Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 364

1

‫اإلدارة الرتب ــويــة‬


‫بني الت ــدبي ــر البيداغ ــوجي والنـ ـجـ ــاح املـ ــدرسي‬

‫مجي ــل مح ــداوي‬


‫‪ -‬سلسلة جمزوءات اإلدارة الرتبوية رقم‪-1:‬‬

‫‪2‬‬
‫اإله ـ ــداء‬

‫أهدي هذا الكتاب إىل املكون القدير الدكتور حممد الفهري اعرتافا‬
‫جبميله الرائع‪ ،‬وفضله اليانع‪ ،‬وصنيعه البارع‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫املقدم ـ ـة‬
‫يتناول هذا الكتاب التدبري البيداغوجي والنجاح املدرسي‪.‬ومن مث‪ ،‬فالكتاب موجه إىل طلبة اإلدارة‬
‫الرتبوية بصفة خاصة‪ ،‬واملكونني واألساتذة والطلبة املهتمني بقضايا الرتبية والتعليم بصفة عامة‪.‬ويعين‬
‫هذا أن الكتاب تعريف إمجايل ملفهوم التدبري وآلياته وتقنياته ومرجعياته النظرية والتطبيقية‪ .‬وبعد ذلك‪،‬‬
‫يدرس هذا املفهوم اجلديد يف احلقل الرتبوي والديدكتيكي واإلداري‪ .‬مبعىن أن الكتاب ينقل مصطلح‬
‫التدبري من احلقل االقتصادي املت علق بتسيري املقاولة وتدبريها إىل احلقل البيداغوجي لتطبيقه يف هذا‬
‫اجملال‪.‬‬

‫ويتعرض الكتاب أيضا إىل جمموعة من النظريات املتعلقة بالتعلم‪ ،‬كالتعلم الشرطي عند بافلوف‪،‬‬
‫والتعلم عن طريق احملاولة واخلطإ عند ثورندايك‪ ،‬والتعلم عن طريق التكرار عند واطسون‪ ،‬والتعلم عن‬
‫طريق التماثل بني الذايت واملوضوعي عند جان بياجي‪ ،‬والتعلم القائم على ماهو اجتماعي وثقايف عند‬
‫املدرسة البنائية املعرفية عند فيكوتسكي‪...‬‬

‫ويستعرض الكتاب كذلك تاريخ اإلصالح الرتبوي باملغرب‪ ،‬بالتوقف عند ثنائية األزمة واإلصالح‬
‫بالدرس والتحليل واملناقشة‪.‬كما يستعرض الكتاب كذلك خمتلف البيداغوجيات املعاصرة اليت عرفها‬
‫املغرب يف العقود األخرية كالتدريس اهلادف وبيداغوجيا الكفايات‪ ،‬والبيداغوجيات اليت مل يعرفها ومل‬
‫يطبقها بعد يف احلقل الرتبوي والتعلمي‪ ،‬كالبيداغوجيا اإلبداعية‪ ،‬وبيداغوجيا امللكات‪...‬‬

‫وعلى العموم‪ ،‬يهتم الكتاب بأسس مدرسة النجاح‪ ،‬ورصد سبل حتقيق اجلودة املدرسية‪ ،‬وتقدمي خمتلف‬
‫اآلليات اليت تسهم يف حتقيق مدرسة النجاح احلقيقية‪ .‬كما يتناول الكتاب مفهوم مدرسة التميز‪،‬‬
‫ومفهوم احلكامة اجليدة يف تدبري شؤون املنظومة الرتبوية‪ ،‬واملهام اليت يقوم هبا املدرس أو مدبر الفصل‬
‫الدراسي‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫عريريز وجريريل أن يلقريريى هريريذا الكتريرياب املتواضري رض ريا القريرا ‪ ،‬ويعريريود علريرييهم بريريالنف‬ ‫ويف األخريريري‪ ،‬أمتريريىن مريرين‬
‫والفائدة‪ .‬وأدعو لنفسي باملغفرة والتوبة من أي تقصري‪ ،‬أو افتخار‪ ،‬أو خيال ‪ ،‬أو ادعا ‪ ،‬أو نسيان‪ ،‬أو‬
‫خطإ‪ ،‬أو سهو‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الفص ــل األول‪:‬‬

‫التدبيــر البيداغ ــوج ــي‬


‫) جمموعة من التقنيات اليت تستعملها مؤسسة‪ ،‬أو‬ ‫(‪Management/Gestion‬‬ ‫يقصد بالتدبري‬
‫منظمة‪ ،‬أو مقاولة‪ ،‬أو شركة‪ ،‬لتحقيق أهدافها العامة واخلاصة‪ .‬وتتمثل هذه التقنيات يف التخطيط‪،‬‬
‫والتنظيم‪ ،‬والتنسيق‪ ،‬والقيادة‪ ،‬واملراقبة‪ .‬وقد يعين التدبري جمموعة من األشخاص الذين يديرون اإلدارة‪،‬‬
‫أو املقاولة‪ ،‬أو املؤسسة‪ ،‬أو املنظمة‪ ،‬سوا أكانوا مديرين‪ ،‬أم مدبرين‪ ،‬أم أطرا‪ ،‬أم مسريين‪ ،‬أم‬
‫موجهني‪...‬‬

‫وبصفة عامة‪ ،‬يعين التدبري جممل التقنيات اليت تعتمدها اإلدارة لتنفيذ أعماهلا وتصريفها‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما‬
‫يتخذ التدبري طابعا كميا باعتماده على املعايري الكمية القائمة على اإلحصا الرياضي واحملاسبايت‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يعين التدبري جمموعة من القواعد اليت تتعلق بقيادة املقاولة االقتصادية وتنظيمها‬
‫وتسيري دفتها‪ .‬أي‪ :‬إن مفهوم التدبري مفهوم اقتصادي بامتياز‪ ،‬يرتبط كل االرتباط بتسيري الشركات‬
‫واملقاوالت‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فالتدبري مبثابة إدارة شاملة ملؤسسة أو مقاولة أو منظمة ما تعمل جادة لتحقيق‬
‫اجلودة املطلوبة وفق جمموعة من املبادئ املتدرجة واملتالحقة واملتكاملة اليت تتمثل يف‪ :‬التخطيط‪،‬‬
‫والتنظيم‪ ،‬والتنسيق‪ ،‬والقيادة‪ ،‬واملراقبة‪.‬‬

‫ومل يقتصر التدبري على ماهو اقتصادي ومقاواليت وإداري فقط‪ ،‬بل جتاوز ذلك إىل ماهو تربوي‬
‫وديدكتيكي‪ ،‬بالرتكيز على املشاري الرتبوية‪ ،‬وتدبري عملية التكوين‪ ،‬واالهتمام مبختلف التعلمات يف‬
‫سريورهتا الديدكتيكية القائمة على املدخالت (األهداف والكفايات )‪ ،‬والسريورة (املضامني‪ ،‬والطرائق‪،‬‬
‫والوسائل)‪ ،‬واملخرجات(التقومي‪ ،‬والتغذية الراجعة‪ ،‬واملعاجلة‪ ،‬والدعم)‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫وإذا كان التخطيط تصورا نظريا استشرافيا‪ ،‬فإن التدبري تنفيذ وإجناز وتطبيق هلذه اخلطة النظرية التنبؤية‪.‬‬
‫ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول حممد أمزيان بأن التدبري" مرحلة التطبيق الفعلي للخطط والربامج‪ ،‬ويتم خالهلا‬
‫تدبري وضعيات التعليم والتعلم‪.‬كما يتم أيضا بنا الوضعيات اليت تسمح بنقل املعارف واخلربات والقيم‬
‫للمستفيدين وفق خطة حمكمة‪.‬‬

‫وللحكم على جودة هذه املرحلة‪ ،‬يتم تقومي نوعية الوضعيات املهنية املتبناة لنقل ملعرفة‪ ،‬وكذا طبيعة‬
‫الوسائل أو الشروط املتوفرة‪ ،‬مث املوارد املوجودة ملتابعة نتائج عملية التكوين أو إعادة التكوين‬
‫‪1‬‬
‫ورصدها‪".‬‬

‫إذاً‪ ،‬ما التدبري لغة واصطالحا؟ وما سياقه التارخيي؟ وما مدارسه ونظرياته؟ وما التدبري البيداغوجي؟ وما‬
‫التدبري الديدكتيكي؟ وما آليات تنفيذه عمليا ؟ تلكم هي اإلشكاليات اليت سوف حناول رصدها يف‬
‫هذه املباحث التالية‪:‬‬

‫املبحث األول‪ :‬التدبي ــر لغ ــة واصط ــالحا‬


‫كلمة القبل‪ ،‬ودبر البيت مؤخرته‬ ‫تشتق كلمة التدبري من فعل دبر تدبريا‪ .‬ومن مث‪ ،‬فكلمة" دبر نقي‬
‫وزاويته‪ ،‬ودبر األمر وتدبره‪ :‬نظر يف عاقبته‪ ،‬واستدبره‪ :‬رأى يف عاقبته ما مل ير يف صدره‪ ،‬والتدبري يف‬
‫األمر‪ :‬أن تنظر إىل ما تؤول إليه عاقبته‪ ،‬والتدبر‪ :‬التفكري فيه‪...‬والتدبري‪ :‬أن يتدبر الرجل أمره ويدبره‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫أي‪ :‬ينظر يف عواقبه‪".‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فالتدبري هو التخطيط املعقلن‪ ،‬وترصد العواقب قبل اإلقدام على فعل شي ما‪ ،‬والتفكري يف‬
‫األمور جبدية وعقالنية‪ .‬وقد ورد التدبري يف القرآن الكرمي مبعىن تدبر املعىن فهما وتفسريا وتأويال‪ ،‬كما‬

‫‪ -1‬حممد أمزيان‪ :‬تدبري جودة التعليم ‪ ،‬مطبعة أفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5002‬م‪ ،‬ص‪.301:‬‬
‫‪ -2‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب ‪ ،‬اجلز الراب ‪ ،‬دار صبح بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬إديسوفت‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5002‬م‪،‬‬
‫ص‪.577-571:‬‬
‫‪7‬‬
‫ذهب إىل ذلك ابن كثري يف كتابه ( تفسري القرآن العظيم)‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول ابن كثري يف تفسري‬
‫لوجدوا فيه اختالفا‬ ‫هذه الكلمة‪ " :‬قد قال تعاىل‪ ":‬أفال يتدبرون القرآن ولو كان من عند غري‬
‫كثريا"‪ ،‬يقول تعاىل آمرا هلم بتدبر القرآن‪ ،‬وناهيا هلم عن اإلعراض عنه‪ ،‬وعن تفهم معانيه احملكمة‬
‫‪3‬‬
‫وألفاظه البليغة‪"...‬‬

‫وعليه‪ ،‬فالت دبري يف مدلوله اللغوي مبعىن إعمال النظر والفكر‪ ،‬وتوق العواقب قبل اإلقدام عليها حذرا‬
‫واحرتازا واجتنابا‪.4‬‬

‫أما التدبري من حيث االصطالح‪ ،‬فهو عبارة عن جمموعة من العمليات والتقنيات واآلليات واخلطط‬
‫اإلجرائية اليت يعتمد عليها املدبر لتنفيذ األنشطة والتعلمات واملشاري يف إطار زمكاين معني‪ ،‬انطالقا‬
‫من كفايات وأهداف حمددة‪ ،‬واعتمادا كذلك على جمموعة من املوارد والطرائق والوسائل‪ ،‬سوا أكانت‬
‫مادية أم معنوية‪.‬‬

‫وتؤدي كلمة التدبري (‪ ،)Management/Gestion‬يف املعاجم والقواميس األجنبية‪ ،‬املعاين‬


‫نفسها اليت تؤديها يف اللغة العربية‪ ،‬حيث تدل هذه الكلمة على القيادة والتخطيط والتسيري والتنظيم‬
‫والقيادة واملراقبة لتحقيق اجلودة والفعالية‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬سيــاق علــم التدبي ــر‬


‫من األكيد أن التدبري قد ارتبط باإلنسان قدميا‪ ،‬منذ تواجده يف اجملتم البشري‪ ،‬فقد كان ينهج‪ ،‬يف‬
‫حياته العملية‪ ،‬سلوكا تدبرييا قائما على التخطيط‪ ،‬والتنظيم‪ ،‬والتنسيق‪ ،‬والقيادة‪ ،‬واملراقبة‪ ،‬ولكن‬
‫بطريقة عفوية الواعية والشعورية‪ ،‬تنقصها جمموعة من املبادئ العلمية والتقنني املوضوعي‪.‬‬

‫‪ -3‬ابن كثري‪ :‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬اجلز الثاين‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬طبعة ‪3111‬م‪ ،‬صص‪.142-142:‬‬
‫‪ -4‬خالد الصمدي‪ :‬مصطلحات تعليمية من الرتاث اإلسالمي ‪ ،‬منشورات املنظمة اإلسالمية للرتبية والعلوم والثقافة ‪ -‬إيسيسكو‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫سنة ‪5002‬م‪ ،‬ص‪.323:‬‬
‫‪8‬‬
‫ومل يظهر علم التدبري إال يف حضن علم االقتصاد‪ ،‬وقد تبلور يف البداية يف شكل تصورات ونظريات‬
‫وأفكار يف القرن التاس عشر‪ ،‬م انبثاق الثورة الصناعية األوىل يف أوروبا الغربية‪ ،‬حينما تطورت‬
‫الرأمسالية اإلنتاجية بفضل استخدام اآللة‪ ،‬وتطبيق نظمها يف مجي مرافق احلياة‪ ،‬فحلت اآللة حمل‬
‫اإلنسان‪ .‬وكان اهلدف من ذلك هو الرف من اإلنتاج‪ ،‬وتدبري املوارد بطريقة عقالنية وعلمية منظمة‬
‫بغية فهم النسق االقتصادي إنتاجا‪ ،‬وتوزيعا‪ ،‬وتبادال‪ ،‬واستهالكا‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فقد ارتبط علم التدبري‪ ،‬يف‬
‫هذه الفرتة‪ ،‬بنشأة املقاولة‪ ،‬لكن النظريات العلمية املتعلقة هبذا العلم مل تتشكل إال يف القرن العشرين‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فقد كان علم التدبري يسعى إىل فهم طبيعة العمل باملصان واملعامل‪ ،‬وكيفية التعامل م‬
‫التقنيات اجلديدة‪ ،‬وكيفية معاجلة طرائق اإلنتاج من أجل حتقيق مردودية ممكنة وبشكل أفضل‪.‬‬

‫ومن أهم رواد علم التدبري أدم مسيث(‪ )Adam Smith‬الذي ركز على فكرة تقسيم العمل يف كتابه‬
‫( ثروة األمم)‪ ،‬وشارل بابيج (‪ )Charles Babbage‬الذي طرح جمموعة من األفكار اليت تتعلق‬
‫بعلم التدبري‪ ،‬مثل‪ :‬رصد تكاليف اإلنتاج الصناعي‪ ،‬وكيفية تقديره‪ ،‬وتبيان املعايري الالزمة الختيار‬
‫املكان األفضل لتوطني الصناعة‪ ،‬والرتكيز على أمهية مدة اإلجناز لكل عملية صناعية‪ ،‬م العمل على‬
‫كيفية تطوير عمليات اإلنتاج الصناعي‪.‬‬

‫وهناك أيضا هنري تاون(‪ )Henry Towne‬الذي نشر جمموعة من األفكار التدبريية يف جملة‬
‫(املعامالت) اليت كانت تشرف عليها اجلمعية األمريكية للمهندسني امليكانيكيني‪ .‬وقد ركز على النظرة‬
‫الشاملة يف تصريف األعمال االقتصادية‪ ،‬واإلملام باملعلومات التقنية يف جمال التدبري‪ ،‬وحتديد أماكن‬
‫تواجد املواد األولية‪ ،‬والتثبت من تغري أسعارها‪ ،‬والتعرض إىل قضية األجور والتكاليف وغريها‪...‬‬

‫‪9‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬مدارس عل ــم التدبري‬
‫ميكن احلديث عن جمموعة من املدارس يف علم التدبري‪ ،‬وميكن حصرها فيما يلي‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬املدرسة الكالسيكية‬

‫تبلورت هذه املدرسة يف اجملال الصناعي م بداية القرن العشرين‪ ،‬وكان هدفها هو رف كفا ة العمل‬
‫واإلنتاج‪ .‬وقد سامهت هذه املدرسة يف طرح جمموعة من األفكار اليت أصبحت من صلب عمل‬
‫التدبري‪ .‬وتتفرع هذه املدرسة إىل ثالثة اجتاهات‪ .‬فاالجتاه األول يعىن بالتنظيم العلمي للعمل‪ ،‬بالرتكيز‬
‫على زاوية إنتاجية العمل‪ .‬ومن أهم ممثليه‪ :‬رالف تايلور(‪ ،)F.Taylor‬وفرانك وليليان جلربث‬
‫)‪ ،(Frank et Liliane Gilberth‬وهنري جانت)‪. (Henry Gantt‬‬

‫ويهتم االجتاه الثاين بالتنظيم الشامل إلدارة املقاولة‪ ،‬وبالطرائق اليت جتعلها أكثر فاعلية‪.‬ومن أهم ممثليه‪:‬‬
‫هنري فايول)‪ (Henry Fayol‬كما يف كتابه (اإلدارة الصناعية الشاملة) الذي صدر سنة‬
‫‪ 3132‬م‪ .‬وقد بىن فايول تدبري اإلدارة على جمموعة من القواعد‪ ،‬مثل‪ :‬التنبؤ(تصور اهلدف الذي‬
‫ينبغي حتقيقه)‪ ،‬والتنظيم‪ ،‬والتسيري أو القيادة‪ ،‬والتنسيق‪ ،‬والرقابة‪ .‬ويعرف فايول‪ ،‬يف أدبيات علم‬
‫التدبري‪ ،‬باملبادئ األربعة عشرة اليت تتمثل يف‪ :‬تقسيم العمل( احرتام التخصص)‪ ،‬والتوازن بني السلطة‬
‫واملسؤولية‪ ،‬وااللتزام بالنظام (معرفة الواجبات واحلدود الفاصلة بني املقررين واملنفذين)‪ ،‬ووحدة األمر‬
‫(مسؤول واحد)‪ ،‬واملركزية‪ ،‬والرتاتبية اإلدارية‪ ،‬ورف األجور واملكافآت حسب اإلنتاجية والكفا ة العلمية‬
‫والعملية‪ ،‬ووحدة اهلدف‪ ،‬وإرسا النظام املايل واالجتماعي‪ ،‬ومبدإ املساواة‪ ،‬ومبدإ االستقرار يف العمل‪،‬‬
‫ومبدإ املبادرة‪ ،‬ومبدإ روح الفريق‪.‬‬

‫يف حني‪ ،‬اهتم االجتاه الثالث بالبريوقراطية اإلدارية‪ ،‬بالرتكيز على السلطة يف جمال اإلدارة واالقتصاد‪،‬‬
‫وتبيان أشكال تنظيمها‪ .‬ومن أهم ممثليه‪ :‬ميشيل كروزيري(‪ ،)Michel Crozier‬وماكس‬
‫‪10‬‬
‫فيرب(‪ )Max weber‬الذي قسم السلطة إىل أنواع ثالثة‪ :‬السلطة الكاريزمية اليت تعود إىل شخصية‬
‫املسؤول اآلسرة اليت جتعل اآلخرين يلتزمون بأوامرها اقتناعا وإعجابا‪ .‬والسلطة التقليدية القائمة على‬
‫األعراف والتقاليد والوراثة‪ ،‬والسلطة الوظيفية الرمسية (البريوقراطية)‪...‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬مدرسة العالقات اإلنسانية‬

‫إذا كانت املدرسة الكالسيكية مدرسة تقنية آلية‪ ،‬فإن مدرسة العالقات ذات طبيعة إنسانية‪ ،‬هتتم‬
‫بالعامل من حيث اجلوانب النفسية واالجتماعية واإلنسانية‪ ،‬وقد تبلورت أفكارها ما بني‬
‫‪3150‬و‪3120‬م م ألتون مايو)‪ .(Alton Mayo‬بيد أن هناك أمسا أخرى سابقة مهدت هلذه‬
‫املدرسة كروبرت أوين(‪ ،)Robert Owen‬وهيجو مانسرت بريج( ‪Hugo Munster‬‬
‫‪ ،)Berg‬وماري باركر فولت(‪.)Mary Parker Follett‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬املدرسة السلوكية‬

‫ترتبط املدرسة السلوكية باملثري واالستجابة‪ ،‬وهلا عالقة مبدرسة العالقات اإلنسانية‪ .‬وتعين هذه النظرية‬
‫أن حتقيق الفعالية اإلنتاجية ال تكون إال بالتحفيز املادي واملعنوي‪ ،‬وإشباع رغبات العمال وحاجياهتم‬
‫العضوية والنفسية‪ .‬ومن مث‪ ،‬تركز هذه املدرسة كثريا على مفهوم التحفيز من خالل ربط العالقة بني‬
‫العامل واملعمل‪ .‬وإذا كانت مدرسة العالقات تركز كثريا على احلوافز املادية‪ ،‬فإن املدرسة السلوكية تركز‬
‫على احلوافز املعنوية‪.‬‬

‫ومن أهم نظريات هذه املدرسة نظرية أبراهام ماسلو(‪ )Abraham Maslow‬اليت تنبين على‬
‫جمموعة من احلاجات اليت ينبغي تلبيتها وإشباعها‪ ،‬كاحلاجة الفيزيولوجية‪ ،‬واحلاجة إىل األمن‪ ،‬واحلاجة‬
‫إىل االنتما ‪ ،‬واحلاجة إىل احرتام الذات‪ ،‬واحلاجة إىل حتقيق الذات‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬املدرسة احلديثة‬

‫مل يتأسس علم التدبري‪ ،‬يف احلقيقة‪ ،‬إال م املدرسة احلديثة يف سنوات اخلمسني األخرية من القرن‬
‫املاضي‪ .‬وقد انقسمت هذه املدرسة بدورها إىل اجتاهات وتيارات خمتلفة‪ ،‬ولكل تيار رواده ومفكروه‪.‬‬
‫ومن أهم هذه االجتاهات اجتاه طرق التدبري الكمية الذي يعتمد على الرياضيات واهلندسة واإلحصا‬
‫واملعلوماتية‪ ،‬واجتاه السلوك التنظيمي الذي يهتم بالعالقات اإلنسانية بني املديرين وفرق العمال‪ ،‬واجتاه‬
‫نظرية النظم‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬هناك اجتاهات حديثة يف جمال التدبري‪ ،‬مثل‪ :‬أمهية عمل الفرق‪ ،‬وأهلية‬
‫األطر‪ ،‬وثورة معايري اجلودة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬وظائ ــف عل ــم التدبيــر‬
‫لعلم التدبري وظيفة مركزية تتمثل يف الوظيفة اإلدارية‪ ،‬لكن تتفرع عنها جمموعة من الوظائف الفرعية اليت‬
‫ميكن حصرها يف‪:‬‬

‫‪ ‬الوظيفة التقنية القائمة على التصني والتحويل واإلنتاج؛‬

‫‪‬الوظيفة التجارية القائمة على الشرا والبي والتبادل؛‬

‫‪‬الوظيفة املالية اليت تتمثل يف التوظيف األمثل للموارد املالية؛‬

‫‪‬الوظيفة األمنية اليت تكمن يف حفظ األموال واألشخاص؛‬

‫‪‬الوظيفة احلسابية اليت تعىن حبساب املداخيل واملصاريف بطريقة إحصائية‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬يرى هنري فايول أن للتدبري أرب وظائف أساسية هي‪ :‬التخطيط( التنبؤ)‪ ،‬والتنظيم‪،‬‬
‫والقيادة أو اإلدارة‪ ،‬واملراقبة على النحو التايل‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬التخطيط‬

‫يعرف التخطيط بأنه مبثابة مسار من خالله حيدد املدبر جمموعة من األهداف لتحقيقها إجرائيا‪ ،‬م‬
‫اختيار إسرتاتيجيات العمل املناسبة لتبليغ هذه األهداف‪ .‬أي‪ :‬يهدف التخطيط إىل رسم اخلطة العامة‬
‫اليت توصل املدبر أو املؤسسة إىل حتقيق جمموعة من األهداف‪ ،‬يف ضو اإلمكانيات البشرية واملادية‬
‫واملالية والظروف السياقية‪.‬‬

‫وينبين التخطيط على جمموعة من األبعاد‪ ،‬مثل‪ :‬البعد الزمين (مىت)‪ ،‬والبعد الغرضي( حتقيق األهداف)‪،‬‬
‫والبعد الشخوصي(من)‪ ،‬والبعد الكيفي (الطريقة والوسيلة)‪ ،‬والعراقيل املمكنة (العوائق)‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬التنظيم‬

‫ا لوظيفة الثانية للتدبري هي التنظيم‪ .‬مبعىن تقسيم املنفذين إىل فرق عمل‪ ،‬والتنسيق بني أنشطتها‪ .‬مبعىن‬
‫أن هذه الوظيفة تسعى إىل مساعدة األفراد واجلماعات لتحقيق أهدافها املشرتكة‪ .‬وال تتحقق هذه‬
‫الوظيفة إال بتوفري املوارد البشرية واملادية واملالية والتقنية والوسائل املمكنة والنماذج املناسبة‪ ،‬ورصد‬
‫خمتلف التفاعالت املوجودة بني األفراد واجلماعات‪...‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬القيـ ــادة‬

‫يسعى املدبر إىل إدارة املوظفني الذين يقومون مبهمة تنفيذ األعمال وتصريفها‪ ،‬والعمل على تطويرها‪،‬‬
‫والرف من وترية سرعتها بطريقة إجيابية‪ .‬ومن مث‪ ،‬تقوم وظيفتا التواصل والتحفيز بأدوار هامة على‬
‫مستوى التدبري والقيادة واإلدارة واإلشراف والتوجيه‪ .‬واهلدف من ذلك كله هو تسهيل العمل‪ ،‬والرف‬
‫تكلفته‪ ،‬وحتفيز العاملني من أجل حتقيق األهداف املرسومة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تتوفر‬ ‫من وترية اإلنتاج‪ ،‬وختفي‬
‫يف القائد املدبر جمموعة من الشروط‪ :‬روح املبادرة واإلبداعية‪ ،‬وقوة التأثري‪ ،‬وكفا ة التنبؤ‪ ،‬واملرونة‪،‬‬
‫والصرب‪ ،‬والعمل باألهداف‪ ،‬والرتكيز على العمل بدقة‪.‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬املراقبة‬

‫تسعى املراقبة إىل اختبار اخلطط املرسومة من خالل نتائجها املتحققة يف عالقتها باألهداف املسطرة‪.‬‬
‫مبعىن أن املراقبة هي معاجلة نقدية‪ ،‬وسريورة للبحث عن جودة املال مة بني العمل وأهداف املؤسسة‪.‬‬
‫ويعين هذا كله أن مهمة املراقبة مبنية على قياس التقدم املتحقق‪ ،‬عرب خطط ومستويات‪ ،‬لتبليغ هدف‬
‫معني ‪ ،‬م تبيان درجة االحنراف احلاصلة عن الوضعية احلالية والوضعية املرغوب يف حتقيقها‪ .‬فضال عن‬
‫رصد األسباب واملعاجلات الضرورية‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬يرى هنري مينتزبريج (‪ )Henry Mintzberg‬أن للتدبري أدوارا أساسية ثالثة‪ :‬دورا‬
‫عالئقيا‪ ،‬ودورا إعالميا‪ ،‬ودورا تقريريا يتمثل يف أخذ القرار الصحيح والصائب واحلسم يف ذلك‪.‬‬

‫املبحث اخلامس‪ :‬التدبي ــر البيداغوج ــي‬


‫ينبين التدبري البيداغوجي على جمالني هامني‪ ،‬مها‪ :‬تدبري املشاري الرتبوية‪ ،‬وتدبري التكوين‪ .‬ويقصد‬
‫باملشروع جمموعة من املهام اليت هلا أهداف معينة‪ .‬مبعىن أن املشروع ينصب على إجناز مهمة أو نشاط‬
‫أو عمل تربوي وفق جمموعة من األهداف املسطرة‪ .‬عالوة على توفر جمموعة من اإلمكانيات البشرية‬
‫واملادية واملالية واملعنوية‪ .‬وتنجز هذه املهام بطريقة مرنة‪ ،‬يف فضا معني‪ ،‬ويف زمان حمدد‪ ،‬وبوسائل‬
‫مناسبة‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما تكون املشاري البيداغوجية مشاري ثقافية‪ ،‬وديدكتيكية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬وبيئية‪ ،‬وفنية‪،‬‬
‫وإعالمية‪...‬يستفيد منها املتعلم واملعلم على حد سوا ‪ .‬وختض هذه املشاري خلطة مقننة‪ ،‬وحتوي‬
‫األهداف والكفايات‪ ،‬والعمليات‪ ،‬واملخرجات التقوميية‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬يعرف املشروع الرتبوي جمموعة من املراحل‪ ،‬مثل‪ :‬تدبري املدخالت‪ ،‬وتدبري العمليات‪ ،‬وتدبري‬
‫‪5‬‬
‫املخرجات‪ ،‬وتدبري املخاطر‪ ،‬وهذا كله من أجل حتقيق اجلودة احلقيقية والفعالة‪.‬‬

‫أما تدبري التكوين‪ ،‬فيقصد به وض خطة متقنة وجيدة لتأهيل املتدربني واملوارد البشرية يف ضو‬
‫جمزو ات إجبارية وتكميلية وداعمة‪ ،‬لتمهريهم بكفا ات مهنية‪ ،‬وقدرات حرفية‪ .‬كأن نزود هؤال‬
‫مبهارات وقدرات معرفية يف جمال الرتبية العامة واخلاصة‪ ،‬أو منكنهم بآليات البحث الرتبوي وطرائق‬
‫التدريس‪ ،‬أو نقدم هلم معلومات تشريعية تتعلق بالوظيفة العمومية‪...‬ويعين هذا كله أن التدبري‬
‫البيداغوجي يهتم باملوارد البشرية من حيث التخطيط‪ ،‬والتوظيف‪ ،‬والتعيني‪ ،‬بعد عمليات االستقطاب‬
‫واالختيار واالنتقا ‪ .‬عالوة على حتليل العمل وتوزيعه وختصيصه‪ ،‬وتوصيف الوظيفة بكل مكوناهتا‪،‬‬

‫‪ -5‬حممد أمزيان‪ :‬نفسه‪ ،‬صص‪.313-304:‬‬


‫‪15‬‬
‫وترتيبها ترتيبا هرميا يف شكل سالمل ودرجات ورتب‪ ،‬وتدريب املوظفني وتكوينهم وفق معايري اجلودة‪،‬‬
‫وتأهيلهم تأهيال كفائيا‪ ،‬وتقومي أدائهم تقوميا قبليا‪ ،‬وتكوينيا‪ ،‬وإمجاليا‪ ،‬وإدماجيا‪ ،‬وإشهاديا‪ ،‬وتنمية‬
‫مسارهم الوظيفي بشكل مستمر‪.‬‬

‫والميكن احلديث عن التدبري البيداغوجي إال يف ضو سياسية ختطيطية تنبؤية‪ ،‬ووجود املكونني‬
‫األكفا ‪ ،‬وعدة التكوين‪ ،‬وتوفر اإلمكانيات البشرية واملادية واملالية بغية حتقيق الكفايات النمائية‬
‫واملستعرضة‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فالتدبري البيداغوجي الناج هو الذي ينصب على تدبري التكوين‪ ،‬وتدبري املشاري ‪ .‬وأكثر من‬
‫هذا‪ ،‬فالتدبري البيداغوجي هو جمموعة من التقنيات اليت يلتجئ إليها املكون يف عملية التكوين لتحقيق‬
‫أهدافه‪ ،‬وتنمية الكفايات املكتسبة‪...‬‬

‫وأكثر من هذا‪ ،‬يهتم التدبري البيداغوجي بتكوين األطر‪ ،‬وإجياد املناهج والتقنيات املناسبة والكفيلة حلل‬
‫املشاكل املعقدة‪ ،‬ومواجهة الوضعيات اإلدماجية املستعصية‪ ،‬وتدبري الفضا الزمكاين لتوفري حياة‬
‫مدرسية سعيدة‪ ،‬م الرتكيز على عمليات التخطيط والتنظيم والتنسيق واملراقبة والتقومي‪ ،‬وتدبري الندوات‬
‫والدروس واملشاري املشرتكة‪ .‬فضال عن تدبري األقسام املشرتكة‪ ،‬وتدبري التعليم األويل‪ ،‬وتدبري املعوقني‬
‫أو ذوي احلاجيات اخلاصة‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬يعىن التدبري البيداغوجي بالتعليم املصغر‪ ،‬وتدبري البحوث الرتبوية‪ ،‬وتدبري‬
‫التعلمات‪ ،‬وتدبري العمل اجلماعي يف ضو معطيات علم النفس االجتماعي‪ ،‬أو ديناميكية اجلماعات‪،‬‬
‫وتدبري التنشيط وفق الطرائق البيداغوجية احلديثة أو الفعالة‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬مفه ــوم التدبري الديدكتيكي‬
‫يتعلق التدبري الديدكتيكي بتدبري العملية التعليمية ‪ -‬التعلمية على مستوى املدخالت (األهداف‬
‫والكفايات)‪ ،‬وعلى مستوى العمليات ( احملتويات والطرائق ووسائل اإليضاح)‪ ،‬وعلى مستوى‬
‫املخرجات (التقومي‪ ،‬والفيدباك‪ ،‬واملعاجلة‪ ،‬والدعم)‪ .‬وال ننسى أيضا تدبري التعلمات‪ ،‬وتدبري اإليقاعات‬
‫الزمانية‪ ،‬وتدبري الفضا ات الدراسية‪ ،‬وتدبري عملية املراقبة والتقومي‪.‬‬

‫وللتدبري الديدكتيكي عالقة وثيقة مبصطلحات أخرى‪ ،‬مثل‪ :‬اإللقا ‪ ،‬والتدريس‪ ،‬وإدارة الصف‪،‬‬
‫وقيادته‪ ،‬وتدبريه‪...‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬يعىن التدبري الديدكتيكي ببنا وضعيات تعليمية‪ -‬تعلمية تطبيقية يف مدة معينة‪ ،‬وتدبريها يف‬
‫مستوى دراسي معني‪ ،‬أو ضمن مستويات دراسية خمتلفة من مستويات املدرسة االبتدائية أو اإلعدادية‬
‫أو التأهيلية‪ ،‬إما داخل فصل دراسي أحادي‪ ،‬وإما داخل فصل دراسي مشرتك‪ ،‬اعتمادا على جمموعة‬
‫من الوثائق والربامج الرمسية‪ ،‬باستعمال أشكال التنفيذ وفق مقاربات متنوعة وخمتلفة‪ ،‬مثل‪ :‬املقاربة‬
‫اإلبداعية‪ ،‬واملقاربة باملضامني‪ ،‬واملقاربة باألهداف‪ ،‬واملقاربة بالذكا ات املتعددة‪ ،‬واملقاربة بامللكات‪،‬‬
‫واملقاربة بالكفايات واإلدماج‪...‬‬

‫ويعين هذا أن التدبري الديدكتيكي هو بنا الدرس يف شكل وضعيات ديداكتيكية وإدماجية‪ ،‬حسب‬
‫مقاط فضائ ية وزمانية معينة‪ ،‬بالرتكيز على جمموعة من األنشطة اليت يقوم هبا املعلم واملتعلم معا‪ ،‬وفق‬
‫طرائق بيداغوجية ووسائل ديدكتيكية معينة‪ ،‬م متثل معايري ومؤشرات حمددة يف التقومي واملعاجلة‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬ينصب التدبري الديدكتيكي على تدبري الفصل الدراسي‪ ،‬وتدبري التعلمات وفق مقاربات خمتلفة‬

‫‪17‬‬
‫لذا‪ ،‬فمهمة تدبري الفصل الدراسي مهمة مركبة‪ ،‬تتطلب من املدرس قدرات متعددة‪ ،‬سوا تعلق األمر‬
‫بتنظيم وضعيات التعلم أم بتدبري التعلمات‪ ،‬أم بتحفيز املتعلمني‪ ،‬أم بضبط القسم‪ .‬وبالتايل‪ ،‬يشكل‬
‫تدبري التعلمات جانبا من جوانب تدبري الفصل الدراسي‪.‬‬

‫وينضاف إىل هذا أن التدبري الديدكتيكي يهتم بالوضعيات التعليمية‪ -‬التعلمية وفق مقاطعها املتنوعة‬
‫واملختلفة‪ ،‬كأن يكون مقطعا دراسيا ابتدائيا‪ ،‬أو وسطيا‪ ،‬أو هنائيا‪ .‬كما ينبين هذا التدبري على فلسفة‬
‫األهداف والكفايات اإلدماجية‪ ،‬سوا أكانت منائية أم مستعرضة‪ ،‬م االنفتاح على تقنيات الرتبية‬
‫اخلاصة وعلوم الرتبية ختطيطا‪ ،‬وتنظيما‪ ،‬وتنسيقا‪ ،‬وقيادة‪ ،‬وتقوميا‪.‬‬

‫املبحث السابع‪ :‬أه ــداف التدبي ــر الديدكتيك ــي‬


‫تتمثل أهداف التدبري الديدكتيكي يف أجرأة الكفايات واألهداف يف أرض الواق التعلمي‪ ،‬بتنفيذها‬
‫وفق وضعيات ديدكتيكية جمسدة‪ ،‬يف شكل خطاطات مفصلة‪ ،‬وجذاذات مقطعية قابلة للتنفيذ‬
‫والتطبيق‪ .‬كما يهدف التدبري الديدكتيكي إىل بنا وضعيات ديدكتيكية إجرائية وتطبيقية‪ ،‬يف شكل‬
‫مقاط تعليمية ‪ -‬تعلمية‪ ،‬تشمل خمتلف أنشطة املعلم واملتعلم‪ ،‬وأنواع التقومي واملعاجلة‪ ،‬يف إطار مكان‬
‫حمدد‪ ،‬وزمان معني‪ .‬مبعىن أن التدبري ينصب على تنظيم خمتلف العمليات الديدكتيكية يف وضعيات‬
‫إشكالية بسيطة ومعقدة يف املدرسة االبتدائية‪ ،‬أو غريها من األسالك الدراسية‪ ،‬سوا أكان ذلك يف‬
‫األقسام الصفية األحادية أم األقسام الصفية املتعددة واملشرتكة‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما يتخذ التدبري طاب التخطيط‬
‫والتنظ يم وفق وضعيات إدماجية قابلة للتقومي واملعاجلة والقياس واإلشهاد‪ ،‬يف شكل مقاط دراسية‬
‫حمددة ديدكتيكيا وإيقاعيا‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫املبحث الثامن‪ :‬أمهية التدبري الديدكتيكي‬
‫يالحظ أن للريتدبري الديداكتيكي أمهية كربى‪ .‬وتتمثل هذه األمهية اإلسرتاتيجية يف عقلنة العملية‬
‫التعليمية ‪ -‬التعلمية‪ ،‬وربط التخطيط بالتنفيذ والتطبيق والتقومي‪ ،‬وحتويل التمثالت اجملردة إىل خمططات‬
‫عملية سلوكية‪ ،‬وأجرأة الكفايات واألهداف املسطرة تطبيقا وتنفيذا‪ .‬كما أن التدبري آلية ضرورية‬
‫لتحقيق اجلودة الكمية والكيفية‪ ،‬وأداة ناجعة للتخلص من االضطراب والعشوائية والعفوية‪ .‬وينضاف‬
‫إىل ذلك أن التدبري آلية مهمة لتحسني القيادة الرتبوية وجتويدها‪ ،‬وتنظيم العملية التعليمية‪ -‬التعلمية‬
‫وفق مقاييس منهجية علمية مقننة وموضوعية‪ .‬ومن مث‪ ،‬فالتدبري إدارة شاملة جلمي العمليات اليت‬
‫تعرفها العملية الديدكتيكية من بدايتها حىت هنايتها‪.‬‬

‫املبحث التاسع‪ :‬وظائ ــف التدبري الديدكتيكي‬


‫من املعلوم أن للتدبري الديداكتيكي وظائف عدة‪ ،‬منها‪ :‬وظيفة التخطيط املرحلي على املستوى البعيد‪،‬‬
‫أو على املستوى املتوسط‪ ،‬أو على املستوى القريب‪ .‬وينبين هذا التخطيط بدوره على عملية‬
‫االستشراف والتنبؤ‪...‬‬

‫وتتمثل الوظائف األخرى للتدبري يف‪ :‬وظيفة التسيري‪ ،‬ووظيفة التوجيه والوصاية‪ ،‬ووظيفة التنظيم‪،‬‬
‫ووظيفة التطبيق‪ ،‬ووظيفة التنفيذ‪ ،‬ووظيفة التحكم‪ ،‬ووظيفة القيادة‪ ،‬ووظيفة التشكيل‪ ،‬ووظيفة التنسيق‪،‬‬
‫ووظيفة املراقبة املرحلية أو املستمرة‪ ،‬ووظيفة التوق ‪ ،‬ووظيفة التقومي والتصحيح‪ ،‬ووظيفة الدعم والتوليف‬
‫واملعاجلة‪...‬إخل‬

‫‪19‬‬
‫املبحث العاشر‪ :‬مرتكزات التدبري الديدكتيكي‬
‫ينبين التدبري الديدكتيكي على جمموعة من املرتكزات املنهجية اليت ميكن حصرها يف أنشطة املعلم‬
‫وأنشطة املتعلم اليت تقدم عرب جمموعة من املقاط الدراسية (املقط االستهاليل‪ ،‬واملقط التكويين‪،‬‬
‫واملقط النهائي)‪ ،‬واالنطالق من جمموعة من األهداف والكفايات املسطرة‪ ،‬وحتديد فضا التدبري‪،‬‬
‫والرتكيز على اإليقاع الزمين تشخيصا وتكوينا ومعاجلة‪ ،‬ورصد الوضعيات الديدكتيكية واإلدماجية‪،‬‬
‫وتنظيمها يف شكل جذاذة دراسية ختطيطا وتطبيقا وتنفيذا‪ ،‬واختيار أنواع الطرائق البيداغوجية والوسائل‬
‫الديدكتيكية اليت تسعف املدرس واملتعلم معا يف التعامل م الوضعيات الكفائية وأنواع الوضعيات‬
‫املقدمة األخرى‪.‬‬

‫ويعين هذا كله أن التدبري يأيت بعد مرحلة التخطيط السنوي واملرحلي والديدكتيكي‪ ،‬وينصب اهتمامه‬
‫على جمال التعلم ببلورة وضعيات التعلم‪ ،‬وتبيان كيفيات إجناز الدرس‪ ،‬وحتديد طرائق تدبري القسم‪،‬‬
‫وذلك كله يف عالقة جدلية مبجال التخطيط من جهة‪ ،‬وجمال التقومي والدعم من جهة أخرى‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يتطلب التدبري الديدكتيكي أن يتعرف املدرس إىل خمتلف منهجيات التدريس يف خمتلف‬
‫املستويات واألسالك التعليمية (االبتدائي‪ ،‬واإلعدادي‪ ،‬والثانوي)‪ ،‬كأن يعرف منهجية القرا ة‪،‬‬
‫ومنهجية اخلط والكتابة‪ ،‬ومنهجية التعبري‪ ،‬ومنهجية النحو والصرف واإلمال والشكل‪ ،‬ومنهجية‬
‫احملفوظات‪ ،‬ومنهجية الرتبية اإلسالمية‪ ،‬ومنهجية الوضعيات اإلدماجية والتقوميية‪...‬و يعرف أيضا كيف‬
‫تتوزع احلصص الدراسية وغالفها الزمين‪ ،‬ويعرف كذلك أنواع وضعيات التعلم من أجل حتديد الطرائق‬
‫البيداغوجية والوسائل الديدكتيكية املالئمة لتقدمي املقط الدراسي‪ ،‬أو جمموعة من املقاط‬
‫الديدكتيكية‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يستلزم التدبري الديدكتيكي التعرف إىل تقنيات التنشيط والتواصل‪ ،‬وإعداد معينات‬
‫ديدكتيكية مالئمة للمقط (املورد)‪ ،‬وتكييف خمتلف التقنيات التنشيطية والتواصلية م خصوصيات‬
‫القسم (فسم حضري‪ ،‬وقسم مشرتك‪ ،‬وقسم مكتظ‪ ،)...‬وتنوي تقنيات التواصل اللفظي وغري‬
‫اللفظي‪ ،‬م التمركز حول املتعلم‪ ،‬واستثارة قدراته الكفائية واإلدماجية‪ ،‬واالنطالق من نظريات التعلم‬
‫يف أثنا عملية التدبري‪ ،‬وبنا الدرس‪ ،‬كاالنطالق ‪ -‬مثال ‪ -‬من النظرية السلوكية‪ ،‬أو النظرية‬
‫اجلشطالتية‪ ،‬أو النظرية التكوينية جلان بياجيه‪ ،‬أو البيداغوجيا الفارقية‪ ،‬أو املقاربة الالتوجيهية‪ ،‬أو‬
‫البيداغوجيا املؤسساتية‪ ...‬ومن الضروري‪ ،‬أن يتعرف املدرس واملتعلم معا إىل مبادئ اإلدماج‪ ،‬وطريقة‬
‫إجناز مالئمة للوضعية‪.‬أي‪ :‬رصد خمتلف معايري التقومي‪ ،‬وحتديد مؤشراته‪ ،‬ووض خطط افرتاضية للدعم‬
‫واملعاجلة والتصحيح‪.‬‬

‫املبحث احلادي عشر‪ :‬ش ــروط التدبري الديدكتيكي‬


‫تراعى جمموعة من الشروط املهمة يف التدبري الديدكتيكي‪ ،‬وميكن حصرها يف األنواع التالية‪:‬‬

‫‪ ‬مراعاة الشروط السوسيوتربوية (األقسام احلضرية‪ ،‬واألقسام املكتظة‪ ،‬واألقسام املشرتكة‪)...‬؛‬

‫‪ ‬مراعاة خصوصيات التالميذ النفسية واالجتماعية واالقتصادية؛‬

‫‪‬مراعاة الفوارق الفردية بتطبيق البيداغوجيا الفارقية؛‬

‫‪ ‬مراعاة اإلمكانيات البشرية واملادية واملالية والعدة اإلدارية؛‬

‫‪ ‬االنطالق من بيئة التالميذ وحميطهم النفسي واالجتماعي والثقايف والديين والسياسي واالقتصادي؛‬

‫‪‬احرتام اإليقاعات الزمنية والتنظيمات املكانية والصفية؛‬

‫‪‬االلتزام باملقررات الرمسية والتوجيهات الوزارية؛‬


‫‪21‬‬
‫‪ ‬متثل فلسفة الرتبية اليت تنتهجها الدولة‪ ،‬كاالنطالق من بيداغوجيا الكفايات واإلدماج ‪ -‬مثال‪-‬؛‬

‫‪‬العمل على حتقيق اجلودة كما وكيفا؛‬

‫‪‬ربط خمرجات التدبري الديدكتيكي مبدخالته الرئيسية‪.‬‬

‫املبحث الثاين عشر‪ :‬أدبيات التدبي ــر الديدكتيكي‬


‫مثة جمموعة من األدبيات التشريعية والقانونية اليت نصت على مفهوم التدبري توظيفا واستثمارا وتعريفا‪.‬‬
‫ونذكر من بني هذه األدبيات‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬امليثاق الوطين للرتبية والتكوين‬

‫خصص امليثاق الوطين للرتبية والتكوين‪ ،‬منذ صدوره يف بداية األلفية الثالثة‪ ،‬اجملال اخلامس للتسيري‬
‫والتدبري‪ ،‬بعد أن خصص اجملال األول لنشر التعليم‪ ،‬وربطه باحمليط‪ .‬وخصص اجملال الثاين للتنظيم‬
‫البيداغوجي‪ .‬وحصر اجملال الثالث يف الرف من جودة الرتبية والتكوين‪.‬أما اجملال الراب ‪ ،‬فقد حصره يف‬
‫املوارد البشرية‪ .‬وخصص اجملال السادس واألخري للشراكة والتمويل‪.‬‬

‫ويتفرع كل جمال إىل جم موعة من الدعامات التنظيمية والتفصيلية‪ .‬بيد أن املشرع أشار إىل التدبري يف‬
‫اجملال الثالث‪ ،‬حينما ربطه باإليقاعات املدرسية‪ ":‬يرتكز تدبري الوقت يف جمال الرتبية والتكوين‪ ،‬مبا يف‬
‫‪6‬‬
‫ذلك اجلداول الزمنية واملواقيت واإليقاعات والعطل املدرسية‪".‬‬

‫ويعين هذا أن املقصود بالتدبري تنظيم اإليقاعات الزمنية (ساعات الدراسة السنوية واألسبوعية‪ -‬العطل‬
‫املدرسية‪ -‬توزي احلصص‪-‬اجلدول الزمين السنوي للدراسة‪)...‬‬

‫‪ -6‬وزارة الرتبية الوطنية‪ :‬املدونة القانونية للرتبية والتكوين‪ ،‬إشراف‪ :‬املهدي بنمري‪ ،‬املطبعة والوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬
‫‪5000‬م‪ ،‬ص‪.542:‬‬
‫‪22‬‬
‫و يراد بالتدبري‪ ،‬يف اجملال اخلامس‪ ،‬التسيري والتدبري بطريقة مركزية والمركزية‪ ،‬بتدبري املوارد البشرية على‬
‫املستوى اجلهوي تعيينا وتوظيفا وتقوميا‪ ،‬م ترشيد النفقات والتحكم يف املصاريف‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬دليـ ــل احلياة املدرسية‬

‫من املعروف أن التلميذ يقضي ثالث حيوات‪ :‬حياة داخل األسرة‪ ،‬وحياة يف الشارع‪ ،‬وحياة داخل‬
‫املدرسة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فقد كان البد أن تكون احلياة املدرسية حياة سعيدة‪ ،‬وأال تتحول املدرسة إىل‬
‫سجن رهيب‪ ،‬أو ثكنة عسكرية خميفة‪ ،‬حيس فيها التلميذ بامللل واخلوف والرعب واخلجل‪ .‬ومن مث‪،‬‬
‫فقد كانت احلاجة ماسة إىل تدبري حياة التلميذ داخل املؤسسة‪ ،‬خبلق األنشطة الديدكتيكية واألنشطة‬
‫املوازية لتلبية حاجيات التلميذ املعرفية والوجدانية واحلسية احلركية‪ .‬وقد ظهرت جمموعة من املذكرات‬
‫الوزارية اليت تنظم احلياة املدرسية منها‪ :‬املذكرة الوزارية رقم‪ 27‬املؤرخة بتاريخ‪30‬يوليوز لسنة ‪5001‬م‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬كان العمل باملذكرة يف املوسم الدراسي ‪5001‬و‪5004‬م‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬جملـ ــس التدبيـ ــر‬

‫يعني يف كل مؤسسة للرتبية والتكوين جملس للتدبري‪ ،‬حيضره كل من املدير‪ ،‬ومجعية اآلبا ‪ ،‬واملدرسني‪،‬‬
‫والشركا ‪ ،‬وممثلي التالميذ‪ .‬ويهتم هذا اجمللس بتدبري املؤسسة ماديا‪ ،‬وماليا‪ ،‬وتقنيا‪ ،‬وإداريا‪ ،‬وتربويا‪،‬‬
‫وديدكتيكيا‪ ،‬م التمسك مبسطرة املراقبة والتقومي والتتب ‪.‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬دليل األساتذة اجلدد بالتعليم االبتدائي‬

‫استعمل دليل األساتذة اجلدد للتعليم االبتدائي مصطلح التدبري بأشكال خمتلفة؛ إذ خيتلط مبفهوم‬
‫التخطيط تارة‪ ،‬ويأخذ منحى مستقال ليعين التسيري والتنظيم والتطبيق والتنفيذ تارة أخرى‪ .‬وقد ورد‬

‫‪23‬‬
‫مفهوم التدبري بعنوان( تدبري وضعيات اإلدماج)‪ .7‬كما ركزت مقررات مراكز الرتبية والتكوين على أرب‬
‫جمزو ات رئيسية هي‪ :‬جمزو ة القواعد‪ ،‬وجمزو ة التخطيط‪ ،‬وجمزو ة التدبري‪ ،‬وجمزو ة التقومي‪.‬‬

‫املبحث الثالث عشر‪ :‬مستلزمات التدبري الديدكتيكي‬


‫يستلزم التدبري الديدكتيكي تعبئة جمموعة من املوارد األساسية اليت تساعد املعلم واملتعلم على مواجهة‬
‫الوضعيات اإلدماجية‪ ،‬وإجياد احللول املناسبة هلا وفق بيداغوجيا الكفايات واإلدماج‪ .‬ومن بني هذه‬
‫املوارد الضرورية التمكن من ضوابط اللغة العربية الفصحى‪ ،‬ومتثل معايريها الصوتية والصرفية والرتكيبية‬
‫والداللية والبالغية والتواصلية‪ ،‬والتعرف إىل منهجية مكونات وحدة اللغة العربية بالسلكني‪ :‬األساسي‬
‫والثانوي‪ ،‬واستيعاب تقنيات التنشيط والتواصل‪ ،‬م تدبري وظيفي بنا وفعال لكل املعينات‬
‫الديدكتيكية‪ ،‬واعتماد خمتلف الطرائق البيداغوجية املناسبة لتقدمي الوضعيات الديدكتيكية واإلدماجية‪،‬‬
‫ضمن أوساط سوسيوتربوية متعددة (أقسام مكتظة‪ ،‬وأقسام بالوسط القروي‪ ،‬وأقسام متعددة‬
‫املستويات أو ما يسمى كذلك باألقسام املشرتكة‪ ،)...‬وتدبري الفوارق الفردية‪ ،‬باعتماد البيداغوجيا‬
‫الفارقية‪ ،‬وحتديد الصيغ املالئمة لتدبري أزمنة التعلم وفضا اته (عمل فردي‪ ،‬وعمل مجاعي‪ ،‬واالشتغال‬
‫يف فرق وجمموعات‪ ،)...‬والتمكن من مبادئ اإلدماج‪ ،‬والتعرف إىل كيفية بنا الوضعيات الديدكتيكية‬
‫واإلدماجية‪ ،‬وتبيان طرائق إجنازها وتنفيذها‪.‬‬

‫املبحث الرابع عشر‪ :‬أنواع التدبري الديدكتيكي‬


‫إذا كان التدبري البيداغوجي يعىن كثريا بتدبري املشاري الرتبوية‪ ،‬وتدبري التكوين‪ ،‬فإن التدبري الديدكتيكي‬
‫يهتم بتدبري الفصل الدراسي من جهة‪ ،‬وتدبري التعلمات من جهة أخرى على النحو التايل‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬تدبيـ ــر الفص ــل الدراس ــي‬

‫‪ -7‬مديرية تكوين األطر‪ :‬دليل األساتذة اجلدد بالتعليم االبتدائي‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5033‬م‪ ،‬ص‪.10:‬‬
‫‪24‬‬
‫يستوجب التدبري الديدكتيكي إملام املدرس بتقنيات تدبري الفصل الدراسي‪ ،‬وتسيريه ختطيطا وتنظيما‬
‫وتنسيقا وقيادة ومراقبة‪ .‬مبعىن أن املدرس ال ميكن أن يشرع يف تدبري التعلمات إال بعد هتيي الفصل‬
‫الدراسي هتييئا مناسبا‪ ،‬وحتضريه تربويا ونفسيا واجتماعيا لكي يستقبل املتعلم يف أحسن الظروف‬
‫وأجودها‪ .‬وأكثر من هذا يقوم الفضا الرتبوي أو الدراسي بدور هام يف حتقيق املردودية التحصيلية‬
‫واجلودة الناجعة‪.‬‬

‫والميكن لتدبري الفصل الدراسي أن ينجح إال بتمثل جمموعة من اآلليات واإلجرا ات التطبيقية لتحقيق‬
‫اجلودة احلقيقية‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬احلي ــاة املدرسي ــة‬

‫يستوجب دليل احلياة املدرسية أن يقضي املتعلم يف مدرسته فرتة زمنية مهمة‪ ،‬حيس فيها بالسعادة‬
‫واألمل والتفاؤل واالنشراح والفرح‪ .‬مبعىن أن احلياة املدرسية هي اليت تعمل على خلق جمتم دميقراطي‬
‫منفتح وواع ومزدهر داخل املؤسسات التعليمية والفضا ات الرتبوية‪ .‬وتقوم أيضا على إذابة الصراع‬
‫الشعوري والالشعوري‪ ،‬والقضا على الفوارق الطبقية‪ ،‬واحلد من كل أسباب تأجيج الصراع واحلقد‬
‫االجتماعي‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فاحلياة املدرسية هي مؤسسة تربوية تعليمية نشيطة فاعلة وفعالة‪ ،‬تعمل على‬
‫ربط املؤسسة باجملتم ‪ ،‬بتوفري حياة مفعمة بالسعادة واألمل والطمأنينة والسعادة‪ ،‬م حتقيق األمان‬
‫واحلرية احلقيقية للجمي ‪ .‬ومن مث‪ ،‬تسعى هذه احلياة املدرسية السعيدة إىل تكريس ثقافة املواطنة‬
‫الصاحلة يف إطار احرتام حقوق املتعلم‪ /‬اإلنسان داخل فضا املؤسسة‪ ،‬وتطبيق املساواة احلقيقية‪،‬‬
‫وإرسا قانون العدالة املؤسساتية‪ ،‬وفتح باب مبدإ تكافؤ الفرص على مصراعيه أمام اجلمي ‪ ،‬دون متييز‬
‫عرقي‪ ،‬أو لغوي‪ ،‬أو طبقي‪ ،‬أو اجتماعي‪ .‬إذاً‪ ،‬فالكل أمام قانون املؤسسة سواسية كأسنان املشط‬

‫‪25‬‬
‫الواحد‪ .‬ومن مث‪ ،‬فال قيمة للرأمسال املايل أو املادي يف هذا الفضا املؤسسايت أمام قوة الرأمسال الثقايف‬
‫الذي يعد معيار التفوق والنجاح‪ ،‬وأساس احلصول على املستقبل الزاهر‪.‬‬

‫و من جهة أخرى‪ ،‬يقصد باحلياة املدرسية( ‪ ،) la vie scolaire‬يف أدبيات التشري املغريب‬
‫الرتبوي‪ ،‬تلك الفرتة الزمنية اليت يقضيها التلميذ داخل فضا املدرسة‪ .‬وهي جز من احلياة العامة‬
‫للتلميذ‪ /‬اإلنسان‪ .‬وهذه احلياة مرتبطة بإيقاع تعلمي وتربوي وتنشيطي متموج حسب ظروف املدرسة‬
‫ومتوجاهتا العالئقية واملؤسساتية‪ .‬وتعكس هذه احلياة املدرسية مايق يف اجملتم من تبادل للمعارف‬
‫والقيم‪ ،‬وما يتحقق من تواصل سيكواجتماعي وإنساين‪ .‬وتعترب"احلياة املدرسية جز ا من احلياة العامة‬
‫املتميزة بالسرعة والتدفق‪ ،‬اليت تستدعي التجاوب والتفاعل م املتغريات االقتصادية والقيم االجتماعية‬
‫والتطورات املعرفية والتكنولوجية اليت يعرفها اجملتم ‪ ،‬حيث تصبح املدرسة جماال خاصا بالتنمية البشرية‪.‬‬
‫واحلياة املدرسية هبذا املعىن‪ ،‬تعد الفرد للتكيف م التحوالت العامة والتعامل بإجيابية‪ ،‬وتعلمه أساليب‬
‫احلياة االجتماعية‪ ،‬وتعمق الوظيفة االجتماعية للرتبية‪ ،‬مما يعكس األمهية القصوى إلعداد النش ‪،‬‬
‫‪8‬‬
‫أ طفاال وشبابا‪ ،‬ملمارسة حياة قائمة على اكتساب جمموعة من القيم داخل فضا ات عامة مشرتكة"‪.‬‬

‫ويتبني لنا من هذا كله أن التدبري احلقيقي الميكن جتسيده على أرض الواق إال إذا حتقق يف مدرسة‬
‫تستهدي باحلياة املدرسية بكل مقوماهتا اإلجيابية‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬البيداغوجي ــا الفارقيــة‬

‫تعين البيداغوجيا الفارقية (‪ )Pédagogie différenciée‬وجود جمموعة من التالميذ‬


‫خيتلفون يف القدرات العقلية والذكائية واملعرفية والذهنية‪ ،‬وامليول الوجدانية‪ ،‬والتوجهات احلسية احلركية‪،‬‬
‫على الرغم من وجود مدرس واحد داخل فصل واحد‪.‬ويعين هذا أن املتعلمني داخل قسم واحد‪ ،‬وأمام‬

‫‪ - 8‬وزارة الرتبية الوطنية‪ :‬دليل احلياة املدرسية‪،‬شتنرب ‪5001‬م‪ ،‬ص‪.4:‬‬


‫‪26‬‬
‫مدرس واحد‪ ،‬خيتلفون ويتميزون على مستوى االستيعاب‪ ،‬والتمثل‪ ،‬والفهم‪ ،‬والتفسري‪ ،‬والتطبيق‪،‬‬
‫واالستذكار‪ ،‬والتقومي‪ .‬ومن هنا‪ ،‬جا ت البيداغوجيا الفارقية لتهتم – أساسا‪ -‬بالطفل املتمدرس‪،‬‬
‫بإجياد حلول إجرائية وتطبيقية وعملية للحد من هذه الفوارق‪ ،‬سوا أكانت هذه احللول نفسية أم‬
‫اجتماعية أم بيداغوجية أم ديدكتيكية‪...‬‬

‫ومن مث‪ ،‬تنطلق البيداغوجيا الفارقية من القناعة القائلة بأن" أطفال الفصل الواحد خيتلفون يف صفاهتم‬
‫الثقافية واالجتماعية واملعرفية والوجدانية‪ ،‬بكيفية جتعلهم غري متكافئي الفرص أمام الدرس املوحد الذي‬
‫يقدمه هلم املعلم‪ .‬ويؤول جتاهل املدرس هلذا املبدإ إىل تفاوت األطفال يف حتصيلهم املدرسي‪ .‬وتأيت‬
‫البيداغوجيا الفارقية لتحاول التخفيف من هذا التفاوت‪ .‬ويعرف لوي لوگران البيداغوجيا الفارقية‬
‫كاآليت" هي متش تربوي‪ ،‬يستعمل جمموعة من الوسائل التعليمية‪ -‬التعلمية‪ ،‬قصد إعانة األطفال‬
‫املختلفني يف العمر والقدرات والسلوكيات‪ ،‬واملنتمني إىل فصل واحد‪ ،‬من الوصول بطرائق خمتلفة إىل‬
‫األهداف نفسها "‪.‬‬

‫لبلوغ هذا اهلدف‪ ،‬البد أن يتعرف املعلم على اخلاصيات الفردية لتالمذة فصله‪ :‬مستوى تطورهم‬
‫الذهين والوجداين واالجتماعي‪ ،‬قيمهم ومواقفهم إزا التعليم املدرسي‪ .‬وتنصح البيداغوجيا الفارقية‬
‫املربني بتقسيم تالمذة الفصل الواحد إىل فرق صغرية متجانسة‪ ،‬ومبطالبة كل فريق بعمل يتال م م‬
‫‪9‬‬
‫صفاته املميزة‪ ،‬وذلك يف إطار عقد تعليمي يربط املعلم بتالميذه‪".‬‬

‫هذا‪ ،‬ويعد الدعم أهم آلية تربوية وديدكتيكية للحد من الفوارق الفردية والتقليل منها‪ .‬ويعين هذا أن‬
‫الفصل الدراسي يشكل"جمموعة غري متجانسة من األطفال يف استعداداهتم وقدراهتم‪ ،‬مما يدعو إىل‬
‫عملية الدعم اليت تقلل من املتخلفني دراسيا عن أقراهنم‪ .‬كما ميكن النظر إىل ضرورة الدعم وأمهيته من‬

‫‪ - 9‬أمحد أوزي‪ :‬املعجم املوسوعي لعلوم الرتبية‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5002‬م‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة ‪،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ ،‬ص‪.22-24:‬‬
‫‪27‬‬
‫ناحية ثانية‪ ،‬وهي اختالف طريقة أ و أسلوب تعلم كل تلميذ‪ .‬ومعظم املدرسني اليأخذون هذا األمر‬
‫بعني االعتبار‪ ،‬فيدرسون بطريقة واحدة‪ .‬ويف هذه احلالة‪ ،‬فإن عملية الدعم التكسب معناها احلقيقي‬
‫واملفيد إال إذا مت تعليمها بطريقة خمتلفة عن الطريقة اليت علمت هبا املادة أول األمر‪.‬‬

‫إن التعريف الذي تقدمه وزارة الرتبية الوطنية لبيداغوجية الدعم والتقوية هو أنه مبثابة " جمموعة من‬
‫الوسائل والتقنيات الرتبوية اليت ميكن إتباعها داخل الفصل ( من إطار الوحدات الدراسية)‪ ،‬أو خارجية‬
‫ما قد يعرتض تعلم التالميذ من صعوبات ( عدم‬ ‫( يف إطار أنشطة املدرسة ككل)‪ ،‬لتاليف بع‬
‫الفهم‪ -‬تعثر‪ -‬تأخر‪ ،)...‬حتول دون إبراز القدرات احلقيقية‪ ،‬والتعبري عن اإلمكانيات الفعلية‬
‫‪10‬‬
‫الكامنة‪".‬‬

‫وهكذا‪ ،‬نستشف أن البيداغوجيا الفارقية من أهم الوسائل اإلجرائية اليت تسعف املدرس يف تدبري‬
‫الفصل الدراسي بشكل من األشكال‪.‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬تقنيات التنشيط الرتب ــوي‬

‫من املعلوم أن للتنشيط أمهية كربى يف جمال الرتبية والتعليم لكونه يرف من املردودية الثقافية والتحصيلية‬
‫لدى املتمدرس‪ ،‬ويساهم يف احلد من السلوكيات العدوانية‪ ،‬والقضا على التصرفات الشائنة لدى‬
‫املتعلمني‪ .‬كما يقلل من هيمنة اإللقا والتلقني‪ ،‬ويعمل على خلق روح اإلبداع‪ ،‬وامليل حنو املشاركة‬
‫اجلماعية‪ ،‬واالشتغال يف فريق تربوي‪.‬‬

‫وميكن إخراج املؤسسة التعليمية‪ ،‬عرب عملية التنشيط الفردي واجلماعي‪ ،‬من طابعها العسكري اجلامد‬
‫الذي يقوم على االنضباط وااللتزام والتأديب والعقاب‪ ،‬إىل مؤسسة بيداغوجية إجيابية فعالة صاحلة‬
‫ومواطنة‪ ،‬حيس فيها التالميذ واملدرسون بالسعادة والطمأنينة واملودة واحملبة‪ .‬ويساهم فيها الكل‪ ،‬بشكل‬

‫‪ - 10‬أمحد أوزي‪ :‬املعجم املوسوعي لعلوم الرتبية‪ ،‬ص‪.312:‬‬


‫‪28‬‬
‫مجاعي‪ ،‬يف بنائها ذهنيا ووجدانيا وحركيا‪ ،‬خبلق األنشطة األدبية والفنية والعلمية والتقنية والرياضية‪،‬‬
‫يندمج فيها التالميذ واألساتذة ورجال اإلدارة ومجعيات اآلبا وجملس التدبري واجملتم املدين على حد‬
‫سوا ‪.‬‬

‫ومن الضروري أنُ تعوض طرائق اإللقا والتلقني والتوجيه‪ ،‬يف فلسفة التنشيط اجلديد‪ ،‬ويف تصورات‬
‫البيداغوجيا اإلبداعية‪ ،‬بطرائق بيداغوجية حيوية معاصرة فعالة قائمة على الفكر التعاوين‪ ،‬وتفعيل‬
‫بيداغوجيا ديناميكية اجلماعات‪ ،‬واعتماد التواصل الفعال املنتج‪ ،‬وتطبيق الالتوجيهية‪ ،‬ومتثل‬
‫البيداغوجيا املؤسساتية من أجل حترير املتعلمني من شرنقة التموض السليب واالستالب املدمر‪،‬‬
‫ذلك كله باملشاركة الدميقراطية‬ ‫وختليصهم من قيود بريوقراطية القسم وأوامر املدرس املستبد‪ ،‬وتعوي‬
‫القائمة على التنشيط واالبتكار واإلبداع‪ ،‬بتشييد الدولة للمختربات العلمية واحملرتفات األدبية‬
‫والورشات الفنية واملقاوالت التقنية واألندية الرياضية داخل كل مؤسسة تعليمية على حدة‪ .‬وميكن‬
‫للمؤسسة أن تقوم بذلك اعتمادا على نفقاهتا ومواردها الذاتية يف حالة تطبيق قانون سيريﯖما الذي‬
‫ينص عليه امليثاق الوطين للرتبية والتكوين يف املادة ‪ 341‬ضمن اجملال اخلامس املتعلق بالتسيري‬
‫‪11‬‬
‫والتدبري‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬يعد التنشيط‪ ،‬بكل مظاهره املختلفة واملتنوعة‪ ،‬آلية إجرائية فعالة من آليات تدبري الفصل‬
‫الدراسي‪ ،‬وعامال مهما للحد من ظاهرة العنف والشغب والتمرد داخل هذا الفصل الرتبوي‪.‬‬

‫املطلب اخلامس‪ :‬ديناميكية اجلماعات‬

‫‪ - 11‬انظر‪ :‬وزارة الرتبية الوطنية‪ :‬املدونة القانونية للرتبية والتكوين ‪ ،‬إشراف‪ :‬املهدي بنمري‪ ،‬املطبعة والوراقة الوطنية‪،‬مراكش‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪5000‬م‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫من اآلليات األخرى لتدبري الفصل الدراسي تطبيق ديناميكية اجلماعات باعتبارها منهجية مهمة يف‬
‫عالج الكثري من الظواهر النفسية الشعورية والالشعورية لدى املتعلم‪ .‬كما تعد تقنية تنشيطية هامة‪،‬‬
‫ميكن االستعانة هبا يف أثنا العملية التعليمية‪ -‬التعلمية‪ .‬وتعترب كذلك طريقة فعالة يف التنشيط الرتبوي‬
‫والفين‪ ،‬وإجرا منهجي للتحكم يف التنظيم الذايت للمؤسسة‪.‬‬

‫وتستدمج ديناميكية اجلماعة املتعلمني داخل الفصل الدراسي يف مجاعات تربوية من أجل معاجلتهم‬
‫نفسيا واجتماعيا‪ ،‬بتطهريهم وترويضهم وتربيتهم على الفكر الدميقراطي‪ ،‬والتعامل الشفاف الواضح‪،‬‬
‫والتعامل الصادق‪ ،‬واملعايشة احلقيقية ملشاكل املدرسة واجملتم واألسرة على حد سوا ‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬الميكن للتلميذ أن يبدع إال داخل مجاعة دميقراطية‪ ،‬تؤمن باألخوة والتنافس‬
‫الشريف‪ ،‬وتتشبث بفكر االختالف والشورى والعدالة‪ ،‬وتعتز بقانون احلقوق والواجبات‪.‬‬

‫املطلب السادس‪ :‬القيــادة الرتبويــة‬

‫تستوجب اجلماعة الرتبوية‪ ،‬داخل الفصل الدراسي‪ ،‬قائدا مدبرا يوزع األدوار‪ ،‬ويشرف على تنظيم‬
‫اجلماعة‪ ،‬ويسهر على تنظيمها‪ ،‬ويتحمل مسؤولياهتا اجلسيمة‪ .‬ويتم اختيار هذا القائد املدبر بطريقة‬
‫انتخابية دميقراطية‪ ،‬يتوىل السلطة لفرتة معينة‪ ،‬ليتوالها قائد دميقراطي آخر‪.‬‬

‫ومن املعلوم أن مثة أنواعا ثالثة من القيادة‪ -‬حسب كورت لوين ‪ - Kurt Lewin‬قيادة دميقراطية‬
‫تساعد على اإلبداعية واالبتكار‪ ،‬وحتقيق املردودية واإلنتاجية‪ ،‬سوا أكان ذلك يف غياب املدبر أم يف‬
‫حضوره‪ ،‬وتساهم هذه القيادة التدبريية يف بروز تفاعالت إجيابية بنا ة كالتعاون‪ ،‬والتوافق‪ ،‬واالندماج‪.‬‬

‫أما القيادة األوتوقراطية‪ ،‬فرتتكن إىل استعمال العنف والقهر والتشديد يف أساليب التعامل‪ ،‬فينضبط‬
‫اجلمي يف حضور القائد املدبر‪ ،‬لكنهم يتمردون يف حالة غيابه‪ .‬ويف هذه احلالة‪ ،‬تقل اإلنتاجية‬

‫‪30‬‬
‫واملردودية واجلودة‪ ،‬وتتحول املؤسسة إىل ثكنة عسكرية‪ ،‬يصعب معها تطبيق نظرية احلياة املدرسية‬
‫لوجود قيم سلبية كالتنافر‪ ،‬والتنابذ‪ ،‬والتناحر‪ ،‬والتوتر‪.‬‬

‫وإذا انتقلنا إىل القيادة السائبة‪ ،‬فهي قيادة سلبية عابثة قائمة على فلسفة"دعه يعمل"‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فهي‬
‫قيادة فوضوية التساعد على حتقيق املردودية واإلنتاجية يف غياب القائد أو حضوره‪ ،‬وتزرع يف نفوس‬
‫املتعلمني قيم االتكال والعبث والالمسؤولية‪.‬‬

‫وبنا على هذا‪ ،‬نستشف أن النهج الدميقراطي‪ ،‬يف تدبري الفصل الدراسي‪ ،‬يساعد على منو اجلماعة‪،‬‬
‫وتطورها بشكل إجيايب فعال‪.‬‬

‫لذا‪ ،‬على املدبرين األخذ بالقيادة الدميقراطية لبلوغ النجاح احلقيقي‪،‬وحتقيق اجلودة البنا ة‪ ،‬وإضفا‬
‫النجاعة على أنشطة التسيري والتأطري‪.‬‬

‫املطلب السابع‪ :‬التواصل البيداغوجي‬

‫يتكئ التواصل الرتبوي على املرسل ( املدرس)‪ ،‬والرسالة ( املادة الدراسية)‪ ،‬واملتلقي ( التلميذ)‪ ،‬والقناة(‬
‫التفاعالت اللفظية وغري اللفظية)‪ ،‬والوسائل الديدكتيكية ( املقرر واملنهاج ووسائل اإليضاح والوسائل‬
‫السمعية البصرية‪ ،)...‬واملدخالت( الكفايات واألهداف)‪ ،‬والسياق( املكان والزمان واجملزو ات)‪،‬‬
‫واملخرجات( تقومي املدخالت)‪ ،‬والفيدباك (تصحيح التواصل‪ ،‬وإزالة عمليات التشويش وسو الفهم)‪.‬‬

‫ومن مث‪ ،‬فالتواصل الرتبوي نوعان‪ :‬تواصل لساين وتواصل غري لفظي‪ .‬فالتواصل اللفظي هو الذي يكون‬
‫بني الذوات املتكلمة‪ ،‬ويتجلى يف شكل وحدات فونيمية ومقطعية مورفيمية ومعجمية وتركيبية‪ .‬أي‪:‬‬
‫يعتمد التواصل اللغوي على أصوات‪ ،‬ومقاط ‪ ،‬وكلمات‪ ،‬ومجل‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ويتم التواصل اللغوي عرب القناة الصوتية السمعية‪ .‬أي‪ :‬يتكئ أساسا على اللغة اإلنسانية‪ ،‬ويتحقق‬
‫مسعيا وصوتيا‪ .‬فاللغة املنطوقة هلا مستوى لغوي عبارة عن نظام من العالمات الدالة وظيفتها التواصل‪.‬‬
‫وتتفق البنيوية والتداولية معا على اعتبار اللغة وسيلة للتواصل‪ ،‬على عكس التوليدية التحويلية ‪ -‬بزعامة‬
‫نوام شومسكي ‪ -‬ترى أن اللغة هلا وظيفة تعبريية‪ .‬وبالتايل‪ ،‬تقر أن التواصل ما هو إال وظيفة إىل‬
‫جانب وظائف أخرى قد تؤديها اللغة‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬ترى املدرسة الوظيفية األوربية‪ ،‬بشقيها‪ :‬الشرقي والغريب‪ ،‬أن اللغة اإلنسانية وظيفتها‬
‫التواصل؛ إذ يعرف أندري مارتيين (‪ )A.Martinet‬اللغة على أهنا متفصل مزدوج‪ ،‬وظيفتها‬
‫األساسية التواصل‪ .‬ويعين بالتمفصلني‪ :‬املونيمات والفونيمات‪ .‬وتذهب سيميولوجية التواصل إىل تبين‬
‫وظيفة املقصدية‪ ،‬وميثل هذا االجتاه‪ :‬جورج مونان‪ ،‬وبرييطو‪ ،‬وبويسنس‪ ،‬واملدرسة الوظيفية بصفة عامة‪.‬‬

‫فالذي يريد أن يدرس اللغة على أساس أهنا أداة للتواصل‪ ،‬ينبغي له أن يستند إىل علوم لسانية‪ ،‬كعلم‬
‫الداللة والسيميوطيقا والسيميولوجيا‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬يقول نادر حممد سراج‪ ":‬يتواصل متكلمو لغة‬
‫إنسانية معينة فيما بينهم بسهولة ويسر‪ ،‬وذلك مرده إىل أن كال منهم ميتلك ويستخدم يف البيئة اللغوية‬
‫عينها‪ ،‬نسق القواعد نفسه‪ ،‬األمر الذي يتيح له سهولة استقبال‪ ،‬وإرسال‪ ،‬وحتليل املرسالت اللغوية‬
‫كافة‪ ،‬هذا ما حيدث مبدئيا عرب ما نسميه شكل التواصل الكالمي ‪Communication‬‬
‫‪ verbal‬وهو الشكل األكثر انتشارا واستعماال"‪.12‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يكون التواصل‪ ،‬داخل الفصل الدراسي‪ ،‬تواصال غري لفظي‪ ،‬يعتمد على احلركات‬
‫واإلشارات والعالمات السيميوطيقية الزمنية واملكانية والعالئقية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فإن مالحظة عادية ملا جيري‬
‫داخل الفصل الدراسي من سلوكيات غري لفظية بني املدرس والتالميذ‪ ،‬تشكل كنزا من املعلومات‬

‫‪ -12‬حممد ناد ر سراج‪ ( :‬التواصل غري الكالمي بني اخلطاب العريب القدمي والنظر الراهن)‪ ،‬الفكر العريب املعاصر‪ ،‬لبنان‪ ،‬العددان‪،23/20 :‬‬
‫السنة ‪3110‬م‪ ،‬ص‪.24:‬‬
‫‪32‬‬
‫واملؤشرات على جوانب انفعالية ووجدانية‪ .‬كما تكشف عن املخفي واملستور يف كل عالقة إنسانية‪.‬‬
‫ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول فرويد‪ ":‬من له عينان يرى هبما يعلم أن البشر الميكن أن خيفوا أي سر‪ ،‬فالذي‬
‫تصمت شفتاه يتكلم بأطراف أصابعه‪ ،‬إن كل هذه السموم تفضحه"‪.13‬‬

‫ومن مث‪ ،‬يساعدنا التواصل املرئي على حتديد اجلوانب التالية‪:‬‬

‫‪ ‬حتديد املؤشرات الدالة على االنفعاالت والعالقات الوجدانية بني املرسل واملتلقي؛‬

‫‪ ‬تعزيز اخلطاب اللغوي‪ ،‬وإغنا الرسالة‪ ،‬بتدعيمها باحلركات لضمان استمرارية التواصل بني املرسل‬
‫واملتلقي؛‬

‫‪ ‬يؤشر التواصل غري اللفظي على اهلوية الثقافية للمتواصلني من خالل نظام احلركات‪ ،‬واإلشارات‬
‫اجلسدية‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬يكون التواصل‪ ،‬يف الفصل الدراسي‪ ،‬لغويا أو غري لغوي‪ .‬ويكون التواصل أيضا عموديا من‬
‫األعلى إىل األسفل كما يف املدرسة التقليدية‪ .‬ويكون تواصال متنوع اجلهات واحلركات كما يف املدرسة‬
‫احلديثة‪.‬أي‪ :‬يكون تواصال عموديا علويا وسفليا‪ .‬ويكون تواصال أفقيا يتم بني التالميذ أنفسهم‪...‬إال‬
‫أن التواصل ال يقتصر ‪ -‬اليوم‪ -‬على ماهو لفظي وبصري‪ ،‬بل أصبح تواصال رقميا متعدد األبعاد‪،‬‬
‫ينفتح على الشبكات العنقودية إعالما واتصاال وتثاقفا‪.‬‬

‫املطلب الثامن‪ :‬تدبري الفضاء الدراسي‬

‫كان الفضا الدراسي يف املدرسة التقليدية فضا عدوانيا مغلقا رتيبا‪ ،‬يتحكم فيه املدرس بشخصيته‬
‫الكاريزمية املتسلطة واملهيبة‪ ،‬حيث ميتلك معرفة مطلقة ينبغي أن يستفيد منها املتعلم مهما كانت‬

‫‪13‬‬
‫‪- Edward .T.Hall: la dimension cachée. Ed Seuil. Coll. Point, n° 89.1971, P:13.‬‬
‫‪33‬‬
‫طريقة التدريس شائنة‪ .‬وقد كان املتعلم جمرد متلق سليب‪ ،‬ال يشارك يف بنا الدرس‪ ،‬بل يكتفي بالسم‬
‫والتدوين واحلفظ والتحشية‪ .‬وكان الفضا الدراسي غري منظم وال مرتب‪ ،‬بل كان فضا ضيقا فارغا‪،‬‬
‫أو مؤثثا باحلصائر أو الزرايب املعدودة‪ ،‬جيلس عليها املتعلمون يف وضعيات غري مناسبة إطالقا‪ ،‬وغري‬
‫صاحلة للتعلم والدراسة‪ .‬وكان هذا الفضا موبو ا بالعنف والقهر والصرامة‪ ،‬ختتفي فيه احلوارية واملبادرة‬
‫والنقد والنقاش‪ ،‬وتغيب فيه احلياة السعيدة والروح الدميقراطية‪.‬‬

‫وإذا انتقلنا أيضا إىل املدرسة الغربية الكالسيكية‪ ،‬فقد كان الفصل الدراسي مبثابة مقاعد أو كراس‬
‫دراسية مصطفة‪ ،‬تتوجه حنو السبورة املعلقة يف وسط اجلدار األمامي‪ .‬وقد كان هذا الفضا الدراسي‬
‫بدوره فضا رتيبا عمودي الطاب ‪ .‬مبعىن أن املدرس كان مالك املعرفة املطلقة‪ ،‬يوزعها على التالميذ يف‬
‫اجتاه عمودي من األعلى حنو األسفل‪ .‬وعليه‪ ،‬فقد كان الفضا الدراسي الكالسيكي فضا صفيا‬
‫عموديا‪ ،‬تصطف فيه املقاعد إما بشكل فردي‪ ،‬وإما بشكل ثنائي‪ ،‬وإما بشكل متعدد‪.‬‬

‫لكن املدرسة احلديثة‪ ،‬اليت أخذت بالطرائق البيداغوجية الفعالة‪ ،‬كسرت هذا الفضا العمودي الرتيب‬
‫املغلق‪ ،‬فانفتحت على أفضية محيمة‪ ،‬كفضا الساحة‪ ،‬وفضا احلديقة‪ ،‬وفضا اللعب‪ ،‬وفضا الروض‪،‬‬
‫وفضا التعاونيات‪ ،‬وفضا البستنة‪ ،‬وفضا الرحلة‪ ،‬وفضا املنزل‪ ،‬وفضا الطب والنشر‪ ،‬والفضا‬
‫املفتوح‪ ،‬والفضا الالمدرسي‪...‬كما تغري نظام املقاعد ليتخذ بعدا عموديا‪ ،‬وأفقيا‪ ،‬ودائريا‪ ،‬ونصف‬
‫دائري‪ ،‬وشكل حذوة احلصان‪...‬‬

‫‪34‬‬
‫املطلب التاسع‪ :‬تدبري اإليقاعات الدراسية‬

‫ال ميكن للفصل الدراسي أن حيقق نتائجه اإلجيابية إال بالتحكم يف اإليقاعات الزمانية‪ .‬وهذا ما يسمى‬
‫بالتدبري الزمين‪ .‬ويشمل املواقيت‪ ،‬واستعماالت الزمان‪ ،‬واإليقاعات‪ ،‬والعطل املدرسية‪.‬‬

‫وإذا كان اإليقاع الزمين يف امل درسة التقليدية غري منظم وفق مقاييس تربوية ونفسية واجتماعية دقيقة‬
‫وواعية ومقننة؛ إذ كان األطفال حمرومني من اللعب واالسرتاحة والعطل؛ ألن ذلك يعد ‪ -‬حسب‬
‫تصورها‪ -‬تضييعا للوقت‪ ،‬وهدرا للطاقة‪ .‬فاملهم ‪ -‬إذاً‪ -‬هو حشو رؤوس املتعلمني باملعارف الكثرية‪،‬‬
‫وإن كان ذلك يف احلقيقة على حساب الكيف‪.‬‬

‫بيد أن املدرسة احلديثة قد نظمت إيقاعاهتا الزمنية بشكل جيد وفق أسس الرتبية احلديثة‪ ،‬مبراعاة‬
‫متطلبات علم النفس وعلم االجتماع‪ .‬لذا‪ ،‬فهناك أوقات متنوعة وخمتلفة‪ :‬وقت للدراسة‪ ،‬ووقت‬
‫للعب‪ ،‬ووقت لالسرتاحة‪ ،‬ووقت للتنشيط والتثقيف‪ ،‬ووقت للتجريب واالختبار‪ ،‬ووقت للعطلة‬
‫واالستجمام‪ ،‬ووقت لالحتفال باألعياد الوطنية والدينية‪ ،‬ووقت للتفرغ املنزيل‪...‬‬

‫وقد نص امليثاق الوطين للرتبية والتكوين يف املغرب على أمهية تنظيم اإليقاعات الزمنية البيداغوجية‬
‫والديدكتيكية‪ ،‬بشكل يراعي اجلوانب النفسية واالجتماعية واجلغرافية‪ ...‬فقد قسم السنة الدراسية‪ ،‬يف‬
‫املستويات التعليمية االبتدائية واإلعدادية والثانوية‪ ،‬إىل أرب مراحل‪ .‬وتتكون كل مرحلة من مثانية‬
‫أسابي ‪ ،‬واجملموع أربعة وثالثون أسبوعا كامال بالنشاط الفعلي‪ .‬وحيوي هذا الغالف الزمين مابني‬
‫‪3000‬و‪ 3500‬حصة زمنية‪ .‬وتوزع هذه احلصص الدراسية حسب احمليط اجلغرايف واحمللي‪ ،‬وميكن‬
‫للسلطة الرتبوية أن تغري اإليقاعات الزمنية حسب الظروف الطارئة‪ ،‬مثل‪ :‬الكوارث الطبيعية‪ ،‬بشرط أن‬
‫يستويف املتعلمون الغالف الزمين املقرر رمسيا‪ .‬أما على مستوى اجلامعات‪ ،‬فيمكن لرئاسة اجلامعة أن‬
‫ختتار اإليقاع الزمين الذي يتناسب م التكوين اجلامعي‪ .‬وميكن أن تأخذ بالدورة الصيفية‪ ،‬إذا كانت‬
‫‪35‬‬
‫هناك حاجة إىل ذلك‪ .‬وهلا الصالحية الكاملة يف تثبيت إيقاع زمين معني‪ ،‬أو تغيريه‪ ،‬أو تعديله جزئيا‬
‫أو كليا‪.‬‬

‫وغالبا‪ ،‬ما تبدأ الدراسة بالتعليم االبتدائي واإلعدادي والثانوي يف شهر شتنرب من كل سنة‪ ،‬وبالضبط‬
‫يف األربعا من األسبوع الثاين من الشهر نفسه‪ .‬يف حني‪ ،‬يلتحق تالميذ البكالوريا يف اليوم اخلامس‬
‫عشرة من الشهر نفسه‪ .‬يف حني‪ ،‬تنتهي السنة الدراسية يف شهر يونيو‪ ،‬وقد متتد االمتحانات (‬
‫البكالوريا مثال) حىت شهر يوليوز‪ .‬ومن مث‪ ،‬فهناك سداسيان‪ :‬السداسي األول الذي يبتدئ من شهر‬
‫شتنرب‪ ،‬وينتهي يف شهر فرباير‪ .‬والسداسي الثاين الذي يبتدئ من الشهر نفسه حىت شهر يوليوز‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬إذا كان تدبري الفصل الدراسي‪ ،‬يف املدرسة التقليدية‪ ،‬منصبا على املتعلم ومعرفته املطلقة‪ ،‬فإن‬
‫تدبري الفصل يف املدرسة احلديثة واملعاصرة يقوم على املتعلم ومعرفته الكفائية يف حل الوضعيات‬
‫املعقدة‪ .‬وينضاف إىل هذا أن تدبري الفصل خاض لعملية التخطيط احملكم يف خمتلف مراحله‪ .‬كما‬
‫خيض لعملية التنظيم مكانيا وزمانيا‪ ،‬م األخذ بقيادة مرنة دميقراطية بعيدا عن القيادة املتصلبة أو‬
‫املتسيبة؛ ألن القيادة املرنة تساعد على ضمان جو احلرية واملشاركة والتعلم الذايت‪ ،‬وتوفري فرص اخللق‬
‫واإلبداع واالبتكار‪.‬‬

‫وخنلص‪ ،‬مما سبق‪ ،‬إىل أن التدبري نوعان‪ :‬تدبري بيداغوجي يعىن باملشاري الرتبوية وتكوين األطر‪،‬‬
‫وتدبري ديدكتيكي يتعلق بتدبري الفصل الدراسي وتدبري التعلمات وفق مقاربات متنوعة وخمتلفة‪،‬‬
‫ونستحضر منها‪ :‬املقاربة املضمونية‪ ،‬ونظرية األهداف‪ ،‬وبيداغوجيا الكفايات واإلدماج‪ ،‬ونظرية‬
‫امللكات‪ ،‬ونظرية الذكا ات املتعددة‪ ،‬والبيداغوجيا اإلبداعية‪...‬‬

‫‪36‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬فالتدبري هو بنا وضعيات تعليمية ‪ -‬تعلمية‪ ،‬أو حل وضعيات إدماجية‪ ،‬داخل فصل‬
‫دراسي معني‪ ،‬سوا أكان ذلك الفصل أحاديا أم مشرتكا‪ ،‬من أجل حتقيق الكفايات األساس من‬
‫جهة‪ ،‬أو حتصيل كفايات مستعرضة من جهة أخرى‪.‬‬

‫ويهدف التدبري أيضا إىل حتقيق أهداف إجرائية معينة‪ ،‬قد تكون معرفية أو وجدانية أو حسية حركية‪.‬‬
‫مبعىن أن التدبري هو بنا األنشطة الديدكتيكية والتقوميية بشكل تطبيقي‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما تتخذ صيغة إجنازية‬
‫تنفيذية يف شكل جذاذات وخمططات مقطعية‪ ،‬م متثل توجيهات املناهج والربامج واملقررات الدراسية‬
‫الرمسية اليت تراعي خصوصيات املتعلمني ضمن فضا زمكاين معني‪ ،‬م اختيار طرائق ووسائل‬
‫ديدكتيكية وبيداغوجية معينة‪ .‬أضف إىل ذلك أن التدبري البيداغوجي والديدكتيكي هو الذي ينصب‬
‫على ختطيط األنشطة والتعلمات اخلاصة بكل مادة دراسية بشكل بنائي مفصل ووظيفي‪ ،‬وقابل‬
‫للتنفيذ واألجرأة‪ ،‬م ترقب كل الطوارئ واملستجدات اليت تربز خالل التفاعل والتواصل داخل مجاعة‬
‫القسم‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫إص ــالح التعليـ ــم‬


‫عرف املغرب‪ ،‬يف مساره السياسي واالجتماعي واالقتصادي والثقايف والتارخيي‪ ،‬منذ عهد األدارسة إىل‬
‫يومنا هذا‪ ،‬جمموعة من النظريات الرتبوية اإلصالحية على املستوى العام‪ ،‬أو على املستوى البيداغوجي‬
‫والديدكتيكي‪ .‬بيد أن اإلصالح الرتبوي مل يتحقق بشكل حقيقي إال يف القرن العشرين‪ ،‬وامتداد‬
‫سنوات األلفية الثالثة؛ إذ جرب املغرب جمموعة من النظريات والتصورات الرتبوية الوافدة إلينا من الغرب‬
‫من جهة‪ ،‬وتطوير النظريات الرتبوية الرتاثية األصيلة (نظرية امللكات) من جهة أخرى‪ .‬وقد ارتبطت‬
‫هذه اإلصالحات بالتطورات اليت كان يعرفها املغرب على مستوى البنيات السياسية‪ ،‬واالقتصادية‪،‬‬
‫واالجتماعية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬والفكرية‪ ،‬والدينية‪ ،‬واإليديولوجية‪ .‬ومن مث‪ ،‬أصبح مشكل التعليم باملغرب هو‬
‫الذي يثري كثريا من اللغط واجلدال والنقاش إىل يومنا هذا‪ .‬ومازلنا نبحث‪ ،‬إىل حد اآلن‪ ،‬عن بديل‬
‫تربوي ناج إلنقاذ منظومتنا الرتبوية والتعليمية من أزماهتا اخلانقة ومزالقها املتشابكة واملعقدة‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬مرحل ــة املــدارس العتيق ــة‬

‫من املعروف أن اإلسالم أوىل عناية كربى للرتبية‪ ،‬وحث الفرد على التعلم واإلقبال على طلب العلم‪ ،‬ال‬
‫يف مرحلة طفولته فحسب‪ ،‬بل يف كل أطوار حياته‪ ،‬عمال بقول الرسول عليه السالم "اطلبوا العلم من‬
‫املهد إىل اللحد‪"14.‬‬

‫ومنذ بداية اإلسالم‪ ،‬كانت املساجد عبارة عن مدارس للرتبية والتعليم‪ ،‬وقد عرفت نشاطا تربويا هاما‪.‬‬
‫وقد اهتم معظم اخللفا واحلكام‪ ،‬خالل التاريخ اإلسالمي‪ ،‬بشؤون الرتبية والتعليم وقضايا الفكر‬
‫واملعرفة‪ ،‬فأنشأوا مدارس ومعاهد للرتبية يف خمتلف املستويات‪ ،‬وفتحوا مكتبات وخزانات للكتب‬

‫‪ - 14‬هذا احلديث مشهور‪ ،‬وغري صحيح سندا‪.‬‬


‫‪38‬‬
‫وامل راج النفسية‪ ،‬وشجعوا البحث العلمي ماديا ومعنويا‪ .‬وكان من مثرات ذلك أن ظهر‪ ،‬يف الساحة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬مفكرون وفالسفة ضمنوا كتبهم ومصنفاهتم فصوال قيمة من الفكر الرتبوي والفلسفة الرتبوية‬
‫اليت ال نبالغ إذا قلنا ‪ -‬منذ البداية‪ -‬أهنا متتاز بعمق الفهم للكائن البشري‪ ،‬وبنضج النظرة ومشوليتها‬
‫لقضاياه ومشاكله؛ مما جعل جوانب منها ال تقل أمهية عن علم النفس الرتبوي احلديث‪ ،‬وعن‬
‫النظريات الرتبوية يف عصرنا احلاضر‪ ،‬سوا فيما يتعلق بسعة وثرا املوضوعات والنواحي اليت تناولتها‬
‫وغطتها بالدراسة أم مبا يتصل باألهداف اليت تسعى إىل حتقيقها‪ ،‬أم بالطرائق واملناهج اليت تتبعها لبلوغ‬
‫تلك األهداف‪.‬‬

‫وقد ارتبط التعليم املغريب‪ ،‬منذ الفتوحات اإلسالمية األوىل إىل يومنا هذا‪ ،‬باملدارس العتيقة‪ ،‬أو ما‬
‫يسمى أيضا باملدارس القرآنية‪ ،‬أو التعليم اإلسالمي‪ ،‬أو التعليم األصيل‪ .‬وقد قامت هذه املدارس‬
‫بتلقني العلوم النقلية‪ ،‬كالعلوم الشرعية‪ ،‬والعلوم اللغوية‪ ،‬واملعارف األدبية‪ .‬فضال عن العلوم العقلية‬
‫والكونية‪ .‬وقد سامهت هذه املدارس يف نشر الدين اإلسالمي‪ ،‬والتعريف به يف كل أرجا املغرب‪.‬‬
‫وسامهت أيضا يف توفري األطر املؤهلة والكفا ات العلمية اليت تولت مهمات التدريس‪ ،‬والفتيا‪،‬‬
‫واإلمامة‪ ،‬واخلطابة‪ ،‬والتوثيق العديل‪ ،‬والقضا ‪ ،‬واحلسبة‪ ،‬وشؤون اإلدارة‪ ،‬واالستشارة السلطانية‪ .‬كما‬
‫خترج من هذه املدارس العديد من العلما واملفكرين واملثقفني‪ ،‬والكثري من اجلهابذة املوسوعيني‬
‫املتعمقني يف كل فنون املعرفة‪ .‬وقد اشتهروا يف العامل اإلسالمي مغربا ومشرقا‪ ،‬بل خترج منها بع‬
‫بن ياسني زعيم املرابطني‪ ،‬وأمحد املنصور الذهيب‬ ‫سالطني اململكة املغربية‪ ،‬ومؤسسو دوهلا‪ ،‬كعبد‬
‫سلطان الدولة السعدية‪.‬‬

‫وي ضاف إىل ذلك أن علما هذه املدارس وطلبتها قد شاركوا يف اجلهاد‪ ،‬ومقاومة العدو األجنيب بكل‬
‫بسالة واستماتة‪ .‬ومشروا عن سواعدهم لتهذيب نفوس الناشئة املغربية روحيا وأخالقيا‪ ،‬وتطهريها من‬

‫‪39‬‬
‫الشك واإلحلاد وبراثن الشر والضاللة‪ ،‬بتأسيس جمموعة من الروابط والزوايا‪ ،‬كالزاوية الناصرية والزاوية‬
‫الشرقاوية على سبيل التمثيل ال احلصر والتقييد‪.‬‬

‫وعمل هؤال العلما كذلك على تعليم الصبيان والبنات والتالميذ‪ ،‬بتأسيس الكتاتيب القرآنية‬
‫واملساجد واملدارس واملعاهد لتلقني هؤال املتعلمني مبادئ الشريعة اإلسالمية وقواعد اللغة العربية‪،‬‬
‫وإقرار الدراسات اإلسالمية للحفاظ على العقيدة احملمدية‪ ،‬ومحاية اللغة العربية من العاميات واللهجات‬
‫احمللية‪ .‬كما ساهم هؤال العلما يف احلفاظ على املذهب املالكي‪ ،‬ومتثل التصوف السين‪ ،‬والدفاع عن‬
‫الفكر األشعري‪ ،‬واحلث على احرتام مواثيق البيعة السلطانية‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فقد قامت املدارس العتيقة بأدوار ووظائف عدة‪ ،‬كالدور الرتبوي ‪ -‬التعليمي‪ ،‬والدور‬
‫الوطين‪ ،‬والدور القومي‪ ،‬والدور األخالقي‪ ،‬والدور التأطريي التنموي‪ .‬ومازالت هذه املدارس العتيقة‬
‫تقوم بأدوارها املعهودة إىل يومنا هذا‪ ،‬بل زادت احلاجة إىل هذا النوع من املدارس‪ ،‬بعد تراج مستوى‬
‫الطلبة يف جمال العلوم الشرعية واألحباث الدينية‪ ،‬وخاصة يف ما خيص املواريث‪ ،‬والتفسري‪ ،‬وعلم‬
‫التوقيت‪ ،‬وفهم مقاصد احلديث النبوي‪ ،‬وتقعيد الفقه وأصوله‪....‬‬

‫لذا‪ ،‬سارعت الدولة املغربية‪ ،‬يف عهدي امللكني احلسن الثاين وحممد السادس‪ ،‬إىل تأسيس دار احلديث‬
‫احلسنية بالرباط‪ ،‬وتأسيس كلييت الشريعة بفاس وأكادير وكلية أصول الدين بتطوان‪ ،‬والعناية باجلوام‬
‫اإلسالمية املعروفة‪ ،‬كجام القرويني بفاس‪ ،‬وجام ابن يوسف مبراكش‪ ،‬م الرتخيص للعديد من‬
‫املعاهد والكتاتيب القرآنية بأدا وظيفتها الرتبوية والتعليمية طبقا للظهري الشريف ‪ 31.03‬الصادر يف‬
‫‪ 51‬يناير‪5005‬م‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫وإذا كانت ظاهرة املدارس التعليمية بالشرق قد ظهرت يف القرن اخلامس اهلجري‪ ،‬إبان العصر‬
‫العبا سي‪ ،‬م الوزير نظام امللك الذي أسس مدرسته العلمية ببغداد‪ ،‬وهي أول مدرسة يف الشرق ‪،15‬‬
‫كنون‪ -‬يف القرن نفسه يف عهد املرابطني م مدرسة أجلو‬ ‫فإهنا تواجدت يف املغرب ‪ -‬حسب عبد‬
‫بن ياسني؛ أحد‬ ‫اليت تأسست قرب تزنيت‪ .‬أي‪ :‬مدرسة وجاج بن زلو اليت تتلمذ فيها عبد‬
‫الباحثني إىل أهنا ظهرت يف العصر املريين يف القرن السادس‬ ‫م ؤسسي الدولة املرابطية‪ .‬ويذهب بع‬
‫اهلجري‪ ،‬كما جند ذلك عند صاحب القرطاس الذي يرج بداية تأسيسها إىل يعقوب املنصور‬
‫‪16‬‬
‫املوحدي الذي ينسب له بنا الكثري من املدارس يف كل من أفريقيا واملغرب واألندلس‪.‬‬

‫املصادر التارخيية تنفي ظهورها‬ ‫و" مما ي ؤكد هذا التضارب حول تاريخ تأسيس املدرسة‪ ،‬أن بع‬
‫باملغرب قبل القرن الساب اهلجري‪ ،‬ويأيت حممد املنوين بدوره ليثبت تاريخ تأسيس املدارس باملغرب يف‬
‫العهد املوحدي‪ ،‬وبالضبط على عهد اخلليفة املرتضى‪ ،‬الذي أسس مدرسيت القصبة‪ ،‬وجام املرتضى‪،‬‬
‫وهو جام ابن يوسف مبراكش‪.‬‬

‫إال أن املدارس كمؤسسات تعليمية‪ ،‬عرفت يف العهد املريين ازدهارا واسعا واهتماما كبريا من لدن‬
‫السالطني الذين أسسوا عدة مدارس يف املدن املغربية‪ ،‬وخاصة مدينة فاس اليت عرفت يف هذا العهد‬
‫ازدهارا ثقافيا كبريا‪ ،‬فأصبحت قبلة للعلما ‪ ،‬ومل يقتصر مشروع بنا املدارس على مدينة فاس وحدها‪،‬‬
‫‪17‬‬
‫بل استفادت منه مدن أخرى كسال ومكناس ومراكش وغريها‪".‬‬

‫لكننا نرى أن املدارس العتيقة ذات املنحى الشرعي قد ظهرت يف املغرب م الفتوحات اإلسالمية م‬
‫عقبة بن ناف ‪ ،‬وحسان بن النعمان‪ ،‬وموسى بن نصري‪ .‬وكان اهلدف من هذه الفتوحات هو نشر‬
‫‪ -15‬عبد كنون‪ :‬النبوغ املغريب يف األدب العريب‪ ،‬دار الكتاب اللبناين‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪3123‬م‪ ،‬ص‪.72:‬‬
‫‪ -16‬انظر ابن أيب زرع‪ :‬األنيس املطرب بروض القرطاس من أخبار ملوك املغرب وتاريخ مدينة فاس‪ ،‬نشر عبد الوهاب بن منصور ‪ ،‬دار‬
‫املنصور للطباعة والوراقة‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬سنة ‪ 3171‬م‪.‬‬
‫‪ -17‬رشيدة برادة‪( :‬التعليم العتيق والبنية التقليدية يف املغرب)‪ ،‬جملة علوم الرتبية‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد ‪ ،11‬مارس ‪5007‬م‪ ،‬ص‪.312:‬‬
‫‪41‬‬
‫الدين اإلسالمي يف املغرب واألندلس‪ ،‬وتفقيه الناس يف العلوم الشرعية وأصول الدين واللغة العربية‪.‬‬
‫وكانت املساجد واجلوام ‪ -‬بطبيعة احلال‪ -‬فضا ات للتوريق (الوعظ والتذكري واالستغفار واالستتابة)‬
‫والتدريس والتعليم‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬ويتميز احملتوى الدراسي‪ ،‬يف املدارس العتيقة املغربية‪ ،‬بالطاب املوسوعي‪ ،‬وتعدد املواد الدراسية اليت‬
‫كانت جتم بني العلوم النقلية والعقلية‪ .‬وتضم الئحة العلوم واملعارف اليت كانت تدرس هبذه املدارس‬
‫أزيد من أربعني علما‪ ،‬وهي" الئحة تشكلت تدرجييا‪ ،‬ابتدا من القرنني الثاين للهجرة‪ ،‬م ظهور العلوم‬
‫الشرعية اإلسالمية واأل دبية‪ ،‬وم اقتباس علوم احلضارات السابقة‪ .‬وميكن اعتبار تلك التصانيف نوعا‬
‫من املقررات الدراسية اليت ميكن للطالب أن خيتاروا منها ما يشاؤون‪ ،‬حسب عدة اعتبارات‪ ،‬غري أن‬
‫الئحة املواد املدروسة علميا يف حلقات الدروس العامة باملساجد أو املدارس أقل من نصف الالئحة‬
‫اليت تقدمها كتب تصانيف العلوم‪ ،‬وال تشتمل إال على حوايل عشرين علما فقط‪ ،‬موزعة بني علوم‬
‫دينية وأدبية وطبيعية‪ .‬ومل يكن تدريس هذه الالئحة خاضعا ملقاييس مضبوطة ومقننة‪ ،‬إذ ليس هناك‬
‫مضمون دراسي موحد ملستوى من مستويات التعليم‪ ،‬أو جلهة من جهات املغرب‪ ،‬خالل العصر‬
‫الوسيط‪ ،‬يف غياب أية سلطة تعليمية تشرف وتعمل على توحيد املقررات‪ ،‬بل كان الطالب واملدرسون‬
‫يتمتعون حبرية نسبية يف اختيار املادة اليت يرغبون يف تعلمها‪ ،‬مىت شاؤوا‪ ،‬ومن أي كتاب شاؤوا‪ ،‬وعلى‬
‫األستاذ الذي يطمئنون إليه‪ .‬لذا‪ ،‬تعددت احملتويات التعليمية‪ ،‬حسب ميول األفراد وتقاليد اجلهات‪،‬‬
‫يف وقت معني‪ .‬وم ذلك‪ ،‬ترسخت‪ ،‬يف ظل هذه احلرية النسبية وهذا التنوع‪ ،‬عوائد كانت توجه‬
‫الطالب الختيار مواد بعينها والبداية بأخرى يفرضها جمتم يتسم إمجاال باحملافظة‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬ميكن‬
‫‪18‬‬
‫مالحظة وجود وحدة داخل هذا التعدد والتنوع"‪.‬‬

‫‪ -18‬حسني أسكان‪ :‬تاريخ التعليم باملغرب خالل العصر الوسيط‪ ،‬منشورات املعهد امللكي للثقافة األمازيغية‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫سنة ‪5004‬م‪ ،‬ص‪.12-12:‬‬
‫‪42‬‬
‫وكانت الدروس‪ ،‬يف املدارس املغربية العتيقة‪ ،‬وإىل يومنا هذا‪ ،‬تنطلق من املدونات واملنظومات التعليمية‪،‬‬
‫وقرا ة الكتب‪ ،‬وتصفح نصوصها بالشرح والتفسري والتوضيح‪ ،‬ومناقشة أفكارها وأحكامها وقضاياها‪،‬‬
‫بإيراد املسائل‪ ،‬واستعراضها بالدرس والفحص‪ ،‬واستحضار كل أقوال العلما يف كل مسألة معينة‪،‬‬
‫والتم ثيل هلا من أجل استخراج جمموعة من األحكام والقواعد‪ ،‬سوا أكانت مطردة أم شاذة‪ ،‬كما هو‬
‫احلال يف الفقه والنحو‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما يتب الفقيه يف تدريسه طريقة اختصار كتب األمهات يف فنون وعلوم‬
‫شىت من أجل تقدميها لطلبته حلفظها واكتساهبا‪ ،‬سوا أفهموا ذلك أم مل يفهموا‪ .‬وقد كان التعليم‪ ،‬يف‬
‫هذه املدارس‪ ،‬يعتمد على احلفظ والتلقني‪ ،‬واختصار املتون والكتب واملصنفات يف ملخصات‪،‬‬
‫وشروح‪ ،‬وتعاليق‪ ،‬وحواش‪ ،‬وهوامش‪ ،‬ومدونات‪ .‬لذلك‪ ،‬يلتجئ املدرسون إىل اختصار املعارف‬
‫والدروس‪ ،‬يف شكل متون موجزة خمتصرة مقتضبة‪ ،‬ككتاب ( األجرومية ) يف علوم اللغة العربية‪ ،‬و(‬
‫منت الرسالة ) البن سحنون يف الفقه املالكي‪ ،‬أو يف منظومات شعرية ليسهل حفظها واستيعاهبا كألفية‬
‫بن مالك يف النحو‪ ،‬وخمتصر خليل يف فقه مالك‪.‬‬

‫و كانت هذه املنظومات التعليمية سائدة يف العصر العباسي م انتشار املظهر العقلي‪ ،‬وتسهيل‬
‫الكتب واملؤلفات من أجل حفظها واستظهارها كما هو حال ( كليلة ودمنة) البن املقف اليت حولت‬
‫شعرا‪ .‬والشي نفسه ينطبق على الكثري من الكتب الفقهية والقصص واحلكايات اليت كتبت نظما‪.‬‬
‫ومن أشهر مصنفي املنظومات التعليمية‪ ،‬يف هذا العهد‪ ،‬إبان بن عبد احلميد الالحقي‪ " ،‬فله من هذا‬
‫الفن بضعة آالف من األبيات‪ ،‬فقد نظم يف القصص والتاريخ والفقه وغري ذلك من العلوم واملعارف‪.‬‬
‫وقد نقل كتاب ( كليلة ودمنة) إىل الشعر يف أربعة عشر ألف بيت‪ ،‬فأعطاه حيىي بن خالد عليه‬
‫عشرين ألف دينار‪ ،‬وأعطاه الفضل بن حيىي مخسة آالف دينار‪ ،‬وله مزدوجات منها مزدوجة امسها "‬

‫‪43‬‬
‫ذات احللل " ذكر فيها بد اخللق وشيئا من أمر الدنيا ومن الفلك‪ ،‬واملنطق‪ ،‬مث له مزدوجات أخرى يف‬
‫‪19‬‬
‫تاريخ الفرس‪ ....،‬وله كتاب حلم اهلند‪ ،‬وكتاب الصوم واالعتكاف‪"...‬‬

‫وقد صار الشعر التعليمي ‪ -‬القائم على حتويل العلوم واملعارف إىل نظم شعري‪ -‬ظاهرة الفتة لالنتباه‬
‫يف عصور االحنطاط العثماين واجلمود الرتكي‪ ،‬والسيما يف القرنني السادس والساب اهلجريني وما‬
‫بعدمها‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬انتقل هذا الشعر‪ ،‬ومبا يستتبعه من مجود وركود وكساد وختلف‪ ،‬إىل دول املشرق‬
‫واملغرب على حد سوا ‪.‬‬

‫ومن املنظومات واملتون اليت كان يدرسها التالميذ والطلبة يف املدارس العتيقة‪ ،‬بعد حفظ القرآن الكرمي‪،‬‬
‫بن مالك‬ ‫وحفظ سنة الرسول (صلعم)‪ ،‬وتعلم العربية واحلساب‪ ،‬ما كتبه حممد بن عبد‬
‫(‪3571/‬م‪ 275/‬هري)‪ ،‬كاأللفية يف النحو‪ ،‬وهي أرجوزة من ألف بيت‪ ،‬والمية األفعال يف أبنية األفعال‪،‬‬
‫وإجياز التعريف يف علم التصريف‪ ،‬وكتاب حممد الصنهاجي ابن آجروم (‪3151‬م‪751/‬هريري) ( املقدمة‬
‫اآلجرومية يف مبادئ علم العربية )‪ ،‬فضال عن كتب أخرى كالمية اجملرادي‪ ،‬واملرشد املعني البن‬
‫عاشر‪ ،‬ونظم مقدمات ابن رشد أليب زيد الفاسي‪ ،‬ومنظومة الرمسوكي يف الفرائ ‪ ،‬ورسالة أيب زيد‬
‫القريواين‪ ،‬ومنظومة السماليل يف احلساب‪...‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فقد كان الربنامج أو املقرر الدراسي‪ ،‬يف املدارس العتيقة املغربية‪ ،‬يتكون من وحدات‬
‫أساسية‪ ،‬تتمثل يف العلوم الشرعية كتفسري القرآن وعلومه‪ ،‬وحفظ احلديث م علومه وشروحه‪ ،‬ودراسة‬
‫الفقه وأصوله‪ ،‬والتمكن من أصول الدين والعقيدة‪ ،‬ومتثل مبادئ األخالق‪ ،‬والتبحر يف علوم التصوف‪،‬‬
‫واالستهدا بالسرية النبوية العطرة‪.‬‬

‫‪ -19‬علي مجيل مهنا‪ :‬األدب يف ظل اخلالفة العباسية ‪،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪3123‬م‪ ،‬ص‪.325-323:‬‬
‫‪44‬‬
‫أما العلوم الثانوية اليت الميكن االستغنا عنها‪ ،‬وهي عدة املتعلم الضرورية يف فهم العلوم الشرعية‬
‫وتفسريها‪ ،‬فتتمثل يف حتصيل علوم العربية من حنو‪ ،‬وصرف‪ ،‬وبالغة‪ ،‬ودراسة لألدب‪.‬‬

‫وهناك وحدات تكميلية البد للمتعلم من التعرف عليها‪ ،‬وهي مبثابة علوم عقلية تأيت بعد حتصيل‬
‫العلوم النقلية‪ ،‬كاإلملام باملنطق‪ ،‬والتوقيت‪ ،‬واحلساب‪ ،‬والفلسفة‪....‬‬

‫ومن مث‪ ،‬تتميز هذه املدارس العتيقة بأصالة احملتويات‪ ،‬وجدية التعلم‪ ،‬والعمق يف االستيعاب‪ ،‬ومناقشة‬
‫املسائل‪ ،‬والتنوع يف الوحدات الدراسية‪ ،‬والنزعة املوسوعية يف حتصيل جمموعة من الفنون والعلوم‬
‫واملعارف‪ ،‬واالعتماد على الشرح واحلفظ والتلقني واإلفهام‪ .‬ومن هنا‪ ،‬ترتكز برامج هذه املدارس بصفة‬
‫عامة على " احلوم حول الدين‪ :‬قرآنا وحديثا وفقها وأصوال وعقيدة وتصوفا‪ .‬والعناية بعلوم اللغة‬
‫العربية‪ ،‬باعتبارها وسائل ضرورية لفهم الدين‪ ،‬وإدراك مقاصد مصدريه األصليني‪ :‬القرآن الكرمي‪،‬‬
‫‪20‬‬
‫واحلديث الشريف‪ .‬والرتكيز على األخالق وتطهري النفس من الرعونات واألدران‪".‬‬

‫وتتمثل منهجية التدريس‪ ،‬يف املدارس العتيقة‪ ،‬يف شرح املسائل الشرعية واللغوية والكونية شرحا‬
‫مستفيضا‪ ،‬م تفريعها استنباطا واستطرادا وإسهابا وتقعيدا‪ ،‬باالعتماد على الشواهد القرآنية واحلديثية‬
‫واللغوية‪ ،‬واستقرا الوقائ التارخيية والدينية والواقعية والعقلية واإلخبارية والسردية والعرفانية لتوضيح‬
‫الدرس وتعميقه‪ .‬وال ينتهي العامل من باب معريف حىت ينتقل إىل باب آخر‪ ،‬ليشبعه درسا وفحصا‬
‫ومتحيصا إىل أن ميل طلبة العلم‪ ،‬ويوشكون على االنصراف‪.‬‬

‫وإليكم منهجية موسى العبدوسي يف التدريس واإلقرا والتعليم جبوام فاس‪ ،‬وهو من كبار علما‬
‫العصر املريين‪ ،‬ومن جهابذة رجال الفكر وفطاحل الفقه وعلوم العربية‪ ،‬وكان له صيت كبري يف املغرب‬

‫‪ -20‬عبد السالم األمحر‪( :‬حوار م الدكتور اليزيد الراضي الفقيه الشاعر حول واق التعليم العتيق)‪ ،‬جملة تربيتنا‪ ،‬املغرب‪ ،‬عدد‪ ،2‬ربي الثاين‬
‫‪3452‬هري‪ ،‬ماي‪5002‬م‪ ،‬صص‪.41-11:‬‬
‫‪45‬‬
‫واملشرق على حد سوا ‪ "،‬إذا قرأ املدونة فاستم ملا يوحى‪ :‬يبتدئ يف املسألة من كبار أصحاب مالك‪،‬‬
‫مث ينزل طبقة طبقة حىت يصل إىل علما األقطار من املصريني واألفريقيني واملغاربة واألندلسيني وأئمة‬
‫اإلسالم وأهل الوثائق واألحكام حىت يكل السام وينقط عن حتصيله الطام ‪ .‬وكذا إذا انتقل إىل‬
‫طريقته يف املدونة‪.‬‬ ‫الثانية وما بعدها‪ ،‬هذا بع‬

‫وأما إذا ارتقى الكرسي‪ ،‬يعين كرسي التفسري‪ ،‬فرتى أمرا معجزا ينتف به من قدر له نفعه من اخلاصة‬
‫والعامة‪ .‬يبتدئ بأذكار وأدعية مرتبة‪ ،‬يكررها كل صباح ومسا حيفظها الناس ويأتوهنا من كل فج‬
‫عميق‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬يقرأ القارئ آية فال يتكلم شي منها إال قليال‪ ،‬مث يفتتح فيما يناسبها من‬
‫األحاديث النبوية‪ ،‬وأخبار السلف وحكايات الصوفية وسري النيب وأصحابه والتابعني‪.‬مث بعدها‪ ،‬يرج‬
‫إىل اآلية‪ ،‬ورمبا أخذ يف نقل األحاديث فيقول احلديث األول كذا والثاين كذا والثالث كذا إىل املائة‬
‫فأزيد‪ ،‬مث كذلك يف املائة الثانية‪ ،‬والشك يف الثالثة"‪.‬‬

‫مث قال‪ ":‬وكذلك فعل يف إقرائه للعربية‪ ،‬فبدأ بأصحاب سيبويه‪ ،‬مث نزل إىل السريايف وشراح الكتاب‬
‫وطبقات النحويني حىت مل احلاضرون وكلوا‪ .‬ومازال كذلك حىت ذهبوا ومل يراج يف ذلك‪ ،‬وقد كان‬
‫قصدهم اختباره وامتحانه"‪.21‬‬

‫وكان العلما املغاربة يتتب عون طرائق تربوية عدة يف التدريس‪ ،‬ميكن حصرها يف الطرائق البيداغوجية‬
‫السب التالية‪:‬‬

‫‪‬الطريقة املعجمية االصطالحية اليت تعتمد على شرح النصوص‪ ،‬وفك غموضها ومبهماهتا دون‬
‫زيادة؛ ألن الزيادة تضر باملتعلم كما هي طريقة حممد بن عرفة (تويف سنة‪201‬هري) يف القرن الثامن‬
‫اهلجري‪ ،‬وكان يرتك للمتعلم حرية استنتاج ما ميكن استنتاجه؛‬

‫‪ -21‬عبد كنون‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.315:‬‬


‫‪46‬‬
‫‪‬الطريقة العراقية اليت تتكئ على املنهج العقلي يف مناقشة النص‪ ،‬وتصنيف معلوماته‪ ،‬والبحث يف‬
‫األدلة والقياس والرباهني احلجاجية‪ ،‬دون االهتمام بتصحيح الروايات أو الوقوف عند معاين األلفاظ‬
‫على طريقة القريوانيني يف تدريس املدونة؛‬

‫‪‬الطريقة القريوانية اليت تستند إىل املنهج النقلي يف التعامل م النص؛ إذ هتتم بالدراسة النحوية‬
‫اإلعرابية واملعجمية‪ ،‬مث تطبيق منهج اجلرح والتعديل يف نقد الروايات سندا ومتنا‪ ،‬والتعرض لرجال‬
‫السند وأخبارهم؛‬

‫‪‬الطريقة املغربية املعروفة لدى القاضي عياض يف القرنني اخلامس والسادس اهلجريني‪ ،‬وكانت جتم‬
‫بني الطريقتني العراقية والقريوانية‪ .‬أي‪ :‬بني املنهج العقلي واملنهج النقلي؛‬

‫‪‬الطريقة الفاسية جندها يف القرن الساب اهلجري م عبد العزيز العبدوسي (تويف سنة ‪117‬هري)‬
‫الذي كان ينطلق من املدونة أساسا للدرس‪ ،‬وإثرائه مما قيل يف املوضوع املدروس من املؤلفات الفقهية‬
‫األخرى‪ .‬وقد طبق هذه املنهجية يف تدريس ألفية بن مالك اليت جعلها منطلقا لدراسته اللغوية‪،‬‬
‫فيستعرض آرا النحاة طبقة طبقة إىل أن يصل إىل العلما املتأخرين‪ ،‬سوا أكانوا يف املشرق أم يف‬
‫املغرب‪ .‬وممن اشتهر هبذه الطريقة الشيخ ابن غازي حممد القوري(تويف سنة‪725‬هري)‪ .‬يقول أحد‬
‫تالميذه عن جملسه‪ ":‬بأنه كثري الفوائد مليح احلكايات‪ .‬الزمته يف املدونة أعواما‪ ،‬ينقل عنها كالم‬
‫املتقدمني واملتأخرين من الفقها واملوثقني‪ ،‬ويطرز ذلك بذكر موالدهم ووفياهتم وحكاياهتم‪ ،‬وضبط‬
‫أمسائهم‪ ،‬والبحث يف األحاديث املستدل هبا يف نصرة آرائهم‪ ،‬فمجلسه نزهة للسامعني"‪22‬؛‬

‫‪‬الطريقة األندلسية اليت تنبين بشكل واضح على التقييدات والشروح واالختصارات‪ ،‬وتسمى هذه‬
‫الكتب بالطرر‪ ،‬أو التقاييد على املدونة‪ .‬وقد قيدها الطلبة يف حلقات أشهر األساتذة كأيب احلسن‬

‫‪ -22‬أمحد بابا التنبكيت‪ :‬نيل االبتهاج بتطريز الديباج‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لبنان‪ ،‬بدون تاريخ للطبعة‪ ، ،‬ص‪.131:‬‬
‫‪47‬‬
‫الصغري(ت‪731‬هري)‪ ،‬وأيب زيد عبد الرمحن اجلزويل (ت‪734‬هري)‪ ،‬وغريمها‪ ،‬وكانت هذه الطريقة معروفة‬
‫لدى األندلسيني يف القرن السادس اهلجري‪ ،‬وانتقدها ابن العريب بشدة‪ ،‬وهي طريقة مناقضة لفكرة‬
‫املغاربة يف القرن ‪2‬هري للمؤلفات املختصرة يف عدة علوم‬ ‫املختصرات؛ وهذا ما يفسر معارضة بع‬
‫‪23‬‬
‫كمختصر خليل يف الفقه ‪ -‬مثال‪-‬؛‬

‫‪‬الطريقة احلديثة اليت جتم بني مواصفات املدرسة السلفية العتيقة من جهة (املدرسة يف العهود‬
‫املغربية املاضية)‪ ،‬ومواصفات املدرسة العصرية من جهة أخرى‪ ،‬من خالل االنفتاح على اللغات‬
‫األجنبية والعلوم احلديثة‪.‬‬

‫وعلى العموم‪ ،‬فقد كانت الطريقة املغربية والطريقة األندلسية يف التدريس تتطلبان من املتعلمني سنوات‬
‫عديدة من عمره للتحصيل واإلحاطة جبمي آرا العلما ‪ ،‬مهما كانت طبقاهتم ومستوى معارفهم‪.‬‬
‫ويقول حممد أسكان يف كتابه( تاريخ التعليم باملغرب خالل العصر الوسيط)‪ ":‬غري أن طريقة‬
‫استعراض كل ماذكر يف املسائل الفقهية من أقوال الفقها املتقدمني واملتأخرين‪ ،‬ويف خمتلف األقطار‬
‫اإلسالمية‪ ،‬جيعل استيعاهبا على الطالب صعبا ويتطلب وقتا طويال‪ ،‬وهذا ما يفسر جزئيا طول املدة‬
‫الدراسية اليت يقضيها الطالب‪ ،‬يف القرن ‪2‬هريري‪ ،‬بسكىن املدارس بفاس اليت كانت تصل يف املعدل إىل‬
‫‪ 32‬سنة‪ ،‬وهي مدة أطول بكثري من املدة اليت يقضيها الطالب مبدارس تونس اليت كانت التتعدى‬
‫مخس سنوات‪ ،‬وإن كانت قد تقلصت إىل مثل هذه املدة يف بداية القرن ‪30‬هري حسب شهادة‬
‫‪24‬‬
‫الوزان"‪.‬‬

‫أما على مستوى لغات التدريس والتلقني‪ ،‬فكان الفقها يستعملون الفصحى والعامية املغربية واللغة‬
‫الكتب الدراسية‬ ‫األمازيغية يف قبائل سوس‪ ،‬ومنطقة الريف‪ ،‬واألطلس املتوسط‪ .‬كما كانت بع‬

‫‪ -23‬حممد أسكان‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.334:‬‬


‫‪ -24‬حممد أسكان‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.334:‬‬
‫‪48‬‬
‫تؤلف أو ترتجم إىل األمازيغية وتدرس هبا‪ ،‬مثل‪ :‬كتب الفقه كرسالة أيب زيد القريواين‪ ،‬وخمتصر خليل‪،‬‬
‫وشرح الربدة وغريها‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬النظري ــة اإلصالحيــة السلفيــة‬

‫الذي أدخل إصالحا على التعليم‪ ،‬فركز على العلوم‬ ‫ترتبط هذه النظرية بالسلطان حممد بن عبد‬
‫النقلية والتوجه العقائدي السلفي‪ ،‬والعناية بنشر كتب السنة تعويضا لكتب الفقه‪ ،‬ومن تدريس الفروع‬
‫والعلوم العقلية‪ ،‬كعلم الكالم‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬واملنطق‪ ،‬وتصوف الغالة‪ ،‬والقصص اإلخبارية‪ .‬لذا‪ ،‬أصدر‬
‫السلطان نصا إصالحيا موجها إىل عموم اجملتم لتنفيذه يف تنظيم القضا وإمامة املساجد والتعليم سنة‬
‫‪3501‬هري‪ ،‬وإليكم نصه‪:‬‬

‫" ليعلم الواقف على هذه الفصول‪ ،‬أننا أمرنا باتباعها واالقتصار عليها وال يتعداها إىل ماسواها‪:‬‬

‫الفصل األول‪ :‬يف أحكام القضاة‪ ،‬فإن القاضي الذي ظهر يف أحكامه جور وزور وما يقرب من ذلك‬
‫من الفتاوى الواهية مثل كوهنا من كتب األجهورية ومل يبلغ سندها إىل كتب املتقدمني فإن الفقها‬
‫جيتمعون عليه ويعزلونه عن خطة القضا وال حيكم على أحد أبدا‪.‬‬

‫الفصل الثاين ‪ :‬يف أئمة املساجد‪ ،‬فكل إمام مل يرضه أهل الفضل والدين من أهل حومته يعزلونه يف‬
‫احلني ويأتون بغريه ممن يرضون إمامته‪.‬‬

‫تعاىل بتفسريه‬ ‫الفصل الثالث ‪ :‬يف املدرسني يف مساجد فاس‪ ،‬فإنا نأمرهم أن اليدرسوا إال كتاب‬
‫(صلعم)‪ ،‬ومن كتب احلديث املسانيد والكتب‬ ‫وكتاب دالئل اخلريات يف الصالة على رسول‬
‫املستخرجة منها والبخاري ومسلما من الكتب الصحاح‪ ،‬ومن كتب الفقه املدونة والبيان والتحصيل‪،‬‬
‫ومقدمة ابن رشد واجلواهر البن شاس والنوادر والرسالة البن أيب زيد وغري تلك من كتب املتقدمني‪،‬‬

‫‪49‬‬
‫ومن أراد تدريس خمتصر خليل فإمنا يدرسه بشرح هبرام الكبري واملواق واحلطاب والشيخ علي األجهوري‬
‫واخلرشي الكبري الغري‪ .‬فهذه الشروح اخلمسة هبا يدرس خليل مقصورا عليها‪ ،‬وفيها كفاية‪ ،‬وماعداها‬
‫من الشراح كلها ينبذ وال يدرس به‪ ،‬ومن ترك الشراح املذكورين‪ ،‬واشتغل بالزرقاين وأمثاله من شراح‬
‫عليه وسلم‬ ‫خلي ل يكون كمن أهرق املا واتب السراب‪ .‬وكذلك قرا ة سرية املصطفى صلى‬
‫كالكالعي وابن سيد الناس اليعمري‪ ،‬وكذا كتب النحو كالتسهيل واأللفية وغريمها من كتب هذا الفن‪،‬‬
‫والبيان باإليضاح واملطول‪ ،‬وكتب التصريف‪ ،‬وديوان الشعرا الستة‪ ،‬ومقامات احلريري‪ ،‬والقاموس‬
‫وحديث رسول‬ ‫ولسان العرب وأمثاهلما مما يعني على فهم كالم العرب ألهنا وسيلة على فهم كتاب‬
‫(صلعم) وناهيك هبا نتيجة‪.‬‬

