Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 35

‫برنامج عم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيل‬

‫التفكر يف العالم‬
‫و يف «مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أن ـ ـ ـ ــا»‬

‫العارف الشيخ حسن حسن زاده آميل "قدس"‬


‫‪bahjat al'amal‬‬
‫البـــد لـــك أن تجلس يف قطعـــة من الليـــل وحيدا ً‬
‫بعيدا ً عـــن القيل و القال‪ ،‬مع ســـكون الحواس‪ ،‬ثم‬
‫تتفكر يف وجـــودك و وجود ســـائر املوجودات من‬
‫بدئهـــا إىل ختامها و تدبیرها و تعيشـــها و اختالفها‬
‫و حرکاتهـــا و هیجانها‪ ،‬حيث إن هـــذا الجلوس يف‬
‫كل جلســـة‪ ،‬يتتاىل أســـفارا ً و هذا النحو من التفكر‬
‫تســـتتبعه الحظـــوظ الكثرية وكيفية هـــذا الفكر و‬
‫التفكـــر‪ ،‬هـــي أن تتوغل و تغـــور يف كل يشء من‬
‫مشـــهوداتك و تبتدئ فيه بـــأن كل يشء متحرك إىل‬
‫غايـــة و هدف و يحتاج إليهـــا‪ ،‬و تلك الغاية كامله‪،‬‬
‫نتفكر مثالً حـــول حبة من الشـــعري أو الحنطة‪ ،‬أو‬
‫نواة خـــوخ أو حول بيض طـــر و دجاجة‪ ،‬أو حول‬
‫فـــرخ‪ ،‬أو حول طفل كتايب أو ســـائر األشـــياء‪ ،‬كلها‬
‫تنمو مـــن ناحية الحركـــة‪ ،‬و قليالً قليـــاً تبلغ إىل‬
‫مقصودهـــا و غايتهـــا‪ ،‬و أيضاً تتفكر يف نفســـك و‬

‫‪1‬‬
‫يف ذاتـــك و قواك و األعضاء و الجـــوارح و الجوانح‬
‫منـــك‪ ،‬و أيضـــاً يف كل يشء يوجد يف مـــا حولك من‬
‫األشـــجار و الخـــراوات وصور األشـــخاص‪ ،‬فلكل‬
‫شـــخص صورة خاصة و وجه خـــاص‪ ،‬و يف األرض و‬
‫حركتهـــا الوضعية و االنتقاليـــة‪ ،‬حيث تتحرك يف كل‬
‫ثانية مبقـــدار مثانية و عرشين كلومرتا ً‪ ،‬و يف ســـتني‬
‫ثانيـــة مبقـــدار ألف و ســـتامئة و مثانـــن كلومرتا ً‪،‬‬
‫و هـــو مقدار دقيقـــة واحدة‪ ،‬و يف ســـاعة واحدة‬
‫مبقـــدار مائة ألـــف ومثامنائة (كلـــم)‪ ،‬و يف أربع و‬
‫عرشين ســـاعة ‪( ٢٤١٩٢٠٠‬كلم)‪ ،‬و يف شـــهر واحد‬
‫‪( ٧٢٥٧٦000‬كلم)‪ ،‬و يف ســـنة واحدة ‪۸۷۰۹۱۲۰۰۰‬‬
‫(کلـــم)؛ و الكواكب و املجرات و أخـــرا ً وصل رواد‬
‫الفضاء إىل كشـــف مئـــات املليارات مـــن املجرات‬
‫و أيضاً استكشـــاف أراض كثرية‪ ،‬مثـــل هذه األرض‬
‫التـــي نعيش عليهـــا و‪ ،...‬إىل ما النهايـــة‪ ،‬و األبعاد‬

‫‪2‬‬
‫الشعاعية املســـتخرجة من مركز األرض التنتهي إىل‬
‫نها ية ‪.‬‬
‫عزيـــزي! كلها يف مقابل حقيقة اإلنســـان و ظرفيته‬
‫و اســـتعداداته‪ ،‬كقطرة بالنســـبة إىل البحر املحيط‬
‫بـــل أكرث منـــه‪( :‬ولو أن مـــا يف األرض من شـــجرة‬
‫أقـــام و البحر ميـــده من بعـــده ســـبعة أبحر ما‬
‫نفـــدت كلامت اللـــه إن الله عزيـــز حكيم)(((‪.‬‬
‫فراجع يف كيفيـــة التفكـــر «دروس معرفة النفس»‬
‫ملوالنـــا األجل مـــن الـــدرس الســـادس إىل الثالث‬
‫عـــر(((‪ ،‬و القـــرآن املحمدي يقـــول‪« :‬إن يف خلق‬
‫الســـاوات و األرض و اختالف الليل و النهار آليات‬
‫ألويل األلبـــاب »(((‪ ،‬اآليات‪.‬‬
‫((( لقامن‪.۲۸/‬‬
‫((( أبوالفضائل العالمة حســن زاده األميل‪ ،‬حســن‪ ،‬دروس يف معرفة النفس‪ ،‬صص ‪ ،63-31‬النارش‪ :‬ألف الم ميم‪ ،‬قم ـ‬
‫إيران‪ ،‬ط‪۱۳۹۲ ،۲‬ه‪.‬ش‪.‬‬
‫((( آل عمران‪.۱۹۱/‬‬

