Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 30

‫محاضرات مقياس نظريات التكامل واالندماج ‪ -‬سنة ثالثة عالقات دولية ‪-‬‬

‫مقدمة‬

‫برزت احلاجة امللحة إىل تضافر العمل اجلماعي للدول و اجملتمعات و هذا بغرض احلافا على مكانتها نظرا لصغر‬
‫مساحتها او ضعافها االقتصادى او العسكري ‪ ،‬يف ظل وجود هتديدات أمنية حتيق هبا‪ .‬وبالتايل‪ ،‬بات مافهوم التكامل‬
‫هلذه الدول أمرا ملحا أكثر من أي وقت مضى‪ .‬وقد خضع مافهوم التكامل إىل نقاش وحبث على نطاق واسع منذ فرتة‬
‫ما بعد احلرب العاملية الثانية‪ .‬وخالل العقدين األخريين بعد عام ‪ 1945‬انقسم النقاش عن التكامل ضمن موضوع‬
‫العالقات الدولية إىل مدرستني أو نظريتني متقابلتني مها‪ :‬النظرية الواقعية والنظرية التكاملية‪ .‬حيث تنادي األوىل بأنه جيب‬
‫أن تركز دراسة العالقات الدولية على الدولة أو الدول القومية‪ ،‬ألهنا اجلهة الافاعلة املؤثرة‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬يؤمن دعاة‬
‫النظرية التكاملية بأن الدولة تستطيع أن حتقق أهدافا خمتلافة على املستوى الدويل من خالل التكامل وبالتايل‪ ،‬فإن الدولة‬
‫ليست اجلهة الافاعلة الوحيدة يف العالقات الدولية‪.‬‬

‫تعريف مفهوم التكامل‪.‬‬

‫‪ .‬التكامل لغة ‪- :‬‬

‫في اللغة اإلنجليزية‪. :‬‬

‫إذا حاولنا تأصيل مافهوم التكامل ‪ Integrate‬من الناحية اللغوية ميكن القول أن األصل الالتيين للكلمة هو ‪integrates‬‬
‫مبعين التكميل أو التمام أو الكل التام‪ .‬وهذا األصل الالتيين مشتق من الافعل الالتيين‪ integer‬الذي يعين الشئ املرتاكب‬
‫عضويا يف كل ال يتجزأ‪ ,‬مثل ما يسمي يف لغة الرياضيات الواحد الصحيح لذلك ذهب البعض إيل تافضيل استخدام‬
‫التالية ‪--‬‬ ‫مصطلح االندماج بد ال من مصطلح التكامل‪ ( .‬اما يف القواميس اإلجنليزية فإهنا تعطي كلمة‪ integration‬املعاين‬
‫جتميع أو توحيد األجزاء يف كل‪ .‬جيمع أو يكمل لتكوين كل أو وحدة أكرب و هي ‪ -‬عملية ربط األجزاء املتحصلة‬
‫وجتميعها‪ ,‬لتكون كل متكامل‬

‫في اللغة العربية‪:‬‬

‫و يف القواميس العربية يرد املافهوم مبعين مماثل‪ ,‬فافي القاموس العصري يعين تكميل و تتميم و يف املورد يعين توحيد‪ ,‬و يف‬
‫املصباح املنري يعين يقال كمل الشئ إذا متت أجزاؤه و كملت حماسنه ‪.‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫كما يعرف ‪ Balassa‬التكامل على أنه‪" :‬عملية وحالة "‪ ،‬فبوصافه عملية تتضمن التدابري‪ .‬واإلجراءات اليت هتدف إىل‬
‫إلغاء وإزالة احلواجز اجلمركية بني الوحدات االقتصادية املنتمية إىل الدول املختلافة اليت تسعى إىل حتقيق التكامل فيما‬
‫بينهم أما بوصافه حالة‪ :‬أي أن الدول املعنية هبذا التكامل قد وصلت إىل نوع من التوازن االقتصادي الذي تغيب فيه كل‬
‫من األشكال املختلافة للتمييز‪ .‬والتافرقة بني االقتصاديات الوطنية‬

‫أما التكامل السياسي عند كارل دويتش‪" :‬فهو الواقع او احلالة اليت متتلك فيها مجاعة معينة تعيش ىف منطقة معينة شعورا‬
‫كافيا باجلماعية ومتاثال ىف هذه اجلماعة من التطور بشكل سلمي"‪ .‬وهو ضم ممثلني سياسيني أو وحدات سياسية من‬
‫قبيل األفراد أو اجلماعات أو اهليئات البلدية أو األقاليم أو البالد‪ ،‬وذلك من ناحية سلوكهم السياسي ‪.‬ويف السياسة‬
‫يكون التكامل عالقة يتبدل فيها سلوك أمثال هؤالء املمثلني السياسيني أو الوحدات أو املكونات ‪ .‬ويتكون جمال‬
‫التكامل من شعوب املناطق اجلغرافية اليت تتم هذه ‪ .‬العملية بينها ‪ ،‬ونطاقه جمموع نواحي السلوك املختلافة اليت تنطبق‬
‫عليها هذه العالقة املتكاملة وجند ىف هذا التعريف ان التكامل هو حالة حيل فيها االفراد داخل اجملتمع الواحد خالفاهتم‬
‫بطرق سلمية بدال من اللجوء إيل العنف‬

‫ووفقا لـ هاس‪ ،‬يعرف التكامل على أنه عملية‪'' ،‬حيث يتم إقناع اجلهات الافاعلة السياسية يف العديد من البيئات الوطنية‬
‫احملددة لتحويل والءاهتم وتوقعاهتم وأنشطتهم السياسية حنو مركز جديد‪ ،‬متتلك مؤسساته أو حتتاج والية عامة على الدول‬
‫الوطنية املوجودة من قبل‪ .‬ويقول هاس إنه خالل عملية التكامل يتم حتقيق مصاحل اجلهات الافاعلة من خالل عملية‬
‫تعددية‪ .‬وإضافة إىل جهود الباحثني املذكورين أعاله‪ ،‬فقد اقرتح جوزيف ناي تعريافا آخر للتكامل‪ .‬ويستند هنجه على‬
‫جتزئة فكرة أو مافهوم التكامل إىل أجزاء قابلة للقياس‪ .‬وهذه األجزاء هي عمليات تكامل اقتصادية واجتماعية وسياسية‬
‫تؤدي إىل تأسيس اقتصادات وجمتمعات عرب وطنية وترابط سياسي‬

‫وعرف ليون ليندبرغ ىف دراسة له عن السوق األوروبية املشرتكة بان التكامل هو‪" :‬العملية اليت جتد الدول نافسها راغبة‬
‫او عاجزة عن إدارة شؤوهنا اخلارجية او شؤوهنا الداخلية الرئيسية باستقاللية عن بعضها البعض ‪ .‬وتسعي الختاذ قرارات‬
‫مشرتكة او تافويض امرها ملؤسسة جديدة منظمة دولية مثال ‪ ،‬او هي العملية اليت تقتنع من خالهلا جمموعةمن اجملتمعات‬
‫السياسية بتحويل نشاطها السياسي إيل مركز جديد "‪.‬ورغم ان التجربة األوروبية هي التجربة األكثر جناحا عند احلديث‬
‫عن ظاهرة التكامل ‪ ،‬اال اهنا تعاين من خوف بعض الدول األوروبية من فقدان هويتها‪ ،‬والتناقص ىف املصاحل ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫ويري فيلب جاكوب وهو باحث امريكي ‪ " :‬ان التكامل السياسي يتضمن بشكل عام احساسا باجلماعية بني افراد‬
‫الشعب ىف كيان سياسي واحد " وخيتلف التكامل الدويل عن التنظيم الدويل ‪ ،‬حيث يعمل التنظيم الدويل على خلق‬
‫واجياد مؤسسات دولية ( تتحرك بني الدول ‪ ،‬ىف حني يضع التكامل الدويل مثل تلك املؤسسات فوق الدولة القومية ‪.‬‬
‫أما اتزنوين ينظر للتكامل من زاوية انه يعترب اجملتمع متكامال اذا كان هذا اجملتمع ميتلك سيطرة فعالة ىف استخدام أدوات‬
‫العنف واإلكراه ‪ ،‬حيث يكون هلذا اجملتمع مركز الختاذ القرار يقوم بدور توزيع " الثواب والعقاب " داخل اجملتمع وميكن‬
‫من خالله حتديد اهلوية السياسية للشعب ‪.‬‬

‫أما الدكتور عبد الغين محاد فيعترب أن التكامل هو‪ " :‬مجع ما ليس موحدا يف إطار عالقة تبادلية تقوم على التنسيق‬
‫الطوعي واإلرادي هبدف توحيد أمناط معينة من السياسات االقتصادية بني جمموعة من الدول جتمعها مميزات حمددة‪،‬‬
‫تستهدف املنافعة املشرتكة من خالل إجياد سلسلة من العالقات التافاضلية ‪ .2‬كما يضيف أن أطراف التكامل يف سبيل‬
‫جتسيد مسارها تستخدم جمموعة من اآلليات‪ .‬لتحقيق أهدافه‬

‫بعض المفاهيم المتقاربة‬

‫اتحاد الدول ‪ l’union d’état :‬يشهد تاريخ العالقات الدولية ارتباط الدول بأنواع متعددة من االحتادات اليت أنشأت‬
‫مبوجب االتافاقيات بني دولتني أو أكثر م اتافق عليه ومدى االندماج الذي يسمح به وتتدرج أنواع االحتادات من االحتاد‬
‫الشخصي ‪ :‬الذي ينشأ بني دولتني أو أكثر حبيث ختضع الدول الداخلة يف االحتاد حلكم شخصي واحد سواء كان ملكا‬
‫أو إمرباطور أو رئيسا للجمهورية أن حتتافظ كل دولة باستقالهلا اخلارجي وبشخصيتها الدولية الكاملة االحتاد الافعلي‪:‬‬
‫الذي يتكون من احتاد دولتني احتادا دائما حتت حكم رئيس واحد وخضوعهما هليئة واحدة مبا يتعلق بشؤوهنا اخلارجية مع‬
‫احتافا كل دولة بإدارة شؤوهنا الداخلية‪ ،‬أما بصدد االحتاد االستقاليل أو ألتعاهدي فينتج نتيجة اتافاق بني دولتني أو‬
‫أكثر يف معاهدة دولية على الدخول يف االحتاد مع احتافا كل دولة باستقالهلا اخلارجي وبقاء نظمها الداخلية دون تغيري‬
‫ويهدف هذا االحتاد إىل حتقيق مصاحل وأغراض مشرتكة وحيوية للدول الداخلة يف االحتاد كضمان أمنها ومحاية سالمتها‪،‬‬
‫أما فيما يتعلق باالحتاد املركزي‪ :‬الذي ينشأ من خالل اندماج عدد من الدول تربز إىل الوجود كدولة مركزية موحدة ممثلة‬
‫جلميع الدول وتضطلع باالختصاص اخلارجي باسم مجيع األعضاء وتتوىل أيضا جانب من االختصاصات الداخلية وال‬
‫يعترب احتاد بني دول مستقلة ومنا هو دولة واحدة تضم عدة دويالت أو واليات ذابت شخصيتها يف الشخصية الدولية‬
‫االحتادية‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫الحل ـ ــف‪ :‬يعرفه قاموس العلوم السياسية بأنه «عالقة تعاقدية بني دولتني أو أكثر يتعهد مبوجبها الافرقاء املعنيون‬
‫باملساعدة املتبادلة يف حالة احلرب» كما أن احللف يعين «االتافاق بني دولتني أو أكثر على تدابري معينة حلماية أعضائه‬
‫من قوة أخرى معينة تبدو مهددة ألمن كل من هؤالء األعضاء»حبيث يكون مربر إلقامة احللف هو ضرورة توفري األمن‬
‫الدفاعي للدول األعضاء واحللف يكون مؤقتا وينشأ غالبا وقت احلرب حيث تتولد مصلحة مشرتكة بني جمموعة من‬
‫الدول تدفعها إىل التحالف وكلما كانت أهداف احللف واضحة وحمددة كلما كانت فرص جناحه أكثر وفرص استمراره‬
‫أكرب ومن أهم احلوافز إلقامة احللف حصول تغيري مافاجئ يف الوضع العسكري‪.‬‬

‫الكتلـ ـ ــة‪ bloc:‬اذا كان قيام احللف قد ارتبط حبالة احلرب فإن قيام الكتلة يرتبط حباليت احلرب و السلم معا فالكتلة هي‪:‬‬
‫عصبة عسكرية واقتصادية وسياسية وإيديولوجية –فكرية‪ -‬تتجه حنو حتقيق التكامل السياسي و االقتصادي واألمن بني‬
‫أعضائها من الدول حتت زعامة دولة رائدة يف الكتلة تكون مبثابة الدولة القطبية املؤثرة يف قيادة وتوجيه سائر الدول‬
‫املنضوية يف الكتلة‪ ،‬ونتيجة تعاظم القوة التدمريية اهلائلة اليت كان ميلكها العامل من القرن العشرين ساهم يف بروز الكتل‬
‫الدولية عرب سياسة سباق التسلح وضرورة احلافا على توازن القوى الدولية لصيانة السلم واألمن الدوليني وتلك سياسة‬
‫معاصرة برزت بعد احلرب العاملية الثانية‪.‬‬

‫الشراك ـ ـ ـ ــة ‪partenariat :‬صيغة مبتكرة للتعاون بني الدول يف جمال العالقات االقتصادية والسياسية ومن مث يصبح مافهوم‬
‫الشراكة صيغة خمتلافة عن تلك النماذج التقليدية للتعاون أو التكامل االقتصادي فال هي جمرد منطقة للتجارة احلرة أو‬
‫لالحتاد اجلمركي أو سوقا مشرتكة أو ما شابه ذلك من أشكال ومستويات التكامل التجاري واالقتصادي اليت تتضمنها‬
‫األدبيات االقتصادية وتطبيقاته العملية املتعارف عليها كما تعترب الشراكة وسيلة حديثة من أجهزة النظام الدويل والدول‬
‫يتم من خالهلا الربط بني الدول بعضها البعض عن طريق إبرام اتافاقيات دولية والتبادل التجاري والثقايف والعلمي وإعطاء‬
‫قروض مالية والقيام باالستثمارات يف شىت اجملاالت‪.‬‬