‫عنه كافية شافية يستغين هبا مجي املسلمني‪ .‬وكذلك‬ ‫ومن أراد علم الكالم فعقيدة ابن أيب زيد رضي‬
‫الفقها الذين يقرأون اإلسطرالب وعلم احلساب فيأخذون حظهم من األحباس ملا يف تلك من املنفعة‬
‫‪.‬‬ ‫العظيمة والفائدة الكبرية ألوقات الصالة واملرياث‪ ،‬وعلى هذا يكون العمل إن شا‬

‫ومن أراد أن خيوض يف علم الكالم واملنطق وعلوم الفالسفة وكتب غالة الصوفية وكتب القصص‬
‫فليتعاط ذلك يف داره م أصحابه الذين اليدرون بأهنم اليدرون‪ ،‬ومن تعاطى ماذكرنا يف املساجد‬
‫ونالته عقوبة فاليلومن إال نفسه‪ ،‬وهؤال الطلبة الذين يتعاطون العلوم اليت هنينا عن قرا هتا مامرادهم‬
‫بتعاطيها إال الظهور والريا والسمعة‪ ،‬وأن يضلوا طلبة البادية فإهنم يأتون من بلدهم بنية خالصة يف‬
‫(صلعم)‪ ،‬فحني يسمعوهنم يدرسون هذه العلوم اليت هنينا عنها‬ ‫التفقه يف ال دين وحديث رسول‬
‫(صلعم‬ ‫يظنون أهنم حيصلون على فائدة هبا فيرتكون جمالس التفقه يف الدين واستماع حديث رسول‬
‫) وإصالح ألسنتهم بالعربية فيكون ذلك سببا يف ضالهلم"‪.25‬‬

‫‪ -25‬عبد كنون‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.577-572:‬‬


‫‪50‬‬
‫بيد أن هذا املنشور اإلصالحي السلفي قد توقف م ابنه موالي سليمان الذي طالب العلما بالعودة‬
‫إىل ماكانوا عليه من كتب ومؤلفات ومصنفات سابقة‪ .‬فضال عن جتديد هذا النص القانوين‬
‫اإلصالحي مرة أخرى م املوىل عبد الرمحن بن هشام‪ ،‬إال أن العلما مل يأخذوا هبذا املنشور‪ ،‬ماداموا‬
‫يفضلون كتبهم اليت تعودوا عليها يف التدريس واإلقرا ‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬التعلي ــم الطائفــي‬

‫ارتبط هذا التعليم باملستعمر الفرنسي الذي حاول أن جيعل التعليم املغريب تعليما طائفيا متنوعا‪ .‬ويف‬
‫هذا الصدد‪ ،‬يقول السيد هاردي؛ مدير التعليم‪ ،‬خماطبا املراقبني املدنيني مبكناس عام ‪3150‬م‪ ،‬مزودا‬
‫إياهم مبجموعة من التوجيهات لتمثلها بغية السيطرة على املناطق اليت كانوا يتولون قيادهتا‪":‬منذ سنة‬
‫‪ 3135‬م دخل املغرب يف محاية فرنسا‪ ،‬وقد أصبح يف الواق أرضا فرنسية‪ ،‬وعلى الرغم من استمرار‬
‫املقاومة يف ختومه‪ ،‬تلك املقاومة اليت تعرفون أنتم وإخوانكم يف السالح مدى ضراوهتا‪ ،‬فإنه ميكن‬ ‫بع‬
‫القول‪ :‬إن االحتالل العسكري جملموع البالد قد مت‪ .‬ولكننا نعرف حنن الفرنسيني إن انتصار السالح‬
‫اليعين النصر الكامل‪ :‬إن القوة تبين اإلمرباطوريات‪ ،‬ولكنها ليست هي اليت تضمن االستمرار‬
‫والدوام‪.‬إن الرؤوس تنحين أمام املداف ‪ ،‬يف حني تظل القلوب تغذي نار احلقد والرغبة يف االنتقام‪ .‬جيب‬
‫إخضاع النفوس بعد أن مت إخضاع األبدان‪ .‬وإذا كانت هذه املهمة أقل صخبا من األوىل‪ ،‬فإهنا صعبة‬
‫‪26‬‬
‫مثلها‪ ،‬وهي تتطلب يف الغالب وقتا أطول‪".‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فقد سعت فرنسا إىل األخذ بالنظرية الطائفية يف جمال التعليم‪ ،‬فقد قسم التعليم املغريب‪ ،‬إبان‬
‫فرتة احلماية‪ ،‬تقسيما طائفيا بني املسلمني‪ ،‬واإلسرائليني‪ ،‬واألوروبيني‪ .‬ولكل طائفة ثقافتها اخلاصة‪،‬‬
‫وتعليمها اخلاص‪ ،‬م مراعاة وضعية كل فئة على حدة‪ .‬ومن مث‪ ،‬يرتبط تعليم املسلمني بثالث فئات‪:‬‬

‫‪ -26‬حممد عابد اجلابري‪ :‬التعليم يف املغرب العريب‪ ،‬دار النشر املغربية‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪،‬الطبعة األوىل سنة ‪3121‬م‪ ،‬ص‪.37:‬‬
‫‪51‬‬
‫‪‬تعليم النخبة ‪ ،‬وهي فئة مثقفة نسبيا‪ ،‬وتتكون من رجال املخزن والعلما وكبار التجار واألعيان؛‬

‫‪ ‬تعليم طبقة مجاهري املدن اجلاهلة احملرومة؛‬

‫‪‬تعليم طبقة مجاهري البادية املنعزلة واملبعثرة‪.‬‬

‫ويف هذا السياق‪ ،‬يقول السيد هاردي‪ ":‬وهكذا‪ ،‬فنحن ملزمون بالفصل بني تعليم خاص بالنخبة‬
‫االجتماعية‪ ،‬وتعليم لعموم الشعب‪.‬األول يفتح يف وجه أرستقراطية مثقفة يف اجلملة‪...،‬توقفت عن‬
‫النمو الفكري بسبب تأثري العلوم الوسيطية‪...،‬إن التعليم الذي سيقدم لبنا هذه النخبة االجتماعية‬
‫تعليم طبقي يهدف إىل تكوينها تكوينا منظما يف ميادين اإلدارة والتجارة‪ ،‬وهي امليادين اليت اختص هبا‬
‫األعيان املغاربة‪.‬أما النوع الثاين‪ ،‬وهو التعليم الشعيب اخلاص باجلماهري الفقرية واجلاهلة جهال عميقا‪،‬‬
‫فيتنوع بتنوع الوسط االقتصادي‪ .‬يف املدن يوجه التعليم حنو املهن اليدوية‪ ،‬خاصة مهن البنا ‪ ،‬وإىل‬
‫احلرف اخلاصة بالفن األهلي‪.‬أما يف البادية‪ ،‬فيوجه التعليم حنو الفالحة‪ ...‬وأما يف املدن الشاطئية‪،‬‬
‫فسيوجه حنو الصيد البحري واملالحة‪ ".‬أما عن املواد العامة اليت ستتخلل هذا التعليم التطبيقي‪ ،‬فهي‬
‫اللغة الفرنسية اليت بواسطتها ستتمكن من ربط تالمذتنا بفرنسا‪...‬‬

‫إن أكثر ما جيب أن هنتم به هو احلرص على أال تصن لنا املدارس األهلية رجاال صاحلني لكل شي ‪،‬‬
‫وال يصل حون لشي ‪ .‬جيب أن جيد التلميذ مبجرد خروجه من املدرسة عمال يناسب التكوين الذي‬
‫تلقاه‪ ،‬حىت اليكون من مجلة أولئك العارفني املزيفني‪ ،‬أولئك الالمنتمني طبقيا‪ ،‬العاجزين عن القيام‬
‫بعمل مفيد‪ ،‬والذين تنحصر مهمتهم يف املطالبة‪ ،‬هؤال الذين عملوا يف املستعمرات الفرنسية األخرى‪،‬‬
‫‪27‬‬
‫ويف غريها من املستعمرات على جعل التعليم األهلي مصدرا لالضطراب االجتماعي‪".‬‬

‫‪ -27‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.32:‬‬


‫‪52‬‬
‫أما التعليم العتيق واألصيل املقرتن جبام القرويني‪ ،‬فقد اهتمت به فرنسا اهتماما خاصا‪ ،‬بإصالحه‬
‫وجتديده ومراقبته لكيال يهاجر املغاربة إىل مصر لنقل األفكار السلفية الثورية اليت كان ينادي هبا مجال‬
‫الدين األفغاين‪ ،‬وحممد عبده‪ ،‬ورشيد رضا‪ .‬ويف هذا اإلطار‪ ،‬يقول املسرت بيكي يف كتابه ( املغرب)‬
‫سنة ‪ 3150‬م‪ " :‬لقد احتفظت احلماية دون تردد بالتعليم القائم يف هذه املساجد‪ ،‬وعملت على‬
‫ترميمه‪ ،‬وعلى إعادة جامعة فاس إىل سابق إشراقها‪ ...‬ومن املؤكد أنه من مصلحتنا أال يذهب املغاربة‬
‫للبحث عن هذا النوع من التعليم اإلسالمي العايل يف اخلارج‪ ،‬كاجلام املشهور‪ ،‬مج األزهر‬
‫‪28‬‬
‫بالقاهرة‪".‬‬

‫وقد حدد السيد ماريت موقف فرنسا من التعليم األصيل باملغرب يف كتابه (مغرب الغد) الصادر عام‬
‫‪3152‬م‪ ":‬إنه على الرغم من أن القرويني جتتاز أزمة خانقة‪ ،‬فإهنا لن متوت‪ ،‬بل البد أن تتطور ذاتيا‬
‫بتأثري األفكار الواردة من الشرق‪ ،‬ويف هذه احلالة سينقلب األمر ضد احلماية‪ ،‬وتصبح عاجزة عن‬
‫التحكم يف األحداث‪ .‬ولذلك‪ ،‬جيب أن نعمل على جتديد القرويني؛ ألنه إذا مل نفعل ذلك حنن‪ ،‬فإن‬
‫هذا التجديد الذي تفرضه الظروف سيتم بدوننا وضدنا‪ ".‬مث‪ ،‬يضيف‪ ":‬إن جتديد القرويني سيمكننا‬
‫من االحتفاظ يف املغرب بأولئك الشبان النازحني من عائالت مرموقة‪ ،‬بدل تركهم يذهبون إىل الشرق‬
‫لتلقي العلم الذي ستحرمهم منه القرويني يف حالة عدم جتديدها"‪ .‬مث يتسا ل‪ ":‬ماذا ميكن أن يأيت به‬
‫هؤال الشبان من الشرق؟ " أال يعودون مبيول إجنليزية أو بروح النهضة اإلسالمية والتعصب الوطين‪.‬‬

‫‪ ...‬ومن هنا‪ ،‬يتضح أن هذه التدابري املختلفة املقرتحة من أجل جتديد القرويني‪ ،‬واخلاضعة ملراقبة‬
‫فرنسية دقيقة‪ ،‬ليست أبدا تدابري ثورية‪ ،‬إهنا التستهدف غري بعث احلياة القدمية نفسها اليت كانت‬
‫جلامعة القرويني‪ ،‬ولكن بصيغة جديدة‪ ،‬إهنا تدابري ستمكننا من توجيه التطور الداخلي هلذه اجلامعة‪،‬‬
‫وهو التطور الذي بدأ يعلن عن نفسه منذ اآلن‪ .‬إن املثل القائل‪" :‬الحترك من الحيرك ساكنا"‪ ،‬هو بكل‬

‫‪ -28‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.31:‬‬


‫‪53‬‬
‫تأكيد من أحسن املبادئ السياسية‪ .‬ولكن عندما يتململ النائم‪ ،‬ويهدد باالستيقاظ‪ ،‬فإن احلكمة‬
‫‪29‬‬
‫تقتضي‪ ،‬والشك‪ ،‬أال يرتك اإلنسان نفسه يفاجأ باألحداث‪".‬‬

‫يتبني لنا‪ ،‬من خالل هذا النص‪ ،‬أن اإلقامة الفرنسية كانت ختاف من ترك جام القرويني بدون‬
‫إصالح شكلي؛ ألهنا تتخوف من اآلثار الثورية الوافدة من الشرق‪ .‬ويهدد هذا وضعية فرنسا باملغرب‪،‬‬
‫بانتش ار الوعي بني الشعب املغريب‪ .‬يف حني‪ ،‬ما يهم فرنسا هو احلفاظ على أوضاع البلد كما هي‪ .‬وال‬
‫يعين التجديد ‪ -‬هنا‪ -‬عصرنة املواد وحتديثها وجتديدها‪ ،‬بل جمرد إصالح سطحي‪ ،‬يهدف إىل إعادة‬
‫جام القرويني إىل فرتهتا املعهودة يف املاضي‪ ،‬بتلقني املواد الدينية والشرعية واللغوية ليس إال‪ ،‬وهي مواد‬
‫الحترك الواق السياسي‪ ،‬وال ختدمه المن قريب وال من بعيد‪ .‬ومن هنا‪ ،‬كانت سياسية فرنسا يف املغرب‬
‫أن يسعى التعليم إىل احملافظة على القيم املوروثة نفسها لدى املغاربة‪ .‬ويف هذا النطاق‪ ،‬يقول السيد‬
‫ماريت‪ ":‬إنه ملن واجبنا‪ ،‬ومن أجل مصلحتنا معا‪ ،‬عندما نوجه جمهوداتنا إلدخال إصالحات ثقافية يف‬
‫اجملتم املغريب‪ ،‬أال نعمل على زعزعة هذا اجملتم ‪ ،‬وأال منس تقاليده‪ .‬جيب أن نعطي جلمي الطبقات "‬
‫خبز احلياة" (يقصد التعليم) الذي يناسبها والذي هي يف حاجة إليه‪ ،‬كما جيب أن نوجه تطور كل من‬
‫هذه الطبقات يف اإلطار اخلاص هبا‪ .‬هنا كما يف بلدان أخرى توجد بروليتاريا يدوية‪ ...‬ولكن ليس‬
‫لدينا يف املغرب بروليتاريا فكرية‪ .‬فهل هناك أية فائدة يف خلق مثل هذه الربوليتاريا الفكرية‪ ،‬سوا‬
‫بالنسبة ملصلحة اجملتم املغريب أم بالنسبة للسيطرة الفرنسية؟ يقينا‪ ،‬ال‪..‬إن عملنا العظيم الذي نقوم به‬
‫من أجل التجديد الثقايف جيب أن ينحصر فقط ضمن األطر التقليدية هلذا اجملتم ‪ .‬وسيتوجه حنو‬
‫البورجوازية التجارية والقروية‪ ،‬حنو موظفي املخزن‪ ،‬حنو رجال الدين ورجال العلم‪ ،‬وبكلمة واحدة‬
‫النخبة‪ ...‬جيب أال خنلق‪ -‬بواسطة التعليم‪ -‬مجاعة من الساخطني املستائني الالمنتمني طبقيا‪ .‬لنبق‬

‫‪ -29‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.50:‬‬


‫‪54‬‬
‫أسياد املستقبل‪ ،‬لنجم بني الصفوة االجتماعية والنخبة الفكرية‪ ،‬وذلك مبنح الرتبية الفكرية الرفيعة‬
‫‪30‬‬
‫ألطر اجملتم املغريب وحدها‪ ،‬أولئك الذين يستطيعون استيعاهبا واستعماهلا‪".‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد التجأت فرنسا إىل إصدار الظهري الرببري الذي يهدف إىل تطبيق سياسية فرق تسد‪ ،‬بفصل‬
‫الربابرة عن إخواهنم العرب‪ ،‬بإنشا مدارس خاصة لألمازيغيني‪ ،‬تكون خمالفة للمدارس العربية اإلسالمية‬
‫األصيلة‪ ،‬واهلدف من ذلك كله هو إشعال جذوة العرقية بني سكان املغرب‪ ،‬وإبعاد األمازيغ عن دينهم‬
‫وعقيدهتم لكي يسهل عليهم تنصريهم وتدجينهم واستالهبم فكريا ودينيا وحضاريا وثقافيا‪ ،‬وفرنستهم‬
‫سلوكا وتعامال وديانة‪ .‬ويف هذا النطاق‪ ،‬يقول السيد ماريت‪ ":‬لقد حصل االتفاق بني إدارة التعليم‬
‫العمومي وإدارة الشؤون األهلية‪ ،‬وحتددت بذلك مبادئ سياستنا التعليمية الرببرية بكامل الدقة‪.‬إن‬
‫األمر يتعلق مبدارس فرنسية بربرية تضم صغار الرببر‪ ،‬يتلقون فيها تعليما فرنسيا حمضا‪ ،‬ويسيطر عليها‬
‫اجتاه مهين‪ ،‬فالحي باخلصوص‪.‬إن الربنامج الدراسي يف هذه املدارس يشتمل على دراسة تطبيقية للغة‬
‫الفرنسية‪ ،‬لغة احلديث والكالم‪ ،‬باإلضافة إىل مبادئ الكتابة واحلساب البسيط‪ ،‬ونتف من دروس‬
‫اجلغرافيا والتاريخ وقواعد النظافة ودروس األشيا ‪...‬إن املدرسة الفرنسية الرببرية هي إذا مدرسة فرنسية‬
‫باملعلمني‪ ،‬بربرية بالتالميذ‪...‬وليس هناك أي جمال لوسيط أجنيب‪.‬إن أي شكل من أشكال تعليم‬
‫العربية‪ ،‬إن أي تدخل من جانب الفقيه‪ ،‬إن أي مظهر من املظاهر اإلسالمية‪ ،‬لن جيد مكانه يف هذه‬
‫‪31‬‬
‫املدارس‪ ،‬بل سيقصى منها مجي ذلك بكل صرامة‪".‬‬

‫ومل يقتصر األمر على املدارس االبتدائية فقط‪ ،‬بل مشل التعليم الثانوي واجلامعي‪ ،‬فتأسست ثانوية أزرو‬
‫لتدريس الرببرية سنة ‪3113‬م‪ .‬وتأسس بالرباط معهد الدراسات املغربية العليا الذي حتول بعد‬

‫‪ -30‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.53-50:‬‬


‫‪ -31‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.55:‬‬
‫‪55‬‬
‫االستقالل إىل كلية اآلداب‪ .‬وقد كان هذا املعهد يسمى يف سنة ‪3134‬م باملدرسة العليا الفرنسية‬
‫الرببرية‪ ،‬حيث كان تدرس فيه اللهجات األمازيغية والفلكلور واإلثنوغرافيا على سبيل اخلصوص‪.‬‬

‫وعلى أي حال‪ ،‬فقد كانت نسبة التعليم يف فرتة احلماية ضئيلة جدا؛ ألن فرنسا مل تكن تسعى إىل‬
‫تعميمه‪ ،‬بل كانت تقصره على خنبة معينة من أعوان املستعمر‪ .‬كما كان املغاربة يرفضون التعلم يف‬
‫مدارس احملتل‪ .‬ويف هذا‪ ،‬يقول حممد عابد اجلابري‪ ":‬إن األغلبية الساحقة من أبنا الشعب املغريب قد‬
‫بقيت طوال عهد احلماية بدون تعليم‪ .‬وإذا كان هذا يرج ‪ ،‬بالدرجة األوىل‪ ،‬إىل ختطيط رجال احلماية‪،‬‬
‫فهو يعود كذلك إىل مقاطعة الشعب املغريب للمدارس الين أنشأهتا فرنسا باملغرب‪.‬لقد كان جل‬
‫التالميذ اليتمكنون من إهنا السلك الذي ينتمون إليه‪ ،‬بل يطردون أو ينقطعون دون مستوى الشهادة‬
‫االبتدائية‪ ،‬مما جعل اآلبا يدركون أنه ال فائدة يف إرسال أبنائهم إىل املدارس‪ ،‬ماداموا سيغادروهنا بعد‬
‫حني دون احلصول على أية مؤهالت تضمن هلم وضعية أفضل عندما يلجون احلياة العملية‪ .‬اضف إىل‬
‫ذلك أن مصريهم بعد التعليم‪ ،‬إذا ما تعلموا‪ ،‬كان حتما العمل م سلطات احلماية‪ ،‬إما يف اإلدارة‬
‫وإما يف املؤسسات االقتصادية الفرنسية‪ ،‬الشي الذي كان يؤهلهم ألن يصبحوا متعاونني بشكل أو‬
‫‪32‬‬
‫بآخر م احلماية الفرنسية‪ ،‬مما كان يعد خيانة وطنية‪".‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يتبني لنا أن فرنسا‪ ،‬يف عهد احلماية‪ ،‬اعتمدت على تعليم طائفي انتقائي للتفرقة بني فئات‬
‫اجملتم الواحد‪ ،‬وإذكا شعلة النزاع العرقي والطائفي والديين‪.‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬نظريـ ــة البديــل الوطنـ ــي‬

‫بعد استقالل املغرب سنة ‪3122‬م‪ ،‬قرر املغرب تطبيق نظرية البديل الوطين بدل اتباع سياسة احملتل‬
‫الفرنسي يف جمال التعليم‪ .‬وقد أنشئت اللجنة امللكية إلصالح التعليم‪ ،‬فعقدت أول اجتماع هلا يوم‪52‬‬

‫‪ -32‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.52:‬‬


‫‪56‬‬
‫شتنرب‪ 3127‬م‪ .‬وقد أقرت اللجنة املبادئ األربعة إلصالح التعليم‪ ،‬وهي‪ :‬التعميم‪ ،‬والتوحيد‪،‬‬
‫والتعريب‪ ،‬واملغربة‪ .‬واهلدف من هذه املبادئ األربعة هو حتقيق التنمية اجملتمعية الشاملة‪ " .33‬إن النتائج‬
‫العملية حلصيلة احلكومات املغربية يف السنوات األوىل من االستقالل يف ميدان التعليم‪ ،‬قد جا ت‬
‫متناقضة م املذهب التعليمي الذي مت إقراره والذي اعتمدت فيه املبادئ األربعة (التعميم والتوحيد‬
‫والتعريب واملغربة) اليت حظيت باإلمجاع الوطين‪.‬ومل تكن الوضعية ختفى على أحد‪ ،‬بل لقد كانت‬
‫موضوع تشهري من طرف األحزاب والنقابات واحتاد الطالب اليت ظلت مجيعها توظف‪ ،‬بشكل واس ‪،‬‬
‫مشكل التعليم يف كفاحها السياسي والنقايب‪ .‬وعلى الرغم من إنشا اجمللس األعلى للرتبية الوطنية‪،‬‬
‫يف يونيه من عام‪1591‬م‪ ،‬والذي كان يتألف من ممثلي وزارة التعليم والوزارات األخرى املختصة إىل‬
‫جانب ممثلي القوى الوطنية املذكورة‪ ،‬هذا اجمللس الذي أريد منه أن يكون جملسا تستشريه كافة املراج‬
‫العليا يف وزارة الرتبية الوطنية فيما ترمي إىل حتديده من سياسة يف ميدان التعليم والثقافة‪ ،‬فإن السياسة‬
‫التعليمية يف املغرب بقيت إىل حدود سنة ‪ 3120‬خاضعة ملا ميليه األمر الواق ‪.‬وبعبارة أخرى إن‬
‫املبادئ األربعة الوطنية مل تعتمد كمبادئ لتخطيط عام إال م املخطط اخلماسي األول‪-3120‬‬
‫‪ ، 3124‬الذي دشن انطالقة حقيقية بقيت امتداداهتا تنعكس على السنوات الالحقة حىت بعد أن مت‬
‫‪34‬‬
‫الرتاج عنه‪".‬‬

‫ومن ه نا‪ ،‬فإن أول إصالح تربوي يف املغرب بعد االستقالل كان باسم البديل الوطين‪ ،‬وكان يطرح يف‬
‫طياته إصالحا شامال قائما على أربعة مبادئ سياسية وتربوية كربى‪.‬‬

‫املطلب اخلامس‪ :‬املذهب التعليمي اجلديد أو مذهب بنهيمة‬

‫‪ -33‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.52:‬‬


‫‪ -34‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.11-15:‬‬
‫‪57‬‬
‫بعد أن حتقق تعميم التعليم باملغرب‪ ،‬وتزايدت أعداد املتعلمني‪ ،‬عجزت الدولة عن حتمل مصاريف‬
‫هذه األعداد الضخمة‪ ،‬فأرادت الدولة الرتاج عن سياسية التعميم؛ ألن ميزانيتها التستطي أن‬
‫تتحمل نفقات هذه األفواج الضخمة من التالميذ والطلبة‪ ،‬وأن نظرية املبادئ األربعة مل تكن واقعية‬
‫وبرامجاتية‪ .‬فأصدر وزير التعليم آنذاك‪ ،‬يف بدايات الستينيات من القرن املاضي‪ ،‬مبباركة القصر امللكي‪،‬‬
‫سياسة تعليمية جديدة تسمى مبذهب بنهيمة نسبة إىل وزير التعليم آنذاك الذي عني مباشرة بعد‬
‫إضرابات التالميذ بالدار البيضا ‪ .‬ومعىن ذلك أن الدولة‪ ،‬بدخلها القومي احملدود‪ ،‬لن تستطي أن تليب‬
‫مجي حاجيات التعليم؛ ألن تطور عدد املتمدرسني اليساير ميزانية الدولة احملدودة‪.‬لذا‪ ،‬اضطرت الدولة‬
‫إىل سن سياسة تضييق قاعدة املقبولني‪ ،‬واحلد من عدد التالميذ‪ ،‬والتوقف عند نسبة معينة من هؤال ‪،‬‬
‫وإخضاع التعليم للمحك االقتصادي‪ .‬لذا‪ ،‬بدأ مذهب بنهيمة يرتاج شيئا فشيئا عن تسويق قاعدة‬
‫التعميم‪ .‬كما استطاعت وزارة التعليم‪ ،‬يف الفرتة نفسها‪ ،‬تعريب التعليم االبتدائي استعدادا لتعريب‬
‫التعليم اإلعدادي والثانوي‪.‬بيد أن مغربة األطر مل تؤت أكلها بعد‪ ،‬فقد استمر كثري من األجانب يف‬
‫تدريس العلوم‪ ،‬وتسيري اإلدارة الرتبوية‪ .‬وقد ترتب على هذه السياسة التعليمية أن ثارت عليها األحزاب‬
‫السياسية والنقابات ومجعيات اآلبا واحتاد الطلبة‪ " ،‬فاضطرت احلكومة إىل السكوت‪ ...‬بينما واصلت‬
‫العمل وفق املخطط الثالثي‪ ،‬م التشديد يف قبول التالميذ اجلدد‪ ،‬فكانت النتيجة أن استقر التعليم‬
‫االبتدائي عند العدد نفسه تقريبا خالل سنوات املخطط ‪ 3.354.072‬سنة ‪-3122‬‬
‫‪3122‬و‪ 3.022.114‬سنة ‪3127-3122‬و‪ 3.332.214‬سنة ‪ .)3127-3122‬أما حجم‬
‫الزيادة نظرا لتوافد األعداد الكبرية اليت مت قبوهلا يف االبتدائي خالل‬ ‫التعليم الثانوي‪ ،‬فقد عرف بع‬
‫املخطط اخلماسي السابق‪.‬وهكذا‪ ،‬بلغت أعداد التالميذ يف املرحلة الثانوية بسلكيها اإلعدادي‬
‫والثانوي األحجام التالية‪ 371.232 :‬تلميذا يف السنة األوىل من املخطط و‪ 530.215‬يف السنة‬

‫‪58‬‬
‫املوالية و‪ 515.020‬سنة ‪ ،3122-3127‬بينما سجل التعليم العايل األعداد التالية خالل سنوات‬
‫‪35‬‬
‫املخطط على التوايل‪ 2.711:‬مث ‪ 7.522‬مث ‪7.400‬طالبا‪".‬‬

‫وعليه‪ ،‬فقد ارتبط مذهب بنهيمة بسياسة التعميم بالتحكم يف وترية اخلريطة املدرسية‪ ،‬وتكييفها م‬
‫الفاتورة االقتصادية وميزانية الدولة‪ ،‬وإن كان ذلك دافعا مباشرا النتشار األمية باملغرب بسبب تضييق‬
‫القاعدة اهلرمية للخريطة الرتبوية‪ ،‬وهذا مؤثر ‪ -‬بال ريب‪ -‬يف مسار التنمية احلقيقية‪.‬‬

‫املطلب السادس‪ :‬مرحلة األزمات واإلصالحات‬

‫شهد التعليم املغريب‪ ،‬منذ استقالله سنة ‪3122‬م‪ ،‬جمموعة من األزمات واالختالالت والتناقضات‬
‫تطلبت إصالحات بنيوية وهيكلية مستعجلة جزئيا أو كليا‪ .‬من بني هذه األزمات ازدياد عدد التالميذ‪،‬‬
‫وقلة املدارس واملؤسسات الرتبوية‪ ،‬وقلة األطر املغربية‪ ،‬وقضية الرتمجة والتعريب‪ ،‬وتكاثر نفقات التعليم‪،‬‬
‫وضعف اإلنتاج االقتصادي املغريب‪ ،‬وحمدودية اخلريطة املدرسية‪ ،‬وتبعية التعليم املغريب للمنظومة‬
‫الفرانكفونية‪ ،‬وانتشار األمية‪ ،‬وتفاقم ظاهرة اهلدر املدرسي‪ ،‬وأزمة الفشل الدراسي‪ ،‬وانتشار البطالة‪،‬‬
‫وانفصام النظرية الرتبوية عن واق الشغل‪ ،‬وارتفاع فاتورة قضية الصحرا ‪ ،‬وتراج مصداقية الشهادة‬
‫املغربية م سنوات الثمانني من القرن املاضي‪ ،‬وتراج املستوى التعليمي كما وكيفا مقارنة بالتعليم‬
‫اخلصوصي‪ ،‬وغياب سياسة تعليمية حمكمة وجيدة‪ ،‬وضبابية فلسفة التعليم وغاياته‪ ،‬وفشل‬
‫اإلصالحات الرتبوية املتعددة‪ ،‬وغياب التحفيز املادي واملعنوي‪ ،‬وانتشار العنف والغش والغياب يف‬
‫املؤسسات التعليمية‪ ،‬وتردي منظومة القيم‪ ،‬واكتظاظ اجلامعات بالطلبة والطالبات‪ ،‬واإلقبال املتزايد‬
‫على الشعب اإلنسانية والقانونية واالجتماعية‪ ،‬وسد األبواب أمام خرجيي كليات العلوم واهلندسة‬

‫‪ -35‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.41-45:‬‬


‫‪59‬‬
‫والطب والتقنيات التطبيقية‪ ،‬وأزمة الالمساواة التعليمية الناجتة عن الالمساواة االجتماعية والطبقية‬
‫والثقافية‪...‬‬

‫‪60‬‬
‫ويف الوقت نفسه‪ ،‬مثة ورشات إصالحية كربى منذ االستقالل إىل يومنا هذا ‪.‬وميكن أن حندد هذه‬
‫اإلصالحات يف ما يلي‪:‬‬

‫‪‬إصالح ‪ 1591‬الذي استهدف تأسيس املدرسة الوطنية املغربية‪ ،‬وقد ارتبط املنظور اإلصالحي‬
‫باملبادئ األربعة‪ :‬التعميم‪ ،‬واملغربة‪ ،‬والتوحيد‪ ،‬والتعريب‪.‬‬

‫‪‬إصالح ‪ 1519‬الذي كان بعنوان(حنو نظام تربوي جديد) الذي فرضه التقومي اهليكلي والبنك‬
‫الدويل والتطور التكنولوجي اهلائل‪ .‬وقد اقرتن اإلصالح الرتبوي بتمثل املقاربة باألهداف السلوكية‪،‬‬
‫ومراجعة الكتب املدرسية‪ ،‬وإعادة النظر يف املناهج الدراسية ويف مضامينه‪،‬وتنوي التعليم‪ ،‬وحتسني‬
‫تدريس اللغات‪ ،‬وتعزيز مسلسل التعريب‪ ،‬وإعطا األمهية للرتمجة‪ ،‬وفتح شعبة التربيز لتكوين املدرسني‬
‫وتقويتهم يف املواد العلمية‪ ،‬وتنمية العلوم الرياضية والتقنية‪ ،‬وإحداث مسالك اللغات لتحقيق إصالح‬
‫بيداغوجي ناج ‪.‬‬

‫‪‬إصالح ‪ 1551‬الذي استهدف جتديد منظومتنا الرتبوية واملؤسسات التعليمية‪ .‬وارتبطت اجلودة‬
‫فيه مبشروع املؤسسة والشراكة الرتبوية‪ ،‬كما تنص على ذلك املذكرة الوزارية رقم ‪ 71‬بتاريخ ‪ 35‬أبريل‬
‫‪.1994‬‬
‫‪ ‬إصالح ‪ 0222‬م الذي يسمى بامليثاق الوطين للرتبية والتكوين الذي خصص جماله الثالث للرف‬
‫من جودة الرتبية والتكوين‪ ،‬من حيث احملتوى واملناهج بغية التخفيف والتبسيط واملرونة والتكيف‪ .‬وتتم‬
‫هذه اجلودة مبراجعة الربامج واملناهج‪ ،‬وإعادة النظر يف الكتب واملراج املدرسية واجلداول الزمنية‬
‫واإليقاعات الدراسية‪ ،‬وتقومي أنواع التعلم‪ ،‬وتوجيه املتعلمني‪ .‬وهتم هذه املراجعة جمموع املؤسسات‬
‫العمومية واخلاصة‪ .‬وينطلق هذا اإلصالح من فلسفة الكفايات والوضعيات البيداغوجية‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫وبعد أن اهتمت الوزارة باجلانب الكمي‪ ،‬كتعميم التمدرس‪ ،‬وحماولة القضا على األمية‪ ،‬وحماربة‬
‫ظاهرة التسرب الدراسي‪ ،‬والفشل الرتبوي‪ ،‬وتعثر التالميذ على حد سوا ‪ ،‬وجدت الوزارة نفسها أمام‬
‫مشكل عويص يتمثل يف تدين مستوى التعليم‪ ،‬وهزالة املردودية‪ ،‬والضعف اللغوي والعلمي والتقين لدى‬
‫التلميذ‪ ،‬وعدم قدرته على التكيف م الوضعيات التكنولوجية واإلعالمية اجلديدة؛ مما دف الوزارة إىل‬
‫التفكري يف االهتمام باجلانب الكيفي بدل االهتمام باجلانب الكمي الذي استنزف أمواال باهظة من‬
‫ميزانية الدولة اليت وصلت إىل حد ‪ %52‬من امليزانية العامة للبالد‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول حممد‬
‫الدريج‪ ":‬إن االنكباب على حل املشاكل الكمية خاصة ما ارتبط منها باخللل بني العرض‬
‫والطلب(صعوبات تعميم التعليم ومتويله وترشيد اإلنفاق عليه‪ )...‬ال ينبغي أن يشغلنا عن العناية جبودة‬
‫التعليم‪ ،‬واليت‪ ...‬تشكل هدفا يهم كل الفاعلني يف اجملال الرتبوي‪ -‬التعليمي على الصعيد العاملي‪"36.‬‬

‫هذا‪ ،‬وترتبط اجلودة‪ ،‬يف منظومتنا الرتبوية‪ ،‬جبانبني أساسني مها‪ :‬جودة اإلدارة وجودة املنظومة الرتبوية‬
‫وعملياهتا التعليمية ‪ /‬التعلمية‪ .‬وميكن الذهاب بعيدا إىل أن اجلودة ال ميكن حتقيقها إال يف جمتم‬
‫دميقراطي حقوقي وحداثي‪ ،‬يؤمن بالعلم‪ ،‬والنظام‪ ،‬واالبتكار‪ ،‬واإلبداعية‪ ،‬والعمل اجلماعي‪ ،‬وتقديس‬
‫العمل‪ ،‬والتفاين فيه‪ .‬ويؤمن كذلك باالنفتاح واحلوار واملثاقفة‪ ،‬ويساهم يف إثرا احلضارة اإلنسانية‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يعد امليثاق الوطين للرتبية والتكوين دستور اإلصالح الرتبوي يف سنوات األلفية‬
‫الثالثة‪ ،‬ومشكاة يسرتشد هبا النظام التعليمي يف املغرب اجلديد؛ إذ جا ليساير املستجدات االقتصادية‬
‫والسياسية واالجتماعية والرتبوية اليت تعرفها بالدنا‪ ،‬بعد جمموعة من األزمات الرتبوية اليت دفعت املغرب‬
‫إىل ضرورة األخذ بسياسة التقومي اهليكلي‪ ،‬م منتصف الثمانينيات من القرن املاضي‪ .‬وقد نتج عن‬
‫هذه السياسة ظهور تعليم هش وردي ؛ مما دف الدولة إىل التفكري يف وض إصالح تربوي شامل‪،‬‬
‫تشارك فيه جلنة من رجال املقاولة والتعليم واإلدارة واجملتم السياسي واملدين‪....‬‬

‫‪ -36‬حممد الدريج‪ :‬مشروع املؤسسة والتجديد الرتبوي يف املدرسة املغربية‪ ،‬اجلز األول‪ ،‬منشورات رمسيس‪ ،‬الرباط‪،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪3112‬م‪ ،‬ص‪.72 :‬‬
‫‪62‬‬
‫ومن املعلوم أن امليثاق الوطين للرتبية والتكوين مبثابة منظومة إصالحية جديدة‪ ،‬تضم جمموعة من‬
‫املكونات واآلليات واملعايري الصاحلة لتغيري نظامنا الرتبوي والتعليمي‪ ،‬وجتديده على مجي األصعدة‬
‫واملستويات قصد خلق مؤسسة تعليمية مؤهلة من جهة‪ ،‬وقادرة على املنافسة واالنفتاح على احمليط‬
‫السوسيواقتصادي من جهة أخرى‪ .‬عالوة على مواكبة كل التطورات الواقعية املوضوعية املستجدة‪،‬‬
‫والتأقلم م كل التطورات العلمية والتكنولوجية‪ ،‬والسيما يف جماالت االتصال واإلعالم واالقتصاد‪.‬‬

‫ويعين هذا أن امليثاق الوطين للرتبية والتكوين جا لريبط املدرسة واجلامعة مبحيطهما السوسيواقتصادي‪،‬‬
‫باالنفتاح على العوملة‪ ،‬ومسايرة مستجدات العصر بتملك اللغات األجنبية‪ ،‬واحلفاظ على العربية‬
‫الفصحى وتطويرها‪ ،‬واالهتمام باإلثنيات اللغوية كاألمازيغية ‪ -‬مثال‪.-‬‬

‫ويضاف إىل ذلك أن امليثاق الوطين للرتبية والتكوين قد ركز كثريا على اجلودة‪ ،‬والتعلم الذايت‪،‬‬
‫وبيداغوجيا الكفايات‪ ،‬ومدرسة النجاح‪ ،‬واحلياة املدرسية السعيدة‪ .‬كما استهدف تطوير الربامج‬
‫الدراسية‪ ،‬والعمل على ترقية املناهج الدراسية‪ ،‬واالستفادة من التكنولوجيا اإلعالمية‪ ،‬وتكوين املدرسني‬
‫تكوينا مستمرا‪ ،‬م حتسني أوضاعهم املادية واملعنوية‪.‬عالوة على ذلك‪ ،‬دعا امليثاق الوطين للرتبية‬
‫والتكوين إىل ترشيد النفقات‪ ،‬وإصالح اإلدارة ختطيطا وتدبريا وتقوميا ومراقبة‪ ،‬م األخذ بالشراكة‬
‫الداخلية واخلارجية لتمويل قطاع التعليم‪.‬‬

‫ومل يتبلور امليثاق الوطين للرتبية والتكوين يف املغرب إال يف مارس سنة ‪3111‬م‪ ،‬بعد تشكيل جلنة تعىن‬
‫بالرتبية والتكوين‪ ،‬بإشراف املستشار امللكي مزيان بلفقيه‪ ،‬وبقرار من احلسن الثاين‪ ،‬بعد التقرير الشهري‬
‫للبنك العاملي سنة ‪3112‬م‪ .‬وقد صادق حممد السادس سنة ‪5000‬م على جممل نصوصه التنظيمية‬
‫والتنفيذية‪ ،‬وقد قبلته بع القوى واألحزاب السياسية احلكومية‪ ،‬واعرتضت عليه النقابات التعليمية‪،‬‬
‫والقطاع الطاليب‪ ،‬وبع األحزاب السياسية املعارضة‪.‬‬

‫وقد نظمت وزارة الرتبية الوطنية والتعليم العايل وتكوين األطر والبحث العلمي‪ ،‬يف عهد احلبيب‬
‫املالكي سنة ‪5002‬م‪ ( ،‬املنتدى الوطين لإلصالح) لتقومي مسار امليثاق الوطين للرتبية والتكوين‪،‬‬

‫‪63‬‬
‫فكانت النتيجة أن امليثاق قد تعثر يف عمومه‪ ،‬ومل تطبق منه سوى بع البنود الشكلية غري اجلوهرية‪.‬‬
‫وم هناية ‪5001‬م‪ ،‬فقد امليثاق الوطين للرتبية والتكوين مصداقيته اإلجرائية‪ ،‬وخبا توهجه اإلشعاعي‪،‬‬
‫وظل جمرد طموحات بعيدة التطبيق‪ ،‬وآمال بعيدة املنال‪ ،‬وشعارات سياسية الصلة هلا بالواق‬
‫املوضوعي‪ ،‬بل زاد التعليم ردا ة وهشاشة واحنطاطا‪ ،‬وتراج مستوى الشهادة الوطنية‪ ،‬والسيما شهادة‬
‫البكالوريا وشهادة اإلجازة‪ .‬وتضا لت القدرة التحصيلية لدى املتعلم‪ .‬وتفاقمت ظاهرة البطالة من سنة‬
‫إىل أخرى‪ .‬وتعززت مكانة التعليم اخلصوصي‪ ،‬فكانت النتيجة ‪ -‬يف األخري‪ -‬كارثية بامتياز‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬يعترب امليثاق الوطين للرتبية والتكوين مشروعا إصالحيا كبريا‪ ،‬وأسبقية وطنية أوىل بعد الوحدة‬
‫الرتابية‪ ،‬ويعترب أيضا عشرية وطنية (‪ )5030-5003‬لتحقيق كافة الغايات واألهداف املرسومة‬
‫إلخراج البلد من شرنقة التخلف واألزمات والركود والردا ة إىل بلد متطور حداثي منفتح‪ ،‬تسوده‬
‫آليات الدميقراطية واجلودة والقدرة على املنافسة واملواكبة احلقيقية‪ .‬بيد أن هذا الطموح كله مل يتحقق‬
‫واقعيا بسبب العوائق البريوقراطية‪ ،‬وغياب سياسة إصالحية صادقة‪ ،‬ونقص اإلمكانيات املادية واملالية‬
‫واللوجيستيكية‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬يتكون امليثاق الوطين للرتبية والتكوين من قسمني أساسيني‪ :‬خصص القسم األول‬
‫للمرتكزات الثابتة لنظام الرتبية والتكوين والغايات الكربى املتوخاة منه‪ ،‬ورصد حقوق وواجبات كل‬
‫الشركا ‪ ،‬واإلحالة على اجملهودات الوطنية إلجناح اإلصالح‪.‬‬

‫أما القسم الثاين من امليثاق‪ ،‬فقد خصص جملاالت التجديد ودعامات التغيري‪ .‬ومن مث‪ ،‬فقد قسم‬
‫القسم الثاين إىل ستة جماالت كربى‪ ،‬وتس عشرة دعامة للتغيري‪ .‬وهذه اجملاالت الستة األساسية هي‪:‬‬

‫‪‬نشر التعليم وربطه باحمليط االقتصادي‪.‬‬

‫‪‬التنظيم البيداغوجي‪.‬‬

‫‪ ‬الرف من جودة الرتبية والتكوين‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫‪‬املوارد البشرية‪.‬‬

‫‪‬التسيري والتدبري‪.‬‬

‫‪‬الشراكة والتمويل‪.‬‬

‫ويستند امليثاق الوطين للرتبية والتكوين إىل جمموعة من املبادئ والثوابت‪ ،‬كاالهتدا بالعقيدة اإلسالمية‪،‬‬
‫واالعتزاز بالروح الوطنية‪ ،‬والتشبث بامللكية الدستورية‪ ،‬والتمسك بالرتاث احلضاري والثقايف واللغوي‬
‫املغريب العريق‪ ،‬والتوفيق بني األصالة واملعاصرة‪ ،‬والسعي باملغرب حنو امتالك ناصية املعرفة والتكنولوجيا‬
‫احلديثة‪ .‬أما عن الغايات الكربى‪ ،‬فتتمثل يف جعل املتعلم حمور اإلصالح والتغيري‪ ،‬برف مستواه‬
‫التحصيلي واملعريف واملهاري‪ ،‬بتلبية حاجياته الذهنية والوجدانية واحلركية‪ ،‬والعمل على تكوين أطر‬
‫مستقبلية مؤهلة ومؤطرة كفأة‪ ،‬قادرة على اإلبداع والتجديد وتنمية البالد‪.‬‬

‫وتسعى بنود امليثاق أيضا إىل جعل املدرسة املغربية مدرسة منفتحة سعيدة مفعمة باحلياة والتنشيط‪،‬‬
‫وجعل اجلامعة كذلك جامعة منفتحة‪ ،‬وقاطرة فعالة وحمركة للتنمية ‪.‬عالوة على ذلك‪ ،‬ينبغي أن تكون‬
‫املؤسسات الرتبوية‪ ،‬سوا أكانت مدارس أم جامعات‪ ،‬أفضية للحريات واحلقوق اإلنسانية‪ ،‬وأمكنة‬
‫للحوار والتعلم الذايت‪ .‬والبد أن تدخل املؤسسات الرتبوية والتعليمية يف شراكات حقيقية م اجلماعات‬
‫احمللية واآلبا وأوليا األمور والشركا اآلخرين بغية املسامهة يف النهوض بالقطاع التعليمي‪ ،‬وحتقيق‬
‫اجلودة والتعميم وإجبارية التمدرس‪ .‬ومن مث‪ ،‬يعد اإلصالح الرتبوي املغريب ميثاقا وطنيا عشريا ذا أمهية‬
‫وطنية كربى‪ ،‬حيقق نتائجه بشكل مرحلي متدرج خاض للمراقبة والتقومي والتتب ‪.‬‬

‫ويهدف امليثاق الوطين للرتبية والتكوين‪ ،‬يف جماله األول‪ ،‬إىل نشر التعليم يف خمتلف أرجا الوطن‪،‬‬
‫وربطه باحمليط االجتماعي واالقتصادي‪ ،‬بتعميم تعليم جيد يف مدرسة متعددة األساليب‪ ،‬وحماربة األمية‬
‫يف إطار الرتبية غري النظامية للقضا عليها تدرجييا يف ‪ 5030‬بنسبة ‪ ،%50‬وبشكل هنائي يف‬
‫‪ 5032‬بنسبة ‪ .%300‬وبطبيعة احلال‪ ،‬لن يتم ذلك إال يف إطار الالمركزية‪ ،‬وحتقيق الشراكة يف جمال‬
‫الرتبية بني القطاعني‪ :‬العام واخلاص‪ ،‬وبني املدرسة من جهة‪ ،‬واجملتم املدين والسلطات احمللية واجملتم‬
‫‪65‬‬
‫السياسي واملنظمات احلكومية وغري احلكومية من جهة أخرى‪ ،‬م توظيف اإلعالم املرئي لتحقيق‬
‫األهداف املسطرة للقضا كليا على األمية بكل أنواعها‪ .‬فضال عن خلق تالؤم أكرب بني النظام الرتبوي‬
‫واحمليط االقتصادي بواسطة االندماج املتبادل بني املؤسسة التعليمية واحمليط البيئي واالقتصادي‬
‫واالجتماعي والثقايف واملهين‪ ،‬أو عرب االنفتاح الوظيفي على احلياة العملية وآفاق اإلبداع‪ ،‬إما بواسطة‬
‫التمرس والتكوين بالتناوب‪ ،‬وإما عن طريق التكوين املستمر‪.‬‬

‫ويستهدف اجملال الثاين إصالح التنظيم البيداغوجي وتغيريه‪ ،‬بإعادة اهليكلة‪ ،‬وتنظيم أطوار الرتبية‬
‫والتكوين ابتدا من التعليم األويل واالبتدائي والثانوي اإلعدادي والتأهيلي واجلامعي‪ ،‬بتنظيم أسالك‬
‫التعليم وشعبه وشهاداته وأهدافه ومضامينه وأساليب تقوميه‪ ،‬م مراعاة تطوير التعليم األصيل‪ ،‬والتكفل‬
‫بذوي احلاجيات اخلاصة‪ ،‬والعناية بأبنا اجلالية يف اخلارج‪ ،‬واالهتمام باليهود املغاربة‪ .‬كما يستتب‬
‫اإلصالح البيداغوجي إصالح أنظمة التقومي واملراقبة املستمرة والتتب واملراقبة‪ ،‬مبوازاة م إصالح التوجيه‬
‫الرتبوي واملهين‪.‬‬

‫أما اجملال الثالث من اإلصالح‪ ،‬فيسعى إىل الرف من جودة الرتبية والتكوين‪ ،‬مبراجعة الربامج واملناهج‬
‫والكتب املدرسية والوسائط التعليمية‪ ،‬م العمل على تدبري استعماالت الزمن واإليقاعات املدرسية‬
‫والبيداغوجية بشكل أفضل‪ ،‬وحتسني تدريس اللغة األمازيغية واستعماهلا‪ ،‬وإتقان اللغات األجنبية من‬
‫أجل امتالك مفاتيح وآليات العلم واملعرفة والتكنولوجيا‪ ،‬والتفتح على األمازيغية ملعرفة مكونات اهلوية‬
‫الثقافية واحلضارية‪ .‬دون أن ننسى االستعمال األمثل والوظيفي للتكنولوجيات اجلديدة واإلعالم‬
‫والتواصل‪ ،‬وتشجي التفوق والتجديد والبحث العلمي‪ ،‬وإنعاش األنشطة الرياضية والرتبية البدنية‬
‫املدرسية واجلامعية واألنشطة املوازية‪.‬‬

‫ويف اجملال الراب اخلاص باملوارد البشرية‪ ،‬انصب االهتمام على حتفيز املوارد البشرية‪ ،‬م تكوينها تكوينا‬
‫جيدا وكفائيا‪ ،‬وحتسني ظروف عملها‪ ،‬ومراجعة مقاييس التوظيف والتقومي والرتقية‪ ،‬م حتسني الظروف‬
‫املادية واالجتماعية للمتعلمني‪ ،‬والعناية باألشخاص ذوي احلاجيات اخلاصة‪ ،‬والسيما املعوقني منهم‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫ويف اجملال اخلامس املتعلق بالتسيري والتدبري‪ ،‬فقد دعا امليثاق الوطين إىل سن سياسة الالمركزية‪ ،‬وإقرار‬
‫الالمتركز يف قطاع الرتبية والتكوين‪ ،‬وحتسني التدبري العام‪ ،‬وتقوميه بطريقة مستمرة‪ ،‬وتوجيهه وجهة‬
‫حسنة وحمكمة‪ ،‬اعتمادا على سياسة التدبري‪ ،‬وحماربة البذخ والتبذير‪ ،‬وترشيد النفقات‪ ،‬والتحكم يف‬
‫اإلنفاق بانتهاج الشفافية واحملاسبة والدميقراطية‪ ،‬وتطبيق سياسة التوازن بني املوارد واملصاريف‪ .‬ويسعى‬
‫اجملال كذلك إىل تنوي أمناط البنايات والتجهيزات‪ ،‬وضبط معايريها‪ ،‬والتثبت من مدى مال متها‬
‫حمليطها‪ ،‬وترشيد استغالهلا‪ ،‬والتأكد من حسن تسيريها‪.‬‬

‫ويتعلق اجملال السادس واألخري مبجال الشراكة والتمويل‪ ،‬بتشجي قطاع التعليم اخلاص‪ ،‬وضبط معايريه‬
‫وتسيريه‪ ،‬ومنح االعتماد لذوي االستحقاق‪ ،‬وتعبئة موارد التمويل‪ ،‬وترشيد تدبريها‪.‬‬

‫وبنا على ما سبق‪ ،‬فامليثاق الوطين للرتبية والتكوين ‪ -‬الذي متثله املغرب م بداية األلفية الثالثة‪-‬‬
‫خمطط مستقبلي متقن من حيث املبادئ والتصورات؛ ألنه حيمل يف طياته جمموعة من الشعارات‬
‫القيمة‪ ،‬واملبادئ الرتبوية اجليدة‪ .‬ويتضمن كذلك فلسفة نظرية رائدة بامتياز‪ .‬بيد أن املشكل هو عدم‬
‫تنفيذه ميدانيا‪ ،‬ومل يطبق يف كل تفاصيله العامة‪ ،‬بل ركز املسؤولون على بع الدعامات اجلزئية الثانوية‬
‫الشكلية‪ ،‬دون أجرأة جوهر امليثاق الوطين بشكل كلي‪ .‬ومن مث‪ ،‬بقي امليثاق حربا على ورق‪ ،‬وتعثر‬
‫تطبيقه بشكل تدرجيي‪ .‬وقد كان يف احلقيقة مصدرا من مصادر املخطط االستعجايل الذي تبنته وزارة‬
‫الرتبية والتعليم باملغرب بني ‪5001‬م و‪5035‬م‪ .‬ويعود السبب يف فشل هذا امليثاق إىل غياب‬
‫إسرتاتيجية تنفيذية لدى الوزارة‪ ،‬وغياب اإلمكانيات املادية واملالية لتجسيده يف أرض الواق ‪ ،‬وغياب‬
‫الكفا ات‪ ،‬وانعدام املقاربة الدميقراطية التشاركية؛ إذ تصدر القرارات الرتبوية واإلدارية دائما من مكاتب‬
‫السلطة املركزية العليا‪ ،‬وال يشارك فيها املتعلمون واملدرسون بشكل حقيقي‪ .‬وترتب على هذا إخفاق‬
‫نظرية اجلودة‪ ،‬والرتاج عن نظرية األهداف‪ ،‬والتخلي عن بيداغوجيا الكفايات واإلدماج‪ .‬ومن مث‪ ،‬مل‬
‫تنجح مدرسة النجاح‪ ،‬وال مدرسة املشاري املؤسساتية‪ ،‬ومل تفلح أيضا مدرسة الشراكة واالنفتاح على‬
‫احمليط اخلارجي‪ ،‬ومل تتجسد كذلك احلياة املدرسية يف مؤسساتنا التعليمية‪ ،‬بل أصبحت املؤسسات‬
‫الرتبوية ثكنات "بريوقراطية" قاتلة‪ ،‬ومؤسسات فارغة‪ ،‬تؤمن بالكم على حساب الكيف‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫املطلب السابع‪ :‬مرحلة اإلنق ــاذ أو مرحلة املخطط االستعجايل‬

‫من املعروف لدى اجلمي أن املنظومة الرتبوية التعليمية املغربية تعاين من الضعف واهلشاشة والتخلف‬
‫والرتدي‪ ،‬على الرغم من أن قطاع التعليم يشكل نسبة ‪ ٪ 26‬من ميزانية الدولة‪ .‬أي‪ :‬ما يفوق ‪17‬‬
‫مليار درهم سنة ‪5002‬م‪ .‬وهبذا‪ ،‬تشكل هذه امليزانية ‪ ٪ 2‬من الناتج الداخلي اخلام‪ .‬كما متثل رب‬
‫ميزانية الدولة ‪.‬ومن مث‪ ،‬فتسعني يف املائة (‪ )٪10‬من ميزانية التعليم تصرف ألدا األجور‪ ،‬بينما الباقي‬
‫خيصص للتسيري والتجهيز واالستثمار‪ .‬كما تنفق الدولة حوايل ‪ 200‬دوالر على كل مواطن إىل حدود‬
‫‪ 53‬سنة‪ .‬يف حني‪ ،‬تصل النسبة إىل ‪ 3050‬دوالر يف تونس‪ ،‬و‪ 3200‬دوالر يف جنوب أفريقيا‪،‬‬
‫و‪ 120‬دوالر يف األردن‪ .‬ويدل هذا املعدل على ضعف املؤشر الرتبوي املغريب مقارنة باملعدالت‬
‫املسجلة يف بلدان أخرى مماثلة‪.‬‬

‫وعلى الرغم من هذه املعطيات اإلحصائية واألرقام الرمسية اليت تبني ما خيصصه املغرب من موارد مالية‬
‫تصرف بسخا على املنظومة التعليمية والرتبوية‪ ،‬فمازال التعليم املغريب يعرف أزمات خانقة ومشاكل‬
‫عديدة على مجي املستويات واألصعدة؛ مما جعله حيتل مراتب متأخرة‪ ،‬ويتبوأ مكانة متخلفة بني دول‬
‫العامل يف جمال التنمية البشرية بصفة عامة‪ ،‬ويف جمال الرتبية والتعليم بصفة خاصة‪.‬‬

‫وقد شهد املغرب‪ ،‬منذ االستقالل إىل يومنا هذا‪ ،‬العديد من اإلصالحات الرتبوية والتعليمية‪ ،‬إال أن‬
‫جل هذه اإلصالحات كانت فاشلة بسبب قلة املوارد املالية واملادية والبشرية‪ ،‬وعدم قدرة املسؤولني عن‬
‫القطاع الرتبوي على تفعيل بنود اإلصالح ميدانيا‪ ،‬والعجز عن تطبيقها واقعيا‪ .‬ومن مث‪ ،‬تراجعت‬
‫الدولة‪ ،‬يف كثري من األحيان‪ ،‬عن تنفيذ توصيات اإلصالح‪ ،‬وأجرأة قراراته عمليا‪ ،‬وانعدام االخنراط‬
‫اجلماعي لتمثل اإلصالحات البنيوية اجلوهرية‪ ،‬واستيعاهبا تطبيقا وممارسة وجتريبا‪ ،‬م النزول هبا إىل‬
‫أرض الواق الختبار فرضياهتا‪ ،‬وجين مثارها‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فاملخطط أو الربنامج االستعجايل هو عبارة عن خطة إنقاذ للنسق الرتبوي التعليمي املغريب‬
‫من األزمات العديدة اليت يتخبط فيها‪ .‬ويستند‪ ،‬يف جوهره‪ ،‬إىل مبدأين أساسني‪ :‬املبدأ األول يكمن يف‬

‫‪68‬‬
‫التخطيط املربمج الذي يتسم بالتدقيق‪ ،‬والرتكيز‪ ،‬واالنتقا ‪ ،‬والفاعلية‪ ،‬واإلجرائية‪ ،‬والربامجاتية‪ ،‬وقابلية‬
‫التنفيذ‪...‬‬

‫ويتضح املبدأ الثاين جليا يف التنفيذ الفوري للربنامج‪ ،‬والتسري يف تطبيقه‪ ،‬وترمجته ميدانيا وواقعيا‪ ،‬دون‬
‫تريث وال إبطا وال تأخري‪ ،‬ولو حتقق ذلك التطبيق عرب فرتات متعاقبة‪ ،‬ومت تنفيذه بشكل استعجايل‬
‫متدرج عرب سنوات دراسية متوالية‪ .‬ألن برنامج إصالح الرتبية والتعليم هو برنامج بشري تنموي‪ ،‬تظهر‬
‫نتائجه عرب فرتات بعيدة ‪ .‬وإن أي استعجال ال تسبقه دراسات متأنية‪ ،‬ووض خمططات علمية‬
‫إسرتاتيجية‪ ،‬قد تنتج عنه كوا رث وأزمات ومثبطات عويصة من الصعب أن يتحملها اجلمي ‪ ،‬كما هو‬
‫حال املشاري الرتبوية الوزارية السابقة‪ .‬ومن مث‪ ،‬يقول وزير التعليم املغريب أمحد أخشيشن‪ ":‬الزمن‬
‫املدرسي زمن بطي ‪ ،‬على اعتبار أن إدخال أي تدبري يستغرق مدة من الزمن‪ .‬وهذا جيعل كذلك‬
‫حماسبة جناح أو فشل العمليات اإلصالحية يتعدى الزمن السياسي واحلكومي‪ ،‬بل إن النتائج الفعلية‬
‫لن تظهر إال بعد عشر أو مخس عشرة سنة"‪.37‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فاملخطط االستعجايل‪ -‬حسب وزير أمحد أخشيشن‪ -‬هو عبارة عن رؤية متكاملة قابلة‬
‫لإلجناز يف ظرف وجيز‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فاملخطط االستعجايل مبثابة خارطة طريق حتدد اخلطوات العملية اليت جيب االلتزام هبا من‬
‫أجل إصالح املنظومة التعليمية املغربية‪ ،‬وإعادة الثقة إىل املدرسة العمومية لكي تكون ‪ -‬فعال ‪-‬‬
‫مدرسة النجاح‪ ،‬ومدرسة احلداثة‪ ،‬ومدرسة املستقبل التنموي ‪.‬وميكن اعتبار هذا املخطط االستعجايل‬
‫أيضا مبثابة ميثاق وطين ثان للرتبية والتكوين‪ ،‬يعتمد‪ ،‬يف قراراته ومبادئه‪ ،‬على نتائج تقرير اجمللس‬
‫األعلى للتعليم لسنة ‪5002‬م‪.‬‬

‫‪ -37‬أمحد خشيشن‪( :‬املردودية الضعيفة للمدرسة املغربية)‪ ،‬حوار‪ ،‬جملة علوم الرتبية‪،‬املغرب‪ ،‬العدد التاس والثالثون‪ ،‬يناير ‪5001‬م‪ ،‬ص‪.342:‬‬

‫‪69‬‬
‫وبعد فشل امليثاق الوطين للرتبية والتكوين‪ ،‬ارتأت وزارة الرتبية الوطنية جتاوز هذا امليثاق لألخذ بسياسة‬
‫املخطط االستعجايل الذي امتد من سنة ‪ 5001‬إىل ‪5035‬م‪ .‬وتتمثل األسباب اخلاصة اليت كانت‬
‫ورا وض املخطط االستعجايل الوطين‪ ،‬يف جمال الرتبية والتعليم‪ ،‬يف فشل اإلصالحات التعليمية‬
‫السابقة‪ ،‬وكساد النظريات الرتبوية على مستوى التنظري والتطبيق‪ ،‬إما بسبب شعاراهتا السياسية اجلوفا‬
‫والفضفاضة‪ ،‬وإما ألهنا نظريات جاهزة‪ ،‬حياول املسؤولون استنباهتا يف تربة مغايرة للرتبة اليت ظهرت فيها‬
‫هذه النظريات‪ .‬ومن بني هذه النظريات والشعارات‪ :‬مبدأ تعميم التمدرس‪ ،‬والدعوة إىل جمانية املدرسة‪،‬‬
‫وتوحيد املدرسة املغربية‪ ،‬واحلث على تطبيق نظرية األهداف‪ ،‬واألخذ بالنظرية التداولية‪ ،‬واإلشادة‬
‫بنظرية اجلودة‪ ،‬والدعوة إىل متثل نظرية الشراكة‪ ،‬واستلهام نظرية مشروع املؤسسة‪ ،‬واستنبات نظرية‬
‫الكفايات‪ ،‬ومتثل نظرية اإلدماج‪ ،‬وااللتزام ‪ -‬أخريا ‪ -‬خبوصصة املقررات الدراسية‪ ،‬وحتريرها جتاريا يف‬
‫ضو االنضباط مبقررات دفرت التحمالت‬

‫‪...‬باإلضافة إىل فشل وزارة الرتبية الوطنية يف تطبيق بنود امليثاق الوطين للرتبية والتكوين الذي أصبحت‬
‫مقرراته منسية‪ ،‬وحربا على ورق‪ ،‬على الرغم من طموحها الكبري‪ .‬ومل يتم تنفيذ معظم تعهدات امليثاق‪،‬‬
‫إىل حد اآلن‪ ،‬لعوامل ذاتية وموضوعية‪ .‬ناهيك عن تردي املدرسة املغربية هيكليا ووظيفيا‪ ،‬وضعف‬
‫مردوديتها اإلنتاجية‪ ،‬وختلف معطياهتا املعرفية والديدكتيكية والبيداغوجية‪ ،‬وتفسخ منظومة القيم‬
‫الرتبوية‪ ،‬وفشل هذه املدرسة يف استقطاب التالميذ الذين بدأوا يغادرون املدرسة العمومية حنو املدرسة‬
‫اخلصوصية بشكل الفت لالنتباه‪ .‬كما أصبحت املدرسة اخلصوصية بدورها مؤسسة جتارية‪ ،‬ليس هلا‬
‫من هم سوى حتقيق املكاسب املادية‪ ،‬وجين األرباح الطائلة على حساب األهداف النبيلة اليت يرجوها‬
‫اجملتم املغريب من منظومة الرتبية والتعليم‪ .‬عالوة على تلك األسباب‪ ،‬نذكر ضعف املدرسة املغربية اليت‬
‫مل تستجب لطموحات الشعب املغريب‪ ،‬ومل تساير متطلبات االقتصاد الوطين‪ ،‬ومل توفر أطرا مؤهلة‬
‫إلرضا سوق التشغيل‪ ،‬ومل تشب رغبات التالميذ‪ .‬ومن مث‪ ،‬مل جيد فيها املواطن املغريب فضا لتوطيد‬
‫‪70‬‬
‫الدميقراطية احلقة تعليما وتعلما واستحقاقا‪ .‬ومل جيد فيها أيضا العدالة االجتماعية املشروعة‪ ،‬بل صارت‬
‫مدرسة للصراع االجتماعي‪ ،‬والتفاوت الطبقي‪ ،‬والتنافس غري املشروع‪ .‬وأكثر من هذا يتخرج من هذه‬
‫املدرسة‪ ،‬كل سنة‪ ،‬آالف من الطلبة غري مؤهلني وظيفيا من جهة‪ ،‬أو مؤهلني بدبلومات نظرية ال‬
‫حتتاجها السوق الوطنية من جهة أخرى‪.‬‬

‫ومن األسباب األخرى اليت كانت ورا تعثر املدرسة املغربية ظاهرة اهلدر املدرسي‪ ،‬حيث ينقط أكثر‬
‫من ‪ 120‬ألف طفل عن املدرسة سنويا قبل بلوغ ‪ 32‬سنة عام ‪5002‬م‪ .‬أي‪ :‬بنسبة تقدر بري‪،٪40‬‬
‫ويعاكس هذا الرقم فلسفة امليثاق الوطين للرتبية والتكوين الذي ينص على تعميم التعليم‪ ،‬والقضا على‬
‫األمية هنائيا يف ‪5032‬م‪ .‬يف حني‪ ،‬ألفينا العكس هو الصحيح‪ ،‬فالتالميذ يغادرون الفصول الدراسية‬
‫كل عام عن إرادة شخصية‪ ،‬وعن اقتناع وطواعية‪ ،‬وأيضا مبباركة األسرة وتشجيعها؛ ألن املدرسة املغربية‬
‫ال حتقق املستقبل للمواطن املغريب بأي شكل من األشكال‪ .‬وبالتايل‪ ،‬ال تضمن الشغل‪ ،‬وال تعطي‬
‫اخلبز‪ ،‬وال توفر األمان‪ ،‬وال حتقق االستقرار املادي واملعنوي‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فقد وجدنا املؤسسات التعليمية‬
‫املغربية ‪ -‬اليوم ‪ -‬غاصة باإلناث على حساب الذكور‪ ،‬أولئك الذين بدأوا يغادروهنا حبثا عن العمل‪،‬‬
‫أو استعدادا للهجرة إىل الضفة األخرى‪ .‬وسينتج عن هذا يف املستقبل‪ -‬بال ريب‪ -‬أزمات خانقة‪،‬‬
‫كاستفحال ظاهرة البطالة‪ ،‬وقلة املوارد البشرية ذات الكفا ة‪ ،‬وتفاقم ظاهرة العنوسة بني اإلناث‪،‬‬
‫وانتشار اإلجرام بني الذكور‪.‬‬

‫وإىل جانب اهلدر املدرسي‪ ،‬هناك ظاهرة خطرية أخرى تؤثر يف ميزانية الدولة هي ظاهرة التكرار اليت‬
‫بدأت تزداد كل سنة بنسبة عالية (‪ ) ٪31‬يف السلك االبتدائي‪ ،‬و(‪ ) ٪37‬يف الثانوي م نسبة‬
‫مرتفعة تتجاوز نسبة ( ‪ ) ٪10‬يف الثالثة إعدادي والسنة الثانية من البكالوريا‪ .‬بينما يالحظ أن التكرار‬
‫يف البلدان املتقدمة ممنوع مبوجب القانون‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬فهذا التكرار يف احلقيقة ناتج عن تردي املنظومة الرتبوية عموما؛ تلك املنظومة اليت‬
‫تضم يف مؤسساهتا أزيد من ‪ 2‬ماليني و‪ 212‬ألف متعلم‪ .‬ناهيك عن ضعف مردودية التعليم معرفيا‬
‫ومهاريا وديدكتيكيا وبيداغوجيا ونفسيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا‪ ،‬وضعف التكوين عند املدرسني‬
‫الذين يقدر عددهم بري‪550‬ألف‪ .‬بينما الوزارة ال ختصص لتكوينهم البيداغوجي سوى أربعة ومثانني‬
‫مليون درهم حسب إحصائيات سنة ‪ 5007‬م‪ .‬ويعد هذا الغالف املايل يف الواق ضعيفا مقارنة بالعدد‬
‫اهلائل من رجال التعليم الذين هم يف حاجة ماسة إىل التكوين الرتبوي والتأطري املعريف والثقايف‪.‬‬

‫وال ننسى أيضا الوضعية املتدهورة للفضا ات الرتبوية والتعليمية على مستوى البنايات والتجهيزات‪،‬‬
‫فالقاعات غري الصاحلة تفوق تسعة آالف قاعة‪ .‬كما أن ‪ ٪20‬من املدارس املوجودة باألرياف غري‬
‫مرتبطة بشبكة الكهربا ‪ ،‬وأكثر من ‪ ٪72‬من هذه املؤسسات ال ما فيها‪ .‬يف حني‪ ،‬إن ‪ ٪20‬ليس‬
‫هلا دورات مياه‪ .‬ويالحظ أيضا قلة املؤسسات الرتبوية املشيدة من قبل الدولة‪ ،‬فاحلاجة إىل الفصول‬
‫اإلعدادية‪ -‬مثال ‪ -‬تصل إىل ‪ 520‬مؤسسة سنويا‪ ،‬بينما ال تبين منها الدولة سوى ‪ 10‬كل سنة‪..‬‬

‫أضف إىل ذلك عدم قدرهتا على استيعاب العدد اهلائل من التالميذ الذين يتزايدون كل سنة؛ مما‬
‫يسبب ذلك يف ظاهرة االكتظاظ الصفي (‪ 43‬تلميذا يف كل فصل)‪.‬عالوة على ذلك‪ ،‬نشري إىل‬
‫ظاهرة انتشار األساتذة األشباح الذين يتهربون من مهمة التدريس ألسباب عدة‪ ،‬كالتظاهر باألمراض‬
‫املزمنة‪ ،‬واالستفادة من العالقات اإلخوانية والزبونية املربمة م املسؤولني عن القطاع‪ ،‬وإرغام اإلدارة‬
‫املقن ‪ ...‬كما يالحظ أيضا استفحال ظاهرة غياب‬ ‫على قبول املطالب النقابية‪ ،‬وهنج سياسة التفيي‬
‫رجال التعليم بشكل مقبول أو غري مقبول‪ ،‬فقد أحصت الوزارة خبصوص الغياب املربر بشواهد طبية‬
‫حوايل مليون و‪ 220‬ألف يوم يف السنة‪ .‬وبالتايل‪ ،‬ال ميكن أن تتحقق املردودية التعليمية واجلودة‬
‫الرتبوية بغياب الفاعلني الرتبويني األساسيني‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫ومن األسباب األخرى اليت كانت ورا وض هذا املخطط‪ ،‬عدم قدرة املنظومة التعليمية املغربية التعاطي‬
‫م مستجدات الثورة اإلعالمية والرقمية‪ ،‬وغياب التكوين املستمر للمدرسني ورجال اإلدارة‪ .‬وال غرو‬
‫أن وزارة الرتبية الوطنية املغربية ب دأت توظف جمموعة من املدرسني‪ ،‬دون تأهيلهم تأهيال بيداغوجيا‬
‫وديدكتيكيا‪ ،‬أو قد تكوهنم تكوينا سريعا ال حيقق النجاعة احلقيقية‪ ،‬وال يعطي الثمار املرجوة داخل‬
‫القسم الصفي‪ .‬وال ننسى أيضا عدم جتديد وسائل العمل الديدكتيكي والبيداغوجي داخل الفضا‬
‫املدرسي‪ .‬وميكن اإلشارة كذلك إىل نقص على مستوى التأطري واإلشراف‪ ،‬وخصاص على مستوى‬
‫األطر الرتبوية‪ ،‬سوا أكان ذلك يف القطاع املدرسي أم يف قطاع التعليم العايل‪ ،‬وخاصة بعد تطبيق‬
‫عملية املغادرة الطوعية سنة ‪5002‬م‪ ،‬وعدم انضباط رجال التعليم واحرتامهم لساعات العمل‪ ،‬حيث‬
‫إن أكثر من ‪ ٪ 17‬من أساتذة التعليم اإلعدادي ال ميارسون فعليا ساعات العمل احملددة يف ‪54‬‬
‫ساعة يف األسبوع‪ .‬أما أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي‪ ،‬فإن ‪ ٪ 32‬منهم ال حيرتمون ساعات العمل‬
‫احملددة يف‪ 53‬ساعة يف األسبوع‪ .‬وهناك أيضا خصاص على مستوى رجال اإلدارة‪ ،‬فلدى الوزارة‬
‫الوصية ما يفوق ‪ 100‬منصب مدير شاغر‪.‬‬

‫وعلى املستوى اجلامعي‪ ،‬يربز مشكل االكتظاظ بشكل الفت لالنتباه‪ ،‬باعتباره عائقا كبريا‪ ،‬ومشكال‬
‫حادا‪ ،‬حيث تفوق نسبة التأطري معدل ‪ 22‬طالبا لكل أستاذ جامعي‪ ،‬م مالحظة غياب التوازن بني‬
‫املسالك العلمية والتكوينية واألدبية‪ ،‬وتفاقم ظاهرة اخلصاص يف املوارد البشرية‪.‬‬

‫وعلى الصعيد اخلارجي والدويل‪ ،‬فهناك جمموعة من التقارير الدولية اليت ترتب املغرب ضمن الدول‬
‫املتخلفة الفقرية‪ ،‬حيث تنتشر فيه الكثري من اآلفات السلبية اخلطرية‪ ،‬كالفقر‪ ،‬والرشوة‪ ،‬واملتاجرة يف‬
‫املخدرات‪ ،‬وزيف االنتخابات‪ ،‬وانتشار األمية‪ ،‬واستفحال ظاهرة الدعارة‪ ،‬وكثرة حوادث السري‪،‬‬
‫وانعدام الدميقراطية احلقة‪ ،‬واالستهانة حبقوق اإلنسان املشروعة الطبيعية واملكتسبة‪ .‬ومن مث‪ ،‬أصبح‬
‫املغرب بلدا األزمات واملفاسد والكوارث سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وتربويا وأخالقيا‪ .‬وهكذا‪،‬‬
‫‪73‬‬
‫يتأرجح املغرب على مستوى التنمية البشرية العاملية بني الرتبتني ‪ 352‬و‪ 310‬قياسا على األوضاع‬
‫املتدهورة اليت يعرفها البلد على مستوى الدخل الفردي والصحة والتعليم‪ .‬باإلضافة إىل أوضاع حقوقية‬
‫وثقافية واجتماعية وإنسانية منحطة يف جمتم منحط بدوره‪ .‬ومن مث‪ ،‬فقد وض تقرير التنمية يف منطقة‬
‫الشرق األوسط ومشال أفريقيا املغرب‪ ،‬على صعيد الرتبية والتعليم‪ ،‬يف مرتبة عربية وإسالمية متأخرة‬
‫ومتخلفة (املرتبة ‪ 33‬من جمموع ‪ 34‬دولة)‪ .‬أي‪ :‬قبل العراق‪ ،‬واليمن‪ ،‬والصومال الفرنسية (جيبويت)‪.‬‬
‫بينما حتتل األردن‪ ،‬والكويت‪ ،‬وتونس‪ ،‬ولبنان‪ ،‬وإيران‪ ،‬املراتب األوىل‪ .‬يف حني‪ ،‬حتتل مصر‪،‬‬
‫وفلسطني(مبا فيها غزة احملاصرة)‪ ،‬واجلزائر‪ ،‬وسوريا‪ ،‬والسعودية‪ ،‬مراتب متوسطة‪.38‬‬

‫وبدأت وزارة الرتبية الوطنية يف تنفيذ املخطط االستعجايل مبدئيا من الدخول املدرسي لسنة ‪5001‬م‪،‬‬
‫بتنفيذ جمموعة من القرارات األولية‪ ،‬وإصدار جمموعة من املذكرات الوزارية املمهدة لتفعيل املخطط‬
‫االستعجايل يف جمال الرتبية والتعليم‪ .‬وتتعلق هذه املذكرات باإلحلاح على الدخول املبكر إىل املدارس‬
‫التعليمية‪ ،‬وتوحيد الزي املدرسي‪ ،‬وتغيري الزمن املدرسي‪ ،‬وتنظيم إيقاعاته الصفية يف املدارس االبتدائية‪،‬‬
‫والدعوة إىل مدرسة النجاح‪ ،‬وتكوين األساتذة يف بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬وتكوين رجال اإلدارة يف جمال‬
‫التدبري والتسيري‪ ،‬وتأهيل األساتذة يف جمال اإلعالميات ضمن مشروع جيين(‪ ،) Génie‬وتوزي مليون‬
‫منها(كتب الرتبية اإلسالمية ‪ -‬مثال‪،)-‬‬ ‫الكتب املدرسية‪ ،‬م تغيري البع‬ ‫حمفظة‪ ،‬واستحداث بع‬
‫دروس قواعد اللغة من كتب العربية‬ ‫الدروس الصعبة من املقررات الدراسية (حذف بع‬ ‫وحذف بع‬
‫بالتعليم اإلعدادي والتأهيلي)‪ ،‬وإصدار مذكرة املرشد الرتبوي ملساعدة املفتش أو املشرف املؤطر بسبب‬
‫تقلص عدد املفتشني داخل املنظومة الرتبوية‪.‬‬

‫‪ -38‬انظر تقرير‪ :‬التنمية يف منطقة الشرق األوسط ومشال أفريقيا‪ :‬الطريق غري املسلوك‪ :‬إصالح التعليم يف الشرق األوسط ومشال‬
‫أفريقيا‪،‬ملخص تنفيذي‪ ،‬نشرة البنك الدويل بواشنطن‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫وقد شرعت الوزارة يف التطبيق الفعلي احلقيقي للمخطط االستعجايل بتنفيذ امليزانية املالية لسنة‬
‫‪5030‬م‪ ،‬ليمتد هذا املخطط االستعجايل اإلصالحي إىل غاية ‪5035‬م‪.‬‬

‫ويستند املخطط االستعجايل‪ ،‬يف مبادئه وقراراته‪ ،‬إىل جمموعة من املرجعيات األساسية واملصادر املباشرة‬
‫وغري املباشرة‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬ميكن اإلشارة إىل نتائج القرارات الدولية‪ ،‬وتوصياهتا امللحة حول ضرورة‬
‫إصالح املنظومة الرتبوية املغربية‪ ،‬ومرتكزات امليثاق الوطين للرتبية والتكوين‪ ،‬وقرارات اجمللس األعلى‬
‫للتعليم‪ ،‬وتصورات وزارة الرتبية الوطنية النظرية والتطبيقية‪ ،‬وقرارات احلكومات املغربية املتعاقبة على‬
‫السلطة إىل يومنا هذا‪ ،‬وما قرره التصريح احلكومي األخري من مبادئ إصالحية استعجالية‪ ،‬وندا ات‬
‫األحزاب السياسية‪ ،‬ومطالب النقابات التعليمية‪ ،‬ومستلزمات االقتصاد الوطين والدويل‪ ،‬وتوصيات‬
‫القصر امللكي وتوجيهاته النرية‪ ،‬ومساعي الربملان إلجياد تعليم مغريب متقدم ومزدهر‪.‬‬

‫وقد قررت وزارة الرتبية الوطنية‪ ،‬يف إرسا خمططها االستعجايل إلنقاذ املنظومة الرتبوية وإصالحها‪ ،‬أن‬
‫تعتمد‪ ،‬أوال‪ ،‬على ميزانية الدولة املخصصة لقطاع التعليم‪ .‬وتستعني‪ ،‬ثانيا‪ ،‬مبا خيصص هلا من نفقات‬
‫وموارد إضافية ‪ .‬وثالثا‪ ،‬على ما حتصل عليه من مساعدات أخرى عن طريق الشراكات الداخلية‬
‫(اجلماعات احمللية وعدد من الفرقا )‪ ،‬ورمبا عرب الشراكات اخلارجية‪ .‬وستلتجئ‪ ،‬رابعا‪ ،‬إن أمكن هلا‬
‫ذلك‪ ،‬إىل االستعانة بالقروض الدولية لتفعيل هذا املشروع الرتبوي اجلبار والطموح كما يستفيد هذا‬
‫املخطط االستعجايل من املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬بتوزي مليون حقيبة على املتعلمني املعوزين من‬
‫أجل تسجيل نسبة كبرية من التالميذ املتعلمني‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فقد استفاد املخطط االستعجايل مبيزانية تقدر بريرياثنني وثالثني مليار درهم‪ ،‬حيث إن جز ا‬
‫كبريا منها وفرته الدولة‪ .‬وقد طبق هذا املشروع االستعجايل عرب التدرج‪ ،‬بطريقة تنفيذية عمودية من‬

‫‪75‬‬
‫األعلى حنو األسفل‪ .‬واعت مدت الوزارة يف التطبيق على جمموعة من اآلليات‪ ،‬مثل‪ :‬احلوار‪ ،‬واالخنراط‬
‫اجلماعي‪ ،‬واملشاركة‪ ،‬والتعاقد‪ ،‬والالتركيز‪ ،‬واالجتهاد‪ ،‬واملرونة‪ ،‬والفعل‪ ،‬والتقومي‪ ،‬واملراجعة‪.‬‬

‫وقررت وزارة الرتبية الوطنية‪ ،‬يف برناجمها الرتبوي االستعجايل‪ ،‬أن تنفذ جمموعة من اإلجرا ات الفورية‬
‫قصد إنقاذ املنظومة التعليمية من مهاوي الضعف والسقوط والرتدي‪ ،‬بتمثل نتائج القرارات الدولية يف‬
‫ما خيص تقومي املنظومة الرتبوية املغربية‪ ،‬وتطبيق اقرتاحاهتا السديدة‪ ،‬واستيعاب توصياهتا الوجيهة‪ ،‬م‬
‫العمل على تنفيذ أولويات املدرسة املغربية‪ ،‬كما حددها اجمللس األعلى للتعليم سنة ‪5002‬م ‪.39‬ومن‬
‫بني القرارات االستعجالية اليت مت التفكري فيها آنيا أو مرحليا‪:‬‬

‫‪ ‬حماربة ظاهرة االكتظاظ بتشييد البنايات املدرسية‪ ،‬واالقتنا املرحلي لفضا ات تعليمية‪ ،‬أو كرائها‬
‫على غرار دولة األردن‪.‬‬

‫‪‬إدخال املعلوميات إىل املدرسة املغربية من أجل عقلنة املنظومة الرتبوية‪ ،‬وحوسبة اإلدارة للتحكم يف‬
‫التسيري والتدبري‪.‬‬

‫‪‬التصدي لضعف الكفا ة الرتبوية عند ولوج مهنة التعليم‪ ،‬مبراجعة املسارات التكوينية‪ ،‬وتطبيق‬
‫نظام(‪ )ADT‬الذي يسمح بالتعاقد م املدرسني احلاصلني على اإلجازة‪ ،‬وخاصة الذين هلم تكوين‬
‫بيداغوجي أو تربوي مسبق‪ ،‬يؤهلهم لالشتغال يف القطاع العام أو اخلاص أو يف املقاوالت‪.‬‬

‫‪ ‬فتح مسلك مهين جامعي يف جمال الرتبية والتعليم يوفر الطاقات احملنكة واملتميزة ملزاولة مهنة التعليم‪.‬‬

‫‪ ‬وض خمطط سنوي لتكوين املدرسني تكوينا مستمرا يف ما استجد من معارف ونظريات وتقنيات‪.‬‬

‫‪‬وض تصور أويل حول إطار تنظيمي لعمل النقابات الذي حتتاج إليه الوزارة‪ ،‬وينبغي أن يقوم على‬
‫التشارك والتعاقد والتمثيلية‪.‬‬

‫‪ -39‬انظر اجمللس األعلى للتعليم‪ :‬حالة منظومة الرتبية والتكوين وآفاقها‪ ،‬التقرير السنوي ‪0221‬م‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5002‬م‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫‪‬إصالح أوضاع املدرسة يف العامل القروي‪.‬‬

‫‪ ‬توزي مليون حقيبة على املتمدرسني‪.‬‬

‫‪ ‬رف مالية املؤسسات الرتبوية يف إطار مشروع مدرسة النجاح للتحكم يف عمليات التدبري والتسيري‪.‬‬

‫‪ ‬حتفيز رجال الرتبية واإلدارة واإلشراف الرتبوي على العمل والعطا املثمر ماديا ومعنويا‪.‬‬

‫‪ ‬تقوية آليات التأطري واإلشراف الرتبوي خبلق إطار مرشد تربوي‪.‬‬

‫‪‬تشجي اإلبداع والبحث العلمي يف املنظومتني التأهيلية واجلامعية‪.‬‬

‫‪ ‬التفكري يف مسالك جامعية خاصة بتدبري املؤسسات الرتبوية‪.‬‬

‫‪‬ضرورة استقاللية اجلامعة املغربية على مستوى اختياراهتا األساسية وعلى املستوى الرتبوي‪.‬‬

‫‪‬تعميم التمدرس حىت مخس عشرة سنة للحد من األمية‪ ،‬والتحكم يف اهلدر املدرسي‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يهدف املخطط االستعجايل الذي وضعته وزارة الرتبية الوطنية املغربية ‪ -‬بصفة‬
‫أساسية‪ -‬إىل توفري الفضا ات الكافية الستيعاب املتعلمني واملتمدرسني املغاربة‪ .‬أي‪ :‬ضمان استقرار‬
‫املدرسة بإجياد البنايات التعليمية ببنائها‪ ،‬أو اقتنائها‪ ،‬أو كرائها‪ ،‬م توفري املا والكهربا واهلاتف‪ .‬وال‬
‫يتم تفويت مشاري بنا املؤسسات التعليمية إال عرب صفقات مضبوطة بدفاتر حتمالت واضحة‪ .‬ومن‬
‫جهة ثانية‪ ،‬توفري األساتذة األكفا واألطر اجملتهدة املتميزة لتحقيق املردودية التعليمية‪ .‬وثالثا‪،‬‬
‫استقطاب مجي التالميذ لاللتحاق باملؤسسات التعليمية يف أجوا تربوية مفعمة بالسعادة والطمأنينة‬
‫واالستقرار‪ .‬أي‪ :‬يكون حضور التالميذ إىل املدرسة بشكل مكثف بغية القضا على األمية‪ ،‬واحلد من‬
‫اهلدر املدرسي‪ .‬ويعين هذا أن املشروع االستعجايل جا لتحقيق أهداف جوهرية ثالثة‪ :‬إعداد املدرسة‪،‬‬
‫وتكوين املدرس‪ ،‬وجلب التلميذ إىل املدرسة‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد حدد وزير الرتبية الوطنية أمحد أخشيشن خمططه االستعجايل( ‪5035-5001‬م ) يف أربعة‬
‫جماالت أساسية‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ -3‬جمال التحقيق الفعلي إللزامية التعليم إىل حدود ‪ 32‬سنة‪.‬‬

‫‪ -5‬جمال حفز املبادرات واالمتياز يف الثانوية التأهيلية واجلامعة‪.‬‬

‫‪ -1‬جمال معاجلة اإلشكاالت األفقية احلامسة للمنظومة الرتبوية‪.‬‬

‫‪ -4‬جمال توفري املوارد الالزمة للنجاح‪.‬‬

‫وقد استهدف املخطط أيضا العمل على تنفيذ ثالثة وعشرين مشروعا‪ ،‬وهي‪ :‬تطوير التعليم األويل‪،‬‬
‫وتوسي العرض الرتبوي للتعليم اإللزامي‪ ،‬وتأهيل املؤسسات التعليمية‪ ،‬وضمان تكافؤ فرص ولوج‬
‫التعليم اإللزامي‪،‬وحماربة ظاهريت التكرار واالنقطاع عن الدراسة‪،‬وتنمية مقاربة النوع يف املنظومة الرتبوية‪،‬‬
‫وإدماج األطفال ذوي احلاجيات اخلاصة‪ ،‬والرتكيز على املعارف والكفايات األساسية (القرا ة‪،‬‬
‫والكتابة‪ ،‬واحلساب‪ ،‬والسلوك املدين‪ ،)...‬وحتسني جودة احلياة املدرسية‪ ،‬وإرسا مدرسة االحرتام‪،‬‬
‫وتأهيل العرض الرتبوي يف الثانوي التأهيلي (فتح مسالك وشعب جديدة‪ ،‬وتشجي التميز‪ ،‬وحتسني‬
‫العرض الرتبوي يف التعليم العايل (تنوي التكوينات واملسالك والشهادات)‪ ،‬وتشجي البحث العلمي‪،‬‬
‫وتعزيز كفا ات األطر الرتبوية‪ ،‬وتطوير آليات تتب األطر الرتبوية وتقوميها‪ ،‬وترشيد املوارد البشرية‬
‫للمنظومة وتدبريها‪ ،‬واستكمال ورش تطبيق الالمركزية والالتركيز‪ ،‬وترشيد هيكلة الوزارة‪ ،‬وحتسني‬
‫املنظومة الرتبوية ختطيطا وتدبريا‪ ،‬وتعزيز التحكم يف اللغات‪ ،‬ووض نظام ناج لإلعالم والتوجيه‪،‬‬
‫وتوفري املوارد املالية الالزمة وترشيدها من أجل جناح املخطط االستعجايل‪ ،‬وضمان استدامته‪ ،‬وحتقيق‬
‫أعلى مستويات التعبئة والتواصل حول املدرسة‪.‬‬

‫إال أن هذه األهداف العظيمة والكربى مل تتحقق فعليا يف الواق امليداين‪ ،‬وأصبح هذا املخطط "‬
‫االستعجايل" ينقصه االستعجال‪ ،‬ويعاين البط الكبري‪ .‬ناهيك عن التعثر املستدمي‪ ،‬والبريوقراطية املرتامية‬

‫‪78‬‬
‫األطراف‪ ،‬والعشوائية املرجتلة يف التنفيذ والتطبيق‪ ،‬وكثرة اإلضرابات يف قطاع التعليم‪ .‬وهذا كله كان‬
‫تعبريا داال على فشل التخطيط االستعجايل املغريب بشكل كلي يف إصالح التعليم بشكل عام‪ .‬والدليل‬
‫على ذلك أيضا تراج الوزارة ‪ -‬مؤخرا ‪ -‬عن تطبيق بيداغوجيا الكفايات واإلدماج‪ ،‬وانتشار تذمر عام‬
‫لدى رجال التعليم ونسائه من سياسة القطاع املتعثرة‪ ،‬واستيا املواطنني من نتائج خمرجات التكوين‬
‫نظرا ملا يتعرض له اخلرجيون من بطالة‪ ،‬وضعف ميس التكوين والشهادة‪ ،‬وفشل بيداغوجيا اجملزو ات‪،‬‬
‫وما هلا من أثر سي يف مستوى املردودية والتقومي والعطا ‪ ،‬وعدم قدرة اخلرجيني والطلبة على حد سوا‬
‫على توظيف مكتسباهتم املعرفية يف التأقلم م الواق املوضوعي‪ .‬عالوة على بط الوزارة يف تطبيق‬
‫خمططاهتا التدرجيية‪ ،‬رمبا يكون ذلك راجعا إىل أسباب مادية أو مالية أو إدارية أو لوجيستيكية‪.‬‬
‫ونسجل كذلك‪ ،‬وبشدة‪ ،‬تأخري الوزارة يف تنفيذ هذا املخطط يف وقته املبكر(‪5001‬م)‪ .‬بل أكثر من‬
‫ذلك مل جيد املتعلمون أماكنهم يف مدارسهم‪ .‬فكم من مدارس ابتدائية حتولت إىل إعداديات بسبب‬
‫سياسة التقشف وضعف امليزانية! وكم من إعداديات حتولت إىل ثانويات تأهيلية! وكم من مؤسسات‬
‫تربوية ليست فيها خمتربات علمية‪ ،‬والمتلك ساحات ملمارسة الرياضة البدنية! بل هناك مؤسسات‬
‫بدون مدرسني‪ ،‬وأيضا بدون رجال إدارة‪ ،‬وكذلك بدون بع املواد الدراسية الضرورية‪ .‬ومن مث‪،‬‬
‫ازدادت املدرسة املغربية السو سو ا‪ ،‬وتدهورت الوضعية احلالية ملعظم املؤسسات الرتبوية العامة؛ مما‬
‫جعل املواطنني املغاربة جيمعون على أن املدرسة اخلصوصية أفضل بكثري من املدرسة احلكومية‪ .‬لذا‪،‬‬
‫خيتارون ألبنائهم ‪-‬اليوم‪ -‬أحسن املؤسسات التعليمية اخلاصة‪ ،‬ولو بأمثان خيالية‪ ،‬حبثا عن اجلودة‬
‫واإلتقان ومدرسة املستقبل‪.‬‬

‫ومن يتأمل بنود هذا املخطط االستعجايل‪ ،‬ويتبني قراراته وأهدافه‪ ،‬فإنه سيحس بفخر وانتشا ‪،‬‬
‫مادامت النوايا احلسنة ليس هلا من هم سوى إنقاذ النظام التعليمي املغريب من أزماته اخلانقة‪ .‬بيد أنه‬
‫بعد تدبر وتفكري عميق‪ ،‬سيالحظ املتتب للنظام التعليمي املغريب أن هلذا املخطط االستعجايل سلبيات‬
‫وإجيابيات‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫فإذا كانت النقط اإلجيابية من جهة تتمثل يف توفري البنايات والتجهيزات التعليمية‪ ،‬وتوفري األطر الرتبوية‬
‫واإلدارية‪ ،‬واستقطاب أكرب عدد من التالميذ‪ ،‬وتشجي التميز والبحث العلمي واالبتكار‪ ،‬وتوحيد الزي‬
‫املدرسي‪ ،‬وتكوين رجال الرتبية واإلدا رة تكوينا جيدا يف جمال الرقميات والبيداغوجيا املعاصرة‪ ،‬وتوزي‬
‫مليون حمفظة على التالميذ‪ ،‬وخلق منصب مرشد تربوي‪ ،‬والعمل على تفعيل استقاللية اجلامعة‪،‬‬
‫واألخذ مبدرسة النجاح‪ ،‬وتنوي املسالك والشعب يف الثانوي واجلامعة من أجل الرف من املردودية‪،‬‬
‫وحتقيق التنمية املس تدامة‪ ...‬فإنه من جهة أخرى‪ ،‬يالحظ املر بع النقط السلبية اليت نتجت عن‬
‫الشروع األويل يف تنفيذ هذا املخطط االستعجايل‪ ،‬كالدخول املتأخر إىل املدرسة يف املوسم الدراسي‬
‫(‪ 5030-5001‬م)‪ ،‬وقلة األطر الرتبوية واإلدارية بشكل كبري‪ ،‬وحذف بع املواد التعليمية ( حذف‬
‫مادة ال رتمجة يف أقسام اجلذوع املشرتكة)‪ ،‬وإلغا نظام التفويج يف ما خيص املواد العلمية‪ ،‬وحذف بع‬
‫الدروس املهمة‪ ،‬كدروس قواعد اللغة العربية يف اإلعدادي والثانوي‪ ،‬وتقليص ساعات بع املواد‪،‬‬
‫وتراج مستوى اجلامعة بصفة خطرية‪ ،‬وغياب البحث العلمي بشكل كلي‪ ،‬وتراج قيمة شهادة‬
‫اإلجازة والدكتوراه الوطنية‪ ،‬وإحساس أساتذة القطاع املدرسي‪ ،‬والسيما احلاصلني على شهادة دكتوراه‬
‫الدولة والدكتوراه الوطنية‪ ،‬باحليف والظلم ماديا ومعنويا‪ ،‬مقارنة بإخواهنم يف التعليم العايل يف اجلامعة أو‬
‫مراكز تكوين األطر‪ ،‬وعدم مواكبة املقررات الدراسية ملا يستجد يف الساحة املعرفية والعلمية والثقافية‬
‫واألدبية من أفكار‪ ،‬ونظريات‪ ،‬وتصورات‪ ،‬ومناهج‪ ،‬وتقنيات‪...‬‬

‫واألغرب من هذا كله أن املسؤولني عن قطاع التعليم يفتقدون التصور الشامل الناج إلصالح التعليم‪.‬‬
‫أي‪ :‬ليست لديهم أي رؤية واضحة وحقيقية عن مقاصد التعليم وغاياته وأغراضه‪ .‬ويف هذا السياق‪،‬‬
‫يقول وزير الرتبية الوطنية السيد أمحد أخشيشن‪ ":‬فالذي اشتغلنا عليه حنن اآلن هو إرسا تصور مغريب‬
‫متأصل وحديث ليقدم إجابة عن سؤال ماذا نريد من التعليم‪ .‬وماهي الصورة اليت نريد أن نرى عليها‬
‫أبناؤنا مستقبال‪ :‬هل امتالك مهارات أم تعود على أجوا املدرسة أم تعلم القرا ة والكتابة‪ .‬وعندما‬

‫‪80‬‬
‫جنيب عن هذا السؤال بدقة‪ ،‬سيصبح هو الضابط الذي على أساسه يصبح أي شخص يريد أن يقدم‬
‫على مشروع يف هذا اإلطار يشتغل فيه"‪.40‬‬

‫وعلى وجه العموم‪ ،‬ال ميكن للتعليم املغريب أن حيقق النجاح يف جمال الرتبية والتعليم إال بتطبيق‬
‫الدميقراطية احلقيقية بدل االحتكام إىل سياسة األهوا واألمزجة‪ .‬والبد أيضا من حتقيق العدالة‬
‫االجتماعية‪ ،‬وتطبيق مواثيق حقوق اإلنسان‪ ،‬واالهتمام بالكفا ات العلمية املهمشة‪ ،‬وتطبيق املقاربة‬
‫اإلبداعية يف جمال البيداغوجيا والديدكتيك‪ ،‬والرف من مستوى التعليم العايل‪ ،‬والسمو بقيمة الشهادات‬
‫العلمية‪ ،‬وإسناد املناصب العليا إىل الذين يستحقوهنا يف جمال الرتبية والتعليم عن جدارة علمية‪ ،‬دون‬
‫اللجو إىل توظيف أطر ضعيفة مهزوزة‪ ،‬بطرائق غري مشروعة معروفة للداين والقاصي‪...‬‬

‫وال ميكن أيضا تنفيذ املخطط االستعجايل املغريب‪ ،‬يف ميدان الرتبية والتعليم‪ ،‬إال بتضافر كل اجلهود‬
‫قاطبة؛ إذ ينبغي أن ينخرط فيه مجي الفاعلني‪ ،‬كجمعيات اآلبا ‪ ،‬واجلمعيات املدنية‪ ،‬واألحزاب‬
‫السياسية‪ ،‬واملنظمات غري احلكومية‪ ،‬ورجال السلطة‪ ،‬والفاعلني الرتبويني واإلداريني‪ ،‬وقطاع احلكومة‪.‬‬
‫وال يتحقق هذا اإلصالح االستعجايل كذلك إال باحلوار البنا ‪ ،‬واملشاركة اهلادفة‪ ،‬وتوفري املوارد البشرية‪،‬‬
‫وحتصيل اإلمكانيات املالية واملادية‪ ،‬وتطبيق النظرية اإلبداعية‪ ،‬وختليق اإلدارة‪ ،‬وحتفيز املريب واإلداري‬
‫على حد سوا ‪ ،‬وتشجي املفتش املشرف واملريب الرتبوي ماديا ومعنويا‪ ،‬واإلنصات إىل األساتذة‬
‫األكفا ‪ ،‬واألخذ بقراراهت م يف جمال الرتبية والتعليم‪ .‬بل ميكن القول‪ :‬إن إصالح املدرسة يف احلقيقة‬
‫ينبغي أن تتكلف به اجلماعات احمللية والسلطات اإلقليمية واجلهوية كما هو معروف يف الدول‬
‫املتقدمة‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد حدد وزير الرتبية الوطنية حممد الوفا تشخيصا عاما لفشل هذا املخطط‪ ،‬وقد جسده يف‬
‫وجود نسب خمجلة يف بنا املؤسسات التعليمية‪ ،‬ووجود تفاوت خطري يف التمدرس بني اجلهات‪ .‬ومن‬
‫مث‪ ،‬فقد بني أن من أهم معوقات هذا املخطط العجز عن حتقيق التواصل داخل أوساط املنظومة‬

‫‪ -40‬أمحد خشيشن‪( :‬الوض الكارثي للمدرسة املغربية)‪ ،‬حوار‪ ،‬جملة علوم الرتبية‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد‪ ،11‬يناير ‪5001‬م‪ ،‬ص‪.324:‬‬

‫‪81‬‬
‫الرتبوية من جهة‪ ،‬مث م وسائل اإلعالم والشركا النقابيني من جهة أخرى‪ .‬ومن خالل املعطيات‬
‫امل قدمة‪ ،‬يتضح أن جل املشاري حصلت على نسب فوق املتوسط العام احملدد يف ‪ .% 24‬بينما‬
‫عرف مشروعا تعزيز املناهج والتحكم يف اللغات التعثر‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن نسبة اإلجناز بلغت ‪ -‬مثال ‪ -‬يف‬
‫الدار البيضا الكربى ‪ ،%23‬ويف مكناس تافياللت ‪ ،% 74‬ويف الرباط سال‪ ،% 73‬ويف تادلة‬
‫أزيالل‪ ،% 21‬ويف فاس‪ ،% 22‬بينما مل تتجاوز يف دكالة عبدة ‪ .% 40‬ومن مث‪ ،‬فإن التفاوت كبري‬
‫بني أول وآخر أكادميية‪ .‬ومن ضمن عوامل التحقق احلضور القوي للوسط احلضري‪ ،‬واالستقرار النسيب‬
‫للمسؤولني‪ .‬فيما متثلت عوائق التحقق يف شساعة اجملال الرتايب لبع األكادمييات‪ ،‬وهيمنة الوسط‬
‫القروي هبا‪ ،‬وإحداث نيابات جديدة‪ ،‬وعدم استقرار املسؤولني‪.‬هذا‪ ،‬باإلضافة إىل نزول املشاري دفعة‬
‫واحدة‪ ،‬وغياب نظام لألولويات‪.‬‬

‫وخبصوص بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬فقد مت تأكيد عدم الصلة بينها وبني الربنامج االستعجايل الذي انطلق‬
‫يف ‪5001‬م‪ ،‬وبيداغوجيا اإلدماج اليت انطلقت يف‪5030‬م‪ ،‬وقد تطلبت ميزانية هامة أخذت من‬
‫الغالف املايل للربنامج االستعجايل‪ .‬وكان من تبعات هذا اإلرباك أو اإلقحام عدم إشراك اخلربا‬
‫املغاربة‪ ،‬وإقصا مجي البيداغوجيات األخرى‪ .‬ومن مث‪ ،‬كان من الواجب دعم استقاللية املؤسسة‪،‬‬
‫ودعم مبادراهتا‪ ،‬وتعزيز دور األستاذ يف االجتهاد‪ ،‬واختيار البيداغوجيا املناسبة‪.‬‬

‫وعلى الرغم من املنجزات املهمة على مستوى تعميم التمدرس‪ ،‬وتوسي العرض الرتبوي‪ ،‬والدعم‬
‫االجتماعي الذي خصص له ‪ 2.3‬مليار درهم من أصل‪ 11‬مليار درهم املرصودة للربنامج‪ ،‬فإن إجناز‬
‫البنايات املدرسية بالتعليم االبتدائي ‪ -‬مثال ‪ -‬عرف تأخرا‪ ،‬حيث احنصرت النسبة املتوسطة يف ‪57‬‬
‫‪ .%‬وبذلك‪ ،‬فقد أحدث تأهيل املؤسسات التعليمية الذي يبلغ ‪ ،% 22‬وتأهيل الداخليات (‪22‬‬
‫‪ ،)%‬وجتديد جتهيزاهتا (‪ )% 72‬بع التوازن‪ .‬كما بلغت نسبة االستفادة من اإلطعام املدرسي‬
‫باالبتدائي ‪ ،% 72‬وخبصوص برنامج تيسري‪ ،‬فقد عرف نسبة جناح بلغت ‪ ،%300‬حيث تستفيد‬
‫منه ‪ 402‬ألف أسرة‪.‬وتق جهة مراكش تانسيفت يف املقدمة بري‪72‬ألف أسرة مستفيدة‪ ،‬مث سوس ماسة‬
‫بري‪74‬ألف أسرة مستفيدة‪ ،‬والغرب شراردة بري‪ 20‬ألف أسرة‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫وقد أوضح وزير الرتبية الوطنية أن الصعوبات يف التعليم ترتكز أساسا يف أكادمييات سوس ماسة‪،‬‬
‫ومراكش تانسيفت‪ ،‬وتازة احلسيمة تاونات؛ نظرا لشساعتها‪ ،‬وهيمنة الوسط القروي هبا‪ .‬فهذه األخرية‬
‫‪ -‬مثال‪ -‬تسجل أعلى نسبة انقطاع بري‪ ،% 2.3‬خاصة يف مستوى الفتيات‪ ،‬بينما تواجه أكادميية‬
‫‪41‬‬
‫مراكش نسبة ‪ % 15‬من االكتظاظ يف اإلعدادي‪ ،‬و‪ % 20‬يف الثانوي‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد أعلنت وزارة الرتبية الوطنية مؤخرا عن النتائج األولية لعملية التقومي املادي واالفتحاص املايل‪،‬‬
‫فيما خيص تنفيذ مشاري الربنامج االستعجايل أمام كل من جلنة التعليم والثقافة واالتصال مبجلس‬
‫النواب والشركا االجتماعيني اليت مكنت من الوقوف على املؤشرات اإلجيابية والسلبية اليت حتققت منذ‬
‫بداية أجرأة هذه املشاري سنة ‪ 5001‬إىل غاية يونيو ‪ .5035‬ومن النتائج اليت أسفرت عن هذا‬
‫املخطط االستعجايل املعطيات التالية‪:‬‬

‫‪ ‬بلغت امليزانية املرصودة للربنامج االستعجايل ‪ 33397‬مليون درهم‪ ،‬صرفت منها نسبة ‪ %42‬يف‬
‫مشاري أجنزت كليا؛‬

‫‪%22‬من ميزانية الربنامج مازال اجلز األكرب منها مودعا يف خزينة الدولة‪ ،‬فيما اجلز اآلخر هو‬
‫اعتمادات مت تفويضها لألكادمييات اجلهوية للرتبية والتكوين‪ ،‬وهي خمصصة باألساس ملشاري بنا ات‬
‫مدرسية يف طور اإلجناز أو مربجمة؛‬

‫‪‬ساهم املاحنون الدوليون مببلغ ‪2.2‬مليار درهم لتمويل الربنامج االستعجايل‪ ،‬وهو ما ميثل نسبة‬
‫‪ %32‬من جمموع االعتمادات املرصودة إلجناز مشاريعه‪ ،‬منها ‪ 3.5‬مليار درهم عبارة عن قرض‪،‬‬
‫و‪ 4.1‬مليار درهم يف شكل هبة؛‬

‫‪ -41‬انظر‪( :‬أول افتحاص للربنامج االستعجايل للرتبية والتكوين يوضح االختالالت)‪ ،‬جريدة العلم‪ ،‬املغرب‪ ،‬اخلميس ‪52‬يوليوز ‪5035‬م‪،‬‬
‫ص‪.3:‬‬
‫‪83‬‬
‫‪‬إبرام ‪ 32130‬صفقة خالل الثالث سنوات األوىل من الربنامج االستعجايل‪ .‬أي‪ :‬مبعدل ‪2412‬‬
‫صفقة سنويا‪ .‬وهو ما ميثل ‪ %42.22‬من جمموع الصفقات املربمة سنويا من قبل جمموع املؤسسات‬
‫العمومية اخلاضعة للمراقبة القبلية‪ ،‬كذلك مت إبرام ‪ 32221‬سند طلب‪ ،‬مبعدل سنوي بلغ ‪.2531‬‬

‫‪ ‬على مستوى الدعم االجتماعي‪ ،‬استفادت ‪ 3.502.214‬تلميذا وتلميذة من اإلطعام املدرسي‬


‫بالسلك االبتدائي من أصل ‪ 3.231.115‬مستهدفا‪ .‬أي‪ :‬بنسبة ‪ %72‬على الصعيد الوطين؛‬

‫‪‬استفادت ‪ 4.305.177‬تلميذا وتلميذة من عملية توزي مليون حمفظة من أصل ‪4.051.168‬‬


‫مستهدفا‪ ،‬وهو ما ميثل نسبة وطنية بلغت ‪%303‬؛‬

‫‪ ‬حتقيق مجي أهداف مشروع برنامج "تيسري" على املستوى الوطين وجبمي اجلهات املستفيدة‪ ،‬بعد‬
‫أن استفادت كل األسر املربجمة اليت بلغ عددها‪ 402.752‬أسرة‪.‬‬

‫‪ ‬مت تسجيل نسب جيدة يف عملية جتهيز املؤسسات التعليمية بالعتاد الديداكتيكي‪ ،‬وقد وصلت‬
‫إىل ‪ %15‬على املستوى الوطين؛‬

‫‪ ‬جتهيز ‪ 1130‬مؤسسة تعليمية من جمموع ‪ 30343‬كانت مربجمة‪ ،‬منها ‪ 2222‬مؤسسة ابتدائية‬


‫من أصل ‪ 7321‬املربجمة و‪ 3250‬ثانوية إعدادية من أصل ‪ 3222‬كانت مستهدفة‪ ،‬و‪3315‬‬
‫ثانوية تأهيلية من أصل ‪.3522‬‬

‫‪ ‬ربط ‪ 1370‬مؤسسة تعليمية باألنرتنيت من أصل ‪ 1722‬كانت مربجمة‪ ،‬وهو ما ميثل نسبة إجناز‬
‫متقدمة جدا بلغت ‪ %14‬على املستوى الوطين؛‬

‫‪ ‬تسجيل تأخر يف جتهيز املؤسسات بالقاعات متعددة الوسائط‪ ،‬حيث مل يتم جتهيز سوى ‪%15‬‬
‫من املؤسسات التعليمية‪ ،‬فيما وصلت نسبة التجهيز باحلقائب متعددة الوسائط إىل ‪%.21‬‬

‫‪84‬‬
‫‪ ‬سجل تأخر يف عملية اإلجناز بفعل تعثر الصفقة الدولية اليت كانت عروض طلباهتا تفوق امليزانية‬
‫االعتمادات اخلاصة بالبنا إىل‬ ‫املرصودة للبنا ات (‪30‬مليار درهم)‪ ،‬مما دف الوزارة إىل تفوي‬
‫األكادمييات يف نونرب ‪5033‬؛‬

‫‪‬إحداث ‪ 11‬مؤسسة ابتدائية من أصل ‪ 171‬كانت مربجمة و‪ 301‬ثانوية إعدادية من أصل ‪251‬‬
‫و‪ 24‬ثانوية تأهيلية من أصل ‪ 572‬كانت مربجمة؛‬

‫‪‬إحداث ‪ 27‬داخلية بالتعليم الثانوي‪ ،‬بعد أن كانت مربجمة ‪ 120‬داخلية‪ ،‬حيث مل تتجاوز‬
‫النسبة العامة لإلجناز ‪ %37‬على الصعيد الوطين؛‬

‫‪ ‬عرفت التوسيعات على عكس اإلحداثات وترية إجناز متوسطة بلغت نسبتها على الصعيد الوطين‬
‫‪ ،%42‬بعد أن مت إحداث ‪ 4011‬حجرة دراسية من أصل ‪ 2255‬كانت مربجمة؛‬

‫‪‬تأهيل ‪ 4332‬مؤسسة تعليمية من أصل ‪ ،7522‬مبا يوازي نسبة وطنية بلغت‪ ، 56%‬وتأهيل‬
‫‪ 321‬داخلية من أصل ‪ 102‬بنسبة إجناز بلغت ‪.%.22‬‬

‫‪‬حتقيق نسب فوق ‪ %20‬بالنسبة جلمي املشاري البيداغوجية‪ ،‬باستثنا مشروعي مراجعة املناهج‬
‫وتعزيز التحكم يف اللغات بسبب عدم احلسم يف االختيار املنهجي؛‬

‫‪‬االهتمام بشكل كبري باجملاالت املرتبطة بالتأطري والتكوين وحماربة التكرار واالنقطاع والتقومي وكذلك‬
‫بدعم التعلمات؛‬

‫‪‬تسجيل تطور يف تعميم العدة البيداغوجية وتقنيات اإلعالم والتواصل‪ ،‬وحتسن يف نظام التقومي‬
‫واإلشهاد؛‬

‫‪85‬‬
‫‪%12‬من األساتذة (‪ 34‬ألف أستاذا وأستاذة مت استجواهبم)عربوا عن مواقفهم الداعية إىل تعديل‬
‫بيداغوجيا اإلدماج (‪ ،)%51‬أو العدول عنها (‪ ) % 27‬مبربر أهنا غري فعالة‪ ،‬وال تالئم خصوصية‬
‫املدرسة املغربية‪ ،‬فيما عرب ‪% 4‬عن االحتفاظ هبا؛‬

‫‪‬إمجاع مجي األساتذة املستجوبني على تعزيز دور األستاذ يف اختيار البيداغوجيا املناسبة‪ ،‬وعلى‬
‫تنوي البيداغوجيات‪ ،‬واالعتماد على اخلربة الوطنية يف كل إصالح‪.‬‬

‫و لإلشارة‪ ،‬فإن عملييت االفتحاص والتقومي مت إجنازمها من قبل املفتشية العامة للرتبية والتكوين بالوزارة‬
‫بقطبيها اإلداري والرتبوي‪ ،‬وقد مشلتا مجي األكادمييات اجلهوية للرتبية والتكوين والنيابات اإلقليمية‪،‬‬
‫و‪%30‬من املؤسسات التعليمية (‪3500‬مؤسسة)‪ ،‬باإلضافة إىل مجي املديريات املركزية‪. 42‬‬

‫و يف األخري‪ ،‬ميكن القول‪ :‬إن أي خمطط استعجايل إذا مل ترافقه النية احلسنة‪ ،‬وإذا مل يواكبه االجتهاد‬
‫واالستمرار‪ ،‬واملشاركة اجلماعية‪ ،‬والتنفيذ الفعلي‪ ،‬والتطبيق اإلجرائي الفوري‪ ،‬والتقومي املوضوعي‪،‬‬
‫سيبقى حربا على ورق‪ ،‬يتأرجح بني شعارات سياسية جوفا ‪ ،‬وأحالم وردية بعيدة عن الواق ‪.‬‬

‫وخالصة القول‪ :‬ال ميكن تنفيذ املخطط االستعجايل املغريب‪ ،‬يف ميدان الرتبية والتعليم‪ ،‬إال بتضافر كل‬
‫اجلهود قاطبة؛ إذ ينبغي أن ينخرط فيه مجي الفاعلني‪ ،‬مثل‪ :‬مجعيات اآلبا ‪ ،‬واجلمعيات املدنية‪،‬‬
‫واألحزاب السياسية‪ ،‬واملنظمات غري احلكومية‪ ،‬ورجال السلطة‪ ،‬والفاعلني الرتبويني واإلداريني‪ ،‬وقطاع‬
‫احلكومة‪.‬‬

‫وال يتحقق هذا اإلصالح االستعجايل أيضا إال باحلوار البنا ‪ ،‬واملشاركة اهلادفة‪ ،‬وتوفري املوارد البشرية‪،‬‬
‫وحتصيل اإلمكانيات املادية واملالية‪ ،‬وتطبيق النظرية اإلبداعية‪ ،‬وختليق اإلدارة‪ ،‬وحتفيز املريب واإلداري‬

‫‪ -42‬وزارة الرتبية الوطنية‪( :‬النتائج األولية لتقومي وافتحاص مشاري الربنامج االستعجايل)‪ ،‬موقع القطاع املدرسي‪ ،‬موق رقمي‪.‬‬
‫‪http://www.men.gov.ma/Lists/Pages/Detail.aspx?List=5bbc5514-417e-421c-bb91-‬‬
‫‪1d49d6b674c9&ID=275.‬‬
‫‪86‬‬
‫على حد سوا ‪ ،‬وتشجي املشرف الرتبوي ماديا ومعنويا‪ ،‬واإلنصات إىل األساتذة األكفا ‪ ،‬واألخذ‬
‫بقراراهتم يف جمال الرتبية والتعليم‪ .‬بل ميكن القول‪ :‬إن إصالح املدرسة‪ ،‬يف احلقيقة‪ ،‬ينبغي أن تتكلف‬
‫به اجلماعات احمللية والسلطات اإلقليمية واجلهوية كما هو معروف يف الدول املتقدمة‪.‬‬

‫ويف األخري‪ ،‬ميكن القول‪ :‬إن أي خمطط استعجايل إذا مل ترافقه النية احلسنة‪ ،‬وإذا مل يواكبه االجتهاد‪،‬‬
‫واالستمرار‪ ،‬والتنفيذ الفعلي‪ ،‬والتطبيق اإلجرائي الفوري‪ ،‬والتقومي املوضوعي‪ ،‬سيبقى حربا على ورق‪،‬‬
‫يتأرجح بني شعارات سياسية جوفا وأحالم وردية بعيدة عن الواق ‪.‬‬

‫املطلب الثامن‪ :‬تقرير اجمللس األعلى للتعليم‬

‫قدم اجمللس األعلى للرتبية والتكوين والبحث العلمي رؤية إسرتاتيجية لإلصالح الرتبوي ما‬
‫بني‪5032‬و‪5010‬م‪ .‬واهلدف منه هو تأسيس مدرسة اإلنصاف واجلودة واالرتقاء‪ .‬وإن كان هذا‬
‫التقرير‪ ،‬يف احلقيقة‪ ،‬تطويرا وامتدادا ومتطيطا للميثاق الوطين للرتبية والتكوين؛ ذلك امليثاق الذي كان‬
‫يدعو إىل تأسيس مدرسة النجاح الوطنية‪ ،‬بانتهاج بيداغوجيا الكفايات واإلدماج‪.‬‬

‫ويستند هذا التقرير إىل حتقيق أربعة أهداف إسرتاتيجية كربى هي‪:‬‬

‫اهلدف األول‪ :‬خلق مدرسة اإلنصاف وتكافؤ الفرص‬

‫يعين هذا اهلدف أن تكون املدرسة املغربية مدرسة مساواة وعدالة وإنصاف باملفهوم احلقوقي‪ ،‬بسن‬
‫سياسة اإللزام‪ ،‬والسهر على تعميم التمدرس وإجباره على األطفال املغاربة حىت السن السادس عشرة‪.‬‬
‫واالهتمام أيضا بالتعليم يف املناطق القروية وشبه احلضرية واملناطق ذات اخلصاص‪ ،‬واالعتنا بذوي‬
‫احلاجيات اخلاصة‪ ،‬والسيما املعوقني منهم الذين هلم احلق الكامل يف التعلم والتكوين‪ ،‬واالستفادة‬
‫كذلك من بع امتيازات الدولة اخلاصة يف جمال الرتبية والتعليم‪.‬‬

‫وتسهر الدولة كذلك على دعم املؤسسات التعليمية وجتهزيها وتوفري األطر الالزمة للقيام مبهمتها يف‬
‫الظروف احلسنة‪ ،‬م جتهيز تلك املؤسسات باملستلزمات املادية واملالية والبشرية والتقنية الكافية‪.‬واهلدف‬
‫‪87‬‬
‫من ذلك كله هو خلق مدرسة ذات جدوى وجاذبية وجودة‪.‬وتقوم املدرسة اخلصوصية بدور هام يف‬
‫حتقيق ذلك اإلنصاف الوطين‪ ،‬م املسامهة‪ ،‬إىل جانب مؤسسات الدولة‪ ،‬يف التكوين والتأطري والتعليم‬
‫وفق قانون العدالة واملساواة واإلنصاف‪.‬‬

‫اهلدف الثاين‪ :‬العمل من أجل بلوغ مدرسة اجلودة للجميع‬

‫يتحقق هذا اهلدف األمسى بتحقيق اجلودة الكمية والكيفية‪ ،‬وجتديد احملتويات الدراسية آنيا وظرفيا‪،‬‬
‫بتحديث طرائقها البيداغوجية والديدكتيكية‪ ،‬وعصرنة وسائلها التعليمية‪ ،‬وجتديد مهن التدريس والتدبري‬
‫والتكوين‪ ،‬وخلق هيكلة جديدة ملؤسسات التكوين والتعليم والتدبري والتأطري‪ ،‬وخلق اجلسور املمكنة‬
‫بني خمتلف األسالك التعليمية‪ ،‬والبحث عن منوذج بيداغوجي قوامه االنفتاح‪ ،‬والتنوع‪ ،‬واالبتكار‪،‬‬
‫والنجاعة‪ ،‬واإلبداع‪ .‬فضال عن ضرورة التمكن من اللغات العاملية‪ ،‬وجتويد تدريسها‪ ،‬والنهوض بالبحث‬
‫العلمي والتقين واالبتكار‪ ،‬وتطبيق احلكامة اجليدة يف جمال الرتبية والتعليم‪.‬‬

‫اهلدف الثالث‪ :‬بناء مدرسة االرتقاء بالفرد واجملتمع‬

‫يتحقق هذا اهلدف بتكييف التعليم م سوق الشغل‪ ،‬ومال مة التعلمات والتكوينات م حاجيات‬
‫البال د‪ ،‬ومهن املستقبل‪ ،‬وحتقيق االندماج املهين‪ .‬فضال عن ترسيخ ثقافة املواطنة والدميقراطية واملساواة‪،‬‬
‫والسعي اجلاد حنو بنا جمتم دميقراطي يتفاعل فيه اجلمي حبرية‪ ،‬ويتفاىن خلدمة الوطن‪ .‬عالوة على‬
‫تقوية االندماج السوسيوثقايف‪ ،‬وتأمني التعلم مدى احلياة‪ ،‬واالهتمام بالتكوين املستمر واملتواصل‪،‬‬
‫واالخنراط يف االقتصاد الوطين والدويل وجمتم املعرفة واملعلومات‪ ،‬والسعي اجلاد من أجل أن يكون‬
‫املغرب من الدول النامية والصاعدة‪.‬‬

‫اهلدف الرابع‪ :‬حتقيق الريادة الناجعة عرب التدبري اجلديد للتغيري‬

‫يتجسد هذا اهلدف بتعبئة جمتمعية مستدامة على مجي املستويات واألصعدة‪ ،‬م تدبري املدرسة‬
‫واملؤسسات التعليمية وفق طرائق جديدة لسياسة التدبري‪ ،‬والتنفيذ‪ ،‬والقيادة‪ ،‬واإلشراف‪ ،‬والتتب ‪،‬‬

‫‪88‬‬
‫واملواكبة‪ ،‬وتوزي العمل‪ ،‬وتقومي املنتج الرتبوي واإلداري بغية حتقيق الريادة الناجعة يف جمال الرتبية‬
‫والتعليم وطنيا ودوليا‪.‬‬

‫وما يالحظ على هذه املبادئ اليت طرحها التقرير أهنا مبادئ مثلى وجيدة ونرية على املستوى النظري‪،‬‬
‫وإن كان امليثاق الوطين للرتبية والتكوين قد طرح البع منها يف العشرية األوىل من األلفية الثالثة‪ ،‬ومل‬
‫يطبق منها سوى بع البنود الشكلية ليس فقط‪ .‬مبعىن أن التقرير اإلسرتاتيجي اجلديد يف واد‪ ،‬وواق‬
‫املدرسة املغربية يف واد آخر‪.‬أي‪ :‬إن مبادئ التقرير عبارة عن ديباجة مثالية ليس هلا أي مستند واقعي‬
‫أو ميداين‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فقد عرفت املدرسة املغربية ترديا كبريا على مجي اجلوانب‪ ،‬وحيتاج إصالحها إىل نية صادقة يف‬
‫التطبيق والتنزيل ملاهو مدبج يف التقرير النظري‪ .‬وأكثر من هذا تبقى هذه املبادئ جمرد أهداف عامة‬
‫بعيدة املنال‪ ،‬وغايات مستعصية عن التحقيق لقلة اإلمكانيات املالية واملادية والبشرية والتقنية‪ ،‬وغياب‬
‫أدىن اهتمام باملنظومة الرتبوية‪ ،‬بل ازدادت األوضاع الرتبوية سو ا وترديا واحنطاطا‪.‬‬

‫واملستغرب يف التقرير ذلك اهلدف املتعلق خبلق مدرسة املساواة والعدالة واإلنصاف وتكافؤ الفرص‪.‬‬
‫فهذا اهلدف جمرد وهم ضبايب من الصعب حتقيقه‪.‬يف حني‪ ،‬يقبل املغاربة بكثرة على املدارس‬
‫اخلصوصية‪ ،‬والسيما األغنيا منهم؛ ألن هذه املدرسة حتقق اجلودة الكمية والكيفية‪ .‬يف حني‪ ،‬تتميز‬
‫املدرسة الوطنية العمومية بالردا ة والرتاج واإلفالس‪ .‬فكيف حنقق‪-‬إذاً‪ -‬مدرسة اإلنصاف والعدالة‬
‫واملساواة واالرتقا يف البوادي واملناطق املهمشة وشبه احلضرية يف غياب اقتصاد ناج ‪ ،‬وغياب شبه‬
‫كلي لتنمية مستدامة‪ ،‬وافتقاد لدميقراطية جمتمعية حقيقية‪ ،‬وانتشار الفقر والفاقة واحلاجة بكثرة‪ ،‬وغياب‬
‫شبه كلي ملرافق احلياة‪،‬وانعدام البنية التحتية‪ ،‬وانتشار البطالة واجلرمية واملخدرات؟ !!!‬

‫ومن هنا‪ ،‬سيظل تقرير اجمللس األعلى للرتبية والتكوين والبحث العلمي تقريرا مثاليا وطوباويا وبعيد‬
‫املنال والتحصيل والتحقق‪ ،‬يندرج يف باب الوهم واإلمكان واالحتمال واالستحالة واإليديولوجيا‬
‫والدمياغوجيا‪.‬يف حني‪ ،‬تغرق املدرسة املغربية‪ ،‬من سنة إىل أخرى‪ ،‬يف أوحال الردا ة‪ ،‬والتسيب‪،‬‬

‫‪89‬‬
‫والتخلف‪ ،‬واالحنطاط‪ ،‬واإلفالس‪.‬وبالتايل‪ ،‬ميكن القول بأن املدرسة املغربية ستبقى مدرسة التمييز‬
‫واالنتقا واالصطفا والورثة مبفاهيم بيري بورديو(‪ ،)P.Bourdieu‬وليست مدرسة املساواة والعدالة‬
‫واإلنصاف واالرتقا ‪ ،‬بل ستزداد هذه املدرسة‪ ،‬مستقبال‪ ،‬سو ا عن سو ‪ ،‬واهنيارا عن اهنيار‪ ،‬وردا ة بعد‬
‫ردا ة‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬وضعية املدرسة املغربية احلالية‬


‫يقر كثري من الدارسني والباحثني واآلبا واملواطنني مبوت املدرسة العمومية املغربيرية وهنايتهريا‪ ،‬علريى غريرار‬
‫مريريا ذهريريب إليريريه إيفريريان إليريريتش يف كتابريريه (هنايــة املدرســة)‪ ،‬حينمريريا حتريريدث عريرين املدرسريرية الليرباليريرية بأمريكريريا‬
‫الالتينيريرية‪ .‬ومبريريا أن املدرسريرية الليرباليريرية مدرسريرية طبقيريرية وغريريري دميقراطيريرية‪ ،‬فإهنريريا يف الريريدول املتخلفريرية واملسريريتبدة‬
‫تكرس سياسة التخلف واالستعمار‪ ،‬وتساهم يف توريث الفقر والبؤس االجتمرياعي‪ .‬هريذا مريا دفري إيفريان‬
‫إليريريتش ( ‪ )Ivan Ilitch‬إىل إل غريريا هريريذه املدرسريرية الطبقيريرية غريريري الدميقراطيريرية يف كتابريريه(جمتمــع بــدون‬
‫مدرسة)‪.‬‬

