ .‬لكــن الواقــع يفنــد‬
‫متامـاً مثــل هــذه الترصيحــات‪ ،‬ألن األشــخاص ذوي الجــاه ميكنهــم وحدهــم دون غريهــم‪ ،‬ووفقـاً لـــ‬
‫«رتبتهــم»‪ ،‬الوصــول إىل مصــادر تخصيــص األمــاك العموميــة‪.‬‬

‫يكــون مــن األصــح أن نتحــدث هنــا عــن املخادعــة‪ ،‬التــي تعنــي‪ ،‬وفق ـاً للتعاريــف املتفــق عليهــا‪،‬‬
‫«الخــرق الخطــر مــن قبــل مســؤول أو رجــل دولــة لواجبــات منصبــه (تجــاوز يف اســتخدام الســلطة‪،‬‬
‫اختــاس األمــوال العامــة‪ ،‬فســاد)‪ .‬ومرادفهــا هــو الخيانــة»‪.‬‬

‫‪ - 26‬رشيد سيدي بومدين‪- L’urbanisme : une prédation systémique (méthodique) dans un champ structuré ،‬‬
‫«نقد» عدد ‪ 25‬فساد ونهب‪ ،‬الجزائر‪ .2006 ،‬‬
‫‪91‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪90‬‬

‫‪02‬‬
‫الجزء‬
‫ُ‬

‫العراق‬
‫‪93‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪92‬‬

‫الفساد كطريقة حكم‬


‫في العراق‬
‫ما بعد ‪2003‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬محسن أحمد علي‬
‫د‪ .‬عبد الرحمن المشهداني‬
‫مساهمة وتدقيق عمر الجفال‬

‫أ‪.‬د‪ .‬محسن أحمد علي بروفيسور يف االقتصاد السيايس من جامعة البرصة يف العراق‬
‫د‪ .‬عبد الرحمن المشهداني استاذ يف «الجامعة العراقية»‬
‫عمر الجفال كاتب وباحث من العراق ‬
‫‪95‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪94‬‬

‫‪100-96‬‬

‫‪...‬‬
‫مقدمة‬

‫‪110-101‬‬
‫التحوالت السياسية يف العراق ما بعد ‪ 2003‬والتأسيس ملنظومة الفساد‬
‫احتلال القـوات األمريكيـة للعـراق فـي عـام ‪ ،2003‬وإسـقاط النظـام السياسـي‪،‬‬
‫وتفكيـك معظـم مفاصـل الدولـة العراقيـة‪ ،‬ومـن ثم إعادة تشـكيلها وفـق رؤية‬ ‫‪129-111‬‬
‫االحتلال االمريكـي وإدارة «الحاكـم األمريكـي المدنـي للعـراق»‪ ،‬بـول بريمـر‪ ،‬قـد‬ ‫متظهرات الفساد يف العراق‬
‫تحـول الفسـاد مـن ظاهـرة ُيمكـن محاربتهـا والسـيطرة عليهـا‪ ،‬إلـى‬
‫ّ‬ ‫أدت إلـى‬
‫بقـوة السلاح‬
‫ّ‬ ‫محميـة‬
‫ّ‬ ‫يوميـة‬
‫ّ‬ ‫نظـام محمـي بقوانيـن وتشـريعات‪ ،‬أو ممارسـة‬ ‫‪133-130‬‬
‫واإلعلام والمنابـر والفتـاوى الدينيـة‪ .‬لسـنا بصدد نوع من أنواع الفسـاد فحسـب‪،‬‬ ‫أدوات السلطة إلرضاء املجتمع العراقي وللحفاظ عىل السلم االجتامعي‬
‫يحـدث مـن خلال الرشـوة‪ ،‬ضمـن األنشـطة غيـر القانونيـة‪ ،‬بـل نحـن أمـام صور‬
‫للفسـاد المحمـي بإطـار قانونـي يتضمن نطاقاً أوسـع مـن األنشـطة االقتصادية‬ ‫‪135-134‬‬
‫المختلفـة‪.‬‬ ‫الخالصة‬
‫‪97‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪96‬‬

‫مقدمة‬ ‫‪1‬‬
‫وقــد ُد ِّمــر القطــاع العــام متامــاً‪ ،‬مــا جعــل الوظائــف مضمونــة الدخــل محتكــرة لــدى الســلطة‬
‫وأحزابهــا‪ ،‬وتســتعمل األحــزاب التوظيــف يف دوائــر الدولــة كورقــة لكســب ذمــم الســكّان ورشاء‬ ‫«إن الدميقراطيــات املختلــة تســتدعي تحصيــل الريــع بالطــرق السياســية‪ ،‬فتــدين الشــفافية يســتدعي‬
‫أصواتهــم يف االنتخابــات الربملانيــة العامــة التــي يشــهدها العـراق كل أربعــة أعــوام‪ .‬وت ِعـ ُد األحـزاب‬ ‫الفســاد البريوقراطــي‪ ،‬وضعــف حاميــة حقــوق امللكيــة يســتدعي التعامــات املشــبوهة واالســتيالءات‬
‫منارصيهــا والعشــائر بالوظائــف مقابــل التصويــت لهــا يف االنتخابــات‪ ،‬وقــد بلــغ عــدد العاملــن يف‬ ‫الجائــرة واملصــادرة‪ ،‬وضعــف حاميــة حقــوق املواطنــن يســتدعي االحتيــاالت ومامرســة الفســاد‪،‬‬
‫القطــاع العــام أكــر مــن ‪ 4,5‬مليــون شــخص بعــد أن كان ‪ 880‬ألــف موظــف يف عــام ‪ .2003‬أدى هــذا‬ ‫وضعــف حكــم القانــون يســتدعي الجرميــة واالبتــزاز والنشــاطات املافيويــة‪ ،‬وضعــف الدولــة‬
‫إىل وجــود بطالــة مقنعــة يف دوائــر الدولــة مــع تــدين إنتاجيــة املوظّــف اىل أقــل مــن ‪ 17‬دقيقــة عمــل‬ ‫يســتدعي حكــم قــادة املليشــيات»‪. 1‬‬
‫يوميـاً‪ ،‬وفقـاً لتقديـرات البنــك الــدويل‪.‬‬
‫مل يكــن الفســاد يف العـراق وليــد األوضــاع السياســية التــي ظهــرت بعــد ســقوط نظــام حــزب البعــث‬
‫وت ُعامــل أحـزاب الســلطة املؤسســات كـ»غنيمــة» أو ســلعة قابلــة للبيــع والـراء عــر بيــع أحـزاب‬ ‫بقيــادة صــدام حســن واحتــال العــراق يف نيســان ‪ /‬أبريــل عــام ‪ ،2003‬وإمنــا ترافقــت بداياتــه‬
‫وتنصــب فيهــا موظفــن‬ ‫الســلطة املناصــب القياديــة يف أجهــزة الدولــة املختلفــة لبعضهــا البعــض‪ّ ،‬‬ ‫وتزايــدت مــع الحصــار االقتصــادي الــدويل الــذي فُــرض عــى الع ـراق مبوجــب الق ـرارات األمميــة‬
‫موالــن لهــا لضــان هيمنتهــا‪ .‬كــا تقــود األحـزاب املؤسســات الحكوميــة مــن خــال إنشــاء «مكاتــب‬ ‫بعــد غــزو الكويــت يف مطلــع تســعينيات القــرن املــايض‪ .‬الفســاد يف التســعينيات جــاء نتيجــة لظروف‬
‫اقتصاديــة» تكــون مهمتهــا إعــادة توزيــع العقــود واملناقصــات يف املؤسســات لصالحهــا‪ .‬تعمــل‬ ‫اقتصاديــة قاســية‪ ،‬إذ ســمحت دولــة البعــث‪ ،‬بشــكل مبــارش أو غــر مبــارش‪ ،‬بالفســاد يف القطــاع العام‬
‫األح ـزاب كذلــك عــى تأســيس رشكات رصافــة تســيطر عــى ســوق التعامــات املاليــة والتحويــات‪،‬‬ ‫بعــد عجزهــا عــن توفــر املرتبــات واملــوارد للسـكّان‪ .‬لكــن احتــال القــوات األمريكيــة للعـراق يف عــام‬
‫فضــاً عــن تأســيس مصــارف أهل ّيــة تعمــل كغطــاء للتحويــات املاليــة والصفقــات التــي تربمهــا‬ ‫‪ ،2003‬وإســقاط النظــام الســيايس‪ ،‬ثــم تفكيــك معظــم مفاصــل الدولــة العراقيــة‪ ،‬ومــن ثــم إعــادة‬
‫األحـزاب ومســؤوليها املنترشيــن يف عــدد مــن مفاصــل الدولــة‪ .‬ومتتلــك األحـزاب أصــوالً ماليــة كبــرة‬ ‫تشــكيلها وفــق رؤيــة االحتــال األمريــي وإدارة «الحاكــم األمريــي املــدين للعـراق»‪ ،‬بــول برميــر‪ ،‬قــد‬
‫تقــدر مبئــات املاليــن مــن الــدوالرات‪ ،‬ولهــذا فهــي تنشــط يف مجــايل التجــارة واالســتثامرات الداخليــة‬ ‫أدت إىل تح ـ ّول الفســاد مــن ظاهــرة ُيكــن محاربتهــا والســيطرة عليهــا‪ ،‬إىل نظــام محمــي بقوانــن‬
‫والخارجيــة‪ ،‬باإلضافــة المتالكهــا عــددا ً مــن الــركات املاليــة بأســاء بديلــة‪ .‬إضافــة إىل ذلــك‪ ،‬تدخــل‬ ‫وترشيعــات‪ ،‬أو مامرســة يوميّــة محميّــة بقـ ّوة الســاح واإلعــام واملنابــر والفتــاوى الدينيــة‪.‬‬
‫مصــارف األحـزاب إىل نافــذة بيــع العمــات األجنبيــة ويحصــل كل مــرف منهــا عــى أربــاح تقــدر‬
‫بنحــو نصــف مليــار دينــار يوميـاً‪.‬‬ ‫ُد ِّمــر القطــاع العــام تمام ـاً‪ ،‬مــا جعــل الوظائــف مضمونــة الدخــل محتكــرة لــدى الســلطة‬
‫وأحزابهــا‪ ،‬وتســتعمل األحــزاب التوظيــف فــي دوائــر الدولــة كورقــة لكســب ذمــم الســكّ ان‬

‫ترافــق تنامــي الفســاد وتحولــه إلــى ظاهــرة اجتماعيــة «مقبولــة» بعــد عــام ‪ 2003‬مــع‬ ‫وشــراء أصواتهــم فــي االنتخابــات البرلمانيــة العامــة التــي يشــهدها العــراق كل أربعــة‬
‫ــد األحــزاب مناصريهــا والعشــائر بالوظائــف مقابــل التصويــت لهــا فــي‬ ‫أعــوام‪ِ .‬‬
‫وتع ُ‬
‫ـول النظــام السياســي مــن نظــام مركــزي إلــى نظــام ســائر نحــو اقتصــاد الســوق تقــوده‬
‫تحـ ّ‬
‫أحــزاب سياســية جــاءت مــع المحتــل و‪ /‬أو ظهــرت بعــد عــام ‪ .2003‬وهــي أحــزاب ترتكــز‬ ‫االنتخابــات‪ ،‬وقــد بلــغ عــدد العامليــن فــي القطــاع العــام أكثــر مــن ‪ 4,5‬مليــون شــخص‬

‫وعرقيــة‪ .‬وأقـ ّـرت هــذه األحــزاب نظمـاً وقوانيــن لصالحهــا‬ ‫طائفيــة‬ ‫أجنداتهــا علــى أســس‬ ‫بعــد أن كان ‪ 880‬ألــف موظــف فــي عــام ‪.2003‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كقوانيــن «الخدمــة الجهاديــة» لألشــخاص الذيــن أسســوا تنظيمــات مس ـ ّلحة ضــد نظــام‬
‫ـدام حســين‪ ،‬و»الســجناء السياســيين»‪.‬‬
‫صـ ّ‬
‫يُوظــف الفســاد يف العـراق اليــوم لتعزيــز قبضــة األحـزاب الكبــرة عــى الســلطة وذلــك مــن خــال‬
‫إدخــال املجتمــع كمح ـ ّرك فيــه‪ ،‬إذ ربطــت أح ـزاب الســلطة مصــر الس ـكّان وحياتهــم االقتصاديــة‬
‫ويرافــق الفســاد أزمــات مرك ّبــة يف النظــام الســيايس‪ ،‬فقــد أعــاد االحتــال األمريــي عــام ‪2003‬‬ ‫بالعمليــة السياســية‪ .‬مــن هنــا فــإن واحــدا ً مــن كل ‪ 5‬عراقيــن يعتمــد عــى الســلطة يف معيشــته‬
‫تشــكيل الدولــة العراقيــة عــى مبــدأ املحاصصــة الطائفيــة التــي رســخت أُسســها يف دســتور الدولــة‬ ‫مــن خــال األمــوال التــي تــوزّع عــى شــكل رواتــب للموظفــن واملتقاعديــن يف القطــاع العــام‪ ،‬وعــر‬
‫املقــر عــام ‪ ،2005‬وكذلــك بشــكل ُعــريف‪ .‬ووفقــاً لهــذا النظــام‪ ،‬يتــ ّم تقاســم املناصــب الرئاســية‬ ‫رواتــب شــبكات الحاميــة االجتامعيــة التــي تُ نــح للعاطلــن عــن العمــل‪.‬‬
‫الثــاث بــن الشــيعة والس ـ ّنة واألك ـراد‪ ،‬فرئاســة الجمهوريــة مــن حصــة املكــون الكــردي ورئاســة‬
‫مجلــس الــوزراء مــن حصــة املكــون الشــيعي‪ ،‬أمــا رئاســة الربملــان فمــن حصــة املكــون الســني‪ .‬كــا‬ ‫‪H. Mehlum, K. Moene, R.Torvik, (2006) Cursed by Resources or Institutions? Working Paper Series - 1‬‬
‫‪ .5705, Department of Economics, Norwegian University of Science and Technology, p. 1122‬‬
‫‪99‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪98‬‬

‫عــى عائــدات بيــع النفــط يف تفــي الفســاد عــر أنشــطة قانونيــة وغــر قانونيــة‪ .‬فهــو ليــس مجــرد‬ ‫ويتــم تقاســم الــوزارات ورئاســة الهيئــات املســتقلة والدرجــات الخاصــة (وهــم موظفــون يشــغلون‬
‫نــوع مــن أنــواع الفســاد يحــدث مــن خــال الرشــوة‪ ،‬ضمــن األنشــطة غــر القانونيــة‪ ،‬بــل هــو صــور‬ ‫املناصــب العليــا‪ ،‬كاملــدراء العامــن واملحافظــن وأعضــاء مجالــس املحافظــات ورؤســاء الجامعــات‬
‫للفســاد املحمــي بإطــار قانــوين يتضمــن نطاقـاً أوســع مــن األنشــطة االقتصاديــة املختلفــة‪ .‬أســهمت‬ ‫واعضــاء الربملــان‪ ،‬ويتمتعــون بإمتيــازات خاصــة)‪ ،‬حســب حصــة واســتحقاق كل مك ّون‪ .‬وقد تأسســت‬
‫هــذه يف انتشــار مظاهــر الفســاد املــايل واالداري يف معظــم مفاصــل الدولــة العراقيــة‪ ،‬وباتــت‬ ‫وظهــرت وفقـاً ألســس املحاصصــة الطائفيــة األحـزاب والكيانــات السياســية التــي كانــت يف معظمهــا‬
‫ثــروات البــاد نهب ـاً لــذوي النفــوذ والســيطرة داخــل الع ـراق وخارجــه‪ ،‬بحيــث ســجلت املخالفــات‬ ‫تعمــل مــن خــارج العــراق قبــل ســقوط دولــة البعــث‪ ،‬وتديــر هــذه األحــزاب اليــوم «العمليــة‬
‫املاليــة أرقام ـاً غــر مســبوقة‪ ،‬وبلغــت قيمــة الهــدر املــايل مــا بــن ‪ 2003-2018‬مبلغ ـاً يزيــد عــن‬ ‫السياســية» التــي أطلقــت يف ظّــل االحتــال وهــي مســتمرة يف قيادتهــا إىل يومنــا هــذا‪ ،‬وإن تغــرت‬
‫‪ 350‬مليــار دوالر‪ .‬ويعكــس عمــل الــركات النفطيــة‪ ،‬مث ـاً‪ ،‬العالقــة الوثيقــة بــن الدولــة الريعيــة‬ ‫مســمياتها وتركيباتهــا السياســية بــن آونــة وأخــرى‪.‬‬
‫والفســاد واملســارات التــي يغــذي أحدهــا اآلخــر‪ ،‬نظ ـرا ً لكميــات األمــوال الضخمــة التــي تســتثمر‬
‫يف املرشوعــات النفطيــة‪.‬‬ ‫عملــت األح ـزاب الشــيعية‪ ،‬وقيادتهــا عــى وجــه الخصــوص‪ ،‬عــى تأجيــج وتنميــة الــروح الطائفيــة‬
‫لــدى الســكان تحــت حجــة وذريعــة التهميــش واملحروميــة والظلــم واالســتبداد الــذي كان ميارســه‬
‫وينبغــي اإلشــارة أيضـاً إىل العالقــة الوثيقــة بــن اســترشاء الفســاد وتفاقمــه‪ ،‬وبــن العوامــل الخارجيــة‬ ‫النظــام الســابق ضدهــا‪ ،‬بينــا أسســت األحــزاب الســن ّية مظلومياتهــا بنــاء عــى حكــم األغلبيــة‬
‫املحرضــة عليــه والداعمــة لــه‪ ،‬إذ ترتبــط العديــد مــن حــاالت الفســاد بتحقيــق أهــداف اسـراتيجية‬ ‫الشــيعية بعــد عــام ‪ .2003‬وراوحــت األح ـزاب الكرديــة عــى اللعــب بــن املظلوميــات التاريخيــة‬
‫لــدول أخــرى‪ .‬فضـاً عــن ذلــك‪ ،‬فــإ ّن هنــاك تحريضـاً واضحـاً عــى الفســاد مــن قبــل الــدول اإلقليميــة‬ ‫واآلنيــة لتأجيــج الشــعور القومــي بــن السـكّان الكــرد‪ .‬وقــد ركنــت هــذه األحـزاب السياســية التــي‬
‫لــي تســتطيع القــوى السياســية املرتبطــة بهــا أن توفــر لهــا مصــادر دخــل أو متويــل جديــدة مــن‬ ‫ولّدتهــا املحاصصــة منــذ ‪ 2003‬إىل توظيــف املــال مــن أجــل تعزيــز نفوذهــا وتثبيــت مقاعدهــا‪ ،‬األمــر‬
‫خــال الصفقــات والعقــود الفاســدة وتهريــب الســلع غــر املرشوعــة‪ ،‬أو اســترياد الســلع غــر املطابقة‬ ‫الــذي مــا فتــئ يؤســس ألركان وشــبكات الفســاد الســيايس املــايل واإلداري الــذي رسعــان مــا انتــر يف‬
‫للجــودة والســامة الصحيــة‪ .‬وعــــى املســــتوى االقتصــادي باتــت ثــروات العـراق غنيمة تطمــع فيها‬ ‫جميــع مفاصــل الدولــة عــر مناقلتــه دون محاســبة‪ ،‬األمــر الــذي يوفــر حاميــة كاملــة للفاســدين يف‬
‫القــوى اإلقليميــة والدوليــة‪ .‬وبــــات للمحاصصــة السياســية رعــاة لهــا مــن خــارج العـراق لهــم دور‬ ‫شــتى املناصــب عــى اختــاف درجاتهــا‪.‬‬
‫محــوري منــذ إســقاط نظــام صــدام حســن عــام ‪ .2003‬وطاملــا أن الريــع النفطــي يوفّــر أمــواالً‬
‫لألح ـزاب ويركّــز هيمنتهــا عــى الســلطة واملجتمــع‪ ،‬فــإن األح ـزاب التــي تســلمت الســلطة بعــد‬ ‫وقــد ترافــق تنامــي الفســاد وتحولــه إىل ظاهــرة اجتامعيــة «مقبولــة» بعــد عــام ‪ 2003‬مــع تح ـ ّول‬
‫االحتــال األمــريك للع ـراق مل تس ـ َع إىل إعــادة بنــاء وتنويــع االقتصــاد العراقــي‪ ،‬رغــم توفــر مــوارد‬ ‫النظــام الســيايس مــن نظــام مركــزي إىل نظــام ســائر نحــو اقتصــاد الســوق تقــوده أحـزاب سياســية‬
‫ماليــة كبــرة لذلــك‪.‬‬ ‫جــاءت مــع املحتــل و‪ /‬أو ظهــرت بعــد عــام ‪ ،2003‬وهــي أحــزاب ترتكــز أجنداتهــا عــى أســس‬
‫طائف ّيــة وعرق ّيــة‪ .‬وأقــ ّرت هــذه األحــزاب نظــاً وقوانــن مبــا يضمــن لهــا امتيــازات لصالحهــا‬
‫هنــاك عالقــة وثيقــة بيــن استشــراء الفســاد وتفاقمــه‪ ،‬وبيــن العوامــل الخارجيــة المحرِّضة‬ ‫واألشــخاص املقربــن منهــا‪ .‬ومتثــل ذلــك بإقـرار قوانــن مثــل «الخدمــة الجهاديــة» لألشــخاص الذيــن‬
‫عليــه والداعمــة لــه‪ ،‬إذ ترتبــط العديــد مــن حــاالت الفســاد بتحقيــق أهــداف اســتراتيجية‬ ‫أسســوا تنظيــات مسـلّحة ضــد نظــام صـ ّدام حســن‪ ،‬و»الســجناء السياســيني» الذيــن ســجنوا بينــا‬
‫لــدول أخــرى‪.‬‬ ‫وخصــت هــذه االمتيــازات أتبــاع األح ـزاب‪ ،‬حتــى‬
‫كانــوا ينتمــون ألح ـزاب حظرهــا حــزب البعــث‪ّ .‬‬
‫تخطّــى عــدد الســجناء السياســن املليــوين شــخص! وأدى ذلــك إىل خلــق طبقــات طفيليــة مرتبطــة‬
‫مــن هنــا‪ ،‬فالفســاد املســترشي يف الع ـراق يُعتــر مــن أخطــر وأعــوص تجــارب األنظمــة الفاســدة‪.‬‬ ‫بالســلطة‪ ،‬مســت ِغل ًة النزعــة نحــو التحــول القتصــاد الســوق وخصخصــة منشــآت القطــاع العــام‪،‬‬
‫وهــو نظــام تأســس بســبب عــدة عوامــل‪ ،‬أهمهــا نظــام املحاصصــة الســيايس واإلج ـراءات املاليــة‬ ‫ومرتبطــة باألط ـراف السياســية يف الســلطة الجديــدة‪.‬‬
‫التــي وضعهــا االحتــال األمريــي‪ ،‬باإلضافــة إىل عوامــل خارجيــة وإقليميــة أخــرى‪ .‬ويعالــج هــذا‬
‫البحــث تحديــدا ً اآلليــات التــي مكنــت الطبقــة الحاكمــة مــا بعــد ‪ 2003‬مــن تناقــل الفســاد وتحويله‬ ‫إىل جانــب ذلــك‪ ،‬فقــد أضعفــت االج ـراءات املاليــة التــي أق ّرهــا االحتــال األمريــي إلدارة الدولــة‬
‫لطريقــة حكــم مرشوعــة سياســياً‪ ،‬قانونيــاً واجتامعيــاً‪ .‬ويعتمــد البحــث عــى فرضيتــن‪ ،‬أوالً‪ ،‬أن‬ ‫العراقيــة مــا بعــد ‪ 2003‬األجهــزة الرقابيــة املتمثلــة بديــوان الرقابــة املاليــة الــذي تأســس يف عــام‬
‫تنامــي ظاهــرة الفســاد يف العـراق قــد أســهم بتعزيــز قبضــة األحـزاب والكيانــات السياســية املشــاركة‬ ‫‪ 1927‬كأقــدم جهــاز رقــايب يف الع ـراق ويف املنطقــة‪ ،‬وكذلــك هيئــة النزاهــة التــي أسســت يف ‪2004‬‬
‫يف الســلطة عــى مفاصــل الدولــة املختلفــة‪ ،‬مبــا يؤمــن ســيطرتها الســلطوية لــدورات انتخابيــة قادمة‪.‬‬ ‫ملكافحــة الفســاد‪ .‬وقــد ســاهم كــون الع ـراق بلــدا ً ريعي ـاً يعتمــد اقتصــاده بأكــر مــن ‪ 90‬يف املئــة‬
‫‪101‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪100‬‬