‫التعـ ـ ـ ـ ــاون‪cooperation :‬هو التافاعل أو العمل العام لتحقيق أهداف مشرتكة وقد يظهر ذلك من خالل تقسيم العمل‬
‫إىل مهام متشاهبة وأخرى متباينة والتعاون مرتبط بعمليات أخرى مناقضة له مثل‪ :‬الصراع و املنافسة ويعرب عن ذلك‬
‫مصطلح «تعاون اخلصوم» والتعاون يعرب عن املوافقة اجلماعية حول فعل مشرتك أو وحدة اجلهود املتماثلة وغري املتماثلة‬
‫من أجل استمرار احلياة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫التنظيم الدولي‪the international organization :‬ظهر اصطالح التنظيم الدويل أول مرة يف فقه القانون الدويل سنة‬
‫‪ 1908‬يف ترمجة ملقال كتب باللغة األملانية ونشرت ترمجته الافرنسية يف اجمللة العامة للقانون الدويل مث داع استعماله من قبل‬
‫فقهاء القانون الدويل األملان‪ .‬ويقصد به اإلطار الذي تشكل داخله اجلماعة الدولية وبالتايل ميكن أن تتبني ما به من‬
‫أوجه النقص والتنظيم الدويل هبذا املعىن يشمل كل مظهر للعالقات الدولية مثل العالقات الدبلوماسية والقنصلية وإبرام‬
‫املعاهدات وعقد املؤمترات الدولية وغري ذلك من األنظمة القانونية األخرى‪.‬‬

‫التنسي ــق‪ :‬حماولة تتضمن التقارب املتواصل لسياسات الدول عن طريق عملية اتصاالت وتشاورات مكثافة يهدف هذا‬
‫الوضع إىل ضمان حتقيق أهداف رئيسية اليت ال ميكن حتقيقها بطريقة منافردة مع وجود أجهزة سابقة وعادة ما يكون‬
‫مؤقت ويأيت ملواجهة أزمة يف الغالب والتنسيق يأيت بعد وجود مؤسسات والتنسيق يكون يف األمور التقنية أي التطبيقية‪.‬‬

‫الجهوي ـ ــة‪ :‬مصطلح مرتبط برقعة جغرافية ممكن أن يكون يف بعض األحيان عامال مهما يف بروز نزاعات الروح الوطنية‬
‫داخل االحتادات أو املنظمات وميكن أن تربز اجلهوية داخل األجهزة املوجودة يف املنظمات‪.‬‬

‫النظام اإلقليمي‪ :‬قدم كثري من النقاد والباحثني تعريافات خمتلافة للنظام اإلقليمي وقد استعمل كل منهم أيضا تسمية‬
‫خمتلافة هلذا النظام ومن هذه التسميات‪ :‬النظام الافرعي‪/‬النظام اإلقليمي الافرعي‪/‬النظام الدويل اجلزئي‪/‬النظام الدويل‬
‫الافرعي‪/‬نظام الدول الافرعي‪ .‬وحاول الكاتبان لويس كانتوري وستيافن سيافل إعطاء تعريف أدق وأمشل «النظام اإلقليمي‬
‫يتكون من دولة أو دولتني أو أكثر متقاربة ومتافاعلة مع بعضها البعض وعندها روابط أثنية ولغوية وثقافية واجتماعية‬
‫وتارخيية ويساهم يف زيادة شعورها هبويتها اإلقليمية أحيانا أفعال ومواقف دول خارجة عن النظام جتاهها »‬

‫اإلقليـ ـ ـ ــم‪ :‬تدل الكلمة على التقطيع اإلقليمي و هي منطقة جغرافية تتميز عما جياورها من مناطق بظاهرة أو ظواهر‬
‫معينة تربز شخصيتها القائمة و املختلافة عن باقي املناطق و اإلقليم املستقل ذاتيا هو جمرد دائرة تتطابق مع جمموعة أثنية‬
‫متميزة بالرغم من عدم متتعه سوى بنظام إداري‪.‬‬

‫اإلقليمي ـ ـ ــة‪ :‬تشري الكلمة إىل العقائد السياسية اليت تؤكد وجود مجاعات ثقافية‪ ،‬اجتماعية‪ ،‬اقتصادية‪ ،‬دينية‪،‬جغرافية‬
‫داخل الدولة وتطالب باالعرتاف هبذه احلالة الواقعة وتكريسها سياسيا أي منحها قدرا من االستقالل عن السلطة املركزية‪.‬‬

‫المنظمة اإلقليمية‪ :‬يقصد هبا اهليئة الدائمة اليت تضم يف منطقة جغرافية معينة عددا من الدول جتمع بينها روابط التجاور‬
‫واملصاحل املشرتكة والتقارب الثقايف واللغوي والروحي وتتعاون مجيعا على حل ما ينشأ من منازعات حال سلميا وعلى‬
‫حافظ السلم واألمن يف منطقتها ومحاية مصاحلها وتنمية عالقاهتا االقتصادية والثقافية‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫الفوق قوميـ ـ ــة‪ :‬يعرب هذا املافهوم عل االنتقال احلاصل على مستوى دراسة العالقات الدولية ويقصد بذلك التحول من‬
‫املنظور الواقعي التقليدي إىل تتعددي أوسع من السابق حيث يتم االنتقال من التصور السائد بسيطرة الدولة على احلياة‬
‫السياسية مبا فيها التافاعل مع احمليط اخلارجي إذ أنه مل يعد احلديث عن عالقات بني وحدات متثلها الدول فحسب وإمنا‬
‫اتسعت تلك العالقات لتضم أنواعا أخرى من العالقات الافوق قومية هتتم عموما باملسارات السياسية ضمن الدول وتركز‬
‫على الروابط بني اجملتمعات واألفراد أكثر من العالقات اليت جتمع الدول‪.‬‬

‫االعتماد المتبادل‪ :‬هو حالة العالقة بني طرفني‪ ،‬حيث تكون تكاليف فسخ العالقة أو خافض التبادالت متساوية تقريبا‬
‫بالنسبة إىل كل من الطرفني‪ ،‬و أساس االعتماد املتبادل هو التعاون االقتصادي بني الدول والذي سيؤدي إىل استبعاد‬
‫احلرب اليت هتدد حالة الرفاه لكل األطراف ‪.‬‬

‫أسباب التكامل‬

‫بصافة عامة هناك عدة أسباب ومربرات تدفع الدول لتافضيل مشروعات التكامل اإلقليمي نذكر منها ثالثة أسباب‬
‫أساسية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬وجود روابط تارخيية قوية بني شعوب اجملموعة والقرب اجلغرايف فالتقارب اجلغرايف يعد واحدا من أهم املقومات‬
‫الضرورية لقيام أي جمتمع إقليمي‪ .‬ذلك أن املصاحل املشرتكة والروابط الثقافية بني دول اإلقليم الواحد جيعل املنظمة‬
‫اإلقليمية أقدر على املسامهة يف حل مشاكل املنطقة نظرا ملعرفتها العميقة مبواقف األطراف‪ ،‬لكن هذا التجاور اجلغرايف ال‬
‫يكافي وحده لتكوين تنظيم إقليمي إمنا البد من توافر روابط قومية معينة بني شعوب هذه الدول‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬العامل السياسي باإلضافة إىل الروابط السابقة جند البعد السياسي الذي له وزن هام كدافع لقيام هذه التجمعات‬
‫اإلقليمية وتشكيلها ‪،‬حيث تتجسد رغبة هذه الدول يف جتميع قواها ليكون هلا وزهنا وثقلها يف تسيري األحداث العاملية‬
‫وتتضح أمهية هذا البعد السياسي من خالل التجربة األوروبية‪ ،‬فقد أدركت بعض دول أوروبا الغربية بعد احلرب العاملية‬
‫الثانية ويف ظل سيطرة كل من الواليات املتحدة األمريكية واالحتاد السوفيايت – سابقا – أهنا لن تستطيع احملافظة على‬
‫استقالليتها تطورها إذا بقيت منافردة وال أن تؤثر على سري األحداث يف العامل مبا يف ذلك ضمانات رفاهية شعوهبا‬
‫األوروبية نافسها‪ ،‬وبالتايل اجته التافكري إىل أمهية الوحدة كسالح إلعادة السالم وإغالق باب الصراعات ملواجهة التغريات‬
‫املتسارعة عامليا‪ .‬ومن هنا تظهر أمهية الدور الذي يلعبه العامل السياسي كحافز يدفع األقطار املختلافة إىل تكوين‬
‫جتمعات إقليمية فيما بينها كوسيلة لدعم استقالهلا السياسي ولزيادة قواها التافاوضية ودعمها ألن ضعف املركز التنافسي‬

‫‪6‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫والتافاوضي للدول يف جماالت املعامالت وما يرتبط هبا من قواعد تنظيمية ومؤسسية ينتج عنه ضعف املناعة يف مقاومة‬
‫آثار التقلبات العاملية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬العامل االقتصادي هناك من العوامل ذات الطبيعة االقتصادية ما ميكن أن يؤثر على اجتاه الدول املختلافة حنو‬
‫تافضيل مشروعات التكامل اإلقليمي نظرا للرغبة القوية هلذه الدول يف التصنيع‪ ،‬فافي حقيقة األمر هناك مزايا عديدة‬
‫للتكامل اإلقليمي بالنسبة لعملية التصنيع فكل بلد يستافيد من توسيع السوق أمام منتجاته الصناعية بسبب إزالة القيود‬
‫والعوائق على حركة دخوهلا إىل الدول األخرى يف التكتل فنجد أن ضعف نطاق األسواق احمللية يف الدول النامية يعرقل‬
‫فرص قيام املشروعات احلديثة يف كافة جماالت النشاطات االقتصادية كصناعات املنتجات املعدنية األساسية‬
‫والبرتوكيماويات وصناعة السيارات واحلاسب اآليل واليت تتطلب نافقات هائلة يف جمال البحث والتطوير‪ ،‬ورؤوس أموال‬
‫كبرية وكافاءات علمية وفنية وتكنولوجية إلنشائها و إدارهتا‪ .‬وهذا ما تافتقر إليه الدول النامية باإلضافة إىل ضعف مركزها‬
‫التنافسي ألهنا تعتمد يف صادراهتا بالدرجة األوىل على املواد األولية سواء كانت زراعية أو تعدينية‪ ،‬وتستورد معظم‬
‫مستلزمات اإلنتاج واآلالت واملعدات من الدول الصناعية مما أدى إىل اتباع سياسات اقتصادية خاصة مثل سياسة إحالل‬
‫الواردات أو التصدير من أجل االسترياد بدال من أن يكون التصدير هدفه األساسي هو تصريف املنتجات‪ .‬ولذا فإن‬
‫األخذ بصورة أو أخرى من صور التكامل االقتصادي سوف يساهم إىل حد كبري يف التغلب على معظم هذه العقبات‪،‬‬
‫ومبا أننا نتحدث عن تزايد االجتاه حنو اإلقليمية على صعيد الدول املتقدمة والنامية على حد سواء ‪ -‬بل وبينهما أحيانا‬
‫– فيمكن القول أن أسباب أو مربرات التكامل االقتصادي ختتلف من دولة إىل أخرى ‪،‬فتسعى الدول الصناعية إىل‬
‫االستافادة من عوائد الناجتة عن إزالة العوائق املافروضة على األنشطة االقتصادية‪ ،‬حيث تتسم (‪) efficiency gains‬‬
‫الكافاءة اهلياكل الصناعية هلذه الدول باالستقرار لعقود طويلة حىت متثل ميزة أساسية هليكل االقتصاد‪ .‬وعليه فإن تغيري‬
‫هذه اهلياكل استجابة للتكتل وبراجمه يكون له أثر إجيايب على األداء االقتصادي بوجه عام ويكسبه املزيد من الديناميكية‬
‫والافاعلية‪ ،‬فإذا ما أدت هذه الكافاءة املرجوة من التكتل إىل الزيادة الناتج و االدخار الذي يؤدي بدوره إىل زيادة النمو‬
‫االقتصادي فإن ذلك جيعل من التكامل أمرا إجيابيا واختيارا مناسبا للمستقبل‪ .‬أما بالنسبة للدول النامية فهي عادة ال‬
‫حتقق هذه املكاسب بنافس القدر من الافاعلية والديناميكية االقتصادية اليت يافرزها التكامل‪ ،‬كما أن عوائد الكافاءة ليست‬
‫يف حجم الدول الصناعية ذلك ألن اهلياكل الصناعية يف الدول النامية هياكل صغرية بالنسبة حلجم االقتصاد وحىت‬
‫بالنسبة من خالل تسهيل تدفق التجارة تعد أيضا (‪ )static gains‬ملخططات التنمية كما أن املكاسب الساكنة صغرية‬
‫نسبيا‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫المتطلبات االساسية لتحقيق التكامل ‪ -:‬نظرية التكامل الدويل تدرس العالقات املتداخلة بني الدول ‪ ،‬وهنالك‬
‫متطلبات اساسية لتحقيق التكامل ويتمثل ذلك ىف التمثيل االجتماعي وهذا العامل مهم لتحقيق التكامل الدويل ويعترب‬
‫املسبب ىف خلق الدافع إيل التكامل ‪ ،‬ولكي نضمن االستمرار ىف عملية التكامل جيب غياب مشاعر التعصب الثقايف‬
‫القومي واالتافاقات املشرتك على اهداف السياسية اخلارجية ووجود عالقات ودية مع احلكومات املعينة واملشاركة ىف القيم‬
‫من خالل االرتباط باأليدلوجية الرامسالية او اعتناق فلسافة السوق احلر ‪ ،‬اما بالنسبة للتكامل السياسي فقد يكون من‬
‫خالل ‪ .‬اعتناق املبدأ الدميقراطي وان تكون هنالك عالقات ودية تارخيية بني اطراف عمليات التكامل وهنالك مؤثرات‬
‫خارجية حتافز االطراف الدخول ىف عمليات التكامل مثل الشعور بالتهديد االقتصادي اخلارجي او احلرب املوجهة ضد‬
‫االطراف ‪ .‬والبد من توفري عوامل أساسية لضمان استمرارية عملية التكامل ومنها االعرتاف من جانب النخب بان‬
‫التكامل خيدم مصاحلهم ودعم املؤسسات اليت ترتكز عليها عملية التكامل الدويل وتنمية االجتاهات السياسية‬
‫واالجتماعية للجماهري على اساس من الافهم والتجاوب املتبادل ‪ ،‬واطالع ‪ .‬اجلماهري على التقدم الذي احرزه ىف خمتلف‬
‫القطاعات اليت طبقت عليها سياسات التكامل وللتكامل الدويل مزايا عديدة حيققها وذلك النه يعمل على خلق منافذ‬
‫وامكانيات جديدة لالعتماد الدويل املتبادل مما يساعد على فكرة الصاحل املشرتك ويؤدي إيل ازالة الكثري من اسباب‬
‫الصراع الدويل ‪ .‬وحيقق من حدة املشاعر العدائية بسبب التحيز او التعصب وتظهر بعض االطراف الافاعلة وتكون‬
‫مستقلة او شبه مستقلة ‪ .‬وذلك خلدمة الصاحل االنساين وتتمثل عمليات التكامل الدويل يف التكامل االقتصادي ويكون‬
‫ذلك باقامة األسواق املشرتكة ‪ ،‬وذلك لتوحيد التشريعات الضريبية واجلمركية وانسياب حركة العمل وراس املال ‪ .‬والتكامل‬
‫االجتماعي وذلك بنقل الوالءت القومية إيل جمتمع سياسي اكرب من الدولة ‪ .‬والتكامل السياسي بادماج بعض األطراف‬
‫على الرتتيباتاالمنية بغض النظر عن تافاوت مواردها ويري الباحث بان التكامل السياسي اصعب ىف حتقيقه من التكامل‬
‫االقتصادي وذلك الن احلافز على امتام التكامل االقتصادي هو توقع الدولة لدورها اإلجيايب ىف دعم اقتصادها القومي ‪.‬‬
‫اما التكامل السياسي فهو يقيد سيادة الدولة وسلطتها ىف عملية اختاذ القرارات بالنسبة ملواطنيها والتكامل السياسي ال‬
‫يتحقق اال اذا كان مسبوق بتكامل اقتصادي او باالحري نتيجة له ‪ .‬والتكامل الدويل يكون ىف مرحلة الحقه للتكامل‬
‫السياسي وذلك الن العمليات التكاملية ىف جمال االمن ال تظهر اال ىف االزمات ‪.‬‬