‫فنظرية موت املدرسة ‪ -‬حسب كوي أفانزيين‪ -‬هي يف احلقيقة نظرية "تأثرت تأثرا كبريا بالعوامل‬
‫اجلغرافية اليت أحاطت هبا‪ ،‬واليت قد جتعل منها نظرية صاحلة لبلدان أمريكا الالتينية‪ ،‬غريبة كل الغرابة‬
‫التساؤالت اليت تؤيد مثل هذا التفسري الذي‬ ‫ع ن املنطق الرتبوي للغرب‪ .‬السيما أننا جند فيها بع‬
‫يقصرها على بلدان بعينها‪ ،‬ذلك أن السيد إيليش ينزع أحيانا إىل القول بأن املدرسة مالئمة للعصر‬
‫الصناعي‪ ،‬وأهنا من إرث هو خملفاته‪ ،‬وينبغي أن تشجب فقط يف البلدان املتخلفة حيث التستطي أن‬
‫توفر االنطالقة الالزمة هلا‪ ،‬وحيث يكون حذفها شرطا الزما حلذف االستعمار والقضا عليه‪ ،‬على أنه‬

‫‪90‬‬
‫يف أحيان أخرى يطلق أحكاما تنادي بالقضا عليها قضا جذريا‪ ،‬ويرى فيها مؤسسة بالية أىن‬
‫‪43‬‬
‫كانت"‪.‬‬

‫والدليل على موت املدرسة العمومية باملغرب تراج جودة املنظومة الرتبوية كما وكيفا ووظيفة‪ ،‬وتراج‬
‫مكانة النظام الرتبوي املغريب على الصعيد العاملي بصفة عامة‪ ،‬وعلى صعيد الوطن العريب بصفة خاصة‬
‫حسب التقارير الدولية‪ .‬على الرغم من اإلصالحات الرتبوية العديدة اليت قام هبا املغرب منذ االستقالل‬
‫إىل يومنا هذا‪ .‬ونشري أيضا إىل تراج املدرسة العمومية على مستوى التحصيل والنجاح واجلودة مقارنة‬
‫باملدرسة اخلصوصية اليت أصبحت هدفا لكل األسر املغربية إلنقاذ أوالدهم من شبح البطالة والفشل‬
‫الدراسي‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد وصفت املدرسة العمومية املغربية بأهنا مدرسة " مريضة مشوهة تعكس غلبة من يدبر يف‬
‫مواجهة من الميلك حيلة"‪ ،‬وهو وصف بالغ الداللة بالنسبة ملدرسة أضحى أداؤها املختل جيسد كل‬
‫األعطاب اجملتمعية‪ ،‬ويعكس موازين قوى تعمل انطالقا من تعميق الفوارق الصارخة بني مدرسة تفتقر‬
‫إىل البنيات األساسية والتجهيزات الضرورية‪ ،‬وذات مردود هزيل‪ ،‬ونتائج مرتدية التستحق حىت التعليق‪،‬‬
‫بل ومقبولة ما دامت اخلدمة اليت تقدمها هذه املدرسة جمانية‪ ،‬وتعليم خاص حيرص على تسويق نفسه‬
‫كتجسيد للجودة واملردودية املرتفعة واملضمونة‪ ،‬مادام قابال للمحاسبة من قبل الذين يدفعون سعرا‬
‫مقابل اخلدمة املقدمة ألبنائهم‪ .‬وعلى الصعيد األخالقي‪ ،‬تشهد املدرسة العمومية انتكاسا واضحا لقيم‬
‫التطوع واملثابرة واملسؤولية‪ ،‬واستسالما للهيئة الرتبوية يف مواجهة إغرا ات املال‪ ،‬م الزحف والتوس‬
‫املرعب لسوق الدروس اخلصوصية؛ مما يعد سببا آخرا لبداية هناية املدرسة العمومية بالصورة اليت‬
‫تشكلت فيها يف الوجدان الشعيب كفضا للعطا وكسب العلم واملعرفة‪ ،‬فيما يتنامى الشعور لدى أبنا‬

‫عبد الدائم‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬ ‫‪ - 43‬غي أفانزيين‪ :‬اجلمود والتجديد يف الرتبية املدرسية‪ ،‬ترمجة‪ :‬عبد‬
‫‪3123‬م‪ ،‬صص‪.427-422:‬‬
‫‪91‬‬
‫الطبقات الكادحة بالعجز والفوات‪ ،‬م تركز التفوق املعريف يف صفوف " امليسورين"‪ ،‬الذي يعزز‬
‫احتكارهم للثروة والسلطة على حنو غري مسبوق يف تاريخ املغرب؛ إذ حىت عهد قريب كان التفوق‬
‫الدراسي‪ ،‬والداف إىل االجتهاد والتحصيل العلمي‪ ،‬يكاد يكون ينحصر يف صفوف أبنا الطبقات‬
‫‪44‬‬
‫الشعبية‪".‬‬

‫ومن األدلة األخرى على موت املدرسة العمومية تراج مكانة املدرس اجتماعيا لتدين أجرته‪ ،‬وتضعض‬
‫وضعيته االقتصادية على مجي املستويات‪ .‬وقد نتج عن ذلك أن أصبح مثار سخرية واحتقار وتنكيت‪.‬‬
‫ويف هذا السياق ‪ ،‬يقول الباحث املغريب عبد اجمليد السخريي‪ ":‬كثرية هي املؤشرات الدالة على هناية‬
‫املدرسة العمومية يف عصرنا‪ ،‬يف املغرب كما يف بلدان كثرية تسري على هنج الرأمسالية املنتصرة‪ ،‬وختض‬
‫كليا لسياسات السوق املمالة من قبل األذرع القوية للرأمسال العاملي‪ ،‬وكثرية هي أيضا العالمات الدالة‬
‫على انتها الدور التقليدي للمدرس(ة)‪ ،‬وحتطم صورته املبجلة‪ ،‬وتراج إشعاعه االجتماعي‪ ،‬وتقزمي‬
‫وظيفته يف العملية التعليمية مبا يتناسب م هتميشه‪ ،‬وحتجيم حضوره ودوره يف احلياة العامة‪ .‬وال ينبغي‬
‫أن ينظر على هذا على أنه جمرد تتويج ملراجعات نظرية يف األدب الرتبوي تستهدف احلد من السلطة‬
‫الفعلية للمدرس(ة) التقليدي(ة) داخل الفصل الدراسي‪ ،‬ونقد ممارسات تربوية جتعل منه حمور العملية‬
‫التعليمية‪ -‬التعلمية‪ ،‬وحترير العالقات الرتبوية من اهليمنة األحادية للمدرس(ة)‪ ،‬وما يرتبط هبا من‬
‫أشكال التسلط والعنف الرمزي واحتكار املعرفة وامتالك احلقيقة ومعايري الصواب واخلطأ وغريها من‬
‫صور التمركز الذايت واالستبداد املقن ‪.‬كما أن تراج السلطة األخالقية للمدرسني (ات) يف املناخ‬
‫السائد اليوم ليس جمرد حتصيل هلذا النقد‪ ،‬بل هي أيضا نتيجة هلجوم مركب يستهدف حتييد هؤال من‬
‫الصراع‪ ،‬وتشطيب دوره م السياسي مبا يفسح اجملال أمام املقاول ليحل مكاهنم يف تدبري املدرسة‪،‬‬

‫‪ -44‬عبد اجمليد السخريي‪( :‬املدرسة العمومية واملدرس(ة) يف العصر اإلمربيايل املعومل والتسلي املعمم)‪ ،‬جملة نوافذ‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد‪24-21:‬‬
‫يناير‪5031‬م‪.11-15 ،‬‬
‫‪92‬‬
‫وكسب النتائج السياسية املرتتبة عن هذا احللول من خالل استثمار املناف املعنوية املرتبطة باملوق‬
‫‪45‬‬
‫الرمزي (التارخيي) للمدرس(ة)‪".‬‬

‫وعليه‪ ،‬فهناك الكثري من املغاربة الذين يؤكدون‪ ،‬بكل صراحة‪ ،‬موت املدرسة املغربية على كل‬
‫املستويات واألصعدة‪ ،‬مفضلني املدرسة اخلصوصية اليت فرضت نفسها يف الساحة الرتبوية؛ مبا حققته‬
‫من جودة عالية‪ ،‬ومردودية معتربة‪.‬‬

‫و خالصة القول ‪ ،‬فقد قطعت املدرسة املغربية عدة أشواط تارخيية‪ ،‬وعرفت عدة أمناط مؤسساتية يف‬
‫مسارها البيداغوجي والديدكتيكي‪ ،‬وميكن حصرها يف املسارات التالية‪:‬‬

‫‪ ‬املدرسة العتيقة اليت كانت منوذجا تربويا تابعا للمدرسة املشرقية‪ .‬وكانت تتبىن عدة مناذج يف‬
‫التدريس‪ ،‬مثل‪ :‬الطريقة العراقية‪ ،‬والطريقة القريوانية‪ ،‬والطريقة املغربية‪ ،‬والطريقة الفاسية‪ ،‬والطريقة‬
‫األندلسية‪ ،‬وغريها من الطرائق األخرى‪ .‬وقد اهتمت هذه املدرسة بتدريس العلوم الشرعية بصفة عامة‪،‬‬
‫وعلوم اآللة بصفة خاصة‪.‬‬

‫‪‬املدرسة االستعمارية اليت ظهرت إبان احلماية من ‪3135‬م إىل ‪3122‬م‪ ،‬وكانت هتدف إىل‬
‫القضا على الكتاتيب الدينية واجلوام القرآنية‪ ،‬وحمو ثوابت األمة املغربية‪ ،‬والتشديد على الفصل بني‬
‫الربابرة وإخواهنم العرب م صدور الظهري الرببري سنة ‪3110‬م‪ ،‬وحماربة كل النزعات الثورية التحررية‬
‫اليت تسعى من أجل استقالل املغرب‪ .‬وكانت هذه املدرسة تعمل أيضا على ضرب الوحدة الوطنية‪،‬‬
‫والطعن يف اللغة العربية‪ ،‬والتشكيك يف الدين والقيم اإلسالمية واهلوية املغربية عرب حماوالت التنصري‬
‫وفرنسة املؤسسات التعليمية املعاصرة‪.‬‬

‫‪ -45‬عبد اجمليد السخريي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.14-11:‬‬


‫‪93‬‬
‫‪‬مرحلة التأسيس وبناء املدرسة الوطنية اليت ظهرت بعد االستقالل مباشرة‪ ،‬بتطبيق املبادئ‬
‫األربعة‪ :‬التعميم‪ ،‬والتوحيد‪ ،‬والتعريب‪ ،‬واملغربة‪.‬‬

‫‪‬مرحلة االستواء والعطاء واإلنتاج إبان مرحلة السبعينيات من القرن العشرين؛ إذ سامهت املدرسة‬
‫املغربية يف تكوين جيل من األطر املتميزة واملتفتحة اليت عرفت باإلبداع واملسامهة الكبرية يف حتريك‬
‫االقتصاد املغريب‪ ،‬وإغنا الثقافة العربية‪ ،‬وإثرا الفكر اإلنساين‪.‬‬

‫‪‬مرحلة النكوص والرتاجع اليت بدأت م سياسة التقومي اهليكلي يف منتصف مثانينيات القرن‬
‫العشرين؛ إذ تراجعت املدرسة املغربية عن جودهتا الكمية والكيفية بسبب األزمات اليت كان يتخبط‬
‫فيها املغرب سياسيا واقتصاديا وعسكريا واجتماعيا وثقافيا‪ ،‬وخاصة م حرب الصحرا ‪ .‬ناهيك عن‬
‫الضغوطات الدولية اخلارجية اليت تتجلى‪ ،‬بكل وضوح‪ ،‬يف قرارات املؤسسات املالية كمؤسسة البنك‬
‫العاملي ومؤسسة صندوق النقد الدويل‪.‬‬

‫‪‬مرحلة اإلصالح الرتبوي اليت بدأت يف أواخر التسعينيات من القرن املاضي وبداية األلفية الثالثة‪.‬‬
‫وقد استهدفت الدولة‪ ،‬ضمن هذه املرحلة‪ ،‬إنقاذ الوض الرتبوي املغريب املرتدي الذي أصبح ال ينسجم‬
‫م شروط ومعايري املدرسة الدولية بسبب تراج مستوى التالميذ والطلبة‪ ،‬وانعدام مصداقية الشهادات‬
‫املغربية‪ ،‬والسيما شهادة البكالوريا اليت تراج مستواها العلمي احلقيقي‪ .‬هذا ما جعل املسؤولني‬
‫يفكرون يف إصالح التعليم‪ ،‬بإجياد (امليثاق الوطين للرتبية والتكوين)‪ ،‬م االستفادة من بيداغوجيا‬
‫اجملزو ات وبيداغوجيا الكفايات‪ ،‬ورف شعار اجلودة الرتبوية‪.‬‬

‫و على الرغم من جدية وأمهية مبادئ( امليثاق الوطين للرتبية والتكوين)‪ ،‬فلم تتحقق اجلودة اليت‬
‫كانت تنادي إليها وزارة الرتبية الوطنية والتعليم العايل وتكوين األطر؛ إذ كانت الوزارة منشغلة بالكم‬
‫على حساب الكيف‪ .‬وهلذا السبب‪ ،‬أفرزت الوزارة مؤسسات تعليمية متعثرة ماديا وماليا ومعنويا‪،‬‬
‫‪94‬‬
‫تفتقد إىل اجلودة العلمية واملشروعية البيداغوجية واملصداقية األخالقية‪ .‬وبالتايل‪ ،‬انعدمت الثقة لدى‬
‫املرب ني واألسر واإلداريني يف املدرسة املغربية اليت أصبحت مدرسة لتفريخ العاطلني واليائسني واملتذمرين‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬اختار الطلبة املتخرجون اهلجرة السرية إىل الضفة األخرى حال ملشاكلهم ومالذا لوض هناية‬
‫حلياهتم املأساوية داخل وطنهم الذي يعج باملفارقات والتناقضات على مجي األصعدة واملستويات‪.‬‬

‫وتستلزم هذه املراحل اليت تؤرخ لتطور السياسة التعليمية والفلسفة الرتبوية إعادة النظر يف النظام‬
‫البيداغوجي املغريب‪ ،‬والتفكري يف فلسفات تربوية أخرى جديرة بإنقاذ املدرسة الوطنية من أزماهتا‬
‫ومشاكلها اليت تتخبط فيها‪ .‬واهلدف من ذلك كله هو حتصيل جودة حقيقية‪ ،‬وحتقيق حداثة تقدمية‬
‫تؤهل املغرب للحاق مبصاف الدول النامية واملتقدمة على حد سوا ‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫مدرسة النجاح واجلودة والتميز‬


‫تعد مدرسة النجاح من أهم مستعجالت املخطط اإلصالحي الذي دعت إليه وزارة الرتبية الوطنية‬
‫املغربية م املوسم الدراسي ‪ 5035-5001‬م‪ .‬وقد اعتمدت يف ذلك على توصيات امليثاق الوطين‬
‫للرتبية والتكوين‪ ،‬ونتائج التقرير السنوي للمجلس األعلى للتعليم لسنة‪5002‬م‪ .‬باإلضافة إىل ما‬
‫توصلت إليه التقارير الدولية كتقرير البنك الدويل املتعلق بالتنمية يف منطقة الشرق األوسط ومشال‬
‫أفريقيا‪ ،‬أو ما يسمى أيضا بتقرير ( الطريق غري املسلوك)‪.46‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد جا التفكري يف مدرسة النجاح إلنقاذ املدرسة الوطنية ضمن تصور إصالحي استعجايل‬
‫وفوري‪ ،‬بعد أن صنف التعليم املغريب ضمن املراتب األخرية مقارنة مبجموعة من الدول العربية‬
‫واإلسالمية ‪.‬‬
‫وقد قررت وزارة الرتبية الوطنية املسؤولة عن قطاع التعليم باملغرب األخذ ميدانيا بثالثة مستلزمات‬
‫أساسية لتحقيق مدرسة النجاح‪ ،‬وهي‪ :‬االجتهاد‪ ،‬والتقومي‪ ،‬والفعل‪ ،‬م توفري العدة املادية واملعنوية‬
‫لذلك‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬فما املقصود مبدرسة النجاح؟ وما أهدافها ومرتكزاهتا؟ وما خططها اإلصالحية؟ وما سلبياهتا‬
‫وإجيابياهتا؟ هذا ما سنرصده يف هذه املباحث‪.‬‬

‫‪ -46‬انظر(الطريق غري املسلوك‪ :‬إصالح التعليم يف منطقة الشرق األوسط ومشال أفريقيا)‪ ،‬ملخص تنفيذي ‪ ،‬تقرير التنمية يف منطقة الشرق‬
‫األوسط ومشال أفريقيا‪ ،‬البنك الدويل‪ ،‬واشنطن ‪5007‬م‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفه ـ ــوم مدرسـ ــة النجـ ــاح‬
‫يقصد مبدرسة النجاح تلك املدرسة املغربية العمومية اليت متتاز باالنفتاح على حميطها النسقي سياسيا‪،‬‬
‫واجتماعيا‪ ،‬واقتصاديا‪،‬وتربويا‪ ،‬وبيئيا‪ ،‬وثقافيا‪ .‬وتعمل جاهدة على حتقيق اجلودة الكمية والكيفية من‬
‫أجل احلصول على املردودية احلقيقية واإلنتاجية املثمرة للذات والوطن واألمة‪ .‬كما تتسم هذه املدرسة‬
‫بالتجديد والعطا واإلبداع واالبتكار إىل أن يكون اجملتم راضيا عنها ‪.‬‬

‫وبتعبري آخر‪ ،‬تعد مدرسة النجاح مدرسة وطنية متجددة مواكبة لكل املستجدات العاملية على املستوى‬
‫العلمي والتقين واألديب والفين‪ .‬وتعترب أيضا مدرسة مفعمة باحلياة والسعادة واحلبور‪ ،‬ترتكن إىل التنشيط‬
‫املدرسي‪ ،‬واالعتماد على التعلم الذايت‪ ،‬ومتثل احلوار واملشاركة واالجتهاد اجلماعي‪ .‬وال تتحقق هذه‬
‫املدرسة‪ ،‬يف احلقيقة‪ ،‬إال بدمقرطة التعليم والرتبية‪ ،‬وتطبيق البيداغوجيا اإلبداعية‪.‬‬
‫وتنطبق هذه املواصفات كذلك على اجلامعة املغربية اليت ينبغي أن تكون جامعة منفتحة وقاطرة‬
‫للتنمية ‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬يعرف امليثاق الوطين للرتبية والتكوين مدرسة النجاح يف النقطة التاسعة من القسم األول الذي‬
‫خصص للمبادئ األساسية‪ ":‬تسعى املدرسة املغربية الوطنية اجلديدة إىل أن تكون‪:‬‬

‫أ‪ -‬مفعمة باحلياة‪ ،‬بفضل هنج تربوي نشيط‪ ،‬يتجاوز التلقي السليب والعمل الفردي إىل اعتماد التعلم‬
‫الذايت‪ ،‬والقدرة على احلوار واملشاركة يف االجتهاد اجلماعي؛‬

‫ب‪ -‬مفتوحة على حميطها بفضل هنج تربوي قوامه استحضار اجملتم يف قلب املدرسة‪ ،‬واخلروج إليه‬
‫منها بكل ما يعود بالنف على الوطن‪ ،‬مما يتطلب نسج عالقات جديدة بني املدرسة وفضائها البيئي‬
‫واجملتمعي والثقايف واالقتصادي‪."47‬‬

‫‪ -47‬وزارة الرتبية الوطنية‪ :‬امليثاق الوطين للرتبية والتكوين‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5003‬م‪ ،‬ص‪.33:‬‬
‫‪97‬‬
‫وقد استهدف امليثاق الوطين للرتبية والتكوين‪ ،‬يف بداية ألفيته الثالثة‪ ،‬خلق مدرسة التجديد‪ .‬يف حني‪،‬‬
‫ينص تقرير اجمللس األعلى على مفهوم جديد هو( مدرسة النجاح)‪ ،‬أو ( إجناح مدرسة للجمي )‪ .‬بل‬
‫هناك مصطلح آخر مرتبط مبدرسة النجاح هو ( مدرسة للجمي )‪ .‬وال نعرف إن كانت هذه‬
‫املصطلحات اليت تلتصق باملدرسة املغربية‪ ،‬هل هي ‪ -‬فعال‪ -‬مصطلحات مفاهيمية علمية موضوعية‬
‫قائمة على مشاري مستقبلية ميدانية أم هي جمرد شعارات سياسية جوفا ؟!!!‬

‫وقد جا املخطط االستعجايل لإلصالح ‪ -‬الذي تبنته وزارة الرتبية الوطنية ابتدا من سنة ‪2009‬إىل‬
‫غاية ‪ 5035‬م‪ -‬للدفاع عن مدرسة النجاح نظريا وتطبيقيا‪ ،‬وإرسائها يف الواق اجملتمعي‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬أن ــواع املدارس اليت ع ــرفها التعليم املغــرب‬

‫عرف التعليم املغريب‪ ،‬ضمن مساره التارخيي والتنموي‪ ،‬أنواعا عدة من املدارس‪ ،‬كاملدرسة العتيقة‪ ،‬أو‬
‫مدرسة التعليم األصيل؛ تلك املدرسة اليت ظهرت منذ فرتة املرابطني‪ ،‬ومازالت مستمرة إىل يومنا هذا‪.‬‬
‫وميكن احلديث أيضا عن املدرسة الوطنية يف عهد احلماية األجنبية على املغرب( ‪3122-3135‬م)‬
‫يف مقابل املدرسة االستعمارية‪ ،‬واملدرسة األمازيغية‪.‬‬

‫وبعد استقالل املغرب‪ ،‬أصبح احلديث طويال عن مدرسة املبادئ األربعة اليت تتمثل يف‪:‬‬

‫‪‬مبدإ التعريب؛‬

‫‪ ‬مبدإ التوحيد؛‬

‫‪ ‬مبدإ التعميم؛‬

‫‪ ‬مبدإ املغربة‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫وبعد أن عرف املغرب جمموعة من األزمات على مجي املستويات واألصعدة‪ ،‬منذ السبعينيات من القرن‬
‫العشرين إىل بداية الثمانينيات‪ ،‬وبالضبط م حرب الصحرا ‪ ،‬وتوايل سنوات اجلفاف‪ ،‬بدأ احلديث‬
‫جادا وصرحيا عن مدرسة األزمة ومدرسة اإلصالح على حد سوا ‪ ،‬لينتقل املغرب ‪ -‬بعد ذلك‪ -‬إىل‬
‫احلديث عن عدة مدارس يف التسعينيات من القرن املاضي‪ ،‬مثل‪ :‬مدرسة املقاولة‪ ،‬ومدرسة اجلودة‪،‬‬
‫ومدرسة الشراكة‪ ،‬ومدرسة املشروع‪ ،‬ومدرسة للجمي ‪ ،‬واملدرسة اجلديدة‪ ،‬ومدرسة النجاح‪ ،‬ومدرسة‬
‫املستقبل‪،‬ومدرسة الكفايات واإلدماج‪ ،‬واملدرسة املهنية‪...‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬هناك احلديث عن مدرسة جديدة تسمى بري( مدرسة املستقبل )‪ ،‬كما مت التصريح‬
‫بذلك يف إعالن دمشق لسنة ‪5000‬م‪ .‬وتقول وثيقة إعالن دمشق‪ ":‬حنن ‪ -‬وزرا الرتبية والتعليم‬
‫واملعارف يف الوطن العريب‪ -‬اجملتمعني يف دمشق يف مؤمترنا الثاين‪ ،‬الذي عقدته املنظمة العربية للرتبية‬
‫والثقافة والعلوم بالتعاون م وزارة الرتبية يف اجلمهورية العربية السورية بدمشق يومي‪57‬و‪ 52‬من شهر‬
‫ربي الثاين سنة ‪3453‬هري(‪51‬و‪ 10‬من شهر متوز‪ /‬يوليو ‪5000‬م) من أجل تصور واضح وخطة‬
‫‪48‬‬
‫‪.‬‬ ‫"‬ ‫ومستمرا‬ ‫فعاال‬ ‫بنا‬ ‫املستقبل"‬ ‫مدرسة‬ ‫"‬ ‫لبنا‬ ‫شاملة‬ ‫إجرائية‬
‫وإذا كان الباحث الرتبوي املغريب مصطفى حمسن يداف ‪ ،‬يف املغرب‪ ،‬عن مدرسة املستقبل كما يف‬
‫كتابه( مدرسة املستقبل رهان اإلصالح الرتبوي يف عامل متغري)‪ ،49‬فإن مجيل محداوي يداف عن‬

‫‪ -48‬انظر‪( :‬إعالن دمشق حول مدرسة املستقبل يف الوطن العريب)‪ ،‬نقال عن مصطفى حمسن‪ :‬مدرسة املستقبل‪ ،‬سلسلة شرفات رقم‪،52:‬‬
‫منشورات الزمن‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5001‬م‪ ،‬ص‪.312-317:‬‬
‫‪ -49‬مصطفى حمسن‪ :‬مدرسة املستقبل‪ ،‬سلسلة شرفات رقم‪ ،52:‬منشورات الزمن‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5001‬م‪.‬‬
‫‪99‬‬
‫مدرسة اإلبداع يف كتابيه‪ (:‬من مستجدات الرتبية احلديثة واملعاصرة)‪ 50‬و(من أجل نظرية تربوية‬
‫جديدة‪ :‬البيداغوجيا اإلبداعية)‪.51‬‬

‫وهتدف مدرسة اإلبداع‪ ،‬يف احلقيقة‪ ،‬إىل تغيري اجملتم تغيريا إجيابيا‪ ،‬بدمقرطة الرتبية والتعليم‪ ،‬واملرور‬
‫إجباريا بثالث مراحل أساسية هي‪ :‬مرحلة احملاكاة‪ ،‬ومرحلة التجريب‪ ،‬ومرحلة اإلبداع‪ ،‬م اجلم بني‬
‫التكوين النظري والتطبيقي من أجل حتقيق التنمية والتقدم واالزدهار ‪.‬‬

‫واليوم‪ ،‬هناك حديث جار حول مدرسة جديدة تسمى( مبدرسة اإلنصاف واجلودة واالرتقاء)‪ ،‬ضمن‬
‫التقرير الذي أعده اجمللس األعلى للتعليم للفرتة املمتدة من ‪ 5032‬إىل ‪5010‬م‪ .52‬وتتميز هذه‬
‫املدرسة بكوهنا مدرسة اإلنصاف واملساواة وتكافؤ الفرص‪ ،‬ومدرسة اجلودة للجمي ‪ ،‬ومدرسة من أجل‬
‫االرتقا بالفرد واجملتم ‪ ،‬ومدرسة من أجل ريادة ناجعة وتدبري جديد للتغيري‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬أه ــداف مدرس ــة النجاح‬


‫تستند مدرسة النجاح يف التعليم املغريب ‪ -‬حسب املذكرة الوزارية رقم ‪ 71‬بتاريخ ‪50‬ماي ‪5001‬م‪-‬‬
‫إىل جمموعة من األهداف والغايات‪ .‬ومن أهم هذه األهداف اخلاصة والعامة نذكر ما يلي ‪:53‬‬

‫‪ ‬تنفيذ مبادئ املخطط االستعجايل إلنقاذ املنظومة الرتبوية من عوامل الرتدي واالنتكاس والتخلف؛‬

‫‪ -50‬مجيل محداوي‪ :‬من مستجدات الرتبية احلديثة واملعاصرة‪ ،‬سلسلة شرفات‪ ،‬رقم ‪ ، 54‬منشورات الزمن‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار‬
‫البيضا ‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‪5002‬م‪.‬‬
‫‪ -51‬مجيل محداوي‪ :‬حنو نظرية تربوية جديدة (البيداغوجيا اإلبداعية)‪ ،‬مكتبة األلوكة‪ ،‬السعودية‪ ،‬بتاريخ‪.14/07/2016 :‬‬
‫‪http://www.alukah.net/library/0/105455‬‬
‫‪ -52‬اجمللس األعلى للرتبية والتكوين والبحث العلمي‪( :‬من جل مدرسة اإلنصاف واجلودة واالرتقا ‪ ،‬رؤية إسرتاتيجية لإلصالح‪- 5032‬‬
‫‪5010‬م)‪،‬‬
‫‪http://www.csefrs.ma/pdf/Vision_VF_Ar.pdf‬‬
‫‪ - 53‬وزارة الرتبية الوطنية‪( :‬إحداث مجعية دعم مدرسة النجاح مبؤسسات الرتبية والتعليم العمومي)‪ ،‬املذكرة الوزارية‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬رقم‪71 :‬‬
‫بتاريخ ‪50‬ماي ‪5001‬م‪.‬‬
‫‪100‬‬
‫‪ ‬االرتقا باملنظومة التعليمية بشكل متدرج‪ ،‬بإصالح املدرسة الوطنية‪ ،‬سوا أكنت تنتمي إىل القطاع‬
‫العمومي أم اخلصوصي؛‬

‫‪ ‬ترسيخ ثقافة الالمركزية والالمتركز؛‬

‫‪‬إعطا صالحيات أكرب وأوس لتدبري الشأن اجلهوي واإلقليمي واحمللي؛‬

‫‪ ‬جعل املدرسة نقطة ارتكاز املنظومة الرتبوية قصد إصالحها وتطويرها والرفري مرين مسريتواها التعليمريي‬
‫والتعلمي؛‬

‫‪ ‬توفري كافة الوسائل الضرورية لالرتقا جبودة اخلدمات اليت تقدمها املؤسسة التعليمية؛‬

‫‪‬وض اعتمادات مالية هامة رهن إشارة املؤسسات التعليمية ملساعدهتا على بلريورة مشرياريعها اعتمريادا‬
‫على أساليب علمية مرنة؛‬

‫‪ ‬إحريريداث مجعيريريات لريريدعم مشريريروع املؤسسريرية الريريذي يعتريريرب دعامريرية أساسريريية يف حتقيريريق مدرسريرية النجريرياح‪،‬‬
‫وتس ريريمى ه ريريذه اجلمعي ريريات بري ريري" مجعي ريرية دع ريريم مدرس ريرية النج ريرياح"‪ .‬وتتكل ريريف ه ريريذه اجلمعي ريرية بوضري ري مش ريرياري‬
‫املؤسسة‪ ،‬وصرف االعتمادات اخلاصة بدعمها وبلورة أهدافها على أرض الواق ؛‬

‫‪‬الرف من مستوى احلكامة اجليريدة باملؤسسرية التعليميرية عرين طريريق التريدبري العلمريي املعقلرين املرتكريز علريى‬
‫املقاربة التشاركية والتدبري بالنتائج؛‬

‫‪‬إرسا آليات النهوض باحلياة املدرسية باملؤسسة التعليمية ماديا ومعنويا؛‬

‫‪ ‬م ريرينح دينامي ريرية تربوي ريرية واجتماعي ريرية جلمي ري الف ريرياعلني واملتمدرس ريريني باملؤسس ريرية التعليمي ريرية ولش ريريركائها تعبئ ريرية‬
‫واخنراطا؛‬

‫‪101‬‬
‫‪‬الرف من أدا املؤسسة التعليمية وقدرهتا التنافسية‪ ،‬وتطوير منتجها الرتبوي؛‬

‫‪ ‬االنفتاح الواعي للمؤسسة التعليمية على حميطها االجتماعي واالقتصادي؛‬

‫‪ ‬تنمية األنشطة االجتماعية والثقافية باملؤسسة التعليمية؛‬

‫‪‬القيام بشراكات م خمتلف الفاعلني يف احلقل الرتبوي علريى املسريتوى احمللريي واجلهريوي والريوطين لريدعم‬
‫مدرسة النجاح واالرتقا هبا‪.‬‬

‫هذه هي أهريم ا ألهريداف الرييت سريطرهتا وزارة الرتبيرية الوطنيرية عريرب أدبياهتريا ومريذكراهتا وتقاريرهريا االسريتعجالية‬
‫إلصالح املدرسة الوطنية‪ ،‬واالرتقا هبا تقدما وازدهارا وتنمية‪.‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬مــرجعــيات مدرســة النجــاح‬


‫تستند وزارة الرتبية الوطنية‪ ،‬يف اقرتاحها ملدرسة النجاح‪ ،‬إىل جمموعة من املرجعيات واملستندات اليت‬
‫ميكن حصرها يف ما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬متثل نظريات الرتبية احلديثة واملعاصرة القائمة على حتسني احلياة املدرسية‪ ،‬وتطبيق الطرق الفعالة؛‬
‫‪‬األخذ بفكرة النظام التعاوين املدرسي كما عند املريب الفرنسي فرينيه( ‪)Freinet‬؛‬
‫‪‬االستعانة بآرا وتوجيهات البيداغوجيا املؤسساتية والالتوجيهية على مستوى التدبري الذايت والتعلم‬
‫الشخصي؛‬
‫‪ ‬التقارير الدولية اليت تكلفت بتشخيص وضعية التعليم باملغرب كتقرير التنمية البشرية‪ ،‬وتقرير التنمية‬
‫يف منطقة الشرق األوسط ومشال أفريقيا)‪ ،(Mena‬واملعنون بري( الطريق غري املسلوك)‪ ،‬وقد أشرف عليه‬
‫البنك الدويل بواشنطن سنة ‪5007‬م؛‬
‫‪‬إعالن دمشق بتاريخ ‪51‬و‪10‬يوليوز ‪5000‬م الداعي إىل التفكري يف مدرسة املستقبل؛‬
‫‪‬توصيات امليثاق الوطين للرتبية والتكوين؛‬

‫‪102‬‬
‫‪‬التقرير السنوي للمجلس األعلى للتعليم لسنة ‪5002‬م؛‬
‫‪‬دليل احلياة املدرسية لسنة ‪5001‬م؛‬
‫‪‬خمطط الربنامج االستعجايل (‪.)5035-5001‬‬

‫تلكم ‪ -‬إذاً‪ -‬أهم املصادر واملرجعيات ملدرسة النجاح على مستوى التصور النظري والتطبيقي‪.‬‬

‫املبحث اخلامس‪ :‬مب ــادئ ومرتك ــزات مدرســة النجاح‬


‫ترتكز مدرسة النجاح‪ ،‬يف التعليم املغريب‪ ،‬حسب املذكرة الوزارية رقم ‪ 71‬بتاريخ ‪20‬ماي ‪5001‬م‪،‬‬
‫على جمموعة من املبادئ األساسية واملرتكزات اجلوهرية اليت ميكن حتديدها يف العناصر التالية‪:‬‬
‫‪‬التدبري الذايت للمؤسسة التعليمية؛‬
‫‪‬توسي صالحيات املدرسة العمومية؛‬
‫‪‬تفعيل كل جمالس املدرسة الوطنية بصفة عامة‪ ،‬وجملس التدبري بصفة خاصة؛‬
‫‪‬تقوية دور مدير أو مدبر املؤسسة التعليمية إشرافا وتسيريا وتدبريا‪ ،‬م التوسي من صالحياته‬
‫وأدواره‪ ،‬مادام املدير هو قائد املؤسسة التعليمية‪ .‬ومادام هو أيضا احملرك لتعبئة املوارد البشرية العاملة‬
‫باملدرسة‪ ،‬واملستفيدة من خدماهتا على السوا ‪.‬‬
‫وهناك مبادئ أخرى مضمرة دعا إليها امليثاق الوطين للرتبية والتكوين كالتعلم الذايت‪ ،‬وتطبيق احلياة‬
‫املدرسية‪ ،‬وتشجي التنشيط املدرسي‪ ،‬وجتاوز الطرائق البيداغوجية التقليدية‪ ،‬وتعويضها بالطرق الفعالة‪،‬‬
‫وخلق الفرق الرتبوية اجلماعية‪ ،‬ودمقرطة التعليم‪ ،‬وخلق الشراكة ومشروع املؤسسة‪ ،‬وحتقيق التنمية‬
‫والتقدم واالزدهار‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬شــروط حتقي ــق مدرسة النجاح‬
‫يرى اجمللس األعلى للتعليم‪ ،‬يف تقريره السنوي لسنة ‪5002‬م‪ ،‬أن مدرسة النجاح تستلزم ثالثة شروط‬
‫أساسية لتحقيق النتائج اإلجيابية هي‪:‬‬

‫‪‬االجتهاد بعدم االستسالم أو اإلحباط أو االنسياق ورا األحكام التشاؤمية املتسرعة اليت تنص‬
‫على استحالة إصالح املنظومة التعليمية املغربية‪ ،‬م االعرتاف األكيد باجلهود املبذولة سابقا إلصالح‬
‫التعليم‪ ،‬وعدم القبول بالنظرة التبسيطية أثنا معاجلة قضية الرتبية والتعليم؛‬
‫‪‬التقومي بإجناز فحص علمي جلمي النتائج املتوصل إليها قصد التوطيد والتصحيح والتطوير؛‬
‫‪‬الفعل عرب االلتزام بالعمل‪ ،‬وتوفري وسائل النجاح‪ ،‬وحتديد أفق طموح واقعي قدر املستطاع من أجل‬
‫تعبئة الطاقات‪.‬‬
‫هذه ‪ -‬إذاً‪ -‬هي املستلزمات الثالثة اليت اعتمدت عليها وزارة الرتبية الوطنية لتفعيل املخطط‬
‫االستعجايل ما بني ‪5001‬و‪5035‬م‪.‬‬

‫املبحث السابع‪ :‬كيف تتحقق مدرسة النجاح؟‬


‫تتحقق مدرسة النجاح ‪ -‬حسب أدبيات اجمللس األعلى للتعليم‪ ،‬وقرارات وزارة الرتبية الوطنية‪ -‬عرب‬
‫اخلطوات اإلجرائية التالية‪:‬‬
‫‪ -3‬تعميم ولوج الرتبية أو تعميم التعليم إىل غاية ‪ 32‬سنة؛‬
‫‪ -5‬مراجعة املناهج والربامج الدراسية يف خمتلف أسالك التعليم املدرسي‪ ،‬حيث مت فعال إنتاج(‪) 120‬‬
‫كتاب‪ ،‬وتأليف (‪ ) 517‬دليل للمدرس‪ ،‬وإحداث اللجنة الدائمة للربامج سنة ‪5004‬م؛‬
‫‪-1‬األخذ مبقاربة الكفايات وبيداغوجيا اإلدماج؛‬
‫‪ -4‬اعتماد املقاربة بالوحدات واجملزو ات؛‬
‫‪ -2‬متثل الرتبية على قيم املواطنة؛‬
‫‪ -2‬توسي ولوج تكنولوجيا احلديثة لإلعالم واالتصال(برنامج جيين)؛‬
‫‪104‬‬
‫‪ -7‬إدراج تدريس األمازيغية يف التعليم املدرسي؛‬
‫‪ -2‬اإلتقان اجليد للغات األجنبية؛‬
‫‪-1‬التدريس املبكر لبع اللغات األجنبية؛‬
‫‪-30‬اإلميان بفلسفة المتركز املنظومة واستقاللية اجلامعة؛‬
‫‪ -33‬حماربة ظاهرة األمية‪ ،‬واحلد من االكتظاظ‪ ،‬والتحكم يف ظاهرة اهلدر املدرسي؛‬
‫‪ -35‬تفادي ظاهرة التكرار بإصالح املنظومة الرتبوية وجتديدها؛‬
‫‪ -31‬حتقيق اجلودة الكمية والكيفية إنتاجا ومردودية؛‬
‫‪-34‬الرتكيز على املعارف والكفايات األساسية؛‬
‫‪-32‬التطبيق املتناسق للمقاربة التصاعدية من املؤسسة إىل املستوى اجلهوي والوطين؛‬
‫‪ -32‬حترير املدرسة من العوامل اخلارجية عنها واملعيقة جلودة مردوديتها؛‬
‫‪ -37‬رصد املوارد املالية واملادية والبشرية الضرورية إلجناح مدرسة النجاح؛‬
‫‪ -32‬الرتكيز على املدرسة اإلعدادية باعتبارها حلقة حامسة بني التعليمني‪ :‬االبتدائي والثانوي؛‬
‫‪ -31‬التدخل املبكر يف املسار الدراسي للطفل من أجل تفعيل أفضل لتكافؤ الفرص؛‬
‫‪ -50‬حفز املبادرة والتفوق واالمتياز يف الثانوية التأهيلية واجلامعة والتكوين املهين؛‬
‫‪ -53‬توفري البنيات التجهيزية الكافية حملاربة االكتظاظ الصفي؛‬
‫‪ -55‬الرف من جودة التعلمات املدرسية‪ ،‬بتحسني التكوين‪ ،‬وتأهيل الفاعلني الرتبويني واإلداريني؛‬
‫‪ -51‬حتفيز املوارد البشرية ماديا ومعنويا؛‬
‫‪ -54‬النهوض باألعمال االجتماعية للرتبية والتكوين؛‬
‫‪ -52‬تنوي العرض التكويين بفتح مسالك وشعب وختصصات جديدة؛‬
‫‪ -52‬ترشيد توزي النفقات واملوارد؛‬
‫‪ -57‬اخنراط املدرسني يف دينامية جديدة لرتسيخ املسؤولية؛‬
‫‪ -52‬تثمني مهنة املدرس يف اجتاه التمهني؛‬
‫‪ -51‬احلكامة القائمة على حتمل املسؤولية من أجل حتديد فعلي حلقوق وواجبات الفاعلني الرتبويني؛‬

‫‪105‬‬
‫‪ -10‬التوجيه وإعادة التوازن بني املسالك‪.‬‬
‫هذه هي أهم القرارات األساسية لتفعيل مدرسة النجاح‪ ،‬وإرسائها ميدانيا ضمن مشروع املخطط‬
‫االستعجايل الذي استوجبته وزارة الرتبية الوطنية قصد إصالح املدرسة املغربية جتديدا وتطويرا‪.‬‬

‫املبحث الثامن‪ :‬القانون األساسي جلمعية دعم مدرسة النجاح‬


‫ينبين القانون األساسي جلمعية دعم مدرسة النجاح على ثالثة أبواب‪ ،‬وتسعة عشر فصال‪ .‬فالباب‬
‫األول يتحدث عن كيفية التأسيس‪ ،‬واختيار املقر املناسب‪ ،‬وتعيني املدة الزمنية لعمل اجلمعية‪ ،‬وحتديد‬
‫أهداف اجلمعية يف ضو القانون املغريب لتكوين اجلمعيات‪.‬‬
‫أما الباب الثاين من القانون األساسي‪ ،‬فقد خصص للحديث عن العضوية‪ ،‬وهياكل اجلمعية‪،‬‬
‫واختصاصاهتا‪ .‬يف حني تكلف الباب الثالث واألخري بإبراز بع املقتضيات العامة‪.‬‬

‫املبحث التاسع‪ :‬تقوي ــم مدرســة النج ــاح‬


‫على الرغم من املشاري اإلجيابية اليت تضمنتها مدرسة النجاح ضمن املخطط االستعجايل‪ ،‬وهي ‪-‬‬
‫فعال‪ -‬مشاري جبارة وهائلة ومكلفة‪ ،‬إال أنه ال ميكن إصالح التعليم بشكل ناج إال بتغيري اجملتم‬
‫رأسا على عقب‪،‬وتغيري العقلية املغربية جذريا‪ .‬وحنن‪ ،‬يف هذا‪ ،‬ال نشك إطالقا يف كفا ة القائمني على‬
‫تنفيذ املخطط‪ .‬والنشك أيضا يف نزاهتهم األخالقية‪ ،‬وصدق نواياهم احلسنة‪ ،‬ونتمىن من عز وجل‬
‫أن يكلل جهودهم بالنجاح والتوفيق؛ ألن إصالح التعليم املغريب بالذات مشكل عويص وصعب‬
‫ومعقد‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فمدرسة النجاح الوطنية مازالت تعاين من اهتزاز الثقة من قبل اجملتم املغريب‪ ،‬على الرغم من‬
‫اجلهود املبذولة اليت ماتزال تبذل إىل حد اآلن ‪.‬ويعود ذلك كله إىل استفحال ظاهرة األمية‪ ،‬وانتشار‬
‫ظاهرة االكتظاظ الصفي‪ ،‬وتزايد اهلدر املدرسي بفعل كثرة التكرار‪ ،‬وهتميش الكفا ات الرتبوية املتميزة‪،‬‬
‫ونقص املوارد املادية واملالية والبشرية‪ ،‬ونقص التجهيزات‪ ،‬وضعف الربامج املدرسية‪ ،‬وضآلة املردودية‬
‫اإلنتاجية الرتبوية‪ ،‬وتراج مستوى الشهادات العلمية‪ ،‬م تراج مستوى التالميذ والطلبة‪ ،‬وصعوبة‬
‫‪106‬‬
‫التحكم يف اللغات األجنبية تعلما وتعبريا وكتابة‪ ،‬وعدم قدرة املدرسة املغربية على إدماج األطفال‬
‫املنتمني لبع املناطق القروية املعزولة وأصحاب ذوي احلاجيات اخلاصة‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬جند مشكل ضعف أجور رجال التعليم‪ ،‬م غال مستوى املعيشة‪ ،‬وانعدام التحفيز‬
‫املادي واملعنوي‪ ،‬ومتاطل الوزارة يف تنفيذ واجباهتا جتاه رجال التعليم‪ ،‬وقد أدى ذلك كله إىل كثرة‬
‫اإلضرابات املتكررة سنويا‪ ،‬واستفحال ظاهرة الغش يف االمتحانات املهنية‪ ،‬ومتلص األساتذة من أدا‬
‫الواجب املهين‪.‬‬
‫كما يالحظ مدى مترد التال ميذ عن قوانني املدرسة‪ ،‬بعد أن أصبحت املؤسسة التعليمية مؤسسة‬
‫جامدة ال روح فيها‪ ،‬وال وجود إطالقا للحياة املدرسية السعيدة‪ .‬ومن مث‪ ،‬صارت أشبه بثكنة عسكرية‬
‫قائمة على الصراع االجتماعي والطبقي والتفاوت احلضاري‪.‬‬
‫ومن يتأمل التدبري الذايت للمؤسسة العمومية املنصوص عليه يف املذكرة الوزارية رقم‪ 71:‬بتاريخ ‪50‬ماي‬
‫‪ 5001‬م‪ ،‬فسيجد جمموعة من التعقيدات اإلدارية البريوقراطية اليت يطرحها املخطط االستعجايل‪ .‬وكان‬
‫من األحسن تطبيق نظام ( سيكما‪ ،) Segma /‬حيث ختصص مباشرة لكل مؤسسة تعليمية‬
‫ميزانيتها اخلاصة للتسيري والتدبري وفق مراقبة صارمة من قبل جملس التدبري‪ .‬وقد وضح امليثاق الوطين‬
‫للرتبية والتكوين ذلك يف الفقرة ‪ 341‬بالنص التايل‪ ":‬ترصد لكل مؤسسة ميزانية للتسيري العادي‬
‫التدبري‪.‬‬ ‫جملس‬ ‫مراقبة‬ ‫حتت‬ ‫بصرفها‬ ‫املدير‬ ‫ويقوم‬ ‫والصيانة؛‬
‫‪54‬‬
‫متنح تدرجييا للثانويات صفة" مصلحة للدولة تسري بطريقة مستقلة (نظام ‪".) Segma‬‬

‫ناهيك عن ذلك‪ ،‬فقد صار مفهوم مدرسة النجاح‪ ،‬يف احلقيقة‪ ،‬شعارا سياسيا فضفاضا‪ ،‬ال ميكن‬
‫حتقيقه يف دولة مازالت متخلفة‪ ،‬ترتب دائما ما بني ‪352‬و‪ 310‬على مستوى التنمية البشرية‪،‬‬
‫وحتتكم إىل قانون األهوا واألمزجة‪ ،‬ويغيب فيها النظام الدميقراطي احلقيقي‪ ،‬وتنعدم فيها حقوق‬
‫اإلنسان باملفهوم األوريب‪ .‬وبالتايل‪ ،‬ال جند للمواطنة احلقيقية مكانا هلا يف نفوس املغاربة بسبب الظلم‬
‫واحليف واجلور والبطالة واإلقصا و" احلگرة"‪ .‬كما يالحظ أيضا وجود خلل كبري يف املنظومة التعليمية‬

‫‪ -54‬انظر‪ :‬وزارة الرتبية الوطنية‪ :‬امليثاق الوطين للرتبية والتكوين‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5003‬م‪.‬‬
‫‪107‬‬
‫يف املغرب؛ بسبب هتميش الطاقات املؤهلة‪ ،‬وتعطيل الكفا ات املتميزة عن قصد وتعمد‪ .‬وأقصد بذلك‬
‫أصحاب الشهادات العليا اجملتهدين واملبدعني واملبتكرين الذين يسريون من قبل األميني اجلهلة وذوي‬
‫الشهادات الدنيا‬

‫املبحث العاشر‪ :‬مدرسة اجلودة والتميز‬


‫تعد جودة التعليم أوىل األولويات للسياسات الرتبوية لدول العامل؛ ملا يفرضه عامل اليوم من إكراهات‬
‫سياسية واقتصادية‪ ،‬وتسابق يف جمال التكنولوجيا واملبادالت التجارية‪ ،‬وهيمنة فلسفة العوملة والتشارك‬
‫واالتصال‪ .‬وهذا ما جعل الدول تفكر يف إصالح املنظومة التعليمية‪ ،‬كلما تغريت الظروف والرهانات‬
‫املستقبلية واالقتصادية واألمنية‪.‬‬

‫الردا ة‪ .‬جاد‬ ‫وإذا تصفحنا معاجم اللغة العربية‪ ،‬فكلمة اجلودة تعين اإلتقان واإلحكام‪ ،‬وهي نقي‬
‫الشي جوده وجودة‪ .‬أي‪ :‬صار جيدا‪ .‬وقد جاد جودة وأجاد‪ :‬أتى باجليد من القول أو الفعل‪. 55‬‬
‫وبذلك‪ ،‬تكون اجلودة هي اإلتقان القويل والفعلي‪ .‬وهذه املعاين تقصدها أيضا قواميس اللغات‬
‫األجنبية‪ .56‬وجتعل من اجلودة ( كاليتيه‪ )Quality/‬صفة للتمييز بني اجليد والردي ‪.‬‬

‫وتعين اجلودة‪ ،‬يف املفهوم االقتصادي‪ ،‬الرتاضي بني الطرفني‪ :‬البائ واملشرتي حول البضاعة املتعاقد‬
‫عليها من حيث الكيف والكم ‪ .‬ويعين هذا أن للجودة شقني أساسيني‪ :‬اجلانب الكمي يتمثل يف‬
‫املردودية‪ ،‬واجلانب الكيفي الذي يكمن يف اجلودة‪.‬‬

‫ويقصد باجلودة‪ ،‬يف امليدان التعليمي‪ ،‬ما أشار إليه وزير التعليم حبيب املالكي‪ ،‬حينما صرح أن "‬
‫اجلودة ليست شيئا جامدا‪ ،‬بل إنين أكاد أشبهها بذلك النهر الذي يساعد على إخصاب األرض حىت‬

‫‪ -55‬ابن منظور‪ :‬لسان اللسان‪ ،‬هتذيب لسان العرب‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬اجلز األول‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،3111 ،‬ص‪.532 :‬‬
‫‪56‬‬
‫‪– Petit Robert, Paris, éd, 1992, "Qualité", p: 1574 .‬‬
‫‪108‬‬
‫تكون يف مستوى اآلمال املعقودة عليها يف ما يتعلق باملردودية‪ ،‬ألن اجلودة‪ ،‬انطالقا من هذا التشبيه‬
‫اجملازي‪ ،‬مسلسل‪ ،‬وليست نقطة يف فراغ‪ .‬لذلك‪ ،‬فحينما نتحدث عن اجلودة ينبغي لنا أن نستوعب‬
‫أننا نتحدث بالضرورة عن االهتمام جبماليات الفضا ‪ ،‬وعن توفري النقل املدرسي‪ ،‬وعن اإلطعام‬
‫والداخليات بالعامل القروي‪ ،‬وتطوير املناهج‪ ،‬وجتديد الكتب املدرسية‪ .‬كما أننا حينما نتحدث عن‬
‫اجلودة دائما‪ ،‬فإننا نتحدث كذلك عن التكوين املستمر لألستاذ بكيفية متواصلة ودائمة‪ ،‬وتفعيل دور‬
‫املفتش‪....‬هلذا‪ ،‬فإن اجلودة هبذا املعىن‪ ،‬هي هدف ووسيلة يف الوقت نفسه"‪.57‬‬

‫وهناك من يعترب اجلودة غري متحققة إال عندما تستجيب املدرسة املغربية ملا يطمح إليه املغاربة من‬
‫مستقبل زاهر‪ ،‬وآمال معقودة‪ ،‬وعندما يرضى عليها كل التالميذ واألساتذة واألطر اإلدارية واآلبا‬
‫وأوليا األمور بصفة خاصة‪،‬والشعب املغريب بصفة عامة‪.‬‬

‫وإذا عدنا إىل التعليم املغريب‪ ،‬فإن اجلودة تقرتن ارتباطا جدليا باإلصالح والتغيري واالستحداث‪ .‬وقد‬
‫عرف النظام التعليمي املغريب ورشات إصالحية كربى منذ االستقالل إىل يومنا هذا ‪.‬وميكن أن حندد‬
‫جمموعة من هذه اإلصالحات على النحو التايل‪:‬‬

‫‪‬إصالح ‪ 3127‬الذي استهدف تأسيس املدرسة الوطنية املغربية‪ .‬وقد ارتبطت اجلودة‪ ،‬ضمن هذا‬
‫املنظور اإلصالحي‪ ،‬باملبادئ األربعة‪ :‬التعميم‪ ،‬واملغربة‪ ،‬والتوحيد‪ ،‬والتعريب‪.‬‬

‫‪‬إصالح ‪ 3122‬الذي كان بعنوان(حنو نظام تربوي جديد) الذي فرضه التقومي اهليكلي‪ ،‬والبنك‬
‫الدويل‪ ،‬والتطور التكنولوجي اهلائل‪ .‬وقد اقرتنت اجلودة الرتبوية‪ ،‬يف هذا اإلصالح الرتبوي‪ ،‬مبراجعة‬
‫الكتب املدرسية‪ ،‬وإعادة النظر يف املناهج الدراسية ومضامينها‪ ،‬وتنوي التعليم‪ ،‬وحتسني تدريس‬
‫اللغات‪ ،‬وتعزيز مسلسل التعريب‪ ،‬وإعطا األمهية للرتمجة‪ ،‬وفتح شعبة التربيز لتكوين املدرسني وتقويتهم‬

‫‪ -57‬حبيب املالكي‪(:‬قالوا‪ ،)......‬جريدة الصباح‪ ،‬املغرب‪ ،‬السنة اخلامسة‪ ،‬العدد‪ ،3474‬اجلمعة ‪5004/35/13‬م‪.‬‬
‫‪109‬‬
‫يف املواد العلمية‪ ،‬وتنمية العلوم الرياضية والتقنية‪ ،‬وإحداث مسالك اللغات لتحقيق إصالح بيداغوجي‬
‫ناج ‪.‬‬

‫‪‬إصالح ‪ 3114‬الذي استهدف جتديد منظومتنا الرتبوية واملؤسسات التعليمية‪ .‬وقد ارتبطت اجلودة‬
‫فيه مبشروع املؤسسة والشراكة الرتبوية‪ ،‬كما تنص على ذلك املذكرة الوزارية رقم ‪ 71‬بتاريخ ‪ 35‬أبريل‬
‫‪.1994‬‬
‫‪ ‬إصالح ‪ 5000‬م الذي يسمى بامليثاق الوطين للرتبية والتكوين الذي خصص جماله الثالث للرف‬
‫من جودة الرتبية والتكوين‪ ،‬وخاصة ما يتعلق باحملتوى واملناهج بغية التخفيف والتبسيط واملرونة‬
‫والتكيف‪ .‬وتتم هذه اجلودة مبراجعة الربامج واملناهج‪ ،‬وإعادة النظر يف الكتب واملراج املدرسية‬
‫واجلداول الزمنية واإليقاعات الدراسية‪ ،‬وتقومي أنواع التعلم‪ ،‬وتوجيه املتعلمني‪ .‬وهتم هذه املراجعة جمموع‬
‫املؤسسات العمومية واخلاصة‪ .‬وينطلق هذا اإلصالح من فلسفة الكفايات والوضعيات البيداغوجية‪.‬‬

‫وبعد أن اهتمت الوزارة باجلانب الكمي‪ ،‬كتعميم التمدرس‪ ،‬وحماولة القضا على األمية‪ ،‬وحماربة ظاهرة‬
‫التسرب الدراسي‪ ،‬وكذا الفشل الرتبوي‪ ،‬وتعثر التالميذ على حد سوا ‪ ،‬وجدت الوزارة نفسها أمام‬
‫مشكل عويص يتمثل يف تدين مستوى التعليم‪ ،‬وهزالة املردودية‪ ،‬والضعف اللغوي والعلمي والتقين لدى‬
‫التلميذ‪ ،‬وعدم قدرته على التكيف م الوضعيات التكنولوجية واإلعالمية اجلديدة؛ مما دف الوزارة إىل‬
‫التفكري يف االهتمام باجلانب الكيفي بدل االهتمام باجلانب الكمي الذي استنزف أمواال باهظة من‬
‫ميزانية الدولة اليت وصلت إىل حد ‪ %52‬من امليزانية العامة للبالد‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول حممد‬
‫الدريج‪ ":‬إن االنكباب على حل املشاكل الكمية خاصة ما ارتبط منها باخللل بني العرض والطلب(‬

‫‪110‬‬
‫صعوبات تعميم التعليم ومتويله وترشيد اإلنفاق عليه‪ )...‬ال ينبغي أن يشغلنا عن العناية جبودة التعليم‪،‬‬
‫واليت‪ ...‬تشكل هدفا يهم كل الفاعلني يف اجملال الرتبوي‪ -‬التعليمي على الصعيد العاملي‪"58.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬ترتبط اجلودة‪ ،‬يف منظومتنا الرتبوية‪ ،‬جبانبني أساسني مها‪ :‬جودة اإلدارة وجودة املنظومة‬
‫الرتبوية وعملياهتا التعليمية ‪ /‬التعلمية‪ .‬وميكن الذهاب بعيدا إىل أن اجلودة ال ميكن أن تتحقق إال يف‬
‫جمتم دميقراطي حقوقي وحداثي‪ ،‬يؤمن بالعلم‪ ،‬والنظام‪ ،‬واالبتكار‪ ،‬واإلبداعية‪ ،‬والعمل اجلماعي‪،‬‬
‫وتقديس العمل‪ ،‬والتفاين فيه‪ .‬ويؤمن كذلك باالنفتاح واحلوار والتثاقف‪ ،‬ويسهم يف إثرا احلضارة‬
‫اإلنسانية‪.‬‬

‫وصفوة القول‪ ،‬تعد مدرسة النجاح واجلودة والتميز من أهم اآلليات اإلجيابية لالرتقا باملدرسة املغربية‪،‬‬
‫وإنقاذها من الركود والكساد واإلفالس‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فهذه املدرسة مبثابة مشروع جمتمعي هائل‪ .‬فإذا مت‬
‫تطبيق مبادئ هذه املدرسة كلها بشكل جيد ومتقن‪ ،‬فستتحقق ‪ -‬فعال‪ -‬هذه املدرسة الوطنية‬
‫الناجحة‪ ،‬والسيما إذا أوكلت مهمة تفعيل اإلصالح إىل أصحاب النوايا احلسنة الصادقة ‪.‬‬

‫بيد أن اإلصالحات اليت عرفها نظامنا الرتبوي املغريب‪ ،‬منذ االستقالل إىل يومنا هذا‪ ،‬كانت تبو دائما‬
‫بالفشل‪ ،‬م امتداد الزمن‪ ،‬بسبب أبعادها السياسية واإليديولوجية والدمياغوجية‪ ،‬وإن كانت مثة‬
‫إصالحات إجيابية عديدة نشيد هبا أميا إشادة وثنا ‪ ،‬وما أكثرها يف جمال القطاع املدرسي والتعليم‬
‫اجلامعي!‬

‫ونقول يف األخري‪ :‬ال ميكن أن تتحقق مدرسة النجاح فعليا يف املغرب‪ ،‬إال إذا أرسينا جمتمعا دميقراطيا‬
‫حيتكم إىل مؤسسات قانونية عادلة‪ ،‬وفعلنا منظومة حقوق اإلنسان‪ ،‬وأعطينا األولوية لإلبداع واالبتكار‬
‫والتجديد والتقومي الذايت‪ ،‬واحرتمنا الكفا ات الوطنية املتميزة‪ ،‬وأشركناها يف إصدار القرار ‪.‬‬

‫‪ -58‬حممد الدريج‪ :‬مشروع املؤسسة والتجديد الرتبوي يف املدرسة املغربية‪ ،‬اجلز األول‪ ،‬منشورات رمسيس‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األوىل‪3112 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.72 :‬‬
‫‪111‬‬
‫ويبقى‪ ،‬يف األخري‪ ،‬أن أهم سبب للنجاح احلقيقي ملدرسة النجاح هو االهتمام برجل التعليم‪ ،‬بالرف‬
‫من أجره مرات ومرات حسب ارتفاع أسعار املعيشة يف الوطن‪ ،‬وحتفيزه ماديا‪ ،‬وتشجيعه معنويا؛ ألن‬
‫رجل التعليم هو القاطرة الفعلية للتنمية والتطور واالزدهار والتقدم‪ .‬وإذا مل يتم الرف من مستوى هذا‬
‫اإلنسان " الربوميثيوسي" املناضل‪ ،‬فلن تكون هناك أبدا مدرسة النجاح إال يف األحالم واألوراق‬
‫واملذكرات الوزارية ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬نظريـ ــات التعلـ ـ ــم‬

‫مريرين املعلريريوم أن علريريم الريرينفس(‪ )Psychologie/psycology‬هريريو الريريذي يريريدرس الريريروح البش ريرية‪ ،‬أو‬
‫الريرينفس اإلنسريريانية‪ ،‬أو هريريو ذلريريك العلريريم الريريذي يهريريتم بتحليريريل السريريلوك اإلنسريرياين وخمتلريريف آثريرياره يف الريريذات‬
‫واجملتم معا‪ ،‬أو يدرس تصرفات الفرد الشعورية والالشع ورية فهما وتفسريا وتريأويال‪ ،‬أو هريو ذلريك العلريم‬
‫الذي يعىن بدراسة الرينفس اإلنسريانية الواعيرية والالواعيرية‪ .‬وأكثرير مرين هريذا‪ ،‬فعلريم الرينفس يريدرس الفريرد مرين‬
‫عدة جوانب تتمثل يف‪ :‬اجلوانب الذهنية والفكريرية والعقليرية‪ ،‬واجلوانريب العاطفيرية والوجدانيرية واالنفعاليرية‪،‬‬
‫واجلوانريريب احلسريريية احلركيريرية‪ .‬ويعريريين هريريذا أن اإلنسريريان وحريريدة نفسريريية وعضريريوية كليريرية ومرتابطريرية‪ ،‬يتكريريون مريرين‬
‫العقل‪ ،‬والعاطفة‪ ،‬واجلسريد‪.‬ومن مث‪ ،‬البريد لعلريم الرينفس أن حيرييط هبريذه اجلوانريب الثالثرية إمريا بطريقرية كليرية‪،‬‬
‫وإمريريا بطريقريرية جزئيريرية‪ .‬كمريريا يريريدرس علريريم الريرينفس األشريريخاص العريرياديني األسريريويا ‪ ،‬يريريدرس كريريذلك املرضريريى‪،‬‬
‫والشواذ‪ ،‬واملعوقني‪.‬‬

‫ومريرين جهريرية أخريريرى‪ ،‬فعلريريم الريرينفس عبريريارة عريرين خطريرياب وأسريريئلة جوهريريرية وعميقريرية حريريول الريرينفس اإلنسريريانية‬
‫ومشريرياعرها الروحيريرية وانفعاالهتريريا الوجدانيريرية‪ .‬أضريريف إىل ذلريريك أن علريريم الريرينفس هريريو الريريذي يريريدرس احلريرياالت‬
‫الذهنيرية والعمليريات الفكريرية عنريد الفريرد‪ ،‬مثريل‪ :‬التريذكر‪ ،‬والنسرييان‪ ،‬واالنتبرياه‪ ،‬والريتعلم‪ ،‬والريذكا ‪ ،‬واحلفريظ‪،‬‬
‫واكتساب اللغة‪...‬إىل جانب دراسة دواف اإلنسان وغرائزه وانفعاالته وحاجياته وميوله النفسية‪...‬‬

‫ويالحريريظ ك ريريذلك أن الظ ريرياهرة النفس ريريية غني ريرية ومتش ريريعبة ومعقريريدة‪ ،‬ق ريريد تك ريريون حادث ريرية س ريريلوكية‪ ،‬أو حادث ريرية‬
‫شعورية‪ ،‬أو حادثة الشعورية‪ ،‬أو حادثة ذهنية أو عقلية أو عصبية أو معرفية‪ ،‬أو حادثة مرضية‪...‬ويعين‬
‫هذا أن مواضريي علريم الرينفس متعريددة وخمتلفرية ومتباينرية؛ ممريا يرتتريب عرين ذلريك تعريريف علريم الرينفس تعريفريا‬

‫‪113‬‬
‫متعددا باختالف املوضوع واجملال واملنهج واهلدف‪.‬ومن مث‪ ،‬فعلم النفس هو علم السلوك اخلريارجي‪ ،‬أو‬
‫دراسة الالشعور النفسي‪ ،‬أو دراسة خمتلف املراحل اليت مير هبا االكتساب املعريف أو اللغوي‪...‬‬

‫ومثريرية تعريرياريف أخريريرى لعلريريم الريرينفس؛ إذ يريريرى عبريريد العزيريريز القوصريريي أن علريريم الريرينفس هريريو الريريذي" يبحريريث يف‬
‫السريريلوك بوجريريه عريريام‪ ،‬مريرين حيريريث الناحيريرية العقليريرية‪ ،‬شريريعورية كانريريت أوالشريريعورية‪ ،‬ويرتتريريب علريريى نتريريائج هريريذه‬
‫‪59‬‬
‫البحوث إمكان التحكم يف السلوك وسهولة توجيهه لصاحل اإلنسان‪".‬‬

‫ويندرج علم النفس ضمن العلوم اإلنسانية اليت استقلت عن الفلسفة منذ القرن التاس عشر امليالدي‪.‬‬
‫وقريد مريرير علريم الريرينفس مبراحريريل عريدة هريريي‪ :‬مرحلريرية الرينفس أو الريريروح أو الشريريعور‪ ،‬ومرحلرية السريريلوك‪ ،‬ومرحلريرية‬
‫الالشعور‪ ،‬ومرحلة العقل أو املعلومة أو معاجلة املعرفة‪...‬ومن هنا‪ ،‬يدرس علم النفس احلاالت النفسية‬
‫الشريريعورية والالشريريعورية‪.‬ويدرس أيضريريا سريريلوك الفريريرد وتص ريرفاته السريريوية والشريرياذة واملرضريريية‪ ،‬أو يهريريتم مبعاجلريرية‬
‫املعلومات‪ ،‬وكيفية اكتساب املعرفة وختزينها ومعاجلتها ذهنيا وعقليا‪...‬‬

‫وقد تفرع علم النفس إىل ختصصات وجماالت عدة ومتنوعة وخمتلفة‪ .‬وله صلة وثيقة وتامة بعلوم مكملة‬
‫عريدة‪ .‬وتتمثريل أمهيرية علريم الرينفس يف كونريه يسريرياعدنا علريى فهريم الظرياهرة النفسريية وتفسريريها وتأويلهريا‪ .‬وقريريد‬
‫اتب ري علمريريا الريرينفس‪ ،‬يف دراسريرية الظ ريواهر النفسريريية‪ ،‬جمموعريرية مريرين املنريرياهج إمريريا كميريرية وإمريريا كيفيريرية‪ ،‬وطبق ريوا‬
‫جمموعة من األدوات واآلليات اإلجرائية يف ذلك‪.‬‬

‫مثة جمموعة من التيارات واملدارس واالجتاهات النفسية اليت اهتمت بالتعلم فهما وتفسريا وتأويال‪.‬وميكن‬
‫حتديدها يف املدرسة السلوكية‪ ،‬واملدرسة اجلشطلتية‪ ،‬واملدرسة التكوينية‪ ،‬واملدرسة البنائية االجتماعية‪،‬‬
‫ونظرية الذكا ات املتعددة‪...‬‬

‫‪ - 59‬عبد العزيز القوصي‪ :‬علم النفس‪ :‬أسسه وتطبيقاته الرتبوية‪ ،‬مكتبة النهضة املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬طبعة ‪3172‬م‪ ،‬ص‪.53:‬‬
‫‪114‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهـ ــوم التعل ــم‬
‫يقصريد بريريالتعلم إدراك األشرييا واستبصريريارها وتنظيمهريا‪ ،‬ومتلريريك املعريارف واكتسريرياهبا إمريا وراثيريريا‪ ،‬وإمريا جتريبيريريا‬
‫عرب املران والتدريب والصقل والدراسة والتجربة‪ .‬ويعين هذا أن التعلم يتحقق بالعقل والتجربة معريا‪.‬ومن‬
‫هن ريريا‪ ،‬ف ريريالتعلم ه ريريو ذل ريريك النش ريرياط ال ريريذي يق ريريوم ب ريريه اإلنس ريريان للت ريريزود باألفك ريريار‪ ،‬واملع ريريارف‪ ،‬واملعلوم ريريات‪،‬‬
‫واملواقف‪ ،‬واملهارات‪ ،‬والقيم‪...‬وال يتحقق ذلك بكل عفوي أو فجائي‪ ،‬بل بالنضج البيولوجي‪ ،‬والتطور‬
‫النم ريائي واالرتقريريائي جلسريريم اإلنسريرياين وذكائريريه وعقلريريه‪ .‬ويتحقريريق ذلريريك أيضريريا بالتريريدريب‪ ،‬والتعلريرييم‪ ،‬وامل ريران‪،‬‬
‫والصقل املستمر‪.‬‬

‫وي ريرتبط ال ريريتعلم كريريذلك بالدافعي ريرية ال ري يت تتجلريريى يف جمموع ريرية مريرين ال ريريدواف واحلاجي ريريات واحل ريوافز ال ريرييت ت ريريدف‬
‫اإلنسريريان إىل الريريتعلم‪ ،‬كإشريريباع رغباتريريه املعرفيريرية والوجدانيريرية واحلسريريية احلركيريرية‪ ،‬أو إشريريباع حاجياتريريه البيولوجيريرية‬
‫والنفسية والعقلية‪ ،‬أو من أجل حتقيق طموحه‪ ،‬أو من أجل إثبات ذاته‪ ،‬أو من أجريل حتقيريق التريوازن أو‬
‫التكيف م البيئة أو احمليط‪.‬‬

‫ومريرين مث‪ ،‬ينصريريب العلريريم علريريى اكتسريرياب األفكريريار‪ ،‬والتشريريب بريريالقيم‪ ،‬وتعلريريم املهريريارات‪ ،‬وحريريل الوضريريعيات‪-‬‬
‫املشكالت‪ ،‬وإبداع النصوص واألشكال والنظريريات‪ ،‬واكتشرياف اجملهول‪...‬واليتحقريق الريتعلم كريذلك إال‬
‫بوض املتعلم أو اإلنسان أمام وضعية مشكلة معقدة أو صعبة أو مركبة من أجل إجياد جريواب أو حريل‬
‫هلا‪.‬‬

‫إذاً‪ ،‬فالتعلم‪ ،‬يف مفهومه الواس ‪ ،‬عبارة عن خربات يكتسبها الكائن احلي من خالل تفاعله واحتكاكه‬
‫املسريتمر ببيئتريريه وحميطريه‪ .‬والريريتعلم كريريذلك هريو البحريريث عرين خمتلريريف الطرائريق واألسرياليب واملنريرياهج والتقنيريريات‬
‫الرييت يسريريتطي هبريا اإلنسريريان أن يلرييب حاجياتريريه النا ميرية واملسريريتجدة باسريتمرار‪.‬وبذلك‪ ،‬يعريريد اإلنسريان الكريريائن‬

‫‪115‬‬
‫األكثريرير حاجريرية إىل الريريتعلم لتحقيريريق تريريالؤم أفضريريل م ري احملريرييط الريريذي يعريرييش فيريريه‪ ،‬وأيضريريا مريرين أجريريل إشريريباع‬
‫حاجياته املتعددة واملستجدة وامللحة واملتكررة واملستمرة‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬ليس التعلم فعال فطريا طبيعيا عاديا‪ ،‬بل هو فعل اكتسايب قائم على املران والتريدريب والتجريريب‬
‫والتكرار‪ ،‬ويكون استجابة لداف أو حاجية من حاجيات اإلنسان البيولوجية‪ ،‬أو النفسية‪ ،‬أو الفكريرية‪،‬‬
‫أو الثقافيريرية‪...‬وحيتاج الريريتعلم إىل بريريذل اجملهريريود مريرين أجريريل اكتسريرياب خ ريربات جديريريدة‪ ،‬واكتشريرياف اجملهريريول‪،‬‬
‫وبنريريا املعريريارف والعريريادات اجلديريريدة‪ .‬ويتحقريريق الريريتعلم باكتسريرياب املهريريارات‪ ،‬والتريريزود باملعلومريريات واألفكريريار‬
‫والبيانات‪ ،‬وجماهبة املواقف والوضعيات‪ ،‬وحل املشاكل اليت يستلزمها الواق واألحداث‪.‬‬

‫ومن مث‪ ،‬فهناك فرق كبري بني العادة والتعلم‪ .‬فالعادة عملية سهلة بدون مشقة‪ ،‬قد تساعد املتعلم على‬
‫األشيا ‪ ،‬لكن التعلم حيتاج إىل جهد وصرب مشقة ومران مرين أجريل التريزود باألفكريار‪ ،‬ومتثريل‬ ‫إدراك بع‬
‫القيم وتشرهبا‪ ،‬وامتالك التقنيات‪ ،‬والتعرف إىل املناهج والنظريات واملعارف‪...‬‬

‫أضف إىل ذلك أن التعلم عبارة عن عملية نفسية بامتياز‪ ،‬ختض آلليات وقوانني وشروط حمددة‪ ،‬تنشأ‬
‫عنهريريا عريريادات خمتلفريرية قريريد تكريريون صريرياحلة أو طاحلريرية‪ ،‬والرتبيريرية هريريي وحريريدها الكفيلريرية بريريالتمييز بريريني الص ريرياحل‬
‫والطريرياحل‪.‬ومن هنريريا‪ ،‬فريريالتعلم هريريو اكتسريرياب جملموعريرية مريرين العريريادات العقليريرية والذهنيريرية والفكريريرية‪ ،‬والعريريادات‬
‫الوجدانية واالنفعالية‪ ،‬والعادات احلسية ‪ -‬احلركية‪.‬‬

‫أمريريا الفريريرق بريريني الريريذكا والريريتعلم‪ ،‬فالريريذكا هريريو القريريدرة علريريى الريريتعلم واالكتسريرياب وإدراك األشريرييا وفهمه ريا‬
‫وتفسري ريريريها وتأويلهري ريريا‪ .‬أمري ريريا الري ريريتعلم‪ ،‬فوظيفري ريرية مري ريرين الوظري ريريائف األساسري ريريية للري ريريذكا ‪ ،‬وبري ريريه تنكشري ريريف الف ري ريوارق‬
‫البيداغوجية والديدكتيكية بني املتعلمني‪ ،‬وبه يتميز الذكا البشري عن الذكا احليريواين‪.‬ومن هنريا‪ ،‬تريرتبط‬
‫سرعة التعلم وبطؤه بطبيعة الذكا ونوعه ودرجته ومعدله‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬شروط التعلم وأمهيته‬
‫ينبين التعلم على جمموعة من الشروط األساسية‪ .‬وميكن حصرها فيما يلي‪:‬‬

‫‪‬النضـج البيولـوجي ‪ :‬الميكرين أن يتحقريق الريتعلم لريريدى اإلنسريان إال بنمريو جسريمه‪ ،‬وتصريلب عضريريالته‪،‬‬
‫وامريريتالك اللغريرية‪ ،‬واكتسريرياب اجلهريرياز الصريريويت‪ ،‬ونضريريج بنيتريريه اجلسريريدية جزئيريريا أو كليريريا‪.‬ومن هنريريا‪ ،‬يريرتبط تعلريريم‬
‫الكتاب ريرية بق ريريوة الي ريريدين‪.‬ويرتبط تعل ريريم الرياض ريرية بق ريريوة اجلس ريريد‪ .‬ويري ريرتبط تعل ريريم الس ريريباحة بتص ريريلب العض ريريالت‪،‬‬
‫املهريارات‪ ،‬ونضريج األعضريا والسرياقني‪ ،‬والتريدريب علريى الترينفس الصريحيح‪ ،‬والتريوفر علريى‬ ‫واكتساب بع‬
‫قوة األعصاب والعظام‪...‬‬

‫‪ ‬النضـج العقلـي‪ :‬ويعريين هريذا أن الريتعلم مريرتبط ارتباطريا شريديدا بريالنمو العقلريي والريريذكائي‪.‬فالميكن أن‬
‫نطالب الطفل‪ ،‬يف السرينوات األوىل‪ ،‬بكتابرية إنشريا فلسريفي قريائم علريى التجريريد‪ ،‬بينمريا الطفريل مل يتجرياوز‬
‫مرحلة اإلدراك احلسي‪ .‬ويعين هذا ضرورة مراعاة النمو العقلي لدى الطفل‪ ،‬وحتديد الفرتة العمرية ونوع‬
‫الذكا املناسب لتلك الفرتة املرصودة‪.‬ومن مث‪ ،‬اليكتفي التعلم مباهو بيولوجي ووراثي فقط‪ ،‬بل البد من‬
‫امتالك خصائص عقلية منطقية ورياضية لفهم العالقات بني العناصر متاثال وتقابال واستنتاجا‪.‬‬

‫‪ ‬الداف ــعية‪ :‬يرتبط الداف إىل التعلم مبجموعة من احلاجيات‪.‬فاحليوان يتعلم من أجل إشريباع رغبريات‬
‫بيولوجية كاألكل‪ ،‬وإروا العطش‪ ،‬وحتقيق الرغبة اجلنسية‪ .‬يف حني‪ ،‬يسريعى اإلنسريان إىل حتقيريق رغبريات‬
‫أخرى‪ ،‬مثل‪ :‬حتقيق الريذات‪ ،‬والسريعي مرين أجريل االمريتالك‪ ،‬وإشريباع الرغبريات الفكريرية والثقافيرية والعلميرية‪،‬‬
‫والبحث عن التوازن النفسي والديين والروحي‪...‬‬

‫‪ ‬موضــوع الــتعلم‪ :‬ي ريرتبط الريريتعلم باكتسريرياب املهريريارات املتنوعريرية واملختلفريرية‪ ،‬وتعلريريم التقنيريريات والطرائريريق‪،‬‬
‫والريريتمكن مريرين اسريريتخدام املنريرياهج واألسريرياليب‪ ،‬واكتسريرياب األفكريريار واملعريريارف القدميريرية واجلديريريدة‪ ،‬والتشريريب‬

‫‪117‬‬
‫بالقيم واملواقف والتمثالت‪ ،‬وتعلم احلركات‪ ،‬واكتشاف املعلوم‪ ،‬والتحكم يف اجملهول‪ ،‬وحريل الوضريعيات‬
‫واملشاكل‪ ،‬وإجياد األجوبة للمسائل العويصة واملعقدة‪...‬‬

‫‪ ‬سياق التعلم‪ :‬يتأسس التعلم على حل جمموعة من الوضعيات الصعبة واملعقدة اليت ترتبط بسياق‬
‫ما‪ .‬وحتمل تلك الوضعيات واملواقف عوائق ومشاكل تتطلب حلوال ناجعة من املتعلم‪ .‬وترد الوضعية‬
‫التعليمية السياقية يف شكل مسألة معقدة وصعبة‪ ،‬تستلزم حلوال مناسبة ومالئمة‪ .‬وكلما وجد املتعلم‬
‫حلوال هلذه الوضعيات املركبة والصعبة واملعقدة‪ ،‬كان املتعلم كفئا ومؤهال وذكيا‪ .‬وبالتايل‪ ،‬استحق‬
‫التنويه واإلشادة به‪.‬‬

‫وللريريتعلم أمهيريرية كريريربى يف حيريرياة اإلنسريريان‪ .‬فهريريي عمليريرية أساسريريية يف منريريا اإلنسريريان وارتقائريريه‪ ،‬بريريالتكيف م ري‬
‫الطبيعة واستغالهلا وتغيريها‪ .‬وبالتايل‪ ،‬يتميز اإلنسان عن برياقي الكائنريات األخريرى خباصريية الريتعلم القريائم‬
‫علريى املريران‪ ،‬واالكتسريرياب‪ ،‬والتجريريريب‪ ،‬والتدريب ‪.‬وهبريريذا الريتعلم‪ ،‬يسريريتطي اإلنسريريان بنريريا مدنيتريريه وحضريريارته‬
‫وكتابريرية تارخي ري ه‪ .‬وهريريذا مريريا جعريريل البريرياحثني يهتمريريون بدراسريرية الريريتعلم‪ ،‬والبحريريث عريرين قوانينريريه وآلياتريريه املتنوعريرية‬
‫واملختلفة‪.‬لذا‪ ،‬انقسموا إىل تيارات سيكولوجية متنوعة‪ ،‬وإىل مدارس نفسية خمتلفة‪ ،‬واجتاهريات منهجيرية‬
‫متضاربة‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬املدرسـ ــة السلوكي ــة أو التعلم الشرطي‬


‫ظهرت املدرسة السل وكية ضمن النطاق األجنلوسكسوين بغية فهم جمموعة من الظواهر النفسية‬
‫والسلوكية‪ ،‬والسيما ما يتعلق بالرتبية‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والتكوين‪ ،‬والتعلم‪.‬وقد لقيت هذه املدرسة انتشارا كبريا‬
‫يف منتصف القرن العشرين‪ ،‬ومازالت متارس تأثريها يف الساحة التعليمية والرتبوية إىل يومنا هذا‪ ،‬على‬
‫أساس أهنا أكرب مدرسة سيكولوجية تعىن مبجال التعلم لدى املتمدرس بطريقة علمية موضوعية‬
‫وجتريبية‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫ميث ري ريريل املدرس ري ريرية الس ري ريريلوكية جمموع ري ريرية م ري ريرين الب ري ريرياحثني ك ري ريرياألمريكيني واطسري ري ريريون (‪-3272()Watson‬‬
‫‪3122‬م)‪ ،‬وس ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ريريكينر (‪3110-3104( )Skinner‬م)‪ ،‬وثورن ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ري ريريدايك‬
‫(‪3141-3274()Thorndike‬م)‪ ،...‬والطبي ري ري ري ري ري ري ري ري ريريب الفيزيول ري ري ري ري ري ري ري ري ريريوجي الروس ري ري ري ري ري ري ري ري ريريي ب ري ري ري ري ري ري ري ري ريريافلوف‬
‫(‪...،)3121-3241()Pavlov‬‬

‫وقد تأثرت هذه املدرسة بالوضعية العلمية وفلسفة الواليات املتحدة األمريكية يف بداية القرن العشريرين‪.‬‬
‫وقد ركزت على فكرتني أساسيتني مها‪ :‬السلوك املالحظ والبيئة‪ ،‬م إقصا الريذات والعواطريف الشريعورية‬
‫والعمليات الذهنية والعقلية والفكرية الداخلية‪.‬‬

‫الغريريرض مريرين هريريذه املدرسريرية هريريو دراسريرية السريريلوك اخلريريارجي لإلنسريريان السريريوي‪ ،‬بربطريريه بريرياملثري(‪)Stimilus‬‬
‫واالسريريتجابة (‪ .)Réponse‬ويعريريين هريريذا أن السريريلوك اإلنسريرياين هريريو نتريرياج للريريتعلم‪ ،‬أو هريريو رد فعريريل علريريى‬
‫جمموعة من املنبهات اليت تأتينا من العامل اخلارجي‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فقد ظهرت السلوكية سنة ‪ 3131‬م يف الواليات املتحدة األمريكية م واطسون الذي أوجد‬
‫مصريريطلح الس ريريلوكية س ريرينة ‪3131‬م (‪ ) Behavior‬لدراس ريرية جمم ريريل الس ريريلوكيات املوج ريريودة عن ريريد خمتل ريريف‬
‫الكائنريريات احليريرية‪ ،‬يف ارتبريرياط تريريام بالبيئريرية أو احملريرييط اخلريريارجي‪ .‬ومريرين مث‪ ،‬فقريريد اسريريتبعدت هريريذه املدرسريرية كريريل‬
‫ماهو داخلي‪ ،‬سوا أكان شعورا أم الشعورا‪ .‬ويعين هذا أن السلوكية مدرسة سيكولوجية جتريبية وعلمية‬
‫بامتياز‪ ،‬هدفها دراسة السلوك اخلارجي املالحظ يف عالقرية برياملثري واالسريتجابة‪.‬لذا‪ ،‬فقريد أجريريت جتارهبريا‬
‫األوىل على احليوانات‪ ،‬من كالب‪ ،‬وفئران‪ ،‬وقطط‪ ،‬ومحام‪ ،‬بغيرية تطبيقهريا علريى اإلنسريان‪ .‬وبتعبريري آخرير‪،‬‬
‫التكتفريي السريلوكية بدراسرية السريريلوك عنريد املريتعلم فحسريريب‪ ،‬بريل تريدرس‪ ،‬عريريرب املالحظرية الواصريفة‪ ،‬الكيفيريرية‬
‫اليت هبا يتحكم املتعلم يف املعرفة‪ ،‬بعد أن حيقق اهلدف اإلجرائي املطلوب‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫وقريد ارتبطريت النظريرية السريلوكية بالتشريريط التعلمريي (‪ )Conditionnement‬عنريد بريافلوف انطالقريريا‬
‫من ثنائية املثري واالستجابة [‪ .]SR‬ومل تقتصر السلوكية على نظرية املثري واالستجابة البسرييطة كمريا‬
‫عند بافلوف‪ ،‬بل تطورت م بيداغوجيا األهداف اليت اهتمت بتسطري جمموعة من األهداف السلوكية‬
‫‪Enseignement‬‬ ‫املعرفيري ري ريرية والوجداني ري ري ريرية واحلسري ري ريريية احلركي ري ري ريرية‪.‬عالوة علري ري ريريى التعل ري ري ريرييم املري ري ريريربمج (‬
‫‪ )programmé‬الذي استفاد من تقنيات املدرسة السريلوكية‪ ،‬والتعلرييم احلاسريويب الريذي امريتح إوالياتريه‬
‫النظرية والتطبيقية من املدرسة السلوكية‪ .‬دون أن ننسى اسريتفادة بيريداغوجيا الكفايريات مرين هريذه النظريرية‬
‫م تطويرها‪.‬‬

‫وللتوض ريرييح أكث ريرير‪ ،‬فاإلنس ريريان يص ريريدر س ريريلوكه اخل ريريارجي املالح ريريظ واملرص ريريود‪ ،‬حينم ريريا يري ريرتبط ذل ريريك مبحف ريريز‬
‫واستجابة‪ .‬مثال‪ ،‬حينما حيس اإلنسان بالعطش‪ ،‬يسمى هذا حافزا‪ ،‬فإنه يتجه حنو املكان الريذي يوجريد‬
‫فيه املا ‪ ،‬يسمى هذا بالسلوك اخلارجي‪ ،‬فيشرب‪ ،‬ويسمى هذا استجابة‪ .‬وينطبق هذا على حافز اجلوع‬
‫وحريافز الريتعلم وحريريافز اخلريوف وغريهريا مريرين املثريريات اخلارجيريرية امل دركرية‪.‬وإذا كانريت املدرسريرية الشريعورية تريريدرس‬
‫الشعور الداخلي‪ ،‬فإن السلوكية التعىن إال مبالحظة السلوك اخلارجي القابل للدراسة والرصد والتجريب‬
‫والتوصيف‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فكلما كان هناك مثري أو حافز أو منبه خارجي‪ ،‬كانت هناك استجابة سلوكية مبثابة رد فعل‬
‫على هذا املنبه البيئي أو احمليطي‪ .‬وقد كان هذا القانون السيكولوجي نتيجة جمموعرية مرين التجريارب الرييت‬
‫أجريت على احليوانات يف ظروف ووضعيات جتريبية خمتلفة بغية معرفة عالقة االرتباط املوجودة بني املثري‬
‫املدروس واالستجابة املتوقعة‪.‬‬

‫وأكثر من هذا‪ ،‬هتتم السلوكية بدراسة الوقائ الذهنية والوجدانية املالحظة (الصراخ‪ ،‬الضحك‪ ،)...‬وال‬
‫تعىن بدراسة احلاالت غري املالحظة أو املدركة (الفرح‪ ،‬واحلزن‪ ،‬والغضب‪.)...‬كما تدرس عناصر البيئة‬

‫‪120‬‬
‫احلس ريريية‪ ،‬مث ريريل‪ :‬احلري ريرارة‪ ،‬وع ريريدد األف ريراد‪...‬ومن هن ريريا‪ ،‬فالوض ريريعيات البيئي ريرية ه ريريي ال ريرييت ختل ريريق ح ريوافر الف ريريرد‪،‬‬
‫وتستدعي ردود أفعاله واستجاباته‪.‬‬

‫وإذا كري ان بريريافلوف قريريد اهريريتم بدراسريرية االنعكريرياس املشريريروط‪ ،‬بدراسريرية ردود الفعريريل لريريدى احلي ريوان يف عالقتريريه‬
‫برياحمليط الريريذي يوجريريد فيريريه‪،‬فإن واطسريريون " أراد أن يبريريين نظريرية السريريلوك اإلنسريرياين علريريى وحريريدة بسريرييطة هريريي‬
‫الفعريل املريرينعكس‪ ،‬ودرس الفعريل املريرينعكس يف احليوانريات الدنيئريرية البسرييطة والراقيريرية‪ ،‬واعتريرب سريريلوك اإلنسريريان‬
‫جمموعة من األفعال املنعكسة الشرطية املعقدة‪"60.‬‬

‫يف ح ريريني‪ ،‬يع ريريد إدوارد ثورن ريريدايك(‪3141-3274( )Edward Thorndike‬م)م ريرين العلم ريريا‬
‫األمريريكيني الريريذين حيسريبون علريريى التيريريار السريلوكي‪ ،‬وكريريان سريباقا إىل وضري معادلريرية املثريري واالسريريتجابة إطريريارا‬
‫مرجعيريريا للريريتعلم وسريرييكولوجية السريريلوك‪ ،‬وطريريرح تصريريورا ترابطيريريا للريريتعلم‪ .‬وقريريد عريريرف بنظريريرية الريريتعلم باحملاولريرية‬
‫واخلطأ‪ .‬عالوة على قانون األثر الذي ارتبط بامسه‪.‬‬

‫وتعين نظرية احملاولة واخلطأ أن اإلنسان يتعلم باخلطأ‪ ،‬ونتيجة تكرار احملرياوالت الكثريرية بغيرية الوصريول إىل‬
‫اهلدف املطلوب‪ .‬وتقوم هذه النظرية التعلمية على جمموعة من املفاهيم األساسية هي‪:‬‬

‫‪‬التكـ ـرار‪ :‬يس ريرياعد امل ريريتعلم عل ريريى جتن ريريب اخلط ريريأ بع ريريد القي ريريام مبجموع ريرية م ريرين احمل ريرياوالت يف م ريرات زمني ريرية‬
‫متعددة‪ ،‬م تصحيح االستجابات اخلاطئة باالستجابات الصحيحة‪.‬‬

‫‪ ‬التدعيم أو التعزيز‪ :‬يعين التقومي اإلجيايب باملكافأة لتشجي املتعلم على االستجابة‪.‬‬

‫‪ ‬االنطفاء ‪ :‬إذا مل يتحقق التدعيم‪ ،‬يق االنطفا ‪ ،‬أو تراج املتعلم عن االستجابة الفورية‪.‬‬

‫‪‬االسرتجاع التلقائي‪ :‬بعد عملية االنطفا ‪ ،‬ميكن للمتعلم أن يسرتج قواه بطريقة تلقائية‪.‬‬

‫‪ - 60‬عبد العزيز القوصي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.72:‬‬


‫‪121‬‬
‫‪‬التعم ــيم‪ :‬م ريريا يتعلم ريريه امل ريريتعلم م ريرين مري ريوارد ميك ريرين أن يوظفه ريريا وي ريريدجمها يف أثن ريريا مواجهت ريريه لوض ريريعيات‬
‫متشاهبة‪.‬‬

‫‪‬التمييز ‪ :‬يعين هذا املبدأ أن املريتعلم إذا فشريل يف حريل املشريكلة الوضريعية اجلديريدة بنريا علريى وضريعيات‬
‫سابقة مشاهبة‪ ،‬فالبد من االلتجا إىل مبدأ التمييز للتفريق بني املوقف السابق واملوقف اجلديد‪.‬‬

‫‪‬العالقات الزمانية‪ :‬يقريوم الزمريان بريدور هريام يف تقريومي التعلمريات‪ ،‬فكلمريا كانريت االسريتجابة فوريرية ويف‬
‫مدة قصرية كان التعلم ناجحا‪ ،‬وكلما طالت الفرتة الزمنية ضعف التعلم واالكتساب‪.‬‬

‫ومن خصائص هذه النظرية ارتباط املثري باالستجابة على مستوى التعلم‪ ،‬ووجود داف أساسريي للريتعلم‪،‬‬
‫مث تكريرار احملريرياوالت التعلميريرية بغيرية الوصريريول إىل اهلريريدف‪ ،‬مث إجيرياد حريريل عرين طريريق الصريريدفة‪ ،‬مث تعمريرييم أثريرير‬
‫احلل الصحيح على باقي الوضعيات السياقية األخرى‪.‬‬

‫وقد توصل ثورندايك إىل جمموعة من القوانني املتعلقة بنظرية احملاولة واخلطريأ وهريي‪ :‬قريانون التكريرار الريذي‬
‫يقوي الروابط بني املثري واالستجابة‪ ،‬وقانون األثر القائم على الثواب‪ ،‬وقد قال بريه واطسريون‪ ،61‬وقريانون‬
‫التهيؤ واالستعداد املرتبط بالشعور بالرضا واالنزعاج‪ ،‬وقانون التمرين الريذي يقريوي االرتباطريات التعلميرية‪،‬‬
‫وقريريانون االنتمريريا الريريذي يقريريوي الرابطريرية بريريني املثريريري واالسريريتجابة عنريريدما تكريريون االسريريتجابة الصريريحيحة أكثريرير‬
‫انتما إىل املوقف‪ ،‬وقانون االستقطاب‪ ،‬والقوانني الثانوية‪ ،‬مثريل‪ :‬قريانون االسريتجابة املتعريددة الرييت تسريتلزم‬
‫اسريريتجابات عريريدة ومتنوعريرية‪ ،‬وقريريانون االجتريرياه أو املنظومريرية‪ .‬ويعريريين هريريذا مريريدى تريريأثر الريريتعلم باجتاهريريات املريريتعلم‬
‫وميوله ودوافعه‪ ،‬وقانون االستجابة باملماثلة‪ ،‬ويعين التعلم انطالقا من املواقف السابقة املشرياهبة‪ ،‬وقريانون‬
‫االنتقال الرتابطي الذي يعين تعلم املواقف يف ارتباطها باملواقف التعلمية األخرى‪...62‬‬

‫‪ - 61‬أمحد عزت راجح‪ :‬أصول علم النفس ‪ ،‬املكتب املصري احلديث‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة الثامنة ‪3170‬م‪ ،‬ص‪.507-502:‬‬
‫‪ - 62‬عبد اجمليد نشوايت ‪ ،‬علم النفس الرتبوي‪ ،‬دار الفرقان للنشر والتوزي ‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن ‪ ،‬طبعة ‪3124‬م‪ ،‬ص‪.157:‬‬
‫‪122‬‬
‫وميك ريرين تطبي ريريق النظري ريرية الس ريريلوكية عل ريريى احليوان ريريات‪ ،‬واألف ريراد األس ريريويا ‪ ،‬ويف جم ريريال س ريرييكولوجيا الطفول ريرية‪،‬‬
‫والسيكولوجيا االجتماعية‪...‬‬

‫ومريرين جهريرية أخريريرى‪ ،‬تسريريتند هريريذه املدرسريرية‪ ،‬علريريى املسريريتوى اإلبسريريتمولوجي‪ ،‬علريريى الفكريرير العلمريريي الوضريريعي‬
‫واملوضريوعي والتجريرييب متريريأثرة‪ ،‬يف ذلريك‪ ،‬بريريالعلوم الفيزيائيرية والفيزيولوجيريرية والرياضريية والطبيعيريرية‪ ،‬مري تطبيريريق‬
‫املريرينهج التجريرييب القريريائم علريريى املالحظريرية‪ ،‬والفرضريريية‪ ،‬والتجريريريب‪ ،‬والتك ريرار‪ ،‬واملقارنريرية‪ ،‬والقريريانون‪ ،‬والنظريريرية‪.‬‬
‫دون أن ننس ريريى أن ه ريريذه النظري ريرية تق ريريوم عل ريريى مب ريريدإ احلتمي ريرية العلمي ريرية‪ ،‬ورب ريريط األس ريريباب بالنت ريريائج‪ ،‬ومتث ريريل‬
‫املوضوعية العلمية يف البحث التطبيقي‪.‬‬

‫ويف األخريريري‪ ،‬سريريامهت املدرسريرية السريريلوكية يف إغنريريا جمريريال التعلريرييم والريريتعلم والتكريريوين‪.‬ومن مث‪ ،‬فريريالتعلم‪ ،‬يف‬
‫منظور املدرسة السلوكية‪ ،‬هو أن يكون املتعلم قادرا على تقريدمي اجلريواب املناسريب‪ ،‬أو يكريون قريادرا علريى‬
‫حل الوضعيات املعقدة واملركبرية‪ ،‬أو يكريون قريادرا علريى تقريدمي احللريول املالئمرية واملناسريبة ملختلريف املشرياكل‬
‫اليت تواجهه يف املدرسة من جهة‪ ،‬واحلياة من جهة أخرى‪.‬ومن مث‪ ،‬يتحقريق الريتعلم احلقيقريي عنريد املريتعلم‬
‫باجلم بني املثري واالستجابة وتكراره عرب الوحدات الدراسية والتعلمية‪.‬‬

‫أضريف إىل ذلريك يتحقريريق التعلرييم السريلوكي بتحديريريد األهريداف اإلجرائيرية‪ ،‬وتقريريدمي الوضريعيات املتدرجريرية يف‬
‫السريهولة والصريريعوبة لكريي جييريريب عنهريا املتعلم‪،‬وخلريريق السريياقات الظرفيريرية والبيئيرية التعليميريرية املختلفرية للتثبريريت‬
‫مريرين مكتسريريبات املريريتعلم‪ ،‬رصريريد خمتلريريف اسريريتجاباته املعرفيريرية‪ ،‬وحتديريريد جممريريل املث ريريات الدافعريرية حنريريو الريريتعلم‪،‬‬
‫وتبيان نوع طبيعة السلوك التعلمي لدى التلميذ بشكل علمي وموضوعي وجترييب‪.‬‬

‫وعلي ريريه‪ ،‬فق ريريد رفض ريريت املدرس ريرية الس ريريلوكية البني ريريات العقلي ريرية املتحكم ريرية يف ال ريريتعلم كم ريريا ل ريريدى الس ريرييكولوجيا‬
‫املعرفيريرية‪ ،‬بريريل اعتريريربت السريريلوك املالحريريظ واملرصريريود هريريو أسريرياس املعرفريرية النظريريرية والتطبيقي رية‪.‬مبعىن أن هريريدف‬

‫‪123‬‬
‫املدرسة السلوكية هو حتليل السلوك املعريف والتعلمي املالحظ لدى املتعلم ووصفه بدقة علمية وقياسية‪،‬‬
‫يف شريريكل أهريريداف سريريلوكية وإجرائيريرية يف آخريرير حصريرية تعليميريرية‪ -‬تعلميريرية‪ .‬فمريريا يهريريم السريريلوكية هريريو وصريريف‬
‫األفعال السلوكية من قبيل‪:‬‬

‫‪ -‬أن يكون التلميذ قادرا على رسم لوحة تشكيلية يف وصف الطبيعة؛‬
‫‪ -‬أن يكون املتعلم قادرا على قفز حاجز من مخسة أمتار؛‬
‫‪ -‬أن يكون التلميذ قادرا على العد إىل املائة‪.‬‬

‫ومريرين هنريريا‪ ،‬ينبريريين الفعريريل السريريلوكي علريريى القريريدرة زائريريد فعريريل احلركريرية‪ .‬وال تبريريين السريريلوكية أهريريدافها اإلجرائيريرية‬
‫والكفائية على األفعال العقلية واملعرفية‪ ،‬مثل‪ :‬يتذكر‪ ،‬ويفهم‪ ،‬ويفكر‪...،‬‬

‫وعل ريريى ال ريريرغم م ريرين إجيابي ريريات املدرس ريرية الس ريريلوكية‪ ،‬فإهن ريريا هتم ريريل جوان ريريب س ريرييكولوجية أخ ريريرى تتعل ريريق مب ريرياهو‬
‫شريريعوري‪ ،‬والشريريعوري‪ ،‬ومعريريريف‪ .‬كمريريا تسريريقط يف اآلليريرية امليكانيكيريرية التكراريريرية‪.‬مث‪ ،‬إن الريريتعلم لريرييس مرتبطريريا‬
‫بثنائية املثري واالستجابة بالضرورة‪ ،‬بل قد يكون الريتعلم نترياج الرغبرية يف التعبريري عرين املشرياعر واألحاسرييس‬
‫الداخلية اليت العالقة هلا باحمليط اخلارجي‪.‬كما متلك الذات مؤهالت وراثية وعقلية وذكائية تسريمح هلريا‬
‫بالتعلم واالكتساب أكثر مما يتيحها احمليط اخلارجي‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬املدرسـ ــة اجلشطلتية والتعلم باالستبصار‬


‫تع ريريين اجلش ريريطلتية‪ ،‬يف اللغ ريرية األملاني ريرية‪ ،‬الش ريريكل‪ ،‬أو الص ريرييغة‪ ،‬أو اهليئ ريرية‪ ،‬أو الص ريريورة‪ ،‬أو البني ريرية‪ ،‬أو النس ريريق‬
‫الكلي‪...‬ومن مث‪ ،‬تعين اجلشطلتية العلم بالكليات الذي يدل على اجلزئيريات‪.‬مبعىن أن اجلشريطلت عبريارة‬
‫عن نسق بنيوي كلي‪ ،‬يتكون من جمموعة من البنيات اجلزئية اليت هلريا دور أو وظيفرية داخريل هريذا النسريق‬
‫الذي يتسم باالتساق واالنسجام‪ .‬وأي تغيري حيدث يف أي جز أو بنية داخل النسق‪ ،‬يؤثر ذلك بدوره‬

‫‪124‬‬
‫يف تغيريري النسريريق الكلريريي‪ ،‬سريوا أكريان ذلريريك التغيريريري جزئيريريا أو كليريريا‪.‬ويعين هريذا كلريريه أن املريرير يريريتعلم األشريرييا‬
‫بنيويا ونسقيا‪ ،‬ويدركها يف كلياهتا اليت تتضمن جزئياهتا الصغرى‪.‬‬

‫وقريريد ظهريريرت سريرييكولوجيا الشريريكل(‪ ،)Psychologie de la forme‬أو النظريريرية اجلشريريطلتية‬


‫(‪ )Gestaltthéorie‬يف ب ريرلني‪ ،‬م ريريا ب ريريني ‪ 3150-3130‬م‪ .‬وتري ريرتبط مبجموع ريرية م ريرين األمس ريريا ه ريريي‪:‬‬
‫فريتيمري(‪ ،)Wertheimer‬وكوهلر(‪ ،)Köhler‬وكوفكا(‪...)Koffka‬‬

‫وتدرس النظريرية اجلشريطلتية الظريواهر السرييكولوجيا باعتبارهريا وحريدات منظمرية ضريمن شريكل معريني‪ .‬ويعريين‬
‫اجلشريريطالت الك ريريل املتكام ريريل األج ريزا ‪ ،‬أو الص ريرييغة اإلمجالي ريرية الكلي ريرية ال ريرييت تتض ريريمن‪ ،‬يف طياهت ريريا‪ ،‬عناص ريريرها‬
‫وأجزا ها املكونة‪ .‬وهتتم اجلشطلتية برصريد األشريكال يف متايزهريا وتنظيمهريا وتناسريقها وانتقاهلريا مرين وضريعية‬
‫إىل أخرى‪ .‬وتركز كثريا على اإلدراك والذكا عند احليوان‪.‬وقد تشكلت هذه املدرسة السيكولوجية " يف‬
‫وقريريت أسريريرف فيريريه كثريريري مريرين علمريريا الريرينفس يف حتليريريل الظ ريواهر النفسريريية إىل عناصريرير جزئيريرية‪ .‬كريريانوا حيللريريون‬
‫اإلدراك إىل إحساسات جزئية‪ ،‬وعملية التعلم إىل روابط عصريبية‪ ،‬والشخصريية إىل مسريات خمتلفرية‪ ،‬فكريان‬
‫مريرين الطبيعريريي أن يريريؤدي ذلريريك إىل رد فعريريل شريريديد‪ .‬وقريريد كريريان ذلريريك علريريى يريريد هريريذه املدرسريرية الريرييت تريريرى أن‬
‫الظ ريواهر النفسريريية وحريريدات كليريرية منظمريرية‪ ،‬وليسريريت جمموعريريات مريرين عناصريرير وأج ريزا مرتاصريرية‪ .‬فريرياإلدراك أو‬
‫الريتعلم أو بنريريا الشخصريية لريرييس كريريل منهريا كاحلريريائط املكريريون مرين قوالريريب ملتصريريقة‪ ،‬بريل كاملركريريب الكيميريريائي‬
‫‪63‬‬
‫اندجمت عناصره بعضها يف بع ‪ .‬ولو حللنا املركب إىل عناصره تالشى املركب نفسه‪".‬‬

‫‪ - 63‬أمحد عزت راجح‪ :‬أصول علم النفس ‪ ،‬املكتب املصري احلديث‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة الثامنة‪ ،3170 ،‬ص‪.44:‬‬
‫‪125‬‬
‫فمثال‪ ،‬لو تأملنريا شريكل املربري ‪ ،‬فإننريا نريراه مجلرية‪ ،‬وال نريراه علريى أنريه جمموعرية أضريالع‪ ،‬وزوايريا‪ ،‬ورؤوس‪ ،‬بريل‬
‫نريريرى تلريريك العناصريرير كلهريريا علريريى أهنريريا كريريل‪ ،‬الضريريل ضريريل مرب ري ‪ ،‬والزاويريرية زاويريرية مرب ري ‪ ،‬وال ريرأس رأس مرب ري ‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫وهكذا‪ ،‬دواليك‪.‬أي‪ :‬إ ن صفات اجلز تكون مشتقة من صفة الكل الذي ينتمي إليه هذا اجلز ‪.‬‬

‫والميكريرين فهريريم القصريرييدة وحتليلهريريا نقريريديا إال باسريريتيعاب النسريريق الكلريريي‪ .‬فكثريريري مريرين املعريرياين اجلزئيريرية الميكريرين‬
‫فهمها إال بوضعها داخل سياقها الداليل الكلي‪ .‬وينطبق هريذا أيضريا علريى الصريورة‪ ،‬فرينحن النريدرك منهريا‬
‫إ ال طابعها الكلي‪ ،‬وتتضح أجزاؤها وعناصرها ضمن إطارها اهلندسي الكلي‪.‬‬

‫وبنريريا علريريى ماسريريبق‪ ،‬ترتكريريز النظريريرية اجلشريريطلتية علريريى اجملريريال اإلدراكريريي الكلريريي لألج ريزا ‪ .‬مبعريريىن أننريريا نريريدرك‬
‫الكل فاألجزا ‪ .‬وهريذا يقريرب النظريرية مرين التيريار البنيريوي الريذي يريدرس النسريق يف كليتريه ومشوليتريه‪.‬مبعىن أنريه‬
‫يتضمن جمموعة من العناصرير اجلزئيرية الرييت تنتمريي إىل هريذا الكريل عريرب عالقريات بنيويرية وظيفيرية قائمرية علريى‬
‫االختالف‪ .‬وبالتايل‪ ،‬يتولد املعىن من خريالل هريذا املختلريف مرين األجريزا والعناصرير والعالقريات‪ .‬ومرين مث‪،‬‬
‫يعين اجلشطلت الشكل‪ ،‬أو الصيغة‪ ،‬أو اجملال‪ ،‬أو النسق الكلي الذي يتمثل يف جمموعة من األشريكال‬
‫والص ريرييغ واألنس ريرياق املدرك ريرية‪ .‬وبالت ريريايل‪ ،‬فللجش ريريطلتية أبع ريرياد ثقافي ريرية خمتلف ريرية متنوع ريرية‪ .‬فه ريريي هت ريريتم باآللي ريريات‬
‫اإلدراكية ومعاجلة املعلومات اليت يقوم هبا الذهن أو العقل م إعطا نوع من االتساق للظواهر املدركة‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬فالتعلم لدى األفريراد يريتم بريإدراك مرياهو كلريي‪ ،‬مث يعقبريه مرياهو جزئريي‪ .‬أي‪ :‬العلريم بالكليريات الرييت‬
‫تتضمن اجلزئيات‪.‬‬

‫وقريريد اس ريريتفادت هريريذه النظري ريرية مريرين فلس ريريفات الريريوعي يف الق ريريرن السريرياب عش ريرير املريرييالدي‪ ،‬م ري متث ريل م ريرينهج‬
‫املالحظة والتجريب العلمي يف القرن التاس عشر‪ .‬ومن مث‪ ،‬تركز النظرية على الشكل الذي يسمح لنا‬
‫بإدراك األشيا اجلزئية األخرى‪.‬فالوعي يقوم بإدراك الكل مث األجزا ‪.‬ومن مث الكل أمسى من اجلز ‪.‬‬

‫‪ - 64‬عبد العزيز القوصي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.22:‬‬


‫‪126‬‬
‫وإذا كانريت السريريلوكية تعريىن خبلريريق وضريعيات بيئيريرية حتفيزيرية أمريريام الفريرد للتفاعريريل معهريا‪ ،‬فريريإن اجلشريطلتية تركريريز‬
‫عل ريريى كيفيري ريرية معاجلري ريرية الري ريريوعي للمعلومري ريريات‪.‬ومن هن ريريا‪ ،‬تري ريريؤمن اجلشري ريريطلتية أن اإلنسري ريريان أو احلي ري ريوان يري ريريتعلم‬
‫باالستبطار واإلدراك معا‪.‬ويعين االستبصار إدراك اجملال اإلدراكي بسهولة‪ ،‬وتبني خمتلف احللول ملعاجلرية‬
‫املوقريريف‪.‬مبعىن أن االستبصريريار هريريو نريريوع مريرين النشريرياط الريريذكائي الريريذهين املتوقريريد الريريذي يريريدف املريريتعلم إىل فهريريم‬
‫عناصر الوضعية وتفهمها بشكل جيد‪ .‬وبعد تأمل عميق ملختلف عناصر املوقريف أو الوضريعية‪ ،‬يتوصريل‬
‫املتعلم‪ ،‬بشكل فجائي وسري ‪ ،‬إىل احلل املناسب‪ .‬وللتمثيل‪ ،‬إذا أعطيت لإلنسان جمموعة مرين املفرياتيح‬
‫العينريريني‪ ،‬أمريريا إذا حررنريريا‬ ‫لفريريتح بريرياب مغلريريق‪ ،‬فإنريريه لريرين يفريريتح البريرياب بشريريكل عش ريوائي إال إذا كريريان مغم ري‬
‫حواسه من كل عائق‪ ،‬فإنه سيالحظ القفل‪ ،‬وينظم جماله اإلدراكي‪ ،‬مث يتثبت من شكل القفل وصورته‬
‫وهيئت ريريه‪ ،‬مث يبح ريريث ع ريرين طبيع ريرية املفت ريرياح ال ريريذي يتش ريريابه مري ري القف ريريل‪ ،‬مث ي ريريدخل املفت ريرياح املنتق ريريى يف ذل ريريك‬
‫القفل‪.‬آنذاك‪ ،‬تتحقريق النتيجرية اليقينيرية بفريتح البرياب علريى مصريراعيه‪ .‬ويعريين هريذا أن االستبصريار هريو تعلريم‬
‫نرياتج عريرين عمليريرية ذكائيريرية حمكمرية للمجريريال اإلدراكريريي الكلريريي‪ ،‬بتنظرييم عناصريره‪ ،‬وإدراك جزئياتريريه‪ .‬ويف هريريذا‬
‫الصريريدد‪ ،‬أجريريرى كريريوهلر جتريريارب عريريدة علريريى احلي ريوان‪ ،‬والسريرييما فئريرية القريريردة مريرين الشريريامبانزي‪ ،‬لبنريريا نظريتريريه‬
‫اجلشطلتية‪ ،‬فقد تصل إىل أن احليوان يتعلم باالستبصار واإلدراك كاإلنسان‪.‬‬

‫أ مريريا اإلدراك‪ ،‬فهريريو عبريريارة عريرين عمليريرية تأويريريل ملختلريريف بنيريريات النسريريق الكلريريي‪ ،‬أو هريريو انتقريريال مريرين مرحلريرية‬
‫احملس ريريوس إىل مرحل ريرية التجري ريريد والتعم ريرييم وبن ريريا القري ريوانني والنظري ريريات‪ ،‬واس ريريتنتاج القواع ريريد الكلية‪.‬ويعتم ريريد‬
‫اإلدراك على جمموعة من آليات التعلم‪ ،‬مثل‪ :‬قانون التماثل‪ ،65‬وقانون التشابه‪ ،66‬وقريانون التقريارب‪،67‬‬
‫وقانون اإلغالق‪ ،68‬وقانون احلجم النسيب‪ ،69‬وقانون االستمرار‪.70‬‬

‫‪ -65‬قانون التماثل هو إدراك األشيا املتقابلة على أساس أهنا تتماثل وتتوحد‪.‬‬
‫‪ -66‬قانون التشابه هو الذي يتأسس على إدراك تشابه األشيا واملوضوعات يف خصائص موحدة ومعينة‪.‬‬
‫‪ -67‬قانون التقارب يدل على تقارب األشيا وجتاورها حىت يسهل إدراكها بيسر‪.‬‬
‫‪ -68‬قانون اإلغالق‪ ،‬ويعين أن األشيا الناقصة وغري التامة يقوم اإلنسان بإمتامها وإغالقها حىت يتم إدراكها‪.‬‬
‫‪127‬‬
‫‪ -69‬قانون احلجم النسيب يتحقق بإدراك الصيغ الصغرية كأشكال‪.‬يف حني‪ ،‬تدرك الصيغ الكبرية على أساس أهنا أرضية هلذه األشكال‪.‬‬
‫‪ -70‬قانون االستمرار‪ ،‬ويعين أن األشيا والعناصر اليت تتجه حنو اجتاه معني تدفعنا إىل إدراكها على أهنا ستستمر يف ذلك االجتاه بشكل الهنائي‪.‬‬
‫‪128‬‬
‫املبحث الثالث‪:‬السيكول ـوجيا التكوينية‬
‫ظهرت السيكولوجيا التكوينية(‪ ،)Epistémologiegénétique‬أو املقاربرية البنائيرية (‪،)Constructivisme‬‬
‫يف منتصف القرن العشرين‪ ،‬متأثرة يف ذلك بالبنيويرية اللسريانية‪ ،‬والبنيويرية التكوينيرية الرييت متثلهريا بيريري بورديريو‬
‫(‪ )P.Bourdieu‬ولوسيان كولدمان (‪ )Lucien Goldmann‬يف سنوات الستني من القرن املاضي‪.‬‬

‫‪3120-3212( 71)Jean‬م) بنظرياتريه املشريهورة يف التعلريرييم والريتعلم الريرييت‬ ‫(‪Piaget‬‬ ‫ويعريرف جريان بياجيريريه‬
‫تندرج ضمن السيكولوجيا البنائية‪ ،‬مادام يتحدث عن تفاعل متاثلي وثيق بريني البنيرية واحملرييط‪ .‬وقريد اهريتم‬
‫كث ري ريريا بتطري ريريور الطفري ريريل النمري ريريائي املعري ريريريف والري ريريذكائي حري ريريىت مرحلري ريرية املراهقري ريرية‪.‬وبالتري ريريايل‪ ،‬حيسري ريريب أيضري ريريا علري ريريى‬
‫السيكولوجيا املعرفية(‪ .)Psychologie cognitive‬ومن مث‪ ،‬فقد قسم جان بياجيه التطور املعريف والريذهين‬
‫والريريذكائي لريريدى اإلنسريريان إىل أرب ري مراحريريل أساسريريية‪ ،‬تبريريدأ مريرين مرحلريرية الطفولريرية إىل مرحلريرية املراهقريرية‪ ،‬وقريريد‬
‫حريددها يف‪ :‬املرحلريرية احلسريية ‪ -‬احلركيريرية (مرين فريريرتة املرييالد إىل السريرينتني)‪ ،‬ومرحلرية ماقبريريل العمليريات احلسريريية‬
‫(من السنتني إىل سب سنوات)‪ ،‬ومرحلة العمليات املشخصة (من سب إىل اثنيت عشرة سرينة)‪ ،‬ومرحلرية‬
‫العمليات الصورية (من اثنيت عشرة سنة إىل مافوق)‪.‬‬

‫وقد متثل جان بياجيه‪ ،‬يف دراساته السيكولوجية املعرفية‪ ،‬املالحظة العلمية املنظمة يف جتاربه املخربية‬
‫الواصفة‪ ،‬حني رصد خمتلف املراحل اليت كان مير هبا طفله إىل أن وصل إىل فرتة املراهقة‪ .‬كما اسرتشد‬
‫أيضا بتعاليم فلسفة كانط األملاين‪ ،‬حينما بني أن الطفل‪ ،‬يف تعلمه‪ ،‬ال يعتمد فقط على حواسه‪ ،‬بل‬
‫يشغل أيضا قدراته العقلية والفطرية واملنطقية يف اكتساب املعرفة‪ .‬وبالتايل‪ ،‬يعرف جمموعة من العمليات‬
‫املنطقية البديهية؛ مثل‪ :‬السببية‪ ،‬والزمان‪ ،‬واملكان‪ ،‬ودميومة األشيا ‪...‬‬

‫‪ -71‬جان بياجيه (‪ 3120-3212‬م) هو االبن األكرب للسويسري آرثر بياجيه والفرنسية ريبيكا جاكسون‪ .‬كان عامل نفس وفيلسوفا سويسريا‪.‬‬
‫وقد طور نظرية التطور املعريف عند األطفال‪ ،‬فيما يعرف اآلن بعلم املعرفة الوراثية‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫ومن مث‪ ،‬يرى بياجيه أن الذكا ناتج عن الرتابط البنيوي بني اخلربة والنضج‪ .‬ومن مث‪ ،‬فالذكا عبارة عن‬
‫عمليات عقلية ناضجة‪ ،‬تساعد الطفل على التكيف والتأقلم إجيابيا م بيئته‪ .‬ويعين هذا أن الطفل‬
‫الذكي هو الذي يستعمل جمموعة من اإلسرتاتيجيات العقلية واملنطقية للتعامل م بيئته تكيفا عرب‬
‫طريقني مها‪ :‬التمثيل (االستيعاب) من جهة‪ ،‬واملال مة (املشاهبة) من جهة أخرى‪.‬‬

‫ويقصد بالتمثيل استيعاب خربات البيئة‪ ،‬بالتحكم فيها أو تغيريها جزئيا أو كليا لتحقيق نوع من‬
‫التوازن م الواق اخلارجي‪ ،‬وهو مبثابة تعلم جديد‪ .‬عالوة على مال مة اخلربات القدمية واملتشاهبة م‬
‫الوقائ اجلديدة يف أثنا التعامل م البيئة‪ .‬ويعين التوازن عند بياجيه انسجام الطفل عقليا وجسديا م‬
‫متطلبات احمليط وبيئته‪.‬‬

‫وي ضاف إىل هذا أن جان بياجيه حدد أرب مراحل نفسية وتربوية‪ ،‬هي‪ :‬املرحلة احلسية احلركية‪ ،‬ومتتد‬
‫من حلظة امليالد حىت السنة الثانية؛ ومرحلة ما قبل العمليات‪ ،‬وتبتدئ من السنة الثانية حىت السنة‬
‫السابعة؛ ومرحلة العمليات املادية أو احلسية‪ ،‬وتبتدئ من السنة السابعة حىت السنة احلادية عشرة؛‬
‫ومرحلة التفكري اجملرد‪ ،‬وتبتدئ من السنة الثانية عشرة إىل بداية فرتة املراهقة‪ .‬ويعين هذا أن الطفل‪ ،‬يف‬
‫تعلمه ومنوه العقلي واجلسدي‪ ،‬ينتقل من املستوى احملسوس إىل املستوى اجملرد‪.‬‬

‫وإذا كان الطفل مياال‪ ،‬يف تعلمه‪ ،‬إىل ماهو حسي وحركي ومشخص وجمسد‪ ،‬فإن الفرد‪ ،‬يف فرتة‬
‫املراهقة‪ ،‬مييل إىل التجريد واخليال واإلبداع واالبتكار‪ .‬ويعين هذا كله أن جان بياجي قد ركز‪ ،‬يف‬
‫خمتلف دراساته‪ ،‬على تبيان الكيفية اليت هبا يتطور التفكري عند الطفل‪ ،‬من خالل مروره مبجموعة من‬
‫املراحل العمرية املختلفة‪ ،‬وكيف حيقق نوعا من التوازن م اخلارج‪ ،‬عرب التفاعل البنيوي التكويين بني‬
‫الذات واملوضوع‪ ،‬أو بني الذكا والبيئة‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫ومل تقتصر أحباثه العلمية على دراسة سيكولوجيا الطفل فحسب‪ ،‬بل درس أيضا سيكولوجيا املراهقة‬
‫م شريكته إينهيلدر (‪ ،)Inhelder‬ضمن مقاربته النفسية التكوينية‪ .‬وقد بني أن فرتة املراهقة تتسم‬
‫بالتجريد على الصعيد الذهين واملنطقي والذكائي واملعريف‪ .‬ويعين هذا أن السيكولوجيا التكوينية قد‬
‫قاربت فرتة املراهقة من منظور عقلي وذهين ومعريف‪ .‬وركزت كثريا على السريورة النمائية الذكائية‬
‫والعقلية‪ .‬وبذلك‪ ،‬كانت من املدارس األوىل اليت مهدت للسيكولوجيا املعرفية يف منتصف القرن‬
‫العشرين‪.72‬‬

‫وتتميز مرحلة املراهقة ‪ -‬عنريد جريان بيرياجي‪ -‬خباصريية التجريريد‪ ،‬وامليريل حنريو العمليريات املنطقيرية‪ ،‬واالبتعرياد‬
‫عريرين الفكريرير احلسريريي امللمريريوس العيريرياين (‪ .) Concret‬ويعريريين هريريذا أن الريريذكا املنطقريريي والرياضريريي ‪ -‬عنريريد‬
‫املراهق‪ -‬ينتقل من مرحلة العمليات املشخصة حنو البنا الصوري املنطقي‪ ،‬أو ينتقل من الطاب احلسي‬
‫حنو الطاب الرمزي اجملرد‪.‬ويعود ذلك إىل السريورة الطبيعية للنمو الذهين واملعريف الذي يتماثل‪ -‬بنيويريا‪-‬‬
‫م النمو البيولوجي‪ ،‬وتطور احمليط والبيئة‪ .‬وبتعبري آخر‪ ،‬يتطور الذكا عند املراهق باستخذام لغة الرموز‬
‫والذكا املنطقي‪ ،‬وإجياد احللول املناسبة للوضعيات اليت يطرحها احمليط اخلارجي‪.‬‬

‫أضف إىل ذلك‪ ،‬أن الطفل ‪ -‬يف هذه املرحلة‪ -‬يكتسب آليات االستدالل والربهنة واالفرتاض اسريتقرا‬
‫واسريريتنباطا‪ ،‬وحيريريل الوضريريعيات الرياضريريية واملنطقيريرية املعقريريدة‪ ،‬ومييريريل إىل التفكريريري الفلسريريفي والنسريريقي‪ .‬وجيعلريريه‬
‫هذا كله يف توازن تام م الطبيعة أوالبيئة اليت حتيط به‪ ،‬مستخدما يف ذلك جمموعة من العمليات‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫التكيف‪ ،‬والتأقلم‪ ،‬واملماثلة‪ ،‬واالستيعاب‪ ،‬والتوافق‪ ،‬واملوا مة‪ ،‬واالنسجام‪...‬‬

‫ويف هذا الصدد‪ ،‬يرى جان بياجي أن" مجي الكائنات احلية لديها قابليرية فطريرية إلجيرياد عالقرية توافريق أو‬
‫تكيف م البيئة مرين خريالل مريا يسريمى بـالتوازن ‪ .‬وهريذا التريوازن هريو القابليرية الفطريرية لتهيئرية قريدرات الفريرد‬

‫‪72‬‬
‫‪- Piaget J:La psychologie de l'enfant, Que sais-je? P.U.F, Paris, 1973.‬‬
‫‪131‬‬
‫وخرباتريريه لتحقيريريق أك ريريرب قريريدر ممكريرين م ريرين التكي ــف‪ .‬وميكريرين تعري ريريف الت ريوازن بأنريريه جن ريرياح الفريريرد يف توظي ريريف‬
‫إمكاناتريريه م ري متطلبريريات البيئريرية حولريريه‪ .‬وتسريريمى عمليريرية االسريريتجابة للبيئريرية طبقريريا للبنريريا املعريريريف للفريريرد بعمليريرية‬
‫التمثيـل‪ ،‬والرييت تعتمريريد علريى نريوع التفاعريريل بريني البريىن املعرفيريرية والبيئرية الطبيعيرية‪ ،‬والبريريىن املعرفيرية املاثلريرية يف أي‬
‫حلظة إمنا تشمل ما أمكن للكائن احلي اسـتيعابه ومتثلريه‪ .‬ومرين الواضريح أنريه إذا كريان التمثيريل هريو العمليرية‬
‫املعرفيريرية الوحيريريدة‪ ،‬فلريرين يكريريون هنريرياك منريريو عقلريريي‪ ،‬حيريريث إن الطفريريل سريريوف يعتمريريد يف متثيريريل خرباتريريه علريريى‬
‫اإلطريريار احملريريدد ملريريا هريريو ماثريريل يف بنيتريريه املعرفيريرية‪ .‬ل ريذا‪ ،‬فريريإن العمليريرية الثانيريرية تسريريمى املواءمــة‪ ،‬واملوائمريرية هريريي‬
‫العملية اليت بواسطتها تتكيف أو تتعدل البىن املعرفية وحيدث مرين خالهلريا النمريو املعريريف‪ .‬أي‪ :‬إن عمليرية‬
‫التمثيريريل تس ريريمح للكريريائن احل ريريي ليسريريتجيب للموق ريريف ال ريراهن يف ضريريو املعرف ريرية أو اخل ريربات الس ريريابقة لدي ريريه‪.‬‬
‫وبسبب اخلصائص الفريدة اليت ال ميكن االستجابة هلا يف ضو املعرفة السابقة وحدها‪ ،‬فإنه ميكن القول‬
‫بأن هذه اخلربات اجلديريدة للفريرد تسريبب اضريطرابا أو عريدم تريوازن يف بنائريه املعريريف يف بريادى األمرير‪ .‬مث ال‬
‫تلبريريث أن تنسريريجم وتتريريزن مري البنريريا املعريريريف‪ ،‬ومبريريا أن التريوازن حاجريرية فطريريرية‪ ،‬فريريإن البريريىن املعرفيريرية تتغريريري لكريريي‬
‫تت ريوائم م ري خصريريائص اخل ريربات اجلديريريدة أو املواقريريف اجلديريريدة‪ .‬وبالتريريايل‪ ،‬حيريريدث االت ـزان املع ــريف‪ .‬وهريريذا‬
‫التدرجيي يف االعتماد على البيئة الطبيعية والزيادة يف استخدام القدرات أو البنا املعريف هو مريا‬ ‫التناق‬
‫يسمى باالستدخال‪ ،‬وم استدخال قدر أكرب من اخلربات‪ ،‬يصبح التفكري أداة للتكيف م البيئة‪"73.‬‬

‫وكذلك‪ ،‬تتميز هريذه املرحلرية مبيريل املراهريق إىل االنتبرياه مرين حيريث املريدة والطريول والعمريق‪ .‬كمريا يتبريني ذلريك‬
‫جبال حني متابعته لفيلم طويريل‪ ،‬أو مبرياراة يف كريرة القريدم‪ ،‬أو قصرية طويلرية مسرتسريلة‪ .‬عريالوة علريى قدرتريه‬
‫علريريى التخيريريل والتخييريريل والتريريذكر واإلبريريداع واالبتكريريار‪ ،‬وامليريريل إىل الشريريرود وأحريريالم اليقظريرية‪ ،‬واإلكثريريار مريرين‬
‫الرحالت وحب املغامرة واالستطالع‪ ،‬والتحريرر مرين الريربامج الدراسريية‪ ،‬وامليريل إىل القريرا ة احلريرة‪ ،‬والسرييما‬

‫‪ - 73‬فتحي مصطفى الزيات‪ :‬األسس املعرفية للتكوين العقلي وجتهيز املعلومات ‪ ،‬دار الوفا للطباعة والنشر والتوزي ‪ ،‬املنصورة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪3112‬م‪ ،‬ص‪.322 – 322 :‬‬

‫‪132‬‬
‫قرا ة الكتب العلمية والدينية‪ ،‬وقرا ة شعر الغزل‪ ،‬ومساع األغاين الشبابية لدى الذكور‪ ،‬أو مساع األغاين‬
‫الرومانسية عند اإلناث‪.‬‬