‫التحوالت السياسية في العراق ما بعد ‪ 2003‬والتأسيس‬ ‫‪2‬‬ ‫أمــا الفرضيــة الثانيــة‪ ،‬فمفادهــا أنــه عــى الرغــم مــن وجــود انتخابــات عامــة يف العـراق بعــد عــام‬
‫لمنظومة الفساد‬ ‫‪ ،2003‬إال أن االنتخابــات مل تســهم إال بتعزيــز ســلطة األحــزاب والكيانــات السياســية الحاكمــة‬
‫بالهيمنــة عــى مفاصــل الدولــة املختلفــة‪.‬‬
‫نظام المحاصصة وانتخابات ما بعد ‪2003‬‬
‫باتــت ثــروات البــاد نهبـاً لــذوي النفــوذ والســيطرة داخــل العــراق وخارجــه‪ ،‬بحيث ســجلت‬
‫فــرض نظــام املحاصصــة الطائفيــة الــذي أرســاه االحتــال األمرييك للعـراق بعــد ‪ 2003‬توزيــع املناصب‬
‫المخالفــات الماليــة أرقامـاً غيــر مســبوقة‪ ،‬وبلغــت قيمــة الهــدر المالــي مــا بيــن ‪2003-2018‬‬
‫يف حكومــة البــاد بــن املكونــات واألطيــاف عــى أســس طائفيــة وقوميّــة‪ .‬وتدخــل املحاصصــة يف‬ ‫مبلغـاً يزيــد عــن ‪ 350‬مليــار دوالر‪.‬‬
‫آليــة تــويل املناصــب كبديــل ملعيــار التخصــص والكفــاءة والخــرة‪ .‬وعــى هــذا األســاس أصبحــت‬
‫املحاصصــة الطائفيــة تهــدد الهويــــة الوطنيــة الجامعــة‪ ،‬الســيام وأنهــا تقــدم الهويــات الفرعيــة‬ ‫وينقســم هــذا البحــث إىل ثالثــة فصــول رئيســية تعالــج الفســاد كمنظومــة حكــم يف الع ـراق مــا‬
‫وتحالفــــاتها العصبيــــة أو الطائفيــــة أو القوميــة عــى مبــدأ املواطنــة‪ .‬وقــد شــجعت املحاصصــة‬ ‫بعــد ‪ .2003‬يتنــاول الفصــل األول التحــوالت السياســية يف العـراق مــا بعــد ‪ 2003‬والتأســيس ملنظومــة‬
‫األحـزاب عــى اســـتغالل تخصيصــات موازنــة الدولــة ليغــرق الكثــرون يف الفســاد مــن خــال وظائف‬ ‫الفســاد‪ ،‬بينــا يتطــرق الفصــل الثــاين بإســهاب إىل متظهـرات الفســاد يف العـراق‪ ،‬أمــا الفصــل الثالــث‬
‫لجــان املشــريات ولجــان التعاقــد يف العقــود الخارجيــة والداخليــة‪ ،‬إضافــة إىل اســتغالل طابــع‬ ‫فيتحــدث عــن أدوات الســلطة إلرضــاء املجتمــع العراقــي وآليــات إدامــة الحكــم الفاســد‪.‬‬
‫التخــادم الحــزيب لبعــض املؤسســات مــا جعلهــا يف منــأى عــن الرقابــة‪.‬‬

‫بطبيعــة الحــال‪ ،‬مل تبــق املحاصصــة يف الكواليــس السياســية‪ ،‬وإمنــا ألقــت بثقلهــا عــى املجتمــع‪،‬‬
‫فــأدت إىل تقســيمه وإعادتــه إىل الهويّــات الفرعيــة‪ ،‬وهمشــت وأقصــت الكفــاءات وأ ّدت بالتــايل‬
‫إىل هجــرة الكثــر منهــا خــارج البــاد‪ .‬وجــاء ذلــك نتيجــة الحتــكار األحـزاب املســيطرة عــى الحكــم‬
‫الرتقيــة وتــويل املراكــز يف وظائــف الدولــة‪ ،‬إذ ومثلــا يجــري توزيــع مناصــب الرئاســات الثــاث‬
‫عــى أســاس طائفــي وقومــي‪ ،‬فــإن املراتــب األدىن مثــل الــوكالء واملــدراء العامــن يتــم تقاســمها بــن‬
‫األح ـزاب وتوزيعهــا بحســب املرجعيــة الحزبيــة والجهويــة‪.‬‬

‫عنــت االنتخابــات لألحــزاب مضمــارا ً ليــس للتنافــس علــى البرامــج السياســية‪ ،‬وليــس‬
‫للســعي إلــى تقديــم الخدمــات للســكّ ان‪ ،‬وإنمــا مواســم لمعرفــة أحجــام األحــزاب فــي‬
‫البرلمــان‪ ،‬ومــن ثــم ُيقــرِّر كــم المقاعــد عــدد المناصــب التــي ســيحصل عليهــا كل حــزب‪.‬‬

‫وتســلك األحـزاب إىل الحكــم طرقـاً عديــدة‪ ،‬منهــا تزويــر نتائــج االنتخابــات مــن قبــل بعــض األحـزاب‬
‫التــي متلــك فصائــل مســل ّحة رديفــة‪ ،‬أو مــن خــال تهديــد وترهيب السـكّان بالســاح‪ ،‬أو تغيــر أوراق‬
‫االق ـراع أو حتــى اســتبدال صناديــق أوراق االق ـراع بأخــرى‪ .‬وهنــاك طــرق أخــرى‪ ،‬منهــا رشاء ذمــم‬
‫العشــائر باملــال الســيايس مقابــل الحصــول عــى أصــوات أبنائهــا‪ ،‬أو اســتاملة رجــال الديــن الســتعامل‬
‫منابرهــم لجمــع األصــوات‪ . 2‬كــا أن هنــاك طرق ـاً أكــر بشــاعة باســتغالل حاجــة الفئــات املهمشــة‬
‫للــال مثــل النازحــن والعائــات املعدمــة‪ ،‬إذ يجــري رشاء أصواتهــم مببالــغ ت ـراوح بــن ‪ 50‬ومئــة‬

‫‪ - 2‬األمم املتحدة‪ :‬االنتخابات العراقية شهدت عمليات «تزوير وترهيب»‪ ،‬و»كالة األناضول» نرش بتاريخ ‪ 30‬أيار ‪/‬‬
‫مايو ‪ ».2018‬‬
‫‪103‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪102‬‬

‫أعضائهــا ‪ -‬حتّــى الذيــن مل يصــوت لهــم املقرتعــون ‪ -‬بأصــوات القامئــة أو األصــوات التــي حصــل عليهــا‬ ‫دوالر للصــوت الواحــد‪ ،‬أو بإغــداق الوعــود عــى سـكّان العشــوائيات‪. 3‬‬
‫رئيــس القامئــة‪.‬‬
‫بيــد أن األهــم يف طــرق الفســاد هــذه هــو صياغــة األحـزاب املهيمنــة عــى الســلطة أنظمــة انتخابيــة‬
‫يف الدورتــن االنتخابيتــن التاليتــن‪ ،‬يف ‪ 2014‬و‪ ،2018‬جــرى تعديــل نظــام احتســاب األصــوات ليمنــح‬ ‫يصعــب اخرتاقهــا نتيجــة لقســمتها يف احتســاب أصــوات الناخبــن‪ .‬وباإلضافــة إىل هــذه األنظمــة‪ ،‬فإن‬
‫يــأت ذلــك نتيجــة‬‫هامشــاً أكــر لألحــزاب والكتــل املتوســطة الحجــم للفــوز يف االنتخابــات‪ .‬ومل ِ‬ ‫األحـزاب هــي مــن تقــوم باختيــار مجلــس املفوضيــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات‪ ،‬وهــي املؤسســة‬
‫النتقــاد األحــزاب املدن ّيــة والعلامن ّيــة الصغــرة لنظــام االنتخابــات‪ ،‬وإمنــا نظــرا ً للخالفــات عــى‬ ‫املســؤولة عــن قيــادة العمليــة االنتخابيــة‪ ،‬إذ ُيثِّــل مجلــس املفوضيــة املكونــات الرئيســة الثــاث‪،‬‬
‫املناصــب التــي شــهدتها القــوى السياسـ ّية فيــا بينهــا‪ ،‬فأخــذ كل منهــا يســعى مــن خــال االنتخابــات‬ ‫الشــيعة والســنة والكــرد‪ ،‬وكل حــزب مــن أح ـزاب هــذه املكونــات والطوائــف يقــدم ممث ـاً لــه يف‬
‫إىل إظهــار نفــوذه‪ .‬ضغطــت الفصائــل املســلحة التــي دخلــت مضــار السياســة‪ ،‬واملنشــقون مــن‬ ‫مجلــس املفوضيــة‪.‬‬
‫األحـزاب‪ ،‬لتعديــل نظــام احتســاب األصــوات‪ ،‬مــا أىت بثــاره يف النهايــة‪ .‬عنــت االنتخابــات لألحـزاب‬
‫مضــارا ً ليــس للتنافــس عــى الربامــج السياســية‪ ،‬وليــس للســعي إىل تقديــم الخدمــات للس ـكّان‪،‬‬ ‫وقــد شــهد العــراق منــذ عــام ‪ 2003‬حتــى عــام ‪ 2018‬أربــع انتخابــات برملانيــة وثــاث دورات‬
‫وإمنــا ُعـ ِّدت االنتخابــات مواســم ملعرفــة أحجــام األحـزاب يف الربملــان‪ ،‬ومــن ثــم يُقـ ّرر كــم املقاعــد‬ ‫انتخابيــة ملجالــس املحافظــات‪ .‬ونظّمــت أ ّول انتخابــات برملانيــة يف كانــون األول ‪ /‬ديســمرب عــام‬
‫عــدد املناصــب التــي ســيحصل عليهــا كل حــزب‪.‬‬ ‫‪ 2005‬باعتبــار العـراق دائــرة انتخابيــة واحــدة‪ ،‬واعتمــد آنــذاك نظــام القامئــة املغلقــة يف االنتخابــات‪.‬‬
‫كل األطـراف‪ . 4‬وألجــل الهيمنــة عــى مقاعــد‬ ‫جــرت االنتخابــات يف ظـ ّـل ظــروف تحشــيد طائفــي مــن ّ‬
‫أدت هــذه التغيـرات املســتمرة يف النظــام االنتخــايب واحتســاب األصــوات إىل تعزيــز هيمنــة الكتــل‬ ‫الربملــان‪ ،‬فــإن األحـزاب الكبــرة ك ّونــت قوائــم انتخابيــة مشــركة‪ .‬ونتيجــة لنظــام احتســاب األصــوات‪،‬‬
‫واألحـزاب السياســية الكبــرة واملتوسـطّة التــي تشــكلت عــى أســس طائفية (شــيعية وســنية) وقومية‬ ‫فــإن األح ـزاب والكيانــات الصغــرة مل يجــر اســتبعادها مــن الربملــان فحســب‪ ،‬وإمنــا جــرى تقاســم‬
‫(كرديــة) عــى مقاليــد الحكــم والســلطة‪ ،‬لتعيــد إنتــاج األشــخاص أنفســهم يف األدوار السياســية‬ ‫أصــوات ناخبيهــا بــن األحـزاب الكبــرة‪ .‬ويف النهايــة‪ ،‬أســفرت االنتخابــات عــن فــوز قيــادات األحـزاب‬
‫املركزيــة‪ .‬ففــي الــدورات االنتخابيــة األربــع تكــرر مبــا ال يقــل عــن ثلــث أعضــاء مجلــس النــواب‬ ‫الكبــرة التــي هيمنــت عــى معظــم مفاصــل قيــادة الدولــة بــكل مســتوياتها‪.‬‬
‫البالــغ عددهــم ‪ 329‬نائبـاً يف الــدورة الربملانيــة الحاليــة ‪ ،2018-2022‬التــي فــاز فيهــا ‪ 66‬نائبـاً كانــوا‬
‫فائزيــن يف دورة برملانيــة ســابقة‪ ،‬وبنســبة ‪ 20‬يف املئــة مــن عــدد أعضــاء الربملــان‪ .‬أمــا الذيــن فــازوا‬ ‫مل يــدم الوئــام طوي ـاً بــن األح ـزاب الكبــرة‪ ،‬ورسعــان مــا دخلــت فيــا بينهــا يف خالفــات كبــرة‬
‫بثــاث دورات انتخابيــة فبلــغ عددهــم ‪ 34‬نائب ـاً وبنســبة ‪ 10.3‬يف املئــة‪ ،‬يف حــن بلــغ عــدد الذيــن‬ ‫عــى النفــوذ واملناصــب وكذلــك عــى مق ـ ّدرات البــاد املاليــة‪ .‬ومــع حلــول االنتخابــات الربملانيــة‬
‫فــازوا بــكل الــدورات االنتخابيــة ‪ 11‬نائب ـاً وبنســبة ‪ 3.3‬يف املئــة‪ ،‬وهــم يف الغالــب قيــادات الكتــل‬ ‫عــام ‪ ،2010‬جــرى تغيــر النظــام االنتخــايب مــن نظــام القامئــة املغلقــة اىل نظــام القوائــم املفتوحــة‪، 5‬‬
‫السياســية‪ . 6‬أمــا األشــخاص املنتمــون لألح ـزاب والذيــن مل يتمكنــوا مــن الفــوز ألســباب داخليــة يف‬ ‫ـحي‪ ،‬أي مبعنــى آخــر قيــادات األحـزاب‪ .‬أدى‬ ‫ل ُيحــايب هــذه املـ ّرة ليــس القوائم‪/‬األحـزاب‪ ،‬وإمنــا املرشـ ّ‬
‫الحــزب مل تــؤ ِد إىل ترشــيحهم‪ ،‬أو نتيجــة التنافــس املحمــوم عــى املقاعــد داخــل الدوائــر االنتخابيــة‪،‬‬ ‫النظــام االنتخــايب إىل إعــادة توزيــع املقاعــد التعويضيــة عــى الكيانــات الفائــزة‪ ،‬وأبعــد الكيانــات‬
‫فيعــاد تكليفهــم وتعيينهــم إمــا وزراء أو رؤســاء هيئــات مســتقلة بدرجــة وزيــر أو وكالء وزارة أو‬ ‫الصغــرة التــي حصلــت عــى أصــوات ليســت بالقليلــة‪ ،‬ولكنهــا مل تؤهلهــا لتجــاوز عتبــة القاســم‬
‫ســفراء أو مستشــارين يف الرئاســات الثــاث والــوزارت أو محافظــن يف املحافظــات‪. 7‬‬ ‫االنتخــايب‪ .‬وكان مــن نتائــج اعتــاد النظــام االنتخــايب الجديــد إعــادة هيمنــة الكيانــات الرئيســة وفــوز‬

‫آليات هيمنة األحزاب الحاكمة في تأسيس وتناقل الفساد‬ ‫‪« - 3‬مرشحون عراقيون يستغلون األوضاع املعيشية السيئة لرشاء أصوات الناخبني»‪ ،‬صحيفة «القدس العريب»‪ ،‬نرش‬
‫بتاريخ ‪ 6‬نيسان ‪ /‬أبريل عام ‪ .2018‬‬
‫يُح ـ ّدد عــدد املقاعــد الربملانيــة أ ّوالً‪ ،‬واملناصــب الوزاريــة بعــد ذلــك‪ ،‬نفــوذ كل جهــة يف مؤسســات‬
‫‪« - 4‬حريق الفتنة الطائفية يف العراق يلتهم الجميع»‪ ،‬موقع « ‪ ،»swissinfo‬نرش بتاريخ ‪ 30‬أيار ‪ /‬مايو‬
‫‪ .2005‬‬
‫‪ - 6‬انظر «املرصد النيايب العراقي‪ ،‬النواب حسب دورتهم االنتخابية لعام ‪ .»2018‬‬ ‫‪ - 5‬وفقاً لهذه الطريقة فقد اعتمد مبدأ تقسيم مجموع االصوات التي يحصل عليها الكيان السيايس عىل الرقم (‪)1,6‬‬
‫واربح وظيفة مستشار رئيس»‪ ،‬موقع «اندبندت عربية»‪،‬‬
‫ْ‬ ‫‪ - 7‬العامري‪ ،‬خلود‪« ،‬اخرتاع عراقي‪ :‬اِخ ْ‬
‫رس يف االنتخابات‬ ‫للسامح لها بالتنافس عىل حصول املقاعد النيابية بعد رفع نسبة معيار تقسيم االصوات من حاصل القسمة عىل الرقم‬
‫نرش بتاريخ ‪ 9‬شباط ‪ /‬فرباير ‪ .2019‬‬ ‫(‪ )1‬الذي استخدم يف انتخابات مجالس املحافظات يف عام ‪ 2009‬اىل القسمة عىل الرقم (‪ .)1,6‬‬
‫‪105‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪104‬‬

‫لتوضــع يف حســابات خاصــة أو تدفــع ل ـراء عقــارات وممتلــكات مختلفــة‪ .‬فض ـاً عــن ذلــك‪ ،‬فــإن‬ ‫الدولــة وبالتــايل نســب ســيطرتها عــى املــوارد‪ .‬ومثلــا ســبق‪ ،‬وكــا ســيتضح يف أج ـزاء أخــرى مــن‬
‫دور هــذه املكاتــب ميتــد اىل اســتحصال الرســوم والعمــوالت غــر القانونيــة مــن املتعاقديــن‪ ،‬بــل‬ ‫هــذا البحــث‪ ،‬فــإن عمليــة املنافســة بــن األحـزاب ال تنحــر بصناديــق االقـراع‪ ،‬إذ ميتــد الـراع إىل‬
‫متتــد مهامهــا لتشــمل قضايــا اس ـراتيجية‪ ،‬تتعلــق بتســهيل دخــول بضائــع وتحويــل أمــوال وتعيــن‬ ‫اســتعامل كل األدوات املرشوعــة وغــر املرشوعــة‪ ،‬مــا يــؤدي إىل عــدم االســتقرار الســيايس واالحـراب‬
‫«موظفــي الدرجــات الخاصــة»‪ .‬ومتتــد ســيطرة املكاتــب االقتصاديــة إىل املــوارد التــي ال تدخــل يف‬ ‫الطائفــي وتدهــور الحالــة األمنيــة وغيــاب الحاميــة املطلوبــة لألجهــزة والهيئــات واملســؤولني املكلفني‬
‫املوازنــة العامــة‪ ،‬كتهريــب املشــتقات النفطيــة والســيارات واملــواد الغذائيــة ويف بعــض األحيــان‬ ‫مبكافحــة الفســاد‪ ،‬وهــو مــا مهـ ّد مناخـاً مناســباً التســاع ظاهــرة الفســاد‪.‬‬
‫املخــدرات واملرشوبــات الكحوليــة وحتّــى اآلثــار‪.‬‬
‫ـدد عــدد المقاعــد البرلمانيــة ّأوالً‪ ،‬والمناصــب الوزاريــة بعــد ذلــك‪ ،‬نفــوذ كل جهــة فــي‬
‫ُيحـ ّ‬
‫ويــروي وائــل عبــد اللطيــف‪ ،‬وهــو وزيــر عــدل ومحافــظ أســبق‪ ،‬أن «املكاتــب غــر قانونيــة لكنهــا‬ ‫مؤسســات الدولــة وبالتالــي نســبة ســيطرتها علــى المــوارد‪.‬‬
‫تعطــي لــكل كتلــة نســبة تـراوح بــن ‪ 10 – 5‬يف املئــة عــن كل مقاولــة»‪ ،‬وأن «املكاتــب االقتصاديــة‬
‫لألحـزاب (‪ )..‬ســبب تضخــم ثــروة السياســيني واألحـزاب الكبــرة»‪ .‬كــا ولفــت إىل وجــود شــخصيات‬ ‫وبــرز اســتثامر غالب ّيــة األحــزاب املتنفــذة والفصائــل املســلحة للفســاد يف الحكــم عــر فتــح مــا‬
‫محوريــة يف كل وزارة تســاعد الوزيــر عــى عقــد صفقــات عــى الــورق مقابــل عمــوالت‪ ،‬إضافــة‬ ‫يُسـ ّمى بـ»املكاتــب االقتصاديــة» يف الــوزارات واملؤسســات العامــة التــي حصلــت عليهــا جـراء عمليــة‬
‫إىل أن الكثــر مــن النــواب غالب ـاً مــا يكونــون أعضــاء يف مكاتــب أحزابهــم االقتصاديــة‪ ،‬ويســتغلون‬ ‫االقـراع وتقاســم املناصــب‪ .‬واملكاتــب االقتصاديــة هــي لجــان تابعــة لألحـزاب مســؤولة عــن األمــور‬
‫وجودهــم يف الربملــان للضغــط عــى املســؤولني التنفيذيــن بهــدف الحصــول عــى املقــاوالت‪ ،‬فيــا‬ ‫املاليــة مبختلــف فروعهــا‪ ،‬وهــي مــن تقــوم مبهمــة متويــل األحـزاب وذلــك عــن طريــق ســيطرتها عــى‬
‫يكــون االســتجواب مصــر املســؤولني الذيــن يرفضــون ذلــك‪ .‬يضــاف إىل مــا ســبق أن معظــم الــوزراء‬ ‫عقــود اإلعــار وتنفيــذ املشــاريع الخدميــة واملزايــدات واملناقصــات يف وزارات ومؤسســات الدولــة‪. 8‬‬
‫لديهــم مجموعــة رشكات تحصــل عــى العقــود الكــرى مــن دون أن تكــون لديهــا خـرات يف مجــال‬
‫اإلعــار مــن خــال منــع دخــول رشكات رصينــة ملنافســتها‪ .‬وال تنحــر ســطوة األح ـزاب السياســية‬ ‫وقــد تشـكّلت نــواة املكاتــب االقتصاديــة مــع دخــول األحـزاب والفصائــل املســلحة إىل العـراق عقــب‬
‫مبنصــب الوزيــر وحــده‪ ،‬بــل تتخطّــى ذلــك إىل مــوارد الــوزارة كلهــا عــر الســيطرة عــى املناصــب‬ ‫احتاللــه عــام ‪ ،2003‬ومل تكــن يف البدايــة ذات نفــوذ واســع‪ ،‬إذ كانــت تعمــل كوســيط بــن مؤسســات‬
‫املهمــة التــي متــر عربهــا التســهيالت املاليــة‪ ،‬مثــل منصــب وكيــل الوزيــر أو مديــر عــام يف الــوزارة‪. 9‬‬ ‫توســعت مــع الوقــت لدرجــة أنهــا أصبحــت‬‫الدولــة واملســتثمرين مبختلــف جنســياتهم‪ .‬بيــد أنهــا ّ‬
‫جــزءا ً مــن املؤسســات الحكوميــة‪ ،‬عــى الرغــم مــن أنــه ليــس هنــاك أي ســند قانــوين لوجودهــا‪.‬‬
‫ويصــف فالــح الزيــادي‪ ،‬النائــب يف الربملــان‪ ،‬عــددا ً مــن الــوزارات بـ»الدكاكــن»‪ ،‬ويــردف أن «(‪)...‬‬ ‫ومــن وســيط بــن املســتثمرين ومؤسســات الدولــة يحصــل عــى نســبة مــن مبلــغ العقــود‪ ،‬صــار‬
‫أغلــب الــوزراء املوجوديــن حاليـاً يُقــادون مــن قبــل مــدراء مكاتبهــم‪ ،‬الذيــن يتــم تعيينهــم مــن قبــل‬ ‫للمكاتــب االقتصاديــة رشكات ومصــارف ومكاتــب تحويــل مــايل‪ .‬كــا أن الــركات ورؤوس األمــوال‬
‫الجهــات السياســية التــي قامــت بتعيــن الوزيــر»‪ .‬وبحســب الزيــادي فــإن «هــؤالء املــدراء هــم مــن‬ ‫التــي تديرهــا تطـ ّورت مــع الوقــت وصــارت واجهــات لألحـزاب السياســية‪.‬‬
‫يديــرون الــوزارات ويســيطرون عــى مقدراتهــا»‪ . 10‬ومــن األمثلــة والشــواهد عــى هــذه الظاهــرة مــا‬
‫كشــفه محافــظ املثنــى يف اجتــاع رئيــس مجلــس الــوزراء مــع أعضــاء مجلــس الــوزراء واملحافظــن‪،‬‬ ‫«المكاتــب االقتصاديــة» فــي الــوزارات والمؤسســات العامــة التــي حصلــت عليهــا األحزاب‬
‫عندمــا أعلــن أمــام الجميــع تعرضــه إىل االبت ـزاز مــن قبــل مديــر مكتــب أحــد الــوزراء (الــذي كان‬ ‫جــراء عمليــة االقتــراع وتقاســم المناصــب هــي لجــان تابعــة لهــذه األحــزاب ومســؤولة‬

