Professional Documents
Culture Documents
التكامل و الاندماج-محتوى المحاضرات
التكامل و الاندماج-محتوى المحاضرات
التكامل و الاندماج-محتوى المحاضرات
مقدمة
برزت احلاجة امللحة إىل تضافر العمل اجلماعي للدول و اجملتمعات و هذا بغرض احلافا على مكانتها نظرا لصغر
مساحتها او ضعافها االقتصادى او العسكري ،يف ظل وجود هتديدات أمنية حتيق هبا .وبالتايل ،بات مافهوم التكامل
هلذه الدول أمرا ملحا أكثر من أي وقت مضى .وقد خضع مافهوم التكامل إىل نقاش وحبث على نطاق واسع منذ فرتة
ما بعد احلرب العاملية الثانية .وخالل العقدين األخريين بعد عام 1945انقسم النقاش عن التكامل ضمن موضوع
العالقات الدولية إىل مدرستني أو نظريتني متقابلتني مها :النظرية الواقعية والنظرية التكاملية .حيث تنادي األوىل بأنه جيب
أن تركز دراسة العالقات الدولية على الدولة أو الدول القومية ،ألهنا اجلهة الافاعلة املؤثرة .ومن ناحية أخرى ،يؤمن دعاة
النظرية التكاملية بأن الدولة تستطيع أن حتقق أهدافا خمتلافة على املستوى الدويل من خالل التكامل وبالتايل ،فإن الدولة
ليست اجلهة الافاعلة الوحيدة يف العالقات الدولية.
إذا حاولنا تأصيل مافهوم التكامل Integrateمن الناحية اللغوية ميكن القول أن األصل الالتيين للكلمة هو integrates
مبعين التكميل أو التمام أو الكل التام .وهذا األصل الالتيين مشتق من الافعل الالتيين integerالذي يعين الشئ املرتاكب
عضويا يف كل ال يتجزأ ,مثل ما يسمي يف لغة الرياضيات الواحد الصحيح لذلك ذهب البعض إيل تافضيل استخدام
التالية -- مصطلح االندماج بد ال من مصطلح التكامل ( .اما يف القواميس اإلجنليزية فإهنا تعطي كلمة integrationاملعاين
جتميع أو توحيد األجزاء يف كل .جيمع أو يكمل لتكوين كل أو وحدة أكرب و هي -عملية ربط األجزاء املتحصلة
وجتميعها ,لتكون كل متكامل
و يف القواميس العربية يرد املافهوم مبعين مماثل ,فافي القاموس العصري يعين تكميل و تتميم و يف املورد يعين توحيد ,و يف
املصباح املنري يعين يقال كمل الشئ إذا متت أجزاؤه و كملت حماسنه .
نظريات التكامل واالندماج
كما يعرف Balassaالتكامل على أنه" :عملية وحالة " ،فبوصافه عملية تتضمن التدابري .واإلجراءات اليت هتدف إىل
إلغاء وإزالة احلواجز اجلمركية بني الوحدات االقتصادية املنتمية إىل الدول املختلافة اليت تسعى إىل حتقيق التكامل فيما
بينهم أما بوصافه حالة :أي أن الدول املعنية هبذا التكامل قد وصلت إىل نوع من التوازن االقتصادي الذي تغيب فيه كل
من األشكال املختلافة للتمييز .والتافرقة بني االقتصاديات الوطنية
أما التكامل السياسي عند كارل دويتش" :فهو الواقع او احلالة اليت متتلك فيها مجاعة معينة تعيش ىف منطقة معينة شعورا
كافيا باجلماعية ومتاثال ىف هذه اجلماعة من التطور بشكل سلمي" .وهو ضم ممثلني سياسيني أو وحدات سياسية من
قبيل األفراد أو اجلماعات أو اهليئات البلدية أو األقاليم أو البالد ،وذلك من ناحية سلوكهم السياسي .ويف السياسة
يكون التكامل عالقة يتبدل فيها سلوك أمثال هؤالء املمثلني السياسيني أو الوحدات أو املكونات .ويتكون جمال
التكامل من شعوب املناطق اجلغرافية اليت تتم هذه .العملية بينها ،ونطاقه جمموع نواحي السلوك املختلافة اليت تنطبق
عليها هذه العالقة املتكاملة وجند ىف هذا التعريف ان التكامل هو حالة حيل فيها االفراد داخل اجملتمع الواحد خالفاهتم
بطرق سلمية بدال من اللجوء إيل العنف
ووفقا لـ هاس ،يعرف التكامل على أنه عملية'' ،حيث يتم إقناع اجلهات الافاعلة السياسية يف العديد من البيئات الوطنية
احملددة لتحويل والءاهتم وتوقعاهتم وأنشطتهم السياسية حنو مركز جديد ،متتلك مؤسساته أو حتتاج والية عامة على الدول
الوطنية املوجودة من قبل .ويقول هاس إنه خالل عملية التكامل يتم حتقيق مصاحل اجلهات الافاعلة من خالل عملية
تعددية .وإضافة إىل جهود الباحثني املذكورين أعاله ،فقد اقرتح جوزيف ناي تعريافا آخر للتكامل .ويستند هنجه على
جتزئة فكرة أو مافهوم التكامل إىل أجزاء قابلة للقياس .وهذه األجزاء هي عمليات تكامل اقتصادية واجتماعية وسياسية
تؤدي إىل تأسيس اقتصادات وجمتمعات عرب وطنية وترابط سياسي
وعرف ليون ليندبرغ ىف دراسة له عن السوق األوروبية املشرتكة بان التكامل هو" :العملية اليت جتد الدول نافسها راغبة
او عاجزة عن إدارة شؤوهنا اخلارجية او شؤوهنا الداخلية الرئيسية باستقاللية عن بعضها البعض .وتسعي الختاذ قرارات
مشرتكة او تافويض امرها ملؤسسة جديدة منظمة دولية مثال ،او هي العملية اليت تقتنع من خالهلا جمموعةمن اجملتمعات
السياسية بتحويل نشاطها السياسي إيل مركز جديد ".ورغم ان التجربة األوروبية هي التجربة األكثر جناحا عند احلديث
عن ظاهرة التكامل ،اال اهنا تعاين من خوف بعض الدول األوروبية من فقدان هويتها ،والتناقص ىف املصاحل .
2
نظريات التكامل واالندماج
ويري فيلب جاكوب وهو باحث امريكي " :ان التكامل السياسي يتضمن بشكل عام احساسا باجلماعية بني افراد
الشعب ىف كيان سياسي واحد " وخيتلف التكامل الدويل عن التنظيم الدويل ،حيث يعمل التنظيم الدويل على خلق
واجياد مؤسسات دولية ( تتحرك بني الدول ،ىف حني يضع التكامل الدويل مثل تلك املؤسسات فوق الدولة القومية .
أما اتزنوين ينظر للتكامل من زاوية انه يعترب اجملتمع متكامال اذا كان هذا اجملتمع ميتلك سيطرة فعالة ىف استخدام أدوات
العنف واإلكراه ،حيث يكون هلذا اجملتمع مركز الختاذ القرار يقوم بدور توزيع " الثواب والعقاب " داخل اجملتمع وميكن
من خالله حتديد اهلوية السياسية للشعب .
أما الدكتور عبد الغين محاد فيعترب أن التكامل هو " :مجع ما ليس موحدا يف إطار عالقة تبادلية تقوم على التنسيق
الطوعي واإلرادي هبدف توحيد أمناط معينة من السياسات االقتصادية بني جمموعة من الدول جتمعها مميزات حمددة،
تستهدف املنافعة املشرتكة من خالل إجياد سلسلة من العالقات التافاضلية .2كما يضيف أن أطراف التكامل يف سبيل
جتسيد مسارها تستخدم جمموعة من اآلليات .لتحقيق أهدافه
اتحاد الدول l’union d’état :يشهد تاريخ العالقات الدولية ارتباط الدول بأنواع متعددة من االحتادات اليت أنشأت
مبوجب االتافاقيات بني دولتني أو أكثر م اتافق عليه ومدى االندماج الذي يسمح به وتتدرج أنواع االحتادات من االحتاد
الشخصي :الذي ينشأ بني دولتني أو أكثر حبيث ختضع الدول الداخلة يف االحتاد حلكم شخصي واحد سواء كان ملكا
أو إمرباطور أو رئيسا للجمهورية أن حتتافظ كل دولة باستقالهلا اخلارجي وبشخصيتها الدولية الكاملة االحتاد الافعلي:
الذي يتكون من احتاد دولتني احتادا دائما حتت حكم رئيس واحد وخضوعهما هليئة واحدة مبا يتعلق بشؤوهنا اخلارجية مع
احتافا كل دولة بإدارة شؤوهنا الداخلية ،أما بصدد االحتاد االستقاليل أو ألتعاهدي فينتج نتيجة اتافاق بني دولتني أو
أكثر يف معاهدة دولية على الدخول يف االحتاد مع احتافا كل دولة باستقالهلا اخلارجي وبقاء نظمها الداخلية دون تغيري
ويهدف هذا االحتاد إىل حتقيق مصاحل وأغراض مشرتكة وحيوية للدول الداخلة يف االحتاد كضمان أمنها ومحاية سالمتها،
أما فيما يتعلق باالحتاد املركزي :الذي ينشأ من خالل اندماج عدد من الدول تربز إىل الوجود كدولة مركزية موحدة ممثلة
جلميع الدول وتضطلع باالختصاص اخلارجي باسم مجيع األعضاء وتتوىل أيضا جانب من االختصاصات الداخلية وال
يعترب احتاد بني دول مستقلة ومنا هو دولة واحدة تضم عدة دويالت أو واليات ذابت شخصيتها يف الشخصية الدولية
االحتادية.
3
نظريات التكامل واالندماج
الحل ـ ــف :يعرفه قاموس العلوم السياسية بأنه «عالقة تعاقدية بني دولتني أو أكثر يتعهد مبوجبها الافرقاء املعنيون
باملساعدة املتبادلة يف حالة احلرب» كما أن احللف يعين «االتافاق بني دولتني أو أكثر على تدابري معينة حلماية أعضائه
من قوة أخرى معينة تبدو مهددة ألمن كل من هؤالء األعضاء»حبيث يكون مربر إلقامة احللف هو ضرورة توفري األمن
الدفاعي للدول األعضاء واحللف يكون مؤقتا وينشأ غالبا وقت احلرب حيث تتولد مصلحة مشرتكة بني جمموعة من
الدول تدفعها إىل التحالف وكلما كانت أهداف احللف واضحة وحمددة كلما كانت فرص جناحه أكثر وفرص استمراره
أكرب ومن أهم احلوافز إلقامة احللف حصول تغيري مافاجئ يف الوضع العسكري.
الكتلـ ـ ــة bloc:اذا كان قيام احللف قد ارتبط حبالة احلرب فإن قيام الكتلة يرتبط حباليت احلرب و السلم معا فالكتلة هي:
عصبة عسكرية واقتصادية وسياسية وإيديولوجية –فكرية -تتجه حنو حتقيق التكامل السياسي و االقتصادي واألمن بني
أعضائها من الدول حتت زعامة دولة رائدة يف الكتلة تكون مبثابة الدولة القطبية املؤثرة يف قيادة وتوجيه سائر الدول
املنضوية يف الكتلة ،ونتيجة تعاظم القوة التدمريية اهلائلة اليت كان ميلكها العامل من القرن العشرين ساهم يف بروز الكتل
الدولية عرب سياسة سباق التسلح وضرورة احلافا على توازن القوى الدولية لصيانة السلم واألمن الدوليني وتلك سياسة
معاصرة برزت بعد احلرب العاملية الثانية.
الشراك ـ ـ ـ ــة partenariat :صيغة مبتكرة للتعاون بني الدول يف جمال العالقات االقتصادية والسياسية ومن مث يصبح مافهوم
الشراكة صيغة خمتلافة عن تلك النماذج التقليدية للتعاون أو التكامل االقتصادي فال هي جمرد منطقة للتجارة احلرة أو
لالحتاد اجلمركي أو سوقا مشرتكة أو ما شابه ذلك من أشكال ومستويات التكامل التجاري واالقتصادي اليت تتضمنها
األدبيات االقتصادية وتطبيقاته العملية املتعارف عليها كما تعترب الشراكة وسيلة حديثة من أجهزة النظام الدويل والدول
يتم من خالهلا الربط بني الدول بعضها البعض عن طريق إبرام اتافاقيات دولية والتبادل التجاري والثقايف والعلمي وإعطاء
قروض مالية والقيام باالستثمارات يف شىت اجملاالت.
التعـ ـ ـ ـ ــاونcooperation :هو التافاعل أو العمل العام لتحقيق أهداف مشرتكة وقد يظهر ذلك من خالل تقسيم العمل
إىل مهام متشاهبة وأخرى متباينة والتعاون مرتبط بعمليات أخرى مناقضة له مثل :الصراع و املنافسة ويعرب عن ذلك
مصطلح «تعاون اخلصوم» والتعاون يعرب عن املوافقة اجلماعية حول فعل مشرتك أو وحدة اجلهود املتماثلة وغري املتماثلة
من أجل استمرار احلياة.