‫‪3‬‬
‫ثم يقول موالنا األجل يف ذيل الدرس السابع‪:‬‬
‫«نختـــر الكالم لعـــل بعض النـــاس يضحكون من‬
‫مقـــال هذا املنقلـــب املتهيج‪ ،‬و يظنـــون أن القائل‬
‫مجنون ولكـــن الحكـــاء و اليقظـــن يعلمون أن‬
‫هذه الكلـــات و املحاورات مع موجـــودات العامل‬
‫و الكلامت الوجودية‪ ،‬كانت قبســـات تشـــتعل من‬
‫مركـــز قلب محرتق و مشـــتعل»(((‪.‬‬
‫نعـــم‪ ،‬ســـميت تلـــك الحالـــة املحرقـــة للقلوب‬
‫بالخـــروج عن العـــادة‪ ،‬و طريقه أيضـــاً التفكر كام‬
‫يف الرواية‪:‬‬
‫«تفكر ساعة أفضل من عبادة سبعني سنة»(((‪.‬‬
‫و العـــامل أجزائه مرتبطة و كلها متحركة اســـتكامالً‪،‬‬
‫((( أبوالفضائل العالمة حســن زاده األميل‪ ،‬حســن‪ ،‬دروس يف معرفة النفس‪ ،‬ص‪ ،٤٢‬النارش‪ :‬ألف الم ميم‪ ،‬قم ـ إيران‪ ،‬ط‪،۲‬‬
‫‪۱۳۹۲‬ه‪.‬ش‪.‬‬
‫((( ابن عجيبة‪ ،‬أحمد بن محمد‪ ،‬البحر املديد يف تفســر القرآن املجيد‪ ،‬ج‪ ،۱‬ص‪ ،٢٩٦‬النارش‪ :‬الدكتور حســن عباس الزيك‪،‬‬
‫القاهرة ـ مرص‪١٤١٩ ،‬ه‪.‬ق‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫حتـــى يتولد منه اإلنســـان‪ ،‬و هو أيضـــاً يتحرك إىل‬
‫الكامل‪ ،‬و لـــه يف هذا الطريق الحبي االســـتكاميل‪،‬‬
‫هـــدف أعىل مـــن ســـائر املقاصـــد و النهايات‪ ،‬و‬
‫بينـــه و بني العـــامل تطابق وجـــودي‪ ،‬و هو مجمع‬
‫الكلـــات الوجودية الكليـــة و الجزئيـــة و النظم‬
‫الدائـــم بينهـــا‪ ،‬و تلك األجـــزاء و الكلـــات كلها‬
‫مرتبطة بواســـطة الحقيقة التي نسميها بالنفس‪ ،‬و‬
‫هي القـــوة العاقلة املميزة بني األشـــياء و الحاكمة‬
‫عليهـــا‪ ،‬كام أن العـــامل و أجزائه أيضـــاً خري محض‪،‬‬
‫و الـــر‪ ،‬إما أمـــر عدمـــي‪ ،‬و إما يوجـــد يف مقام‬
‫املقايســـة‪ ،‬و النقـــص أيضاً هكذا؛ فـــكل يشء كان‬
‫كامال يف رتبتـــه و مقامه‪ ،‬و يف نفـــس رتبته مل يكن‬
‫نا قصاً ‪.‬‬
‫نعم؛ للكامـــل قيمة التوجد يف الناقـــص‪ ،‬و الناقص‬

‫‪5‬‬
‫مل يقـــع مطلوبـــاً‪ ،‬و إن وقـــع مرجعاً ملـــرة أوىل‪ ،‬مل‬
‫يكـــن مرجعاً مـــرة ثانية؛ فاســـع أن تكـــون كامالً‬
‫يف مهنتـــك وصنعتـــك‪ ،‬كابـــن مقلـــة و ياقـــوت‬
‫املســـتعصمي‪ ،‬و املريعامد الحســـني‪ ،‬و النرييزي و‬
‫ســـائر املهـــرة يف الخط‪ ،‬و كالفردويس و الشـــنايئ و‬
‫النظامـــي و املـــا الرومي و الســـعدي و الحافظ و‬
‫نظائرهم يف الشـــعر‪ ،‬الســـيام الرباعيات املحرقة من‬
‫«بابـــا طاهر عريـــان»‪ ،‬التي هي كاللهـــب للنار و‬
‫كاملـــاء الصايف‪ ،‬وكيف أصبحت عاملية شـــهرة وصيتاً‪،‬‬
‫حتى صـــارت بعض أبياته رضب األمثال عىل ســـائر‬
‫األلســـنة‪ .‬فيا عزيزي! كن طالبـــاً للكامل و تحصيله‬
‫يف أيـــام الشـــباب و الحداثة‪ ،‬حتى تكون ســـعيدا ً؛‬
‫ألن اإلنســـان مـــا مل يكـــن كامـــاً يف قـــويت عقله‬
‫النظـــري و العميل مل يقـــع مطلوبـــاً‪ ،‬و التكن من‬
‫البطالـــن الفجرة املتســـكعني الذيـــن اليرون وجه‬

‫‪6‬‬
‫الســـعادة‪ ،‬يعيشـــون مع التخيـــات و الخزعبالت‬
‫اليومية‪ ،‬و يتلبســـون بألبســـة متلونـــة كالطاووس‪،‬‬
‫ثـــم ســـيفهمون أنه مابقـــي لهم من تلـــك األمور‬
‫يشء‪ ،‬و مـــا حصـــل لهـــم كـــال‪ ،‬فالجـــرم أنهم‬
‫ســـيقعون يف ورطـــة الهالكة و الفقـــر و التكدي و‬
‫الرسقة و التعاســـة و الشـــقاوة و اإليذاء و اإلرهاب‬
‫و ســـائر األمور املخلة باملجتمـــع‪ .‬فالتكن مصاحباً‬
‫و معارشا ً لهم؛ ألن املجالســـة تؤدي إىل املشـــابهة و‬
‫التكن من الغافلني املبعديـــن؛ و اعلم أن النطفة و‬
‫املـــريب و املجتمـــع و املعارش من األصـــول التي لها‬
‫دخل عجيب يف ســـعادة اإلنسان و شـــقاوته‪ ،‬يقال‬
‫بالفارسية‪:‬‬
‫جوانــــا سـر مـتـاب از پنــــد پیران که پنـد پـیـر از‬
‫بخت جــــوان به‬