‫واشار فيليب جاكوب مبؤشرات للتكامل وصافها باهنا عوامل للتكامل وذلك يتضح من ان الشعوب املتجاوره جغرافيا‬
‫واملتشاهبة من جوانب عديدة تكون مؤهلة اكثر للتكامل وكلما ازاد التقارب الذهين ورغبة االطراف ىف املشاركة مع‬
‫اجملتمعات االخري الن االنعزالية تضعف التكامل وجيب على الدولة ان تتخلي عن ‪ .‬سيادهتا وان تكون هلا القدرة على‬
‫تلبية مطالب مواطنيها وخالصة القول بانه جيب تطبيق مافهوم التكامل الذي يعين حتقيق الوحدة بالطرق السلمية ‪،‬‬
‫‪8‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫فالتكامل سواء كان نتيجة او عملية فهو عن طريق وسائل سليمة سواء اخذت طابع سياسي يتمثل ىف عالقات التافاعل‬
‫بني النخب السياسية ‪ ،‬أو اخذت طابع اقتصادي يتمثل ىف تقدمي اخلدمات‪.‬‬

‫مجاالت التكامل‬

‫المجال االقتصادي يف ظل العوملة يصبح التكامل االقتصادي اإلقليمي هو السبيل الوحيد أو شبه الوحيد ملواجهة‬
‫حتدياهتا‪ ،‬واستثمار الافرص اليت تتيحها‪ ،‬ولتعزيز إمكانيات االقتصادات الوطنية ومكانتها يف التقسيم الدويل للعمل والنظام‬
‫العاملي للقوة‪ ،‬كما حيقق للدول املتكاملة مناعة أكرب ضد اهلزات واالضطرابات الداخلية واإلقليمية والدولية‪ .‬و التكامل‬
‫اإلقتصادي يتيح إقامة الصناعات الكبرية واإلستافادة من مزايا اإلنتاج الكبري واليت تتمثل يف اخنافاض نصيب الوحدة من‬
‫املنتج من النافقات الثابتة‪ ،‬وكذلك زيادة درجة ختصص العمال واملوظافني وأجهزة اإلنتاج إىل أقصى درجة‪ ،‬باإلضافة إىل‬
‫أن الوحدات اإلنتاجية الكربى تستطيع إنشاء أجهزة البحوث ومتويلها وإمدادها بالعلماء والافنيني وهذا يساعد على‬
‫تطوير املنتجات وكل هذه املزايا تنبثق عن املزية األساسية وهي اتساع حجم السوق كما ان تكامل الصناعات الوطنية‬
‫والقطاعات اإلنتاجية الوطنية عموما (مبا يف ذلك القطاعات الزراعية) ميكن هذه الدول من إقامة جممعات إنتاجية‬
‫متكاملة ( تكامل إنتاجي )‪ ،‬صناعية أو زراعية‪ -‬صناعية ‪ (.‬على مستوى التكتل اإلقتصادي‪ ،‬وإنتاج تشكيالت إنتاجية‬
‫أكثر تنوعا وأعلى جودة وأقل تكلافة‪.‬‬

‫المجال السياسي‪ -‬من الواضح أن أي تكتل إقتصادي مهما كان بسيطا يف شكله أو حمدودا يف نطاقه ال ميكن أن‬
‫يقتصر على حتقيق أهداف جتارية أو إقتصادية فقط‪ ،‬وإمنا البد أن يشتمل على أهداف سياسية أمنية وإسرتاتيجية ويف‬
‫الواقع فإن التداخل والتكامل بني األهداف اإلقتصادية والسياسية كبري حيث يبدأ التكامل إقتصادي مع حد أدىن من‬
‫التوافق السياسي مث يكتسب طابعا سياسيا متزايدا حىت الوحدة السياسية‪ .‬و يهدف التكامل إىل تعزيز الروابط السياسية‬
‫بني الدول وإشاعة أجواء الثقة والتافاهم املتبادل وحسن اجلوار‪ ،‬واإلستقرار السياسي يف املنطقة فمما ال شك فيه أن‬
‫عالقات جتارية وإقتصادية متوازية حتقق مصاحل الدول األعضاء‪ ،‬هي أفضل سبيل لتحسني األوضاع واألجواء السياسية‬
‫على املستويني احمللي واإلقليمي‪ ،‬وكلما كانت هذه العالقات أكثر تطورا كلما قطعت مسرية التكامل اإلقتصادي أشواطا‬
‫أبعد كلما أصبح انتكاس أو تراجع العالقات السياسية أكثر صعوبة‪ .‬كما يعد التكامل اإلقتصادي أساسا لتعزيز القوة‬
‫السياسية‪ ،‬للدول األعضاء جمتمعة وتأثريها يف السياسة العاملية واملنظمات الدولية سواء على صعيد التصدي للمشكالت‬
‫الكربى اليت تواجه العامل بصافة عامة‪ ،‬والعامل النامي على وجه اخلصوص أو تعزيز القوة التافاوضية للدول املتكاملة من‬

‫‪9‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫خالل إجياد عالقات إقتصادية سياسية أكثر عدال وتوازنا مع الدول الصناعية واملنظمات الدولية اليت تتحكم هبا هذه‬
‫الدول‬

‫المجال األمني مع تعميق العالقات االقتصادية التكاملية وحتسني األجواء السياسية‪ ،‬يتشكل اإلطار اإلقتصادي‪-‬‬
‫السياسي لألمن القومي واإلقليمي وإزالة بؤر التوتر والصراع‪ ،‬واخلالفات احلدودية وغريها ويتحقق اإلستقرار اإلقتصادي‬
‫والسياسي واألمين يف آن واحد وأفضل سبيل لتحقيق اإلستقرار واألمن هو اإلطار التكاملي والتنمية املشرتكة لدول‬
‫التكامل و ينظر للتكامل اإلقليمي على أنه أداة‪ ،‬تستطيع مبقتضاها الدول أن تؤمن نافسها ضد احتماالت الغزو‬
‫اخلارجي‪ ،‬ولذلك تلجأ هذه الدول الكربى والصغرى على حد السواء إىل التكامل اإلقتصادي ألجل إنشاء قوة واحدة‬
‫يف مواجهة التهديدات واألخطار اخلارجية‪ ،‬مبعىن أن التعدي على أحد دول هذا التكتل يعد تعديا على كل الدول‬
‫املكونة للتكامل‪.‬‬

‫المجال االجتماعي و الثقافي من األهداف اإلمنائية للتكامل اإلقتصادي أنه وسيلة ميكن عن طريقها رفع املستوى‬
‫العلمي والثقايف ملواطين التكامل نتيجة لدخوهلا يف منوذج تكاملي‪.‬‬

‫نظريات التكامل الدولي‬

‫الوظيفية وعملية التكامل ‪-:‬‬

‫التكامل يعرب عن إدارة سياسية من اجل ضمان االمن والتعاون بني الدول االعضاء ‪ ،‬واما انه خيضع ملنطق وظيافي يرتبط‬
‫لتحقيق اشياء اساسية ميكن تأمينها من خالل تعزيز التبادل واالتصاالت بني الشعوب ‪ ،‬وقد متيزت نظريات التكامل‬
‫باهنا " مثلت مرجع يعتمد عليه من اجل تطوير ميادين تعاون مدين واقليمي مثل الافلسافة اليت كانت وراء انشاء‬
‫املنظمات الدولية املتخصصة بعد احلرب العاملية الثانية ‪ ،‬وانشاء اجلماعة االوربية ىف عام ‪ 1950‬م ‪ .‬واهم ما ركز عليه‬
‫انصار نظرية التكامل هو ربط التكامل بالوظيافية واليت تطورت فيما بعد إيل الوظيافية اجلديدة ‪.‬‬

‫الوظيفية ‪-:‬‬

‫يقصد بالوظيافية تلك الوظائف اليت ميكن ان يقوم هبا تنظيم معني مجعية – نقابة – حزب سياسي – حكومة ‪ -‬منظمة‬
‫اقليمية او دولية ‪ .‬وامهيتها ىف احصاء الوظائف اليت يقوم هبا تنظيم معني والعالقة ما بني هذه الوظائف ‪ ،‬وكيافية توزيعها‬

‫‪10‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫على االعضاء ‪ ،‬وهل هنالك انسجام ام ال بني االعضاء عند اداء وظائافها ىف اطار املنظمة اليت تنتمي اليها ‪ ،‬ومدي‬
‫اجناز الوظائف اليت اوكلت اليهم وباي طريقة ؟ وهل ادت هذه اجملموعة إيل ‪ .‬التكامل ام ادت إيل تافكك‬

‫واملرجع الرئيسي للوظيافية هو دراسة الباحث الربيطاين ميرتاين الذي وضعها عام ‪ 1948‬م بعد انتهاء احلرب العاملية الثانية ‪،‬‬
‫وقد اوضح بان تزايد التعقيد ىف النظم احلكومية ادي إيل تزايد كبري ىف الوظائف الافنية وغري السياسية اليت تواجه‬
‫احلكومات ومثل هذه الوظائف مل تؤدي فقط إيل زيادة الطلب على االختصاصني املدربني على املستوي الوطين ولكنها‬
‫لعبت دورا ىف املشكالت الافنية على املستوي الدويل ‪ ،‬وتزايد املشكالت ذات الطابع الافين على املستوي الوطين سيساهم‬
‫ىف اتساع قاعدة التعاون الدويل ‪ .‬ويعترب ميرتاين ان هنالك حاجات اساسية ومشكالت فنية عديدة مرتبطة بالتطورات‬
‫التقنية باالضافة إيل املشاكل االجتماعية والبئية املتزايدة واليت تدفع ايل التوحيد الوظيافي الدويل ‪ ،‬وان ذلك ميكن ان‬
‫يتحقق مبعزل عن اي سلطة سياسية عامة‪ .‬بقيت اطروحات ميرتاين مثالية ‪ ،‬وذلك الن تعدد جماالت التعاون وحاجاته مل‬
‫ينه حالة التكامل بني الدول ىف التعاون الدويل وظلت الدول الكربي‪ ،‬هي اليت توجه ظاهرة التعاون الدويل حتت مسمي‬
‫التكامل مما خيدم مصاحلها ‪ ،‬ومن ناحيتها بقيت الدول الافقرية واملستقلة حديثا هي املتضررة ‪ ،‬وبالنتيجة فاهنا مل تؤدي‬
‫إيل السالم كما يعتقد ميرتاين فالسالم بقي سالم االقوياء‪ .‬واستعمل ميرتاين مبدأ االنتشار الذي يعين من وجه نظره ان‬
‫التطور والتعاون الدويل ىف حقل واحد يؤدي إيل خلق تعاون ىف جماالت اخري ‪ ،‬واقامة هذا التعاون ىف هذا احلقل كان‬
‫نتاجا عن الشعور باحلاجة هلذا التعاون ‪ ،‬واقامة التعاون سيؤدي إيل خلق حاجات جديدة وبالتايل الدفع ‪ .‬حنو التعاون‬
‫ىف جماالت اخري ويقصد بان هذا النوع من املعامالت يتخطي احلدود وهنا حيدث االنتشار والتوسع ىف العالقات بني‬
‫الدول ‪.‬واضاف ميرتاين ان امكانية قيام جمتمع دويل مسامل خايل من احلروب عرب التعاون ىف اجملاالت ‪ .‬االقتصادية‬
‫املنافعية وليس عن طريق توقيع اتافاقيات بني الدول ويري الباحث ان التكامل االقتصادي الغين هو الذي يدعم اسس‬
‫االتافاق السياسي وحيت وان مل جيعل منه امرا ضروريا ‪.‬‬

‫والحظ ميرتاين بان الدولة عاجزة من حيث االمكانيات عن حتقيق السالم او حتسني املستوي االجتماعي واالقتصادي‬
‫ملواطنيها ‪ .‬واعترب ان الصراع واحلرب مها نتيجة تقسيم العامل إيل وحدات قومية منافصلة ‪ ،‬وكبديل هلذه الوضعية اقرتح‬
‫ميرتاين االنشاء التدرجيي لشبكة من املنظمات االقتصادية واالجتماعية عابرة للحدود باعتبارها تكديس للتعاون والتبادل‬
‫‪ ،‬وقد لعبت هذه املنظمات دور هام ىف حتقيق قدر من التنمية ىف عدد من ‪ .‬االقطار ادت هذه الدعوة لظهور ما عرف‬
‫بالوظيافية اجلديدة اليت تعترب امتداد للوظيافية‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫الوظيفية الجديدة ‪ -:‬ركزت الوظيافية اجلديدة على انشاء مؤسسات مركزية اقليمية خلدمة اهداف التكامل االقتصادي‬
‫عند اجلماعة األوروبية ‪ ،‬وهي تري ان املؤسسات اإلقليمية فوق الدولة هلا القدرة على توسيع التكامل وركزت على‬
‫االسباب اليت ادت إيل جناح التكامل ىف أوروبا ‪ ،‬فالتكامل بالنسبة الصحاب املدرسة الوظيافية اجلديدة ‪ ،‬عملية ونتيجة‬
‫ىف آن واحد وقد ركز على اجلانب الرمسي او السياسي ‪ ،‬املتمثل ىف دور املؤسسات السياسية الرمسية والنخب السياسية ىف‬
‫حتقيق عملية التكامل ‪ ،‬وعندما يتم تغيري والء النخب السياسية من مستوي الدولة إيل مستوي النظام االقليمي ميكن‬
‫للتكامل ان يتحقق‪ .‬ويري اتزوين ىف هذا اخلصوص ان وجود اعتماد متبادل بني االطراف ىف قطاعات معينة يؤدي إيل‬
‫التكامل واستدل على ذلك بالسوق األوروبية املشرتكة واعتربها اكثر‪ .‬احملاوالت تقدما ىف هذا اجملال ‪.‬‬

‫ويرى إيرنست هاس ‪ Haas Ernest‬بان عملية التكامل تبدأ من توقع املكاسب واملنافع‪ ،‬وركز على دور القوة وعملية‬
‫التعلم يف دفع عملية التكامل‪ ،‬اليت تشجع علی انتشار الرفاه‪ .‬ويرى بأن التكامل يتعززم ن خالل دور اخلرباء الافنيني يف‬
‫وضع معايري ومتثيل األطراف بطريقة متساوية‪ ،‬حيث أن عملية التكامل ستتعرض للافشل إذا كانت مرتبطة بدولة معينة او‬
‫قيادة كارزمية‪ .‬وقد صنف متغريات عملية التكامل يف ثالث فئات‪:‬‬