4
نظريات التكامل واالندماج
التنظيم الدوليthe international organization :ظهر اصطالح التنظيم الدويل أول مرة يف فقه القانون الدويل سنة
1908يف ترمجة ملقال كتب باللغة األملانية ونشرت ترمجته الافرنسية يف اجمللة العامة للقانون الدويل مث داع استعماله من قبل
فقهاء القانون الدويل األملان .ويقصد به اإلطار الذي تشكل داخله اجلماعة الدولية وبالتايل ميكن أن تتبني ما به من
أوجه النقص والتنظيم الدويل هبذا املعىن يشمل كل مظهر للعالقات الدولية مثل العالقات الدبلوماسية والقنصلية وإبرام
املعاهدات وعقد املؤمترات الدولية وغري ذلك من األنظمة القانونية األخرى.
التنسي ــق :حماولة تتضمن التقارب املتواصل لسياسات الدول عن طريق عملية اتصاالت وتشاورات مكثافة يهدف هذا
الوضع إىل ضمان حتقيق أهداف رئيسية اليت ال ميكن حتقيقها بطريقة منافردة مع وجود أجهزة سابقة وعادة ما يكون
مؤقت ويأيت ملواجهة أزمة يف الغالب والتنسيق يأيت بعد وجود مؤسسات والتنسيق يكون يف األمور التقنية أي التطبيقية.
الجهوي ـ ــة :مصطلح مرتبط برقعة جغرافية ممكن أن يكون يف بعض األحيان عامال مهما يف بروز نزاعات الروح الوطنية
داخل االحتادات أو املنظمات وميكن أن تربز اجلهوية داخل األجهزة املوجودة يف املنظمات.
النظام اإلقليمي :قدم كثري من النقاد والباحثني تعريافات خمتلافة للنظام اإلقليمي وقد استعمل كل منهم أيضا تسمية
خمتلافة هلذا النظام ومن هذه التسميات :النظام الافرعي/النظام اإلقليمي الافرعي/النظام الدويل اجلزئي/النظام الدويل
الافرعي/نظام الدول الافرعي .وحاول الكاتبان لويس كانتوري وستيافن سيافل إعطاء تعريف أدق وأمشل «النظام اإلقليمي
يتكون من دولة أو دولتني أو أكثر متقاربة ومتافاعلة مع بعضها البعض وعندها روابط أثنية ولغوية وثقافية واجتماعية
وتارخيية ويساهم يف زيادة شعورها هبويتها اإلقليمية أحيانا أفعال ومواقف دول خارجة عن النظام جتاهها »
اإلقليـ ـ ـ ــم :تدل الكلمة على التقطيع اإلقليمي و هي منطقة جغرافية تتميز عما جياورها من مناطق بظاهرة أو ظواهر
معينة تربز شخصيتها القائمة و املختلافة عن باقي املناطق و اإلقليم املستقل ذاتيا هو جمرد دائرة تتطابق مع جمموعة أثنية
متميزة بالرغم من عدم متتعه سوى بنظام إداري.
اإلقليمي ـ ـ ــة :تشري الكلمة إىل العقائد السياسية اليت تؤكد وجود مجاعات ثقافية ،اجتماعية ،اقتصادية ،دينية،جغرافية
داخل الدولة وتطالب باالعرتاف هبذه احلالة الواقعة وتكريسها سياسيا أي منحها قدرا من االستقالل عن السلطة املركزية.
المنظمة اإلقليمية :يقصد هبا اهليئة الدائمة اليت تضم يف منطقة جغرافية معينة عددا من الدول جتمع بينها روابط التجاور
واملصاحل املشرتكة والتقارب الثقايف واللغوي والروحي وتتعاون مجيعا على حل ما ينشأ من منازعات حال سلميا وعلى
حافظ السلم واألمن يف منطقتها ومحاية مصاحلها وتنمية عالقاهتا االقتصادية والثقافية.
5
نظريات التكامل واالندماج
الفوق قوميـ ـ ــة :يعرب هذا املافهوم عل االنتقال احلاصل على مستوى دراسة العالقات الدولية ويقصد بذلك التحول من
املنظور الواقعي التقليدي إىل تتعددي أوسع من السابق حيث يتم االنتقال من التصور السائد بسيطرة الدولة على احلياة
السياسية مبا فيها التافاعل مع احمليط اخلارجي إذ أنه مل يعد احلديث عن عالقات بني وحدات متثلها الدول فحسب وإمنا
اتسعت تلك العالقات لتضم أنواعا أخرى من العالقات الافوق قومية هتتم عموما باملسارات السياسية ضمن الدول وتركز
على الروابط بني اجملتمعات واألفراد أكثر من العالقات اليت جتمع الدول.
االعتماد المتبادل :هو حالة العالقة بني طرفني ،حيث تكون تكاليف فسخ العالقة أو خافض التبادالت متساوية تقريبا
بالنسبة إىل كل من الطرفني ،و أساس االعتماد املتبادل هو التعاون االقتصادي بني الدول والذي سيؤدي إىل استبعاد
احلرب اليت هتدد حالة الرفاه لكل األطراف .
أسباب التكامل
بصافة عامة هناك عدة أسباب ومربرات تدفع الدول لتافضيل مشروعات التكامل اإلقليمي نذكر منها ثالثة أسباب
أساسية:
أوال :وجود روابط تارخيية قوية بني شعوب اجملموعة والقرب اجلغرايف فالتقارب اجلغرايف يعد واحدا من أهم املقومات
الضرورية لقيام أي جمتمع إقليمي .ذلك أن املصاحل املشرتكة والروابط الثقافية بني دول اإلقليم الواحد جيعل املنظمة
اإلقليمية أقدر على املسامهة يف حل مشاكل املنطقة نظرا ملعرفتها العميقة مبواقف األطراف ،لكن هذا التجاور اجلغرايف ال
يكافي وحده لتكوين تنظيم إقليمي إمنا البد من توافر روابط قومية معينة بني شعوب هذه الدول.
ثانيا :العامل السياسي باإلضافة إىل الروابط السابقة جند البعد السياسي الذي له وزن هام كدافع لقيام هذه التجمعات
اإلقليمية وتشكيلها ،حيث تتجسد رغبة هذه الدول يف جتميع قواها ليكون هلا وزهنا وثقلها يف تسيري األحداث العاملية
وتتضح أمهية هذا البعد السياسي من خالل التجربة األوروبية ،فقد أدركت بعض دول أوروبا الغربية بعد احلرب العاملية
الثانية ويف ظل سيطرة كل من الواليات املتحدة األمريكية واالحتاد السوفيايت – سابقا – أهنا لن تستطيع احملافظة على
استقالليتها تطورها إذا بقيت منافردة وال أن تؤثر على سري األحداث يف العامل مبا يف ذلك ضمانات رفاهية شعوهبا
األوروبية نافسها ،وبالتايل اجته التافكري إىل أمهية الوحدة كسالح إلعادة السالم وإغالق باب الصراعات ملواجهة التغريات
املتسارعة عامليا .ومن هنا تظهر أمهية الدور الذي يلعبه العامل السياسي كحافز يدفع األقطار املختلافة إىل تكوين
جتمعات إقليمية فيما بينها كوسيلة لدعم استقالهلا السياسي ولزيادة قواها التافاوضية ودعمها ألن ضعف املركز التنافسي
6
نظريات التكامل واالندماج
والتافاوضي للدول يف جماالت املعامالت وما يرتبط هبا من قواعد تنظيمية ومؤسسية ينتج عنه ضعف املناعة يف مقاومة
آثار التقلبات العاملية.
ثالثا :العامل االقتصادي هناك من العوامل ذات الطبيعة االقتصادية ما ميكن أن يؤثر على اجتاه الدول املختلافة حنو
تافضيل مشروعات التكامل اإلقليمي نظرا للرغبة القوية هلذه الدول يف التصنيع ،فافي حقيقة األمر هناك مزايا عديدة
للتكامل اإلقليمي بالنسبة لعملية التصنيع فكل بلد يستافيد من توسيع السوق أمام منتجاته الصناعية بسبب إزالة القيود
والعوائق على حركة دخوهلا إىل الدول األخرى يف التكتل فنجد أن ضعف نطاق األسواق احمللية يف الدول النامية يعرقل
فرص قيام املشروعات احلديثة يف كافة جماالت النشاطات االقتصادية كصناعات املنتجات املعدنية األساسية
والبرتوكيماويات وصناعة السيارات واحلاسب اآليل واليت تتطلب نافقات هائلة يف جمال البحث والتطوير ،ورؤوس أموال
كبرية وكافاءات علمية وفنية وتكنولوجية إلنشائها و إدارهتا .وهذا ما تافتقر إليه الدول النامية باإلضافة إىل ضعف مركزها
التنافسي ألهنا تعتمد يف صادراهتا بالدرجة األوىل على املواد األولية سواء كانت زراعية أو تعدينية ،وتستورد معظم
مستلزمات اإلنتاج واآلالت واملعدات من الدول الصناعية مما أدى إىل اتباع سياسات اقتصادية خاصة مثل سياسة إحالل
الواردات أو التصدير من أجل االسترياد بدال من أن يكون التصدير هدفه األساسي هو تصريف املنتجات .ولذا فإن
األخذ بصورة أو أخرى من صور التكامل االقتصادي سوف يساهم إىل حد كبري يف التغلب على معظم هذه العقبات،
ومبا أننا نتحدث عن تزايد االجتاه حنو اإلقليمية على صعيد الدول املتقدمة والنامية على حد سواء -بل وبينهما أحيانا
– فيمكن القول أن أسباب أو مربرات التكامل االقتصادي ختتلف من دولة إىل أخرى ،فتسعى الدول الصناعية إىل
االستافادة من عوائد الناجتة عن إزالة العوائق املافروضة على األنشطة االقتصادية ،حيث تتسم () efficiency gains
الكافاءة اهلياكل الصناعية هلذه الدول باالستقرار لعقود طويلة حىت متثل ميزة أساسية هليكل االقتصاد .وعليه فإن تغيري
هذه اهلياكل استجابة للتكتل وبراجمه يكون له أثر إجيايب على األداء االقتصادي بوجه عام ويكسبه املزيد من الديناميكية
والافاعلية ،فإذا ما أدت هذه الكافاءة املرجوة من التكتل إىل الزيادة الناتج و االدخار الذي يؤدي بدوره إىل زيادة النمو
االقتصادي فإن ذلك جيعل من التكامل أمرا إجيابيا واختيارا مناسبا للمستقبل .أما بالنسبة للدول النامية فهي عادة ال
حتقق هذه املكاسب بنافس القدر من الافاعلية والديناميكية االقتصادية اليت يافرزها التكامل ،كما أن عوائد الكافاءة ليست
يف حجم الدول الصناعية ذلك ألن اهلياكل الصناعية يف الدول النامية هياكل صغرية بالنسبة حلجم االقتصاد وحىت
بالنسبة من خالل تسهيل تدفق التجارة تعد أيضا ( )static gainsملخططات التنمية كما أن املكاسب الساكنة صغرية
نسبيا.
7
نظريات التكامل واالندماج
المتطلبات االساسية لتحقيق التكامل -:نظرية التكامل الدويل تدرس العالقات املتداخلة بني الدول ،وهنالك
متطلبات اساسية لتحقيق التكامل ويتمثل ذلك ىف التمثيل االجتماعي وهذا العامل مهم لتحقيق التكامل الدويل ويعترب
املسبب ىف خلق الدافع إيل التكامل ،ولكي نضمن االستمرار ىف عملية التكامل جيب غياب مشاعر التعصب الثقايف
القومي واالتافاقات املشرتك على اهداف السياسية اخلارجية ووجود عالقات ودية مع احلكومات املعينة واملشاركة ىف القيم
من خالل االرتباط باأليدلوجية الرامسالية او اعتناق فلسافة السوق احلر ،اما بالنسبة للتكامل السياسي فقد يكون من
خالل .اعتناق املبدأ الدميقراطي وان تكون هنالك عالقات ودية تارخيية بني اطراف عمليات التكامل وهنالك مؤثرات
خارجية حتافز االطراف الدخول ىف عمليات التكامل مثل الشعور بالتهديد االقتصادي اخلارجي او احلرب املوجهة ضد
االطراف .والبد من توفري عوامل أساسية لضمان استمرارية عملية التكامل ومنها االعرتاف من جانب النخب بان
التكامل خيدم مصاحلهم ودعم املؤسسات اليت ترتكز عليها عملية التكامل الدويل وتنمية االجتاهات السياسية
واالجتماعية للجماهري على اساس من الافهم والتجاوب املتبادل ،واطالع .اجلماهري على التقدم الذي احرزه ىف خمتلف
القطاعات اليت طبقت عليها سياسات التكامل وللتكامل الدويل مزايا عديدة حيققها وذلك النه يعمل على خلق منافذ
وامكانيات جديدة لالعتماد الدويل املتبادل مما يساعد على فكرة الصاحل املشرتك ويؤدي إيل ازالة الكثري من اسباب
الصراع الدويل .وحيقق من حدة املشاعر العدائية بسبب التحيز او التعصب وتظهر بعض االطراف الافاعلة وتكون
مستقلة او شبه مستقلة .وذلك خلدمة الصاحل االنساين وتتمثل عمليات التكامل الدويل يف التكامل االقتصادي ويكون
ذلك باقامة األسواق املشرتكة ،وذلك لتوحيد التشريعات الضريبية واجلمركية وانسياب حركة العمل وراس املال .والتكامل
االجتماعي وذلك بنقل الوالءت القومية إيل جمتمع سياسي اكرب من الدولة .والتكامل السياسي بادماج بعض األطراف
على الرتتيباتاالمنية بغض النظر عن تافاوت مواردها ويري الباحث بان التكامل السياسي اصعب ىف حتقيقه من التكامل
االقتصادي وذلك الن احلافز على امتام التكامل االقتصادي هو توقع الدولة لدورها اإلجيايب ىف دعم اقتصادها القومي .