‫ويالحظ أن عريامل الطفريل خيتلريف عرين عريامل املراهريق‪ ،‬فالعريامل األول عريامل حمريدود وضرييق‪ ،‬ومسرييج باحلسريية‬
‫والتشخيص واإلحيائية‪ .‬يف حني‪ ،‬يتميريز العريامل الثرياين خباصريية التجريريد والتخييريل والتجرياوز ملريا هريو حسريي‬
‫وعقلريريي‪ .‬ويف هريريذا النط ريرياق‪ ،‬يقريريول أمحريريد أوزي أن " الع ريريامل العقلريريي للمراهريريق خيتل ريريف عريرين العريريامل العقل ريريي‬
‫للطفل‪ ،‬إذ إن عامل املراهقة أكثر تناسقا وانتظاما وأكثر معنويرية وجتريريدا ممريا يسريمح للمراهريق باالسريتمتاع‬
‫بالنشاط العقلي وقضا أوقات طويلة يف التفكري والتأمل يف مسائل معنوية كرياخلري والفضرييلة والشريجاعة‬
‫والعدالرية ومعريىن احليرياة‪ .‬حريىت إنريريه ميكرين القريول بريأن مرحلرية املراهقريرية هريي مرحلرية الفلسريفة املعقلنرية‪ ،‬بعريريد أن‬
‫كانت فرتة الطفولة األوىل فرتة الفلسفة الساذجة والبسيطة‪ .‬فاألسئلة الفلسفية الرييت يلقيهريا طفريل الرابعرية‬
‫أو اخلامسة جييبه عنها اآلبا واملدرسون يف مجي احلاالت‪ .‬خبالف األسئلة الفلسفية اليت تشغل املراهريق‬
‫يف هذه الفرتة‪ ،‬فهي أسئلة يطرحها على نفسه‪ ،‬ويبحث فيها بقدرته العقلية‪ .‬ألنريه مل يعريد ذلريك الطفريل‬
‫املتقبل لكل شي ‪.‬إن املراهق يطرح للنقاش العقلي املبادى اخللقية الرييت تلقاهريا مرين قبريل‪ ،‬ويتسريا ل عرين‬
‫ضرورهتا‪.‬كما أنه يتسا ل عن علريل الكريون واحليرياة وعرين الريدين وقيمتريه الروحيرية واالجتماعيرية‪ .‬وبقريدر مريا‬
‫يناقش املراهق هذه املسائل باملنطق والعقل‪ ،‬فإنه يؤكد ذاته ووجوده من خالل هذا التفكري الذي يشعره‬
‫بني رفاقه بقيمته‪ .‬كما يعود إىل ذاته بعد كل نقرياش خيوضريه وينتصرير فيريه ليقريارن معرفتريه ووضريعه الفكريري‬
‫من اآلن فصاعدا اعتباره طفال‪ ،‬فهو على استعداد ملناقشة األب‬ ‫بوض الطفولة وسذاجتها‪.‬هلذا‪ ،‬يرف‬
‫واألستاذ والصديق‪ ،‬بل وحتدي هؤال مجيعا إذا مل يعرتفوا له بالوجود والقيمة‪.‬‬

‫ومرين خريالل تفاعريل املراهريريق مري خمتلريف أفريراد جمتمعريه واسريتخدامه لإلمكانيريريات والقريدرات العقليرية تتكريريون‬
‫اجتاهاتريريه وتتبلريريور‪ .‬فمريرين خريريالل خمتلريريف املواقريريف الريرييت خيربهريريا يف جمتمعريريه تتكريريون اجتاهاتريريه الريرييت تريريتحكم يف‬

‫‪133‬‬
‫سلوكه وتوجهه‪ .‬هلذا‪ ،‬جند للمراهق يف هذه الفريرتة وجهريات نظريره اخلاصرية الرييت يريتحمس للريدفاع عنهريا يف‬
‫‪74‬‬
‫خمتلف اجملالس واألندية‪".‬‬

‫وعليه‪ ،‬تتسم هذه املرحلة بقوة اإلدراك واملالحظة عند املراهريق‪ ،‬ومنريو قدراتريه العقليرية واملعرفيرية والكفائيرية‪،‬‬
‫واتساع دماغه الذهين والعصيب والريذكائي‪ ،‬وقدرتريه علريى التمثريل واالسريتيعاب واحلفريظ والربهنرية والتجريريب‬
‫والتخييل واإلبداع والتجريد‪.‬‬

‫وأهم ميزة يتصف هبا جان بياجيه أنه نظم مراحل التعلم بشكل دقيق‪ ،‬وحدد بداياهتا وهناياهتا الزمنية‬
‫بشكل علمي مقنن؛ مما جعل كثريا من األنظمة الرتبوية املعاصرة تسرتشد بآرا جان بياجيه السديدة‪،‬‬
‫وتستهدي بنظرياته الوجيهة يف جمال التعليم والتعلم والتكوين‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فقد حدد جان بياجيه أرب مراحل نفسية وتربوية متعاقبة ومتدرجة ومتوافقة‪ ،‬هي‪:‬‬

‫‪‬املرحلة احلسية احلركية‪ :‬متتد من حلظة امليالد حىت السنة الثانية؛‬

‫‪‬مرحلة ما قبل العمليات‪ :‬تبتدئ من السنة الثانية حىت السنة السابعة؛‬

‫‪‬مرحلة العمليات املادية أو احلسية‪ :‬تبتدئ من السنة السابعة حىت السنة احلادية عشرة؛‬

‫‪‬مرحلة التفكري اجملرد‪ :‬تبتدئ من السنة الثانية عشرة إىل بداية فرتة املراهقة‪.‬‬

‫ويتوافق التعليم األويل م مرحلة ما قبل العمليات احلسية احلركية‪ ،‬أو ما يسمى بالتفكري الرمزي عن‬
‫طريق اللغة والصور الذهنية‪ .‬وإذا كانت املرحلة األوىل مرحلة فكرية حسية حركية‪ ،‬متتد من امليالد حىت‬
‫هناية السنة الثانية‪ ،‬ويعتمد فيها الطفل على جمموعة من السلوكيات الفطرية الغريزية؛ مثل‪ :‬املص‬
‫وغريمها‪ ،‬ويتعلم من البيئة جمموعة من السلوكيات واملهارات والتوافقات احلسية البسيطة‪،‬‬ ‫والقب‬

‫‪ - 74‬أمحد أوزي‪ :‬سيكولوجية املراهقة‪ ،‬دار النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ ،‬طبعة ‪3122‬م‪ ،‬ص‪.51:‬‬
‫‪134‬‬
‫ويتعامل م األشيا بطريقة حسية وإدراكية بسيطة غري مركزة أو واعية‪ ،‬فإن املرحلة الثانية من مراحل‬
‫تطور الطفل تسمى مبرحلة التفكري الرمزي‪ ،‬أو مرحلة ما قبل العمليات العيانية أو احلسية‪ .‬وتبدأ هذه‬
‫املرحلة يف النصف الثاين من السنة الثانية حىت سن السابعة تقريباً‪ .‬ويف هذه املرحلة‪ ،‬يبدأ الطفل يف‬
‫تعلم اللغة‪ ،‬وامليل حنو التمثيل الرمزي لألشيا ‪ ،‬وتكوين األفكار البسيطة والصور الذهنية‪ ،‬ويتحول‬
‫تفكري الطفل تدرجيياً من صورته احلركية إىل صورة تفكري رمزي غري جمرد‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬ال بد أن تراعي مؤسسات التعليم األويل ورياض األطفال اجلوانب النفسية واالجتماعية‬
‫والرتبوية لدى املتعلم‪ ،‬باالسرتشاد بعلم النفس وعلم االجتماع‪ ،‬ومتثل الطرائق البيداغوجية احلديثة‬
‫والنظريات الرتبوية املعاصرة‪ .‬ويف هذا اإلطار‪ ،‬يقول غايل أحرشاو‪" :‬إذا كانت األسرة هي اليت تسهر‬
‫على تربية الطفل خالل الفرتة املمتدة من الوالدة إىل سن الثالثة أو الرابعة‪ ،‬فإن مؤسسات التعليم‬
‫األويل هي اليت تضطل هبذه املهمة يف الفرتة املمتدة من الثالثة أو الرابعة إىل حدود السادسة اليت متثل‬
‫سن االلتحاق بالسلك األول من التعليم االبتدائي‪.‬‬

‫إن الرتبية املقصودة هنا تتحدد يف مجي أشكال رعاية الطفل االجتماعية والنفسية والرتبوية واملعرفية‪،‬‬
‫واليت تتوزع على هاتني الفرتتني؛ حبيث تتكفل األسرة بتنشئته ورعايته خالل الفرتة األوىل‪ ،‬وتسهر‬
‫مؤسسات التعليم األويل على هتييئه وإعداده للتعليم االبتدائي أثنا الفرتة الثانية‪ .‬فهي‪ ،‬باملعىن الذي‬
‫يوجهها على امتداد هذه الفرتة األخرية‪ ،‬عبارة عن ممارسة بيداغوجية حتكمها جمموعة من االعتبارات‬
‫املوضوعية واملستجدات العلمية‪ ،‬وتؤطرها مجلة من األسس النظرية واملرجعيات السيكولوجية‪ ،‬وتشرطها‬
‫سلسلة من املرتكزات البيداغوجية والدعامات اإلجرائية‪ .‬وهي هبذا التحديد‪ ،‬حىت وإن كانت تشكل‬
‫امليدان املعقد الذي يستدعي مقاربة متعددة التخصصات‪ ،‬تشمل باخلصوص علم النفس والرتبية‬

‫‪135‬‬
‫واالجتماع‪ ،‬فإهن ا عبارة عن ممارسة تربوية حتكمها مرجعية سيكولوجية ذات توجه معريف‪ ،‬تتحدد على‬
‫‪75‬‬
‫التوايل يف سيكولوجية منو املعارف واكتساهبا‪ ،‬ويف سيكولوجية التدريس وتعلم الكفا ات‪".‬‬

‫ويعين هذا أنه ال بد من تبين بيداغوجيا تعلمية كفائية متنوعة فعالة ونشيطة‪ ،‬تتعامل م أفضية لعبية‬
‫متنوعة‪ ،‬باعتماد األنشطة الثقافية والفنية واألدبية والرياضية واملوسيقية‪ .‬فضال عن بيداغوجيا فارقية هتتم‬
‫بالفوارق الفردية‪ ،‬وتعىن أيضا بالذكا ات املتعددة‪ .‬أي‪ :‬البد من االعتماد على" بيداغوجيا تعددية‪،‬‬
‫حيكمها فضا تربوي غين ومتنوع‪ ،‬من حيث وسائله البيداغوجية‪ ،‬وموارده البشرية‪ ،‬وغاياته التعليمية‪.‬‬
‫مبعىن البيداغوجيا اليت تؤطرها رؤية إسرتاتيجية للواق وإمكاناته وآفاقه‪ ،‬وجيسدها خيار فكري مدرك‬
‫‪76‬‬
‫لظروفه وأهدافه ومعوقاته‪".‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يتبني لنا أن جان بياجيه قد أرسى نظرياته يف التعلم على أسس السيكولوجيا املعرفية اليت هتتم‬
‫بآليات الذهن واملعرفة العقلية وتطور الذكا اإلنساين‪ .‬كما متيز مشروعه العلمي بتقسيم التعلم إىل‬
‫جمموعة من املراحل الذهنية‪ :‬مرحلة احلسية احلركية‪ ،‬ومرحلة ماقبل العمليات املشخصة‪ ،‬ومرحلة‬
‫العمليات املشخصة‪ ،‬ومرحلة التجريد املنطقي‪.77‬‬

‫‪ -75‬غايل أحرشاو‪ :‬غايل أحرشاو‪ :‬الطفل بني األسرة واملدرسة‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5001‬م‪،‬‬
‫ص‪.40:‬‬
‫‪ -76‬غايل أحرشاو‪ :‬الطفل بني األسرة واملدرسة‪ ،‬ص‪.21:‬‬
‫‪77‬‬
‫‪- Piaget, La naissance de l'intelligence chez l'enfant, Paris, Delachaux et Niestlé,‬‬
‫‪1936 ; La construction du réel chez l'enfant, Paris, Delachaux et Niestlé, 1937‬‬
‫‪136‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬البن ــائية االجتماعي ــة‬
‫ظهرت املدرسة البنائية االجتماعية (‪ 78)l’approche sociocognitive‬رد فعل على املدرسة‬
‫البنائية جلان بياجيه‪ ،‬على أساس أن هناك تفاعال بني البنية واجملتم ‪ .‬وقد تشكلت هذه املدرسة م‬
‫الروسي فيكوتسكي(‪ ،)Vygotski‬وبرونور (‪ ،79)Bruner‬ودواز وبريي كلريمون ( & ‪Doise‬‬
‫‪ ،80)Perret-Clermont‬وغابرييل مونيي (‪...81)Gabriel Mugny‬‬

‫وترى هذه املدرسة أن التعلم ال تتحكم فيه املؤثرات البيولوجية والوراثية فقط‪ ،‬بل خيض أيضا لعوامل‬
‫ثقافية وتارخيية وجمتمعية‪ .‬مبعىن إذا كان جان بياجيه يعطي أمهية كربى ملا هو وراثي وعقلي وذكائي يف‬
‫جمال التعلم‪ ،‬فإن فيكوتسكي يقر بأمهية اجملتم يف بنا تعلمات املتعلم وتعزيزها وتطويرها‪ .‬أي‪ :‬يقر‬
‫بأمهية التفاعل املوجود بني الذات واجملتم ‪ ،‬أو بأمهية التفاعل بني التلميذ واملدرس‪ ،‬وبأمهية التفاعل بني‬
‫التلميذ واجملتم ‪.‬ومن هنا‪ ،‬أمهية االنصهار واالندماج يف اجملتم ‪ ،‬أو االنتما إىل فريق تربوي ما‪ ،‬أو‬
‫التوحد م اآلخرين يف مجاعة ديناميكية معينة‪ .‬ويعين هذا أن السيكولوجيا اإلنسانية نتاج ملاهو جمتمعي‬
‫يف شكل رموز تفاعلية‪ .‬وبتعبري خر‪ ،‬يتحقق التفاعل بني الذات املتعلمة واجملتم بواسطة جمموعة من‬
‫الرموز املتفقة عليها من أجل حت قيق تفاعل إجيايب بنا وهادف‪.‬ومن مث‪ ،‬يقر فيكوتسكي أن الوظائف‬
‫السيكولوجية العليا لإلنسان الميكن فصلها عن الوظائف االجتماعية يف أبعادها التفاعلية والرمزية‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫‪-BERTRAND, Y. Théories contemporaines de l'éducation, Paris, Editions‬‬
‫‪Nouvelles, Chronique Sociale.1998.‬‬
‫‪79‬‬
‫‪BRUNER J. L'éducation, entrée dans la culture: les problèmes de l'école à la‬‬
‫‪lumière de la psychologie culturelle, Paris, éd. Retz.1996.‬‬
‫‪80‬‬
‫‪- Willem Doise et Gabriel Mugny, Le développement social de l'intelligence, Paris,‬‬
‫‪InterÉditions, 1981. Willem Doise et Gabriel Mugny, Psychologie sociale et développement‬‬
‫‪cognitif, Paris, Armand Colin, « U », 1997.‬‬
‫‪81‬‬
‫‪-Willem Doise et Gabriel Mugny, Le développement social de l'intelligence, Paris,‬‬
‫‪InterÉditions, 1981. Willem Doise et Gabriel Mugny, Psychologie sociale et développement‬‬
‫‪cognitif, Paris, Armand Colin, « U », 1997.‬‬
‫‪137‬‬
‫وأكثر من هذا يرى فيكوتسكي أن التطور الثقايف لدى الطفل ليس راجعا إىل املكونات البيولوجية‬
‫واجلينية والوراثية والفطرية والعقلية والفردية‪ ،‬بل يرج ذلك إىل اندماج الطفل يف مجاعات بشرية‬
‫ما‪.‬وهبذا‪ ،‬يكون التعلم جمتمعيا وليس فرديا‪ .‬وتسعفنا هذه النظرية كثريا يف فهم تطور التعلم واالكتساب‬
‫لدى الطفل يف مساره النمائي واالرتقائي والذكائي واملعريف‪.‬‬

‫وتتمثل نظرية فيكوتسكي يف أن التعلم هو مبثابة صريورة استيعاب ملختلف األنظمة الثقافية‬
‫ووسائلها‪.‬أي‪ :‬إن التعلم فعل ثقايف وجمتمعي بامتياز‪ .‬وبالتايل‪ ،‬الميكن للتعلم أن يتعلم باالعتماد على‬
‫قدراته الوراثية والعقلية فقط‪ ،‬بل البد من االندماج يف جمتم من أجل اكتساب أمناطه الثقافية‪ .‬ويعين‬
‫هذا أن املتعلم الميكن له االستغنا عن املدرس من جهة‪ ،‬وال عن مجاعة األصدقا والرفقا من جهة‬
‫أخرى‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يتكون الذكا لدى الطفل عرب آليات سيكولوجية ميتحها الطفل من حميطه‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫اللغة اليت يستعملها الطفل‪ ،‬وهي ذات طاب جمتمعي‪ ،‬ويوظفها للتعبري عن منتجه الفكري والعقلي‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬ينفي الباحث ما يسمى بالتمركز اللغوي‪ ،‬أو متركز الطفل على الذات‪ ،‬فهذا كله نتاج اجملتم ‪،‬‬
‫مادام الطفل يستعمل اللغة اليت وجدها يف اجملتم ‪ ،‬مث حيوهلا إىل آلية نفسية داخلية‪ .‬يف حني‪ ،‬إن‬
‫مصدرها جمتمعي‪ ،‬وليس فرديا أو داخليا‪.‬وهبذا‪ ،‬يكون الذكا نتاج تعلم خارجي جمتمعي وثقايف‬
‫وتارخيي‪ ،‬وليس نتاج ماهو وراثي أو بيولوجي‪ .‬وهبذا‪ ،‬يتعلم الطفل باالسرتشاد بشاب بالغ‪ ،‬أو مبدرس‬
‫كف ‪ ،‬يزوده مبختلف املوارد اليت تسعفه يف التعلم الذايت‪ ،‬واكتساب املعارف‪.82‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يتبني لنا أن البنائية االجتماعية جتم بني ماهو بنيوي وجمتمعي‪ ،‬أو جتم بني الذات واجملتم‬
‫يف إطار عملية التفاعل املتبادل والرمزي‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫‪- Lev Vygotski: Pensée et langage (1934) (traduction de Françoise Sève, avant-propos de‬‬
‫‪Lucien Sève), suivi de « Commentaires sur les remarques critiques de Vygotski » de Jean‬‬
‫‪Piaget, (Collection « Terrains», Éditions Sociales, Paris, 1985) ; Rééditions: La Dispute,‬‬
‫‪Paris, 1997.‬‬
‫‪138‬‬
‫املبحث اخلامس‪:‬نظرية الذكاءات املتع ــددة‬

‫تعد نظرية الذكا ات املتعددة من أهم النظريات السيكولوجية والرتبوية املعاصرة‪ .‬وقد جا ت رد فعل‬
‫على التصور البياجوي الذي يؤمن بأحادية الذكا الرياضي املنطقي الذي يعد منوذج الفكر اإلنساين‪،‬‬
‫وغلو جان بياجي يف النزعة العقالنية املوحدة للعقل اإلنساين باملفهوم الديكاريت‪ ":‬العقل أعدل قسمة‬
‫متساوية بني البشر"‪ .‬ناهيك عن استبعاده لعوامل الوسط والفوارق الفردية‪ .‬وعلى العكس‪ ،‬تؤمن نظرية‬
‫الذكا ات املتعددة‪ -‬اليت تبلورت يف سنوات الثمانني من القرن املاضي م هووارد غاردنر( ‪Howard‬‬
‫‪ -)Gardner‬بوجود ذكا ات متعددة ومتنوعة ومستقلة لدى املتعلم‪ ،‬ميكن صقلها وشحذها عن‬
‫طريق التشجي والتحفيز والتعليم والتدريب‪ ،‬وتنمية املواهب والعبقريات واملبادرات‪ .‬مبعىن أن نظرية‬
‫الذكا ات املتعددة تؤمن بعبقرية املتعلم‪ ،‬وقدرته على العطا واإلنتاج واالبتكار واإلبداع‪ ،‬وحل املشاكل‬
‫الصعبة‪ ،‬ومواجهة الوضعيات املعقدة‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬تعريف نظرية الذك ــاءات املتعددة‬

‫يعين الذكا الفطنة واحلدة والتوقد واحلدس وقوة التخييل والتجريد‪ ،‬وامتالك قدرات ومهارات خارقة‬
‫ملواجهة الصعوبات التعليمية‪ -‬التعلمية‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬يعرف الذكا بأنه هو التكيف السري م‬
‫املستجد من املشكالت والوضعيات والظروف‪ ،‬سوا أكانت سهلة أم صعبة‪ .‬والذكا ‪ -‬وفق غارندر‬
‫نس ِّقها الثقايف أو عدة أنساق‬ ‫‪ -‬هو "القدرة على ِّ‬
‫حل املشكالت أو تَ ْشكيل منتجات هلا قيمة يف َ‬
‫ثقافية‪."83‬‬

‫ومن مث‪ ،‬فالذكا ات املتعددة عبارة عن قدرات وملكات خمتلفة ومتنوعة ومستقلة عن بعضها البع ‪،‬‬
‫ميكن تنميتها‪ ،‬وصقلها‪ ،‬وشحذها‪ ،‬وتثقيفها‪ ،‬وتقوميها‪ ،‬وتعديلها‪ ،‬وتنميتها‪ ،‬وتطويرها بشكل إجيايب‬
‫بغية التعلم واالكتساب‪ .‬ويف هذا اإلطار‪ ،‬يقول غاردنر‪ ":‬إن العناصر األكثر أمهية هي نتائج البحوث‬
‫‪83‬‬
‫‪- A regarder: Howard Gardner: Les formes de l’intelligence, ED Odel Jacob, Paris,‬‬
‫‪1997.‬‬
‫‪139‬‬
‫اليت توصلت إليها م األطفال العاديني واملوهوبني‪ ،‬وكذلك م معاجلني راشدين تعرضوا لتلف دماغي‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك‪ ،‬أدركت أن القوة أو الضعف يف جمال عقلي معني ال يسمح بالتنبؤ بأن الشي نفسه‬
‫حيدث يف جمال عقلي آخر‪ .‬وخلصت حينئذ إىل أن التصور املعياري للذكا (والذي وفقه ال يوجد‬
‫سوى ذكا واحد هو الذكا العام) خاطئ‪ .‬وبذلك‪ ،‬وضعت مثانية معايري لتحديد مفهوم الذكا ‪،‬‬
‫وقمت بفحص عدة ذكا ات "مرشحة "هبدف التأكد أي منها ميكن أن تنطبق عليه تلك‬
‫اخلاصية‪/‬املعيار‪ .‬ويف سنة ‪ 3122‬أبرزت سبعة ذكا ات‪ ،‬واليوم ارتف عددها إىل مثانية أو تسعة‪".84‬‬

‫وتأسيسا على ماسبق‪ ،‬فنظرية الذكا ات املتعددة هي أس اإلبداع واإلنتاج واالبتكار‪ ،‬وآلية إجرائية‬
‫ناجعة لتفتيق املواهب الظاهرة واملضمرة‪ ،‬بل هي دليل العبقرية والتميز والتفرد‪ .‬والميكن احلديث اليوم‬
‫عن ذكا واحد ‪ ،‬كما عند جان بياجي‪ ،‬يقاس بالدرجة أو مبعامل الذكا ‪ ،‬فيقال ذكا مرتف ‪ ،‬وذكا‬
‫منخف ‪ ،‬بل هناك ذكا ات متعددة‪ ،‬ومواهب خمتلفة‪ ،‬وعبقريات متميزة‪ .‬وبالتايل‪ ،‬خيتلف الذكا من‬
‫ثقافة إىل أخرى‪ .‬فإذا كانت الثقافة الغربية تؤمن بالذكا الرياضي املنطقي‪ ،‬فإن هناك ثقافات أخرى‬
‫تؤمن بالذكا الفلسفي‪ ،‬أو الذكا الطبيعي‪ ،‬أوالذكا الفين‪ ،‬أو الذكا اجلسمي احلركي‪ ،‬أو الذكا‬
‫الفضائي البصري‪...‬فاملتعلم قد يكون ضعيفا يف ختصص علمي ما‪ ،‬لكنه قد يكون ناجحا وقويا يف‬
‫جمال علمي أو حيايت آخر‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬يتعلم الطفل حسب طبيعة ذكائه النمائي‪ .‬وبالتايل‪ ،‬خيتلف التعلم من ذكا إىل‬
‫آخر‪.‬وللذكا دورهم مهم يف اكتساب املعارف‪ ،‬وحتصيل املعلومات‪ ،‬وتنظيم املدارك‪.‬‬

‫‪ -84‬هاوارد غاردنر‪( :‬حوار م هوارد غاردنر حول الذكا ات املتعددة‪ :‬من التأسيس العلمي إىل التطبيق البيداغوجي)‪ ،‬ترمجة وتقدمي‪ :‬عبد الواحد‬
‫أوالد الفقيهي‪،‬‬
‫‪http://www.aljabriabed.net/n68_08lafkih.htm‬‬
‫‪140‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬سياق ظهور نظرية الذكاءات املتعددة‬

‫إذا كان جان بياجي(‪ ) Jean Piaget‬يقول بأحادية الذكا اإلنساين على املستوى املعريف‪ .‬ومن مث‪،‬‬
‫حيصره يف الذكا الرياضي املنطقي باعتباره أرقى الذكا ات اإلنسانية‪ ،‬فإن هناك من يقول بتعدد‬
‫الذكا ات لدى اإلنسان‪ ،‬وخاصة الباحث السيكولوجي األمريكي هووارد غاردنر( ‪Howard‬‬
‫‪ ) gardner‬الذي ألف جمموعة من الدراسات حول نظرية الذكا ات املتعددة منذ ‪3121‬م‪ ،‬ونذكر‬
‫من بني هذه الدراسات(أطر الذكاء)‪ ،85‬و(الذكاءات املتعددة)‪...86‬‬

‫ويعين هذا أن هوارد غاردنر قد جتاوز النظرية الذكائية األحادية اليت ظهرت م بداية القرن العشرين‬
‫لقياس الذكا املعريف الرياضي واملنطقي‪ ،‬عرب جمموعة من الروائز واالختبارات والفروض بغية حتديد‬
‫مراتب الذكا ‪ ،‬وتصنيف الناس حسب مقاييس إحصائية معينة‪ ،‬كما يبدو ذلك واضحا عند ألفرد‬
‫بينيه‪ ،‬وإيسنك‪ ،‬وجالنت‪ ،‬وجنسن‪ ،‬وسربمان‪ ....‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول عبد الواحد أوالد الفقيهي‪":‬‬
‫منذ بداية القرن املاضي‪ ،‬تسا ل العديد من الباحثني عن طبيعة الذكا ‪ .‬ومن أهم املقاربات اليت سادت‬
‫تارخييا مقاربة القياس النفسي والتحليل العاملي‪.‬فإذا كان الكثري من هؤال العلما قد تبنوا معامل‬
‫الذكا أو دافعوا عن وجود عامل عام للذكا ‪ .‬فهناك آخرون من رواد التحليل العاملي‬
‫(ثورستون ‪ /Thurstone‬وجيلفورد ‪ ) Guilford‬مل يقبلوا ذلك‪ ،‬ودافعوا باملقابل عن فكرة أن‬
‫الذكا يتضمن عددا كبريا من العوامل واملكونات‪ .‬لكن على الرغم من مسامهة التحليل العاملي يف‬
‫اكتشاف تعقد مكونات الذكا وتعددها‪ ،‬فإنه ظل حبيس استخدام بنود االختبارات اليت تعرضت‬
‫النتقادات عدة‪ ،‬كما أن النتائج اليت توصل إليها تعكس بشكل مباشر فرضيات رياضية تتخذ وسيلة‬
‫لتحديد عوامل الذكا ومتييزها‪ .‬مبعىن آخر‪ ،‬إن رواد التحليل العاملي مل يتمكنوا من احلسم يف النقاش‬
‫الذي ظل قائما حول الطبيعة احلقيقية للذكا ‪ .‬وم متكن العديد من الباحثني من االنزياح عن إرث‬
‫القياس النفسي والتحليل العاملي‪ .‬وهنجوا طريقا آخر يف الكشف عن تعدد الذكا اإلنساين‪.‬إن التعدد‬
‫‪85‬‬
‫‪- Howard Gardner: Les formes de l’intelligence,ED Odel Jacob,Paris,1997.‬‬
‫‪86‬‬
‫‪- Howard Gardner: Les Intelligences multiples, traduit par PH.Evans-Clark,‬‬
‫‪M.Muracciole et N.Weinwurzel, Retz, Paris, 1996.‬‬
‫‪141‬‬
‫الذي تنطوي عليه الذكا ات يعين أن هناك عددا مستقال من القدرات املختلفة‪ ،‬وجمموعة متباينة من‬
‫‪87‬‬
‫أوجه النشاط املعريف اإلنساين‪ ،‬يسميها غاردنر بالذكا ات اإلنسانية املتعددة‪".‬‬

‫ويضاف إىل هذا أن نظرية الذكا ات املتعددة قد استخدمت‪ ،‬يف البداية‪ ،‬يف جمال السيكولوجيا‪ ،‬ليتم‬
‫جتريبها‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬يف جمال الرتبية والتعليم سعيا إىل ترقية العقل اإلنساين‪ ،‬وتطوير بنياته املعرفية‪،‬‬
‫وصقل قدراته الذهنية والعصبية والدماغية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬مل تكتشف بعد طاقات الدماغ البشري‬
‫وإمكانياته الزاخرة‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬يقول عبد الواحد أوالد الفقيهي‪ ":‬خالل العقود األخرية‪ ،‬ستربز‬
‫وتتبلور توجهات‪ -‬على مستوى املنظمات الدولية واألحباث العلمية‪ -‬سعت إىل نقد التصور األحادي‬
‫للذكا وجتاوزه‪ ،‬وربطت تغيري األنظمة التعليمية وإصالحها وجتديدها باستثمار تعدد الطاقات‪ ،‬وغىن‬
‫اإلمكانات اإلنسانية‪ .‬ففي سنة ‪ 3175‬أعلن تقرير لليونيسكو أن للدماغ اإلنساين إمكانات مل يتم‬
‫استعماهلا بشكل واس ‪ ،‬وأن مهمة الرتبية هي تشغيل هذه اإلمكانات غري املستعملة وحتقيقها‪ .‬ويف‬
‫سنة ‪ 3171‬صدر عن نادي روما تقرير نص يف مقدمته على أن اإلنسان مازال يتوفر على كثري من‬
‫الطاقات واملوارد اليت مل تكتشف‪ ،‬ومل ختترب بعد؛ ولذلك فهو يظل يف حاجة دائمة إىل تعلم كيف‬
‫‪88‬‬
‫يكشف عن طاقاته الكامنة‪ ،‬وكيف يستخدمها بصورة واعية وهادفة وذكية‪".‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد بلور هوارد غاردنر نظريته يف الذكا ات املتعددة تنظريا وتطبيقا‪ ،‬بعد أن اشتغل جتريبيا على‬
‫مشروع الطيف الرتبوي منذ ‪3124‬م‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول غاردنر‪ ":‬إن مشروع الطيف هو جمهود‬
‫لتقييم خمتلف أصناف الذكا ات لدى األطفال الصغار‪ ،‬وميكن تكييفه ليتال م م السنوات املبكرة‪.‬‬
‫مبدئيا ليس لدي أي اعرتاض لتقييم الذكا ات ما دام هذا التقييم يتم بطريقة عادلة ومنصفة‪ ،‬وليس‬
‫بواسطة اختبار معياري من صنف اختبارات "الورقة والقلم"‪ .‬فإذا أردت – مثال‪ -‬تقييم الذكا‬

‫‪ -87‬عبد الواحد أوالد الفقيهي‪ :‬الذكاءات املتعددة‪ :‬التأسيس العلمي‪ ،‬منشورات جملة علوم الرتبية‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضا ‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪5035‬م‪،‬ص‪.53:‬‬
‫‪ -88‬عبد الواحد أوالد الفقيهي‪ :‬الذكاءات املتعددة‪ :‬التأسيس العلمي‪ ،‬منشورات جملة علوم الرتبية‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضا ‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪5035‬م‪.‬‬
‫‪142‬‬
‫الفضائي لشخص ما فال تقدم له اختبارا‪ ،‬بل علمه خط سري جديد‪ ،‬مث الحظ بأية سرعة سيصل إىل‬
‫التحكم يف اجتاه السري‪ ،‬وكيف سيقوم بتذكره‪.‬‬

‫هناك باحثون آخرون قاموا بتطوير اختبارات الذكا ‪ ،‬ولست من أنصار هذه االختبارات‪ ،‬لكين أحكم‬
‫عليها حسب حالة كل اختبار‪ .‬وأعتقد أننا أمضينا وقتا طويال يف تقييم األطفال وتصنيفهم‪ ،‬ومل‬
‫مننحهم سوى وقتا ضئيال ملساعدهتم ‪.‬لذلك‪ ،‬فاملربر الوحيد‪ ،‬بالنسبة إيل‪ ،‬لتقييم الذكا ات هو‬
‫مساعدة املتعلمني للتعلم بشكل جيد‪ ،‬وذلك بتوظيف الذكا ات األكثر تفوقا‪ ،‬وتقوية الذكا ات اليت‬
‫‪89‬‬
‫هي يف حاجة إىل ذلك‪ ،‬يف الوقت نفسه‪".‬‬

‫ويضيف الباحث شارحا مشروعه املسمى بالطيف الرتبوي بقوله‪ ":‬إنه برنامج تربوي يقدم لألطفال‬
‫الصغار (بني ‪ 1‬و‪ 2‬سنوات) بيئة غنية وخصبة من شأهنا أن تثري عددا كبريا من الذكا ات‪ ،‬حبيث‬
‫ميكن هلؤال األطفال استكشاف هذا الوسط الذي يعترب مبثابة متحف هلم أكثر مما هو حجرة فصل‬
‫عادي‪ ،‬ومن خالل مالحظة الطريقة اليت يستثمرون هبا خمتلف املواد والعناصر احمليطة هبم‪ ،‬ميكن‬
‫استنباط جانبيتهم يف الذكا ‪ .‬هناك طبعا "مهام الطيف" األكثر شكلية واملخصصة لتحديد أصناف‬
‫الذكا ات القوية والذكا ات الضعيفة لطفل ما‪ ،‬سوا يف ارتباطها م الذكا ات األخرى لدى نفس‬
‫الطفل‪ ،‬أم مبقارنتها م ذكا ات األطفال اآلخرين‪ .‬لقد مت حتويل نتائج هذا التقييم إىل "جانبية‬
‫الطيف"‪ ،‬والذي يتضمن اقرتاحات عملية حول األنشطة اليت جيب مباشرهتا م الطفل حسب جاذبيته‬
‫اخلاصة من حيث مكامن القوة والضعف‪.‬‬

‫‪ -89‬هاوارد غاردنر‪( :‬حوار م هوارد غاردنر حول الذكا ات املتعددة‪ :‬من التأسيس العلمي إىل التطبيق البيداغوجي)‪ ،‬ترمجة وتقدمي‪ :‬عبد الواحد‬
‫أوالد الفقيهي‪،‬‬
‫‪http://www.aljabriabed.net/n68_08lafkih.htm‬‬
‫‪143‬‬
‫أليس هناك خطر اإلخالل بالتوازن حني يتعلق األمر بتفضيل أو تشجي جمال للذكا يوجد مسبقا‬
‫‪90‬‬
‫وبقوة لدى طفل ما؟"‬

‫وهكذا‪ ،‬فقد ظهرت نظرية الذكا ات املتعددة منذ الثمانينيات من القرن املاضي بالواليات املتحدة‬
‫األمريكية م هوارد غاردنر‪ ،‬بعد أن جرهبا صاحبها مدة عشرين سنة يف جمال السيكولوجيا‬
‫والبيداغوجيا إىل أن حققت جناحا باهرا يف املدرسة الرتبوية أكثر مما حققته يف ميادين وجماالت وحقول‬
‫معرفية أخرى‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬التصور النظري لنظرية الذكاءات املتعددة‬

‫يتحدث هوارد غاردنر عن جمموعة من الذكا ات املتعددة اليت تتأثر مبا هو وراثي فطري يولد م‬
‫اإلنسان من جهة‪ ،‬ومما هو مكتسب من البيئة والوسط (األسرة‪ ،‬والشارع‪ ،‬واملدرسة‪ ،‬والرتبية‪،‬‬
‫واجملتم ‪ .)...‬ويعين هذا أن الذكا وراثي ومكتسب معا‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فليس هناك ذكا واحد‪ ،‬كما يقول‬
‫جان بياجي وعلما مقاييس الذكا املعريف‪ .‬وإذا فقد اإلنسان ذكا واحدا‪ ،‬فإنه بال شك‪ ،‬يف هذه‬
‫احلالة‪ ،‬سيستخدم باقي ذكا اته األخرى‪ .‬ومن مث‪ ،‬ختتلف درجة الذكا من شخص إىل آخر‪ ،‬كما‬
‫خيتلف مفهوم الذكا من ثقافة إىل أخرى‪ .‬وعليه‪ ،‬تستند نظرية الذكا ات املتعددة إىل القدرة على حل‬
‫املشاكل‪ ،‬ومواجهة وضعياهتا البسيطة واملركبة‪ ،‬ضمن نسق ثقايف معني‪ ،‬والقدرة على إجياد مشاكل‬
‫أخرى للتعلم والتدرب‪ ،‬وإنتاج خدمات وأفكار وقيم جديدة وأصيلة‪ .‬مبعىن أن هذه النظرية تؤهل‬
‫املتعلم ليتسلح مبجموعة من القدرات املهارية حلل املشكالت وإجيادها‪ ،‬ومتلك املهارة الذكائية‪ ،‬م‬
‫اكتساب ملكة اإلبداع ملواجهة الوضعيات والتحديات املعرفية والواقعية‪ ،‬وتعويده على التعلم الذايت‪،‬‬
‫واستخدام قدراته الذكائية يف مواجهة الظروف واملعوقات الذاتية واملوضوعية‪.‬‬

‫‪ -90‬هاوارد غاردنر‪ :‬احلوار نفسه‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫وينطلق غاردنر من فرضية أساسية تقول بتعدد الذكا ات‪ ،‬واستقالهلا عن بعضها البع ‪ ،‬حيث يقول‬
‫غاردنر‪ ":‬بالنسبة يل توجد أدلة مقنعة على أن اإلنسان يتوفر على كفايات ذهنية مستقلة نسبيا؛‬
‫سوف أمسيها بشكل خمتصر" الذكا ات اإلنسانية""‪.91‬ويعتمد وصف الذكا عند هوارد غاردنر على‬
‫جمموعة من املعايري اليت حيددها يف مايلي‪:‬‬
‫‪ -3‬التاريخ التطوري لكل ذكا ‪.‬‬
‫‪ -5‬عزل الذكا عند إصابة الدماغ‪.‬‬
‫‪ -1‬وجود ذكا ات فائقة ومتميزة لدى فئات غري عادية‪.‬‬
‫‪ -4‬املسار النمائي املتميز لكل ذكا ‪.‬‬
‫‪ -2‬وجود عملية أساسية أو جمموعة عمليات حمددة‪.‬‬
‫‪ -2‬قابلية الرتميز يف نسق رمزي معني‪.‬‬
‫‪ -7‬الدعم املستمد من علم النفس التجرييب‪.‬‬
‫‪ -2‬سند نتائج القياس النفسي‪.92‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬حيدد غاردنر تسعة أنواع من الذكا ‪ ،‬وهي‪ :‬الذكا الرياضي املنطقي‪ ،‬والذكا اللغوي‪،‬‬
‫والذكا املوسيقي‪ ،‬والذكا البصري والفضائي‪ ،‬والذكا اجلسمي احلركي‪ ،‬والذكا الطبيعي‪ ،‬والذكا‬
‫الكوين‪ ،‬والذكا التفاعلي‪ ،‬والذكا الذايت‪ .‬فمن مل يكن ذكيا يف مادة أو ختصص معريف ما‪ ،‬فقد يكون‬
‫ذكيا يف جماالت أخرى‪ .‬وليس من الضروري أن يكون الذكي هو الذي يعرف حل العمليات‬
‫الرياضيات واملنطقية‪ ،‬بل قد يكون الذكي هو الذي يتقن املوسيقا‪ ،‬ويبدع فيها مثال‪ ،‬أو له قدرة على‬
‫اإلبداع اللغوي‪ ،‬أو ميلك الذكا العاطفي أو االجتماعي‪...‬ومن مث‪ ،‬خيتلف الذكا من ثقافة إىل أخرى‬
‫حسب اختالف السياقات الرمزية واحلضارية‪ .‬وتعد نظرية الذكا ات املتعددة نظرية سيكوبيداغوجية‬
‫مهمة لتطوير جمموعة من الذكا ات لدى املتعلم‪ ،‬واالهتمام باألنشطة الفنية‪ ،‬والبصرية‪ ،‬واجلسمية‪،‬‬
‫واحلركية‪ ،‬والطبيعية‪ ،‬والكونية‪ ،‬واللغوية‪...‬ومن مث‪ ،‬مل يعد الذكا مرتبطا كما يف الثقافة الغربية‬

‫‪91‬‬
‫‪- H.Gardner: Les formes de l’intelligence, p: 18.‬‬
‫‪ -92‬انظر عبد الواحد أوالد الفقيهي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.31-34:‬‬
‫‪145‬‬
‫بال رياضيات والعمليات املنطقية‪ ،‬فالذكا أوس من الذكا الرياضي املنطقي‪ .‬لذا‪ ،‬ينبغي تربويا تنمية‬
‫الذكا التعليمي‪ ،‬مبعرفة أنواع الذكا لدى املتعلم‪ ،‬وتبيان مواصفات هذا الذكا ‪ ،‬ورصد خمتلف التعثرات‬
‫اليت متن من إبراز ذكا معني‪ .‬ويعين هذا أن نظرية الذكا ات املتعددة مفيدة يف فهم اإلعاقات اخلاصة‬
‫وتفسريها نفسيا وبيولوجيا واجتماعيا ومعرفيا‪ .‬ويضاف إىل ذلك أهنا تنفعنا يف تأسيس بيداغوجيا فارقية‬
‫جديدة‪ ،‬تعرتف بوجود ذكا معني لدى كل تلميذ‪ .‬فليس هناك تلميذ غيب أو أبله أو كسول‪ ،‬فلكل‬
‫متعلم ذكاؤه اخلاص‪ ،‬ينبغي صقله‪ ،‬وشحذه‪ ،‬واستكشافه‪ ،‬وتنميته ذهنيا ووجدانيا وحركيا‪.‬وتشدد هذه‬
‫النظرية على أمهية الفنون يف بلورة الذكا البشري‪ .‬عالوة على أمهية الذكا العاطفي واالجتماعي‬
‫والذايت يف حتقيق التوازن النفسي‪ ،‬وخلق حلمة وجدانية إجيابية بني األنا واآلخر‪...‬‬

‫وللتوضيح أكثر‪ ،‬يرى هوارد غاردنر أن مثة تسعة ذكا ات تشتغل‪ ،‬بشكل مستقل‪ ،‬عن باقي الذكا ات‬
‫األخرى‪ .‬وترتبط مواق هذه الذكا ات بالدماغ العصيب وفصوصه املختلفة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يرتبط الذكا‬
‫اللغوي بالبالغة والفصاحة‪ ،‬واستخدام اللغة استخداما جيدا على املستوى الصويت والصريف والرتكييب‬
‫والداليل والبالغي والتداويل‪ ،‬والتحكم يف هذه املستويات اللسانية بيانا وبالغة وتصويتا وفصاحة‬
‫وإبداعا‪ ،‬واستعماهلا يف كتابة النصوص األدبية السردية والشعرية والدرامية واحلكائية والفنية‪ .‬ومن مث‪،‬‬
‫يتموق الذكا اللغوي يف الفصوص الصدغية واجلبهة اليسرى‪ ،‬كمنطقة بروكا‪ ،‬ومنطقة فرنيك‪.‬‬

‫أما الذكا الرياضي املنطقي الذي يعتمد على عمليات التجريد والتخييل واالحتمال‪ ،‬فيستخدم يف‬
‫حل املشاكل املتعلقة بالرياضيات واملنطق واهلندسة‪ ،‬والميكن فصل الرياضيات عن املنطق كما يقول‬
‫وايتهايد نظرا للعالقة اجلدلية اليت توجد بينهما‪ .‬ويتموق هذا الذكا يف الفصوص اجلدارية اليسرى‬
‫واليمىن‪ ،‬والفصوص اجلبهية اليسرى‪ .‬يف حني‪ ،‬يتموق الذكا املوسيقي يف الفص الصدغي األمين‪،‬‬
‫ويتجسد هذا الذكا يف إبداع النوتات واألحلان واألنغام واملوسيقا‪...‬‬

‫ويرتكن الذكا البصري الفضائي إىل استغالل املكان يف عالقته بالزمان هندسيا وبصريا وتشكيليا‬
‫ومعماريا‪ .‬ويتموق هذا الذكا يف املناطق اجلدارية والقفوية من النصف األمين‪ .‬أما الذكا اجلسمي‬

‫‪146‬‬
‫احلركي‪ ،‬فيوجد يف املخيخ والنويات القاعدية واملنطقة احلركية‪ .‬ويظهر هذا الذكا ‪ ،‬جبال ‪ ،‬يف‬
‫الكوريغرافيا‪ ،‬والرقص‪ ،‬والرياضة البدنية‪ ،‬واملسرح‪ ،‬والسينما‪ ،‬وحركات اجلسد بصفة عامة‪...‬‬

‫يف حني‪ ،‬يتميز الذكا التفاعلي بأنه ذكا اجتماعي‪ ،‬تتفاعل فيه الذات م اآلخر االجتماعي‬
‫شخصا كان أو مؤسسة اجتماعية‪ .‬ويوجد هذا الذكا يف الفصوص اجلبهية‪ ،‬والفص الصدغي‪،‬‬
‫وخاصة يف النصف األمين‪ ،‬واجلهاز اللعيب‪ .‬أما الذكا الذايت‪ ،‬فيوجد يف الفصوص اجلبهية‪ ،‬والفصوص‬
‫اجلدارية‪ ،‬واجلهاز اللعيب‪ .‬ويستخدم هذا الذكا يف جمال علم النفس‪ ،‬واألنساق الدينية والعرفانية‪،‬‬
‫والرموز الذاتية‪...‬‬

‫أما الذكا الطبيعي‪ ،‬فيتعلق بكل مكونات الطبيعة من حيوانات‪ ،‬ونباتات‪ ،‬وصخور‪ ،‬ومعادن‪ ،‬وما‬
‫يرتبط بالطبيعة كالعالج الطبيعي الشعيب‪ ،‬ومواد التجميل‪ ،‬واالستهالك اليومي‪ .‬ويوجد هذا الذكا يف‬
‫الفص اجلداري األيسر‪ .‬وهو مهم يف التمييز بني األشيا احلية وغري احلية‪ .‬ويتميز الذكا الوجودي‬
‫بوجود نزعات التفلسف الكونية‪ ،‬وممارسة الطقوس والعقائد والرياضات الروحية والصوفية‪ ،‬وإنتاج‬
‫‪93‬‬
‫النظريات الفلسفية‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يتبني لنا أن الذكا أنواع خمتلفة ومتعددة‪ ،‬ويرتبط مبواق دماغية وعصبية معينة‪ ،‬وأن هذه‬
‫الذكا ات مستقلة باستقالل مواقعها‪ .‬وبالتايل‪ ،‬إذا أتلف ذكا معني‪ ،‬فثمة ذكا آخر يعوضه‪ .‬ومن مث‪،‬‬
‫فنظرية الذكا ات املتعددة طريقة مفيدة يف إصالح املنظومة الرتبوية‪ ،‬بتنمية الذكا ات املوجودة لدى‬
‫املتعلم‪ ،‬وصقلها بالدربة واملمارسة والتمكني وفق أحدث الطرائق الرتبوية والسيكولوجية‪ .‬ومن هنا‪،‬‬
‫تعمل النظرية املتعددة الذكا ات على حل املشكالت‪ ،‬وإجياد مشكالت جديدة الكتساب معارف‬
‫جديدة‪ ،‬وإبداع أفكار ومنتجات وقيم جديدة وأصيلة‪.‬‬

‫‪ -93‬أنظر عبد الواحد أوالد الفقيهي‪ :‬نفسه‪.322 ،‬‬


‫‪147‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬كتابات حول نظرية الذكاءات املتعددة‬

‫مثة جمموعة من الدراسات الغربية اليت اهتمت بنظرية الذكا ات املتعددة تنظريا وتطبيقا‪ ،‬مثل ما كتبه كل‬
‫من‪ :‬توماس أرمسرتونغ‪ )Thomas Armstrong ( 94‬حول‪( :‬الذكاءات املتعددة يف القسم)‪،‬‬
‫وبروس كامبل(‪ )Bruce Campbell‬يف كتابه (الذكاءات املتعددة‪ :‬الدليل التطبيقي)‪...95‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فقد انتشرت هذه النظرية عربيا م جمموعة من الباحثني املغاربة الذين كانوا سباقني‬
‫إىل متثلها سيكولوجيا وتربويا‪ ،‬وخاصة أمحد أوزي يف كتابه (التعليم والتعلم مبقاربة الذكاءات‬
‫املتعددة)‪ ،96‬وتلميذيه‪ :‬عبد الواحد أوالد الفقيهي يف جمموعة من دراساته‪ ،‬مثل‪( :‬نظرية الذكاءات‬
‫املتعددة من التأسيس العلمي إىل التوظيف البيداغوجى)‪ ،97‬و(الذكاءات املتعددة‪ :‬التأسيس‬
‫العلمي)‪ ،98‬وحممد أمزيان يف كتابه (الذكاءات املتعددة وتطوير الكفايات‪ ...)99‬ويف هذا السياق‪،‬‬
‫يقول أمحد أوزي‪ ":‬إن نظرية الذكا ات املتعددة أحدثت منذ ظهورها وتطبيقها يف العديد من األنظمة‬
‫الرتبوية تغيريا كبريا حبب املدرسة إىل املتعلمني‪ ،‬وجعلتهم حيققون ذواهتم خالل ممارسة خمتلف األنشطة‬
‫اليت تتفق واهتماماهتم وأساليب تعليمهم وتعلمهم‪ ،‬مما جعل هذه النظرية تعرف انتشارا كبريا‪ ،‬وتغدو‬
‫م فاهيمها مدرجة يف الربامج واملناهج التعليمية املتطورة‪ ،‬خالل وضعها وختطيطها ملختلف األنشطة‬
‫التعليمية يف كل املستويات‪ .‬واحلقيقة أن املغرب كان سباقا يف العامل العريب إىل التعرف على هذه‬
‫‪94‬‬
‫‪- Thomas Armstrong: les intelligences multiples dans votre classe, traduit de‬‬
‫‪l’américain par: Jean Blaquière, Chenelière, Montréal, 1999.‬‬
‫‪95‬‬
‫‪- Bruce Campbell, les intelligences multiples: Guide pratique, traduit par: Danièle‬‬
‫‪Bellchumeur, Chenelière, Montréal, 1999.‬‬
‫‪ -96‬أمحد أوزي‪ :‬التعليم والتعلم مبقاربة الذكاءات املتعددة‪ ،‬الشركة املغربية للطباعة والنشر‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‪3111‬م‪314 ،‬‬
‫من الصفحات‪.‬‬
‫‪ -97‬عبد الواحد أوالد الفقيهى‪(:‬نظرية الذكا ات املتعددة من التأسيس العلمي إىل التوظيف البيداغوجى) جملة علوم الرتبية‪ ،‬املغرب ‪ ،‬اجمللد‬
‫الثالث ‪ ،‬العدد الراب والعشرون‪5001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -98‬عبد الواحد أوالد الفقيهي‪ :‬الذكاءات املتعددة‪ :‬التأسيس العلمي‪ ،‬منشورات جملة علوم الرتبية‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة بالدار البيضا ‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪5035‬م‬
‫‪ -99‬حممد أمزيان‪ :‬الذكاءات املتعددة وتطوير الكفايات ‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة ‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5004‬م‪.‬‬
‫‪148‬‬
‫املقاربة البيداغوجية املتطورة خالل قيامنا بتنشيط ورشات تطوير أساليب وجتويد أدا العمل املهين‬
‫لنسا ورجال الرتبية والتعليم يف بع منماطق املغرب منذ التسعينيات من القرن املاضي‪ ،‬ومنذ ذلك‬
‫الوقت سعينا إىل إدخال هذه املقاربة إىل جمال البحث العلمي األكادميي ليتعرف عليها طالب‬
‫‪100‬‬
‫الدراسات العليا بكلية علوم الرتبية جبامعة حممد اخلامس‪ ،‬ويستفيدون من نتائجها القيمة‪".‬‬

‫بيد أن هناك دراسات عربية سابقة ظهرت يف الشرق يف سنوات الثمانني من القرن املاضي قد تبنت‬
‫نظرية الذكا ات املتعددة‪ ،‬مثل‪ :‬دراسة (العالقة بني الذكاءات املتعددة لدى الطلبة املعاقني مسعيا‬
‫ومتغريات درجة اإلعاقة واجلنس والعمر) لسامل سليمان محد اجلعافرة‪ .101‬ومن الدراسات العربية‬
‫األخرى اليت تنصب يف هذا االهتمام نذكر ما كتبه جابر عبد احلميد جابر يف كتابه‪( :‬الذكاءات‬
‫املتعددة والفهم‪ :‬تنمية وتعميق)‪ ،102‬وما كتبه أيضا حممد عبد اهلادي حسني يف كثري من مؤلفاته اليت‬
‫طورت نظرية الذكا ات املتعددة‪ ،‬مثل‪( :‬مدرسة الذكاءات املتعددة) ‪ ،103‬و(مدخل إىل نظرية‬
‫الذكاءات املتعددة) ‪ ،104‬و(الذكاءات املتعددة وتنمية املوهبة)‪ ،105‬و(الذكاءات املتعددة‪ :‬أنواع‬
‫العقول البشرية)‪ ،106‬و(ديناميكية التكيف العصىب وقوة الذكاءات املتعددة)‪ ،107‬و(التفكري‬
‫اإلبداعى ىف ضوء نظرية الذكاء املتعلم‪ ،)108‬و(دليلك العملي اىل قوة سيناريوهات دروس‬

‫‪ -100‬أمحد أوزي‪( :‬تقدمي)‪ ،‬الذكاءات املتعددة‪ :‬التأسيس العلمي‪ ،‬لعبد الواحد أوالد الفقيهي‪ ،‬منشورات جملة علوم الرتبية‪ ،‬مطبعة النجاح‬
‫اجلديدة بالدار البيضا ‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5035‬م‪ ،‬ص‪.2:‬‬
‫‪ -101‬سامل سليمان محد اجلعافرة‪ :‬العالقة بني الذكاءات املتعددة لدى الطلبة املعاقني مسعيا ومتغريات درجة اإلعاقة واجلنس والعمر‪ ،‬اجلامعة‬
‫االردنية‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪3121‬م‪.‬‬
‫‪ -102‬جابر عبد احلميد جابر‪ :‬الذكاءات املتعددة والفهم‪ :‬تنمية وتعميق‪ ،‬دار الفكر العرىب للطباعة والنشر‪5001‬م‪.‬‬
‫‪ -103‬حممد عبد اهلادي حسني‪ :‬مدرسة الذكاءات املتعددة‪ ،‬دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزي ‪ 200, 2005 -‬من الصفحات‪.‬‬
‫‪ -104‬حممد عبد اهلادي حسني‪ :‬مدخل إىل نظرية الذكاءات املتعددة‪ ،‬دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزي‪ ،‬الطبعة األوىل ‪5002‬م‪.‬‬
‫‪ -105‬حممد عبد اهلادي حسني‪ :‬الذكاءات املتعددة وتنمية املوهبة‪ ،‬دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزي ‪5002‬م‪ 215 ،‬من‬
‫الصفحات‪.‬‬
‫‪ -106‬حممد عبد اهلادي حسني‪ :‬الذكاءات املتعددة‪ :‬أنواع العقول البشرية‪ ،‬دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزي ‪5000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -107‬حممد عبد اهلادي حسني‪ :‬ديناميكية التكيف العصيب وقة الذكاءات املتعددة‪ ،‬دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزي ‪. 2008‬‬
‫‪ -108‬حممد عبد اهلادي حسني‪ :‬التفكري االبداعى ىف ضوء نظرية الذكاء املتعلم‪ ،‬دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزي ‪5002‬م‪.‬‬
‫‪149‬‬
‫الذكاءات املتعددة)‪ ،109‬و(إيقاظ العبقرية داخل فصولنا الدراسية)‪ ،110‬و(الذكاءات املتعددة‪:‬‬
‫مراجعات وامتحانات)‪ ،111‬و(االكتشاف املبكر لقدرات الذكاءات املتعددة مبرحلة الطفولة)‪،112‬‬
‫و(مباردة الذكاءات املتعددة وجمتمع التعلم الذكى)‪ .113‬ونستحضر أيضا ما كتبه كل من وليد حممد‬
‫أبو املعاطي يف كتابه (الذكاء املعريف واالنفعايل واالجتماعي وأساليب التعلم) ‪ ،114‬ومحدان ممدوح‬
‫إبراهيم الشامي يف كتابه (أثر برنامج تعليمى قائم على نظرية الذكاءات املتعددة ىف حتصيل‬
‫الرياضيات لدى تالميذ احللقة الثانية من التعليم األساسى املنخفضني حتصيليا)‪ ،115‬وبدر حممد‬
‫العدل يف كتابه(فعالية برنامج قائم على نظرية الذكاءات املتعددة)‪ ،116‬وأمحد السيد علي يف كتابه‬
‫( نظرية الذكاءات املتعددة وتطبيقاهتا يف جماالت صعوبات التعلم (رؤية مستقبلية))‪...117‬‬

‫‪ -109‬حممد عبد اهلادي حسني‪ :‬دليلك العملى اىل قوة سيناريوهات دروس الذكاءات املتعددة‪ ،‬دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزي ‪.‬‬
‫‪.2008‬‬
‫‪ -110‬حممد عبد اهلادي حسني‪ :‬إيقاظ العبقرية داخل فصولنا الدراسية‪ ،‬د ار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزي ‪. 2008.‬‬
‫‪ -111‬حممد عبد اهلادي حسني‪ :‬الذكاءات املتعددة‪ :‬مراجعات وامتحانات‪ ،‬دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزي ‪. 2008.‬‬
‫‪ -112‬حممد عبد اهلادي حسني‪ :‬االكتشاف املبكر لقدرات الذكاءات املتعددة مبرحلة الطفولة‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزي ‪5002‬م‪،‬‬
‫‪ 412‬من الصفحات‪.‬‬
‫‪ -113‬حممد عبد اهلادي حسني‪ :‬مبادرة الذكاءات املتعددة وجمتمع التعلم الذكى‪،‬دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزي ‪5002،‬م‪.‬‬
‫‪ -114‬وليد حممد أبو املعاطي‪:‬الذكاء املعريف واالنفعايل واالجتماعي واساليب التعلم‪ ،‬جامعة املنصورة كلية الرتبية‪5002‬م‪ 512 ،‬من‬
‫الصفحات‪.‬‬
‫‪ -115‬محدان ممدوح إبراهيم الشامي‪ :‬أثر برنامج تعليمى قائم على نظرية الذكاءات املتعددة ىف حتصيل الرياضيات لدى تالميذ احللقة الثانية‬
‫من التعليم األساسى املنخفضني حتصيليا‪ ،‬جامعة القاهرة ‪ -‬كلية الرتبية‪. 2007.‬‬
‫‪ -116‬بدر حممد العدل‪ :‬فعالية برنامج قائم على نظرية الذكاءات املتعددة‪ ،‬جامعة املنصورة‪ ،‬مصر‪ ،‬كلية الرتبية‪5002‬م‪ 510 ،‬من‬
‫الصفحات‪.‬‬
‫‪ -117‬السيد علي أمحد‪ :‬نظرية الذكاءات املتعددة وتطبيقاهتا يف جماالت صعوبات التعلم (رؤية مستقبلية)‪ ،‬جامعة امللك سعود‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫‪5002‬م‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬توظيف نظرية الذكاءات املتعددة يف املدرسة‬

‫من املعلوم أن لنظرية الذكا ات املتعددة جمموعة من األهداف الرتبوية والديدكتيكية اليت ميكن حتقيقها‪.‬‬
‫وميكن حصرها يف األهداف التالية‪:‬‬

‫‪ ‬تؤمن النظرية بتعدد الذكا ات لدى املتعلم؛ إذ ميكن احلديث عن الذكا اللغوي‪ ،‬والذكا الرياضي‬
‫املنطقي‪ ،‬والذكا الطبيعي‪ ،‬والذكا التفاعلي‪ ،‬والذكا الذايت‪ ،‬والذكا الوجودي‪ ،‬والذكا املوسيقي‪،‬‬
‫والذكا اجلسمي احلركي‪ ،‬والذكا الفضائي البصري‪...‬؛‬

‫‪ ‬تساهم هذه النظرية يف حل املشاكل املتعلقة بالفوارق الفردية؛‬

‫‪ ‬تسعى إىل تنمية العبقرية واملوهبة وقدرات اإلنتاج واالبتكار واإلبداع؛‬

‫‪ ‬تكشف مواطن الضعف والقوة عند املتعلم‪ ،‬وخاصة أهنا تعاجل مواطن التعثر وصعوبات التعلم‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬إذا كانت نظريات الذكا التقليدية تركز على مواطن الضعف لدى املتعلم‪ ،‬فإن نظرية‬
‫الذكا ات املتعددة هتتم مباهو إجيايب لدى املتعلم‪ ،‬وتستكشف مالديه من قدرات ذكائية أخرى؛‬

‫‪ ‬تطوير الطرائق البيداغوجية والديدكتيكية؛‬

‫‪ ‬تنمية القدرات الذكائية‪ ،‬وتطوير املهارات الكفائية لدى املتعلم من أجل حل املشكالت‪ ،‬والعمل‬
‫على االبتكار واإلنتاج واإلبداع؛‬

‫‪ ‬استثمار القدرات الذكائية لدى املتعلمني يف تعليمهم األكادميي من خالل أنشطة تعليمية يف‬
‫جماالت هذه الذكا ات؛‬

‫‪ ‬صالحية النظرية لتمثلها يف برامج التدريس لألطفال العاديني وذوي االحتياجات اخلاصة؛‬

‫‪151‬‬
‫‪ ‬الرتكيز على األنشطة املختلفة للذكا ات املتعددة لكي يستفيد كل طفل من النشاط الذي يوافق‬
‫ذكا اته؛‬

‫‪ ‬تسمح هذه النظرية لكل متعلم على حدة بتحقيق ذاته‪ ،‬والتميز باجلوانب اليت ينفرد هبا‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فليست" نظرية الذكا ات املتعددة – حسب هوارد غاردنر‪ -‬غاية يف ذاهتا‪ ،‬بل هي أداة‬
‫للمدرسني املتبصرين الذين يسعون إىل تطوير قدرات معينة لدى تالمذهتم‪ .‬مثال‪ :‬إذا كنا نبتغي أن‬
‫يكون األطفال متخلقني فيما بينهم‪ ،‬سنحتاج إىل تنمية ذكائهم الشخصي‪ .‬باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬طبعا‪،‬‬
‫متكن هذه النظرية من حتسني تقدمي املواد الدراسية‪ ،‬مثال‪ :‬إذا كان على كل تلميذ أن يتلقى مادة‬
‫التاريخ أو اجلغرافية‪ ،‬فليس هناك أي مربر كي يتعلم كل واحد هذه املواد بالطريقة نفسها أو خيض‬
‫نفسه‪.‬‬ ‫للتقييم‬
‫لقد مكن مشروع الطيف من تعيني جوانب التفوق املتميزة لدى العديد من األطفال‪ ،‬وكان من املمكن‬
‫أن تبقى جمهولة بدون ذلك؛ فأثنا القيام بإحدى التحريات م فريقي يف البحث صادفنا طفال يف‬
‫السادسة من عمره‪ ،‬ينحدر من أسرة مفككة‪ ،‬ويواجه خطرا كبريا ناجتا عن الفشل الدراسي‪ ،‬وحبكم أن‬
‫نتائجه مل تتغري خالل حصص التحضريي‪ ،‬فقد قررت مدرسته إجباره على التكرار بعد شهرين من‬
‫حضوره داخل فصلها‪ .‬وم ذلك‪ ،‬فقد كان الطفل ناجحا بشكل يفوق اآلخرين يف فك تركيب مواد‬
‫مستعملة وإعادهتا‪ .‬ب عد تصويره‪ ،‬وهو يقوم بأنشطة عرضت سلسلة اللقطات املصورة على معلمته‪،‬‬
‫وكم كان ذهول هذه األخرية كبريا جرا ما رأت! إىل درجة أهنا مل تذق راحة النوم ملدة ثالث ليال‪.‬‬
‫منذ تلك اللحظة غريت بشكل جذري نظرهتا حول الطفل‪ ،‬وبدأت النتائج املدرسية هلذا األخري‬
‫تتحسن بشكل ملموس"‪.118‬‬

‫‪ -118‬هاوارد غاردنر‪ :‬احلوار نفسه‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فنظرية الذكا ات املتعددة طريقة إبداعية تؤمن بالتنشيط املدرسي واحلياة املدرسية السعيدة‪،‬‬
‫وتعرتف بالفوارق الفردية بني املتعلمني‪ ،‬وتكشف نوع الذكا لدى املتعلم‪ ،‬وتتسم طرائقها الديدكتيكية‬
‫بالفاعلية واملعىن والتشويق‪ ،‬مادامت تسعى إىل تعزيز النمو اإلدراكي لدى املتعلم‪ ،‬واالنطالق من‬
‫فلسفة التنشيط‪ ،‬واالستفادة من آخر البحوث اليت أجريت على الدماغ اإلنساين‪ ،‬والعمل على تصنيف‬
‫القدرات الدماغية اليت ختتلف من شخص إىل آخر‪ ،‬وهي مستقلة عن بعضها البع ‪ .‬ويضاف إىل‬
‫ذلك أن نظرية الذكا ات املتعددة‪ ،‬مادامت تعرتف مبوهبة املتعلمني وعبقريتهم يف العطا واإلنتاج‪،‬‬
‫وتراعي ميوهلم‪ ،‬تقلل من اهلدر املدرسي‪ ،‬وختفف من العنف والشغب والفوضى والالمباالة لدى‬
‫املتعلم‪ ،‬وتساهم يف خلق املتعلم املفكر‪ ،‬وتصنف املتعلمني حسب احتياجاهتم العلمية واملعرفية‬
‫والنفسية‪.‬‬

‫وقد بلور أمحد أوزي جمموعة من اآلليات الديدكتيكية واملنهجية يف التعامل م الذكا ات املتعددة على‬
‫الشكل التايل‪ :‬ما أهداف الدرس؟ وما الوسائل الالزمة إلبالغه على أفضل وجه؟ وما الكفا ات‬
‫الذهنية املوجودة لدى املتعلمني الذين يوجه إليهم الدرس؟ وكيف ميكن تقدمي الدرس بكيفيات خمتلفة‬
‫م مراعاة الذكا ات املتعددة؟ وكيف ميكن توضيح الغايات وحصيلة املتعلم يف كل درس للتأكد من‬
‫مسامهة كل درس بكيفية مباشرة يف حتقيق الغاية املنشودة؟‬

‫وعالوة على ذلك‪ ،‬يقرتح أمحد أوزي جمموعة من املداخل املنهجية لتطبيق نظرية الذكا ات املتعددة يف‬
‫املدرسة‪ ،‬حيث ينبغي‪ ،‬عند إعداد الدرس‪ ،‬إدخال ما هو ممكن من الذكا ات حبسب ما حيتمل‬
‫الدرس‪ ،‬واستحضار ذكا ات املتعلمني عند حتضري الدروس‪ .‬وقبل تصميم الدرس‪ ،‬ينبغي التفكري يف‬
‫احملتوى املوجود يف الدرس أو الوحدة لكي يتسىن انتقا الذكا ات املناسبة إلدخاهلا ديدكتيكيا‪ .‬وينبغي‬
‫دوماً األخذ بعني االعتبار الطرائق اليت يتعلم هبا التالميذ‪ ،‬ويرتاحون هلا‪ .‬وينبغي التعاون م املعلمني‬
‫يف حتضري الدروس‪ ،‬ومناقشة اآلرا ‪ .‬وليس مهماً إدخال كل الذكا ات يف أي درس أو وحدة‪ ،‬فقد يتم‬

‫‪153‬‬
‫أحياناً االكتفا بإدراج ثالثة ذكا ات أو أربعة‪ ،‬وإذا مل حيتمل هذا الدرس يراعى ذلك يف الدرس‬
‫القادم‪.119‬‬

‫ومن املعلوم أن نظرية الذكا ات املتعددة ليس هدفها الرئيس هو اكتشاف العباقرة داخل الفضا‬
‫الرتبوي‪ ،‬بل هو تبيان مواطن الضعف والقوة لدى املتعلم فحسب‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول غاردنر‪":‬‬
‫ليس هناك أبدا ارتباط مباشر بني نظرية علمية وبرنامج تعليمي‪ ،‬فكل نظرية علمية حول الذهن‬
‫اإلنساين تقرتح العديد من التطبيقات الرتبوية املمكنة‪ ،‬والتجربة وحدها ميكن أن تدل على نوع‬
‫التطبيقات اليت يكون هلا معىن أو تلك اليت ال معىن هلا‪ .‬وحىت أجيب بشكل دقيق عن السؤال‪ ،‬ال‬
‫أعتقد أنه ينبغي تركيز االهتمام على جمال خاص من القوة لدى الطفل‪ .‬يف الواق ‪ ،‬إن مسعاي ليس‬
‫على اإلطالق حتويل األطفال إىل عباقرة يف اجملال الذي يتفوقون فيه‪ ،‬بل ينبغي فقط اكتشاف ما هي‬
‫جماالت القوة والضعف لديهم‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬تبقى لكل واحد‪ ،‬انطالقا من تقييمه اخلاص‪ ،‬احلرية يف أن‬
‫يقرر ما إذا كان يفضل االهتمام أكثر جبوانب القوة أو جبوانب الضعف للطفل‪ ،‬أو يفضل جتاهل‬
‫النتائج ‪ .‬وباملقابل‪ ،‬ليس هناك أي مربر لالعتقاد بأن الشخص الذي يبدو ضعيف الذكا يف حلظة ما‬
‫ال ميكن أن يصبح متفوقا‪ ،‬بل إن مالحظة قصور يف ذكا ما من شأنه أن يدف هذا الشخص كي‬
‫يتصرف حبماس من أجل تطوير ذلك الذكا ‪ ،‬فهناك العديد من األشخاص عوضوا نواقصهم الظاهرية‬
‫بالعمل اجلاد‪ ،‬بل وأحرزوا أحيانا تفوقا يف تلك اجملاالت‪ .‬وأكثر من ذلك‪ ،‬ميكنين أن أقدم مثاال‬
‫شخصيا‪ :‬فأنا دالتوين] مصاب بعمى لوين حيول دون التمييز بني األمحر واألخضر]‪ ،‬ولدي رؤية‬
‫جمسادية ‪ Stréoscopique‬ناقصة‪ ،‬وأحتاج إىل عدسات قوية مقومة‪ ،‬وم ذلك اخرتت أن أكرس‬
‫أطروحيت للدكتوراه حول الفنون البصرية‪ ،‬وقضيت وقتا طويال يف الكتابة عن العامل البصري‪.‬‬
‫هكذا يبدو أن نظرية الذكا ات املتعددة ليست هي القائمة على احلتمية‪ ،‬بل‪ ،‬باألحرى‪ ،‬أن األفراد‪،‬‬

‫‪ -119‬أمحد أوزي‪ :‬التعليم والتعلم مبقاربة الذكاءات املتعددة‪ ،‬ص‪.22-27:‬‬


‫‪154‬‬
‫ذلك القصور‪ ،‬يعتربون ذلك عالمة‬ ‫الذين يالحظون قصورا عاديا لديهم‪ ،‬عوض أن يقوموا بتعوي‬
‫تدفعهم إىل التنازل عن مكامن تفوقهم وإمهاهلا‪".120‬‬

‫وما أحوج مدارسنا العربية اليوم إىل تطبيق نظرية الذكا ات املتعددة إلصالح منظوماتنا الرتبوية القائمة‬
‫على تنمية الذكا الواحد! فقد آن األوان للبحث عن الذكا ات األخرى لدى املتعلم يف ضو فلسفة‬
‫إبداعية تنشيطية متعددة املقاربات‪.‬‬

‫املطلب السادس‪ :‬تقومي نظرية الذكاءات املتعددة‬

‫تعد نظرية الذكا ات املتعددة فلسفة سيكوبيداغوجية جديدة‪ ،‬تؤمن بالتنشيط الفعال‪ ،‬وخلق املواهب‬
‫واملبادرات والعبقريات املختلفة واملتنوعة‪ .‬وتساعد املتعلمني على التعلم الذايت‪ ،‬واستغالل قدراهتم‬
‫الذكائية يف جماالت متنوعة‪ .‬وتسعى هذه النظرية أيضا إىل إعادة الثقة يف املتعلم يف خمتلف الثقافات‬
‫األخرى اليت تتعارض م الثقافة الغربية املركزية؛ ألن الذكا الرياضي املنطقي ليس هو الذكا الوحيد‬
‫الذي حيقق النجاح يف احلياة‪ .‬فثمة ذكا ات أخرى مبدعة تؤمن املستقبل للمتعلم‪ .‬كما تتميز نظرية‬
‫الذكا ات املتعددة بأهنا عبارة عن آليات ديدكتيكية وبيداغوجية فعالة‪ ،‬تساهم يف تنشيط الدروس‪،‬‬
‫وحتويلها إىل مهارات وقدرات كفائية إجرائية‪ ،‬تعمل على متهري املتعلم‪ ،‬وجعله أمام وضعيات معقدة‬
‫ملواجهتها أوالتأقلم معها‪ .‬كما أهنا نظرية صاحلة ملعاجلة التعثر الدراسي‪ ،‬وحماربة العنف والشغب داخل‬
‫الفضا ات الرتبوية التعليمية‪ ،‬والقضا على التسرب واهلدر والفشل الدراسي‪ ،‬ومعاجلات الكثري من‬
‫معوقات التعلم لدى املتعلمني العاديني‪ ،‬أو من ذوي احلاجيات اخلاصة‪ .‬وأهم ميزة تتسم هبا النظرية‬
‫أهنا تنبين على فلسفة التشجي والتحفيز وغرس الدافعية يف نفسية املتعلم‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬تستند إىل‬
‫الطرائق البيدا غوجية الفعالة اليت تشوق املعلم واملتعلم على حد سوا ‪ ،‬وتعمل على تقوية الطالب‬
‫واملتعلم معا‪...‬‬

‫‪ -120‬هاوارد غاردنر‪ :‬احلوار نفسه‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫وقد جنحت نظرية الذكا ات املتعددة بشكل جيد يف جمال الرتبية والديدكتيك‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬يقول‬
‫غاردنر‪ ":‬إن نظرييت (حول الذكا ات املتعددة) تؤثر بشكل كبري يف املمارسة الرتبوية؛ ألهنا تتفق م‬
‫املالحظة اجلماعية للمدرسني واآلبا ‪ ،‬واليت تكشف عن وجود اختالفات بني األطفال على الصعيد‬
‫املعريف‪ .‬فكلنا يتوفر على عناصر تفوق وجوانب قصور متفاوتة يف خمتلف اجملاالت العقلية‪ ،‬لكن معظم‬
‫اجلهود يف جمال الرتبية ال تعرتف بوجود تلك الفوارق‪ ،‬وتشج منط التفكري القائم على اللغة واملنطق‪،‬‬
‫من ذلك‪،‬‬ ‫وتلك بالضبط هي حالة التفكري الديكاريت‪/‬املنهجي العقالين يف فرنسا‪ .‬وعلى النقي‬
‫تنطلق مقاربيت من اجلانبيات العقلية املختلفة‪ .‬لذلك‪ ،‬أقرتح أن تأخذ الرتبية بعني االعتبار هذه الفوارق‬
‫إلجناز تعليم بأعلى مستوى من الفعالية‪ .‬فإذا أردنا توجيه التعليم إىل كل األطفال‪ ،‬وليس فقط حصره‬
‫على أولئك الذين يتوفرون على استعدادات منطقية ولغوية‪ ،‬ينبغي األخذ بعني االعتبار االكتشافات‬
‫اليت توصلت إليها نظرية الذكا ات املتعددة‪.‬‬

‫وأخريا‪ ،‬مل يكن للباحثني يف حقل الرتبية موقف نقدي خاص جتاه النظرية‪ ،‬بل إن بعضهم سعى فعال‬
‫إىل تطويرها‪ .‬كان ذلك هو هدف جمموعة من طلبيت املرموقني‪ ،‬أمثال ‪-Tom Hatch – Mara‬‬
‫‪ ،Krechevsky – Mindy Kornhaber – Bruce Torff‬وغريهم‪"..121‬‬

‫ومثة انتقادات موجهة إىل هذه النظرية؛ إذ يشري غاردنر إىل بعضها فيقول‪ ":‬معظم علما النفس‪،‬‬
‫خاصة احملسوبني على القياس النفسي‪ ،‬عارضوا هذه النظرية‪ .‬وميكن فهم موقفهم بسهولة ما دامت‬
‫نظرية الذكا ات املتعددة هتدد موارد عيشهم‪ ،‬بل ومربر وجودهم‪ .‬لكن مقابل ذلك هناك علما‬
‫متخصصون‪ .‬كالبيولوجيني مثال‪ ،‬وجدوا يف النظرية ما يكفي من األمهية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬كانت‬
‫لنظرية الذكا ات املتعددة أصدا قوية داخل الوسط التعليمي األمريكي‪ ،‬فأثنا العقد األخري مل حيتل‬
‫سوى عدد حمدود من األفكار الرتبوية نفس قيمة هذه النظرية بالواليات املتحدة‪ .‬ولكن ذلك ال يعين‬

‫‪ -121‬هاوارد غاردنر‪ :‬احلوار نفسه‪.‬‬


‫‪156‬‬
‫تأييدا هلا بالضرورة‪ ،‬فهناك الكثري من التطبيقات تبقى سطحية‪ ،‬كما أن جز ا من هذا التأييد كان يف‬
‫الواق جمرد تقليعة‪".122‬‬

‫ومن االنتقادات األخرى هلذه النظرية انعدام االختبارات واالمتحانات امللموسة للتأكد من مدى جناعة‬
‫هذه النظرية واقعا وممارسة كما عند علما الذكا الكالسيكيني‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬مهما دافعنا عن‬
‫الذكا ات األخرى‪ ،‬فيبقى الذكا الرياضي املنطقي أس الذكا ات املوجودة‪ .‬فهو مرتكز التفوق والتمدن‬
‫والتحضر‪ ،‬مادام هذا الذكا احلسايب آلة يف خدمة اإلنتاج واالقتصاد والتصني واالبتكار‪ ،‬وتطوير‬
‫بنيات اجملتم الغريب احلديث‪ ،‬فكيف ميكن مقارنته بالذكا اللغوي أو املوسيقي أو الفلسفي؟ وميكن‬
‫احلديث أيضا عن ذكا عاشر‪ ،‬ميكن تسميته اليوم بالذكا الرقمي أو اإلعالمي الذي ميتلكه متعلمونا‬
‫بشكل الفت لالنتباه‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬هل ميكن أن تنجح نظرية الذكا ات املتعددة يف مدارسنا‬
‫العربية اليت تغيب فيها املوارد املادية واملالية والبشرية‪ ،‬وتقل فيها السياسات التعليمية اهلادفة‪ ،‬وهتمش‬
‫فيها الكفا ات احلقيقية؟!‬

‫وخالصة القول‪ :‬تعد نظرية الذكا ات املتعددة من أهم النظريات السيكوبيداغوجية اليت استطاعت‬
‫حتقيق قطيعة معرفية م النظريات الرتبوية السابقة؛ ألهنا تنبين على اإلنتاج‪ ،‬واالبتكار‪ ،‬واإلبداعية‪،‬‬
‫ومتثل فلسفة التنشيط‪ ،‬وخلق املواهب واملبادرات والعبقريات‪ ،‬واستكشاف ذكا ات املتعلمني‪،‬‬
‫واستثمارها يف األنشطة والتمارين الكفائية اليت تزود املتعلم باملهارات والقدرات حلل املشاكل‪ ،‬وإجياد‬
‫مشكالت أخرى‪ ،‬وإنتاج قيم وأفكار وخدمات جديدة حداثية وأصيلة‪ .‬وماتزال نظرية الذكا ات‬
‫املتعددة قابلة للتطوير والتغيري واإلثرا كما يقول صاحبها هوارد غاردنر‪ ":‬أمتىن تطوير النظرية يف‬
‫اجتاهات خمتلفة‪ .‬لكن ما يهمين بشكل أساسي أن نفهم كيف ميكن لطفل استعمال ذكائه أو ذكا اته‬
‫هبدف التحكم اجليد يف املواد الدراسية‪ ،‬وجيد له مكانة داخل اجملتم وتطويرها‪ ..‬عالوة على ذلك‬
‫أتوخى مستقبال اكتشاف ذكا ات أخرى‪ ،‬وفهم الكيفية اليت تشتغل هبا‪ .‬وأريد بطبيعة احلال أن أعرف‬

‫‪ -122‬هاوارد غاردنر‪ :‬احلوار نفسه‪.‬‬


‫‪157‬‬
‫بشكل جيد كيف يتم التعبري عن الذكا نفسه داخل خمتلف األوساط الثقافية‪ .‬وأود كذلك معرفة‬
‫كيف تتمكن الذكا ات املتعددة من االشتغال بيسر وسهولة‪ ،‬وكيف ميكن تنميتها منفصلة عن‬
‫بعضها‪ ،‬ويف ا رتباط بعضها البع ‪ ،‬وكذا استكشاف العالقات املوجودة بني الذكا ات واالبتكار‬
‫والقيادة‪.‬‬

‫أما بالنسبة إىل الطرق املسدودة اليت ينبغي جتنبها‪ ،‬أرى واحدة هي أمهها‪ :‬ال ينبغي السعي من‬
‫أجل املقارنة بني اجملموعات مبصطلحات الذكا (كاملقارنة بني الرجال والنسا أو بني اجملموعات‬
‫العرقية‪ ،‬إخل‪ )..‬نظرا إىل املخاطر املرتتبة على وقائ حمرفة‪ .‬وكمثال على ذلك‪ ،‬أنه يف اسرتاليا مت وض‬
‫الئحة لكل جمموعة عرقية‪ ،‬من خالل جز من األدوات املدرسية املعتمدة من طرف إحدى الواليات‪.‬‬
‫وداخل كل الئحة مت حتديد الذكا ات اليت تتفوق وتضعف فيها كل جمموعة بدون أي سند علمي‪.‬‬
‫اعتربت ذلك انزالقا‪ ،‬وأعلنت موقفي يف برنامج بالتلفزة األسرتالية‪ .‬ويف اليوم التايل‪ ،‬مباشرة بعد‬
‫‪123‬‬
‫تصرحيي‪ ،‬قام الوزير األول بإلغا هذا "اخللط" الرتبوي الذي يتأسس على الوهم العلمي‪".‬‬

‫تلكم‪-‬إذاً‪ -‬نظرة مقتضبة إىل نظرية الذكا ات املتعددة لدى هوارد غاردنر مفهوما‪ ،‬وتأرخيا‪ ،‬وتنظريا‪،‬‬
‫وتصنيفا‪ ،‬وتطبيقا‪ ،‬وتقوميا‪.‬‬

‫وخالصة القول‪ ،‬يتبني لنا‪ ،‬مما سبق ذكره‪ ،‬أن التعلم هو القدرة على االكتساب واملران والتدريب‪،‬‬
‫والقدرة على حتصيل املعارف واملعلومات والقيم واملهارات‪ .‬وللتعلم عالقة وطيدة بالذكا ‪ ،‬مادام التعلم‬
‫هو نتاج القدرات الذكائية‪ ،‬ونتاج جمموعة من امللكات الفطرية اليت ميتلكها اإلنسان‪ .‬يف حني‪ ،‬يعد‬
‫التعلم نتيجة طبيعية لذلك الذكا ‪ .‬ومن مث‪ ،‬ختتلف نظريات التعلم من مدرسة سيكولوجية إىل أخرى‪.‬‬

‫‪ -123‬هاوارد غاردنر‪ :‬احلوار نفسه‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫ومن مث‪ ،‬فقد حتدثنا عن املدرسة السلوكية‪ ،‬واملدرسة اجلشطلتية‪ ،‬واملدرسة التكوينية‪ ،‬واملدرسة البنائية‬
‫االجتماعية‪ ،‬ونظرية الذكا ات املتعددة‪...‬‬

‫‪159‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬البيداغوجيات املعاصرة‬
‫ميكن احلديث عن جمموعة من البيداغوجيات املعاصرة اليت عرفها املغرب منذ سنوات الثمانني من القرن‬
‫املاضي إىل يومنا هذا‪.‬ومن بني هذه البيداغوجيات الدرس اهلادف‪ ،‬وبيداغوجيا الكفايات‪ ،‬والبيداغوجيا‬
‫اإلبداعية‪ ،‬وبيداغوجيا امللكات‪ .‬وقبل اخلوض يف هذه البيداغوجيات املعاصرة البد من التوقف عند‬
‫املفاهيم األساسية أال وهي‪ :‬البيداغوجيا‪ ،‬والديدكتكيك‪ ،‬والرتبية‪ .‬وبعد ذلك ننتقل إىل استعراض‬ ‫بع‬
‫خمتلف الطرائق الرتبوية املعاصرة على النحو التايل‪:‬‬

‫املبحث األول‪ :‬مفهوم البيداغوجي ــا‬


‫تعين البيداغوجيا (‪ ،)La pédagogie‬يف دالالهتا اللغوية‪ ،‬هتذيب الطفل وتأديبه وتأطريه وتكوينه‬
‫وتربيته‪ .‬وقد تعين الذي يرافق املتعلم إىل املدرسة‪ .‬وتدل أيضا على الرتبية العامة‪ ،‬أو فن التعليم‪ ،‬أو فن‬
‫التأديب‪ ،‬أو نظرية الرتبية اليت تنصب على مجي الطرائق والتطبيقات الرتبوية اليت متارس داخل املؤسسة‬
‫التعليمية‪.‬‬

‫وقد يكون املقصود هبا أيضا ذلك العلم الذي يتناول الرتبية يف أبعادها الفيزيائية والثقافية واألخالقية‪،‬‬
‫أو يدل على جمموعة من العلوم الرتبوية النظرية والتطبيقية‪ ،‬كعلم النفس الرتبوي‪ ،‬وعلم االجتماع‬
‫الرتبوي‪ ،‬وعلم التخطيط الرتبوي‪ ،‬وعلم االقتصاد الرتبوي‪ ،‬وعلم اإلحصا الرتبوي‪ ،‬وعلم مناهج‬
‫البحث‪ ،‬والسياسة الرتبوية‪ ،‬وفلسفة الرتبية‪ ،‬والديدكتيك‪...‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فكلمة البيداغوجيا " إغريقية األصل‪ ،‬وكانت تدل على العبد الذي يرافق الطفل يف تنقالته‪،‬‬
‫وخباصة من البيت إىل املدرسة‪ .‬ولقد تطور استعمال الكلمة‪ ،‬وأصبح يدل على املريب‬

‫‪160‬‬
‫(‪ .)Pédagogue‬والبيداغوجيا هي مجلة األنشطة التعليمية‪ -‬التعلمية اليت تتم ممارستها من قبل‬
‫املعلمني واملتعلمني‪".124‬‬

‫وأكثر من هذا فالبيداغوجيا نظري ة تربوية علمية عامة‪ ،‬ذات بعد نظري وتطبيقي وتوجيهي‪ ،‬هلا عالقة‬
‫وثيقة باملدرس واملتعلم‪ ،‬بل تنفتح على اإلدارة واألسرة واحمليط اخلارجي الذي يؤثر يف املدرسة‪ .‬وقد‬
‫تعين البيداغوجيا تلك النظرية الرتبوية اليت هتتم باملتعلم يف خمتلف جوانبه السلوكية والتعلمية والتثقيفية‪،‬‬
‫وتقدم جمموعة من النظريات اليت تسعف املتعلم يف تعلمه وتكوينه وتأطريه‪ .‬ومن مث‪ ،‬فالبيداغوجيا‬
‫متعددة االختصاصات‪ .‬كما تنفتح على علوم عدة‪ ،‬مثل‪ :‬علم النفس‪ ،‬وعلم االجتماع‪ ،‬والبيولوجيا‪،‬‬
‫والدميوغرافيا‪ ،‬واإلحصا ‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬والسياسة‪ ،‬وعلم التخطيط‪ ،‬وعلم التوجيه‪،‬‬
‫واللسانيات‪ ،‬والسيميوطيقا‪ ،‬وعلم التدبري‪ ،‬وعلم اإلدارة‪ ،‬وعلم اإلعالم‪...‬‬

‫هذا‪ ،‬وتنبين البيداغوجيا على ثالثة عناصر رئيسية هي‪ :‬املعلم‪ ،‬واملتعلم‪ ،‬واملعرفة‪ .‬أي‪ :‬إن املعلم هو‬
‫الذي ينقل املعرفة إىل املتعلم عرب املضامني واحملتويات‪ ،‬والطرائق البيداغوجية‪ ،‬والوسائل الديدكتيكية‪...‬‬

‫ويعين هذا أن مثة مرتكزات تربوية ثالثة‪ :‬املعلم‪ ،‬واملتعلم‪ ،‬واملعرفة‪ .‬فاملعلم هو الذي يقوم مبهمة تكوين‬
‫املتعلم‪ ،‬ضمن عالقة بيداغوجية‪ .‬وما يعلمه املعلم من معارف وأفكار وحمتويات ومضامني وخربات‬
‫وجتارب يدخل ذلك ضمن عالقة ديدكتيكية‪ .‬أما ما حيصله املتعلم من معارف ومعلومات يدخل‬
‫ضمن عالقات التعلم‪ .‬واجلام بني املرتكزات الثالثة يسمى بالفضا البيداغوجي‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يتضمن‬
‫هذا الفضا الرتبوي ثالث عالقات أساسية هي‪ :‬العالقة الديدكتيكية (املعلم‪ ‬التعليم‪ ‬املعرفة)‪،‬‬
‫والعالقة البيداغوجية (املعلم‪ ‬التكوين ‪‬املتعلم)‪ ،‬وعالقة التعلم(املتعلم‪ ‬التعلم ‪‬املعرفة)‬

‫‪ -124‬أمحد أوزي‪ :‬املعجم املوسوعي لعلوم الرتبية‪ ،‬دار النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5002‬م‪ ،‬ص‪.320:‬‬
‫‪161‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬مفه ــوم الديدكتي ــك‬
‫إذا كانت البيداغوجيا ختصصا نظريا عاما‪ ،‬يتحكم يف العالقة اليت تكون بني املعلم واملتعلم‪ ،‬فإن‬
‫الديدكتيك (‪ ) La didactique‬هو ختصص عملي تطبيقي يتعلق بتدريس مادة معينة‪ ،‬إذ نقول‪:‬‬
‫ديدكتيك العربية‪ ،‬وديدكتيك الفرنسية‪ ،‬وديدكتيك الرياضيات‪ ،‬وديدكتيك العلوم‪ ....‬ويعين هذا إذا‬
‫كانت البيداغوجيا مرتبطة باملتعلم ونظريات التعلم‪ ،‬فإن الديدكتيك هلا حيز ضيق‪ ،‬يتعلق مبجال‬
‫دراسي معني‪ ،‬أو ما ميكن تسميته كذلك بالرتبية اخلاصة‪.‬‬

‫وللتمييز بني البيداغوجيا والديدكتيك‪ ،‬فاألوىل عبارة عن نظرية عامة تعىن برتبية الطفل‪ .‬يف حني‪ ،‬هتتم‬
‫الثانية بالتدريس‪ ،‬وتتخذ طابعا تطبيقيا خاصا‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫وإذا كان مصطلح البيداغوجيا قد ظهر قدميا م اليونان‪ ،‬وكان يعين هتذيب الطفل وتأديبه‪ ،‬فإن‬
‫مصطلح الديدكتيك قد ظهر يف منتصف القرن العشرين‪ ،‬و" استخدم مبعىن فن التدريس أو فن التعليم‬
‫(‪.)Art d’enseigner‬هذا هو التعريف الذي قدمه قاموس (‪ )Le Robert‬سنة ‪3122‬‬
‫وقاموس(‪ )Le Littré‬سنة ‪.3120‬وابتدا من هذا التاريخ‪ ،‬أصبح املصطلح لصيقا مبيدان التدريس‪،‬‬
‫دون حتديد دقيق لوظيفته‪.‬وهناك من منظري علوم الرتبية من اعترب هانس إبلي (‪)Hans Aebeli‬‬
‫أول من اقرتح عام ‪ 3123‬م إطارا عمليا ملوضوع الديداكتيك‪ ،‬يف مؤلفه ( ‪La didactique‬‬
‫‪125‬‬
‫‪ ،) psychologie‬حيث نظر إىل الديداكتيك كمجال تطبيقي لنتائج السيكولوجيا التكوينية‪".‬‬

‫نعين بالديدكتيك طريقة التدريس‪ ،‬أو ما يسمى بالعملية التعليمية‪ -‬التعلمية‪ ،‬وجتم هذه العملية بني‬
‫طرفني أساسني مها‪ :‬املعلم واملتعلم‪ .‬ومن مث‪ ،‬تنبين العملية الديدكتيكية على املدخالت‪ ،‬والعمليات‪،‬‬
‫واملخرجات‪ ،‬والتغذية الراجعة‪.‬وقد تكون املدخالت أهدافا أو كفايات أو ملكات أو غريها من‬
‫التصورات الرتبوية اجلديدة املعرتف هبا رمسيا‪ .‬وتستهدف هذه املدخالت تسطري جمموعة من الكفايات‬
‫املزم حتقيقها‪ ،‬يف شكل أهداف إجرائية سلوكية‪ ،‬قبل الدخول يف مسار تعلمي‪ ،‬أو تنفيذ جمزو ة‬
‫دراسية‪ .‬ويتم ذلك بوض امتحان تشخيصي قبلي يف شكل وضعيات إدماجية‪.‬‬

‫ويعين هذا أن العملية التعليمية‪ -‬التعلمية تنطلق من مدخل أساسي يتمثل يف حتديد األهداف‬
‫اإلجرائية أو الكفايات النوعية من أجل التثبت من حتقيقها‪ .‬لذا‪ ،‬البد أن خيتار املدرس احملتويات‬
‫املناسبة‪ ،‬والطرائق البيداغوجية الكفيلة بالتبليغ وتسهيل االكتساب واالستيعاب‪ .‬مث هناك الوسائل‬
‫الديدكتيكية اليت يستعني هبا املدرس لتقدمي درسه وتوضيحه بشكل جيد‪ .‬أما املخرجات‪ ،‬فتقرتن بقياس‬
‫األهداف والقدرات والكفا ات لدى املتعلم على مستوى األدا واملمارسة واإلجناز‪ .‬ويتحقق هذا‬
‫القياس عرب حمطات التقومي التشخيصي واملرحلي والنهائي‪.‬‬

‫‪ -125‬أمحد أوزي‪ :‬املعجم املوسوعي لعلوم الرتبية‪ ، ،‬ص‪.340:‬‬


‫‪163‬‬
‫والميكن احلكم على اهلدف أو الكفاية إال بالتقومي الذي قد يكون تشخيصيا أو قبليا أو تكوينيا أو‬
‫إمجاليا أو إشهاديا أو مستمرا أو إدماجيا‪...‬وبعد ذلك‪ ،‬نلتجئ إىل التغذية الراجعة والدعم واملعاجلة‬
‫الداخلية واخلارجية‪.‬‬

‫ويعين هذا كله أن الديدكتيك‪ ،‬أو الرتبية اخلاصة‪ ،‬تعتمد على األهداف أو الكفايات من ناحية أوىل‪،‬‬
‫واملضامني والطرائق والوسائل الديدكتيكية من ناحية ثانية‪ ،‬والتقومي والفيدباك من ناحية ثالثة‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬مفه ــوم الرتبية‬


‫تعين الرتبية (‪ ،)Education‬يف دالالهتا اللغوية‪ ،‬احلفظ والعناية والرعاية والتنشئة واإلصالح والتنمية‬
‫وهتذيب الطفل وتأديبه وتأطريه وتكوينه وتربيته‪ .‬وأكثر من هذا فالرتبية هلا تاريخ طويل‪ ،‬فهي " عبارة‬
‫عن تراكمات من اخلربات‪ ،‬محلها الكبار‪ ،‬ونقلوها للصغار‪ ،‬وهي بالتايل سلوكات رضي عنها اجلماعة‪،‬‬
‫ورضيت هبا أسلوبا حلياهتا‪ ،‬وتفاعلها م بعضها البع ‪ ،‬وم ذلك فهي ليست حكرا على أحد‪ ،‬وال‬
‫هي مهمة إنسان دون آخر‪ ،‬فقد يقوم هبا األب‪ ،‬واألم‪ ،‬واملعلم‪ ،‬والسائق‪ ،‬والبائ ‪ ،‬أو أي خملوق قد‬
‫هبا‪.‬‬ ‫تأهل لذلك‪ ،‬فعرف قيم جمتمعه‪ ،‬ونظمه‪ ،‬وتقاليده‪ ،‬كما عرف ما يصلح ألمته وينه‬

‫يتضح‪ ،‬مما تقدم‪ ،‬أن العملية الرتبوية عملية هامة لبين البشرية‪ ،‬وأمهيتها تكمن يف كوهنا الطريق املنظم‬
‫لنقل الرتاث‪ ،‬واستمرار بقائه لكل األمم‪.‬‬

‫إن جذور الرتبية قدمية‪ ،‬عتيقة‪ ،‬وفروعها مستحدثة‪ ،‬متجددة‪ ،‬ومثارها مستمرة‪ ،‬طيبة‪ ،‬وهي بالتايل‬
‫شجرة باسقة الطول‪ ،‬جذورها يف أعماق األرض‪ ،‬وفروعها اخلضرا الندية العطرة‪ ،‬صاعدة دائمة يف‬
‫أعايل السما ‪"126.‬‬

‫‪ - 126‬إبراهيم ناصر‪ :‬علم االجتماع الرتبوي‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان؛ مكتبة الرائد العلمية‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.15:‬‬
‫‪164‬‬
‫ويعين هذا أن الرتبية عملية إنسانية قدمية ظهرت م ظهور اإلنسان الذي كان يريب نفسه على العمل‬
‫وحده‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬كان يرعى أبنا ه وأفراد أسرته رعاية حسنة‬ ‫واخلالل الفاضلة وعبادة‬
‫ومتكاملة‪.‬‬

‫عالوة على ذلك‪ ،‬فالرتبية عملية ضرورية لتنشئة األبنا وتعليمهم وتأهيلهم وتكوينهم من أجل أن‬
‫يتكيفوا م الواق من جهة‪ .‬ويتأقلموا م وضعياته الصعبة واملعقدة واملركبة من جهة ثانية‪ .‬وكذلك من‬
‫أجل أن يواجهوا الطبيعة بتسخريها وتغيريها والتحكم فيها‪ ،‬وكذلك من أجل احلصول على املكانة‬
‫الالئقة هبم‪ ،‬ونيل الفالح يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫إذاً‪ ،‬فالرتبية " عملية ضرورية ملواجهة احلياة ومتطلباهتا‪ ،‬وتنظيم السلوكيات العامة يف اجملتم من أجل‬
‫العيش بني اجلماعة عيشة مالئمة‪ ،‬وضرورهتا لكل من الفرد واجملتم معا‪ ،‬أما ضرورهتا للفرد اإلنسان‪،‬‬
‫فتكون للمحافظة على جنسه‪ ،‬وتوجيه غرائزه‪ ،‬وتنظيم عواطفه‪ ،‬وتنمية ميوله‪ ،‬ونقل الرتاث الثقايف إليه‪،‬‬
‫وأمناط السلوك اليت ترضى عنها اجلماعة‪ ،‬وكل ذلك البد من اكتسابه على مر األيام‪ ،‬ألن فرتة الطفولة‬
‫اإلنسانية طويلة بطبيعتها‪ ،‬واحلياة البشرية معقدة‪ ،‬وكثرية التبديل والتغيري‪.‬وبنقل النمط السلوكي والرتاث‬
‫لألفراد حيتفظ اجملتم بثقافته من الضياع‪ ،‬وليس هذا فقط‪ ،‬بل إن الرتاث عند نقله اليكتفى باحملافظة‬
‫على ال رتاث كما هو أو كما نقل من األجداد لآلبا ‪ ،‬ومكن اآلبا لألبنا ‪ ،‬بل إن دور الرتبية هنا يظهر‬
‫بإضافة أو حذف ما هو غري مناسب من الرتاث‪ ،‬وهلذا نقول‪ :‬إن ضرورة الرتبية لكل من اجملتم‬
‫واألفراد تظهر يف نقل الرتاث الثقايف واالحتفاظ به وتنقيته من الشوائب وتعديله‪ ،‬وبالتايل استمراره‬
‫‪127‬‬
‫وازدهاره وتطوره وبقائه‪".‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يتضح لنا أن الرتبية عملية ضرورية يف بنا الذات واألسرة واجملتم واألمة واإلنسانية مجعا ‪.‬‬

‫‪ - 127‬إبراهيم ناصر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.17-12:‬‬


‫‪165‬‬
‫و للرتبية وظائف عدة تتمثل يف هتذيب اإلنسان ورعايته والعناية به‪ ،‬وتكوينه وتأهيله مهاريا وتربويا‬
‫وعمليا‪ ،‬وتنميته معرفيا ووجدانيا وحسيا وحركيا‪ .‬ومن وظائفها األخرى" نقل األمناط السلوكية للفرد من‬
‫اجملتم ؛ ونقل الرتاث الثقايف من األجيال السابقة لألجيال الالحقة؛ وتعديل الرتاث الثقايف‪ ،‬وتغيري‬
‫مكوناته بإضافة ما يفيد وحذف ما اليفيد؛ واكتساب الفرد خربات اجتماعية نابعة من قيم ومعتقدات‬
‫ونظم وعادات وتقاليد وسلوك اجلماعة اليت يعيش بينها؛ وتنوير الفرد باملعلومات احلديثة اليت تغزو‬
‫‪128‬‬
‫احلياة اليومية يف اجملتم ‪".‬‬

‫ويعين هذا أن الرتبية هتدف إىل بنا اإلنسان بنا متكامال‪ ،‬والسمو به معرفيا وعاطفيا ومهاريا‪ ،‬وتطهريه‬
‫أخالقيا‪ ،‬ومساعدته على احلفاظ على قيم األجداد‪ ،‬ونقل قيمهم وعاداهتم وثقافتهم وتراثهم من جيل‬
‫إىل آخر‪ ،‬يف إطار ما يسمى بالتطبي االجتماعي‪ .‬وتقوم الرتبية بوظيفة التنشئة االجتماعية‪ .‬عالوة‬
‫على وظيفة احملافظة على اجملتم أو تغيريه جزئيا أو كليا‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تستند الرتبية إىل جمموعة من األسس الفلسفية والتارخيية والنفسية والبيداغوجية‬
‫والديدكتيكية واالقتصادية والدينية والثقافية واالجتماعية‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فللرتبية عالقة بالفلسفة مادامت هتدف إىل تنوير اإلنسان وتكوينه عقليا وذهنيا الستخدام‬
‫عقله لتأمل الكون‪ ،‬وحتصيل احلقائق‪ ،‬ومتثل القيم الصادقة‪.‬‬

‫وميكن احلديث عن ثالثة اجتاهات فلسفية يف جمال الرتبية‪ ،‬كاالجتاه التسلطي التقليدي الذي كان يركز‬
‫على املدرس باعتباره سيد املعرفة؛ واالجتاه التقدمي الدميقراطي الذي يعرتف مبكانة املتعلم يف إطار‬
‫مقاربة تشاركية جتم بني املدرس واملتعلم؛ واالجتاه التحرري الطبيعي الذي ميثله روسو وكارل روجرز‪.‬‬

‫‪ - 128‬إبراهيم ناصر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.17:‬‬


‫‪166‬‬
‫وينبين هذا التصور على حترير املتعلم‪ ،‬ومساعدته على التعلم من الطبيعة‪ ،‬ويبقى املدرس مستشارا أو‬
‫موجها إذا طلب منه ذلك‪.‬‬

‫يف حني‪ ،‬يتمثل األساس التارخيي يف ربط املاضي باحلاضر‪ ،‬حيث تعرفنا الرتبية مباضي األجداد واآلبا ‪،‬‬
‫واستجال مظاهر القوة والضعف يف هذا التاريخ‪ ،‬ودراسته بشكل جيد من أجل االعتبار به متثال‬
‫واقتدا وتطبيقا‪.‬‬

‫والميكن احلديث عن الرتبية إال إذا ربطناها بعلم النفس؛ ألن الرتبية تتعامل م األطفال‬
‫واملراهقني‪.‬وهنا‪ ،‬البد من معرفة مشاعرهم ورغباهتم وميوهلم‪ ،‬وتفهم حاجياهتم ومشاكلهم‪ ،‬وإجياد‬
‫احللول املناسبة لعالجهم شعوريا والشعوريا‪.‬‬

‫كما للرتبية عالقة باألساس االجتماعي؛ ألن الرتبية تشمل مجي مؤسسات اجملتم من األسرة‪،‬‬
‫والشارع‪ ،‬وروض األطفال‪ ،‬واملدرسة‪ ،‬واإلعدادية‪ ،‬والثانوية‪ ،‬واجلامعة‪ ،‬والنقابة‪ ،‬واحلزب‪...‬فالرتبية‬
‫حاضرة يف كل هذه احلقول واجملاالت وامليادين‪ .‬واهلدف منها هو تكوين مواطن صاحل لنفسه وأسرته‬
‫ووطنه وأمته‪.‬‬

‫وتستند الرتبية أيضا إىل أسس ثقافية؛ إذ ينتقل اإلنسان من كائن بيولوجي إىل كائن ثقايف بواسطة‬
‫الرتبية والتعليم‪ ،‬باكتساب جمموعة من املهارات الكفائية‪ ،‬ومتلك التقنيات اليت تساعده على تطوير‬
‫قدراته وابتكاراته ومؤهالته‪ ،‬وخلق ثقافته اخلاصة به‪ .‬و" الصلة هنا بني الثقافة والرتبية كبرية جدا‪ ،‬إذ إن‬
‫مادة ا لرتبية هي الثقافة والرتاث الثقايف املرتاكم على مر األجيال‪ ،‬ومادامت الرتبية عملية تكيف م‬
‫اجملتم احمليط الذي يعيش بطريقة معينة نابعة من تراثه الذي أحبه‪ ،‬وتوارثه وأراد أن ينقله ويستمر يف‬

‫‪167‬‬
‫ممارسته وهو بالتايل ثقافته فإن ذلك يعين أن أساس الرتبية هو الثقافة‪ ،‬وموضوعها األساسي الذي تبىن‬
‫‪129‬‬
‫عليه كل املواضي األخرى هو الثقافة‪ ،‬ثقافة اجملتم احمليط‪ .‬وأي صلة أكثر من هذا؟"‬

‫كما تسعفنا الرتبية ‪ -‬دينيا‪ -‬يف اختيار املعبود األوحد‪ ،‬ونبذ عبادة األصنام واألوثان والتماثيل‪ ،‬وتوحيد‬
‫ونواهيه‪ .‬لذلك‪ ،‬تقوم الرتبية بدور هام يف هتذيب األبنا‬ ‫‪ ،‬ومتثل القيم الدينية‪ ،‬والتعرف إىل أوامر‬
‫قيميا‪ ،‬وتنشئتهم دينيا وأخالقيا؛ إذ تعرفهم بالعقيدة الصحيحة‪ ،‬وتقرهبم إىل خالقهم األوحد واألكمل‬
‫واألعظم واألجل‪ ،‬وتنورهم بدورهم احلقيقي يف احلياة العاجلة بغية الظفر باآلجلة‪.‬‬

‫أما عالقة الرتبية باالقتصاد‪ ،‬فالرتبية عملية اقتصادية بامتياز؛ إذ يتحسن مستوى معيشة اإلنسان‬
‫بالرتبية والتعليم‪ .‬وحيصل على مكاسب وامتيازات مادية ومعنوية عن طريق الرتبية والتعليم‪ ،‬ومتلك‬
‫الشهادات‪.‬‬

‫إذاً‪ ،‬فالعالقة بني االقتصاد والرتبية " عالقة وثيقة‪ ،‬فمستوى املعيشة يرتبط باملستويات الثقافية والعلمية‬
‫اليت يصل إليها أفراد اجملتم ‪ ،‬فوجود أعداد كبرية من األميني يؤدي إىل التخلف‪ ،‬وكلما ارتف املستوى‬
‫االقتصادي وزاد الدخل القومي كلما ازداد التعليم وزاد عدد الطالبني للعلم‪.‬‬

‫وتتضح صلة الرتبية باألسس االقتصادية فيما لو نظرنا إىل الرتبية كقوة ضاغطة يف يد طبقة اجتماعية‬
‫مسيطرة تتحكم بوسائل اإلنتاج وتنمية املهارات والقدرات لدى الفئات املتعلمة‪ ،‬فالتعليم يزيد من‬
‫القدرة على االبتكار‪ ،‬ويسهم يف حتسني السلوك‪ ،‬ويطور يف اإلنتاج‪.‬‬

‫أما عن تأثري الرتبية يف النمو االقتصادي‪ ،‬فيتضح بقوة رأس املال املادي وتأثريه وارتباطه بقدرات األفراد‬
‫ومهاراهتم‪ ،‬وملا كان التعليم هو السبيل إىل تكوين املهارات والقدرات عند األفراد‪ ،‬فإنه يعترب األساس‬
‫يف التقدم االجتماعي واالقتصادي ويف أحداث التنمية‪...‬‬

‫‪ - 129‬إبراهيم ناصر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.42-44:‬‬


‫‪168‬‬
‫إن الرتبية عملية اقتصادية ألهنا تعد كل فرد ليقوم بأدا مهنة معينة تكون مصدرا لدخله‪ ،‬وكلما تعلم‬
‫املهارات الالزمة ملهنته وأتقنها‪ ،‬زاد دخله‪ ،‬ويف الوقت نفسه‪ ،‬كلما أتقن األفراد مهنهم على اختالف‬
‫أنواعها‪ ،‬أدى ذلك إىل زيادة دخل الفرد‪ .‬وبالتايل زاد دخل اجملتم "‪.130‬‬

‫وللرتبية عالقة وطيدة بالسياسية‪ ،‬فكل عنصر يتأثر باآلخر‪.‬مبعىن أن املدرسة تعبري عن صراعات طبقية‬
‫واجتماعية‪ ،‬وتعبري عن صراعات سياسية ونقابية وإيديولوجية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فثمة أنظمة سياسية‬
‫جتعل من الرتبية وسيلة للحفاظ على العادات والتقاليد والقيم اليت يداف عنها النظام السياسي‪ ،‬كما يف‬
‫الدول االشرتاكية واألنظمة الديكتاتورية (النازية والفاشية)‪ .‬وهناك أنظمة تريد أن جتعل من الرتبية أداة‬
‫للتغيري‪ ،‬ووسيلة ناجعة للقضا على األمية بكل أنواعها (األلفبائية‪ ،‬والوظيفية‪ ،‬واإلعالمية)‪ ،‬م تطوير‬
‫اجملتم كما يف الدول الدميقراطية‪.‬‬

‫أما فيما خيص األسس البيداغوجية والديدكتيكية‪ ،‬فللرتبية عالقة وثيقة باملدرس واملتعلم‪ ،‬بل تنفتح على‬
‫اإلدارة واألسرة واحمليط اخلارجي الذي يؤثر يف املدرسة‪ .‬وقد تعين الرتبية جمموعة من الطرائق والتصرفات‬
‫واخلربات والتجارب اليت هتدف إىل تنشئة املتعلم يف خمتلف جوانبه السلوكية والتعلمية والتثقيفية‪...‬‬

‫وبنا على ماسبق‪ ،‬فالرتبية فعل تربوي وهتذييب وأخالقي‪ ،‬هتدف إىل تنشئة املتعلم تنشئة اجتماعية‬
‫صحيحة وسليمة‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬تساهم الرتبية يف احلفاظ على قيم اجملتم وعاداته وتقاليده‪،‬‬
‫وتسعى جادة لتكوين املواطن الصاحل‪ .‬وكذلك تسعى إىل تغيري اجملتم بالتدريج‪ ،‬والدف به حنو طريق‬
‫التقدم واالزدهار‪ ،‬بتحقيق الدميقراطية التشاركية‪ ،‬والعدالة االجتماعية‪ ،‬واملساواة املثلى‪.‬عالوة على‬
‫ذلك‪ ،‬فالرتبية هي اليت تنشئ اجملتم نشأة أخالقية‪ ،‬وترف مكانته وشأنه ومستواه التنموي‪ ،‬وتوصله إىل‬
‫مصاف الدول املتقدمة واملزدهرة‪ .‬وتسعى الرتبية جادة إىل إدماج الفرد يف اجملتم تكيفا وتأقلما‬

‫‪ -130‬إبراهيم ناصر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.45:‬‬


‫‪169‬‬
‫وتصاحلا وتغيريا‪ ،‬ك ما تسعى إىل" اإلمنا الكامل لشخصية اإلنسان‪ ،‬وتعزيز حقوق اإلنسان واحلريات‬
‫األساسية‪ .‬يعين تكوين أفراد قادرين على االستقالل الفكري واألخالقي‪ ،‬وحيرتمون هذا االستقالل‬
‫‪131‬‬
‫لدى اآلخرين‪ ،‬طبقا لقاعدة التعامل باملثل اليت جتعل هذا االستقالل مشروعا بالنسبة إليهم‪".‬‬

‫وعلى ا لعموم‪ ،‬فالرتبية هي وسيلة لتحقيق اإلبداع واالبتكار‪ ،‬وطريقة يف االستكشاف والتأويل والبحث‬
‫ودمقرطة اجملتم ‪ ،‬وترتكز على احلرية‪ ،‬واملبادرة الفردية‪ ،‬وسيادة النقاش اهلادف‪ ،‬ومتثل النقد البنا‬
‫واحلوار السليم من أجل بنا جمتم متقدم واع‪ ،‬يساهم يف خلق احلداثة وبنائها‪ ،‬وإثرا العوملة مبا لديه‬
‫من طاقات منتجة‪ ،‬واخرتاعات ومكتشفات‪ ،‬ومستجدات نظرية وتقنية وعلمية ومعلوماتية‪ .‬ويف هذا‬
‫السياق‪ ،‬يقول حممد لبيب النجيحي‪ ":‬وملا كان هدف الرتبية األساسي هو تنمية التفكري واستغالل‬
‫الذكا ‪ ،‬فمعىن هذا أن الرتبية تعمل من أجل احلرية اإلنسانية‪ .‬فالتأكيد على منو الطفل إمنا هو تأكيد‬
‫على حترير قدراته العقلية من قيودها‪ ،‬وإتاحة الفرصة هلا لالنطالق حىت تستطي أن تستخدم بطريقة‬
‫فعالة إمكانيات البيئة اليت يعيش فيها‪ .‬ويصبح اجملتم احلر هو اجملتم الذي يشرتك أفراده أيضا يف‬
‫تطويره وتوجيه التغيري االجتماعي احلادث له‪.‬‬

‫وعندما يتمت أفراد اجملتم باحلرية‪ ،‬فتكون الرتبية بذلك قد أسهمت يف بنا جمتم مفتوح‪ .‬ونعين‬
‫باجملتم املفتوح اجملتم الذي يسعى عن قصد وتصميم يف سبيل تطوره‪ ،‬وال يعمل فقط على احملافظة‬
‫على الوض الراهن‪ .‬وهذا اجملتم هو جمتم قد نظم تنظيما يدخل يف اعتباره حقيقة التغيري يف األمور‬

‫‪ - 131‬جان بياجي‪ :‬التوجهات اجلديدة للرتبية ‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد احلبيب بلكوش‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغر ب‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫سنة‪3112‬م‪ ،‬ص‪.25:‬‬
‫‪170‬‬
‫اإلنسانية‪ .‬وهو جمتم يقبل التغري على أنه وسيلة للقضا على الفساد واالحنالل‪ ،‬وأن الذكا اإلنساين‬
‫‪132‬‬
‫واجملهود التعاوين من مجي أفراد اجملتم تؤدي مجيعا إىل منو اإلنسانية وتقدمها‪".‬‬

‫ويضاف إىل ذلك أن الرتبية حتقق جمموعة من الوظائف اجلوهرية‪ ،‬كالتعليم‪ ،‬والتثقيف‪ ،‬والتطهري‪،‬‬
‫والتهذيب‪ ،‬والتنوير‪ ،‬وحترير الفكر من قيود األسطورة واخلرافة والشعوذة‪ ،‬والسمو باإلنسان حنو آفاق‬
‫إجيابية ومثالية‪.‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬بيداغوجيا األهداف‬


‫عرف قطاع الرتبية والتعليم يف املغرب‪ ،‬وبالضبط يف سنوات الثمانني من القرن العشرين‪ ،‬مقاربة تربوية‬
‫جديدة تسمى بنظرية األهداف‪ .‬والغرض من هذه النظرية أو هذه املقاربة هو عقلنة العملية‬
‫الديدكتيكية ختطيطا وتدبريا وتسيريا وتقوميا‪ ،‬م أجرأة الفلسفة الرتبوية التعليمية الفضفاضة يف شكل‬
‫أهداف عامة وخاصة‪ .‬والغرض من ذلك كله هو تقومي املنظومة الرتبوية بصفة عامة‪ ،‬والبحث عن‬
‫مواطن الضعف والقوة بصفة خاصة‪ .‬فضال عن حتفيز املدرسني وتشجيعهم على تقدمي الدروس بطريقة‬
‫علمية هادفة وواعية ومركزة وخمططة‪ ،‬يف ضو تسطري جمموعة من األهداف اإلجرائية السلوكية اخلاصة‪،‬‬
‫م انتقا املعايري الكفيلة بالتقومي واملالحظة والرصد والقياس واالختبار‪ .‬ومن مث‪ ،‬العمل على تقومي‬
‫مدى حتقق النتيجة أو اهلدف يف آخر احلصة الدراسية؛ ألن ذلك هو الذي حيكم على الدرس‬
‫بالنجاح أو اإلخفاق‪ .‬فإذا حتقق اهلدف املسطر يف بداية الدرس‪ ،‬فقد حتقق جناح العملية الديدكتيكية‪.‬‬
‫وإذا مل يتحقق ذلك‪ ،‬فقد أخفق املدرس يف عمليته التعليمية‪ -‬التعلمية‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فما عليه سوى أن‬
‫يعيد الدرس من جديد‪ ،‬بتمثل التغذية الراجعة منهجا وقائيا‪ ،‬ومعيارا تشخيصيا‪ ،‬ومؤشرا تقومييا لسد‬
‫النواقص الكائنة‪ ،‬ودر الشوائب غري املتوقعة‪ ،‬واحلد من أسباب التعثر الدراسي‪ ،‬بتصحيح كل األخطا‬

‫‪ - 132‬حممد لبيب النجيحي‪ :‬مقدمة يف فلسفة الرتبية ‪ ،‬دار النهضة العريب للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‪3115‬م‪،‬‬
‫ص‪.540:‬‬
‫‪171‬‬
‫اليت ارتكبها يف أثنا تقدمي مقاط الدرس يف خمتلف مراحلها الثالث‪ :‬االستكشافية‪ ،‬والتكوينية‪،‬‬
‫والنهائية‪.‬‬

‫وقد أخذت املؤسسات الرتبوية املغربية هبذه املقاربة الرتبوية اجلديدة م بداية الثمانينيات من القرن‬
‫املاضي‪ .‬بيد أهنا سرعان ما ختلت عنها بدون روية أو تفكري أو عمق‪ ،‬لتجد نفسها أمام مقاربات‬
‫تربوية مرجتلة أخرى‪ ،‬مثل‪ :‬تطبيق دليل احلياة املدرسية‪ ،‬واألخذ بفلسفة الشراكة واملشروع‪ ،‬ومتثل تربية‬
‫اجلودة‪ ،‬واألخذ ببداغوجيا الكفايات واإلدماج‪ ،‬واالستفادة من مدرسة النجاح‪ ،‬أو االستهدا بامليثاق‬
‫الوطين للرتبية والتكوين‪ ...‬مبعىن أن املغرب قد أصبح حقال للتجارب الرتبوية الغربية بامتياز‪ ،‬حيث‬
‫عرف تقلبات بيداغوجية عدة‪ ،‬وتعرض كذلك الهتزازات تربوية جمتمعية مرات ومرات بسبب تذبذب‬
‫وزارة الرتبية الوطنية سياسة وتدبريا وختطيطا‪ ،‬وعجزها عن اختيار إسرتاتيجية تربوية واضحة ودقيقة‬
‫وناجعة‪ .‬رمبا يكون هذا التقلب راجعا إىل عوامل ذاتية ومزاجية‪ ،‬أو نتيجة لعوامل سياسية وجمتمعية‬
‫داخلية‪ ،‬أو يكون ذلك نتاجا لعوامل خارجية تتمثل يف ضغوطات املؤسسات الدولية‪ ،‬والسيما‬
‫املؤسسات املالية والبنكية اليت تفرض على املغرب شروطا معينة يف تدبري قطاع الرتبية والتعليم مقابل‬
‫االستفادة من املنح والقروض واالمتيازات‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬مفهــوم بيداغوجيــا األهــداف‬

‫إذا كانت بيداغوجيا الكفايات تعىن بتحديد الكفايات والقدرات األساسية والنوعية لدى املتعلم يف‬
‫أثنا مواجهته ملختلف الوضعيات‪ -‬املشكالت يف سياق ما‪ ،‬فإن بيداغوجيا األهداف هي مقاربة‬
‫تربوية تشتغل على احملتويات واملضامني يف ضو جمموعة من األهداف التعليمية‪ -‬التعلمية ذات الطبيعة‬
‫السلوكية‪ ،‬سوا أكانت هذه األهداف عامة أم خاصة‪ ،‬ويتم ذلك التعامل أيضا يف عالقة مرتابطة م‬

‫‪172‬‬
‫الغايات واملرامي البعيدة للدولة وقطاع الرتبية والتعليم‪ .‬وبتعبري آخر‪ ،‬هتتم بيداغوجيا األهداف بالدرس‬
‫اهلادف ختطيطا وتدبريا وتقوميا ومعاجلة‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬أنـ ــواع األه ــداف‬

‫من املعروف أن اهلدف مصطلح عسكري يعين الدقة والتحديد والرتكيز يف اإلصابة‪ .‬ويعين اصطالحا‬
‫وض خطة أو إسرتاتيجية معينة على أساس التخطيط والتدبري والتسيري بغية الوصول إىل نتيجة معينة‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬خيض اهلدف للتقومي والرصد والقياس واالختبار والتغذية الراجعة‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فثمة جمموعة من األهداف‪ ،‬مثل‪ :‬الغايات‪ ،‬واألغراض‪ ،‬واألهداف العامة‪ ،‬واألهداف اخلاصة‪،‬‬
‫وميكن توضيحها على النحو التايل‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬الغ ـايات‬

‫هي جمموعة من األهداف العامة‪ ،‬أو هي التوجهات واملرامي واألغراض البعيدة اليت تريدها الدولة من‬
‫الرتبية‪ .‬بتعبري آخر‪ ،‬الغايات هي فلسفة الدولة يف جمال الرتبية والتعليم‪ ،‬وتتجسد يف املنهاج والربامج‬
‫الدراسية واملقررات التعليمية وحمتويات الدروس‪ ،‬مثل‪ :‬عبارة " أن يكون مواطنا صاحلا"‪ .‬ومن مث‪،‬‬
‫فالغا يات هي مرام فلسفية وطموحات مستقبلية بعيدة‪ ،‬تتسم بالغموض والتجريد والعمومية‪ .‬ويعرفها‬
‫حممد الدريج بقوله‪ ":‬إن الغايات هي غايات ألهداف تعرب عن فلسفة اجملتم ‪ ،‬وتعكس تصوراته‬
‫للوجود واحلياة‪ ،‬أو تعكس النسق القيمي السائد لدى مجاعة معينة وثقافية معينة‪ ،‬مثل قولنا‪ ":‬على‬
‫الرتبية أن تنمي لدى األفراد الروح الدميقراطية" أو "على املدرسة أن تكون مواطنني مسؤولني" أو " على‬
‫املدرسة أن متحو الفوارق االجتماعية‪..."...‬إخل‪ .‬فهذه أهداف عامة تتموض على املستوى السياسي‬

‫‪173‬‬
‫والفلسفي العام‪ ،‬وتسعى إىل تطبي الناشئة مبا تراه مناسبا للحفاظ على قيم اجملتم ومقوماته الثقافية‬
‫واحلضارية‪"133.‬‬

‫ومن مث‪ ،‬فالغايات هي أهداف تربوية كربى ختتلط بالسياسة العامة للدولة‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما تكون أهدافا‬
‫عامة وجمردة وفضفاضة‪.‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬األهداف العامة أو األغراض‬

‫يقصد باألغراض‪ ،‬أو األهداف العامة‪ ،‬توجهات الرتبية والتعليم‪.‬أي‪ :‬تتعلق بأهداف قطاع الرتبية‬
‫والتعليم يف جمال التكوين والتأطري والتدريس‪ .‬ومن مث‪ ،‬فللتعليم االبتدائي أهدافه العامة‪ ،‬وللتعليم‬
‫اإلعدادي والثانوي أهدافه العامة‪ ،‬وللتعليم اجلامعي أهدافه العامة‪ ،‬وللتكوين املهين كذلك أهدافه‬
‫ومراميه وأغرا ضه‪ .‬ويعين هذا أن األغراض أقل عمومية من الغايات‪ ،‬وترتبط بفلسفة قطاع الرتبية‬
‫والتعليم‪ .‬يف حني‪ ،‬ترتبط الغايات بسياسية الدولة العامة‪ ،‬كأن نقول ‪ -‬مثال‪ -‬يهدف التعليم املهين إىل‬
‫تكوين مهنيني حمرتفني يف جمال التكنولوجيا والصناعة‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬األهداف الوسطى‬

‫تتموق األهداف الوسطى بني األهداف العامة واألهداف اخلاصة‪ .‬مبعىن أهنا أقل عمومية وجتريدا من‬
‫األهداف العامة‪ ،‬وأقل إجرائية وتطبيقا من األهداف اخلاصة‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فالصنافات املعرفية واالنفعالية‬
‫واحلسية احلركية عبارة عن مراق ألهداف متدرجة يف العمومية‪ ،‬بيد أهنا تقرتب من اخلصوصية‪ ،‬مثل‪ :‬أن‬
‫يعرف التلميذ أخوات كان‪ ،‬ويستظهر القصيدة الشعرية‪ ،‬ويتذوق الشعر‪ ،‬ويقفز بالزانة‪...‬‬

‫‪ -133‬حممد الدريج‪ :‬حتليل العملية التعليمية‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪3121‬م‪ ،‬ص‪.12:‬‬
‫‪174‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬األهداف اخلاصة‬

‫يقصد باألهداف اخلاصة األهداف السلوكية أو األهداف اإلجرائية‪ .‬ونعين باألهداف اإلجرائية تلك‬
‫األهداف التعليمية القابلة للمالحظة والقياس والتقييم‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما تصاغ يف شكل أفعال مضارعة‬
‫حمددة بدقة‪ .‬ويعين هذا أن اهلدف اإلجرائي هو إجناز فعلي خاض للقياس واملالحظة املوضوعية‪ ،‬وقد‬
‫يكون هدفا معرفيا‪ ،‬أو هدفا وجدانيا‪ ،‬أو هدفا حسيا حركيا‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬نقيس سلوك املتعلم‪ ،‬ال‬
‫سلوك املدرس‪ ،‬بأفعال مضارعة حمددة بدقة قياسية‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬يقول حممد الدريج‪ ":‬ميكن أن‬
‫نالحظ بأن صياغة األهداف اخلاصة تكون دائما صياغة واضحة‪ ،‬وتكون لكلماهتا معاين واحدة غري‬
‫قابلة للتأويل‪ .‬إن صياغة اهلدف اخلاص جيب أن تتجنب العبارات الضبابية اليت توحي بعدد كبري من‬
‫التأويالت اليت قد يفرضها تباين األشخاص‪ ،‬واختالف املواقف؛ مما قد يؤدي إىل تعطل التواصل بني‬
‫املدرس والتالميذ وبينه وبني زمالئه يف الفصل‪.‬‬

‫مث إن ما مييز األهداف اخلاصة هو كوهنا تصف سلوكا قابال للمالحظة‪...‬مث إن األهداف اخلاصة حتدد‬
‫‪134‬‬
‫شروط ظهور السلوك‪"...‬‬

‫وعليه‪ ،‬فاألهداف اخلاصة أو اإلجرائية هي أهداف سلوكية تعليمية معرفية‪ ،‬وانفعالية‪ ،‬وحسية حركية‪،‬‬
‫تقيس إجنازات املتعلم بعبارات واضحة ودقيقة‪ .‬ومن مث‪ ،‬تكون قابلة للمالحظة والقياس والتقييم‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬السي ــاق التارخي ــي لبيداغوجيا األهداف‬