‫الافئة األوىل‪ :‬من املتغريات يسميها املتغريات القاعدية‪ :‬وتتمثل يف صافات وقدرات الوحدات الداخلة يف عملية التكامل‬
‫من حيث حجم هذه الوحدات‪ ،‬درجة وجود تعددية اثنية وعرقية ولغوية داخل ھذه الوحداتتوجهات النخب‪.‬‬

‫الافئة الثانية‪ :‬من املتغريات هي املتغريات اليت لھا صلة بانطالق عملية التكامل وتشمل‪ :‬حجم السلطة املمنوحة هليئات‬
‫التكامل اجلديدة‪ ،‬ومستوى املشاركة بني األطراف‪.‬‬

‫الافئة الثالثة ‪:‬من املتغريات وهي متغريات احلركية‪ :‬وتتمثل يف منوذج اختاذ القرار املتخذ‪ ،‬ومعدل التعامل بني الوحدات‪،‬‬
‫وقدرة األطراف املعارضة او اليت دخلت يف عملية التكامل على التكيف مع الواقع اجلديد‪ .‬باالضافة إىل أمهية توافق‬
‫النخب االقتصادية مع النخبة السياسية او مع القيادة احلكومية‬

‫يرى أميتاي ايتزيوين‪ Etzioni Amitai‬أن التكامل هو عملية امتالك وسيطرة فعالة يف استخدام أدوات العنف واإلكراه‪،‬‬
‫من خالل وجود مركز الختاذ القرار"‪ ،‬هذا التعريف من ايتزيوين ينطلق من فرضية أن عملية التكامل االقتصادي تسبق‬
‫عملية التوحيد أو التكامل السياسي ‪ .‬ويرى ايتزيوين بان عملية التكامل متر بأربعة مراحل تتمثل يف‬

‫‪12‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫‪-‬مرحلة ما قبل التوحيد‪ :‬حيث تدخل الدول واألطراف يف عالقات من االعتماد املتبادل‪ ،‬يشجعها على املزيد من‬
‫التعاون‪.‬‬
‫‪ -‬عملية التوحيد‪ :‬إن الدخول يف عملية التوحيد‪ ،‬يتم حسب ايتزيوين على أساس حوافز قسرية بوجود هتديد أمين‬
‫مشرتك‪ ،‬او حوافز نافعية بإدراك وتوقع األطراف للمكاسب املشرتكة والافردية‪ ،‬كما أن أحد احلوافز اليت تدفع إىل التكامل‬
‫هو شعور األطراف هبوية مشرتكة‪ ،‬وهذه احلوافز تعمل النخب السياسية على إبرازها و تقويتها‬
‫‪ -‬عملية التوحيد من خالل القطاعات‪ :‬يف هذه املرجلة‪ ،‬تنتشر عملية التوحيد من قطاع ألخر‪.‬‬
‫‪ -‬مرحلة االنتهاء‪ :‬وصول عملية التكامل إىل املرحلة النهائية خيتلف من جتربة آلخرى‪ ،‬وختتلف مستويات وعمق التكامل‬
‫من جتربة ألخرى‪.‬‬
‫و ميكن تلخيص النقط الرئيسية للوظيافيني يف ما يلي‬
‫التكامل اإلقليمي بدل التكامل الشامل ‪:‬على عكس دايافيد ميرتاين‪ ،‬يعتقد هاس أنه ال بد من حتقيق التكامل اإلقليمي‪،‬‬
‫أل ن التكامل الشامل صعب التحقيق ‪.‬هذا األمر قد يعود لرتكيز هاس على دراسة االحتاد األ ورويب و املؤسسات اإلقليمية‬
‫يف أ وروبا الغربية بعد احلرب العاملية الثانية‪.‬‬
‫الدولة ليست الفاعل الوحيد ‪:‬إ ن الدولة ليست الافاعل احلصري و الوحيد يف النظام الدويل أو النظام اإلقليمي‪ ،‬كما أ ن‬
‫اهلويات املشرتكة ليست احملرك األساسي للتكامل‪ ،‬بل احملرك األساسي هو الصافات املشرتكة‪ ،‬واليت حتافز النخبة على اختاذ‬
‫قرارات مشرتكة يف بيئة تافتقد املعلومة الدقيقة‪ .‬وتعترب الوظائف أو" مناطق القضية " ‪ issue areas‬هي الركيزة األساسية ملسار‬
‫التكامل‪ ،‬لكن جيب أن تكون انطالقة املسار من القضايا األقل خالفية‪ ،‬ألنه يسهل التعامل معها‪.‬‬
‫االنتشار ‪ Spill over :‬حسب الوظيافية اجلديدة‪ ،‬فإ ن االنتشار هو ذلك املسار حي نشاط معني ذو عالقة مع هدف‬
‫معني‪ ،‬يقود إىل نشاط آخر‪ ،‬والذي بدوره خيلق لنا حاجات أخرى ‪.‬ال ميكن حتقيق التكامل ونقل الوالءات من الدولة‬
‫القومية إىل املراكز فوق القومية من دون االنتشار على مستوى اجملال و الافضاء ‪.‬هذا االنتشار يسمح مع مرور الوقت‬
‫باالنتقال من التكامل االقتصادي إىل التكامل السياسي‪ ،‬ولكن‪ ،‬من أجل حتقيق هذا اهلدف البد أن يكون املسار‬
‫التكاملي يف املنهاج الصحيح حبيث ال جيب أن تطغى املصلحة الافردية للدول األعضاء على املصلحة املشرتكة يف املسار‬
‫التكاملي ‪.‬حسب هاس‪ ،‬فإ ن االنشار لديه شقني أساسيني ‪:‬االنتشار القطاعي أو الوظيافي‪ ،‬أي اتساع النشاطات التكاملية‬
‫من قطاع آلخر‪ ،‬مثال من قطاع احلديد و الصلب إىل قطاع الزراعة أو تنسيق سياسات النقل ‪.‬ثانيا‪ ،‬االنتشار السياسي‪،‬‬
‫والذي يستلزم بالضرورة تسييس النشاط القطاعي‪ ،‬مثال ‪:‬تنسيق السياسة النقذية و تعويضها بنظام حوكمة أكثر مركزية‬

‫المدرسة االتحادية ‪ -‬الفيدرالية‬

‫وتسعى إىل إقامة دولة إقليمية تتخذ شكل وحدة فيدرالية‪ ،‬حيث حتتافظ الدول الوطنية بسلطة إصدار القرارات‬
‫والتشريعات الالزمة‪ ،‬وفقا ملا يتافق عليه اجمللس األعلى الذي يدير عددا من األمور اليت هتمها مجيعا‪ .‬وينصب التافكري‬

‫‪13‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫أساسا حول إقامة دولة احتادية على إقليم تتمتع فيه الافئات االجتماعية اليت تتواجد يف أقطارها بدرجة عالية من التشابك‬
‫يف املصاحل‪ .‬وتتوفر فرص النجاح أمام هذا التحول يف حالتني‪:‬‬

‫احلالة األوىل‪ :‬أن يكون قد تولد لدى خمتلف الافئات االجتماعية شعور بأن التجمع اإلقليمي قادر فعال على حتقيق قدر‬
‫من الرخاء والرفاهية االقتصادية يافوق ما حتققه الدول الوطنية لوحدها وميكن القول أن هذا األسلوب يعتمد على‬
‫قاعدتني‪:‬‬

‫القاعدة األوىل‪ :‬توافق مصاحل الافئات االجتماعية املختلافة وتيقنها أن دولة الوحدة سوف ختدم مصاحلها أفضل مما تافعله‬
‫الدولة وهذا ما ميكن تسميته بقاعدة الكافاءة‪.‬‬

‫القاعدة الثانية‪ :‬تسيري األمور يف دولة الوحدة سوف يعطيها فرصة للمشاركة يف اختاذ القرار وهذا ما ميكن وصافه بقاعدة‬
‫الدميقراطية‪.‬‬

‫احلالة الثانية‪ :‬رفض عدد من الافئات االجتماعية خضوع احلكومات الوطنية لتسلط فئات تسعى إىل تعظيم مصاحلها‬
‫على حساب باقي فئات اجملتمع‪ ،‬وتكون الافئات املتسلطة يف البلدان املختلافة متناحرة فيما بينها‪ ،‬ومن مث ترى الافئات‬
‫االجتماعية الرافضة هلذا األمر أنه من املصلحة التحول من املستوى الوطين إىل املستوى اإلقليمي‪.‬‬

‫وقد كان لالعتبار الثاين أمهيته يف احلالة األوروبية‪ ،‬فقويت شوكة املدرسة االحتادية خالل احتدام معارك احلرب العاملية‬
‫الثانية خاصة لدى فئات فرنسية بزعامة جان مونيه‪ ،‬رأت يف هذا املنهج هناية حملاوالت أملانيا املتكررة يف السيطرة على‬
‫أوروبا‪ ،‬إال أن فئات أخرى كالدجيوليني مل تشاطرها الرأي‪ ،‬وحبذت حصر السلطات اإلقليمية يف نطاقات حمدودة‪.‬‬
‫وبذلك يعترب الافكر االحتادي اسرتاتيجية للتحرك حنو التكامل أكثر منه نظرية تضع أسسا لبلوغه‪ ،‬ويكون على الدولة‬
‫االحتادية بعد قيامها البحث عن أفضل السبل لتسيري شؤون اجملتمع املتكامل‪.‬‬

‫نظرية االتصاالت وتحقيق التكامل ‪ -:‬حاول كارل دويتش ان يوضح العالقة بني حتقيق التكامل واالتصاالت وذلك‬
‫من خالل تقوية وسائل االتصاالت واملواصالت وازالة احلواجز ‪ ،‬مما يؤدي إيل حتقيق التكامل اإلقليمي بني دول اإلقليم‬
‫الواحد ‪ .‬ويربط دويتش بني االتصال وحتقيق التكامل بني اجملتمعات فيقول‪ " :‬ان االقطار او الدول ليست اال حشودا‬
‫من االفراد تتحد فيما بينهما نتيجة تدفق االتصاالت ونظم النقل بينهما وتنافصل عن بعضها باراضي قليلة السكان او‬
‫خالية‪ ،‬والشعوب حتقق وحدهتا كلما اتسعت املوضوعات اليت تتصل فيما بينهما ‪ ،‬واحلدود متثل املناطق اليت تتناقص فيها‬
‫الكثافة السكانية واالتصاالت ‪ ،‬وحيت ميكن ان نطلق اصطالح بلد أو دولة فانه ال بد من وجود اعتماد متبادل ومباشر‬

‫‪14‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫ىف قطاع من السلع واخلدمات املختلافة بني ‪ .‬االفراد" ويري الباحث بان الدول ىف الوقت احلايل هي اقل اعتمادا على‬
‫بعضها البعض مما كانت عليه ىف السابق ‪.‬‬

‫اما عن الكيافية اليت تأيت فيها زيادة االتصاالت فانه ميكن حتقيقها من خالل التعامل مع شروط حملية وإقليمية وعاملية‬
‫يهدف جتاوز العقابات وقدرة النخب احلاكمة السياسية على التعامل مع هذه الشروط وامياهنا بوجود حافز مشرتك ودور‬
‫القوى غري احلكومية اليت تتمثل ىف شركات عرب وطنية ىف خلق العديد من القنوات اليت تؤدي إيل التكامل ووجود درجة‬
‫عالية من االعتماد املتبادل بني اجملتمعات الثقافية واالجتماعية واالقتصادية ‪ ،‬ووجود قطاع رئيسي تدور حوله عملية‬
‫التكامل وترتكز حوله املؤسسات ويعترب القطاع االقتصادي اكثر ‪ .‬القطاعات اليت تسمح بالتحالافات وإضعاف دور‬
‫العامل السياسي وهنالك اسباب تؤدي إيل تافكك التكامل كما حيدث ىف اإلمرباطورية اهلنغارية النمساوية او االحتاد‬
‫االجنليزي االيرلندي او احتاد النرويج والسويد وذلك بتزايد االلتزامات العسكرية وايضا يؤدي إيل زيادة األعباء املادية‬
‫والبشرية ومشاركة ىف املؤسسات من قبل مجاعة كانت تتخذ موقف سليب وتزايد الافروق اللغوية والعرقية والدينية ومواجهة‬
‫تدهور او ركود اقتصادي يف مستوي املعيشة وعدم قدرة النخب السياسية ىف احداث إصالحات ‪ .‬على املستوي‬
‫االقتصادي واالجتماع و الواضح من دراسة دويتش اهنا حققت نوع من التكامل وادت إيل تطوير االمكانيات‬
‫االجتماعية واالقتصادية وتطوير منظمات لتؤدي هذه الوظائف ‪ ،‬واعتبار ان االتصاالت عامل هام لعملية التكامل ‪.‬‬

‫نظرية التبعية وعملية التكامل‪:‬‬

‫خيتلف منظور التبعية جذريا عن منظور الوظيافية يف عملية التكامل‪ ،‬فمنظور التبعية يرى بأن العامل مقسم إىل دول مركز‬
‫غنية ودول أطراف فقرية‪ ،‬وترى بان اندماج الدول األطراف يف النظام االقتصادي العاملي مل خيلصها من الافقر‪ ،‬وهوعائق‬
‫أساسي من عوائق التنمية‪ ،‬إذ ترى نظرية التبعية أن املسألة ليست يف التكامل وإمنا يف طريقة التكامل‪ ،‬فالتكامل الذي‬
‫يكرس للتبعية االقتصادي والثقافية والسياسية واألمنية‪ ،‬مبين على أساس عالقات تبادل غري متكافئة‪ ،‬وتقسيم دويل‬
‫للعمل‪ ،‬حيث يقتصر دور دول األطراف على استخراج املوارد اخلام الزراعية والصناعية‪ ،‬ودول املركز حتتكر الصناعات‬
‫املتطورة التكنولوجيا‪ ،‬القيمة املضافة الناجتة عن حتويل املنتجات اخلام إىل منتجات هنائية يتم تسويقها بأضعاف ما مت‬
‫شراؤها بها‪ .‬ومن أبرز رواد نظرية التبعية‪ :‬بول بريبيش وإميانويل والرشتاين‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫االقتراب ما بين الحكومي‪:‬‬