اما التكامل السياسي فهو يقيد سيادة الدولة وسلطتها ىف عملية اختاذ القرارات بالنسبة ملواطنيها والتكامل السياسي ال
يتحقق اال اذا كان مسبوق بتكامل اقتصادي او باالحري نتيجة له .والتكامل الدويل يكون ىف مرحلة الحقه للتكامل
السياسي وذلك الن العمليات التكاملية ىف جمال االمن ال تظهر اال ىف االزمات .
واشار فيليب جاكوب مبؤشرات للتكامل وصافها باهنا عوامل للتكامل وذلك يتضح من ان الشعوب املتجاوره جغرافيا
واملتشاهبة من جوانب عديدة تكون مؤهلة اكثر للتكامل وكلما ازاد التقارب الذهين ورغبة االطراف ىف املشاركة مع
اجملتمعات االخري الن االنعزالية تضعف التكامل وجيب على الدولة ان تتخلي عن .سيادهتا وان تكون هلا القدرة على
تلبية مطالب مواطنيها وخالصة القول بانه جيب تطبيق مافهوم التكامل الذي يعين حتقيق الوحدة بالطرق السلمية ،
8
نظريات التكامل واالندماج
فالتكامل سواء كان نتيجة او عملية فهو عن طريق وسائل سليمة سواء اخذت طابع سياسي يتمثل ىف عالقات التافاعل
بني النخب السياسية ،أو اخذت طابع اقتصادي يتمثل ىف تقدمي اخلدمات.
مجاالت التكامل
المجال االقتصادي يف ظل العوملة يصبح التكامل االقتصادي اإلقليمي هو السبيل الوحيد أو شبه الوحيد ملواجهة
حتدياهتا ،واستثمار الافرص اليت تتيحها ،ولتعزيز إمكانيات االقتصادات الوطنية ومكانتها يف التقسيم الدويل للعمل والنظام
العاملي للقوة ،كما حيقق للدول املتكاملة مناعة أكرب ضد اهلزات واالضطرابات الداخلية واإلقليمية والدولية .و التكامل
اإلقتصادي يتيح إقامة الصناعات الكبرية واإلستافادة من مزايا اإلنتاج الكبري واليت تتمثل يف اخنافاض نصيب الوحدة من
املنتج من النافقات الثابتة ،وكذلك زيادة درجة ختصص العمال واملوظافني وأجهزة اإلنتاج إىل أقصى درجة ،باإلضافة إىل
أن الوحدات اإلنتاجية الكربى تستطيع إنشاء أجهزة البحوث ومتويلها وإمدادها بالعلماء والافنيني وهذا يساعد على
تطوير املنتجات وكل هذه املزايا تنبثق عن املزية األساسية وهي اتساع حجم السوق كما ان تكامل الصناعات الوطنية
والقطاعات اإلنتاجية الوطنية عموما (مبا يف ذلك القطاعات الزراعية) ميكن هذه الدول من إقامة جممعات إنتاجية
متكاملة ( تكامل إنتاجي ) ،صناعية أو زراعية -صناعية (.على مستوى التكتل اإلقتصادي ،وإنتاج تشكيالت إنتاجية
أكثر تنوعا وأعلى جودة وأقل تكلافة.
المجال السياسي -من الواضح أن أي تكتل إقتصادي مهما كان بسيطا يف شكله أو حمدودا يف نطاقه ال ميكن أن
يقتصر على حتقيق أهداف جتارية أو إقتصادية فقط ،وإمنا البد أن يشتمل على أهداف سياسية أمنية وإسرتاتيجية ويف
الواقع فإن التداخل والتكامل بني األهداف اإلقتصادية والسياسية كبري حيث يبدأ التكامل إقتصادي مع حد أدىن من
التوافق السياسي مث يكتسب طابعا سياسيا متزايدا حىت الوحدة السياسية .و يهدف التكامل إىل تعزيز الروابط السياسية
بني الدول وإشاعة أجواء الثقة والتافاهم املتبادل وحسن اجلوار ،واإلستقرار السياسي يف املنطقة فمما ال شك فيه أن
عالقات جتارية وإقتصادية متوازية حتقق مصاحل الدول األعضاء ،هي أفضل سبيل لتحسني األوضاع واألجواء السياسية
على املستويني احمللي واإلقليمي ،وكلما كانت هذه العالقات أكثر تطورا كلما قطعت مسرية التكامل اإلقتصادي أشواطا
أبعد كلما أصبح انتكاس أو تراجع العالقات السياسية أكثر صعوبة .كما يعد التكامل اإلقتصادي أساسا لتعزيز القوة
السياسية ،للدول األعضاء جمتمعة وتأثريها يف السياسة العاملية واملنظمات الدولية سواء على صعيد التصدي للمشكالت
الكربى اليت تواجه العامل بصافة عامة ،والعامل النامي على وجه اخلصوص أو تعزيز القوة التافاوضية للدول املتكاملة من
9
نظريات التكامل واالندماج
خالل إجياد عالقات إقتصادية سياسية أكثر عدال وتوازنا مع الدول الصناعية واملنظمات الدولية اليت تتحكم هبا هذه
الدول
المجال األمني مع تعميق العالقات االقتصادية التكاملية وحتسني األجواء السياسية ،يتشكل اإلطار اإلقتصادي-
السياسي لألمن القومي واإلقليمي وإزالة بؤر التوتر والصراع ،واخلالفات احلدودية وغريها ويتحقق اإلستقرار اإلقتصادي
والسياسي واألمين يف آن واحد وأفضل سبيل لتحقيق اإلستقرار واألمن هو اإلطار التكاملي والتنمية املشرتكة لدول
التكامل و ينظر للتكامل اإلقليمي على أنه أداة ،تستطيع مبقتضاها الدول أن تؤمن نافسها ضد احتماالت الغزو
اخلارجي ،ولذلك تلجأ هذه الدول الكربى والصغرى على حد السواء إىل التكامل اإلقتصادي ألجل إنشاء قوة واحدة
يف مواجهة التهديدات واألخطار اخلارجية ،مبعىن أن التعدي على أحد دول هذا التكتل يعد تعديا على كل الدول
املكونة للتكامل.
المجال االجتماعي و الثقافي من األهداف اإلمنائية للتكامل اإلقتصادي أنه وسيلة ميكن عن طريقها رفع املستوى
العلمي والثقايف ملواطين التكامل نتيجة لدخوهلا يف منوذج تكاملي.
التكامل يعرب عن إدارة سياسية من اجل ضمان االمن والتعاون بني الدول االعضاء ،واما انه خيضع ملنطق وظيافي يرتبط
لتحقيق اشياء اساسية ميكن تأمينها من خالل تعزيز التبادل واالتصاالت بني الشعوب ،وقد متيزت نظريات التكامل
باهنا " مثلت مرجع يعتمد عليه من اجل تطوير ميادين تعاون مدين واقليمي مثل الافلسافة اليت كانت وراء انشاء
املنظمات الدولية املتخصصة بعد احلرب العاملية الثانية ،وانشاء اجلماعة االوربية ىف عام 1950م .واهم ما ركز عليه
انصار نظرية التكامل هو ربط التكامل بالوظيافية واليت تطورت فيما بعد إيل الوظيافية اجلديدة .
الوظيفية -:
يقصد بالوظيافية تلك الوظائف اليت ميكن ان يقوم هبا تنظيم معني مجعية – نقابة – حزب سياسي – حكومة -منظمة
اقليمية او دولية .وامهيتها ىف احصاء الوظائف اليت يقوم هبا تنظيم معني والعالقة ما بني هذه الوظائف ،وكيافية توزيعها
10
نظريات التكامل واالندماج
على االعضاء ،وهل هنالك انسجام ام ال بني االعضاء عند اداء وظائافها ىف اطار املنظمة اليت تنتمي اليها ،ومدي
اجناز الوظائف اليت اوكلت اليهم وباي طريقة ؟ وهل ادت هذه اجملموعة إيل .التكامل ام ادت إيل تافكك
واملرجع الرئيسي للوظيافية هو دراسة الباحث الربيطاين ميرتاين الذي وضعها عام 1948م بعد انتهاء احلرب العاملية الثانية ،
وقد اوضح بان تزايد التعقيد ىف النظم احلكومية ادي إيل تزايد كبري ىف الوظائف الافنية وغري السياسية اليت تواجه
احلكومات ومثل هذه الوظائف مل تؤدي فقط إيل زيادة الطلب على االختصاصني املدربني على املستوي الوطين ولكنها
لعبت دورا ىف املشكالت الافنية على املستوي الدويل ،وتزايد املشكالت ذات الطابع الافين على املستوي الوطين سيساهم
ىف اتساع قاعدة التعاون الدويل .ويعترب ميرتاين ان هنالك حاجات اساسية ومشكالت فنية عديدة مرتبطة بالتطورات
التقنية باالضافة إيل املشاكل االجتماعية والبئية املتزايدة واليت تدفع ايل التوحيد الوظيافي الدويل ،وان ذلك ميكن ان
يتحقق مبعزل عن اي سلطة سياسية عامة .بقيت اطروحات ميرتاين مثالية ،وذلك الن تعدد جماالت التعاون وحاجاته مل
ينه حالة التكامل بني الدول ىف التعاون الدويل وظلت الدول الكربي ،هي اليت توجه ظاهرة التعاون الدويل حتت مسمي
التكامل مما خيدم مصاحلها ،ومن ناحيتها بقيت الدول الافقرية واملستقلة حديثا هي املتضررة ،وبالنتيجة فاهنا مل تؤدي
إيل السالم كما يعتقد ميرتاين فالسالم بقي سالم االقوياء .واستعمل ميرتاين مبدأ االنتشار الذي يعين من وجه نظره ان
التطور والتعاون الدويل ىف حقل واحد يؤدي إيل خلق تعاون ىف جماالت اخري ،واقامة هذا التعاون ىف هذا احلقل كان
نتاجا عن الشعور باحلاجة هلذا التعاون ،واقامة التعاون سيؤدي إيل خلق حاجات جديدة وبالتايل الدفع .حنو التعاون
ىف جماالت اخري ويقصد بان هذا النوع من املعامالت يتخطي احلدود وهنا حيدث االنتشار والتوسع ىف العالقات بني
الدول .واضاف ميرتاين ان امكانية قيام جمتمع دويل مسامل خايل من احلروب عرب التعاون ىف اجملاالت .االقتصادية
املنافعية وليس عن طريق توقيع اتافاقيات بني الدول ويري الباحث ان التكامل االقتصادي الغين هو الذي يدعم اسس
االتافاق السياسي وحيت وان مل جيعل منه امرا ضروريا .
والحظ ميرتاين بان الدولة عاجزة من حيث االمكانيات عن حتقيق السالم او حتسني املستوي االجتماعي واالقتصادي
ملواطنيها .واعترب ان الصراع واحلرب مها نتيجة تقسيم العامل إيل وحدات قومية منافصلة ،وكبديل هلذه الوضعية اقرتح
ميرتاين االنشاء التدرجيي لشبكة من املنظمات االقتصادية واالجتماعية عابرة للحدود باعتبارها تكديس للتعاون والتبادل
،وقد لعبت هذه املنظمات دور هام ىف حتقيق قدر من التنمية ىف عدد من .االقطار ادت هذه الدعوة لظهور ما عرف
بالوظيافية اجلديدة اليت تعترب امتداد للوظيافية.