‫حــارضا ً يف االجتــاع أيضـاً) والــذي طلــب منــه رشــوة بنســبة مــا مــن قيمــة املبلــغ املطلــوب لتمريــر‬ ‫عــن األمــور الماليــة بمختلــف فروعهــا‪ .‬وهــي مــن تقــوم بمهمــة تمويــل األحــزاب وذلــك‬
‫عــن طريــق ســيطرتها علــى عقــود اإلعمــار وتنفيــذ المشــاريع الخدميــة والمزايــدات‬
‫طلبــه الخــاص بإكــال مشــاريع خدميــة خاصــة مبحافظتــه مدرجــة يف خطــة الــوزارة التــي متــت‬
‫والمناقصــات فــي وزارات ومؤسســات الدولــة‪.‬‬
‫املوافقــة عليهــا وبعلــم وموافقــة الوزيــر‪ ..‬فلــم يعلــق رئيــس الــوزارء الســابق بأيــة كلمــة أو ي ِعــر‬
‫وتســهم املكاتــب االقتصاديــة يف إحــدى أكــر عمليــات غســيل األمــوال يف الع ـراق‪ .‬فهــي تســتخدم‬
‫‪« - 9‬مكاتب متويل األحزاب تنشط فـي ‪ 6‬وزارات وتستحوذ عىل ‪ 10‬يف املئة من عموالتها»‪ ،‬صحيفة «املدى»‪ ،‬تاريخ‬
‫نفوذهــا الســيايس لنقــل عــرات املليــارات مــن الــدوالرات الخاصــة باألحــزاب إىل دول عديــدة‪،‬‬
‫النرش ‪ 17‬آذار ‪ /‬مارس ‪ .2016‬‬
‫‪« - 10‬نائب عن النرص يتهم مدراء مكاتب وزراء بالسيطرة عىل مقدرات الوزارات»‪ ،‬وكالة «بغداد اليوم»‪ ،‬نرش بتاريخ‬ ‫‪« - 8‬اللجان االقتصادية أدوات فساد األحزاب اإلسالمية يف العراق»‪ ،‬صحيفة «العرب» اللندنية‪ ،‬نرش بتاريخ ‪29‬‬
‫‪ 11‬آذار ‪ /‬مارس ‪ .2020‬‬ ‫نيسان ‪ /‬أبريل ‪ .2020‬‬
‫‪107‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪106‬‬

‫واملعــارك العســكرية‪ .‬ويف الواقــع‪ ،‬فإنــه‪ ،‬وخــال األعــوام األخــرة‪ ،‬ضعفــت متابعــة املجتمــع لإلعــام‬ ‫املوضــوع أي اهتــام أو يطلــب مــن االدعــاء العــام فتــح تحقيــق باملوضــوع ‪.11‬‬
‫التقليــدي‪ ،‬إذ ال تتجــاوز الطباعــات اليوميــة ألكــر الصحــف يف بغــداد الـــ‪ 5‬آالف نســخة‪ ،‬بينــا يحظى‬
‫فقــط عــدد قليــل مــن الفضائيــات بامل ُتابعــة‪ ،‬وميكــن تل ِّمــس عــدم الثقــة يف اإلعــام مــن خــال‬ ‫أصبحـت «المكاتـب االقتصاديـة» جـزءا ً مـن المؤسسـات الحكوميـة‪ ،‬علـى الرغـم مـن عدم‬
‫أحاديــث الس ـكّان اليوميــة‪. 14‬‬ ‫وجـود أي سـند قانونـي لهـا‪ .‬ومـن وسـيط بيـن المسـتثمرين ومؤسسـات الدولـة يحصـل‬
‫علـى نسـبة مـن مبلـغ العقـود‪ ،‬صـار لهـا شـركات ومصـارف ومكاتـب تحويـل مالـي‪ .‬كمـا‬
‫نتيجــة لذلــك‪ ،‬فــإن القــوى السياســية رسعــان مــا وجــدت طريقـاً جديــدة لخــوض حروبهــا وللرتويــج‬ ‫تطـورت مـع الوقـت وصارت واجهـات لألحزاب‬
‫ّ‬ ‫أن الشـركات ورؤوس األمـوال التـي تديرهـا‬

‫وخاصــة موقــع فيســبوك‪ ،‬الــذي يحظــى باهتــام‬ ‫لنفســها مــن خــال وســائل التواصــل االجتامعــي‪،‬‬ ‫السياسـية‪.‬‬
‫ّ‬
‫كبــر بــن العراقيــن‪ .‬وقــد وظ ّفــت القــوى السياســية صحفيــن وإعالميــن للقيــام بهــذه امله ّمــة‪.‬‬
‫وهــؤالء الصحفيــن املدونــن الذيــن ير ّوجــون لألحـزاب وقياداتهــا‪ ،‬أو يخوضــون حروبهــم السياســية‬ ‫أداة اإلعالم‬
‫عنهــا هــم «جيــش إلكرتوين»‪ 15‬بحــق وحقيــق‪ .‬ويكــون عــاده مئــات الصفحــات يديرهــا محــررون‬ ‫يف الواقــع‪ ،‬فحتّــى ترصيحــات املســؤولني التــي تتحـ ّدث عــن ملفــات فســاد‪ ،‬ال يعــدو الكثــر منهــا أن‬
‫وتكنولوجيــون ومصممــون‪ .‬وعليهــا ميكــن مشــاهدة املنشــورات املمولــة التــي تســتهدف الرتويــج‬ ‫يكــون جــزءا ً مــن الحــرب بــن األحـزاب ذاتهــا عــى النفــوذ‪ .‬وقــد دخــل اإلعــام ضمــن دائــرة الفســاد‪،‬‬
‫لحــزب أو شــخص ّية سياســية أو منشــورات تــر ّوج لقضايــا فســاد للتســقيط الســيايس‪ .‬ومثلــا هــي‬ ‫إذ يتــم اســتخدامه لتأليــب املجتمــع عــى املســؤولني‪ ،‬مــا أدى إىل أن يصبــح املجتمــع مشــاركاً‪ ،‬بعــدم‬
‫وســائل اإلعــام التقليديــة‪ ،‬فــإن وســائل التواصــل االجتامعــي تكلّــف أمــواالً طائلــة‪ ،‬ومتويلهــا يــأيت‬ ‫درايــة منــه‪ ،‬يف الحــروب اإلعالميــة بــن القــوى السياســية‪ .‬وميتلــك العـراق اليــوم نحــو ‪ 300‬صحيفــة‬
‫مــن األمــوال التــي نهبتهــا األح ـزاب مــن مؤسســات الدولــة‪.‬‬ ‫ومجلــة ونحــو ‪ 55‬قنــاة تلفزيونيــة‪ ، 12‬فيــا تــكاد وســائل اإلعــام املســتقلة تعــد عــى أصابــع اليــد‬
‫الواحــدة‪ .‬فغالبيــة وســائل اإلعــام إمــا تكــون تابعــة بشــكل مبــارش لألحـزاب أو أنهــا ممولــة منهــا‪،‬‬
‫بنــاء عــى مــا ســبق‪ ،‬فــإن الفســاد ليــس جــزءا ً مــن مؤسســات الدولــة أو هــو مامرســة مرفوضــة‪،‬‬ ‫أو هــي تعتــاش عــى االبت ـزاز‪ .‬وقــد ح ّولــت منظومــة الفســاد وســائل اإلعــام إىل مص ـ ّد للهجــات‬
‫وإمنــا الفســاد هــو منظومــة تبــدأ مــن عمل ّيــة االنتخابــات‪ ،‬مــرورا ً بتوزيــع املناصــب بــن األح ـزاب‪،‬‬ ‫اإلعالميــة عــى األحـزاب بعضهــا بعضـاً‪ ،‬بينــا بــرز إعــام «مســتقل» يقــوم بفتــح ملفــات فســاد‪ ،‬إال‬
‫مــرورا ً بوصولــه إىل وســائل اإلعــام‪ ،‬التــي مــن املفــرض أن تقــوم مبهمــة الرقيــب‪ ،‬وتح ّولهــا إىل جــزء‬ ‫أنــه رسعــان مــا يعــاود إغالقهــا نتيجــة لتلقيــه األمــوال‪. 13‬‬
‫منــه‪ ،‬وحــام لــه‪.‬‬
‫وبوجــود إعــام كهــذا‪ ،‬فإنــه ال بــد أن تنتــر آفــاق الن ـزاع الطائفــي مــن خــال نقــل ترصيحــات‬
‫شرعنة الفساد في إدارة العراق‬ ‫ومعلومــات تحمــل يف طياتهــا التحريــض الــازم‪ ،‬إضافــة إىل إســهام وســائل اإلعــام الدينيــة يف إثــارة‬
‫الطائفيــة والتحريــض عــى العنــف مــن خــال برامجهــا وحواراتهــا‪ ،‬وقيامهــا بحمــات إعالميــة‬
‫رشعــن‪ ،‬أي ُمق َّنــن بقوانــن وقـرارات حكوميــة عليــا‪ ،‬متنــح األحـزاب املتنفــذة‬
‫إن الفســاد يف العـراق ُم ْ‬ ‫منظمــة وممنهجــة لالســتقطاب الطائفــي‪ ،‬خاصــة أثنــاء فــرات االنتخابــات واألحــداث الطائفيــة‬
‫غطــاء لالســتيالء ليــس عــى وارادات الدولــة فحســب بــل عــى ممتلكاتهــا أيضـاً‪ .‬وطاملــا أن األحـزاب‬
‫متلــك ســلطة ترشيــع القوانــن‪ ،‬فقــد منحــت نفســها االمتيــازات والرواتــب الخياليــة للمســؤولني‬
‫‪« - 11‬شاهد‪ ..‬مدير مكتب وزير “يبتز” محافظ املثنى ويطلب رشوة مقابل مترير طلبه»‪ ،‬موقع «يس عراق»‪ ،‬نرش‬
‫الكبــار والربملانيــن‪ ،‬ومنعــت محاســبة املتورطــن‪.‬‬ ‫بتاريخ ‪ 17‬ترشين الثاين ‪ /‬نوفمرب ‪.2019‬‬
‫‪ - 12‬املعموي‪ ،‬نرباس‪« ،‬االعالم والطائفية – حرب النفوذ والسلطة»‪ ،‬الحوار املتمدن‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 14‬آذار ‪ /‬مارس‬
‫‪ 2014‬العدد ‪ ،4393‬ص ‪ .5‬وتشري الدراسة إىل أن ‪ 45‬باملئة من القنوات الفضائية عامة‪ ،‬و‪ 20‬باملئة من القنوات‬
‫‪ - 14‬شهاب‪ ،‬حامد‪« ،‬الصحافة الورقية‪ ..‬اىل مثواها األخري» موقع «ميدل ايست اونالين»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 25‬نيسان ‪/‬‬ ‫الفضائية سياسية‪ ،‬و‪ 15‬باملئة دينية‪ ،‬و‪ 11%‬متنوعة‪ .‬اما من حيث املضمون الذي يرتاوح بني طائفي ومذهبي‪ ،‬فقد‬
‫أبريل عام ‪ ،2019‬وانظر أيضاً «هل انتهى عهد الصحيفة الورقية من العراق؟»‪ ،‬موقع قناة «الحرة» نرش بتاريخ ‪17‬‬ ‫توصلت الدراسة اىل ما ييل أن ‪ 56‬باملئة من القنوات الفضائية تتكلم باسم املذهب الشيعي‪ ،‬و‪ 18‬باملئة باسم السنة‪،‬‬
‫متوز ‪ /‬يوليو ‪ .2017‬‬ ‫و‪ 14‬باللمئة تبث باللغة الكردية‪ ،‬فيام مل تعلن ‪ 12‬باملئة من القنوات انتامئها ملذهب محدد‪ .‬‬
‫‪« - 15‬الجيوش اإللكرتونية‪ ...‬إرهاب ض ّد العراقيني»‪ ،‬صحفية «العريب الجديد»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 11‬أيلول ‪ /‬سبتمرب‬ ‫‪ - 13‬البيايت‪ ،‬يارس خضري‪« ،‬راجامت االعالم العراقي الطائفية»‪ ،‬موقع «رأي اليوم»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 14‬أيار ‪ /‬مايو‬
‫‪ .2019‬‬ ‫‪ .2020‬‬
‫‪109‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪108‬‬

‫لكــن إحالــة امللفــات إىل القضــاء‪ ،‬أو حتــى الحكــم عــى املتورطــن بالفســاد بالســجن ال يشــكّل‬ ‫وقــد ابتكــرت األحـزاب والكتــل الســاعية إىل كســب املزيــد مــن االمتيــازات واملــوارد مــن املــال العــام‪،‬‬
‫رادعـاً‪ ،‬علـاً بــأن مــن يُحكــم عليــه بالســجن بقض ّيــة فســاد مــن املســؤولني ذوي الدرجات املتوســطة‬ ‫فضــاً عــن كســب والء بعــض الفئــات االجتامعيــة‪ ،‬طرقــاً تتمثــل بترشيــع قوانــن تثقــل كاهــل‬
‫يحظــى بتعامــل خــاص‪ ،‬إذ متتلــك الســلطة العراق ّيــة ســجناً يف املنطقــة الخـراء لهــذه القضايــا‪ ،‬وهــو‬ ‫الدولــة‪ .‬فقــد تــم تخصيــص مبالــغ ماليــة طائلــة لفئــات ورشائــح تســكن خــارج البــاد‪ ،‬أو تســكن يف‬
‫ســجن تتوفّــر فيــه أدوات الرفــاه‪ ،‬ويســتقبل الــزوار عــى مــدار ‪ ٢٤‬ســاعة‪ ،‬حتّــى أن بعــض الذيــن‬ ‫الداخــل‪ ،‬لكنهــا تقــوم بتحويــل تلــك األمــوال إىل الخــارج‪ ،‬إضافــة إىل تقــايض رشائــح معينــة كالســجناء‬
‫ســجنوا فيــه ُســمح لهــم بزيــارة عائالتهــم أيــام الخميــس وال ُجمعــة مــن كل نهايــة أســبوع‪ .‬وحتــى‬ ‫السياســيني‪ ،‬و»محتجــزي رفحــاء» ‪ -‬وهــم املشــاركون يف انتفاضــة عــام ‪ 1991‬الذيــن فــر ّوا إىل مخيــم‬
‫مــن يُســجن فــإن بقــاءه يف الســجن ال يــدوم طويـاً‪ ،‬إذ دامئـاً مــا تشــمل قوانــن العفــو التــي يصدرهــا‬ ‫رفحــاء يف الســعودية خشــية مــن انتقــام نظــام صــدام حســن منهــم ‪ -‬والشــهداء الذيــن قضــوا أو‬
‫الربملــان‪ ،‬أو قوانــن العفــو الخــاص التــي يصدرهــا رئيــس الجمهوريــة‪ ،‬مــن تورطــوا بالفســاد‪ .‬وعــى‬ ‫أعدمــوا يف ســجون البعــث‪ُ .‬ينــح هــؤالء أكــر مــن راتــب‪ ،‬فـزادت أعــداد الذيــن يتقاضــون أكــر مــن‬
‫ســبيل املثــال‪ ،‬فــإن قانــون العفــو العــام رقــم ‪ 27‬لســنة ‪ 2016‬شــمل مبوجبــه كل مــن أديــن بجرائــم‬ ‫ثالثــة رواتــب عــن ‪ 250‬ألــف شــخص‪ .‬أي تُكلِّــف هــذه الرواتــب املوازنــة العامــة للعـراق أكــر مــن‬
‫الفســاد املــايل واإلداري قيــد التحقيــق واآلخريــن الذيــن تــم الحكــم عليهــم وإيداعهــم الســجن‪،‬‬ ‫‪ 18‬مليــار دوالر ســنوياً ‪.16‬‬
‫وهــم شُ ــملوا بالعفــو بعــد دفــع تعويضــات ماليــة‪ .‬فيــا شــمل قانــون العفــو الخــاص الصــادر مــن‬
‫قبــل رئيــس الجمهوريــة برهــم صالــح املتهمــن بجرائــم الفســاد املــايل‪ ،‬وهــو مــا يعنــي «االختــاس»‬ ‫وبهــذا الصــدد‪ ،‬كان القــايض رحيــم العكيــي رئيــس هيئــة النزاهــة األســبق قــد نــر معلومــات‬
‫ورسقــة أمــوال الدولــة‪.‬‬ ‫صادمــة بشــأن عــدد األشــخاص الذيــن يتقاضــون رواتــب ســجناء ومعتقلــن سياســيني يف زمــن النظــام‬
‫الســابق‪ ،‬فضـ ًـا عــن آليــة احتســاب رواتبهــم‪ .‬قــال العكيــي أن «مجمــوع عــدد الســجناء واملعتقلــن‬
‫ويظهــر تقريــر لهيئــة النزاهــة املختصــة بقضايــا مكافحــة الفســاد أ ّن عــدد املتهمــن يف القضايــا‬ ‫السياســيني الــذي يتقاضــون رواتــب تقاعديــة هــو ‪ 99612‬شــخصاً‪ ،‬منهــم ‪ 18577‬ســجيناً سياســياً‪ ،‬و‬
‫الجنائيــة ملــن هــم بدرجــة وزيــر ومــن بدرجتهــم ومــن ذوي الدرجــات الخاصــة واملديــرون العامــون‬ ‫‪ 51854‬معتقـاً سياســياً‪ ،‬و ‪ 29181‬محتجـزا ً رفحاويـاً‪ .‬كــا وأكــد أنــه «يبلــغ مجمــوع مــا يتقاضونــه‬
‫ومــن بدرجتهــم‪ ،‬قــد بلــغ ‪ 530‬مته ـاً بـــ ‪ 784‬قضيــة مــن أصــل ‪ 13649‬قضيــة تنظــر فيهــا هيئــة‬ ‫‪ 101‬مليــار و‪ 176‬مليــون دينــار) شــهرياً‪ ،‬بــدون احتســاب ازدواج الرواتــب ملــن لديــه منهــم ازدواج‬
‫النزاهــة يف عــام ‪ .2019‬أمــا عــدد أوامــر االســتقدام ملــن هــم بدرجــة وزيــر ومــن بدرجتهــم ِمــن‬ ‫راتــب‪ ،‬إذ يســتحق الســجني الســيايس ثالثــة أضعــاف الحــد األدىن للراتــب التقاعــدي‪ ،‬أي مليــون‬
‫أصحــاب الدرجــات الخاصــة فقــد بلــغ ‪ 374‬متهـاً يف ‪ 482‬قضيــة‪ ،‬فيــا بلغــت أوامــر إلقــاء القبــض‬ ‫ومئتــي ألــف دينــار شــهرياً‪ ،‬ويـزاد ‪ 60‬ألــف دينــار شــهرياً عــن كل ســنة قضاهــا يف الســجن‪ ،‬أي إذا‬
‫الصــادرة بحــق املتهمــن مــن الــوزراء ومــن بدرجتهــم ومــن ذوي الدرجــات الخاصــة ‪ 100‬أم ـ ٍر يف‬ ‫ُســجن خمــس ســنوات فيـزاد ‪ 300‬ألــف دينــار شــهرياً‪ ،‬فيصبــح راتبــه التقاعــدي مليونـاً وخمســمئة‬
‫‪ 182‬قضيــة؛ وقــد توزعــت قضايــا الفســاد التــي صــدرت بحــق املتهمــن بــن اإلرضار باملــال العــام‬ ‫ألــف دينــار»‪ .‬ويعــ ّرف القانــون الســجني الســيايس عــى أنــه كل «مــن حكــم عليــه بالحبــس أو‬
‫واالختــاس والرشــوة وتجــا ُوز حــدود الوظيفــة العامــة وغريهــا مــن القضايــا‪. 17‬‬ ‫الســجن مــن محكمــة ألســباب سياســية ولــو لشــهر واحــد»‪.‬‬

‫أمــا فيــا يتعلــق بجانــب املحاســبة‪ ،‬فقــد أظهــر التقريــر شــمول ‪ 76,24%‬مــن الذيــن نفــذت أوامــر‬ ‫إىل جانــب ذلــك‪ ،‬متنــح الفتــاوى التــي يطلقهــا بعــض رجــال الديــن غطــا ًء رشعي ـاً للفســاد باإلجــازة‬
‫التوقيــف والقبــض وإخــاء الســبيل بحقّهــم بنظــام الكفالــة‪ ،‬فيــا بلــغ عــدد املدانــن بقضايــا الفســاد‬ ‫لبعــض كبــار الفاســدين األخــذ مــن املــال العــام‪ ،‬كــا قــال ذلــك حســن اليــارسي الرئيــس الســابق‬
‫واالختــاس والرشــوة واإلرضار باملــال العــام واملشــمولني بقانــون العفــو العــام ‪ 579‬مدان ـاً‪ .‬باملقابــل‪،‬‬ ‫لهيئــة النزاهــة‪ ،‬الــذي كشــف عــن وجــود أحـزاب وجهــات يف الدولــة تختلــس مــن املــال العــام وفــق‬
‫فــإن القيمــة التقديريــة لألمــوال املختلســة كانــت أكــر بأضعــاف مضاعفــة مــن قيمــة األمــوال‬ ‫فتــوى لفقهــاء يعتــرون أن املــال العــام هــو مجهــول املالــك‪ .‬وقــد أجريــت العديــد مــن التحقيقــات‬
‫املس ـ َر ّدة منهــم والتــي بلغــت مــا يعــادل مليون ـاً وثالمثائــة وســبع وأربعــون ألــف دوالر أمريــي‪.‬‬ ‫مللفــات ضخمــة وكبــرة خــال فــرة وجيــزة ملجموعــة مــن املتورطــن بالفســاد يف وزاريت الكهربــاء‬
‫ومــن الجديــر بالذكــر بهــذا الصــدد‪ ،‬تفــاوت مــدى اســتجابة الــوزراء ومــن ذوي الدرجــات الخاصــة‬ ‫والتجــارة وأمانــة العاصمــة‪ ،‬أحيلــت التحقيقــات – جميعهــا ‪ -‬للقضــاء للبــت فيهــا‪.‬‬
‫فيــا يتعلــق بكشــف الذمــة املاليــة لهــم‪ ،‬وهــي رشط أســايس لتقلــد املنصــب الحكومــي‪ .‬وأظهــرت‬
‫حــاالت تدقيــق كشــوفات الذمــم املاليــة وجــود ‪ 157‬حالــة تضــارب للمصالــح يقــوم بهــا املكلــف‬
‫املشــمول بتقديــم كشــف الذمــة املاليــة (هــو أو زوجتــه أو أوالده التابعــون لــه) مبخالفــة القانــون‬
‫‪ - 16‬املشهداين‪ ،‬عبد الرحمن نجم‪« ،‬اقتصاد العراق بني ازمة كورونا وانهيار اسعار النفط العاملية وتأثرياتها عىل بناء‬
‫املوازنة االتحادية ‪ ،»2020‬تقارير مركز صنع السياسات للدراسات الدولية واالسرتاتيجية‪ ،‬اسطنبول – تركيا ص‪ ،14‬نرش‬
‫‪ - 17‬جمهورية العراق‪ ،‬هيئة النزاهة‪ ،‬التقرير السنوي لعام ‪ ،2019‬ص‪ 18-48‬‬ ‫يف ‪ 3‬نيسان ‪ /‬أبريل ‪ .2020‬‬
‫‪111‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪110‬‬