‫تبلورت نظرية األهداف يف الواليات املتحدة األمريكية يف سنة ‪3142‬م ملناقشة أسباب الفشل‬
‫الدراسي يف املؤسسات التعليمية‪ ،‬وقد انعقد االجتماع يف بوسطن مبناسبة تنظيم مؤمتر اجلمعية‬
‫األمريكية للسيكولوجيا‪ ،‬وقد ترتب عليه قرار باإلمجاع لتوصيف السلوك الرتبوي‪ ،‬وحتديد استجابات‬
‫‪ -134‬حممد الدريج‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.12:‬‬
‫‪175‬‬
‫املتعلمني يف ضو سلوك إجرائي حمدد بدقة لقياسه إجرائيا‪ .‬مبعىن أن املؤمترين قد وصلوا إىل أن ترقية‬
‫التعليم وتطويره‪ ،‬واحلد من ظاهرة اإلخفاق‪ ،‬سببه غياب األهداف اإلجرائية‪.‬أي‪ :‬إن املدرس ال يسطر‬
‫األهداف اليت يريد حتقيقها يف احلصة الدراسية‪ .‬ومن مث‪ ،‬آن األوان للتفكري يف صنافات األهداف‬
‫املعرفية والوجدانية واحلسية احلركية لوصف خمتلف استجابات املتعلم‪ ،‬بصياغتها يف عبارات سلوكية‬
‫حمددة ودقيقة‪ ،‬وتصنيفها يف مراق مرتاكبة‪ ،‬تتدرج من السهولة إىل الصعوبة والتعقيد‪ .‬ومن مث‪ ،‬خرج‬
‫املؤمتر السيكولوجي بنظرية تربوية جديدة‪ ،‬تسمى بنظرية األهداف أو الدرس اهلادف الذي يقوم على‬
‫حتديد جمموعة من األهداف السلوكية املرصودة واملالحظة‪ ،‬سوا أكانت أهدافا عامة أم خاصة‪ .‬ومن‬
‫هنا‪ ،‬فقد ارتبطت نظرية األهداف جبماعة شيكاغو‪ ،‬وقد كان رالف تيلر( ‪ )Ralph Tyler‬سباقا‬
‫إىل حتديد جمموعة من األهداف باعتبارها مداخل أساسية لتطوير التعليم‪ ،‬والرف من مستواه‪ .‬مبعىن أن‬
‫رالف تايلر كان سباقا منذ سنة ‪ 3112‬م إىل عقلنة العملية اإلنتاجية انطالقا من حتديد جمموعة من‬
‫األهداف‪ .‬ويف هذا اإلطار‪ ،‬يقول حممد الدريج‪ ":‬واحلقيقة أن الفضل يعود يف الدرجة األوىل إىل رالف‬
‫تايلر(‪ ،)Ralph Tyler‬إذ كان من أبرز الداعني إىل تعيني األهداف اليت جيب أن يرمي إليها‬
‫التعليم‪ ،‬وخاصة يف كتيب له حتت عنوان (أساسيات املناهج)‪ ،‬والذي نقله إىل العربية أمحد خريي‬
‫كاظم وجابر عبد احلميد جابر منذ سنة ‪3125‬م‪.‬‬

‫وقد انطلق تايلر من أن التحقق من صحة أساليب التعليم وأساليب االمتحان‪ ،‬ال يتم بالرجوع إىل‬
‫نصوص الكتب املدرسية واملناهج املقررة‪ ،‬إمنا بالرجوع إىل األهداف اليت ورا هذه النصوص واملناهج‪،‬‬
‫ألن النصوص واملناهج يف نظره‪ ،‬ميكن أن تدرس بطرق متعددة‪ ،‬ولتحقيق غايات كثرية‪ ،‬فهي التصلح‬
‫إذن أن تكون املرج للتحقق من صحة التعليم وسالمته أو صدق االمتحانات‪ ،‬ولذلك فمن الضروري‬
‫أن يكون ضبط األهداف سابقا للنشاط التعليمي‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫وقد وجدت نظرية تايلر صدى كبريا يف األوساط الرتبوية والتعليمية‪ ،‬وستظهر مصنفات كثرية يف االجتاه‬
‫نفسه‪ ،‬ومتأثرة بآرائه‪ .‬ومن أمهها املصنف الذي سبقت اإلشارة إليه‪ ،‬والذي نشرته جلنة القياس‬
‫واالمتحانات(جمموعة شيكاغو)‪ -‬وجل أعضائها من تالميذ تايلر‪ -‬واليت شددت على األهداف‬
‫‪135‬‬
‫التعليمية كأساس لتنظيم الرتبية‪".‬‬

‫وقد نتج عن هذا املؤمتر ‪ -‬الذي سلف ذكره ‪ -‬جمموعة من الصنافات تعىن بتنميط األهداف اإلجرائية‬
‫يف مراق متدرجة‪ ،‬مثل‪ :‬مصنف بلوم الذي عنوانه(تصنيف األهداف الرتبوية‪ ،‬اجملال العقلي املعريف)‬
‫ونشر سنة ‪3122‬م‪ ،‬بإشراف بنيامني بلوم (‪ ،)B.Bloom‬وأعقبه اجلز الثاين بعنوان (تصنيف‬
‫األهداف الرتبوية‪ ،‬اجملال االنفعايل العاطفي) بإشراف كراثهول (‪.)D.Krathwohl‬‬

‫وقد انتشرت نظرية األهداف يف أمريكا وأوروبا منذ الستينيات من القرن املاضي‪ ،‬وأصبحت موضة‬
‫تربوية معاصرة أكثر انتشارا يف سنوات السبعني‪ .‬وقد أخذ املغرب هبذه املقاربة اجلديدة منذ سنوات‬
‫الثمانني من القرن املاضي‪ ،‬بعد أن أرسلت بعثة من أساتذة كلية علوم الرتبية بالرباط إىل بلجيكا‬
‫للتكوين والتدريب على نظرية األهداف الرتبوية‪ ،‬مبا فيها‪ :‬الدكتور حممد الدريج صاحب‬
‫‪136‬‬
‫كتاب(التدريس اهلادف)‬

‫وعليه‪ ،‬ترتبط نظرية األهداف الرتبوية بالنظرية السلوكية القائمة على ثنائية املثري واالستجابة؛ ألن‬
‫بيداغوجيا األهداف تسعى إىل قياس السلوك التعليمي اخلارجي‪ ،‬ورصده مالحظة وقياسا وتقوميا‪.‬‬

‫‪ -135‬حممد الدريج‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.11:‬‬


‫‪ -136‬حممد الدريج‪ :‬التدريس اهلادف‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪3110‬م‪.‬‬
‫‪177‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬شــروط صياغــة اهل ــدف‬

‫تستوجب صياغة اهلدف التعليمي الذي يرتبط بسلوك املتعلم اإلجنازي ‪ -‬حسب ماجر (‪)Mager‬‬
‫– شروطا أساسية ثالثة‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ ‬أن تتضمن صياغة اهلدف النتائج اليت سيحصل عليها التلميذ‪ .‬مبعىن أن حيدد املدرس سلوك‬
‫املتعلم بدقة ووضوح‪.‬‬

‫‪ ‬أن تتضمن الصياغة توصيفا للظروف السياقية للسلوك املنجز من قبل املتعلم‪.‬‬

‫‪ ‬أن تشتمل صياغة اهلدف على حتديد دقيق للمستوى األدىن للنجاح الذي حييلنا على حتقق قدر‬
‫معني من اهلدف‪.137‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يذهل گانيي(‪ ) Gangné‬إىل أن اهلدف اإلجرائي اخلاص يتميز مبجموعة من‬
‫السمات التالية‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫يسبب الغموض وتعدد االحتماالت والتأويالت‪ .‬مبعىن أن يكون اهلدف‬ ‫‪ ‬إن اهلدف الغام‬
‫واضحا بدقة وحمددا بالشكل الكايف‪.‬‬

‫‪ ‬أن يكون اهلدف صادقا‪ .‬مبعىن أن يفهمه اثنان باملعىن نفسه‪ ،‬ويتفقان حوله‪.‬‬

‫‪ ‬أن يكون قابال للتحقق واإلجناز‪ ،‬فال ميكن تقومي هدف مرتبط بسلوك مستحيل‪ ،‬أو صعب‬
‫حتقيقه‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪A‬‬ ‫‪regarder‬‬ ‫‪Mager,Robert:‬‬ ‫‪Comment‬‬ ‫‪definer‬‬ ‫‪des‬‬ ‫‪objectifs‬‬
‫‪pédagogiques,Traduction G.Décote.Gauthier-Villars, Paris, 1981.‬‬
‫‪178‬‬
‫‪ ‬أن تكون األهداف متدرجة ومتنوعة على مستوى املراقي‪ .‬مبعىن أن تكون األهداف متدرجة يف‬
‫السهولة والصعوبة‪ ،‬فنبدأ بالبسيط‪ ،‬لنتدرج حىت املركب واملعقد‪.‬‬

‫‪ ‬أن تكون األهداف املرجوة تعبريا صادقا عن فلسفة الرتبية املعتمدة‪ .‬مبعىن أن تكون جز ا ال يتجزأ‬
‫من فلسفة الدولة وغاياته البعيدة احملصلة من فعل الرتبية والتعليم‪.138‬‬

‫املطلب اخلامس‪ :‬تصنيف األهـ ــداف الرتبوية‬

‫ميكن احلديث عن أنواع ثالثة من األهداف‪ ،‬وهي‪ :‬األهداف املعرفية‪ ،‬واألهداف الوجدانية‪ ،‬واألهداف‬
‫احلسية احلركية‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬صنافة األهداف املعرفية‬

‫اهلدف املعريف هو الذي يهدف إىل نقل املعلومات واستقباهلا‪ ،‬ويركز على اجلوانب املعرفية ومراقيها‪ .‬أو‬
‫بتعبري آخر‪ ،‬إنه يركز على اإلنتاجية واملردودية‪ .‬ويهدف هذا اهلدف إىل نقل اخلربات والتجارب إىل‬
‫املتلقي‪ ،‬وتعليمه طرائق الرتكيب والتطبيق والفهم والتحليل والتقومي‪ .‬إنه يهدف إىل تزويد املتلقي باملعرفة‬
‫واملعلومات اهلادفة‪ .‬ومن مث‪ ،‬يقوم هذا اهلدف على تبادل اآلرا ‪ ،‬ونقل املعارف وجتارب السلف إىل‬
‫اخللف‪.‬‬

‫ومثة صنافات بيداغوجية يف جمال التواصل املعريف كصنافة بلوم(‪ )Bloom‬اليت مت االنتها منها سنة‬
‫‪3122‬م‪ .‬وتتضمن ستة مراق هي‪ :‬املعرفة‪ ،‬والفهم‪ ،‬والتطبيق‪ ،‬والتحليل‪ ،‬والرتكيب‪ ،‬والتقييم‪ .‬وتتميز‬
‫هذه املراقي الستة بالتدرج والرتابط والتكامل الوظيفي‪ .‬ويعين هذا أن هذه املراقي تتجرد من البسيط حنو‬

‫‪ -138‬نقال عن حممد الدريج‪ :‬حتليل العملية التعليمية‪ ،‬ص‪.42:‬‬


‫‪179‬‬
‫املعقد‪ ،‬وترتابط على مستوى العمليات الذهنية من أبسط فعل ذهين هو املعرفة إىل أعقد عملية تتمثل‬
‫يف التقييم والنقد واملناقشة‪.‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬صنافة األهداف الوجدانية‬

‫يقصد باهلدف الوجداين يف جمال البيداغوجيا اكتساب امليول واالجتاهات والقيم‪ ،‬وتقدير جهود‬
‫اآلخرين‪ ،‬من خالل تفاعل املتعلم م املادة املدروسة‪ ،‬واكتسابه للخربات بأنواعها املباشرة وغري‬
‫املباشرة‪ .‬ولقد خصص للمجال الوجداين صنافات بيداغوجية‪ ،‬ومن بني املهتمني هبذا اجملال (‬
‫كراهتول‪ )Krathwol/‬الذي خصصها بصنافة سنة ‪3124‬م‪ ،‬تتكون من مخسة مستويات ذات‬
‫صلة وثيقة باملواقف والقيم واالهتمامات واالنفعاالت واألحاسيس والتوافق واملعتقدات واالجتاهات‪:‬‬
‫فكرية كانت أو خلقية‪ .‬وهذه املستويات هي‪ :‬التقبل‪ ،‬واالستجابة‪ ،‬واحلكم القيمي‪ ،‬والتنظيم‪ ،‬والتمييز‬
‫بواسطة قيمة أو بواسطة منظومة من القيم‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬صنافة األهداف احلسية احلركية‬

‫ميكن احلديث عن اهلدف احلسي احلركي الذي يتناول ماهو غري معريف ووجداين‪ .‬ويظهر هذا التواصل‬
‫يف إطار السربينطيقا واآللية واملسرح امليمي والرياضة احلركية‪...‬‬

‫ويتضمن هذا اهلدف يف اجملال الرتبوي جمموعة متسلسلة من األهداف املتدرجة اليت تعمل على تنمية‬
‫املهارات احلركية واجلسدية والتواصلية‪ ،‬واستعمال العضالت واحلركات اجلسمية‪ ..‬ومن أهم صنافات‬
‫هذا التواصل احلركي صنافة هارو( ‪ ) Harrow‬اليت وضعها صاحبها سنة ‪3175‬م‪ .‬وتتكون هذه‬
‫الصنافة من ستة مراق أساسية‪ ،‬وهي‪ :‬احلركات االرتكاسية‪ ،‬واحلركات الطبيعية األساسية‪،‬‬
‫واالستعدادات اإلدراكية‪ ،‬والصفات البدنية‪ ،‬واملهارات احلركية لليد‪ ،‬والتواصل غري اللفظي‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫الطلب السادس‪ :‬ختطي ــط الــدرس اهل ــادف‬

‫خيض التدريس أو الدرس اهلادف جملموعة من احملطات اإلجرائية اليت تتمثل يف حتديد املداخل األولية‪،‬‬
‫بتسطري جمموعة من األهداف العامة واخلاصة املتعلقة بدرس معني‪ ،‬حيث نبدأ بتحديد اهلدف العام‪،‬‬
‫مث نتبعه باألهداف السلوكية اإلجرائية حسب طبيعتها‪ :‬معرفية‪ ،‬ووجدانية‪ ،‬وحسية حركية‪ ،‬كما يظهر‬
‫ذلك جليا يف األمثلة التالية اليت تتعلق بدرسنا االفرتاضي (املبتدأ واخلرب)‪.‬‬

‫اهلدف العام‪:‬‬

‫أن يستوعب املتعلم درس املبتدإ واخلرب‪.‬‬

‫األهداف اإلجرائية‪:‬‬

‫‪ ‬أن يعرف التلميذ اجلملة الفعلية يف مستهل الدرس‪.‬‬

‫‪ ‬أن يذكر التلميذ قاعدة املبتدإ واخلرب أثنا املرحلة التكوينية‪.‬‬

‫‪ ‬أن حيدد التلميذ أنواع اخلرب أثنا املرحلة التكوينية‪.‬‬

‫‪ ‬أن يذكر التلميذ مخس مجل امسية فيها مبتدأ وخرب يف آخر احلصة‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬حيدد املدرس‪ ،‬مبعية املتعلم‪ ،‬األهداف األولية املرتبطة باملقط التعليمي التمهيدي الذي يرتبط‬
‫باألنشطة املكتسبة وبعملية املراجعة واالستكشاف‪ .‬مث حيدد األهداف الوسيطة يف أثنا مرحلة املقط‬
‫الوسطي أو التقومي التكويين‪ .‬لينتهي الدرس باألهداف النهائية م اختتام الدرس‪ .‬ويعين هذا أن الدرس‬

‫‪181‬‬
‫عبارة عن جمموعة من احملطات واألنشطة الديدكتيكية‪ ،‬سوا أتعلقت بأنشطة املدرس أم بأنشطة املتعلم‬
‫اليت تتال م م أنواع ثالثة من األهداف‪ :‬أهداف أولية‪ ،‬وأهداف وسيطة‪ ،‬وأهداف هنائية‪.139‬‬

‫املطلب السابع‪ :‬مزايا الــدرس اهلادف وعيوب ــه‬

‫من املعلوم أن للدرس اهلادف جمموعة من النقط اإلجيابية واملزايا احلميدة‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬

‫‪ ‬العقلنة‪ :‬ويعين أن األهداف اإلجرائية تعقلن العملية التعليمية‪ -‬التعلمية ختطيطا وتدبريا وتقوميا‪.‬‬
‫وبذلك‪ ،‬يتجاوز الدرس اهلادف العفوية واالرجتال والعشوائية اليت كان يتسم هبا الدرس التقليدي‪.‬‬

‫‪ ‬األجرأة‪ :‬تسعى األهداف اخلاصة إىل حتويل األهداف العامة إىل أهداف سلوكية إجرائية قابلة‬
‫للمالحظة والقياس والتقومي‪ ،‬وتفتيت احملتويات إىل أهداف صغرى وأكثر جتزيئا‪.‬‬

‫‪ ‬الربجمة‪ :‬ويقصد هبا خضوع العملية التعليمية خلطة مربجمة هلا مداخل وعمليات وخمارج‪ .‬مبعىن أن‬
‫حتقيق اهلدف مير عرب عمليات وسطى إىل أن تتحقق النتيجة النهائية عرب مؤشرات التقومي والقياس‪.‬‬
‫وبتعبري آخر‪ ،‬تعين الربجمة تنظيم خمتلف العمليات الديدكتيكية من أجل الوصول إىل هدف معني‪ ،‬عرب‬
‫خطة مفصلة دقيقة وموضوعية ومقننة‪.‬‬

‫ويرى حممد الدريج‪ ،‬يف كتابه (حتليل العملية التعليمية)‪ ،‬أن لألهداف اإلجرائية فوائد كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪ ‬إن اهلدف اإلجرائي هدف واضح وشفاف ال خيفي شيئا‪.‬‬

‫‪ ‬تشدد النظريات الرتبوية املعاصرة على ضرورة حتديد األهداف املتعلقة بالتعليم املربمج‪ ،‬أو يف‬
‫تسطري الربامج واملناهج واملقررات الدراسية‪.‬‬

‫‪ -139‬انظر مادي حلسن‪ :‬األهداف والتقييم يف الرتبية ‪ ،‬شركة بابل للطباعة والنشر‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪3110‬م‪ ،‬ص‪-322:‬‬
‫‪.322‬‬
‫‪182‬‬
‫‪ ‬يساعد وضوح األهداف املدرس يف اختيار احملتويات والطرائق البيداغوجية والوسائل الديدكتيكية‬
‫ومعايري التقومي املناسبة‪.‬‬

‫‪ ‬إن حت ديد املعايري واألهداف بوضوح ودقة يساهم يف حتصيل تقومي أفضل لعمل املتعلم‪.‬‬

‫‪ ‬متكن األهداف املدرس من تقومي درسه عرب توظيف التغذية الراجعة أو الفيدباك لسد النواقص‪،‬‬
‫وتشخيص مواطن القوة والضعف‪.‬‬

‫‪ ‬تساهم الصياغة اإلجرائية لألهداف يف جتويد العملية الديدكتيكية بصفة خاصة‪ ،‬وتطوير املنظومة‬
‫الرتبوية بصفة عامة‪.‬‬

‫‪ ‬ضرورة إطالع املتعلمني على األهداف اإلجرائية يف بداية كل حصة دراسية لكي يركزوا انتباههم‬
‫على العناصر الضرورية واجلوهرية‪ ،‬وحتييد العناصر العرضية أو الثانوية‪.‬‬

‫بيد أن للدرس اهلادف عيوبا وسلبيات‪ ،‬ميكن حصرها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬تتسم نظرية األهداف بالنزعة السلوكية والنظرة التقنية على حساب النظرة الشمولية‪ .‬كما ختض‬
‫لثنائية املثري واالستجابة‪.‬‬

‫‪ ‬تعطي نظرية األهداف أمهية كربى لتجزي احملتويات وتفتيتها بشكل مبالغ فيه‪.‬‬

‫الطرف عن الطرائق واملناهج والوسائل الديدكتيكية‪.‬‬ ‫‪ ‬تعىن نظرية األهداف كثريا باحملتوى‪ ،‬وتغ‬

‫‪ ‬تقسيم الذات اإلنسانية – حسب الصنافات‪ -‬إىل مستويات مستقلة هي‪ :‬اجلانب املعريف‪،‬‬
‫واجلانب الوجداين‪ ،‬واجلانب احلسي احلركي‪ .‬يف حني‪ ،‬إن اإلنسان وحدة نفسية وعضوية مركبة ومرتابطة‬
‫ومتكاملة‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫‪ ‬إن كثريا من املدرسني ذوي اخلربة قد جنحوا يف دروسهم كل النجاح‪ ،‬دون أن يستندوا‪ ،‬حبال من‬
‫األحوال‪ ،‬إىل نظرية األهداف‪.‬‬

‫وخالصة القول‪ ،‬تعد بيداغوجيا األهداف نظرية تربوية جديدة قائمة على العلم‪ ،‬والعقالنية‪،‬‬
‫والتخطيط‪ ،‬والقياس‪ ،‬والتكنولوجيا‪ ،‬والتحقق املوضوعي‪ .‬وقد انتشرت هذه النظرية يف املغرب يف‬
‫سنوات الثمانني من القرن العشرين‪ ،‬فقد كانت ‪ -‬فعال‪ -‬بديال للدرس اهلرباريت التقليدي الذي كان‬
‫يقوم على جمموعة من املراحل‪ ،‬مثل‪ :‬املراجعة‪ ،‬والشرح‪ ،‬وبنا القاعدة‪ ،‬والربط‪ ،‬واالستنتاج‪ ،‬والتطبيق‪.‬‬
‫وكان هذا الدرس يقدم يف غياب أهداف مسطرة‪ ،‬فقد كان املدرس يلقي درسه بطريقة غري واعية‪،‬‬
‫وغري خمططة بدقة؛ مما يوقعه ذلك يف صعوبات مجة على مستوى التقومي والتصحيح واملعاجلة‪.‬‬

‫لذا‪ ،‬جا ت بيداغوجيا األهداف لتنظيم العملية الديدكتيكية وعقلنتها وعلمنتها ختطيطا وتدبريا وتسيريا‬
‫وتقوميا‪ ،‬بل أصبحت هذه النظرية معيارا إجرائيا لقياس احلصيلة التعليمية‪ -‬التعلمية لدى املتعلم‬
‫واملدرس معا‪ ،‬وحمكا موضوعيا لتشخيص مواطن قوة املنظومة الرتبوية على مستوى املردودية واإلنتاجية‬
‫واإلبداعية‪ ،‬وأداة ناجعة لتبيان نقط ضعفها وفشلها وإخفاقها‪ .‬وتعد كذلك آلية فعالة يف جمال‬
‫التخطيط والتقومي وبنا الدرس اهلادف‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬بيداغوجيا الكفايات‬
‫من املعلوم أن بيداغوجيا الكفايات هي مقاربة تربوية وديدكتيكية جديدة ومعاصرة‪ ،‬هتدف إىل تسليح‬
‫املتعلم مبجموعة من الكفايات األساسية ملواجهة الوضعيات الصعبة واملركبة اليت يصادفها املتعلم يف‬
‫واقعه الدراسي أوالشخصي أواملوضوعي‪ .‬ومن مث‪ ،‬فالكفايات هي مبثابة معارف ومهارات ومواقف‬
‫وكفايات معرفية وتواصلية ومنهجية وثقافية‪ ،‬يستضمرها املتعلم حلل جمموعة من املشاكل أو الوضعيات‬
‫‪ -‬املشكالت بغية التكيف أو التأقلم م احمليط‪ ،‬أو االستجابة ملتطلبات سوق الشغل‪ ،‬أو قصد التميز‬
‫الدراسي والكفائي واحلريف واملهين‪ .‬ومن مث‪ ،‬فاكتساب الكفايات هو السبيل احلقيقي لتحصيل النجاح‪.‬‬
‫وهو أيضا أساس االستقاللية الشخصية‪ ،‬ومدخل ضروري إىل حتمل املسؤولية‪ ،‬واالعتماد على الذات‬
‫يف حل مجي املشاكل اليت تطرحها الوضعيات أمام املتعلم يف أثنا جماهبته لواقعه احلي‪ .‬ومن مث‪ ،‬تنصب‬
‫بيداغوجيا الكفايات على املعطى الكيفي‪ ،‬وتركز على التعلم السياقي يف عالقة جدلية بالكفايات‬
‫املستهدفة‪ ،‬سوا أكانت أساسية أم نوعية‪.‬‬

‫إذاً‪ ،‬ما بيداغوجيا الكفايات؟ وما سياقها املرجعي؟ وما الوضعيات؟ وما الفرق بني نظرية الكفايات‬
‫ونظرية األهداف؟ وما مرتكزات املقاربة الكفائية نظرية وتطبيقا؟ وما مزاياها وعيوهبا؟ تلكم هي أهم‬
‫العناصر اليت سنتوقف عندها يف املطالب التالية‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬مفهوم بيداغوجيا الكفايات‬

‫تعرف الكفاية (‪ ) compétence‬على أهنا عبارة عن قدرات وملكات ذاتية أساسية ونوعية‪ ،‬يتسلح‬
‫هبا املتعلم يف أثنا مواجهته لوضعية أو مشكلة ما يف واقعه الشخصي أو املوضوعي‪ .‬وبتعبري آخر‪،‬‬
‫الكفاية هي تلك القدرة اليت يستدجمها املتعلم حني وجوده أمام وضعيات جديدة معقدة ومركبة‪ .‬ومن‬
‫مث‪ ،‬فالذكا الفعلي يتمثل يف توظيف الكفايات والقدرات يف حل املشاكل املستعصية بيداغوجيا‬

‫‪185‬‬
‫وديدكتيكيا وواقعيا‪ .‬ويعين هذا كله أن الكفايات تشمل جمموعة من املعارف واملوارد واملهارات واملواقف‬
‫اليت يستضمرها املتعلم ملواجهة الوضعيات اليت يواجهها يف حميطه‪ .‬ويعين هذا أن املتعلم يستثمر موارده‬
‫حني مواجهة املشاكل املعقدة والوضعيات اجلديدة‪ ،‬باختيار احللول املناسبة‪ ،‬أو التوليف بني جمموعة‬
‫من االختيارات حلل املشاكل اليت يواجهها يف حياته الشخصية والعملية‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬تعرف الكفاية عند جيلي (‪ )GILLET‬بأهنا " نظام من املعارف املفاهيمية (الذهنية)‬
‫واملهارية ( العملية) اليت تنتظم يف خطاطات إجرائية‪ ،‬متكن يف إطار فئة من الوضعيات‪ ،‬من التعرف‬
‫على املهمة – اإلشكالية‪ ،‬وحلها بنشاط وفعالية"‪.140‬‬

‫وتعرف الكفاية كذلك على أهنا مبثابة " هدف‪ -‬مرمى‪ ،‬متمركزة حول البلورة الذاتية لقدرة التلميذ‬
‫على احلل اجليد للمشاكل املرتبطة مبجموعة من الوضعيات‪ ،‬باعتماد معارف مفاهيمية ومنهجية‬
‫مندجمة ومالئمة"‪ .141‬ويعرفها فيليب پرينو (‪ )Perrenoud‬بأهنا" القدرة على تعبئة جمموعة من‬
‫املوارد املعرفية ( معارف‪ ،‬وقدرات‪ ،‬ومعلومات‪ ،‬إخل)‪ ،‬بغية مواجهة مجلة من الوضعيات بشكل مالئم‬
‫وفعال"‪.142‬‬

‫ويرى حممد الدريج أن هذه الكفايات" ينظر إليها على أهنا إجابات عن وضعيات‪ -‬مشاكل تتألف‬
‫منها املواد الدراسية"‪.143‬‬

‫‪140‬‬
‫‪-GILLET , P: ) L’ utilisation des objectifs en formation , contexte et évolution (,‬‬
‫‪Education permanent , Nr:85 , octobre 1986 , p:17-37.‬‬
‫‪ -141‬بيري ديشي‪ :‬ختطيط الدرس لتنمية الكفايات ‪ ،‬ترمجة‪ :‬عبد الكرمي غريب‪ ،‬منشورات عامل الرتبية‪ ،‬مطبعة دار النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضا ‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪ ،5001 ،‬ص‪.353 :‬‬
‫‪ -142‬باوال جونتيل وروبريتا بنتشيين‪ (:‬بنا الكفايات‪ :‬مقابلة م فليب پرينو)‪ ،‬الكفايات يف التدريس بني التنظري واملمارسة‪ ،‬تعريب‪ :‬حممد‬
‫العماريت والبشري اليعكويب‪ ،‬مطبعة أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5004‬م‪ ،‬ص‪.43:‬‬
‫‪ -143‬حممد الدريج‪ :‬الكفايات يف التعليم‪ ،‬املعرفة للجمي ‪ ،‬أكتوبر ‪ ،5000‬العدد‪ ،32‬ص‪.23 :‬‬
‫‪186‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬فالكفاية هي جمموعة من القدرات واملهارات واملعارف‪ ،‬يتسلح هبا التلميذ ملواجهة‬
‫جمموعة من الوضعيات والعوائق واملشاكل اليت تستوجب إجياد احللول الناجعة هلا بشكل مالئم وفعال‪.‬‬

‫ويظهر لنا‪ ،‬من خالل جمموعة من التعاريف اليت انصبت على حتديد مفهوم الكفاية‪ ،‬أهنا تنبين على‬
‫عناصر أساسية‪ ،‬ميكن حصرها يف‪:‬‬

‫‪ ‬القدرات واملهارات‪.‬‬

‫‪‬اإلجناز أو األدا ‪.‬‬

‫‪ ‬الوضعية أو املشكل‪.‬‬

‫‪‬حل الوضعية بشكل فعال وصائب‪.‬‬

‫‪ ‬تقومي الكفاية بطريقة موضوعية‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يبدو لنا أن الكفاية مرتبطة أشد االرتباط بالوضعية‪ -‬اإلشكال‪.‬أي‪ :‬إن الكفاية قائمة على‬
‫إجناز املهمات الصعبة‪ ،‬وإجياد احللول املناسبة للمشاكل املطروحة يف الواق املوضوعي‪ .‬إذا‪ ،‬فالعالقة‬
‫املوجودة بني الكفاية والوضعية هي عالقة جدلية وثيقة ومتينة‪ ،‬وعالقة استلزام اختباري وتقييمي‬
‫وديدكتيكي‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أنـ ـواع الكفاي ــات‬

‫تنقسم الكفايات‪ ،‬يف جمال الرتبية والتعليم‪ ،‬إىل أنواع عدة‪ ،‬ميكن حصرها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬الكفايات النوعية‪ :‬تتحدد هذه الكفايات يف مقابل الكفايات املمتدة أو املستعرضة‪ .‬ويعين هذا‬
‫أن الكفايات النوعية هي اليت يكتسبها املتعلم يف فرتة مدرسية حمددة‪ .‬أي‪ :‬إن هذه الكفايات مرتبطة‬
‫مبادة دراسية معينة‪ ،‬أو جمال نوعي‪ ،‬أو ختصص مهين معني‪ .‬لذلك‪ ،‬فهي أقل مشولية وعمومية من‬
‫الكفاية املستعرضة‪ .‬وهي السبيل إىل حتقيق الكفايات املمتدة‪.‬‬

‫‪ ‬الكفايات املمتدة أو املستعرضة‪ :‬هي تلك الكفايات املشرتكة اليت جتم بني ختصصات متعددة‪.‬‬
‫مبعىن أن الكفاية املوسعة هي اليت تتوزع بني جمموعة من املواد والتخصصات‪ ،‬وميكن امتالكها بعد فرتة‬
‫من التعلم والتحصيل الدراسي‪ ،‬مثل‪ :‬اكتساب منهجية التفكري العلمي‪ ،‬وهي كفاية توجد يف مجي‬
‫املواد الدراسية‪ .‬ومتتاز الكفايات املوسعة بأهنا كفايات عليا وقصوى وختامية‪ ،‬تتطلب نوعا من اإلتقان‬
‫واالنضباط واملهارة واالحرتاف‪ .‬وتستوجب أيضا كثرة التعلم والتحصيل الدراسي؛ ألن هذه الكفاية هي‬
‫نتاج تفاعل م ختصصات ومواد دراسية عدة‪.‬‬

‫‪ ‬الكفايات األساسية‪ :‬هي كفايات قاعدية أو جوهرية أو دنيا‪ .‬وهي كفايات ضرورية يف جمال‬
‫الرتبية والتعليم‪ ،‬مثل‪ :‬كفاية القرا ة‪ ،‬وكفاية الكتابة‪ ،‬وكفاية احلساب‪ ،‬بالنسبة للتعليم االبتدائي‪ .‬مبعىن‬
‫أن الكفايات األساسية هي اليت تنبين عليها العملية التعليمية‪ -‬التعلمية‪ ،‬أو يبىن عليها النسق الرتبوي‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫‪ ‬كفاية اإلتقان‪ :‬هي كفاية تكميلية‪ ،‬وليست أساسية وضرورية‪ ،‬فعدم الغرق أثنا السباحة هي‬
‫كفاية أساسية‪ .‬بيد أن الرشاقة‪ ،‬والسرعة‪ ،‬والسباحة يف فريق‪ ،‬واحرتام قواعد السباحة‪ ،‬هي كلها‬
‫كفايات تكميلية‪ ،‬أو كفايات إتقان وجودة‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تصنف الكفايات كذلك إىل معارف‪ ،‬ومواقف‪ ،‬ومهارات‪ ،‬وكفايات ثقافية‪،‬‬
‫وكفايات تواصلية‪ ،‬وكفايات منهجية‪...‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬تعريــف الوضعي ــات‬

‫إذا تصفحنا معاجم اللغة العربية‪ ،‬كلسان العرب واملعجم الوسيط‪ ،‬فإننا ال جند كلمة الوضعية هبذه‬
‫الصيغة؛ بل جند كلمة وض موضعا ومواض الدالة على اإلثبات يف املكان‪ .‬أي‪ :‬إن الوضعية مبثابة‬
‫إطار مكاين للذات والشي ‪ .144‬ولكن يف اللغات األجنبية‪ ،‬جند حضورا هلذا املفهوم بشكل واضح‬
‫وحمدد‪ .‬ففي معجم أكسفورد اإلجنليزي‪ ،‬تعين الوضعية " معظم الظروف واألشيا اليت تق يف وقت‬
‫خاص‪ ،‬ويف مكان خاص"‪.145‬‬

‫وتقرتن الوضعية بداللة أخرى‪ ،‬وهي السياق الذي هو" عبارة عن وضعية يق فيها شي ‪ ،‬وتساعدك –‬
‫بالتايل‪ -‬على فهمه"‪.146‬‬

‫‪ -144‬ابن منظور‪ :‬لسان اللسان‪ ،‬اجلز الثاين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،3111 ،‬ص‪741:‬؛ واملعجم الوسيط ألمحد حسن‬
‫الزيات وآخرين‪ ،‬املكتبة اإلسالمية‪ ،‬استانبول‪ ،‬تركيا‪ ،‬ص‪.3011 :‬‬
‫‪145‬‬
‫‪- A.Regarder: Oxford advanced learner’s, Dictionary Oxford university press 2000; p:‬‬
‫‪1109.‬‬
‫‪146‬‬
‫‪-Ibid, p: 247.‬‬
‫‪189‬‬
‫أما معجم روبري(‪ ،)Robert‬فريى أن الوضعية هي " أن تكون يف مكان أو حالة حيث يوجد‬
‫الشي أو يتموق "‪ .147‬أي‪ :‬إن الوضعية هي التموق املكاين أو احلايل يف مكان أو وض ما‪ ،‬بينما‬
‫حيدد السياق يف هذا املعجم على أنه " جمموعة من الظروف اليت حتيط باحلدث"‪.148‬‬

‫وميكن أن نفهم‪ ،‬من هذا كله‪ ،‬أن الوضعية هي جمموعة من الظروف املكانية والزمانية واحلالية اليت‬
‫حتيط باحلدث‪ ،‬وحتدد سياقه‪ .‬وقد تتداخل الوضعية م السياق والظروف والعوائق واملواقف‬
‫واملشكالت والصعوبات واالختبارات واحملكات واحلالة والواق واإلطار واإلشكالية…إخل‪.‬‬

‫وتعرف الوضعية يف جمال الرتبية والديدكتيك بأهنا" وضعية ملموسة تصف‪ ،‬يف الوقت نفسه‪ ،‬اإلطار‬
‫األكثر واقعية‪ ،‬واملهمة اليت يواجه التلميذ من أجل تشغيل املعارف املفاهيمية واملنهجية الضرورية‪ ،‬لبلورة‬
‫الكفاية والربهنة عليها"‪ .149‬أي‪ :‬إن الوضعية واقعية ملموسة يواجهها التلميذ بقدراته ومهاراته وكفا اته‬
‫عن طريق حلها‪ .‬والوضعيات ليست سوى التقا عدد من العوائق واملشاكل يف إطار شروط وظروف‬
‫معينة‪ .‬إن الوضعية‪ -‬حسب حممد الدريج‪ " -‬تطرح إشكاال عندما جتعل الفرد أمام مهمة عليه أن‬
‫ينجزها‪ ،‬مهمة ال يتحكم يف كل مكوناهتا وخطواهتا‪ ،‬وهكذا يطرح التعلم كمهمة تشكل حتديا معرفيا‬
‫للمتعلم‪ ،‬حبيث يشكل جمموع القدرات واملعارف الضرورية ملواجهة الوضعية وحل اإلشكال‪ ،‬ما يعرف‬
‫بالكفاية"‪.150‬‬

‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬نفهم أن الوضعية هي جمموعة من املشاكل والعوائق والظروف اليت تستوجب‬
‫إجياد حلول هلا من قبل املتعلم للحكم على مدى كفا ته وأهليته التعليمية ‪ -‬التعلمية واملهنية‪ .‬وتعترب‬
‫املواد الدراسية جمموعة من املشاكل والوضعيات‪ .‬ومن هنا‪ ،‬ينبغي علينا أن نعد التلميذ للحياة والواق‬
‫‪147‬‬
‫‪- Paul robert: Le Petit Robert, Paris, éd, 1992, p: 378.‬‬
‫‪148‬‬
‫‪-Ibid, p: 1820 .‬‬
‫‪ -149‬بيري ديشي‪ :‬ختطيط الدرس لتنمية الكفايات‪ ،‬ص‪.323:‬‬
‫‪ -150‬حممد الدريج‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.20 :‬‬
‫‪190‬‬
‫ملواجهة التحديات والصعوبات اليت يفرضها عاملنا اليوم‪ ،‬ويتعلم احلياة عن طريق احلياة‪ ،‬وأال يبقى رهني‬
‫النظريات اجملردة البعيدة عن الواق املوضوعي‪ ،‬أو حبيس الفصول الدراسية واألقسام املغلقة واملسيجة‬
‫باملثاليات واملعلومات اليت جتاوزها الواق ‪ ،‬أو اليت أصبحت غري مفيدة لإلنسان‪ .‬أي‪ :‬إن فلسفة‬
‫الوضعيات مبنية على أسس الربامجاتية‪ ،‬كاملنفعة‪ ،‬واإلنتاجية‪ ،‬واملردودية‪ ،‬والفعالية‪ ،‬واإلبداعية‪ ،‬والفائدة‬
‫املرجوة من املنتج‪ ،‬وهو تصور الفلسفة الذرائعية لدى جيمس جويس‪ ،‬وجون ديوي‪ ،‬وبرغسون‪ ،‬والثقافة‬
‫األجنلو سكسونية بصفة عامة‪.‬‬

‫وخالصة القول‪ :‬ترتبط الكفايات مبواجهة املشاكل املركبة والوضعيات املعقدة‪ .‬واملقصود بأن تكون‬
‫كفئا‪ ،‬يعين أن تكون إنسانا ناجحا ومتمكنا من أسباب النجاح‪.‬‬

‫ومن مواصفات الكفاية أهنا مركبة تشتمل على جمموعة من املوارد واملواقف املختلفة‪ .‬كما أهنا ذات‬
‫هدف معني‪ .‬وهي كذلك تفاعلية‪ .‬مبعىن أن املتعلم يتسلح مبجموعة من القدرات املستضمرة للتفاعل‬
‫م احمليط‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فهي مفتوحة على جمموعة من احللول الواقعية واملمكنة واحملتملة‪ .‬وهي حمفزة على‬
‫النجاح والتفوق والتميز‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬ينبغي أن تكون الوضعية مدعمة باألسناد والوثائق‬
‫والتعليمات والنصوص ومعايري التقومي‪ ،‬ومؤشرات التصحيح‪.‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬أن ـ ـواع الوضعيـ ـات‬

‫إن الوضعيات هي جمموعة من األطر واملؤشرات والظروف السياقية اليت حتدد املشكالت والعوائق‬
‫والصعوبات اليت تواجه التلميذ الذي يتسلح بدوره مبجموعة من املعارف والقدرات والكفايات الوظيفية‬
‫قصد حل هذه الوضعيات املعقدة واملركبة‪ ،‬واحلصول على إجابات وافية وصحيحة للربهنة على صدق‬
‫هذه الكفايات والقدرات املكتسبة‪ ،‬عرب جمموعة من التعلمات واملوارد املدرسية املنجزة مسبقا‪ .‬وميكن‬

‫‪191‬‬
‫أن نض التلميذ أمام عدة وضعيات تربز طبيعة الكفاية لديه‪ ،‬وهذه هي اليت ستحدد لنا أمناط‬
‫الوضعيات ‪ -‬املشاكل على مستوى مؤشرات األطر السياقية‪.‬‬

‫وميكن أن حندد أنواعا أخرى من الوضعيات املوقفية قياسا على ما ذهب إليه إيريبان‬
‫(‪ )IRIBANE‬يف تصنيفه للكفايات‪:151‬‬

‫‪ ‬وضعيات التقليد واحملاكاة‪:‬‬

‫ترتكز على مهمات التقليد‪ ،‬وإعادة املعارف واملهارات املكتسبة عن طريق التطبيق واملماثلة واحلفظ‬
‫واإلعادة ( وضعيات االجرتار)‪.‬‬

‫‪ ‬وضعيات التحويل‪:‬‬

‫تنطلق من وضعية معينة من العمل لتطبيقها على وضعيات غري متوقعة‪ ،‬بيد أهنا قريبة بالتفكري باملثل‪،‬‬
‫واالستفادة من الوضعيات السابقة حلل الصعوبات‪ ،‬عن طريق حتويلها إلجياد احللول املناسبة (وضعيات‬
‫االستفادة واالمتصاص)‪.‬‬

‫‪‬وضعيات التجديد‪:‬‬

‫تنطلق من مواجهة مشاكل وصعوبات وعراقيل جديدة‪ ،‬وتقدمي حلول مناسبة هلا‪ ( .‬وضعيات احلوار‬
‫واإلبداع)‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وميكن تصنيف الوضعيات من الناحية التقوميية املعيارية على النحو التايل‪:‬‬

‫‪151‬‬
‫‪-A regarder: A , IRRIBANE: La compétitivité, Défi Social, Enjeu éducatif,‬‬
‫‪CNRS, Paris, 1989.‬‬
‫‪192‬‬
‫‪ ‬وضعية أولية‪ :‬يتم طرح جمموعة من الوضعيات اإلشكالية للتلميذ يف أثنا بداية الدرس‪ ،‬أو قبل‬
‫الشروع فيه‪ .‬وتتعلق هذه الوضعيات مبراجعة الدرس السابق‪ ،‬أو دفعه إىل االستكشاف‪ ،‬أو حثه‬
‫وتشجيعه على استعمال قدراته الذاتية واملهارية‪.‬‬

‫‪ ‬وضعية وسيطية‪ :‬يقدم املعلم للمتعلم جمموعة من الوضعيات يف أثنا مرحلة التكوين والتعلم‬
‫الذايت حلل مشاكلها اعتمادا على األسناد والوثائق والنصوص والتعليمات ومعايري التقومي‪ .‬واهلدف من‬
‫ذلك كله هو التثبت من قدرات التلميذ التعلمية واملفاهيمية واملهارية‪.‬‬

‫‪ ‬وضعية هنائية‪ :‬يواجه التلميذ يف هناية الدرس وضعيات هناية إمجالية أو هنائية هي اليت حتكم على‬
‫التلميذ إن كان كفئا أم ال؟ وهل حتققت عنده الكفاية األساسية أو النوعية أم ال؟ وهل أصبح قادرا‬
‫على مواجهة الصعوبات والوضعيات اإلشكالية واملواقف الواقعية الصعبة أم ال؟ وهل حتقق اهلدف‬
‫املبتغى والغاية املنشودة من التكوين والتعلم الذايت أم ال؟‬

‫وينبغي هلذه الوضعيات أن تتناسب متاثليا م التقومي األويل والتكويين واإلمجايل يف إطار العملية‬
‫التعليمية ‪ -‬التعلمية‪.‬‬

‫وعلى مستوى احملتوى أو املضمون واخلربات‪ ،‬فهناك وضعيات معرفية ( ثقافية)‪ ،‬ووضعيات منهجية‪،‬‬
‫ووضعيات تواصلية‪ ،‬ووضعيات وجدانية وأخالقية‪ ،‬ووضعيات حركية‪ ،‬ووضعيات مهنية تقنية…‬

‫املطلب اخلامس‪ :‬أمهية الوضعيات‪ -‬املش ــاكل‬

‫من املعلوم أن للوضعيات أمهية كبرية يف اختبار املناهج الدراسية‪ ،‬وتقييم املدرسة املعاصرة‪ ،‬والتمييز بني‬
‫التقليدية منها واجلديدة‪ ،‬ومعرفة املدرسة املنغلقة من املدرسة الوظيفية واملنفتحة‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن الوضعيات‬
‫هي حمك الكفا ة واملردودية‪ ،‬وإبراز للقدرات واملهارات واملواهب املضمرة والظاهرة‪ .‬إهنا تربية على حل‬

‫‪193‬‬
‫املشاكل املستعصية‪ ،‬واقرتاح احللول املناسبة واملمكنة‪ ،‬والتحفيز على التعلم الذايت‪ ،‬وجتاوز للطرائق‬
‫التقليدية القائمة على التلقني واحلفظ‪ ،‬وتقدمي املعرفة واحملتويات بواسطة املدرس إىل التلميذ السليب‪.‬‬

‫ومن األكيد أن الرتبية بالوضعيات هي اليت تفرز الكفا ات والقدرات العقلية املتميزة‪ .‬فهي اليت تربط‬
‫املدرسة بالواق وسوق الشغل‪ ،‬وليس ذلك من خالل الشهادات والدبلومات واملؤهالت‪ ،‬بل من‬
‫خالل الشهادات ‪ -‬الكفايات‪ .‬بيد أن هذه الوضعيات والكفايات ليست عصا سحرية ملعاجلة كل‬
‫مشاكل وزارات الرتبية والتعليم‪ ،‬مثل‪ :‬معاجلة اكتظاظ التالميذ يف الفصول الدراسية‪ ،‬ونقص يف تكوين‬
‫املدرسني‪ ،‬وإجياد احللول املناسبة للوضعية االجتماعية للمدرسني‪ ،‬وتوفري الوسائل واإلمكانيات املادية‬
‫والبشرية‪ ،‬بل إن طريقة التعليم بالكفايات والوضعيات طريقة بيداغوجية لعقلنة العملية الديدكتيكية‬
‫ختطيطا وتديرا وتسيريا وتقوميا‪ ،‬وتفعيلها بطريقة علمية موضوعية على أسس معيارية وظيفية‪ ،‬وربط‬
‫املدرسة باحلياة‪ ،‬وسوق العمل‪ ،‬وتلبية حاجيات أرباب العمل‪ ،‬وحتقيق اجلودة واملنافسة‪ ،‬والسري وفق‬
‫مقتضيات العوملة‪ .‬ويتطلب كل هذا تغيري عقلية اإلدارة واملدرس والتلميذ واآلبا واجملتم كله‪ .‬وال‬
‫ينبغي أن تبقى الوضعيات والكفايات يف إطارها الشكلي‪ ،‬أو مبثابة موضة عابرة أو حبيسة مقدمات‬
‫الكتب املدرسية‪ ،‬أو رهينة لتوجيهات الربامج الدراسية وفلسفتها البعيدة باعتبارها غايات ومواصفات‬
‫مثالية نظرية دون تطبيق أو ممارسة فعلية وميدانية‪ .‬وهنا‪ ،‬أستحضر قولة معربة بكل وضوح ملا نريد أن‬
‫نقصده ملبلور الكفايات فيليب پرينو(‪":)Perrenoud‬إذا ظلت املقاربة بالكفايات على مستوى‬
‫اخلطاب هلثا ورا املوضة‪ ،‬فإهنا ستغري النصوص لتسقط يف النسيان… […] أما إذا كانت تطمح إىل‬
‫تغيري املمارسات‪ ،‬فستصبح إصالحا من (النمط الثالث) ال يستغين عن مسا لة معىن املدرسة وغايتها"‬
‫‪152‬‬

‫‪ -152‬حسن بوتكالي‪ (:‬مفهوم الكفايات وبناؤها عند فيليب پرينو)‪ ،‬الكفايات يف التدريس بني التنظري واملمارسة‪ ،‬مطبعة أكدال‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪ ،5004‬ص‪.54:‬‬
‫‪194‬‬
‫وعليه‪ ،‬فللوضعيات أمهية كربى يف جمال الرتبية والتعليم؛ ألهنا تؤهل املتعلم ليكون إنسانا كفئا ومواطنا‬
‫مسؤوال‪ ،‬يعتمد على نفسه يف مواجهة املواقف الصعبة والوضعيات املستعصية‪.‬‬

‫املطلب السادس‪ :‬سياق الوضعيات‬

‫ال ميكن فهم الوضعيات إال إذا وضعناها يف سياقها االجتماعي والتارخيي‪ .‬فلقد استلزم التطور العلمي‬
‫والتكنولوجي املعاصر منذ منتصف القرن العشرين توفري أطر مدربة أحسن تدريب لتشغيل اآللة بكل‬
‫أمناطها؛ مما دف باجملتم الغريب إىل إعادة النظر يف املدرسة وطبيعتها ووظيفتها‪ ،‬بربطها بالواق واحلياة‬
‫وسوق الشغل قصد حماربة البطالة‪ ،‬والبحث عن أسباب الفشل املدرسي‪ ،‬وإجياد حل للالمساواة‬
‫االجتماعية‪ .‬ويعين هذا ربط املدرسة باملقاولة واحلياة املهنية والعوملة والقدرة التنافسية احملمومة‪ .‬أي‪:‬‬
‫على املدرسة أن تنفتح على الواق واجملتم معا لتغيريمها وإمدادمها باألكفا واألطر املدربة املاهرة‬
‫واملتميزة‪ .‬فال قيمة للمعارف واحملتويات الدراسية‪ ،‬إذا مل تقرتن مبا هو وظيفي ومهين وتقين وحريف‪ .‬إذاً‪،‬‬
‫فكل هذه العوامل هي اليت كانت ورا عقلنة املناهج الرتبوية‪ ،‬وجعلها فعالة ناجعة ذات مردودية‬
‫تأطريية وإبداعية‪.‬‬

‫وقد حاولت دول العامل الثالث‪ ،‬مبا فيها الدول العربية ( املغرب‪ ،‬واجلزائر‪ ،‬وتونس‪ ،‬وسلطنة عمان ‪-‬‬
‫مثال‪ ،)...-‬أن تتمثل هذا النموذج الرتبوي القائم على بيداغوجيا الكفايات والوضعيات ملسايرة‬
‫املستجدات العاملية‪ ،‬واإلنصات إىل متطلبات السوق الليربالية بغية احلد من البطالة‪ ،‬وتفادي الثورات‬
‫االجتماعية‪ ،‬واحلد من ظاهرة اهلجرة بكل أنواعها‪ ،‬م تبيئتها يف مدارسها خللق اجلودة والعقالنية‪،‬‬
‫وحتصيل املردودية الفعالة‪ .‬وبذلك‪ ،‬أصبحت الرتبية تابعة للسياسة االقتصادية للدولة وظروفها‬
‫االجتماعية والتمويلية‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول نيكو هريت (‪ ":)Nico Hirtt‬ما هو إذا عامل اليوم‬
‫هذا ؟ يتميز حميطنا االقتصادي بعنصرين اثنني‪ :‬أوال تقلب بالغ‪ ،‬وثنائية اجتماعية قوية‪ .‬ينجم عن‬

‫‪195‬‬
‫احتدام الصراعات التنافسية‪ ،‬وإعادة اهليكلة‪ ،‬وإغالق املصان ‪ ،‬وترحيل وحدات اإلنتاج‪ ،‬واللجو‬
‫املتسارع إىل اخرتاعات تكنولوجية زائلة أكثر فأكثر( سوا يف جمال اإلنتاج أم يف جمال االستهالك)‪.‬‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬تتمثل إحدى أهم مساعي أرباب العمل يف املرونة‪ .‬أي‪ :‬مرونة سوق العمل‪ ،‬ومرونة‬
‫العامل املهنية واالجتماعية‪ ،‬ومرونة أنظمة الرتبية والتكوين‪ ،‬وقابلية تكيف املستهلك‪.‬‬

‫مازالت سوق العمل حاليا منظمة بشكل قوي على أسس املؤهالت‪ .‬أي‪ :‬على أساس الشواهد‪ .‬ومتثل‬
‫الشهادة مجلة معارف ومهارات معرتف هبا‪ ،‬ختض ملفاوضات مجاعية‪ ،‬وختول حقوقا بشأن األجور‬
‫وشروط العمل أو احلماية االجتماعية‪ .‬وإلتاحة دوران أكثر ليونة لليد العاملة‪ ،‬بات أرباب العمل‬
‫يسعون لتدمري هذا الثنائي املتصلب‪ :‬مؤهالت‪ -‬شواهد‪ ،‬واستبداله بالثنائي كفايات‪ -‬شواهد مبنية‬
‫‪153‬‬
‫على وحدات تكوين( مصوغات أو جمزو ات‪")Modulaire.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يتبني لنا أن سياق الوضعيات يتمثل يف االنفصال بني النظرية والتطبيق‪ ،‬أو يف غربة املدرسة‬
‫عن الواق وسوق الشغل‪.‬‬

‫املطلب السابع‪ :‬خصائص الوضــعية‪ -‬املشكل‬

‫مثة جمموعة من اخلصائص اليت جيب أن تتميز هبا الوضعية املشكلة‪ -‬حسب أستوفلي‬
‫(‪ ،154)ASTOLFI‬نذكر منها‪:‬‬

‫‪ ‬ينبغي أن حتدد الوضعية عائقا ينبغي حله‪.‬‬

‫‪ ‬أن تكون الوضعية حقيقية ملموسة وواقعية تفرض على التلميذ صياغة فرضيات وختمينات‪.‬‬

‫‪ -153‬نيكو هرت‪ (:‬بصدد املقاربة عرب الكفايات هل حنتاج إىل عمال أكفا أم إىل مواطنني نقديني؟)‪ ،‬الكفايات يف التدريس بني النظرية‬
‫واملمارسة‪ ،‬مطبعة أكدال‪،‬الرباط‪،‬الطبعة األوىل سنة ‪5004‬م‪ ،‬ص‪.20 /41:‬‬
‫‪154‬‬
‫‪- Astolfi, j, p: ( Placer les élèves en situation – problème ? ). Dans Probio revue, 16, 4,‬‬
‫‪Bruxelles: Association des professeurs de biologie (ASBL) ,1993.‬‬
‫‪196‬‬
‫‪ ‬تشبه هذه الوضعية لغزا حقيقيا ينبغي حله‪ ،‬ومواجهته بالقدرات املكتسبة‪.‬‬
‫‪ ‬تكون ذات خصوصية حتدد جمال فعل الكفاية‪.‬‬

‫‪ ‬توصف ضمن لغة واضحة ومفهومة من قبل التلميذ‪.‬‬

‫‪ ‬تتطلب الوضعية معارف وقدرات ومهارات تساهم يف تكوين الكفاية يف شىت مستوياهتا املعرفية‬
‫واحلركية والوجدانية‪.‬‬

‫‪ ‬تتشابه م وضعية حقيقية ميكن أن تواجه األفراد خارج املدرسة‪ ،‬ضمن احلياة املهنية أو احلياة‬
‫اخلاصة‪.‬‬

‫‪ ‬ينبغي أن يكون املشكل الذي يعد للتلميذ مشكال حقيقيا‪ ،‬ال يكون فيه احلل بديهيا‪.‬‬

‫‪ ‬تشكل الوضعية فرصة يثري فيها التلميذ خرباته‪.‬‬

‫‪ ‬حتدد الوضعية وفق املستوى املعريف للتلميذ‪.‬‬

‫املطلب الثامن‪ :‬سياق بيداغوجيا الكفايات‬

‫ظهرت بيداغوجيا الكفايات بعد أزمة التشغيل اليت كانت تعاين منها‪ ،‬ومازالت تعاين منها دول العامل‬
‫الثالث؛ ألن املدرسة مل تعد وظيفية تساهم يف التنمية الشاملة‪ ،‬وحتقق املستقبل السعيد للمتعلمني‬
‫وخرجيي اجلامعات الذين يتزايدون سنة بعد سنة‪ .‬وقد سامهت هذه املدرسة غري الوظيفية يف ازدياد‬
‫أفواج العاطلني بشكل خطري‪ .‬لذا‪ ،‬فكرت الدول أن تربط املدرسة باحمليط وسوق الشغل‪ ،‬بتأهيل‬
‫املتعلمني تأهيال وظيفيا‪ ،‬وتكوينهم تكوينا كفائيا‪ ،‬بتسليحهم مبجموعة من القدرات والكفايات املهارية‬
‫واملعرفية واملنهجية واألدائية ملواجهة حتديات الواق املوضوعي‪ .‬مبعىن آخر‪ ،‬تزويد املتعلمني أو اخلرجيني‬

‫‪197‬‬
‫بكفايات ضرورية وأساسية‪ ،‬حيتاجوهنا يف أثنا مواجهتهم لوضعيات جديدة أو صعبة أو مركبة أو‬
‫معقدة أو متنوعة بغية التكيف م الواق املوضوعي‪ ،‬والسيما واق الشغل أو العمل‪.‬‬

‫ويف هذا السياق بالذات‪ ،‬ظهرت بيداغوجيا الكفيات لتعيد النظر يف وظيفة املدرسة اليت تركز كثريا على‬
‫املعارف الكمية على حساب الكفايات واملهارات والقدرات الوظيفية‪ .‬ومن مث‪ ،‬ركزت هذه النظرية‬
‫اجلديدة على ثالثة مكونات ضرورية‪ ،‬هي‪ :‬الكفايات‪ ،‬والوضعيات‪ ،‬والسياق الوظيفي‪ .‬ومن مث‪،‬‬
‫أصبحت مقاربة إجرائية ناجعة يف معاجلة مشاكل الرتبية والتعليم‪ ،‬وخاصة مشكل التقومي الذي يعتمد‬
‫على مفهوم جديد‪ ،‬هو مفهوم اإلدماج الذي يعين إدماج املتعلم ملوارده املكتسبة حني مواجهة‬
‫الوضعيات الصعبة‪.‬‬

‫وعلى العموم‪ ،‬تسعى بيداغوجيا الكفايات إىل تأهيل رجال الغد ونسائه لتحمل مسؤولياهتم بطريقة‬
‫قائمة على اإلبداعية‪ ،‬واملسؤولية الشخصية‪ ،‬واالرتكان إىل التعلم الذايت‪ ،‬ومواجهة املشاكل والوضعيات‬
‫اجلديدة‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬تسعى إىل تشجي املتعلم والطالب على البحث واالستكشاف واالبتكار‪،‬‬
‫ومواجهة الظروف الصعبة‪ .‬كما تساعده على التحلي بروح العمل‪ ،‬وحتقيق اجلودة‪ ،‬واملثابرة اجلادة‪،‬‬
‫واملبادرة احلرة‪ ،‬وحتمل املسؤولية‪ .‬أي‪ :‬تكوين مواطن مسؤول وكف ‪.‬‬

‫ويضاف إىل ذلك أن هذه النظرية الرتبوية اجلديدة هتدف إىل متهري املتعلم مبجموعة من الكفايات‬
‫األساسية واملستعرضة اليت جتعله يواجه خمتلف الوضعيات اليت تواجهه يف احلياة العملية‪ .‬لذا‪ ،‬فقد‬
‫ارتبطت هذه النظرية بسوق الشغل‪ ،‬وكان اهلدف منها هو متهني املتعلم لكي يواكب خمتلف التطورات‬
‫اليت قد تصادفه يف سوق العمل‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬البد للتعليم أن يكون وظيفيا مرتبطا بسوق الشغل‬
‫بغية القضا على البطالة واألمية الوظيفية‪ .‬ومن مث‪ ،‬فاملدرسة ‪ -‬حسب نظرية الكفايات‪ -‬هي آلية من‬
‫آليات اإلبداع واالبتكار واالخرتاع واإلنتاج والعمل والتطور الديناميكي‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫املطلب التاسع‪ :‬مقارنة بني بيداغوجيا األهداف وبيداغوجيا الكفايات‬

‫إذا كانت بيداغوجيا األهداف تعىن بوصف سلوك املتعلم من خالل التشديد على طبيعة السلوك‪،‬‬
‫وربطه بصاحبه‪ ،‬وتعيني اهلدف املرجو حتقيقه من ورا إجناز هذا السلوك‪ ،‬وتبيان الظروف اليت حتيط‬
‫هبذا السلوك‪ ،‬وحتديد معايري القياس اليت يتم هبا تقومي السلوك املالحظ‪ ،‬م جتزي احملتويات التعليمية‬
‫‪ -‬التعلمية إىل أهداف جزئية إجرائية مفتتة‪ ،155‬فإن بيداغوجيا الكفايات هي اليت تربط الكفايات‬
‫بوضعياهتا احلقيقية والسياقية‪ ،‬فتعليم لغة ما ‪ -‬مثال‪ -‬ال ميكن أن يكون ناجعا إال يف سياق اللغة‬
‫املرجعي واللغوي والتداويل‪.‬‬

‫كما أن هذه البيداغوجيا الكفائية كيفية ومهارية تقوي ملكات العقل‪ ،‬وتنمي املواقف والكفايات‬
‫املعرفية واملنهجية‪ ،‬وتتحول فيها احملتويات إىل قدرات وكفايات ووضعيات مرتابطة‪ .‬ويعين هذا أن‬
‫املقررات الدراسية تنتظم يف شكل كفايات ووضعيات متدرجة من السهولة إىل الصعوبة فالتعقيد‪ .‬ومن‬
‫مث‪ ،‬تتميز هذه الوضعيات بالتنوع وتعدد مسالكها وختصصاهتا الدراسية‪.‬‬

‫وإليكم ‪ -‬اآلن‪ -‬جدوال توضيحيا للمقارنة بني نظرية األهداف ونظرية الكفايات‪:‬‬

‫بيداغوجيا الكفايات‬ ‫بيداغوجيا األهداف‬


‫‪ -‬تعتمد على مدخل الوضعيات‪.‬‬ ‫‪ -‬تعتمد على مدخل احملتويات‪.‬‬
‫‪ -‬البحث عن السلوك املالحظ عرب ‪ -‬البحث عن استعماالت للقدرات‬
‫ضمن وضعيات خمتلفة ومتنوعة‪.‬‬ ‫احملتوى‪.‬‬
‫‪ -‬الرتكيز على أنشطة املتعلم‪.‬‬ ‫‪ -‬الرتكيز على إلقا املدرس‪.‬‬
‫‪ -‬حتديد السياق‪.‬‬ ‫‪ -‬عدم االرتباط بالسياق‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫‪-V. et G. Landsheere: Définir les objectifs de l’éducation, Liège et George Thoune‬‬
‫‪1975, p202.‬‬
‫‪199‬‬
‫‪ -‬موارد حمددة يف سلوكيات وأهداف ‪ -‬البحث عن معىن للتعلمات‪.‬‬
‫‪ -‬تعدد املوارد‪.‬‬ ‫إجرائية خاضعة للقياس‪.‬‬
‫‪ -‬الرتكيز على عملية التعليم‪ ،‬وليس على ‪ -‬تصنيف الوضعيات الكفائية اليت تسمح‬
‫بتكوين املتعلم ملواجهة خمتلف العوائق‬ ‫التعلم‪.‬‬
‫واملشاكل والوضعيات املعقدة واملركبة يف‬ ‫‪ -‬إنتاج معارف ختصصية‪.‬‬
‫الواقعني الرتبوي واملرجعي‪.‬‬ ‫‪ -‬املقاربة السلوكية‪.‬‬
‫‪ -‬مقاربة ذات مناذج معرفية وإبستمولوجية‬
‫متنوعة‪.‬‬

‫املطلب العاشر‪ :‬ختطيط الدرس يف ضوء بيداغوجيا الكفايات‬

‫ينبين ختطيط الدرس‪ ،‬يف ضو بيداغوجيا الكفايات‪ ،‬على جمموعة من اخلطوات الضرورية اليت تكمن يف‬
‫ما يلي‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تسطري الكفاي ــات‬

‫تتكون جذاذة الدرس من كفايات مسطرة يف شكل قدرات كفائية أساسية‪ ،‬أو كفايات نوعية‪ ،‬أو‬
‫كفايات مستعرضة وممتدة‪ ،‬كأن نقول مثال‪:‬‬

‫‪ -‬أن يكون التلميذ قادرا‪ ،‬يف آخر احلصة‪ ،‬على تركيب إنشا يف ستة أسطر‪ ،‬يصف فيه مسجد احلي‬
‫موظفا يف ذلك مجلتني حاليتني ومجلتني نعتيتني‪.‬‬

‫‪ -‬أن يكون املتعلم قادرا‪ ،‬يف آخر احلصة الدراسية‪ ،‬على إجناز مجي التطبيقات الكتابية يف ظرف رب‬
‫ساعة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬أن يكون املتعلم قادرا على استظهار آية قرآنية م تفسري مضامينها‪.‬‬

‫‪ -‬أن يكون املتعلم قادرا على بنا قاعدة الدرس يف أثنا املرحلة التكوينية‪.‬‬

‫وقد تكون الكفايات املسطرة معرفية‪ ،‬أو وجدانية‪ ،‬أو حسية حركية‪ ،‬أو منهجية‪ ،‬أو ثقافية‪ ،‬أو‬
‫تواصلية‪...‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬حتويل احملتويات إىل أنشطة ووضعيات‬

‫تكون حمتويات الدرس عبارة عن أنشطة تعلمية ووضعيات متنوعة ومتدرجة‪ ،‬سوا أكانت وضعيات‬
‫معرفية أم وجدانية أم حسية حركية‪ .‬وتتوزع هذه األنشطة بني ما يعود إىل املدرس وما يعود إىل املتعلم‪.‬‬
‫مبعىن أن هناك أنشطة املدرس وأنشطة املتعلم‪ .‬ومن املعلوم‪ ،‬أن املدرس هو الذي حيضر الوضعيات ‪-‬‬
‫املشكالت ليجيب عنها املتعلم‪ .‬وقد ميز دوكتيل (‪ )DE KETELE‬بني مخسة أمناط من األنشطة‬
‫التعلمية املرتبطة ببيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬وهي‪:156‬‬

‫‪ ‬أنشطة االستكشاف أو االستثمار‪.‬‬

‫‪ ‬أنشطة التعلم النسقي‪.‬‬

‫‪ ‬أنشطة البناء‪.‬‬

‫‪ ‬أنشطة اإلدماج‪.‬‬

‫‪ ‬أنشطة التقومي‪.‬‬

‫‪ -156‬انظر‪ :‬بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬ترمجة‪ :‬حلسن بوتكالي‪ ،‬منشورات جملة علوم الرتبية‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪5001 ،‬م‪ ،‬ص‪.72-77:‬‬
‫‪201‬‬
‫والميكن التمكن من هذه األنشطة الكفائية بشكل جيد ودقيق إال بتبياهنا على النحو التايل‪:‬‬

‫‪ ‬أنشطة االستكشاف أو االستثمار‪.‬‬

‫تقوم أنشطة االستكشاف على إثارة املتعلم ذهنيا ووجدانيا وحركيا‪ ،‬وجذبه إىل الوضعية اجلديدة بغية‬
‫إجياد حلول مناسبة ملا تطرحها من مشاكل عويصة‪ ،‬ودفعه إىل التفكري فيها‪ .‬ومن مث‪ ،‬تكون هذه‬
‫األنشطة متهيدية متزامنة م التقومي التمهيدي أو القبلي أو التشخيصي‪ ،‬وتتمحور حول التعلمات‬
‫االعتيادية أو املكتسبة أو التعلمات السابقة‪ .‬والفرق بني االستكشاف يف التعليم التقليدي والتعليم‬
‫املعاصر إال من باب وجود السياق؛ ألن الوضعيات ال تأخذ معناها ودالالهتا الوظيفية إال يف سياق‬
‫تداويل ومرجعي ما‪ .‬بيد أن ما يالحظ على مرحلة االستكشاف أن املتعلم هو الذي يقوم هبذا‬
‫االستكشاف‪ .‬يف حني‪ ،‬حيضر املدرس وضعيات االستكشاف الصعبة ليحلها املتعلم بطريقة منهجية‬
‫فاعلة وهادفة‪ .‬ويعين هذا أن املتعلم ينطلق يف استكشافه من وضعية املشكلة‪ ،‬فيختار احللول املمكنة‬
‫حلل هذه املشكلة املعقدة‪.‬‬

‫‪ ‬أنشطة التعلم النسقي‪.‬‬

‫تعتمد أنشطة التعلم النسقي على بنا املعارف بطريقة تدرجيية متناسقة‪ ،‬م مراعاة التدرج يف عملية‬
‫الرتابط واالتساق واالنسجام بني املوارد األساسية اليت ترتبط بكفاية ما‪ .‬وبتعبري آخر‪ ،‬فأنشطة التعلم‬
‫النسقي هي" تلك األنشطة اليت تتوخى تنظيم خمتلف املعارف واخلربات اليت متت معاجلتها أثنا أنشطة‬
‫االستكشاف‪ :‬ترسيخ املفاهيم‪ ،‬وبنينة املكتسبات وممارستها‪"157.‬‬

‫‪ -157‬انظر‪ :‬بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬ص‪.27:‬‬


‫‪202‬‬
‫وتذكرنا هذه األنشطة بطريقة املريب األملاين هربارت القائمة على التنسيق املنطقي بني جمموعة من‬
‫العمليات الديدكتيكية‪ ،‬مثل‪ :‬املراجعة‪ ،‬وقرا ة األمثلة‪ ،‬واستخراج القاعدة‪ ،‬والتنسيق بني الفقرات‪،‬‬
‫والتطبيق‪.‬‬

‫‪ ‬أنشطـ ــة البن ـ ــاء‪.‬‬

‫تتمثل أنشطة البنا أو البنينة يف الربط بني املكتسبات القدمية واجلديدة‪ ،‬أو الربط بني املفاهيم املتقاربة‪،‬‬
‫أو املقارنة بني املفاهيم والقضايا املتباعدة أو املتكاملة‪ .‬ويعين هذا أن مثة أنشطة‪ ،‬مثل‪ :‬التمارين‬
‫التطبيقية اليت تسعف املتعلم يف عملية الربط والدمج بني املعارف املكتسبة واملعارف اجلديدة‪ .‬وقد‬
‫تكون هذه البنينة يف مستهل الدرس‪ ،‬أو يف هنايته‪ ،‬بتجمي األفكار األساسية والثانوية والفرعية كلها‬
‫يف خالصة عامة‪ .‬كما تعتمد أنشطة البنا على اجلم بني عدة عمليات عقلية ومنطقية ورياضية‪،‬‬
‫كاجلم بني اجلم والضرب وحساب النسبة املائوية يف عملية واحدة ما‪ ،‬أو املقارنة بني رمسني‪...‬ومن‬
‫هنا‪ ،‬فإذا كانت" جل أنشطة االستكشاف ترتبط بتعلم اعتيادي‪ ،‬فقد نتصور أنشطة استكشاف ترتبط‬
‫مبجموع التعلمات‪ ،‬من أجل بنينة هذه التعلمات يف البداية‪.‬‬

‫األفكار األساسية والتمثيلية اليت تفسر للتلميذ جوهر احملتوى كله‪ ،‬عن‬ ‫وقد يتعلق األمر بإدخال بع‬
‫‪158‬‬
‫طريق األمثلة و‪ /‬أو التمارين‪ ،‬مما ميكنه من ربط املعارف اجلديدة مبعارفه السابقة وبتجربته‪".‬‬

‫ويعين هذا أن أنشطة البنا هتدف إىل الربط بني التعلمات السابقة والتعلمات اجلديدة‪.‬‬

‫‪ -158‬انظر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.13-10:‬‬


‫‪203‬‬
‫‪ ‬أنشطة التعلم حبل املشكالت‪.‬‬

‫يواجه املتعلم وضعية تتطلب حل مشكلة ما إما بشكل فردي وإما بشكل مجاعي‪ ،‬بالتفكري يف‬
‫حيثيات املشكلة من خالل سياقها التداويل‪ ،‬وتدبرها بشكل جيد‪ ،‬مث اقرتاح احللول املناسبة واملمكنة‬
‫ملعاجلة هذه املشكلة‪ .‬ومن مث‪ " ،‬حيقق التعلم حبل املشكالت نتائج أفضل من نشاط االستكشاف‪ ،‬يف‬
‫إيصال مفهوم دقيق؛ ألنه يقرتح وضعية‪ -‬مشكلة معقدة‪،‬تستلزم أن يقوم التلميذ بتعلمات متعددة‪،‬‬
‫متداخلة ومتمحورة حول هذه الوضعية يف اآلن نفسه‪ .‬وهي ليست نشاطا يستغرق دقائق أو ساعات‬
‫معدودة‪ ،‬وإمنا يتطلب عدة أيام‪ ،‬وأسابي ‪ ،‬أو حىت عدة أشهر‪ ...‬وتعتمد هذه املقاربة حاليا يف التعليم‬
‫‪159‬‬
‫العايل باخلصوص‪".‬‬

‫ويعين هذا أن البحث الذي يقوم به املتعلم يرتبط بفرضية أو مشكلة ما‪ ،‬تستوجب البحث والتنقيب‬
‫معا‪ ،‬ومج املادة إلجياد حل هلا‪.‬‬

‫‪ ‬أنشط ــة اإلدم ــاج‪.‬‬

‫يلتجئ املتعلم إىل أنشطة اإلدماج‪ ،‬بعد اكتساب املوارد‪ ،‬وبعد عمليات التوليف والرتكيب والدعم‬
‫واملراجعة من أجل مواجهة وضعية أو جمموعة من الوضعيات الصعبة بغية تثبيت كفاية ما متهيدا‬
‫وتطبيقا‪ .‬وبتعبري آخر‪ ،‬يستدمج املتعلم كل موارده املكتسبة لتوظيفها حلل الوضعية‪.‬أي‪ :‬إن" نشاط‬
‫اإلدماج هو نشاط ديدكتيكي يتوخى استدراج التلميذ لتحريك املكتسبات اليت كانت موضوع تعلمات‬
‫منفصلة‪ ،‬فهي ‪ -‬إذاً‪ -‬حلظات تعلمية تقوم على إعطا معىن لتلك املكتسبات‪.‬‬

‫التعلمات اليت‬ ‫وميكن أن نلجأ إىل أنشطة اإلدماج يف أية حلظة من التعلم‪ ،‬السيما يف هناية بع‬
‫تشكل كال داال‪ ،‬أي‪ :‬عندما نريد ترسيخ كفاية‪ ،‬أو حتقيق اهلدف النهائي لإلدماج‪.‬‬

‫‪ -159‬انظر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.22:‬‬


‫‪204‬‬
‫وتتغري أنشطة اإلدماج هاته‪ ،‬فأثنا التعلمات االعتيادية‪ ،‬قد تكون أنشطة قصرية (ال تتجاوز دقائق‬
‫معدودات) لوض مكتسبات عديدة ضمن سياق‪ .‬ويف هناية التعلم‪ ،‬تصري املدة مهمة‪ :‬قد متتد من‬
‫‪160‬‬
‫ساعة إىل عدة أيام‪".‬‬

‫وعليه‪ ،‬ينبين نشاط اإلدماج على فعالية املتعلم باعتباره بطال رئيسيا يف عملية بنا التعلمات‪ ،‬وحل‬
‫الوضعيات املشكالت‪ .‬كما يستلزم اإلدماج من املتعلم أن يعبئ كل موارده املستضمرة‪ ،‬بشكل من‬
‫األشكال‪ ،‬حلل الوضعية املطروحة عليه‪ .‬كما أن نشاط املتعلم نشاط ذو معىن‪ ،‬ومرتبط بوضعية‬
‫جديدة‪ ،‬وموجه حنو كفاية أو حنو هدف إدماج هنائي‪.‬‬

‫ومن أمثلة األنشطة اإلدماجية نشاط حول حل املشكالت‪ ،‬ونشاط خاص بوضعية تواصل‪ ،‬ومهمة‬
‫معقدة تنجز يف سياق معطى‪ ،‬وإنتاج حول موضوع معني‪ ،‬وزيارة ميدانية‪ ،‬وأعمال تطبيقية وخمتربية‪،‬‬
‫وابتكار عمل فين‪ ،‬وتدريب عملي‪ ،‬وإجناز مشروع بيداغوجي أو مشروع القسم‪...‬‬

‫ويرتكز نشاط اإلد ماج على حتديد الكفاية املستهدفة‪ ،‬وحتديد التعلمات اليت نريد دجمها‪ ،‬واختيار‬
‫وضعية ما تكون دالة وجديدة تراعي مستوى املتعلم‪ ،‬وتتيح فرصة إلدماج ما نريد أن يتعلمه التلميذ‪،‬‬
‫ووض صيغ التطبيق‪ ،‬مثل‪ :‬ما يقوم به املتعلم‪ ،‬وما يقوم به املدرس‪ ،‬وإعداد الوسائل املتوفرة‪ ،‬وحتديد‬
‫املطلوب بدقة‪ ،‬وتبيان أشكال العمل(فردي – مجاعي‪ -‬اجملموعات‪ ،)...‬وتوضيح مراحل العمل‪،‬‬
‫املزالق اليت ينبغي جتنبها‪.‬‬ ‫واإلشارة إىل بع‬

‫‪ ‬أنشط ــة التقويــم‪.‬‬

‫يرتبط التقومي بعمليات اإلدماج‪ .‬مبعىن أن التقومي يف هذا اجملال إدماجي يقيس كفايات املتعلم وطريقة‬
‫استدماجه للموارد‪ ،‬وكيفية حله للوضعية املشكلة‪ .‬ويقوم التقومي على أنشطة التقدير والقياس‬

‫‪ -160‬انظر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.15-13:‬‬


‫‪205‬‬
‫والتصحيح واملعاجلة‪ .‬ويعين هذا أن أنشطة التقومي هي مبثابة وضعيات استدماجية تتطلب حال من قبل‬
‫املتعلم اعتمادا على جمموعة من موارده ومكتسباته السابقة‪ ،‬م مراعاة السياق التداويل والنصي‬
‫واملرجعي والشخصي‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬اختيار الوسائـل والطرائق الديدكتيكية املناسبة‬

‫البد من متثل الطرائق البيداغوجية اليت تتال م م بيداغوجيا الكفايات واإلدماج‪ ،‬باالنفتاح على‬
‫الوسائل اللفظية والبصرية والرقمية املتنوعة واملختلفة‪ ،‬واستعمال النصوص والوثائق واملصادر واملراج‬
‫واألسناد واألسئلة والتعليمات ومعايري التصحيح ومؤشرات التقومي‪ .‬إذاً‪ ،‬فمن األجدى اختيار طريقة‬
‫بيداغوجية تالئم نشاطا كفائيا ما‪ ،‬و"ال خيفى أن هناك طرائق عديدة ميكن اتباعها؛ ومنها الطرائق اليت‬
‫تركز على نشاط التلميذ مثل طريقة حل املشكالت‪ ،‬أو الطرائق اليت تنظم التعلمات حول مشروع‬
‫معني(بيداغوجيا املشروع)‪ ،‬أو حول نشاط وظيفي( دوكرويل‪ -‬فريين)‪ ،‬ومنها أيضا جمموع املمارسات‬
‫البيداغوجية اليت تفردن األنشطة حسب مواصفات التالميذ واهتماماهتم‪ .‬وهو إجرا مهم من منظور‬
‫اإلدماج‪ ،‬حبيث إن املكتسبات املختلفة ترتسخ بشكل فردي لدى التلميذ‪ ،‬مبا فيها األهداف النوعية‬
‫والقدرات والكفايات‪"161.‬‬

‫ويعين هذا كله أن بيداغوجيا الكفايات تستفيد من كل الطرائق البيداغوجية والوسائل الديدكتيكية‬
‫املمكنة اليت تساعد املتعلم على حل مجي الوضعيات اليت يواجهها يف واقعه احلي‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬التطبيــق الكفائي‬

‫من أجل تثبيت كفاية ما لدى املتعلم‪ ،‬أو التأكد من حتقيقها‪ ،‬البد من تقدمي للمتعلم جمموعة من‬
‫التطبيقات واألنشطة التقوميية يف شكل وضعيات قصرية أو طويلة‪ ،‬تتدرج يف البساطة والتعقيد‪ .‬وتستلزم‬
‫‪ -161‬انظر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.24:‬‬
‫‪206‬‬
‫أن يوظف املتعلم كل مكتسباته السابقة وموارده القدمية ملواجهة وضعية جديدة‪ ،‬حمددة يف الزمان‬
‫واملكان والسياق‪.‬‬

‫ومثة كتب وكراسات عبارة عن تطبيقات حول الوضعيات الكفائية واالستدماجية‪ .‬وهي مبثابة أنشطة‬
‫ووضعيات متدرجة يف البساطة والتعقيد‪ ،‬وتكون التمارين املوجودة يف الكتب املدرسية والكراريس‬
‫التطبيقية مرتبطة بكفاية ما‪ .‬لذا‪ ،‬تتنوع األنشطة على الرغم من اشرتاكها يف خدمة كفاية معينة‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فدور املدرس هو بلورة جمموعة من الوضعيات واملشكالت الضرورية وتنظيمها من أجل‬
‫مساعدة املتعلم على اكتساب كفايات معينة‪ ،‬يف عالقة مبحتويات ومضامني املقررات الدراسية‪ .‬ويعين‬
‫هذا أن املدرس حيدد كفاية أساسية ما‪ ،‬مثل‪ :‬كفاية القرا ة أو الكتابة أو التعبري‪ ،‬مث حيدد جمموعة من‬
‫األنشطة يف شكل وضعيات ومشاكل متدرجة يف ترابط تام م احملتويات املقررة‪.‬‬

‫املطلب احلادي عشر‪ :‬أنـ ـواع التقويـ ــم يف بيداغوجيا الكفايات‬

‫ترتبط بيداغوجيا الكفايات بالتقومي اإلدماجي كما وضحه البلجيكي روجرز كزافيي ( ‪Xavier‬‬
‫‪ .162)Roegiers‬ويهدف هذا التقومي اجلديد إىل تطوير الكفايات يف التعليم االبتدائي واإلعدادي‬
‫والعايل‪ ،‬ب إعطا املعىن للتعلمات‪ .‬ومن مث‪ ،‬فقد كان التقومي ينصب على املعارف واإلنتاج دون االهتمام‬
‫بالكفايات‪ .‬ومن مث‪ ،‬فهذه الطريقة تساعد على النجاح من خالل متهري املتعلم مبجموعة من الكفايات‬
‫اإلدماجية اليت تسعفه يف حل مشاكل الواق ‪ .‬وللتمثيل‪ :‬حينما نقول من الضروري أن حنمي البيئة‪،‬‬
‫فهذا هدف عام‪ ،‬ال ميكن تقوميه بشكل من األشكال‪.‬لكن حينما نض هذا اهلدف يف شكل وضعية‬

‫‪162‬‬
‫‪- ROEGIERS, X. Des situations pour intégrer les acquis. Bruxelles: De Boeck‬‬
‫‪Université.2003.‬‬

‫‪207‬‬
‫بالرتكيز على األسباب واحللول‪ ،‬ميكن احلديث آنذاك عن وضعية مشكلة هادفة وبنا ة‪ .‬وبالتايل‪،‬‬
‫الميكن أن تتعدى الكفايات ثالثا يف السنة يف ختصص معني‪ ،‬وإذا تعدينا ذلك‪ ،‬فسنلتجئ إىل التقطي‬
‫وجتزي احملتويات أكثر فأكثر‪.‬‬

‫ويضاف إىل ذلك أنه البد أن يكون التقومي عبارة عن وضعيات معقدة ومركبة من أجل التثبت من‬
‫مدى متلك املتعلم للكفايات احلقيقية‪ ،‬والبد أن توض تلك الوضعيات يف سياقات واقعية حية‪ ،‬بتقدمي‬
‫جمموعة من الصور واألسناد والبيانات ملعاجلتها‪ .‬ويرتتب على ذلك صدق التقومي وثباته‪ .‬وهذا ما‬
‫يسمى ببيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬أو املقاربة عرب الكفايات األساسية‪.‬‬

‫وبنا على ما سبق‪ ،‬ننتظر من املتعلم إجابات أصيلة ومبدعة حلل وضعية ما‪ ،‬والبد من تقومي ما أنتجه‬
‫املتعلم يف ضو جمموعة من املعايري اليت يسميها روجرز مؤشرات التصحيح ( ‪critères de‬‬
‫‪ .) correction‬ومن مث‪ ،‬فمعيار التصحيح هو ذلك املؤشر الذي ينبغي مراعاته يف إنتاج التلميذ‪،‬‬
‫مثل‪ :‬اإلنتاج الواضح الدقيق‪ ،‬واإلنتاج املنسجم‪ ،‬واإلنتاج األصيل‪....‬إذاً‪ ،‬فاملؤشر هو وجهة نظر من‬
‫خالهلا نقوم عمال ما‪ .‬فإذا أردنا أن نقوم العبا رياضيا ما‪ ،‬فقد نركز على األناقة‪ ،‬وجودة اللعب‪،‬‬
‫وانسجام الفريق‪ ،‬واإلنتاجية‪.‬‬

‫ومن أهم مؤشرات التقومي املؤشر األدىن (‪ )Critère minimal‬ومؤشر اإلتقان‪ .‬فمؤشر األدىن‬
‫الشروط لتحقيق كفاية ما‪ ،‬كأن نقول بأن السباح الكف هو الذي ال يغرق‪.‬‬ ‫هو الذي حيدد بع‬
‫وبالتايل‪ ،‬حيافظ على توازنه‪ .‬أما إذا أضفنا كفايات أخرى‪ ،‬مثل‪ :‬السرعة‪ ،‬وشدة احلركة‪ ،‬واألناقة‪،‬‬
‫واحرتام القواعد‪ ،‬فإننا ننتقل إىل مؤشر اإلتقان(‪.)critère de perfectionnement‬‬

‫‪208‬‬
‫والبد من التقليل من املؤشرات الدنيوية‪ ،‬وإال سنكون قساة م املتعلمني‪ ،‬حينما تتضخم هذه‬
‫املؤشرات التقوميية‪ .‬ويعين هذا أن التقومي اليبىن على حمك األخطا ‪ ،‬بل يبىن على قياس الكفايات‬
‫املهارية‪ ،‬فليس هناك من ال خيطئ ‪ ،‬وال يعقل أن يكون اخلطأ هو املعيار الوحيد للتقومي‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وميكن االستعانة أثنا التقومي اإلدماجي بقاعدة دوكيتيل (‪ )De Ketele‬اليت تسمى بقاعدة‬
‫‪ .1/5‬مبعىن أن نسبة النجاح الكفائي هو اإلجابة عن وضعيتني من ثالث وضعيات‪ .163‬والبد من‬
‫االحتكام أوال إىل املؤشر األدىن بدل االحتكام إىل مؤشر اإلتقان التكميلي‪.‬‬

‫والبد أن تكون معايري مؤشر األدىن مستقلة عن بعضها البع ‪ ،‬فال يعقل أن تكون األسئلة مرتابطة‬
‫ومتتابعة ومتناسلة؛ ألننا سنكون قساة م املتعلمني‪ ،‬بل البد أن تكون األسئلة منفصلة ومستقلة عن‬
‫لكي تكون هناك حظوظ متوفرة أمام املتعلم‪ .‬عالوة على وجود معيار االنسجام الذي‬ ‫بعضها البع‬
‫يستلزم ترابط أجزا املوضوع منهجيا ومنطقيا‪ ،‬ومعيار املال مة الذي يعين تالؤم أجوبة املتعلم م‬
‫تعل يمات الوضعية ومعطياهتا‪ ،‬ومعيار االستعمال السليم لتقنيات التخصص‪ ،‬ومعيار االتساق الداخلي‪.‬‬
‫وبطبيعة احلال‪ ،‬هذا له عالقة بالكفاية األساسية والكفاية النوعية‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬يتضمن اختبار التقومي ثالثة شروط هي‪:‬‬

‫‪ ‬أن يتال م التقومي م الكفايات املطلوبة تقوميها‪.‬‬

‫‪ ‬أن تكون الكفايات دالة وحمفزة على العمل‪.‬‬

‫‪ ‬أن تنصب الكفايات على قيم إجيابية كاملواطنة ومحاية البيئة مثال‪.164‬‬

‫‪163‬‬
‫‪- DE KETELE, J.M. L'évaluation des acquis scolaires: quoi ? Pourquoi ? Pour quoi ?,‬‬
‫‪Revue Tunisienne des Sciences de l'Éducation, 23,1996, p. 17-36.‬‬
‫‪209‬‬
‫كما يبىن االختبار اإلدماجي عرب جمموعة من احملطات على النحو التايل‪:‬‬

‫‪‬حتديد الكفايات اليت ينبغي تقوميها‪.‬‬

‫‪‬بنا وضعية أو وضعيتني جديدتني مالئمتني للكفاية‪.‬‬

‫‪‬وض معايري التقومي املستقلة بشكل واضح ودقيق يف ضو قاعدة ‪.1 /5‬‬

‫‪ ‬كتابة األسناد والتعليمات لكي تكون املهمة اليت ينبغي إجنازها من قبل املتعلم واضحة‪.‬‬

‫‪ ‬حتديد مؤشرات التصحيح اليت سيعتمد عليها املدرس حني تصحيح ورقة االختبار‪.‬‬

‫‪ ‬وض شبكة التصحيح‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فمن األفضل واألجدى االكتفا بوضعية واحدة أو وضعيتني على األقل‪ ،‬وعدم تقسيم‬
‫التعليمات إىل أسئلة فرعية جزئية متعددة‪ ،‬جيعل املتعلم أمام صعوبات معرفية ومنهجية بسبب تعدد‬
‫األسئلة اليت قد تكون متشاهبة وتابعة للتعليمة األوىل أو الثانية أو الثالثة‪ .‬مبعىن بنا أسئلة مستقلة‬
‫هادفة وناجعة‪ .‬والبد من جتذير الوضعية داخل سياقها التداويل‪ ،‬وتكون وضعية جديدة‪ ،‬ويكون‬
‫اإلنتاج أصيال‪ .‬كما جيب االبتعاد عن نصوص ووثائق وأسناد معروفة‪ ،‬فالبد أن تكون جديدة‬
‫وموضوعة ضمن سياق جديد‪.‬‬

‫وتقوم املؤشرات بدور هام يف توفري تصحيح عادل‪ ،‬فقد يكون مؤشرا كيفيا‪ ،‬كأن نطالب املتعلم‬
‫بتوظيف أفعال أو صفات أو أحوال أو تشابيه أو استعارات يف وصفه‪ ،‬وقد يكون مؤشرا كميا‪ ،‬حينما‬
‫نطالب املتعلم على مستوى الرتكيب بتوظيف ثلثي من اجلمل صحيحة لكي ينال ‪.1 / 5‬‬

‫‪164‬‬
‫‪-ROEGIERS, X. Des situations pour intégrer les acquis. Bruxelles: De Boeck‬‬
‫‪Université.2003.‬‬
‫‪210‬‬
‫وعليه‪ ،‬فللتقومي اخلاض للمعايري واملؤشرات فوائد مهمة ‪ -‬حسب روجرز ‪ -‬هي‪:165‬‬

‫‪ ‬تكون النقط عادلة‪ .‬مبعىن أن التقومي ينصب ‪ -‬هنا‪ -‬على الكفايات‪ .‬ومن مث‪ ،‬فكثري من الراسبني‬
‫يف الرتبة التقليدية قد يكونوا ناجحني‪ ،‬وكم من ناجح يستحق اإلخفاق يف النظرية اجلديدة‪ ،‬مادام‬
‫اهلدف هو الرتكيز على الكفايات والقدرات املهارية‪ ،‬وليس على املعلومات وكثرة املعارف‪.‬‬

‫‪ ‬تثمني النقط اإلجيابية‪ ،‬بتقومي العناصر األساسية‪ ،‬وإظهار مواطن القوة والعناصر اإلجيابية يف‬
‫إنتاجات املتعلمني‪.‬‬

‫‪ ‬حتديد هوية التلميذ الذي يستحق النجاح أو اإلخفاق‪.‬‬

‫مؤشرات التقومي لتحقيق مدرسة النجاح واألمل‪ .‬فكلما زادت معايري التقومي‪ ،‬ضاع‬ ‫البد من ختفي‬
‫التلميذ بني هذه املؤشرات‪ .‬وبالتايل‪ ،‬ال يستطي التحكم يف األجوبة املتعددة‪ .‬لذا‪ ،‬فالبد من االكتفا‬
‫مبؤشرين أو ثالثة‪ .‬كما ميكن االكتفا بكفايتني أو ثالث كفايات أساسية‪ .‬وكلما أكثرنا من مؤشرات‬
‫التقومي‪ ،‬وخاصة إذا كانت مؤشرات تابعة وغري مستقلة‪ ،‬فإننا نرتكب ظلما يف حق املتعلم الذي نعاقبه‬
‫مرات متعددة على اخلطإ نفسه‪ .‬ومن األفضل كذلك أن يعرف املتعلم معايري التقومي لكي يستأنس هبا‪،‬‬
‫فيعطي كل ما لديه‪ .‬وبالتايل‪ ،‬ميكن أن يلتجئ إىل التقومي الذايت‪.‬‬

‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬يعتمد التقومي اإلدماجي على تسطري وضعية معينة مرتبطة مبواردها وسندها‬
‫وحاملها وتعليماهتا ومعايريها ومؤشراهتا التقوميية‪ .‬باإلضافة إىل وض شبكات التمرير والتحقق واملعاجلة‬
‫والدعم واالستدراك‪ .‬ومن املعروف أن املدرس املدبر يقدم للمتعلم ثالثة أنواع من األنشطة الدراسية‪:‬‬

‫‪165‬‬
‫‪- ROEGIERS, X:L'école et l'évaluation. Bruxelles: De Boeck Université.2004.‬‬
‫‪211‬‬
‫‪‬أنشطة ديدكتيكية‪ ،‬أو ما يسمى أيضا باملوارد أو التعلمات‪ ،‬وترد يف شكل معارف عقلية‬
‫وذهنية‪ ،‬أو يف شكل قيم ومواقف وجدانية‪ ،‬أويف شكل مهارات سلوكية حسية حركية؛‬

‫‪‬أنشطة موازية تكميلية هتدف إىل خدمة املتعلم تسلية وإفادة؛‬

‫‪‬الوضعيات اإلدماجية اليت توظف األسناد املكتوبة واملصورة حلمل املتعلم على تعبئة املوارد اليت‬
‫اكتسبها أثنا أسابي تعلم املوارد‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬تنقسم السنة الدراسية‪ ،‬يف التعليم االبتدائي واإلعدادي والثانوي‪ ،‬إىل أربعة وثالثني أسبوعا‬
‫كامال من النشاط الفعلي‪ ،‬يطابقها حجم حصصي من ‪3000‬إىل ‪3500‬ساعة‪ .‬وتنقسم السنة‬
‫الدراسية إىل أرب مراحل أو درجات‪ .‬وتتكون كل مرحلة من مثانية أسابي ؛ إذ خيصص األسبوع األول‬
‫والثاين والراب واخلامس إلرسا موارد الكفاية‪ .‬وخيصص األسبوع الثالث من كل مرحلة للربط والتوليف‬
‫والدعم والتقومي‪ ،‬أو ما يسمى كذلك باإلدماج اجلزئي‪ .‬بينما خيصص األسبوع الساب والثامن لإلدماج‪،‬‬
‫فالساب إلمنا الكفاية‪ ،‬وخيصص األسبوع الثامن لتقوميها معاجلة وتصحيحا ودعما‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫ويستلزم تدبري الوضعية اإلدماجية أن تقدم للتلميذ املتعلم جمموعة من املوارد يف شكل وضعيات مركبة‬
‫متنوعة بغية استدماج كل مكتسباته املعرفية ومواقفه الوجدانية ومهاراته احلسية احلركية من أجل إجياد‬
‫حلول مناسبة لتلك الوضعيات املتدرجة يف السهولة والصعوبة‪ .‬وينتقل املتعلم إىل إمنا كفايته الشفوية‬
‫أو الكتابية‪ ،‬بإجناز جمموعة من الوضعيات اإلدماجية تعلما وتطبيقا‪ ،‬بعد جمموعة من أسابي إرسا‬
‫املوارد‪ ،‬والربط بني التعلمات توليفا وتقوميا‪.‬‬

‫وبعد االنتها من اإلدماج‪ ،‬يلتجئ املدرس إىل تقومي الكفايات املستهدفة‪ ،‬وتصحيحها يف ضو معايري‬
‫الدعم املناسبة ومؤشرات التقومي اإلدماجي رغبة يف إجياد حلول عالجية داخلية وخارجية‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يعتمد املدرس‪ ،‬يف تدبري الوضعية اإلدماجية‪ ،‬على دفرت أو كراسة الوضعيات اإلدماجية اليت‬
‫تتضمن جمموعة من الوضعيات واألسناد والصور األيقونية والوثائق الديدكتيكية املرفقة مبجموعة من‬
‫التعليمات وسلم التنقيط‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬هناك دليل اإلدماج‪ ،‬ويشتمل على بطاقات التمرير أو‬
‫االستثمار‪ ،‬وشبكات التحقق‪ ،‬وكذلك شبكات التصحيح‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬يستوجب تدبري الوضعية اإلدماجية أربعة مراحل متكاملة ومتتابعة‪ ،‬هي‪:‬‬

‫‪ ‬فهم الوضعية اإلدماجية عنوانا‪ ،‬وسياقا‪ ،‬وأسنادا‪ ،‬وصورا‪ ،‬ومقصودا‪ ،‬واستيعاب التعليمات بشكل‬
‫جيد‪.‬‬

‫‪ ‬إجناز العمل املطلوب باحرتام تعليمات الوضعية‪ ،‬وإجناز العمل كما هو مطلوب وموصوف‪،‬‬
‫واستثمار الصور والوثائق بشكل جيد خلدمة املوضوع‪.‬‬

‫‪‬التحقق من جودة اإلنتاج بالتحقق من مراعاة املواصفات‪ ،‬ومقارنة قيمة اإلنتاج باإلنتاج املنتظر‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫‪ ‬املعاجلة الداخلية واخلارجية تقوميا وتصحيحا ودعما من أجل تطوير اإلنتاج‪ .‬وهنا‪ ،‬يعتمد‬
‫التصحيح الذايت وحتسني اإلنتاج‪.‬‬

‫وتعد املعاجلة الطريقة اليت تدف املتعلم إىل حتقيق النجاح الدراسي‪ .‬ويلتجئ إليها املدرس بعد االنتها‬
‫من عملية تصحيح الفروض أو االختبارات واالمتحانات والروائز بغية تشخيص مواطن الضعف والقوة‪،‬‬
‫بتمثل املعاجلة الداخلية الرتبوية والديدكتيكية‪ ،‬ومتثل املعاجلة اخلارجية ذات الطابعني النفسي‬
‫واالجتماعي‪ .‬مبعىن أن املعاجلة هتدف إىل اكتشاف األخطا وتشخيصها ووصفها‪ ،‬وتقدمي معاجلة‬
‫إجرائية ناجعة‪ .‬ومن مث‪ ،‬تستند املعاجلة الديدكتيكية إىل أرب مراحل‪:‬‬

‫‪ ‬الكشف عن األخطا ‪.‬‬

‫‪ ‬وصف األخطا ‪.‬‬

‫‪ ‬البحث عن مصادر اخلطإ‪.‬‬

‫‪ ‬هتيئ عدة املعاجلة‪.‬‬

‫ويعين هذا أن املصحح أو املقوم يبدأ بتحديد األخطا اليت ارتكبها املتعلم يف موضوعه حسب سياقها‬
‫ومظاهنا‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬يصف األخطا املرصودة يف اإلنتاج الشخصي‪ ،‬فيصنفها إىل أنواع‪ ،‬مثل‪ :‬أخطا‬
‫صوتية‪ ،‬وأخطا إمالئية‪ ،‬وأخطا صرفية‪ ،‬وأخطا داللية‪ ،‬وأخطا تركيبية‪ ،‬وأخطا تداولية‪...‬وبالتايل‪،‬‬
‫حيدد مواطن الضعف والقوة لدى املتعلم بالبحث عن أسباب هذه األخطا ‪ ،‬متسائال عن مصدرها‪:‬‬
‫هل ترج إىل مصدر داخلي ديدكتيكي وتربوي أم إىل مصدر خارجي نفسي واجتماعي؟! مبعىن‬
‫البحث عن عوامل ذاتية وموضوعية‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫ويف األخري‪ ،‬يقرتح جمموعة من اإلسرتاتيجيات لتجاوز هذه األخطا والنواقص والتعثرات اليت قد ترتبط‬
‫باملدرس‪ ،‬أو املتعلم‪ ،‬أو بالنظام الرتبوي العام‪ .‬وال تتم املعاجلة إال إذا تكرر اخلطأ مرات عدة‪.‬أما الذي‬
‫يقوم باملعاجلة‪ ،‬فقد يكون املدرس نفسه‪ ،‬أو املتعلم نفسه يف إطار التصحيح الذايت‪ ،‬أو تلميذ آخر‪ ،‬أو‬
‫قد يكون أخصائيا نفسانيا أو أخصائيا اجتماعيا أو ملحقا إداريا أو تربويا‪ ،‬وقد يلتجئ كذلك إىل‬
‫وسائل اإلعالم والسجالت الذاتية والربامج الرقمية‪...‬‬

‫ومن أهم اإلسرتاتيجيات يف املعاجلة أنه ميكن االعتماد على‪:‬‬

‫‪ ‬التغذية الراجعة أو الفيدباك لتصحيح العملية الديدكتيكية‪ ،‬وسد ثغراهتا املختلفة واملتنوعة‪ ،‬وتفادي‬
‫نواقصها وعيوهبا‪ ،‬سوا أقام بتلك التغذية الراجعة املدرس أم التلميذ نفسه اعتمادا على أدلة التصحيح‪.‬‬

‫‪ ‬املعاجلة بالتكرار أو بالعمليات التكميلية‪.‬أي‪ :‬مبراجعة املكتسبات السابقة‪ ،‬وإضافة متارين تكميلية‬
‫مساعدة للتقوية وتثبيت املعارف والقواعد األساسية‪.‬‬

‫‪ ‬متثل منهجيات تعلمية جديدة‪ ،‬كمنهجية اإلدماج‪ ،‬ومنهجية االستكشاف‪ ،‬واالعتماد على التعلم‬
‫الذايت‪ ،‬ومتثل التعلم النسقي‪.‬‬

‫‪ ‬إجرا تغيريات يف العوامل األساسية‪ ،166‬كتوفري احلياة املدرسية داخل املؤسسة‪ ،‬وإعادة توجيه‬
‫املتعلم من جديد‪ ،‬وتغيري فضا املدرسة‪ ،‬وخلق أجوا مؤسساتية دميقراطية‪ ،‬واالستعانة باألسرة أو‬
‫علما النفس واالجتماع والطب لتغيري العوامل السلبية اليت يعيشها املتعلم يف ظلها‪.‬‬

‫وخالصة القول‪ ،‬يتبني لنا ‪ -‬مما سبق ذكره‪ -‬أن بيداغوجيا الكفايات هي اليت تنصب على املتعلم‪،‬‬
‫وتعىن بتطوير الكفايات والقدرات لديه‪ ،‬بوضعه أمام الوضعيات‪ -‬املشكالت اليت تستوجب حال‬

‫‪ -166‬انظر‪ :‬بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬ص‪.351:‬‬


‫‪215‬‬
‫ناجعا انطالقا من سياق ما‪ .‬مبعىن أن بيداغوجيا الكفايات هي مقاربة تربوية جديدة‪ ،‬تعطي األولوية‬
‫للمتعلم الذي ميلك القدرة على اكتساب املعارف واملوارد اليت ينبغي توظيفها يف أثنا مواجهته‬
‫للوضعيات الصعبة واملعقدة‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬هتدف هذه املقاربة الرتبوية املعاصرة إىل تكوين متعلم كف ‪ ،‬يعرف كيف يستثمر املعرفة‬
‫ويوظفها‪ ،‬ويعرف كيف ينمي تفكريه بطريقة ميتامعرفية‪ .‬ومن مث‪ ،‬ال هتتم هذه املقاربة باحملتويات‬
‫واملعارف كما هو حال املدرسة التقليدية‪ ،‬بقدر ما هتتم بالكيف والوعي بطريقة اكتساب املعارف‬
‫واملهارات واملواقف والكفايات التواصلية والثقافية واملنهجية‪ .‬ويعين هذا أن هذه النظرية تربط الكفايات‬
‫بالوضعيات داخل سياق تداويل ما‪.‬‬

‫وأهم إجيابية متتاز هبا هذه املقاربة الرتبوية هو إعادة النظر يف مقاييس التقومي واالختبار‪ ،‬واالستعانة‬
‫بالتقومي اإلدماجي الكفائي يف احلكم على الكفا ات والقدرات التعلمية‪ .‬ومن مزايا هذه املقاربة كذلك‬
‫أهنا تتب احلياة الشخصية للمتعلم طوال مساره الدراسي‪ ،‬فتقيم عالقة تفاعلية إجيابية بني املتعلم‬
‫واملعلم‪ ،‬م جتذير النشاط التعلمي يف احلياة الشخصية للمتعلم‪.‬فضال عن الرتكيز على ماهو كيفي‬
‫ومنهجي ومهاري‪.‬‬

‫بيد أنه الميكن تطبيق هذه املقاربة يف األقسام التعليمية املكتظة بالتالميذ‪ .‬والميكن أيضا متثلها يف‬
‫الفصول ال دراسية العادية اليت فيها تعدد يف الفوارق الفردية الناجتة عن سياسة اخلريطة املدرسية‪ .‬ويتعذر‬
‫أيضا تطبيقها يف األقسام املشرتكة كما هو الشأن يف املغرب‪ .‬كما تستوجب هذه املقاربة أن حيضر‬
‫املدرس الكفائي جمموعة من الوضعيات الصعبة اليت تتناسب م مستوى املتعلم‪ .‬ناهيك عن تعقد‬
‫مساطري التقومي اإلدماجي بالنسبة للمدرس‪ .‬كما أن احلاجة ماسة إىل تكوين املدرس يف إطار هذه‬
‫البيداغوجيا تكوينا كفائيا حقيقيا ومنتجا ومبدعا وهادفا‪ ،‬حيث يصبح املدرس موجها ومرشدا وحمضرا‬

‫‪216‬‬
‫للوضعيات اإلدماجية‪ ،‬وليس معلما‪ ،‬أو ملقنا‪ ،‬أو مالكا للمعرفة املوسوعية اليت يريد أن يشحن هبا‬
‫عقل املتعلم كما‪ ،‬وليس كيفا‪.‬‬

‫املبحث السادس‪ :‬بيداغوجيا امللكات‬


‫عرف املغرب جمموعة من النظريات الرتبوية والطرائق البيداغوجية‪ ،‬مثل‪ :‬طرائق التعليم العتيق‪ ،‬والتعليم‬
‫الطائفي النخبوي إبان االستعمار الفرنسي‪ ،‬ونظرية البديل الوطين القائمة على املبادئ األربعة‪:‬‬
‫التعريب‪ ،‬والتوحيد‪ ،‬والتعميم‪ ،‬واملغربة‪ .‬عالوة على نظريات أخرى تبلورت بعد استقالل املغرب مباشرة‪،‬‬
‫كاملذهب التعليمي اجلديد‪ ،‬أو مذهب بنهيمة‪ ،‬ونظرية الوحدة والفروع‪ ،‬وطريقة يوهان فريدريش‬
‫هربارت‪ ،‬والنظريات اللسانية‪ ،‬ونظرية األهداف‪ ،‬ونظرية الكفايات‪ ،‬ونظرية اجلودة‪ ،‬ونظرية الشراكة‪،‬‬
‫ونظرية اجملزو ات‪ ،‬ونظرية مدرسة املستقبل‪ ،‬ونظرية الذكا ات املتعددة‪ ،‬والبيداغوجيا اإلبداعية‪ .‬وأخريا‪،‬‬
‫تظهر نظرية امللكات اليت تعد أول نظرية تربوية عربية أصيلة يف عصرنا هذا‪ .‬وتقرتن هذه النظرية املتميزة‬
‫بالباحث املغريب حممد الدريج الذي أثرى الساحة الرتبوية املغربية والعربية مبجموعة من املؤلفات القيمة‬
‫يف جمايل البيداغوجيا والديدكتيك‪.‬‬

‫إذاً‪ ،‬ما مفهوم امللكات يف اللغة واالصطالح؟ وما التصور النظري الذي يتبناه حممد الدريج فيما يتعلق‬
‫بامللكات؟ وكيف ميكن متثلها تطبيقيا يف اجملال الرتبوي والتعليمي؟‬

‫املطلب األول‪ :‬مفهــوم امللكــات لغة واصطالحا‬

‫يعرف ابن منظور امللكة يف معجمه (لسان العرب) قائال‪ ":‬طال ملكه وملكه وملكه وملكته (عن‬
‫اللحياين)‪ .‬أي‪ :‬رقه‪ .‬ويقال‪ :‬إنه حسن امللكة وامللك (عنه أيضا)‪ .‬وأقر بامللكة وامللوكة‪ .‬أي‪ :‬امللك‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫ويف احلديث‪" :‬اليدخل اجلنة سي امللكة"‪ ،‬متحرك‪ .‬أي‪ :‬الذي يسي صحبة املماليك‪ .‬ويقال‪ :‬فالن‬
‫‪167‬‬
‫حسن امللكة إذا كان حسن الصن إىل مماليكه‪ .‬ويف احلديث‪ :‬حسن امللكة منا ‪ ،‬هو من ذلك‪".‬‬

‫تتخذ كلمة امللكة‪ ،‬يف هذه الشروح اللغوية‪ ،‬بعدا أخالقيا‪ .‬وتعين التعامل اجليد واحلذق والكيس‪ .‬ويف‬
‫الوقت نفسه‪ ،‬تعين الكلمة الصنعة‪ .‬بيد أن امللكة‪ ،‬يف املعجم الوسيط‪ ،‬تعين" صفةٌ راسخةٌ يف النفس‪،‬‬
‫الع َد ِّدية‪ ،‬وامللكة‬
‫َ‬ ‫كة‬‫َ‬‫ل‬‫امل‬ ‫مثل‪:‬‬ ‫‪،‬‬‫‪168‬‬ ‫َعمال معيَّنة ٍ‬
‫حبذق ومهارة"‬ ‫خاص لتناول أ ٍ‬
‫ٌّ‬ ‫عقلي‬
‫استعداد ُّ‬
‫ٌ‬ ‫أو هي‬
‫اللغوية‪ ،‬وامللكة املوسيقية‪ ،‬وملكة اخلطابة‪ ،‬وامللكة الشعرية‪ .‬وقد تدل امللكة على امللك واالمتالك‪.‬أي‪:‬‬
‫ما أستطيعه وأملكه‪ .‬أو قد تعين حسن املعاملة م اخلدم واألصحاب‪ .‬ويقال‪ :‬يتمت مبلكة فنية عالية‪.‬‬
‫ومج ملكة ملكات‪ ،‬وهو مج املؤنث السامل‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فاملكلة لغة هو نوع من االستعداد النفسي‬
‫والفطري والعقلي لتناول أعمال معينة حبصافة‪ ،‬وحنكة‪ ،‬ونضج‪ ،‬وإبداع‪ ،‬وذكا ‪ ،‬ودقة‪ ،‬ومهارة‪،‬‬
‫وإتقان‪ ،‬وجودة‪ ،‬وإدراك‪ ،‬وصنعة‪...‬ومن مث‪ ،‬فاإلنسان ميتلك جمموعة من امللكات العقلية الفطرية‬
‫الوراثية وامللكات املكتسبة عن طريق التعلم والدربة واملمارسة والتعلم والتجريب‪ .‬ويعين هذا أن مثة‬
‫ملكات وراثية فطرية عقلية‪ ،‬وملكات جتريبية وحسية مكتسبة‪ .‬ويعين هذا أن اإلنسان تتحكم فيه‬
‫الوراثة والبيئة معا‪.‬أي‪ :‬إنه كائن فطري ومكتسب على حد سوا ‪.‬‬

‫وتأسيسا على ماسبق‪ ،‬فثمة جمموعة من امللكات اليت ميتلكها اإلنسان‪ ،‬كامللكة اللغوية‪ ،‬وامللكة‬
‫املوسيقية‪ ،‬وامللكة املنطقية‪ ،‬وامللكة الغنائية‪ ،‬وامللكة الطبيعية‪ ،‬وامللكة الفنية‪ ،‬وامللكة الشعرية‪ ،‬وملكة‬
‫احلفظ‪ ،‬وملكة اخلطابة‪ ،‬وهلم جرا‪ ...‬وتدل امللكة‪ ،‬يف املعاجم احلديثة‪ ،‬على القدرة‪ ،‬والطب ‪،‬‬
‫والسليقة‪ ،‬والصفة الراسخة يف النفس‪.‬‬

‫‪ -167‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬اجلز الثالث عشر‪ ،‬دار صبح بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬وأديسوفت‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5002‬م‪،‬‬
‫ص‪.377:‬‬
‫‪ -168‬انظر‪ :‬إبراهيم مصطفى‪ ،‬وأمحد حسن الزيات‪ ،‬وحامد عبد القادر‪ ،‬وحممد النجار‪ :‬املعجم الوسيط‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار الدعوة‪ ،‬حتقيق‪ :‬جمم‬
‫اللغة العربية‪.‬‬
‫‪218‬‬
‫وميكن ترمجة كلمة امللكة بري (‪ .)Maturité‬ويقصد هبا النضج‪ ،‬واحلصافة‪ ،‬واحلنكة‪ ،‬واإلبداع‪،‬‬
‫واليناعة‪ ،‬واإلدراك‪ ،‬وبلوغ الرشد‪ 169...‬بيد أن هناك من يرتمجها بري (‪ ،)Compétence‬مبعىن‬
‫الكفا ة املضمرة اليت ميكن من خالهلا توليد مجل المتناهية العدد حسب اللساين األمريكي نوام‬
‫شومسكي(‪.)N.Chomsky‬‬

‫ومن حيث االصطالح‪ ،‬فامللكة هي اليت حنصل عليها باملران والدربة والتعلم والصقل واملعاناة والتكرار‬
‫حىت تصبح صفة راسخة يف النفس يف املتكلم‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬قد تدل على املهارة والصناعة‬
‫واجلودة والكفا ة‪ .‬ومن املعلوم أن امللكات هي تلك القدرات اليت يكتسبها اإلنسان وراثيا أو جتريبيا‪،‬‬
‫وينتج عنها حتصيل جمموعة من املعارف واملهارات واملواقف وامليول مبهارة وحذق ودراية‪ .‬أضف إىل‬
‫ذلك أن العقل جمرد ملكة من امللكات اليت يستخدمها اإلنسان على مستوى التفكري إىل جانب‬
‫اخليال‪ ،‬والذاكرة‪ ،‬واملنطق‪ ،‬والتجريد‪ ،‬والتخييل‪...‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬مفهوم امللكات يف الرتاث العريب القدمي‬

‫حتدث علماؤنا القدامى‪ ،‬بشكل من األشكال‪ ،‬عن امللكات تلميحا أو تفصيال‪ ،‬وخاصة يف جمال‬
‫اللغة والنحو والبالغة واللسان‪ ،‬وربطوها بالسليقة والطب والفطرة والصناعة واملهارة والكفا ة والذوق‪.‬‬
‫ويعرفها الشريف اجلرجاين على النحو التايل‪ ":‬امللكة هي صفة راسخة يف النفس‪ .‬فالنفس حتصل هلا‬
‫هيئة بسبب فعل من األفعال‪ ،‬ويقال لتلك اهليئة كيفية نفسانية‪ ،‬وتسمى حالة ما دامت سريعة الزوال؛‬
‫فإذا تكررت ومارستها النفس حىت رسخت تلك الكيفية فيها وصارت بطيئة الزوال‪ ،‬فتصري ملكة‪.‬‬
‫وبالقياس إىل ذلك الفعل عادة وخلقا" ‪.170‬‬

‫‪ -169‬جبور عبد النور وسهيل إدريس‪ :‬املنهل فرنسي‪-‬عريب ‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة التاسعة ‪3122‬م‪ ،‬ص‪.225:‬‬
‫‪ -170‬الشريف اجلرجاين‪ :‬كتاب التعريفات‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪ ،‬تونس‪3173،‬م‪.‬‬
‫‪219‬‬
‫ويعين هذا أن امللكة حالة مستمرة وبطيئة راسخة يف نفس اإلنسان‪ ،‬وتنبين على أفعال مكررة إىل أن‬
‫تتحول امللكة إىل عادة وخلق وصناعة‪.‬‬

‫ويربط إخوان الصفا امللكة بالعادة واملهارة‪...":‬واعلم أن العادات اجلارية باملداومة عليها تقوي‬
‫األخالق الشاكلة هلا‪،‬كما أن النظر يف العلوم واملداومة على البحث عنها والدرس هلا‪ ،‬واملذاكرة فيها‬
‫يقوي احلذق هبا والرسوخ فيها‪ ،‬وهكذا املداومة على استعمال الصنائ والتدرب فيها يقوي احلذق هبا‬
‫‪171‬‬
‫واألستاذية فيها‪" ...‬‬

‫وتعين امللكات لدى إخوان الصفا احلذق واملهارة والرسوخ يف الشي ‪ ،‬واملداومة والدربة واملران والتكرار‪.‬‬
‫ويعين هذا أن امللكات مقرتنة باجلودة واإلتقان واملهارة واإلدراك اجليد لألشيا والصنائ ‪ .‬ويضاف إىل‬
‫ذلك أن من أهم خطوات التعلم احلفظ‪ ،‬واحملاكاة‪ ،‬والتكرار‪ ،‬والتجريب‪ ،‬والدربة‪ ،‬واإلكثار من‬
‫التمارين‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول ابن خلدون‪":‬اعلم أن اللغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة‪ ،‬إذ هي‬
‫ملكات يف اللسان للعبارة عن املعاين وجودهتا وقصورها حبسب متام امللكة أو نقصاهنا‪ ،‬وليس ذلك‬
‫بالنظر إىل املفردات‪ ،‬وإمنا هو بالنظر إىل الرتاكيب‪ ،‬فإذا حصلت امللكة التامة يف تركيب األلفاظ املفردة‬
‫للتعبري هبا عن املعاين املقصودة ومراعاة التأليف الذي يطبق الكالم على مقتضى احلال بلغ املتكلم‬
‫حينئذ الغاية من إفادة مقصوده للسام ‪ ،‬وهذا هو معىن البالغة‪ ،‬وامللكات الحتصل إال بتكرار األفعال؛‬
‫ألن الفعل يق أوال وتعود منه للذات صف ة‪ ،‬مث تتكرر فتكون حاال‪ ،‬ومعىن احلال أهنا صفة غري اسخة‬
‫مث يزيد التكرار فتكون ملكة‪.‬أي‪ :‬صفة راسخة‪ ،‬فاملتكلم من العرب حني كانت ملكته اللغة العربية‬
‫موجودة فيهم يسم كالم أهل جيله وأساليبهم يف خماطباهتم وكيفية تعبريهم عن مقاصدهم‪ ،‬كما‬
‫يسم الصيب استعمال املفردات يف معانيها‪ ،‬فيلقنها أوال‪ ،‬مث يسم الرتاكيب بعدها‪ ،‬فيلقنها كذلك‪ ،‬مث‬
‫اليزال مساعهم لذلك يتجدد يف كل حلظة ومن كل متكلم واستعماله يتكرر إىل أن يصري ذلك ملكة‬

‫‪ -171‬إخوان الصفا‪ :‬رسائل إخوان الصفا‪ ،‬دار بريوت‪ ،‬لبنان‪3121 ،‬م‪.‬‬


‫‪220‬‬
‫وصفة راسخة‪ ،‬ويكون كأحدهم‪ .‬هكذا‪ ،‬تصريت األلسن واللغات من جيل إىل جيل‪ ،‬وتعلمها العجم‬
‫واألطفال‪ ،‬وهذا هو معىن ما تقوله العامة من أن اللغة العربية بالطب ‪ .‬أي‪ :‬بامللكة األوىل اليت أخذت‬
‫عنهم‪ ،‬ومل يأخذوها عن غريهم‪ ،‬مث إنه ملا فسدت هذه امللكة ملضر مبخالطتهم األعاجم‪ ،‬وسبب‬
‫فسادها أن الناشى من اجليل صار يسم يف العبارة عن املقاصد كيفيات أخرى غري الكيفيات اليت‬
‫كانت للعرب أيضا‪ ،‬فاختلط عليه األمر‪ ،‬وأخذ من هذه‪ ،‬فاستحدث ملكة‪ ،‬وكانت ناقصة عن‬
‫‪172‬‬
‫األوىل‪ ،‬وهذا معىن فساد اللسان العريب‪".‬‬

‫وتعين امللكة عند ابن خلدون السليقة‪ ،‬والسجية الفطرية‪ ،‬واحلدس اللغوي‪ ،‬وإنتاج اللغة األم‪ .‬كما تدل‬
‫امللكة على كوهنا صفة راسخة يف النفس‪ .‬وبالتايل‪ ،‬ترتبط امللكة عند ابن خلدون بامللكة البالغية‬
‫واللغوية ليس إال‪ .‬وتشبه هذه امللكة ما حتدث عنه نوام شومسكي يف إطار التمييز بني الكفا ة‬
‫واإلجناز‪ ،‬وما حتدث عنه فرديناند دوس وسري حينما حتدث عن اللغة والكالم واللسان‪ .‬ويرتدد مصطلح‬
‫امللكة عند ابن خلدون كثريا‪ .‬فهي مدخل لكل دراسة لسانية وغري لسانية‪ .‬وهي الصفة الراسخة يف‬
‫وجدان الكاتب أو اللغوي أو النحوي للتمييز بني اخلطإ والصواب‪ ،‬ومعرفة اخلري من الشر‪ ،‬والتفريق بني‬
‫احلسن والقبيح‪ .‬وهي مبثابة معيار للتمييز بني الصحيح اللغوي من الالحن واحملال الردي ‪ ،‬والتفريق بني‬
‫الغث والسمني‪ .‬ويتم حتصيل امللكة بالطب والسليقة واجلبلة الفطرية‪ ،‬أو يتم حتصيلها باالكتساب‬
‫التدرجيي إىل أن تصبح ملكة طبيعية يف نفس اإلنسان‪ ،‬مصقولة بالدربة واحلصافة واملهارة‪ .‬وقد تعين‬
‫امللكة‪ ،‬يف البيان‪ ،‬امتالك الذوق بإدراك أسرار البالغة البيانية نظما وبالغة وطبعا‪ ":‬اعلم أن لفظة‬
‫الذوق يتداوهلا املعتنون بفنون البيان‪ ،‬ومعناها حصول ملكة البالغة للسان‪ ،‬وقد مر تفسري البالغة أهنا‬
‫مطابقة الكالم للمعىن من مجي وجوهه خبواص تق للرتاكيب يف إفادة ذلك‪ ،‬فاملتكلم بلسان العرب‬

‫‪ -172‬ابن خلدون‪ :‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬دار الرشاد احلديثة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.222-224:‬‬
‫‪221‬‬
‫والبليغ فيه يتحرى اهليئة املفيدة لذلك على أساليب العرب وأحنا خماطباهتم‪ ،‬وينظم الكالم على ذلك‬
‫‪173‬‬
‫الوجه جهده‪".‬‬

‫ويعين هذا أن الذوق ملكة وجدانية هبا ندرك أسرار اجلمال يف الرتاكيب البالغية‪ ،‬ونتوصل إىل مواطن‬
‫متيزها فنيا ومجاليا‪.‬وهذه امللكة وجدانية تكتسب عن طريق التكرار‪ ،‬والدربة‪ ،‬واملران‪ ،‬وتذوق النصوص‬
‫األدبية‪.‬‬

‫ويذكر ابن خلدون‪ ،‬يف كتابه (املقدمة)‪ ،‬جمموعة من امللكات الرئيسة‪ ،‬مثل‪ :‬ملكة احلفظ‪ ،‬وملكة‬
‫الفهم‪ ،‬وملكة الذوق‪ .‬وتصقل هذه امللكات باللغة والبيان والبالغة والنحو وعلوم اآلداب حفظا‬
‫وفهم ا‪ .‬ومن هنا‪ ،‬البد أن ترتسخ امللكات يف نفوس املتعلمني باملران والدربة واجملاهدة حىت ترتسخ يف‬
‫نفوسهم‪ ،‬وتصبح مطبوعة وفطرية وسليقية‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬سي ــاق نظريـ ـة امللكات‬

‫مثة جمموعة من العوامل اليت دفعت حممد الدريج إىل تبين نظرية امللكات‪ ،‬ومن بينها فشل تطبيق‬
‫النظريات الرتبوية الغربية باملدرسة املغربية ألسباب ذاتية وموضوعية‪ ،‬والسيما أن هذه النظريات الغربية‬
‫اليت يتم متثلها باملغرب تتسم باالرجتالية‪ ،‬والتسرع‪ ،‬والتجريب‪ ،‬والرتقي ‪ ،‬واستنبات مشاكل الغري يف تربة‬
‫التالئم تربة اآلخر‪ .‬ويضاف إىل ذلك تأثره بنظرية الذكا ات املتعددة لدى هوار غاردنر ( ‪Howard‬‬
‫‪ ) Gardner‬اليت تتشابه م نظرية امللكات بشكل من األشكال‪ .‬فهناك امللكة اللغوية‪ ،‬وامللكة‬
‫الرياضية‪ ،‬وامللكة املنطقية‪ ،‬وامللكة املوسيقية‪ ،‬وامللكة الفلسفية‪ ،‬وامللكة الذاتية‪ ،‬وامللكة االجتماعية‪،‬‬
‫وامللكة اإلعالمية‪....‬وهلم جرا‪.‬‬

‫كما تأثر حممد الدريج بنظرية األهداف أو ما يسمى بالتدريس اهلادف من جهة‪ ،‬وتأثره بدرس‬
‫الكفايات واإلدماج من جهة أخرى‪ .‬وال ننسى تأثري امليثاق الوطين للرتبية والتكوين يف الباحث حبال‬

‫‪ -173‬ابن خلدون‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.225:‬‬


‫‪222‬‬
‫من األحوال‪ ،‬وانسياقة ورا التعليم املندمج‪ .‬عالوة على ذلك تأثر الباحث مبجموعة من التصورات‬
‫الرتبوية لدى علمائنا املسلمني‪ ،‬مثل‪ :‬اإلمام الغزايل‪ ،‬وابن خلدون‪ ،‬وابن سحنون‪ ،‬والقابسي‪،‬‬
‫والسمعاين‪ ،‬وابن طفيل‪...‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد جتاوز حممد الدريج مجي النظريات الغربية املستوردة‪ ،‬مثل‪ :‬نظرية األهداف‪ ،‬ونظرية‬
‫الكفايات‪.‬ويف هذا‪ ،‬يقول‪ ":‬إننا ننتقد يف هذا النموذج‪ ،‬االكتفا بالصياغات اإلجرائية‪ -‬السلوكية‬
‫والوضعياتية‪ ،‬سوا لألهداف أم للكفايات أم للمعايري … كما هو سائد يف بع األنظمة والنماذج‬
‫التعليمية‪ ،‬اليت تكتفي باسترياد هذه املقاربة أو تلك‪ ،‬والتوقف عند املؤشرات السلوكية –اجلزئية‪ ،‬والغرق‬
‫يف الكثري من اإلجرا ات والتقنيات‪ ،‬واليت كثريا ما تؤدي‪،‬فضال عن السقوط يف اإلتكالية واالرتباط‪ ،‬إىل‬
‫اآللية والنزعة حنو التفتيت‪ ،‬واالبتعاد عن األهداف احلقيقية والغايات الرتبوية املنشودة‪.‬‬

‫كما أن التحديد اإلجرائي‪-‬السلوكي والصارم لألهداف على سبيل املثال‪ ،‬كثريا ما مين املدرسني من‬
‫االستفادة من الفرص التعليمية غري املتوقعة اليت حتدث داخل األقسام‪ ،‬فيستبعدون مبادرات التالميذ‪،‬‬
‫بل ومبادرات املدرسني أنفسهم‪ ،‬واليت تفرضها املواقف التعليمية املستجدة‪ ،‬وال تتناوهلا األهداف أو‬
‫‪174‬‬
‫الكفايات أو املعايري‪ ،‬احملددة سلفا‪ ،‬وبعبارات سلوكية جامدة‪".‬‬
‫ولكن أهم من تأثر به حممد الدريج هو عابد اجلابري يف تعامله املنهجي م الرتاث تأصيال وتأسيسا‪.‬‬
‫ويرى حممد عابد اجلابري‪ ،‬يف دراساته الفكرية والفلسفية املختلفة‪ ،‬أن الرتاث العريب اإلسالمي يظهر‪،‬‬
‫بشكل جلي‪ ،‬يف العقيدة‪ ،‬والشريعة‪ ،‬واللغة‪ ،‬واألدب‪ ،‬وعلم الكالم‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬والتصوف‪ ...‬وميتد من‬
‫القرن األول حىت قبل عصر االحنطاط‪ ،‬بدون حتديد دقيق لبدايته‪ ،‬نظرا الختالف العلما حول بداية‬
‫تراج املسلمني واحنطاطهم‪ .‬ولكن ما يهمنا ‪ -‬يقول اجلابري‪ ":-‬هو اتفاق اجلمي على أن الرتاث هو‬
‫من إنتاج فرتة زمنية تق يف املاضي‪ ،‬وتفصلها عن احلاضر مسافة زمنية ما‪ ،‬تشكلت خالهلا هوة‬