11
نظريات التكامل واالندماج
الوظيفية الجديدة -:ركزت الوظيافية اجلديدة على انشاء مؤسسات مركزية اقليمية خلدمة اهداف التكامل االقتصادي
عند اجلماعة األوروبية ،وهي تري ان املؤسسات اإلقليمية فوق الدولة هلا القدرة على توسيع التكامل وركزت على
االسباب اليت ادت إيل جناح التكامل ىف أوروبا ،فالتكامل بالنسبة الصحاب املدرسة الوظيافية اجلديدة ،عملية ونتيجة
ىف آن واحد وقد ركز على اجلانب الرمسي او السياسي ،املتمثل ىف دور املؤسسات السياسية الرمسية والنخب السياسية ىف
حتقيق عملية التكامل ،وعندما يتم تغيري والء النخب السياسية من مستوي الدولة إيل مستوي النظام االقليمي ميكن
للتكامل ان يتحقق .ويري اتزوين ىف هذا اخلصوص ان وجود اعتماد متبادل بني االطراف ىف قطاعات معينة يؤدي إيل
التكامل واستدل على ذلك بالسوق األوروبية املشرتكة واعتربها اكثر .احملاوالت تقدما ىف هذا اجملال .
ويرى إيرنست هاس Haas Ernestبان عملية التكامل تبدأ من توقع املكاسب واملنافع ،وركز على دور القوة وعملية
التعلم يف دفع عملية التكامل ،اليت تشجع علی انتشار الرفاه .ويرى بأن التكامل يتعززم ن خالل دور اخلرباء الافنيني يف
وضع معايري ومتثيل األطراف بطريقة متساوية ،حيث أن عملية التكامل ستتعرض للافشل إذا كانت مرتبطة بدولة معينة او
قيادة كارزمية .وقد صنف متغريات عملية التكامل يف ثالث فئات:
الافئة األوىل :من املتغريات يسميها املتغريات القاعدية :وتتمثل يف صافات وقدرات الوحدات الداخلة يف عملية التكامل
من حيث حجم هذه الوحدات ،درجة وجود تعددية اثنية وعرقية ولغوية داخل ھذه الوحداتتوجهات النخب.
الافئة الثانية :من املتغريات هي املتغريات اليت لھا صلة بانطالق عملية التكامل وتشمل :حجم السلطة املمنوحة هليئات
التكامل اجلديدة ،ومستوى املشاركة بني األطراف.
الافئة الثالثة :من املتغريات وهي متغريات احلركية :وتتمثل يف منوذج اختاذ القرار املتخذ ،ومعدل التعامل بني الوحدات،
وقدرة األطراف املعارضة او اليت دخلت يف عملية التكامل على التكيف مع الواقع اجلديد .باالضافة إىل أمهية توافق
النخب االقتصادية مع النخبة السياسية او مع القيادة احلكومية
يرى أميتاي ايتزيوين Etzioni Amitaiأن التكامل هو عملية امتالك وسيطرة فعالة يف استخدام أدوات العنف واإلكراه،
من خالل وجود مركز الختاذ القرار" ،هذا التعريف من ايتزيوين ينطلق من فرضية أن عملية التكامل االقتصادي تسبق
عملية التوحيد أو التكامل السياسي .ويرى ايتزيوين بان عملية التكامل متر بأربعة مراحل تتمثل يف
12
نظريات التكامل واالندماج
-مرحلة ما قبل التوحيد :حيث تدخل الدول واألطراف يف عالقات من االعتماد املتبادل ،يشجعها على املزيد من
التعاون.
-عملية التوحيد :إن الدخول يف عملية التوحيد ،يتم حسب ايتزيوين على أساس حوافز قسرية بوجود هتديد أمين
مشرتك ،او حوافز نافعية بإدراك وتوقع األطراف للمكاسب املشرتكة والافردية ،كما أن أحد احلوافز اليت تدفع إىل التكامل
هو شعور األطراف هبوية مشرتكة ،وهذه احلوافز تعمل النخب السياسية على إبرازها و تقويتها
-عملية التوحيد من خالل القطاعات :يف هذه املرجلة ،تنتشر عملية التوحيد من قطاع ألخر.
-مرحلة االنتهاء :وصول عملية التكامل إىل املرحلة النهائية خيتلف من جتربة آلخرى ،وختتلف مستويات وعمق التكامل
من جتربة ألخرى.
و ميكن تلخيص النقط الرئيسية للوظيافيني يف ما يلي
التكامل اإلقليمي بدل التكامل الشامل :على عكس دايافيد ميرتاين ،يعتقد هاس أنه ال بد من حتقيق التكامل اإلقليمي،
أل ن التكامل الشامل صعب التحقيق .هذا األمر قد يعود لرتكيز هاس على دراسة االحتاد األ ورويب و املؤسسات اإلقليمية
يف أ وروبا الغربية بعد احلرب العاملية الثانية.
الدولة ليست الفاعل الوحيد :إ ن الدولة ليست الافاعل احلصري و الوحيد يف النظام الدويل أو النظام اإلقليمي ،كما أ ن
اهلويات املشرتكة ليست احملرك األساسي للتكامل ،بل احملرك األساسي هو الصافات املشرتكة ،واليت حتافز النخبة على اختاذ
قرارات مشرتكة يف بيئة تافتقد املعلومة الدقيقة .وتعترب الوظائف أو" مناطق القضية " issue areasهي الركيزة األساسية ملسار
التكامل ،لكن جيب أن تكون انطالقة املسار من القضايا األقل خالفية ،ألنه يسهل التعامل معها.
االنتشار Spill over :حسب الوظيافية اجلديدة ،فإ ن االنتشار هو ذلك املسار حي نشاط معني ذو عالقة مع هدف
معني ،يقود إىل نشاط آخر ،والذي بدوره خيلق لنا حاجات أخرى .ال ميكن حتقيق التكامل ونقل الوالءات من الدولة
القومية إىل املراكز فوق القومية من دون االنتشار على مستوى اجملال و الافضاء .هذا االنتشار يسمح مع مرور الوقت
باالنتقال من التكامل االقتصادي إىل التكامل السياسي ،ولكن ،من أجل حتقيق هذا اهلدف البد أن يكون املسار
التكاملي يف املنهاج الصحيح حبيث ال جيب أن تطغى املصلحة الافردية للدول األعضاء على املصلحة املشرتكة يف املسار
التكاملي .حسب هاس ،فإ ن االنشار لديه شقني أساسيني :االنتشار القطاعي أو الوظيافي ،أي اتساع النشاطات التكاملية
من قطاع آلخر ،مثال من قطاع احلديد و الصلب إىل قطاع الزراعة أو تنسيق سياسات النقل .ثانيا ،االنتشار السياسي،
والذي يستلزم بالضرورة تسييس النشاط القطاعي ،مثال :تنسيق السياسة النقذية و تعويضها بنظام حوكمة أكثر مركزية
وتسعى إىل إقامة دولة إقليمية تتخذ شكل وحدة فيدرالية ،حيث حتتافظ الدول الوطنية بسلطة إصدار القرارات
والتشريعات الالزمة ،وفقا ملا يتافق عليه اجمللس األعلى الذي يدير عددا من األمور اليت هتمها مجيعا .وينصب التافكري
13
نظريات التكامل واالندماج
أساسا حول إقامة دولة احتادية على إقليم تتمتع فيه الافئات االجتماعية اليت تتواجد يف أقطارها بدرجة عالية من التشابك
يف املصاحل .وتتوفر فرص النجاح أمام هذا التحول يف حالتني:
احلالة األوىل :أن يكون قد تولد لدى خمتلف الافئات االجتماعية شعور بأن التجمع اإلقليمي قادر فعال على حتقيق قدر
من الرخاء والرفاهية االقتصادية يافوق ما حتققه الدول الوطنية لوحدها وميكن القول أن هذا األسلوب يعتمد على
قاعدتني:
القاعدة األوىل :توافق مصاحل الافئات االجتماعية املختلافة وتيقنها أن دولة الوحدة سوف ختدم مصاحلها أفضل مما تافعله
الدولة وهذا ما ميكن تسميته بقاعدة الكافاءة.
القاعدة الثانية :تسيري األمور يف دولة الوحدة سوف يعطيها فرصة للمشاركة يف اختاذ القرار وهذا ما ميكن وصافه بقاعدة
الدميقراطية.
احلالة الثانية :رفض عدد من الافئات االجتماعية خضوع احلكومات الوطنية لتسلط فئات تسعى إىل تعظيم مصاحلها
على حساب باقي فئات اجملتمع ،وتكون الافئات املتسلطة يف البلدان املختلافة متناحرة فيما بينها ،ومن مث ترى الافئات
االجتماعية الرافضة هلذا األمر أنه من املصلحة التحول من املستوى الوطين إىل املستوى اإلقليمي.
وقد كان لالعتبار الثاين أمهيته يف احلالة األوروبية ،فقويت شوكة املدرسة االحتادية خالل احتدام معارك احلرب العاملية
الثانية خاصة لدى فئات فرنسية بزعامة جان مونيه ،رأت يف هذا املنهج هناية حملاوالت أملانيا املتكررة يف السيطرة على
أوروبا ،إال أن فئات أخرى كالدجيوليني مل تشاطرها الرأي ،وحبذت حصر السلطات اإلقليمية يف نطاقات حمدودة.
وبذلك يعترب الافكر االحتادي اسرتاتيجية للتحرك حنو التكامل أكثر منه نظرية تضع أسسا لبلوغه ،ويكون على الدولة
االحتادية بعد قيامها البحث عن أفضل السبل لتسيري شؤون اجملتمع املتكامل.
نظرية االتصاالت وتحقيق التكامل -:حاول كارل دويتش ان يوضح العالقة بني حتقيق التكامل واالتصاالت وذلك
من خالل تقوية وسائل االتصاالت واملواصالت وازالة احلواجز ،مما يؤدي إيل حتقيق التكامل اإلقليمي بني دول اإلقليم
الواحد .ويربط دويتش بني االتصال وحتقيق التكامل بني اجملتمعات فيقول " :ان االقطار او الدول ليست اال حشودا
من االفراد تتحد فيما بينهما نتيجة تدفق االتصاالت ونظم النقل بينهما وتنافصل عن بعضها باراضي قليلة السكان او
خالية ،والشعوب حتقق وحدهتا كلما اتسعت املوضوعات اليت تتصل فيما بينهما ،واحلدود متثل املناطق اليت تتناقص فيها
الكثافة السكانية واالتصاالت ،وحيت ميكن ان نطلق اصطالح بلد أو دولة فانه ال بد من وجود اعتماد متبادل ومباشر
14
نظريات التكامل واالندماج
ىف قطاع من السلع واخلدمات املختلافة بني .االفراد" ويري الباحث بان الدول ىف الوقت احلايل هي اقل اعتمادا على
بعضها البعض مما كانت عليه ىف السابق .
اما عن الكيافية اليت تأيت فيها زيادة االتصاالت فانه ميكن حتقيقها من خالل التعامل مع شروط حملية وإقليمية وعاملية
يهدف جتاوز العقابات وقدرة النخب احلاكمة السياسية على التعامل مع هذه الشروط وامياهنا بوجود حافز مشرتك ودور
القوى غري احلكومية اليت تتمثل ىف شركات عرب وطنية ىف خلق العديد من القنوات اليت تؤدي إيل التكامل ووجود درجة
عالية من االعتماد املتبادل بني اجملتمعات الثقافية واالجتماعية واالقتصادية ،ووجود قطاع رئيسي تدور حوله عملية
التكامل وترتكز حوله املؤسسات ويعترب القطاع االقتصادي اكثر .القطاعات اليت تسمح بالتحالافات وإضعاف دور
العامل السياسي وهنالك اسباب تؤدي إيل تافكك التكامل كما حيدث ىف اإلمرباطورية اهلنغارية النمساوية او االحتاد
االجنليزي االيرلندي او احتاد النرويج والسويد وذلك بتزايد االلتزامات العسكرية وايضا يؤدي إيل زيادة األعباء املادية
والبشرية ومشاركة ىف املؤسسات من قبل مجاعة كانت تتخذ موقف سليب وتزايد الافروق اللغوية والعرقية والدينية ومواجهة
تدهور او ركود اقتصادي يف مستوي املعيشة وعدم قدرة النخب السياسية ىف احداث إصالحات .على املستوي
االقتصادي واالجتماع و الواضح من دراسة دويتش اهنا حققت نوع من التكامل وادت إيل تطوير االمكانيات
االجتماعية واالقتصادية وتطوير منظمات لتؤدي هذه الوظائف ،واعتبار ان االتصاالت عامل هام لعملية التكامل .