‫تمظهرات الفساد في العراق‬ ‫‪3‬‬ ‫مــن خــال إبـرام العقــود مــع وزارات ومؤسســات الدولــة املختلفــة أو أن يكــون (هــو أو زوجتــه أو‬
‫أوالده التابعــون لــه) مديـرا ً مفوضـاً أو مســاهامً يف الــركات الخاصــة واملحــدودة إضافــة إىل قيامــه‬
‫إ ّن الفســاد يف العــراق ال يطــال جانبــاً ويســتثني آخــر‪ ،‬إذ ال تــكاد مؤسســة يف العــراق تخلــو مــن‬ ‫باألعــال التجاريــة املمنــوع منهــا قانون ـاً ومبــا يؤثــر يف حياديتــه ونزاهــة العمــل الوظيفــي‪. 18‬‬
‫رشعــة‪ ،‬وســنذكر أهــم منافــذ النهــب بشــكل رسيــع‪ ،‬وهــي‬ ‫الفســاد‪ .‬تعــد أبــواب الفســاد كثــرة وم ّ‬
‫عــى التــوايل‪ :‬تهريــب النفــط‪ ،‬العقــارات‪ ،‬تهريــب األمــوال‪ ،‬التهريــب واملنافــذ الحدوديــة والجــارك‪،‬‬
‫العقــود الحكوميــة‪ ،‬التوظيــف وبيــع املناصــب‪ ،‬املوظفــون «الفضائيــون»‪ ،‬تجــارة الحبــوب واملــوايش‪،‬‬
‫اإلتجــار بالبــر واألعضــاء البرشيــة‪ ،‬البطاقــة التموينيــة‪ ،‬االمتحانــات وبيــع األســئلة‪ ،‬اإلعــام واملواقــع‬
‫وشــبكات التواصــل االجتامعــي‪ ،‬الســجون ومراكــز االحتجــاز‪ ،‬مــزاد العملــة والتحويــل الخارجــي‪،‬‬
‫تســجيل الســيارات والعقــود واألرقــام‪ ،‬الحواجــز الرســمية وغــر الرســمية‪ ،‬التقاعــد وملــف الشــهداء‬
‫والســجناء‪ ،‬األيــدي العاملــة األجنبيــة‪ ،‬تهريــب الحديــد والســكراب وغريهــا‪ ،‬القــروض املاليــة‪ ،‬التســليح‬
‫والتجهيــز‪ ،‬املكاتــب االقتصاديــة يف املحافظــات والــوزارات واملؤسســات‪ ،‬املخــدرات وتجــارة اآلثــار‪،‬‬
‫الكهربــاء‪ ،‬الســلف املاليــة املرصوفــة بــدون غطــاء‪ ،‬املناهــج املدرســية وطباعــة الكتــب‪ ،‬الرضائــب‬
‫والتهــرب منهــا‪ ،‬الزراعــة واألســمدة واملبيــدات‪ ،‬املشــاريع املتوقفــة واملشــاريع الوهميــة‪ ،‬اإلقامــة‬
‫وســات الدخــول‪ ،‬الرعايــة االجتامعيــة‪ ،‬األدويــة‪ ،‬شــبكات االتصــاالت واالنرتنــت والهواتــف النقالــة‪.‬‬

‫وتجــدر اإلشــارة هنــا إىل أن الفســاد يف العـراق ليــس نتيجــة عوامــل داخليــة فقــط‪ ،‬إذ لعبــت وتلعــب‬
‫قــوى كــرى مثــل الواليــات املتحــدة األمريكيــة ودول الجــوار العراقــي‪ ،‬مثــل إي ـران‪ ،‬دورا ً كب ـرا ً يف‬
‫حاميــة منظومــة الفســاد وإدامتهــا‪ .‬وقــد ســمح االحتــال األمريــي وشـ ّجع منــذ األيــام األوىل لدخولــه‬
‫العـراق عــى الفســاد‪ ،‬إذ نُهبــت عــى ناظـ َري جنــود القــوات األمريكيــة املتاحــف ومؤسســات الدولــة‬
‫ومل يُحـ ّرك جنــوده ســاكناً‪ ،‬عــى الرغــم مــن أن القانــون الــدويل يفــرض عليــه كســلطة احتــال الحفــاظ‬
‫عــى ال ـراث واألمــاك‪ .‬وقــد رســخ االحتــال األمريــي واملنظومــة السياســية التــي بناهــا الفســاد يف‬
‫السياســة واملجتمــع العراقــي بأنواعــه وأشــكاله املختلفــة‪.‬‬

‫ويتمثــل تأثــر دول مثــل الواليــات املتحـ ّدة وإيـران بشــكل مبــارش وغــر مبــارش بإدامــة الفســاد عــر‬
‫‪-‬عــى ســبيل املثــال‪ -‬صفقــات إعــادة اإلعــار‪ ،‬أو تهريــب النفــط أو اآلثــار‪ ،‬أو تطويــر منظومــة الطاقــة‬
‫الكهربائيــة‪ .‬ومتتلــك هــذه الــدول ودول أخــرى أقـ ّـل تأثـرا ً‪ ،‬مثــل الســعودية واإلمــارات وتركيــا وقطــر‪،‬‬
‫وكالء يف العمليــة السياســية‪ ،‬ويعقــد هــؤالء لصالحهــا صفقــات ضخمــة رشعيــة وغــر رشعيــة‪ .‬وتســمح‬
‫تلــك الــدول بغســيل األمــوال املنهوبــة مــن العـراق عــى أراضيهــا‪ ،‬ومتنــح غطــا ًء لــكل شــخص ّية عراق ّيــة‬
‫يجــري مالحقتهــا مــن خــال تســهيل هروبهــا عــر حدودهــا ومنافذهــا الربيــة أو مطاراتهــا‪ ،‬وحتّــى‬
‫أنهــا تقــوم باســتضافتها وتس ـخّر لهــا الدعــم الســيايس واإلعالمــي إلعــادة تلميعهــا‪ .‬تســيطر بعــض‬
‫هــذه الــدول عــى موانــئ الع ـراق عــر رشكات غــر مســجلة يف الحكومــة العراقيــة‪ ،‬ومتلــك بعــض‬
‫هــذه الــدول منافــذ حدوديــة غــر رســمية مــع الع ـراق لتهريــب البضائــع‪ ،‬وشــاركت الــدول املشــار‬
‫‪« - 18‬املال السيايس يف العراق‪ :‬وجه آخر للفساد»‪ ،‬صحيفة «العريب الجديد»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 12‬ترشين األول ‪ /‬أكتوبر‬
‫إليهــا آنف ـاً‪ ،‬ودول أخــرى‪ ،‬يف ملفــات الفســاد الكــرى يف الع ـراق‪ ،‬وخاصــة يف عقــود النفــط وملفــات‬
‫‪ .2019‬‬
‫‪113‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪112‬‬

‫لتأجــر أو متلــك أراض زراعــيــــة تحتــوي عــى أنابيــب نفــط وبذلــك تتــم عمليــات تهريــب أخــرى‪. 20‬‬ ‫إعــادة االعــار‪.‬‬
‫ويشــر التقريــر الســنوي يف الفصــل األول لديــوان الرقابــة املاليــة عــام ‪ ،2019‬إىل أن أغلــب منظومــات‬
‫القيــاس يف مواقــع املســتهلكني للنفــط الخــام مــن الخــط االسـراتيجي الواقــع ضمــن مســؤولية رشكــة‬ ‫وسـ ّركز فيــا يــي يف هــذا الفصــل عــى بعــض قضايــا وأبــواب الفســاد املركزيــة‪ .‬سنســتعرض قصصهــا‬
‫نفــط البــرة غــر مســتوفية ملحــدد انتظــام القيــاس الوطنــي‪ ،‬عــاوة عــى أن معظــم العــدادات‬ ‫رشكات دوليــة‪ ،‬وسنســتعني ببعــض الترصيحــات‬ ‫ٍ‬ ‫وأحجامهــا واملشــاركني فيهــا مــن شــخصيّات محليّــة أو‬
‫وأجهــزة املعايــرة للمســتهلكني منتهيــة الصالحيــة‪. 21‬‬ ‫التــي نُــرت بشــأنها‪ .‬إن هــذه الفرشــة تحــاول تقديــم أمثلــة عــن كيفيــة توقيــع العقــود‪ ،‬وعقــد‬
‫االتفاقيــات يف العـراق‪ ،‬إن كانــت بشــكل رســمي‪ ،‬أي محم ّيــة بالقوانــن النافــذة‪ ،‬أو بشــكل غــر رســمي‬
‫عقود النفط‬ ‫بااللتفــاف عــى القانــون أو بتهديــد الفصائــل املســلحة‪ .‬وال بــد مــن اإلشــارة إىل أن الكثــر مــن هــذه‬
‫امللفــات يجــري التغط ّيــة عليهــا ليــس بقــوة القانــون فحســب‪ ،‬وإمنــا كذلــك بق ـ ّوة الســاح الــذي‬
‫لقــد منحــت ســلطة االحتــال األمريــي بعــد انهيــار البنــى االقتصاديــة العراقيــة رشكــة «هالبريتــون»‬ ‫متتلكــه الفصائــل املســلحة املدعومــة أو املقربــة مــن األح ـزاب‪ ،‬والتــي تتل ّقــى تعليــات خارجيّــة‪،‬‬
‫للطاقــة‪ ،‬وهــي أكــر رشكــة خدمــات للطاقــة يف العــامل‪ ،‬النســبة األكــر مــن العقــود والتــي تزيــد عــن‬ ‫وخاصــة مــن إيـران‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ 60‬باملئــة إلعــار البنــى التحتيــة لقطــاع النفــط العراقــي‪ ،‬دون إجـراء مناقصــات‪ .‬كــا منحــت «فرقــة‬
‫الخليــج»‪ ،‬رشكــة املقــاوالت األمريكيــة «بارســونز» عقــد تســليم غــر محــدود وبكميــة غــر محــدودة‬ ‫تهريب النفط‬
‫مــع منــح مكافــآت لكلفــة زائــدة تبلــغ ‪ 800‬مليــون دوالر مــن أجــل تأمــن اســتمرار تشــغيل البنيــة‬ ‫تعــد عمليــة تهريــب النفــط مــن أكــر التحديــات التــي تواجــه االقتصــاد العراقــي يف املرحلــة الحاليــة‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫التحتيــة لقطــاع النفــط يف العــراق‪ ،‬ومل ينجــز العمــل بشــكل جيــد وشــابه الكثــر مــن الفســاد‬ ‫وترتبــط عمليــات التهريــب بجهــات رســميّة‪ ،‬وفصائــل مســل ّحة‪ ،‬وأحيان ـاً عصابــات صغــرة مبســاعدة‬
‫‪ .‬كشــف املحققــون الربيطانيــون عــن رشــاوى مبــا ال يقــل عــن ‪ 25‬مليــون دوالر للفــوز بصفقــات‬ ‫مــن سـكّان محليــن‪ .‬وغالبـاً مــا يتـ ّم بيــع النفــط املهـ ّرب إىل دول الجــوار مثــل تركيــا‪ ،‬إيـران‪ ،‬وســوريا‪.‬‬
‫نفطيــة بالعـراق ووجهــت اتهامــات الثنــن مــن املديريــن التنفيذيــن الســابقني لرشكــة «أونــا أويــل»‪،‬‬ ‫ويُرجــح تهريــب نحــو ‪ 93‬ألــف برميــل نفــط يومي ـاً بقيمــة مليــاري دوالر ســنوياً‪ .‬وتشــهد محافظــة‬
‫بالتآمــر لتقديــم رشــاوى لتأمــن عقــود لتزويــد ثالثــة أنظمــة عامئــة بحريــة بــن عامــي ‪ 2005‬و‪.2011‬‬ ‫البــرة‪ ،‬أقــى جنــوب الع ـراق‪ ،‬تهريــب أكــر مــن ‪ 40‬ألــف برميــل نفــط يومي ـاً‪ ،‬وتنطلــق مئــات‬
‫كــا كشــفت هيئــة النزاهــة يف الع ـراق عــن وجــود فســاد يف عقــد أبــرم بــن رشكــة نفــط البــرة‬ ‫الصهاريــج املحملــة بالنفــط الخــام مــن مناطــق نفــط عراقيــة إىل املنافــذ الحدوديــة الربيــة والبحريــة‬
‫الحكوميــة ورشكتــن عامليتــن لـراء ثالثــة أذرع للتحميــل‪ .‬ويقــي العقــد املــرم بــن تلــك األطـراف‬ ‫عــر موانــئ الفــاو وخــور الزبــر وأبــو فلــوس‪ ،‬حيــث يتــم تحميــل النفــط الخــام عــى مــن بواخــر ال‬
‫ب ـراء أذرع تحميــل تبلــغ قيمتهــا اإلجامليــة ‪ 126‬مليــون دوالر بينــا ســعرها الحقيقــي ال يتجــاوز‬ ‫تحمــل أي أوراق رســمية‪ . 19‬ويتــم تهريــب نحــو ‪ 23‬ألــف برميــل يوميـاً مــن النفــط مــن محافظتــي‬
‫‪ 40‬مليــون دوالر‪.‬‬ ‫صــاح الديــن ونينــوى مــن حقـ َـي نجمــة والقيــارة‪ ،‬كــا يجــري تهريــب نحــو ‪ 30‬ألــف برميــل مــن‬
‫حقــول كركــوك محملــة مبــا ال يقــل عــن ‪ 150‬صهريجـاً لنقــل النفــط‪.‬‬
‫تُظهــر قضيــة رشكــة «برتوفــاك» مــدى قــوة منظومــة الفســاد يف الع ـراق وعــدم تأثرهــا بالفضائــح‬
‫االقتصاديــة التــي تحصــل يف العــامل‪ .‬إذ بينــا يحاكــم القضــاء الربيطــاين الرشكــة نتيجــة لتورطهــا‬ ‫ورصــد رئيــس ديــوان الرقابــة املاليــة تفاوتـاً كبـرا ً بعمليــات تســليم النفــط واملــشــتــقــــات ســـــواء‬
‫بعمليــات رشــاوى مــن أجــل الحصــول عــى عقــود يف الع ـراق‪ ،‬فــإن الع ـراق اســتمر بإب ـرام العقــود‬ ‫كــــان لـالسـتـخـــدام الـداخـلـــي أو للـتـصـديـــر‪ ،‬بـسـبـــب تهالــك عـــــدادات قيــاس النفط‪ ،‬وشـخّص‬
‫مــع الرشكــة ومتديــد أعاملهــا‪ .‬وواجــه رئيــس قســم املبيعــات الســابق يف رشكــة «برتوفــاك» ديفيــد‬ ‫نقطــة أُخـــرى تســهم بعمليــات تهريــب النفــط ناتجــة عــن امتــداد أنابيــب النقــل ســواء للخــام أو‬
‫لوكــن تهـاً تتعلــق بتقديــم رشــاوى وعــروض فاســدة للحصــول عــى عقــود نفطيــة يف العـراق بلغــت‬ ‫للمشــتقات النفطيــة ملســافات كبــرة بينــا ال توجــد حراســات تغطيهــا‪ ،‬وبالتــايل فــإن هنــاك نـقـــاطاً‬
‫قيمتهــا ‪ 730‬مليــون دوالر‪ .‬دفعــت الرشكــة حــوايل ‪ 2,2‬مليــون دوالر إىل وكيلَــن للحصــول عــى عقــد‬ ‫يتــم ثقــب األنـبـــوب فيهــا وســحب النفــط أو مشــتقاته ونقلهــا عــن طريــق الصهاريــج‪ .‬ومــن الطــرق‬
‫األخـــرى التــي تتــم فيهــا عمليــات تهريــب النفــط هــي قيــام مواطنــن بالتعاقــد مــع وزارة الزراعــة‬
‫‪ - 20‬املصدر السابق‬
‫‪ - 21‬التقرير السنوي لديوان الرقابة املالية لعام ‪ ،2019‬ص ‪ ،44‬بغداد ‪.2019‬‬
‫‪ - 22‬عبد الرضا‪ ،‬نبيل جعفر وعواد‪ ،‬محمد جاسم‪« ،‬الفساد االقتصادي يف العراق» ص‪ ،162‬رشكة الغدير للطباعة‬ ‫‪ 20« - 19‬مليون دوالر قيمة تهريب النفط يومياً من مواينء البرصة»‪ ،‬موقع «روداو»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 25‬ترشين األول ‪/‬‬
‫والنرش‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬البرصة‪ .2015 ،‬‬ ‫أكتوبر ‪ .2017‬‬
‫‪115‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪114‬‬

‫فرصــة لتقاســم رواتــب وظائفهــم مــع مســؤوليهم دون أن يحــروا إىل مؤسســاتهم‪ ،‬أو دون القيــام‬ ‫بقيمــة ‪ 329،7‬مليــون دوالر أمريــي مــن عقــود الهندســة والتوريــد واإلنشــاء يف املرحلــة االوىل مــن‬
‫بــأي عمــل يُذكــر‪ .‬ويقـ ّدر عــدد األمــوال التــي تُــرف للفضائيــن ومزدوجــي الرواتــب بنحــو مليــاري‬ ‫مــروع حقــل بــدرة النفطــي يف العـراق يف شــباط ‪ /‬آذار مــن ‪ ،2012‬ودفعــت الرشكــة رشــاوى بقيمــة‬
‫دوالر شــهرياً‪. 23‬‬ ‫‪ 4‬مليــون دوالر للحصــول عــى متديــدات لعقــد مرتبــط بالتشــغيل والصيانــة يف مــروع محطــة الفــاو‬
‫للســنوات ‪ 2013‬و‪ 2014‬و‪ 2015‬بقيمــة نحــو ‪ 400‬مليــون دوالر أمريــي لصالــح «برتوفــاك»‪ .‬وقــد‬
‫وعــى ســبيل املثــال ال الحــر‪ ،‬فقــد كشــف وزيــر الدفــاع العراقــي األســبق خالــد العبيــدي عــام‬ ‫حصلــت «برتوفــاك» عــى عقــود عديــدة يف العـراق منهــا‪ :‬عقــد بقيمــة ‪ 370‬مليــون دوالر مــن رشكــة‬
‫‪ ،2015‬عــن فســخ عقــد ‪ 37‬ألــف منتســب يف وزارة الدفــاع ال وجــود لهــم عــى أرض الواقــع يف‬ ‫نفــط البــرة لتوســيع مرفــق املعالجــة يف حقــل مجنــون النفطــي‪ ،‬وعقــد آخــر بقيمــة ‪ 160‬مليــون‬
‫وحداتهــا العســكرية‪ . 24‬أمــا حيــدر العبــادي‪ ،‬رئيــس الــوزراء األســبق‪ ،‬فقــد اتهــم جهــات ‪-‬مل يسـ ّمها‪-‬‬ ‫دوالر مــن رشكــة نفــط البــرة لصالــح مــروع توســيع صــادرات النفــط الخــام العراقــي‪ .‬ويف متــوز‬
‫بامتــاك جــزء صغــر مــن املقاتلــن يف الحشــد الشــعبي‪ ،‬تتقــاىض رواتــب كبــرة لتمــول نفســها يف‬ ‫‪ /‬يوليــو ‪ 2017‬أعلنــت «برتوفــاك» أنهــا حصلــت عــى متديــد عقــد بقيمــة إجامليــة تزيــد عــن ‪100‬‬
‫االنتخابــات‪ .‬وقــال العبــادي يف كلمتــه خــال اجتــاع تــدارس ســبل مكافحــة اإلرهــاب الــذي عقــد يف‬ ‫مليــون دوالر إلدارة البنــاء والهندســة والتكليــف وخدمــات بــدء التشــغيل لرشكتــن نفطيتــن دوليتــن‬
‫نيويــورك يف أيلول‪/‬ســبتمرب ‪« :2015‬قمنــا بإلغــاء مــا يزيــد عــن ‪ 50‬ألــف مــن الجنــود الوهميــن مــن‬ ‫يف الع ـراق‪ .‬كــا حصلــت الرشكــة عــى عقــد بقيمــة ‪ 500‬مليــون دوالر يتضمــن إدارة وتنفيــذ عــد ٍد‬
‫الذيــن كانــوا يســتلمون الرواتــب دون أن يــؤدوا خدمــة ويكلّفــون خزينــة الدولــة ‪ 500‬مليــون دوالر‬ ‫مــن املشــاريع اإلنشــائية يف حقــل الرميلــة النفطــي العمــاق‪.‬‬
‫ســنوياً‪ .‬خاصــة أنهــم مجــرد جــزء فقــط مــن إجــايل «الفضائيــن» يف كثــر مــن مؤسســات الدولــة»‪. 25‬‬
‫إىل جانــب ذلــك‪ ،‬لقــد تســبب العقــد املوقــع بــن وزارة النفــط والرشكــة العربيــة البحريــة عــام ‪2018‬‬
‫أمــا عــى صعيــد الربملــان ومؤسســاته‪ ،‬فقــد أشــار ديــوان الرقابــة املاليــة يف تقريره الســنوي لعــام ‪2018‬‬ ‫بهــدر ‪ 17‬مليــون دوالر مــن خــال تزويــد الرشكــة بزيــت الوقــود املدعــوم‪ ،‬وشــمل العقــد تأجــر‬
‫إىل أن مجلــس النــواب العراقــي قــد رصف ‪ 1452‬مليــون دينــار يف شــهر كانــون األول ‪ 2017‬كرواتــب‬ ‫ناقــات واســتخدام الرصيــف ‪ 13‬يف خــور الزبــر‪ .‬ومنــح العقــد االمتيــازات واحتــكار نقــل املنتجــات‬
‫ومخصصــات لنحــو ‪ 1322‬مــن حاميــات النــواب حيــث وجــد تجــاوز يف عــدد حاميــات النــواب البالــغ‬ ‫والتجــارة النفطيــة لرشكــة أجنبيــة عــى حســاب الــركات العراقيــة‪ .‬وتســتغل بعــض الــركات النفطية‬
‫عددهــم ‪ 215‬نائــب‪ ،‬والغريــب أن العديــد مــن النــواب الســابقني يقيمــون خــارج العـراق ومــع ذلــك‬ ‫التعاقــدات الثانويــة للحصــول عــى املزيــد مــن األمــوال بطــرق غــر قانونيــة‪ .‬فعــى ســبيل املثــال‪،‬‬
‫يســتلمون رواتــب أعضــاء حامياتهــم التــي تـراوح أعدادهــم مــا بــن ‪ 5-20‬شــخصاً‪. 26‬‬ ‫قامــت رشكتــي «برتوجاينــا» و»ســينوك» الصينيتــن املســتثمرتني يف حقــول ميســان وفــق «عقــود‬
‫كــا كشــفت عضــو اللجنــة املاليــة النيابيــة ماجــدة التميمــي عــن وجــود متقاعديــن فضائيــن‬ ‫الرتاخيــص» (وهــي عقــود خدمــة طويلــة االجــل متتــد اىل اكــر مــن ‪ 20‬ســنة وقعهــا العـراق ابتــداءا‬
‫يتقاضــون أكــر مــن ‪ 23‬راتبـاً يف الشــهر الواحــد ببطاقــات ذكيــة متعــددة‪ . 27‬وأكــد رئيــس التحالــف‬ ‫مــن عــام ‪ 2009‬مــع مجموعــة مــن الــركات األجنبيــة لتطويــر الطاقــة اإلنتاجيــة يف حقــول النفــط‬
‫الدميقراطــي املــدين مثــال اآللــويس وجــود ‪ 60‬ألــف عنــر مــن أقربــاء بعــض أعضــاء مجلــس النــواب‬ ‫العراقيــة مقابــل أجــور ربحيــة تحصــل عليهــا الــركات األجنبيــة مقابــل كل برميــل نفــط منتــج) ببيــع‬
‫جــزء مــن حصتهــا الشــهرية املقــررة مــن زيــت الغــاز‪ ،‬املحــددة بالســعر الرســمي البالــغ ‪ 400‬دينــار‬
‫‪ /‬لــر‪ ،‬إىل الــركات الثانويــة املتعاقــدة معهــا بــدالً مــن تجهيزهــا مــن قبــل رشكــة توزيــع املنتجــات‬
‫النفطيــة مبوجــب عقــد أصــويل وبالســعر التجــاري البالــغ ‪ 750‬دينــار ‪ /‬لــر‪ .‬وقــد بلغــت قيمــة الــرر‬
‫‪« - 23‬املالية‪ :‬مليارا دوالر شهريا تكلفة رواتب الفضائيني ومزدوجي الرواتب»‪ ،‬وكالة «شفق نيوز»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 7‬متوز‬ ‫عامــي ‪ 2014‬و‪ 2015‬نحــو ‪ 13.536‬مليــار دينــار‪.‬‬
‫‪ /‬يوليو ‪ .2020‬‬
‫‪« - 24‬وزير الدفاع يكشف عن فسخ عقد ‪ 37‬ألف (فضايئ) بالوزارة»‪ ،‬وكالة «السومرية نيوز»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 12‬آب ‪/‬‬ ‫الموظفون الفضائيون (الوهميون)‬
‫أغسطس ‪ .2015‬‬
‫بــات مصطلــح «املوظفــون الفضائيــون» معروف ـاً وشــائعاً جــدا ً يف الع ـراق مــا بعــد ‪ ،2003‬ويُقصــد‬
‫‪« - 25‬العبادي‪ 50 :‬ألف مجند وهمي بالجيش العراقي»‪ ،‬موقع «الجزيرة نت»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 30‬ترشين الثاين ‪ /‬نوفمرب‬
‫‪ .2014‬‬ ‫بالفضائيــن أولئــك املوظفــون املقيــدون بــاألوراق الرســمية ويتقاضــون مرتبــات شــهرية‪ ،‬ولكــن‬
‫يف الواقــع هــم غــر موجوديــن‪ .‬وينتــر هــؤالء بشــكل كبــر يف كافــة مؤسســات وأجهــزة الدولــة‬
‫‪ - 26‬جمهورية العراق‪ ،‬هيئة النزاهة‪ ،‬التقرير السنوي لعام ‪ 2018‬‬
‫العراقيــة‪ ،‬ال ســيام أجهــزة الجيــش والرشطــة‪ .‬يُع ـ ُّد الفضائيــون مصــدر متويــل لألح ـزاب والفصائــل‬
‫‪« - 27‬التميمي تكشف عن (متقاعدين فضائيني) يستلمون ‪ 23‬راتبا يف الشهر الواحد»‪ ،‬وكالة «املعلومة»‪ ،‬نرش بتاريخ‬
‫املسـلّحة‪ ،‬إال أنهــم أيضـاً يض ّمــون عــددا ً مــن املواطنــن الذيــن دخلــوا يف عمل ّيــة الفســاد‪ ،‬إذ وجــدوا‬
‫‪ 5‬كانون األول ‪ /‬ديسمرب ‪.14‬‬
‫‪117‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪116‬‬