‫‪ -174‬حممد الدريج‪( :‬التدريس بامللكات‪ :‬حنو تأسيس منوذج تربوي أصيل يف التعليم)‪ ،‬موق اجلامعة احلرة للتعليم‪،‬املغرب‪،‬‬

‫‪http://www.fae.ma/2012-01-27-14-57-43/595-2013-02-04-15-03-08.html‬‬
‫‪223‬‬
‫حضارية فصلتنا‪ ،‬ومازالت تفصلنا عن احلضارة املعاصرة‪ ،‬احلضارة الغربية احلديثة‪.‬ومن هنا‪ ،‬ينظر إىل‬
‫الرتاث على أنه شي يق هناك‪ .‬فعال‪ ،‬مامييز الرتاث العريب اإلسالمي يف نظرنا هو أنه جمموعة عقائد‬
‫ومعارف وتشريعات ورؤى‪ ،‬باإلضافة إىل اللغة اليت حتملها وتؤطرها‪ ،‬جتد إطارها املرجعي التارخيي‬
‫واإلبستمولوجي يف عصر التدوين(القرن الثاين والثالث للهجرة) وامتداداته اليت توقفت آخر متوجاهتا م‬
‫قيام اإلمرباطورية العثمانية يف القرن العاشر للهجرة(السادس عشر للميالدي)‪.‬أي‪ :‬م انطالق النهضة‬
‫األوروبية احلديثة‪ .‬وإذاً‪ ،‬فالرتاث العريب اإلسالمي‪ -‬منظورا إليه من داخل منظومة مرجعية تتخذ‬
‫احلضارة الراهنة‪ ،‬حضارة القرن العشرين‪ ،‬نقط إسناد هلا‪-‬هو إنتاج فكري وقيم روحية دينية وأخالقية‬
‫ومجالية‪...‬إخل‪ ،‬تق هناك فعال‪ .‬أي‪ :‬خارج احلضارة احلديثة‪ ،‬ليس فقط بوصفها منجزات مادية‬
‫وصناعية‪ ،‬بل أيضا بوصفها نظما معرفية ومنظومات فكرية وأخالقية ومجالية‪...‬إخل‪ .‬ومبا أننا نعيش هذه‬
‫احلضارة – على األقل منفعلني إن مل نكن مستلبني‪ -‬وحنلم باالخنراط الواعي الفاعل فيها‪ ،‬فإنه البد‬
‫من أن نشعر‪ -‬وهذا ماهو حاصل فعال‪ -‬أننا نزداد بعدا عن تراثنا بازدياد ارتباطنا م هذه احلضارة‪،‬‬
‫وإن املسافة بني هناك وهنا تزداد اتساعا وعمقا‪.‬وهذا الشعور يغذي يف فريق منا احلنني الرومانسي إليه‪،‬‬
‫‪175‬‬
‫ويف الوقت نفسه‪ ،‬ينمي يف فريق آخر منا الرغبة يف القطيعة معه‪ ،‬واالنفصال التام عنه‪".‬‬

‫عالوة على ذلك‪ ،‬يرى حممد عابد اجلابري أنه من املستحيل حتقيق هنضة عربية إسالمية معاصرة‪ ،‬دون‬
‫أن ننطلق من تراثنا العريب اإلسالمي‪ ،‬أو ننتظم داخل تراث غرينا‪ ،‬بل علينا أن نقرأ تراثنا بأدوات‬
‫جديدة‪ ،‬وبعقلية معاصرة‪ ،‬تنطلق من تصورات بنيوية داخلية‪ ،‬واستقرا حليثيات املوروث مرجعيا وتارخييا‬
‫النزعة املركزية‬ ‫قصد استقرا أبعاده األيديولوجية حملاربة التخلف‪ ،‬ومواجهة طغيان االستعماري‪ ،‬وتقوي‬
‫األوروبية فضحا وتعرية وتفكيكا‪ .‬وهذا كله من أجل تشييد ثقافة عربية أصيلة مستقبلية‪ ،‬تكون أرضية‬

‫‪ - 175‬حممد عابد اجلابري‪ ( :‬الرتاث ومشكل املنهج)‪ ،‬املنهجية يف األدب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫سنة ‪ ،3122‬ص‪.24-21:‬‬
‫‪224‬‬
‫ممهدة النطالقنا حيال املستقبل‪ ،‬فالبد ‪-‬إذاً‪ -‬من خطوة إىل الورا من أجل خطوتني إىل األمام‪،‬‬
‫بشرط أن تكون قرا تنا موضوعية قائمة على االستمرارية والتأويل املعقلن‪ ،‬يف ضو تصورات معاصرة‬
‫متجددة‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬ال ميكن أن تتحقق النهضة الفكرية إال بالتعامل م الرتاث داخل الثقافة‬
‫نفسها‪ ،‬مبمارسة نقد املاضي واحلاضر معا‪ ":‬إنه مبمارسة العقالنية النقدية يف تراثنا وباملعطيات املنهجية‬
‫لعصرنا‪ ،‬وهبذه املمارسة وحدها‪ ،‬ميكن أن نزرع يف ثقافتنا الراهنة روحا نقدية جديدة وعقالنية مطابقة‪،‬‬
‫ومها‪ :‬الشرطان الضروريان لكل هنضة‪"176.‬‬

‫وعلى وجه العموم‪ ،‬يرى حممد عابد اجلابري أن تعامل املفكر العريب م الرتاث يطرح مشكلني‬
‫متالزمني مها‪ :‬مشكل املوضوعية‪.‬أي‪ :‬كيف ميكن فصل الذات عن املوضوع يف التعامل م تراثنا العريب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وكيف ميكن حتقيق العلمية احلقيقية يف التعامل م الظاهرة الرتاثية‪ ،‬دون أن تكون الذات‬
‫حاضرة يف التعامل معها تعاطفا وتآزرا ودفاعا‪ .‬وثانيا‪ ،‬هناك مشكل االستمرارية‪ ،‬مبعىن أن الرتاث مازال‬
‫مستمرا وممتدا يف ثقافتنا املعاصرة‪ ،‬ومازال حيتاج إىل جتديد وقرا ات مغايرة لفهمه وتفسريه‪ ،‬ومتثل‬
‫إجيابياته ومواقفه اإليديولوجية اهلادفة والبنا ة‪ .‬ويف هذا اإلطار‪ ،‬يقول اجلابري‪ ":‬ولكن ملاذا االستمرارية؟‬

‫أوال‪ :‬ألن األمر يتعلق برتاث هو تراثنا حنن‪ ،‬فهو جز منا أخرجناه عن ذواتنا ال لنلتقي به هناك بعيدا‬
‫عنا‪ ،‬ال لنتفرج عليه تفرج األنرتوبولوجي يف منشأته احلضارية والبنيوية‪ ،‬وال لنتأمله تأمل الفيلسوف‬
‫لصروحه الفكرية اجملردة‪ ،‬بل فصلناه عنا من أجل أن نعيده إلينا يف صورة جديدة‪ ،‬وبعالقات جديدة‪،‬‬
‫من أجل أن جنعله معاصرا لنا على صعيد الفهم واملعقولية‪ ،‬وأيضا على صعيد التوظيف الفكري‬
‫‪177‬‬
‫واإليديولوجي‪.‬ومل ال إذا كان هذا التوظيف سيتم بروح نقدية ومن منظور عقالين؟"‬

‫‪ - 176‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.27:‬‬


‫‪ - 177‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.27-22:‬‬
‫‪225‬‬
‫ومن مث‪ ،‬فقرا ة عابد اجلابري للرتاث قرا ة ثالثية األبعاد منهجيا‪ .‬ويعين هذا أن قرا ة اجلابري هلا صورة‬
‫بنيوية تكوينية‪ ،‬تستند إىل ثالث خطوات منهجية أساسية هي‪ :‬الطرح البنيوي الداخلي‪ ،‬والطرح‬
‫التارخيي‪ ،‬والطرح اإليديولوجي‪ .‬ومن مث‪ ،‬تنطلق املعاجلة البنيوية الداخلية من النص كألفاظ أوال‪ ،‬ومعان‬
‫ثانيا‪ ،‬وقضايا وإشكاليات ثالثا‪ .‬مبعىن أن نتعامل م النص كمعطى‪ ،‬وال هنتم باألحكام اخلارجية‬
‫املسبقة حول الرتاث‪ ،‬أو االنسياق شعوريا أوال شعوريا ورا الرغبات احلاضرة‪ ،‬فال بد من االنطالق من‬
‫النصوص فهما وتفسريا وتأويال‪ .‬ويف هذا النطاق‪ ،‬يقول اجلابري يف حديثه املعاجلة البنيوية بأهنا تعين"‬
‫ضرورة وض مجي أنواع الفهم السابقة لقضايا الرتاث بني قوسني‪ ،‬واالقتصار على التعامل م‬
‫النصوص‪ ،‬كمدونة‪ ،‬ككل تتحكم فيه ثوابت‪ ،‬ويغتين بالتغريات اليت جتري عليه حول حمور واحد‪.‬هذا‬
‫يقتضي حمورة فكر صاحب النص(مؤلف‪ ،‬فرقة‪ ،‬تيار‪ )...‬حول إشكالية واضحة قادرة على استيعاب‬
‫مجي التحوالت اليت يتحرك هبا ومن خالهلا فكر صاحب النص‪ ،‬حبيث جتد كل فكرة من أفكاره‬
‫مكاهنا الطبيعي(أي املربر أو القابل للتربير) داخل الكل‪ .‬إن القاعدة الذهبية يف هذه اخلطوة األوىل هي‬
‫جتنب قرا ة املعىن قبل قرا ة األلفاظ (األلفاظ كعناصر يف شبكة من العالقات‪ ،‬وليس كمفردات‬
‫مستقلة مبعناها)‪ .‬جيب التحرر من الفهم الذي تؤسسه املسبقات الرتاثية أو الرغبات احلاضرة‪ .‬جيب‬
‫وض كل ذلك بني قوسني‪ ،‬واالنصراف إىل مهمة واحدة هي استخالص معىن النص من النص نفسه‪.‬‬
‫‪178‬‬
‫أي‪ :‬من خالل العالقات القائمة بني أجزائه‪".‬‬

‫أما اخلطوة الثانية من املنهجية يف التعامل م الرتاث‪ ،‬فتستند إىل قرا ة فكر صاحب النص قرا ة‬
‫تارخيية‪ ،‬تتكئ على استقرا الظروف التارخيية والسياسية واالقتصادية واالجتماعية يف فهم أطروحاته‬
‫وتفسريها‪.‬إن"هذا الربط – يقول اجلابري‪ -‬ضروري من ناحيتني‪ :‬ضروري لفهم تارخيية الفكر املدروس‬
‫وجينيالوجياه‪ ،‬وضروري الختبار صحة النموذج(البنيوي) الذي قدمته املعاجلة السابقة‪.‬واملقصود‬

‫‪ - 178‬حممد عابد اجلابري‪:‬نفسه‪ ،‬ص‪.22:‬‬


‫‪226‬‬
‫بالصحة هنا ليس الصدق املنطقي‪ ،‬فذلك ما جيب احلرص عليه يف املعاجلة البنيوية‪ ،‬بل املقصود‬
‫اإلمكان التارخيي‪ :‬اإلمكان الذي جيعلنا نتعرف على ما ميكن أن يقوله النص‪ ،‬وما ال ميكن أن يقوله‪،‬‬
‫‪179‬‬
‫وما كان ميكن أن يقوله‪ ،‬ولكن سكت عنه‪".‬‬

‫أما القرا ة الثالثة من خطوات منهجية اجلابري‪ ،‬فهي خطوة الطرح اإليديولوجي‪ ،‬مبعىن البحث عن‬
‫الوظيفة أو الوظائف األيديولوجية اليت يؤديها الفكر املعين داخل سياقه الداليل والتارخيي واملرجعي‪ ،‬أو‬
‫داخل املنظومة املعرفية اليت يشتغل فيها صاحب النص‪ .‬فالكشف" عن املضمون اإليديولوجي للنص‬
‫الرتاثي هو الوسيلة الوحيدة جلعله معاصرا لنفسه‪ ،‬إلعادة التارخيية إليه‪"180.‬‬

‫ويالحظ أن هذه اخلطوات متتابعة ومتعاقبة‪ :‬مرحلة التحليل البنيوي الداخلي‪ ،‬ومرحلة التحليل التارخيي‬
‫اخلارجي‪ ،‬ومرحلة التأويل اإليديولوجي‪ .‬ويعين هذا أن حممد عابد اجلابري متأثر‪ ،‬بطريقة من الطرائق‪،‬‬
‫بتصورات لوسيان كولدمان (‪ )Lucien Goldmann‬صاحب البنيوية التكوينية‪ ،181‬والذي‬
‫يعتمد‪ ،‬يف قرا ته لآلداب والظواهر السيوسيولوجية‪ ،‬على مبدأين‪ :‬الفهم والتفسري‪ .‬مبعىن أن لوسيان‬
‫كولدمان يقرأ النص قرا ة داخلية كلية الستخالص البنية الدالة‪ ،‬مث يقوم بتفسريها يف ضو املعطيات‬
‫السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية من أجل الوصول إىل الرؤية للعامل اليت يتضمنها النص‬
‫املعطى‪ ،‬وهي رؤية إيديولوجية ليس إال‪ .‬كما يتأثر حممد عابد اجلابري ببول ريكور( ‪Paul‬‬
‫‪ )Ricoeur‬الذي يدعو إىل اجلم بني الطرح البنيوي الداخلي‪ ،‬والقرا ة السياقية املرجعية اليت هتتم‬
‫بالذات واملقصدية واإلحالة‪ .‬ويعين هذا أن اجلابري جيم بني الذات واملوضوع‪ ،‬وبني الداخل واخلارج‪.‬‬

‫‪ - 179‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.22:‬‬


‫‪ - 180‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.22:‬‬
‫‪181‬‬
‫‪- Lucien Goldmann: Sciences humaines et philosophie. Suivi de structuralisme‬‬
‫‪génétique et création littéraire. Paris: Gonthier, 1966.‬‬
‫‪227‬‬
‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬يقول حممد عابد اجلابري بأن هناك" ثالث خطوات متداخلة‪ ،‬ولكننا نعتقد‬
‫أهنا جيب أن تتعقب هبذا الرتتيب حني ممارسة البحث‪.‬أما عند صياغة النتائج‪ ،‬فإن بيداغوجية الكتابة‪،‬‬
‫تقتضي يف املرحلة الراهنة على األقل‪ ،‬األخذ بيد القارئ من باب التحليل التكويين والطرح‬
‫اإليديولوجي‪ ،‬واالنتها إىل الصرح البنيوي‪ .‬تلك هي عناصر اللحظة األوىل من املنهج الذي نقرتحه‬
‫وحناول تطبيقه‪ :‬حلظة املوضوعية أو حتقيق االنفصال عن املوضوع‪.‬أما اللحظة الثانية حلظة االتصال به‪،‬‬
‫‪182‬‬
‫والتواصل معه‪ ،‬فتعاجل‪ ،‬كما أشرنا من قبل‪ ،‬مشكل االستمرارية‪".‬‬

‫وعليه‪ ،‬فثمة عدة رؤى ومنظورات متفاوتة وخمتلفة ومتباينة حول مفهوم الرتاث‪ .‬ومثة أيضا تصنيفات‬
‫عديدة استعرضها املثقفون العرب يف أثنا تعاملهم م الرتاث‪ .‬وقد برز الكثري من الباحثني والدارسني‬
‫العروي‪ ،‬وحممد عابد اجلابري‪،‬‬ ‫الذين يهتمون بالرتاث‪ ،‬مثل‪ :‬حسني مروة‪ ،‬والطيب التزيين‪ ،‬وعبد‬
‫وعبد الكبري اخلطييب‪ ،‬وغايل شكري‪ ،‬وزكي جنيب حممود‪ ،‬وأدونيس‪ ،‬ويوسف اخلال‪ ،‬وحسن حنفي‪،‬‬
‫وحممد عمارة‪...‬‬

‫العروي‪ ،‬صاحب التوجه التارخياين ‪ -‬مثال ‪ ،-‬أن مثة نوعني من املثقفني‪ :‬مثقف‬ ‫وهكذا‪ ،‬يرى عبد‬
‫سلفي ينظر نظرة تقليدية إىل الرتاث‪ ،‬ومثقف انتقائي خيتار من الرتاث ما يعجبه‪ ،‬وخيدم رؤيته‪ .‬لكن‬
‫هذين االجتاهني يغفل اجلانب التارخياين للتطور احلضاري والفكري‪ ،‬سوا أكان ذلك يف الغرب أم عند‬
‫العرب‪ .‬فال بد ‪ -‬إذاً‪ -‬من تبين املقاربة التارخيانية لعقلنة موروثنا الثقايف واحلضاري‪ ،‬وحتقيق التقدم‬
‫العروي‪ ":‬الغالبية العظمى منهم حبسب املنطق‬ ‫اهلادف والبنا ‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬يقول عبد‬
‫التقليدي السلفي‪ ،‬والباقي حبسب منطق انتقائي‪ ،‬إال أن االجتاهني‪ ،‬يعمالن على إلغا البعد التارخيي‪،‬‬
‫ولكن إذا حما املثقف التاريخ من فكره‪ ،‬فهل ميحوه من احلقيقة الواقعة؟ بكل تأكيد ال‪ .‬إن التاريخ من‬
‫حيث هو بنية ماضية‪ -‬حاضرة يشكل الشرط احلايل للعرب‪ ،‬متاما‪ -‬مبقدار ما يشكل شرط خصومهم‪،‬‬

‫‪ - 182‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.22:‬‬


‫‪228‬‬
‫وذلك أن الفكر الالتارخيي ال يؤول إال إىل نتيجة واحدة‪ :‬عدم رؤية الواق ‪ .‬وإذا ترمجنا هذا بعبارات‬
‫‪183‬‬
‫سياسية‪ ،‬قلنا‪ :‬إنه يوطد‪ -‬يف مجي املستويات‪ -‬التبعية"‪.‬‬

‫ومن زاوية أخرى‪ ،‬يرى الباحث املصري الدكتور حسن حنفي أنه من الضروري العودة إىل املاضي‬
‫لفهمه جيدا‪ ،‬واستيعابه بشكل متأن وواع‪ ،‬وقرا ته قرا ة سياقية وظيفية لفهم حاضرنا املعاصر‪ ،‬وتنويره‬
‫بطريقة إجيابية بنا ة وهادفة قصد حتقيق أصالتنا من أجل السري به حنو التقدم واالزدهار‪ .‬ويف هذا‬
‫النطاق‪ ،‬يقول حسن حنفي‪ ":‬ا حلديث عن القدمي ميكن من رؤية العصر فيه‪ ،‬وكلما أوغل الباحث يف‬
‫القدمي‪ ،‬وفك رموزه‪ ،‬وحل طالمسه‪ ،‬أمكن رؤية العصر‪ ،‬والقضا على املعوقات يف القدمي إىل األبد‪،‬‬
‫وإبراز مواطن القوة واألصالة لتأسيس هنضتنا املعاصرة‪ ،‬وملا كان الرتاث يشري إىل املاضي‪ ،‬والتجديد‬
‫يشري إىل احلاضر‪ ،‬فإن قضية الرتاث والتجديد هي قضية التجانس يف الزمان‪ ،‬وربط املاضي باحلاضر‬
‫‪184‬‬
‫وإجياد وحدة التاريخ"‪.‬‬

‫و يرى حسن حنفي أيضا أنه من الصعب الفصل بني ثنائية األصالة واملعاصرة يف أثنا حديثنا عن‬
‫الرتاث‪ ،‬فبينهما اتصال بنيوي عضوي‪ ،‬وجدلية مرتابطة حامسة‪ " :‬إمنا تعين األصالة واملعاصرة وحدة‬
‫‪185‬‬
‫باطنية عضوية بينهما‪ ،‬حبيث تتحقق وحدة شخصية يف حياة الفرد واجملتمعات‪".‬‬

‫ويذهب عباس اجلراري‪ ،‬ضمن منظوره التارخيي اجلديل‪ ،‬إىل القول جبدلية املاضي واحلاضر واملستقبل‪،‬‬
‫وترابط هذه األزمنة يف بوتقة واحدة لفهم ذواتنا‪ ،‬وفهم حقيقة اآلخر‪ ،‬وفهم الطريقة اليت نتعامل هبا م‬
‫الرتاث‪.‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول الباحث‪" :‬إن االرتباط وثيق بني املاضي واحلاضر واملستقبل يف عالقة‬

‫‪ - 183‬انظر‪ :‬عبد العروي‪ :‬أزمة املثقفني العرب‪ ،‬تقليدية‪...‬أم تارخيية‪ ،‬ترمجة د‪.‬دوقان قرطوط‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة االوىل سنة ‪3172‬م‪.‬‬
‫‪ - 184‬حسن حنفي‪ :‬الرتاث والتجديد‪ ،‬موقف من الرتاث القدمي‪ ،‬دار التنوير للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص‪.37:‬‬
‫‪ - 185‬انظر تصور الباحث يف جملة‪ :‬املستقبل العريب‪ ،‬لبنان‪ ،‬العدد‪51:‬يوليو ‪ ،3123‬السنة الرابعة‪ ،‬ص‪.311:‬‬
‫‪229‬‬
‫جدلية حتمية‪ ،‬جتعل املاضي منعكسا على احلاضر‪ ،‬ومؤثرا يف املستقبل‪ ،‬وجتعل بذلك حركة التاريخ‬
‫‪186‬‬
‫حركة كلية ال تتجزأ‪"...‬‬

‫أما الباحث علي زيعور‪ ،‬فينظر إىل توظيف الرتاث نظرة سيكولوجية‪ ،‬باعتباره مؤشرا حقيقيا للدف‬
‫الذايت‪ ،‬ومنبعا لالستقرار والتوازن النفسي‪ ،‬ووسيلة لتحقيق الشعور باالنتما احلضاري والثقايف‪ ،‬وتوفري‬
‫الراحة النفسية يف أثنا التعامل م اآلخر‪ ،‬فيقول علي زيعور أن" التشكيك بقيمة املوروث احلضاري‬
‫عملية تزعزع الثقة بالنفس وبالنص؛ ألهنا ختل بالتوازن بني األنا وحقلها احلضاري الذي يعطي اإلنسان‬
‫عمقا‪ ،‬وقيمة‪ ،‬وشعورا باالنتما ‪ .‬ومن مثة‪ ،‬باألمن واالطمئنان‪ .‬أي‪ :‬بالقدرة على االستمرار‬
‫‪187‬‬
‫والتكيف‪".‬‬

‫عالوة على ذلك‪ ،‬يرى أدونيس‪ ،‬يف معظم كتاباته‪ ،‬والسيما يف كتابه( الثابت واملتحول)‪ ،‬أن التعامل‬
‫احلقيقي م الرتاث العريب اإلسالمي ينبغي أن يقوم على خلخلة هذا الرتاث‪ ،‬وغربلته غربلة جيدة يف‬
‫ضو مناهج حديثة ومعاصرة‪ ،‬بقرا ته قرا ة واعية ومتعمقة‪ ،‬قائمة على التفكيك والرتكيب‪ ،‬والبحث‬
‫عن نقط التحول والتغري واملغامرة احلداثية يف هذا املوروث اإلنساين‪ ،‬م إبعاد كل ما ميت بصلة إىل‬
‫الدين واملقدس والثابت القيمي واألخالقي‪ .‬ويعين هذا أن أدونيس يدعو إىل قرا ة للرتاث قائمة على‬
‫التثوير والتغيري والتطوير‪ .‬وإن كانت هذه القرا ة احلداثية غري موضوعية إىل حد ما‪ ،‬لكوهنا خاضعة‬
‫ملشرح التغريب واالستالب واهلدم؛ وتنطلق من مرجعية تفكيكية أجنبية‪ ،‬ال تعرتف بالدين والقيم‬
‫واألخالق واألعراف‪.188‬‬

‫‪ - 186‬عباس اجلراري‪ :‬الثقافة يف معرتك التغيري‪ ،‬دار النشر املغربية‪ ،‬الدار البيضا ‪،‬املغرب‪ ،‬طبعة ‪3175‬م‪ ،‬ص‪.27-22:‬‬
‫‪ - 187‬علي زيعور‪ :‬التحليل النفسي للذات العربية وأمناطها السلوكية واألسطورية ‪ ،‬دار الطليعة‪ /‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل ‪،3127‬‬
‫ص‪.332:‬‬
‫‪ - 188‬انظر‪ :‬أدونيس‪ :‬الثابت واملتحول‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة التاسعة ‪5002‬م‪.‬‬
‫‪230‬‬
‫ويف هذا السياق نفسه املتعلق بالكتابات الرتاثية‪ ،‬يقول حممد الدريج‪":‬يندرج هذا النموذج البيداغوجي‬
‫"التدريس بامللكات"‪ ،‬ضمن منظور ‪" paradigme‬جتديد الرتاث"‪ ،189‬بل هو اجتهاد لتطبيقه يف‬
‫اجملال الرتبوي التعليمي‪ .‬هذا املنظور الذي بلوره العديد من املفكرين املعاصرين‪ ،‬ويف مقدمتهم أستاذنا‬
‫الكبري حممد عابد اجلابري‪ ،‬يف أعماله الرائدة للجواب عن األسئلة املصريية التالية‪ ":‬كيف نستعيد‬
‫جمدنا؟ كيف حنيي تراثنا ؟ كيف نعيش عصرنا؟ كيف نتعامل م تراثنا؟ كيف نعيد بنا شخصيتنا ؟‬
‫كيف حنقق ثورتنا؟‪.‬‬

‫يدرك اجلابري أن تراثنا تراث حي‪ ،‬ألنه ظل ساريا بيننا متغلغال يف نفوسنا‪ ،‬وأنه قابل للتطور‪ .‬يف حني‪،‬‬
‫بقيت ثقافتنا‪ /‬عقليتنا السائدة حالياً متخلفة‪ ،‬إهنا " من خملفات عصور االحنطاط‪ ،‬خاصة يف طريقة‬
‫التفكري اليت تنتهجها"‪ .‬وهلذا‪ ،‬دعا إىل ضرورة ختليصها أوال من شوائبها‪ ،‬مث بعد ذلك‪ ،‬تبين طريقة‬
‫موضوعية يف قرا ة ما تستبطنه وختتزنه من تراث‪.‬‬

‫تستند الطريقة املوضوعية يف قرا ة الرتاث إىل إعادة النظر يف ترتيب العالقة امللتبسة بني املاضي‬
‫واحلاضر‪ ،‬أو احلداثة والرتاث‪ ،‬آو الفهم التقليدي للرتاث والفهم العلمي‪ .‬على أن اجلابري يف قرا ته‬
‫العلمية ينحاز منذ البداية للحداثة‪ ،‬وجيعلها منطلقه ومنتهاه‪ ،‬وال تتحقق تلك احلداثة إال باالرتكاز‬
‫على الرتاث‪ .‬ولذلك‪ ،‬فأول مهام املفكر هي ضرورة حتريرنا من الفهم الرتاثي للرتاث‪ ،‬الذي حتكم طويال‬
‫بعقليتنا‪ ،‬وختليص هذا الرتاث من طابعه العام واملطلق واملقدس‪ ،‬ووضعه يف إطاره احلقيقي‪ .‬أي‪ :‬إطار‬
‫النسبية والتارخيية‪ ،‬وال يتحقق ذلك إال بتأسيس الفهم العقالين واحلداثي والدميقراطي للرتاث‪.‬‬

‫و خيلص أصحاب منظور "جتديد الرتاث "‪ ،‬ويف طليعتهم مؤسسه حممد عابد اجلابري‪ ،‬إىل أن للعودة‬
‫إىل الرتاث دورا وظيفيا حامسا للنهوض بأمتنا‪ ،‬وانبعاث حضارهتا‪ .‬ويتمثل هذا الدور يف االرتكاز على‬

‫‪ -189‬الرباديغمات تعين النماذج العلمية ‪.‬‬


‫‪231‬‬
‫الرتاث لنقد احلاضر البائس وتأسيس املستقبل‪ .‬كما أن هلذه الدعوة اجملددة وظيفة دفاعية للحفاظ على‬
‫هويتنا وأصالتنا ضد التبعية واالستالب‪ " .‬لقد كان الرتاث دائما حصنا منيعا للدفاع عن االستقالل‪،‬‬
‫وللحفاظ على الذات وخصوصيتها الثقافية‪ ،‬وقدرهتا على التحرر واإلبداع"‪.‬‬

‫على أن قرا ة اجلابري هي‪ ،‬يف اآلن نفسه‪ ،‬دعوة إىل القطيعة‪ ،‬لكنها ليست قطيعة م الرتاث برمته‪،‬‬
‫وإمنا قطيعة م مناذج معينة من الرتاث سادت يف عصر االحنطاط‪ ،‬وقطيعة م القرا ات واملناهج غري‬
‫املوضوعية‪" .‬إن القطيعة اليت ندعو إليها ليست القطيعة م الرتاث‪ ،‬بل القطيعة م نوع من العالقة م‬
‫الرتاث‪ ،‬القطيعة اليت حتولنا من "كائنات تراثية" إىل كائنات هلا تراث‪ .‬أي‪ :‬إىل شخصيات يشكل‬
‫الرتاث أحد مقوماهتا‪ ،‬إهنا دعوة إىل جتديد الرتاث‪ ،‬ال إىل إلغائه "‪.‬‬
‫إن جتديد الرتاث ينبغي أن يتم وفق ٍ‬
‫رؤية معاصرة‪ ،‬فننتقي منه النماذج اإلجيابية اليت تساعدنا على‬
‫بناء حاضرنا‪ ،‬واستشراف مستقبلنا‪ ،‬ونرتك مناذجه السلبية أو نعدهلا‪ .‬فتجديد الرتاث يعين اختيار‬
‫النماذج النافعة من تراثنا اختياراً قائماً على الفهم والتمييز والنقد واملفاضلة بني العناصر الرتاثية‪،‬‬
‫وجعل الصاحل منها منطلقاً إىل اإلبداع واالبتكار‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫لقد وجد هذا املنظوراجلابري‪ (،‬واجلابرية عموما)‪ ،‬املستنري والتقدمي واحلداثي للرتاث‪ ،‬طريقه إىل إعادة‬
‫تشكيل الرؤى والباراديكمات‪ ،‬اليت يستلهمها العديد من الباحثني حاليا‪ ،‬منهم على سبيل املثال‬
‫حممود السيد‪ ،‬الذي يستخلص وجود مناذج جيدة يف تراثنا ينبغي اإلفادة منها وتوظيفها‪ ،‬ومن هذه‬
‫النماذج‪:‬‬

‫‪ -‬النموذج العلمي التجرييب‪ :‬الذي طوره عدد من علمائنا القدامى‪ ،‬مثل‪ :‬جابر بن حيان‪ ،‬والبريوين‪،‬‬
‫وابن اهليثم‪ ،‬واخلوارزمي‪ ،‬وابن النفيس‪ ،‬وغريهم كثري‪.‬‬

‫‪ -‬النموذج الوظيفي أو النفعي للمعرفة‪ ،‬انطالقا من الدعا النبوي " اللهم علمين ما ينفعين‪ ،‬وانفعين مبا‬
‫كل عل ٍم وبال على صاحبه إال من عمل به‪".‬‬
‫علمتين‪ ،‬وزدين علماً‪ ،‬و ُّ‬
‫‪ -‬النموذج الرتبوي‪ ،‬الذي جيعل التعليم مدى احلياة حقا لإلنسان وواجبا عليه وعلى الدولة‪ ،‬وجيعل‬
‫احلرية الفكرية أساسا لتنمية الشخصية اإلنسانية‪ ،‬وتنمية املعرفة ذاهتا‪.‬‬

‫كما نعثر يف تراثنا على مناذج كثرية هلا راهنتيها‪ ،‬وميكن استلهامها وإغناؤها وتوظيفها يف حل الكثري‬
‫من اإلشكاليات‪ ،‬من مثل‪:‬‬

‫‪ -‬النموذج اللغوي؛‬

‫‪ -‬النموذج القانوين؛‬

‫‪ -‬النموذج االجتماعي؛‬

‫‪ -‬النموذج األخالقي؛‬

‫‪ -‬النموذج اإلنساين …‬

‫‪233‬‬
‫و نستخلص حنن بدورنا‪ ،‬وعلى هدي هذا املنظور ( الباراديكم )‪ ،‬منوذجا أصيال آخر من تراثنا‪ ،‬نغنيه‬
‫ونوظفه للمسامهة يف اإلصالح البيداغوجي املنشود‪ ،‬وهو النموذج التعليمي "التدريس بامللكات""‪.190‬‬

‫تلكم – إذاً‪ -‬أهم العوامل اليت كانت ورا ظهور نظرية امللكات يف الساحة الرتبوية املغربية‪ ،‬وقد‬
‫جا ت نظرية حممد الدريج رد فعل على فشل املنظومة الرتبوية املغربية‪ ،‬بعد النتائج اهلزيلة اليت أسفرت‬
‫عن تطبيق نظرية الكفايات واإلدماج‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬التصور النظري لبيداغوجية امللكات‬

‫تعد نظرية امللكات حملمد الدريج نظرية تربوية معاصرة أصيلة‪ .‬وقد انطلق الباحث من فرضية رئيسة أال‬
‫وهي‪ :‬أن إنقاد املنظومة الرتبوية باملغرب رهني باستلهام النظريات الرتبوية الرتاثية اليت تنبين على اهلوية‬
‫والقيم واحلداثة احلقيقية‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فالبد من استكشاف خمتلف القدرات لدى املتعلم وتنميتها‬
‫وتطويرها وصقلها وشحذها حبثا عن مردودية إنتاجية ناجعة‪ ،‬متتاز باجلودة واحلذق واملهارة‪ .‬ومن مث‪،‬‬
‫يعرف الدريج امللكة قائال‪" :‬امللكة تركيبة مندجمة من قدرات ومهارات واجتاهات‪ ،‬تكتسب باملشاهدة‬
‫واملعاينة‪ ،‬وترسخ باملمارسة وتكرار األفعال‪ ،‬يف إطار حل مشكالت‪ ،‬ومواجهة مواقف‪ ،‬وامللكة قابلة‬
‫للتطوير والرتاكم املتدرج (هيآت‪ ،‬حاالت‪ ،‬صفات‪ ،)...‬ويكون هلا جتليات سلوكية خارجية (حذق‪،‬‬
‫كيس‪ ،‬ذكا ‪ ،‬طب "‪.191‬‬

‫ويعين هذا أن امللكة خاصية مركبة تتكون من جمموعة من القدرات والكفايات واملهارات والصناعات‬
‫واالجتاهات وامليول‪ ،‬يتسلح هبا اإلنسان املتعلم من أجل مواجهة الوضعيات املعقدة‪ ،‬وحل خمتلف‬
‫املشكالت اليت تعرتضه يف احلياة‪ .‬وتعرب هذه امللكات عن حصافته وحنكته وحذقة وبراعته وذكائه‪.‬‬

‫‪ -190‬حممد الدريج‪( :‬ماذا بعد بيداغوجيا اإلدماج؟ منوذج التدريس بامللكات)‪ ،‬جريدة األخبار‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد‪ ،25:‬الثالثا ‪ 51‬يناير‬
‫‪5031‬م‪ ،‬ص‪.2:‬‬
‫‪ - 191‬حممد الدريج‪( :‬التدريس بامللكات‪ :‬حنو تأسيس منوذج تربوي أصيل يف التعليم)‪ ،‬نفس املوق والرابط الرقمي‪.‬‬
‫‪234‬‬
‫مبعىن أن امللكات معيار للجودة واملهارة واإلتقان‪ ،‬وتكتسب عرب املمارسة واملعاينة والتجريب والتكرار‬
‫حىت ترتسخ صفة املهارة واحلذق يف نفس اإلنسان‪ .‬ويف هذا الصدد أيضا‪ ،‬يقول‬

‫عبد الكرمي غريب بأن امللكة هي" جمموع القوى العقلية املفرتضة‪ ،‬مثل‪ :‬ملكة املعرفة وملكة اإلرادة‬
‫وملكة الذاكرة؛ ويهتم علم نفس امللكات بامللكات اليت تنتج األنشطة العقلية املختلفة‪.‬وهي إمكانات‬
‫‪192‬‬
‫ومؤهالت الفرد املعرفية اليت يولد الفرد مزودا هبا وراثيا‪ ،‬وتعمل الرتبية واخلربة على صقلها‪".‬‬

‫ويعين هذا أن امللكات مرتبطة بالعقل والدماغ العصيب من جهة‪ ،‬ومقرتنة باملكتسب التجرييب عن طريق‬
‫املالحظة واالكتساب والتكرار وفعل العادة والدوام واالستمرار من جهة أخرى‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالتكرار آلية‬
‫من آليات اكتساب املعرفة لدى اإلنسان املتعلم وغري املتعلم‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فامللكات هي مبثابة قدرات وطبائ وصفات وأحوال وهيئات وقدرات واجتاهات وميول تكون‬
‫وراثية من ناحية‪ ،‬أو مكتسبة من ناحية أخرى‪ ،‬بالتجريب والتكرار وفعل العادة من أجل مواجهة‬
‫الوضعيات والظروف اليت يوجد فيها املتعلم‪" .‬علما بأن مفهوم امللكة هذا ال ميثل بديال عن مفاهيم‬
‫البنيات الذهنية والقدرات واملهارات والكفايات‪...‬املتداولة اليوم يف جمال علم النفس املعريف وغريه‪ ،‬بل‬
‫يعتمد عليها‪ ،‬ويغتين هبا‪ ،‬لكنه يوظفها بشكل أصيل‪ .‬أي‪ :‬باعتماد معاين امللكات‪ ،‬وما ارتبط هبا من‬
‫مفاهيم‪ ،‬يف أصل نشأهتا وتطورها لدى علمائنا‪ .‬إنه تصور عقلي‪ -‬وظيفي لظاهرة التعلم والتملك‬
‫املعريف‪ ،‬ينطلق من مقرتحات ابن خلدون وغريه ممن ملعوا يف جمال الرتبية‪ ،‬م اللجو لألحباث املعاصرة‬
‫لتهذيبها وتعميقها وأجرأهتا‪ ،‬من خالل مجلة املفاهيم النفس‪-‬عرفانية املذكورة آنفا‪"193.‬‬

‫‪ -192‬عبد الكرمي غريب‪ :‬املنهل الرتبوي ‪ ،‬اجلز األول‪ ،‬منشورات عامل الرتبية‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار املغربية‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪5002‬م‪ ،‬ص‪.451-452:‬‬
‫‪ -193‬حممد الدريج‪ :‬نفس املوق والرابط الرقمي‪.‬‬
‫‪235‬‬
‫ويتضح‪ ،‬مما سبق ذكره‪ ،‬أن نظرية امللكات تعتمد على جمموعة من املصادر‪ ،‬سوا أكانت تراثية عند‬
‫علمائنا القدامى‪ ،‬كابن خلدون‪ -‬مثال‪ ،-‬أم كانت كتابات معاصرة سيكولوجية وبيداغوجية‪،‬‬
‫كاالستفادة‪ -‬مثال‪ -‬من نظرية الكفايات واإلدماج‪ ،‬ونظرية األهداف‪ ،‬ونظرية الذكا ات املتعددة‪،‬‬
‫والبيداغوجيا اإلبداعية‪ ،‬والنظريات اللسانية‪...‬‬

‫ويالحظ أن حممد الدريج حياول تأصيل نظريته الرتبوية باالعتماد على الكتابات الرتاثية‪ ،‬كما تتجلى يف‬
‫آرا ابن خلدون يف كتاب (املقدمة)‪ ،‬واالعتماد على ما كتبه حممد عابد اجلابري من دراسات حول‬
‫الرتاث‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فجمي النظريات الغربية اليت جربت يف احلقل الرتبوي املغريب مل تؤت أكلها؛‬
‫مما جعل التعليم املغريب يعاين من أزمات متوالية ومتتابعة بسبب سياسة التجريب والرتقي واالستنبات‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬عاد حممد الدريج إىل الرتاث لبلورة نظرية تربوية أصيلة نابعة من الرتبة العربية احمللية‪ ،‬م االستفادة‬
‫قدر اإلمكان من تصورات غربية يف السيكولوجيا والبيداغوجيا‪ ،‬وخاصة نظرية الكفايات والذكا ات‬
‫املتعددة‪.‬‬

‫املطلب اخلامس‪ :‬تصنيف امللكات‬

‫تتنوع امللكات عند حممد الدريج‪ ،‬فهناك ثالثة أنواع كربى من امللكات‪ :‬ملكات أساسية يف احلياة‪،‬‬
‫وملكات أكادميية يف التعليم‪ ،‬وملكات مهنية يف الصناعة‪ .‬فامللكات األساسية يف احلياة هي اليت‬
‫الميكن االستغنا عنها‪ .‬فهي آليات رئيسة يف اكتساب املعرفة اجلوهرية‪ .‬وتنقسم ‪ -‬أوال ‪ -‬إىل ملكة‬
‫اللغة والتواصل شفويا وكتابيا‪ ،‬وملكة احلساب والتعداد‪ .‬وثانيا‪ ،‬امللكات املعرفية واملنطقية اليت تستند‬
‫إىل جمموعة من العمليات الذهنية واملنطقية‪ ،‬باستعمال التأمل العقلي كتابة‪ ،‬وتقوية العقل عن طريق‬
‫احلساب العددي‪ .‬وثالثا‪ ،‬امللكات‪-‬العملية االجتماعية اليت ترصد أوليات السلوك واملمارسات يف‬
‫االجتماع البشري واألخالق‪ ،‬وهتتم بتدبري املنزل‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫أما امللكات األكادميية يف التعليم‪ ،‬فهي ملكات تربوية نوعية مرتبطة بالتعلم واكتساب املعرفة‪ .‬وتتفرع‬
‫هذه امللكات إىل األنواع التالية‪:‬‬

‫‪ ‬ملكات يف علوم دنيوية‪ ،‬مثل‪ :‬الرياضيات‪ ،‬وعلوم الطبيعة‪ ،‬وعلوم اللغة‪ ،‬وعلم االجتماع‪ ،‬وعلم‬
‫النفس‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬وعلم الكالم واجلدل‪ ،‬واملنطق‪ ،‬والفلسفة‪...‬‬

‫‪ ‬ملكات يف علوم شرعية‪ ،‬مثل‪ :‬أصول الدين‪ ،‬وعلم التوحيد‪ ،‬والفقه‪ ،‬والتفسري‪ ،‬وعلوم القرآن‬
‫واحلديث‪ ،‬والتصوف‪...‬‬

‫‪ ‬ملكات ألجل علوم عملية‪ ،‬مثل‪ :‬السياسة املدنية وامللكات التكنولوجية‪...‬‬

‫‪‬ملكات مهنية‪ ،‬وترتبط باملهن والصنائ والتقنيات‪...‬‬

‫‪ ‬ملكات الصناعة البسيطة‪ ،‬وتكون يف الضروريات والصنائ الضرورية‪ ،‬مثل‪ :‬الفالحة‪ ،‬والبنا ‪،‬‬
‫واحلدادة‪ ،‬والنجارة‪ ،‬واخلياطة‪ .‬وتعد ضرورية؛ ألهنا توفر ما هو ضروري للعيش واحلياة‪.‬‬

‫‪ ‬ملكات الصناعة املركبة‪ :‬تكون يف الكماليات والصنائ الشرفية‪ ،‬مثل‪ :‬التوليد‪ ،‬والكتابة‪ ،‬والغنا ‪،‬‬
‫والطب‪ ،‬والتعليم‪ ،‬وهي شرفية ألهنا تعطي صاحبها شرف الرتقي‪.‬‬

‫املطلب السادس‪ :‬التمثل الرتبوي التطبيقي لبيداغوجية امللكات‬

‫من املعلوم أن التعليم املغريب قد جرب جمموعة من النظريات والطرائق الرتبوية إلصالح التعليم‪ ،‬وخاصة‬
‫تلك النظريات الغربية اليت مت استنباهتا يف الرتبة املغربية جتريبا وترقيعا‪ ،‬كنظرية األهداف‪ ،‬ونظرية‬
‫الكفايات‪ ،‬ونظرية الشراكة‪ ،‬ونظرية اجملزو ات‪ ،‬ونظرية اجلودة‪ ،‬وغريها‪...‬ومن مث‪ ،‬فقد جا ت نظرية‬
‫امللكات يف السياق نفسه إلصالح التعليم‪ ،‬وتقدمي بديل جديد‪ ،‬بعد أن فشل التعليم املغريب يف تطبيق‬
‫بيداغوجيا الكفايات واإلدماج اليت التتال م فلسفتها م الواق املغريب‪ .‬لذا‪ ،‬بادر حممد الدريج إىل‬

‫‪237‬‬
‫اقرتاح نظرية تربوية بديلة مساها بنظرية امللكات‪ ،‬وقد امتحها من كتابات اجلابري الرتاثية‪ .‬واستفاد كثريا‬
‫من علمائنا القدامى يف جمال الرتبية والتعليم كابن خلدون مثال‪ .‬ومن مث‪ ،‬يتمثل الغرض من هذه النظرية‬
‫يف التوجهات التالية‪:‬‬

‫"‪-‬املسامهة يف اإلصالح البيداغوجي لنظام التعليم‪ ،‬وجعله قادرا على مواجهة خمتلف الصعوبات‬
‫والتحديات‪ ،‬خاصة على املستوى املنهاجي ‪ -‬الديداكتيكي‪.‬‬

‫‪ -‬تعميم تعليم مندمج وأصيل عايل اجلودة‪ ،‬وتبين مبادئ ومفاهيم تربوية تراثية‪.‬‬

‫‪ -‬توظيف مفاهيم وأدوات تدريسية متجددة مما يشج ‪ ،‬يف املنظومة الرتبوية‪،‬التفاعل بني املوروث‬
‫الثقايف والتطورات والكشوف الرتبوية املعاصرة‪ ،‬وذلك بالعمل على‪:‬‬

‫‪ -‬دراسة املمارسات والتجارب الرتبوية يف تراثنا وإغنائها وتوظيفها‪.‬‬

‫‪ -‬دراسة التجارب الرتبوية العاملية وتقوميها واالستفادة منها‪.‬‬

‫‪ -‬مد اجلسور الرتبوية‪-‬التعليمية بني هويتنا الثقافية واملنجزات العاملية املعاصرة‪.‬‬

‫االغرتاب واالستالب والتبعية جبمي‬ ‫‪ -‬ترسيخ لدى املتعلم اهلوية الرتاثية‪-‬األصيلة اليت ترف‬
‫أشكاهلا‪ ،‬وخلق االنسجام والتوازن بينها وبني اهلوية املنفتحة اليت تتميز باحلوار وبالتواصل املعريف‪،‬‬
‫واالخنراط يف مسرية احلضارة الكونية‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫‪-‬املسامهة يف االنعتاق من النقل والتقليد‪ ،‬وتفعيل شخصيتنا األصيلة واملبدعة‪ ،‬سوا كأفراد أم‬
‫مجاعات‪ ،‬واملسامهة بفعالية يف تقويتها بالرتبية البدنية والرتبية الفكرية‪ ،‬وبرتسيخ االجتاهات االجيابية‬
‫‪194‬‬
‫املقبولة والقيم األخالقية وقيم املواطنة‪".‬‬

‫ويالحظ أن حممد الدريج جيم بني األصالة واملعاصرة‪ ،‬وينفتح على املستجد من األفكار والنظريات‬
‫الرتبوية والسيكولوجية واللسانية املعاصرة‪ .‬مبعىن أنه ميتح آرا ه من النظريات الرتبوية الرتاثية‪ .‬ويف الوقت‬
‫نفسه‪ ،‬يستف يد من مستجدات النظريات البيداغوجية العاملية‪ .‬كأين بالدريج يدعو إىل االعتماد على‬
‫الذات يف ابتكار نظرياتنا الرتبوية‪ ،‬وعدم االنسياق ورا النظريات الرتبوية الغربية بغية استنباهتا يف الرتبة‬
‫الرتبوية املغربية‪ .‬ويف هذا اإلطار‪ ،‬يقول حممد الدريج‪ ":‬كما ندعو ارتباطا بذلك‪ ،‬ويف سياق تأصيل‬
‫نشاطنا الرتبوي وغريه‪ ،‬وحتريره من خمتلف أشكال التبعية والتقليد واالتكالية واسترياد النظريات‬
‫اجلاهزة‪،‬إىل إعادة النظر يف أساليب عقد اتفاقيات الشراكة‪ ،‬وتفويت الصفقات م مكاتب الدراسات‪،‬‬
‫وخاصة املكاتب األجنبية‪ ،‬وتقنني ومراقبة نشاط املنظمات الدولية ووكاالت التعاون وكل اجلهات‬
‫الداعمة‪ ،‬واليت يكون هلا بالغ األثر يف اختيار هذا النموذج أو ذاك‪ .‬وبالتايل‪ ،‬يف وض ‪/‬فرض‬
‫اسرتاتيجيات "اإلصالح"‪ ،‬وفحص وتقومي نشاطها مبا خيدم املصلحة الوطنية قبل كل شي ‪ ،‬ويستجيب‬
‫للحاجيات احلقيقية لألفراد واجلماعات ومتطلبات اجلهات والقطاعات املستفيدة من الدعم‪ ،‬يف مجي‬
‫جماالت التنمية‪".195‬‬

‫ويتأكد لنا‪ ،‬بشكل جلي‪ ،‬أن حممد الدريج ينطلق‪ ،‬يف تصوراته البيداغوجية النظرية‪ ،‬من الرؤية اجلابرية‬
‫يف التعامل م الرتاث؛ ألن اجلابري يدعو إىل قرا ة الرتاث قرا ة علمية حداثية موضوعية منفتحة من‬

‫‪ -194‬حممد الدريج‪ :‬نفس املوق والرابط الرقمي‪.‬‬


‫‪ -195‬حممد الدريج‪ :‬نفس املوق والرابط الرقمي‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫أجل بنا حداثة مستقبلية‪ .‬مبعىن االستفادة مما هو إجيايب يف الرتاث لبنا احلاضر واملستقبل؛ إذ ميكن‬
‫االستفادة من النظام الربهاين عند ابن رشد‪ .‬وميكن االستفادة من النموذج العلمي التجرييب عند‬
‫البريوين‪ ،‬وابن النفيس‪ ،‬وجابر بن حيان‪ ،‬والبريوين‪ .‬وميكن االستفادة من النموذج النفعي للعلم‪،‬‬
‫والنموذج الرتبوي‪ ،‬والنموذج اللغوي‪ ،‬والنموذج القانوين‪ ...‬والنموذج االجتماعي‪ ،‬والنموذج‬
‫اإلنساين‪ ...‬ومن مث‪ ،‬يعد منوذج امللكات من النماذج الرباديغمية اليت ميكن االسرتشاد هبا يف جمال‬
‫‪196‬‬
‫الرتبية والتعليم‪.‬‬

‫ويستند النموذج التدريسي عند حممد الدريج على امللكات باملفهوم الرتاثي‪ ،‬م تطعيمها مبفاهيم‬
‫معاصرة لتحقيق اجلودة الرتبوية والتعليمية‪ .‬وإذا كان منوذج حممد الدريج يقوم على توظيف امللكات‪،‬‬
‫فإنه منوذج تأصيلي وتأسيسي يف ثقافتنا الرتبوية املعاصرة‪.‬ويف هذا‪ ،‬يقول الباحث‪ "::‬إن ما يربر اقرتاحنا‬
‫ملدخل امللكات‪ ،‬هو العمل واالجتهاد لتأصيل النشاط الرتبوي‪ ،‬وإجياد بدائل مستمدة من تراثنا‬
‫الرتبوي‪ ،‬والسعي‪ ،‬يف نفس اآلن‪ ،‬إلغنا النماذج واملقاربات احلالية واملستجدة يف الساحة الرتبوية –‬
‫التعليمية‪ ،‬هبدف عقلنة التدريس‪ ،‬وجعله أكثر فاعلية واندماجا‪ ،‬وتطويره من خالل تربية غنية ومبدعة‪،‬‬
‫دون التضحية‪ ،‬باسم العوملة‪ ،‬خبصوصيتنا واستقاللنا‪".197‬‬

‫كما تعمل هذه النظرية على خدمة حاجيات املتعلمني‪ ،‬وتطوير قدراهتم اإلبداعية واالبتكارية‪.‬ويف هذا‬
‫اإلطار‪ ،‬يقول الباحث‪ ":‬إننا ننطلق يف هذا النموذج‪ ،‬من انتقاد التوجهات اليت تريد أن جتعل من بع‬
‫املقاربات يف التعليم‪ ،‬وباسم التجديد‪ ،‬أداة لتطوي البشر وترويضهم وبرجمتهم وفق أمناط غربية وغريبة‪،‬‬
‫املناهج اليت تسعى إىل خلق أمناط‬ ‫ضدا عن مصاحلهم وعن احتياجاهتم احلقيقية؛ والعمل على رف‬

‫‪ -196‬حممد الدريج‪( :‬ماذا بعد بيداغوجيا اإلدماج؟ منوذج التدريس بامللكات)‪ ،‬جريدة األخبار‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد‪ ،25:‬الثالثا ‪51‬يناير‪5031‬م‪،‬‬
‫ص‪.2:‬‬
‫‪ -197‬حممد الدريج‪ :‬نفس املوق والرابط الرقمي‪.‬‬
‫‪240‬‬
‫من التفكري واألدا حمددة سلفاً وبكيفية آلية‪ ،‬والتضييق من قدرات املتعلمني اإلبداعية‪ ،‬عوض أن نيسر‬
‫هلم سبل االختيار مبا يتوافق م خصوصياهتم وطموحاهتم‪ ،‬وميكنهم من التثقيف الذايت والتطوير‬
‫الشخصي‪" 198.‬‬

‫وتنتقد نظرية امللكات املقاربات السلوكية القائمة على نظرية األهداف التجزيئية‪ .‬ويف الوقت نفسه‪،‬‬
‫نظرية الكفايات القائمة على إدماج املكتسبات حلل الوضعيات‪.‬ويف هذا‪ ،‬يقول الدريج‪ ":‬ننتقد‬ ‫ترف‬
‫االكتفا بالصياغات اإلجرائية‪ -‬السلوكية والوضعياتية‪ ،‬سوا لألهداف أم للكفايات أم للمعايري‪...‬‬
‫األنظمة التعليمية‪ ،‬اليت تكتفي باسترياد هذه املقاربة أو تلك‪ ،‬والتوقف عند‬ ‫وكما هو سائد يف بع‬
‫املؤشرات اجلزئية‪ ،‬واليت كثريا ما تؤدي‪،‬فضال عن السقوط يف التبعية‪ ،‬إىل اآللية والنزعة حنو التفتيت‪.‬‬

‫إن التحديد اإلجرائي‪-‬السلوكي لألهداف على سبيل املثال‪ ،‬كثريا ما مين املدرسني من االستفادة من‬
‫الفرص التعليمية غري املتوقعة اليت حتدث داخل األقسام‪ ،‬فيستبعدون مبادرات التالميذ‪ ،‬بل ومبادرات‬
‫املدرسني أنفسهم‪ ،‬واليت تفرضها املواقف التعليمية املستجدة‪ ،‬وال تتناوهلا األهداف أو الكفايات أو‬
‫‪199‬‬
‫املعايري‪ ،‬احملددة سلفا‪ ،‬وبعبارات سلوكية جامدة‪".‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تعتمد نظرية امللكات على وض إسرتاتيجيات مستقبلية وخطط استشرافية لتحقيق‬
‫اجلودة الرتبوية والنجاعة البيداغوجية‪ .‬وبالتايل‪ ،‬ترتكز على أرب إسرتاتيجيات منهجية أساسية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫األصالة‪ ،‬واالنفتاح‪ ،‬واالندماج‪ ،‬والتخطيط‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يقوم مرتكز األصالة على تبين النظريات الرتبوية الرتاثية العربية القدمية‪ ،‬ومتثلها بيداغوجيا‬
‫وديدكتيكيا‪ ،‬باالستفادة من إجيابيات التعليم العتيق‪ ،‬وغرس القيم األخالقية يف نفوس املتعلمني‪،‬‬

‫‪ -198‬حممد الدريج‪ :‬نفس املوق والرابط الرقمي‪.‬‬


‫‪ -199‬حممد الدريج‪ :‬نفس املوق والرابط الرقمي‪.‬‬
‫‪241‬‬
‫والتشديد على اهلوية من أجل احلفاظ عليها‪ ،‬واالشتغال على تربية القيم‪ ،‬واستعمال الطرائق‬
‫واألساليب البيداغوجية لدى علمائنا القدامى اليت كانت جتم بني احلفظ واحلوار واملناقشة والنقد‪.‬‬
‫وذلك لكه من أجل فهم امللكات فهما حقيقيا‪ ،‬وجتديد الرتاث الرتبوي‪ ،‬وتأصيل التعليم العريب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬واالستجابة للحاجيات األساسية للمتعليمن‪ ،‬والعمل من أجل بنا هوية إسالمية أصيلة‬
‫ومبدعة‪.‬‬

‫يف حني‪ ،‬يتمثل مرتكز االنفتاح يف ترسيخ اهلوية املنفتحة على اآلخر‪ ،‬واالستفادة من معارفه وخمرتعاته‬
‫وابتكاراته‪ ،‬وتوظيف كشوفاته ونتائج حبوثه النظرية والتطبيقية‪ .‬يف حني‪ ،‬يقوم مرتكز االندماج على‬
‫اعتماد مفهوم مشويل للمنهاج‪ ،‬والع مل على حتقيق نوع من التكامل بني األهداف واملضامني‪ .‬بينما‬
‫يعتمد مفهوم التخطيط على استشراف املستقبل‪ ،‬واندماج املنهاج م خصوصيات اجلهات‪ ،‬واندماج‬
‫املراحل والشعب‪.‬‬

‫وبنا على ماسبق‪ ،‬يقول حممد الدريج‪ ":‬يتعلق األمر هنا بإمياننا بأن تسليط األضوا يف منوذج التدريس‬
‫بامللكات‪ ،‬على االحتياجات احلقيقية للتالميذ وأسرهم كما أسلفنا‪ ،‬يتطلب حتديد األولويات‬
‫واالختيارات املالئمة برؤية استباقية واعية‪ ،‬قصد مساعدة صانعي القرارات الرتبوية وواضعي تشريعات‬
‫تطبيقها وأساليب إنزاهلا‪ ،‬للتوجه حنو األهداف بعيدة املدى‪ ،‬م إطْالعهم على التدابري الواجب‬
‫اختاذها يف احلني‪ ،‬قصد الوصول إليها‪ .‬إن من أبرز األزمات اليت تعاين منها العديد من األنظمة‬
‫الرتبوية‪،‬ومن ضمنها نظامنا‪ ،‬العجز عن حتديد الغايات النهائية للنشاط الرتبوي يف أطار فلسفة واضحة‬
‫املعامل‪ ،‬ويف إطار استشراف املستقبل‪.‬‬

‫إن استشراف املستقبل عموما‪ ،‬ومستقبل النشاط الرتبوي على وجه اخلصوص‪ ،‬يعين استخالص عربة‬
‫من املاضي‪ ،‬واعتماد سيناريوهات خمتلفة معدة سلفا‪ ،‬جلمي احلاالت الطارئة احملتملة‪ ،‬باالنطالق من‬

‫‪242‬‬
‫املسلمات واالفرتاضات املتفق عليها من خمتلف اجتاهات البحث العلمي والفكري والعقائدي‬
‫والتكنولوجي؛ وتعيني اإلمكانيات والقدرات الالزمة إلجناز أي مسار مستقبلي‪.‬‬

‫كما نعين باالستشراف يف هذا اجملال‪ ،‬دراسة الوجهة املستقبلية للمتغريات ومكونات املنظومة‪ ،‬ومتابعة‬
‫مسار تطور امللكات األساسية الضرورية لالخنراط يف املهن ويف التنمية عموما‪ ،‬واليت جيب عدم إغفاهلا‬
‫ألهنا تنبئ باملستقبل‪ .‬شريطة أن يكون استشراف املستقبل مبنيا على ختطيط اسرتاتيجي علمي‪ ،‬ينطلق‬
‫من حيثيات ومعطيات واقعية وتوقعات معقولة‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يؤكد عامل املستقبليات املغريب املهدي‬
‫املنجرة أمهية املنهج العلمي يف دراسة املستقبل‪ ،‬فيقول‪" :‬ال يكمن دور االستشراف يف إصدار التنبؤات‬
‫ٍ‬
‫مرغوب فيه‪ ،‬واقرتاح اسرتاتيجيات‬ ‫ٍ‬
‫مستقبل‬ ‫اعتباطياً؛ بل يتجلى هدفه يف حتديد االجتاهات‪ ،‬وختيُّل‬
‫حتويله إىل مستقبل ممكن‪."200‬‬

‫وال ننسى أيضا أن نظرية امللكات تعتمد على منهاج شامل يف معاجلة قضايا الرتبية والتعليم‪ .‬ويف هذا‬
‫السياق‪ ،‬يقول حممد الدريج أيضا‪ ":‬إننا نروم يف هذه املقاربة االنطالق من النظرة الشمولية للمنهاج‪،‬‬
‫ونقرتح أن يستهدف املنهاج الرتبوي يف مكوناته األساسية‪ :‬األهداف الرتبوية‪ ،‬واليت تستحضر خمتلف‬
‫عناصر الوظيفة الرتبوية‪ ،‬سوا املعرفية منها أم اجلسمية (احلسية – احلركية واملهارية )‪ ،‬أم الروحية –‬
‫األخالقية الوجدانية ‪.‬كما يستهدف االختيارات املعرفية والعلمية (املضامني)‪ ،‬وكذا الطرائق واألساليب‬
‫والتقنيات والكتب املدرسية وأنظمة التقومي‪ ،‬وخصوصيات الفئات املستهدفة‪ ،‬وأساليب املتدخلني من‬
‫مدرسني ومرشدين وإداريني (القيادة الرتبوية)‪ ،‬وتنظيم احلياة املدرسية (التنظيمات البيداغوجية‪ ،‬وتوزي‬
‫الزمن املدرسي‪ ،‬واألنشطة املوازية)‪".201..‬‬

‫‪ -200‬حممد الدريج‪ :‬نفس املوق والرابط الرقمي‪.‬‬


‫‪ -201‬حممد الدريج‪ :‬نفس املوق والرابط الرقمي‪.‬‬
‫‪243‬‬
‫هذا‪ ،‬وتقوم نظرية امللكات على مبدإ االندماج بني النظري والتطبيقي‪ ،‬بني الشعب األدبية والعلمية‬
‫والتقنية‪ ،‬بني املستويات الدراسية‪ ،‬بني احمللي واجلهوي والوطين والقومي‪ .‬ويف هذا‪ ،‬يقول حممد الدريج‪":‬‬
‫من املكونات األساسية يف منوذج التدريس بامللكات‪ ،‬اعتماد مبدأ االندماج مبعناه احلقيقي كما نتبناه‬
‫يف "املنهاج املندمج"‪ ،‬والذي نعتربه السياق الطبيعي لتطبيق هذه البيداغوجيا األصيلة‪ ،‬يسعى املنهاج‬
‫املندمج للمؤسسة (م ‪ )1‬كما نتصوره‪ ،‬إىل التكامل‪ ،‬لكن ليس مبعناه الضيق واملنحرف الذي خيتزله يف‬
‫االندماج على مستوى املوارد املعرفية اليت يكتسبها التلميذ‪ ،‬وجيندها ملواجهة وضعيات‪ .‬بل مبعناه‬
‫العميق والشامل والذي يتمثل يف املبادئ الثالثة التالية‪:‬‬

‫‪ ‬االندماج العمودي بني املراحل والشعب‪ :‬وذلك من خالل إعادة النظر يف هيكلة التعليم‬
‫(االبتدائي –اإلعدادي ‪ -‬الثانوي ‪ -‬العايل)‪ ،‬م التشبث برؤية مندجمة لتطوير خمتلف أسالك التعليمية‬
‫بالعالقة م التكوين املهين باعتباره جز ا من املنظومة التعليمية‪ ،‬وذلك مبوازاة م تطوير التعليم العتيق‬
‫واألصيل‪ ،‬وإجياد جسور التواصل بينه وبني األنظمة األخرى يف التعليم العام واخلصوصي‪ .‬كما ترغب‬
‫املقاربة الرتبوية املندجمة يف احلد من االزدواجية الفاصلة بني مناهج القسم العلمي والتقين ( الفين)‬
‫ومناهج القسم األدىب‪ ،‬وذلك بتزويد الطالب خبلفية متينة ىف اللغة والرياضيات والعلوم الطبيعية‬
‫واإلنسانية والتكوين الثقايف العام‪ ،‬وذلك بشكل متوازن ‪.‬‬

‫‪‬االندماج األفقي أو (التناسق والتكامل املعريف)‪ :‬ويتمظهر جليا يف توزي السنة الدراسية إىل‬
‫دورات وفصول وجمزو ات‪ ،‬ومراجعة تنظيم الدراسة يف خمتلف الشعب والتخصصات‪ ،‬وتنظيم املواد‬
‫الدراسية ووحدات التخصص‪ ،‬بالنظر يف إمكانية إحداث مواد جديدة‪ ،‬ومد اجلسور بني املواد املعروفة‬
‫تقليديا‪ ،‬وذلك بتطبيق مبدأ التكامل‪ ،‬م مراعاة خصوصيات املواد الدراسية والتخصصات على حدة‪.‬‬
‫وينبغي أن يتم حتقيق التكامل بني املواد الدراسية والبنا املتدرج ملفاهيمها وفق آخر ما توصل إليه العلم‬
‫يف ميادين النمو العقلي والنفسي للمتعلم‪ ،‬مثل‪ :‬توظيف نظرية الذكا ات املتعددة‪.‬‬
‫‪244‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬يشمل هذا املبدأ اإلسرتاتيجي االندماج بني النظري والعملي يف إطار واحد‪ ،‬ومنه‬
‫ضرورة عناية الرتبية بالربط بني الفكر والعمل‪ ،‬وإلغا الثنائية اليت نالحظها يف املدرسة احلالية السائدة‬
‫يف بلداننا‪ .‬إذ يشرتط يف املدرسة املندجمة األصيلة حتقيق احلد األدىن من التكامل بني مجي األنشطة‬
‫الرتبوية داخل القسم وخارجه‪ ،‬وبني موضوعات الدراسة النظرية والدراسة العملية؛ مما يساعد يف بنا‬
‫إنسان سوي‪ ،‬ذي شخصية متوازنة‪ ،‬يفكر بعقله‪ ،‬وجيرب بيديه‪.‬‬

‫‪ ‬االندماج املنهاجي( ‪ )curriculaire‬م متطلبات اجملتمعات احمللية" مبراعاة العالقة التفاعلية‬


‫بني ما تقدمه املدرسة من برامج وحمتويات‪ ،‬وما يسعى اجملتمري إىل حتقيقه من أهداف وغايات‬
‫وملكات‪ ،‬باعتبار املدرسة حمركا أساسيا للتقدم االجتماعي‪ ،‬وعامال رئيسا من عوامل التنمية‪ .‬م‬
‫احلرص على مراعاة املنهاج الدراسي خلصوصيات املناطق واجلهات يف أفق العمل باجلهوية املوسعة‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يسري االندماج املقصود يف املنهاج الذي نتبناه‪ -‬يقول الدريج‪ ،-‬والذي يأيت منوذج التدريس‬
‫بامللكات تتوجيا له ‪ ،‬يسري يف اجتاه متصاعد‪ ،‬بد ا من املستوى احمللي‪ ،‬مث اجلهوي‪ ،‬فالوطين (أي على‬
‫مستوى اجملتم ككل)‪ ،‬لنصل يف النهاية إىل حتقيق االندماج على املستوى اإلقليمي (العريب –‬
‫اإلسالمي) ‪.‬إننا نقرتح أن تتميز املقاربة‪ ،‬واملنهاج الرتبوي عموما‪،‬بالسماح للعاملني يف قطاع التعليم‪،‬‬
‫بقدر من املرونة يف صياغة امللكات املستهدفة‪ ،‬واختيار املضامني التعليمية املالئمة‪ .‬حيث منكن‬
‫املناطق واملؤسسات واجلهات اليت يشتغلون هبا من قدر من احلرية لتعديل املقررات الدراسية وموا متها‬
‫م االحتياجات واخلصوصيات اجلهوية‪ ،‬م احتفاظها باألسس املشرتكة يف املنهاج العام‪ ،‬وإقامة‬
‫مشاري الشراكة الرتبوية‪ .‬حيث ترتك للمؤسسات املبادرة يف عقد اتفاقيات التعاون م القطاع اخلاص‬
‫وفعاليات اجملتم احمللي‪ ،‬وتعديل مناهجها الدراسية بشكل مندمج‪ ،‬مبا يساير خصوصياهتا االقتصادية‬

‫‪245‬‬
‫واالجتماعية والثقافية‪ .‬ويليب‪ ،‬يف اآلن نفسه‪ ،‬االحتياجات احلقيقية للتالميذ ومتطلبات أسرهم‪ ،‬دون‬
‫اإلخالل باملنهاج العام‪ ،‬وبالسياسة العامة للدولة‪"202.‬‬

‫وعليه‪ ،‬تبىن نظرية امللكات على التخطيط والتدبري العقالين اجليد‪ ،‬واإلسرتاتيجية االستشرافية املعقلنة‪،‬‬
‫بتحديد امللكات املستهدفة بدقة‪ ،‬وتسطري أهدافها العقلية والروحية واجلسدية‪.‬‬

‫أما يف ما خيص التوجهات يف املضامني املعرفية والفكرية‪ " ،‬فالبد من اعتماد مبدأ االندماج والتكامل‬
‫والتنسيق بني خمتلف أنواع املعارف وأشكال التعبري؛ ومتثل مبدأ االستمرارية والتدرج يف عرض املعارف‬
‫األساسية عرب األسالك التعليمية؛ وجتاوز الرتاكم الكمي للمضامني املعرفية؛ واستحضار البعد املنهجي‬
‫والروح العلمية‪-‬املوضوعية يف تقدمي حمتويات املواد؛ والعمل على استثمار عطا الفكر اإلسالمي‬
‫خاصة‪ ،‬واإلنساين عامة‪ ،‬خلدمة التكامل بني اجملاالت املعرفية؛ واحلرص على توفري حد أدىن من‬
‫املضامني األساسية املشرتكة وامللكات األساسية جلمي املتعلمني يف خمتلف املراحل (خاصة األوىل‬
‫منها) والشعب؛ وإحداث التوازن بني املعرفة يف حد ذاهتا (النظرية) واملعرفة الوظيفية – التطبيقية‪،‬‬
‫واندماج حمتويات املناهج خاصة يف املراحل األوىل من التعليم‪ ،‬وارتباطها خبصوصيات اجلهات‬
‫واستجابتها للحاجيات الفردية واجلماعية‪"203.‬‬

‫وعليه‪ ،‬تنبين نظرية امللكات الرتبوية خصوصا على القيم اإلسالمية العادلة‪ .‬ويف هذا‪ ،‬يقول الدريج‪":‬‬
‫يروم هذا املكون األساسي يف منوذج "التدريس بامللكات"‪ ،‬وتعزيز دور املدرس واملدرسة يف نشر قيم‬
‫املواطنة واألخالق واآلداب احلميدة‪ ،‬وتقوية مكانة الرتبية اإلسالمية والرتبية على املساواة وحقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬وثقافة اإلنصاف والتسامح‪ ،‬ونبذ الكراهية والتطرف‪.‬‬

‫‪ -202‬حممد الدريج‪ :‬نفس املوق والرابط الرقمي‪.‬‬


‫‪ -203‬حممد الدريج‪ :‬نفس املوق والرابط الرقمي‪.‬‬
‫‪246‬‬
‫كما يروم االنطالق من القيم اليت يتم إعالهنريا كمرتكزات ثابتة يف النظام الرتبوي‪ ،‬واملستندة أساسا إىل‬
‫موروثنا الثقايف (ننظر على سبيل املثال ما ورد يف امليثاق الوطين للرتبية والتكوين حول منظومة القيم‪،‬‬
‫وكذا يف (الكتاب األبيض)‪ ،‬خاصة يف جزئه األول املتعلق باالختيارات والتوجهات على مستوى‬
‫القيم‪ ،...‬واليت ينبغي العمل على توظيفها فيما يعرف (بالرتبية على القيم )‪،‬وعلى أجرأهتا يف املقررات‬
‫والكتب املدرسية وأنظمة التقومي‪ ...‬واليت تستلهم باألساس من‪:‬‬

‫‪ -‬قيريم العقيدة اإلسالمية؛‬

‫‪ -‬قيريم اهلوية احلضارية ألمتنا ومبادئها األخالقية والثقافية؛‬

‫‪ -‬قيريم املواطنرية وحقوق املواطن وواجباته؛‬

‫‪ -‬القيم الكونية حلقوق اإلنسان‪"204...‬‬

‫ويتعني بغية تيسري اكتساب امللكات‪ ،‬وتنميتها على الوجه الالئق عند املتعلم‪ ،‬مقاربتها من منظور‬
‫مشويل ملكوناهتا‪ ،‬ومراعاة التدرج البيداغوجي يف برجمتها‪ ،‬ووض جمموعة من اإلسرتاتيجيات اإلجرائية‬
‫الكتساهبا‪ ،‬تستند إىل مراحل وخطوات‪ ،‬كما يتم حتصيل امللكات عند ابن خلدون وغريه‪ ،‬م‬
‫االستفادة من التدريس باملشكالت‪ ،‬والعمل بفكرة املشروع (مشروع املؤسسة واملشاري الشخصية‪)...‬‬
‫للربط بني النظري والعملي‪ ،‬واعتماد حلول تربوية تسمح بالعمل بإيقاعات متفاوتة تناسب مستوى‬
‫املتعلمني ووترية التعلم لديهم ونوع ذكائهم الغالب‪،‬ولذلك قيل‪" :‬كل لكل عبد مبعيار عقله‪ ،‬وزن له‬
‫مبيزان فهمه‪ ،‬حىت تسلم منه‪ ،‬وينتف بك‪ ،‬وإال وق اإلنكار لتفاوت املعيار "‪.205‬‬

‫‪ -204‬حممد الدريج‪ :‬نفس املوق والرابط الرقمي‪.‬‬


‫‪ -205‬حممد الدريج‪ :‬نفس املوق والرابط الرقمي‪.‬‬
‫‪247‬‬
‫ويقرتح الدريج ألجرأة هذه التوجهات العناية بكل ما يرتبط بأشكال تنظيم التعلم داخل األقسام‬
‫الدراسية (الطرائق البيداغوجية‪ -‬األساليب ‪ -‬الوسائل‪ -‬املصادر والكتب املدرسية‪ -‬أنظمة التقومي‬
‫واالختبارات)‪ ،‬وتنوي األساليب وطرائق تناول املعارف يف إطار املقاربة بامللكات‪ ،‬م العمل على‬
‫الطرائق‬ ‫ترشيد استعمال البنيات التحتية والتجهيزات واألدوات التعليمية‪ ،‬واإلحلاح على تكييف بع‬
‫واملمارسات التقليدية األصيلة‪ ،‬واألخذ عموما بالطرائق النشطة‪ ،‬وطرائق وض املشاري ومواجهة‬
‫املواقف وحل املشكالت‪...‬وعلى سبيل املثال‪ :‬جند ابن خلدون يبيح استخدام الطرائق الرتبوية اليت‬
‫تناسب املعلم‪ ،‬إال أنه يشج استخدام طريقة املناقشة واحلوار‪.‬فالتعليم‪ ،‬عنده‪ ،‬يهدف إىل حصول‬
‫املتعلم على ملكة العلم‪ ،‬لكي يصبح على درجة عالية من الفهم‪ ،‬وليس فقط حفظه دون فهم وتعمق‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬انتقد ابن خلدون الطريقة القريوانية اليت كانت يف زمانه تركز على احلفظ بشكل كبري‪ ،‬ووصف‬
‫الطالب بأهنم يلتزمون الصمت والسكون التام دون مشاركة "‪ .‬كما يقدم ابن خلدون منهجا متكامال‬
‫ومتماسكا يف اكتساب امللكات يتميز باألساليب التالية‪:‬‬

‫‪ -3‬االكتساب من خالل النشأة واملمارسة يف بيئة معينة‪.‬‬

‫‪ -5‬االكتساب من خالل احلفظ والتكرار والتمرن‪.‬‬

‫‪ -1‬التدرج واالنتقال من حالة وقوع الفعل إىل الفعل‪ ،‬مث الصفة‪ ،‬مث احلال‪ ،‬فامللكة‪.‬‬

‫‪ -‬من حيث تنظيم الدراسة يف خمتلف املراحل التعليمية‪ ،‬لالرتقا جبودة الفعل البيداغوجي من خالل‬
‫الرف من فعالية التدريس ومن جدوى التعلم وموا مة الفضا ات الرتبوية هلما‪ ،‬اعتماد مبدإ التدرج‪.‬‬

‫‪ -‬تنظيم الدراسة وفق معايري موضوعية تالئم املستجدات املراد إدخاهلا على خمتلف املراحل التعليمية ما‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪ -‬تنظيم كل سنة دراسية من حيث نظام الدورات والفصول‪...‬‬


‫‪248‬‬
‫‪ -‬النظر يف إمكانية اعتماد حلول تربوية تسمح بالعمل بإيقاعات متفاوتة تناسب مستوى املتعلمني‬
‫ووترية التعلم لديهم؛ مبا يفيد يف الرف من املردود الداخلي للمؤسسة‪ ،‬ويف ترشيد استعمال البنيات‬
‫التحتية والتجهيزات التعليمية‪ .‬وقد ذكر أبو حامد الغزايل يف كتابه "إحيا علوم الدين"‪ ،‬أن من وظائف‬
‫املعلم‪" :‬أن يقتصر باملتعلم على قدر فهمه فال يلقي إليه ماال يبلغه عقله فينفره أو خيبط عليه عقله‪،‬‬
‫وال يبث إليه احلقيقة إال إذا علم أنه يستقل بفهمها‪".‬‬

‫‪ -‬إدراج الغالف الزمين اخلاص بالتقومي جبمي أمناطه‪ :‬التشخيصي(يف بداية التعلم) والتكويين (املالزم‬
‫للتعلم) واإلمجايل (بعد االنتها من التعلم)‪،‬يف إطار بيداغوجيا امللكات حسب مراحل اكتساهبا‪،‬‬
‫ومبراعاة الغالف املخصص لكل مادة دراسية يف املرحلتني االبتدائية واإلعدادية‪ ،‬ولكل وحدة يف املرحلة‬
‫الثانية من التعليم الثانوي‪ .‬والعمل بالدعم الرتبوي املنتظم الكفيل برتسيخ املكتسبات‪ ،‬والضامن للرف‬
‫من نسبة النجاح والتفوق وتكافؤ الفرص‪.‬‬

‫‪ -‬املرونة يف تنظيم احلصص الدراسية واستعماالت الزمن والعطل؛‬

‫‪ -‬ختصيص جماالت زمنية لألنشطة الثقافية والفنية واجلمعوية ضمن احلصة األسبوعية‪.‬‬

‫مقرراهتا م احمليط االجتماعي واالقتصادي والثقايف (املنهاج‬ ‫‪ -‬النظر يف سبل مال مة املدرسة وبع‬
‫‪206‬‬
‫املندمج)‪".‬‬

‫‪ -206‬حممد الدريج‪ :‬نفس املوق والرابط الرقمي‪.‬‬


‫‪249‬‬
‫وهكذا‪ ،‬نستنتج أن نظرية امللكات تستفيد‪ ،‬بشكل من األشكال‪ ،‬من الطرائق البيداغوجية الفعالة‪،‬‬
‫ومن نظرية الذكا ات املتعددة‪ .‬وتستند إىل فلسفة التنشيط‪ ،‬ونتائج السيكولوجيا املعرفية‪ ،‬واالنفتاح‬
‫على فلسفة الكفايات والتعليم املندمج‪ ،‬وتربية ذوي احلاجيات اخلاصة‪ .‬فضال عن الدراسات املستقبلية‬
‫وتقنيات علم التدبري‪...‬أضف إىل ذلك أن التدريس بامللكات نظرية تراثية وأصيلة‪ ،‬تعتمد على فلسفة‬
‫القيم اإلسالمية‪ ،‬وتنطلق من الرؤية الدينية الواعية القائمة على التوازن‪ ،‬والوسطية‪ ،‬واالعتدال‪،‬‬
‫واالنفتاح‪ ،‬والتعايش‪،‬والتفاهم‪...‬‬

‫‪250‬‬
‫املطلب السابع‪ :‬التدبيـ ــر الديدكتيكي لنظرية امللكات‬

‫تنبين نظرية امللكات ديدكتيكيا على جمموعة من اخلطوات التدبريية والتخطيطة اليت ميكن حصرها يف‬
‫املبادى التالية‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬حتديد امللكات األساسية والنوعية‬


‫ينطلق املدرس من فلسفة امللكات كما حيددها أستاذنا الدكتور حممد الدريج‪ ،‬فيبني يف جذاذاته طبيعة‬
‫امللكات املستهدفة يف الدرس‪ ،‬ويصنفها إىل ملكات أساسية وملكات نوعية‪ ،‬قد ترتبط بالدرس فقط‬
‫أو ت كون ملكة مستعرضة أو مندجمة م باقي املواد والوحدات واجملزو ات األخرى‪ .‬كأن حيدد املدرس‬
‫طبيعة امللكة اليت يريد اختبارها وصقلها وشحذها‪ ،‬فيختار امللكة اللغوية ‪ -‬مثال‪ -‬يف حصة اللغة أو‬
‫النحو واإلنشا والتعبري‪ ،‬فيحضر املدرس جمموعة من األنشطة اليت تعزز هذه امللكة وتقويها وتنميها‪.‬‬
‫أ ضف إىل ذلك أن امللكات الكربى ثالث‪ :‬ملكة عقلية مرتبطة بأهداف معرفية‪ ،‬وملكة وجدانية‬
‫وذوقية مرتبطة بالقلب والوجدان‪ ،‬وملكة حسية حركية مرتبطة بالبدن‪ .‬وميكن أن يتحقق املدرس من‬
‫جناح درسه إذا حتققت امللكة عرب جمموعة من األنشطة والتمارين اليت تنصب على استكشاف تلك‬
‫امللكة‪ ،‬ورصد مساهتا ومواصفاهتا‪ ،‬والسيما صفة اجلودة والنضج واملهارة واحلذق والكياسة‪ .‬ويعين هذا‬
‫أن امللكة معيار لتحقيق اجلودة الكمية والكيفية‪ .‬وميكن االستفادة من نظرية األهداف والكفايات يف‬
‫تسطري امللكات اليت قد تعين من جهة أخرى جمموعة من القدرات الكفائية‪ .‬وينبغي على الوزارة الوصية‬
‫على القطاع الرتبوي أن تسطر جمموعة أو الئحة مفصلة من امللكات املهارية والصناعية اليت ترغب‬
‫فيها على املستوى املعريف والوجداين واحلركي‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقدم حممد الدريج تصوره حول مدخل‬
‫امللكات واألهداف والقدرات‪ ":‬حىت يتمكن نظامنا الرتبوي من القيام بوظائفه على أكمل وجه‪ ،‬البد‬
‫من اعتماد مقاصد وأهداف وفق اختيارات وأولويات حمددة يف املنهاج الرتبوي ككل‪ ،‬تستجيب‬
‫لطموحات اجملتم ‪ .‬مث ترتيبها وتنظيمها يف لوائح خاصة بكل مرحلة تعليمية وكل شعبة ومقرر دراسي‪.‬‬
‫مبا خيدم امللكات األساسية (املواصفات أو األهداف العامة ) املرسومة للمتعلم يف هناية كل مراحل من‬

‫‪251‬‬
‫مراحل التحصيل األويل واالبتدائي؛ وامللكات النوعية والصناعية‪ ،‬املرتبطة مبختلف العلوم والصناعات‬
‫يف املراحل املتقدمة‪.‬‬

‫كما ينبغي أن تستجيب املقاصد واألهداف حلاجيات الفرد‪ ،‬والعناية مبختلف جوانب شخصيته‪:‬‬
‫اجلسمية والعقلية والروحية‪ .‬ألجل تكوين شخصية متوازنة‪ ،‬حبيث ال نكتفي باستهداف اجلوانب العقلية‬
‫‪-‬املعرفية على حساب اجلوانب األخرى من الشخصية‪.‬‬

‫وللتذكري ينصح أبو حامد الغزايل يف تنشئة الصبيان‪ ،‬وعموما يف آرائه الرتبوية‪ ،‬باستهداف املكونات‬
‫الرئيسة للنفس البشرية‪ ،‬وهي‪ :‬العقل والروح واجلسم‪ .‬وينظر إليها باعتبارها كيانا واحدا متكامال‪ .‬ومن‬
‫مث‪ ،‬جا تأكيده على بع األساليب والطرائق الرتبوية اليت تتناول تلك املكونات بشكل متكامل‬
‫ومتوازن‪ ،‬كاجملاهدة والرياضة لتزكية القلب والروح‪ ،‬والتفكر لرتبية العقل‪ ،‬وترقية النفس اإلنسانية يف‬
‫جماالت اإلدراك‪ ،‬واللعب لرتبية اجلسم وتنشيط العقل واحلواس‪.‬‬

‫كما أننا نلح خبصوص اختيار الغايات ورسم األهداف واملواصفات وامللكات‪ ،‬على تبين الرؤية‬
‫اإلسرتاتيجية واالهتمام باملستقبل‪ .‬وقد عنيت بالفعل الكثري من األنظمة التعليمية املعاصرة بعملية‬
‫التخطيط واستشراف املستقبل‪ ،‬وكان هذا أحد أسباب جناحها يف الريادة والتقدم‪.‬‬

‫على أن الرؤية اجليدة للمستقبل‪ ،‬جيب أن يتوفر فيها بع الصفات‪ ،‬لعل أمهها ما ميكن أن يقوم به‬
‫أصحاب القرار واملخططون‪ ،‬مركزيا وجهويا‪ ،‬وكذا املمارسون … من وض األهداف وامللكات اليت‬
‫تسعى املنظومة لتحقيقها‪ ،‬ورسم للمتعلمني صورة املستقبل الذي نريد الوصول هبم إليه‪ .‬فهم يبلورون‪،‬‬
‫بذلك‪ ،‬الرؤية واألهداف السامية‪ ،‬ويشحنون كال من املدرسني والتالميذ بالرغبة يف حتقيق تلك‬
‫األهداف‪ ،‬والوصول إىل الغايات املرجوة‪ .‬وال فرق هنا بني أن تكون هذه الرؤية الختيار شعب‬
‫وختصصات أو مسارات مهنية أو لوض مشاري شخصية …أو على املستوى العام‪ ،‬عرب بنا جمتم‬
‫جديد تسود فيه العدالة واملساواة واحلرية‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫الرؤية املستقبلية الواضحة‪ ،‬إذاً‪ ،‬هي اليت حتفز التالميذ على االستمرار يف السري حنو اهلدف على الرغم‬
‫من الصعوبات‪ .‬إن استشراف املستقبل حيتاج لنفاذ بصرية وبعد نظر وتقدير كل االحتماالت‬
‫واالستعداد ألسوئها‪"207.‬‬

‫وبنا على ماسبق‪ ،‬البد من وض صنافة للملكات العقلية والوجدانية واحلركية ليستفيد منها املدرسون‬
‫يف وض جذاذاهتم ختطيطا وتدبريا وتقوميا‪.‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬جتديد احملتويات واملضامني يف ضوء امللكات‬


‫تستوجب نظرية حممد الدريج جتديد املقررات واملضامني الدراسية لتنسجم م فلسفة امللكات‪.‬مبعىن أن‬
‫تستهدف هذه احملتويات استكشاف امللكات لدى املتعلم‪ ،‬سوا أكانت أساسية أم نوعية‪ ،‬م‬
‫تصنيف املضامني حسب امللكات املستهدفة‪ .‬والبد من التدرج يف بنا هذه املضامني من السهولة‬
‫والب ساطة إىل املعقد واملركب‪ .‬والبد من مسايرة ما استجد من املناهج والتصورات والنظريات‪ ،‬والتكيف‬
‫السري م ما استحدث من معلومات وأفكار‪ ،‬كاالنفتاح على العوامل الرقمية‪ ،‬واالستفادة من القرا ة‬
‫املمسرحة‪ ،‬وفلسفة التنشيط‪ ،‬وتنمية الذكا ات املتعددة‪ ،‬وتطوير امللكات املختلفة واملتنوعة‪.‬‬

‫ويضاف إىل ذلك أنه البد من ترقية ملكات املتعلم املختلفة‪ ،‬كملكة الكتابة‪ ،‬وملكة القرا ة‪ ،‬وملكة‬
‫احلساب‪ ،‬وملكة النقد‪ ،‬وملكة التعلم الذايت‪ ،‬ومكلة البحث واالستكشاف‪ ،‬وملكة املطالعة‪ ،‬وملكة‬
‫التنقيب يف الشبكات العنكبوتية‪...‬ومن جهة أخرى‪ ،‬البد من االنطالق من اهلوية العربية اإلسالمية‪،‬‬
‫واحلفاظ على القيم الدينية‪ ،‬وغرس قيم املواطنة‪ ،‬وتنشئة املتعلم على معرفة حقوقه وواجباته‪ .‬ومن مث‪،‬‬
‫تكون املضامني هادفة وممتعة ومفيدة تنبين على التشويق واإلقناع وحب البحث واالطالع‪ .‬وال ننسى‬
‫أيضا أن ملكة احلفظ ضرورية لبنا معارفنا‪ ،‬وقد ركزت ثقافتنا القدمية على هذه امللكة األولية‬
‫واألساسية‪ ،‬حىت أصبحنا أمام علما موسوعيني جهابذة وفطاحلة يف ميادين شىت‪ ،‬كالغزايل‪ ،‬وابن‬

‫‪ -207‬حممد الدريج‪ :‬نفس املوق والرابط الرقمي‪.‬‬


‫‪253‬‬
‫سينا‪ ،‬وابن رشد‪ ،‬وابن خلدون‪ ،‬وابن رشيق القريواين‪ ،‬والقاضي عياض‪ ...‬وملكة احلفظ مرحلة ضرورية‬
‫الستكشاف امللكات األخرى لدى املتعلم‪.‬‬

‫ولكن أهم ما مييز نظرية امللكات ارتباطها بالقيم األخالقية من خالل الدعوة إىل التفاهم والتسامح‬
‫والتعايش م اآلخر‪ ،‬والتشبث باألخالق اإلسالمية األصيلة‪ ،‬والدفاع عن احلق واملساواة واحلرية‬
‫والعدالة والدميقراطية والشورى‪ .‬ويف هذا اإلطار‪ ،‬يقول الدريج‪ ":‬يروم هذا املكون األساسي يف منوذج‬
‫"التدريس بامللكات" تعزيز دور املدرس واملدرسة يف نشر قيم املواطنة واألخالق واآلداب احلميدة‪،‬‬
‫وتقوية مكانة الرتبية اإلسالمية والرتبية على املساواة وحقوق اإلنسان‪ ،‬وثقافة اإلنصاف والتسامح‪ ،‬ونبذ‬
‫الكراهية والتطرف‪.‬‬

‫كما يروم االنطالق من القيم اليت يتم إعالهنريا كمرتكزات ثابتة يف النظام الرتبوي‪ ،‬واملستندة أساسا إىل‬
‫موروثنا الثقايف (ننظر على سبيل املثال ما ورد يف امليثاق الوطين للرتبية والتكوين حول منظومة القيم‪،‬‬
‫وكذا يف "الكتاب األبي "‪ ،‬خاصة يف جزئه األول املتعلق باالختيارات والتوجهات على مستوى القيم‬
‫…) ‪ ،‬واليت ينبغي العمل على توظيفها فيما يعرف "بالرتبية على القيم "‪،‬وعلى أجرأهتا يف املقررات‬
‫والكتب املدرسية وأنظمة التقومي… واليت تستلهم باألساس من‪:‬‬

‫‪ -‬قيريم العقيدة اإلسالمية؛‬

‫‪ -‬قيريم اهلوية احلضارية ألمتنا ومبادئها األخالقية والثقافية؛‬

‫‪ -‬قيريم املواطنرية وحقوق املواطن وواجباته؛‬

‫‪ -‬القيم الكونية حلقوق اإلنسان…‪"208‬‬

‫ويعين هذا أنه البد من اختيار املضامني واحملتويات يف ضو الرؤية الدينية اإلسالمية املعتدلة‪ ،‬م‬
‫االنفتاح على املستجدات الغربية املعاصرة‪.‬‬

‫‪ -208‬حممد الدريج‪ :‬نفس املوق والرابط الرقمي‪.‬‬


‫‪254‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬اختيار الوسائل الديدكتيكية اليت تنمي امللكات وتطورها‬
‫تتطلب نظرية امللكات اختيار جمموعة من الوسائل الديدكتيكية سوا أكانت شفوية أم بصرية من أجل‬
‫ترسيخ القدرات يف نفس املتعلم‪ ،‬وصقلها باملران والدربة والتكرار‪ .‬وتقوم اخلطاطات الرتبوية بدور كبري‬
‫يف تسهيل العملية التعليمية‪ -‬التعلمية‪ .‬ويعين هذا أن الوسائل الديدكتيكية يف خدمة امللكات‬
‫والقدرات الكفائية تبسيطا وتسهيال وتيسريا وتوضيحا وتفسريا واستكشافا‪ .‬والميكن االكتفا باالرجتال‬
‫الشفوي‪ ،‬بل البد من االستعانة بالتكنولوجيا اإلعالمية وحوسبة املعرفة‪ ،‬ومتلك امللكات اإلعالمية أو‬
‫ما يسمى بالذكا اإلعالمي‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬الطرائق البيداغوجية يف خدمة امللكات‬


‫من املعروف أن النظام الرتبوي اإلسالمي القدمي كان يعتمد على العقل والنقل من جهة‪ ،‬ويستعني‬
‫باحلفظ واحلوار من جهة أخرى‪ .‬وما أحوجنا اليوم إىل طريقة احلفظ! ألهنا ملكة أساسية لتقوية الذاكرة‬
‫واإلدراك‪ ،‬قبل االنت قال إىل احلوار واملشافهة والنقد‪ .‬وميكن االستفادة من جمموعة من آليات الرتاث يف‬
‫جمال الرتبية والتعليم‪ ،‬كالشرح‪ ،‬والتقييد‪ ،‬ودراسة املتون وحفظها‪ ،‬واالستعانة بالتقييدات واحلواشي‬
‫لرتسيخ ملكة احلفظ واالستيعاب‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬ميكن االستفادة من الطرائق البيداغوجية الفعالة‪،‬‬
‫والسيما الطريقة املسرحية‪ ،‬ومتثل فلسفة التنشيط الرتبوي‪.‬‬

‫الفرع اخلامس‪ :‬التقومي استكشاف للملكات‬


‫يستهدف التقومي استكشاف امللكات ومعرفة مدى ترسخها يف نفس املتعلم‪ ،‬واختبار امللكات يف ضو‬
‫أنشطة خاصة بنوعية امللكة املستهدفة‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬ميكن احلديث عن ملكات تقوميية قبلية‪،‬‬
‫وملكات تقوميية تكوينية‪ ،‬وملكات تقومية هنائية وإمجالية‪ ،‬وملكات إشهادية‪ ،‬وملكات إدماجية‪،‬‬
‫وملكات الدعم والتقوية وترسيخ ملكة احلفظ واالستقرا واالستنباط واالستنتاج والتعميم‪ ،‬وحل‬
‫املشكالت العويصة‪ ،‬وإبداع أفكار وقيم جديدة‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يلح حممد الدريج على " إدراج‬
‫الغالف الزمين اخلاص بالتقومي جبمي أمناطه‪:‬التشخيصي(يف بداية التعلم)‪ ،‬والتكويين (املالزم للتعلم)‪،‬‬
‫‪255‬‬
‫واإلمجايل (بعد االنتها من التعلم)‪ ،‬إطار بيداغوجيا امللكات حسب مراحل اكتساهبا‪ ،‬ومبراعاة الغالف‬
‫املخصص لكل مادة دراسية يف املرحلتني االبتدائية واإلعدادية‪ ،‬ولكل وحدة يف املرحلة الثانية من‬
‫التعليم الثانوي‪ .‬والعمل بالدعم الرتبوي املنتظم الكفيل برتسيخ املكتسبات‪ ،‬والضامن للرف من نسبة‬
‫النجاح والتفوق وتكافؤ الفرص‪"209.‬‬

‫هذه هي أهم املراحل اليت تنبين عليها العملية الديدكتيكية يف ضو بيداغوجية امللكات‪ .‬وقد تبني لنا‪،‬‬
‫من هذا كله‪ ،‬أن هذه البيداغوجيا البد أن ترسخ جمموعة من امللكات لدى املتعلم املتدرج يف‬
‫مستويات الدراسة والتعلم‪.‬‬

‫وخالصة القول‪ :‬إن نظرية امللكات لدى الدكتور حممد الدريج هي فعال نظرية تربوية جديدة وأصيلة‬
‫متتح من الرتاث العريب اإلسالمي‪ ،‬وتنفتح على احلداثة الغربية واملستجدات املعاصرة‪ ،‬وترتكن إىل الدين‬
‫والقيم واألصالة واملعاصرة‪ ،‬وتعتمد على التخطيط املستقبلي‪ ،‬واالندماج املتكامل‪ ،‬والتدبري املعقلن‪،‬‬
‫واستشكشاف امللكات األساسية والنوعية لدى املتعلم وفق القيم اإلسالمية‪ ،‬واالسرتشاد مببادى‬
‫العدالة الربانية احلقيقية‪ .‬ويعين هذا كله أن نظرية امللكات آلية بيداغوجية وديدكتيكية إجرائية وواقعية‬
‫لتحقيق اجلودة واإلبداع واالبتكار واإلتقان‪ .‬ومن مث‪ ،‬تتميز نظرية أستاذنا الدكتور حممد الدريج‬
‫بتوظيف امللكات‪ ،‬وتأصيل املوروث الرتبوي‪ ،‬وقرا ته يف ضو احلداثة والراهنية‪ ،‬ومستجدات الفكر‬
‫والسيكولوجيا املعرفية‪ ،‬واالستجابة احلقيقية للمتعلمني‪ ،‬مادامت تقوم هذه النظرية على فلسفة‬
‫التنشيط‪ ،‬وترسيخ امللكات املضمرة والظاهرة‪ ،‬وجتاوز نظرية األهداف السلوكية‪ ،‬وتبين املنهاج املندمج‪،‬‬
‫ومتثل سياسة التخطيط املستقبلي لتحقيق احلداثة والتقدم واالزدهار‪ .‬كما أن نظرية امللكات نظرية‬
‫واقعية ومرنة وهادفة قابلة للتطبيق يف امليدان الرتبوي‪ ،‬وصاحلة لتنزيلها يف أرض الواق ‪ ،‬وميكن تعميقها‬
‫والتفصيل فيها أكثر يف املستقبل القريب‪.‬‬

‫‪ -209‬حممد الدريج‪ :‬نفس املوق والرابط الرقمي‪.‬‬


‫‪256‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬البيداغوجيا اإلبداعية‬
‫يتكون مصطلح (البيداغوجيا اإلبداعية‪ )La pédagogie créative/‬من مفهومني أساسيني مها‪:‬‬
‫البيداغوجيا(‪ )La pédagogie‬واإلبداع(‪ .)La création‬ومن هنا‪ ،‬البد من حتديد املفهومني‬
‫بدقة وجناعة وروية بغية تقدمي تعريف جام مان للبيداغوجيا اإلبداعية‪.‬‬

‫إذاً‪ ،‬ما البيداغوجيا اإلبداعية ؟ وما سياقها الظريف ؟ وما فلسفتها وغاياهتا وأهدافها؟ وما مرجعياهتا‬
‫النظرية؟ وما أهم مرتكزاهتا املنهجية والتطبيقية ؟ وكيف يتم تنزيل هذه النظرية ديدكتيكيا ختطيطا وتدبريا‬
‫وتقوميا؟‬

‫املطلب األول‪ :‬مفهوم النظرية اإلبداعية لغة واصطالحا‬

‫تشتق كلمة اإلبداعية من فعل بدع وأبدع‪ .‬فبدع الشي "يبدعه بدعا وابتدعه ‪ -‬يف " لسان العرب"‬
‫البن منظور‪ -‬مبعىن أنشأه وبدأه‪ .‬وبدع الركية‪ :‬استنبطها وأحدثها‪ .‬وركي بدي ‪ :‬حديثة احلفر‪ ،‬والبدعة‪:‬‬
‫احلدث وما ابتدع من الدين بعد اإلكمال‪ .‬وفالن بدع يف هذا األمر أي أول ومل يسبقه أحد‪ .‬وأبدع‬
‫تعاىل‪ .‬والبدي ‪ :‬مبعىن السقا واحلبل‪ .‬والبدي ‪ :‬الزق‬ ‫وابتدع وتبدع‪ :‬أتى ببدعة‪ .‬والبدي ‪ :‬من أمسا‬
‫اجلديد والسقا اجلديد‪ .‬وأبدعت اإلبل كربكت يف الطريق من هزال أو دا أو كالل يقال‪:‬أبدعت به‬
‫راحلته إذا ظلعت‪ .‬ويقال أبدع فالن بفالن إذا قط به وخذله ومل يقم حباجته‪ .‬وأبدعت حجة فالن‬
‫أي بطلت حجته أي بطلت‪ .‬وبدع يبدع فهو بدي إذا مسن‪ .‬وأبدعوا به‪ :‬ضربوه‪ .‬وأبدع بالسفر‬
‫وباحلج‪ :‬عزم عليه‪"210.‬‬

‫‪ -210‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب ‪ ،‬دار صبح بريوت‪ ،‬لبنان‪ /‬وأديسوفت‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ /‬الطبعة األوىل سنة ‪5002‬م‪ ،‬صص‪- 152:‬‬
‫‪.152‬‬
‫‪257‬‬
‫وتدل كلمة اإلبداعية (‪ ،) Créativité‬يف القواميس األجنبية‪ ،211‬على القدرة على اإلبداع‬
‫واالخرتاع والتجديد واإلنشا والتأليف والتكوين والتأسيس واإلخراج واخللق‪ .‬ومن أضداد اإلبداع‪ ،‬يف‬
‫هذه القواميس‪ ،‬التقليد‪ ،‬والنقل‪ ،‬واحملاكاة‪ ،‬واهلدم‪ ،‬والتخريب‪ ،‬والثبات‪ ،‬والنفي‪ ،‬والالوجود‪...‬‬

‫ويفهم‪ ،‬من هذه الدالالت اللغوية االشتقاقية‪ ،‬أن اإلبداعية تدل على اخللق واالخرتاع واالكتشاف‬
‫والتجديد والتحديث‪ ،‬وجتاوز التقليد واحملاكاة‪ ،‬إىل ما هو أصيل وبنا وهادف‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فاإلبداعية‬
‫هو فعل اإلنشا ‪ ،‬وخلق أشيا جديدة‪ ،‬وبلورة تصورات وأفكار ومشاري أخاذة قائمة على اخرتاع‬
‫مفاهيم جديدة‪ ،‬وابتكار مناهج وطرائق حديثة يف التعامل م الظواهر املادية واملعنوية‪.‬‬

‫وتأخذ كلمة اإلبداعية دالالت اصطالحية ختتلف من حقل إىل آخر‪ .‬فاإلبداعية‪ ،‬يف التصور الديين‪،‬‬
‫للعامل واإلنسان من العدم‪ .‬أي‪ :‬من الشي ‪ .‬ومن مث‪ ،‬فكلمة اإلبداعية ترادف اخللق‬ ‫هو خلق‬
‫واإلجياد‪ ،‬وإنشا الكون‪ .‬بينما يعين اإلبداع يف اجملال الفقهي البدع واملستجدات اليت مل يستوجبها‬
‫الشرع‪ ،‬فكل بدعة ضالة‪ ،‬وكل ضاللة يف النار‪ ،‬وأصحاب البدع هم أصحاب املستحدثات‪.‬‬

‫وتعين اإلبداعية‪ ،‬يف اجملال العلمي‪ ،‬االخرتاع واالبتكار واالكتشاف‪ .‬أما املقصود هبا‪ ،‬يف جمال األدب‬
‫والفن والفلسفة‪ ،‬خلق نظريات وتصورات فكرية ومبادئ نسقية جديدة منسجمة وغري متناقضة‪،‬‬
‫وتأليف نصوص متتاز باحلداثة والتجديد واالنزياح والغرابة واخلرق‪.‬‬

‫و املقصود باإلبداعية‪ ،‬يف جمال اللسانيات التوليدية التحويلية‪ ،‬كما عند مؤسسها األمريكي نوام‬
‫شومسكي ( ‪ ،)...-3152() N.Chomsky‬خلق مجل ال متناهية العدد بواسطة قواعد متناهية‬
‫العدد‪ ،‬أو تغيري القواعد النحوية وتبديلها‪.‬أي‪ :‬ليس " اإلنسان مالكا لدوالب اللغة فحسب‪ ،‬فعند‬

‫‪211‬‬
‫‪-AZNAR G., « Préciser le sens du mot “créativité”, Synergies Europe, n° 4, 2009,‬‬
‫‪p. 23-37.‬‬
‫‪258‬‬
‫التحدث ال يكتفي بإعادة اجلمل‪ ،‬بل خيلق مجال جديدة‪ ،‬رمبا مل يسمعها قبل‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فاحلديث‬
‫ليس إعادة جلمل مسعت‪ ،‬بل هو عملية إبداع‪ ،‬ويبدو أن هذا هو املظهر األساسي املوجود بالقوة‪ .‬ويف‬
‫هذا الصدد‪ ،‬يقول الفرنسي نيكوال روفيت (‪":) Nicolas Ruvet‬إنه من االستثنائي والنادر إعادة‬
‫اجلمل‪ ،‬فاإلبداع املتفق م حنو اللغة هو القاعدة يف االستعمال العادي للتحدث يوميا‪ .‬والفكرة‬
‫القائلة‪ :‬إن اإلنسان ميلك رصيدا لغويا‪ ،‬ذخرية من البيانات‪ ،‬يأخذ منها كلما استدعت احلاجة لذلك‪،‬‬
‫إمنا هي خرافة ال متت بصلة إىل استعمال اللغة كما نالحظه‪ .‬ومييز شومسكي بني نوعني من اإلبداع‪:‬‬

‫أ‪ -‬إبداع يبدل القواعد النحوية‪ ،‬وهو خاصية املوجود بالفعل‪.‬‬

‫ب‪ -‬إبداع ميكننا من إجياد عدد ال متناه من اجلمل‪ ،‬وهو ناتج عن تطبيق القواعد النحوية‪ .‬ويسمى‬
‫هذا اإلبداع إبداعا حمكوما بالقواعد‪ .‬ووجوده ممكن بطبيعة القوانني النحوية نفسها اليت ميكن هلا أن‬
‫تتوالد إىل ما ال هناية‪ .‬وعلى هذا املنوال‪ ،‬يصري املوجود بالقوة كمجموعة مكونة من عدد حمدود من‬
‫القوانني‪ ،‬وقادرة على إنشا عدد ال حمدود من اجلمل‪ 212".‬أضف إىل ذلك أن اإلنسان يتميز لسانيا‬
‫عن احليوان بالقدرة اإلبداعية‪ .‬يف حني‪ ،‬يعتمد احليوان على ماهو فطري وغريزي تكراري‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬تدل اإلبداعية على النهوض والتجديد واإلتيان بالشي اجلديد‪ ،‬وتقدمي أفكار جديدة‪ ،‬وإبداع‬
‫طرائق حديثة يف العمل‪ ،‬وابتكار آليات تقنية مل تكن موجودة‪ ،‬أو اكتشاف أشيا مل تكن معروفة يف‬
‫السابق‪ ،‬وطرح نظريات وتصورات وبرامج ومشاري حديثة مل يسبق إليها أحد‪ .‬وتعين اإلبداعية كذلك‬
‫التميز والسبق والتفرد‪ .‬كما يعين اإلبداع اإلميان بالتحول يف مقابل الثبات‪ .‬وحييل كذلك على األصالة‬

‫‪ - 212‬انظر‪ :‬عبد السالم املسدي‪ :‬اللسانيات من خالل النصوص ‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪ ،‬تونس‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪3124‬م‪.‬‬
‫‪259‬‬
‫وجدة البحث واملوض وع واإلنشا ‪ ،‬وجتاوز التقليد واحملاكاة واالجرتار‪ ،‬وتوليد أفكار جديدة وتقوميها‪،‬‬
‫وتغيري السلوك كما عند املدرسة السلوكية‪...213‬‬

‫ويعين هذا املفهوم‪ ،‬عند كرافت (‪ ،)CRAFT‬طرح أفكار وتصورات ونظريات وبراديغمات ومبادئ‬
‫جديدة خلقا وتوليدا وإبداعا وجتديدا‪.214‬‬

‫وقد ارتبط اإلبداع األول مبجال األدب والفن والتخييل‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬انتقل هذا املفهوم إىل جماالت‬
‫أخرى‪ ،‬كالعلم‪ ،‬والتقنية‪ ،‬والرتبية‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬واملوسيقا‪ ،‬والتشكيل‪ ،‬واملسرح‪ ،‬والسينما‪ ،‬وعلم اللغة‪،‬‬
‫واإلعالم‪ ،‬والرياضة البدنية‪ ،‬وتعلم اللغات‪...215‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬مفهوم اإلبداعية يف جمال البيداغوجيا‬

‫يقصد بالنظرية اإلبداعية‪ ،‬يف جمال البيداغوجيا‪ ،‬أن يكون املتعلم أو املتمدرس مبدعا قادرا على التأليف‬
‫واإلنتاج ومواجهة الوضعيات الصعبة املعقدة‪ ،‬مبا اكتسبه من تعلمات وخربات معرفية ومنهجية‪ .‬وال‬
‫يفهم من البيداغوجيا اإلبداعية تغيري املقررات املدرسية شكال ومضمونا فقط‪ ،‬واستبداهلا من حني‬
‫آلخر‪ ،‬بل تعين تقدمي التعلمات واخلربات بطريقة إبداعية نشطة‪ ،‬توصل املدرس أو املتعلم معا إىل‬
‫حتقيق األهداف املرجوة‪ .‬ويتحقق ذلك باقرتاح جمموعة من احملتويات واألنشطة والطرائق الديدكتيكية‬
‫املالئمة واملناسبة لنمو املعلم وتفتقه معرفيا ووجدانيا وحسيا‪-‬حركيا‪.216‬أي‪ :‬مبساعدة املتعلم على‬

‫‪213‬‬
‫‪- Isabelle Puozzo:Pédagogie de la créativité: de l’émotion à l’apprentissage ,‬‬
‫‪http://edso.revues.org/174.‬‬
‫‪214‬‬
‫‪- CRAFT A., Creativity in schools. Tensions and dilemmas, New York, Routledge,‬‬
‫‪2005.p:19.‬‬
‫‪215‬‬
‫‪-CRAFT A., Creativity in schools. Tensions and dilemmas, p:78-79.‬‬
‫‪216‬‬
‫‪- BANDURA A., Auto-efficacité. Le sentiment d’efficacité personnelle (P.‬‬
‫‪Lecomte, trad.) (2e éd.), Bruxelles, De Boeck, 2007 (original publié en 1997).‬‬
‫‪260‬‬
‫إظهار قدراته الكفائية والنمائية‪ ،‬وتوظيف ملكاته توظيفا جيدا‪ ،‬وتفتيق مواهبه الواعية والالواعية‪،‬‬
‫والسماح له بإظهار مشاعره وأهوائه ورغباته وميوله الوجدانية بكل حرية وعفوية وتلقائية‪ ،‬ومساعدته‬
‫على حتقيق التوازن النفسي والعضوي واجلسدي‪ .‬وهذا كله من أجل حتقيق النجاح املدرسي‪.217‬‬

‫وتتجلى اإلبداعية الرتبوية يف االخرتاع‪ ،‬واالكتشاف‪ ،‬وتركيب ما هو آيل وتقين‪ ،‬وتطوير ما هو موجود‬
‫ومستورد من األشيا ‪ ،‬وإخراجها يف حلة جديدة‪ ،‬وبطريقة أكثر إتقانا ومهارة وجودة‪ .‬وال بد أن يكون‬
‫ما هو مطور قائما على البساطة واملرونة والفعالية التقنية واإللكرتونية وسهولة االستعمال‪ .‬ويرى عبد‬
‫الكرمي غريب أن البيداغوجيا اإلبداعية هي "األنشطة والعمليات املنظمة اليت يقوم هبا املتعلم ألجل‬
‫‪218‬‬
‫ابتكار أفكار أو اكتشاف أشيا تتميز بتفردها‪".‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فالبيداغوجيا اإلبداعية ثورة أو قطيعة تربوية‪ ،‬أو مبثابة براديغم تربوي (‪)un paradigme‬‬
‫جديريريد‪ ،‬حيريريدث قطيعريرية م ري الرتبيريرية الكالسريرييكية‪ ،‬أو الرتبيريرية التقليديريرية الريرييت تقريريوم علريريى الثبريريات‪ ،‬والتقليريريد‪،‬‬
‫واحملاكاة‪ ،‬واالجرتار‪ ،‬واحملافظة على القواعد‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فاإلبداع هو تطوير الربديغمات العلمية‪ ،‬واالنزياح‬
‫عما هو قريدمي وتقليريدي‪ .‬وختضري التصريورات والنظريريات الرتبويرية للتطريور والتغريري والقطريائ اإلبسريتمولوجية‬
‫والثورات علريى غريرار النظريريات العلميرية املفاجئرية‪ ،‬ضريمن مريا يسريمى بالرباديغمريات(‪ )Paradigmes‬أو‬
‫النماذج العلمية‪.‬‬

‫ويعين هذا أن الرتبية‪ ،‬بصفة عامة‪ ،‬تتغري بتغري الرباديغمات والنماذج واألنساق البيداغوجية‬
‫والديدكتيكية والعلمية والسيكواجتماعية نظرية وتطبيقا وممارسة ووظيفة‪ .‬مبعىن أن التحول الرتبوي‬

‫‪217‬‬
‫‪- Isabelle Puozzo, « Pédagogie de la créativité: de l’émotion à l’apprentissage »,‬‬
‫‪Éducation et socialisation [En ligne], 33 | 2013, mis en ligne le 01 septembre 2013,‬‬
‫‪consulté le 12 juin 2016. URL: http://edso.revues.org/174.‬‬
‫‪ -218‬عبد الكرمي غريب‪ :‬املنهل الرتبوي ‪ ،‬اجلز الثاين‪ ،‬منشورات عامل الرتبية‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬
‫‪5002‬م‪ ،‬ص‪.755:‬‬
‫‪261‬‬
‫يتحقق بفعل تغري النظريات والنماذج والربديغمات العلمية اليت تظهر من حني آلخر‪ ،‬كما يثبت ذلك‬
‫توماس كون(‪ )T.Kuhn‬يف كتابه (بنية الثورات العلمية)‪. 219‬أي‪ :‬تتغري األنساق الرتبوية بتغري‬
‫الرباديغمات والنماذج والنظريات واملناهج واالفرتاضات العلمية‪.‬‬

‫ومن مث‪ ،‬تستند البيداغوجيا اإلبداعية إىل الذكا ات املتعددة‪،‬وامتالك الكفا ة املهارية‪ ،‬والتسلح‬
‫بالقدرات الذاتية التعلمية يف مواجهة أسئلة الواق املوضوعي‪ ،‬بتشغيل ما يدرسه املتعلم يف مقط‬
‫دراسي‪ ،‬ويستوعبه يف السنة الدراسية‪ ،‬أو يكتسبه عرب امتداد األسالك الدراسية من أجل التكيف م‬
‫الواق ‪ ،‬والتأقلم معه إما حمافظة‪ ،‬وإما تغيريا‪.‬‬

‫وميكن االستعانة بالسكولوجيا املعرفية ملساعدة املتعلم على إجياد أفكار جديدة‪ ،‬ودفعه إىل تشغيل‬
‫عقله وذكائه بطريقة إجيابية بغية طرح أفكار بديلة‪ ،‬وتقدمي تصورات وآرا ومقرتحات غري مسبوقة‪،‬‬
‫وتشجيعه على النقد البنا اهلادف‪.‬ويف الوقت نفسه‪ ،‬ميكن االستعانة أيضا بالسيكولوجيا السلوكية‬
‫لتغيري سلوكيات املتعلم من األسوإ حنو األحسن واألفضل‪ ،‬أو مساعدته على متثل السلوك اإلبداعي يف‬
‫حياته اليومية‪ .‬وهنا‪ ،‬ميكن احلديث عن تقومي إبداعي يرصد ملكة اإلبداع لدى املتعلم على املستوى‬
‫املعريف والذهين‪ ،‬أو على املستوى السلوكي‪ ،‬أو على مستوى املواقف وامليول واالجتاهات النفسية‬
‫والوجدانية واالنفعالية‪ ،‬أو على املستوى احلسي‪ -‬احلركي‪.‬أي‪ :‬يرصد التقومي اإلبداعي كل التحوالت‬
‫اليت تنتاب املتعلم‪ ،‬ويستجلي كل مظاهر التحول والتغري والتجديد والتحديث لدى املتعلم على‬
‫مستوى التفكري‪ ،‬واللغة‪ ،‬والعمل‪ ،‬والسلوك‪...‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فالبيداغوجيا اإلبداعية ‪ -‬حسب لوبار(‪ -)Lubart‬هي اليت تظهر قدرة املتعلم على إنتاج‬
‫إنشا جديد‪ ،‬وفق سياق معني‪ ،‬أو وضعية ما‪ .220‬وبالتايل‪ ،‬تسهم يف خلق الفوارق الفردية اإلجيابية‪.‬‬
‫‪219‬‬
‫‪-T.Kuhn: La structure des révolutions scientifiques, traduit par Laure Meyer,‬‬
‫‪Flammarion, Paris, 1970.‬‬
‫‪262‬‬
‫وتتأسس اإلبداعية الرتبوية على أربعة عوامل أساسية هي‪:‬‬

‫‪ ‬العوامل املعرفية‪ :‬تتمثل يف قدرة املتعلم على طرح أفكار جديدة‪ ،‬وتوظيف ملكته الكفائية بشكل‬
‫إجيايب‪ ،‬والقدرة على التطبيق‪ ،‬والتحليل‪ ،‬واالستنتاج‪ ،‬والتقومي‪ ،‬واالنتقا ‪ ،‬واملقارنة؛ أو القدرة على‬
‫التفكيك والرتكيب؛ أو القدرة على الفهم والتفسري والتأويل؛‬

‫‪ ‬عوامل اإلثارة‪ :‬تتعلق بتفرد شخصية املتعلم فكريا‪ ،‬ووجدانيا‪ ،‬وحسيا‪-‬حركيا؛ ومتيزه عن أقرانه‬
‫اآلخرين بالذكا واملوهبة واخللق‪ ،‬وتفرده بآرائه وميوله ورغباته واجتاهاته النفسية؛ واستعمال أساليب‬
‫متميزة يف املعرفة والتحفيز؛‬

‫‪ ‬العوامل الوجدانية‪ :‬تتعلق باجلوانب الشعورية والذاتية واالنفعالية والعاطفية اليت حتفز املتعلم على‬
‫اإلبداع واالبتكار والتجديد والتميز معرفيا وعلميا وأدبيا وفنيا وتقنيا؛‬

‫‪ ‬عوامل احمليط‪ :‬تسهم عوامل احمليط والوسط‪ ،‬كاألسرة‪ ،‬والشارع‪ ،‬واملدرسة‪ ،‬واجلامعة‪ ...‬يف تكوين‬
‫الفرد املبدع من مجي النواحي النفسية واملعرفية والسلوكية‪ ،‬وجناحه يف احلياة الدراسية أو املهنية أو‬
‫اإلبداعية‪ ،‬إما بطريقة مباشرة‪ ،‬وإما بطريقة غري مباشرة‪.221‬‬

‫وتسعى البيداغوجيا اإلبداعية إىل خلق فضا ات صفية دراسية مالئمة‪ ،‬تساعد املتعلم على حتقيق توازن‬
‫نفسي ووجداين وانفعايل إجيايب بغية اخللق واإلنشا واإلبداع واالكتشاف واالبتكار‪ .‬وال ينبغي أن‬
‫تكون املدرسة حجرة عثرة أمام تقدم املتعلم‪ ،‬أو تض املتاريس أمامه ملنعه من التقدم أو النمو‬

‫‪220‬‬
‫‪- LUBART T., Psychologie de la créativité (2e éd.), Paris, Armand Colin, 2003, p:10.‬‬
‫‪221‬‬
‫‪-LUBART T., Psychologie de la créativité, p: 31-84.‬‬
‫‪263‬‬
‫السيكولوج ي واملعريف‪ ،‬أو تعيقه عن اإلبداع املدرسي‪ ،‬أو متنعه من إظهار قدراته النمائية العادية أو‬
‫اخلارقة‪.222‬‬

‫وما ميكن للمدرسة اإلبداعية أن تفعله هو أن حتد من االنفعاالت الزائدة أو الطائشة لدى املتعلم‪،‬‬
‫فتشجعه على إظهار العواطف واملشاعر الوجدانية اإلجيابية املثمرة واهلادفة والبنا ة‪.‬‬

‫و تعتمد البيداغوجيا اإلبداعية على حتليل النصوص وفهمها وتفسريها وتأويلها‪ ،‬والقدرة على استنباط‬
‫معانيها السطحية والثاوية يف العمق‪ .‬وقد تتجاوز اإلبداعية هذا املفهوم التحليلي النصي إىل تقدمي‬
‫تصورات فكرية نسقية جديدة حول اإلنسان واملعرفة والكون والقيم‪ ،‬تضاف إىل األفكار الفلسفية‬
‫املوجودة يف الساحة الثقافية‪ .‬وميكن أن تكون اإلبداعية هي جتريب نظريات وفرضيات علمية جديدة‪،‬‬
‫واإلدال بأطروحات منهجية ومعرفية تسعف اإلنسان أو الدولة يف استثمارها للصاحل العام‪.‬‬

‫و ميكن أن تكون اإلبداعية‪ ،‬يف جمال الفن‪ ،‬برسم لوحات تشكيلية‪ ،‬وحنت مشخصات تنم عن‬
‫تصورات حديثة‪ ،‬أو إخراج فيلم أو مسلسل أو مسرحية فيها الكثري من اإلضافات الفنية اجلديدة‪.‬و‬
‫من مث‪ ،‬فاإلبداعية نظرية تربوية ثورية سامية ومتطلعة‪ ،‬هتدف إىل تربية التلميذ تربية إبداعية ومهارية‬
‫وملكاتية‪ ،‬وتعويده على اخللق واإلنتاج واإلبداع واالبتكار واالخرتاع والتجديد والتطوير والرتكيب‬
‫والتأليف‪ ،‬بعد االبتدا باحلفظ وتقوية الذاكرة‪ ،‬واالستعانة بعمليات التدريب والتمرين واحملاكاة‪ ،‬ومتثل‬
‫املعارف السابقة املخزنة يف الذاكرة‪ ،‬وتفتيقها أثنا مواجهة الوضعيات اجلديدة يف الواق امليداين‬
‫والنظري واالفرتاضي‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫‪- BANDURA A., Auto-efficacité. Le sentiment d’efficacité personnelle (P.‬‬
‫‪Lecomte, trad.) (2e éd.), Bruxelles, De Boeck, 2007 (original publié en 1997).‬‬
‫‪264‬‬
‫وميكن أن تكون اإلبداعية الرتبوية فردية أو مجاعية‪ .‬وكلما كانت مجاعية‪ ،‬ويف إطار فريق تربوي‪ ،‬كانت‬
‫أحسن وأفضل؛ بسبب ما يرتتب على ذلك من مردودية كمية وكيفية مثلى‪ ،‬وما هلا من نتائج إجيابية‬
‫ومثمرة ذات أثر فعال يف نفسية كل عضو من أعضا الفريق‪ .‬ولكن البد من قائد يدبر أمر هذا‬
‫الفريق‪ ،‬ويكون أكثر كفا ة ومحاسة وحتفيزا ورغبة يف اإلبداع واالبتكار واالكتشاف واإلنتاج واخللق‪.‬‬

‫وقد تكون تلك اإلبداعية الرتبوية أيضا شفوية أو كتابية أو بصرية‪ .‬وقد تكون كذلك نظرية أو عملية‪،‬‬
‫أو تكون ذهنية أو وجدانية أو حسية حركية‪ .‬وختتلف هذه اإلبداعية الرتبوية من جمال إىل آخر‪ ،‬فتكون‬
‫إبداعية لغوية ولسانية‪ ،‬أو إبداعية أدبية‪ ،‬أو إبداعية فنية‪ ،‬أو إبداعية فلسفية‪ ،‬أو إبداعية علمية‪ ،‬أو‬
‫إبداعية تقنية‪...‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬مرتكـ ـزات النظري ــة اإلبداعي ــة‬

‫تتكئ النظرية اإلبداعية الرتبوية على جمموعة من األسس واملرتكزات‪ ،‬ومن أمهها‪ :‬استقاللية شخصية‬
‫املتعلم‪ ،‬والبحث عن األفكار والتصورات والنظريات واآلرا اجلديدة‪ ،‬والسعي الدائم ورا التحديث‬
‫والتجديد‪ ،‬واستعمال التكنولوجيا املعاصرة والثقافة الرقمية‪ ،223‬وتفادي التكرار واالجرتار‪ ،‬واالبتعاد عن‬
‫استنساخ ما هو موجود سلفا‪ ،‬واستيعاب الثورات العلمية والربديغمات‪ ،‬واالستفادة من القطائ اليت‬
‫حتدث على مجي املستويات املعرفية واإلنتاجية‪ ،‬وجتنب أوهام احلداثة الشكلية والزائفة باملفهوم‬
‫األدونيسي‪ ،224‬واعتماد حداثة حقيقية وظيفية بنا ة وهادفة‪ ،‬تنف اإلنسان يف صريورته التارخيية‬
‫واالجتماعية‪ .‬ولن تتحقق هذه احلداثة إال بالتعلم الذايت‪ ،‬وتطبيق البيداغوجيا الالتوجيهية أو املؤسساتية‬

‫‪223‬‬
‫‪- Olivier Rey et Annie Feyfant: (VERS UNE ÉDUCATION PLUS INNOVANTE ET‬‬
‫‪CRÉATIVE).Dossier‬‬ ‫‪d’&ctualité.n70, janvier 2012. http://ife.ens-lyon.fr/vst/DA-‬‬
‫‪Veille/70-janvier-2012.pdf‬‬
‫‪ - 224‬أدونيس‪ :‬مقدمة للشعر العريب‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة ‪3122‬م؛ والثابت واملتحول‪ ،‬اجلز الثالث‪ ،‬واجلز الراب ‪ ،‬دار الساقي‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة ‪5003‬م‪.‬‬
‫‪265‬‬
‫أو امللكاتية‪ ،‬واالسرتشاد بنظرية الذكا ات املتعددة‪ ،‬واالستعانة بالبيداغوجيا الفارقية‪ ،‬ومتثل تربية القيم‬
‫واملواطنة وحقوق اإلنسان‪ ،‬ودمقرطة الدولة وكل مؤسساهتا التابعة هلا‪ .‬ويعين هذا أن البيداغوجيا‬
‫اإلبداعية لن تنجح يف الدول اليت حتتكم إىل القوة واحلديد‪ ،‬وتسن نظاما ديكتاتوريا مستبدا؛ ألن‬
‫الثقافة اإلبداعية هي ثقافة تغيريية راديكالية ضد أنظمة التسلط والقهر واجلور‪.‬‬

‫و ال ميكن احلديث أيضا عن النظرية اإلبداعية إال إذا كان هناك تشجي كبري لفلسفة التخطيط والبنا‬
‫والتدبري‪ ،‬وإعادة البنا واالخرتاع واالكتشاف‪ ،‬وتطوير البحث العلمي‪ ،‬وتنمية القدرات الذاتية واملادية‬
‫من أجل مواجهة كل التحديات‪.‬‬

‫ومن الشروط اليت تستوجبها النظرية اإلبداعية االحتكام الدائم إىل اجلودة احلقيقية كما وكيفا حسب‬
‫املقاييس العاملية؛ تلك اليت اجلودة ال ميكن احلصول عليها إال بتخليق املتعلم واملواطن بصفة خاصة‪،‬‬
‫واجملتم بصفة عامة‪ .‬ويعد اإلتقان من الشروط األساسية ملا هو إبداعي؛ ألن اإلسالم حيث على إتقان‬
‫العمل‪ ،‬وحيرم الغش واإلثرا غري املشروع‪ .‬وال بد من ضبط النفس أثنا التجريب واالختبار‪ ،‬وتنفيذ‬
‫املشاري العلمية والتقنية‪ ،‬م الرتوي يف إبداعاتنا على مجي األصعدة واملستويات والقطاعات اإلنتاجية‪،‬‬
‫واالشتغال يف فريق تربوي متميز كفا ة ومهارة وحذقا وكياسة‪ ،‬واالنفتاح على احمليط العاملي قصد‬
‫االستفادة من جتارب اآلخرين‪ ،‬واملسامهة بدورنا يف خدمة اإلنسان كيفما كان‪.‬عالوة على ذلك‪ ،‬البد‬
‫أن يكون التعليم اإلبداعي منفتحا على حميطه‪ ،‬ويف خدمة التنمية احمللية واجلهوية والوطنية والقومية‬
‫واإلنسانية‪.‬‬

‫النظرية اإلبداعية التقليد اجملاين واحملاكاة السائبة العميا ‪ ،‬واالتكال على اآلخرين‪ ،‬واسترياد‬ ‫هذا‪ ،‬وترف‬
‫كل ما هو جاهز‪ ،‬واستبدال ذلك كله بالتخطيط العقالين واملدبر‪ ،‬وإنتاج األفكار والنظريات الناجعة‬