‫‪7‬‬
‫يعنـــي‪ :‬يـــا أيهـــا الشـــاب! التتمرد عـــى نصيحة‬
‫الشـــيوخ؛ ألن نصيحتهم أفضل من حظ الشـــباب‪.‬‬
‫و أيضاً اعلـــم أن كل من كان كامـــاً؛ فهو محبوب‬
‫لغـــره‪ ،‬و البائـــس العجـــوز مل يكـــن إال منفـــورا ً‬
‫مطرودا ً‪ ،‬و لكـــن الكامل الحاصـــل للكامل‪ ،‬اليصري‬
‫مندرســـاً و مندثرا ً‪ ،‬بـــل موجباً للنشـــاط و النضارة‬
‫له و لغريه مـــن أفراد املجتمع اإلنســـاين‪ ،‬و الكامل‬
‫هو املرسور و املبســـوط و أيضاً هـــو املفرح للغري‪،‬‬
‫مثالً هذا إديســـون هو املخـــرع للكهرباء لو عاش‬
‫مع البائســـن الجاهلـــن لدهره‪ ،‬و اشـــتغل بالرتفه‬
‫و البطنـــة و البطالـــة و الهذيـــان‪ ،‬مل يقتـــدر عىل‬
‫اكتشـــاف الكهربـــاء‪ ،‬حتى ينور العـــامل بنور تعقله‬
‫و علمـــه؛ فالبد لألصدقـــاء أن يبتعـــدوا عن ديدن‬
‫الجاهلني يف عرصهم و اعلمـــوا أن أكرث أكابر عرصنا‬

‫‪8‬‬
‫ســـنا‪ ،‬ما بلغوا إىل حد البلـــوغ و نصابه و مل يكونوا‬
‫يفهمـــون و يعقلـــون؛ فعليكـــم أن التصاحبوهم و‬
‫الذين ضيعـــوا العلـــوم و املعـــارف‪ ،‬و عجزوا عن‬
‫الســـلوك يف طريق الكـــاالت العاليـــة اإللهية‪ ،‬و‬
‫أصبحـــوا علامء العـــوام و هم عـــوام العلامء‪.‬‬
‫واعلـــم أن هـــذا العامل الحـــارض عـــامل تدريجي‪،‬‬
‫ويحصل الكامل تدريجاً؛ فالتســـتعجل‪ ،‬و لكل أجل‬
‫مســـمى‪ ،‬و هذا الوجود التدريجي نسميه بالحركة‬
‫االســـتكاملية خاصة؛ فالكل متحرك اســـتكامالً؛ وكل‬
‫متحـــرك إىل كامل‪ ،‬البـــد أن يكون فاقـــدا ً له‪ ،‬حتى‬
‫يتحـــرك‪ ،‬فيصل إليه و إال فتحصيـــل الحاصل محال‬
‫بديهـــي‪ ،‬و واضح أيضـــاً أن فاقد الكـــال مل يكن‬
‫واجـــدا ً لـــه و مل يذهب إليه من نفســـه؛ فالبد من‬
‫مخـــرج يخرجه إىل ذلك الكـــال؛ نعم‪ ،‬ذلك املخرج‬

‫‪9‬‬
‫من يكون؟ و كيـــف يخرج الفاقـــد إىل الوجدان و‬
‫يوصلـــه؟ فالبد أن نرجع إىل أنفســـنا و نغوص فيها؛‬
‫ألنا من أعجـــب العجاب يف هذا العـــامل الوجودي‪،‬‬
‫و نحـــن األقرب و األحق يف معرفتنـــا من غرينا؛ ألن‬
‫غرينا كله خـــارج عنا بالنظـــر األويل و الظاهري‪ ،‬و‬
‫الطريـــق األفضـــل و األقرب أن نطرح أســـئلة حول‬
‫أنفسنا و نســـتنبط من أنفســـنا أجوبة فيها؛ فاعلم‬
‫أن موالنـــا األجل العالمة حســـن زاده األميل روحي‬
‫فداه ســـلك هذه الطريقة الهادئـــة و املريحة من‬
‫األســـئلة و األجوبـــة خطاباً للتالميـــذ الحارضين يف‬
‫«دروس معرفـــة النفس» و قال‪:‬‬
‫«لو ســـألك شـــخص يف طريـــق مجيئـــك إىل هذا‬
‫الـــدرس‪ :‬إىل أيـــن تذهب؟‬
‫تقول يف جوابه‪ :‬أريد أن أذهب إىل مســـجد «ســـبزه‬

‫‪10‬‬
‫میدان»‪.‬‬
‫س ـ ما الخرب هناك؟‬
‫ج‪ :‬أقيـــم هناك مجلس الـــدرس و التحاور و نحقق‬
‫يف أمـــور و نحللها و نفحصها‪.‬‬
‫س ـ ما هـــي النتيجة من ذلك التحـــاور و التجزئة‬
‫و التحليل؟‬
‫ج ـ كل يـــوم نســـمع مطالب أو عـــى األقل مطلباً‬
‫واحدا ً و نصـــل إىل ضياء العلـــم و املعرفة و نخرج‬
‫من ظلمـــة الجهل‪ ،‬و بالتايل نســـتيضء كل يوم أكرث‬
‫فأكـــر‪ ،‬و نصل مـــن القوة إىل الفعـــل و نرتقي من‬
‫نقص الجهل إىل كـــال العلم‪.‬‬
‫س ـ قلت‪ :‬نستيضء بالتعلم إذن ما هو التعلم؟‬
‫ج ـ الفهم نفس التعلم‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫س ـ كيـــف تتنور بنـــور العلم؟ هـــل العلم نور و‬
‫رساج حتـــى ينوركم؟ مضافاً إىل ذلـــك أي نوع من‬
‫النـــور و الـــراج هو؟ مـــن أي خشـــب و نفط و‬
‫فتيلة يشـــتعل و ينور هذا املصبـــاح؟ و أي نقطة‬
‫مـــن ذاتكم كانـــت مظلمـــة و تنـــورت؟ و كيف‬
‫تتنو ر ؟‬
‫ج ـ رغـــم أننـــي اآلن عاجـــز عـــن أن أبـــن لكم‬
‫خصوصيـــات هـــذا النـــور‪ ،‬و ال أســـتطيع التبيني؛‬
‫ولكن ملـــا أرجع إىل نفـــي‪ ،‬أجد أننـــي أتنور من‬
‫التعلـــم‪ ،‬و لعل يف الحلقـــات اآلتيـــة تطرح هذه‬
‫األســـئلة و تجاب بـــأن العلم أي قســـم من النور و‬
‫الضياء‪ ،‬ثم أســـتطيع اإلجابة عن أســـئلتكم تفصيالً‬
‫و برهاناً‪.‬‬
‫س ـ باألخرية مـــاذا تطلب من هـــذا التنور و عىل‬