‫يرى االقرتاب ما بني احلكومي وهو الصيغة الواقعية لتافسري عملية التكامل‪ ،‬بأن احلكومات هلا دور مركزي يف عملية‬
‫التكامل‪ ،‬و هذا االقرتاب ينتقد املنظور الوظيافي يف العديد من النقاط‪ ،‬فهو يرى بان احلكومات حني تنخرط يف عملية‬
‫التكامل واالندماج‪ ،‬ال تافقد صالحياهتا وال تتنازل عن سلطاهتا لصاحل سلطة فوق قومية‪ ،‬كما ينتقد مافهوم االنتشار‬
‫ويراه غري حقيقي‪ ،‬فاملنظمة فوق القومية حسب التوحه البني حكومي هو عبارة عن جتمع للحكومات‪ ،‬دخول‬
‫حكومات الدول كأعضاء يف هذه اهليئات ‪ ،‬حيث تتحول هذه اهليات إىل منتدى التافاوض واملساومة بني األطراف‪،‬‬
‫فحسب الواقعيني إن دخول الدول يف عملية التكامل يتم بصافة طوعية‪ ،‬ويشاركون يف قرارات املنظمة بكل سيادة‪،‬‬
‫وبامكا هنم االنسحاب منها ‪ ،‬خبالف الافيدرالية‪ ،‬واليت هي سلطة مركزية ذات سيادة‪ ،‬تشارك وتتوزع الصالحيات‬
‫بينها وبني الوحدات الافيدرالية‪ .‬أما بالنسبة للواقعيني اجلدد‪ ،‬مثل ستانلي هوفمان فريى بان التكامل على غرار االحتاد‬
‫األورويب مل يشكل وحدة سيادية جديدة‪ ،‬تافوق سيادة الدول املنضمة إليها‪ ،‬فالدول القومية واملصلحة القومية ال زالت‬
‫هي العامل املافتاحي يف تافاعل وتنشيط عملية التكامل‪.‬‬

‫نظرية االعتماد المتبادل‬

‫يشري مافهوم االعتماد املتبادل إىل موقف يؤثر فيه األشخاص أو األحداث املتعددة يف أجزاء خمتلافة من نظام معني على‬
‫بعضهم البعض‪ ،‬و هذا ما ينطبق على النظام الدويل‪ ،‬فالوحدات الدولية املتواجدة فيه و أثناء سعيها لتحقيق أهدافها‬
‫تقيم مع بعضها عالقات سياسية و اقتصادية و اجتماعية‪ ،‬و هي تتأثر ببعضها نتيجة هذه املعامالت‪ ،‬و يشهد النظام‬
‫الدويل احلايل درجة عاليـة من الروابط بيـن األفـراد و اجلماعات يف الدول املختلافة‪ ،‬و فيما بني احلكومات‪ ،‬و فيما بني‬
‫األوضـاع الداخلية و اخلارجيـة و فيما بني املوضوعات السياسية‪ ،‬االقتصادية‪ ،‬على حنو مل يعرف من قبل و ذلك نتيجة‬
‫التطور اهلائل يف وسائل النقل و االتصال ونتيجة منو التطور التكنولوجي و تيارات تبادل السلع و األفراد‪ ،‬و هذا الوضع‬
‫العاملي املتميز هو الذي أبرز احلاجة ألساليب جديدة يف التافكري و مافاهيم جديدة لتحليل التافاعالت املتعددة األبعاد و‬
‫املستويات ‪.‬‬

‫شاع استعمال مصطلح االعتماد املتبادل بعد صدور كتاب "القوة و االعتماد املتبادل" عام ‪ 1977‬ملؤلافيه جوزيف ناي و‬
‫روبرت كيوهان‪ ،‬و من مث أصبح يأخذ مساحات كبرية يف حتاليل و أدبيات العالقات الدولية‪ ،‬و قد ميزا هذان املافكران يف‬

‫‪16‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫طرح االعتماد املتبادل مافهوم التكلافة‪ ،‬و الذي يعد املافهوم الوحيد الذي يسمح بإثبات ملاذا هناك فاعالن يعتمدان على‬
‫بعض‪ ،‬فالتكلافة ترتافع إذا حاول أحد الافاعلني جتاوز اآلخر‪ ،‬كما جيب التمييز بني مافهومني متضمنني يف عنصر التكلافة‬
‫و مها احلساسية ‪ lsensibilitè‬و االنكشاف ‪ ،vulnerabilities‬فاحلساسية ميكن تسجيلها على املدى القصري‪ ،‬و هي‬
‫القابلية للتأثر بالتغريات املافروضة من اخلارج قبل رد فعل من طرف البلد املعين‪ ،‬أما االنكشاف فيمكن إدراكه على‬
‫املدى الطويل و ميثل التكلافة احملتملة ‪ .‬رغم عدم تكافؤ الوحدات الدولية يف مقاومة تكاليف االعتماد املتبادل إال أن‬
‫منظروا الليربالية ينظرون إليه نظرة اجيابية‪ ،‬بل أن بعضهم يستعمله كأداة أساسية لتحاليلهم و نظرياهتم‪ ،‬و ميثل هؤالء‬
‫املافكرين ما يعرف بتيار االعتماد املتبادل ‪.‬‬

‫يرى هذا التيار أن االعتماد املتبادل يؤدي إىل خلق فوائد مشرتكة‪ ،‬و هذه الافوائد تساعد على خلق املزيد من التعاون‬
‫بني الوحدات‪ ،‬و حىت إن مل تكن املكاسب بني أطراف العالقة متساوية فال ضري يف ذلك‪ ،‬ألنه ال جيب أن ننتظر حىت‬
‫يتحقق التكافؤ لكي نقيم روابط متبادلة ألن هذا التكافؤ و التماثل ناذر احلدوث‪ ،‬و يف هذا الصدد يرى ناي أن التماثل‬
‫الكامل نادر احلدوث‪ ،‬كما أن حاالت عدم التوازن الكامل حيث يعتمد أحد األطراف كلية و ال يعتمد اآلخر إطالقا‬
‫هي أيضا نادرة احلدوث‪ ،‬و عدم التماثل هو أحد العناصر اجلوهرية يف سياسة االعتماد املتبادل‪ ،‬و ليس من الضروري أن‬
‫تكتسب الدولة األقوى من خالل استخدامها لالعتماد املتبادل‪ ،‬فلو كان لدى دولة أصغر أو أضعف اهتماما أكرب بأحد‬
‫املوضوعات فيمكنها أن حتقق فيه فوائد‪ ...‬و ميكن للدول الصغرية أن تستخدم تركيزها و مصداقيتها للتغلب على‬
‫ضعف موقافها النسيب يف االعتماد املتبادل غري املتماثل‬

‫نماذج للتكامل في العالم‬

‫تجربة الوحدة األوروبية‬

‫يعترب االحتاد األورويب أكرب التكتالت االقتصادية يف العامل يف الوقت احلاضر و أكثرها اكتماال من حيث مراحل التطور و‬
‫النضج ‪ .‬حيث ميتلك هذا االحتاد دخل قومي يزيد علي ‪ 7000‬مليار دوالر (أكرب دخل قومي يف العامل)‪ .‬وحيقق سنويا‬
‫حجم جتارة خارجية تصل يف املتوسط إيل حوايل ‪ 1150‬مليار دوالر (أكثر من ثلث التجارة العاملية) ‪ .‬ويعترب أضخم سوق‬
‫اقتصادي داخليا حيث بلغ ‪ 380‬مليون نسمة مبتوسطات دخل فرد مرتافعة نسبيا‪ .‬وقد تعدي هذا التكتل االقتصادي‬
‫مرحلة منطقة التجارة احلرة و اإلحتاد اجلمركي و السوق املشرتك إيل أن وصل إيل مرحلة االحتاد االقتصادي‪ .‬و يالحظ أن‬
‫عدد دول االحتاد األورويب كانت ‪ 6‬دول فقط يف بداية اإلعالن عن قيام السوق األوروبية املشرتكة طبقا ملعاهدة روما يف‬

‫‪17‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫‪ 25‬مارس ‪ 1957‬م‪ .‬وهذه الدول هي بلجيكا‪ ,‬فرنسا‪ ,‬أملانيا‪ ,‬إيطاليا‪ ,‬لوكسمبورج‪ ,‬هولندا‪ .‬ومل تنضم بريطانيا ألهنا مل‬
‫تكن‪ .‬ترغب يف أن تتقيد بقرارات سلطة عليا فوق الدول‪.‬‬

‫من الصعب اعتبار جتربة الوحدة األوروبية جتربة وحدوية باملعين الذي عرفناه يف الوطن العريب‪ ،‬متاما مثلما يصعب وصافها‬
‫بأهنا نتاج للافكر القومي األورويب كما حدث أيضا يف احلالة العربية‪ .‬فقد انطلقت‪ ،‬على عكس اخلربة العربية‪ ،‬من الواقع‬
‫العملي واملؤسسي املعاش من أجل بناء الكلي والعام املتمثل يف الوحدة األوروبية‪ .‬هذا الوضع مل يعن بأي حال من‬
‫األحوال غياب تصور سياسي ومشرتكات ثقافية جتمع بني دول القارة العريقة‪ ،‬بل علي العكس فقد شكلت الرؤية‬
‫السياسية الشاملة والتاريخ الثقايف املتقارب اإلطار العام الديناميكي الذي حترك يف إطاره مشروع الوحدة األوروبية‪ .‬وهنا‬
‫يكمن الافارق بني جتربة الوحدة األوروبية الناجحة وجتارب الوحدة العربية الافاشلة‪ ،‬فأوروبا مل تتعال عن تافاصيل الواقع‬
‫املعاش‪ ،‬ومل تتجاهل منذ البداية التباينات‪ ،‬بل وأحيانا التناقضات‪ ،‬املوجودة بني كل دوهلا حتت شعارات األخوة األوروبية‬
‫أو املصري والتاريخ األورويب املشرتك‪ ،‬إمنا اعرتفت هبا واعتربت التعامل الواقعي معها هو نقطة االنطالق لتأسيس مشروع‬
‫الوحدة األوروبية‪ ،‬الذي مل حيكمه الشعار األيديولوجي إمنا اإلجناز االقتصادي واالجتماعي والثقايف الذي حكمه إطار‬
‫وتصور سياسي رحب‪ ،‬وليس نصا أيديولوجيا مغلقا‪.‬‬

‫ويف هذا السياق‪ ،‬وعلي خالف ما يروج له البعض‪ ،‬مل تنح جتربة االحتاد األورويب الثقايف والسياسي واالسرتاتيجي من‬
‫مشروعها‪ ،‬بل علي العكس فقد وضعتها يف اإلطار الرحب والعام‪ ،‬أي اإلطار الصحيح‪ ،‬لكي يشكلوا قوة دفع تساعد‬
‫على إجناز التافاصيل الوظيافية واملؤسسية للتجربة ال حتويرها لتدخل قسرا داخل السياسي واأليديولوجي‪ .‬ولعل هذا ما‬
‫جعل مشروع الوحدة األوروبية منذ انطالقه يف عام ‪ 1957‬حماولة دائمة لصياغة واقع أورويب جديد ينحو بشكل متدرج‬
‫حنو الوحدة‪ ،‬ويعمل علي بناء معايري أوروبية شبه موحدة حتاول كل دولة أوربية أن تكيف نظمها االجتماعية واالقتصادية‬
‫والسياسية وفقا هلا‪ .‬متيزت تلك املعايري بأهنا تدخل مباشرة يف نسيج اجملتمع‪ ،‬وتعمل على ضبط أداء مؤسساته وفق معايري‬
‫تافصيلية شاركت يف صياغتها الدول األوروبية‪ ،‬فهناك معايري سياسية ختص قضايا الدميقراطية وحقوق اإلنسان‪ ،‬وأخرى‬
‫اقتصادية ال تتعلق فقط مبستوي معني من النمو االقتصادي‪ ،‬وإمنا أيضا بقوانني ختص اإلعافاءات اجلمركية بني الدول‬
‫األعضاء والسوق املشرتكة‪ ،‬وبقوانني تنظم تصدير احلاصالت الزراعية بني الدول األعضاء وعملية صيد األمساك‪ ،‬وأخريا‬
‫قوانني تنظم حرية املعلومات واإلعالم واألنشطة الثقافية والتعليم‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬كانت قوانني جتربة االحتاد األورويب مصوبة أساسا حنو اجملتمع‪ ،‬ومل تكن مشروعا فوقيا يضع أهدافا سياسية عليا‬
‫منعزلة عن الواقع املعاش‪ .‬بل على العكس‪ ،‬فقد حاولت التجربة األوروبية أن حتول مشروعها السياسي إىل قضية جمتمعية‪،‬‬

‫‪18‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫يساهم املواطنون يف بلورته‪ .‬وأصبحت قضية الوحدة بعيدة عن كوهنا قضية إسرتاتيجية عليا ختص النخبة‪ ،‬إمنا هي قضية‬
‫شعوب‪ ،‬وبالتايل خاطبت منذ البداية مصاحلهم وسعت إىل التعبري عنها وجنحت إىل حد كبري يف دمج القيمة العليا‬
‫املتمثلة يف الوحدة األوروبية يف الواقع واهلموم اليومية املعاشة‪.‬‬

‫‪ :3‬إستراتيجيات صناعة الوحدة األوروبية‬

‫أخذت إسرتاتيجية بناء الوحدة األوروبية ثالث خصائص رئيسية‪ .‬متثلت األوىل يف االنطالق من القضايا الصغرى واجلزئية‬
‫إىل القضايا الكربى واإلسرتاتيجية‪ ،‬بكل ما مثله ذلك من خلق ثقافة نسبية ال تنتمي إىل اللغة املطلقة اليت سادت جتارب‬
‫وحدوية أخرى‪ .‬ومتثلت الثانية يف عدم النظر إىل قضية الوحدة كمعطى جيب التسليم به منذ البداية‪ ،‬وفرضه يف املمارسة‬
‫اليومية على مجيع الدول الداخلة يف االحتاد أو املرشحة له‪ ،‬بقدر ما ظل قيمة عليا ميكن للدول األعضاء أن تصل إليها‬
‫مبحض إرادهتا ومن خالل تافاعالهتا البينية‪ .‬وأخريا‪ ،‬متثلت اخلاصية الثالثة يف اعتماد إسرتاتيجية الدمج اليت متيزت هبا جتربة‬
‫االحتاد األورويب‪ ،‬وجناحه يف امتالك هذا القطب املغناطيسي اجلاذب والقادر على دمج دول داخل قطار الوحدة‬
‫األوروبية‪ ،‬يبذل يف هذه العملية جهدا متبادال بني الدول اليت أسست االحتاد األورويب وبني الدول املرشحة لالنضمام‬
‫إليه‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ بناء الهرم من أسفل‬

‫إن أهم ما ميز جتربة الوحدة األوروبية أهنا بدأت من أسافل‪ ،‬ووضعت أهدافا متواضعة مل يتوقع كثري من املراقبني أن تكون‬
‫هي الطريق حنو إجناز الوحدة‪ ،‬فلم تبدأ بالتوقيع على اتافاقات وحدة بني عدد من الدول األعضاء‪ ،‬ومل تطرح قضايا‬
‫السياسة اخلارجية والدفاعية املشرتكة كأهداف فورية للدول املنضمة للجماعة األوروبية‪ ،‬إمنا تركت التافاعالت االختيارية‬
‫بني دول اجلماعة حول قضايا جزئية هي اليت تقود الدول األعضاء أو معظمها إىل خيار االحتاد‪ ،‬الذي ظل منذ البداية‬
‫هدفا وليس قانونا جربيا يافرض من أعلى أو بقرار سيادي‪.‬‬