‫اســتحوذت عــى مقاطعــات كاملــة يف بغــداد‪ ،‬منهــم رئيــس الــوزراء األســبق نــوري املالــي الــذي‬ ‫والــوزراء واملســؤولني يف الدولــة يتســلمون رواتــب‪ ،‬وهــم فضائيــون‪ ،‬بحجــة حاميــة الشــخصيات‪. 28‬‬
‫اســتحوذ عــى مقاطعــة الســندباد مبســاحة ‪ 10‬آالف مــر مربــع داخــل املنطقــة الخـراء‪ ، 32‬وعــار‬
‫الحكيــم اســتحوذ عــى ‪ 25‬ألــف مــر مربــع يف منطقــة الجادريــة ببغــداد‪ ،‬وكذلــك عــى دور ســكنية‬ ‫وال يقتــر وجــود هــؤالء يف الربملــان ومؤسســات الدولــة املركزيــة‪ ،‬وإمنــا ميتــد إىل هيئــات الحكــم‬
‫تابعــة لــوزراء النظــام الســابق»‪ . 33‬وأحصــت اللجنــة املاليــة يف الربملــان بيــع حكومــة املالــي (‪2006-‬‬ ‫املحــي‪ ،‬إذ كشــف رئيــس اللجنــة املاليــة الســابق النائــب أحمــد الجلبــي عــن وجــود عقــود وهميــة‬
‫‪ )2014‬لوحدهــا نحــو ‪ 40‬باملئــة مــن أمــاك الدولــة‪ ،‬ومل يتبـ َّـق ســوى ‪ 600‬ألــف عقــار تابــع للدولــة‪. 34‬‬ ‫كبــرة يف أمانــة بغــداد مباليــن الدنانــر‪ ،‬وقــال الجلبــي أن هنــاك أكــر مــن ‪ 7000‬عامــل فضــايئ يف‬
‫أمانــة بغــداد تذهــب أجورهــم إىل مســؤويل الدوائــر الخدميــة يف العاصمــة بغــداد‪ . 29‬كــا كشــف‬
‫رغــم هــذه األرقــام‪ ،‬فإنــه ال توجــد إحصائيــات دقيقــة عــن أعــداد العقــارات التابعــة للدولــة‪ ،‬فهنــاك‬ ‫محافــظ البــرة الســابق ماجــد النـراوي عــن وجــود أكــر مــن خمســة آالف أجــر يومــي فضــايئ يف‬
‫الكثــر مــن العقــارات غــر معروفــة‪ ،‬وغــر مســجلة يف ســجالت الدولــة‪ .‬وتشــر ماجــدة التميمــي‪،‬‬ ‫بلديــة املحافظــة‪ . 30‬وكانــت حســيبة الكــردي‪ ،‬عضــو برملــان كردســتان‪ ،‬قــد كشــفت عــن وجــود ‪55‬‬
‫وهــي نائــب يف الربملــان وعضــو يف اللجنــة املاليــة‪ ،‬إىل أن ‪ 170‬ألــف عقــار يف محافظــة البــرة‬ ‫ألــف فضــايئ يف كردســتان‪. 31‬‬
‫تــم تزويــر أوراقهــا وســجالتها مــن قبــل متنفذيــن يف الدولــة‪ ،‬كــا أشــارت إىل أن ‪ 95‬باملئــة مــن‬
‫إيـرادات عقــارات الدولــة تذهــب إىل الفاســدين وال يدخــل إىل خزينــة الدولــة منهــا ســوى ‪ 5‬باملئــة‪.‬‬ ‫العقارات‬
‫وكشــفت التميمــي وجــود ســجالت وأضابــر تــم إخفاؤهــا عمــدا ً مــن الســجالت األصليــة‪ ،‬ناهيــك عــن‬
‫التالعــب والتزويــر‪ .‬ووفق ـاً للتميمــي فــإن دائــرة التســجيل العقــاري منغمســة ومتورطــة بعمليــات‬ ‫تعــد العقــارات اململوكــة للدولــة مــن امللفــات املغلقــة متامـاً نتيجة لســيطرة رؤســاء األحـزاب وغريهم‬
‫نهــب العقــارات‪. 35‬‬ ‫عليهــا‪ .‬ويُقصــد بالعقــارات التابعــة للدولــة‪ ،‬أي األرايض والبســاتني والدور الســكنية واملحــات التجارية‬
‫وغريهــا التــي متتلكهــا وزارة املاليــة او البلديــات وغريهــا مــن الــوزارات واملؤسســات الحكوميــة‪ ،‬أو‬
‫ال تتوقّــف شــهوة األحـزاب والفصائــل املســلحة عــى نهــب العقــارات التابعــة للدولــة‪ ،‬وإمنــا تتعداهــا‬ ‫عقــارات وأراض تابعــة ألركان نظــام صـ ّدام حســن وجــرى مصادرتهــا بعــد احتــال بغــداد يف ‪.2003‬‬
‫لتشــمل عقــارات املواطنــن‪ ،‬وبحســب جهــات رقابيــة فــإن عمليــات التزويــر يف دائــرة تســجيل‬ ‫وتع ّرضــت العقــارات لواحــدة مــن أكــر عمل ّيــات النهــب عــى يــد النظــام الجديــد‪ ،‬وجــاءت طــرق‬
‫العقــارات تــؤدي إىل انتـزاع ‪ 50‬إىل ‪ 100‬عقــار مــن مالكهــا ســنوياً‪ .‬ويقدر جامل األســدي‪ ،‬وهــو املفتش‬ ‫نهبهــا إمــا عــن طريــق بيعهــا لرؤســاء األحـزاب وتابعيهــم ومســتثمريهم بأمثــان بخســة‪ ،‬وإمــا منحهــا‬
‫العــام األســبق يف وزارة الداخليــة‪ ،‬عــدد العقــارات التــي طــال وثائقهــا التالعــب والتزويــر بـــ»اآلالف»‪.‬‬ ‫إياهــم بعقــود طويلــة األمــد مقابــل بــدالت واطئــة جــدا ً‪ ،‬أو مبســاطحات طويلــة املــدى‪.‬‬
‫وغالب ـاً مــا تســتغل األح ـزاب والفصائــل املســلحة أمــاك املهاجريــن لتحويــل ملك ّيتهــا‪ ،‬لكنهــا أيض ـاً‬
‫تذهــب إىل تهديــد األقليــات الدينيــة مثــل املســيحيني أو األيزديــن ملحارصتهــم ودفعهــم إىل الهجــرة‬ ‫وعــى ســبيل املثــال‪ ،‬اشــرى حــزب ســيايس عقــارا ً يف منطقــة القاهــرة وســط بغــداد بســعر ‪ 10‬آالف‬
‫خــارج البــاد مــن أجــل اســتمالك عقاراتهــم‪ُ .‬ويســمي املفتــش العــام لــوزارة الداخليــة الجهــات التــي‬ ‫دينــار نحــو ‪ 7‬دوالرات للمــر الواحــد الفتتــاح جامعــة اإلمــام الصــادق‪ ،‬بينــا يقــ ّدر ســعر املــر‬
‫تســيطر عــى العقــارات بأنهــم «أنــاس أو مجموعــات لديهــا القــدرة عــى اســتخدام القــوة الحكوميــة‬ ‫الحقيقــي يف املنطقــة بأكــر مــن ألــف دوالر‪ .‬وبحســب اللجنــة املاليــة يف الربملــان العراقــي فــإ ّن بعــض‬
‫أو العســكرية»‪ ،‬ورغــم معرفــة الربملانيــن بالقــوى والزعامــات السياســية التــي تســتويل عــى العقــارات‪،‬‬ ‫األح ـزاب تســيطر عــى مناطــق كاملــة يف بغــداد‪ .‬وقــال محمــد التميمــي‪ ،‬ســكرتري لجنــة متابعــة‬
‫وبالرغــم مــن وصــول وزارة الداخليــة إىل األشــخاص الذيــن يغتصبــون العقــارات‪ ،‬فــإن مــن النــادر مــا‬ ‫عقــارات الدولــة يف الربملــان‪ ،‬وهــي لجنــة شــكلت ملعالجــة ملــف العقــارات‪ ،‬إن «شــخصيات سياســية‬

‫‪« - 32‬نهب عقارات العراق‪...‬تالعب وفساد يطاول سياسيني وأحزاباً وفصائل مسلحة»‪ ،‬صحيفة «العريب الجديد»‪ ،‬نرش‬ ‫‪« - 28‬مثال اآللويس‪ 60 :‬ألف فضايئ من حامية النواب واملسؤولني»‪ ،‬صحيفة «الزمان»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 6‬كانون األول ‪/‬‬
‫بتاريخ ‪ 9‬كانون األول ‪ /‬ديسمرب ‪ .2019‬‬ ‫ديسمرب ‪.2014‬‬
‫‪ - 33‬املصدر السابق‪.‬‬ ‫‪ 7 « - 29‬آالف عامل (فضايئ) يف أمانة بغداد»‪ ،‬وكالة «إرم نيوز»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 6‬كانون األول ‪ /‬ديسمرب ‪.2014‬‬
‫‪« - 34‬بلد للبيع‪ ...‬اآلالف من عقارات الدولة العراقية تستويل عليها األحزاب واملليشيات»‪ ،‬موقع «باس نيوز»‪ ،‬نرش‬ ‫‪« - 30‬أكرث من ‪ 5‬آالف عامل نظافة فضايئ فـي البرصة انفق عليهم ‪ 110‬مليارات دينار»‪ ،‬صحيفة «املدى»‪ ،‬نرش‬
‫بتاريخ ‪ 1‬كانون األول ‪ /‬ديسمرب ‪.2016‬‬ ‫بتاريخ ‪ 6‬كانون األول ‪ /‬ديسمرب ‪ .2014‬‬
‫‪« - 35‬التميمي تكشف عن ملفات فساد يف ‪ 170‬ألف عقار يف البرصة»‪ ،‬موقع إذاعة «املربد»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 20‬آب ‪/‬‬ ‫‪« - 31‬هدر عرشات املليارات شهريًا‪ ..‬كم عدد (املوظفني الفضائيني) يف كردستان؟»‪ ،‬موقع «الرتا صوت»‪ ،‬نرش بتاريخ‬
‫أغسطس ‪.2019‬‬ ‫‪ 4‬أيلول سبتمرب ‪.2019‬‬
‫‪119‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪118‬‬

‫ويف العــام ذاتــه‪ ،‬تعاقــد العـراق عــى أكــر صفقــة فســاد‪ ،‬تــم اكتشــافها بعــد ذلــك بـــ‪ 3‬ســنوات‪ ،‬وهــي‬ ‫تتــم محاســبة هــذه الجهــات‪. 36‬‬
‫رشاء أجهــزة كشــف املتفج ـرات بقيمــة ‪ 122‬مليــون دوالر‪ .‬وكان الربيطــاين جيمــس ماكورميــك قــد‬
‫اشــرى أجهــزة مســتخدمة يف ألعــاب الغولــف بقيمــة ‪ 20‬دوالرا ً للجهــاز الواحــد‪ ،‬وبــاع منهــا للعـراق‬ ‫التسليح والتجهيز‬
‫‪ 7‬آالف قطعــة بقيمــة ‪ 3000 – 2500‬دوالر للقطعــة الواحــدة‪ .‬ويف العــام ‪ 2012‬اتفقــت الحكومــة‬
‫مــع جمهوريــة التشــيك عــى رشاء ‪ 24‬طائــرة مقاتلــة وطائــرة تدريــب يف صفقــة تبلــغ قيمتهــا مليــار‬ ‫مل تكــن االنهيــارات األمنيــة التــي شــهدها الع ـراق منــذ عــام ‪ 2003‬إال نتيجــة للفســاد املســترشي يف‬
‫دوالر‪ .‬وذكــرت مصــادر أمنيــة‪ ،‬حينهــا‪ ،‬أن هــذه الطائــرات مخصصــة للتدريــب وال فائــدة قتاليــة‬ ‫املؤسســات األمنيــة‪ .‬فالفســاد يف هــذه الدوائــر ال ينحــر بعــدد «الفضائيــن» الكبــر‪ ،‬وال بتحويــل‬
‫ترجــى منهــا‪ .‬وكشــفت صحيفــة دايــي بيســت األمريكيــة عــن فضائــح وقضايــا فســاد تورطــت فيهــا‬ ‫الحواجــز األمنيــة ‪-‬التــي مــن املفــرض أنّهــا ُو ِضعــت لتحمــي املُــدن مــن الخروقــات األمنيــة‪ -‬نقاط ـاً‬
‫رشكــة «ســايل بــورت»‪ ،‬وهــي رشكــة مقــاوالت عســكرية أمريكيــة أبرمــت صفقــات وعقــود رشاكــة‬ ‫لرتبّــح الضبــاط الكبــار مــن خــال ابتـزاز املواطنــن وأصحــاب الشــاحنات لدفــع أمــوال مقابــل مرورهم‬
‫مريبــة مبســاعدة مســؤولني عراقيــن‪ ،‬حيــث تورطــت الرشكــة بتهريــب الســاح يف قاعــدة بلــد الجويــة‪،‬‬ ‫منهــا‪ .‬بــل يشــمل فســاد املؤسســات األمنيــة صفقــات تســليح كبــرة‪ .‬ويعتــر حاكــم الزامــي‪ ،‬رئيــس‬
‫ويف الحصــول عــى عقــد مــن القــوات الجويــة لتوفــر األمــن والتدريــب والرضوريــات مثــل الطعــام‬ ‫لجنــة األمــن والدفــاع النيابيــة األســبق‪ ،‬أن «الفســاد املســترشي يف عقــود تســليح األجهــزة األمنيــة‬
‫والكهربــاء يف القاعــدة‪ .‬وتلقــت الرشكــة األمريكيــة ‪ 1,1‬مليــار دوالر مقابــل أداء هــذه املهــام وكان‬ ‫ســببه تدخــل السياســيني والوســطاء والســارسة وتجــار األســلحة مــن داخــل الع ـراق وخارجــه وأن‬
‫يتوقــع أنهــا ستكســب ‪ 800‬مليــون دوالر بحلــول ســنة‪ ،‬وقــد دفعــت الرشكــة مــا يقــارب مــن ‪700‬‬ ‫الحكومــات العراقيــة املتعاقبــة بعــد ‪ 2003‬رصفــت عــى التســليح مبالــغ تصــل إىل ‪ 149‬مليــار دوالر‪،‬‬
‫مليــون دوالر للحصــول عــى عقــد حراســة قاعــدة بلــد الجويــة‪ ،‬فيــا يشــر تقريــر دايــي بيســت‬ ‫غــر أن القــوات األمنيــة مــا ت ـزال تعــاين مــن نقــص كبــر يف الكثــر مــن مع ّداتهــا»‪. 37‬‬
‫إىل أن «ســايل بــورت» نجحــت يف عقــد هــذه الصفقــة مــن خــال عالقتهــا برشكــة «آفــاق أم قــر‬
‫للخدمــات البحريــة»‪ ،‬التــي تشــر مصــادر دايــي بســيت إىل أن رئيــس الــوزراء العراقــي األســبق نــوري‬ ‫ويصــف مــوىس فــرج‪ ،‬الرئيــس األســبق لهيئــة النزاهــة يف كتابــه «الفســاد يف العـراق – خـراب القــدوة‬
‫املالــي يســيطر عليهــا‪. 38‬‬ ‫وفــوىض الحكــم»‪ ،‬وزارة الدفــاع بأنهــا الــوزارة «الرائــدة يف الفســاد»‪ ،‬ويتهــم أول وزيــر دفــاع يف العراق‬
‫يف حكومــة إيــاد عــاوي عــام ‪ ،2004-2005‬حــازم الشــعالن‪ ،‬بعقــد أول صفقــة تســليح فاســدة بعــد‬
‫بيع وشراء المناصب الحكومية في الدولة‬ ‫عــام ‪ .2003‬وكان وزيــر املاليــة يف حكومــة إيــاد عــاوي‪ ،‬عــي عــاوي‪ ،‬قــد قــال إن أكــر مــن مليــار‬
‫دوالر اختلســت مــن قبــل وزارة الدفــاع يف الفــرة االنتقاليــة عندمــا كان الشــعالن وزيـرا ً للدفــاع‪ ،‬الــذي‬
‫ح ّولــت األح ـزاب التــي تســيطر عــى الحكــم يف الع ـراق املناصــب إىل «ســلعة»‪ ،‬إذ مثــة مــا يشــبه‬
‫اشــرى مبســاعدة رجــال أعــال عراقيــن معــدات وأســلحة رخيصــة ذات نوعيــة رديئــة وقدميــة مــن‬
‫البورصــة ألســعار كل منصــب‪ .‬وتتــداول األحـزاب فيــا بينهــا املناصــب وتبيــع حصصهــا مــن املناصــب‪،‬‬
‫مصــادر مشــكوك بهــا يف بولنــدا‪ .‬ومــن ضمــن الصفقــة تــم رشاء ‪ 16‬طائــرة هيلوكوبــر روســية قدميــة‬
‫التــي تؤمنهــا مــن خــال نتائــج االنتخابــات‪ ،‬إىل أحـزاب أخــرى يف حــال وجــدت أن املبلــغ ســيع ّوضها‬
‫عمرهــا يزيــد عــى ‪ 30‬عامـاً تعــود للحقبــة الســوفيتية‪ .‬كــا اشــرى الشــعالن أثنــاء زيــارة أجراهــا إىل‬
‫عــن الخــوض يف «البريوقراطيــة» للحصــول عــى وارداتهــا مــن العقــود‪ .‬ويُســاهم النــواب يف هــذه‬
‫باكســتان ســيارات مدرعــة وصفــت بأنهــا غــر صالحــة‪ .‬ويف حكومــة املالــي األوىل‪ ،‬أشــارت أنبــاء إىل‬
‫البورصــة مــن خــال بيــع أصواتهــم للتصويــت عــى تنصيــب أ ّحــد الرئاســات أو الــوزراء أو الهيئــات‬
‫تفــاوض الحكومــة العراقيــة رسا ً حــول عقــد للتســليح مــع رصبيــا بقيمــة ‪ 833‬مليــون دوالر بينــا‬
‫املســتقلة أو حتّــى تــرأة أو إدانــة املســؤولني داخــل قبّــة الربملــان‪.‬‬
‫ُحــددت القيمــة األصليــة للعقــد بـــ‪ 236‬مليــون دوالر‪ .‬وبحســب مصــادر تحدثــت يف ذلــك الوقــت فإن‬
‫وفــدا ً يضــم ‪ 22‬مســؤوالً عراقيـاً كبـرا ً أبرمــوا العقــد يف أيلــول ‪ /‬ســبتمرب عــام ‪ .2007‬وتضمــن القســم‬
‫ويـراوح ســعر املنصــب الــوزاري يف الحكومــة بــن ‪ 10‬و‪ 25‬مليــون دوالر‪ ،‬وبشــكل أقــل بالنســبة لبقيــة‬
‫األكــر مــن العقــد عــددا ً كبـرا ً مــن قطــع الغيــار للمروحيــات والطائـرات وقطــع غيــار ملدافــع الهــاون‬
‫املناصــب اإلداريــة العليــا‪ .‬وقــد ذكــر الخبــر القانــوين جــال االســدي‪ ،‬املفتــش العــام الســابق لــوزارة‬
‫والرشاشــات إضافــة إىل تجهيـزات أخــرى‪.‬‬
‫الداخليــة‪ ،‬حصــول ‪ 2‬باملئــة مــن أعضــاء مجلــس النــواب يف الــدورة الحاليــة (‪ )2018-2024‬عــى مبالــغ‬
‫تراوحــت بــن ‪ 250‬ألــف دوالر ومليــون دوالر مقابــل ضــان التصويــت لصالــح اختيــار هيئــة رئاســة‬
‫الربملــان الحاليــة‪ ،‬وأشــار أيض ـاً إىل حصــول ‪ 14‬نائب ـاً عــى نصــف مليــون دوالر لــكل واحــد منهــم‬ ‫‪« - 36‬األسدي‪ :‬عدد العقارات التي تم التالعب بأوراقها باآلالف»‪ ،‬موقع «شبكة االخبار العراق»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪19‬‬
‫أيلول ‪ /‬سبتمرب ‪ .2019‬‬
‫‪«- 38‬حكم من محكمة امريكية يكشف فساد عقود التسليح بالعراق»‪ ،‬موقع البغدادية‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 28‬آب ‪/‬‬ ‫‪« - 37‬الزاميل‪ :‬فساد عقود التسليح ابتلع أمواالً بإمكانها تسليح قارة كاملة وهذا حجم ما تم رصفه بعد ‪،»2003‬‬
‫أغسطس ‪ .2019‬‬ ‫وكالة «بغداد اليوم»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 20‬شباط ‪ /‬فرباير ‪ .2019‬‬
‫‪121‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪120‬‬

‫املجلــس املحــي»‪. 42‬‬ ‫مقابــل تحولهــم مــن كتلــة نيابيــة إىل كتلــة أخــرى منافســة لهــا‪. 39‬‬