‫‪266‬‬
‫واملثمرة‪ ،‬بالتفكري يف املاضي واحلاضر واملستقبل‪ ،‬ومتثل التوجهات الرباغماتية العملية املفيدة‪ ،‬بشرط‬
‫ختليقها ملصلحة اإلنسان بصفة عامة‪.‬‬

‫وينبغي أن ينصب اإلبداع كذلك على ما هو أديب‪ ،‬وفين‪ ،‬وفكري‪ ،‬وعلمي‪ ،‬وتقين‪ ،‬ومهين‪ ،‬وصناعي‪،‬‬
‫وإعالمي‪ ،‬يف إطار نسق منسجم ومتناغم ومتكامل لتحقيق التنمية احلقيقية والتقدم واالزدهار الناف‬
‫لوطننا وأمتنا‪.‬‬

‫و من املعلوم‪ ،‬أن الدول الغربية مل تتقدم إال بتشجي احلريات اخلاصة والعامة‪ ،‬وإرسا الدميقراطية‬
‫احلقيقية‪ ،‬وتشجي العمل اهلادف‪ ،‬وحتفيز العاملني ماديا ومعنويا‪ .‬ومن مث‪ ،‬تعد فكرة التشجي‬
‫والتحفيز‪ ،‬وتقدمي املكافآت املادية والرمزية‪ ،‬واالعتداد بالكفا ة احلقيقية‪ ،‬من أهم مقومات هذه‬
‫البيداغوجيا العملية احلقيقية‪ ،‬ومن أهم أسس الرتبية املستقبلية القائمة على االستكشاف واالخرتاع‬
‫واالبتكار‪.‬‬

‫أضف إىل ذلك أن االقتصاد العاملي هو اقتصاد تنافسي بامتياز‪ ،‬يفرض على الشعوب أن تعىن بالتعليم‬
‫من أجل تكوين املوارد البشرية املؤهلة‪ ،‬وتوفري األطر الكفأة‪ ،‬وتكوين العمال وفق أحدث األنظمة‬
‫التقنية املعاصرة‪ .‬ويستوجب هذا كله أن يكون التعليم إبداعيا‪ ،‬يركز على الكيف‪ ،‬والتنوع‪ ،‬وتنمية‬
‫امللكات والقدرات اإلبداعية لدى املتعلم تعلما وتكوينا وتطبيقا‪.‬‬

‫وقد سعت جمموعة من الدول الغربية‪ ،‬باخلصوص‪ ،‬منذ سنوات األلفية الثالثة‪ ،‬إىل متثل املقاربة اإلبداعية‬
‫يف جمال الرتبية والتعليم والديدكتيك لتجويد التعلمات لدى املتمدرس‪ ،‬والبحث عن اجلديد‪ ،‬ومساعدته‬
‫على اخللق واإلبداع واالبتكار‪ ،‬ومواجهة الوضعيات الصعبة واملعقدة‪ ،‬وتطوير اإلبداع الذكائي‪ ،‬جبعل‬
‫املتعلم أمام وضعيات سياقية خارجية شائكة للتثبت من مدى قدرته على التكيف والتأقلم والتمثل‬
‫واالستيعاب والتجديد وحل املشاكل‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫ويعين هذا أن البيداغوجيا اإلبداعية هي بيداغوجيا املركز‪ ،‬واجلودة‪ ،‬والتنافس‪ ،‬واهليمنة‪ ،‬والتميز‪،‬‬
‫واملردودية‪ ،‬والتدبري‪ ،‬والتخطيط‪ ،‬والتسيري‪ ،‬وحتقيق االكتفا ‪ ،‬وزيادة اإلنتاج‪ ،‬وتصدير املنتج كما وكيفا‪.‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬املرجعي ــات النظرية‬

‫تستوحي البيداغوجيا اإلبداعية مرتكزاهتا النظرية والتطبيقية من نظرية اللسانيات التوليدية التحويلية اليت‬
‫تتبين كثري على اإلبداعية اللغوية على مستوى اإلجناز‪ ،‬وتوليد اجلمل الالمتناهية العدد من خالل قواعد‬
‫هنائية وحمددة‪ ،‬واستعماهلا بشكل إبداعي متجدد‪ .‬كما تعتمد النظرية اإلبداعية على إجيابيات‬
‫بيداغوجيا األهداف والكفايات واجملزو ات ونظرية اجلودة الرتبوية‪ ،‬والتخلي عن سلبياهتا املعيقة‪ .‬ومن‬
‫ناحية أخرى‪ ،‬تتبىن مبادئ الرتبية احلديثة واملعاصرة‪ ،‬م متثل الفلسفة الرباغماتية املخلقة‪ ،‬وتنفيذ‬
‫مقررات احلياة املدرسية‪ ،‬واألخذ بفلسفة التنشيط الرتبوي‪ ،‬واالستهدا بنظرية الذكا ات املتعددة‪،‬‬
‫واالستفادة من مبادئ مدرسة املستقبل‪ ،‬ونظرية امللكات كما لدى الدكتور حممد الدريج‪.225‬‬

‫و تستلهم هذه النظرية التجارب الرتبوية يف الدول الغربية املتقدمة اليت تربط املدرسة والتعليم باملمارسة‬
‫العملية‪ ،‬وسوق الشغل‪ ،‬والبحث العلمي‪ ،‬واالخرتاع اآليل والتقين‪ .‬وتقرنه كذلك بالتنمية والتقدم‬
‫واالزدهار‪ .‬وتعتمد أيضا على الطرائق البيداغوجية الفعالة‪ ،‬والتعليم اإلقرائي املسرحي‪ ،‬واالستفادة من‬
‫نظريات التدبري والشراكة واملشاري ‪ ،‬واالنفتاح على النظريات املستقبلية‪ ،‬والتوفيق بني األصالة‬
‫واملعاصرة‪ ،‬والتأثر بنظريات الرتبية لدى علمائنا القدامى اليت تركز على احلفظ والعقل والنقد واحلوار‬
‫على حد سوا ‪ ،‬والتشديد على فلسفة القيم واملواطنة وحقوق اإلنسان‪.‬‬

‫‪ - 225‬انظر‪ :‬حممد الدريج‪( :‬ماذا بعد بيداغوجيا اإلدماج؟ منوذج التدريس بامللكات)‪ ،‬جريدة األخبار‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد‪ ،25:‬الثالثا ‪ 51‬يناير‬
‫‪5031‬م‪ ،‬ص‪.2:‬‬
‫‪268‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬فلسفة البيداغوجيا اإلبداعية وغاياهتا‬

‫هتدف البيداغوجيا اإلبداعية إىل تكوين مواطن صاحل يغري جمتمعه‪ ،‬ويسهم يف تطويره‪ ،‬ويرف مراتبه‪،‬‬
‫وحيفظ كينونة أمته ومقوماهتا الدينية‪ ،‬ويسعى جاهدا من أجل تنميتها بشريا وماديا‪ ،‬ومحايتها من‬
‫املعتدين بالدفاع عنها بالنفس والنفيس‪ ،‬وإعداد القوة البشرية والعلمية والتقنية من أجل اجملاهبة‬
‫والتحصني والدفاع‪.‬و يعين هذا أن البيداغوجيا اإلبداعية نظرية تعمل على تكوين جيل من املتعلمني‬
‫ميتلك العلم والتكنولوجيا‪ ،‬ويكون مؤهال بالقدرات وامللكات الكفائية يف مجي التخصصات من أجل‬
‫تسيري دفة اجملتم ‪ ،‬وتوجيهه الوجهة احلسنة والسليمة‪ ،‬م حتلي هذا اجليل باألخالق الفاضلة اليت‬
‫تؤهله خلدمة اجملتم والوطن واألمة على حد سوا ‪.‬‬

‫و من أهداف البيداغوجيا اإلبداعية العمل على خلق مدرسة عملية نشيطة‪ ،‬حيس فيها التلميذ باحلرية‬
‫واخللق واإلبداع‪ .‬وبالتايل‪ ،‬تتحول هذه املدرسة إىل ورشات تقنية‪ ،‬ومقاوالت صناعية‪ ،‬وخمتربات علمية‪،‬‬
‫وحمرتفات أدبية‪ ،‬وقاعات فنية‪ ،‬من أجل املسامهة يف االقتصاد الوطين والعاملي‪.‬و ال بد أن يتعود‬
‫التلميذ‪ ،‬يف هذه املدرسة‪ ،‬على التحكم يف اآللة تفكيكا وتركيبا وتطويرا‪ ،‬واخرتاع آالت جديدة لتنمية‬
‫االقتصاد‪ ،‬وحتديث الصناعة الوطنية على غرار املدارس اآلسيوية‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا يف دول التنينات‬
‫أو اليابان أو املدارس الغربية‪.‬‬

‫و ال ميكن خلق تلميذ مبدع إال إذا كانت اإلدارة وهيئة التعليم واإلشراف تتوخى التغيري واإلبداع‪،‬‬
‫وهتوى التنشيط بكل آلياته املختلفة واملتنوعة‪ ،‬وهلا الرغبة احلقيقية يف العمل اهلادف املتنامي‪ ،‬والقدرة‬
‫على املسامهة يف البنا واخللق والتطوير والتجديد من أجل حتقيق األهداف الوطنية والقومية‪ .‬وال ميكن‬
‫كذلك احلصول على هذه الشرائح املبدعة الراغبة يف اخللق والتطوير والتحديث إال إذا حسنا أوضاعها‬
‫املادية واملالية‪ ،‬وحفزناها معنويا واجتماعيا ومهنيا‪ ،‬ووضعنا كل شخص يف مكانه املناسب اعتمادا على‬

‫‪269‬‬
‫معايري العمل والعلم‪ ،‬م إبعاد الرتقية باألقدمية واالختيار اليت تسي إىل الفلسفة اإلبداعية وبيداغوجيا‬
‫اخللق والتجديد‪.‬‬

‫وبنا على ما سبق‪ ،‬تسعى املدرسة اإلبداعية إىل استكشاف اجلديد‪ ،‬واالهتمام باملخرتعات‬
‫التكنولوجية‪ ،‬وجتديد املفاهيم املوروثة‪ ،‬وتطوير آليات البحث العلمي معرفيا وتقنيا وصناعيا‪ .‬والبد من‬
‫آلية التسري يف االكتشاف واالخرتاع واإلبداع‪ .‬ومن مث‪ ،‬تعطى األولوية لتأهيل املوارد البشرية‪ ،‬واالبتعاد‬
‫عن السياسات املركزية‪ ،‬باستشارة الطاقات والكفا ات اجلهوية واحمللية‪ ،‬واالنتقال من التسيري املركزي‬
‫إىل التسيري اجلهوي واحمللي‪ .‬فضال عن األخذ بالنظام التعليمي النظري والتطبيقي‪ ،‬واالستفادة من‬
‫التكوين املستمر‪ ،‬وتطوير البيئة الصناعية والتقنية‪ ،‬واألخذ بسياسة التنافس واإلنتاجية‪ ،‬وتقدير‬
‫الكفا ات‪ ،‬وتشجيعها وحتفيزها‪ ،‬والبحث عن املشاري ‪ ،‬وحتويل املدرسة إىل ماركتينغ(‪)Marketing‬‬
‫حبثا عن املمولني واملشاري اإلجيابية‪ ،‬واستكشاف أسواق جديدة لتصريف املنتج الرتبوي والعلمي‪،‬‬
‫واألخد أيضا باخلوصصة التعليمية‪ ،‬وربط املدرسة بسوق الشغل بغية القضا على األمية واجلهل‬
‫والفقر‪ ،‬وأيضا عرب التحكم يف اإلعالميات‪ ،‬وإتقان اللغات األجنبية‪ ،‬وتطوير التجارة الرقمية‪ ،‬وتطوير‬
‫املنظومة اإلعالمية‪.‬‬

‫والبد من حتويل اخلدمات التعليمية إىل وسيلة للتبادل بني األنظمة الرتبوية العاملية‪ ،‬وجعل اخلدمات‬
‫التعليمية آلية للتبادل االقتصادي والتجاري‪ .‬والبد أن تكون الشهادات املقدمة من قبل املدرسة‬
‫اإلبداعية معرتفا هبا عامليا‪ ،‬يف ضو االحتكام إىل مقاييس اجلودة والتميز والتفرد‪ ،‬واالنضمام إىل‬
‫املقررات العاملية املوحدة‪.‬‬

‫أضف إىل ذلك أنه البد أن تكون املدرسة الرتبوية اإلبداعية مؤسسة اجتماعية عادلة ومتوازنة‪ ،‬جتم‬
‫أبنا العمال م أبنا األطر يف فضا تربوي سعيد‪ ،‬تذوب فيه الفوارق االجتماعية واالقتصادية‪،‬‬

‫‪270‬‬
‫بتشجي املواطنة والتضحية وخدمة األمة‪ ،‬وتطبيق نظرية الذكا ات املتعددة يف استكشاف الفوارق‬
‫الفردية‪ ،‬واالهتمام بذوي احلاجيات اخلاصة‪.‬‬

‫وعلى العموم‪ ،‬تتقادم النظريات العلمية والرتبوية بتقادم اجملتم ‪ ،‬ويتقادم اجلهاز املعريف واإلبستمولوجي‬
‫للنظام املتحكم يف بنا املعرفة وإنتاجها‪ .‬ومن مث‪ ،‬البد لإلنسان من التعلم الذايت والتكوين املهين‬
‫املستمر ليكون قريبا مما هو مستجد يف الساحة الثقافية واألدبية والعلمية والتقنية والفنية واملعرفية‪ .‬ومن‬
‫مث‪ ،‬فأساس النهضة احلقيقية والتنمية املستدامة هو التكوين احلريف واملهين املستمر القائم على البحث‬
‫الشخصي‪ ،‬والتعلم الذايت‪ ،‬واحلضور ميدانيا يف ورشات التكوين والتأهيل ملسايرة مستجدات املعرفة‬
‫اإلنسانية اليت تتطور كل يوم بوترية سريعة‪ ،‬من الصعب تطويقها والتحكم فيها‪ .‬ويعين هذا كله أن على‬
‫اإلنسا ن أن يتعلم طوال حياته‪ ،‬سوا أكان تلميذا أم طالبا أم موظفا أم حرفيا‪ .‬فاملعرفة التتحدد بوقت‬
‫معني‪ ،‬بل البد من متابعة الدروس واحملاضرات مادام اإلنسان حيا ملسايرة كل ماهو جديد وحديث؛‬
‫ألن املعرفة تتقادم بسرعة‪ .‬لذا‪ ،‬فعلى وزارة الرتبية والتعليم ‪ -‬مثال‪ -‬أن تعيد تكوين التالميذ واملدرسني‬
‫ورجال اإلدارة على حد سوا ‪ ،‬بغية تأهيلهم يف خمتلف حقول املعرفة‪ ،‬سوا أكان ذلك يف مادة‬
‫ختصصهم‪ ،‬أم يف مواد معرفية أخرى‪ ،‬قريبة أم بعيدة عن جمال اهتمامهم‪ .‬وهذا كله من أجل تطوير‬
‫العدة املهنية أو احلرفية‪ ،‬ومن أجل احلفاظ على اإلنتاجية‪ ،‬وخلق حياة عملية نشيطة وحمفزة‪ ،‬وتطوير‬
‫القدرات املهنية واملهارات احلرفية‪.‬‬

‫املطلب السادس‪ :‬التدبي ــر الديدكتيكي اإلبداع ــي‬


‫يرتكز التدبري الديداكتيكي‪ ،‬يف املدرسة اإلبداعية‪ ،‬على جمموعة من املبادى واآلليات النظرية‬
‫والتطبيقية‪ ،‬وهي على الشكل التايل‪:‬‬

‫‪271‬‬
‫الفرع األول‪ :‬االنطالق من الفلسفـ ــة اإلبداعي ــة‬

‫من الضروري أن ينطلق املدرس واملتعلم معا من الفلسفة اإلبداعية تصورا ومنهاجا وبرناجما‪ ،‬فيختار‬
‫املدرس‪ ،‬يف جذاذته‪ ،‬اجملال اإلبداعي الذي يريد االشتغال عليه‪ ،‬أو تنميته نظرية وتطبيقا وتقوميا‪ ،‬كأن‬
‫يكون اجملال اإلبداعي رياضيا‪ ،‬أو موسيقيا‪ ،‬أو طبيعيا‪ ،‬أو تقنيا‪ ،‬أو إعالميا‪ ،‬أو أدبيا‪ ،‬أو فنيا‪ ،‬أو‬
‫تشكيليا‪...‬فيختار اآلليات واألنشطة اليت حتقق هذا اجملال على مستوى إعادة اإلنتاج كتابة أو شفويا‬
‫ومهاريا أو صناعيا أو تقنيا‪ .‬ويقوم العمل اإلبداعي داخل القسم على" إعداد وضعيات ديدكتيكية‬
‫وتنظيمها‪ ،‬تتميز باخلصائص احملددة للنشاط اإلبداعي‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ ‬وض التالميذ يف وضعية متكنهم من إدراك مشكل‪ ،‬والشعور باحلاجة إىل اإلبداع واالبتكار‪.‬‬

‫‪‬متكني التلميذ من تقدمي أكرب قدر من األفكار واأللفاظ‪ .‬فالفعل اإلبداعي يتميز بسيولته‬
‫الفكرية‪.‬أي‪ :‬إنتاج قدر كبري من األفكار أو سيولة لفظية‪ .‬أي‪ :‬إنتاج قدر من األلفاظ والتسميات‪.‬‬

‫‪ ‬مرونة النشاط‪ ،‬حيث يتمكن املتعلم من االنتقال من جمال إىل آخر‪ ،‬والتكيف م معطيات‬
‫جديدة‪.‬‬

‫‪ ‬أصالة اإلنتاج الذي يصدره املتعلم‪ ،‬مثل‪ :‬األجوبة غري املألوفة واألفكار اجلديدة واخلاصة‪.‬‬

‫‪ ‬إعادة بنا األشيا واألفكار يف شكل جديد‪"226.‬‬

‫عالوة على ذلك‪ ،‬تتميز البيداغوجيا اإلبداعية جبعل التالميذ يواجهون مشكال يدفعهم إىل االبتكار‪،‬‬
‫م تقييم املنتجات‪ ،‬واختيار األفضل منها‪.227‬‬

‫‪ -226‬عبد الكرمي غريب‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.755:‬‬


‫‪ -227‬عبد الكرمي غريب‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.755:‬‬
‫‪272‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ " ،‬تستند هذه البيداغوجيا ‪ -‬حسب منوذج جيلفورد‪ -‬إىل ثالثة أمناط من التفكري‪،‬‬
‫وهي‪:‬‬

‫‪ -3‬التفكري املغاير أو املتشعب‪ ،‬وفيه تنتج أفكار وآرا متعددة ومتنوعة‪.‬‬

‫‪ -5‬التفكري التقييمي‪ ،‬الذي ميكن من الفحص واالختبار والتجريب‪.‬‬

‫‪ -1‬التنفكري املماثل أو املتجم ‪ ،‬الذي يتجه فيه التالميذ إىل االتفاق حول معطى واحد‪.‬‬

‫وتتطلب هذه العمليات من املدرس جمموعة من املواقف‪ ،‬مثل‪ :‬احرتام أسئلة التالميذ‪ ،‬وأفكارهم‬
‫‪228‬‬
‫األصيلة‪ ،‬وإبراز قيمتها‪ ،‬وفسح الفرصة للعمل احلر‪ ،‬وجتنب إصدار األحكام‪".‬‬

‫وعليه‪ ،‬ميكن تسويد اجلذاذة املقطعية مبجموعة من اجملاالت اإلبداعية‪ ،‬وإرفاقها بأنشطة استكشافية‬
‫وإبداعية يف شكل وضعيات ومشاكل‪ ،‬تستوجب تشغيل الذهن حللها عرب آليات اإلبداع ومناهج‬
‫االبتكار والتجديد‪.‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬حتديث احملتويات وعصرنة املضامني‬

‫تستلزم البيداغوجيا اإلبداعية‪ ،‬يف أثنا وض املقررات واملناهج والربامج الدراسية‪ ،‬أن حترتم مرحلة‬
‫احلفظ‪ ،‬ومرحلة التقليد واحملاكاة‪ ،‬ومرحلة التجريب والتجاوز‪ ،‬ومرحلة اإلبداع‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬تبىن‬
‫املقررات على مبدإ القيم واهلوية اإلسالمية األصيلة‪ .‬ويقصد بالقيم جمموعة من األخالق والتمثالت‬
‫السلوكية واملبادئ الثابتة أو املتغرية اليت ترتبط بشخصية اإلنسان إجيابا أو سلبا‪ .‬وبالتايل‪ ،‬حتدد كينونته‬
‫وطبيعته وهويته انطالقا من جمموع تصرفاته األدائية والوجدانية والعملية ‪.‬ومن املعلوم أن كلمة القيم‪،‬‬
‫من الناحية الصرفية‪ ،‬مج قيمة‪ .‬ومن مث‪ ،‬حتيل كلمة القيمة على مكانة اإلنسان اليت يتبوأها بني الناس‪،‬‬

‫‪ -228‬عبد الكرمي غريب‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.755:‬‬


‫‪273‬‬
‫وشأنه يف اجملتم ‪ .‬كما ترتبط هذه القيمة حكما وتقييما باألفعال البشرية والتصرفات اإلنسانية بشكل‬
‫ذايت وموضوعي‬

‫وتتخذ القيم أبعادا مجالية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬وثقافية‪ ،‬ودينية‪ ،‬وفلسفية‪ .‬ويعلم كل منا أن الكتب‬
‫السماوية قد صورت القيم يف كل متظهراهتا املتناقضة‪ ،‬وقد حثت اإلنسان على التمثل بالقيم الفضلى‪،‬‬
‫وااللتزام باألخالق السامية العليا من أجل الفوز باجلنة‪ ،‬واالبتعاد عن النار‪ .‬ويف املقابل‪ ،‬هنته عن‬
‫اإلتيان بالقيم األخالقية املشينة املنافية ملبادئ الكتب السماوية‪ ،‬واملتعارضة م شرائعها الربانية ‪.‬‬

‫ويعين هذا كله أن جتديد املضامني واستحداثها‪ ،‬يف ضو الفلسفة اإلبداعية‪ ،‬يكون بإدراج ما هو‬
‫جديد وعصري‪ ،‬م احلفاظ على ما هو هويايت وأصيل من القيم واألفكار والتصورات‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬حتديــث الوسائــل الديدكتيكيــة‬

‫تستلزم البيداغوجيا اإلبداعية أن نسرتشد بالوسائل الديداكتيكية املعاصرة‪ ،‬مثل‪ :‬االستعانة باخلطاطات‬
‫الشكلية والرقمية‪ ،‬وتنوي امللفوظ البياين شرحا وتفسريا وتأويال‪ ،‬واستخدام الربهان واحلجاج العقالين‬
‫لإلقناع والتأثري‪ ،‬م التوسل بكل ماهو روحاين يف التعامل م ماهو ديين وشرعي إمياين‪ ،‬وتطبيق أدوات‬
‫اإلعالميات واحلوسبة‪ ،‬واالستفادة من الصورة األيقونية والبصرية واألفالم واألقراص الرقمية‪ .‬ويف الوقت‬
‫نفسه‪ ،‬نسرتشد بآليات الدرس الرتبوي عند علمائنا املسلمني القدامى‪ ،‬مثل‪ :‬اإلمام الغزايل‪ ،‬وابن‬
‫خلدون‪ ،‬وابن سحنون‪ ،‬والقابسي‪ ،‬والسمعاين‪ ،‬وابن طفيل‪ ،‬وابن اهليثم‪ ...‬كأن نتمثل احلفظ الذي‬
‫يقوي الذاكرة‪ ،‬وينميه إدراكيا‪ ،‬ويعمق الذكا الدماغي والعصيب‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬ننتقل إىل آليات احلوار‬
‫والنقد واملناقشة‪ ،‬وغربلة األفكار بشكل علمي وموضوعي‪ ،‬م االنطالق من الشك املنهجي حنو‬
‫اليقني العلمي‪ ،‬كما يرى كل من ابن اهليثم‪ ،‬واإلمام الغزايل‪ ،‬وابن خلدون‪ ،‬وعلما اجلرح والتعديل‪...‬‬

‫‪274‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬متثل الطرائق اإلبداعية‬

‫تستلزم البيداغوجيا اإلبداعية جتديد الطرائق البيداغوجية والوسائل الديدكتيكية ملسايرة التطور‬
‫البيداغوجي‪ ،‬ومتطلبات سوق الشغل‪ ،‬والتطور العلمي والتكنولوجي‪ .‬وهنا‪ ،‬البد من االستفادة من كل‬
‫الوسائل اإلعالمية املتاحة راهنا يف الساحة الثقافية والعلمية والتواصلية‪ ،‬وتتب كل الوسائل اجلديدة‬
‫لتجريبها قصد حتقيق احلداثة احلقيقية‪ ،‬واملسامهة يف إثرا املنظومة الرتبوية املغربية والعربية على حد‬
‫سوا ‪.‬‬

‫والميكن كذلك هلذه العملية أن تنجح إال إذا وفرنا لألستاذ فضا بيداغوجيا مالئما وصاحلا كمدرسة‬
‫التنشيط‪ ،‬ومدرسة احلياة‪ ،‬وجمتم الشراكة‪ ،‬ومؤسسة املشاري ‪ ،‬وإصالح اإلدارة ودمقرطتها‪ ،‬وإصالح‬
‫اجملتم كله‪ ،‬وحتسني الوضعية االجتماعية للمدرس‪ ،‬وحتفيزه ماديا ومعنويا‪ ،‬والسهر على تكوينه بطريقة‬
‫مس تمرة‪ ،‬وحتسني وسائل التقومي واملراقبة على أسس بيداغوجيا إبداعية كفائية متنوعة املراحل‪ ،‬وتكوين‬
‫أطر هيئة التفتيش ليقوموا بأدوارهم املنوطة هبم اليت تتمثل يف تأطري املدرسني املبدعني‪ ،‬وإرشادهم إىل‬
‫ماهو أحدث وأكفى وأجود‪ .‬والميكن أن ينجح املدرس يف عمليته التعليمية ‪ -‬التعلمية إال إذا سن‬
‫سياسة االنفتاح والتعاون واحلوار‪ ،‬م العمل يف إطار فريق تربوي‪ ،‬يهتم دائما بالبحث العلمي واإلنتاج‬
‫‪229‬‬
‫الثقايف؛ إلغنا عدته املعرفية واملنهجية والتواصلية لصاحل املتعلم واملدرسة املغربية‪.‬‬

‫لذا‪ ،‬فمن الضروري أن ختض الطرائق البيداغوجية لتجديد جذري‪ ،‬يكون اهلدف من ورا ذلك هو‬
‫حتقيق اجلودة الكمية والكيفية‪ ،‬وتأهيل الناشئة املغربية بطريقة كفائية لكي تتحمل بنفسها تسيري‬
‫دواليب االقتصاد املغريب تسيريا حسنا‪ ،‬وتدبري املقاوالت تدبريا أفضل ليتال م حتكمها املمنهج يف آليات‬

‫‪ - 229‬مجيل محداوي‪ :‬من قضايا الرتبية والتعليم‪ ،‬سلسلة شرفات‪ ،‬رقم‪ ،31:‬مطبعة النجاح اجلديدة‪،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬
‫‪5002‬م‪،‬ص‪.312-317:‬‬
‫‪275‬‬
‫اإلدارة والتشغيل م متطلبات سوق العمل‪ ،‬والدخول يف املنافسة العاملية اليت تزداد حدة م تطور‬
‫العوملة‪ ،‬وازدياد احتكاراهتا العلمية والتكنولوجية واإلعالمية واالقتصادية والثقافية‪.‬‬

‫والبد من االنفتاح‪ ،‬بشكل من األشكال‪ ،‬على الطرائق البيداغوجية الفعالة لتحقيق تربية إبداعية ذات‬
‫مردودية ناجعة‪ ،‬وتعويد النش على الدميقراطية‪ ،‬والسيما أن هذه الطرائق الفعالة من مقومات الرتبية‬
‫احلديثة واملعاصرة يف الغرب‪ ،‬كما يقول السيد بلوخ( ‪ ،)Bloch‬حينما أثبت أن جناح املدرسة الفعالة‬
‫" الزب من أجل بزوغ جمتم دميقراطي الميكن أن يكون كذلك إال عن طريق منطوق مؤسساته"‪.230‬‬

‫وقد ظهرت هذه الطرائق الفعالة يف أوروبا‪ ،‬يف أواخر القرن التاس عشر وبداية القرن العشرين‪ ،‬م‬
‫ماريا مونتيسوري( ‪ ،) Maria Montessori‬وجون ديوي( ‪ ،)Dewey‬وكالباريد(‬
‫‪ ،)Claparide‬وكرشنشتاير( ‪ ،)Kerschensteiner‬وفرينيه( ‪ ،)Freinet‬وكارل روجرز(‬
‫‪ ،)Rogers‬ومكارنكو( ‪ ،)Makarenko‬وأوليفييه ريبول( ‪ ،)Reboul‬وفرييري(‬
‫‪ ،)Ferrière‬وجان بياجيه( ‪...،)J.Piaget‬‬

‫وتعتمد هذه الطرائق الفعالة احلديثة على عدة مبادئ أساسية هي‪ :‬اللعب‪ ،‬وتعلم احلياة عن طريق‬
‫احلياة‪ ،‬والتعلم الذايت‪،‬واحلرية‪ ،‬واملنفعة العملية‪ ،‬وتفتح الشخصية‪ ،‬واالعتماد على السيكولوجيا احلديثة‪،‬‬
‫واالستهدا بالفكر التعاوين‪ ،‬والتسيري الذايت‪ ،‬وتطبيق الالتوجيهية‪ ،‬ودمقرطة الرتبية والتعليم‪...‬‬

‫ويؤكد أصحاب الطرائق الفعالة احلديثة‪ ،‬بلغة تكاد تكون واحدة‪ ،‬رفضهم القاط للنزعة التسلطية‬
‫والتلقينية‪ ،‬م ضرورة" تدعيم والدة جمتم دميقراطي‪ ،‬مادامت املدرسة التقليدية التكون الكيان‬
‫الشخصي‪ ،‬كما الحتقق الدمج االجتماعي‪ ،‬بل تؤدي على العكس يف آن واحد إىل متيي اجملتم ‪ ،‬وإىل‬

‫عبد الدائم‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬ ‫‪ - 230‬غي آفانزيين‪ :‬اجلمود والتجديد يف الرتبية املدرسية‪ ،‬ترمجة‪ :‬عبد‬
‫‪3123‬م‪ ،‬ص‪.520:‬‬
‫‪276‬‬
‫قيام النزعة الفردية األنانية‪ .‬ويضيف أوهلم‪ ،‬ونعين كالباريد أن عالج مثل هذه النقيصة اليكون بأن‬
‫ندخل على هامش األمر تربية مدنية غريبة عن أي تربية من هذا الطراز التقليدي‪ .‬ومجيعهم يشيد‬
‫ذيوعها‬ ‫بالقيادة الذاتية لسبب وحيد هو أهنم يريدون أن حيلوا حمل النظم الزجرية اليت ييسر الرتوي‬
‫وانتشارها‪ ،‬بأخرى جديدة تشتمل على املشاركة واملسؤولية‪ .‬وبالتايل‪ ،‬على ما ييسر انطالق الشعور‬
‫الغريي‪.‬‬

‫وأخريا‪ ،‬إهنم خي شون‪ ،‬يف حال غياب التدريب املناسب‪ ،‬أن تنحدر الدميقراطية فتغدو حكم التفاهة‬
‫‪231‬‬
‫والضعة‪".‬‬

‫إذاً‪ ،‬فالطرائق الفعالة والنشيطة اليت أفرزهتا الرتبية احلديثة من أهم مقومات دميقراطية الرتبية والتعليم‪،‬‬
‫ومن أهم أسس البيداغوجيا اإلبداعية احلقيقية‪.‬‬

‫الفرع اخلامس‪ :‬تقوي ــم إبداعــي جديــد‬

‫ميكن احلديث عن أنواع جديدة من التقومي يف البيداغوجيا اإلبداعية‪ ،‬وميكن حصرها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬تقومي الذاكرة ‪ :‬ينصب هذا التقومي األويل على احلفظ‪ ،‬والسيما حفظ القرآن الكرمي‪ ،‬واملتون الدينية‬
‫واألشعار األدبية والنظريات الرياضية والفيزيائية والعلمية والتقنية‪ .‬فاحلفظ ضروري يف املدرسة اإلبداعية؛‬
‫ألنه أس النجاح واإلبداع واالبتكار‪ .‬وحنن نداف عن تأصيل الرتبية والتعليم مغربيا وعربيا‪ ،‬وعدم‬
‫االكتفا بالتقليد والتجريب فقط‪ ،‬بل البد من التأسيس التأصيلي لنظامنا الرتبوي اخلاص بنا‪.‬‬

‫‪ ‬تقومي احملاكاة‪ :‬ويتم ذلك بالتأ كد من مدى جناح املتعلم يف حماكاة النماذج األدبية أو الفنية أو‬
‫العلمية أو التقنية؛ ألن احملاكاة طريقة من طرائق االبتكار استعدادا لالنتقال إىل التجريب واإلبداع‪.‬‬

‫‪ - 231‬غي آفانزيين‪ :‬اجلمود والتجديد يف الرتبية املدرسية‪ ،‬ص‪.571:‬‬


‫‪277‬‬
‫‪‬التقومي التجرييب‪ :‬يعمد هذا التقومي إىل رصد ما يتم تقدميه جتريبيا على املستويات‪ :‬األدبية‪ ،‬والفنية‪،‬‬
‫والفلسفية‪ ،‬والعلمية‪ ،‬واإلعالمية‪ ،‬والتقنية‪ ،...‬وتقييمه يف ضو األسس العلمية املوضوعية‪ ،‬ومقاييس‬
‫املهارة واجلودة واحلذق والكياسة‪.‬‬

‫‪ ‬التقومي اإلبداعي‪ :‬يستند هذا التقومي إىل وضعيات اإلبداع‪ ،‬ويطالب املتعلم بإبداع شخصي ذايت‬
‫يف جماالت عدة‪ :‬أدبية وفنية وعلمية وتقنية‪...‬‬

‫ويرتكن هذا التقومي إىل حمكات اجلودة واملعايري الدولية يف تقومي التعلمات البيداغوجية والديدكتيكية‪،‬‬
‫ويكون التقدير كميا ونوعيا أو عدديا وحكميا‪.‬‬

‫الفرع السادس‪ :‬األخذ بفلسف ــة التنشيط‬

‫من املعروف أن التنشيط تقنية حركية إجيابية وديناميكية‪ ،‬تساهم يف إخراج املتعلم من حالة السكون‬
‫السلبية حنو حالة الفعل اإلجيايب‪ ،‬باملسامهة واإلبداع واالبتكار واخللق‪ ،‬وإجناز التصورات النظرية‪،‬‬
‫وتفعيلها يف الواق امليداين ليستفيد منها اآلخرون‪.‬‬

‫فكم هي األنشطة عديدة يف جمال الرتبية والتعليم‪ ،‬ألن املؤسسة الرتبوية مبثابة جمتم مصغر! فجمي‬
‫القضايا واملواضي اليت تؤرق اجملتم ‪ ،‬ميكن أن تؤرق املدرسة اإلبداعية‪ ،‬مادامت هذه املؤسسة موجودة‬
‫يف حضن اجملتم املكرب‪ .‬لذا‪ ،‬تعمل هذه املدرسة على إدماج املتعلمني يف اجملتم اإلبداعي ليكونوا‬
‫مواطنني صاحلني‪ ،‬ويصبحوا طاقات فاعلة نافعة للوطن واألمة على حد سوا ‪.‬‬

‫ومن أهم األنشطة اليت ميكن أن يقوم هبا الفضا الرتبوي اإلبداعي‪ ،‬ميكن احلديث عن النشاط‬
‫الرتبوي‪ ،‬والنشاط الفين‪ ،‬والنشاط األديب‪ ،‬والنشاط العلمي‪ ،‬والنشاط الثقايف‪ ،‬والنشاط اإليكولوجي‬

‫‪278‬‬
‫(البيئي)‪ ،‬والنشاط االجتماعي‪ ،‬والنشاط االقتصادي‪ ،‬والنشاط الديين‪ ،‬والنشاط اخلريي‪ ،‬والنشاط‬
‫السياسي‪ ،‬والنشاط اإلعالمي‪ ،‬والنشاط املدين‪ ،‬والنشاط الرياضي‪ ،‬والنشاط السياحي‪....‬‬

‫وعليه‪ ،‬فللتنشيط أمهية كربى يف جمال الرتبية والتعليم‪ ،‬لكونه يرف من املردودية الثقافية والتحصيلية لدى‬
‫املتمدرس‪ ،‬ويساهم يف احلد من السلوكيات العدوانية‪ ،‬م القضا على التصرفات الشائنة لدى‬
‫املتعلمني‪ .‬كما يقلل من هيمنة بيداغوجيا اإللقا والتلقني‪ ،‬ويعمل على خلق روح اإلبداع‪ ،‬وامليل حنو‬
‫املشاركة اجلماعية‪ ،‬واالشتغال يف فريق تربوي‪.‬‬

‫وميكن إخراج املؤسسة التعليمية‪ ،‬عرب عملية التنشيط الفردي واجلماعي‪ ،‬من طابعها العسكري اجلامد‬
‫القامت القائم على االنضباط وااللتزام والتأديب والعقاب‪ ،‬إىل مؤسسة بيداغوجية إجيابية فعالة صاحلة‬
‫ومواطنة‪ ،‬حيس فيها التالميذ واملدرسون بالسعادة والطمأنينة واملودة واحملبة‪ ،‬ويساهم الكل فيها بشكل‬
‫مجاعي يف بنائها ذهنيا ووجدانيا وحركيا‪ ،‬خبلق األنشطة األدبية والفنية والعلمية والتقنية والرياضية‪،‬‬
‫يندمج فيها التالميذ واألساتذة ورجال اإلدارة ومجعيات اآلبا وجملس التدبري واجملتم املدين‪.‬‬

‫ومن الضروري‪ ،‬يف فلسفة التنشيط اجلديد‪ ،‬ويف تصورات البيداغوجيا اإلبداعية‪ ،‬أنُ تعوض طرائق‬
‫اإللقا والتلقني والتوجيه بطرائق بيداغوجية حيوية معاصرة فعالة‪ ،‬تقوم على الفكر التعاوين‪ ،‬وتفعيل‬
‫بيداغوجية ديناميكية اجلماعات‪ ،‬واعتماد التواصل الفعال املنتج‪ ،‬وتطبيق الالتوجيهية‪ ،‬ومتثل‬
‫البيداغوجية املؤسساتية من أجل حترير املتعلمني من شرنقة التموض السليب‪ ،‬واالستالب املدمر‪ ،‬وقيود‬
‫ذلك كله باملشاركة الدميقراطية القائمة‬ ‫بريوقراطية القسم‪ ،‬وختليصهم من أوامر املدرس املستبد‪ ،‬وتعوي‬
‫على التنشيط واالبتكار واإلبداع‪ ،‬بتشييد الدولة للمختربات العلمية‪ ،‬واحملرتفات األدبية‪ ،‬والورشات‬
‫الفنية‪ ،‬واملقاوالت التقنية‪ ،‬وخلق األندية الرياضية داخل كل مؤسسة تعليمية على حدة‪ .‬وميكن‬
‫للمؤسسة أن تقوم بذلك اعتمادا على نفقاهتا ومواردها الذاتية يف حالة تطبيق قانون سيريﯖما(‬

‫‪279‬‬
‫‪ ) Sigma‬الذي ينص عليه امليثاق الوطين املغريب للرتبية والتكوين يف املادة ‪ 341‬ضمن اجملال اخلامس‬
‫املتعلق بالتسيري والتدبري‪.‬‬

‫ومن املعلوم أن للتنشيط الرتبوي جمموعة من األهداف العامة واخلاصة ميكن تسطريها يف النقط التالية‪:‬‬

‫‪ ‬يساهم التنشيط التعليمي يف تثقيف املتعلمني‪ ،‬وتأطريهم معرفيا ووجدانيا وحركيا‪.‬‬

‫‪ ‬هتذيب الناشئة وختليقها لتكون يف مستوى املسؤولية وأهلية املشاركة والتدبري‪.‬‬

‫‪ ‬االنتقال من بيداغوجيا املدرس إىل بيداغوجيا املتعلم‪.‬‬

‫‪ ‬تفعيل احلياة املدرسية وتنشيطها‪.‬‬

‫‪ ‬إدخال احليوية والديناميكية على الفعل الرتبوي والسلوك التعليمي‪.‬‬

‫‪ ‬إخضاع اإليقاع املدرسي ملتطلبات التنشيط وشروطه اإلجيابية‪.‬‬

‫‪ ‬االهتمام مبيول املتعلم السيكوبيداغوجية‪ ،‬واحلد من تصرفاته العابثة‪ ،‬واستيعاب مترده النفسي‬
‫واالجتماعي‪ ،‬بإشراكه يف بنا املؤسسة الرتبوية عن طريق خلق مشاري إبداعية‪.‬‬

‫‪ ‬القضا على الروتني القاتل‪ ،‬والثبات املدرسي عرب عمليات التنشيط الثقايف واألديب والفين والعلمي‬
‫والرياضي‪.‬‬

‫‪ ‬تطبيق فلسفة البيداغوجية اإلبداعية ومبادئها اإلنتاجية يف التعليم املغريب‪.‬‬

‫‪ ‬خلق مؤسسات تربوية نظرية وتطبيقية‪ ،‬بإجياد مرافق تنشيطية‪ ،‬كاحملرتف األديب والفين وقاعات‬
‫الرياضة وخمتربات العلوم والتكنولوجيا‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫‪ ‬إجياد منشطني مؤهلني أكفا ليقوموا بعمليات التنشيط والتكوين والتأطري داخل املؤسسات الرتبوية‬
‫التعليمية‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وإذا تأملنا فعل التنشيط يف إطار الفضا الرتبوي اإلبداعي‪ ،‬فهو يقوم على عدة مرتكزات نظرية‬
‫وتطبيقية‪ .‬مث يستند إىل جمموعة من املفاهيم اإلجرائية اليت البد من االعتماد عليها‪ ،‬ومتثلها أثنا‬
‫حصص التنشيط‪ .‬وهذه املرتكزات هي على الشكل التايل‪:‬‬

‫‪ ‬اإلميان بفلسفة اإلبداع واالخرتاع واالبتكار‪.‬‬

‫‪ ‬االتصاف باملواطنة الصاحلة‪.‬‬

‫‪ ‬متثل البعد اإلقليمي واجلهوي والوطين والقومي والعاملي‪.‬‬

‫‪ ‬االنطالق من التصور اإلنساين‪.‬‬

‫‪ ‬االشتغال يف فريق مجاعي‪.‬‬

‫‪ ‬األخذ بالفلسفة التشاركية‪.‬‬

‫‪ ‬االهتدا بالفكر الدميقراطي املبين على التعاون واالستشارة والتسامح واحرتام اآلخر‪.‬‬

‫‪ ‬ربط النظري بالتطبيقي‪.‬‬

‫‪ ‬االرتكاز على اجلوانب املعرفية والوجدانية واحلركية يف الشخصية اإلنسانية‪.‬‬

‫‪ ‬التسلح باملعطيات السيكواجتماعية يف عمليات التنشيط‪.‬‬

‫‪ ‬خلق مؤسسات تربوية ديناميكية‪.‬‬

‫‪281‬‬
‫‪ ‬تفعيل بنود احلياة املدرسية وتطبيقها ميدانيا‪.‬‬

‫‪ ‬خلق أجوا التباري والتنافس والتفوق والريادة والتميز يف جمال التعليم‪.‬‬

‫‪ ‬ربط املدرسة بالكفا ة واخلربة واجلودة الكمية والكيفية‪.‬‬

‫‪ ‬حتويل املدرسة من ثكنة عسكرية إلزامية إىل مدرسة االلتزام واملواطنة احلقة واحلياة السعيدة‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬يرتكز الفضا الرتبوي اإلبداعي على تنفيذ جمموعة من األنشطة الرتبوية اهلادفة واملمتعة اليت‬
‫نذكر منها‪:‬‬

‫البند األول‪ :‬النش ــاط الثقاف ــي‬

‫يتمثل هذا النشاط يف العناية خبزانة الفصل‪ ،‬أو مكتبة النيابة‪ ،‬واالهتمام أيضا بنادي الكتاب‪ ،‬والسهر‬
‫على إنشا اجملالت احلائطية واملدرسية‪ ،‬وتكوين متحف على صعيد الفصل واملدرسة والنيابة‪ ،‬واملسامهة‬
‫يف البحوث العلمية والدراسية‪ ،‬واملشاركة يف عمليات الرتاسل الداخلي واخلارجي‪ ،‬والعناية باملطبعة‪،‬‬
‫واستخدامها أح سن استخدام يف اجملال الثقايف‪ ،‬واملشاركة يف النوادي الرقمية‪ ،‬والقيام خبرجات سياحية‬
‫ورحالت ترفيهية هادفة‪ ،‬والعمل على استمرار املسابقات الثقافية بني الفصول الدراسية‪ ،‬أو بني‬
‫املؤسسات التعليمية فيما بينها حمليا وإقليميا وجهويا ووطنيا ودوليا‪ ،‬وتشجي املدرسني على عرض‬
‫مؤلفاهتم وكتبهم اإلبداعية والنقدية والبحثية‪ ،‬وخلق مسابقات للمدرسني يف اجملال الثقايف‪ ،‬وتكرمي‬
‫املتفوقني واملتميزين منهم‪ ،‬وطب مؤلفاهتم وكتبهم وأحباثهم ودراساهتم‪...‬‬

‫‪282‬‬
‫البند الثاين‪ :‬النش ــاط االجتماعي‬

‫يعىن هذا النشاط بتأسيس التعاونيات املدرسية‪ ،‬واالحتفال باألعياد الوطنية والدولية‪ ،‬والعمل على خلق‬
‫شراكات داخلية وخارجية‪ ،‬وإنشا مشاري املؤسسة اهلادفة اليت تعمل على توفري الظروف االجتماعية‬
‫احلسنة للمتعلمني‪ ،‬وتقدمي املساعدات املادية واملعنوية للتالميذ املرضى واملعوزين‪ ،‬وتشجي تبادل‬
‫الزيارات بني التالمي ذ‪ ،‬وتوفري الكتب املدرسية‪ ،‬والبذالت‪ ،‬واألدوات املدرسية‪ ،‬واحملافظ‪ ،‬واملنح‪،‬‬
‫ووسائل النقل واملأوى للمستفيدين من الطبقة االجتماعية الفقرية واملعوزة‪ ،‬وتزويد هؤال املتعلمني‬
‫احملتاجني بالنظارات وغريها من األجهزة التقوميية‪ .‬عالوة على إشراك التالميذ يف احلفالت املدرسية اليت‬
‫تقام حسب املناسبات الرتبوية والدينية والوطنية والعاملية‪.‬‬

‫البند الثالث‪ :‬النش ــاط الفنــي‬

‫يسعى النشاط الفين إىل إكساب املتعلمني مهارات كفائية نظرية وتطبيقية يف جمال الفنون اجلميلة‪،‬‬
‫كاألدب‪ ،‬واملسرح‪ ،‬والسينما‪ ،‬والرقص‪ ،‬والنقد الفين‪ ،‬والعناية باملوسيقا واألناشيد‪ ،‬واالهتمام بالتنشيط‬
‫املسرحي‪ ،‬ب تأطري التالميذ واملدرسني يف جمال صن الكراكيز‪ ،‬والتنشيط بواسطة الدمى املتحركة‪ ،‬وتقدمي‬
‫دروس نظرية وتطبيقية يف جمال املسرح القرائي واملسرح املدرسي‪ ،‬والعناية مبعارض الرسم والتشكيل‬
‫والنحت والصور الفوتوغرافية الثابتة‪ ،‬ومج الطواب الربيدية‪ ،‬وعرض النقود يف سياقاهتا السيميائية‬
‫والتارخيية‪.‬‬

‫البند الرابع‪ :‬املعام ــل الرتبوي ــة‬

‫ينبغي للمدرسة اإلبداعية أن تعمل على خلق فضا ات للبستنة والتشجري‪ ،‬م تقدمي دروس تكوينية‬
‫وحتسيسية للمحافظة على البيئة‪ ،‬ومساعدة املتعلمني على كيفية إنشا جريدة أو جملة‪ ،‬باستغالل‬

‫‪283‬‬
‫معطيات الكمبيوتر‪ ،‬واالستفادة من تقنيات الطباعة‪ ،‬ودف التالميذ إىل االهتمام بتسفري الكتب‪،‬‬
‫وجتويد اخلط‪ ،‬والتدريب على التجسيم بالورقيات‪ ،‬وصن الدمى والكراكيز‪ ،‬والكتابة على الزجاج‬
‫واخلشب والثوب‪ ،‬وحتفيزهم على األعمال اليدوية فيما خيص أعمال اجلبص‪ ،‬وصن الديكور‪،‬‬
‫واالهتمام بالتلحيم‪ ،‬وإصالح الكهربا ‪...‬‬

‫البند اخلامس‪ :‬النش ــاط الرياضي‬

‫يهدف هذا النشاط إىل مساعدة التالميذ على ممارسة الرياضة املدرسية بكل أنواعها‪ ،‬والسيما تلك‬
‫الرياضات اليت تناسب أعمار التالميذ‪ ،‬وخصوصياهتم العقلية والصحية والنفسية‪ ،‬وتراعي بيئاهتم‬
‫االجتماعية واألخالقية والدينية‪ ،‬م تنظيم املسابقات واملنافسات الرياضية بني الفصول واملدارس‬
‫إقليميا وجهويا ووطنيا ودوليا‪.‬‬

‫البند السادس‪ :‬النشـ ــاط البيئي‬

‫يسعى هذا النشاط إىل دف املتعلمني واملعلمني معا لالهتمام بالبيئة اليت حتيط بنا‪ ،‬سوا أكانت بيئة‬
‫برية أم حبرية أم جوية‪ ،‬عرب دورات تكوينية وحتسيسية‪ ،‬يف شكل نصائح وتوجيهات وإرشادات علمية‬
‫وأخالقية‪ ،‬وكذلك عرب عمليات التشجري‪ ،‬والتنظيف‪ ،‬واحلفاظ على النباتات‪ ،‬والعناية باألشجار‬
‫واحلدائق واملنتزهات‪ ،‬والسهر على تنقية الساحات املدرسية‪ ،‬والعناية مبجاهلا األخضر‪ ،‬والقيام بزيارات‬
‫إىل الشواطئ امللوثة القريبة من املدينة لتوعية التالميذ خبطورة املوقف‪ ،‬وشرح أضرار التلوث‪ ،‬وتبيان‬
‫نتائجه املستقبلية على احلياة البشرية‪.‬‬

‫‪284‬‬
‫البند السابع‪ :‬النش ــاط الديين‬

‫تسعى املدرسة اإلبداعية جادة لتوعية املتعلمني يف اجملال الديين‪ ،‬كتعليم ناشئتنا كيفية الصالة‪ ،‬وأدا‬
‫الواجبة‪ ،‬وشرح طرائق املعاملة احلسنة م اآلخرين‪ ،‬وحتفيزهم على حفظ القرآن الكرمي‬ ‫الفرائ‬
‫واألحاديث النبوية الشريفة‪ ،‬وتعليمهم مبادئ التفسري والتأويل‪ ،‬وجتويد القرآن الكرمي‪ ،‬واملشاركة يف‬
‫املسابقات املدرسية اإلقليمية واجلهوية والوطنية والعاملية يف جمال الشؤون الدينية‪...‬‬

‫البند الثامن‪ :‬تشجي ــع اهلوايــات الفردية واجلماعية‬

‫ينبغي للمدرسة اإلبداعية أن تتحكم يف أوقات الفراغ املوجودة عند التالميذ‪ ،‬وتنظيم ما يسمى أيضا‬
‫بالوقت الثالث‪ ،‬حبث املتعلمني على العناية مبجموعة من اهلوايات املفيدة اليت تعود عليهم بالنف ‪،‬‬
‫كاالهتمام جبم النقود‪ ،‬واحلفاظ على املخطوطات‪ ،‬وتسفري الكتب‪ ،‬ومج األحجار الكرمية‪ ،‬وتنظيم‬
‫سجل النباتات‪ ،‬واستجماع املعادن النفيسة‪ ،‬وعرض الطواب الربيدية‪ ،‬ومج الصور الفوتوغرافية‬
‫واإلشهارية وعينات من اإلنتاجات احمللية والوطنية‪ ،‬واالهتمام باملصنوعات الدالة على كينونتهم‬
‫وهويتهم الثقافية‪...‬‬

‫الفرع السابع‪ :‬النشاطات املومسية‬

‫حيتفل املغرب بصفة خاصة‪ ،‬والعامل بصفة عامة‪ ،‬مبجموعة من املناسبات واأليام واألعياد الدينية‬
‫والوطنية والدولية‪ .‬لذا‪ ،‬ينبغي للمدرسة اإلبداعية أن تشارك بدورها يف هذا االحتفال‪ ،‬بإشراك املعلمني‬
‫واملتعلمني يف توفري مجي الظروف املناسبة لنجاح عملية االحتفال‪ ،‬كاملشاركة ‪ -‬مثال‪ -‬يف ذكرى‬
‫تأسيس هيئة األمم املتحدة‪ ،‬واالحتفال بعيد األم واملرأة‪ ،‬واالحتفال باليوم العاملي حلقوق الطفل‪،‬‬

‫‪285‬‬
‫واملشاركة يف اليوم العاملي للبيئة‪ ،‬واملسامهة يف اليوم العاملي للمحافظة على الثروة الغابوية‪ ،‬واالحتفال‬
‫باليوم العاملي لالمتناع عن التدخني‪ ،‬إخل‪...‬‬

‫الفرع الثامن‪ :‬حتويل املدرسة إىل مركبات تربوية‬

‫إذا كانت املقاربة الصراعية ترى يف املدرسة فضا للتطاحنات اإليديولوجية والطبقية‪ ،‬وفضا للتفاوت‬
‫االجتماعي والثقايف واللغوي واالقتصادي‪ ،‬فليس من الضروري أن تكون املدرسة فضا للصراع‬
‫والتطاحن العرقي واللغوي والثقايف وانعدام تكافؤ الفرص‪ ،‬بل ميكن أن تكون مدرسة دميقراطية‪ ،‬وفضا‬
‫للحرية واإلبداع واالبتكار‪ ،‬ومكانا إلذابة الفوارق االجتماعية‪ ،‬وتعايش الطبقات‪ ،‬وتوحيد الرؤى‬
‫والتطلعات بني املتعلمني‪ .‬ومن مث‪ ،‬على املؤسسة الرتبوية أن تذيب كل اخلالفات املوجودة بني التالميذ‬
‫على املستوى االقتصادي واالجتماعي والثقايف واللغوي‪ ،‬وحترير املتعلمني املنحدرين من الفئة الدنيا من‬
‫عقدهم الطبقية الشعورية والالشعورية‪ ،‬وختليصهم من مركب النقص‪ ،‬بتنفيذ املشاري املؤسساتية‪،‬‬
‫وتقدمي األنشطة إلمتاع التالميذ وتسليتهم وترفيههم‪ ،‬وتكوينهم تكوينا ذاتيا ميحي كل الفوارق اليت‬
‫ميكن أن توجد بني املتمدرسني داخل املدرسة الواحدة‪ .‬ومن أهم الوظائف األساسية للمدرسة" إجياد‬
‫حالة من التوازن بني عناصر البيئة االجت ماعية‪ ،‬وذلك بأن متنح املدرسة لكل فرد الفرصة لتحريره من‬
‫قيود طبقته االجتماعية اليت ولد فيها‪ ،‬وأن يكون أكثر اتصاال وتفاعال م بيئته االجتماعية واملذاهب‬
‫‪232‬‬
‫الدينية‪.".‬‬

‫و البد أن تساهم املدرسة يف خلق عالقات إجيابية مثمرة بني التالميذ فيما بينهم من جهة‪ ،‬وبني‬
‫املتع لمني وأطر الرتبية واإلدارة من جهة أخرى‪ ،‬تكون مبنية على التعاون واألخوة والتسامح والتواصل‬

‫‪ - 232‬أحممد عليلوش‪ :‬الرتبية والتعليم من أجل التنمية‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5007‬م‪ ،‬ص‪.351:‬‬
‫‪286‬‬
‫والتآلف واملشاركة الوجدانية والتكامل اإلدراكي‪ ،‬ونبذ كل عالقة قائمة على الصراع اجلديل والعدوان‬
‫والكراهية واإلقصا والتهميش والتنافر والكراهية والتغريب واجلمود والتطرف واإلرهاب‪.‬‬

‫والبد للمدرسة من االحتكام إىل منطق املساواة‪ ،‬وتوفري العدالة والعمل على حتقيق تكافؤ الفرص‪،‬‬
‫ودمقرطة التعليم من أجل تكوين مواطن صاحل ينف وطنه وأمته‪ ،‬وحيافظ على ثوابت اجملتم ‪ ،‬ويعمل‬
‫جاهدا من أجل حتديث البلد‪ ،‬وتغيريه إجيابيا‪ ،‬والرف من مستواه التنموي‪ ،‬والسري به حنو آفاق أرحب‬
‫من االزدهار والرفاهية‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬ينبغي أن ترتبط البنية املعمارية للمؤسسة اإلبداعية مبدرسة املستقبل‪ ،‬فيجب أن‬
‫يراعى فيها‪ ،‬تصميما وإجنازا وجتهيزات‪ ،‬مواصفات اجلودة ومقوماهتا الوظيفية والتنوع‪ ،‬واالنفتاح على‬
‫خصوصيات وحاجات وأنشطة حميطها االجتماعي واالقتصادي والثقايف‪ ...‬حيث يتجاوز النظر إىل‬
‫وظائفها جمرد اعتبارها فضا للتعليم والتعلم‪ ،‬وإمنا نعدها فضا مفتوحا الحتضان أنشطة وتظاهرات‬
‫اجتماعية واقتصادية وثقافية من خارجها(أنشطة مؤسسات اجملتم املدين‪ ،‬مجعيات‪ ،‬ومجاعات حملية‬
‫ومؤسسات ثقافية‪...‬إخل)‪ ،‬ولن يتحقق ذلك هلذه املدرسة إال إذا مت تأسيسها يف إطار ختطيط تربوي‬
‫تشاركي متكامل‪ ،‬وبنا على خريطة مدرسية مندجمة قائمة على معايري علمية وتربوية واجتماعية‬
‫‪233‬‬
‫عقالنية‪ ،‬وعلى اختيارات سياسية واضحة األهداف واملصاحل والرهانات والتوجهات‪"..‬‬

‫وعليه‪ ،‬تعتمد املدرسة اإلبداعية‪ ،‬يف حتقيق جناعتها ومردوديتها اإلنتاجية‪ ،‬على املركبات الرتبوية‬
‫املتكاملة املتميزة بفضا اهتا اجلذابة‪ ،‬واليت تضم جمموعة من الورشات واحملرتفات واملختربات واملعامل‬
‫والقاعات النظرية والتطبيقية‪.‬‬

‫‪ -233‬مصطفى حمسن‪ :‬مدرسة املسقبل‪ ،‬سلسلة شرفات‪ ،‬رقم‪ ،52 :‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5001‬م‪ ،‬ص‪.22:‬‬
‫‪287‬‬
‫الفرع التاسع‪ :‬خلق شعب جديدة‬

‫تستلزم البيداغوجيا اإلبداعية إضافة شعب أخرى يف التعليم الثانوي‪ ،‬كأن تكون هناك شعبة أدبية‪،‬‬
‫وشعبة فنية‪ ،‬وشعبة علمية‪ ،‬وشعبة تقنية‪ ،‬وشعبة اقتصادية‪ ،‬وشعبة الرتبية البدنية‪ ،‬وشعبة اللغات‪،‬‬
‫وشعبة الفلسفة‪ ،‬وشعبة اإلعالميات‪ ،‬وشعبة الفلسفة‪ ،‬يف إطار تعليم مندمج ومتكامل عموديا وأفقيا‬
‫ومنهاجيا‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬تدرس مجي املواد ضمن شعبة معينة يف ضو املواد املندجمة‪ .‬ويتم الرتكيز‬
‫كثريا على اإلبداع واإلنتاج واالبتكار والتجريب واملران واالستكشاف والتعلم الذايت‪.‬‬

‫الفرع العاشر‪ :‬اإلدارة املبدع ـ ــة‬

‫تستوجب البيداغوجيا اإلبداعية أن تكون اإلدارة مبدعة بكل طاقمها التسيريي‪ ،‬فالبد أن تتمثل اإلدارة‬
‫الرتبوية آليات التدبري والتخطيط املعقلنني‪ ،‬باعتماد املقاربة التشاركية‪ ،‬والالمركزية‪ ،‬واالستقاللية‪،‬‬
‫والتسيري الذايت‪ ،‬وتأهيل املوارد البشرية‪ ،‬وتدبري املوارد املالية‪ ،‬واالنفتاح على حميطها احمللي والوطين‬
‫والعاملي‪...‬إخل‪ .‬ويضاف إىل ذلك ضرورة حتديث اإلدارة شكال ومضمونا‪ ،‬وعصرنتها باملعلوميات‬
‫واحلواسيب وأساليب اإلدارة املعاصرة‪.‬‬

‫ويستند العمل اإلداري املبدع‪ ،‬تدبريا وتسيريا وتوجيها وتنظيما‪ ،‬إىل جمموعة من املقاربات اليت ميكن‬
‫حصرها يف مايلي‪:‬‬

‫البند األول‪ :‬املق ــاربة التشاركيــة‬

‫تنبين املقاربة التشاركية على احلوار البنا ‪ ،‬والدميقراطية العادلة‪ ،‬واجلدال اهلادف‪ ،‬وإشراك مجي املتعلمني‬
‫واملؤطرين واملثقفني واجملتم املدين يف التفكري جبدية يف إرسا جمتم تربوي ناجح‪ ،‬يساهم يف حتقيق‬
‫التنمية االقتصادية واالجتماعية املثلى‪ .‬كما تعمل اإلدارة على تعويد مجي أطراف الفضا الرتبوي على‬

‫‪288‬‬
‫الفعل التشاركي البنا ‪ ،‬بتنفيذ جمموعة من األنشطة وتطبيقها‪ ،‬وذلك كله بغية اكتساب مهارات معرفية‬
‫وتقنية وأدائية لتحسني مستواهم التعليمي ‪ -‬التعلمي‪.‬‬

‫البند الثاين‪ :‬املقاربة اإلبداعية‬

‫ترتكز هذه املقاربة على اإلبداع واالبتكار واإلنتاج‪ ،‬وتطوير التعليم وجتديده‪،‬وحتفيز املتعلمني على‬
‫العطا واملردودية‪ ،‬ومساعدهتم على التخييل والتنفيذ واالخرتاع واالكتشاف‪ ،‬وتنفيذ اإلجنازات اهلامة‬
‫اليت هي يف صاحل املدرسة املغربية‪.‬‬

‫البند الثالث‪ :‬املقاربة الدميقراطية‬

‫هتدف املقاربة الدميقراطية إىل تعويد املنخرطني داخل املؤسسة اإلبداعية على فعل التصويت املشروع‪،‬‬
‫واالنتخاب الدميقراطي القائم على الكفا ة‪ ،‬واحرتام رأي األغلبية‪ ،‬وعدم احتكار السلطة‪ ،‬ومتثل مبدإ‬
‫اإلنصات واحلوار‪ ،‬واحرتام اآلخر‪ ،‬ونبذ التطرف والكراهية واإلقصا ‪ ،‬وتفادي اجلدال العقيم املبين على‬
‫التعصب والتوتر والتشنج‪.‬‬

‫البند الرابع‪ :‬املقاربة احلقوقية‬

‫تسعى هذه املقاربة إىل احرتام املتعلمني واملعلمني لبعضهم البع ‪ ،‬على أساس القيم العادلة واملساواة‬
‫احلقيقية‪ ،‬وخلق أجوا االحرتام املتبادل‪ ،‬ونبذ اخلالف واالنشقاق‪ ،‬ومراعاة العمل التعاوين التشاركي‪،‬‬
‫وزرع املواطنة احلقة يف نفوس الناشئة‪ ،‬واحرتام احلريات اخلاصة والعامة‪ ،‬وصيانة حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫البند اخلامس‪ :‬املقاربة التعاقدية‬

‫تنبين هذه املقاربة على احرتام العقود؛ ألن العقد شريعة املتعاقدين‪ .‬ويعين هذا أن املتعلمني واملعلمني‪،‬‬
‫داخل مؤسسة اإلبداع‪ ،‬عليهم أن حيرتموا العقود واملواثيق يف تنفيذ األنشطة‪ ،‬واحرتام الوقت املخصص‬
‫‪289‬‬
‫لذلك‪ .‬وترتكز هذه املقاربة أيضا على حتديد جمموعة من األهداف العامة واخلاصة‪ ،‬واختيار وسائل‬
‫العمل الناجعة‪ ،‬وتبيان عمليات التنفيذ واملمارسة واإلجناز‪ ،‬وانتقا فضا ات العمل التشاركي‪،‬‬
‫واالنطالق من التقومي اإلجيايب اهلادف والبنا ‪ ،‬وتوزي املسؤوليات واملهام واألدوار بشكل دميقراطي‬
‫عادل‪.‬‬

‫البند السادس‪ :‬مقاربة النوع‬

‫تعمل هذه امل قاربة على الوقوف بصرامة وحكمة ضد كل أشكال التمييز اجلنسي والعنصري واللوين‪،‬‬
‫خبلق أجوا العمل التشاركي اهلادف والبنا ‪ ،‬م إذابة كل الفوارق االجتماعية والطبقية املوجودة يف‬
‫اجملتم داخل وحدة املدرسة اإلبداعية‪ ،‬ومواجهة مجي األحكام اهلدامة واملسبقة يف حق جنس معني‪،‬‬
‫م التكيف اإلجيايب م العادات والتقاليد واملوروثات القيمية اليت حتد من االنفتاح على مؤسسة‬
‫اإلبداع‪ ،‬ومتن من اإلقبال عليها‪.‬‬

‫البند السابع‪ :‬مقاربة التدبري بالنتائج‬

‫تستند هذه املقاربة إىل حتديد املدخالت واألهداف والكفايات املطلوبة‪ ،‬م التأشري على النتائج‬
‫املرجوة‪ ،‬وحتديد السبل احلقيقية للوصول إليها‪ ،‬م إخضاعها لعمليات التقومي والفيدباك واملعاجلة‬
‫والتصحيح اإلبداعي‪.‬‬

‫وخالصة القول‪ ،‬يتضح لنا‪ ،‬مما سبق قوله‪ ،‬أن البيداغوجيا اإلبداعية هي نظرية هتدف إىل بنا مستقبل‬
‫تربوي حداثي‪ ،‬يقوم على اخللق والتطوير واإلبداع واالكتشاف واخللق‪ ،‬بعد املرور الضروري من مرحلة‬
‫احلفظ البنا ‪ ،‬ومرحلة التقليد واحملاكاة والتدريب‪ ،‬وكل ذلك من أجل خلق جمتم متنور كف ‪ ،‬قادر‬
‫على مواجهة التحديات املوضوعية والواقعية والدولية على مجي األصعدة واملستويات والقطاعات‬

‫‪290‬‬
‫اإلنتاجية‪ .‬بيد أن هذه النظرية الرتبوية اإلبداعية ال ميكن أن حتقق مثارها املرجوة إال يف جمتم العمل‪،‬‬
‫واحلريات اخلاصة والعامة‪ ،‬والدميقراطية املتخلقة‪.‬‬

‫و ال ميكن تطبيق هذه البيداغوجيا اجلديدة إال إذا أسسنا مدارس الورشات واملختربات واحملرتفات‪،‬‬
‫وعودنا املتعلم‪ /‬املتمدرس على حب اآللة والفن والتجريب العلمي‪ ،‬وتطبيق النظريات‪ ،‬ودربناه أيضا‬
‫على فعل التنشيط التخيلي والرياضي‪ ،‬وساعدناه على متثل فلسفة املنافسة والتسابق واالخرتاع‪ ،‬وفعلنا‬
‫الفلسفة الرباغماتية ذات التوجهات العملية واإلنسانية واالستكشافية يف احلاضر واملستقبل‪ ،‬وخلقناها‬
‫دينيا وخلقيا من أجل بنا جمتم إسالمي مزدهر‪ ،‬يساهم يف التنمية العاملية‪ ،‬وذلك عن طريق التصني ‪،‬‬
‫وإنتاج النظريات‪ ،‬واخرتاع املركبات اآللية‪ ،‬وحتقيق االكتفا الذايت‪ ،‬وتصني األسلحة املتطورة احلديثة‬
‫لتأمني وطننا وأمتنا‪ ،‬والدفاع عنها بالنفس والنفيس‪ ،‬ودر العدوان اخلارجي‪ ،‬واحلفاظ على كرامتنا‬
‫وأنفتنا وسيادتنا‪ ،‬بدال من اإلحساس بالذل والضيم الذي نستشعره اليوم؛ بسبب ختلفنا السي ‪،‬‬
‫واحنطاطنا املتقاعس‪ ،‬وانبطاحنا التارخيي والسياسي واخللقي‪.‬‬

‫‪291‬‬
‫الفصل السادس‪:‬‬

‫ك ـفاي ــات املـ ـدرس‬


‫من املعلوم أن املدرس هو أس العملية التعليمية‪-‬التعلمية الناجحة‪ .‬والميكن احلديث بتاتا عن درس‬
‫ديدكتيكي‪ 234‬حقيقي يف غياب املدرس‪ .‬ومن مث‪ ،‬يقوم املدرس بوظائف مهنية وتربوية وتعليمية عدة‪.‬‬
‫وبالتايل‪ ،‬الميكن احلديث كذلك عن مدرس يفتقد الكفايات وامللكات والقدرات التأهيلية اليت تسعفه‬
‫يف أدا مهمته على أحسن وجه‪.‬وتتحقق هذه الكفايات لدى املدرس عرب عمليات التكوين والتأطري‬
‫والتأهيل والتدريب واملمارسة والتتب واملصاحبة والتقومي‪.‬‬

‫إذاً‪ ،‬ما أهم الكفايات األساسية اليت ينبغي أن يتزود هبا املدرس أو يتصف هبا؟هذا ما سوف نرصده‬
‫يف هذه املباحث التالية‪:‬‬

‫املبحث األول‪ :‬العالقات التفاعلية بني املدرس واملتعلم واملعرفة‬


‫ينبين التفاعل الديدكتيكي على عناصر ثالثة هي‪ :‬املدرس‪ ،‬واملتعلم‪ ،‬واملعرفة‪ .‬ومن مث‪ ،‬إذا كانت الرتبية‬
‫التقليدية تركز على املدرس واملعرفة؛ إذ جتعل املدرس مالكا للمعرفة املطلقة‪ .‬ومن مث‪ ،‬تغيب املتعلم على‬
‫مستوى التواصل التفاعلي‪ ،‬وجتعله كائنا سلبيا يتلقى املعلومات فقط‪ ،‬دون مناقشتها أو حماورة‬
‫صاحبها‪ .‬ويعين هذا أن املتعلم ذات متلقية حتشى باملعلومات واملعارف‪ .‬يف حني‪ ،‬تتميز بيداغوجيا‬
‫الكفايات اجلديدة بالرتكيز على التفاعل اإلجيايب بني أقطاب ثالثة‪ :‬املعلم‪ ،‬واملتعلم‪ ،‬واملعرفة‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬تتحول املعرفة‪ ،‬يف البيداغوجيا الكفائية‪ ،‬إىل وضعيات إجرائية تطبيقية يف شكل مشاكل معقدة‬
‫ومركبة تستوجب احللول الناجعة‪ .‬ومن مث‪ ،‬تنطلق هذه املعرفة من املقررات واحملتويات واملضامني يف‬

‫‪ -234‬تعين كلمة الديدكتيك(‪ )Didactique/Didactic‬العملية التعليمية‪-‬التعلمية‪ ،‬أو ما يسمى أيضا بالرتبية اخلاصة‪.‬‬
‫‪292‬‬
‫ضو جمموعة من الكفايات األساسية عرب وضعيات‪ -‬مشكالت‪ .‬ويعين هذا أن املعرفة مرتبطة بالكفاية‬
‫والوضعية‪.‬‬

‫أما املعلم‪ ،‬أو املدرس‪ ،‬أو املدبر‪ ،‬فتتمثل مهمته الرتبوية يف حتضري الوضعيات اليت جتعل املتعلم‬
‫يستضمر قدراته الذاتية ملواجهة هذه الوضعيات املركبة واملعقدة‪ .‬وعالوة على ذلك‪ ،‬فللمدرس أهداف‬
‫ثالثة‪ :‬فهو يساعد املتعلم على حتديد املشكلة أو موضوع الوضعية‪ ،‬مث يوجهه إىل املوارد اليت ينبغي‬
‫استثمارها يف حل هذه املشكلة‪ ،‬مث يساعده على تنظيم موارده بكيفية الئقة وهادفة‪ .‬ويعين هذا أن‬
‫دور املدرس توجيهي وإرشادي ومنهجي وكفائي وحتفيزي ليس إال‪ .‬ومن هنا‪ ،‬مل تعد املعرفة ملكا‬
‫للمدرس‪ ،‬بل هي من مكتسبات املتعلم‪ .‬أي‪ :‬أضحت املعرفة جمموعة من املوارد اليت ميتلكها املتعلم‪.‬‬
‫وتتكون هذه املعرفة من مهارات‪ ،‬ومعارف‪ ،‬ومواقف‪ ،‬وإجنازات‪ ،‬وكفايات معرفية وثقافية ومنهجية‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬فالكفاية هي جمموعة من املعارف املختلفة اليت يستعملها املتعلم وحيركها‪ ،‬حني يواجه موقفا أو‬
‫وضعية سياقية جديدة‪.‬‬

‫أما املتعلم‪ ،‬فهو البطل احلقيقي يف سريورة التعلم؛ إذ يساعده املدرس على حل الوضعيات السياقية‬
‫املتدرجة يف البساطة والتعقيد‪ ،‬م توظيف قدر ممكن من مكتسباته الكفائية واملنهجية‪ ،‬واستعمال‬
‫موارده بطريقة الئقة وهادفة‪ .‬مبعىن أن كفاياته معرفية‪ ،‬ووجدانية انفعالية‪ ،‬وحسية حركية‪ .‬ويعين هذا أن‬
‫هذه البيداغوجيا تنمي الفكر املهاري لدى املتعلم‪ ،‬وتقوي إدراكاته املنهجية والتواصلية‪ .‬يف حني‪ ،‬يهتم‬
‫التدريس السلوكي بتعليم شرطي آيل حمدود‪ .‬ومن مث‪ ،‬فهو تعليم قياسي وكمي‪ .‬بينما تساعد‬
‫البيداغوجيا الكفائية املتعلم على البحث املنهجي اعتمادا على الذات‪ ،‬وحل املشاكل املستعصية‪،‬‬
‫ومواجهة الظروف الصعبة واملعقدة‪ ،‬والتأهب دائما لالعتماد على الذات حلل مجي املشاكل املختلفة‬
‫اليت يواجهها يف حميطه اخلارجي‪ .‬ويعين هذا أن هذه البيداغوجيا طريقة دينامكية هادفة‪ ،‬تساعد على‬
‫اكتساب الفكر املهاري والتعلم املنهجي للوصول إىل هدف ناج ‪.‬‬
‫‪293‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬املدرس التقليدي واملدرس الكفائي‬
‫يرتكز التعليم التقليدي املوسوعي على املدرس باعتباره صاحب سلطة معرفية مطلقة‪ ،‬يقدمها للتلميذ‬
‫جاهزة عرب جمموعة من األسئلة اليت تستوجب احلفظ والتقليد والتكرار‪ .‬ومن مث‪ ،‬يصبح التلميذ مرتكنا‬
‫إىل مدرسه‪ ،‬ال يستطي أن يواجه ما يتعرض له من املواقف املستجدة‪ ،‬أو يليب طلبات املقاوالت‬
‫احلديثة؛ ألنه ال ميلك الكفا ات واملهارات املهنية واملنهجية والتواصلية والذهنية واللغوية‪ ،‬بل يقف‬
‫مكتوف اليدين عاجزا عن التأقلم والتكيف م مستجدات الواق االقتصادي اجلديد‪ .‬ألن معارفه‬
‫نظرية جمردة غري وظيفية‪ ،‬وتنقصه املمارسة واخلربات التجريبية‪.‬‬

‫ويف التعليم املوسوعي أيضا‪ ،‬يكون االهتمام بالكم على حساب الكيف‪ ،‬ويلتجئ املدرس إىل التحفيز‬
‫السلوكي امليكانيكي اعتمادا على ثنائية احلافز واالستجابة لتوجيه دفة القسم؛ مما ينتج عنه ردود أفعال‬
‫التالميذ السلبية‪ ،‬ونفورهم من القسم لغياب األنشطة الذاتية واخلربات الفردية‪ .‬وبالتايل‪ ،‬ينكمشون‬
‫على أنفسهم انطوا أو خوفا أو خجال أو جهال مبا يعطى هلم من دروس ومعارف كمية‪ ،‬يصعب‬
‫اإلحاطة هبا يف سنة كاملة‪.‬‬

‫أما املدرس الكفائي‪ ،‬فهو مدرس متنور يستكشف القدرات الكفائية لدى املتعلم عرب أدا ات وإجنازات‬
‫طوال سريورة التعلم‪ ،‬ووضعه يف وضعيات معقدة أو أقل تعقيدا الختبار أدائه السلوكي‪ ،‬وتقومي كفا اته‬
‫وقدراته يف التعامل م مشاكل الواق احمليطة به‪ .‬ويراعي هذا املدرس الكفائي الفوارق الفردية‪ ،‬وينكب‬
‫على ظاهرة الالجت انس من خالل دراسة كل حالة فردية‪ ،‬ودعم كل متعلم مبجموعة من املهارات‬
‫الكفائية‪ ،‬وحتفيزه على إبراز قدراته وميوله واستعداداته‪ ،‬سوا يف حلقة واحدة أم يف حلقات متعددة‬
‫متواصلة؛ألن املقياس ‪ -‬هنا‪ -‬ليس هو الدرس الذي ينتهي داخل حصة زمنية حمددة كما يف التعليم‬
‫التقليدي املوسوعي‪ ،‬بل احللقة الديدكتيكية املتوالية اليت متتد عرب حصتني فأكثر‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫ويقدم املدرس الكفائي املقرر الدراسي يف شكل جمزو ات ووحدات دراسية ووضعيات مركبة‪ ،‬تصغر‬
‫بدورها يف إطار مقاط وحلقات وخربات مؤشرة يف كفايات نوعية أو شاملة أو ممتدة قصد التدرج‬
‫باملتعلم لتحقيق كفايات عليا كلية وهنائية‪ .‬ويتم الرتكيز يف هذا النوع من التعليم على الكيف واملتعلم؛‬
‫ألن املدرس جمرد وصي أو مرشد ليس إال‪ .‬وتصبح الدروس خربات وممارسة كيفية‪ ،‬ومهارات وقدرات‬
‫معرفية ووجدانية وحركية‪ .‬أي‪ :‬إن املتعلم هو الذي يكون نفسه بنفسه‪ ،‬ويتعلم كيف يبحث ويفكر‪،‬‬
‫وينظم ما يبحث عنه منهجيا ووظيفيا‪.‬إن املدرس الكفائي‪ -‬كما يقول حممد الدريج‪":-‬يروم بنا‬
‫الكفايات لدى التلميذ‪ ،‬على اعتبار أن الكفايات هي قدرات شاملة ودينامية (نشطة) اليت الميكن‬
‫اختزاهلا يف الئحة حتليلية من احملتويات‪ ،‬إهنا تشكيلة ( تركيبة) ذكية من املعارف واملهارات واالجتاهات‪.‬‬
‫فأن نكون أكفا ال يعين أن منلك مجلة من املعلومات واملهارات‪ ،‬فأن نكون أكفا يعين أساسا أن‬
‫نكون قادرين على جتنيد تلك املعلومات واملهارات‪ ،‬وتوظيفها يف مواقف معينة وحلل مشكالت‪ .‬أي‪:‬‬
‫أن نكون فعالني ومنتجني يف وضعيات حمددة‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬يصري بنا الكفايات هبذا املعىن أمرا معقدا وأمرا ذاتيا وشخصيا‪ .‬فيكون من أولويات نشاط‬
‫املدرسني مساعدة املتعلمني‪،‬لكن على املتعلمني مساعدة أنفسهم يف التعلم والتكوين الذايت‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫فإن التعليم باجملزو ات يستدعي املتعلم كمسؤول‪ ،‬ويتعامل معه كمدبر لتكوينه‪.235".‬‬

‫وهكذا‪ ،‬تتأسس بيداغوجيا الكفايات على املتعلم ال على املدرس كما هو حال البيداغوجيا‬
‫الكالسيكية‪ .‬مبعىن أن الدرس يتحول إىل جمموعة من الوضعيات املعقدة واملشاكل املركبة اليت ينبغي‬
‫على املتعلم مواجهتها من خالل املوارد اليت ميتلكها‪ ،‬حيث يوظفها بطريقة مالئمة ومناسبة من أجل‬
‫حتقيق الكفاية األساسية واهلدف األجن ‪ .‬ومن مث‪ ،‬فاملدرس‪ ،‬يف هذا التصور البيداغوجي اجلديد‪ ،‬مرشد‬
‫وموجه ليس إال‪ ،‬يهيئ الوضعيات اجلديدة‪ ،‬ويقرتح املشاكل املعقدة واملركبة اليت ينبغي أن حيلها املتعلم‪.‬‬

‫‪ -235‬حممد الدريج‪:‬الكفايات يف التعليم ‪ ،‬منشورات سلسلة املعرفة للجمي ‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬شتنرب‪5004‬م‪ ،‬ص‪.524:‬‬
‫‪295‬‬
‫ويعين هذا أن الدرس يتحول إىل جمموعة من الوضعيات املتدرجة من البساطة إىل التعقيد‪ ،‬حيث تكون‬
‫واضحة‪ ،‬ودالة‪ ،‬وهادفة‪ ،‬وبنا ة‪ ،‬وحمفزة على العمل واالجتهاد والنجاح‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فاملدرس‪ -‬هنا‪ -‬ليس‬
‫مالكا للمعرفة‪ ،‬بل هو جمرد حمضر لألسئلة والوضعيات املشكلة‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬كف ـايات املدرس‬


‫ميكن احلديث عن ثالث كفايات أساسية ينبغي أن تتوفر يف املدرس الراهن من أجل حتقيق اجلودة يف‬
‫درسه الديدكتيكي‪.‬وهذه الكفايات البارزة هي‪ :‬كفاية التخطيط‪ ،‬وكفاية التدبري‪ ،‬وكفاية التقومي‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬كفايــة التخطيط‬

‫إذا كانت فكرة التخطيط (‪ )Planification‬قد ظهرت يف اجملتمعات القدمية كما لدى املصريني ‪-‬‬
‫مريريثال‪ -‬مريرين خريريالل اإلشريريارات ال ريواردة يف سريريورة يوسريريف عليريريه السريريالم يف القريريرآن الكريريرمي‪ .‬وتبلريريورت هريريذه‬
‫الفكريريرة كريريذلك يف كتابريريات الفالسريريفة واملفك ريرين وعلمريريا االجتمريرياع (أفالطريريون‪ ،‬وإجنلريريز‪ ،‬ومريرياركس‪ ،‬وابريرين‬
‫خلدون‪ ،‬وموريس دوب‪ ،)....‬فإن التخطيط احلقيقي املبين على العلمية والدراسة اإلحصائية التجريبية‬
‫مل يظهر إال يف بدايات القرن العشرين (‪ 3150‬م) مري املخططريات اخلماسريية الرييت كريان ينهجهريا االحترياد‬
‫السوڤيايت‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬أخذت الدول الغربية تستفيد من هذه املخططريات الشرياملة الرييت بريدأت توظفهريا‬
‫يف اجملريريال االقتصريريادي واإلداري والرتبريريوي‪ .‬بيريريد أن أغل ريريب الريريدول العربيريرية مل تأخريريذ بسياسريرية املخطط ريريات‬
‫والتخطيط إال يف الستينيات من القرن العشرين‪.‬‬

‫وميكن القول‪ :‬إن التخطيط‪ ،‬يف احلقيقة‪ ،‬قريد رافريق ظهريور اإلدارة وقطرياع اخلريدمات منريذ منتصريف القريرن‬
‫التاس عشر يف أوربريا الغربيرية والواليريات املتحريدة األمريكيرية‪ ،‬مري انبثرياق اجملتمعريات الرأمساليرية الرييت عقلنريت‬
‫إدارهتا ومؤسساهتا املالية بطريقة علمية مقننة تعتمد على وض اخلطط وتنفيذها ميدانيا‪.‬‬

‫والميكن فهم التخطيط الرتبوي أو الديدكتيكي إال من خالل تعريف التخطيط لغة واصطالحا‪:‬‬
‫‪296‬‬
‫يقدم ابن منظور‪ ،‬يف( لسان العرب)‪ ،‬جمموعة من التعاريف اللغوية لكلمرية التخطرييط املشريتقة مرين فعريل‬
‫خريريط وخط ريريط ال ريريذي حييريريل عل ريريى جمموع ريرية مريرين ال ريريدوال املعجمي ريرية كريرياخلط ال ريريذي ه ريريو عبريريارة ع ريرين الطريق ريرية‬
‫املستطيلة يف الشي ‪ ،‬واجلم خطوط‪ .‬واخلط‪ :‬الطريق‪ .‬واخلط‪ :‬الكتابة وحنوها مما خيط‪ .‬واخلط‪ :‬ضرب‬
‫مرين الكهانريرية‪ .‬وخريط الشريريي خيطريريه خطريا‪ :‬كتبريريه بقلريريم أو غريريه‪ .‬والتخطريرييط‪ :‬التسريريطري‪ .‬واخلطريوط مريرين بقريرير‬
‫الوحش‪ :‬اليت ختط األرض بأظالفها‪ .‬واخلط‪ :‬خط الزاجر‪ ،‬وهو أن خيط بإصبعه يف الرمل ويزجر‪ .‬وثوب‬
‫خمطط وكسا خمطط‪ :‬فيه خطوط‪ .‬وخط وجهه واختط‪ :‬صارت فيه خطوط‪ .‬واختط الغالم‪ :‬أي نبت‬
‫عريريذاؤه‪ .‬واخلطريرية كريرياخلط كأهنريريا اسريريم للطريقريرية‪ .‬واملخريريط بالكسريرير‪ :‬العريريود الريريذي خيريريط بريريه احلائريريك الثريريوب‪.‬‬
‫واملخطاط‪:‬عود تسوى عليه اخلطوط‪ .‬واخلط‪:‬ضرب من البض ‪ .‬واخلط واخلطة‪ :‬األرض تنزل من غري أن‬
‫ينزهلا نازل قبل ذلريك‪ .‬وقريد خطهريا لنفسريه خطريا واختطهريا‪ :‬وهريو أن يعلريم عليهريا عالمرية برياخلط‪ .‬واخلطرية‪:‬‬
‫األرض‪ .‬واألرض اخلطيطرية‪ :‬الريرييت ميطريرير ماحوهلريريا وال متطريرير هريي‪ ،‬ومجعهريريا خطريريائط‪ .‬وأرض خريريط‪ :‬مل متطريرير‬
‫وقد مطر ماحوهلا‪ .‬وا خلطة‪ :‬بالضم‪ :‬شبه القصة واألمر‪ ،‬وقيل‪ :‬املقصد‪ .‬واخلطة‪ :‬احلال واألمر واخلطب‪.‬‬
‫واألخريريط‪ :‬الريريدقيق احملاسريرين‪ ،‬ورجريريل خمطريريط‪ :‬مجيريريل‪ .‬وخطة‪:‬اسريريم عنريريز‪ .‬واخلريريط‪ :‬أرض ينسريريب إليهريريا الرمريرياح‬
‫اخلطية‪ .‬واخلطي‪ :‬الريرمح املنسريوب إىل اخلريط‪ .‬واخلطرييط‪ :‬قريريب مرين الغطرييط وهريو صريوت النريائم‪ .‬وحلريس‬
‫‪236‬‬
‫اخلطاط‪ :‬اسم رجل زاجر‪ .‬وخمطط‪ :‬موض ‪.‬‬

‫ويتبني لنا‪ ،‬من خالل هريذه الريدالالت االشريتقاقية‪ ،‬أن التخطرييط عبريارة عرين خطرية مرسريومة وحمريددة بدقرية‬
‫وطريقة مسطرة كتابة وخطا‪.‬‬

‫أمريا كلمريرية( ‪ ) Planification‬األجنبيرية‪ ،‬فتريريدل علريى التصريريميم والتخطرييط‪ ،‬وهريريي مشريتقة مريرين كلمريرية(‬
‫‪ ) Planifier‬اليت تعين بدورها خطط وصمم‪.‬‬

‫‪ - 236‬ابن منظور‪ :‬لسان اللسان ‪ ،‬هتذيب لسان العرب ‪ ،‬اجلز األول‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‪3111‬م‪،‬‬
‫ص‪.120:‬‬
‫‪297‬‬
‫أمريا مريرين حيريريث االصريطالح‪ ،‬فريريالتخطيط عبريريارة عرين جمموعريرية مريرين الطرائريق والتصريرياميم واملنريرياهج واألسريرياليب‬
‫والت ريريدابري ال ريرييت نلتج ريريئ إليه ريريا م ريرين أج ريريل حتقي ريريق جمموع ريرية م ريرين األه ريريداف والغاي ريريات عل ريريى املس ريريتوى البعي ريريد‬
‫واملتوسط والقريب‪.‬‬

‫ولتنفيريريذ هريريذه األهريريداف املسريريطرة املوجريريودة يف مريريداخل نسريريق معريريني‪ ،‬البريريد مريرين االعتمريرياد علريريى الوسريريائل‬
‫املادية واملالية والبشرية واملعلوماتية ألجرأة هذه األهداف ميدانيا‪ ،‬يف سياقاهتا املتاحة‪ ،‬وظروفها املمكنة‪.‬‬
‫والميكن التأكد من جناعة األهداف املسطرة داخل النسق البنيريوي أو الريوظيفي إال بعريد االسريتعانة بكريل‬
‫آليات التقومي واملراقبة‪ .‬وإذا أصيبت ال عملية بالتعثر والفشل‪ ،‬فمن الضروري االستعانة كذلك بالفيريدباك‬
‫أو التغذية الراجعة‪.‬‬

‫وميكن القول‪ :‬إن التخطيط إسرتاتيجية وطريقة تقنية ناجحة للتحكم يف املعطيات املوضوعية‪ ،‬إما بطرقة‬
‫كمية إحصائية جتريبية‪ ،‬وإما بطريقة استقرائية وصفية استنتاجية‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فالتخطيط تصور نظري وإجرا تفسريي يعتمد على قرا ة األسباب الدافعة‪ ،‬م تبيان العلل‬
‫واحليثيات التفسريية اليت تكون ورا ظاهرة معينرية‪ .‬كمريا أن التخطرييط تصريميم تنبئريي يريتحكم يف الظريواهر‬
‫املستقبلية ويستشرفها‪ ،‬بإعريداد خطريط وتريدابري لإلحاطرية بالظرياهرة‪ ،‬أو تطويقهريا‪ ،‬أو فهمهريا‪ ،‬أو تفسريريها‬
‫من أجل الشروع يف بنا تصاميم توقعية ناجعة‪.‬‬

‫أما فيما خيريص التخطرييط الديريدكتيكي‪ ،‬فيقصريد بريه ذلريك املسريار اهلندسريي الريذي يتتبعريه املريدرس الكفريائي‬
‫من أجل حتقيق هدف معني‪ ،‬أو جتسيد كفاية معينة‪.‬أي‪ :‬تلك اخلطة املنهجية اليت توصل ذلك املدرس‬
‫إىل حتقيق ماقد رمسه من أهداف وكفايات إجرائية قياسية ومعيارية‪ .‬وبذلك‪ ،‬يطرح املدرس أو املخطريط‬
‫الديدكتيكي أسئلة ثالثة على النحو التايل‪:‬‬

‫‪ ‬ماذا سأفعل؟‬
‫‪298‬‬
‫‪ ‬كيف سأفعل؟‬

‫‪ ‬كيف سأقوم ذلك الفعل قبل فعله؟‬

‫ويعين هذا أن التخطيط الديدكتيكي يتسم بنظرة استباقية توقعية‪ ،‬ويقوم على ثالثة مرتكزات مرتابطة‪:‬‬

‫‪ ‬التوقع ‪:‬تشخيص مامت التخطيط له هدفا أو كفاية‪.‬‬

‫‪ ‬مبدأ احلتمية ‪ :‬ربط اإلجناز باهلدف أو الكفاية املخطط هلا ربطا حتميا‪.‬‬

‫‪‬الربمجــة‪ :‬وض ري برجمريرية مفصريريلة ملريرياهو خمطريريط لريريه‪ ،‬بتفصريرييله وجتزيئريريه‪ ،‬والرتكيريريز علريريى التعلمريريات‪ ،‬وحتديريريد‬
‫الفضا الزمكاين‪ ،‬واإلشارة إىل الفئات املستهدفة‪ ،‬وتبيان الوسائل الديدكتيكية‪.‬‬

‫ويعريريين هريريذا كلريريه أن التخطريرييط الديريريدكتيكي قريريائم علريريى املريريدخالت (األهريريداف والكفايريريات)‪ ،‬والعمليريريات‬
‫(احملتويريريات‪ ،‬والطرائريريق البيداغوجيريرية‪ ،‬والوسريريائل )‪ ،‬واملخرجريريات( تقريريومي األهريريداف والكفايريريات)‪ ،‬والتغذيريرية‬
‫االرجتاعية (الفيدباك)‪.‬‬

‫ومرين هنريا‪ ،‬هتريتم كفايرية التخطريرييط لريدى املريدرس الكفريائي مبراعرياة املسريريار العالئقريي الريذي يسريمح لريه مبعرفريرية‬
‫مجي ري العناصريرير البيداغوجيريرية والعلميريرية الضريريرورية مريرين أجريريل حتقيريريق الكفايريرية األساسريريية‪ ،‬أو حتصريرييل اهلريريدف‬
‫املنشود‪ .‬وميكرين أن يكريون التخطرييط الديريدكتيكي الئحرية مرين احملتويريات املنتظمرية بطريقرية تراتبيرية متعاقبرية‪.‬‬
‫وقد يكون موضوعات وتيم ات‪ .‬وقد يكون عبارة عن أهداف وكفايات متعاقبة ومتسلسلة‪ ،‬وقد يكون‬
‫عبريارة عريرين مريوارد تربويريرية‪ ،‬ومؤسسرياتية‪ ،‬وبشريرية‪ ،‬وماليريرية‪ ،‬وفضريائية‪ ،‬وزمنيريرية‪ .‬ومرين مث‪ ،‬فريريالتخطيط هريريو أول‬
‫مرحلة من مراحل الفعل البيداغوجي‪ ،‬ليعقبه مرحلة اإلجناز‪ ،‬ومرحلة التقومي‪ ،‬ومرحلة اإلدماج‪ ،‬ومرحلرية‬
‫املعاجلة‪.‬‬

‫‪299‬‬
‫وميكن احلديث عن جمموعة من املقومات واملرتكزات األساسية اليت ينبين عليها التخطيط الديدكتيكي‪،‬‬
‫وتتمثل هذه املقومات يف العناصر األربعة التالية‪:‬‬

‫‪ ‬حتديريد الكفايريريات األساسريية أو الكفايريريات املستعرضرية الريرييت ميكرين تطويرهريريا أو إمناؤهريا لريريدى التلميريريذ أو‬
‫الطالب داخل الفصل الدراسي‪.‬‬

‫‪ ‬مراعاة الفوارق الفردية اليت متيز تالميذ أو طلبة الفصل الدراسي‪.‬‬

‫‪ ‬توفري مجي املريوارد الرييت ميكرين اسريتثمارها يف املراحريل البيداغوجيرية الريثالث‪ :‬مرحلرية التحضريري واإلعريداد‪،‬‬
‫ومرحلة اإلجناز والتحقيق‪ ،‬ومرحلة اإلدماج)‪.‬‬

‫‪ ‬اختيار نوع املقاربة اليت ميكن االستعانة هبا من أجل استثمار هذه الوضعية التعلمية‪.‬‬

‫وعلريريى وج ريريه العم ريريوم‪ ،‬ينب ريريين التخط ريرييط الدي ريريدكتيكي عل ريريى جمموع ريرية م ريرين املب ريريادئ واملقوم ريريات ال ريرييت ميك ريرين‬
‫حتديدها يف الالئحة التالية‪:‬‬

‫‪ ‬بنا التخطيط الديدكتيكي على جمموعة من الكفايات واألهداف اإلجرائية احملددة بدقة‪.‬‬

‫‪ ‬ينبغي أن حيقق التخطيط ال ديدكتيكي كل الكفايات واألهداف املسطرة بإجناز اجملزو ة املعطاة‪.‬‬

‫‪ ‬يسريريتوجب التخطريرييط الديريريدكتيكي‪ ،‬س ريوا أكريريان سريرينويا أم مرحليريريا أم يوميريريا أم إجرائيريريا‪ ،‬الرتكيريريز علريريى‬
‫العناصريرير الرئيسريرية مريرين عمليريرية التخطريرييط‪ ،‬وهريريي‪ :‬احملتويريريات يف عالقتهريريا بالكفايريريات واألهريريداف‪ ،‬ومراعريرياة‬
‫اإليقاعات الزمنية املفروضة‪.‬‬

‫‪ ‬ينبغ ريريي أن حي ريريرتم التخط ريرييط الس ريرينوي‪ ،‬أو التخط ريرييط املرحل ريريي‪ ،‬منط ريريق املق ريريررات الدراس ريريية يف تعاقبه ريريا‬
‫وتسلسلها وانتظامها وترابطها اتساقا وانسجاما‪.‬‬

‫‪300‬‬
‫‪ ‬يستوجب يف التخطيط اجلرائي (ختطيط الدرس) احرتام تعلمات املقرر الدراسي‪.‬‬

‫‪ ‬ينبغي أثنا ختطيط الدرس الرتكيز على تعلمات وأنشطة التالميذ ال على تعلمات املدرس وأنشطته‬
‫التدريسية التعليمية‪.‬‬

‫‪ ‬ينبغريريي أن يهريريتم التخطريرييط الديريريدكتيكي برصريريد جممريريل املراحريريل الريرييت يقطعهريريا إجنريرياز التعلمريريات بفعاليريرية‬
‫إجيابية بغية فهمها وتفسريها‪.‬‬

‫‪ ‬ينبغريي الرتكيريريز يف التخطرييط الديريريدكتيكي علريى تريريوفري الظريرف الريريزمين إلجريرا التقريريومي التكريويين واألخريريذ‬
‫بأنشطة املعاجلة والدعم واالستدراك‪.‬‬

‫ويستلزم التخطيط الديدكتيكي جمموعة من الشروط الضرورية اليت ميكن حصرها يف النقط التالية‪:‬‬

‫‪ ‬أن يكون التخطيط الديدكتيكي ختطيطا واقعيا‪.‬‬

‫‪ ‬أن يكون التخطيط شامال يتضمن مجي املراحل اليت تنبين عليها اجملزو ة الدارسية‪ ،‬أو متضمنا لكل‬
‫مكونات العملية الديدكتيكية‪.‬‬

‫‪ ‬أن يكون التخطيط مرنا‪.‬‬

‫‪ ‬أن يكون التخطيط قابال للتطبيق واألجرأة‪.‬‬

‫‪ ‬أن يكون قابال للتحوير والتغيري والتعديل‪.‬‬

‫‪ ‬أن يتضمن التخطيط املدخالت والعمليات واملخرجات والفيدباك‪.‬‬

‫‪ ‬أن حيدد التخطيط أفضل اإلسرتاتيجيات واإلجرا ات املناسبة لتنفيذ اخلطة‪.‬‬

‫‪ ‬أن يرتبط مبجموعة من الكفايات واألهداف اإلجرائية‪.‬‬


‫‪301‬‬
‫‪ ‬أن خيض التخطيط لعمليات التقومي واإلدماج‪.‬‬

‫و للتخط ريرييط الدي ريريدكتيكي أمهي ريرية كب ريريرية تتمث ريريل يف كون ريريه يعقل ريرين العملي ريرية الديدكتيكي ريرية‪ ،‬وجيس ريريدها ممارس ريرية‬
‫وس لوكا وتعليما وتعلما‪ .‬كما ينظم مضامني التعلم املقررة يف شكل أهداف تعليمية‪ .‬عالوة على ذلك‪،‬‬
‫حيريريدد التخطريرييط جمموعريرية مريرين عمليريريات اإلجنريرياز بنريريا علريريى جمموعريرية مريرين األهريريداف والكفايريريات املنشريريودة‪.‬‬
‫ويعريين هريذا أن التخطرييط يعقلرين العمليرية الرتبويرية‪ ،‬وجيعلهريا ذات هريدف ومعريىن وداللرية ومقصريدية‪ .‬ويريربط‬
‫املريوارد التعلميريرية مبجموعريرية مرين الكفايريريات والوضريريعيات السريريياقية‪ .‬ويسريعف التخطريرييط املريريدرس الكفريريائي يف‬
‫تريريدبري الوقريريت واحلفريرياظ علريريى اإليقريرياع املدرسريريي‪ ،‬واالقتصريرياد يف اجلهريريد‪ .‬فضريريال عريرين تريريوفري األمريرين للمريريدرس‬
‫واملتعلم على حريد سريوا ‪ ،‬وتسريهيل عمليرية التقريومي‪ ،‬وتنظرييم العمليرية البيداغوجيرية والديدكتيكيرية يف أحسرين‬
‫صورة مشرفة‪.‬‬

‫وينبريريين التخطريرييط الديريريدكتيكي علريريى جمموعريرية مريرين األهريريداف اآلنيريرية واملرحليريرية والبعيريريدة‪ ،‬وميكريرين مجعهريريا يف‬
‫األهداف التالية‪:‬‬

‫‪ ‬حتقيق الكفايات العامة واإلجرائية‪.‬‬

‫‪ ‬حتقيق جناح العملية الديدكتيكية‪.‬‬

‫‪ ‬تنظيم العملية التعليمية ‪ -‬التعلمية‪.‬‬

‫‪ ‬عقلنة املوارد التعلمية اليت تتضمنها املناهج واملقررات الدراسية‪.‬‬

‫‪ ‬تنظيم هندسة الدرس يف خمتلف مراحلها املقطعية‪.‬‬

‫‪ ‬توفري العدة املنهجية لتحقيق اخلطة بغية حتقيق الكفايات املرصودة‪.‬‬

‫‪ ‬إحداث تغيري آين يف العملية الديدكتيكية‪ ،‬أو إصالح تدرجيي‪ ،‬أو األخذ مببدإ التطور البطي ‪.‬‬
‫‪302‬‬
‫‪ ‬حتقيق تنمية ناجحة وناجعة بيداغوجيا وديدكتيكيا‪.‬‬

‫‪ ‬حيقق مدرسة النجاح والتميز والكفا ة‪.‬‬

‫ويتخذ التخطيط الديدكتيكي مسارا هندسيا رباعيا‪ ،‬ففي بداية السنة الدراسية‪ ،‬يعتمد املدرس الكفائي‬
‫علريى التقريريومي التشخيصريريي القبلريي أو التمهيريريدي الريريذي يهريدف إىل توجيريريه املريريدرس توجيهريا تربويريريا صريريحيحا‬
‫لكي يتفهم وضعيات الفصريل‪ ،‬وحيريدد الفريوارق البيداغوجيرية املوجريودة عنريده بغيرية خلريق نريوع مرين التقريارب‬
‫بني التالميذ‪ .‬مبعىن أن التقريومي التمهيريدي مبثابرية وصريفة اسريتباقية وتوقعيرية توجريه املريدرس إىل مريواطن اخللريل‬
‫والقوة من أجل تدارك الوض الرتبوي‪ ،‬ومعاجلته ديدكتيكيا‪ ،‬أو يف ضو معاجلة داخلية أو خارجية‪.‬‬

‫وبعريريد ذلريريك‪ ،‬تريريأيت فريريرتة التعلمريريات التكوينيريرية يف شريريكل متتاليريريات أس ريبوعية‪ ،‬يقريريوم فيهريريا املريريدرس الكفريريائي‬
‫بإرسريريا امل ريوارد‪ ،‬باختيريريار احملتويريريات‪ ،‬والطرائريريق البيداغوجيريرية‪ ،‬والوسريريائل الديدكتيكيريرية املالئمريرية‪ .‬وتسريريتهدف‬
‫هريريذه املراحريريل التكوينيريرية منريريا الكفايريرية وتثبيتهريريا وإرسريريائها‪ .‬وتنقسريريم كريريل متواليريرية زمنيريرية تكوينيريرية إىل مقريرياط‬
‫ووحريريدات دراسريريية مرتبطريرية بكفايريريات فرعيريرية‪ ،‬وأهريريداف حمريريددة ختريريدم الكفايريرية األساسريريية‪ ،‬وقريريد تتمثريريل يف‬
‫السلك االبتدائي إما يف كفاية التعبريري الشريفوي‪ ،‬وإمريا يف كفايرية القريرا ة‪ ،‬وإمريا يف كفايرية الكتابرية‪ ،‬وإمريا يف‬
‫كفاي ريرية اس ريريتيعاب عل ريريوم اللغ ريرية واس ريريتثمارها وظيفي ريريا وس ريريياقيا‪ .‬وتتخل ريريل ه ريريذه املراح ريريل التكويني ريرية جم ريريزو ات‬
‫إدماجية بينية ب عريد سريتة أسريابي مرين التكريوين‪ .‬وهبريذا‪ ،‬يكريون الربنريامج السرينوي قائمريا علريى أربري جمريزو ات‬
‫أسريبوعية متسريريقة ومنسريريجمة ومتطريريورة‪ .‬وتتكريريون كريريل جمريزو ة مريرين سريريتة أسريريابي ‪ ،‬يتبعهريريا أسريريبوعان لإلدمريرياج‬
‫تعلما وإجنازا وتقوميا ومعاجلة‪ .‬وهبريذا‪ ،‬يكريون عريدد أسريابي الريتعلم مثانيرية وثالثريون أسريبوعا‪ ،‬يضرياف إليهمريا‬
‫أس ريريبوع التق ريريومي التشخيص ريريي‪ ،‬وأس ريريبوع التق ريريومي اإلش ريريهادي‪ .‬ويف هناي ريرية الس ريرينة الدراس ريريية‪ ،‬يلتج ريريئ امل ريريدرس‬
‫الكفائي إىل اجملزو ة اإلدماجية النهائية اليت تشخص مدى حتقق اهلدف اإلدماجي النهائي السنوي‪.‬‬

‫‪303‬‬
‫ومن املعلوم أن الوحدة األساسية لتدبري (‪ )la gestion‬التعلمات هي اجملزو ة (‪)le module‬‬
‫اليت تؤمن‪ ،‬بشكل متسق ومنسجم‪ ،‬جمموعة من الكفايات عرب ثالث حمطات رئيسة هي‪:‬‬

‫‪ -3‬مرحلة استيعاب أو اكتساب التعلمات األساسية‪.‬‬

‫‪ -5‬مرحلة إدماج التعلمات‪.‬‬

‫‪ -1‬مرحلة التقومي أو املعاجلة‪.237‬‬

‫وميكن احلديث عن أنواع عدة من اهلندسات التخطيطية يف جمال الديدكتيك أو الرتبية اخلاصة‪ .‬وميكرين‬
‫حصرها يف األنواع التالية‪:‬‬

‫‪‬التخطي ــط السن ــوي‪:‬‬

‫يريرتبط التخطرييط السريرينوي (‪ )la planification annuelle‬باملنهرياج‪ ،‬أو املقريريرر الدراسريي‪ .‬وقريريد‬
‫عريرف ختطريرييط املنهريرياج ثريريالث حمطريات كريريربى‪ :‬حمطريرية املضريريامني واحملتويريات‪ ،‬حيريريث كريريان يعتمريريد يف ختطريرييط‬
‫املنهريرياج الدراسريريي علريريى موضريريوعات أو تيمريريات أو مفريرياهيم معينريرية‪ ،‬مثريريل‪ :‬الدراسريرية‪ ،‬والطفولريرية‪ ،‬واهلجريريرة‪،‬‬
‫والعمل‪ ،‬والسفر‪ ،‬ووسائل النقل‪ ،‬واملدينة‪ ،‬والبادية‪....‬‬

‫أمريريا احملطريرية الثانيريرية‪ ،‬فهريريي حمطريرية األهريريداف الريرييت واكبريريت فريريرتة الثمريريانني مريرين القريريرن العش ريرين‪ .‬فقريريد قسريريمت‬
‫األهريريداف الرتبويريرية إىل أهريريداف وغايريريات عامريرية‪ ،‬وأهريريداف وسريريطى‪ ،‬وأهريريداف إجرائيريرية خاصريرية‪ ،‬يف ضريريو‬
‫املنظور اللساين السلوكي( واطسون‪ ،‬وبافلوف‪ ،‬وسكينر)‪.‬‬

‫أمريريا احملطريرية الثالثريرية‪ ،‬فهريريي حمطريرية الكفايريريات الريرييت تبلريريورت يف املغريريرب يف سريرينوات العقريريد األول مريرين األلفيريرية‬
‫الثالثة لربط التعليم بواق الشغل واملهننة‪ .‬وقد انبنت هريذه النظريرية اجلديريدة علريى جمموعرية مرين التصريورات‬

‫‪237‬‬
‫‪- Roegiers, X, la pédagogie de l’intégration en bref, Rabat, 2006 PP.9-10.‬‬
‫‪304‬‬
‫اإلبس ريريتمولوجية مث ريريل‪ :‬النظري ريرية املعرفي ريرية‪ ،‬والنظري ريرية التوليدي ريرية التحولي ريرية(نوام شومس ريريكي)‪ ،‬والنظري ريرية البنائي ريرية‬
‫التكوينية (جان بياجي)‪ ،‬وكل النظريات السياقية اليت تربط الذات باحمليط أو السياق اخلارجي‪ .‬دون أن‬
‫ننس ري ريريى النظري ري ريريات الرتبوي ري ريرية القائم ري ريرية عل ري ريريى ال ري ريريتعلم ال ري ريريذايت ومراع ري ريرياة الفوارق(البي ري ريريداغوجيا الالتوجيهي ري ريرية‪،‬‬
‫والبيداغوجيا املؤسساتية‪ ،‬وديناميكية اجلماعات‪ ،‬وبيداغوجيا الفوارق‪ ،‬وبيداغوجيا األخطا ‪)...‬‬

‫وعليه‪ ،‬يقوم التخطيط السنوي بتجريزي املقريررات الرتبويرية‪ ،‬أو تقسرييم املنرياهج الدراسريية سـنويا‪ ،‬بتوزيعهريا‬
‫إىل جمموعريرية مريرين املراحريريل التكوينيريرية‪ ،‬أواجملريريزو ات الدراسريريية‪ ،‬واختيريريار أجن ري السريريبل مريرين أجريريل تقريريومي إمجريريايل‬
‫أوهنائي مناسب للتأكد من مكتسريبات التالميري ذ‪ ،‬أو الثبريت مرين مريدى حتقريق الكفايرية اإلدماجيرية النهائيرية‬
‫لدى طلبة الفصل الدراسي‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يتكون التخطيط السنوي من أرب مراحل كربى‪ .‬وتتضمن كريل مرحلرية مثانيرية أسريابي ‪ ،‬األسريابي‬
‫السريتة األوىل إلرسريا املريوارد‪ ،‬واألسريبوعان الباقيريان خيصصريريان لإلدمرياج‪ .‬كمريا خيصريريص األسريبوعان الثالريريث‬
‫والسادس ألنشطة التوليف والتقومي والدعم‪ .‬وتشكل هذه األسابي الثمانية ما يسمى باجملزو ة اليت تبدأ‬
‫بالكفايري ريرية‪ ،‬وتنته ري ريريي بري ريريالتقومي اإلمج ري ريريايل‪ .‬ويالح ري ريريظ أن عري ريريدد اجمل ري ريريزو ات أرب ري ري ‪ ،‬يسري ريريبقها أس ري ريريبوع للتق ري ريريومي‬
‫التشخيصي وأسبوع يف آخر السنة للتقومي اإلشهادي‪.‬‬

‫‪‬التخطي ــط املرحل ــي‪:‬‬

‫ينبين التخطرييط املرحلريي (‪)planification intérmidiaire‬علريى توزيري التعلمريات الدراسريية‪ ،‬أو‬


‫جتزي املقررات أو املناهج الرتبوية حسب مراحريل زمنيرية تكوينيرية معينرية‪ :‬إمريا باتبرياع التكريوين األسدوسريي‬
‫(ستة أشهر)‪ ،‬وإما اختيار التكوين األثلوثي (ثالثة أشهر)‪ ،‬وإما بانتهاج التكوين الرتبوي والديريدكتيكي‬
‫حسب اجملزو ات‪ .‬ويسريمى هريذا التخطرييط أيضريا بريالتخطيط املرحلريي‪ ،‬أو التخطرييط البيريين‪ ،‬أو التخطرييط‬
‫التكريريويين‪ .‬وبتعبريريري آخريرير‪ ،‬فريريالتقومي املرحلريريي ‪ -‬يف احلقيقريرية‪ -‬م ريرتبط بإجنريرياز جمريريزو ة معينريرية يف ضريريو كفاي ريرية‬
‫أساسية معينة‪ ،‬بعد املرور بطبيعة احلال مبحطة اإلدماج السياقي‪.‬‬
‫‪305‬‬
‫‪‬التخطيط اليوم ــي‪:‬‬

‫نعين بالتخطيط اليومي ماينجزه املدرس الكفائي من تعلمات وكفايات مستعرضة يف يوم معني‪ ،‬وتريدبري‬
‫خمتلف اإليقاعات الزمنية اليت على هديها‪ ،‬يتم تقدمي الوحريدات املقطعيرية واملضريامني التعلميرية يف خمتلريف‬
‫املواد اليت سيقبل عليها املتعلم يف يومه الدراسي‪.‬‬

‫‪‬التخطيط اإلجرائي‪:‬‬

‫يسريعى التخطرييط اإلجرائريي (‪ )la planification opérationelle‬إىل هندسرية خطرية الريدرس‬


‫بشريريكل عملريريي وإجرائريريي واضريريح مفصريريل يف مجي ري خطواتريريه املتسلسريريلة واملتعاقبريرية واملتداخلريرية‪ .‬ويسريريمى هريريذا‬
‫التخطرييط كريريذلك جبريريذاذة الريريدرس‪ ،‬أو خطريرية الريريدرس‪ ،‬أو هندسريرية الريريدرس‪ ،‬أو ختطريرييط الريريدرس‪ ،‬أو مقطري‬
‫الدرس‪ .‬ويصف هذا التخطيط مجي اخلطوات املتبعة من قبل املعلم واملتعلم على حد سوا ‪.‬أي‪ :‬تقسم‬
‫التعلمريريات الديدكتيكيريرية إىل أنشريريطة املريريدرس وأنشريريطة املريريتعلم انطالقريريا مريرين كفايريريات حمريريددة بدقريرية‪ ،‬واختيريريار‬
‫املري ريوارد والوس ريريائل والطرائ ريريق البيداغوجي ريرية ال ريرييت ميك ري ري ن اتباعه ريريا‪ ،‬م ري ري اس ريريتعمال وس ريريائل التق ريريومي املالئم ريرية‪،‬‬
‫واالنتقال‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬إىل الوضعيات اإلدماجية‪ ،‬لتعقبها مرحلة املعاجلة واالستدراك والدعم‪.‬‬
‫وبنريا علريى ماسريبق‪ ،‬فريالتخطيط اإلجرائريي يصريف مسريار التعلمريات بشريكل مفصريل‪ ،‬يف مرحلرية معينرية مريرين‬
‫التدريس‪ ،‬انطالقا من مرحلة حتديد الكفايات إ ىل مرحلة التقومي‪ ،‬مرورا مبرحلة اإلجناز وإرسا املوارد‪.‬‬

‫‪‬التخطيط اإلدماجي‪:‬‬

‫يتعلريريق التخطريرييط اإلدمريرياجي بتريريدبري جريريذاذة دراسريريية يف ضريريو بيريريداغوجيا اإلدمريرياج‪ ،‬بتسريريطري وضريريعية معينريرية‬
‫مرتبطة مبواردها وسندها وحاملها وتعليماهتا ومعايريها ومؤشراهتا التقوميية‪ .‬باإلضافة إىل شبكات التمرير‬
‫والتحقق واملعاجلة والدعم واالستدراك‪.‬‬

‫‪306‬‬
‫هريذا‪ ،‬وتعريد جريذاذة الريدرس مرين أهريم الوثريائق الضريرورية الرييت يسريتعني هبريا املريدرس واملريتعلم علريى حريد سريوا‬
‫إلجن ريرياز ال ريدرس‪ ،‬يف ض ريريو جمموع ريرية م ريرين الكفاي ريريات العام ريرية واخلاص ريرية بغي ريرية أجرأهت ريريا عملي ريريا إلمن ريريا الكفاي ريرية‬
‫وإرسائها وتثبيتها ودعمها وتعزيزها بغية حتقيق اهلدف النهائي‪ ،‬أو أجرأة الكفاية األساسية‪ .‬لذا‪ ،‬ينبغريي‬
‫اح ريرتام جمموعريرية مريرين اخلط ريوات واملراحريريل واملقريرياط التعلميريرية الريرييت ينبغريريي املريريرور منهريريا للوصريريول إىل اهلريريدف‬
‫النهائي‪ ،‬أو الكفاية اإلمجالية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تتضمن خطة اجلذاذة ثالثة مقاط أساسية هي‪:‬‬

‫‪‬مقط التشخيص واملراجعة والتقومي القبلي؛‬

‫‪ ‬مقط التكوين القائم على استعراض احملتويات والطرائق البيداغوجية والوسائل الديدكتيكية‪ ،‬وحتديد‬
‫أمناط الفضا وطرائق التفاعل والتواصل داخل الصف الدراسي؛‬

‫‪ ‬مقط التقومي اإلمجايل القائم على التطبيقات الشفوية والكتابية‪ ،‬وحتضري الدرس القادم‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فاملدرس الكف احلقيقي هو الذي ميتلك كفاية التخطيط واالستشراف‪ ،‬وتنظيم الدرس يف‬
‫أحسن صورة‪ ،‬والتخطيط له على مستوى األمد القريب‪ ،‬واألمد املتوسط‪ ،‬واألمد البعيد‪ .‬واهلدف من‬
‫ذلك كله هو حتقيق الكفايات األساسية والتكميلية واملستعرضة‪.‬‬

‫املطل ـب الثاين‪ :‬كف ـايـ ـة التدبيـ ـر‬

‫يقصد بالتدبري الديدكتيكي بنا وضعيات ديدكتيكية تطبيقية يف مدة معينة‪ ،‬وتدبريها يف مستوى‬
‫دراسي معني‪ ،‬أو ضمن مستويات دراسية خمتلفة من مستويات املدرسة االبتدائية‪ ،‬إما داخل فصل‬
‫دراسي أحادي‪ ،‬وإما داخل فصل دراسي مشرتك‪ ،‬باالعتماد على جمموعة من الوثائق والربامج الرمسية‪،‬‬
‫باستعمال أشكال التنفيذ وفق مقاربة الكفايات وبيداغوجيا اإلدماج‪ .‬ويعين هذا أن التدبري الديدكتيكي‬
‫هو بنا الدرس يف شكل وضعيات ديدكتيكية وإدماجية حسب مقاط فضائية وزمانية معينة‪ ،‬يف ضو‬

‫‪307‬‬
‫بيداغوجيا الكفايات واإلدماج‪ ،‬بالرتكيز على جمموعة من األنشطة اليت يقوم هبا املعلم واملتعلم معا‪،‬‬
‫بتوظيف طرائق بيداغوجية ووسائل ديدكتيكية معينة‪ ،‬م متثل معايري ومؤشرات معينة يف التقومي‬
‫واملعاجلة‪.‬‬

‫وتتمثل أهداف التدبري الديدكتيكي يف أجرأة الكفايات واألهداف يف أرض الواق يف ضو بيداغوجيا‬
‫الكفايات واإلدماج‪ ،‬بتنفيذها وفق وضعيات ديداكتيكية جمسدة‪ ،‬يف شكل خطاطات مفصلة‪،‬‬
‫وجذاذات مقطعية قابلة للتنفيذ والتطبيق‪ .‬كما يهدف التدبري الديدكتيكي إىل بنا وضعيات تعلمية‬
‫إجرائية وتطبيقية‪ ،‬يف شكل مقاط تعليمية ‪ -‬تعلمية تشمل خمتلف أنشطة املعلم واملتعلم‪ ،‬وأيضا أنواع‬
‫التقومي واملعاجلة‪ ،‬يف مكان حمدد‪ ،‬وزمن معني‪ .‬مبعىن أن التدبري ينصب على تنظيم خمتلف العمليات‬
‫الديدكتيكية يف وضعيات إشكالية بسيطة ومعقدة‪ ،‬سوا أكان ذلك يف األقسام الصفية األحادية أم‬
‫األقسام الصفية املتعددة واملشرتكة‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما يتخذ التدبري طاب التخطيط والتنظيم وفق وضعيات‬
‫إدماجية قابلة للتقومي واملعاجلة والقياس واإلشهاد‪ ،‬يف شكل مقاط دراسية حمددة ديدكتيكيا وإيقاعيا‪.‬‬

‫ويالحظ أن للريتدبري الديدكتيكي أمهية كربى‪ .‬وتتمثل هذه األمهية اإلسرتاتيجية يف عقلنة العملية‬
‫التعليمية ‪ -‬التعلمية‪ ،‬وربط التخطيط بالتنفيذ والتطبيق والتقومي‪ ،‬وحتويل التمثالت اجملردة إىل خمططات‬
‫عملية سلوكية‪ ،‬وأجرأة الكفايات واألهداف املسطرة تطبيقا وتنفيذا‪ .‬كما يعد التدبري آلية ضرورية‬
‫لتحقيق اجلودة الكمية والكيفية‪.‬‬

‫ومن وظائف املدرس املدبر وظيفة التخطيط‪ ،‬ووظيفة التسيري‪ ،‬ووظيفة التوجيه والوصاية‪ ،‬ووظيفة‬
‫التنظيم‪ ،‬ووظيفة التطبيق‪ ،‬ووظيفة التنفيذ‪ ،‬ووظيفة التحكم‪ ،‬ووظيفة القيادة‪ ،‬ووظيفة التنسيق‪ ،‬ووظيفة‬
‫املراقبة املرحلية أو املستمرة‪ ،‬ووظيفة التوق ‪ ،‬ووظيفة التقومي والتصحيح واملعاجلة‪...‬‬

‫‪308‬‬
‫وينبين التدبري الديدكتيكي على جمموعة من املرتكزات املنهجية اليت ميكن حصرها‪ :‬يف أنشطة املعلم‬
‫وأنشطة املتعلم عرب جمموعة من املقاط الدراسية (املقط االستهاليل‪ ،‬واملقط التكويين‪ ،‬واملقط‬
‫النهائي)‪ ،‬وا النطالق من جمموعة من األهداف والكفايات املسطرة‪ ،‬وحتديد فضا التدبري‪ ،‬والرتكيز‬
‫على اإليقاع الزمين تشخيصا وتكوينا ومعاجلة‪ ،‬ورصد الوضعيات الديدكتيكية واإلدماجية‪ ،‬وتنظيمها يف‬
‫شكل جذاذة دراسية ختطيطا وتطبيقا وتنفيذا‪ ،‬واختيار أنواع الطرائق البيداغوجية والوسائل الديدكتيكية‬
‫اليت تسعف املدرس واملتعلم معا يف التعامل م الوضعيات الكفائية وأنواع الوضعيات املقدمة‪.‬‬

‫ويعين هذا كله أن التدبري يأيت بعد مرحلة التخطيط السنوي واملرحلي والديدكتيكي‪ ،‬وينصب اهتمامه‬
‫على جمال التعلم‪ ،‬ببلورة وضعيات التعلم‪ ،‬وتبيان كيفيات إجناز الدرس‪ ،‬وحتديد طرائق تدبري القسم‪،‬‬
‫وذلك كله يف عالقة جدلية مبجال التخطيط من جهة‪ ،‬وجمال التقومي والدعم من جهة أخرى‪.‬‬

‫و يتطلب التدبري الديدكتيكي أن يتعرف املدرس إىل خمتلف منهجيات وحدة اللغة العربية باملدرسة‬
‫االبتدائية‪ ،‬كأن يعرف منهجية القرا ة‪ ،‬ومنهجية اخلط والكتابة‪ ،‬ومنهجية التعبري‪ ،‬ومنهجية النحو‬
‫والصرف واإلمال والشكل‪ ،‬ومنهجية احملفوظات‪ ،‬ومنهجية الرتبية اإلسالمية‪ ،‬ومنهجية الوضعيات‬
‫اإلدماجية والتقوميية‪...‬وأن يعرف أيضا كيف تتوزع احلصص الدراسية وغالفها الزمين‪ ،‬ويعرف كذلك‬
‫أنواع وضعيات التعلم من أجل حتديد الطرائق البيداغوجية والوسائل الديدكتيكية املالئمة لتقدمي املقط‬
‫الدراسي‪ ،‬أو جمموعة من املقاط الديدكتيكية‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬يستلزم التدبري الديدكتيكي التعرف‬
‫إىل تقنيات التنشيط والتواصل‪ ،‬وإعداد معينات ديدكتيكية مالئمة للمقط (املورد)‪ ،‬وتكييف خمتلف‬
‫التقنيات التنشيطية والتواصلية م خصوصيات القسم (قسم حضري‪ ،‬وقسم مشرتك‪ ،‬وقسم‬
‫مكتظ‪ ،)...‬م تنوي تقنيات التواصل م التمركز حول املتعلم‪ ،‬واستثارة قدراته الكفائية واإلدماجية‪،‬‬
‫واالنطالق من نظريات التعلم يف أثنا التدبري‪.‬‬

‫‪309‬‬
‫ويستلزم التدبري الديدكتيكي تعبئة جمموعة من املوارد األساسية اليت تساعد املعلم واملتعلم على مواجهة‬
‫الوضعيات اإلدماجية‪ ،‬وإجياد احللول املناسبة هلا وفق بيداغوجيا الكفايات واإلدماج‪ .‬ومن بني هذه‬
‫املوارد الضرورية التمكن من ضوابط اللغة العربية الفصحى‪ ،‬ومتثل معايريها الصوتية والصرفية والرتكيبية‬
‫والداللية والبالغية والتواصلية‪ ،‬والتعرف إىل منهجية مكونات وحدة اللغة العربية بالسلكني‪ :‬األساس‬
‫واملتوسط‪ ،‬واستيعاب تقنيات التنشيط والتواصل‪ ،‬م تدبري وظيفي بنا وفعال لكل املعينات‬
‫الديدكتيكية‪ ،‬واعتماد خمتلف الطرائق البيداغوجية املناسبة لتقدمي الوضعيات الديدكتيكية واإلدماجية‬
‫ضمن أوساط سوسيوتربوية متعددة (أقسام مكتضة‪ ،‬وأقسام بالوسط القروي‪ ،‬وأقسام متعددة‬
‫املستويات‪ ،‬أو ما يسمى كذلك باألقسام املشرتكة‪ ،)...‬وتدبري الفوارق الفردية باعتماد البيداغوجيا‬
‫الفارقية‪ ،‬وحتديد الصيغ املالئمة لتدبري أزمنة وفضا ات التعلم (عمل فردي‪ ،‬وعمل مجاعي‪ ،‬واالشتغال‬
‫يف فرق وجمموعات‪ ،)...‬والتمكن من مبادئ اإلدماج‪ ،‬والتعرف إىل كيفية بنا الوضعيات الديدكتيكية‬
‫واإلدماجية‪ ،‬وتبيان طرائق إجنازها وتنفيذها‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يتجسد التدبري الديدكتيكي يف إعداد جذاذات منطية‪ ،‬أو بطاقات تقنية‪ ،‬أو‬
‫خطاطات هيكلية‪ ،‬تعمل على تنظيم العملية التعليمية‪ -‬التعلمية‪ .‬ويستند التدبري الديدكتيكي إىل إفراغ‬
‫التعلمات واألنشطة يف جمموعة من املراحل الرئيسية‪ ،‬بعد أن تتحدد الكفاية املستهدفة‪ ،‬وتعني جمموعة‬
‫من األهداف اإلجرائية‪.‬‬

‫وتضم اجلذاذة التقنية أيضا‪ ،‬إىل جانب العتبات واملعينات الشخصية‪ ،‬ثالث مراحل أو مقاط أساسية‪،‬‬
‫وهي‪:‬‬

‫‪‬املقطع التمهيدي أو االبتدائي أو االستهاليل‪ ،‬ويكون يف شكل مراجعة‪ ،‬أو تقومي تشخيصي‪،‬‬
‫أو استكشاف توقعي لتمثالت التالميذ حول املوضوع املدروس؛‬

‫‪310‬‬
‫‪‬املقطع التكويين‪ ،‬ويرتكز على أنشطة املعلم واملتعلم يف شكل أفعال كفائية وقدرات مرصودة‪ ،‬م‬
‫تبيان الطرائق البيداغوجية واملوارد والوسائل الديدكتيكية م تقوميها؛‬

‫‪‬املقطع النهائي أو اخلتامي أو التقوميي‪ ،‬ويكون مبثابة تطبيقات واستنتاجات واستثمارات وأنشطة‬
‫لإلجناز والتقومي النهائي أو اإلمجايل‪.‬‬