‫‪12‬‬
‫ماذا تحصلون؟‬
‫ج ـ نريـــد أن نفهم «من نحـــن‪ ،‬و إىل أين نذهب‪،‬‬
‫و نهايـــة أمرنا مـــاذا يكون؟ و مـــاذا نطلب‪ ،‬و ماذا‬
‫يجـــب أن نطلب؟ و ماذا يطلب كل هذه األشـــياء؟‬
‫س ـ أ التعلم هذه األمور؟‬
‫ج ـ لـــو علمت‪ ،‬ملـــا احتجت إىل الحضـــور يف هذه‬
‫الحلقة الدراســـية؛ أل ّن تحصيـــل الحاصل محال‪.‬‬
‫س ـ مـــن الذي يخرجكـــم من الجهـــل و الظلمة‬
‫إىل العلـــم و النـــور‪ ،‬و عىل قولكم‪ :‬مـــن القوة إىل‬
‫الفعـــل و من النقـــص إىل الكامل؟‬
‫ج ‪ -‬فالن‪.‬‬
‫س ـ و هل هو يعرف هذه األمور؟‬
‫ج ـ لـــو مل يعلم‪ ،‬فكيف يعلمنا و يدرســـنا؟ و فاقد‬

‫‪13‬‬
‫اليشء اليكـــون معطيه‪.‬‬
‫س ـ أنه كيف يســـحبكم من الجهـــل إىل العلم و‬
‫من الظلمـــة إىل النور و يبلغ بكـــم من النقص إىل‬
‫الكامل؟‬
‫ج ـ هـــو يتكلم و نحن نســـتمع إليـــه و قليالً قليالً‬
‫نتعلم ‪.‬‬
‫س ـ ذلـــك الفالين الـــذي يعلمكم هـــل هو واجد‬
‫لذلـــك العلم‪ ،‬أو هـــو أيضاً تعلـــم من غريه؟‬
‫ج ـ هـــو نفســـه أظهر أنـــه تعلم مـــن األغيار‪ ،‬و‬
‫األغيـــار أيضا مـــن األغيار‪.‬‬
‫س ـ و هو كيف تعلم؟‬
‫ج ـ هو أيضاً تعلم مثل ما نتعلم منه‪.‬‬
‫س ـ أ مـــا قلـــت‪ :‬تعلم العلم تخزينـــه و ادخاره‪،‬‬

‫‪14‬‬
‫و العلم نـــور‪ ،‬و حصلت هذا العلـــم من تكلمه و‬
‫استامعك إليه؟‬
‫ج ـ نعـــم؛ قلت ذلك‪ ،‬إذ أنه لـــو مل يتحدث و نحن‬
‫مل نســـتمع‪ ،‬مل نكـــن عاملني‪ ،‬هل ميكـــن لألخرس أن‬
‫يعلم أو هل يســـتطيع األصـــم أن يتعلم؟‬
‫س ـ حينام تغوص و تســـتغرق بالفكـــر و تريد أن‬
‫تحل عقـــدة مســـألة رياضية صعبة مثـــاً‪ ،‬أو أي‬
‫ســـؤال صعب آخر‪ ،‬هـــل كنت تعرف مـــن بداية‬
‫األمر حـــل تلـــك املســـألة الصعبـــة؟ أو بعد أن‬
‫فكرت و تعمقـــت فيها‪ ،‬اطلعت عليهـــا و تنورت‬
‫بهـــا‪ ،‬و بلغت من القـــوة إىل الفعـــل؛ أليس هذا‬
‫الوجـــدان و الحل علـــاً و أليس العلـــم نوراً؟‬
‫ج ـ نعم؛ األمر كذلك‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫س ـ و يف هـــذه الصـــورة التي حصلـــت عىل علم‬
‫من خـــال فكـــرك و نفســـك هل يوجـــد هناك‬
‫تحا ور ؟‬
‫ج ‪ -‬ال‪.‬‬
‫س ـ إذن هـــل ميكن الحصول عـــى العلم من دون‬
‫أن يكـــون هنـــاك ســـاع و تحاور بينكـــم‪ ،‬أليس‬
‫كذ لك ؟‬
‫ج ـ بناء عىل هـــذا املثال الـــذي رضبتم و الفحص‬
‫الذي قدمتم‪ ،‬البـــد أن يكون كذلك‪.‬‬
‫س ـ و اآلن تفضـــل و قـــل لنا حينـــا وصلتم إىل‬
‫حل تلك املســـألة الصعبة و فزتـــم بحلها مع أنكم‬
‫كنتم ســـاكتني و غائصـــن يف التفكـــر و ليس لكم‬
‫محـــادث أ ما خرجتـــم من النقـــص إىل الكامل‪ ،‬و‬