‫وقد وعي املسئولون األوروبيون هذه القضايا منذ البداية‪ .‬وعلى سبيل املثال صرح وزير اخلارجية الافرنسية الراحل روبرت‬
‫شومان يف ‪ 9‬مايو ‪ 1950‬بأن أوروبا لن تصنع دفعة واحدة‪ ،‬وال ببناء تكتل موحد‪ ،‬إمنا من خالل إجنازات واقعية‪ ،‬ختلق‬
‫أوال تضامن الواقع‪ ،‬معتمدا على املنهج الوظيافي وليس الدستوري الذي يعتمد على دستور فيدرايل يف بناء جتربة الوحدة‬
‫األوروبية‪ .‬ويضيف املسئول الافرنسي فكرة أخرى على قدر كبري من األمهية‪ ،‬وذات داللة‪ ،‬فيشري إىل أن الدول األوروبية‬
‫اليت عادت لتحصل على سيادهتا كاملة بعد احلرب العاملية الثانية‪ ،‬ال جيب أن ترتكها بصورة فورية لصاحل وحدة فيدرالية‬

‫‪19‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫أوروبية‪ ،‬إمنا جيب أن تتعود الدول األوروبية على التخلي الطوعي عن بعض جوانب سيادهتا يف بعض القضايا‪ ،‬فاملطلوب‬
‫هو التقليص املتصاعد يف التناقض بني االندماج األورويب والدولة*‪.‬‬

‫هذه األفكار انعكست إىل حد كبري يف مسار جتربة الوحدة األوروبية‪ ،‬واليت أكدها كثري من السياسيني األوروبيني يف‬
‫فرتات زمنية خمتلافة‪ ،‬وعربت عن وعي كامل بتافاصيل الواقع املعاش‪ ،‬وجعلت التعامل مع هذا الواقع هو املدخل إلجناز‬
‫األهداف الكربى املتمثلة يف الوحدة‪ ،‬مبا يعين أن الغاية ظلت قيمة عليا جيب العمل على الوصول إليها عرب حل‬
‫اإلشكاليات الافرعية واجلزئية ال جتاهلها لصاحل عموميات وغايات كربي ال يوجد هلا جتليات ملموسة يف الواقع العملي‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬مل يكن غريبا أن تبدأ رحلة الوحدة األوروبية من خالل التوقيع على اتافاقية الافحم والصلب بني عدد من الدول‬
‫األوروبية يف ‪ 18‬أبريل سنة ‪ 1951‬يف العاصمة الافرنسية باريس‪ .‬وكان اهلدف هو تسهيل االستثمار يف هذا اجملال‪ ،‬وتسهيل‬
‫حرية حركة رأس املال والعمالة اليت تعمل يف جمايل الافحم والصلب‪ ،‬لكي تعتاد الدول األوروبية الثالث اليت وقعت على‬
‫هذه االتافاقية على فكرة االستثمار املتبادل‪ ،‬وعلى احلركة احلرة لرأس املال‪ .‬ومل تتطرق مطلقا ألي اتافاقات اقتصادية‬
‫مشرتكة أو حىت لسوق واحدة جتمع الدول األوروبية‪.‬‬

‫كما حافظت مسرية الوحدة األوروبية على هذه الروح عند توقيع االتافاق الشهري الذي وقع يف روما سنة ‪ ،1957‬والذي‬
‫يعتربه الكثريون البداية احلقيقية لتبلور مشروع الوحدة األوروبية‪ .‬فقد جاء بدوره ترمجة التافاق ما مسي باجملموعة األوروبية‬
‫للطاقة الذرية‪ ،‬والذي سهل تبادل اخلربات واملعدات يف جمال الطاقة النووية‪ ،‬وكان الغطاء الذي خرجت منه السوق‬
‫األوروبية املشرتكة اليت وقعت عليها ست دول أوروبية‪ .‬وهكذا‪ ،‬عكس االنطالق من التافاصيل املعاشة‪ ،‬رغبة يف بناء‬
‫تافاعالت وحدوية بني الشعوب األوروبية‪ ،‬ال تكون حبيسة قرارات فوقية تصدر من أعلي‪ ،‬بقدر ما حتولت إىل ممارسة‬
‫يومية هتدف إىل حتقيق هذه القيمة بالرتاكم العملي‪ ،‬وعرب خلق قنوات شعبية ومؤسساتية تعمق من التافاعالت األفقية‬
‫بني األوروبيني‪.‬‬

‫واحلقيقة أن األساس االقتصادي يف جتربة الوحدة األوروبية كان رئيسيا‪ ،‬رغم أنه مل يكن العامل الوحيد‪ .‬فقد حرصت‬
‫التجربة على أن تؤسس منوذجا أوروبيا يقوم على نسج شبكة مصاحل مشرتكة بني الشعوب األوروبية‪ ،‬دون أن يعين ذلك‬
‫اختافاء صراعات املصاحل بني هذه الدول أو بني شرائح خمتلافة من شعوب كل دولة‪ .‬فاحتجاجات املزارعني الافرنسيني أو‬
‫صائدي األمساك الدامنركيني على عدم وجود محاية لسلعهم يف مواجهة املنافسة األوروبية كانت متكررة وامتدت إىل معظم‬
‫البلدان األوروبية‪ ،‬اليت حرصت على إجياد حلول توافقية بني هذه املصاحل املتباينة‪ .‬ومرة أخرى‪ ،‬مل تتعال التجربة األوروبية‬

‫‪20‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫على هذه املشكالت‪ ،‬ومل حتاول أن تافرض هلا حلوال فوقية‪ ،‬إمنا اعتربهتا جزءا أساسيا من التحديات اليت تواجه مشروع‬
‫الوحدة‪ ،‬وعملت بطرق خمتلافة على حلها وإجياد كثري من احللول التوافقية هلا‪.‬‬

‫‪ -5‬إستراتيجية الدمج‬

‫متيزت جتربة االحتاد األورويب باحليوية والتجديد منذ انطالق مشروع الوحدة األوروبية يف سنة ‪ 1957‬وحىت اآلن‪ .‬كانت‬
‫البداية يف روما وحتديدا يف ‪ 25‬مارس سنة ‪ 1957‬حني وقعت ست دول أوربية‪ ،‬هي ‪ :‬فرنسا وإيطاليا وأملانيا وبلجيكا‬
‫وهولندا و لوكسمبورج ‪ ،‬معاهدة إلنشاء السوق األوروبية املشرتكة‪.‬‬

‫انضم إىل هذا البناء اجلديد يف سنة ‪ 1972‬ثالث دول أوروبية جديدة هي بريطانيا وأيرلندا والدامنارك‪ ،‬تلتها اليونان يف سنة‬
‫‪ ،1981‬مث أسبانيا والربتغال يف يناير سنة ‪ ،1986‬وأخريا جاء دور السويد والنمسا وفنلندا لينضموا يف سنة ‪ 1993‬إىل القافلة‬
‫األوروبية اليت حتولت من مجاعة إىل احتاد‪ ،‬لريتافع عدد الدول املشاركة من اثنيت عشرة دولة إىل مخس عشرة‪ .‬وجاءت سنة‬
‫‪ 2004‬لتمثل منعطافا جديدا يف تاريخ االحتاد األورويب حني ارتافع عدد الدول األعضاء إىل مخس وعشرين دولة بانضمام‬
‫كل من أستونيا والتافيا وليتوانيا وبولندا ومجهورية التشيك وسلوفاكيا وسلوفينيا واجملر ومالطة وقربص اليت قد تنضم مقسمة‬
‫أو موحدة تبعا لنتائج املافاوضات مع الشطر الرتكي‪ .‬وقد وضع االحتاد األورويب جمموعة من املعايري املؤسسية والتقنية‬
‫املتافاوتة لقبول دول الشمال األورويب اليت انضمت إىل مسريته‪ ،‬كما وضع جمموعة من املعايري االقتصادية والثقافية لضم‬
‫دول الشرق األورويب‪ ،‬وأخرى أكثر تعقيدا الستيعاب تركيا‪ ،‬يف ظل تصور إدماجي حيدد العالقة بني دول االحتاد والدول‬
‫املرشحة لالنضمام إليه‪ .‬فبينما قبلت اجلماعة األوروبية يف عضويتها ويف فرتة مل تتجاوز العام طلبات العضوية اليت قدمتها‬
‫كل من السويد والنمسا وفنلندا من أوروبا الشمالية بالنظر إىل انسجامها مع املعايري اليت وضعتها اجلماعة األوروبية لقبول‬
‫الدول اجلديدة‪ ،‬حيث قدمت النمسا ملف طلب العضوية يف يوليو سنة ‪ ،1989‬مث تبعتها كل من السويد وفنلندا يف عامي‬
‫‪ 1991‬و ‪ 1992‬على التوايل‪ .‬وبعد فحص تلك امللافات أصدرت املافوضية األوروبية عده تقارير على مدار عام وافقت‬
‫بعدها على انضمام الدول الثالث‪ ،‬استنادا إىل أن أوضاعها االقتصادية تسمح هلا باالنضمام الافوري إىل االحتاد بعد‬
‫انتهاء املافاوضات الثنائية بني املافوضية والدول الثالث‪ .‬كما يالحظ من ناحية أخرى‪ ،‬أن احملادثات اليت أجريت بني‬
‫الدول الثالث وباقي دول اجلماعة األوروبية تركزت حول مسائل تقنية باألساس‪ ،‬يف ضوء انطباق املعايري االقتصادية‬
‫والسياسية واالجتماعية املطلوب استيافاؤها على تلك الدول‪ .‬وعلى سبيل املثال‪ ،‬طلبت السويد مساعدات من أجل‬
‫حتسني أوضاع منتجاهتا الزراعية ومحاية ثرواهتا السمكية من مثيالهتا األوروبية‪ ،‬دون أن تتطرق املافاوضات ألي شروط‬
‫أخرى ذات طابع سياسي أو ثقايف كما هو جار مع تركيا‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫أما بالنسبة لدول أوروبا الشرقية فقد طرحت دول االحتاد األورويب معايري أخرى ذات طابع اقتصادي أساسا لدمج هذه‬
‫الدول داخل االحتاد من خالل ما عرف بربنامج املشاركة مع بلدان أوروبا الوسطي والشرقية‪ ،‬والذي ضم بلغاريا واجملر‬
‫وبولندا ومجهورية التشيك ورومانيا وسلوفاكيا‪ ،‬إضافة إىل بلدان البلطيق الثالثة وسلوفنيا ومالطا وقربص‪ .‬ويف املقابل‪،‬‬
‫رفضت دول االحتاد األورويب يف قمة سالونيك يف ‪ 23‬يونيو ‪ ،2003‬حتديد جدول زمين النضمام ألبانيا وكرواتيا والبوسنة‬
‫واهلرسك ومقدونيا وصربيا‪ ،‬مؤكدة على أن اجلدول الزمين احملدد هو مدى التزام هذه الدول باإلصالحات السياسية‬
‫واالقتصادية املطلوبة منها‪.‬‬

‫وتظل مرونة املعايري اليت وضعها االحتاد األورويب سببا رئيسيا وراء جناح سياسته االندماجية‪ ،‬وجناحه يف ضم عشرة بلدان‬
‫أوروبية يف عام ‪ ،2004‬حيث فرض عليها واجبات ومستوى معينا من التطور االقتصادي والدميقراطي واالجتماعي‪ ،‬ولكنه‬
‫أيضا ال حيرمها من احلقوق‪ ،‬ومن تلقي املساعدات والدعم من أجل توسيع البيت األورويب الكبري‪ .‬فقد طبق االحتاد‬
‫األورويب إسرتاتيجية املستويات املتعددة‪ ،‬اليت ميزت بني الدول األوروبية املرشحة لالنضمام إىل االحتاد‪ ،‬وبني دول جنوب‬
‫املتوسط املرشحة للشراكة معه‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬أو بالنتيجة‪ ،‬ميزت بشكل واضح بني االرتباط بالقيمة العليا اليت تتضمن املعايري‬
‫والشروط األقصى يف االندماج داخل االحتاد األورويب وفق املعايري األوروبية ـ باملعين الثقايف واالقتصادي والسياسي ـ واليت‬
‫جيب االلتزام هبا من أجل االنضمام إىل عضوية االحتاد كما حدث بالنسبة لبلدان وسط وشرق وجنوب أوروبا‪ ،‬واالرتباط‬
‫من خالل املستوي األدىن والذي يضم البلدان املرشحة للشراكة مع أوروبا يف جنوب املتوسط‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ االتحاد األوروبي وتحوالت البيئة الدولية‬

‫شكل سقوط حائط برلني يف عام ‪1989‬منعطافا فاصال بني مرحلتني حامستني يف تاريخ تطور القارة األوروبية‪ ،‬حيث انتقل‬
‫مشروع الوحدة األوروبية من أجواء احلرب الباردة يف ظل نظام القطبية الثنائية‪ ،‬إىل أجواء النظام العاملي اجلديد الذي‬
‫يهيمن عليه القطب األمريكي الواحد‪ .‬هذا االنتقال عكس أيضا انتقاال موازيا يف مافردات النظام العاملي ويف شكل‬
‫الصراعات الدولية‪ ،‬من عامل الصراع األيديولوجي بني حتميات املاركسية وبارمجاتية الرأمسالية إىل عامل حياول أن يكون‬
‫واحدا‪ ،‬وحياول أيضا طرح خطاب واحد يؤكد على الدميقراطية واحرتام حقوق اإلنسان يف مشال العامل وجنوبه‪ ،‬وهو ما‬
‫يعكس أمهية جتربة الوحدة األوروبية اليت شهدت منذ النصف الثاين من هذا القرن حتولني رئيسيني عربا يف احلقيقة عن‬
‫ديناميكية التجربة وحيويتها‪:‬‬

‫‪22‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫األول‪ :‬تعلق بنشأة جتربة االحتاد األورويب يف أعقاب احلرب العالية الثانية‪ ،‬يف ظل أجواء احلرب الباردة اليت فرضها النظام‬
‫الدويل ثنائي القطبية‪ .‬ويالحظ هنا أن التجربة األوروبية قد حافظت علي وجودها وتأثريها طوال تلك الافرتة‪ ،‬بل جنحت‬
‫يف استقطاب دول أوروبية جديدة‪ ،‬حيث ارتافعت عضوية اجلماعة من ست دول إىل تسع دول‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬تعلق بقدرة البلدان األوروبية علي التكيف مع التحوالت اليت شهدها العامل منذ احلرب الباردة وحىت بزوغ النظام‬
‫العاملي اجلديد بقيادة الواليات املتحدة‪ ،‬فاالحتاد األورويب كان هو املشروع األبرز يف الكرة األرضية الذي صمد يف وجه‬
‫التحوالت اليت شهدها العامل يف العقد األخري‪ ،‬وجنح ليس فقط يف االستمرار والتكيف معها وإمنا أيضا يف التأثري فيها‬
‫واالنتقال السلس من التافاعل مع نظام القطبية الثنائية إىل نظام متعدد األقطاب يهيمن عليه القطب األمريكي‪.‬‬