‫وميكن تشخيص هذه املراحل يف النموذج التقين التايل‪:‬‬

‫ج ــذاذة منوذجية‪-‬‬
‫األستاذ‪..........................:‬‬ ‫رقم اجلذاذة‪.............:‬‬ ‫التاريخ‪...........................:‬‬
‫‪.‬‬
‫املادة‪ .......................:‬عنوان الدرس‪..................:‬‬ ‫املؤسسة‪........................:‬‬
‫الوحدة‪...........................:‬‬ ‫املدة الزمنية‪...............:‬‬ ‫املستوى‪.........................:‬‬
‫األسبوع‪.........................:‬‬ ‫مكون الوحدة‪:‬‬ ‫رقم الوحدة‪......................:‬‬
‫‪........................................................................‬‬ ‫الكفاية‬
‫‪...‬‬ ‫املستهدفة‬
‫‪........................................................................‬‬
‫‪...‬‬
‫‪........................................................................‬‬
‫‪...‬‬
‫تقومي‬ ‫الطرائق‬ ‫الوسائل‬ ‫األنشطة الديداكتيكية‬ ‫األهداف‬
‫ودعم‬ ‫البيداغوجية‬ ‫الديداكتيكية‬ ‫املتعلم‬ ‫املدرس‬ ‫اإلجرائية‬
‫تقومي‬ ‫املقط‬
‫قبلي‬ ‫التمهيدي‬

‫‪311‬‬
‫تقومي‬ ‫املقط‬
‫تكويين‬ ‫التكويين‬
‫تقومي‬ ‫املقط‬
‫إمجايل‬ ‫النهائي‬

‫وخنلص‪ ،‬مما سبق‪ ،‬إىل أن املدرس احلق هو الذي ميتلك كفاية التدبري‪ ،‬ببنا وضعيات تعليمية‪ -‬تعلمية‪،‬‬
‫أو صياغة وضعيات إدماجية داخل فصل دراسي معني‪ ،‬سوا أكان ذلك الفصل أحاديا أم مشرتكا‪،‬‬
‫اعتمادا على الوثائق الرمسية‪ .‬ويتمثل هدف املدرس يف حتقيق الكفايات األساس من جهة‪ ،‬وحتقيق‬
‫أهداف إجرائية معينة‪ ،‬قد تكون معرفية‪ ،‬أو وجدانية انفعالية‪ ،‬أو حسية حركية‪ .‬مبعىن أن املدرس املدبر‬
‫الكف هو الذي يبين األنشطة الديدكتيكية والتقوميية بشكل تطبيقي وإجرائي‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما يتخذ هذا‬
‫التدبري شكل جذاذات وخمططات مقطعية‪ ،‬تنطلق من املناهج والربامج الرمسية‪ ،‬وتراعي خصوصيات‬
‫املتعلمني ضمن فضا زمكاين معني‪ ،‬م اختيار طرائق ووسائل ديدكتيكية وبيداغوجية معينة‪ .‬عالوة‬
‫على ذلك‪ ،‬ينصب التدبري على ختطيط األنشطة والتعلمات اخلاصة بكل مادة دراسية بشكل بنائي‬
‫مفصل ووظيفي‪ ،‬وقابل للتنفيذ واألجرأة‪ ،‬م ترقب كل الطوارئ واملستجدات اليت تربز يف أثنا التفاعل‬
‫والتواصل داخل مجاعة القسم‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬كفاية التقـ ـومي‬

‫من أهم الكفايات اليت ينبغي للمدرس اجليد اإلملام هبا التمكن من كفاية التقومي‪ .‬ويعد التقومي من أهم‬
‫عناصر املنظومة البيداغوجية‪ ،‬ومن املرتكزات األساسية يف العملية التعليمية ‪-‬التعلمية؛ ملا له من عالقة‬
‫أساسية م األهداف والكفايات املسطرة‪ .‬عالوة على كونه املعيار احلقيقي لتشخيص مواطن القوة‬

‫‪312‬‬
‫والضعف يف نظامنا البيداغوجي‪ .‬ويعد أيضا أداة فاعلة للتثبت من جناعة التجارب اإلصالحية يف جمال‬
‫الرتبية والتعليم‪.‬‬

‫ومن األكيد أن التقييم والتقومي وجهان لعملة واحدة‪ ،‬لكن التقومي أعم من التقييم والقياس؛ ألن التقومي‬
‫هو احلكم على عمل‪ ،‬أو شخص‪ ،‬أو شي ‪ ،‬أو حدث‪ ،‬أو مهمة منجزة‪ ،‬بإصدار حكم قيمة‪ .‬أي‪:‬‬
‫إن التقومي هو تثمني وتقييم املنجز أو الشخص املرصود‪ ،‬بعد إخضاعه لطرائق ومعايري دوسيمولوجية‬
‫وقياسية ( األسئلة‪ ،‬واالختبارات‪ ،‬والروائز‪ ،‬والفروض‪ ،.‬واالمتحانات‪ .)...‬أما التقييم‪ ،‬فيحيل على‬
‫القيمة أو التقدير‪ ،‬سوا العددي منه أم املعنوي‪ .‬ومن مث‪ ،‬يكون القياس أول خطوة يبدأ هبا املقوم‬
‫للحكم على املنجز‪ ،‬مادام خاضعا للقياس الكمي والكيفي‪ .‬وإذا كان التقومي مبعىن التقدير العددي‬
‫واملعنوي اعتمادا على معايري قياسية حمددة‪ ،‬فإنه كذلك سريورة نسقية هتدف إىل حتديد مدى حتقق‬
‫األهداف والكفايات لدى املتعلم عرب العملية الديدكتيكية‪.‬‬

‫وينصب التقومي على مدى حتكم املتعلم يف مهارة ما‪ ،‬وحتديد درجة التحكم واإلتقان‪ .‬وليس املهم هو‬
‫تقومي املعارف‪ ،‬بل تقومي الكفايات والقدرات املستضمرة لدى املتعلم‪ .‬مبعىن الرتكيز على الكيف‪ ،‬وليس‬
‫الكم‪ .‬أي‪ :‬تقومي مدى حتكم املتعلم يف مهارات اكتساب املوارد‪ ،‬وحسن توظيفها‪ .‬ومن مث‪ ،‬فاهلدف‬
‫من بيداغوجيا الكفايات هو إعطا معىن ما للتعلمات‪ ،‬م حتويل املضامني واحملتويات إىل وضعيات‬
‫ومشاكل مستعصية ومعقدة ومتنوعة ومركبة وجديدة‪.‬‬

‫وينبين التقومي على طرح جمموعة من األسئلة اجلوهرية‪ ،‬مثل‪ :‬ملاذا نقوم؟ وماذا نقوم؟ وملن نقوم؟ ومن‬
‫يقوم؟ وماذا نقوم؟ ومىت نقوم؟ وأين نقوم؟‬

‫ويعين هذا أن هذه األسئلة حتيل على املقوم (املدرس‪ ،‬واملشرف‪ ،‬والتلميذ‪ ،‬واملكون‪ ،‬واملتعلم‪،‬‬
‫والتكوين‪ ،)...‬أو على العمل املقوم (إجنازات املتعلم الكتابية والشفوية‪ ،‬واملعارف‪ ،‬واملهارات‪،‬‬

‫‪313‬‬
‫والكفايات النوعية واملستعرضة‪ ،)...‬وحتديد اهلدف من التقومي (حتديد أهداف إجرائية أو كفايات‬
‫منائية )‪ ،‬وطبيعة التقومي(تقومي ذايت أو تقومي موضوعي‪ ،‬فروض‪ ،‬واختبارات‪ ،‬وروائز‪ ،)...‬وتبيان زمان‬
‫التقومي ومكانه‪ ،‬مث تبيان ملن يتم هذا التقومي (القطاع املسؤول عن الرتبية والتعليم‪ ،‬مستقبل التلميذ‪،‬‬
‫التكوين‪ ،‬املتعلم‪)...‬‬

‫و للتقومي عدة وظائف أساسية‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪‬الوظيفة االجتماعية اليت تتمثل يف معرفة مدى صالحية النظام الرتبوي ملسايرة التطور االجتماعي‪،‬‬
‫ومدى قدرة املدرسة على تغيري اجملتم أو التكيف معه‪ ،‬ومدى قدرهتا على إعداد املتعلم اجتماعيا‪،‬‬
‫وتأهيله نظريا وتطبيقيا خلدمة اجملتم ‪ ،‬والسري به حنو آفاق زاهرة‪.‬‬

‫‪‬الوظيفة البيداغوجية اليت تتجلى يف تقومي العملية التعليمية‪-‬التعلمية‪ ،‬والتحقق من األهداف‬


‫املسطرة يف شكل سلوكيات وكفايات‪ ،‬واختبار الطرائق البيداغوجية والوسائل الديدكتيكية‬
‫واالسرتاتيجيات املتبعة يف إلقا الدروس‪ ،‬وحتليل السياقات االجتماعية والنفسية للمتعلمني بغية معرفة‬
‫مواطن اخللل واإلخفاق عن طريق املعاجلة والفيدباك‪ .‬ويعين هذا أن التقومي إجرا تشخيصي ملستوى‬
‫املتعلمني واألساتذة معا‪.‬‬

‫‪‬الوظيفة املؤسسية اليت حتيلنا على سلطة املدرس‪ ،‬حني يشهرها يف وجه التلميذ‪ ،‬أو اخلضوع‬
‫للنظام املؤسسسايت الرتاتيب والطبقي‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول بلبل( ‪":)PELPEL‬إن هدف الوظيفة‬
‫االجتماعية هو يف األخري توزي األفراد حسب أذواقهم وقدراهتم على جماالت خمتلفة من احلياة‬
‫االجتماعية واملهنية‪ ،‬بينما جند العكس يف التقييم البيداغوجي حيث إن اهلدف هو خلق جمموعة‬
‫متجانسة‪ ،‬ألن املشروع البيداغوجي للمدرس الميكن أن يهدف إال إىل إجناح اجلمي ‪ ،‬أو على األقل‬

‫‪314‬‬
‫األغلبية‪ .‬أما بالنسبة للوظيفة املؤسسية واليت تعترب وسيطة بني الوظيفتني‪ :‬االجتماعية والبيداغوجية‬
‫فهدفها الميكن أن يكون إال متناقضا‪ :‬إنه يف الوقت نفسه االرتقا والتصفية‪ .‬فقرار التصفية واالرتقا‬
‫األحيان حتدد مسبقا نسبة النجاح ملستوى معني‪ .‬كما أن‬ ‫متعلقان بنوع السنة الدراسية‪ :‬يف بع‬
‫اآلخر أكثر تشددا‪ .‬أي‪ :‬إنه أكثر‬ ‫لنفس القرارين عالقة باملؤسسات‪ ،‬فبعضها أكثر تساحما‪ ،‬والبع‬
‫‪238‬‬
‫تصفية"‪.‬‬

‫وتكمن أمهية التقومي يف كونه فعال طبيعيا وعقالنيا الختبار مناهج التعليم‪ ،‬والتأكد من األهداف اليت‬
‫مت حتقيقها ومل يتم حتقيقها عن طريق القياس والدوسيمولوجيا ( ‪ .)Docimologie‬كما أن التقومي‬
‫واجب وطين من خالله نتأكد من مدى جناعة نظامنا الرتبوي الوطين‪ ،‬ومدى قدرة املدرسة على‬
‫املواكبة‪ ،‬والتثبت من مدى جناعتها يف تأهيل املتعلمني للحاضر واملستقبل معا‪ .‬كما أنه واجب‬
‫اجتماعي ملعرفة الدور الذي يقوم به هذا النظام الرتبوي يف تنمية اجملتم وتطويره‪ .‬فضال عن كونه أداة‬
‫يف عملية اإلصالح والتأطري والتكوين‪ .‬وبصفة عامة‪ ،‬يساعد التقومي على تشخيص مواطن النقص‬
‫والكمال لدى املدرسني واملتعلمني واإلداريني واملشرفني واملسؤولني عن املنظومة الرتبوية والتعليمية على‬
‫حد سوا قصد اختاذ القرارات الصائبة من أجل اإلصالح‪ ،‬وإجياد احللول املناسبة لكل التعثرات‪.‬‬

‫وللتقومي كذلك أهداف ووظائف أخرى‪ ،‬ميكن حصرها يف الالئحة التالية من األغراض واملقاصد‪:‬‬

‫‪ ‬يهدف التقومي إىل حتديد تقدم املستوى التعلمي لدى التلميذ أو الطالب؛‬

‫‪ ‬تشخيص مواطن القوة والضعف يف العملية التعليمية‪ -‬التعلمية بصفة خاصة‪ ،‬واملنظومة الرتبوية‬
‫بصفة عامة؛‬

‫‪238‬‬
‫‪-P . PELPEL: Se former pour enseigner, Bordas, Paris, 1966, p:105.‬‬
‫‪315‬‬
‫‪ ‬تقومي طرائق التدريس من جهة‪ ،‬وتتب العملية الديدكتيكية من جهة أخرى؛‬

‫‪ ‬التثبت من مدى حتقق األهداف املعلنة يف مدخالت الدرس؛‬

‫‪ ‬انتقا املتعلمني األكفا املؤهلني‪ ،‬ومتييزهم عن غري األكفا ؛‬

‫‪ ‬مساعدة املتعلم على التقومي الذايت‪ ،‬وتصحيح األخطا املرتكبة جبردها‪ ،‬وتصنيفها‪ ،‬وتصحيحها‪،‬‬
‫ومعاجلتها؛‬

‫‪ ‬مراقبة املتعلم مراقبة متدرجة عرب مساره الدراسي؛‬

‫‪ ‬استكشاف طبيعة القدرات لدى املتعلم‪ ،‬واستجال طبيعة املواهب والذكا ات املوجودة لديه؛‬

‫‪ ‬يساعد املقوم على التغذية الراجعة‪ ،‬ومتثل املعاجلة الداخلية واخلارجية؛‬

‫‪ ‬تشخيص مستوى املتعلمني قبليا‪ ،‬وتكوينيا‪ ،‬وهنائيا؛‬

‫‪ ‬التقومي أداة مهمة يف االنتقا والتكوين وتنمية الكفا ات اإلمنائية األساسية‪ ،‬عرب جمموعة من‬
‫اجملزو ات اإلجبارية والداعمة والتكميلية‪.‬‬

‫وعلى العموم‪ ،‬للتقومي أرب وظائف أساسية كربى هي‪:‬‬

‫‪ ‬الوظيفة التشخيصية (تبيان مواطن القوة والضعف)؛‬

‫‪ ‬الوظيفة التحكيمية (إصدار أحكم تقديرية)؛‬

‫‪ ‬الوظيفة االستشرافية (حتديد مستقبل املتعلم وطبيعة التوجيه)؛‬

‫‪‬الوظيفة اإلشهادية (الشهادة والدبلوم)‪..‬‬

‫‪316‬‬
‫ومتر عملية التقومي الرتبوي والديدكتيكي – كما هو معروف‪ -‬بثالث مراحل أساسية‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ ‬حتضري االختبار‪ :‬بتحديد هدفه‪ ،‬وعرض مضمونه‪ ،‬واختيار نوع األسئلة‪ ،‬وتبيان معايري التصحيح‬
‫وسلم التنقيط‪.‬‬

‫‪ ‬إجراء االختبار‪ :‬ينجز املمتحن االختبار الذي قد يكون كتابيا أو شفويا‪ ،‬يف زمان ومكان‬
‫معينني‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬تصحح اإلجابات يف ضو مقاييس معيارية مضبوطة‪.‬‬

‫‪ ‬استعمال االختبار‪ :‬بتفسري نتائجه‪ ،‬وأخذ القرارات الالزمة‪.‬‬

‫أما اجلوانب التنظيمية لالمتحانات املعيارية ( ما يسمى بالتقومي اخلارجي)‪ ،‬فتعهد إىل جلان خمتصة إما‬
‫وطنية وإما جهوية وإما إقليمية لتعد املوضوعات اخلاصة بكل امتحان‪ .‬ويتم إعداد االمتحان انطالقا‬
‫من اقرتاحات األساتذة‪ ،‬م احرتام التعليمات الواردة يف املذكرة الوزارية‪ .‬وجترى االمتحانات يف‬
‫املؤسسات التعليمية‪ ،‬وتسهر عليها أطر تربوية وإدارية ومشرفون إلضفا املصداقية على الشهادات‬
‫والدبلومات بغية توفري تكافؤ الفرص بني التالميذ‪.‬‬

‫ومثة عمليات مصاحبة إلجرا االختبارات داخل مركز التقومي أو االمتحان‪ ،‬كتهيي القاعات بالعدد‬
‫الكايف‪ ،‬ووض لوائح املرشحني انطالقا من احملاضر اجلماعية‪ ،‬وتوزي املرشحني على القاعات بالتنسيق‬
‫م األكادميية‪،‬وضبط الغياب‪ ،‬وإعداد لوائح املراقبني والقاعات املسندة إليهم(مراقبان يف كل قاعة‪-‬‬
‫مثال‪ ،)-‬وإعداد أوراق التحرير والتسويد بالنسبة جلمي االمتحانات‪ ،‬وفتح األظرفة اخلاصة باملواضي‬
‫أمام مرأى التالميذ واملراقبني واملشرفني‪ ،‬واحلرص على احرتام مواقيت االمتحان‪ .‬وتتم املراقبة داخل‬
‫القاعة ب التأكد من هوية التالميذ‪ ،‬وجتريدهم من وثائقهم‪ ،‬وإعطائهم أوراق االمتحان والتسويد‪،‬‬
‫والتثبت من توقي املرشحني بعد تسلم أوراق االمتحان‪ ،‬وضبط الغياب يف أوراق صفرا خمصصة‬

‫‪317‬‬
‫لذلك‪ ،‬وضبط حاالت الغش يف حمضر الغش‪ ،‬وإرجاع األوراق إىل إدارة املؤسسة‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬ترج‬
‫أوراق االمتحان إىل اإلدارة اإلقليمية واجلهوية‪.‬‬

‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬يعترب التصحيح إجرا تربويا فاعال يف عملية التقومي والتقييم والقياس‪ .‬ويتم‬
‫التصحيح من قبل األستاذ شفهيا أو كتابيا‪ ،‬سوا أكان ذلك يف جمموعة كبرية أم صغرية‪ .‬كما يتم من‬
‫قبل املتعلم ذاتيا أو من قبل أقرانه‪.‬‬

‫ومن مواصفات التصحيح‪ ،‬أن يكون واضحا ومنتظما متتبعا ألعمال التلميذ‪ ،‬ومفردنا حيرتم شخصية‬
‫التلميذ‪ ،‬وإجيابيا يعرتف بعمل التلميذ وجمهوده كيفما كان ناقصا‪ .‬وينبغي أن يكون مربرا تربيرا تربويا‬
‫كما وكيفا‪ .‬وتتم عملية التصحيح بعد أن توزع األكادميية أظرفة االمتحانات على خمتلف املؤسسات‬
‫لرتجعها يف أوقات حمددة‪ .‬وجتري عملية التصحيح داخل املؤسسة‪ ،‬حيث يتم التأكد من عدد األوراق‬
‫املوجودة يف الظرف‪ ،‬قبل مباشرة عملية التصحيح وبعدها‪ ،‬والتثبت من النقطة النهائية‪ .‬وتستلزم كتابة‬
‫النقطة بالعدد واحلروف‪ ،‬م التوقي يف أثنا الوقوع يف اخلطأ أو السهو‪ ،‬م احلرص التام على تطابق‬
‫النقطة على الورقة م النقطة املدونة يف احملضر اجلماعي‪ ،‬واملشاركة يف عملية املداوالت‪ .‬وبعد ذلك‪،‬‬
‫تستثمر نتائج االمتحانات املوحدة أو املعيارية يف اختاذ القرارات الالزمة على مستوى املؤسسة‪،‬‬
‫واملستوى اإلقليمي‪ ،‬واملستوى اجلهوي‪ ،‬واملستوى الوطين‪.‬واهلدف من ذلك كله هو تشخيص مواطن‬
‫الضعف والكمال‪ ،‬وحتديد النواقص واإلجيابيات‪ ،‬وإبراز مواطن اجلودة واخللل‪ ،‬والقصد من ذلك هو‬
‫حتسني مردودية النظام التعليمي‪.‬‬

‫‪318‬‬
‫و ميكن احلديث عن أنواع عدة من االمتحانات على النحو التايل‪:‬‬
‫‪ ‬حسب طبيعتها‪ :‬امتحانات كتابية وامتحانات شفوية‪.‬‬
‫‪ ‬حسب التصحيح‪ :‬امتحانات ذاتية وامتحانات موضوعية‪.‬‬
‫‪‬حسب التوظيف واالستعمال‪ :‬امتحانات معيارية (امتحانات وطنية) وامتحانات غري معيارية (‬
‫امتحانات مدرسية داخلية)‪.‬‬
‫وهناك أيضا امتحانات التربيز ملعرفة مدى حتقق األهداف الكفائية لدى املتعلم أو الطالب‪ ،‬وامتحانات‬
‫االنتقا الصطفا متعلمني معينني‪ ،‬وامتحانات التشخيص لتبيان مواطن القوة والضعف‪ ،‬وامتحانات‬
‫استشرافية لتبيان مسار املتعلم يف املستقبل من حيث جناحه وإخفاقه‪.‬‬

‫والغرض من هذه االمتحانات كلها هو تقومي املتعلم إجيابا أو سلبا‪ ،‬وتوفري معايري التوجيه املهين أو‬
‫الدراسي‪ ،‬وتقدمي شهادات صادقة لآلبا واجملتم املدين حول مردودية النظام الرتبوي من حيث التأهيل‬
‫وال كفا ات‪ ،‬م منح املتعلم شهادة أو دبلوما لينال هبا مكانة اجتماعية‪ ،‬أو منصبا‪ ،‬أو وظيفة ما‪.‬‬

‫وينقسم التقومي الرتبوي والديدكتيكي إىل ثالثة أقسام كربى على النحو التايل‪:‬‬

‫‪ ‬التقومي التشخيصي أو القبلي أو التمهيدي‪:‬‬

‫يقصد بالتقومي القبلي ذلك التقومي الذي ينصب على املكتسبات القدمية يف إطار املراجعة‬
‫واالستكشاف واالستثمار‪ .‬كما أنه تقومي حيفز املتعلم على طرح املوضوع واستكشافه‪ ،‬أو هو تقومي‬
‫تشخيصي حياول معرفة مواطن القوة والضعف لدى املتعلم‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فله وظيفة إرشادية وتوجيهية‬
‫وتشخيصية‪ .‬وقد يكون التقومي القبلي أو التمهيدي مبثابة وضعية استكشافية‪ ،‬يراد هبا إثارة انتباه املتعلم‬
‫إىل موضوع جديد‪ ،‬قد يكون فعال حمور الدرس الكفائي‪.‬‬

‫‪319‬‬
‫وبنا على هذا التقومي‪ ،‬تتحدد الكفايات والقدرات املستهدفة‪ ،‬وتنتقى الوضعيات واحملتويات واملعارف‬
‫واملوارد‪ .‬كما حتدد الطرائق البيداغوجية‪ ،‬والوسائل الديدكتيكية الوظيفية‪ ،‬ويعني التقومي املناسب لقياس‬
‫الكفاية واختبارها‪ .‬وغالبا ما يكون التقومي القبلي أو االستكشايف أو التشخيصي يف بداية السنة‪ ،‬أو‬
‫بداية احلصة الدراسية‪ ،‬أو حني حتضري املقط األويل أو التمهيدي من الدرس‪.‬‬

‫‪ ‬التقوي ــم التكوينــي‪:‬‬

‫يكون التقومي التكويين يف وسط الدرس‪ ،‬أو يف أثنا بنا العملية التعليمية‪ -‬التعلمية‪ ،‬أو يف أثنا‬
‫التنسيق بني أنشطة املتعلم واملعلم‪ .‬ويهدف هذا التقومي إىل التثبت من صحة احللول اليت يقرتحها‬
‫املتعلم‪ ،‬وكيفية تعامله م الوضعيات‪ .‬ومن مث‪ ،‬يسعى هذا التقومي إىل مساعدة املتعلم على التقومي‬
‫الذايت ملعرفة األخطا املرتكبة‪ .‬وينصب هذا التقومي على عالقة املدرس باملتعلم من خالل أنشطة‬
‫الوضعيات‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما يكون التقومي ذاتيا بالفعل‪.‬‬

‫ويستند التقومي التكويين الذي يتخلل العملية التعليمية‪-‬التعلمية‪ ،‬بكل مراحلها‪ ،‬إىل التنظيم الرتبوي‬
‫املنهجي‪ ،‬والتعرف إىل املساعدات الضرورية‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬تتمثل وظيفة التقومي التكويين يف وظيفة تثبيت الكفاية وتعزيزها‪ ،‬وبنا الدرس كفائيا‪ ،‬وترسيخ‬
‫الوضعيات بشكل إجيايب‪ ،‬وتكوين املتعلم تكوينا أدائيا وإجنازيا‪ ،‬وتطوير قدراته النمائية واملعرفية يف أثنا‬
‫مواجهته للوضعية املستهدفة‪ .‬وبطبيعة احلال‪ ،‬تتزامن هذه الوظيفة م مرحلة الدرس الوسطي أو املقط‬
‫الرئيس‪.‬‬

‫‪320‬‬
‫‪‬التقومي اإلمجالــي‪:‬‬

‫يكون التقومي اإلمجايل أو النهائي يف آخر احلصة الدراسية‪ ،‬بعد االنتها من املقط الوسطي الذي‬
‫يتخلل الدرس‪ .‬ويكون هذا التقومي يف شكل خالصات عامة‪ ،‬أو تطبيقات إدماجية قصرية أو طويلة‪،‬‬
‫أو متارين فصلية ومنزلية‪ .‬ويرتبط التقومي اإلمجايل مبدة معينة‪ ،‬بعد االنتها من فرض أو جتربة أو درس‪.‬‬
‫ويهدف إىل قياس املعارف واملهارات‪.،‬والتثبت من مدى حتقق اهلدف أو الكفاية يف آخر الدرس‪.‬‬

‫ويستحسن أن جتم كل التمارين التطبيقية والوضعيات اإلدماجية يف مرتب املتعلم الذي يسمى بري‬
‫(‪ )Port-folio‬الذي حيدد مستوى املتعلم‪ ،‬بتتب إجنازاته عرب الفرتة الدراسية‪.‬‬

‫ومن مث‪ ،‬ينبغي أن يركز التقومي اإلمجايل اهلادف على كيفية اكتساب املوارد واملعارف واملهارات يف إطار‬
‫ما يسمى بامليتامعريف‪ ،‬وقياس القدرات الكفائية‪ ،‬واالبتعاد عن قياس املعارف واملعلومات املخزنة يف‬
‫الذاكرة‪.‬‬

‫وخالصة القول‪ ،‬الميكن احلديث عن مدرس جيد إال إذا كان ميتلك ثالث كفايات رئيسة مهمة هي‪:‬‬
‫كفاية التخطيط‪،‬وكفاية التدبري‪ ،‬وكفاية التقومي‪.‬‬

‫وإذا كانت كفاية التخطيط قائمة على وض خطط هندسية استشرافية قريبة ومتوسطة وبعيدة‪ ،‬فإن‬
‫كفاية التدبري قائمة على أجرأة هذه املخططات وتطبيقها وتنفيذها وتنزيلها واقعيا وميدانيا‪.‬‬

‫أما كفاية التقومي‪ ،‬فتستند إىل معايري كمية وكيفية لقياس تعلمات التلميذ وخرباته وقدراته الكفائية‪،‬‬
‫حني يوض أمام وضعيات معقدة ومركبة وجديدة حلل مشاكلها املستعصية‪ .‬ومن مث‪ ،‬يساعد التقومي‬
‫املدرس الكف على معرفة مستوى التالميذ‪ ،‬وحتديد مواطن القوة والضعف لديهم‪ .‬كما يسعفه يف‬
‫اختيار املناهج والربامج الصاحلة لتحسني املنظومة الرتبوية والديدكتيكية‪ .‬ويفيده كذلك يف معرفة مدى‬

‫‪321‬‬
‫حتقق األهداف والكفايات املرجوة البلوغ إليها‪ ،‬ويعطيه صورة واضحة عن مدى ما حتققه املدرسة من‬
‫نتائج‪ ،‬ويساهم عددا وتقديرا يف التوجيه واإلرشاد املدرسي ‪.239‬‬

‫وهكذا‪ ،‬نصل إىل أن املدرس الكف واجليد هو الذي يتمثل الطرائق اجلديدة يف التدريس‪ ،‬وميتلك‬
‫ثالث كفايات رئيسة وأساسية الميكن الفصل بينها هي‪ :‬كفاية التخطيط‪ ،‬وكفاية التدبري‪ ،‬وكفاية‬
‫التقومي‪.‬‬

‫‪ -239‬حممد الدريج ‪:‬حتليل العملية التعليمية‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪ ،3122‬ص‪.27-22:‬‬
‫‪322‬‬
‫الفصل السابع‪:‬‬

‫مدرسة التميز يف ضوء احلكامة اجليدة‬


‫الميكن احلديث عن التدبري البيداغوجي والنجاح املدرسي إال إذا استحضرنا مفهومني أساسيني‬
‫مرتابطني مها‪ :‬مدرسة التميز‪ ،‬واحلكامة اجليدة‪ .‬ويعين هذا أن بنا مدرسة النجاح املتميزة‪ ،‬وخلق‬
‫مدرسة املساواة والعدالة واإلنصاف واالرتقا ال ميكن أن تتحقق واقعيا وميدانيا إال بتطبيق إسرتاتيجية‬
‫التدبري الناج ‪ ،‬واألخذ بسياسة التغيري الكمي والكيفي للنسق الرتبوي الوطين جزئيا أو كليا‪ ،‬بشكل‬
‫آين وحلظي‪ ،‬أو بشكل مرحلي‪ ،‬أو بشكل متدرج‪ .‬فضال عن االسرتشاد باحلكامة اجليدة على مجي‬
‫األصعدة واملستويات اليت تتعلق بتدبري املنظومة الرتبوية ديدكتيكيا‪ ،240‬وإداريا‪ ،‬وماديا‪ ،‬وماليا‪.‬‬

‫إذاً‪ ،‬ما مفهوم احلكامة اجليدة؟ وكيف ميكن إرساؤها يف احلقل الرتبوي والديدكتيكي؟ وما املقصود‬
‫مبدرسة التميز؟ وما شروطها ومستلزماهتا؟ وكيف يتحقق ذلك؟ هذا ما سوف نتوقف عنده يف املباحث‬
‫التالية‪:‬‬

‫املبح ـث األول‪ :‬احلكامـ ـة اجليـ ـدة‬


‫الميكن حتقيق مدرسة وطنية متميزة إال إذا أخذنا مببدإ احلكامة اجليدة(‪ .)Gouvernance‬وهو‬
‫ومعقد ومتشعب الدالالت بتنوع جماالته؛ إذ ميكن احلديث عن حكامة سياسية‪،‬‬ ‫مفهوم غام‬
‫وحكامة اجتماعية‪ ،‬وحكامة اقتصادية‪ ،‬وحكامة ثقافية‪ ،‬وحكامة إدارية‪ ،‬وحكامة أوروبية‪ ،‬وحكامة‬
‫عاملية‪ ،‬وحكامة مؤسساتية‪ ،‬وحكامة ترابية‪...‬‬

‫وتدل احلكامة على املقاربة التشاركية والتعددية يف تسيري اإلدارة وتدبريها‪ ،‬واستحضار خمتلف الفاعلني‬
‫والشركا يف أثنا أخذ القرار‪ ،‬أو ممارسة التقومي‪ ،‬أو بنا املشروع‪ .‬وتعين أيضا إرسا الدولة على أساس‬

‫‪ -240‬تعين كلمة الديدكتيك(‪ )Didactique/Didactic‬العملية التعليمية‪-‬التعلمية‪ ،‬أو ما يسمى أيضا بالرتبية اخلاصة‪.‬‬
‫‪323‬‬
‫الالمركزية والالتركيز‪ .‬ومن مث‪ ،‬تعد احلكامة آلية تدبريية لتجاوز أزمة الدولة البريوقراطية واملركزية‪.‬أضف‬
‫إىل ذلك أن احلكامة عبارة عن جمموعة من القواعد واملناهج اليت تساعد املدبرين على أخذ القرار‬
‫الصحيح‪ ،‬وتنظيم التفكري اإلداري‪ ،‬ومراقبة مدى تنفيذ القرارات يف حضن اجملتم ‪ .‬ويعين هذا أن‬
‫احلكامة اإلدارية اجليدة هي السبيل الوحيد للقضا على اهلشاشة والفقر من جهة‪ ،‬وحتقيق التنمية‬
‫الشاملة واملستدامة من جهة أخرى‪ .‬ويرى الباحث املغريب عماد أبركان " أن احلكامة الرتابية‪ ،‬كمفهوم‬
‫وآلية جديدة‪ ،‬تعرب عن أحسن ما ميكن بلوغه‪ ،‬وأفضل ما ميكن القيام به يف جمال التدبري واحلكم‪ ،‬تعترب‬
‫هي اهلدف واملبتغى األفضل الذي ميكن الوصول إليه على املستوى الرتايب‪.‬أو بعبارة أخرى‪ ،‬هي‬
‫الوصول ترابيا إىل أحسن تدبري حملي ممكن‪ ،‬يف أقل وقت ممكن‪ ،‬وجمهود وتكلفة ممكنة‪ ،‬ويف أفضل‬
‫الظروف املمكنة‪ .‬وإذا كانت احلكامة اجليدة كمفهوم مل يلق بعد اإلمجاع على حتديد معناه‪ ،‬فإن‬
‫األكيد هو أن مفهوم احلكامة الرتابية ينبين أساسا على اإلدارة يف الدول املوحدة‪.‬وذلك مبا تنطوي عليه‬
‫‪241‬‬
‫من املبادى اجلوهرية واألساسية للدميقراطية واحلرية‪".‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فاحلكامة اجليدة هي جتويد اإلدارة وحتسينها وفق مبادئ التدبري املعاصر‪ ،‬واحلد من روتني‬
‫البريوقراطية السلبية البطيئة ‪ ،‬وتفعيل مبدإ الشراكة احمللية واجلهوية وفق القوانني اإلدارية املرنة اليت تسمح‬
‫باألدا املثمر‪ ،‬والتحفيز على اإلجناز اهلادف‪ ،‬وحتقيق الفعالية البنا ة بغية حتقيق التقدم واالزدهار‬
‫والرفاهية للمواطنني‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬الميكن للمؤسسة الرتبوية أن تساهم يف التنمية البشرية‪ ،‬أو حتقيق التنمية اإلنسانية املستدامة إال‬
‫بتمثل سياسة احلكامة اجليدة‪ ،‬واالعتماد على املقاربة التشاركية‪ ،‬واإلميان بالقيادة الدميقراطية‪ ،‬وإعطا‬
‫األولوية للمصلحة العامة قبل املصلحة اخلاصة‪ ،‬واحرتام مبدإ الكفا ة يف إسناد الوظائف التدبريية‪.‬‬

‫‪ -241‬عماد أبركان‪( :‬الوالة والعمال يف النموذج املغريب لإلدارة احمللية وسؤال احلكامة الرتابية)‪ ،‬جملة مسالك‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد‪ ،15-13:‬السنة‬
‫‪5032 ،33‬م‪ ،‬ص‪.22:‬‬
‫‪324‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد كانت املدرسة العربية‪ ،‬والسيما املغربية منها‪ ،‬بعيدة عن منطق احلكامة الناجعة لعقود عدة‬
‫فيما يتعلق بقضية التدبري‪ ،‬وتسيري املؤسسة‪ ،‬وصرف االعتمادات‪ ،‬وتدبري الصفقات والشراكات‬
‫ومشاري املؤسسة‪.‬وبعد اإلصالحات اليت عرفها املغرب‪ ،‬مثال‪ ،‬على مجي األصعدة واملستويات‪ ،‬كان‬
‫من الالزم أن تأخذ املنظومة الرتبوية بسياسة احلكامة اجليدة على مستوى التخطيط والتدبري والتقومي‬
‫إداريا‪ ،‬وماليا‪ ،‬وتربويا‪ ،‬وديدكتيكيا‪.‬‬

‫وتعين احلكامة اجليدة ربط املسؤولية باحملاسبة والشفافية والتتب واملواكبة والتقومي بغية حتقيق النجاعة‬
‫واملردودية والفعالية على مستوى اإلجنازات‪ .‬وتتحقق احلكامة اجليدة‪ ،‬على صعيد املؤسسة الرتبوية‪،‬‬
‫بإجناز مشاري قابلة للتطبيق يف ضو املقاربة التشاركية والتكاملية القائمة على التخطيطني‪ :‬التصاعدي‬
‫والتنازيل‪ ،242‬واحلد من الفوارق املوجودة بني مؤسسات الرتاب الوطين‪ ،‬مبحاربة الفقر واهلشاشة‪ ،‬واحلد‬
‫من اهلدر املدرسي‪ ،‬وتوفري البنية التحتية واملرفقية‪ ،‬والرف من القدرة التنافسية لدى املؤسسة الرتبوية على‬
‫مجي األصعدة واملستويات من أجل حتقيق التميز والتفوق واجلودة‪ ،‬م االعتماد على آليات التخطيط‬
‫والتدبري والتقومي الناجعة والرصينة والشفافة‪ ،‬والسعي اجلاد من أجل تكوين كفا ات مؤهلة وراقية خلدمة‬
‫الوطن‪ ،‬والعمل على حتقيق التنمية املستدامة‪ ،‬واإلقالع باالقتصاد الوطين‪.‬‬

‫وتستند هذه احلكامة أيضا إىل توزي جيد للسلط واألدوار واملهام واملسؤوليات وفق نظام بريوقراطي‬
‫إجيايب عادل ومتميز‪ ،‬يؤمن بالتسلسل اإلداري‪ ،‬ويسعى لتحقيق إنتاجية ناجعة‪ ،‬يف ظروف مالئمة‬
‫للتكوين والتأهيل والتعليم والتعلم‪ ،‬واخلضوع لقرارات الدولة والعمل على تنفيذها وفق منطق املسؤولية‬
‫واحملاسبة والتقييم والتتب واملواكبة‪.‬‬

‫‪ -242‬التخطيط التصاعدي هو الذي ينطلق من املؤسسة احمللية حنو احلكومة املركزية‪.‬يف حني‪ ،‬يتوجه التخطيط التنازيل من املركز حنو ماهو حملي‬
‫وجهوي‪.‬‬
‫‪325‬‬
‫كما تنبين هذه احلكامة اجليدة على االستقاللية والتعاقد واحملاسبة واملسؤولية والتدبري الرائد والناج ‪،‬‬
‫ومأسسة مشاري املؤسسة‪ ،‬وختليق املنظومة الرتبوية‪ ،‬واالحتكام إىل الشفافية واملرونة واحملاسبة يف أثنا‬
‫عقد الشراكات الداخلية واخلارجية‪ ،‬ويف أثنا إبرام الصفقات‪ ،‬وإجناز مشاري املؤسسة‪ ،‬واحرتام مبدإ‬
‫الالمركزية والالمتركز‪ .‬ويعين هذا كله أن احلكامة اجليدة ختض ‪ ،‬على مستوى املؤسسة الرتبوية‪،‬‬
‫لالستقاللية من جهة‪ ،‬والتبعية من جهة ثانية‪ ،‬واحملاسبة من جهة ثالثة‪ ،‬والتعاقد من جهة رابعة‪.‬‬

‫ويف األخري‪ ،‬البد أن ختض املؤسسة التعليمية لتدبري جيد قائم على حكامة جيدة‪ ،‬بتوزي املهام‬
‫واألعمال واألدوار واملسؤوليات حسب منطق االستحقاق والكفا ة واملردودية‪ .‬مث‪ ،‬إخضاع هذه‬
‫املسؤوليات ملنطق احملاسبة والتتب واالفتحاص والتقييم‪ ،‬وتعميمه على املستويات كلها‪ .‬مث‪ ،‬االحتكام‬
‫إىل تدبري معلومايت جيد‪ ،‬يوفر املعلومات الواضحة والشفافة حول مداخيل املدرسة ومصاريفها‪ ،‬وما‬
‫يتعلق بطرائق تدبري جمالسها ومشاريعها وشراكاهتا‪ ،‬وكيفية توزي املهام والسلط واألدوار‪ ،‬وربط املسؤولية‬
‫باحملاسبة والتقييم املستمرين‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬مفهـ ـوم مدرس ـة التميـ ــز‬


‫يقصد مبدرسة التميز تلك املدرسة اليت تعىن باإلبداع‪ ،‬واالبتكار‪ ،‬واالخرتاع‪ ،‬واإلنتاج‪ ،‬وحتقيق املردودية‬
‫الكمية والكيفية‪.‬أي‪ :‬تلك املدرسة اليت تتصف باجلودة‪ .‬وتعمل على حتقيق احلرية‪ ،‬واملساواة‪ ،‬والعدالة‪،‬‬
‫واإلنصاف‪ ،‬واالرتقا ‪ .‬وتكون ذات جاذبية وجدوى ومفعمة باحلياة‪ ،‬يقبل عليها اجلمي على حد‬
‫سوا ‪ ،‬ويستفيد منها الكل‪ ،‬وتوفر الشغل للمتعلمني‪ ،‬ويرتاح هلا املدرسون‪ ،‬وحيس فيها مجي التالميذ‬
‫بالسعادة واألمن والطمأنينة‪ ،‬وترضى عليها األسر والعائالت وأمهات وأوليا األمور‪.‬‬

‫ويعين هذا أن مدرسة التميز ليست مدرسة عادية وطبيعية‪ ،‬بل هي مدرسة نشيطة ومتميزة ومتفردة يف‬
‫اجملتم بسبب عطا اهتا اإلبداعية‪ ،‬ومتعلميها املتفوقني الناجحني يف دراساهتم وحياهتم التعليمية‪-‬‬

‫‪326‬‬
‫التعلمية‪ .‬وأكثر من هذا تتوفر مدرسة التميز على جتهيزات حديثة ومستجدة وعصرية تؤهل املتعلم‬
‫للتكيف م متطلبات الواق ‪ ،‬وتسعفه يف التأقلم والتوازن م سوق الشغل‪.‬‬

‫كما تتوفر مدرسة التميز على مجي اإلمكانيات املادية واملالية والبشرية والتقنية اليت تسمح هلذه املدرسة‬
‫بالتنافس واإلنتاج والتميز عن باقي املدارس الرتبوية األخرى‪ ،‬سوا أكانت عمومية أم خاصة‪ .‬عالوة‬
‫على ذلك‪ ،‬ختض مدرسة التميز لسياسة تدبريية رائدة وناجعة ومتفوقة‪ ،‬تقوم على ختطيط استشرايف‬
‫موجه ومعقلن وعصري ودقيق‪ .‬وبالتايل‪ ،‬يتسم تدبريها باإلجرائية والتنفيذ والتطبيق الفوري‪ ،‬وفق آليات‬
‫وطرائق وأساليب عصرية على املستوى اإلداري والرتبوي والديدكتيكي‪ .‬كما تستعني هذه املدرسة‬
‫مبجموعة من أساليب التقومي املعاصر‪.‬باإلضافة إىل االسرتشاد بأحدث طرائق الدوسيمولوجيا املعاصرة‬
‫للرف من جودة التعلمات والتكوينات واخلربات‪.‬‬

‫ويعين هذا كله أن مدرسة التميز هي مدرسة النجاح واجلودة واإلنتاج واإلبداع‪ ،‬تساعد املتعلم على‬
‫التفوق‪ ،‬والوصول إىل املراتب األوىل من اجملد والعال والسمو والتميز وطنيا ودوليا‪ .‬أضف إىل ذلك أهنا‬
‫مدرسة خاضعة ملنطق األهداف والكفايات واإلبداع‪ ،‬تربط النظري بالتطبيقي‪ ،‬وتقوم على التخطيط‪،‬‬
‫والتدبري اإلجرائي‪ ،‬وتؤمن بتقسيم األعمال واألدوار‪ ،‬واالشتغال يف فرق تربوية‪ ،‬والعمل بالنصائح‬
‫والتوجيهات السليمة‪ ،‬واخلضوع آللية اإلشراف والتتب واملواكبة والتقومي العلمي الرصني‪ .‬مث تقوم بربط‬
‫النسق الرتبوي الداخلي باحمليط اخلارجي‪ ،‬بإجناز جمموعة من املشاري اليت تقرتحها املؤسسة وفق‬
‫شراكات داخلية وخارجية مثمرة ومتميزة لصاحل املؤسسة واملدينة واجلهة والوطن‪.‬‬

‫وتستند مدرسة التميز كذلك إىل آليات الدعم واملعاجلة والتقومي‪ ،‬إىل جانب االستفادة من جودة‬
‫التكوين والتأطري والتأهيل وفق بيداغوجيا الكفايات واإلدماج‪ ،‬م االستفادة من بيداغوجيا الذكا ات‬
‫املتعددة‪ ،‬والبيداغوجيا اإلبداعية‪ ،‬وبيداغوجيا امللكات‪...‬بغية الرقي مبستوى املتعلمني‪ ،‬ورف املردودية‬

‫‪327‬‬
‫كما وكيفا ليتبوؤا املكانة الالئقة هبم يف جمتمعهم‪ .‬ومن مث‪ ،‬تكون مدرسة التميز قاطرة للتنمية واإلبداع‬
‫واإلنتاج واإلقالع بالوطن على املستوى الثقايف والعلمي واالقتصادي واجملتمعي‪ .‬ويعين هذا أن تطوير‬
‫البالد رهني بوجود أطر مؤهلة ومنتجة ومتفوقة ومتميزة حمليا وجهويا ووطنيا ودوليا‪.‬‬

‫ويف األخري‪ ،‬يقصد مبدرسة التميز تلك املدرسة اليت يتمت فيها املتعلم حبقوقه اخلاصة والعامة‪ ،‬وحيس‬
‫بكرامته وإنسانيته وآدميته البشرية‪ ،‬حيث تساعده على تفتيق مواهبه‪ ،‬وتدفعه إىل اإلبداع والتخييل‬
‫واالبتكار واإلنتاج والتفوق‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فهي مدرسة تؤمن مبنطق اجلودة واإلنتاجية واملردودية‪ .‬ومن مث‪،‬‬
‫تواجه األزمات والتعثر ومواطن النقص والضعف واخللل باإلصالح واملعاجلة واملواكبة التفقدية املستمرة‪.‬‬

‫وتعمل هذه املدرسة كذلك على إتاحة التكوين املستمر للمتعلمني‪ ،‬والتمكن من اللغات األجنبية‪،‬‬
‫ومهننة التعلمات والتكوينات‪ ،‬والتحكم يف آليات اإلعالميات املعاصرة بغية االندماج يف املنظومة‬
‫الدولية‪ ،‬ومسايرة املستجدات اآللية والتقنية واإلعالمية‪.‬أي‪ :‬إهنا مدرسة التنوع‪ ،‬واالنفتاح‪ ،‬واالبتكار‪،‬‬
‫والنجاعة‪ ،‬واجلودة‪ ،‬والتميز‪ ،‬واإلنتاجية‪ ،‬والتفوق‪ ،‬واملنافسة‪ ،‬والشغل‪ ،‬والتدبري اجليد‪.‬‬

‫كما تعىن هذه املدرسة بالبحث العلمي والتقين واالبتكار‪ .‬وتتأسس على حكامة جيدة وناجعة‪.‬‬
‫وترتكز على املواطنة احلقة‪ .‬وتعمل من أجل ترسيخ الدميقراطية‪ ،‬ومتثل ثقافة املساواة والعدالة‬
‫واإلنصاف‪.‬وهي كذلك مدرسة االندماج السوسيوثقايف‪ ،‬واالندماج يف سوق الشغل‪ ،‬واالنفتاح على‬
‫عامل املهن املعاصرة ملواكبة مستجدات السوق العاملية‪ .‬وهي كذلك تلك املدرسة اليت تؤمن باملقاربة‬
‫احلقوقية والقيمية والتشاركية والتدبري اجليد واحلكامة اجليدة‪.‬‬

‫‪328‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬إسرتاتيجية تنظيم العمل وتقاسم املسؤوليات‬
‫الميكن احلديث عن تدبري إداري أو تربوي جيد وناج وفعال وهادف إال إذا احتكم إىل سياسة‬
‫إدارية خاضعة للعقلنة واملشروعية والعمل املنتج‪ ،‬بتنظيم العمل‪ ،‬وتقسيم املسؤوليات‪ ،‬وإشراك الفاعلني‪،‬‬
‫وتوجيه سياسة التدبري حنو حتقيق األهداف اإلجيابية‪ ،‬والسعي من أجل حتقيق اإلنتاجية الكمية‬
‫والنوعية‪ ،‬م احرتام معايري اجلودة والتميز والتنافسية‪.‬ويعود هذا كله إىل قيادة دميقراطية جادة ومدبرة‬
‫حكيمة‪ ،‬حتسن التخطيط واالستشراف‪ ،‬وتؤمن بالتوجيه وتنظيم العمل‪ ،‬وتكثر من املواكبة والتتب‬
‫واحملاسبة والتقومي‪ ،‬وتستشرف املستقبل األفضل‪.‬‬

‫والميكن احلديث عن تنظيم للعمل وتقسيمه إال يف إطار بريوقراطية علمية‪ ،‬وعقالنية مشروعة‪ ،‬وتوزي‬
‫للمهام وفق الكفا ة واالستحقاق‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا يف تصور ماكس فيرب (‪)Max Weber‬‬
‫الذي يعد من مؤسسي علم اإلدارة احلديثة‪ .‬وقد حتدث كثريا عن جمموعة من املفاهيم اإلدارية‬
‫والتنظيمية‪ ،‬مثل‪ :‬السلطة‪ ،‬والشرعية‪ ،‬والبريوقراطية‪ ،‬واهلرمية اإلدارية‪ ،‬ومبدإ الكفا ة‪...‬ومن مث‪ ،‬فقد‬
‫أدىل بتصورات مهمة حول التنظيم واملنظمات‪ .‬وبذلك‪ " ،‬قدم فيرب أول تفسري منهجي لنشأة‬
‫املنظمات احلديثة‪ .‬فهو يعتربها سبيال لتنسيق أنشطة البشر وما ينتجونه من سل بأسلوب مستقر‬
‫ومستمر عرب الزمان واملكان‪.‬وأكد فيرب أن منو املنظمات يعتمد على السيطرة على املعلومات‪ ،‬وشدد‬
‫على األمهية املركزية للكتابة يف هذه العملية‪ :‬فاملنظمة‪ ،‬يف رأيه‪ ،‬حتتاج إىل تدوين القواعد والقوانني اليت‬
‫تستهدي هبا ألدا عملها‪ ،‬مثلما حتتاج إىل ملفات ختتزل فيها ذاكرهتا‪.‬ورأى فيرب أن املنظمات تتميز‬
‫‪243‬‬
‫بطبيعتها بنظام تراتيب ومراتيب يف الوقت نفسه م تركز السلطة يف مستوياته العليا‪".‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬البد من التوقف عند مفهوم إداري مهم‪ ،‬بالشرح والتوضيح والتحليل‪ ،‬وهو مفهوم‬
‫البريوقراطية اإلدارية‪ .‬وتعين هذه الكلمة املكتب أو املوظفني اجلالسني إىل مكاتبهم لتأدية خدمات‬

‫‪ - 243‬أنتوين غدنز‪ :‬علم االجتماع ‪ ،‬ترمجة فايز الصياغ‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الرابعة‪5002 ،‬م‪ ،‬ص‪.402:‬‬
‫‪329‬‬
‫عامة‪ .‬ولقد ظهرت البريوقراطية‪ ،‬يف القرن الساب عشر‪ ،‬لتدل على املكاتب احلكومية‪ .‬وقد استعمل‬
‫املصطلح من قبل الكاتب الفرنسي ديغورنيه سنة ‪3742‬م الذي مج بني مقطعني مها‪ :‬بريو الذي‬
‫يعين املكتب‪ ،‬وكراتيا الذي يعين احلكم‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬أطلقت البريوقراطية على كل مرافق الدولة من‬
‫مدارس‪ ،‬ومستشفيات‪ ،‬وجامعات‪ ،‬ومؤسسات رمسية‪...‬كما تدل كلمة البريوقراطية على القوة والسلطة‬
‫والنفوذ والسيادة‪ .‬وقد ظهرت البريوقراطية لتنظيم العمل وتسهيله والتحكم فيه برجمة وختطيطا وتدبريا‬
‫وتوجيها وق يادة وإشرافا وتقوميا‪ .‬والبريوقراطية نتاج للرأمسالية والعقالنية واحلداثة الغربية‪ ،‬ونتاج لتقسيم‬
‫العمل وتنظيمه إداريا‪.‬‬

‫وميكن احلديث عن مواقف ثالثة إزا البريوقراطية‪:‬‬

‫‪ ‬موقف سليب ‪ :‬مفاده أن البريوقراطية تنظيم إداري روتيريين ومعقريد وبطريي يف أدا اخلريدمات العامرية؛‬
‫مم ا دف بلزاك إىل القول بأن البريوقراطية هي" السلطة الكربى اليت ميارسها األقزام"‪244‬؛‬

‫‪ ‬موقف إجيايب‪ :‬ينظر إىل البريوقراطية نظرة متميزة‪ ،‬علريى أسرياس أهنريا طريقرية يف تنظرييم العمريل وتريدبريه‬
‫وفق خطة عقالنية هادفة‪ .‬ومن مث‪ ،‬فهي منوذج للحرص والدقة والكفا ة والفعالية اإلدارية‪ ،‬مريادام هنرياك‬
‫احتكام إىل التعليمات واألوامر واإلجرا ات التنظيمية الصارمة‪245‬؛‬

‫‪ ‬موقــف وســط واعتــدال‪ :‬وميثلريريه مريرياكس فيريريرب؛ إذ ذكريرير للبريوقراطيريرية إجيابياهتريريا وسريريلبياهتا يف الوقريريت‬
‫نفسريريه‪ .‬ويتخريريوف أن حتيريريد البريوقراطيريرية عريرين أهريريدافها احلقيقيريرية‪ ،‬فتصريريبح أسريريلوبا ملمارسريرية القريريوة والتسريريلط‬
‫والرقابة‪.‬‬

‫‪- 244‬أنتوين غيدنز‪ :‬علم االجتماع‪ ،‬ص‪.401:‬‬


‫‪ - 245‬أنتوين غيدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.401:‬‬
‫‪330‬‬
‫و اليريريوم‪ ،‬ينظريرير كثريريري مريرين النريرياس إىل البريوقراطيريرية نظريريرة سريريلبية؛ ألهنريريا حتيريريل علريريى الريريبط والريريروتني والفسريرياد‬
‫اإلداري‪ ،‬وتعقيد اإلجرا ات الشكلية واملساطر اإلدارية‪ .‬يف حني‪ ،‬يعتربها مرياكس فيريرب أسرياس العقالنيرية‬
‫والتقدم واالزدهار الرأمسايل احلريديث‪ .‬ويعريين هريذا أن مرياكس فيريرب يريداف عرين البريوقراطيرية الرييت تقريوم علريى‬
‫الشرعية‪ ،‬والعقالنية‪ ،‬واحلداثة‪ ،‬والكفا ة املهنية واحلرفية والعلمية‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فقد وض فيرب منوذجا " حيدد مفهومريا مثاليريا للبريقراطيرية يتفريق مري التوجهريات الرييت كانريت سريائدة‬
‫يف عصره‪ ،‬وقد أصبح هذا النظام من أكثرير األنظمرية اإلداريرية الشريائعة بعريد الثريورة الصريناعية‪ ،‬فكريان البريد‬
‫من وجود نظام إداري يستطي التعامل م التوس اهلائل يف اإلنتاج الصناعي‪ ،‬وما جنم عنه من تضخيم‬
‫يف املؤسسات االقتصادية والصناعية واالجتماعية‪ ،‬ومارافق ذلك من تعقيد يف احلياة البشرية‪ ،‬وتبني أنريه‬
‫من الصعوبة مبكان أن يستطي شخص واحد القيام بأعمال متعددة ومعقدة يف آن واحريد‪ ،‬وهريذا كريان‬
‫من املربرات اليت دفعت فيريرب إىل البحريث عرين تنظرييم إداري قريادر علريى ضريبط ومراقبرية املهمريات الصريناعية‬
‫املختلفريرية‪ ،‬فقريريام بتحديريريد املهريريام واألدوار والصريريالحيات لكريريل شريريخص ضريريمن نظريريام هرمريريي‪ ،‬حبيريريث يكريريون‬
‫الفرد ضمن هذا التنظيم تابعا لرئيس واحد‪ ،‬ويتبعه يف الوقت نفسه جمموعة من املرؤوسريني‪ ،‬وحريدد فيريرب‬
‫مهريام وصريالحيات وأدوار املرؤوسريني بدقرية ضريمن لريوائح وإجريرا ات وقواعريد مكتوبرية‪ ،‬وبريذلك تريريتحكم يف‬
‫‪246‬‬
‫سلوك اجلماعة البريوقراطية جمموعة ضوابط مقننة جامدة‪".‬‬

‫ومرين مث‪ ،‬تقريوم البريوقراطيريرية علريى العالقريات السريريلطوية‪ ،‬واحريرتام جمموعرية مريرين اإلجريرا ات والقواعريد الرمسيريرية‬
‫والتنظيمية اليت تتحكم يف العمل‪ ،‬ومراعاة السلم اإلداري‪ ،‬واألخذ بالرتاتبية اإلدارية اهلرمية (اهلريارشريية)‬
‫من الرئيس إىل املرؤوس‪ ،‬أو من القمة إىل القاعدة (البنيرية الطويلرية أو السريطحية)‪ ،‬أو مرين املركريز إىل غريري‬
‫املركريز‪ ،‬واالحتكريام إىل اخلريربة والكفريا ة واالسريتحقاق‪ ،‬دون اللجريو إىل العالقريات اإلنسريانية والشخصريية‪.‬‬
‫أضريريف إىل ذلريريك األخريريذ باملسريريتويات اإلداريريرية (العليريريا‪ ،‬والوسريريطى‪ ،‬والريريدنيا)‪ ،‬واح ريرتام التسلسريريل اإلداري‪،‬‬

‫‪ - 246‬إبراهيم بن عبد العزيز الدعيلج‪ :‬اإلدارة حقائق تتجدد ‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5034‬م‪ ،‬ص‪.24:‬‬
‫‪331‬‬
‫وهريذا كلريه مرين أجريل خدمرية املصريلحة العامرية‪ ،‬وجتويريد املنريتج‪ ،‬وحتسريني األدا وتنظيمريه كمريا وكيفريا‪ .‬ويعريريين‬
‫هريريذا أن البريوقراطيريرية وجريريدت مريرين أجريريل" تسريري العمريريل‪ ،‬وتقليريريل األخطريريا ‪ ،‬والدقريرية يف اإلجنريرياز‪ ،‬واحملافظريرية‬
‫على حقوق املوظف والصاحل العام‪ ،‬وليست بالعكس‪ ،‬كما أصبح حيدث يف أكثر األحيريان علريى أرض‬
‫الواق ‪ ،‬حبيث إننا نالحظ إفرازات سلبية‪ ،‬إسا ات للبريوقراطية‪ ،‬واألهم من ذلك أهنا أثرت يف الناس يف‬
‫ض ريريو التعقي ريريد ال ريريذي يلقون ريريه‪ .‬وإن رب ريريط التعقي ريريد بالقط ريرياع احلك ريريومي بش ريريكل أك ريريرب م ريرين القط ريرياع اخل ريرياص‬
‫صحيح‪ ،‬هذا واق أل ن القطاع اخلاص حيرص فيه صاحب املؤسسة اخلاصة على عمله‪ ،‬ألنه حيقق هدفا‬
‫رحبيا وأحيانا سريعا‪ ،‬وهو حارس دائريم وقريائم علريى عملريه وموظفيريه برياحلوافز وباحلسريم إذا احترياج لريذلك‪،‬‬
‫الشريي ‪ ،‬والرقابرية كريذلك ختتلريف‬ ‫ولكن احلارس اإلداري يف القطاع احلكومي لديه أولويات ختتلف بع‬
‫بسبب اتس اع القطاع احلكومي وحجمه ومقياس اإلنتاج وربطه باحلوافز‪ ،‬وكما أن التقومي بشكل خمطط‬
‫‪247‬‬
‫وواضح شبه غائب يف قطاعنا احلكومي‪".‬‬

‫وعليريريه‪ ،‬يعريريد مريرياكس فيريريرب رائريريد األسريريلوب البريوقراطريريي احلريريديث‪ ،‬حيريريث ربطريريه بالسريريلطة العقالنيريرية الشريريرعية‬
‫املنظمة من جهة‪ ،‬واهلريارشية اهلرمية من القمة إىل القاعدة من جهة أخرى؛ ملا هلا مرين فوائريد عمليرية يف‬
‫رف ري اإلنت ريرياج واملردودي ريرية الكمي ريرية والكيفي ريرية‪ ،‬وحتقي ريريق الفاعليريرية‪ ،‬واح ريرتام الل ريوائح القانوني ريرية والتنظيمي ريرية غ ريريري‬
‫اخلاضريريعة مل ريزاج ال ريرئيس أو املريريدبر اإلداري‪ .‬عريريالوة علريريى وحريريدة األمريرير‪ ،‬ونطريرياق اإلش ريراف‪ ،‬ومبريريدأ التريريدرج‬
‫اهلرمي‪...‬‬

‫واليعين هذا أن البريوقراطية مفهوم حديث العهد‪ ،‬بل عرفته الشعوب القدمية كذلك‪ .‬ويف هذا الصدد‪،‬‬
‫أنواع التنظيم البريوقراطي قد نشأت‬ ‫يقول أنتوين جيدنز(‪":)A.Giddens‬يعتقد فيرب أن بع‬
‫وتطورت يف احلضارات التقليدية القدمية‪ .‬فاملسؤول البريوقراطي يف الصني القدمية هو الذي كان يتوىل‬
‫مسؤولية إدارة شؤون احلكومة‪ ،‬غري أن البريوقراطية مل تتطور وتكتمل إال يف العصور احلديثة باعتبارها‬

‫‪ - 247‬إبراهيم بن عبد العزيز الدعيلج‪ :‬اإلدارة حقائق تتجدد‪،‬ص‪.22:‬‬


‫‪332‬‬
‫تشكل احملور الرئيسي لرتشيد وعقلنة اجملتم ‪.‬وقد ترك هذا الرتشيد وتلك العقلنة آثارمها يف مجي جوانب‬
‫احلياة مبا فيها العلوم والرتبية واحلكم‪.‬وبدال من أن يعتمد الناس على املعتقدات والعادات التقليدية اليت‬
‫درجوا عليها‪ ،‬فقد بدأ الناس يف العصور احلديثة يتخذون قرارات عقالنية تستهدف حتقيق أهداف‬
‫وأغراض واضحة‪ ،‬وراحوا خيتارون السبل األكثر كفا ة للوصول إىل نتائج حمددة ألنشطتهم‪.‬‬

‫مل يكن مثة مناص‪ ،‬يف نظر فيرب‪ ،‬من انتشار البريوقراطية يف اجملتمعات احلديثة‪ ،‬فالسلطة البريوقراطية هي‬
‫األسلوب الوحيد للتعامل م املتطلبات اإلدارية واألنساق االجتماعية‪.‬وم تزايد التعقد يف املهمات‬
‫والواجبات غدا من الضروري تطوير أنظمة الضبط والسيطرة واإلدارة ملعاجلتها‪.‬من هنا‪ ،‬فقد نشأت‬
‫البريوقراطية باعتبارها االستجابة األرشد واألكفأ لتلبية هذه االحتياجات‪.‬غري أن فيرب نبه إىل كثري من‬
‫جوانب القصور واإلعاقة اليت حيملها التنظيم البريوقراطي‪".248‬‬

‫ولتحديد البريوقراطية بشكل دقيق‪ ،‬التجأ ماكس فيرب إىل رسم منوذج مثايل جمرد‪ ،‬حيدد مواصفات‬
‫البريوقراطية األساسية واجلوهرية‪ ،‬ويستجلي مساهتا ومكوناهتا الشكلية يف النقط التالية‪:‬‬

‫‪ ‬توزيع السلطة يف شكل تراتبية هرمية‪ ،‬ومراتب واضحة ‪ .‬ويعين هذا أن اإلدارة عبارة عن شجرة‬
‫مبجموعة من الفروع واملكاتب والرتب‪ .‬ومن مث‪ ،‬فهناك سلطة عليا تقوم مبهمة إصدار القرارات واألوامر‬
‫من القمة العليا إىل القاعدة الدنيا‪ .‬وتكون تلك األوامر عبارة عن مهام وأدا ات ينبغي تنفيذها من قبل‬
‫الذين يوجدون يف الرتب الدنيا أو املكاتب الفرعية‪ .‬وبتعبري آخر‪ ،‬هناك سلطة مركزية تصدر األحكام‬
‫والقرارات واألوامر والنواهي‪ ،‬وتوزع األعمال واملهام على املرؤوسني لتنفيذها بشكل تراتيب وهرمي‪.‬‬

‫‪ ‬خضوع اإلدارة البريوقراطية للقوانني املكتوبة والتعليمات على مجيع املستويات واألصعدة‪.‬‬
‫مبعىن أن اإلدارة تلتزم وتتقيد مبجموعة من التشريعات والقوانني الداخلية أو اخلارجية على مستوى‬

‫‪ - 248‬أنطوين غيدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.430-401:‬‬


‫‪333‬‬
‫التدبري والتسيري والقيادة واإلشراف؛ مما جيعل هذه اإلدارة تشتغل برتابة وروتني وبط ‪ .‬ويستلزم هذا‬
‫نوعا من املرونة يف التسيري والقيادة وإصدار القرارات املناسبة‪.‬‬

‫‪ ‬يعمل املوظفون يف إطار البريوقراطية بدوام كامل‪ ،‬مع تقاض أجر وتعويضات عن العمل‪.‬‬
‫ويعين هذا أن املوظف مرتبط بأوقات عمل حمددة قانويا‪.‬مث‪،‬حيصل على أجر مقابل ذلك العمل‪.‬‬
‫ويتحدد األجر أو التعويضات حسب األقدمية أو الكفا ة أواالستحقاق‪.‬‬

‫‪ ‬الفصل التام بني عمل املسؤول وحياته خارجيا‪ .‬ويعين هذا أن املسؤول البريوقراطي يفصل بني‬
‫العمل وحياته الشخصية‪ ،‬فال ينبغي أن خيلط بينهما‪.‬‬

‫‪ ‬إن املوظفني يف التنظيمات البريوقراطية الميلكون املوارد املادية واملالية املتاحة‪ ،‬بل جيدوهنا‬
‫عند الدولة أو عند مالكي وسائل اإلنتاج‪ .‬ويعين هذا أن" منو البريقراطية‪ ،‬على ما يرى فيرب‪ ،‬تفصل‬
‫بني العاملني من جهة والسيطرة على وسائل اإلنتاج‪ .‬ففي اجملتمعات التقليدية‪ ،‬يسيطر املزارعون‬
‫والصناع‪ ،‬يف العادة‪ ،‬على عمليات اإلنتاج‪ ،‬وميتلكون األدوات اليت يستخدموهنا‪.‬أما يف التنظيمات‬
‫البريوقراطية‪ ،‬فإن املواطنني الميتلكون املكاتب اليت يعملون فيها والمايستخدمونه من معدات‬
‫‪249‬‬
‫وجتهيزات‪".‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فالبريوقراطية أساس احلداثة املتقدمة‪ ،‬وأساس الدولة املنظمة الراشدة اليت تؤمن بالعقالنية‪.‬‬
‫وقد " كان فيرب يعتقد أن اقرتاب املنظمة من النموذج املثال للبريوقراطية جيعلها أكثر كفا ة يف مساعيها‬
‫للوصول إىل األهداف اليت قامت من أجلها أساسا‪.‬كما أنه كان يرى أن البريوقراطية تتفوق من الوجهة‬
‫الفنية والتقنية على أشكال التنظيم األخرى كافة‪ .‬وكثريا ما أشار إىل البريوقراطية بوصفها باملاكنة‬

‫‪ - 249‬أنتوين غيدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.433-430:‬‬


‫‪334‬‬
‫املتقدمة؛ فالبريوقراطية هي اليت ترتقي باملهارات إىل حدودها القصوى‪ ،‬وتشدد على الدقة والسرعة يف‬
‫‪250‬‬
‫إجناز املهمات احملددة‪".‬‬

‫بيد أن النظرية البريوقراطية قد حتد من الطاقات اإلبداعية املوجودة لدى املوظفني‪ ،‬وجتعلهم مثل‬
‫روبوتات آلية‪ ،‬تتحكم فيهم عالقات ميكانيكية من األعلى حنو األسفل‪ .‬كما أن العالقات اليت جتم‬
‫بني أعضا التنظيم هي عالقات رمسية وإدارية أكثر مما هي عالقات إنسانية‪ .‬ويعين هذا أن أسلوب‬
‫البريوقراطية اليراعي اجلوانب النفسية واإلنسانية لدى املوظف‪ .‬كما تغيب روح املبادرة يف هذا التصور‬
‫اإلداري‪ .‬فمن األفضل تطبيق املقاربة التشاركية‪ ،‬وحتفيز املوظف ماديا ومعنويا‪ ،‬مث ترقيته على أساس‬
‫املبادرة والقدرات الكفائية‪ ،‬ومراعاة العالقات اإلنسانية اليت تتحكم يف العمل اإلداري‪ .‬وميكن‪ ،‬أن‬
‫ينتج عن تعدد املكاتب واللجان اإلدارية تعقيد يف املساطر اإلدارية‪ ،‬وتباطؤ يف تنفيذها‪ .‬يف حني‪،‬‬
‫تطالب اإلدارة باملرونة واليسر ملنافسة اإلدارات األخرى‪ ،‬والسيما اإلدارة ذات التوجه اخلصوصي‪ .‬ويف‬
‫هذا الصدد‪ ،‬يقول أنتوين غيدنز‪ ":‬إن فيرب‪ ،‬يف حتليله للبريوقراطية‪ ،‬قد أوىل اهتمامه الرئيسي للعالقات‬
‫الرمسية اليت حتددها القواعد واألنظمة الداخلية يف املؤسسة‪ ،‬غري أنه مل يتحدث عن الروابط الشخصية‬
‫والعالقات اليت تدور يف نطاق ضيق بني اجلماعات يف مجي املنظمات‪.‬وتبني لنا من دراسات موسعة‬
‫األساليب غري الرمسية ألنشطة املنظمات تتيح جماال واسعا للمرونة‪ ،‬وتفسح الفرصة لتحقيق غايات‬
‫املؤسسة بطرائق أخرى‪ .‬ويف مقدمة الدراسات املرجعية اليت تناولت العالقات غري الرمسية تلك اليت‬
‫أجراها بيرت بلو (‪ )Blau1963‬يف إحدى الدوائر احلكومية املختصة بتقصي املخالفات واالنتهاكات‬
‫لقوانني ضريبة الدخل‪ .‬ففي هذه الدائرة‪ ،‬كان على املوظفني والعاملني أن يناقشوا مثل هذه املخالفات‬
‫أو األمر م رؤسائهم واملشرفني عليهم ويتجنبوا استشارة زمالئهم الذين مياثلوهنم يف املرتبة الوظيفية‪.‬‬
‫غري أن هؤال كانوا يتحاشون الرجوع إىل رؤسائهم يف مثل هذه القضايا خشية أن يفسر ذلك باعتباره‬

‫‪ - 250‬أنتوين غيدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.433:‬‬


‫‪335‬‬
‫دليال على عدم كفا هتم‪ ،‬ويقلل بالتايل من فرص ترقيتهم إىل مرتبة أعلى‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فقد درجوا على‬
‫وخمالفة التعليمات الرمسية هبذا الصدد‪ .‬ومل يقتصر تصرفهم هذا على‬ ‫التشاور بني بعضهم البع‬
‫متكينهم من تقدمي حلول عملية ملموسة ومباشرة لتلك القضايا‪ ،‬بل إنه خفف من املخاوف اليت‬
‫كانت تنتاهبم من جرا العمل بصورة منفردة ومبعزل عن اآلخرين‪.‬وكان من نتائج ذلك أن نشأت‬
‫وتعززت فيما بينهم منظومة متماسكة من الوال ات على املستوى األويل للجماعات البشرية العاملة يف‬
‫املرتبة الوظيفية نفسها‪ ،‬ورمبا كانت األساليب اليت انتهجها هؤال يف معاجلة القضايا واملشكالت اليت‬
‫واجهوها أكثر كفا ة وأسرع إجنازا‪.‬فقد استطاعت اجملموعة أن تنمي بني أعضائها سلسلة من‬
‫اإلجرا ات غري الرمسية تتفوق على القواعد الرمسية للمنظمة يف إذكا روح املبادرة واإلحساس باملسؤولية‬
‫‪251‬‬
‫بني العاملني‪".‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يرى روبرت مريتون(‪ )Robert Merton‬أن البريوقراطية أسلوب إداري رتيب‬
‫ومعيق للتطور واملنافسة والتقدم يف العمل‪ ،‬على أساس أن هذا األسلوب يلحق الضرر باملؤسسة عاجال‬
‫أو آجال‪ .‬ويف هذا‪ ،‬يقول أنتويت غيدنز‪ ":‬ووض عامل االجتماع األمريكي روبرت مريتون ( ‪Robert‬‬
‫‪ 252)Merton1957‬دراسة موسعة عن النموذج املثال الذي طرحه فيرب عن املنظمة البريوقراطية‪.‬‬
‫وبني هذا الباحث‪ ،‬وهو من كبار الباحثني يف املدرسة الوظيفية‪ ،‬أن البريوقراطية تنطوي على كثري من‬
‫جوانب القصور والعناصر اليت قد تفضي إىل إحلاق الضرر حىت يف نشاط املؤسسة نفسها‪.‬ومن مآخذ‬
‫مريتون على البريوقراطية أن موظفيها البريوقراطيني ي دربون على االلتزام املتشدد بالقواعد واإلجرا ات‬
‫املكتوبة اليت الترتك هلم جماال للمرونة يف إصدار األحكام واختاذ القرارات‪ ،‬أو السعي إىل حلول‬
‫وإجابات مبتكرة ملعاجلة القضايا واملشكالت‪ .‬وقد يؤدي ذلك إىل تصلب ما يسمى الطقوس‬

‫‪ - 251‬أنتوين غيدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.435-433:‬‬


‫‪252‬‬
‫‪- Robert Merton:The Sociology of Science ,Glencoe:free Press,1957.‬‬
‫‪336‬‬
‫البريوقراطية اليت تعلو فيها القواعد والقوانني على كل ماعداها من األمور واحللول احملتملة‪ .‬كما أن‬
‫االلتزام املتزمت هبذه القواعد رمبا خيفي أو يبدد األهداف الفعلية للمنظمة ويصبح غاية حبد ذاته‪،‬‬
‫وحيجب عن البصر الصورة الكلية ألنشطة املؤسسة‪ .‬وتوق روبرت مريتون نشو حالة من التوتر‬
‫بني املؤسسات البريوقراطية‪ ،‬والسيما احلكومية والعامة منها من جهة‪ ،‬ومجاهريها العريضة من‬ ‫والتناق‬
‫جهة أخرى‪ ،‬ألن انشغال املسؤوليسن البريوقراطيني بأدا مهماهتم وفق الروتني اليومي الذي درجوا عليه‬
‫‪253‬‬
‫قد خيلق فجوة بينهم وبني مصاحل الناس واهتماماهتم واحتياجاهتم الفعلية‪".‬‬

‫ويرى مشيل فوكو (‪ )Michel Foucault‬أن البريوقراطية تعين السيطرة على الزمان واملكان‪.‬‬
‫وبالتايل‪ ،‬فهي أداة ملراقبة األجساد والتنصت عليها مبختلف الوسائل واألجهزة‪ .‬واليتعلق هذا بالدول‬
‫املستبدة فحسب‪ ،‬بل يتعدى ذلك إىل الدول الدميقراطية ككندا مثال‪ .‬ويرى فوكو اإلدارة رمزا للقوة‬
‫والسلطة والرتاتبية االجتماعية‪ ".‬فاملكاتب والرتب اليت وصفها فيرب بصورة جمردة تتخذ هنا أشكاال‬
‫معمارية‪ ،‬بل إن املباين اليت تضم الشركات الكربى تنظم بصورة عامة تنظيما عموديا تكون فيه الطوابق‬
‫العلوية خمصصة لذوي السلطة والقوة األعلى يف املنظمة‪ .‬وكلما اقرتب مكتب املوظف من قمة املبىن‪،‬‬
‫ازدادت دالئل اقرتابه من عملها‪ ،‬والسيما يف احلاالت اليت يعتمد فيها النسق التنظيمي على العالقات‬
‫غري الرمسية‪ .‬إن القرب الفيزيقي ييسر التفاعل والتواصل ين اجلماعات األولية‪ .‬بينما يؤدي البعد املادي‬
‫إىل استقطاب اجملموعات‪ ،‬ووض خطوط فاصلة بني " هم" و" حنن"‪ ،‬كما يؤدي إىل التباعد بني دوائر‬
‫املؤسسة وأقسامها‪ .‬التستطي املنظمات أن تعمل بكفا ة إذا كانت أنشطة العاملني فيها متداخلة على‬
‫حنو عشوائي‪ .‬ففي الشركات التجارية‪ ،‬كما أوضح فيرب‪ ،‬تتوق من الناس أن يعملوا ساعات منتظمة‪،‬‬
‫كما ينبغي التنسيق بني األشطة‪ ،‬من الوجهتني الزمانية واملكانية‪ ،‬وذلك ما يتحقق إىل حد بعيد عن‬
‫طريق التقسيم املادي ألماكن العمل من جهة‪ ،‬وتنظيم اجلداول الزمنية ألدا املهمات‪ .‬ومن شأن‬

‫‪ - 253‬أنتوين غيدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.434-431:‬‬


‫‪337‬‬
‫ذلك‪ ،‬كما يرى فوكو‪ ،‬توزي األجسام؛ أي الناس بطريقة جتتم فيها الكفا ة والفعالية‪ ،‬وبغري هذه‬
‫الرتتيبات تدخل األنشطة اإلنسانية حالة من الفوضى املطبقة‪ .‬إن ترتيبات الغرف والقاعات‬
‫والفضا ات املفتوحة يف املبىن الذي تشغله املنظمة تعطينا مؤشرات أساسية عن األسلوب الذي يعمل‬
‫به نظام السلطة والقوة‪" 254.‬‬

‫وإذا كان األسلوب البريوقراطي يتسم باالستخدام السيئ ملعيار التخصص؛ واالستخدام السيئ‬
‫لإلجرا ات الروتينية؛ واالستخدام اخلاطئ للتسلسل الرئاسي؛ واالستخدام احلريف لألنظمة‪ ،‬وااللتزام‬
‫اجلامد باللوائح والتعليمات‪ ،‬فإن البريوقراطية الفيبريية تتميز مبجموعة من املواصفات واملقومات‬
‫األساسية‪ ،‬مثل‪ :‬العقالنية‪ ،‬والعمل اهلادف‪ ،‬والتخصص‪ ،‬والرتاتبية‪ ،‬والتسلسل اإلداري‪ ،‬واملراقبة‪،‬‬
‫والكفا ة‪ ،‬والتحفيز‪ ،‬وتنظيم العمل‪ ،‬واتباع الرمسيات‪ ،‬والريتأثري القانوين‪ ،‬ووحدة السلطة والقرار (وحدة‬
‫‪255‬‬
‫األمر)‪ ،‬والسلطة املركزية‪ ،‬ونطاق اإلشراف‪ ،‬ومبدأ التدرج اهلرمي‪..‬‬

‫وعليه‪ ،‬يعد ماكس فيرب من أهم ممثلي املدرسة الكالسيكية يف جمال التدبري‪ ،‬وخاصة ذلك االجتاه الذي‬
‫ركز على السلطة يف جمال اإلدارة واالقتصاد‪ ،‬وتبيان أشكال تنظيمها‪ ،‬إىل جانب ميشيل‬
‫كروزيي)‪ . (Michel Crozier‬بيد أن ماكس فيرب متيز بتقسيم السلطة إىل أنواع ثالثة‪ :‬السلطة‬
‫الكاريزمية اليت تعود إىل شخصية املسؤول اآلسرة اليت جتعل اآلخرين يلتزمون بأوامرها اقتناعا وإعجابا؛‬
‫والسلطة التقليدية القائمة على األعراف والتقاليد والوراثة؛ والسلطة الوظيفية الرمسية (البريوقراطية)‪.‬‬

‫وخالصة القول‪ ،‬تتصف مدرسة التميز باجلودة والفعالية والنجاعة‪ ،‬والقدرة على التنافسية‪ ،‬والعمل‬
‫على تكوين متعلمني متفوقني ومتميزين ومبدعني وقادرين على اإلنتاج واالبتكار‪ .‬وتتسم هذه املدرسة‬
‫أيضا باجلودة كما وكيفا‪ ،‬واخلضوع ملستلزمات احلكامة اجليدة على مستوى التخطيط والتدبري والتقومي‬

‫‪ - 254‬أنتوين غيدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.432:‬‬


‫‪ - 255‬إبراهيم بن عبد العزيز الدعيلج‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.13-22:‬‬
‫‪338‬‬
‫وتسيري املؤسسة‪ .‬ويعين هذا كله أن مدرسة التميز هي اليت تربط املسؤولية باحملاسبة واملواكبة‬
‫واالفتحاص والتقييم‪ .‬وتسعى جادة خلدمة الوطن واألمة‪ ،‬بإرسا ثقافة حقوق اإلنسان‪ ،‬واالحتكام إىل‬
‫الضمري األخالقي‪ ،‬واألخذ بسياسة التشارك والشفافية والدميقراطية يف إسناد األدوار وتوزي املهام‬
‫واملسؤوليات‪.‬‬

‫‪339‬‬
‫اخلاتـ ـمـ ـة‬
‫يتبني لنا‪ ،‬مما سبق ذكره‪ ،‬أن التدبري البيداغوجي هو ذلك اإلجرا التنفيذي والتطبيقي الذي يرتجم‬
‫جململ‬ ‫املخطط االستشرايف النظري إىل ممارسة عملية ميدانية‪ ،‬ويعىن بذلك التنزيل الواقعي احمل‬
‫األهداف اليت انبىن عليها التخطيط يف خمتلف جتلياته‪.‬ومن هنا‪ ،‬يصعب احلديث عن مدرسة النجاح‬
‫واجلودة والتميز‪ ،‬إذا كانت هذه املؤسسة الرتبوية ال حتتكم إىل آليات التخطيط والتدبري والتقومي على‬
‫حد سوا ‪.‬‬

‫وبالتايل‪ ،‬الميكن ملدبر اإلدارة الرتبوية‪ ،‬أو ملدبر الفصل الدراسي‪ ،‬أن يتجاهل‪ ،‬أو يهمل‪ ،‬أو يتعامى‪ ،‬أو‬
‫الطرف عن خمتلف مستلزمات التدبري البيداغوجي ومقتضياته اإلجرائية‪ ،‬أو يتغافل عن شروطه‬ ‫يغ‬
‫وأهدافه وآلياته النظرية واإلجرائية؛ ألن ذلك يدخل يف مهامه وأدواره ومسؤوليته‪ ،‬أو يندرج ذلك يف‬
‫صميم العملية اإلدارية نفسها‪ ،‬أو ضمن العملية الديدكتيكية ذاهتا‪ ،‬مادام املدير أو املدبر اإلداري‬
‫مسؤوال عن مدبر الفصل تقييما وتتبعا وحماسبة ومواكبة ومصاحبة وإشرافا وتوجيها‪.‬‬

‫ومن مث‪ ،‬يسهم التدبري البيداغوجي اجليد يف حتقيق مدرسة النجاح واجلودة والتميز يف حالة األخذ‬
‫بآليات التخطيط اجليد‪ ،‬وااللتزام بالتدبري الرائد الناج ‪ ،‬ومتثل أساليب التقومي املعاصرة والرصينة‬
‫واملوضوعية املرتبطة بالدعم واملعاجلة واإلدماج‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يستند التدبري البيداغوجي إىل جمموعة من نظريات التعلم‪ ،‬كالنظرية السلوكية القائمة‬
‫على اإلشراط والتكرار واحملاولة واخلطإ‪.‬عالوة على النظرية اجلشطلتية اليت تؤمن باالستبصار الكفائي‪،‬‬
‫والتعلم اجملايل‪ ،‬وإدراك النسق الكلي‪.‬يف حني ‪ ،‬اهتمت اإلبستمولوجيا التكوينية بإقامة توازن أو متاثل‬
‫بني الذات واحمليط‪.‬بينما أثبتت البنائية االجتماعية أن التعلم يتحقق عرب اجملتمعي والثقايف‪.‬أما نظرية‬
‫الذكا ات املتعددة‪ ،‬فتؤمن بربط التعلم بنوع الذكا وطبيعته وأدواره‪.‬‬

‫‪340‬‬
‫وفيما خيص البيداغوجيات املعاصرة‪ ،‬فقد ركزنا على التدريس اهلادف‪ ،‬والتدريس الكفائي‪ ،‬والتدريس‬
‫بامللكات‪،‬والتدريس اإلبداعي‪...‬‬

‫وبعد ذلك‪ ،‬انتقلنا إىل تبيان كفايات املدرس الناجح‪ ،‬فقد حصرناها يف ثالث كفايات أساسية هي‪:‬‬
‫كفاية التخطيط‪ ،‬وكفاية التدبري‪ ،‬وكفاية التقومي‪ .‬مث‪ ،‬خصصنا فصال كامال لدراسة احلكامة اجليدة يف‬
‫النسق الرتبوي تدبريا وإشرافا وتقييما‪ ،‬م تبيان خصائص مدرسة التميز‪ ،‬وتوضيح الكيفية اليت يتم هبا‬
‫تقاسم املهام واألدوار واملسؤوليات وفق منطق هذه احلكامة‪.‬‬

‫‪341‬‬
‫ثبت املصادر واملراجع‬
‫القرآن الكرمي‪ ،‬برواية ورش لناف ‪.‬‬

‫املص ــادر‪:‬‬
‫‪-3‬أمحد بابا التنبكيت‪ :‬نيل االبتهاج بتطريز الديباج‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬بدون تاريخ‬
‫للطبعة‪.‬‬

‫‪ -5‬ابن أيب زرع‪ :‬األنيس املطرب بروض القرطاس من أخبار ملوك املغرب وتاريخ مدينة فاس‪،‬‬
‫نشر عبد الوهاب بن منصور‪ ،‬دار املنصور للطباعة والوراقة‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬سنة ‪ 3171‬م‪.‬‬

‫‪ -1‬ابن خلدون‪ :‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬دار الرشاد احلديثة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪ -4‬ابن كثري‪ :‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬اجلز الثاين‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬طبعة ‪3111‬م‪.‬‬

‫‪ -2‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬دار صبح بريوت‪ ،‬لبنان‪ /‬وأديسوفت‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ /‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪5002‬م‪.‬‬

‫‪ -2‬إخوان الصفا‪ :‬رسائل إخوان الصفا‪ ،‬دار بريوت‪،‬لبنان‪3121 ،‬م‪.‬‬

‫الشريف اجلرجاين‪ :‬كتاب التعريفات‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪ ،‬تونس‪3173،‬م‪.‬‬


‫املراجع باللغة العربية‪:‬‬

‫‪ -2‬إبراهيم بن عبد العزيز الدعيلج‪ :‬اإلدارة حقائق تتجدد‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪5034‬م‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫‪-1‬إبراهيم مصطفى‪ ،‬وأمحد حسن الزيات‪ ،‬وحامد عبد القادر‪ ،‬وحممد النجار‪ :‬املعجم الوسيط‪ ،‬دار‬
‫النشر‪ :‬دار الدعوة‪ ،‬حتقيق‪ :‬جمم اللغة العربية‪.‬‬

‫‪-30‬إبراهيم ناصر‪ :‬علم االجتماع الرتبوي‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان؛ مكتبة الرائد العلمية‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫األردن‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪-33‬أمحد أوزي‪ :‬سيكولوجية املراهقة‪ ،‬دار النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ ،‬طبعة ‪3122‬م‪.‬‬

‫‪ -35‬أمحد أوزي‪ :‬التعليم والتعلم مبقاربة الذكاءات املتعددة‪ ،‬الشركة املغربية للطباعة والنشر‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪3111‬م‪.‬‬

‫‪ -31‬أمحد أوزي‪ :‬املعجم املوسوعي لعلوم الرتبية‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪،‬الدار البيضا ‪،‬‬
‫املغرب‪.‬الطبعة األوىل سنة ‪5002‬م‪.‬‬

‫‪ -34‬أمحد عزت راجح‪ :‬أصول علم النفس‪ ،‬املكتب املصري احلديث‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة‬
‫الثامنة ‪3170‬م‪.‬‬

‫‪ -32‬أدونيس‪ :‬الثابت واملتحول‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة التاسعة ‪5002‬م‪.‬‬

‫‪ -32‬أدونيس‪ :‬مقدمة للشعر العريب‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة ‪3122‬م‪.‬‬

‫‪ -37‬أحممد عليلوش‪ :‬الرتبية والتعليم من أجل التنمية‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضا ‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪5007‬م‪.‬‬

‫‪ -32‬أنتوين غدنز‪ :‬علم االجتماع ‪ ،‬ترمجة فايز الصياغ‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعة الرابعة‪5002 ،‬م‪.‬‬

‫‪343‬‬
‫‪ -31‬بدر حممد العدل‪ :‬فعالية برنامج قائم على نظرية الذكاءات املتعددة‪،‬جامعة املنصورة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫كلية الرتبية‪5002‬م‪.‬‬

‫‪ -50‬بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬ترمجة‪ :‬حلسن بوتكالي‪ ،‬منشورات جملة علوم الرتبية‪ ،‬مطبعة النجاح‬
‫اجلديدة‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة الثانية‪5001 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -53‬بيري ديشي‪ :‬ختطيط الدرس لتنمية الكفايات‪ ،‬ترمجة‪ :‬عبد الكرمي غريب‪ ،‬منشورات عامل الرتبية‪،‬‬
‫مطبعة دار النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬الطبعة األوىل‪5001 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -55‬جابر عبد احلميد جابر‪ :‬الذكاءات املتعددة والفهم‪ :‬تنمية وتعميق‪ ،‬دار الفكر العرىب للطباعة‬
‫والنشر‪5001‬م‪.‬‬

‫‪ -51‬جان بياجي‪ :‬التوجهات اجلديدة للرتبية ‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد احلبيب بلكوش‪ ،‬دار توبقال للنشر‪،‬‬
‫الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‪3112‬م‪.‬‬

‫‪ -54‬جبور عبد النور وسهيل إدريس‪ :‬املنهل فرنسي‪-‬عريب‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعة التاسعة ‪3122‬م‪.‬‬

‫‪ -52‬مجيل محداوي‪ :‬من قضايا الرتبية والتعليم‪ ،‬سلسلة شرفات‪ ،‬رقم‪ ،31:‬مطبعة النجاح‬
‫اجلديدة‪،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5002‬م‪.‬‬

‫‪ -52‬حسن حنفي‪ :‬الرتاث والتجديد‪ ،‬موقف من الرتاث القدمي‪ ،‬دار التنوير للطباعة والنشر‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫‪ -57‬حسني أسكان‪ :‬تاريخ التعليم باملغرب خالل العصر الوسيط‪ ،‬منشورات املعهد امللكي للثقافة‬
‫األمازيغية‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5004‬م‪.‬‬

‫‪ -51‬محدان ممدوح إبراهيم الشامي‪ :‬أثر برنامج تعليمى قائم على نظرية الذكاءات املتعددة ىف‬
‫حتصيل الرياضيات لدى تالميذ احللقة الثانية من التعليم األساسى املنخفضني حتصيليا‪ ،‬جامعة‬
‫القاهرة ‪ -‬كلية الرتبية‪. 2007.‬‬

‫‪ -10‬خالد الصمدي‪ :‬مصطلحات تعليمية من الرتاث اإلسالمي‪ ،‬منشورات املنظمة اإلسالمية‬


‫للرتبية والعلوم والثقافة ‪ -‬إيسيسكو‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5002‬م‪.‬‬

‫‪ -13‬سامل سليمان محد اجلعافرة‪ :‬العالقة بني الذكاءات املتعددة لدى الطلبة املعاقني مسعيا‬
‫ومتغريات درجة اإلعاقة واجلنس والعمر‪ ،‬اجلامعة االردنية‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪3121‬م‪.‬‬

‫‪ -15‬السيد علي أمحد‪ :‬نظرية الذكاءات املتعددة وتطبيقاهتا يف جماالت صعوبات التعلم (رؤية‬
‫مستقبلية)‪ ،‬جامعة امللك سعود‪ ،‬الرياض‪5002 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -11‬فتحي مصطفى الزيات‪ :‬األسس املعرفية للتكوين العقلي وجتهيز املعلومات‪ ،‬دار الوفا‬
‫للطباعة والنشر والتوزي ‪ ،‬املنصورة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪3112‬م‪.‬‬

‫‪ -14‬مارسيل بوستيك‪ :‬العالقة الرتبوية ‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد بشري النحاس‪،‬املنظمة العربية للرتبية والثقافة‬
‫والعلوم‪ ،‬تونس‪3122 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -12‬حممد أمزيان‪ :‬تدبري جودة التعليم‪ ،‬مطبعة أفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫سنة ‪5002‬م‪.‬‬

‫‪345‬‬
‫‪ -12‬عباس اجلراري‪ :‬الثقافة يف معرتك التغيري‪ ،‬دار النشر املغربية‪ ،‬الدار البيضا ‪،‬املغرب‪ ،‬طبعة‬
‫‪3175‬م‪.‬‬

‫‪ -17‬عبد السالم املسدي‪ :‬اللسانيات من خالل النصوص‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪ ،‬تونس‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪3124‬م‪.‬‬

‫‪ -12‬عبد العزيز القوصي‪ :‬علم النفس‪ :‬أسسه وتطبيقاته الرتبوية‪ ،‬مكتبة النهضة املصرية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬طبعة ‪3172‬م‪.‬‬

‫‪ -11‬عبد الكرمي غريب‪ :‬املنهل الرتبوي‪ ،‬اجلز الثاين‪ ،‬منشورات عامل الرتبية‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪،‬‬
‫الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5002‬م‪.‬‬
‫‪ -40‬عبد العروي‪ :‬أزمة املثقفني العرب‪ ،‬تقليدية‪...‬أم تارخيية‪ ،‬ترمجة د‪.‬دوقان قرطوط‪،‬املؤسسة‬
‫العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة االوىل سنة ‪3172‬م‪.‬‬
‫‪ -43‬عبد كنون‪ :‬النبوغ املغريب يف األدب العريب‪ ،‬دار الكتاب اللبناين‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة ‪3123‬م‪.‬‬
‫‪ -45‬عبد اجمليد نشوايت‪ ،‬علم النفس الرتبوي‪ ،‬دار الفرقان للنشر والتوزي ‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬طبعة‬
‫‪3124‬م‪.‬‬
‫‪ -41‬عبد الواحد أوالد الفقيهي‪ :‬الذكاءات املتعددة‪ :‬التأسيس العلمي‪ ،‬منشورات جملة علوم الرتبية‪،‬‬
‫مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬الطبعة األوىل ‪5035‬م‪.‬‬
‫‪ -44‬علي مجيل مهنا‪ :‬األدب يف ظل اخلالفة العباسية‪،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضا ‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪3123‬م‪.‬‬
‫‪ -42‬علي زيعور‪ :‬التحليل النفسي للذات العربية وأمناطها السلوكية واألسطورية‪ ،‬دار الطليعة‪/‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل ‪3127‬م‪.‬‬

‫‪346‬‬
‫عبد الدائم‪ ،‬دار‬ ‫‪ -42‬غي آفانزيين‪ :‬اجلمود والتجديد يف الرتبية املدرسية‪ ،‬ترمجة‪ :‬الدكتور عبد‬
‫العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪3123‬م‪.‬‬
‫‪ -47‬مادي حلسن‪ :‬األهداف والتقييم يف الرتبية ‪ ،‬شركة بابل للطباعة والنشر‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪3110‬م‪.‬‬
‫‪ -42‬حممد الدريج‪ :‬حتليل العملية التعليمية‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪3121‬م‪.‬‬
‫‪ -41‬حممد الدريج‪ :‬التدريس اهلادف‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫سنة ‪3110‬م‪.‬‬
‫‪ -20‬حممد الدريج‪ :‬مشروع املؤسسة والتجديد الرتبوي يف املدرسة املغربية‪ ،‬اجلز األول‪ ،‬منشورات‬
‫رمسيس‪ ،‬الرباط‪،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل‪3112 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -23‬حممد الدريج‪ :‬الكفايات يف التعليم‪ ،‬املعرفة للجمي ‪ ،‬العدد‪ ،32‬أكتوبر ‪5000‬م‪.‬‬

‫‪ -25‬حممد عابد اجلابري‪ :‬التعليم يف املغرب العريب‪ ،‬دار النشر املغربية‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬املغرب‪،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪3121‬م‪.‬‬
‫‪ -21‬حممد عبد اهلادي حسني‪ :‬الذكاءات املتعددة‪ :‬أنواع العقول البشرية‪ ،‬دار العلوم للتحقيق‬
‫والطباعة والنشر والتوزي ‪5000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -24‬حممد عبد اهلادي حسني‪ :‬مدرسة الذكاءات املتعددة‪ ،‬دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر‬
‫والتوزي ‪5002‬م‪.‬‬
‫‪ -22‬حممد عبد اهلادي حسني‪ :‬الذكاءات املتعددة وتنمية املوهبة‪ ،‬دار العلوم للتحقيق والطباعة‬
‫والنشر والتوزي ‪5002‬م‪.‬‬
‫‪ -22‬حممد عبد اهلادي حسني‪ :‬ديناميكية التكيف العصيب وقة الذكاءات املتعددة‪ ،‬دار العلوم‬
‫للتحقيق والطباعة والنشر والتوزي ‪. 2008.‬‬

‫‪347‬‬
‫‪ -27‬حممد عبد اهلادي حسني‪ :‬التفكري االبداعى ىف ضوء نظرية الذكاء املتعلم‪ ،‬دار العلوم‬
‫للتحقيق والطباعة والنشر والتوزي ‪5002‬م‪.‬‬

‫‪ -22‬حممد عبد اهلادي حسني‪ :‬دليلك العملى اىل قوة سيناريوهات دروس الذكاءات املتعددة‪،‬‬
‫دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزي ‪. 2008.‬‬
‫‪ -21‬حممد عبد اهلادي حسني‪ :‬إيقاظ العبقرية داخل فصولنا الدراسية‪ ،‬دار العلوم للتحقيق‬
‫والطباعة والنشر والتوزي ‪. 2008.‬‬
‫‪ -20‬حممد عبد اهلادي حسني‪ :‬الذكاءات املتعددة‪ :‬مراجعات وامتحانات‪ ،‬دار العلوم للتحقيق‬
‫والطباعة والنشر والتوزي ‪5002‬م‪.‬‬
‫‪ -23‬حممد لبيب النجيحي‪ :‬مقدمة يف فلسفة الرتبية‪ ،‬دار النهضة العريب للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‪3115‬م‪.‬‬
‫‪ -25‬مصطفى حمسن‪ :‬مدرسة املسقبل‪ ،‬سلسلة شرفات‪ ،‬رقم‪ ،52 :‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫سنة ‪5001‬م‪.‬‬
‫‪ -21‬وليد حممد أبو املعاطي‪:‬الذكاء املعريف واالنفعايل واالجتماعي وأساليب التعلم‪ ،‬جامعة‬
‫املنصورة كلية الرتبية‪5002‬م‪.‬‬

‫‪348‬‬
:‫املراجع األجنبية‬

64- Bruce Campbell, les intelligences multiples: Guide


pratique, traduit par: Danièle Bellchumeur, Chenelière,
Montréal, 1999.
65-A, IRRIBANE: La compétitivité, Défi Social, Enjeu
éducatif, CNRS, Paris, 1989.
66-Astolfi, j, p: (Placer les élèves en situation – problème ?), dans
Probio revue, 16, 4, Bruxelles: Association des professeurs de
biologie (ASBL) ,1993.
67-AZNAR G., « Préciser le sens du mot “créativité”, Synergies
Europe, n° 4, 2009.
68-BANDURA A., Auto-efficacité. Le sentiment
d’efficacité personnelle (P. Lecomte, trad.) (2e éd.), Bruxelles,
De Boeck, 2007 (original publié en 1997).
69-BANDURA A., Auto-efficacité. Le sentiment
d’efficacité personnelle (P. Lecomte, trad.) (2e éd.), Bruxelles,
De Boeck, 2007 (original publié en 1997).
70-BERTRAND, Y. Théories contemporaines de
l'éducation, Paris, Editions Nouvelles, Chronique
Sociale.1998.

349
71-BRUNER J. L'éducation, entrée dans la culture: les
problèmes de l'école à la lumière de la psychologie
culturelle, Paris, éd. Retz.1996.

72-CRAFT A., Creativity in schools. Tensions and


dilemmas, New York, Routledge, 2005.
73-DE KETELE, J.M. (1996). L'évaluation des acquis scolaires:
quoi ? Pourquoi ? Pour quoi ?, Revue Tunisienne des
Sciences de l'Éducation, 23.
74-Edward.T.Hall: la dimension cachée. Ed Seuil. Coll.
Point, n° 89.1971.
75-GILLET, P: ) L’ utilisation des objectifs en formation ,
contexte et évolution (, Education permanent , Nr:85 ,
octobre 1986.
76-Howard Gardner: Les formes de l’intelligence, ED Odel
Jacob, Paris, 1997.
78-Howard Gardner: Les Intelligences multiples, traduit par
PH.Evans-Clark, M.Muracciole et N.Weinwurzel, Retz, Paris,
1996.
http://www.aljabriabed.net/n68_08lafkih.htm
79-Isabelle Puozzo:Pédagogie de la créativité: de l’émotion
à l’apprentissage , http://edso.revues.org/174.

350
80-Isabelle Puozzo, « Pédagogie de la créativité: de l’émotion à
l’apprentissage », Éducation et socialisation [En ligne],
33 | 2013, mis en ligne le 01 septembre 2013, consulté le 12
juin 2016. URL: http://edso.revues.org/174.
81-Lev Vygotski: Pensée et langage (1934) (traduction de
Françoise Sève, avant-propos de Lucien Sève), suivi de
« Commentaires sur les remarques critiques de Vygotski » de
Jean Piaget, (Collection « Terrains», Éditions Sociales, Paris,
1985) ; Rééditions: La Dispute, Paris, 1997.
82-LUBART T., Psychologie de la créativité (2e éd.), Paris,
Armand Colin, 2003.
83-Lucien Goldmann: Sciences humaines et philosophie.
Suivi de structuralisme génétique et création littéraire.
Paris: Gonthier, 1966.
84-Olivier Rey et Annie Feyfant: (VERS UNE ÉDUCATION
PLUS INNOVANTE ET CRÉATIVE).Dossier
d’&ctualité.n70, janvier 2012. http://ife.ens-lyon.fr/vst/DA-
Veille/70-janvier-2012.pdf

85-Oxford advanced learner’s, Dictionary Oxford university


press 2000.
86-P. PELPEL: Se former pour enseigner, Bordas, Paris,
1966.
351
87-Paul robert: Le Petit Robert, Paris, éd, 1992.
88-Piaget J:La psychologie de l'enfant, Que sais-je? P.U.F,
Paris, 1973.
89-Piaget: La construction du réel chez l'enfant, Paris,
Delachaux et Niestlé, 1937.
90-Piaget, La naissance de l'intelligence chez l'enfant,
Paris, Delachaux et Niestlé, 1936.
91-Robert Merton: The Sociology of Science, Glencoe:free
Press, 1957.
92-Robert Mager: Comment definer des objectifs
pédagogiques, Traduction G.Décote.Gauthier-Villars, Paris,
1981.
93-ROEGIERS, X. (2003). Des situations pour intégrer les
acquis. Bruxelles: De Boeck Université.
94-ROEGIERS, X. (2003). Des situations pour intégrer les
acquis. Bruxelles: De Boeck Université.
95-ROEGIERS, X. L'école et l'évaluation. Bruxelles: De
Boeck Université, 2004.
96-T.Kuhn: La structure des révolutions scientifiques,
traduit par Laure Meyer, Flammarion, Paris, 1970.
97-Thomas Armstrong: les intelligences multiples dans
votre classe, traduit de l’américain par: Jean Blaquière,
Chenelière, Montréal, 1999.
352
‫‪98-V.et G. Landsheere: Définir les objectifs de l’éducation,‬‬
‫‪Liège et George Thoune 1975.‬‬
‫‪99-Willem Doise et Gabriel Mugny, Le développement‬‬
‫‪social de l'intelligence, Paris, InterÉditions, 1981.‬‬
‫‪100-Willem Doise et Gabriel Mugny, Psychologie sociale et‬‬
‫‪développement cognitif, Paris, Armand Colin, « U », 1997.‬‬
‫‪101-Willem Doise et Gabriel Mugny, Le développement‬‬
‫‪social de l'intelligence, Paris, InterÉditions, 1981.‬‬

‫املقـ ـاالت‪:‬‬
‫‪ -305‬أمحد خشيشن‪( :‬املردودية الضعيفة للمدرسة املغربية)‪ ،‬حوار‪ ،‬جملة علوم الرتبية‪،‬املغرب‪ ،‬العدد‬
‫التاس والثالثون‪ ،‬يناير ‪5001‬م‪.‬‬

‫‪( -301‬أول افتحاص للربنامج االستعجايل للرتبية والتكوين يوضح االختالالت)‪ ،‬جريدة العلم‪،‬‬
‫املغرب‪ ،‬اخلميس ‪52‬يوليوز ‪5035‬م‪.‬‬

‫‪ -304‬باوال جونتيل وروبريتا بنتشيين‪ (:‬بنا الكفايات‪ :‬مقابلة م فليب پرينو)‪ ،‬الكفايات يف‬
‫التدريس بني التنظري واملمارسة‪ ،‬تعريب‪ :‬حممد العماريت والبشري اليعكويب‪ ،‬مطبعة أكدال‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪5004‬م‪.‬‬

‫‪ -302‬حبيب املالكي‪(:‬قالوا‪ ،)......‬جريدة الصباح‪ ،‬املغرب‪ ،‬السنة اخلامسة‪ ،‬العدد‪ ،3474‬اجلمعة‬


‫‪5004/35/13‬م‪.‬‬

‫‪353‬‬
‫‪ -302‬حسن بوتكالي‪ (:‬مفهوم الكفايات وبناؤها عند فيليب پرينو)‪ ،‬الكفايات يف التدريس بني‬
‫التنظري واملمارسة‪ ،‬مطبعة أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5004‬م‪.‬‬

‫‪ -307‬رشيدة برادة‪( :‬التعليم العتيق والبنية التقليدية يف املغرب)‪ ،‬جملة علوم الرتبية‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪،‬‬
‫العدد ‪ ،11‬مارس ‪5007‬م‪.‬‬

‫‪ -302‬عبد السالم األمحر‪( :‬حوار م الدكتور اليزيد الراضي الفقيه الشاعر حول واق التعليم‬
‫العتيق)‪ ،‬جملة تربيتنا‪ ،‬املغرب‪ ،‬عدد‪ ،2‬ربي الثاين ‪3452‬هري‪ ،‬ماي‪5002‬م‪.‬‬

‫‪ -301‬عبد اجمليد السخريي‪( :‬املدرسة العمومية واملدرس(ة) يف العصر اإلمربيايل املعومل والتسلي‬
‫املعمم)‪ ،‬جملة نوافذ‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد‪ 24-21:‬يناير‪5031‬م‪.‬‬

‫‪ -330‬عبد الواحد أوالد الفقيهى‪(:‬نظرية الذكا ات املتعددة من التأسيس العلمي إىل التوظيف‬
‫البيداغوجى) جملة علوم الرتبية‪ ،‬املغرب‪ ،‬اجمللد الثالث‪ ،‬العدد الراب والعشرون‪5001 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -333‬عماد أبركان‪( :‬الوالة والعمال يف النموذج املغريب لإلدارة احمللية وسؤال احلكامة الرتابية)‪ ،‬جملة‬
‫مسالك‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد‪ ،15-13:‬السنة ‪5032 ،33‬م‪.‬‬
‫‪ -335‬حممد الدريج‪( :‬ماذا بعد بيداغوجيا اإلدماج؟ منوذج التدريس بامللكات)‪ ،‬جريدة األخبار‪،‬‬
‫املغرب‪ ،‬العدد‪ ،25:‬الثالثا ‪ 51‬يناير ‪5031‬م‪.‬‬

‫‪ -331‬حممد عابد اجلابري‪ ( :‬الرتاث ومشكل املنهج)‪ ،‬املنهجية يف األدب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬دار‬
‫توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضا ‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪3122‬م‪.‬‬

‫‪ -334‬حممد نادر سراج‪ ( :‬التواصل غري الكالمي بني اخلطاب العريب القدمي والنظر الراهن)‪ ،‬الفكر‬
‫العريب املعاصر‪ ،‬لبنان‪ ،‬العددان‪ ،23/20 :‬السنة ‪3110‬م‪.‬‬

‫‪354‬‬
‫‪ -332‬نيكو هرت‪ (:‬بصدد املقاربة عرب الكفايات هل حنتاج إىل عمال أكفا أم إىل مواطنني‬
‫نقديني؟)‪ ،‬الكفايات يف التدريس بني النظرية واملمارسة‪ ،‬مطبعة أكدال‪،‬الرباط‪،‬الطبعة األوىل سنة‬
‫‪5004‬م‪.‬‬

‫الدالئـ ـل والتقـ ـارير‪:‬‬


‫‪ -332‬تقرير‪ :‬التنمية يف منطقة الشرق األوسط ومشال أفريقيا‪ :‬الطريق غري املسلوك‪ :‬إصالح‬
‫التعليم يف الشرق األوسط ومشال أفريقيا‪،‬ملخص تنفيذي‪ ،‬نشرة البنك الدويل بواشنطن‪.‬‬

‫‪ -337‬اجمللس األعلى للتعليم‪( :‬حالة منظومة الرتبية والتكوين وآفاقها)‪ ،‬التقرير السنوي ‪0221‬م‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪5002‬م‪.‬‬

‫‪ -332‬مديرية تكوين األطر‪ :‬دليل األساتذة اجلدد بالتعليم االبتدائي‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫سنة ‪5033‬م‪.‬‬

‫‪ -331‬وزارة الرتبية الوطنية‪ :‬املدونة القانونية للرتبية والتكوين‪ ،‬إشراف‪ :‬املهدي بنمري‪ ،‬املطبعة‬
‫والوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪5000‬م‪.‬‬
‫‪ -350‬وزارة الرتبية الوطنية‪ :‬امليثاق الوطين للرتبية والتكوين‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬
‫‪5003‬م‪.‬‬
‫‪ -353‬وزارة الرتبية الوطنية‪ :‬دليل احلياة املدرسية‪،‬شتنرب ‪5001‬م‪.‬‬
‫وزارة الرتبية الوطنية‪( :‬إحداث مجعية دعم مدرسة النجاح مبؤسسات الرتبية والتعليم العمومي)‪ ،‬املذكرة‬
‫الوزارية‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬رقم‪ 71 :‬بتاريخ ‪50‬ماي ‪5001‬م‪.‬‬
‫‪355‬‬
‫ال ـويبوغراف ـيا‪:‬‬
‫‪ -355‬حممد الدريج‪( :‬التدريس بامللكات‪ :‬حنو تأسيس منوذج تربوي أصيل يف التعليم)‪ ،‬موق اجلامعة‬
‫احلرة للتعليم‪،‬املغرب‪،‬‬

‫‪http://www.fae.ma/2012-01-27-14-57-43/595-2013-02-04-‬‬
‫‪15-03-08.html‬‬

‫‪ -351‬هاوارد غاردنر‪( :‬حوار م هوارد غاردنر حول الذكا ات املتعددة‪ :‬من التأسيس العلمي إىل‬
‫التطبيق البيداغوجي)‪ ،‬ترمجة وتقدمي‪ :‬عبد الواحد أوالد الفقيهي‪،‬‬

‫‪http://www.aljabriabed.net/n68_08lafkih.htm‬‬

‫‪ -354‬وزارة الرتبية الوطنية‪( :‬النتائج األولية لتقومي وافتحاص مشاري الربنامج االستعجايل)‪ ،‬موقع‬
‫القطاع املدرسي‪ ،‬موق رقمي‪.‬‬

‫‪http://www.men.gov.ma/Lists/Pages/Detail.aspx?List=5bbc5514‬‬
‫‪-417e-421c-bb91-1d49d6b674c9&ID=275.‬‬

‫‪ -352‬اجمللس األعلى للرتبية والتكوين والبحث العلمي‪( :‬من جل مدرسة اإلنصاف واجلودة‬
‫واالرتقا ‪ ،‬رؤية إسرتاتيجية لإلصالح‪5010-5032‬م)‪،‬‬
‫‪http://www.csefrs.ma/pdf/Vision_VF_Ar.pdf‬‬

‫‪356‬‬
‫الفهرس‬
‫املقدمري ريرية ‪4.................................................................................................‬‬

‫الفص ريريل األول‪2........................................................................................... :‬‬

‫التدبيريرير البيداغ ريريوج ريريي ‪2......................................................................................‬‬

‫املبحث األول‪ :‬التدبي ريرير لغ ريرية واصط ريريالحا ‪7....................................................................‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬سيريرياق علريريم التدبي ريرير ‪2.........................................................................‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬مدارس عل ريريم التدبري ‪30 .....................................................................‬‬

‫املبحث الراب ‪ :‬وظائ ريريف عل ريريم التدبيريرير ‪31 .....................................................................‬‬

‫املبحث اخلامس‪ :‬التدبي ريرير البيداغوج ريريي ‪32 ....................................................................‬‬

‫املبحث السادس‪ :‬مفه ريريوم التدبري الديدكتيكي‪37 ..............................................................‬‬

‫املبحث الساب ‪ :‬أه ريريداف التدبي ريرير الديدكتيك ريريي‪32 .............................................................‬‬

‫املبحث الثامن‪ :‬أمهية التدبري الديدكتيكي ‪31 ..................................................................‬‬

‫املبحث التاس ‪ :‬وظائ ريريف التدبري الديدكتيكي ‪31 ..............................................................‬‬

‫املبحث العاشر‪ :‬مرتكزات التدبري الديدكتيكي ‪50 .............................................................‬‬

‫املبحث احلادي عشر‪ :‬ش ريريروط التدبري الديدكتيكي ‪53 .........................................................‬‬

‫املبحث الثاين عشر‪ :‬أدبيات التدبي ريرير الديدكتيكي ‪55 ..........................................................‬‬

‫املبحث الثالث عشر‪ :‬مستلزمات التدبري الديدكتيكي‪54 .......................................................‬‬

‫املبحث الراب عشر‪ :‬أنواع التدبري الديدكتيكي ‪54 .............................................................‬‬

‫الفصل الثاين‪12 .......................................................................................... :‬‬

‫إص ريريالح التعليري ريريم ‪12 ........................................................................................‬‬

‫‪357‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬وضعية املدرسة املغربية احلالية ‪10 ..............................................................‬‬

‫الفصل الثالث‪12 ......................................................................................... :‬‬

‫مدرسة النجاح واجلودة والتميز ‪12 ...........................................................................‬‬

‫املبحث األول‪ :‬مفه ري ريريوم مدرسري ريرية النجري ريرياح ‪17 ..................................................................‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬أنري ريواع املدارس اليت عري ريرفها التعليم املغريريرب ‪12 ....................................................‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬أه ريريداف مدرس ريرية النجاح ‪300 ...............................................................‬‬

‫املبحث الراب ‪ :‬مريريرجعريرييات مدرسريرية النجريرياح ‪305 ..............................................................‬‬

‫املبحث اخلامس‪ :‬مب ريريادئ ومرتكري ريزات مدرسريرية النجاح ‪301 .....................................................‬‬

‫املبحث السادس‪ :‬شريريروط حتقي ريريق مدرسة النجاح ‪304 .........................................................‬‬

‫املبحث الساب ‪ :‬كيف تتحقق مدرسة النجاح؟‪304 ...........................................................‬‬

‫املبحث الثامن‪ :‬القانون األساسي جلمعية دعم مدرسة النجاح ‪302 .............................................‬‬

‫املبحث التاس ‪ :‬تقوي ريريم مدرسريرية النج ريرياح ‪302 .................................................................‬‬

‫املبحث العاشر‪ :‬مدرسة اجلودة والتميز ‪302 ..................................................................‬‬

‫الفصل الراب ‪ :‬نظريري ريريات التعلري ري ريريم ‪331 ........................................................................‬‬

‫املبحث األول‪ :‬مفهري ريريوم التعل ريريم ‪332 .........................................................................‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬شروط التعلم وأمهيته ‪337 ....................................................................‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬املدرسري ريرية السلوكي ريرية أو التعلم الشرطي ‪332 ....................................................‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬املدرسري ريرية اجلشطلتية والتعلم باالستبصار ‪354 ...................................................‬‬

‫املبحث الثالث‪:‬السيكولريريوجيا التكوينية ‪351 ..................................................................‬‬

‫املبحث الراب ‪ :‬البن ريريائية االجتماعي ريرية ‪317 .....................................................................‬‬

‫‪358‬‬
‫املبحث اخلامس‪:‬نظرية الذكا ات املتع ريريددة ‪311 ...............................................................‬‬

‫الفصل اخلامس‪ :‬البيداغوجيات املعاصرة‪320 .................................................................‬‬

‫املبحث األول‪ :‬مفهوم البيداغوجي ريريا ‪320 .....................................................................‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬مفه ريريوم الديدكتي ريريك ‪325 .....................................................................‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬مفه ريريوم الرتبية ‪324 .........................................................................‬‬

‫املبحث الراب ‪ :‬بيداغوجيا األهداف ‪373 .....................................................................‬‬

‫املبحث اخلامس‪ :‬بيداغوجيا الكفايات ‪322 ..................................................................‬‬

‫املبحث السادس‪ :‬بيداغوجيا امللكات ‪537 ...................................................................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬حتديد امللكات األساسية والنوعية ‪523 ........................................................‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬جتديد احملتويات واملضامني يف ضو امللكات ‪521 ...............................................‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬اختيار الوسائل الديدكتيكية اليت تنمي امللكات وتطورها ‪522 ...................................‬‬

‫الفرع الراب ‪ :‬الطرائق البيداغوجية يف خدمة امللكات ‪522 ....................................................‬‬

‫الفرع اخلامس‪ :‬التقومي استكشاف للملكات ‪522 ..........................................................‬‬

‫املبحث الساب ‪ :‬البيداغوجيا اإلبداعية ‪527 ..................................................................‬‬

‫الفصل السادس‪515 ..................................................................................... :‬‬

‫كريريفاي ريريات امل ريريدرس ‪515 ....................................................................................‬‬

‫املبحث األول‪ :‬العالقات التفاعلية بني املدرس واملتعلم واملعرفة ‪515 .............................................‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬املدرس التقليدي واملدرس الكفائي‪514 ........................................................‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬كفريريايات املدرس ‪512 ........................................................................‬‬

‫ج ريريذاذة منوذجية‪133 .................................................................................... -‬‬

‫‪359‬‬
‫الفصل الساب ‪151 .......................................................................................:‬‬

‫مدرسة التميز يف ضو احلكامة اجليدة‪151 ...................................................................‬‬

‫املبحريريث األول‪ :‬احلكام ريرية اجلي ريريدة ‪151 .......................................................................‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬مفه ريريوم مدرسريرية التميري ريريز ‪152 ..................................................................‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬إسرتاتيجية تنظيم العمل وتقاسم املسؤوليات ‪151 ..............................................‬‬

‫اخلاتري ريم ريرية ‪140 .............................................................................................‬‬

‫ثبت املصادر واملراج ‪145 .................................................................................‬‬

‫‪360‬‬
‫السي ــرة العل ــمية‪:‬‬

‫‪ -‬مجيل محداوي من مواليد مدينة الناظور (املغرب)‪.‬‬

‫‪ -‬حاصل على دبلوم الدراسات العليا سنة ‪3112‬م‪.‬‬

‫‪ -‬حاصل على دكتوراه الدولة سنة ‪5003‬م‪.‬‬

‫‪ -‬حاصري ريريل علري ريريى إجري ريريازتني‪ :‬األوىل يف األدب العري ريريريب‪ ،‬والثانيري ريرية يف الش ري ريريعة والقري ريريانون‪ .‬ويعري ريريد إجري ريريازتني يف الفلسري ريريفة وعلري ريريم‬
‫االجتماع‪.‬‬

‫‪ -‬أستاذ الت عليم العايل باملركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين بالناظور‪.‬‬

‫‪ -‬أستاذ األدب العريب‪ ،‬ومناهج البحث الرتبريوي‪ ،‬واإلحصريا الرتبريوي‪ ،‬وعلريوم الرتبيرية‪ ،‬والرتبيرية الفنيرية‪ ،‬واحلضريارة األمازيغيرية‪،‬‬
‫وديدكتيك التعليم األويل‪ ،‬واحلياة املدرسية والتشري الرتبوي‪...‬‬

‫‪-‬أديب ومبدع وناقد وباحث‪ ،‬يشتغل ضمن رؤية أكادميية موسوعية‪.‬‬

‫‪ -‬حصل على جائزة مؤسسة املثقف العريب (سيدين‪/‬أسرتاليا) لعام ‪5033‬م يف النقد والدراسات األدبية‪.‬‬

‫‪ -‬حصل على جائزة ناجي النعمان األدبية سنة‪5034‬م‪.‬‬

‫‪ -‬عضو االحتاد العاملي للجامعات والكليات هبولندا‪.‬‬

‫‪ -‬رئيس الرابطة العربية للقصة القصرية جدا‪.‬‬

‫‪361‬‬
‫‪ -‬رئيس املهرجان العريب للقصة القصرية جدا‪.‬‬

‫‪ -‬رئيس اهليئة العربية لنقاد القصة القصرية جدا‪.‬‬

‫‪ -‬رئيس اهليئة العربية لنقاد الكتابة الشذرية ومبدعيها‪.‬‬

‫‪ -‬رئيس مجعية اجلسور للبحث يف الثقافة والفنون‪.‬‬

‫‪ -‬رئيس خمترب املسرح األمازيغي‪.‬‬

‫‪ -‬عضو اجلمعية العربية لنقاد املسرح‪.‬‬

‫‪-‬عضو رابطة األدب اإلسالمي العاملية‪.‬‬

‫‪ -‬عضو احتاد كتاب العرب‪.‬‬

‫‪-‬عضو احتاد كتاب اإلنرتنت العرب‪.‬‬

‫‪-‬عضو احتاد كتاب املغرب‪.‬‬

‫‪ -‬من منظري فن القصة القصرية جدا وفن الكتابة الشذرية‪.‬‬

‫‪ -‬مهتم بالبيداغوجيا والثقافة األمازيغية‪.‬‬

‫‪ -‬ترمجت مقاالته إىل اللغة الفرنسية واللغة الكردية‪.‬‬

‫‪ -‬شارك يف مهرجانات عربية عدة يف كل مرين‪ :‬اجلزائرير‪ ،‬وتريونس‪ ،‬وليبيريا‪ ،‬ومصرير‪ ،‬واألردن‪ ،‬والسريعودية‪ ،‬والبحريرين‪ ،‬والعريراق‪،‬‬
‫واإلمارات العربية املتحدة‪،‬وسلطنة عمان‪...‬‬

‫‪ -‬مستشار يف جمموعة من الصحف واجملالت واجلرائد والدوريات الوطنية والعربية‪.‬‬

‫‪ -‬نشريرير أكثريرير مريرين ألريريف وثالثريريني مقريريال علمريريي حمكريريم وغريريري حمكريريم‪ ،‬وعريريددا كث ريريا مريرين املقريرياالت اإللكرتونيريرية‪ .‬ولريريه أكثريرير مريرين‬
‫(‪ )124‬كتريرياب ورقريريي‪ ،‬وأكثريرير مريرين مائريرية وثالثريريني (‪ ) 310‬كتريرياب إلكريريرتوين منشريريور يف مريريوقعي (املثقريريف) وموق ري (األلوكريرية)‪،‬‬
‫وموق (أدب فن)‪.‬‬
‫‪362‬‬
‫‪ -‬ومن أهم كتبه‪ :‬فقه النوازل‪ ،‬ومفهوم احلقيقة يف الفكر اإلسالمي‪ ،‬وحمطات العمل الديدكتيكي‪ ،‬وتدبري احلياة املدرسية‪،‬‬
‫وبيريريداغوجيا األخط ريريا ‪ ،‬وحنريريو تق ريريومي ترب ريريوي جديريريد‪ ،‬والش ريريذرات بريريني النظريريرية والتطبيريريق‪ ،‬والقصريرية القصريريرية جريريدا ب ريريني التنظريريري‬
‫والتطبيريريق‪ ،‬والروايريرية التارخييريرية‪ ،‬تصريريورات تربويريرية جديريريدة‪ ،‬واإلسريريالم بريريني احلداثريرية ومريريا بعريريد احلداثريرية‪ ،‬وجم ريز ات التكريريوين‪ ،‬ومريرين‬
‫سريرييميوطيقا الريريذات إىل سريرييميوطيقا التريريوتر‪ ،‬والرتبيريرية الفنيريرية‪ ،‬ومريريدخل إىل األدب السريريعودي‪ ،‬واإلحصريريا الرتبريريوي‪ ،‬ونظريريريات‬
‫النقد األديب يف مرحلة مابعد احلداثة‪ ،‬ومقومات القصة القصرية جدا عند مجال الدين اخلضريي‪ ،‬وأنريواع املمثريل يف التيريارات‬
‫املس ريريرحية الغربي ريرية وا لعربي ريرية‪ ،‬ويف نظري ريرية الرواي ريرية‪ :‬مقارب ريريات جدي ريريدة‪ ،‬وأنطولوجي ريريا القص ريرية القص ريريرية ج ريريدا ب ريرياملغرب‪ ،‬والقص ريرييدة‬
‫الكونكريتية‪ ،‬ومن أجل تقنية جديدة لنقد القصة القصرية جدا‪ ،‬والسرييميولوجيا بريني النظريرية والتطبيريق‪ ،‬واإلخريراج املسريرحي‪،‬‬
‫ومدخل إىل السينوغرافيا املسرحية‪ ،‬واملسرح األمازيغي‪ ،‬ومسريرح الشريباب برياملغرب‪ ،‬واملريدخل إىل اإلخريراج املسريرحي‪ ،‬ومسريرح‬
‫الطفل بني التأليف واإلخريراج‪ ،‬ومسريرح األطفريال برياملغرب‪ ،‬ونصريوص مسريرحية‪ ،‬ومريدخل إىل السريينما املغربيرية‪ ،‬ومنرياهج النقريد‬
‫العريريب‪ ،‬واجلديريريد يف الرتبيريرية والتعلرييم‪ ،‬وببليوغرافيريريا أدب األطفريريال برياملغرب‪ ،‬ومريريدخل إىل الشريريعر اإلسريالمي‪ ،‬واملريريدارس العتيقريرية‬
‫ب ريرياملغرب‪ ،‬وأدب األطف ريريال ب ريرياملغرب‪ ،‬والقص ريرية القص ريريرية ج ريريدا باملغرب‪،‬والقص ريرية القص ريريرية ج ريريدا عن ريريد الس ريريعودي عل ريريي حس ريرين‬
‫البطران‪ ،‬وأعالم الثقافة األمازيغية‪...‬‬

‫‪ -‬عنوان الباحث‪ :‬مجيل محداوي‪ ،‬صندوق الربيد‪ ،3711‬الناظور‪ ،25000‬املغرب‪.‬‬

‫‪ -‬مجيل محداوي‪ ،‬صندوق الربيد‪ ،30175‬الربيد املركزي تطوان ‪ ،11000‬املغرب‪.‬‬

‫‪ -‬اهلاتف النقال‪0275124112:‬‬

‫‪ -‬اهلاتف املنزيل‪0212111422:‬‬

‫‪ -‬اإلمييل‪Hamdaouidocteur@gmail.com:‬‬

‫‪Jamilhamdaoui@yahoo.‬‬

‫‪363‬‬
‫كلم ــات الغالف اخلارجي‪:‬‬

‫يتناول هذا الكتاب التدبري البيداغوجي والنجاح املدرسي‪.‬ومن مث‪ ،‬فالكتاب موجه إىل طلبة اإلدارة الرتبوية بصفة خاصة‪،‬‬
‫واملكونني واألساتذة والطلبة املهتمني بقضايا الرتبية والتعليم بصفة عامة‪.‬ويعين هذا أن الكتاب تعريف إمجايل ملفهوم‬
‫التدبري وآلياته وتقنياته ومرجعياته النظرية والتطبيقية‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬يدرس هذا املفهوم اجلديد يف احلقل الرتبوي‬
‫والديدكتيكي واإلداري‪ .‬مبعىن أن الكتاب ينقل مصطلح التدبري من احلقل االقتصادي املتعلق بتسيري املقاولة وتدبريها إىل‬
‫احلقل البيداغوجي لتطبيقه يف هذا اجملال‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬يتضمن الكتاب نظريات التعلم‪ ،‬وإصالح التعليم‪،‬‬
‫والبيداغوجيات املعاصرة‪ ،‬ومدرسة النجاح واجلودة‪ ،‬ومدرسة التميز واحلكامة اجليدة‪ ،‬وكفايات املدرس‪.‬‬

‫املؤلف‪ :‬مجيل محداوي‬

‫الكتاب‪ :‬التدبري البيداغوجي والنجاح املدرسي‬

‫الطبعة األوىل سنة ‪5032‬م‬

‫حقول الطب حمفوظة للمؤلف‬

‫‪364‬‬

You might also like