‫‪16‬‬
‫مـــن الظلمة إىل النـــور و من القـــوة إىل الفعل؟‬
‫ج ـ بـــى قد خرجـــت من النقـــص إىل الكامل‪ ،‬كام‬
‫بينتم ‪.‬‬
‫س ـ و اآلن تفضـــل و قـــل لنا عىل هذا األســـاس‪:‬‬
‫من الـــذي أخرجكم مـــن القـــوة إىل الفعل‪ ،‬و أي‬
‫متكلـــم و معط أوصلكـــم إىل الكامل؟‬
‫ج ـ أنـــا وجدتُه مـــن خالل تفكـــري‪ ،‬و ليس غريي‬
‫يف البني‪.‬‬
‫س ـ أنـــت قلت‪ :‬إن اإلنســـان اليســـعى إىل يشء‬
‫ميلكـــه‪ ،‬و تحصيل الحاصل محـــال؛ فكيف وجدت‬
‫حل تلـــك املســـألة العويصة من نفســـك و أنت‬
‫فا قد ها ؟‬
‫ج ـ أنـــا فكـــرت و بالفكـــر و التعمـــق وصلت إىل‬

‫‪17‬‬
‫حلها ‪.‬‬
‫س ـ وصلنـــا إىل أن الفكـــر حركـــة‪ ،‬و حصلت من‬
‫هذه الحركـــة نتيجة حلت تلك املســـألة العويصة؛‬
‫و اآلن قل‪ :‬مـــن الذي أخرج الفكر مـــن القوة إىل‬
‫الفعـــل و من النقص إىل الكـــال‪ ،‬من هو املخرج؟‬
‫و أنـــت قلت‪ :‬اليوجد شـــخص آخر حـــن تفكرك‬
‫ســـوى ذاتـــك‪ ،‬و أنـــت أيضـــاً‪ ،‬كنت فاقـــداً تلك‬
‫النتيجـــة‪ ،‬و أنتم قلتـــم‪ :‬إن فاقد الـــيء اليكون‬
‫معطيـــه‪ ،‬و اآلن تفضل و قل لنا‪ :‬مـــن هو الواجد‬
‫لتلـــك النتيجة العلميـــة و من هو الـــذي أعطاها‬
‫إليـــك‪ ،‬و كيف خرجتم مـــن النقـــص و الجهل و‬
‫وصلتـــم إىل الكامل؟‬
‫ج ـ أنـــا أقـــر أين ال أســـتطيع أن أجيـــب عىل هذا‬
‫الســـؤال‪ ،‬فالبـــد أن نذهب إىل الدرس و نســـتفيد‬

‫‪18‬‬
‫من األســـتاذ‪.‬‬
‫س ـ مضافاً إىل األســـئلة الســـابقة‪ ،‬يل أسئلة أخرى؛‬
‫تجيـــب عنها رجـــاء‪ ،‬أنـــت قلت‪ :‬نحن نســـتمع‬
‫إىل األســـتاذ و تخـــرج من القـــوة إىل الفعل؛ فقل‪:‬‬
‫كيـــف وصـــل العلـــم و نـــوره من خـــال تكلم‬
‫األســـتاذ إىل ذاتكم؟ فدقق يف ســـؤايل‪ :‬إنا نعلم أن‬
‫الصـــوت يتحقق من متـــوج الهواء‪ ،‬و هـــذا املوج‬
‫عىل أســـاس هيئاته التي يقبلها مـــن خالل عبوره‬
‫مـــن املحابس و املخارج يوجد الحـــروف؛ فالحرف‬
‫هيـــأة تعرض عـــى الصـــوت‪ .‬و بعبـــارة أوضح؛‬
‫يحدث الصـــوت و الحـــرف من حركة اللســـان و‬
‫مصادمته مبخارج الحروف و متـــوج الهواء‪ ،‬و يصل‬
‫ذلك التمـــوج للهـــواء و تردداتـــه املختلفة (التي‬
‫يحدث الحـــرف منها) إىل جهاز الســـمع و منه إىل‬

‫‪19‬‬
‫الغشـــاء الطبيل؛ يعني‪ :‬طبلة األذن و هي ســـامعة‬
‫الصوت و الحرف‪ ،‬و إن هـــذا و إن كان أمراً عجاباً؛‬
‫و لكن ســـؤايل هـــو أن الحرف يتشـــكل من الهواء‬
‫و متوجـــه و الهيئـــة العارضة عليـــه‪ ،‬فكيف ميكن‬
‫أن ينقـــل نـــور العلم إىل الســـامع و يحل به؟ هذا‬
‫الهواء هو نفـــس اليشء الذي نعيش و نســـتغرق‬
‫فيه‪ ،‬كالحـــوت يف املـــاء‪ ،‬و فكيف لـــه أن يوصل‬
‫العلـــم إىل الســـامع برصافة متوجـــه و تردده؟ هل‬
‫الهـــواء الخـــارج من فـــم العامل بـــردده و متوجه‬
‫هـــو الحامل لنـــور العلـــم؟ و هو يوصـــل العلم‬
‫مـــن طريق جهاز الســـمع إىل الســـامع؟ أو خروج‬
‫الهـــواء من الفـــم ليس رشطاً يف إيصـــال العلم‪ ،‬إذ‬
‫األصوات املســـجلة يف آالت التســـجيل‪ ،‬كجرامافون‬
‫و أمثالهـــا أيضـــا‪ ،‬يفهم منهـــا املفاهيـــم‪ ،‬مثل ما‬
‫يفهـــم املفاهيم مـــن األصوات الخارجـــة من فم‬

‫‪20‬‬
‫املتكلم اإلنســـاين؟ مـــاذا تجيب عنها؟‬
‫ج ـ البد أن نتأمل يف الســـؤال كثريا ً‪ ،‬و كأن املســـألة‬
‫أصبحت أحجية‪ ،‬اليســـهل حلها‪.‬‬
‫س ـ أ اليطـــرح مثل هذا الســـؤال يف قراءة الكتب‬
‫و الرســـائل؟ أليس املكتوب إال الحـــر الذي تبدل‬
‫بهيئـــات و صـــور و أشـــكال مختلفة عـــى لوح‬
‫القرطـــاس و أنـــه أمثالـــه؟ كيف نصبـــح علامء و‬
‫نصـــل إىل املعـــارف بقـــراءة كتـــاب‪ ،‬و يف حني ما‬
‫انتقـــل من الكتـــاب يشء إلينـــا؟ و يف الكالم عىل‬
‫األقـــل يوجد متوج الهـــواء بينـــا يف املكتوبات و‬
‫قراءتهـــا حتى هـــذا اليوجد‪ .‬نعم؛ العني تشـــاهد‬
‫نقوشـــاً عىل لوح القرطاس؛ فكيف يصري الشـــخص‬
‫القارئ للكتـــاب عاملاً؟ معطي العلـــم؟ هل املعلم‬
‫هو األســـتاذ أو الكتاب؟ أو املعلم ال هو الكتاب و‬

