Professional Documents
Culture Documents
أيديولوجيا
أيديولوجيا
أيديولوجيا
وهي تساعد على تفسير األسس األخالقية للفعل الواقعي ،وتعمل على توجيهه
حجبه عن إدراك الواقع والحقيقة .ماركس
ل ،وتَ ْ
مفهوم اإليديولوجيا ،كمجموعة أوهامُ ،تعتم العق َ
ي يرى األشيا َء والظواه َر طب ًقا لمزاعمه ،ال طب ًقا لذاتها؟
ما هي األسباب التي جعلت الفك َر اإلنسان َّ
ستطيع أن نستشف تعريفا لمفهوم ”االيديولوجيا“ من خالل استحضار الترجمة التي يقدمها األستاذ عبد هللا
العروي ،إن االيدولوجيا ”أدلوجة“ أي ”دلجة“ و هي الظالم ،من هنا فاإلديولوجيا تؤدي وظيفة التدليس،
أقصد أنها تروم تزييف الحقائق و ترويج األوهام.إن اإليديولوجيا عند ”نيتشه“ هي ”األخالق“ ،فهذه األخيرة
تخفي الحقيقة كما يتصورها ”نيتشه“ ،حقيقة أن الضعيف يخفي حسده للنبالء و األقوياء مروجا ذلك باسطه
في قناع أخالقي .و مع فرويد تتضح معالم االيدولوجيا في نمط آخر ،فالمفهوم عنده ليس إال تلك األوهام التي
يعرضها االنسان إلخفاء حقيقة الدافع األساسي لكل تحركاته و طموحاته و اهتماماته ،التي تنصب فيما هو
”.جنسي“ قادم من مستودع الرغبة
قبل أن نعرض لمفهوم االيديولوجيا في الفكر الماركسي قد يكون من المفيد أن نعرف بالمعنى األولي السائد
لمفهوم االيديولوجيا في عصر األنوار ،لقد كان المفهوم يحيل على األوهام التي يستغلها المتسلطون من نبالء
و رهبان لمغالطة عموم الناس و البسطاء و حرمانهم من معرفة الحقيقة ،االيديولوجيا هي إذا ذلك القناع
الذي يرتديه أصحاب المصالح من أجل تزييف الرأي العام .هذا هو التعريف الذي كان سائدا في عصر
.األنوار
أما ماركس ”الناضج“ فقد كان يرى في االيديولوجيا كل فكر ال يستجيب لواقعه ،يبدو ذلك واضحا في نقده
لفكر اليسار الهيغلي الذي استحضر فلسفة األنوار لقراءة الو اقع األلماني ،ال يفهمن من هذا الكالم أن
ماركس كان يعادي الفكر األنواري ،ال ،و لكن الحقيقة عند ماركس أن هذا الفكر قد تم تجاوزه و لم يعد
يسعف الناقد في قراءة الوقائع المستجدة ،بعبارة أخرى براديغم الفكر االنواري قد استنفذ كل أغراضا ،يقول
كارل ماركس معاتبا اليسار الهيغلي ”حين تحيون في ألمانيا فلسفة األنوار و نقدها لألوضاع ،إنكم تلغون
التاريخ الواقعي ،و بإلغائكم إياه تمألون أذهانكم باألوهام و تعرضون عن معرفة الواقع .فكركم إذن أدلوجي،
“.غير علمي
لنسلط بعض األضواء على هذه القولة ،يقول ماركس أن الفكر االيديولوجي ليس علميا ،بمعنى آخر أنه
وهمي ،و مادامت األشياء بضدها تتميز فالبد هنا أن نتعرف على الفكر الغير االيديولوجي ،يقول ماركس إن
”العلم الحقيقي و اإليجابي ينطلق من الحياة الواقعية ،من استعراض نشاط اإلنسان ،و عملية تطور اإلنسان
المادي“ ،لعل هذه القولة تجعلنا نفهم مقصود ماركس بااليديولوجيا ،إنها كل مقالة ال تتوفر فيها مقومات