خيتلف منظور التبعية جذريا عن منظور الوظيافية يف عملية التكامل ،فمنظور التبعية يرى بأن العامل مقسم إىل دول مركز
غنية ودول أطراف فقرية ،وترى بان اندماج الدول األطراف يف النظام االقتصادي العاملي مل خيلصها من الافقر ،وهوعائق
أساسي من عوائق التنمية ،إذ ترى نظرية التبعية أن املسألة ليست يف التكامل وإمنا يف طريقة التكامل ،فالتكامل الذي
يكرس للتبعية االقتصادي والثقافية والسياسية واألمنية ،مبين على أساس عالقات تبادل غري متكافئة ،وتقسيم دويل
للعمل ،حيث يقتصر دور دول األطراف على استخراج املوارد اخلام الزراعية والصناعية ،ودول املركز حتتكر الصناعات
املتطورة التكنولوجيا ،القيمة املضافة الناجتة عن حتويل املنتجات اخلام إىل منتجات هنائية يتم تسويقها بأضعاف ما مت
شراؤها بها .ومن أبرز رواد نظرية التبعية :بول بريبيش وإميانويل والرشتاين.
15
نظريات التكامل واالندماج
يرى االقرتاب ما بني احلكومي وهو الصيغة الواقعية لتافسري عملية التكامل ،بأن احلكومات هلا دور مركزي يف عملية
التكامل ،و هذا االقرتاب ينتقد املنظور الوظيافي يف العديد من النقاط ،فهو يرى بان احلكومات حني تنخرط يف عملية
التكامل واالندماج ،ال تافقد صالحياهتا وال تتنازل عن سلطاهتا لصاحل سلطة فوق قومية ،كما ينتقد مافهوم االنتشار
ويراه غري حقيقي ،فاملنظمة فوق القومية حسب التوحه البني حكومي هو عبارة عن جتمع للحكومات ،دخول
حكومات الدول كأعضاء يف هذه اهليئات ،حيث تتحول هذه اهليات إىل منتدى التافاوض واملساومة بني األطراف،
فحسب الواقعيني إن دخول الدول يف عملية التكامل يتم بصافة طوعية ،ويشاركون يف قرارات املنظمة بكل سيادة،
وبامكا هنم االنسحاب منها ،خبالف الافيدرالية ،واليت هي سلطة مركزية ذات سيادة ،تشارك وتتوزع الصالحيات
بينها وبني الوحدات الافيدرالية .أما بالنسبة للواقعيني اجلدد ،مثل ستانلي هوفمان فريى بان التكامل على غرار االحتاد
األورويب مل يشكل وحدة سيادية جديدة ،تافوق سيادة الدول املنضمة إليها ،فالدول القومية واملصلحة القومية ال زالت
هي العامل املافتاحي يف تافاعل وتنشيط عملية التكامل.
يشري مافهوم االعتماد املتبادل إىل موقف يؤثر فيه األشخاص أو األحداث املتعددة يف أجزاء خمتلافة من نظام معني على
بعضهم البعض ،و هذا ما ينطبق على النظام الدويل ،فالوحدات الدولية املتواجدة فيه و أثناء سعيها لتحقيق أهدافها
تقيم مع بعضها عالقات سياسية و اقتصادية و اجتماعية ،و هي تتأثر ببعضها نتيجة هذه املعامالت ،و يشهد النظام
الدويل احلايل درجة عاليـة من الروابط بيـن األفـراد و اجلماعات يف الدول املختلافة ،و فيما بني احلكومات ،و فيما بني
األوضـاع الداخلية و اخلارجيـة و فيما بني املوضوعات السياسية ،االقتصادية ،على حنو مل يعرف من قبل و ذلك نتيجة
التطور اهلائل يف وسائل النقل و االتصال ونتيجة منو التطور التكنولوجي و تيارات تبادل السلع و األفراد ،و هذا الوضع
العاملي املتميز هو الذي أبرز احلاجة ألساليب جديدة يف التافكري و مافاهيم جديدة لتحليل التافاعالت املتعددة األبعاد و
املستويات .
شاع استعمال مصطلح االعتماد املتبادل بعد صدور كتاب "القوة و االعتماد املتبادل" عام 1977ملؤلافيه جوزيف ناي و
روبرت كيوهان ،و من مث أصبح يأخذ مساحات كبرية يف حتاليل و أدبيات العالقات الدولية ،و قد ميزا هذان املافكران يف
16
نظريات التكامل واالندماج
طرح االعتماد املتبادل مافهوم التكلافة ،و الذي يعد املافهوم الوحيد الذي يسمح بإثبات ملاذا هناك فاعالن يعتمدان على
بعض ،فالتكلافة ترتافع إذا حاول أحد الافاعلني جتاوز اآلخر ،كما جيب التمييز بني مافهومني متضمنني يف عنصر التكلافة
و مها احلساسية lsensibilitèو االنكشاف ،vulnerabilitiesفاحلساسية ميكن تسجيلها على املدى القصري ،و هي
القابلية للتأثر بالتغريات املافروضة من اخلارج قبل رد فعل من طرف البلد املعين ،أما االنكشاف فيمكن إدراكه على
املدى الطويل و ميثل التكلافة احملتملة .رغم عدم تكافؤ الوحدات الدولية يف مقاومة تكاليف االعتماد املتبادل إال أن
منظروا الليربالية ينظرون إليه نظرة اجيابية ،بل أن بعضهم يستعمله كأداة أساسية لتحاليلهم و نظرياهتم ،و ميثل هؤالء
املافكرين ما يعرف بتيار االعتماد املتبادل .
يرى هذا التيار أن االعتماد املتبادل يؤدي إىل خلق فوائد مشرتكة ،و هذه الافوائد تساعد على خلق املزيد من التعاون
بني الوحدات ،و حىت إن مل تكن املكاسب بني أطراف العالقة متساوية فال ضري يف ذلك ،ألنه ال جيب أن ننتظر حىت
يتحقق التكافؤ لكي نقيم روابط متبادلة ألن هذا التكافؤ و التماثل ناذر احلدوث ،و يف هذا الصدد يرى ناي أن التماثل
الكامل نادر احلدوث ،كما أن حاالت عدم التوازن الكامل حيث يعتمد أحد األطراف كلية و ال يعتمد اآلخر إطالقا
هي أيضا نادرة احلدوث ،و عدم التماثل هو أحد العناصر اجلوهرية يف سياسة االعتماد املتبادل ،و ليس من الضروري أن
تكتسب الدولة األقوى من خالل استخدامها لالعتماد املتبادل ،فلو كان لدى دولة أصغر أو أضعف اهتماما أكرب بأحد
املوضوعات فيمكنها أن حتقق فيه فوائد ...و ميكن للدول الصغرية أن تستخدم تركيزها و مصداقيتها للتغلب على
ضعف موقافها النسيب يف االعتماد املتبادل غري املتماثل
يعترب االحتاد األورويب أكرب التكتالت االقتصادية يف العامل يف الوقت احلاضر و أكثرها اكتماال من حيث مراحل التطور و
النضج .حيث ميتلك هذا االحتاد دخل قومي يزيد علي 7000مليار دوالر (أكرب دخل قومي يف العامل) .وحيقق سنويا
حجم جتارة خارجية تصل يف املتوسط إيل حوايل 1150مليار دوالر (أكثر من ثلث التجارة العاملية) .ويعترب أضخم سوق
اقتصادي داخليا حيث بلغ 380مليون نسمة مبتوسطات دخل فرد مرتافعة نسبيا .وقد تعدي هذا التكتل االقتصادي
مرحلة منطقة التجارة احلرة و اإلحتاد اجلمركي و السوق املشرتك إيل أن وصل إيل مرحلة االحتاد االقتصادي .و يالحظ أن
عدد دول االحتاد األورويب كانت 6دول فقط يف بداية اإلعالن عن قيام السوق األوروبية املشرتكة طبقا ملعاهدة روما يف
17
نظريات التكامل واالندماج
25مارس 1957م .وهذه الدول هي بلجيكا ,فرنسا ,أملانيا ,إيطاليا ,لوكسمبورج ,هولندا .ومل تنضم بريطانيا ألهنا مل
تكن .ترغب يف أن تتقيد بقرارات سلطة عليا فوق الدول.
من الصعب اعتبار جتربة الوحدة األوروبية جتربة وحدوية باملعين الذي عرفناه يف الوطن العريب ،متاما مثلما يصعب وصافها
بأهنا نتاج للافكر القومي األورويب كما حدث أيضا يف احلالة العربية .فقد انطلقت ،على عكس اخلربة العربية ،من الواقع
العملي واملؤسسي املعاش من أجل بناء الكلي والعام املتمثل يف الوحدة األوروبية .هذا الوضع مل يعن بأي حال من
األحوال غياب تصور سياسي ومشرتكات ثقافية جتمع بني دول القارة العريقة ،بل علي العكس فقد شكلت الرؤية
السياسية الشاملة والتاريخ الثقايف املتقارب اإلطار العام الديناميكي الذي حترك يف إطاره مشروع الوحدة األوروبية .وهنا
يكمن الافارق بني جتربة الوحدة األوروبية الناجحة وجتارب الوحدة العربية الافاشلة ،فأوروبا مل تتعال عن تافاصيل الواقع
املعاش ،ومل تتجاهل منذ البداية التباينات ،بل وأحيانا التناقضات ،املوجودة بني كل دوهلا حتت شعارات األخوة األوروبية
أو املصري والتاريخ األورويب املشرتك ،إمنا اعرتفت هبا واعتربت التعامل الواقعي معها هو نقطة االنطالق لتأسيس مشروع
الوحدة األوروبية ،الذي مل حيكمه الشعار األيديولوجي إمنا اإلجناز االقتصادي واالجتماعي والثقايف الذي حكمه إطار
وتصور سياسي رحب ،وليس نصا أيديولوجيا مغلقا.
ويف هذا السياق ،وعلي خالف ما يروج له البعض ،مل تنح جتربة االحتاد األورويب الثقايف والسياسي واالسرتاتيجي من
مشروعها ،بل علي العكس فقد وضعتها يف اإلطار الرحب والعام ،أي اإلطار الصحيح ،لكي يشكلوا قوة دفع تساعد
على إجناز التافاصيل الوظيافية واملؤسسية للتجربة ال حتويرها لتدخل قسرا داخل السياسي واأليديولوجي .ولعل هذا ما
جعل مشروع الوحدة األوروبية منذ انطالقه يف عام 1957حماولة دائمة لصياغة واقع أورويب جديد ينحو بشكل متدرج
حنو الوحدة ،ويعمل علي بناء معايري أوروبية شبه موحدة حتاول كل دولة أوربية أن تكيف نظمها االجتماعية واالقتصادية
والسياسية وفقا هلا .متيزت تلك املعايري بأهنا تدخل مباشرة يف نسيج اجملتمع ،وتعمل على ضبط أداء مؤسساته وفق معايري
تافصيلية شاركت يف صياغتها الدول األوروبية ،فهناك معايري سياسية ختص قضايا الدميقراطية وحقوق اإلنسان ،وأخرى
اقتصادية ال تتعلق فقط مبستوي معني من النمو االقتصادي ،وإمنا أيضا بقوانني ختص اإلعافاءات اجلمركية بني الدول
األعضاء والسوق املشرتكة ،وبقوانني تنظم تصدير احلاصالت الزراعية بني الدول األعضاء وعملية صيد األمساك ،وأخريا
قوانني تنظم حرية املعلومات واإلعالم واألنشطة الثقافية والتعليم.
وهكذا ،كانت قوانني جتربة االحتاد األورويب مصوبة أساسا حنو اجملتمع ،ومل تكن مشروعا فوقيا يضع أهدافا سياسية عليا
منعزلة عن الواقع املعاش .بل على العكس ،فقد حاولت التجربة األوروبية أن حتول مشروعها السياسي إىل قضية جمتمعية،
18
نظريات التكامل واالندماج
يساهم املواطنون يف بلورته .وأصبحت قضية الوحدة بعيدة عن كوهنا قضية إسرتاتيجية عليا ختص النخبة ،إمنا هي قضية
شعوب ،وبالتايل خاطبت منذ البداية مصاحلهم وسعت إىل التعبري عنها وجنحت إىل حد كبري يف دمج القيمة العليا
املتمثلة يف الوحدة األوروبية يف الواقع واهلموم اليومية املعاشة.
أخذت إسرتاتيجية بناء الوحدة األوروبية ثالث خصائص رئيسية .متثلت األوىل يف االنطالق من القضايا الصغرى واجلزئية
إىل القضايا الكربى واإلسرتاتيجية ،بكل ما مثله ذلك من خلق ثقافة نسبية ال تنتمي إىل اللغة املطلقة اليت سادت جتارب
وحدوية أخرى .ومتثلت الثانية يف عدم النظر إىل قضية الوحدة كمعطى جيب التسليم به منذ البداية ،وفرضه يف املمارسة
اليومية على مجيع الدول الداخلة يف االحتاد أو املرشحة له ،بقدر ما ظل قيمة عليا ميكن للدول األعضاء أن تصل إليها
مبحض إرادهتا ومن خالل تافاعالهتا البينية .وأخريا ،متثلت اخلاصية الثالثة يف اعتماد إسرتاتيجية الدمج اليت متيزت هبا جتربة
االحتاد األورويب ،وجناحه يف امتالك هذا القطب املغناطيسي اجلاذب والقادر على دمج دول داخل قطار الوحدة
األوروبية ،يبذل يف هذه العملية جهدا متبادال بني الدول اليت أسست االحتاد األورويب وبني الدول املرشحة لالنضمام
إليه.