‫‪21‬‬
‫ال األســـتاذ؟ فالسؤال يســـنح يف كليهام من الكتاب‬
‫و األســـتاذ أو أنهام اليكونان معلمـــن حقيقة‪ ،‬بل‬
‫يكونـــان معديـــن‪ ،‬و املعلم هو شـــخص آخر؟ و‬
‫إن كان كذلـــك فذلـــك املعلم من هـــو؟ مضافاً إىل‬
‫ذلـــك كيف يعلـــم و نحن كيف نتعلـــم منه؟ ماذا‬
‫تجيب عن هذه األســـئلة؟‬
‫ج ـ اآلن وقعت يف ورطة الحرية‪ ،‬و أرى أن أســـئلتكم‬
‫واردة عيل و هذه األســـئلة‪ ،‬أســـئلة قومية وقيمة‪ ،‬و‬
‫أجوبتهـــا صعبة جدا؛ فلذا أطلـــب منكم الفرصة و‬
‫املهلة لإلجابة عليها‪.‬‬
‫س ـ أشـــكركم لدقتكـــم بالنســـبة إىل أســـئلتي و‬
‫إلجابتكـــم عليها بالدقـــة و اإلنصـــاف‪ .‬نعم؛ أنتم‬
‫قلتم ســـابقاً‪ :‬إنا نشـــارك يف حلقة التحـــاور تلك و‬
‫كل يـــوم نصل من الظلمة إىل النـــور‪ ،‬تفضل و قل‬

‫‪22‬‬
‫لنـــا‪ :‬ما تلك الظلمـــة و من الـــذي كان مظلامً ثم‬
‫تنـــور؟ و يوماً؛ فيومـــاً يصري أنور؟‬
‫ج ـ تلـــك الظلمة كانت أنـــا ورصت نـــورا ً و يوماً‬
‫فيومـــاً أيضا أتنـــور أكرث‪.‬‬
‫س ـ أشـــكركم عىل الجواب؛ فتفضل أنبئني بـ«أنا»‬
‫كنـــت ظلمة؛ فرصت‬
‫ُ‬ ‫منكـــم‪ ،‬حيث قلت‪« :‬أنـــا»‬
‫«أنـــا» عاملاً و متنوراً باالســـتامع إىل األســـتاذ‪ ،‬من‬
‫ذلك الـ«أنـــا» و وضحه إيضاحاً أكـــر‪ ،‬حتى أصبح‬
‫أعرفه؟‬
‫ج ـ ذلـــك الـ«أنا» أنـــا الذي مبحرضكـــم و أنا أنا‪ ،‬و‬
‫أنـــا الذي أنتم تشـــاهدونه‪ ،‬و أنا الـــذي هو جالس‬
‫يف مقابلكـــم‪ ،‬و ليس أمرا ً مســـتورا ً‪ ،‬حتـــى أبني و‬
‫أفـــر لكم و ذلـــك الـ«أنـــا»‪ ،‬عني الـ«أنـــا» الذي‬
‫بخدمتكـــم و ال يحتـــاج إىل البيان؛ فلـــاذا تطلب‬

‫‪23‬‬
‫مني اإليضاح؟ فســـؤالكم هذا يف االســـتيضاح ركيك‬
‫جد ا ‪.‬‬
‫س ـ لو ســـمحتم يل أن أســـألكم حول هذه املسألة‬
‫و نشكركم جزيالً؟‬
‫ج ـ أرجوك تفضل و سل ما شئت‪.‬‬
‫س ـ هـــل اللباس و األحذيـــة و القلنســـوة أيضاً‬
‫أجـــزاء لهذه الـ«أنـــا» منكم و التـــي هي مقابيل؟‬
‫ج ـ ال؛ هي كانت ألبستي و خارجة عني‪.‬‬
‫س ـ هل شـــعر رأســـك و لحيتك من أجـــزاء «أنا»‬
‫منكم‪ ،‬حتـــى تقول «أنـــا» مني عني «أنـــا» الذي‬
‫مبحرض كم؟‪.‬‬
‫ج ـ ال؛ إن شـــعر بـــدين و رأيس و لحيتي و إن كانت‬
‫أقرب مني من ألبســـتي و القلنســـوة و األحذية‪ ،‬و‬

‫‪24‬‬
‫لكـــن‪ ،‬التكون أجزاء لـ«أنا»‪ .‬إذ لو أين حلقت شـــعر‬
‫بـــدين و رأيس و لحيتي فإن «أنا» منـــي يبقى و أنا‬
‫أنا ‪.‬‬
‫س ـ هل لونكم جزء من «أنا» منكم؟‬
‫ج ‪ -‬عـــى الرغـــم من أن لون بـــريت أقرب إيل من‬
‫شـــعري و ألبســـتي‪ ،‬ولكـــن اللون أيضـــاً غريي‪ ،‬إذ‬
‫لعـــي أكـــون أياماً يف عمـــل و يتغري لوين بشـــعاع‬
‫الشـــمس و الريح‪ ،‬أو لعله يصيبنـــي مرض يرقان و‬
‫يصري لون بـــريت أصفـــر‪ ،‬و أنا أنا‪.‬‬
‫س ـ أشـــكركم عـــى إجابتكم أســـئلتي باملنطق و‬
‫االســـتدالل‪ ،‬اآلن تفضـــل و قل‪ :‬هـــل األصابع من‬
‫يديـــك و رجليك تكـــون أجزاء لـ «أنـــا» منكم؟‬
‫ج ـ نعم؛ هذه األعضاء ليســـت كالشـــعر و األلبسة‬