‫وإذا كان من املؤكد أن بناء أوروبا ما بعد احلرب العاملية الثانية قد مت يف ظل غطاء ودعم أمريكي واضح‪ ،‬بدءا من مشروع‬
‫مارشال األمريكي (‪ )1952 -1948‬إلعادة بناء أوروبا اقتصاديا‪ ،‬والذي أدى إىل ميالد املنظمة األوروبية للــتعاون‬
‫االقتصــادي يف ‪ 16‬أبريل ‪ ،1948‬مث قيام الواليات املتحدة بتسليح أملانيا الغـربية تسليـحا حمدودا فـي أعقاب احلرب الكــورية‬
‫( ‪ ،)1953-1950‬إال أنه من الصعب القول إن هذا الدعم قد استمر بعد ظهور اجلماعة األوروبية منذ عام ‪ ،1957‬أو يف‬
‫ظل جتربة االحتاد األورويب بعد عام ‪ .1995‬وجاءت احملاولة الدجيولية يف فرنسا من أجل االستقالل األورويب عن هذا‬
‫الغطاء‪ ،‬لتساهم يف جعل مشروع الوحدة األوروبية حيمل نغمات خاصة حىت لو ظل يف إطار اللحن األمريكي‪ .‬كما‬
‫حاولت أوروبا أن تبين صيغة ثالثة تتجاوز هبا هيمنة القطب األمريكي والسوفييت علي السواء‪ ،‬لتتواكب مع ما جرى يف‬
‫كثري من بقاع العامل‪.‬‬

‫رغم أن جتربة اجلماعة األوروبية مل تكن يف أي مرحلة من مراحلها جتربة اشرتاكية‪ ،‬كما أهنا مل تتنب قضايا العامل الثالث‬
‫بشكل كامل وكلي‪ ،‬ومل تصل يف حتافظ معظم أقطارها علي بعض السياسات األمريكية يف العامل ‪ -‬يف فيتنام والشرق‬
‫األوسط ـ إىل حد التحالف مع القطب السوفييت‪ ،‬إال أن هذا مل حيل دون أن تكون جممل السياسات األوروبية أكثر‬
‫انافتاحا على بعض قضايا اجلنوب ويف قلبه العامل العريب‪ ،‬من سياسات القطب األمريكي‪.‬‬

‫‪4‬ـ ديناميكية التجربة األوروبية‬

‫فتحت كل حمطة يف مسرية الوحدة األوروبية الطريق أمام حمطة جديدة أكثر تقدما من سابقتها‪ ،‬بصورة جعلت مشروع‬
‫الوحدة األوروبية نتاج عملية تافاعلية بني أفكار كل مرحلة والواقع السياسي احمليط‪ ،‬حبيث يصعب القول إن هذه الوحدة‬
‫نزلت من السماء مبعاهدات هنائية بني الدول األوروبية تافرض عليها التوحد االقتصادي والسياسي والدفاعي‪ .‬ومتثلت‬

‫‪23‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫االتافاقية أو احملطة األويل يف طرح فكرة السوق االقتصادية املشرتكة اليت كانت بدورها نتاجا لتافاعالت بسيطة سابقة‬
‫متثلت يف إقامة شركات الافحم والصلب‪ .‬وضمت السوق يف البداية ست دول ارتافعت إىل تسع‪ ،‬مث توسعت مرة أخرى‬
‫لتصل إىل ‪ 12‬دولة عرفت باسم اجلماعة األوروبية‪ .‬وكانت احملطة الثانية هي توقيع اتافاقية ماسرتخيت للوحدة األوروبية يف‬
‫عام ‪ ،1992‬واليت سبقها اتافاق آخر مثل التمهيد احلقيقي التافاقية الوحدة األوروبية ُوقع يف يوليو ‪1987‬وعرف باسم اتافاقية‬
‫األداء األورويب املوحد‪ ،‬وهو االتافاق الذي محل كثريا من األفكار اليت سامهت يف تقبل الدول األوروبية التافاقية‬
‫ماسرتخيت‪.‬‬

‫وقد مثلت اتافاقية ماسرتخيت األساس الثاين يف مسرية الوحدة األوروبية حيث نصت على إلغاء احلدود بني الدول‬
‫األوروبية ورفع القيود اجلمركية‪ ،‬والبدء يف مسرية تطبيق نظام العملة املوحدة اليورو‪ ،‬ووضع أسس لنظام قانوين وتعليمي‬
‫وأمين متشابه حتكمه معايري واحدة‪ .‬إضافة إىل البدء يف التوجه القائم على االعرتاف باملواطن األورويب‪ ،‬كافرد يتجاوز‬
‫قوانني كل دولة على حدة‪ ،‬وعلى حرية التنقل والعمل يف كل بلدان االحتاد األورويب‪ .‬كما مهدت تلك االتافاقية للمحطة‬
‫الثالثة املتمثلة يف صياغة دستور أورويب‪ ،‬وتطوير نظام التصويت داخل املافوضية األوروبية‪ ،‬والبدء يف معاجلة الثغرتني‬
‫الكبريتني اللتني أبرزهتما بشكل واضح حرب اخلليج ومها احلاجة إىل تطوير سياسة خارجية ودفاعية أوروبية واحدة‪ ،‬وذلك‬
‫على طريق إقامة وحدة فيدرالية بني معظم دول االحتاد‪ .‬وقد وقعت دول االحتاد على معاهدتني جديدتني عمقتا ما جاء‬
‫يف اتافاقية ماسرتخيت للوحدة األوروبية‪ ،‬ومها معاهدة أمسرتدام يف ‪ 17‬يونيو ‪ ،1997‬ومعاهدة نيس يف ديسمرب ‪،2000‬‬
‫حيث اتضح فيهما حرص دول االحتاد على تطوير البناء األورويب من الداخل من أجل تافعيل سياساته يف اخلارج على‬
‫طريق بناء كيان أورويب موحد‪.‬‬

‫تجربة اتحاد المغرب العربي‬

‫إن من ابرز مظاهر العوملة اليوم‪ ،‬هو تصاعد وتنامي الوزن السياسي واالقتصادي واملايل واجليوإسرتاتيجي للتجمعات‬
‫اإلقليمية واليت أصبحت مبثابة أقطاب منو وتنمية بشرية زائدة‪ ،‬ومن جهة أخرى شكلت السياسات التنموية أبرز‬
‫خصائص البلدان النامية غداة مرحلة التحرر السياسي‪ ،‬ومن ضمنها الدول املغاربية اليت تزايدت حوهلا التأثريات اليت‬
‫تافرزها اإلندماجات املتسارعة لالقتصاديات املتطورة يف جماالت أصبحت بدورها عوامل ستزرع سريورة االندماج‪،‬‬
‫كتكنولوجيا املعلومات وأمتتة األنشطة الصناعية والتداخل القوي لرؤوس األموال على نطاق عاملي‪ ،‬ونتيجة لذلك أصبح‬
‫االحتاد حتديا حقيقيا للدول املغاربية‪ ،‬لضمان سيادهتا االقتصادية‪ ،‬وهو ما جتسد جتربة احتاد املغرب العريب يف كافرصة‬
‫لتقوية وتعزيز مكانة الدول املغاربية‪ ،‬وتثبيت وتأكيد سيادهتا االقتصادية على نطاق إقليمي كجواب للعوملة‬

‫‪24‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫البناء المغاربي‬

‫لقد كانت ندوة طنجة ‪ 1958‬باملغرب أول بادرة جتمع من حوهلا اتافاق زعماء الدول املغاربية الثالث آنذاك ‪ :‬املغرب‪،‬‬
‫اجلزائر وتونس‪ ،‬إلرساء أسس البناء املغريب‪ ،‬وهو احللم الذي يراود لقرون أبناء هذه املنطقة وهي بادرة تزامنت مع أوىل‬
‫االتافاقيات واملعاهدات األوروبية‪ ،‬وهي معاهدة روما يف ‪ 1957‬واليت تعد اخلطوة األوىل يف طريق االندماج مث مت أول لقاء‬
‫بني زعماء الدول املغاربية اخلمس ( ليبيا‪ ،‬تونس‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬املغرب‪ ،‬موريتانيا ) يف زرالدة باجلزائر يف ‪ 12‬جوان ‪، 1988‬‬
‫لالتافاق على مشروع مراكش والذي عرف فيما بعد باتافاقية مراكش (املغرب) ‪ .‬واليت مت توقيعها يف ‪ 17‬فيافري ‪ 1989‬وقام‬
‫جملس الرئاسة املغاريب ( وهو أعلى هيئة يف مؤسسات اإلحتاد ) يف أول لقائه يف جويلية ‪ 1990‬بوضع التوجهات الكربى‬
‫إلسرتاتيجية إقليمية‪ ،‬تتمحور أهدافها حول‪ :‬حتقيق األمن الغذائي املغاريب وترقية املوارد البشرية والطبيعية والتعجيل بتطبيق‬
‫برامج تكثيف املبادالت مع وضع سياسات مشرتكة يف كل امليادين‪ .‬وأوصى جملس الرئاسة بالشروع يف حتقيق األهداف‬
‫املسطرة ابتداء من سنة ‪ 1992‬وفق املراحل األربعة التالية‪:‬‬

‫‪ .‬إقامة منطقة تبادل حريف ‪1992‬‬

‫‪ .‬إقامة احتاد مجركي يف ‪1995‬‬

‫‪.‬إنشاء سوق مشرتكة مغاربية يف ‪2000‬‬

‫‪.‬مث الوصول إىل إرساء احتاد اقتصادي آخر وأمسى مرحلة يبلغها احتاد املغرب العريب‪.‬‬

‫وسبق ذلك حماوالت للتقارب االقتصادي بني أقطار املغرب العريب كان أشهرها قرار حترير املبادرات بني دوله بني سنوات‬
‫‪ 1964‬و ‪ ، 1970‬غري أهنا آلت إىل الافشل ‪.‬‬

‫ودول احتاد املغرب العريب تتمتع مبوقع جيوسياسي على غاية من األمهية إلشرافه على الضافة اجلنوبية للمتوسط وكذا‬
‫إشرافه على قسم كبري من احمليط األطلسي‪ ،‬وصلته بالشرق األوسط وقربه من أكرب سوق يف العامل واملتمثل يف االحتاد‬
‫األورويب ‪ ،‬وهو ميتد على مساحة تقارب ‪ 6‬ماليني كم ‪ ، 2‬وعدد سكانه يناهز ‪ 75‬مليون نسمة ‪ ،‬وحيقق ناتج حملي خام‬
‫( باستثناء ليبيا ) وصل سنة ‪ 1998‬إىل ‪ 105‬مليار دوالر‪ 53 .‬وقد أبرم االحتاد منذ تأسيسه ‪ 37‬معاهدة واتافاقية أوهلا وقعت‬
‫يف ‪ 23‬جويلية ‪ 1990‬وآخرها يف ‪ 24‬أفريل ‪ ، 1994‬قبل قرار جتميد مؤسسات وهياكل االحتاد سنة ‪ ، 1995‬على إثر‬
‫اخلالف الذي تافاقم بني املغرب واجلزائر ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫وتتميز اقتصاديات دول االحتاد بالتنافس النسيب من حيث طبيعتها اهليكلية‪ ،‬بسبب االختالف يف التوجهات االقتصادية‬
‫والسياسية التنموية اليت اعتمدهتا كل دولة عند االستقالل‪ ،‬وخاصة يف مرحلة الستينات و السبعينات‪ .‬فافي الوقت الذي‬
‫طور كل من املغرب وتونس سياسات تعتمد على االنافتاح االقتصادي‪ ،‬يستأثر فيها قطاعي الزراعة والسياحة مكانة‬
‫مرموقة ضمن األولويات‪،‬‬

‫اعتمدت كل من اجلزائر وليبيا على إسرتاتيجيات اقتصادية معتمدة ذاتيا ‪ ،‬بإقامة صناعات كثيافة رأس املال كان الافضل‬
‫للعائدات النافطية يف متويلها ‪ ،‬إال أن هذا التنافر بدأ خيف ابتداء من النصف الثاين من عقد الثمانينات بافعل سياسات‬
‫التصحيح اهليكلي الذي بدأت ختضع هلا جل اقتصاديات االحتاد ‪ ،‬بدءا باملغرب سنة ‪ ، 1983‬مث تونس سنة ‪ 1987‬وأخريا‬
‫اجلزائر سنة ‪ 1994‬وقد استهدفت برامج التصحيح اهليكلي ‪ ،‬مجلة من الغايات من أمهها‬

‫*إعادة االعتبار للتوازنات املالية الداخلية و اخلارجية من خالل التخافيض يف برامج الدعم و اإلنافاق احلكومي ‪.‬‬

‫* تنشيط عملية خصخصة األنشطة اإلقتصادية ‪،‬وإعادة النظر يف سياسات الصرف ‪.‬‬

‫* حترير أنشطة التجارة اخلارجية‪ ،‬وإدماج سياساهتا وطرائق عملها ضمن قواعد عمل املنظومة الدولية للمبادالت‪ ،‬وفق ما‬
‫تنص عليه قواعد عمل املنظمة العاملية للتجارة‪ ،‬وحققت هذه الربامج أثرا إجيابيا على اقتصاديات الدول املغاربية ( اجلزائر‪،‬‬
‫تونس‪ ،‬املغرب‪ ،‬موريتانيا) متثل يف تقريب أوضاعها االقتصادية ‪ ،‬كما وجدت دول االحتاد نافسها تواجه بعض املشاكل‬
‫املتشاهبة وهو األمر الذي قد يشكل عامال موضوعيا آخر للتقارب وتنسيق السياسات االقتصادية واملالية والتجارية‪ ،‬مبا‬
‫يستجيب ملقتضيات التقارب فيما بني هذه االقتصاديات ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬رهانات جناح احتاد املغرب العريب‬

‫يبقى جناح بناء احتاد املغرب العريب رهنا بثالثة أنساق متداخلة ومتافاعلة يف آن واحد وهي ‪:‬‬

‫‪ – 1‬مقتضى الضرورات واملربرات الذاتية إلقامة االحتاد كأسلوب لزيادة الكافاءة االقتصادية لدولة والسماح هلا باالستافادة‬
‫من املزايا املتوفرة يف كل منها ‪.‬‬

‫‪ – 2‬التحدي الذي ترفعه أوروبا املوحدة يف وجه دول اإلحتاد من خالل إقامة منطقة تبادل حر أورو‪-‬متوسطية يف أفق‬
‫‪ 2010‬ووفق ما تنص عليه قواعد املنظمة العاملية للتجارة يف جمال التافكيك الكامل للحواجز اجلمركية وغري اجلمركية أمام‬
‫حركة السلع واخلدمات ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫‪ – 3‬منطق العوملة وتأثرياته األكيدة على عمل األنظمة اإلقتصادية عرب التدخالت املتزايدة للهيئات واملؤسسات الدولية‬
‫كصندوق النقد الدويل‪ ،‬والبنك العاملي‪ ،‬واملنظمة العاملية للتجارة وكذلك الشركات املتعددة اجلنسيات والنافوذ الذي تتمتع‬
‫به داخل هذه املؤسسات‪ ،‬من خالل فرضها للمقاييس واملعايري على أساليب إدارة االقتصاد‪.‬‬