إن أهم ما ميز جتربة الوحدة األوروبية أهنا بدأت من أسافل ،ووضعت أهدافا متواضعة مل يتوقع كثري من املراقبني أن تكون
هي الطريق حنو إجناز الوحدة ،فلم تبدأ بالتوقيع على اتافاقات وحدة بني عدد من الدول األعضاء ،ومل تطرح قضايا
السياسة اخلارجية والدفاعية املشرتكة كأهداف فورية للدول املنضمة للجماعة األوروبية ،إمنا تركت التافاعالت االختيارية
بني دول اجلماعة حول قضايا جزئية هي اليت تقود الدول األعضاء أو معظمها إىل خيار االحتاد ،الذي ظل منذ البداية
هدفا وليس قانونا جربيا يافرض من أعلى أو بقرار سيادي.
وقد وعي املسئولون األوروبيون هذه القضايا منذ البداية .وعلى سبيل املثال صرح وزير اخلارجية الافرنسية الراحل روبرت
شومان يف 9مايو 1950بأن أوروبا لن تصنع دفعة واحدة ،وال ببناء تكتل موحد ،إمنا من خالل إجنازات واقعية ،ختلق
أوال تضامن الواقع ،معتمدا على املنهج الوظيافي وليس الدستوري الذي يعتمد على دستور فيدرايل يف بناء جتربة الوحدة
األوروبية .ويضيف املسئول الافرنسي فكرة أخرى على قدر كبري من األمهية ،وذات داللة ،فيشري إىل أن الدول األوروبية
اليت عادت لتحصل على سيادهتا كاملة بعد احلرب العاملية الثانية ،ال جيب أن ترتكها بصورة فورية لصاحل وحدة فيدرالية
19
نظريات التكامل واالندماج
أوروبية ،إمنا جيب أن تتعود الدول األوروبية على التخلي الطوعي عن بعض جوانب سيادهتا يف بعض القضايا ،فاملطلوب
هو التقليص املتصاعد يف التناقض بني االندماج األورويب والدولة*.
هذه األفكار انعكست إىل حد كبري يف مسار جتربة الوحدة األوروبية ،واليت أكدها كثري من السياسيني األوروبيني يف
فرتات زمنية خمتلافة ،وعربت عن وعي كامل بتافاصيل الواقع املعاش ،وجعلت التعامل مع هذا الواقع هو املدخل إلجناز
األهداف الكربى املتمثلة يف الوحدة ،مبا يعين أن الغاية ظلت قيمة عليا جيب العمل على الوصول إليها عرب حل
اإلشكاليات الافرعية واجلزئية ال جتاهلها لصاحل عموميات وغايات كربي ال يوجد هلا جتليات ملموسة يف الواقع العملي.
ومن مث ،مل يكن غريبا أن تبدأ رحلة الوحدة األوروبية من خالل التوقيع على اتافاقية الافحم والصلب بني عدد من الدول
األوروبية يف 18أبريل سنة 1951يف العاصمة الافرنسية باريس .وكان اهلدف هو تسهيل االستثمار يف هذا اجملال ،وتسهيل
حرية حركة رأس املال والعمالة اليت تعمل يف جمايل الافحم والصلب ،لكي تعتاد الدول األوروبية الثالث اليت وقعت على
هذه االتافاقية على فكرة االستثمار املتبادل ،وعلى احلركة احلرة لرأس املال .ومل تتطرق مطلقا ألي اتافاقات اقتصادية
مشرتكة أو حىت لسوق واحدة جتمع الدول األوروبية.
كما حافظت مسرية الوحدة األوروبية على هذه الروح عند توقيع االتافاق الشهري الذي وقع يف روما سنة ،1957والذي
يعتربه الكثريون البداية احلقيقية لتبلور مشروع الوحدة األوروبية .فقد جاء بدوره ترمجة التافاق ما مسي باجملموعة األوروبية
للطاقة الذرية ،والذي سهل تبادل اخلربات واملعدات يف جمال الطاقة النووية ،وكان الغطاء الذي خرجت منه السوق
األوروبية املشرتكة اليت وقعت عليها ست دول أوروبية .وهكذا ،عكس االنطالق من التافاصيل املعاشة ،رغبة يف بناء
تافاعالت وحدوية بني الشعوب األوروبية ،ال تكون حبيسة قرارات فوقية تصدر من أعلي ،بقدر ما حتولت إىل ممارسة
يومية هتدف إىل حتقيق هذه القيمة بالرتاكم العملي ،وعرب خلق قنوات شعبية ومؤسساتية تعمق من التافاعالت األفقية
بني األوروبيني.
واحلقيقة أن األساس االقتصادي يف جتربة الوحدة األوروبية كان رئيسيا ،رغم أنه مل يكن العامل الوحيد .فقد حرصت
التجربة على أن تؤسس منوذجا أوروبيا يقوم على نسج شبكة مصاحل مشرتكة بني الشعوب األوروبية ،دون أن يعين ذلك
اختافاء صراعات املصاحل بني هذه الدول أو بني شرائح خمتلافة من شعوب كل دولة .فاحتجاجات املزارعني الافرنسيني أو
صائدي األمساك الدامنركيني على عدم وجود محاية لسلعهم يف مواجهة املنافسة األوروبية كانت متكررة وامتدت إىل معظم
البلدان األوروبية ،اليت حرصت على إجياد حلول توافقية بني هذه املصاحل املتباينة .ومرة أخرى ،مل تتعال التجربة األوروبية
20
نظريات التكامل واالندماج
على هذه املشكالت ،ومل حتاول أن تافرض هلا حلوال فوقية ،إمنا اعتربهتا جزءا أساسيا من التحديات اليت تواجه مشروع
الوحدة ،وعملت بطرق خمتلافة على حلها وإجياد كثري من احللول التوافقية هلا.
-5إستراتيجية الدمج
متيزت جتربة االحتاد األورويب باحليوية والتجديد منذ انطالق مشروع الوحدة األوروبية يف سنة 1957وحىت اآلن .كانت
البداية يف روما وحتديدا يف 25مارس سنة 1957حني وقعت ست دول أوربية ،هي :فرنسا وإيطاليا وأملانيا وبلجيكا
وهولندا و لوكسمبورج ،معاهدة إلنشاء السوق األوروبية املشرتكة.
انضم إىل هذا البناء اجلديد يف سنة 1972ثالث دول أوروبية جديدة هي بريطانيا وأيرلندا والدامنارك ،تلتها اليونان يف سنة
،1981مث أسبانيا والربتغال يف يناير سنة ،1986وأخريا جاء دور السويد والنمسا وفنلندا لينضموا يف سنة 1993إىل القافلة
األوروبية اليت حتولت من مجاعة إىل احتاد ،لريتافع عدد الدول املشاركة من اثنيت عشرة دولة إىل مخس عشرة .وجاءت سنة
2004لتمثل منعطافا جديدا يف تاريخ االحتاد األورويب حني ارتافع عدد الدول األعضاء إىل مخس وعشرين دولة بانضمام
كل من أستونيا والتافيا وليتوانيا وبولندا ومجهورية التشيك وسلوفاكيا وسلوفينيا واجملر ومالطة وقربص اليت قد تنضم مقسمة
أو موحدة تبعا لنتائج املافاوضات مع الشطر الرتكي .وقد وضع االحتاد األورويب جمموعة من املعايري املؤسسية والتقنية
املتافاوتة لقبول دول الشمال األورويب اليت انضمت إىل مسريته ،كما وضع جمموعة من املعايري االقتصادية والثقافية لضم
دول الشرق األورويب ،وأخرى أكثر تعقيدا الستيعاب تركيا ،يف ظل تصور إدماجي حيدد العالقة بني دول االحتاد والدول
املرشحة لالنضمام إليه .فبينما قبلت اجلماعة األوروبية يف عضويتها ويف فرتة مل تتجاوز العام طلبات العضوية اليت قدمتها
كل من السويد والنمسا وفنلندا من أوروبا الشمالية بالنظر إىل انسجامها مع املعايري اليت وضعتها اجلماعة األوروبية لقبول
الدول اجلديدة ،حيث قدمت النمسا ملف طلب العضوية يف يوليو سنة ،1989مث تبعتها كل من السويد وفنلندا يف عامي
1991و 1992على التوايل .وبعد فحص تلك امللافات أصدرت املافوضية األوروبية عده تقارير على مدار عام وافقت
بعدها على انضمام الدول الثالث ،استنادا إىل أن أوضاعها االقتصادية تسمح هلا باالنضمام الافوري إىل االحتاد بعد
انتهاء املافاوضات الثنائية بني املافوضية والدول الثالث .كما يالحظ من ناحية أخرى ،أن احملادثات اليت أجريت بني
الدول الثالث وباقي دول اجلماعة األوروبية تركزت حول مسائل تقنية باألساس ،يف ضوء انطباق املعايري االقتصادية
والسياسية واالجتماعية املطلوب استيافاؤها على تلك الدول .وعلى سبيل املثال ،طلبت السويد مساعدات من أجل
حتسني أوضاع منتجاهتا الزراعية ومحاية ثرواهتا السمكية من مثيالهتا األوروبية ،دون أن تتطرق املافاوضات ألي شروط
أخرى ذات طابع سياسي أو ثقايف كما هو جار مع تركيا.
21
نظريات التكامل واالندماج
أما بالنسبة لدول أوروبا الشرقية فقد طرحت دول االحتاد األورويب معايري أخرى ذات طابع اقتصادي أساسا لدمج هذه
الدول داخل االحتاد من خالل ما عرف بربنامج املشاركة مع بلدان أوروبا الوسطي والشرقية ،والذي ضم بلغاريا واجملر
وبولندا ومجهورية التشيك ورومانيا وسلوفاكيا ،إضافة إىل بلدان البلطيق الثالثة وسلوفنيا ومالطا وقربص .ويف املقابل،
رفضت دول االحتاد األورويب يف قمة سالونيك يف 23يونيو ،2003حتديد جدول زمين النضمام ألبانيا وكرواتيا والبوسنة
واهلرسك ومقدونيا وصربيا ،مؤكدة على أن اجلدول الزمين احملدد هو مدى التزام هذه الدول باإلصالحات السياسية
واالقتصادية املطلوبة منها.
وتظل مرونة املعايري اليت وضعها االحتاد األورويب سببا رئيسيا وراء جناح سياسته االندماجية ،وجناحه يف ضم عشرة بلدان
أوروبية يف عام ،2004حيث فرض عليها واجبات ومستوى معينا من التطور االقتصادي والدميقراطي واالجتماعي ،ولكنه
أيضا ال حيرمها من احلقوق ،ومن تلقي املساعدات والدعم من أجل توسيع البيت األورويب الكبري .فقد طبق االحتاد
األورويب إسرتاتيجية املستويات املتعددة ،اليت ميزت بني الدول األوروبية املرشحة لالنضمام إىل االحتاد ،وبني دول جنوب
املتوسط املرشحة للشراكة معه ،وبالتايل ،أو بالنتيجة ،ميزت بشكل واضح بني االرتباط بالقيمة العليا اليت تتضمن املعايري
والشروط األقصى يف االندماج داخل االحتاد األورويب وفق املعايري األوروبية ـ باملعين الثقايف واالقتصادي والسياسي ـ واليت
جيب االلتزام هبا من أجل االنضمام إىل عضوية االحتاد كما حدث بالنسبة لبلدان وسط وشرق وجنوب أوروبا ،واالرتباط
من خالل املستوي األدىن والذي يضم البلدان املرشحة للشراكة مع أوروبا يف جنوب املتوسط.
شكل سقوط حائط برلني يف عام 1989منعطافا فاصال بني مرحلتني حامستني يف تاريخ تطور القارة األوروبية ،حيث انتقل
مشروع الوحدة األوروبية من أجواء احلرب الباردة يف ظل نظام القطبية الثنائية ،إىل أجواء النظام العاملي اجلديد الذي
يهيمن عليه القطب األمريكي الواحد .هذا االنتقال عكس أيضا انتقاال موازيا يف مافردات النظام العاملي ويف شكل
الصراعات الدولية ،من عامل الصراع األيديولوجي بني حتميات املاركسية وبارمجاتية الرأمسالية إىل عامل حياول أن يكون
واحدا ،وحياول أيضا طرح خطاب واحد يؤكد على الدميقراطية واحرتام حقوق اإلنسان يف مشال العامل وجنوبه ،وهو ما
يعكس أمهية جتربة الوحدة األوروبية اليت شهدت منذ النصف الثاين من هذا القرن حتولني رئيسيني عربا يف احلقيقة عن
ديناميكية التجربة وحيويتها:
22
نظريات التكامل واالندماج
األول :تعلق بنشأة جتربة االحتاد األورويب يف أعقاب احلرب العالية الثانية ،يف ظل أجواء احلرب الباردة اليت فرضها النظام
الدويل ثنائي القطبية .ويالحظ هنا أن التجربة األوروبية قد حافظت علي وجودها وتأثريها طوال تلك الافرتة ،بل جنحت
يف استقطاب دول أوروبية جديدة ،حيث ارتافعت عضوية اجلماعة من ست دول إىل تسع دول.