‫‪25‬‬
‫و األلوان‪ ،‬حتى تكـــون خارجة عني‪.‬‬
‫س ـ و هـــل الـــذي قطعـــت منه إصبع‪ ،‬اليســـند‬
‫آثـــاره و أفعاله إىل نفســـه‪ ،‬و اليقـــول‪ :‬أنا رأيت‪،‬‬
‫أخذت‪،‬‬
‫ُ‬ ‫جئت‪ ،‬أنـــا‬
‫أنا ســـمعت‪ ،‬أنا مشـــيت‪ ،‬أنا ُ‬
‫فكـــرت‪ ،‬وســـائر األفعال؟‬
‫ُ‬ ‫أنـــا أعطيت‪ ،‬أنا‬
‫ج ـ نعم؛ يسندها إىل ذاته‪.‬‬
‫س ـ فمـــع قطـــع إصبـــع واحدة‪ ،‬هـــل يحدث يف‬
‫«أنـــا» لذلك الشـــخص خلـــل أو نقصـــان‪ ،‬بحيث‬
‫عندما يقـــول‪« :‬أنا» يخـــر عن «أنـــا» الذي قطع‬
‫جـــزء منه أو ال‪ ،‬بـــل يف أفعاله و أقوالـــه و أحواله‬
‫يقـــول‪« :‬أنا‪،‬أنـــا» و يغفـــل عن قطـــع إصبعه و‬
‫اليخطر ببالـــه قطع تلـــك اإلصبع؟‬
‫ج ـ نعم؛ هكذا يكون‪ ،‬كام قلتم‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫س ـ إذن فتلـــك اإلصبع مـــا كانت جـــزءاً لـ«أنا»‬
‫لذلك الشـــخص؟‬
‫ج ـ نعم‪ ،‬هكذا‪ ،‬كام قلتم‪.‬‬
‫س ـ اآلن تفضـــل و أجـــب عن هذا الســـؤال‪ :‬لو‬
‫قطعـــت أصابـــع يـــده الواحـــدة‪ ،‬أو قطعت يده‬
‫الواحـــدة إىل معصمهـــا‪ ،‬أو إىل كتفهـــا‪ ،‬أو قطعت‬
‫يـــداه و رجـــاه‪ ،‬أو يكـــون مفلوجـــاً‪ ،‬ففي هذه‬
‫الصور أ اليقـــول‪« :‬أنـــا» و أ اليســـند أفعالها إىل‬
‫«أنا»؟‬
‫ج ـ نعم؛ يقول‪ :‬أنا أنا‪ ،‬و يســـند أفعاله إىل نفســـه‪،‬‬
‫و إن كان مفلوجاً‪.‬‬
‫س ـ هـــل ميكن طرح هذه األســـئلة حـــول أذنه و‬
‫عينه و أنفه و أســـنانه و أعضائـــه و جوارحه‪ ،‬بأنها‬

‫‪27‬‬
‫هل هي أيضـــاً جزء مـــن «أنا» لذلك الشـــخص؟‬
‫يعنـــي‪ :‬رمبا قد أصابت أعضـــاءه و جوارحه‪ ،‬الفلج‬
‫أو رمبا يكـــون معيوباً من ناحيـــة أعضائه الباطنة‪،‬‬
‫كالكبـــد‪ ،‬و املعـــدة و الكليـــة‪ ،‬أو رمبـــا يف مثـــل‬
‫هذه الســـنوات األخـــرة تكون أعضـــاءه مطعمة‬
‫(موهوبـــة) له ومـــع ذلك كلـــه هل أنه يســـند‬
‫أفعالـــه و أحواله إىل نفســـه و «أنا» منه؟‬
‫ج ـ «أنـــا» منـــه باق عـــى حقيقتـــه و إن كانت‬
‫األعضاء الباطنة معيوبـــة أو انتقلت إليه بالتطعيم؛‬
‫فالقلـــب و الكليـــة و الكبد و أيضا ســـائر األعضاء‬
‫التكـــون جزءا ً مـــن «أنا» له‪.‬‬
‫س ـ هل ســـنح لك الفكـــر العميـــق و الثقيل يف‬
‫أيـــام حياتك ؟‬
‫ج ـ نعـــم؛ كثـــرا ً حـــدث يل الفكـــر العميق حول‬

‫‪28‬‬
‫مســـألة رياضيـــة و غريهـــا‪ ،‬و عجزت عـــن حلها‪.‬‬
‫س ـ يف ذلـــك الوقـــت الذي غصـــت يف الفكر لحل‬
‫مســـألة رياضية مثـــاً؛ هل توجهـــت إىل أعضائك‪،‬‬
‫بل التوجه إليهـــا كان عائقاً للتفكـــر و التوغل؟‬
‫ج ‪ -‬نعم؛ التوجه إىل األعضاء و حتى نفس اســـتامع‬
‫األصـــوات‪ ،‬و اإلبصـــار‪ ،‬و اللمس و االستشـــام و‬
‫الـــذوق‪ ،‬كلها عائقـــة للتفكـــر‪ ،‬بـــل املتفكر يفر‬
‫من هـــذه األمور و يلجـــأ إىل زاويـــة‪ ،‬و رمبا يغض‬
‫برصه و يســـد ســـمعه و أذنـــه‪ ،‬و يـــرف خياله‬
‫عـــن الذهاب إىل هـــذا و ذاك‪ ،‬حتـــى يتخلص من‬
‫االشـــتغاالت املزاحمة‪ ،‬لينتهي إىل الهدف يف الفكر؛‬
‫بـــل التوجه يف وقت الفكـــر إىل أعضائـــه الباطنة‪،‬‬
‫و االشـــتغال بترشيح عضو من األعضـــاء الظاهرية‬
‫حـــل ذلك املطلب‬
‫و الباطنيـــة‪ ،‬مانـــع للوصول إىل ّ‬