‫هذا ويبقى جناح االحتاد أيضا مرهونا بضرورة التصدي للمعظالت الرئيسية اليت تعاين منها االقتصاديات املغاربية‬
‫كاالختالفات الافاحشة يف مستويات املعيشة ‪ ،‬مما اجنر عنه بروز ظاهرة العجز الغذائي كظاهرة مزمنة ‪ ،‬نتيجة للعجز‬
‫اهليكلي يف اإلنتاج الزراعي فقد جتاوزت فاتورة الغذاء لدول االحتاد سنة ‪ 2014‬مثان مليارات دوالر‬

‫رابطة جنوب شرق آسيا ‪ASEAN‬‬

‫ميكننا القول أن التكتل االقتصادي اآلسيوي الزال يف طور التكوين‪ ،‬أي أن هناك تطورا وتغريا مستمرا يف هذا االجتاه‪،‬‬
‫وخاصة يف ظل تزايد معدالت النمو االقتصادي يف دول جنوب شرق آسيا على وجه التحديد وتصاعد مسامهتها يف‬
‫التجارة الدولية‪ ،‬ورغبة هذه الدول اآلسيوية يف محاية نافسها من موجة احلمائية املباشرة سواء من جانب اليابان أو من‬
‫جانب النمور اآلسيوية أو أكثر االقتصاديات ديناميكية ‪ ،‬الصاعدة والناهضة‪ ،‬أو ما يسمى بالدول الصناعية اجلديدة‬
‫وفقا لتصنيف منظمة التعاون االقتصادي والتنمية‪ ،‬باإلضافة إىل العمالق النائم وهو الصني ‪،‬حيث حققت هذه الدول‬
‫معدالت منو تعدت يف كثري من األحيان ‪ % 10‬سنويا‪ ،‬نقلتها إىل مشارف البلدان الصناعية املتقدمة‪ ،‬وجنحت عن طريق‬
‫اهلندسة العكسية‪ ،‬واالقتباس يف تطوير تكنولوجيا تناسب إمكانياهتا وظروفها‪ ،‬فأكسبتها قدرة تنافسية متزايدة ونصيبا‬
‫مالئما من السوق العاملي‪ .‬ورغبة من هذه النمور اآلسيوية يف محاية نافسها من موجة احلمائية املباشرة باستخدام القيود‬
‫الكمية من طرف الواليات املتحدة األمريكية وأوربا‪ ،‬أو احلمائية غري املباشرة الناجتة عن قيام التكتل االقتصادي ألمريكا‬
‫الشمالية والتكتل االقتصادي األورويب‪ ،‬ونتيجة هلذه التغريات يف االقتصاد العاملي اجلديد بادرت بعض دول اجلنوب شرق‬
‫آسيا بإقامة تكتل اقتصادي آسيوي كإسرتاتيجية دفاعية حبتة‪.‬‬

‫وقد أنشئت هذه الرابطة كنوع من احللف السياسي عام ‪ ، 1967‬ملواجهة الشيوعية اليت كانت آنذاك منتشرة يف دول‬
‫جنوب شرق أسيا خاصة فيتنام‪ ،‬كمبوديا‪ ،‬الوس‪ ،‬وبورما‪ .‬ويتكون تكتل اآلسيان من ستة دول هي تايالند وسنغافورة‬
‫وماليزيا وبر وناي وإندونيسيا والافليبني‪ ،‬وانضمت الافيتنام إىل هذا التكتل يف ‪ 28‬جويلية ‪ 1995‬ولقد ركزت هذه الرابطة‬
‫يف البداية على التنسيق السياسي مث بدأت تركز على التعاون االقتصادي بني الدول األعضاء‪،‬وكان اهلدف الرئيسي من‬
‫إنشائها اإلسراع باخلطط القومية للتنمية داخل التكتل‪ ،‬وجتدر اإلشارة إىل أن جمموعة اآلسيان مل تكن منطقة جتارة‬
‫تافضيلية يف البداية وأنشئت اتافاقية التجارة التافضيلية عام ‪ 1977‬أي بعد ‪ 10‬سنوات من إنشاء اآلسيان تقريبا‪ .‬وقد أرسى‬
‫‪27‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫هذا التكتل االقتصادي خطوة هامة على طريق تأسيس جبهة منظمة مضادة للواليات املتحدة األمريكية بالرغم من بقاء‬
‫النمو حمدودا‪ .‬فالتجارة مل تتجاوز ‪ %2‬يف ‪ 1985‬وهناك العديد من األسباب وراء عدم جناح هذه االتافاقية كعدم وجود‬
‫رغبة حقيقية من جانب متخذي القرار ‪.‬‬

‫املالحظ أن دول هذه الرابطة بدأت تتجه يف ما بعد حنو تعميق جماالت التعاون االقتصادي فيما بينها وزيادة التبادل‬
‫التجاري‪ .‬ويف عام ‪ 1991‬ظهرت فكرة إنشاء منطقة التجارة احلرة يف دول آسيا باقرتاح من رئيس وزراء تايالند‪ ،‬ومت‬
‫االتافاق على تنافيذ هذه االتافاقية يف ‪ ، 1992‬وهتدف منطقة التجارة احلرة خالل ‪ 15‬سنة ‪ -‬إىل ختافيض التعريافة اجلمركية‬
‫على التجارة البينية يف حدود ‪%05‬‬

‫ابتداء من جانافي ‪ ، 1993‬مت االتافاق على إتباع أسلوب موحد للتعريافة اجلمركية التافضيلية ويقوم هذا ‪FAST TRACK‬‬
‫األسلوب على تقسيم املنتجات إىل نوعني‪ :‬النوع األول وهو ما يسمى بالنوع السريع أما النوع الثاين يكون ختافيض‬
‫احلدود فيه بسرعة أقل من سابقه‬

‫ويالحظ أن تكتل رابطة جنوب شرق أسيا يتزايد دوره يف التجارة العاملية بشكل مطرد بدليل ‪ .‬أنه بعد أن كانت صادراته‬
‫متثل حوايل ‪ % 3,1‬من إمجايل الصادرات العاملية عام ‪ 1987‬وحوايل ‪ % 11,3‬من إمجايل صادرات الدول النامية‪ ،‬فقد‬
‫وصلت هذه الصادرات إىل حوايل ‪ 5,2%‬من إمجايل الصادرات يف العامل‪ ،‬وحوايل ‪ % 16,8‬من إمجايل صادرات الدول‬
‫النامية يف ‪ . 1994‬باإلضافة إىل أن رابطة جنوب شرق آسيا كان هلا وضع مميز يف مافاوضات اجلات مما زادها قدرة على‬
‫املساومة اجلماعية والتافاوض‪.‬‬

‫التكتل االقتصادي ألمريكا الشمالية ‪ North American Free Trade‬خيتلف عن التكتل االقتصادي األورويب ‪ ،‬من‬
‫حيث أنه يقف عند مرحلة إقامة منطقة جتارة حرة دون أن يتعداها إيل إقامة إحتاد مجركي أو سوق مشرتكة ويضم التكتل‬
‫االقتصادي ألمريكا الشمالية و الواليات املتحدة األمريكية ‪ ،‬وكندا واملكسيك وهي دول متباينة اقتصاديُا وإجتماعيا وهو‬
‫مافتوح لباقي الدول االمريكيه مبا يف ذلك بعض دول أمريكا الالتينية‪ .‬وقد بدأ سريان اتافاقية النافتا يف أول جانافي ‪1994‬‬
‫‪ ،‬وتشمل ضمن ما تشمله إلغاء الرسوم اجلمركية بني هذه الدول لنمو تسعة آالف سلعة خالل ‪ 15‬عام‪ .‬كما تتم معاملة‬
‫مستثمرين اجملموعة نافس املعاملة اليت تتم مع املستثمرين احملليني‪ ,‬ويتم فرض عقوبات جتارية إذا فشلت أي دولة يف تطبيق‬
‫قواعد ولوائح تأمني العمال‪ ,‬كما تتضمن االتافاقية حترير جتارة ( اخلدمات‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫ويعترب هذا التكتل من أكرب التكتالت االقتصادية يف العامل بعد االحتاد األورويب من ناحية احلجم و اإلمكانيات دخل‬
‫قومي ‪ 6770‬مليار دوالر‪ ,‬وجتارة خارجية ‪ 1017‬مليار دوالر‪ ,‬وعدد السكان ‪ 368‬مليون نسمة يف عام ‪ 1991‬م وتشري‬
‫الكثري من التوقعات و الدراسات حول املزايا ومدي االستافادة اليت ميكن أن تعود من قيام التكتل االقتصادي ألمريكا‬
‫الشمالية‪ ,‬أي أن هذا التكتل سيؤدي إيل زيادة ‪ 6.1 - 5.8.‬مليار دوالر يف الواليات املتحدة‪ ,‬و ‪ 2.2‬مليار دوالر يف‬
‫املكسيك‪ 2.8 ,‬مليار دوالر يف كندا‪.‬‬

‫جماعة التعاون االقتصادي آلسيا الباسيفيكية‪ APEC:‬وتتكون هذه اجلماعة من ‪ 12‬دولة وهي اليابان وأسرتاليا‬
‫والواليات املتحدة وكندا ونيوزلندة وكوريا اجلنوبية ودول األسيان‪ .‬وتقرتب فكرة هذه اجلماعة من النادي االقتصادي‬
‫(املنتدى) الذي يتم التشاور فيه حول مسائل التجارة الدولية وتنسيق السياسة االقتصادية الكلية بدون التزام مقنن مسبق‬
‫فيما بينهما‪ .‬وقد برز اجتاه حتويل هذا املنتدى على نوع من التجمع االقتصادي عام ‪ 1989‬م‪ .‬كرد فعل مباشر ملشروع‬
‫أوربا املوحدة‪ .‬وقد مت حبث األسس اليت ميكن أن يقوم عليها بدعوة من رئيس الوزراء االسرتايل يف التجمع االقتصادي‬
‫لألبيك ‪ 1991‬م وقد القت ترحيبا واهتماما كبريا من اليابان وبالافعل يف عام ‪ 1991‬مت عقد اجتماع لوزراء اقتصاد الدول‬
‫لبحث اقرتاح أسرتاليا إلنشاء جتمع ‪ APEC‬األثىن عشر يف املنتدى االقتصادي اقتصادي تكون له سكرتارية دائمة‪ .‬كما‬
‫عقد مؤمتر يف مدينة أوساكا عام ‪ 1995‬م‪ ،‬مت فيه وضع أهداف هذا التكتل االقتصادي‪ ،‬حيث حتددت األهداف‬
‫األساسية له يف ضرورة حتديد التجارة بني الدول األعضاء وحترير االستثمار وزيادة حرية تنقل رؤوس األموال بينهما‬
‫والتعاون املشرتك يف اجملال التكنولوجي وتدريب األفراد ‪ .‬والعمالة‬

‫التكتالت االقتصادية في أمريكا الالتينية‪ :‬شهدت قارة أمريكا الالتينية عدد من صور التجمعات االقتصادية اإلقليمية‪،‬‬
‫ذات األوزان الضعيافة األثر على االقتصاد العاملي اجلديد‪ ،‬ولكن مل حتقق هذه التجارب أهدافها املخططة واليت تركزت‬
‫أساسا يف حترير التجارة للوصول إىل سوق مشرتكة‪ ،‬ومل يتحقق أي جناح يف تعميق فرص التعاون والتكامل بأشكال‬
‫متطورة بني الدول بعضها البعض يف تلك االتافاقيات‪ ،‬بل األدهى من ذلك‪ ،‬أن كثريا من الدول قررت االنسحاب من‬
‫تلك االتافاقيات ‪ ،‬وفيما يلي نتعرض باختصار لبعض صور التعاون اإلقليمي يف أمريكا الالتينية‬

‫أوال السوق المشترك ألمريكا الوسطى‪ :‬وتتكون من كوستاريكا والسلافادور‪ ،‬وجواتيماال وهنداروس ونيكاراجوا وكانت‬
‫هتدف إىل إقامة منطقة جتارة حرة‪ ،‬مث احتاد مجركي‪ ،‬مع حماولة الوصول لتكوين سوق ‪ LAFTA‬إىل وحدة مع رابطة‬
‫أمريكيا الالتينية للتجارة احلرة مشرتكة ىف أمريكا الالتينية ىف عام ‪ 1985‬م‪ ،‬غري أن كل هذه األهداف توقافت فقط عند‬
‫مرحلة إقامة منطقة التجارة احلرة‬

‫‪29‬‬
‫نظريات التكامل واالندماج‬

‫ثانيًا رابطة أمريكا الالتينية للتجارة الحرة‪ )LAFTA(:‬تتكون من األرجنتني‪ ,‬بوليافيا‪,‬الربازيل‪ ,‬شيلى‪ ,‬كولومبيا‪ ,‬إكوادور‪,‬‬
‫املكسيك‪ ,‬باراجواى‪ ,‬بريو ‪ ,‬اوروجواى‪ ,‬فنزويال‪,‬وكانت هتدف اىل قيام منطقة جتارة حرة ‪ ,‬وحماولة الوصول اىل وحدة مع‬
‫السوق املشرتكة ألمريكا الوسطى ‪.‬ولكن هذه األهداف مل تتحقق‬

‫ثالثًا مجموعة األندين‪ ANDEAN:‬تتكون من بوليافيا‪ ،‬كولومبيا‪ ،‬أكوادور‪ ،‬بريو‪ ،‬وفنزويال‪ ،‬وكانت هتدف إىل متويل‬
‫املشروعات الصناعية‪ ،‬واإلسراع بالتكامل االقتصادي اإلقليمي فيما بينهما للوصول إىل احتاد مجركي‪ ،‬ويف عام ‪ 1968‬م‬
‫اتافق على تكوين السوق املشرتكة لدول ميثاق كارتيجنا اليت أنشأت ما يعرف باسم جمموعة األندين‪ ،‬غري أن فنزويال مل‬
‫تنضم إىل هذه السوق وقد أظهرت جمموعة األندين بعض النجاح واإلجنازات‪ ،‬اليت تؤكد أمكانية اجياد مدخل إقليمي‬
‫للتكتل االقتصادي األكثر مالئمة لظروف الدول النامية‪.‬‬

‫ابعا منطقة الكاريبي للتجارة الحرة‪ :‬وتتكون من أنتيجوا‪ ،‬بارباروس‪ ،‬جيانا‪ ،‬ترينداد‪ ،‬توباكو‪ ،‬مجايكا‪ ،‬جزر وارد‪ ،‬جزر‬
‫رً‬
‫وندوارد‪ ,‬وهتدف إىل إنشاء منطقة جتارة حرة‬

‫‪30‬‬

You might also like