الثاين :تعلق بقدرة البلدان األوروبية علي التكيف مع التحوالت اليت شهدها العامل منذ احلرب الباردة وحىت بزوغ النظام
العاملي اجلديد بقيادة الواليات املتحدة ،فاالحتاد األورويب كان هو املشروع األبرز يف الكرة األرضية الذي صمد يف وجه
التحوالت اليت شهدها العامل يف العقد األخري ،وجنح ليس فقط يف االستمرار والتكيف معها وإمنا أيضا يف التأثري فيها
واالنتقال السلس من التافاعل مع نظام القطبية الثنائية إىل نظام متعدد األقطاب يهيمن عليه القطب األمريكي.
وإذا كان من املؤكد أن بناء أوروبا ما بعد احلرب العاملية الثانية قد مت يف ظل غطاء ودعم أمريكي واضح ،بدءا من مشروع
مارشال األمريكي ( )1952 -1948إلعادة بناء أوروبا اقتصاديا ،والذي أدى إىل ميالد املنظمة األوروبية للــتعاون
االقتصــادي يف 16أبريل ،1948مث قيام الواليات املتحدة بتسليح أملانيا الغـربية تسليـحا حمدودا فـي أعقاب احلرب الكــورية
( ،)1953-1950إال أنه من الصعب القول إن هذا الدعم قد استمر بعد ظهور اجلماعة األوروبية منذ عام ،1957أو يف
ظل جتربة االحتاد األورويب بعد عام .1995وجاءت احملاولة الدجيولية يف فرنسا من أجل االستقالل األورويب عن هذا
الغطاء ،لتساهم يف جعل مشروع الوحدة األوروبية حيمل نغمات خاصة حىت لو ظل يف إطار اللحن األمريكي .كما
حاولت أوروبا أن تبين صيغة ثالثة تتجاوز هبا هيمنة القطب األمريكي والسوفييت علي السواء ،لتتواكب مع ما جرى يف
كثري من بقاع العامل.
رغم أن جتربة اجلماعة األوروبية مل تكن يف أي مرحلة من مراحلها جتربة اشرتاكية ،كما أهنا مل تتنب قضايا العامل الثالث
بشكل كامل وكلي ،ومل تصل يف حتافظ معظم أقطارها علي بعض السياسات األمريكية يف العامل -يف فيتنام والشرق
األوسط ـ إىل حد التحالف مع القطب السوفييت ،إال أن هذا مل حيل دون أن تكون جممل السياسات األوروبية أكثر
انافتاحا على بعض قضايا اجلنوب ويف قلبه العامل العريب ،من سياسات القطب األمريكي.
فتحت كل حمطة يف مسرية الوحدة األوروبية الطريق أمام حمطة جديدة أكثر تقدما من سابقتها ،بصورة جعلت مشروع
الوحدة األوروبية نتاج عملية تافاعلية بني أفكار كل مرحلة والواقع السياسي احمليط ،حبيث يصعب القول إن هذه الوحدة
نزلت من السماء مبعاهدات هنائية بني الدول األوروبية تافرض عليها التوحد االقتصادي والسياسي والدفاعي .ومتثلت
23
نظريات التكامل واالندماج
االتافاقية أو احملطة األويل يف طرح فكرة السوق االقتصادية املشرتكة اليت كانت بدورها نتاجا لتافاعالت بسيطة سابقة
متثلت يف إقامة شركات الافحم والصلب .وضمت السوق يف البداية ست دول ارتافعت إىل تسع ،مث توسعت مرة أخرى
لتصل إىل 12دولة عرفت باسم اجلماعة األوروبية .وكانت احملطة الثانية هي توقيع اتافاقية ماسرتخيت للوحدة األوروبية يف
عام ،1992واليت سبقها اتافاق آخر مثل التمهيد احلقيقي التافاقية الوحدة األوروبية ُوقع يف يوليو 1987وعرف باسم اتافاقية
األداء األورويب املوحد ،وهو االتافاق الذي محل كثريا من األفكار اليت سامهت يف تقبل الدول األوروبية التافاقية
ماسرتخيت.
وقد مثلت اتافاقية ماسرتخيت األساس الثاين يف مسرية الوحدة األوروبية حيث نصت على إلغاء احلدود بني الدول
األوروبية ورفع القيود اجلمركية ،والبدء يف مسرية تطبيق نظام العملة املوحدة اليورو ،ووضع أسس لنظام قانوين وتعليمي
وأمين متشابه حتكمه معايري واحدة .إضافة إىل البدء يف التوجه القائم على االعرتاف باملواطن األورويب ،كافرد يتجاوز
قوانني كل دولة على حدة ،وعلى حرية التنقل والعمل يف كل بلدان االحتاد األورويب .كما مهدت تلك االتافاقية للمحطة
الثالثة املتمثلة يف صياغة دستور أورويب ،وتطوير نظام التصويت داخل املافوضية األوروبية ،والبدء يف معاجلة الثغرتني
الكبريتني اللتني أبرزهتما بشكل واضح حرب اخلليج ومها احلاجة إىل تطوير سياسة خارجية ودفاعية أوروبية واحدة ،وذلك
على طريق إقامة وحدة فيدرالية بني معظم دول االحتاد .وقد وقعت دول االحتاد على معاهدتني جديدتني عمقتا ما جاء
يف اتافاقية ماسرتخيت للوحدة األوروبية ،ومها معاهدة أمسرتدام يف 17يونيو ،1997ومعاهدة نيس يف ديسمرب ،2000
حيث اتضح فيهما حرص دول االحتاد على تطوير البناء األورويب من الداخل من أجل تافعيل سياساته يف اخلارج على
طريق بناء كيان أورويب موحد.
إن من ابرز مظاهر العوملة اليوم ،هو تصاعد وتنامي الوزن السياسي واالقتصادي واملايل واجليوإسرتاتيجي للتجمعات
اإلقليمية واليت أصبحت مبثابة أقطاب منو وتنمية بشرية زائدة ،ومن جهة أخرى شكلت السياسات التنموية أبرز
خصائص البلدان النامية غداة مرحلة التحرر السياسي ،ومن ضمنها الدول املغاربية اليت تزايدت حوهلا التأثريات اليت
تافرزها اإلندماجات املتسارعة لالقتصاديات املتطورة يف جماالت أصبحت بدورها عوامل ستزرع سريورة االندماج،
كتكنولوجيا املعلومات وأمتتة األنشطة الصناعية والتداخل القوي لرؤوس األموال على نطاق عاملي ،ونتيجة لذلك أصبح
االحتاد حتديا حقيقيا للدول املغاربية ،لضمان سيادهتا االقتصادية ،وهو ما جتسد جتربة احتاد املغرب العريب يف كافرصة
لتقوية وتعزيز مكانة الدول املغاربية ،وتثبيت وتأكيد سيادهتا االقتصادية على نطاق إقليمي كجواب للعوملة
24
نظريات التكامل واالندماج
البناء المغاربي
لقد كانت ندوة طنجة 1958باملغرب أول بادرة جتمع من حوهلا اتافاق زعماء الدول املغاربية الثالث آنذاك :املغرب،
اجلزائر وتونس ،إلرساء أسس البناء املغريب ،وهو احللم الذي يراود لقرون أبناء هذه املنطقة وهي بادرة تزامنت مع أوىل
االتافاقيات واملعاهدات األوروبية ،وهي معاهدة روما يف 1957واليت تعد اخلطوة األوىل يف طريق االندماج مث مت أول لقاء
بني زعماء الدول املغاربية اخلمس ( ليبيا ،تونس ،اجلزائر ،املغرب ،موريتانيا ) يف زرالدة باجلزائر يف 12جوان ، 1988
لالتافاق على مشروع مراكش والذي عرف فيما بعد باتافاقية مراكش (املغرب) .واليت مت توقيعها يف 17فيافري 1989وقام
جملس الرئاسة املغاريب ( وهو أعلى هيئة يف مؤسسات اإلحتاد ) يف أول لقائه يف جويلية 1990بوضع التوجهات الكربى
إلسرتاتيجية إقليمية ،تتمحور أهدافها حول :حتقيق األمن الغذائي املغاريب وترقية املوارد البشرية والطبيعية والتعجيل بتطبيق
برامج تكثيف املبادالت مع وضع سياسات مشرتكة يف كل امليادين .وأوصى جملس الرئاسة بالشروع يف حتقيق األهداف
املسطرة ابتداء من سنة 1992وفق املراحل األربعة التالية:
.مث الوصول إىل إرساء احتاد اقتصادي آخر وأمسى مرحلة يبلغها احتاد املغرب العريب.
وسبق ذلك حماوالت للتقارب االقتصادي بني أقطار املغرب العريب كان أشهرها قرار حترير املبادرات بني دوله بني سنوات
1964و ، 1970غري أهنا آلت إىل الافشل .
ودول احتاد املغرب العريب تتمتع مبوقع جيوسياسي على غاية من األمهية إلشرافه على الضافة اجلنوبية للمتوسط وكذا
إشرافه على قسم كبري من احمليط األطلسي ،وصلته بالشرق األوسط وقربه من أكرب سوق يف العامل واملتمثل يف االحتاد
األورويب ،وهو ميتد على مساحة تقارب 6ماليني كم ، 2وعدد سكانه يناهز 75مليون نسمة ،وحيقق ناتج حملي خام
( باستثناء ليبيا ) وصل سنة 1998إىل 105مليار دوالر 53 .وقد أبرم االحتاد منذ تأسيسه 37معاهدة واتافاقية أوهلا وقعت
يف 23جويلية 1990وآخرها يف 24أفريل ، 1994قبل قرار جتميد مؤسسات وهياكل االحتاد سنة ، 1995على إثر
اخلالف الذي تافاقم بني املغرب واجلزائر .
25
نظريات التكامل واالندماج
وتتميز اقتصاديات دول االحتاد بالتنافس النسيب من حيث طبيعتها اهليكلية ،بسبب االختالف يف التوجهات االقتصادية
والسياسية التنموية اليت اعتمدهتا كل دولة عند االستقالل ،وخاصة يف مرحلة الستينات و السبعينات .فافي الوقت الذي
طور كل من املغرب وتونس سياسات تعتمد على االنافتاح االقتصادي ،يستأثر فيها قطاعي الزراعة والسياحة مكانة
مرموقة ضمن األولويات،
اعتمدت كل من اجلزائر وليبيا على إسرتاتيجيات اقتصادية معتمدة ذاتيا ،بإقامة صناعات كثيافة رأس املال كان الافضل
للعائدات النافطية يف متويلها ،إال أن هذا التنافر بدأ خيف ابتداء من النصف الثاين من عقد الثمانينات بافعل سياسات
التصحيح اهليكلي الذي بدأت ختضع هلا جل اقتصاديات االحتاد ،بدءا باملغرب سنة ، 1983مث تونس سنة 1987وأخريا
اجلزائر سنة 1994وقد استهدفت برامج التصحيح اهليكلي ،مجلة من الغايات من أمهها
*إعادة االعتبار للتوازنات املالية الداخلية و اخلارجية من خالل التخافيض يف برامج الدعم و اإلنافاق احلكومي .
* تنشيط عملية خصخصة األنشطة اإلقتصادية ،وإعادة النظر يف سياسات الصرف .
* حترير أنشطة التجارة اخلارجية ،وإدماج سياساهتا وطرائق عملها ضمن قواعد عمل املنظومة الدولية للمبادالت ،وفق ما
تنص عليه قواعد عمل املنظمة العاملية للتجارة ،وحققت هذه الربامج أثرا إجيابيا على اقتصاديات الدول املغاربية ( اجلزائر،
تونس ،املغرب ،موريتانيا) متثل يف تقريب أوضاعها االقتصادية ،كما وجدت دول االحتاد نافسها تواجه بعض املشاكل
املتشاهبة وهو األمر الذي قد يشكل عامال موضوعيا آخر للتقارب وتنسيق السياسات االقتصادية واملالية والتجارية ،مبا
يستجيب ملقتضيات التقارب فيما بني هذه االقتصاديات .
يبقى جناح بناء احتاد املغرب العريب رهنا بثالثة أنساق متداخلة ومتافاعلة يف آن واحد وهي :
– 1مقتضى الضرورات واملربرات الذاتية إلقامة االحتاد كأسلوب لزيادة الكافاءة االقتصادية لدولة والسماح هلا باالستافادة
من املزايا املتوفرة يف كل منها .