‫المنافذ الحدودية‬ ‫وعــرض هشــام الهاشــمي‪ ،‬الخبــر األمنــي الــذي كان مق ّرب ـاً مــن صناعــة الق ـرار الســيايس الع ـراق‬
‫والــذي اغتيــل يف متــوز يوليــو املــايض‪ ،‬إىل فئتــن مــن الســارسة مــن املتنفذيــن مــن السياســيني‬
‫تعتــر املنافــذ الحدوديــة واحــدة مــن بوابــات الفســاد الكبــرة يف العـراق‪ ،‬إذ تخضــع املنافــذ لســيطرة‬ ‫املختصــن ببيــع ورشاء املناصــب واألصــوات الربملانيــة‪ ،‬األوىل مكونــة مــن نــواب وشــخصيات قريبــة‬
‫تامــة مــن قبــل األح ـزاب والفصائــل املس ـلّحة والت ّجــار املقربــن منهــم‪ ،‬فض ـاً عــن هيمنــة عشــائر‬ ‫مــن سياســيني معروفــن بفســادهم‪ ،‬مهمتهــا نقــل الســرة الشــخصية إىل الفريــق املقــرب من املســؤول‬
‫عليهــا‪ .‬ويوجــد يف الع ـراق ‪ 18‬منفــذا ً رســمياً (عــدا املوجــودة يف إقليــم كردســتان) منهــا ‪ 11‬منفــذا ً‬ ‫عــن تشــكيل الحكومــة أو الــوزارة مقابــل مبالــغ يتفــق عليهــا بــن الطامــع باملنصــب والسمســار‪ .‬أمــا‬
‫بريّــاً‪ ،‬و‪ 4‬منافــذ بحريــة‪ ،‬و‪ 3‬منافــذ جويــة‪ ،‬إال أن هنــاك عــددا ً مــن املنافــذ غــر مســجلة لــدى‬ ‫الفئــة الثانيــة فتتكـ ّون مــن قــادة الكتــل الربملانيــة املعــروف عنهــم بيــع الــوزارات بإحــدى الطريقيــن‪،‬‬
‫الحكومــة تحــت ســيطرة الجهــات آنفــة الذكــر‪ . 43‬وللعـراق حــدود بريّــة واســعة مــع إيـران وســوريا‬ ‫إمــا مــرة واحــدة مقابــل مبلــغ مقطــوع‪ ،‬أو تقســيط املبلــغ عــى أربــع دفعــات‪ ،‬وذلــك ملنــح الكتلــة‬
‫والســعودية واألردن والكويــت وتركيــا‪ .‬وتنتــر عــر الحــدود املمتــدة مــع الــدول الســتة عمليــات‬ ‫‪40‬‬
‫السياســية فرصــة لجمــع األمــوال مــن خــال عقــود الــوزارة!‬
‫تهريــب البضائــع واألمــوال واألشــخاص‪ ،‬فضــاً عــن تفاقــم الصعوبــات األمنيــة املتمثلــة يف عبــور‬
‫األف ـراد والجامعــات اإلرهابيــة‪.‬‬ ‫وقــال باســم خشــان‪ ،‬النائــب يف الربملــان العراقــي‪ ،‬أن «بيــع املناصــب الحكوميــة يف العـراق مل يتوقــف‬
‫منــذ ‪ 17‬ســنة‪ ،‬ابتــدا ًء بالدرجــات الخاصــة فــا فــوق وحتــى مناصــب مديــر مكتــب الوزيــر أو معــاون‬
‫بلغــت قيمــة االســتريادات الســلعية النفطيــة وغــر النفطيــة يف الع ـراق عــام ‪ 2018‬نحــو ‪ 37‬مليــار‬ ‫مديــر عــام‪ ،‬بــل وصــل األمــر إىل الوظائــف الصغــرة»‪ .‬ونتيجــة لخســارته املنصــب‪ ،‬فقــد فضــح وزيــر‬
‫دوالر يف حــن بلغــت اإليـرادات الجمركيــة املتحققــة لعــام ‪ 2018‬نحــو ‪ 680‬مليــون دوالر ‪ .44‬وتقــدر‬ ‫الدفــاع العراقــي األســبق‪ ،‬بعــد فــوز منافســه محمــد الحلبــويس برئاســة الربملــان العراقــي عــام ‪:2018‬‬
‫وزارة التخطيــط أن اإلي ـرادات الجمركيــة التــي يتوجــب دخولهــا إىل خزينــة الدولــة ال تقــل عــن ‪3‬‬ ‫«تــم رشاء منصــب الرئاســة بثالثــن مليــون دوالر مــن قبــل العائلــة الفاســدة»‪ ،‬يف إشــارة إىل عائلــة‬
‫مليــارات دوالر ســنوياً‪ ،‬فيــا بـ ّـن املبلــغ املتح ّقــق واملبلــغ التخمينــي نحــو ملياريــن و‪ 300‬مليــون‬ ‫الكربــويل املتنفــذة التــي ينتمــي لحزبهــا (الحــل) رئيــس الربملــان محمــد الحلبــويس»‪. 41‬‬
‫دوالر جــرى نهبهــا‪ .‬ويعطّــل الربملــان واألحـزاب تحويــل عمــل املنافــذ الحدوديــة إىل األمتتمــة لضــان‬
‫االســتمرار بالنهــب‪ .‬إن املنافــذ الحدوديــة تعــاين مــن قلــة عــدد األجهــزة املختصــة بكشــف املتفجرات‪،‬‬ ‫وكشــف زعيــم التيــار الصــدري مقتــدى الصــدر‪ ،‬يف تغريــده عــى «تويــر» عــن صفقــات لـراء وزارات‬
‫وتحديــد أنــواع البضائــع املتنوعــة التــي يتــم بواســطتها فحــص الشــاحنات الداخلــة املحملــة باملــواد‬ ‫يف حكومــة عــادل عبــد املهــدي‪ ،‬وأن هنــاك صفقــات ضخمــة تحــاك بــن بعــض أعضــاء «الفتــح»‬
‫املمنوعــة مــن الدخــول‪. 45‬‬ ‫و»البنــاء» مــن سياســيي الســنة ل ـراء الــوزارات بأمــوال ضخمــة وبدعــم خارجــي‪ .‬وتح ـ ّدث ريــاض‬
‫الســاعدي‪ ،‬النائــب يف الربملــان‪ ،‬عــن أن بعــض الكتــل السياســية تســعى إىل بيــع ورشاء عــدد مــن‬
‫وقــد شــكا رئيــس هيئــة املنافــذ الحدوديــة الســابق كاظــم العقــايب مــن وجــود جامعــات مســلحة‬ ‫املناصــب مقابــل مليــارات الــدوالرات لشــخصيات غــر كفــوءة‪ ،‬فضـاً عــن توفــر الحاميــة الربملانيــة‬
‫تنتمــي إىل أحـزاب سياســية تســيطر عــى املنافــذ الحدوديــة وتهــدد بعــض موظفــي املنافــذ الحدوديــة‬ ‫لتلــك الشــخصيات لعــدم كشــف فســادها‪ .‬وأحــى الســاعدي نحــو «‪ 600‬منصــب حكومــي معــرض‬
‫للبيــع والـراء بــن الكتــل السياســية مقابــل مليــارات الــدوالرات»‪ ،‬وقــال إن «بيــع املناصــب مل يقتــر‬
‫عــى الــوزارات فحســب إمنــا وصــل إىل مناصــب قيــادات الفــرق العســكرية واملديــر العــام ورئيــس‬

‫‪ - 42‬تقرير ديوان الرقابة املالية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬ ‫‪« - 39‬نواب العراق امل ُرتفون‪ ..‬وكالء الفقراء يف بالد الرثوات»‪ ،‬موقع «نون بوست»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 9‬كانون األول ‪/‬‬
‫‪ - 43‬تقرير ديوان الرقابة املالية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.14‬‬ ‫ديسمرب ‪ .2018‬‬
‫‪« - 44‬املنافذ الحدودية تعلن حصيلة إيرادات منفذي طريبيل وأم قرص»‪ ،‬موقع «روداو»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 5‬متوز ‪ /‬يوليو‬ ‫‪« - 40‬ملناصب الحكومية والربملانية بالعراق هل ت ُباع وت ُشرتى؟»‪ ،‬موقع «الجزيرة نت»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 17‬أيلول ‪/‬‬
‫‪.2020‬‬ ‫سبتمرب ‪.2017‬‬
‫‪« - 45‬منافذ العراق الحدودية‪ ..‬بوابات للفساد ومتويل امليليشيات واألحزاب»‪ ،‬موقع «نون بوست»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪18‬‬ ‫‪« - 41‬محمد الحلبويس مقاول مغمور تسلق قبة الربملان برافعة إيرانية»‪ ،‬صحيفة «العرب»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 20‬أيلول ‪/‬‬
‫حزيران ‪ /‬يونيو ‪.2020‬‬ ‫سبتمرب ‪ .2018‬‬
‫‪123‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪122‬‬

‫عنــد اكتشــافهم لحــاالت فســاد‪ . 46‬وبهــذا الصــدد دعــت لجنــة األمــن يف الربملــان إىل إبعــاد الفصائــل‬
‫االســتريادات الســلعية خــال املــدة ‪ 2015 - 2003‬التــي تطبــق عليهــا رضيبــة اإلعــار ‪ 5‬باملئــة‪ ،‬مــا‬ ‫املســلحة عــن تلــك املنافــذ‪ ،‬وقــال عضــو اللجنــة محمــد رضــا‪ ،‬إ ّن «هنــاك فســادا ً كب ـرا ً وســيطرة‬
‫يعــادل ‪ 449.5‬مليــار دوالر‪.‬‬ ‫للمســلحني عــى املنافــذ الحدوديــة‪ ،‬ويف كل منافــذ الع ـراق مــن البــرة إىل كردســتان»‪ ،‬وأضــاف أن‬
‫هنــاك منافــذ تدخــل البضائــع بــدون تأشــرة‪ ،‬مؤكــدا ً أن لديــه معلومــات عــن منفــذ يف ديــاىل «يُدخــل‬
‫اإلي ـرادات الجمركيــة املفــروض الحصــول عليهــا وفقــا ملعــدل ‪ 5‬باملئــة مــن التعرفــة الجمركيــة عــى‬ ‫ســيارات بشــكل غــر قانــوين مــن دولــة مجــاورة بــدون ختــم وبــا تأشــرة أو حتــى فحــص‪ ،‬واألمــر‬
‫الســلع املســتوردة خــال املــدة ‪ 2015 - 2003‬أي مــا يعــادل ‪ 22.5‬مليــار دوالر‪.‬‬ ‫نفســه كذلــك يف املنافــذ األخــرى»‪ . 47‬وهنــاك مــا يشــبه تقاسـ ًـا لــأدوار يف عمليــات الســيطرة عــى‬
‫املنافــذ‪ ،‬فهنــاك أحـزاب تتــورط يف تهريــب وبيــع النفــط يف الخــارج‪ ،‬وأخــرى ترتبــط بتهريــب املخدرات‬
‫اإليـرادات الجمركيــة املفــروض الحصــول عليهــا وفقــا ملعــدل ‪ 10‬باملئــة مــن التعرفــة الجمركيــة عــى‬ ‫مــن إيـران‪ ،‬وهنــاك مــن ميــارس نشــاطات تتعلــق بالحصــول عــى إتــاوات مــن تجــار الخضــار‪ ،‬ومثّــة‬
‫الســلع املســتوردة خــال املــدة ‪ 2018 - 2016‬مــا يعــادل ‪ 11.550‬مليــار دوالر‪.‬‬ ‫مــن يحتكــر املنتجــات الغذائيــة وطــرق توزيعهــا يف املحافظــات الجنوبيــة‪ ،‬وال يختلــف األمــر كثـرا ً يف‬
‫املنافــذ الحدوديــة الشــالية يف كردســتان العـراق‪.‬‬
‫اإليــرادات الجمركيــة اإلجامليــة املفــروض الحصــول عليهــا خــال املــدة ‪ 2018 - 2003‬مــا يعــادل‬
‫‪ 36.524‬مليــار دوالر‪.‬‬ ‫لقــد أكــد حاكــم الزامــي‪ ،‬رئيــس لجنــة األمــن الربملانيــة األســبق‪ ،‬أن الحواجــز األمنيــة املقامــة بــن‬
‫املحافظــات أصبحــت مراكــز فســاد وابت ـزاز‪ ،‬وأنهــا مقســمة بــن األح ـزاب الحاكمــة‪ ،‬وأن انشــغال‬
‫قيمة الهدر يف اإليرادات الجمركية خالل املدة ‪ 2018 - 2003‬ما يعادل نحو ‪ 30‬مليار دوالر‪.‬‬ ‫مســؤويل الحواجــز بالفســاد والرشــاوى ســهل عبــور الشــاحنات والعجــات املحملــة باملتفجـرات‪ ،‬كــا‬
‫ســمح بدخــول املــواد منتهيــة الصالحيــة وبيعهــا يف األســواق‪ .‬وبحســب الزامــي فــإن منفــذ «الصفــرة»‬
‫إن حصيلــة الرســوم الجمركيــة يف العـراق صغــرة جــدا ً مقارنــة بحجــم الــواردات التــي يعتمــد عليهــا‬ ‫الواقــع يف كركــوك بلغــت عائداتــه نحــو ‪ 10‬مليــون دوالر يف اليــوم الواحــد‪ ،‬وأربــاح هــذا املنفــذ‬
‫االقتصــاد لتلبيــة االحتياجــات املحليــة‪ ،‬وهــو يرتبــط بتقديــر قيمــة الــواردات بأقــل مــن قيمتهــا‬ ‫مــن اســترياد وتصديــر املنتجــات يصــل يومي ـاً إىل ‪ 200‬مليــون دينــار عراقــي‪ ،‬دون اســتالم الحكومــة‬
‫الحقيقيــة وتصنيفهــا يف غــر محلهــا‪ ،‬وارتــكاب عمليــات التهريــب وتحويــل مســار التجــارة‪ ،‬وأعــال‬ ‫املركزيــة وبلديــة محافظــة ديــاىل ألي دينــار منهــا‪ .‬وشــهد املنفــذ قبــل احتــال «داعــش» للموصــل‬
‫الفســاد‪ ،‬وخاصــة يف ظــل انتشــار الثغ ـرات الحدوديــة‪ ،‬وضعــف نظــم املعلومــات يف إدارة الجــارك‪.‬‬ ‫عبــور ‪ 4500-6000‬شــاحنة يوميـاً‪ ،‬ثــم انخفــض العــدد إىل ‪ 950‬شــاحنة يوميـاً‪ ،‬قبــل أن يتـ ّم إلغــاؤه‬
‫ومــع اســتمرار حكومــة إقليــم كردســتان يف تطبيــق قانــون الجــارك الســابق لعــام ‪ ،2010‬ازدادت‬ ‫‪48‬‬
‫عــام ‪. 2019‬‬
‫تعقيــدات تحصيــل اإليــرادات الجمركيــة التــي تواجــه الحكومــة االتحاديــة وقــد ســاهم ذلــك يف‬
‫اســتمرار ضعــف تحصيــل اإليـرادات الجمركيــة مــن جانــب إدارة الجــارك‪ ،‬رغــم الزيــادة الكبــرة يف‬ ‫وميكــن تقديــر قيمــة الفســاد والهــدر يف اإليـرادات الجمركيــة خــال املــدة ‪ 2018 – 2003‬عــى النحــو‬
‫فاتــورة الــواردات‪. 49‬‬ ‫اآليت‪:‬‬
‫إجاميل االستريادات السلعية تعادل نحو ‪ 556.7‬مليار دوالر‪.‬‬
‫دعم سعر صرف العملة الوطنية‬

‫يتــم يف َم ـزاد العملــة الــذي يديــره البنــك املركــزي بيــع ورشاء العملــة األجنبيــة (الــدوالر) مــن وإىل‬ ‫اإليـرادات الجمركيــة املتحققــة مــن املنافــذ الحدوديــة الرســمية تعــادل نحــو ‪ 6.6‬مليــار دوالر‪ ،‬وهــو‬
‫الجمهــور (الحكومــة‪ ،‬واملصــارف‪ ،‬والــركات‪ ،‬ودوائــر الدولــة) مقابــل الدينــار العراقــي‪ ،‬و ِمــن جهــة‬ ‫مــا يعــادل ‪ 1.2‬باملئــة مــن قيمــة الســلع املســتوردة خــال املــدة ‪.2018 – 2003‬‬
‫ثانيــة يقــوم البنــك املركــزي بِــراء الــدوالر ِمــن الحكومــة لقــاء ســعر محــدد‪ ،‬وذلــك يف عمليــة‬
‫مســتقلة عــن املــزاد‪ .‬والهــدف الرئيــس مــن مــزاد العملــة هــو تحقيــق االســتقرار يف ســعر رصف‬ ‫‪« - 46‬منافذ البرصة الحدودية‪ ..‬سيطرة امليليشيات املسلحة والفساد»‪ ،‬موقع «العربية نت»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 12‬شباط ‪/‬‬
‫فرباير ‪.2019‬‬
‫الدينــار العراقــي يف مواجهــة العمــات األجنبيــة ومــن ثــم ضــان اســتقرار األســعار املحليــة وتعزيــز‬
‫‪« - 47‬سيطرة العراق عىل منافذه خطوة لتصحيح بوصلة االقتصاد»‪ ،‬صحيفة «البيان» االماراتية‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 14‬متوز‬
‫‪ - 49‬املرسومي‪ ،‬نبيل جعفر‪« ،‬املنافذ الحدودية يف العراق ‪ -‬بوابة الفساد واملوارد الضائعة»‪ ،‬مركز سيبار للتحليل‬ ‫‪ /‬يوليو ‪ .2020‬‬
‫وإدارة التوقع‪ ،‬ص ‪ 7‬نرش عام ‪.2020‬‬ ‫‪« - 48‬تقرير ‪..‬فساد املنافذ الحدودية العراقية صادم»‪ ،‬موقع «جورنال»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 15‬ترشين األول ‪ /‬نوفمرب ‪.2017‬‬
‫‪125‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪124‬‬

‫نظــام مــايل مســتقر قائــم عــى املنافســة؛ فض ـاً عــن إســهامه بتوفــر الســلع املســتوردة الرخيصــة‪.‬‬
‫ليســت مشــاريع اإلعــار التــي تنفّــذ بــأكالف عاليّــة وبجــودة واطئــة وحدهــا بوابــات األحــزاب‬ ‫ويشــرك يف م ـزاد العملــة ‪ 36‬مرصف ـاً أهلي ـاً منهــا ســت مصــارف عربيــة هــي‪ :‬مــرف أبــو ظبــي‬
‫ومســتثمريها لنهــب املــال العــام‪ ،‬إذ أن هنــاك آليــات عديــدة للنهــب منهــا وجــود «مشــاريع وهميّة»‪،‬‬ ‫اإلســامي‪ ،‬ومــرف بــروت‪ ،‬مــرف البحــر املتوســط‪ ،‬بنــك عــودة‪ ،‬مــرف بيبلــوس‪ ،‬ومــرف‬
‫مبعنــى وجــود خرائــط ملشــاريع إعــار وأرض مح ـ ّددة لتنفيــذ املــروع‪ ،‬ومهلــة زمنيــة لتســليمه‪،‬‬ ‫فرانســبك‪ .‬وتحصــل املصــارف األهليــة املشــاركة يف املــزاد ومكاتــب التحويــل املــايل عــى أربــاح‬
‫وأمــوال ح ّولــت إىل الرشكــة املنفــذة‪ ،‬لكــن‪ ،‬وعــى أرض الواقــع‪ ،‬ليــس هنــاك أي مــروع قيــد التنفيــذ‬ ‫هائلــة غــر مــررة إطالقـاً وهــي متثــل هــدرا ً للــال العــام مــن خــال اســتغالل كبــر ملـزادات نافــذة‬
‫أو نُفــذ فعـاً! ومــع بدايــة االحتــال األمريــي للعـراق عــام ‪ 2003‬لوحظــت مظاهــر التــرف الكيفــي‬ ‫العملــة مــن قبــل رشكات الرصافــة واملصــارف التجاريــة والــوكالء لتحقيــق األربــاح مــن خــال عمليــات‬
‫يف املــوارد املاليــة واالختالســات‪ ،‬األمــر الــذي دفــع الكونغــرس األمريــي لتأســيس دائــرة للمفتــش‬ ‫الــرف اآلين والــرف باآلجــل واملضاربــة ومــن خــال الفــرق بــن ســعر الـراء الرســمي املحــدد بـــ‬
‫العــام األمريــي وذلــك يف شــباط ‪ /‬فربايــر عــام ‪ ،2004‬أي بعــد انتهــاء فــرة ســلطة االئتــاف املؤقتــة‪.‬‬ ‫‪ 1118‬دينــارا ً مقابــل كل دوالر وبــن ســعر البيــع يف الســوق الحــرة بـــ ‪ 1120‬دينــار مقابــل كل دوالر‪.‬‬
‫ويُحــر الحــق بالوصــول إىل نافــذة بيــع العملــة بــن «السياســيني» الذيــن ميلكــون املؤسســات املاليــة‬
‫وقــد رافقــت مظاهــر الفســاد آليــة رصف األمــوال املخصصــة لتســيري أمــور العـراق اليوم ّيــة‪ ،‬وكذلــك‬ ‫ذات الصلــة مب ـزاد العملــة‪ ،‬وال يحـ ّـق ألحــد غريهــم الوصــول اليهــا لِــا ت ـ ُد ّر ُه عليهــم مــن عائــدات‬
‫مســاعي مــا ســمي بإعــادة إعــار العـراق‪ ،‬ســواء بالنســبة لألمــوال املخصصــة مــن الجانــب األمريــي‬ ‫كبــرة مــن خــال فــرق ســعر البيــع يف الســوق العراقيــة‪ ،‬ويتــم طــرد الــركات والبنــوك «العاديــة»‬
‫أو األمــوال العراقيــة والتــي كان قــد تبـ ّدد الكثــر منهــا‪ .‬وشــاب تلــك العقــود فســاد كبــر يف كلفتهــا‬ ‫التــي تريــد القيــام بتمويــل عمليــات االســترياد‪ ،‬أو عمليــات اإلق ـراض املرشوعــة‪ ،‬مــن قبــل أولئــك‬
‫التخمينيــة نتيجــة ارتفــاع تكلفــة توفــر األمــن التــي اســتندت إىل قاعــدة التكلفــة زائــد هامــش الربــح‪.‬‬ ‫املتنفذّيــن‪ ،‬الذيــن يحظــون بدعــم األحـزاب السياســية الرئيســة‪ .‬لقــد بلغــت مجمــوع مبيعــات البنــك‬
‫ومارســت رشكات عراق ّيــة وأمريكيــة عمل ّيــات نصــب متثّلــت بحصولهــا عــى العقــود ومــن ثــم بيعهــا‬ ‫املركــزي العراقــي ‪ 399.603‬مليــار دوالر خــال املــدة ‪ ،2016 – 2006‬وتــم اســتخدام جــزء كبــر منهــا‬
‫لــركات أصغــر‪ ،‬لتقــوم الــركات األصغــر ببيعهــا إىل رشكات أصغــر‪ ،‬وهنــاك الكثــر مــن املشــاريع‬ ‫لتغطيــة االســتريادات‪. 50‬‬
‫وصلــت يف نهايــة األمــر إىل مقاولــن صغــار‪ ،‬وهكــذا حتــى امنحــاق املــروع متامـاً‪.‬‬
‫لقــد أفــى مـزاد العملــة‪ ،‬والحــال هــذه‪ ،‬إىل‪ )1:‬قلــة املعــروض مــن الــدوالر قياسـاً بالطلــب عليــه مــا‬
‫وقــد اتُّهمــت إدارة ســلطة االئتــاف املؤقتــة بالفســاد واالســتغالل الــيء للمــوارد‪ ،‬فمــن بــن مــوارد‬ ‫أدى إىل ارتفــاع األســعار وزيــادة التضخــم‪ )2 ،‬تحقيــق أربــاح فاحشــة مــن قبــل الوســطاء واملضاربــن‪،‬‬
‫صنــدوق تنميــة الع ـراق فــإن نحــو ‪ 8.8‬مليــار دوالر كانــت قــد تــم تســليمها إىل الــوزارات العراقيــة‬ ‫و‪ )3‬اللجــوء إىل عمليــات التحايــل وتزويــر الوثائــق واملســتندات بالتواطــؤ مــع موظفــي املؤسســات‬
‫ومل يكــن مــن املمكــن الوقــوف عــى كيفيــة إنفاقهــا‪ .‬وقــد تــم رصــد ‪ 57‬قضيــة منهــا ‪ 15‬رسقــة و‪19‬‬ ‫املعنيــة أو ِمــن خــال عصابــات التزويــر‪ ،‬و‪ )4‬صعوبــة الرقابــة والســيطرة عــى عمليــات التوثيــق‬
‫حالــة رشــوة و‪ 6‬حــاالت غــش يف التجهيــز‪ .‬وهكــذا تــم هــدر املليــارات مــن الــدوالرات وتخريــب‬ ‫املســتندي‪ ،‬الســيام وأن هنــاك أكــر مــن ‪ 70‬مرصفـاً و‪ 30‬رشكــة تحويــل و‪ 1922‬رشكــة وســاطة (مكتــب‬
‫القــدرات اإلنتاجيــة والخدميــة وإعاقــة عمليــة إعــادة اإلعــار‪ .‬ويــورد تقريــر للمفتــش األمريــي جملة‬ ‫صريفــة)‪ ،51‬و‪ )5‬انتشــار ظاهــرة غســيل األمــوال يف الع ـراق‪ ،‬أي إضفــاء الصفــة الرشعيــة عــى أمــوال‬
‫وقائــع تشــمل عــى ســبيل املثــال ال الحــر‪ ،‬قيــام العـراق بتســديد األمــوال ألحــد املتعاقديــن مرتــن‬ ‫غــر رشعيــة وهــو مــا يــؤدي إىل تهريــب كميــات كبــرة مــن الــدوالر األمريــي إىل الخــارج‪ ،‬وعــى‬
‫مقابــل نفــس العمــل‪ ،‬والســاح ألحــد املســؤولني األمريــكان بالتعامــل مــع ماليــن الــدوالرات نقــدا ً‬ ‫ســبيل املثــال اســتورد الع ـراق طامطــم بقيمــة ‪ 1.655‬مليــار دوالر عــام ‪ 2017‬يف حــن أنــه اســتورد‬
‫حتــى بعــد أن طُــرد مــن العمــل لعــدم كفاءتــه‪ ،‬كــا تــم رصف ‪ 89‬مليــون دوالر مــن مجمــوع ‪120‬‬ ‫طامطــم عــام ‪ 2018‬بقيمــة ‪ 40‬مليــون دوالر فقــط والفــرق الهائــل بينهــا ال ميكــن تربيــره اقتصاديـاً‬
‫مليــون دوالر خصصــت ملشــاريع بــدون عقــود أو وثائــق‪ ،‬ونحــو ‪ 7.2‬مليــون دوالر مل يتــم التعــرف‬ ‫إال مــن خــال كونــه غســيالً لألمــوال مــن خــال نافــذة بيــع العمــات يف البنــك املركــزي العراقــي‪. 52‬‬
‫عــى كيفيــة رصفهــا‪. 53‬‬
‫المشاريع الوهمية والمشاريع المتلكئة‬
‫ومــع ســيطرة األحــزاب عــى الســلطة‪ ،‬فــإن طرقــاً جديــدة بــرزت لنهــب أمــوال هــذه املشــاريع‬
‫وبآليــات عديــدة‪ ،‬مث ـاً‪ ،‬يقــوم املســؤولون عــن ملــف املشــاريع بتزويــر عقــود مــع رشكات وهميــة‪،‬‬ ‫‪ - 50‬البعاج‪ ،‬طاهر‪« ،‬تسوية املدفوعات الدولية وأنظمة الدفع االلكرتوين»‪ ،‬أطروحة دكتوراه مقدمة اىل جامعة‬
‫البرصة‪ ،‬ص‪.2019 ،170‬‬
‫‪ - 53‬الهاشمي‪ ،‬هشام‪« ،‬عرف املحاصصة يف العراق يؤدي اىل فساد مكشوف»‪ ،‬صحيفة «الرشق األوسط « نرش بتاريخ‬ ‫‪ - 51‬البنك املركزي العراقي‪ ،‬نافذة بيع العملة األجنبية‪ ،‬ص ‪ .2019 ،11‬‬
‫‪ 21‬شباط ‪ /‬فرباير ‪ .2020‬‬ ‫‪ - 52‬البنك املركزي العراقي‪ ،‬نافذة بيع العملة األجنبية‪ ،‬ص ‪.2019 ،11‬‬
‫‪127‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪126‬‬