التاريخانية ،أي وعي اإلنسان بالتاريخ ،التاريخ هنا بما هو تغير دائم و حركة ،و في المقابل مساهمة هذه
الطوارئ االجتماعية و المادية بالخصوص في بناء النسق الفكري لإلنسان .و هذا سيؤدي بنا في نهاية
المطاف إلى تصور االيديولوجيا كـ“مطلق“ ،أي تلك األفكار ذات النزوع اإلطالقي التي ال تقبل التحوير و ال
.التغيير
يبقى أن نطرح سؤاال آخر ،ما الذي يجرد فكرا ما من طابع اإلطالق ،إنه حسب ماركس عدم االنتباه للطابع
الطبقي ألي فكر ،يقدم أي مشروع ثوري نفسه كخادم للمصلحة العامة ،لكنه في الحقيقة حين يدعي خدمته
للصالح العام يقدم اعترافات زائفة ،و هكذا فمجموعة االفكار و المعتقدات التي تروج لتوحي للرأي العام
.بأنها مطلقة لعموم الطبقات فكر إيديولوجي أي مجرد وهم
و يبدو أن ثمة ارتباط وثيق بين االيديولوجيا في فكر كارل ماركس و قلبه للجدل الهيغلي ،كان
ديالكتيك(الجدل) هيغل مثالي ،أي أنه رأى بأن التاريخ تسيره األفكار ،لكن كارل ماركس رأى بأن التاريخ
الهيغلي يمشي على رأسه ،إن المحدد الرئيسي و المؤثر فيه بشكل واضح هو المادة ،و باألخص وسائل
اإلنتاج ،و مادامت اإليديولوجيا هي الوهم و القناع ،فسيكون أي شكل من أشكال الفكر تقدم على أساس أنها
محرك التاريخ ليست سوى إيديولوجيا ،و يطلق عليها كارل ماركس كذلك مفهوم “البنية الفوقية” ،في مقابل
“البنية التحتية” ،إن البنية الفوقية هي مجموع األفكار التي تشمل الدين و الفن و الفلسفة المثالية و التي تقف
.حائال عائقا دون معرفة الصراع المادي بين الطبقات
إن التحليل العلمي و المادي للتاريخ يضعنا أمام حلقة متصلة من المراحل التي مرت بها البشرية ،بدءا مما
يسمى الشيوعية األولى ،مرورا بالرق ،و اإلقطاعية ،فالرأسمالية ،و كان المؤثر دائما هو وسائل اإلنتاج،
كلما استجدت وسائل جديدة أحدث ذلك تغييرا في الطبقات االجتماعية و بالتالي في حركية التاريخ .و ما
.يغطي حقيقة هذا التاريخ هو مجرد وهم ،و كل فكر مناضل ال يتسلح بفكر زمانه هو إيديولوجيا مخادعة
ابتدأ المفهوم عاما فضفاضا يشمل كل ما يعكر صفو الرؤية ،كل ما يحجب الحقيقة ،هذا هو المعنى الذي كان
سائدا في الفكر األنواري ،لكنه سيتحول مع كارل ماركس ،أو بتعبير أدق سيدقق ماركس في المفهوم أكثر،
سيصير المفهوم في فكر ماركس ما له طابع إطالقي ،بمعنى آخر ال يقيم وزنا للتغيرات التاريخية ،و هذا
يقودنا كذلك للحديث عن البنى الفوقية باعتبارها النهر المتدفق الذي تنهل منه اإليديولوجيا ،إن االيديولوجيا
ضد العلم و ضد التاريخ .اإلنسان الذي يحذر غواية اإليديولوجيا يجب أن يكون تاريخيا ،أو باألحرى
تاريخانيا ،أي أنه يعي حركة التاريخ ،ليس هذا فحسب ،بل و يرى نفسه مجرد ريشة تتقاذفها رياح التاريخ،
.و ال مفر من االستجابة و الميل معاه ،و إال كان الجري عكس التيار سببا في الركود و النكوص