‫‪29‬‬
‫الصعـــب و الثقيل‪ ،‬عـــى أي حال التعلـــق يزاحم‬
‫التعقل العميـــق‪ ،‬و يغفل الشـــخص يف حال الفكر‬
‫العميق عن ملكـــه و أمواله و ألبســـته و حذائه و‬
‫أعضائه مطلقاً‪ ،‬و حتى عن رأســـه و شـــعره و مخه‬
‫و قلبـــه و کبده و الغـــذاء املوجود يف بدنه و دمه و‬
‫قـــواه و جوانحه‪ ،‬بـــل هو غائر فقـــط يف حل تلك‬
‫املســـألة الصعبـــة الرياضية أو العلميـــة‪ ،‬ذلك كله‬
‫أنه يف ذلك الحـــال يتفكر يف حل املشـــكل و يصل‬
‫إىل النتيجـــة و يقول‪ :‬أنا وجـــدت جوابها و وصلت‬
‫إ ليه ‪.‬‬
‫س ـ هل ذلـــك الـ«أنا» يف تلك الحالـــة موجود أم‬
‫معدوم‪ ،‬و بعبارة أســـهل؛ هل ذلـــك الـ«أنا» الذي‬
‫يكون غـــر البدن‪ ،‬هو موجـــود أو ليس مبوجود يف‬
‫تلك الحالـــة الفكرية العميقة لحل املشـــكل؟‬

‫‪30‬‬
‫ج ـ نعـــم؛ واضح أنه موجود قهـــرا ً و ليس مبعدوم‪،‬‬
‫و املعدوم كيف يفكر و يجـــد و يصل إيل النتيجة!!‬
‫و املعـــدوم اليطلع عـــى ذاته‪ ،‬و ليســـت له ذات‪،‬‬
‫حتى تكون منشـــأ لآلثار!‬
‫س ـ أحســـنتم‪ ،‬انتهينا إىل هـــذه النتيجة و هي أن‬
‫«أنـــا» من كل شـــخص‪ ،‬غري األعضـــاء و الجوارح و‬
‫الجوانـــح و ترشيحهـــا‪ ،‬و الشـــخص يف حالة تفكره‬
‫لحل مســـألة صعبة يغفـــل عنها كلهـــا و الخالصة‬
‫يغفـــل عن البدن‪ ،‬و مـــع ذلك «أنـــا» منه موجود‬
‫و بعـــد تفكره يخـــر عـــن فكرتـــه و وصوله إىل‬
‫النتيجة؛ فهذا اليشء ـ أي‪« :‬أنـــا» بالعربية و «من»‬
‫بالفارســـية‪ ،‬و النفـــس‪ ،‬و النفس الناطقـــة و أمثال‬
‫هـــذه التعابـــر هو موجـــود و هو غـــر البدن‪ ،‬و‬
‫هـــو اليكون مبـــرا ً بالعني الظاهـــرة و ال الباطنة‪،‬‬

‫‪31‬‬
‫وال يـــرى بالعني املســـلحة من الكامريا و عدســـات‬
‫التكبـــر و ســـائر املجاهر‪ ،‬و ال يقع مســـموعاً و ال‬
‫مشـــموماً و الملموســـاً‪ ،‬ال ظاهرا ً و الباطناً‪ .‬و هذا‬
‫مطلـــب عظيم‪ ،‬و هـــو أن «أنا» غـــر البدن و هو‬
‫املوجود قطعـــاً ويقيناً» ‪.‬‬
‫فأنتـــم أيهـــا األصدقاء األعـــزاء! تعمقـــوا يف هذا‬
‫البحـــث و الفحص‪ ،‬و التأخذوه عبثـــاً و بزارياً (أي‪:‬‬
‫ســـطحياً)؛ إذ وصلنا اآلن إىل موجـــود و هو حقيقة‬
‫كل فرد من اإلنســـان‪ ،‬و انتهينا إىل هـــذه النتيجة‪،‬‬
‫بأن ذلـــك الجوهـــر الذي كنا نشـــر إليـــه بلفظ‬
‫«أنـــا» أو «من»‪ ،‬هـــو موجود غري البـــدن‪ ،‬و تيقنا‬
‫بأنـــه ال يرى بعـــن الرأس‪ ،‬و ال يلمـــس‪ ،‬و مع ذلك‬
‫نعرتف بوجـــوده و حقيقته‪.‬‬
‫أمـــا أنه أي موجـــود هو و كيف يكـــون غري البدن‬

‫‪32‬‬
‫و مـــع ذلك يكون مـــع البدن؟ و كيف نســـبته إىل‬
‫البـــدن و تعلقه به؟ و كيف و بـــأي نحو يخرج من‬
‫النقـــص و يصـــل إىل الكامل‪ ،‬و الكثري من األســـئلة‬
‫األخـــرى حولـــه؛ فالبد لنـــا من االســـتمرار يف هذا‬
‫الســـفر العلمي و التحقيق األنيـــق‪ ،‬حتى نصل إىل‬
‫األجوبة املقنعـــة و املوقنة‪.‬‬
‫فخالصـــة الدليل املذكور هي أن اإلنســـان املتعمق‬
‫و املمعـــن يف الفكـــر يغفـــل عن بدنـــه ومع ذلك‬
‫شـــاعر بذاته و حقيقتـــه؛ فذاته التي يشـــر إليها‬
‫بـ«أنـــا»‪ ،‬غري بدنه(((‪.‬‬

‫((( مفاتيح الغيب‪ ،‬الشــيخ داوود صمدي آميل‪ ،‬الباب الثاين من املفتح الســابع‪ ،‬ص ‪441-429‬‬

‫‪33‬‬

You might also like