‫التــي ت ُحــول دون الكشــف عــن تلــك امللفــات»‪. 54‬‬ ‫أو مــن خــال متريــر مناقصــات املشــاريع إىل جهــات متنفــذة تابعــة لألح ـزاب أو مق ّربــة منهــا‪ ..‬ال‬
‫يتــم تطبيــق تعليــات العقــود الحكوميــة يف إحالــة هــذه املشــاريع‪ ،‬حيــث ال يتــم أي تنافــس بــن‬
‫وذكــر رئيــس الــوزراء مصطفــى الكاظمــي‪ ،‬يف ‪ 11‬حزي ـران ‪ /‬يونيــو املــايض‪ ،‬أحــد مشــاريع الفســاد‬ ‫الــركات عــى تقديــم العطــاءات‪ ،‬بــل يتــم االتفــاق مــع رشكات محــددة مســبقاً وغــر رصينــة‪ ،‬ويتــم‬
‫الكــرى يف العاصمــة بغــداد الــذي هــو مــروع تطويــر قنــاة الجيــش الــذي بــدأ العمــل بــه يف ‪2006‬‬ ‫االتفــاق معهــا عــى دفــع عمــوالت كبــرة‪ .‬فعندمــا يتــم دفــع مبالــغ مقدمـاً لهــذه الــركات مــن قبــل‬
‫وكان يفــرض انتهــاء العمــل بــه يف عــام ‪ .2010‬كلــف املــروع املوازنــة نحــو مليــار دوالر لكنــه مل‬ ‫الدولــة يتــم اســرجاع هــذه املبالــغ كعمولــة مــن قبــل الجهــة الحكوميــة التــي منحتهــم العقــد‪ ،‬ثــم‬
‫ينجــز لحــد اآلن؛ رغــم رصف كافــة مســتحقاته‪ .‬وقــد تحــول املــروع مــن مــروع ســياحي ترفيهــي‬ ‫تطالــب الرشكــة بدفعــة أخــرى‪ ،‬ولكنهــا تجــد نفســها غــر قــادرة عــى القيــام باملــروع ألنهــا غــر‬
‫إىل مكــب للنفايــات يف قلــب بغــداد‪ . 55‬وهنــاك أيضـاً مــروع مــد كابــل إليصــال الطاقــة الكهربائيــة‬ ‫كفــوءة وتخــى مــن الخســارة‪ ،‬فتســتويل عــى مــا اســتلمته مــن أمــوال وتــرك املــروع مــن دون‬
‫ملســافة ‪ 14‬كــم يف ناحيــة الحســينية يف محافظــة كربــاء بكلفــة ‪ 12‬مليــار دينــار عراقــي وتعــادل ‪10‬‬ ‫إنجــازه‪ ،‬وتحــول مــا اســتلمته مــن أمــوال إىل خــارج البلــد‪.‬‬
‫مليــون دوالر‪ ،‬ومل يعمــل الكابــل ســوى ‪ 45‬دقيقــة يف مرحلــة الفحــص والتجريــب‪ ،‬وعندمــا تــم فحصــه‬
‫تبـ ّـن أ ّن كلفتــه الحقيقيــة هــي ‪ 4‬مليــون دوالر فقــط‪ .‬وقــد تــم تســليم املــروع إىل وزارة الكهربــاء‬ ‫وتدخــل الــدول اإلقليميــة أيضـاً كالعــب يف ملــف الفســاد هــذا‪ ،‬إذ أنهــا تســمح بإنشــاء رشكات عــى‬
‫دون ضــان واعتــر مرشوعـاً منجـزا ً‪. 56‬‬ ‫أراضيهــا دون أن يكــون لهــا أي رأس مــال‪ ،‬وال يُســمح لبعــض هــذه الــركات العمــل يف دولهــا لكنهــا‬
‫تُ نــح عقــودا ً ضخمــة يف الع ـراق‪ .‬ترتبــط هــذه الــركات بسياســيني يف الــدول املجــاورة مثــل إي ـران‬
‫وقالــت هيئــة النزاهــة يف تقريرهــا الســنوي لعــام ‪ 2018‬أن هنــاك ‪ 2736‬مرشوعــاً متلكّئــاً يف‬ ‫وتركيــا‪ ،‬وهــي‪ ،‬بطبيعــة الحــال‪ ،‬تحصــل عــى عقــود يف العـراق بدعــم مــن األحـزاب املســيطرة عــى‬
‫العـراق بقيمــة تبلــغ ‪ 36‬ترليــون دينــار أي مــا يعــادل ‪ 32‬مليــار دوالر‪ .‬واملالحــظ أن عــدد املشــاريع‬ ‫الحكــم مقابــل عمولــة أو «كوموشــن» بحســب املصطلــح الســيايس يف الكواليــس السياســية‪ .‬ويق ـ ّدر‬
‫املتلكئــة أكــر بكثــر مــا تعلنــه هيئــة النزاهــة الحكوميــة‪ ،‬إذ توجــد مئــات املشــاريع االس ـراتيجية‬ ‫تقريــر للجنــة املاليــة خســارة العـراق أكــر مــن ‪ 200‬مليــار دوالر أمريــي بســبب املشــاريع الوهميــة‬
‫واالســتثامرية التــي يشــوبها الفســاد‪ ،‬والتــي مل تتطــرق إليهــا الهيئــة يف تقاريرهــا املتواصلــة؛ بينهــا‬ ‫للفــرة مــا بــن ‪ .2003-2013‬وتقــول اللجنــة أن غالب ّيــة هــذه املشــاريع متــت يف محافظــات مثــل‬
‫مشــاريع مل تتجــاوز نســب إنجازهــا الـــ‪ 5‬باملئــة وبعضهــا صفــر باملئــة‪ ،‬بالرغــم مــن رصف مبالــغ طائلة‬ ‫ديــاىل وكربــاء وبغــداد والبــرة وغريهــا‪.‬‬
‫للــركات واملقاولــن الذيــن حظــوا بعطــاءات تنفيــذ تلــك املشــاريع‪ .‬وأمــاط فالــح الخزعــي‪ ،‬النائــب‬
‫يف الربملــان‪ ،‬اللثــام عــن رسقــة وهــدر ماليــن الــدوالرات كانــت مخصصــة إلنشــاء مستشــفيات يف‬ ‫وتركّــزت هــذه املشــاريع يف قطاعــات أساســية بحيــاة الســكان مثــل قطاعــات اإلســكان والصحــة‬
‫ـت‬
‫عــدد مــن املحافظــات منــذ عــام ‪ ،2008‬ولكــن مل تنجــز حتــى اآلن‪ .‬وقــال الخزعــي أن هنــاك سـ ّ‬ ‫والتعليــم والطــرق والجســور والطاقــة والرياضــة‪ ،‬يف وقــت يعــاين الع ـراق فيــه مــن نقــص شــديد يف‬
‫مستشــفيات كلفــة الواحــدة منهــا ‪ 150‬مليــون دوالر يف محافظــات البــرة وكربــاء والقادســية وبابــل‬ ‫هــذه الخدمــات‪ .‬فمثـاً تزايــدت حاجــة العـراق للمــدارس مــن ‪ 5000‬مدرســة يف عــام ‪ 2003‬إىل أكــر‬
‫واملثنــى‪ ،‬كان قــد تــم التعاقــد مــع رشكات تركيــة وأملانيــة لتنفيذهــا منــذ عــام ‪ 2008‬وكان يفــرض‬ ‫مــن ‪ 20000‬مدرســة يف عــام ‪ .2020‬كــا أن املستشــفيات التــي بُنيــت يف عهــود ســابقة مل تعــد تكفــي‬
‫إكاملهــا خــال عــام ‪ 2012‬إال أنهــا مل تنجــز بعــد‪. 57‬‬ ‫وتالئــم االحتياجــات حيــث ارتفــع عــدد العراقيــن مــن ‪ 18‬مليــون نســمة يف عــام ‪ ،1980‬تاريــخ بنــاء‬
‫آخــر مستشــفى حكومــي‪ ،‬إىل مــا يقــارب ‪ 40‬مليــون نســمة يف عــام ‪.2020‬‬
‫وتزحــف املشــاريع إىل املــدن واملحافظــات التــي تعــاين فق ـرا ً وقلّــة خدمــات كبــرة مثــل محافظــة‬
‫وقــال جــال كوجــر‪ ،‬عضــو اللجنــة املاليــة‪ ،‬أن «الــوزارات منــذ عــام ‪ 2003‬أصبحــت عبــارة عــن مغانــم‬
‫‪« - 54‬مشاريع وهمية يف العراق بـ‪ 200‬مليار دوالر‪ :‬تفاقم الفساد»‪ ،‬صحيفة «العريب الجديد»‪ ،‬نرش بتاريخ‪ 21‬شباط‬ ‫ألح ـزاب سياســية ومكاســب لشــخصيات متنفــذة أســهمت بهــدر ‪ 222‬مليــار دوالر عــى املشــاريع‬
‫‪ /‬فرباير ‪ .2020‬‬ ‫الوهميــة بســبب املحاصصــة والفســاد والــراع عــى املغانــم والكــرايس خــال الفــرة ذاتهــا‪ ،‬وأن‬
‫‪« - 55‬الكاظمي‪ :‬مرشوع صدر القناة كلف أكرث من مليار دوالر واالٓن هو مكب للنفايات»‪ ،‬وكالة «السومرية نيوز»‪،‬‬ ‫الجهــات الرقابيــة عاجــزة عــن تقديــم شــخص واحــد للقضــاء نتيجــة حاميتهــم مــن الشــخصيات‬
‫نرش بتاريخ ‪ 11‬حزيران ‪ /‬يونيو ‪2020‬‬ ‫املتنفــذة وأحزابهــم والضغــوط السياســية التــي متارســها واملصالــح املشــركة للكتــل السياســية األخــرى‬
‫‪ - 56‬قناة دجلة الفضائية‪ ،‬التقارير اإلخبارية‪ 10 ،‬حزيران‪ /‬يونيو ‪.2020‬‬
‫‪« - 57‬كشف النائب فالح الخزعيل‪ ،‬عن وجود فساد بعقود انجاز ستة مستشفيات»‪ ،‬موقع «بغداد بوست»‪ ،‬نرش‬
‫بتاريخ ‪ 21‬ترشين الثاين ‪ /‬نوفمرب ‪. 2018‬‬
‫‪129‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪128‬‬

‫أو اإلبعــاد أو تلفيــق التهــم؛ كل ذلــك إلجبارهــم عــى التوقّــف عــن املــي بفتــح امللفــات‪.‬‬ ‫ديــاىل‪ ،‬التــي يذكــر رعــد املــاس‪ ،‬النائــب عنهــا يف الربملــان العراقــي‪ ،‬أنهــا مل تســتفد مــن تخصيصاتهــا‬
‫املاليــة منــذ عــام ‪ 2003‬وحتــى اآلن ســوى بنحــو ‪ 10‬باملئــة‪ ،‬إذ أن غالب ّيــة املشــاريع التــي منحــت‬
‫ومــن بــن ســتة رؤســاء تناوبــوا عــى رئاســة هيئــة النزاهــة‪ ،‬وهــي هيئــة مســتقلة وفق ـاً للقانــون‬ ‫للــركات هــي أغلبهــا وهميــة أو فاشــلة‪ . 58‬وعــى ســبيل املثــال‪ ،‬فــإن أحــد االشــخاص الذيــن‬
‫يحمــل رئيســها درجــة وزيــر‪ ،‬تــرك خمســة منهــم املنصــب بشــكل قــري‪ .‬وهــرب القــايض رايض‬ ‫تضخمــت ثرواتهــم يف املحافظــة بعــد ‪ 2003‬كان قــد أنشــأ عــددا ً مــن الــركات التــي تخصصــت يف‬
‫الـرايض‪ ،‬الرئيــس األول لهيئــة النزاهــة‪ ،‬مــن العـراق بعــد ‪ 3‬ســنوات مــن رئاســته الهيئــة تحــت ضغــط‬ ‫املقــاوالت وتنفيــذ األعــال لصالــح اإلدارة‪ .‬ورغــم إقامــة العديــد مــن الدعــاوى وصــدور عــدد كبــر‬
‫رئيــس الــوزراء األســبق نــوري املالــي‪ .‬وكان ال ـرايض يح ّقــق مبلفــات فســاد بحكومــة املالــي‪ ،‬لكــن‬ ‫بحــق املقــاول‪ ،‬إال أن نفــوذه الســيايس واملــايل‬
‫مــن مذكــرات إلقــاء القبــض واالســتدعاء للمحاكــم ّ‬
‫األخــر ر ّد عليــه باتهامــات تتعلّــق بتورطــه مبلفــات فســاد‪ .‬ونتيجــة للضغــوط ذاتهــا‪ ،‬تــرك القــايض‬ ‫أبعــده عــن املحاســبة إذ أنــه مديــر ملجموعــة رشكات متنفــذة يف محافظــة ديــاىل ولديــه أكــر مــن‬
‫مــوىس فــرج عــام ‪ 2008‬منصبــه دون أن يــديل بأســباب‪ ،‬وطلــب إحالتــه إىل التقاعــد‪ ،‬أمــا يف العــام‬ ‫مئــة مليــار دينــار‪ ،‬حتــى أنــه قــد اشــرى مقاعــد يف الحكومــة املحليّــة مبحافظــة ديــاىل ومنصــب نائــب‬
‫‪ 2011‬فقــد أُبعــد رحيــم العكيــي مــن رئاســة الهيئــة وفــ ّر بعدهــا إىل أربيــل يف إقليــم كردســتان‬ ‫املحافــظ‪ ،‬ومنصــب مديــر هيئــة االســتثامر باملحافظــة لتســهيل أعاملــه‪ ،‬وأســس إضافــة إىل ذلــك قنــاة‬
‫وحكــم عليــه القضــاء بالســجن ‪ 7‬أعــوام غيابي ـاً بتهــم متع ـ ّددة تتعلّــق بســوء اإلدارة والفســاد‪.‬‬ ‫فضائيــة لتص ـ ّد عنــه هجــات خصومــه السياســيني أو رجــال األعــال‪. 59‬‬

‫واعــرف حســن اليــارسي بانــه اســتقال مــن منصــب رئاســة هيئــة النزاهــة ألنــه «يئــس» مــن مكافحــة‬ ‫ويف محافظــة صــاح الديــن‪ ،‬أشــار تقريــر ديــوان الرقابــة املاليــة يف نيســان ‪ /‬أبريــل عــام ‪ 2019‬إىل‬
‫الفســاد يف العـراق‪ ،‬وأمــا آخــر رئيــس للهيئــة‪ ،‬عـ ّزت توفيــق‪ ،‬فقــد تعــرض إىل التهديــد لتع ّهــده أمــام‬ ‫أن املحافظــة كانــت األكــر فســادا ً مــن بــن املحافظــات العراقيــة‪ ،‬وتــم التحقيــق بــرف ‪ 274‬مليــار‬
‫الربملــان بكشــف ملفــات فســاد‪ ،‬وبعــد إجـراء تحقيقاتــه مبلفــات االســتثامر‪ ،‬وتهريــب النفــط‪ ،‬وفســاد‬ ‫دينــار مــن تخصيصــات ميزانيــة املحافظــة عــى مشــاريع وهميــة‪ ،‬باإلضافــة إىل توزيــع ‪ 10‬مليــارات‬
‫املنافــذ الحدوديــة‪ ،‬والتزويــر يف عقــارات الدولــة‪ ،‬وملفــات لفســاد يف الســجون‪ ،‬واملشــاريع املتلكئــة‬ ‫منهــا عــى نــواب أعضــاء يف الربملــان العراقــي‪ .‬كــا اعرتفــت هيئــة النزاهــة يف ‪ 27/11/2018‬بوجــود‬
‫ـوف بحــادث مــروري غامــض‪. 61‬‬ ‫بعمــوم املحافظــات‪ ،‬رسعــان مــا تـ ّ‬ ‫نحــو ‪ 600‬مــروع متلكــئ يف محافظــة صــاح الديــن فقــط‪ ،‬يبلــغ إجــايل كلفتهــا أكــر مــن ترليــوين‬
‫دينــار‪ .‬كــا أشــارت الهيئــة إىل وجــود مزاعــم بتالعــب وهــدر املــال العــام يف عــدد مــن املشــاريع‪،‬‬
‫وهنــاك حــوادث وقصــص غريبــة عــن اغتيــاالت وإبعــاد وحبــس ملوظفــن بدرجــات وظيفيــة دنيــا‬ ‫منهــا تعاقــد املحافظــة عــى تجهيــز آليــات ملديريــة بلديــات املحافظــة مببلــغ يقــارب الـــ‪ 27‬مليــار‬
‫لكونهــم‪ ،‬فقــط‪ ،‬تح ّدثــوا عــن ملــف فســاد‪ ،‬أو رفضــوا متريــر عقــد يشــوبه الفســاد‪ ،‬أو ملعارضتهــم‬ ‫دينــار تــم تجهيــز جــزء منهــا وهــدر بقيــة املبلــغ‪ ،‬إضافــة إىل رصف كامــل تخصيصــات إنشــاء طريــق‬
‫لطــرق اإلنفــاق يف دوائرهــم أو مؤسســاتهم‪ .‬بنــاء عــى ذلــك‪ ،‬فــإن قاموسـاً مــن املصطلحــات تأســس‬ ‫الــدور – العلــم البالــغ نحــو ‪ 6‬مليــارات دينــار إىل إحــدى الــركات رغــم أ ّن نســبة اإلنجــاز كانــت‬
‫بــن موظفــي القطــاع العــام يحــثّ عــى الصمــت وعــدم املــي يف محاربــة الفســاد‪ ،‬عليــه فإن الفســاد‬ ‫صفــر‪.60 %‬‬
‫هــو القاعــدة أو «الطبيعــي» يف ســر العمــل‪ ،‬بينــا محاربتــه أو الح ـ ّد منــه فهــو غــر الطبيعــي‪.‬‬
‫خالصة‪ :‬محاربة الفساد واالغتياالت‬

‫بــاءت أغلــب محــاوالت اخ ـراق النظــام للح ـ ّد مــن الفســاد بالفشــل‪ ،‬إذ تع ـ ّرض عــد ٌد مــن القضــاة‬
‫املختصــة مبحاربــة الفســاد الذيــن حاولــوا املحاســبة أو حتّــى الكشــف‬
‫ّ‬ ‫واملفتشــن ورؤســاء الهيئــات‬
‫عــن األســاء الكبــرة املتورطــة بصفقــات فســاد كبــرة‪ ،‬إىل االغتيــال أو الرتهيــب أو الفصــل الوظيفــي‬
‫‪« - 58‬نائب‪ :‬الفساد يف دياىل مرعب وندعو لصولة قانون يف مواجهة الحيتان»‪ ،‬وكالة «السومرية نيوز»‪ ،‬نرش بتاريخ‬
‫‪ 28‬ترشين األول ‪ /‬أكتوبر ‪ .2017‬‬
‫‪« - 59‬عضو مجلس محافظة دياىل يتهم املحافظ الفني باختالس ‪ 3‬مليار دينار»‪ ،‬موقع «روداو»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪13‬‬
‫شباط ‪ /‬فرباير ‪.2019‬‬
‫‪« - 61‬شكوك وراء حادث وفاة القايض عزت توفيق‪ :‬تزامنت مع كشفه ملفات خطرية»‪ ،‬صحيفة «املدى»‪ ،‬نرش بتاريخ‬ ‫‪« - 60‬نحو ‪ 600‬مرشوع‪ ..‬النزاهة تكشف عن مجمل املشاريع املتلكئة يف صالح الدين»‪ ،‬وكالة «السومرية نيوز»‪27 ،‬‬
‫‪ 17‬آذار ‪ /‬مارس ‪.2019‬‬ ‫ترشين الثاين ‪ /‬نوفمرب ‪.2018‬‬
‫‪131‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪130‬‬