– 2التحدي الذي ترفعه أوروبا املوحدة يف وجه دول اإلحتاد من خالل إقامة منطقة تبادل حر أورو-متوسطية يف أفق
2010ووفق ما تنص عليه قواعد املنظمة العاملية للتجارة يف جمال التافكيك الكامل للحواجز اجلمركية وغري اجلمركية أمام
حركة السلع واخلدمات .
26
نظريات التكامل واالندماج
– 3منطق العوملة وتأثرياته األكيدة على عمل األنظمة اإلقتصادية عرب التدخالت املتزايدة للهيئات واملؤسسات الدولية
كصندوق النقد الدويل ،والبنك العاملي ،واملنظمة العاملية للتجارة وكذلك الشركات املتعددة اجلنسيات والنافوذ الذي تتمتع
به داخل هذه املؤسسات ،من خالل فرضها للمقاييس واملعايري على أساليب إدارة االقتصاد.
هذا ويبقى جناح االحتاد أيضا مرهونا بضرورة التصدي للمعظالت الرئيسية اليت تعاين منها االقتصاديات املغاربية
كاالختالفات الافاحشة يف مستويات املعيشة ،مما اجنر عنه بروز ظاهرة العجز الغذائي كظاهرة مزمنة ،نتيجة للعجز
اهليكلي يف اإلنتاج الزراعي فقد جتاوزت فاتورة الغذاء لدول االحتاد سنة 2014مثان مليارات دوالر
ميكننا القول أن التكتل االقتصادي اآلسيوي الزال يف طور التكوين ،أي أن هناك تطورا وتغريا مستمرا يف هذا االجتاه،
وخاصة يف ظل تزايد معدالت النمو االقتصادي يف دول جنوب شرق آسيا على وجه التحديد وتصاعد مسامهتها يف
التجارة الدولية ،ورغبة هذه الدول اآلسيوية يف محاية نافسها من موجة احلمائية املباشرة سواء من جانب اليابان أو من
جانب النمور اآلسيوية أو أكثر االقتصاديات ديناميكية ،الصاعدة والناهضة ،أو ما يسمى بالدول الصناعية اجلديدة
وفقا لتصنيف منظمة التعاون االقتصادي والتنمية ،باإلضافة إىل العمالق النائم وهو الصني ،حيث حققت هذه الدول
معدالت منو تعدت يف كثري من األحيان % 10سنويا ،نقلتها إىل مشارف البلدان الصناعية املتقدمة ،وجنحت عن طريق
اهلندسة العكسية ،واالقتباس يف تطوير تكنولوجيا تناسب إمكانياهتا وظروفها ،فأكسبتها قدرة تنافسية متزايدة ونصيبا
مالئما من السوق العاملي .ورغبة من هذه النمور اآلسيوية يف محاية نافسها من موجة احلمائية املباشرة باستخدام القيود
الكمية من طرف الواليات املتحدة األمريكية وأوربا ،أو احلمائية غري املباشرة الناجتة عن قيام التكتل االقتصادي ألمريكا
الشمالية والتكتل االقتصادي األورويب ،ونتيجة هلذه التغريات يف االقتصاد العاملي اجلديد بادرت بعض دول اجلنوب شرق
آسيا بإقامة تكتل اقتصادي آسيوي كإسرتاتيجية دفاعية حبتة.
وقد أنشئت هذه الرابطة كنوع من احللف السياسي عام ، 1967ملواجهة الشيوعية اليت كانت آنذاك منتشرة يف دول
جنوب شرق أسيا خاصة فيتنام ،كمبوديا ،الوس ،وبورما .ويتكون تكتل اآلسيان من ستة دول هي تايالند وسنغافورة
وماليزيا وبر وناي وإندونيسيا والافليبني ،وانضمت الافيتنام إىل هذا التكتل يف 28جويلية 1995ولقد ركزت هذه الرابطة
يف البداية على التنسيق السياسي مث بدأت تركز على التعاون االقتصادي بني الدول األعضاء،وكان اهلدف الرئيسي من
إنشائها اإلسراع باخلطط القومية للتنمية داخل التكتل ،وجتدر اإلشارة إىل أن جمموعة اآلسيان مل تكن منطقة جتارة
تافضيلية يف البداية وأنشئت اتافاقية التجارة التافضيلية عام 1977أي بعد 10سنوات من إنشاء اآلسيان تقريبا .وقد أرسى
27
نظريات التكامل واالندماج
هذا التكتل االقتصادي خطوة هامة على طريق تأسيس جبهة منظمة مضادة للواليات املتحدة األمريكية بالرغم من بقاء
النمو حمدودا .فالتجارة مل تتجاوز %2يف 1985وهناك العديد من األسباب وراء عدم جناح هذه االتافاقية كعدم وجود
رغبة حقيقية من جانب متخذي القرار .
املالحظ أن دول هذه الرابطة بدأت تتجه يف ما بعد حنو تعميق جماالت التعاون االقتصادي فيما بينها وزيادة التبادل
التجاري .ويف عام 1991ظهرت فكرة إنشاء منطقة التجارة احلرة يف دول آسيا باقرتاح من رئيس وزراء تايالند ،ومت
االتافاق على تنافيذ هذه االتافاقية يف ، 1992وهتدف منطقة التجارة احلرة خالل 15سنة -إىل ختافيض التعريافة اجلمركية
على التجارة البينية يف حدود %05
ابتداء من جانافي ، 1993مت االتافاق على إتباع أسلوب موحد للتعريافة اجلمركية التافضيلية ويقوم هذا FAST TRACK
األسلوب على تقسيم املنتجات إىل نوعني :النوع األول وهو ما يسمى بالنوع السريع أما النوع الثاين يكون ختافيض
احلدود فيه بسرعة أقل من سابقه
ويالحظ أن تكتل رابطة جنوب شرق أسيا يتزايد دوره يف التجارة العاملية بشكل مطرد بدليل .أنه بعد أن كانت صادراته
متثل حوايل % 3,1من إمجايل الصادرات العاملية عام 1987وحوايل % 11,3من إمجايل صادرات الدول النامية ،فقد
وصلت هذه الصادرات إىل حوايل 5,2%من إمجايل الصادرات يف العامل ،وحوايل % 16,8من إمجايل صادرات الدول
النامية يف . 1994باإلضافة إىل أن رابطة جنوب شرق آسيا كان هلا وضع مميز يف مافاوضات اجلات مما زادها قدرة على
املساومة اجلماعية والتافاوض.
التكتل االقتصادي ألمريكا الشمالية North American Free Tradeخيتلف عن التكتل االقتصادي األورويب ،من
حيث أنه يقف عند مرحلة إقامة منطقة جتارة حرة دون أن يتعداها إيل إقامة إحتاد مجركي أو سوق مشرتكة ويضم التكتل
االقتصادي ألمريكا الشمالية و الواليات املتحدة األمريكية ،وكندا واملكسيك وهي دول متباينة اقتصاديُا وإجتماعيا وهو
مافتوح لباقي الدول االمريكيه مبا يف ذلك بعض دول أمريكا الالتينية .وقد بدأ سريان اتافاقية النافتا يف أول جانافي 1994
،وتشمل ضمن ما تشمله إلغاء الرسوم اجلمركية بني هذه الدول لنمو تسعة آالف سلعة خالل 15عام .كما تتم معاملة
مستثمرين اجملموعة نافس املعاملة اليت تتم مع املستثمرين احملليني ,ويتم فرض عقوبات جتارية إذا فشلت أي دولة يف تطبيق
قواعد ولوائح تأمني العمال ,كما تتضمن االتافاقية حترير جتارة ( اخلدمات.
28
نظريات التكامل واالندماج
ويعترب هذا التكتل من أكرب التكتالت االقتصادية يف العامل بعد االحتاد األورويب من ناحية احلجم و اإلمكانيات دخل
قومي 6770مليار دوالر ,وجتارة خارجية 1017مليار دوالر ,وعدد السكان 368مليون نسمة يف عام 1991م وتشري
الكثري من التوقعات و الدراسات حول املزايا ومدي االستافادة اليت ميكن أن تعود من قيام التكتل االقتصادي ألمريكا
الشمالية ,أي أن هذا التكتل سيؤدي إيل زيادة 6.1 - 5.8.مليار دوالر يف الواليات املتحدة ,و 2.2مليار دوالر يف
املكسيك 2.8 ,مليار دوالر يف كندا.
جماعة التعاون االقتصادي آلسيا الباسيفيكية APEC:وتتكون هذه اجلماعة من 12دولة وهي اليابان وأسرتاليا
والواليات املتحدة وكندا ونيوزلندة وكوريا اجلنوبية ودول األسيان .وتقرتب فكرة هذه اجلماعة من النادي االقتصادي
(املنتدى) الذي يتم التشاور فيه حول مسائل التجارة الدولية وتنسيق السياسة االقتصادية الكلية بدون التزام مقنن مسبق
فيما بينهما .وقد برز اجتاه حتويل هذا املنتدى على نوع من التجمع االقتصادي عام 1989م .كرد فعل مباشر ملشروع
أوربا املوحدة .وقد مت حبث األسس اليت ميكن أن يقوم عليها بدعوة من رئيس الوزراء االسرتايل يف التجمع االقتصادي
لألبيك 1991م وقد القت ترحيبا واهتماما كبريا من اليابان وبالافعل يف عام 1991مت عقد اجتماع لوزراء اقتصاد الدول
لبحث اقرتاح أسرتاليا إلنشاء جتمع APECاألثىن عشر يف املنتدى االقتصادي اقتصادي تكون له سكرتارية دائمة .كما
عقد مؤمتر يف مدينة أوساكا عام 1995م ،مت فيه وضع أهداف هذا التكتل االقتصادي ،حيث حتددت األهداف
األساسية له يف ضرورة حتديد التجارة بني الدول األعضاء وحترير االستثمار وزيادة حرية تنقل رؤوس األموال بينهما
والتعاون املشرتك يف اجملال التكنولوجي وتدريب األفراد .والعمالة
التكتالت االقتصادية في أمريكا الالتينية :شهدت قارة أمريكا الالتينية عدد من صور التجمعات االقتصادية اإلقليمية،
ذات األوزان الضعيافة األثر على االقتصاد العاملي اجلديد ،ولكن مل حتقق هذه التجارب أهدافها املخططة واليت تركزت
أساسا يف حترير التجارة للوصول إىل سوق مشرتكة ،ومل يتحقق أي جناح يف تعميق فرص التعاون والتكامل بأشكال
متطورة بني الدول بعضها البعض يف تلك االتافاقيات ،بل األدهى من ذلك ،أن كثريا من الدول قررت االنسحاب من
تلك االتافاقيات ،وفيما يلي نتعرض باختصار لبعض صور التعاون اإلقليمي يف أمريكا الالتينية
أوال السوق المشترك ألمريكا الوسطى :وتتكون من كوستاريكا والسلافادور ،وجواتيماال وهنداروس ونيكاراجوا وكانت
هتدف إىل إقامة منطقة جتارة حرة ،مث احتاد مجركي ،مع حماولة الوصول لتكوين سوق LAFTAإىل وحدة مع رابطة
أمريكيا الالتينية للتجارة احلرة مشرتكة ىف أمريكا الالتينية ىف عام 1985م ،غري أن كل هذه األهداف توقافت فقط عند
مرحلة إقامة منطقة التجارة احلرة
29
نظريات التكامل واالندماج
ثانيًا رابطة أمريكا الالتينية للتجارة الحرة )LAFTA(:تتكون من األرجنتني ,بوليافيا,الربازيل ,شيلى ,كولومبيا ,إكوادور,
املكسيك ,باراجواى ,بريو ,اوروجواى ,فنزويال,وكانت هتدف اىل قيام منطقة جتارة حرة ,وحماولة الوصول اىل وحدة مع
السوق املشرتكة ألمريكا الوسطى .ولكن هذه األهداف مل تتحقق
ثالثًا مجموعة األندين ANDEAN:تتكون من بوليافيا ،كولومبيا ،أكوادور ،بريو ،وفنزويال ،وكانت هتدف إىل متويل
املشروعات الصناعية ،واإلسراع بالتكامل االقتصادي اإلقليمي فيما بينهما للوصول إىل احتاد مجركي ،ويف عام 1968م
اتافق على تكوين السوق املشرتكة لدول ميثاق كارتيجنا اليت أنشأت ما يعرف باسم جمموعة األندين ،غري أن فنزويال مل
تنضم إىل هذه السوق وقد أظهرت جمموعة األندين بعض النجاح واإلجنازات ،اليت تؤكد أمكانية اجياد مدخل إقليمي
للتكتل االقتصادي األكثر مالئمة لظروف الدول النامية.
ابعا منطقة الكاريبي للتجارة الحرة :وتتكون من أنتيجوا ،بارباروس ،جيانا ،ترينداد ،توباكو ،مجايكا ،جزر وارد ،جزر
رً
وندوارد ,وهتدف إىل إنشاء منطقة جتارة حرة
30