‫الخــاص نظـرا ً النعــدام أي دخــل مــن الصناعــة والزراعــة‪. 63‬‬ ‫أدوات السلطة إلرضاء المجتمع العراقي وللحفاظ على السلم‬ ‫‪3‬‬
‫ومتنــح الدولــة للموظفــن العمومــن أفضل ّيــة عــى بق ّيــة الفئــات االجتامعيــة العاملــة يف القطــاع‬ ‫االجتماعي‬
‫الخــاص‪ ،‬فبإمــكان املوظــف الحصــول عــى القــروض املرصفيــة لـراء شـقّة أو منــزل أو ســيارة‪ ،‬بينــا‬
‫يحتــاج أي شــخص غــر موظــف يف الحصــول عــى قــرض لكفالــة موظــف‪ . 64‬وبطبيعــة الحــال‪ ،‬فــإن‬ ‫توزيع جزء من الريع النفطي على المواطنين‬
‫هــؤالء املوظفــن ميكــن أن يكونــوا قـ ّوة إلحــداث تغيــر يف الســلطة لــو جــرى تنظيمهــم‪ ،‬عــى ســبيل‬
‫املثــال‪ ،‬مــن خــال تشــكيل النقابــات‪ ،‬لكــن القانــون مينــع املوظفــن العموميــن مــن تشــكيل نقابــات‬ ‫يعـ ّد العـراق ثــاين أكــر منتــج للنفــط يف منظمــة «أوبــك» وينتــج يف املجمــل نحــو ‪ 4.5‬ماليــن برميــل‬
‫أو تج ّمعــات مهن ّيــة‪ .‬ومتعــن الســلطة بإضعــاف املوظفــن مــن خــال طــرد أو معاقبــة األشــخاص‬ ‫يومي ـاً‪ ،‬وتبلــغ احتياطاتــه النفطيــة املؤكــدة نحــو ‪ 112‬مليــار برميــل‪ .‬ويعتمــد الع ـراق يف إيراداتــه‬
‫الذيــن يشــاركون يف االحتجاجــات أو الذيــن يوجهــون انتقــادات ملؤسســاتهم عــى مواقــع التواصــل‬ ‫املاليــة الســنوية عــى تصديــر النفــط بنســبة ت ـراوح بــن ‪ 90‬و‪ 97‬باملئــة‪ ،‬وهــذا يعنــي أن الع ـراق‬
‫االجتامعــي‪ ، 65‬عليــه فــإن املوظفــن منزوعــون مــن أي ق ـ ّوة‪ .‬ويخــى الكثــر مــن هــؤالء املوظفــن‬ ‫واحــد مــن أكــر الــدول الريعيــة يف العــامل‪ .‬وتس ـ ّبب النظــام الريعــي‪ ،‬عــى مــدى عقــود‪ ،‬بتحكــم‬
‫إســقاط النظــام‪ .‬فقــد ظهــر ذلــك جل ّيـاً يف التظاهـرات الحاشــدة التــي شــهدها العـراق أعــوام ‪،2015‬‬ ‫الســلطات املتعاقبــة بالحيــاة السياســية‪ . 62‬ومــع إحــال النظــام الســيايس الجديــد بعــد عــام ‪،2003‬‬
‫‪ ،2018‬وأخــرا ً التظاهــرات واالعتصامــات األوســع بتاريــخ العــراق يف ترشيــن األول ‪ /‬أكتوبــر عــام‬ ‫فــإن ريــع النفــط اســتخدم إلدامــة النظــام الســيايس واالســتمرار بنهــب املــوارد الطبيعيــة‪ ،‬وبطبيعــة‬
‫‪ ،2019‬إذ مل تتـ ّم تلبيــة دعــوات اإلرضاب والعصيــان املــدين التــي دعــت إليهــا ســاحات االحتجاجــات‬ ‫الحــال‪ ،‬التحكــم إىل حــد بعيــد بالحيــاة االجتامعيــة والسياســية‪ .‬وتجــد الســلطة يف النظــام الريعــي‬
‫إال مــن بعــض املؤسســات‪.‬‬ ‫تحقيق ـاً لتفضيالتهــا السياســية‪ ،‬فالدولــة الريعيــة يف الع ـراق تعتمــد عــى مقــدار الريــع املتحصــل‬
‫والعمــر اإلنتاجــي لــه‪ ،‬وتقايــض الســلطة والء املواطنــن بتوزيــع بعــض واردات الريــع عليهــم‪.‬‬
‫لكــن الســلطة تحــاول ربــط فئــات أخــرى بهــا وإرضاءهــا مــن خــال إنفــاق نحــو ‪ 1,5‬مليــار دوالر‬
‫ســنوياً لدعــم «البطاقــة التموينيــة» التــي توفــر للمواطنــن بعــض املــواد الغذائيــة شــهرياً وبأســعار‬ ‫وتظهــر عالقــة ســلطة العـراق مبجتمعهــا مــدى فســاد النظــام‪ ،‬إذ يتــم تحكــم الســلطة باملجتمــع مــن‬
‫مدعومــة‪ ،‬فضـاً عــن دعمهــا الكبــر للمشــتقات النفطيــة وللطاقــة الكهربائيــة‪ .‬وبســبب ذلــك يتــم‬ ‫خــال توســيع اإلنفــاق العــام دون فــرض رضائــب عــى املواطنــن‪ ،‬وتوســيع الشــبكة البريوقراطيــة عــر‬
‫تخصيــص أكــر مــن ‪ 75‬باملئــة مــن النفقــات العامــة لتغطيــة النفقــات التشــغيلية وهــو مــا يفاقــم‬ ‫التوظيــف يف مؤسســات الدولــة وتوفــر خدمــات اجتامعيــة ودعــم الوقــود والبطاقــة التموينيــة‪ .‬وأدى‬
‫تشــوهات االقتصــاد وانحرافــه بعيــدا ً عــن تحقيــق تطــور اقتصــادي حقيقــي مبنــي عــى تطويــر‬ ‫التوســع باإلنفــاق إىل تدمــر القطاعــات اإلنتاجيــة‪ ،‬إذ بــدالً مــن أن تُن َفــق الريــوع النفطيــة يف تحقيــق‬
‫املشــاريع اإلنتاجيــة للبلــد‪.‬‬ ‫تطــور مؤسســايت داخــي أو تنويــع مصــادر اإلنتــاج الحقيقيــة أو إحــداث إصــاح اقتصــادي‪ ،‬فإنهــا تزيد‬
‫مــن تخلــف املجتمــع والتفــاوت الطبقــي بــن فئاتــه‪.‬‬

‫االعتماد على األجهزة األمنية‬ ‫وتربــط الســلطة املجتمــع بهــا لكونهــا املصــدر الرئيــس القتصــاد السـكّان‪ .‬وقـ ّد ك ّونــت الســلطة منــذ‬
‫تأسيســها فئــة مــن املنتفعــن يقفــون حاجـزا ً منيعـاً أمــام املحــاوالت العديــدة إلســقاطها‪ .‬تتكـ ّون هــذه‬
‫ال تتوقّــف طُــرق الســيطرة عــى الس ـكّان وإرضائهــم عنــد الرشــاوى والتوظيــف‪ ،‬فالدولــة الريعيــة‬ ‫الفئــة مــن جيــش بريوقراطــي مــن املوظفــن يف املؤسســات العامــة‪ ،‬والذيــن ت ـ ّم توظيــف غالبيتهــم‬
‫تضمــن بقاءهــا واســتمرارها عــن طريــق جمــع الريــع املتــأيت مــن النفــط ومــن ثــم إعــادة توزيعــه‪.‬‬ ‫إليصــال بعــض أمــوال ريــع النفــط إىل الســكان مقابــل الحصــول عــى صمتهــم عــن اســتمرار الســلطة‬
‫ويتطلــب هــذا جهــازا ً أمني ـاً وقــوة عســكرية قــادرة عــى حاميــة مصــادر الريــع والســلطة الحاكمــة‬ ‫بنهــب الــروات‪ ،‬عل ـاً بــأن أكــر مــن ‪ 10‬ماليــن شــخص يف الع ـراق يتقاضــون رواتــب مــن الدولــة‪.‬‬
‫مــن جهــة وإعــادة توزيــع ذلــك الريــع مــن جهــة أخــرى‪ .‬إن تنامــي ارتبــاط الفــرد بالســلطة عــن‬ ‫إذ تنفــق الدولــة أكــر مــن ‪ 53‬مليــار دوالر ســنوياً عــى رواتــب املوظفــن واملتقاعديــن واملتعاقديــن‬
‫‪ - 63‬جمهورية العراق‪ ،‬وزارة العدل‪ ،‬قانون رقم (‪ )1‬املوازنة العامة االتحادية لجمهورية العراق للسنة املالية ‪،2019‬‬ ‫واملشــمولني بشــبكات الحاميــة االجتامعيــة‪ ،‬وتش ـكّل هــذه األمــوال مصــدرا ً أساســياً لعمــل القطــاع‬
‫العدد ‪ ،4529‬ص‪ ،41‬نرش بتاريخ ‪ 11‬شباط‪ /‬فرباير‪.2019‬‬
‫‪ - 64‬عمر الجفال‪« ،‬خرائ ُط األىس العراقيّة»‪ ،‬موقع «السفري العريب»‪ ،‬نشري بتاريخ ‪ 6‬آب ‪ /‬أغسطس ‪2015‬‬
‫‪« - 65‬مسؤولون حكوميون مينعون موظفيهم من التظاهر‪ ..‬ومتخصصون يؤكدون‪ :‬االحتجاج حق دستوري»‪ ،‬صحيفة‬
‫«املدى»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 22‬ترشين األول ‪ /‬أكتوبر ‪.2015‬‬ ‫‪ - 62‬حارث حسن‪« ،‬دولة الريع العراقية»‪ ،‬موقع «السفري العريب»‪ ،‬نرش بتاريخ ‪ 5‬شباط ‪ /‬فرباير ‪ 2015‬‬
‫‪133‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪132‬‬

‫تتعـ ّرض الدولــة ألزمــة اقتصاديــة وترتفــع األصــوات املطالبــة باســتعادة األمــوال املنهوبــة‪ ،‬فــإن أصواتـاً‬ ‫طريــق الدولــة الريعيــة‪ ،‬التــي تقــدم جــزءا ً مــن الريــع بيــد والعصــا الغليظــة باليــد األخــرى‪ ،‬جعــل‬
‫إعالميــة وعشــائرية ودينيــة تبــدأ مبطالبــة الس ـكّان بــرورة التضحيــة وربــط األحزمــة مــن أجــل‬ ‫الدولــة والســلطة أكــر قــوة ومتاســكاً وقهـرا ً‪ ،‬وحـ ّول الفــرد إىل أداة بحيــث جعلتــه ملغيـاً أمــام ســلطة‬
‫املصلحــة الوطنيــة والتك ّيــف مــع األحــداث ونســيان املــايض والــروع ببدايــة جديــدة بعالقــة السـكّان‬ ‫الدولــة التــي يخدمهــا‪ .‬وبهــذا يرتفــع الشــعور بالعجــز أمــام جهــاز الدولــة القــوي‪ ،‬ويف الوقــت ذاتــه‪،‬‬
‫بالســلطة لتجاوز األزمــة‪. 68‬‬ ‫يســهل انقيــاد األف ـراد عــن طريــق ذوبانهــم بثقافــة الســلطة وأيديولوجيتهــا‪. 66‬‬

‫وترتجــم الدولــة الريعيــة يف العـراق هــذه الرؤيــة يف التخصيصــات الكبــرة لألمــن والدفــاع يف املوازنــات‬
‫العامــة مــا ألحــق الــرر الكبــر باإلنفــاق املــدين املوجــه نحــو تلبيــة الحاجــات األساســية للسـكّان‪،‬‬
‫إذ بلغــت التخصيصــات املاليــة لألمــن والدفــاع يف موازنــة ‪ 2019‬نحــو ‪ 25‬ترليــون دينــار وهــي متثــل‬
‫‪ 19‬باملئــة مــن إجــايل النفقــات العامــة‪ .‬مــن جهــة أخــرى‪ ،‬ال تزيــد التخصيصــات للصحــة والبيئــة‬
‫عــن ‪ 2.555‬ترليــون دينــار‪ ،‬وهــو مــا يعــادل ‪ 2‬باملئــة فقــط مــن النفقــات العامــة‪ ،‬فيــا بلغــت‬
‫التخصيصــات لــوزاريت الرتبيــة والتعليــم العــايل مع ـاً ‪ 4.790‬ترليــون دينــار وبنســبة ‪ 3.75‬باملئــة‪ .‬أمــا‬
‫الوضــع األكــر ســوءا ً فهــو تخصيصــات املوازنــة للزراعــة والصناعــة معـاً والبالغــة ترليــوين دينــار فقــط‪،‬‬
‫وهــو مــا ميثــل ‪ 1.5‬باملئــة فقــط مــن إجــايل املوازنــة‪. 67‬‬

‫الترويج لثقافة الفساد‬

‫ولّــد االقتصــاد الريعــي يف الع ـراق ثقافــة تتــازم مــع البنيــة السياســية القامئــة التــي يغذيهــا الريــع‬
‫ويســهم يف اســتدامة النظــام الســيايس واالقتصــادي القائــم‪ .‬إن ثقافــة الفســاد تعنــي قبــول أف ـراد‬
‫املجتمــع بصفــة عامــة لــكل حــاالت الفســاد ســواء كانــت صغــرة أم كبــرة‪ ،‬وإقناعهــم بــأن الفســاد‬
‫موجــود ويجــب التعايــش مــع صــوره وأمناطــه املختلفــة بــل وإفســاح املجــال لــه‪ .‬وقــد أصبــح الفســاد‬
‫وضعـاً طبيعيـاً يتوقعــه املواطــن يف تعامالتــه اليوميــة كافّــة‪ ،‬وذلــك ليــس عــى مســتوى تعاملــه مــع‬
‫التكســب‬
‫توســع ليشــمل العالقــات االجتامعيــة أيضـاً‪ .‬وصــارت ّ‬ ‫املؤسســات الرســم ّية فحســب‪ ،‬وإمنــا ّ‬
‫ـبي هــم مثــار حســد‬ ‫غــر املــروع داخــل املجتمــع أمـرا ً عاديـاً وغــر مــدان‪ ،‬حتّــى أن هــؤالء املتكسـ ّ‬
‫ويتــدح مثـاً حتّــى بعــض مــن تو ّرطــوا بالفســاد طاملــا أنهــم مل‬‫للكثــر مــن أقاربهــم وجريانهــم‪ ،‬بــل ُ‬
‫يتو ّرطــوا بأحــداث القتــل أو إيــذاء اآلخــر‪.‬‬

‫وعــى صعيــد اجتامعــي‪ ،‬فــإن الفســاد صــار جــزءا ً مــن أعـراف العشــائر‪ ،‬إذ صــارت العشــرة تُدافــع‬
‫عــن أبنائهــا املوظفــن املتورطــن بالفســاد‪ ،‬وتحاســب كل مــن يرفــع صوت ـاً النتقــاده‪ .‬كــا ودخــل‬
‫رجــال الديــن يف هــذه الدائــرة مــن خــال تلقيهــم رشــاوى لـ»تلميــع» بعــض املســؤولني‪ ،‬وإصــدار‬
‫النصــح بعــدم الحديــث عــن مســؤول فاســد مــن دون أن ميلــك املتحـ ّدث وثائــق تثبــت ذلــك‪ .‬وعندمــا‬
‫‪ - 66‬عبدالرحمن نجم املشهداين‪« ،‬مزاد العملة وعمليات غسل االموال يف العراق»‪ ،‬بحث مقدم اىل املؤمتر العلمي‬
‫لكلية االدارة واالقتصاد يف جامعة البرصة وكلية شط العرب الجامعة‪ ،‬ص‪ ،209‬نيسان‪ /‬أبريل ‪ .2016‬‬
‫‪- 68‬املوازنة العامة لعام ‪ ،2019‬ص‪ ،32‬مصدر سابق‪ .‬‬ ‫‪ - 67‬نبيل جعفر عبد الرضا‪ ،‬اقتصاد الطاقة‪ ،‬دار الكتاب الجامعي‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬االمارات العربية‪ ،‬ص ‪.2017 ،257‬‬
‫‪135‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬العراق‬ ‫الفساد والنهب في ممارسة السلطة‬ ‫‪134‬‬

‫إحالتهــم للقضــاء‪ ،‬مــع وجــود اإلج ـراءات الســهلة والكفــاالت املاليــة التــي ال تتناســب وحجــم‬ ‫الخالصة‬ ‫‪4‬‬
‫املشــكلة للمتهمــن بقضايــا الفســاد‪.‬‬
‫ ‪1.‬أســهمت النظــم االنتخابيــة الربملانيــة واملحليــة‪ ،‬التــي أقرتهــا االحــزاب والكيانــات السياســية‬
‫ ‪6.‬إن ضعــف األجهــزة الرقابيــة وعــدم فاعليتهــا يف كشــف الفســاد املحمــي مــن أحـزاب الســلطة‪،‬‬ ‫الكبــرة القائــدة للعمليــة السياســية يف عــام ‪ ،2003‬عــاوة عــى اختيــار مجلــس مفوضيــة‬
‫وعــدم القــدرة عــى حاميتهــا مــن التدخــل الســيايس للتأثــر عــى قراراتهــا‪ ،‬إضافــة إىل ضعــف‬ ‫االنتخابــات املســؤولة عــن قيــادة العمليــة االنتخابيــة عــى أســاس محاصــي وحــزيب‪ ،‬إىل هيمنــة‬
‫إمكانياتهــا املاديــة وتخصيصاتهــا يف املوازنــة العامــة هــي مــا يفاقــم الفســاد‪ .‬ويتضــح ذلــك مــن‬ ‫هــذه الكتــل التــي تعتمــد الفســاد إلدارة الدولــة وفــوز قياداتهــا يف كل انتخابــات‪.‬‬
‫خــال اســتمرار الــوزارات والهيئــات الحكوميــة‪ 69‬املختلفــة يف عــدم اطفــاء الســلف الحكوميــة‬
‫‪ ،‬وهــي املبالــغ التــي تســتلمها الرشكــة املقاولــة قبــل البــدأ بالعمــل يف املــروع‪ ،‬واملبالــغ التــي‬ ‫ ‪2.‬متتــزج عنــارص الريــع والفئويــة والفســاد يف بوتقــة واحــدة تكــون مهمتهــا الحفــاظ عــى ســيطرة‬
‫تســتلمها الجهــات الحكوميــة مقدم ـاً مــن أجــل انجــاز بعــض املهــام الالحقــة‪ ،‬والتــي تشــوبها‬ ‫الســلطة الحاكمــة‪ .‬إن بنيــة االقتصــاد العراقــي الريعيــة قامئــة عــى حالتــن‪ ،‬خارجيــة مد ّعمــة‬
‫شــبهات الفســاد ‪ -‬والتــي زادت قيمتهــا عــن مئــة مليــار دوالر يف الفــرة مــا بــن ‪،2004-2018‬‬ ‫بتدويــر الفوائــض املاليــة النفطيــة‪ ،‬وداخليــة مكّنــت النظــام الطائفــي الفئــوي مــن املتاجــرة‬
‫وعــدم توفــر مســتندات الــرف الخاصــة بهــا‪ .‬بــل األدهــى مــن ذلــك أنهــا تعمــد اىل حــرق‬ ‫بالنفــوذ وبالتــايل خلــق ريــع داخــي‪ .‬واملهمــة األوىل للطبقــة الحاكمــة هــي تقاســم املغانــم أو‬
‫الغــرف التــي تحــوي وثائــق هــذه الســلف مبجــرد الشــعور بوجــود فــرق رقابيــة للتدقيــق فيهــا‪،‬‬ ‫الريــع عــر نظــام املحاصصــة الــذي يك ّرســه النظــام الفئــوي الطائفــي املذهبــي‪ .‬وتتجــى مظاهــر‬
‫مثلــا حصــل يف وزارت عــدة منهــا املاليــة والتجــارة والصناعــة والبنــك املركــزي‪ .‬وهــي محاولــة‬ ‫الفســاد يف الع ـراق بالنظــام الريعــي ذاتــه‪ ،‬ولذلــك ال ميكــن أن تنجــح مشــاريع اإلصــاح إن مل‬
‫مــن الفاســدين إلخفــاء جرامئهــم مــن جهــة‪ ،‬وفتــح بوابــة جديــدة للرسقــة مــن أجــل إعــادة‬ ‫تقطــع العالقــة بــن النظــام الفئــوي واالقتصــاد الريعــي الســائد‪.‬‬
‫إعــار هــذه املرافــق التــي تعرضــت للحــرق والتدمــر‪ ،‬األمــر الــذي يــؤدي إىل زيــادة تكاليــف‬
‫الفســاد‪.‬‬ ‫ ‪3.‬مثــة عالقــة وثيقــة بــن اســترشاء الفســاد وتفاقمــه وبــن العوامــل الخارجيــة املح ِّرضــة عليــه‬
‫والداعمــة لــه‪ ،‬إذ أن العديــد مــن حــاالت الفســاد كانــت موجهــة لتحقيــق أهــداف اسـراتيجية‬
‫للــدول األخــرى‪ .‬فالــدول املحتلــة‪ ،‬كــا هــو حــال العــراق‪ ،‬ص ّعــدت معهــا قــوى اجتامعيــة‬
‫وسياســية جديــدة لهــا نفــوذ ســيايس وروحــي كبــر بــن أوســاط النــاس‪ ،‬مبقــدار مــا يتعلــق األمــر‬
‫بالشــخصيات واألحـزاب الدينيــة‪ .‬ولهــذا الســبب‪ ،‬فلــم يكــن بامــكان املحتــل التخــي عــن هــذه‬
‫القــوى‪ ،‬عــى الرغــم مــن تعــارض اتجاهاتهــا مــع التوجهــات االمريكيــة‪ .‬وهكــذا‪ ،‬وبغيــة اســقاط‬
‫املــروع الســيايس لألحــزاب الدينيــة‪ ،‬قامــت القــوى الخارجيــة بتيســر الســبل املؤديــة اىل‬
‫الفســاد ورشعنتهــا‪ ،‬مــن أجــل توريــط الطبقــة السياســية الحاكمــة واســقاطها اجتامعيـاً وشــعبياً‪،‬‬
‫قبــل اســقاط مرشوعهــا الســيايس‪.‬‬

‫ ‪4.‬إن الفســاد االقتصــادي يف العـراق هــو مثــرة فســاد ســيايس‪ ،‬كــون مــن ميلــك الســلطة ميلــك املــال‪،‬‬
‫ولذلــك يســعى معظــم املســؤولني إىل اســتغالل مناصبهــم لتحقيــق مزايــا ومكاســب تخالــف‬
‫القوانــن واألعـراف الســائدة يف املجتمــع‪ ،‬فتصبــح دوافــع القـرارات االقتصاديــة تحقيــق مكاســب‬
‫آنيــة ضيقــة لكبــار املســؤولني وأرسهــم وأصدقائهــم عــى حســاب املصلحــة العامــة للسـكّان‪.‬‬

‫ ‪ .55.‬عــى الرغــم مــن انتشــار الفســاد االقتصــادي يف العــراق يف أغلــب مؤسســات الدولــة‪ ،‬إال‬
‫أن الواقــع يشــر إىل عــدم وجــود اإلج ـراءات الكفيلــة للحــد مــن هــذه املشــكلة‪ ،‬إذ أن هنــاك‬
‫‪« - 69‬اطفاء السلف» مصطلح مايل يستخدم لتسوية السلف املمنوحة لقاء وصوالت وقوائم الرشاء للمواد‪ .‬‬
‫ســهولة يف تخلــص املفســدين مــن قبضــة القانــون بســبب وجــود بعــض القوانــن التــي تحــد مــن‬
‫أجــرى تقاطعــات‪ /‬الســفري العــريب‪ ،‬يف العــام ‪ ،2020‬دراســ ًة عــن الفســاد‬
‫باعتبــاره أحــد ركائــز الســلطة‪ ،‬الــذي ال يقــل أهميــ ًة عــن القمــع واإلفقــار‬
‫والتيئيــس‪ .‬وقــد اخرتنــا الجزائــر والعـراق كدراســتي حالــة‪ ،‬عــى أمــل توســيع‬
‫نطــاق بحثنــا يف الفــرة القادمــة ليشــمل بلدان ـاً أخــرى‪.‬‬
‫يُنــر هــذا العمــل ورقيـاً يف سلســلة “كتــب الســفري العــريب”‪ ،‬ويتوفــر بثــاث‬
‫لغــات‪ ،‬العربيــة والفرنســية واإلنجليزيــة‪ ،‬عــاو ًة عــى نســخها اإللكرتونيــة عــى‬

‫© تقاطعات ‪ /‬السفري العريب ‪2020‬‬


‫تصميم‪ :‬فرات شهال الركايب‬

You might also like